Académique Documents
Professionnel Documents
Culture Documents
عَّرف على
ت َ
الســل
م
د .منقذ
بن محمود السقار
تعرف على
()2
السلم
مقدمة
الحمد لله والصلة والسلم على رسل الله ،وبعد
فإن دين النبياء جميعا ً واحد ،حيث أرسل الله
رسله وأنزل كتبه بدعوة جوهرها واحد ،وهي الدعوة
إلى توحيده وعبادته والتمسك بطيب الخلق وحسن
السلوك.
ولما بعث الله محمدا ً أمره بما أمر به إخوانه من
النبياء ،وأرسله إلى الناس أجمعين ،وارتضى دينه
للعالمين ديناً ،فكمل به الدين ،وتم ببعثته الفضل
العميم.
ولن السلم دين الله الخاتم ،فقد امتاز بخصائص
ذاتية جعلته في الماضي وتجعله اليوم أسرع الديان
انتشارا ً على وجه الرض ،فقد غطى السلم نصف
الرض بحضارته ،وتسابقت المم إلى الدخول فيه
لما قرأت فيه من توافق مع الفطرة ومواءمة مع
العقول ،وسماحة في المعاملة ،ويسر في المعتقد.
لكن هذا النجاح الذي حققه المسلمون بإسلمهم
دفع البعض للساءة إلى السلم ،فما من دين ول
نحلة أصيب بما تعرض له السلم العظيم من تشويه
أسهمت به جيوش من المفكرين الذين تعمدوا أحياناً
الساءة إليه بطمس حقائقه وإلصاق النقائص به
زورا ً وبهتاناً ،في حين أخطأوا في أحيان أخر في
فهمه ،فانحرفوا بعيدا ً عن حقائقه وأصوله.
ولسنا نبرئ أنفسنا نحن المسلمين من الساءة
إلى ديننا بتصرفات بعضنا التي يبرأ منها السلم
الذي أضحى أسيرا ً بين مطرقة أعدائه وسندان جهل
محيط ببعض أبنائه.
والواجب على العاقل الحصيف إذا ما أراد التعرف
على دين ما؛ النظر في أصوله بعيدا ً عن تصرفات
أبنائه واتهامات أعدائه ،فما من دين ول فكر إل
ويوجد خطأ وجنوح في بعض المنتسبين إليه ،من
غير أن يجنح أحد إلى تعميم الحكام ،فالحكم على
الهيئات فضل ً عن الديان إنما يرجع فيه إلى
()3 تعرف على السلم
السلم وأركانه
وقبل الشروع في تبيان حقائق السلم وأركانه؛
فإن من الواجب أن نتحدث عن اسم (السلم).
لفظة السلم في اللغة مصدره من أسلم يسلم،
ومنه السلمة والسلم.
وحين نتحدث في هذه الدراسة عن السلم ،فإنا
نعني الدين الذي أنزله على نبيه محمد ،وسماه
بذلك لما تضمنه من الدعوة إلى الستسلم لله وحده
والنقياد والخضوع له بالطاعة .
وهذا السم ل يستمد اسمه من اسم نبي أو
وطن ،بل مشتق من خصيصته الساس التي لم
تفارقه في طور من أطواره طوال تاريخ النسانية،
فهو الستسلم لله تبارك وتعالى وحده دون سواه.
والسلم هو دين الله الذي أنزله على جميع
النبياء ،فقد دعوا جميعا ً إلى أصول واحدة ،تقوم
على توحيد الله وتعظيمه وعبادته والستسلم
لوامره والخضوع لحكامه والدعوة إلى حراسة
فضائل الخلق والرتقاء بالسلوك النساني.
وأما ما نجده اليوم من تباعد واختلف بين أتباع
الديان؛ فسببه اندراس الحق وما مرج في رسالت
الله السابقة من الباطل.
وقد أطلق الله هذا السم الشريف (السلم)
على المؤمنين في كل حين ،كما قال تعالى﴿ :هو
سماكم المسلمين من قبل﴾ (الج ،)78 :لن المسلم -
المؤمن بأي نبي من أنبياء الله -يمتثل حقيقة
السلم ،فيستسلم لله ،وينقاد له بالطاعة ،ويقف
عند حدوده وشرائعه.
فأبو النبياء نوح عليه السلم يقول لقومه﴿ :
وأمرت أن أكون من المسلمين﴾ (يونس.)72 :
تعرف على
()6
السلم
أركان السلم
إن السلم بنيان كبير يشمل الحياة النسانية
بُرمتِّها ،وهو يقوم على أركان خمسة ،ويوضحها
النبي بقوله(( :بني السلم على خمس :شهادة أن
ل إله إل الله ،وأن محمدا ً عبده ورسوله ،وإقام
()1
الصلة ،وإيتاء الزكاة ،وحج البيت ،وصوم رمضان)).
