Académique Documents
Professionnel Documents
Culture Documents
السنـة
وظلـمـات
البدعـة
في ضوء الكتاب
والسنة
تأليف الفقير إلى الله
تعالى
الدكتور /سعيد بن علي بن
وهف القحطاني
1
بسم الله الرحمن الرحيم
المقـدمة
إن الحمد لله ،نحمده ،ونستعينه ،ونستغفره ،ونعوذ بالله من شرور
أنفسنا ،وسيئات أعمالنا ،من يهده الله فل مضل له ،ومن يضلل فل
هادي له ،وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له ،وأشهد أن
محمدا ً عبده ورسوله ،صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم
بإحسان إلى يوم الدين ،وسلم تسليما ً كثيرًا ،أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في "نور السنة وظلمات البدعة" بيّنت
فيها :مفهوم السنة ،وأسماء أهل السنة ،وأن السنة هي النعمة
المطلقة ،وأوضحت منزلة السنة ،ومنزلة أصحابها ،وعلماتهم،
وذكرت منزلة البدعة وأصحابها ،ومفهومها ،وشروط قبول العمل،
وذم البدعة في الدين ،وأسباب البدع ،وأقسامها ،وأحكامها ،وأنواع
البدع عند القبور وغيرها ،والبدع المنتشرة المعاصرة ،وحكم توبة
المبتدع ،وآثار البدع وأضرارها.
ول شك أن السنة هي الحياة والنور اللذان بهما سعادة العبد
ضم ت َب ْي َ ّ
و َ
وهداه ،والسنة تقوم بأهلها وإن قعدت بهم أعمالهم} ،ي َ ْ
د{ ]سورة آل عمران ،جزء من الية .[106 :قال ابن عباس و ّ
س َ
وت َ ْ
جوهٌ َ و ُ
ُ
رضي الله عنهما" :تبيض وجوه أهل السنة والئتلف ،وتسود وجوه
أهل البدعة والتفرق") ،(1وصاحب السنة حي القلب ،مستنير القلب،
قد انقاد لمر الله واتبع رسول الله صّلى الله عليه وسّلم ظاهرا ً
وباطنًا.
أما صاحب البدعة فهو ميت القلب ،مظلمه ،والظلمة مستولية
على أصحاب البدع :فقلوبهم مظلمة ،وأحوالهم كلها مظلمة ،فمن
أراد الله به السعادة أخرجه من هذه الظلمات إلى نور السنة).(2
وقد قسمت هذا البحث إلى مبحثين ،وتحت كل مبحث مطالب
على النحو التي:
المبحث الول :نور السنة:
الول :مفهوم السنة. المطلب
الثاني :أسماء أهل السنة. المطلب
الثالث :السنة نعمة مطلقة. المطلب
الرابع :منزلة السنة. المطلب
الخامس :منزلة صاحب السنة وصاحب البدعة. المطلب
المبحث الثاني :ظلمات البدعة:
المطلب الول :مفهوم البدعة.
ذكره ابن القيم في اجتماع الجيوش السلمية على غزو المعطلة والجهمية.2/39 ، ()1
2
الثاني :شروط قبول العمل. المطلب
الثالث :ذم البدعة في الدين. المطلب
الرابع :أسباب البدع. المطلب
الخامس :أقسام البدع. المطلب
السادس :حكم البدعة في الدين وأنواعها. المطلب
السابع :أنواع البدع عند القبور. المطلب
الثامن :البدع المنتشرة المعاصرة. المطلب
التاسع :توبة المبتدع. المطلب
العاشر :آثار البدع وأضرارها. المطلب
والله عز وجل أسأل أن يجعل هذا العمل مباركا ً خالصا ً لوجهه
الكريم ،نافعا ً لي في حياتي وبعد مماتي ،وأن ينفع به كل من انتهى
إليه ،فإنه خير مسؤول وأكرم مأمول ،وهو حسبنا ونعم الوكيل ،ول
حول ول قوة إل بالله العلي العظيم ،وصلى الله وسلم وبارك على
عبده ورسوله ،وخيرته من خلقه نبينا محمد وعلى آله ،وأصحابه،
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المؤلف
حرر في ليلة الربعاء ،الموافق 17/10/1419هـ
3
المبحث الول :نور السنة
المطلب الول :مفهومها:
السنة لها أهل ،ولهم عقيدة ،واجتماع على الحق ،فمن المناسب
أن أذكر التعريف لهذه الكلمات الثلث" :عقيدة أهل السنة
والجماعة".
ل :مفهوم العقيدة لغة واصطلحاً: أو ً
العقيدة لغة :كلمة "عقيدة" مأخوذة من العقد والربط ،والشد
بقوة ،ومنه الحكام والبرام ،والتماسك والمراصة ،يقال :عقد الحبل
يعقده :شدّه ،ويقال :عقد العهدَ والبيع :شدّه ،وعقد الزارَ :شده
بإحكام ،والعقد :ضد الحل).(1
مفهوم العقيدة اصطلحًا :العقيدة تطلق على اليمان الجازم
شك ،وهي ما يؤمن به النسانُ ّ والحكم القاطع الذي ل يتطرق إليه
ً ً
ويعقد عليه قلبه وضميره ،ويتخذه مذهبا ودينا يدين به؛ فإن كان هذا
اليمان الجازم والحكم القاطع صحيحا ً كانت العقيدة صحيحة كاعتقاد
أهل السنة والجماعة ،وإن كان باطل ً كانت العقيدة باطلة كاعتقاد
فرق الضللة).(2
ثانيًا :مفهوم أهل السنة:
)(3
السنة في اللغة :الطريقة والسيرة ،حسنة كانت أم قبيحة .
والسنة في اصطلح علماء العقيدة السلمية :الهدي الذي
كان عليه رسول الله صّلى الله عليه وسّلم وأصحابه :علما ً واعتقادًا،
ذم من وي ّ
ويحمد أهلُهاُ ،
ل ،وهي السنة التي يجب اتباعها ُ ل ،وعم ً
وقو ً
خالَفها؛ ولهذا قيل :فلن من أهل السنة :أي من أهل الطريقة َ
)(4
الصحيحة المستقيمة المحمودة .
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله" :والسنة هي الطريقة
المسلوكة ،فيشمل ذلك التمسك بما كان عليه صّلى الله عليه وسلم
ّ
هو وخلفاؤه الراشدون :من العتقادات ،والعمال ،والقوال ،وهذه
هي السنة الكاملة").(5
وقال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله" :السنة هي ما قام الدليل
الشرعي عليه؛ بأنه طاعة لله ورسوله سواء فعله رسول الله صّلى
()1انظر :لسان العرب لبن منظور ،باب الدال ،فصل العين ،3/296 ،والقاموس
المحيط للفيروز آبادي ،باب الدال ،فصل العين ،ص ،383ومعجم المقاييس في اللغة
لبن فارس ،كتاب العين ،ص .679
()2انظر :مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة ،للشيخ الدكتور ناصر العقل ص -9
.10
()3لسان العرب ،لبن منظور ،باب النون ،فصل السين.13/225 ،
()4انظر :مباحث في عقيدة أهل السنة ،للدكتور ناصر العقل ،ص .13
()5جامع العلوم والحكم.1/120 ،
4
الله عليه وسّلم ،أو ُفِعل في زمانه ،أو لم يفعله ولم يفعل على
زمانه ،لعدم المقتضى حينئذٍ لفعله ،أو وجود المانع منه") ،(1وبهذا
المعنى تكون السنة" :اتباع آثار رسول الله صّلى الله عليه وسّلم،
باطنا ً وظاهرًا ،وإتباع سبيل السابقين الولين من المهاجرين
والنصار").(2
ثالثًا :مفهوم الجماعة:
الجماعة في اللغة :مأخوذة من مادة جمع وهي تدور حول
الجمع والجماع والجتماع وهو ضد التفرق ،قال ابن فارس رحمه
الله" :الجيم والميم والعين أصل واحد يدل على تضامّ الشيء ،يقال:
جمعت الشيء جمعًا").(3
والجماعة في اصطلح علماء العقيدة السلمية :هم
سلف المة :من الصحابة ،والتابعين ،ومن تبعهم بإحسان على يوم
الدين ،الذين اجتمعوا على الحق الصريح من الكتاب والسنة).(4
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه" :الجماعة ما وافق الحق
وإن كنت وحدك" ،قال نُعيم بن حماد" :يعني إذا فسدت الجماعة
فعليك بما كانت عليه الجماعة ،قبل أن تفسد ،وإن كنت وحدك ،فإنك
أنت الجماعة حينئذٍ".5
اتهم:ف ِ
وص َ
ِ المطلب الثاني :أسماء أهل السّّن ِ
ة
-1أهل السنة والجماعة :هم من كان على مثل ما كان عليه
النبي صّلى الله عليه وسّلم وأصحابه ،وهم المتمسكون بسنة النبي
صّلى الله عليه وسّلم وهم الصحابة ،والتابعون ،وأئمة الهدى
المُت ِّبعون َلُهم ،وهم الذين استقاموا على الّتباع وابتعدوا عن البتداع
في أي مكان وفي أي زمان ،وهم باقون منصورون إلى يوم
القيامة) ،(6وسمّوا بذلك لنتسابهم لسنة النبي صّلى الله عليه وسلم،
ّ
واجتماعهم على الخذ بها :ظاهرا ً وباطنًا ،في القول ،والعمل،
والعتقاد) .(7فعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله
صّلى الله عليه وسّلم” :افترقت اليهودُ على إحدى وسبعين
()1مجموع فتاوى ابن تيمية.21/317 ،
()2مجموع فتاوى ابن تيمية.3/157 ،
()3معجم المقاييس في اللغة ،لبن فارس ،كتاب الجيم ،باب ما جاء من كلم العرب في
المضاعف والمطابق أوله جيم ،ص .224
()4انظر :شرح العقيدة الطحاوية ،لبن أبي العز ،ص ،68وشرح العقيدة الواسطية لبن
تيمية ،تأليف العلمة محمد خليل هراس ،ص .61
()5ذكره المام ابن القيم في إغاثة اللهفان ،1/70 ،وعزاه إلى البيهقي.