وسوف نمضي سراعا ً مع هذه الركان ومقاصدها،
ونتجاوز تفصيلتها وأحكامها التي يمكن للقارئ أن
يطلع عليها في مظانها من كتب التوحيد والفقه.
الركن الول :الشهادة لله بالتوحيد ،ولرسوله
محمد بالرسالة
أول ً :الشهادة لله بالتوحيد
إن أهم مسألة توافق النبياء على الدعوة إليها
وتعريف الناس بها؛ هي الشهادة لله رب العالمين
بالوحدانية ،والتعريف بصفات الله العظيم الذي أبدع
الكون وخلقه على هذا النسق المذهل العجيب ،ومن
ثم التأكيد على استحقاقه وحده للعبادة دون سواه.
وبداية؛ فإن مسألة إثبات وجود الله لم تشغل حيزاً
كبيرا ً في القرآن الكريم ،ذلك أنها قضية بدهية
وحقيقة يجدها المسلم وغيره في أعماق كيانه ،فكل
شيء في هذا الكون المحيط بنا يدعونا – ضرورة -
للعتقاد الجازم بوجود خالق حكيم مدبر متصف
بصفات الكمال ،فكل مخلوق حولنا هو في حقيقته
شهادة لله على وجوده ،بل على عظمته وكماله.
إن البشرية لم تنكر يوما ً وجود هذا الله -وإن
اختلفت في تسميته ووصفه ، -فقد اتفقت
معتقداتها على وجود خالق مبدع للكون ،سماه
البعض بواجب الوجود الذي أوجد هذه الممكنات
جميعاً.
وحتى ما يسمى بالمذاهب المادية اللحادية هي
في حقيقتها ل تنكر وجود هذه القوة اللهية التي
)(1أخرجه البخاري ح ( ،)8ومسلم ح (.)16
()9 تعرف على السلم
)( 1إنه الحق ،هيئة العجاز العلمي للقرآن والسنة برابطة العالم
السلمي (ص .)120-116 ،81 ،52-51 ،49
()17 تعرف على السلم
ت ما بينه َّ
ن؛ إذا الجمعة ،ورمضان إلى رمضان مكفرا ٌ
()1
اجتنب الكبائر)).
وفي حديث آخر سأل النبي أصحابه(( :أرأيتم لو
أن نهرا ً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم ٍ خمس مرات
هل يبقى من درنه شيء؟)) فقالوا :ل يبقى من
ل الصلوات الخمس درنه شيء ،فقال (( :فذلك مث ُ
()2
يمحو الله بهن الخطايا)).
والصلة فرصة للمسلم للستجمام من أتعاب
الدنيا ،فالمسلم حين يقوم للصلة يناجي ربه
وموله؛ يطمئن قلبه بهذه الصلة مع ربه ﴿الذين آمنوا
وتطمئن قلوبهم بذكر الله أل بذكر الله تطمئن
القلوب﴾ (الرعد ،)28 :لذلك كان يقول لمؤذنه بلل:
((يا بلل أرحنا بالصلة)) )3( .وكان يفزع إليها كلما
حزبه أمر ،ويقول(( :جعلت قرة عيني في الصلة)).
()4
سن اللباني
)( 1أخرجه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج ،وح ّ
إسناده في السلسلة الصحيحة ح (.)906
)( 2أخرجه مسلم ح (.)1552
)(3أخرجه البخاري ح ( ،)174و مسلم ح (.)2244
()39 تعرف على السلم
أركان اليمان
اليمان هو المرتبة التي يسمو إليها المسلم بعد
إسلمه ،فيرنو إلى الرتقاء بإسلمه إلى مرتبة
اليمان ،فل يقف في دينه عند عتبة العبادات
الظاهرة ،بل يترقى في كمالت اليمان بمقدار ما
عبِه التي تشمل العتقاد يتمثل في سلوكه من ُ
ش َ
والعبادة والخلق ،قال (( :اليمان بضع وسبعون أو
بضع وستون شعبة ،فأفضلها قول :ل إله إل الله،
وأدناها إماطة الذى عن الطريق ،والحياء شعبة من
()1
اليمان)).
وأما أركان اليمان فهي ستة يوضحها حديث
جبريل حين سأل النبي عن اليمان فأجاب النبي :
((أن تؤمن بالله ،وملئكته ،وكتبه ،ورسله ،واليوم
()2
الخر ،وتؤمن بالقدر خيره وشره)).
وهكذا فأول اليمان أن ينعقد قلب المسلم على
التصديق بهذه المسائل الست ،ثم يبرهن بعمله على
صحة إيمانه بها ،فاليمان اعتقاد وقول وعمل ،ويزيد
بالطاعة ،وينقص بالمعصية.