()6انظر :مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة ،للدكتور ناصر بن عبد الكريم العقل،
ص .14-13
()7انظر :فتح رب البرية بتخليص الحموية ،للعلمة محمد بن عثيمين ص ،10وشرح
العقيدة الواسطية ،للعلمة صالح بن فوزان الفوزان ،ص .10
5
فرقةً فواحدة في الجنة وسبعون في النار ،وافترقت
النصارى على ثنتين وسبعين فرقة فإحدى وسبعين فرقة
محمد بيده
ٍ في النار وواحدة في الجنة ،والذي نفسُ
ثلث وسبعين فرقة ،واحدةٌ في الجنة ٍ ن أمتي على ر َ
ق ّ َلت َ ْ
فت َ ِ
واثنتان وسبعون في النار“ قيل :يا رسول الله ،من هم؟ قال:
”الجماعة“) ،(1وفي رواية الترمذي عن عبد الله بن عمرو :قالوا:
ومن هي يا رسول الله؟ قال” :ما أنا عليه وأصحابي“).(2
-2الفرقة الناجية :أي الناجية من النار ،لن النبي صّلى الله
عليه وسّلم استثناها عندما ذكر الفرق وقال” :كلها في النار إل
واحدة“ أي ليست في النار).(3
-3الطائفة المنصورة :فعن معاوية رضي الله عنه قال
طائفة
ٌ سمعت رسول الله صّلى الله عليه وسّلم يقول” :ل تزال
قائمة بأمر الله ل يضرّهم من خذلهم أو خالفهم ٌ من أمتي
)(4
حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس“ ،وعن
المغيرة بن شعبة رضي الله عنه نحوه) ،(5وعن ثوبان رضي الله عنه
قال قال رسول الله صّلى الله عليه وسّلم” :ل تزال طائفة من
أمتي ظاهرين على الحق ل يضرهم من خذلهم ،حتى يأتي
أمر الله وهم كذلك“) ،(6وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما
نحوه).(7
-4المعتصمون المتمسكون بكتاب الله وسنة رسوله
صّلى الله عليه وسّلم ،وما كان عليه السابقون الولون من
المهاجرين والنصار ،ولهذا قال فيهم النبي صّلى الله عليه وسّلم:
()1أخرجه ابن ماجه بلفظه ،في كتاب الفتن ،باب افتراق المم ،2/321 ،برقم ،3992
وأبو داود ،كتاب السنة ،باب شرح السنة ،4/197 ،برقم ،4596وابن أبي عاصم ،في
كتاب السنة ،1/32 ،برقم ،63وصححه اللباني في صحيح سنن ابن ماجه.2/364 ،
()2سنن الترمذي ،كتاب اليمان ،باب ما جاء في افتراق هذه المة ،5/26 ،برقم .2641
()3انظر :من أصول أهل السنة والجماعة ،للعلمة صالح بن فوزان الفوزان ،ص .11
()4متفق عليه :البخاري ،كتاب المناقب ،باب :حدثنا محمد بن المثنى ،4/225 ،برقم
،3641ومسلم بلفظه ،في كتاب المارة ،باب قوله صّلى الله عليه وسّلم” :ل تزال
طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ل يضرهم من خالفهم“ ،2/1524برقم
.1037
()5متفق عليه :البخاري ،كتاب المناقب ،باب :حدثنا محمد بن المثنى ،4/225 ،برقم
،3640ومسلم ،كتاب المارة ،باب قوله صّلى الله عليه وسّلم” :ل تزال طائفة من
أمتي ظاهرين على الحق ل يضرهم من خافهم“ ،2/1523برقم .1921
()6صحيح مسلم ،كتاب المارة باب قوله صّلى الله عليه وسّلم” :ل تزال طائفة من
أمتي ظاهرين على الحق ل يضرهم من خالفهم“ ،2/1523برقم .1920
()7صحيح مسلم ،كتاب المارة باب قوله صّلى الله عليه وسّلم” :ل تزال طائفة من
أمتي ظاهرين على الحق ل يضرهم من خالفهم“ ،2/1523 ،برقم .1923
6
”ما أنا عليه وأصحابي“) ،(1أي هم من كان على مثل ما أنا عليه
وأصحابي.
-5هم القدوة الصالحة الذين يهدون إلى الحق وبه
)(2
ث
يعملون ،قال أيوب السختياني رحمه الله" :إن من سعادة الحدَ َ
والعجمي أن يوفقهما الله لعالم من أهل السنة") ،(3وقال الفضيل
البلد وهم أصحاب َ بن عياض رحمه الله" :إن لله عبادا ً يُحيي بِ ُ
هم
حّله كان من حزب الله" .
)(4
ه من ِل جَوفَ ُ دخ ُ
السنة ومن كان يعقل ما َي ُ
-6أهل السنة خيار الناس ينهون عن البــدع وأهلهــا ،قيــل
ت الهـواء لـم لبي بكر بن عياش من السـني؟ قـال" :الـذي إذا ُذكِـَر ِ
يتعصب إلى شيء منها") .(5وذكر ابن تيمية رحمه الله :أن أهل السنة
هم خيار المة ووسطها الذين على الصراط المستقيم :طريق الحــق
والعتدال).(6
-7أهل السنة هم الغرباء إذا فسد الناس :فعن أبي هريرة
رضي الله عنه قال قال رسول الله صّلى الله عليه وسّلم” :بدأ
السلم غريبا ً وسيعود كما بدأ غريبًا ،فطوبى للغرباء“)،(7
وفي رواية عند المام أحمد رحمه الله عن عبد الله بن مسعود رضي
”النّزاع) (8من القبائل“)،(9 ّ الله عنه ،قيل :ومن الغرباء؟ قال:
وفي رواية عند المام أحمد رحمه الله عن عبد الله بن عمرو بن
العاص رضي الله عنهما ،فقيل :من الغرباء يا رسول الله؟ قال:
سوء كثير من يعصهم أكثر ممن ٍ ”أناس صالحون في أناس
يطيعهم“) ،(10وفي رواية من طريق آخر” :الذين يصلحون إذا
فسد الناس“) ،(11فأهل السنة الغرباء بين جموع أصحاب البدع
والهواء والفرق.
-8أهل السنة هم الذين يحملون العلم:
()1سنن الترمذي ،كتاب اليمان ،باب ما جاء في افتراق هذه المة ،5/26 ،برقم .2641
()2الحدث :الشاب .النهاية في غريب الحديث والثر ،باب الحاء مع الدال ،مادة " :حدث
" .1/351
()3شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ،للللكائي ،1/66 ،برقم .30
()4شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ،للللكائي ،1/72 ،برقم .51
()5شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ،للللكائي ،1/72 ،برقم .53
()6انظر :فتاوى ابن تيمية.369–3/368 ،
ً ً
()7مسلم ،كتاب اليمان ،باب بيان أن السلم بدأ غريبا وسيعود غريبا ،1/130 ،برقم
.145
()8هو الغريب الذي نزع عن أهله وعشيرته :أي بَعُد َ وغاب ،والمعنى طوبى للمهاجرين
الذين هجروا أوطانهم في الله تعالى .النهاية لبن الثير.5/41 ،
()9المسند .1/398
()10المسند 2/177و .222
()11مسند المام أحمد.4/173 ،
7
أهل السنة هم الذين يحملون العلم وينفون عنه تحريف الغالين
وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين؛ ولهذا قال ابن سيرين رحمه الله:
"لم يكونوا يسألون عن السناد ،فلما وقعت الفتنة قالوا :سموا لنا
رجالكمَ ،في ُن ْظ َُر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم ،وينظر إلى أهل البدع
فل يؤخذ حديثهم").(1
الناس لفراقهم: ُ -9أهل السنة هم الذين يحزنُ
خبر بموت الرجل من أهل قال أيوب السختياني رحمه الله" :إني أُ ُ
السنة فكأنما أفقد بعض أعضائي") ،(2وقال" :إن الذين يتمنون موتَ
م نوره ولو
مت ِ ّ
أهل السّن ّةِ يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم والله ُ
كره الكافرون").(3
8
،[58وقد دارت أقوال السلف على أن فضل الله ورحمته :السلم
والسنة ،وعلى حسب حياة القلب يكون فرحه بهما ،وكلما كان
أرسخ فيهما كان قلبه أشدّ فرحًا ،حتى أن القلب ليرقص فرحا ً إذا
باشر روح السنة أحزن ما يكون الناس وهو ممتلىء أمنا ً أخوف ما
يكون الناس").(1
ثانيًا :النعمة المقيدة :كنعمة الصحة ،والغنى ،وعافية الجسد،
وبسط الجاه ،وكثرة الولد ،والزوجة الحسنة ،وأمثال هذا ،فهذه
النعمة مشتركة بين البر والفاجر ،والمؤمن والكافر؛ وإذا قيل :لله
على الكافر نعمة بهذا العتبار فهو حق ،والنعمة المقيدة تكون
استدراجا ً للكافر والفاجر ،ومآلها إلى العذاب والشقاء لمن لم يرزق
النعمة المطلقة).(2
()1مقتبس من كلم المام ابن القيم في كتابه :اجتماع الجيوش السلمية على غزو
المعطلة والجهمية ،36 – 2/33و .38
()2مقتبس من كلم المام ابن القيم في كتابه :اجتماع الجيوش السلمية على غزو
المعطلة والجهمية .2/36
()3ذكره ابن القيم ،في اجتماع الجيوش ،2/39 ،وابن كثير في تفسيره ،1/369 ،وانظر:
جامع البيان عن تأويل آي القرآن ،لبن جرير.7/93 ،
()4اجتماع الجيوش السلمية لبن القيم.2/38 ،
9
فإن القلب الحي المستنير :هو الذي عقل عن الله ،وأذعن ،وفهم
عنه ،وانقاد لتوحيده ،ومتابعة ما بعث به رسول الله صّلى الله عليه
وسّلم.
وقد كان النبي صّلى الله عليه وسّلم يسأل الله تعالى أن يجعل
له نورًا :في قلبه ،وسمعه ،وبصره ،ولسانه ،ومن فوقه ،ومن تحته،
وعن يمينه ،وعن شماله ،ومن خلفه ومن أمامه ،وأن يجعل له نورًا،
وأن يجعل ذاته نورًا ،وفي بشره ،ولحمه ،وعظمه ،ولحمه ،ودمه،
فطلب صّلى الله عليه وسّلم النور لذاته ،ولبعاضه ،ولحواسه
الظاهرة والباطنة ،ولجهاته الست ،والمؤمن مدخله نور ،ومخرجه
نور ،وقوله نور ،وعمله نور ،وهذا النور بحسب قوته وضعفه يظهر
لصاحبه يوم القيامة ،فيسعى بين يديه ،ويمينه ،فمن الناس من
يكون نوره :كالشمس ،وآخر كالنجم ،وآخر كالنخلة الطويلة ،وآخر
كالرجل القائم ،وآخر دون ذلك ،حتى أن منهم من يُعطى نورا ً على
رأس إبهام قدمه يضيء مرة ويطفىء أخرى ،كما كان نور إيمانه
ومتابعته في الدنيا كذلك ،فهو هذا بعينه يظهر هناك للحس،
والعيان).(1
ثانيًا :علمات أهل السنة كثيرة ،يدركها العقلء من البشر
ومن أهم تلك العلمات:
-1العتصام بالكتاب والسنة ،والعض على ذلك بالنواجذ.
-2التحاكم إلى الكتاب والسنة في الصول والفروع.
-3حبهم لهل السنة والمتمسكين بها وبغضهم لهل البدع.
-4ل يستوحشون من قلة السالكين؛ لن الحق ضالة
المؤمن يأخذ به ولو خالفه الناس.
-5الصدق في القوال والفعال ،بالتطبيق الصحيح لهدي
الكتاب والسنة.
ّ ّ
-6التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان
خلقه القرآن).(2
ثالًثا :منزلة صاحب البدعة:
صاحب البدعة ميت القلب ،مظلمه ،وقد جعل الله الموت
والظلمة صفة من خرج عن اليمان ،والقلب الميت المظلم الذي لم
يعقل عن الله ،ول انقاد لما بعث به رسول الله صّلى الله عليه
وسّلم ،ولهذا وصف الله سبحانه وتعالى هذا الضرب من الناس
10
بأنهم أموات غير أحياء ،وبأنهم في الظلمات ل يخرجون منها ،ولهذا
كانت الظلمة مستولية عليهم في جميع حياتهم ،فقلوبهم مظلمة
ترى الحق في صورة الباطل ،والباطل في صورة الحق ،وأعمالهم
مظلمة ،وأقوالهم مظلمة ،وأحوالهم كلها مظلمة ،وقبورهم ممتلئة
عليهم ظلمة ،وإذا قسمت النوار يوم القيامة دون الجسر للعبور
عليه بقوا في الظلمات ،ومدخلهم في النار مظلم ،وهذه الظلمة،
ل ،فمن أراد الله سبحانه وتعالى به السعادةالتي خلق فيها الخلق أو ً
)(1
أخرجه منها إلى النور ،ومن أراد به الشقاوة تركه فيها .
******
11
المبحث الثاني :ظلمات البدعة
المطلب الول :مفهومها:
البدعة :لغة :الحدث في الدين بعد الكمال ،أو ما استحدث بعــد
النبي صّلى الله عليه وسّلم من الهواء والعمال) (1ويقال" :ابتــدعت
الشيء ،قول ً أو فعل ً إذا ابتدأته عن غير مثال سابق") ،(2وأصــل مــادة
ع
دي ُ"بدع" للختراع على غيــر مثــال ســابق ،ومنــه قــوله تعــالى} :ب َ ِ
ض{ ]البقرة ،117 :النعــام [101 :أي :مخترعهما مــن ِ وال َْر
ت َ
وا ِ
ما َس َال ّ
)(3
غير مثال سابق متقدم .
والبدعة فــي الصــطلح الشــرعي لهــا عــدة تعريفــات عنــد
العلماء يكمل بعضها بعضًا ،منها:
-1قال شيخ السلم ابن تيميــة رحمــه اللــه تعــالى" :البدعــة فــي
الدين :هي ما لم يشرعه الله ورسوله صّلى الله عليه وسّلم :وهو ما
لم يأمر به أمر إيجاب ول استحباب").(4
"والبدعـة نوعــان :نــوع فــي القــوال والعتقــادات ،ونــوع فــي
الفعال والعبادات ،وهذا الثاني يتضمن الول كما أن الول يدعو إلــى
الثاني")" .(5وكان الذي بنى عليه أحمد وغيره مــذاهبهم :أن العمــال
عبادات وعــادات" ،فالصــل فــي العبــادات أنــه ل يشــرع منهــا إل مــا
شرعه اللــه ،والصــل فــي العــادات أنــه ل يحظــر منهــا إل مــا حظــر
الله").(6
وقال أيضًا" :والبدعة ما خــالف الكتــاب والســنة ،أو إجمــاع ســلف
المــة مــن العتقــادات والعبــادات :كــأقوال الخــوارج ،والروافــض،
والقدرية ،والجهمية ،وكالذين يتعبدون بالرقص والغناء في المساجد،
والذين يتعبدون بحلق اللحى ،وأكل الحشيشة ،وأنواع ذلك من البــدع
التي يتعبد بها طوائف من المخالفين للكتاب والسنة ،والله أعلم").(7
-2قال الشاطبي رحمه الله تعـالى" :البدعـة :طريقـة فـي الـدين
ـرعية ،يُقصـدُ بالســلوك عليهـا المبالغـة فـي مخترعة ،تضـاهي) (8الشـ ّ
التعبد لله سبحانه".