ولما كنا قد تحدثنا عن الولى منها ،وهي اليمان
بالله ،نشرع بذكر بقية الركان.
اليمان بالملئكة
الملئكة مخلوقات نورانية فريدة ،خلقها الله من
نور ،فقد قال (( :خلقت الملئكة من نور))( ،)3وهم
جند الله الذين ل يعرف عددهم إل هو ﴿وما يعلم
جنود ربك إل هو وما هي إل ذكرى للبشر﴾ (المدثر:
.)31
وبسبب طبيعتهم النورانية اللطيفة فإن الملئكة
يقدرون على التشكل في هيئة أجسام كثيفة،
كصورة البشر ،فقد ظهرت الملئكة بصورة بشرية
)(1أخرجه البخاري ح ( ،)9ومسلم ح ( ،)35واللفظ له
)(2أخرجه مسلم ح (.)8
)(3أخرجه مسلم ح (.)2996
()67 تعرف على السلم
)( 1ما نجده اليوم بين أيدي النصارى ليس إنجيل الله المنزل
على عيسى ،بل الناجيل المنسوبة إلى تلميذ المسيح
وتلميذهم ،وتتضمن تأليفات شخصية لهم سجلوا فيها سيرة
المسيح عليه السلم وأخبار دعوته ومعجزاته ،ول تخلو هذه
المؤلفات البشرية من بعض وصايا الله لعيسى ووحيه إليه.
تعرف على
()72
السلم
عمران.)164 :
وحتــى تبقــى كلمــة الله شاهدة على خلقــه جيلً
فجيـل؛ تكفـل الله جـل وعل بحفـظ كتابـه الخيـر ﴿إنـا
نحــن نزلنــا الذكــر وإنــا له لحـــافظون﴾ (الحجــر،)9 :
فإذا قرأناه وقال لنـبيه ﴿ :إن علينـا جمعـه وقرآنـه
فاتبـع قرآنـه ثـم إن علينـا بيانـه﴾ (القيامـة،)19-17 :
ب اللهي الوحيد المحفوظ ن الكتا َ
وهكذا أضحى القرآ ُ
ب عزيٌز ل يأتيه الباطل من بحفظ الله له ﴿وإنه لكتا ٌ
د﴾ بيــن يديــه ول مــن خلفــه تنزي ٌ
ل مــن حكيمــ ٍ حمي ٍ
(فصلت.)42-41 :
وحتـى يحفـظ الله كتابـه ي َّـ
سره للحفـظ ،وأنزله فـي
أمة أمية ل تقرأ ول تكتب ،وإنما تعتمد الحفظ وسيلة
للمحافظة على تراثها وتاريخها وأشعارها وأنسابها ﴿
ولقـد يسـرنا القرآن للذكـر فهـل مـن مدكـر﴾ (القمـر:
،)17وأنزله منجما ً مفرقا ً على مدى ثلث وعشريــــن
ســـنة ،ليســـهل حفظـــه ومدارســـته على النـــبي
وأصحابه.
وقـد حفـظ النـبي القرآن ،وتعهده الله بمدارسـته
مــع جبريــل عليــه الســلم مــن كــل عام فــي شهــر
رمضان ،يقول ابــن عباس( :كان رســول الله أجود
الناس ،وكان أجود مــا يكون فــي رمضان حيــن يلقاه
جبريـــل ،وكان يلقاه فـــي كـــل ليلة مـــن رمضان،
فيدارسه القرآن فلرسول الله أجود بالخير من الريح
()1
المرسلة).
ويخبرنــا القرآن عــن حرص النــبي على حفــظ
النـص القرآنـي ،فقـد كان يردده حال سـماعه له مـن
جبريــل عليــه الســلم ،خشيــة أن ينســى بعضا ً منــه ،
ة واحدةً ول يزالون
شاء ربك لجعل الناس أم ً
مختلفين إل من رحم ربك ولذلك خلقهم ﴾ ( هود :
.)119 –118
ولذلك أدرك المسلمون أن هداية الجميع من
المحال ،وأن أكثر الناس ل يؤمنون ،وأن واجبهم
الدأب في دعوة واستمالة الناس إلى الحق وطلب
أسباب هدايتهم ،فقد أخبرهم الله بأن مهمتهم هي
البلغ فحسب ،وأنه تعالى هو من يتولى حساب
المعرضين في الخرة ،قال الله مخاطبا ً نبيه ﴿ :r
فإن تولوا فإنما عليك البلغ﴾ (النحل .)82 :وقال﴿ :
فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلغ
والله بصيٌر بالعباد﴾ (آل عمران﴿ ،)20 :ولو شاء ربك
لمن من في الرض كلهم جميعا ً أفأنت تكره الناس
حتى يكونوا مؤمنين﴾ (يونس.)99 :
وقد رفض السلم ابتداء فكرة إلغاء الخر،
وأعلنها صريحة ﴿ :ل إكراه في الدين قد تبين الرشد
من الغي﴾ (البقرة ﴿ ، )256 :وقل الحق من ربكم
فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا
للظالمين نارا ً أحاط بهم سرادقها﴾ (الكهف.)29 :
إن السلم يرفض إسلم المكره لسباب بسيطة
واضحة ،منها أن المكره ليس بمؤمن حقيقة ،ول
تلزمه تشريعاته في أحكام الدنيا ،ول ينفعه ذلك في
الخرة ،ومنها أن ذلك ليس مقتضى الحكمة
والمشيئة اللهية.