()1القاموس المحيط ،باب العين ،فصل الدال ،ص ،906ولسان العرب ،8/6وفتاوى
ابن تيمية .35/414
()2معجم المقاييس في اللغة لبن فارس ص .119
()3العتصام للشاطبي ،1/49وانظر :مفردات ألفاظ القرآن ،للراغب الصفهاني ،مادة
" بدع " ص .111
()4فتاوى ابن تيمية .108 – 4/107
()5فتاوى ابن تيمية .22/306
()6فتاوى ابن تيمية .4/196
()7فتاوى ابن تيمية ،18/346وانظر :فتاوى ابن تيمية .35/414
()8تضاهي :يعني أنها تشبه الطريقة الشرعية من غير أن تكون الحقيقة كذلك بل هي
مضادة لها .انظر :العتصام للشاطبي.1/53 ،
12
وهذا علــى رأي مــن ل يــدخل العــادات فــي معنــى البدعــة ،وإنمــا
يخصّها بالعبادات ،وأما على رأي من أدخل العمال العاديّة في معنى
البدعــة ،فيقــول "البدعــة :طريقــة فــي الــدين مخترعــةٌ ،تضــاهي
رعية ،يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية").(1 الشّ ّ
ثم قرر رحمه الله تعالى على تعريفه الثاني أن العادات من حيــث
هي عادية ل بدعة فيها ،ومن حيث يتعبــد بهــا ،أو توضــع وضــع التّعبّـد
تدخلها البدعة ،فحصل بذلك أنــه جمــع بيــن التعريفيــن ومثــل للمــور
العادية التي لبد فيها من التعبّد :بالبيع ،والشراء ،والنكــاح ،والطلق،
واليجــارات ،والجنايــات ...لنهــا مقيــدة بــأمور وشــروط وضــوابط
شرعية ل خيرة للمكلف فيها).(2
-3وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى)" :(3والمــراد بالبدعــة
ما أُحدث مما ل أصل له في الشــريعة يــدلّ عليــه ،فأمــا مــا كـان لــه
أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعًا ،وإن كان بدعــة لغــةً،
فكل من أحدث شيئا ً ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصــل مــن الــدين
يرجع إليه فهو ضللة ،والدين بريــء منــه ،وســواء فــي ذلــك مســائل
العتقادات ،أو العمال ،أو القوال الظاهرة والباطنة .أما ما وقع في
كلم السلف من استحسان بعض البدع ،فإنما ذلك في البدع اللغويــة
ل الشرعية ،فمن ذلك قول عمر رضي الله عنه لما جمع الناس فــي
قيام رمضان على إمام واحــد فــي المســجد ،وخــرج ورآهــم يصــلون
كذلك قال" :نعمة البدعة هذه") ...(4ومراده رضي اللــه عنــه أن هــذا
الفعل لم يكن على هذا الوجه قبل هذا الوقت ،ولكن له أصــول مــن
الشريعة يرجع إليها.
ّ ّ
فمنها :أن النبي صلى الله عليــه وس ـلم كــان يحــث علــى
قيـام رمضـان ،ويرغـب فيـه ،وكـان النــاس فـي زمنــه يقومــون فـي
المسجد جماعات متفرقة ووحدانًا ،وهو صّلى الله عليه وسّلم صــلى
ل ،بــأنه خشــي بأصحابه في رمضان غير ليلة ،ثم امتنع مــن ذلــك مُعل ً
أن يُكتب عليهم فيعجزوا عن القيام به ،وهذا قد أُمن بعده صّلى الله
عليه وسّلم).(5
13
ومنهــا" :أنــه ص ـّلى اللــه عليــه وس ـّلم أمــر بإتبــاع ســنة خلفــائه
الراشدين وهذا قد صار من سنة خلفائه الراشدين").(6
والبدعــة بــدعتان :بدعــة مكفــرة تخــرج عــن الســلم ،وبدعــة
مفسقة ل تخرج عن السلم).(2
14
عمل عمل ً ليس عليه أمرنا فهو رد“ ،قال أهــل العربيــة :الــرد
هنا بمعنى المردود ،ومعناه :فهو باطل غير معتــد بــه ،وهــذا الحــديث
قاعدة عظيمة من قواعد السلم ،وهو من جوامـع كلمـه صـّلى اللــه
عليه وسّلم ،فــإنه صــريح فــي رد كــل البــدع ،والمخترعــات) ،(1وفــي
الرواية الثانية زيادة وهي :أنــه قــد يعانــد بعــض الفــاعلين فــي بدعــة
سُب ِقَ إليها ،فإذا احتج عليه بالرواية الولى يقول :أنا ما أحدثت شــيئًا،
فيحتج عليه بالثانيـة الـتي فيهـا التصـريح بـرد كـل المحـدثات ،سـواء
أحدثها الفاعل أو غيره سبق بإحداثها").(2
15
المطلب الثالث :ذم البدعة في الدين:
جاء في ذم البدعة نصوص كثيرة من الكتاب والســنة ،وحــذر منهـا
الصحابة والتابعون لهم بإحسان ،ومــن ذلــك علــى ســبيل اليجــاز مــا
يلي:
أول :من القرآن: ً
ه ْ َ َ ي أن ـَز َ َ ّ
من ْـ ُ ب ِ علي ْـك الك ِت َــا َ ل َ ذ َ و ال ـ ِ ه َ -1قال الله عز وجلُ } :
ّ َ ُ ُ
ن ذي َ مــا ال ـ ِ ت فأ ّ َ ها ٌ شاب ِ َ مت َ َ خُر ُ وأ َ ب َ م ال ْك َِتا ِ نأ ّ ه ّ ت ُ ما ٌ حك َ َ م ْ ت ّ آَيا ٌ
ةفت ْن َـ ِ ْ
غــاء ال ِ ه اب ْت ِ َ من ْـ ُ ه ِ شــاب َ َ مــا ت َ َ ن َ عــو َ في َت ّب ِ ُ غ َ م َزي ْـ ٌ ه ْ ُ في ُ
ْ قلــو ْب ِ ِ
ه{ ]آل عمران ،[7 :وقد ذكر ّ
ه إ ِل الل ُ ّ ويل ُ َ م ت َأ ِ عل ُ َ ما ي َ ْ و َ ه َ ويل ِ ِ غاءَ ت َأ ِ واب ْت ِ َ َ
الشاطبي رحمه الله آثارا تدل على أن هذه الية في الذين يجــادلون ً
في القرآن ،وفي الخوارج ومن وافقهم).(1
ه ما َ هـ َ -2وقال عز وجلَ } :
عو ُ فـات ّب ِ ُ قي ً سـت َ ِ م ْ طي ُ صـَرا ِ ذا ِ ن َ وأ ّ َ
ه
كم ِبــ ِ صــا ُ ْ َ ّ و م ُ ك ِ ل َ ذ ه
ِ ِ ل بيَ ِ س عن َ مِ ْ ُ ك ب َ ق ر فت َ َ ّف ل َ سب ُ َ عوا ْ ال ّ ول َ ت َت ّب ِ ُ َ
ن{ ]النعــام ،[153 :فالصراط المستقيم هــو ســبيل اللــه َ قو ُ ّ تَ ت مْ ُ ك ّ لعلَ َ
الذي دعا إليه ،وهو السنة ،والسبل هي سبل أهل الختلف الحـائدين
عن الصراط وهم أهل البدع) ،(2فهذه الية تشــمل النهــي عــن جميــع
طرق أهل البدع).(3
هــا من ْ َ و ِ ل َ س ـِبي ِ ص ـدُ ال ّ ق ْ ه َ عَلى الل ّ ِ و َ -3وقال سبحانه وتعالىَ } :
شاءَ ل َهداك ُ َ
ن{ ]النحل [9 :فالسبيل القصــد هــو عي َ م ِ ج َ مأ ْ ْ َ َ و َ ول َ ْ جآئ ٌِر َ َ
طريق الحق ،وما سواه جائر عن الحق :أي عادل عنــه ،وهــي طــرق
البدع والضللت).(4
عا ش ـي َ ً وك َــاُنوا ْ ِ م َ هـ ْ قــوا ْ ِدين َ ُ فّر ُ ن َ ذي َ ن ال ّ ِ -4وقال عز وجل} :إ ِ ّ
ّ َ َ
مــا هــم ب ِ َ م ي ُن َب ّئ ُ ُ ه ثُ ّ م إ ِلى الل ِ ه ْ مُر ُ ما أ ْ ء إ ِن ّ َ ي ٍ ش ْ في َ م ِ ه ْ من ْ ُ ت ِ س َ لّ ْ
ن{ ]النعـــام ،[159 :وهــؤلء هــم أصــحاب الهــواء، عُلــو َ ف َ كــاُنوا ْ ي َ ْ َ
والضللت ،والبدع من هذه المة).(5
ن ذي َ ن اّلــ ِ مــ َ نِ ، كي َ ر ِ ش ِ م ْ ن ال ْ ُ م َ كوُنوا ِ ول ت َ ُ -5وقال عز وجلَ } :
ن{ حــو َ ر ُ ف ِ م َ ه ْ َ عا ك ُ ّ و َ فّر ُ َ
مــا لــدَي ْ ِ ب بِ َ حْز ٍ ل ِ شي َ ً كاُنوا ِ م َ ه ْ قوا ِدين َ ُ
]الروم.[32-31 :
َ
ه ر ِ م ِ نأ ْ ع ْ ن َ فو َ خال ِ ُ ن يُ َ ذي َ ر ال ّ ِ حذ َ ِ فل ْي َ ْ -6وقال سبحانه وتعالىَ } :
م{ ]النور.[63 : َ ع َ فت ْن َ ٌ َ َ
ب أِلي ٌ ذا ٌ م َ ه ْ صيب َ ُ و يُ ِ ةأ ْ م ِ ه ْ صيب َ ُ أن ت ُ ِ
16
َ
عل َي ْك ُـ ْ
م ث َعـ َ عل َــى أن ي َب ْ َ قــاِدُر َ و ال ْ َ
ه َل ُ ق ْ -7وقال عز وجلُ } :
ً
ش ـَيعا{ ُ ْ َ ُ َ قك ُ َ من َ ع َ
م ِس ـك ْ و ي َلب ِ َمأ ْ جل ِك ـ ْت أْر ُ ح ِمن ت َ ْ و ِمأ ْو ِ ْف ْ ذاًبا ّ َ
]النعام.[65 :
محـ َمــن ّر ِ ن ،إ ِل ّ َ في ـ َ خت َل ِ ِم ْن ُ ُ
ول َ ي ََزالو َ -8وقال الله تعــالىَ } :
)(1
ك{ ]هود ،[119-118 :والله عز وجل أعلم . َرب ّ َ
17
عليــه وزرهـا ووزر مــن عمــل بهـا مــن بعــده مــن غيــر أن
ينقص من أوزارهم شيء“).(1
-6وعن العرباض بن سارية رضي الله عنــه قــال :وعظنــا رســول
الله صّلى الله عليه وسّلم موعظة وجلت منها القلوب ،وذرفت منهــا
العيون ،فقلنــا يــا رســول اللــه كأنهــا موعظــة مــودع فأوصــنا؟ قــال:
”أوصيكم بتقوى الله ،والسمع والطاعة ،وإن تأمّر عليكــم
عبد ،فإنه من يعـش منكـم بعـدي فسـيرى اختلفـا ً كـثيرًا،
فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهــديين عضــوا
عليها بالنواجذ ،وإياكم ومحــدثات المــور ،فــإن كــل بدعــة
ضللة“).(2
-7وعن حذيفة رضي الله عنه قال :كــان النــاس يســألون رســول
الله صّلى الله عليه وسّلم عن الخير ،وكنت أسأله عن الشـر مخافـة
أن يدركني ،فقلت يا رسول الله ،إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله
بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال" :نعم" فقلت :هــل بعــد
خن ُــهُ؟
ن“ فقلــت :ومــا دَ َ
ذلك الشر من خير؟ قال” :نعم وفيه دخـ ٌ
قال” :قوم يستنون بغير سنتي ،ويهدون بغي هديي تعرف
منهم وتنكر“ فقلت :هل بعد ذلك الخيــر مــن شــر؟ قــال” :نعم،
دعاة على أبواب جهنــم مــن أجـابهم إليهــا قــذفوه فيهــا“
فقلت :يا رسول الله ،صفهم لنا ،قال” :نعم :قــوم مــن جلــدتنا،
يتكلمون بألسنتنا“ ،قلت :يــا رســول اللــه ،فمــا تــرى إن أدركنــي
ذلك؟ قال” :تلزم جماعة المسلمين وإيمـامهم“ فقلــت :فــإن
لم تكن لهم جماعة ول إمام؟ قال” :فاعتزل تلك الفــرق كلهــا،
ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يــدركك المــوت وأنــت
على ذلك“) ،(3قال المام النووي رحمه الله :قوله” :يهدون بغير
هديي“ الهــدي الهيئة ،والســيرة ،والطريقــة ،قــوله” :دعاة علــى
أبواب جهنم من أجابهم إليهــا قــذفوه فيهــا“ قــال العلمــاء:
هؤلء من كان من المراء يــدعون إلــى بدعــة ضــللة آخــر الخــوارج،
والقرامطة ،وأصحاب المحنة").(4
()1مسلم ،كتاب الزكاة ،باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة ،2/705 ،برقم .1017
()2أبو داود ،كتاب السنة ،باب في لزوم السنة ،4/201 ،برقم ،4707والترمذي ،كتاب
العلم ،باب ما جاء في الخذ بالسنة واجتناب البدع 5/44 ،برقم ،2676وقال :هذا
حديث حسن صحيح ،وابن ماجه في المقدمة ،باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين
المهديين ،16-1/15 ،برقم ،44 ،43 ،42وأحمد .47-4/46
()3متفق عليه :البخاري ،كتاب الفتن ،باب كيف المر إذا لم تكن جماعة ،8/119 ،برقم
،7084ومسلم ،كتاب المارة ،باب وجوب ملزمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن
وفي كل حال ،وتحريم الخروج على الطاعة ،ومفارقة الجماعة ،3/1475 ،برقم .1847
()4شرح النووي على صحيح مسلم.12/479 ،
18
-8وفي حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه عن النــبي ص ـّلى اللــه
عليه وسّلم” :أما بعد أل أيها الناس إنما أنا بشــر يوشــك أن
يأتي رسول ربي فأجيب ،وأنا تارك فيكــم ثقليــن :أولهمـا
كتاب الله ،فيه الهدى والنور] ،هو حبــل اللــه المــتين مــن
اتبعه كــان علــى الهــدى ،ومــن تركــه كــان علــى الضــللة[
فخذوا بكتاب الله ،واستمســكوا بـه“ فحــث علــى كتــاب اللــه
ورغب فيه).(1
-9وعن أبي هريرة رضي الله عنه :أن رسول الله صّلى الله عليه
وسّلم قال” :يكون في آخر الزمان دجالون كذابون ،يأتونكم
مــن الحــاديث بمــا لــم تســمعوا أنتــم ول آبــاؤكم فإيــاكم
وإياهم ل يضلونكم ول يفتنونكم“).(2
()1مسلم ،كتاب فضائل الصحابة ،باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه،
،4/1873برقم .2408
()2مسلم ،في المقدمة ،باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والحتياط في تحملها،
،1/12برقم ،7 ،6وابن وضاح في ما جاء في البدع ،ص ،67برقم .65
()3الطبقات الكبرى.3/136 ،
()4أخرجه الللكائي ،في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ،1/139 ،برقم ،201
والدارمي في سننه ،1/47 ،برقم ،121وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله،
،2/1041برقم ،2001ورقم ،2003ورقم .2005
()5أخرجه ابن وضاح في ما جاء في البدع ،ص ،43برقم ،12 ،14والطبراني في
المعجم الكبير ،9/154 ،برقم ،8770وقال الهيثمي في مجمع الزوائد:1/181 :
"ورجاله رجال الصحيح" ،وأخرجه الللكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة
والجماعة ،1/96 ،برقم ،102وانظر :آثارًا أخرى عن عبد الله بن مسعود رضي الله
عنه في ما جاء في البدع لبن وضاح ص ،45ومجمع الزوائد.1/181 ،
19
-1كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى رجل فقال" :أما بعــد،
أوصيك بتقوى الله ،والقتصاد في أمره ،وإتباع سنة نــبيه ص ـّلى اللــه
عليه وسّلم ،وترك ما أحدث المحدثون بعد ما جرت به سنته").(6
-2وقال الحسن البصري رحمه الله" :ل يصح القول إل بعمل ،ول
يصح قول وعمل إل بنية ،ول يصح قول وعمل ونية إل بالسنة").(2
-3وقال المام الشافعي رحمه الله" :حكمي فــي أصــحاب الكلم
أن يضربوا بالجريد ،ويحملوا علــى البــل ويطــاف بهــم فــي العشــائر
والقبــائل ،ويقــال :هــذا جــزاء مــن تــرك الكتــاب والســنة وأخــذ فــي
الكلم").(3
-4وقال المام مالك رحمه اللــه" :مــن ابتــدع فــي الســلم بدعــة
يراهــا حســنة فقــد زعــم أن محمــدا ً ص ـّلى اللــه عليــه وس ـّلم خــان
َ
م{ ]المـــائدة،[3 : ت ل َك ُ ْ
م ِدين َك ُ ْ مل ْ ُ
م أك ْ َ الرسالة ،لن الله يقول} :ال ْي َ ْ
و َ
فما لم يكن يومئذ دينًا ،فل يكون اليوم دينا" .