وقد شهد المؤرخون بالتزام المسلمين بتعاليم
دينهم في هذا الصدد ،فيقول المفكر السباني
بلسكوا أبانيز في كتابه "ظلل الكنيسة" متحدثا ً عن
الفتح السلمي للندلس" :لقد أحسنت أسبانيا
()121 تعرف على السلم
أ ُ َّ
مك)). ()1
خاتمة:
وهكذا يتبين الحق لكل منصف ،فمن قبِل هبة الله
التي تبينت له؛ شرح الله صدره للسلم ﴿ أفمن شرح
ر من ربه﴾ وأما منالله صدره للسلم فهو على نو ٍ
قسى فلبه وكبُر عليه الذعان للحق ،فنصيبه تمام
الية﴿ :فوي ٌ
ل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك
ن ﴾ (الزمر.)22 : ل مبي ٍ
في ضل ٍ
وبعد ،ما الذي يمنع المرء من الولوج في السلم،
أيشينه أن يعبد الله وحده ،وأن يكون على دينه الذي
بشر به النبياء وارتضاه الله لعباده ديناً.
ما بال بعضنا -في القرن الواحد والعشرين
فه على الحق الذي آمن -يفضل ميراث الباء وإل ِ
بصدقه عقله؟
إن الكثيرين من العقلء قد سبقوا إلى هذا الحق
فاعتنقوه ،منهم النجاشي رحمه الله ،ملك الحبشة
الذي عرض عليه الصحابة السلم فقال :يا معشر
القسيسين والرهبان ،ما يزيد ما يقول هؤلء على ما
تقولون في ابن مريم ما يزن هذه ،مرحبا ً بكم وبمن
جئتم من عنده ،فأنا أشهد أنه رسول الله ،والذي
شر به عيسى ابن مريم ،ولول ما أنا فيه من الملك ب ّ
()1
لتيته حتى أحمل نعليه.
لكم أشرق السلم في صدور أناس؛ فأخرجهم
الله به من ضيق الصدر وضنك الدنيا وقتامة الحياة
إلى رحابة الدنيا وسعادتها ونعيم الخرة ،ولكم تنكب
طريق الحقيقة آخرون ،فعاشوا في ضيق الدنيا
واستحقوا أيضا ً عذاب الخرة ﴿ فمن يرد الله أن
يهديه يشرح صدره للسلم ومن يرد أن يضله يجعل
صدره ضيقا ً حرجا ً كأنما يصعد في السماء كذلك
فهرس الموضوعات
رقم الموضوع
الصفحة
مقدمة
السلم وأركانه
بالرسالة الركن الول :الشهادة ل بالتوحيد ولرسوله ممد
الركن الثان :إقام الصلة
الركن الثالث :إيتاء الزكاة
الركن الرابع :صوم رمضان
الركن الامس :حج بيت ال الرام
مفهوم العبادة في السلم
العبادة والخلق
مراتب الحكام التكليفية
خصـــــائص الشريعـــــة الســـــلمية
ومقاصدها
أو ًل :خصائص الشريعة السلمية
أ .ربانية الصدر والغاية
ب .العدل والساواة
ج .الشمول والتوازن
د .الثالية الواقعية
ثانيا :مقاصد الشريعة السلمية
أ .حفظ الدين
ب .حفظ النفس النسانية
ج .حفظ العقل
د .حفظ النسل
تعرف على
()138
السلم
هـ.حفظ الال
أركان اليمان
اليان باللئكة
اليان بالكتب
اليان بالنبياء
القضاء والقدر
اليوم الخر
ردود على أباطيل
أو ًل :السلم والرأة
ثانيا :السلم والرهاب
ثالثا :السلم والتعامل مع الخر
رابعا :السلمون والتحديات العاصرة
خاتمة
المصادر والمراجع