ً )(4
-5وقال المام أحمد رحمه الله" :أصول السنة عندنا التمسك بما
كان عليه أصحاب رسول الله صّلى الله عليه وسّلم ،والقتداء وتــرك
البدع ،وكل بدعة ضللة ،وترك الخصــومات ،والجلــوس مــع أصــحاب
الهواء ،وترك المراء والجدال والخصومات في الدين").(5
20
ف ق ُ ول َ ت َ ْ ل :الجهل ،فهو آفة خطيرة ،قال الله عــز وجــلَ } : أو ً
ُ وال ْ ُ
ك ل أولــئ ِ َ ؤادَ ك ُـ ّ ف َ صَر َ وال ْب َ َ ع َ م َ س ْ ن ال ّ م إِ ّ عل ْ ٌ ه ِ ك بِ ِ س لَ َ ما ل َي ْ َ َ
م ّ َ ر حــ َ ما ِ َ ّ ن إ ل ْ قُ } سبحانه: وقال ، [ 36 ]السراء: ل{ ً ؤو ُ سُ َ ْ م ه ْ ن ع َ ن
َ كا َ
ر ي غ َ
َ َ ِ َ َ ََ َ ِ ْ ِ ب ي غْ ب ْ ل وا م ْ ث ل وا ن َ ط ب
َ َ َ َ ما و ها ْ ن م ِ رَ َ ه َ ظ ما ح َ َ ش وا ِ ف َ ي ال ْ َ َرب ّ َ
قوُلوا ْ َ ْ َ ّ ْ َ
وأن ت َ ُ سلطاًنا َ ه ُ ل بِ ِ م ي ُن َّز ْ ما ل ْ ه َ كوا ِبالل ِ ر ُ ش ِ وأن ت ُ ْ ق َ ح ّ ال ْ َ
ن{ ]العراف ،[33 :وعن عبد اللــه بــن عمــرو مو َ عل َ ُ ما ل َ ت َ ْ ه َ عَلى الل ّ ِ َ
بن العاص رضي الله عنهما قال سمعت النبي صّلى الله عليه وسـّلم
يقــول” :إن اللــه ل ينــتزع العلــم مــن النــاس انتزاع ـًا ،ولكــن يقبــض
ويبقي في النــاس رُؤوس ـا ً جُهّــال ً يفتنــون العلماء فيرفَعُ العلم معهمُ ،
ضّلون“ .
)(1
وي ِ بغير علم فََيضِّلون ُ
ثانيًا :إتباع الهوى ،من السباب الخطيرة التي توقع الناس فـي
ة فـ ً خِلي َ ك َ عل ْن َــا َ ج َ وودُ إ ِّنا َ دا ُ البدع ،والهواء قال الله عز وجلَ} :يا َ
وى ْ ْ ح ُ ض َ َ
هــ َ ع ال َ ول ت َت ِّبــ ِ ق َ ح ّ س ِبــال َ ن الّنــا ِ كم ب َْيــ َ فــا ْ فــي الْر ِ ِ
ه ل الل ـ ِ ّ س ـِبي ِ عــن َ ن َ ض ـلو َ ّ ن يَ ِ ذي َ ن ال ِ ّ ه إِ ّ ل الل ِ ّ سِبي ِ عن َ ضلك َ َ ّ في ُ ِ َ
ب{ ]ص ،[26 :وقــال ســا ِ ح َ م ال ِ ْ و َ ســوا ي َـ ْ مــا ن َ ُ ديدٌ ب ِ َ شـ ِ ب َ ذا ٌ ع َ م َ ه ْ لَ ُ
ه
وا ُ هـ َ ع َ وات ّب َـ َ رن َــا َ ِ عــن ِذك ْ ه َ قل ْب َ ُ فل َْنا َ غ َ ن أَ ْ م ْ ع َ ول َ ت ُطِ ْ سبحانهَ } :
ت َ َ
فُرطا{ ]الكهف ،[28 :وقال اللــه عــز وجــل} :أ َ ً مُرهُ ُ َ و َ
فَرأي ْ َ نأ ْ كا َ َ
علــى َ م َ ـ َ ت خ
َ و م ـ ْ ل عِ ـى ـ َ ل عَ ه ـ ّ ل ال ه ّ ل ـ ض َ َ أ و ه وا ـ ه َ ه ـ ه َ ل إ َ ذ خ َ ّ ت ا ن م
َ ٍ َ ُ ُ َ ُ َ ِ َ ُ َ ِ
مــن َ ْ ِ ِ ِ ه دي ـ ه ي ـن ـ م َ فَ ً ة وَ ـا ـ ش َ غِ ه ر
َ َ ِ ِ ـ ص ب لى َ ع
َ ل َ ع
ِ ِ َ َ َ ج و ه ب ْ ل قَ و س ْ ِ َ ه ع
ِ م َ
ن ـ م و } ـل: ـ وج ـز ـ ع ـال ـ وق ، ن{ رو ّ ك َ ذ ـ ت فل َ َ أ ه ـ ّ ل ال د
َ َ ْ [ 23 ]الجاثيــة: َ ُ َ ِ بَ ْ ِ ع
ه{ ]القصــص ،[50 :وقــال ن الل ّ ِ م َ دى ّ ه ً ر ُ ِ غي ْ واهُ ب ِ َ ه َ ع َ ن ات ّب َ َ ِ م
م ّ ل ِ ض ّ أَ َ
د
قـ ْ ول َ َ س َ فـ ُ وى ال َن ْ ُ هـ َ مــا ت َ ْ و َ ن َ ن إل ّ الظّـ ّ عو َ عز وجلِ} :إن ي َت ّب ِ ُ
دى{ ]النجم.[23 : ه َ م ال ُ ْ ه ُ من ّرب ّ ِ هم ّ جاءَ ُ َ
ثالثا :التعلـق بالشـبهات :فــإن المبتدعــة يتعلقــون بالشــبهات ً
ك عل َي ْـ َ ل َ ي َأنـَز َ ذ َ و اّلـ ِ ه َ فيقعون في البدع ،قال اللــه عــز وجــلُ } :
ُ ُ
ت ها ٌ شــاب ِ َ مت َ َ خ ـُر ُ وأ َ ب َ م ال ْك َِتا ِ نأ ّ ه ّ ت ُ ما ٌ حك َ َ م ْ ت ّ ه آَيا ٌ من ْ ُ ب ِ ال ْك َِتا َ
َ َ
غــاء ه اب ْت ِ َ من ْـ ُ ه ِ شاب َ َ ما ت َ َ ن َ عو َ في َت ّب ِ ُ غ َ م َزي ْ ٌ ه ْ ِ قُلوب ِ ن في ُ ذي َ ما ال ّ ِ فأ ّ
ْ ْ
ن خو َ سـ ُ والّرا ِ ه َ ه إ ِل ّ الل ّـ ُ ويل َ ُ م ت َأ ِ عل َ ُ ما ي َ ْ و َ ه َ ويل ِ ِ غاءَ ت َأ ِ واب ْت ِ َ ة َ فت ْن َ ِ ال ْ ِ
مــا ي َـذّك ُّر إ ِل ّ و َد َرب ّن َــا َ عن ـ ِ ن ِ م ْ ل ّ ه كُ ّ مّنا ب ِ ِ نآ َ قوُلو َ عل ْم ِ ي َ ُ في ال ْ ِ ِ
ب{ ]آل عمران.[7 : ْ ْ ُ ُ
ولوا اللَبا ِ أ ْ
رابعًا :العتماد على العقل المجــرد ،فــإن مــن اعتمــد علــى
عقله وترك النص من القرآن والسنة أو من أحدهما ضل ،واللــه عــز
ه عْنـ ُ م َ هـاك ُ ْ مـا ن َ َ و َ ذوهُ َ خـ ُ ف ُ ل َ سـو ُ م الّر ُ ما آَتـاك ُ ُ و َ وجل يقــولَ } :
()1متفق عليه :البخاري ،كتاب العتصام بالكتاب والسنة ،باب ما يذكر من ذم الرأي
وتكلف القياس ،8/187 ،برقم ،7307ومسلم ،كتاب العلم ،باب رفع العلم وقبضه
وظهور الجهل والفتن آخر الزمان ،4/2058 ،برقم .2673
21
ب{ ]الحشــر ،[7 :وقــال قا ِ ع َ ديدُ ال ْ ِ ش ِ ه َ ن الل ّ َ ه إِ ّ قوا الل ّ َ وات ّ ُ هوا َ فانت َ ُ َ
ه ضــى اللــ ُ ّ ق َ ذا َ ة إِ َ مَنــ ٍ ؤ ِ م ْ ول ُ ن َ مــ ْ َ
َ م ٍ ؤ ِ ن لِ ُ مــا كــا َ
َ
و َ عــز وجــلَ } :
ورسول ُ َ
ص ْ َ مًرا أن ي َ ُ
عـ ِ مــن ي َ ْ و َ م َ ه ْ ر ِ م ِ نأ ْ م ْ خي ََرةُ ِ م ال ِ ه ُ نل ُ كو َ هأ ْ ُ َ َ ُ
مِبيًنا{ ]الحزاب.[36 : ّ ً ضلل َ ل ّ ض
َ ْ د ق َ ف َ هُ َ ل سو ه َ َ ُ ر و الل ّ َ
خامسًا :التقليد والتعصب :فإن أكثر أهل البدع يقلدون آباءهم
ل قي َ ذا ِ وإ ِ َ ومشايخهم ،ويتعصبون لمذاهبهم ،قال اللــه عــز وجــلَ } :
هعل َي ْـ ِ في ْن َــا َ مــا أ َل ْ َ ع َ ل ن َت ّب ِـ ُ قــاُلوا ْ ب َـ ْ ه َ ل الل ّـ ُ ما َأن ـَز َ عوا َ م ات ّب ِ ُ ه ُ لَ ُ
جدَْنا آَباءََنــا و َ قاُلوا إ ِّنا َ ل َ آَباءََنا{ ]البقرة ،[170 :وقال عز وجل} :ب َ ْ
عَلى آَثا ُ
ن{ ]الزخرف ،[22 :وأهل البــدع دو َ هت َ ُ م ْ هم ّ ر ِ ِ وإ ِّنا َ ة َ م ٍ عَلى أ ّ َ
سـوءُ َ َ َ
ه ُ ن لـ ُ من ُزّيـ َ زينت لهم أعمالهم ،قــال اللــه عــز وجــل} :أف َ
شاءُ من ي َ َ دي َ ه ِ وي َ ْ شاءُ َ من ي َ َ ل َ ض ّ ه يُ ِ ن الل ّ َ فإ ِ ّ سًنا َ ح َ فَرآهُ َ ه َ مل ِ ِ ع َ َ
مــا م بِ َ عِليــ ٌ ه َ ن اللــ َ ّ ت إِ ّ ســَرا ٍ ح َ م َ هــ ْ َ َ ْ فل َتــذْ َ َ
علي ْ ِ ســك َ ب ن َف ُ ه ْ
ن{ ]فــاطر ،[8 :وقــال اللــه عــز وجــل مبينـا ً حــال أهــل البــدع عو َ صن َ ُ يَ ْ
ن ي َــا لي ْت َن َــا َ قولــو َ ُ ر يَ ُ فــي الن ّــا ِ م ِ ه ْ ه ُ جو ُ و ُ ب ُ قل ُ ّ م تُ َ و َ والهواء} :ي َ ْ
َ َ ُ َ َ َ
ســادَت ََنا عن َــا َ قالوا َرب َّنا إ ِن ّــا أط ْ و َ سول َ ، ْ عَنا الّر ُ وأط ْ ه َ عَنا الل ّ َ أط َ ْ
ب ذا ِ عـ َ ن ال ْ َ مـ َ ن ِ في ْ ِ ع َ ضـ ْ م ِ ه ْ سِبيل َْ ،رب َّنا آت ِ ِ ضّلوَنا ال ّ فأ َ َ وك ُب ََراءََنا َ َ
عًنا ك َِبيًرا{ ]الحزاب.[68-66 : م لَ ْ ُ ْ ه ْ ن ع
َ ْ ل وا َ
سادسًا :مخالطــة أهــل الشــر ومجالســتهم ،مــن الســباب
المؤدية إلى الوقوع في البدع وانتشارها بين الناس ،وقد بين الله عز
م و َ وي َ ْ وجل أن المجالس لهل السوء يندم ،قال ســبحانه وتعــالىَ } :
ل ســو ِ ع الّر ُ م َ ت َ خذ ْ ُ ل َيا ل َي ْت َِني ات ّ َ قو ُ ه يَ ُ عَلى ي َدَي ْ ِ م َ ظال ِ ُ ض ال ّ ع ّ يَ َ
ضل ِّني َ َ خِليل ً ،ل َ َ َ
ن ع ِ قد ْ أ َ فلًنا َ خذ ْ ُ م أت ّ ِ وي ْل ََتى ل َي ْت َِني ل َ ْ سِبيلًَ ،يا َ َ
خ ـذول{ ً ُ ن َ ســا ِ لن َ ن لِ ِ ن الش ـي ْطا ُ َ ّ وكــا َ َ جــاءَِني َ ع ـدَ إ ِذ َ ْ ر بَ ْ ْ
ال ـذك ِ ّ
ن ّ َ وإ ِ َ
ضــو َ خو ُ ن يَ ُ ذي َ ت الـ ِ ذا َرأي ْـ َ ]الفرقــان ،[29-27 :وقال عز وجــلَ } :
ه ر ِ ث غي ْـ ِ َ دي ٍ حـ ِ فــي َ ضــوا ِ ْ خو ُ حت ّــى ي َ ُ م َ ه ْ عن ْ ُ ض َ ر ْ ع ِ فأ َ ْ في آَيات َِنا َ ِ
ع ال َ ْ عـدَ الـذّكَرى َ ْ فل ت َ ْ َ ن َ َ سي َن ّك ال ّ َ
وم ِ قـ ْ مـ َ ع ـد ْ ب َ ْ ق ُ شي ْطا ُ ما ُين ِ وإ ِ ّ َ
م علي ْك ْ ُ َ ل َ قدْ ن َّز َ و َ َ } وتعالى: سبحانه وقال ، [ 68 ]النعام: ن{ َ مي ِ ِ ل ظا ّ ال
ُ َ
ها هَزأ ب ِ َ ست َ ْ وي ُ ْ َ ها َ فُر ب ِ ه ي ُك َ َ ت الل ّ ِ م آَيا ِ عت ُ ْ م ْ س ِ ذا َ ن إِ َ بأ ْ في ال ْك َِتا ِ ِ
ذا م إِ ً ه إ ِن ّكـ ْ ُ ر ِ غي ْـ ِ ث َ دي ٍ حـ ِ في َ ضوا ِ ْ خو ُ حّتى ي َ ُ م َ ه ْ ع ُ م َ دوا َ ْ ع ُ ق ُ فل َ ت َ ْ َ
م هن ّـ َ ج َ فــي َ ن ِ ري َ ف ِ والك َــا ِ ْ ن َ قي َ ف ِ من َــا ِ ع ال ُ ْ م ُ جــا ِ ه َ ن الل ـ َ ّ م إِ ّ هـ ْ مث ْل ُ ُ ّ
عا{ ]النســاء ،[140 :وقال صلى اللــه عليــه وســلم” :إنما مثــل ّ ّ ً مي ِ ج َ
الجليس الصالح والجليــس الســوء كحامــل المســك ونافــخ
الكير ،فحامل المسك إمــا أن يحــذيك وإمــا أن تبتــاع منــه،
22
وإما أن تجد منه ريح ـا ً طيبــة ،ونافــخ الكيــر إمــا أن يحــرق
ثيابك وإما أن تجد ريحا ً خبيثة“).(1
سابعًا :سكوت العلماء وكتم العلم ،من أسباب انتشار البــدع
مـا ن َ مـو َ ن ي َك ْت ُ ُ ذي َ ن اّلـ ِ والفساد بين الناس ،قال الله عز وجــل} :إ ِ ّ
َ
فـي س ِ مـا ب َي ّن ّــاهُ ِللن ّــا ِ د َ عـ ِ مــن ب َ ْ دى ِ هـ َ وال ْ ُ ت َ ن ال ْب َي َّنا ِ م َ أنَزل َْنا ِ
ن ذي َ ن ،إ ِل ّ ال ّـ ِ عن ُــو َ م اّلل ِ هـ ُ عن ُ ُ وي َل ْ َ ه َ م الل ّـ ُ هـ ُ عن ُ ُ ك َيل َ ب ُأوَلـئ ِ َ ال ْك َِتا ِ
َ ب َ َ َ وَلــئ ِ َ ُ وب َي ُّنـوا ْ َ َ
ب وا ُ وأَنـا الّتـ ّ م َ هـ ْ علي ْ ِ ك أُتـو ُ فأ ْ حوا ْ َ صل َ ُ وأ ْ َتاُبوا ْ َ
ن مــو َ ن ي َك ْت ُ ُ ذي َ ن ال ّ ِ م{ ]البقرة ،[160-159 :وقال عز وجــل} :إ ِ ّ حي ُ الّر ِ
قِليل ً أوَلـئ ِ َ ُ ما َأنَز َ
مــا ك َ مًنا َ ه ثَ َ ن بِ ِ شت َُرو َ وي َ ْ ب َ ن ال ْك َِتا ِ م َ ه ِ ل الل ّ ُ َ
ة ْ ّ ّ َ َ ّ ُ ُ ُ ْ
مــ ِ قَيا َ م ال ِ و َ ه يَ ْ م الل ُ ه ُ م ُ ول ي ُكل ُ م إ ِل الّناَر َ ه ْ في ب ُطون ِ ِ ن ِ ي َأكلو َ
َ َ ّ
م{ ]البقــرة ،[174 :وقــال ســبحانه
ُ
ب أِلي ـ ٌ ذا ٌ عـ َ م َ هـ ْ ول ُ م َ
َ
هـ ْ ول َ ي َُزكي ِ َ
هب لت ُب َي ّن ُن ّـ ُ َ ْ
ن أوت ُــوا الك ِت َــا َ ْ ذي َ ّ
ميث َــاقَ الـ ِ ه ِ ّ
خذَ اللـ ُ وإ ِذَ أ َ وتعالىَ } :
مًنا ه ثَ َ وا ب ِ ِ ْ شت ََر ْ وا ْ م َ ه ْ ر ِ هو ِ ُ
وَراء ظ ُ ذوهُ َ فن َب َ ُ ه َ مون َ ُ ول ت َكت ُ ُ ْ َ س َ ِللّنا ِ
ن{ ]آل عمران ،[187 :وقد أوجب اللــه علــى شت َُرو َ ما ي َ ْ س َ فب ِئ ْ َ قِليل ً َ َ
طائفة من المة الدعوة إلى الله عز وجل والمر بــالمعروف والنهــي
ن كن منك ُ ُ ول ْت َ ُ
عو َ ة ي َ ـد ْ ُ مـ ٌ مأ ّ ْ ّ عن المنكر فقــال ســبحانه وتعــالىَ } :
ْ ْ
ر كــ ِ من َ ن ال ُ عــ ِ ن َ و َ هــ ْ وي َن ْ َ ف َ عُرو ِ ن ِبــال ْ َ
م ْ مُرو َ وَيــأ ُ ر َ خْيــ ِ إ َِلــى ال ْ َ
ُ
ن{ ]آل عمران ،[104 :وعن أبي ســعيد رضــي حو َ فل ِ ُ م ْ م ال ْ ُ ه ُ ك ُ وَلـئ ِ َ وأ ْ َ
الله عنه عن النبي صّلى الله عليه وسّلم أنه قال” :من رأى منكم
منكرا ً فليغيره بيده ،فـإن لــم يســتطع فبلســانه ،فـإن لــم
يستطع فبقلبه وذلك أضعف اليمان“) ،(2وهــذا الحــديث يــبين
أن المر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبــان علــى كــل أحــدٍ علــى
حسب هذه الدرجات.
ّ
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله
عليه وسّلم قال” :ما من نـبي بعثــه اللــه فـي أمــة قبلــي إل
كــان لــه مــن أمتــه حورايّــون وأصــحاب ،يأخــذون بســنته
ويقتدون بأمره ،ثم إنها تخلف من بعدهم خلـوف يقولـون
ما ل يفعلون ،ويفعلون ما ل يؤمرون ،فمن جاهدهم بيــده
فهــو مــؤمن ،ومــن جاهــدهم بلســانه فهــو مــؤمن ،ومــن
جاهدهم بقلبهم فهو مؤمن ،وليس وراء ذلك من اليمــان
ة خردل“).(3 حب ُّ
()1متفق عليه من حديث أبي موسى الشعري رضي الله عنه :البخاري ،كتاب الذبائح
والصيد ،باب السمك ،6/287 ،برقم ،5534ومسلم ،في كتاب البر والصلة ،باب
استحباب مجالسة الصالحين ،ومجانبة قرناء السوء ،4/2026 ،برقم .2628
()2مسلم ،كتاب اليمان ،باب بيان كون النهي عن المنكر من اليمان وأن اليمان يزيد
وينقص وأن المر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان ،1/69 ،برقم .49
()3مسلم ،كتاب اليمان ،باب كون النهي عن المنكر من اليمان ،1/70 ،برقم .50
23
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسـول اللـه صـّلى اللـه
م يــوم ألج ـ َ
ِ ه فكتمــه ل عــن علــم يعلمُ ـ ُ عليه وسّلم” :من سُئ ِ َ
القيامة بلجامٍ من نار“).(1
ثامنًا :التشبه بالكفار وتقليدهم من أعظم مــا يحــدث البــدع
بين المسلمين ،ومما يدل على ذلك حــديث أبــي واقــد الليــثي رضــي
الله عنه قال :خرجنا مــع رســول اللــه صـّلى اللــه عليــه وسـّلم إلــى
حنين ،ونحن حديثو عهدٍ بكفر ،وكانوا أسلموا يوم الفتح ،قال :فمررنا
بشجرة فقلنا يــا رســول اللــه ،اجعــل لنــا ذات أنــواط كمــا لهــم ذات
أنواط؟ وكان للكفار سدرة يعكفــون حولهــا ،ويعلقــون بهــا أســلحتهم
يدعونها ذات أنواط ،فلما قلنا ذلك للنبي صّلى الله عليه وسّلم قــال:
”اللــه أكــبر وقلتــم ،والــذي نفســي بيــده كمــا قــالت بنــو
م ل إ ِن ّك ُ ْ
قا َ ة َ
ه ٌ
م آل ِ َ ما ل َ ُ
ه ْ عل ل َّنا إ َِلـ ً
ها ك َ َ ج َ
إسرائيل لموسى} :ا ْ
ن{ ]العــراف ،[138 :لــتركبن ســنن مــن كــان هُلــو َ
ج َم تَ ْ
و ٌ َ
قــ ْ
)(2
قبلكم“ ،وهذا الحديث فيه دللة واضحة على أن التشــبه بالكفــار
هو الذي حمل بني إسرائيل على أن يطلبوا هذا الطلب القبيــح ،وهــو
الذي حمل أصــحاب النــبي محمــد ص ـّلى اللــه عليــه وسـّلم علــى أن
يسألوه أن يجعل لهم شجرة يتــبركون بهــا مــن دون اللــه عــز وجـل،
وهكذا غالب النـاس مــن المســلمين قلـدوا الكفــار فـي عمـل البــدع
والشركيات ،كأعياد المواليد ،وبدع الجنازئز ،والبناء علــى القبــور ،ول
شك أن اتباع السَّنن باب مــن أبــواب الهــواء ،والبــدع) (3ويزيــد ذلــك
وضوحا ً حديث أبي سعيد الخدري رضي اللــه عنــه ،عــن النــبي صـّلى
سَننَ من كان قبلكم :ش ـِبرا ً ن َ ع ّ الله عليه وسّلم أنه قالَ :
”لتتِّب ُ
بشــبرٍ ،وذراعــا ً بــذراعٍ ،حــتى لــو دخلــوا فــي جحــر ضــبّ
لتبعتمــوهم“ قلنــا :يــا رســول اللــه ،اليهــود والنصــارى؟ قــال:
()1الترمذي ،في كتاب العلم ،باب ما جاء في كتمان العلم ،5/29 ،برقم ،2649وأبو
داود ،في العلم ،باب كراهية منع العلم ،3/321 ،برقم ،3658وابن ماجه ،في المقدمة،
باب من سئل عن علم فكتمه ،1/98 ،برقم ،266ومسند أحمد ،305 ،2/263 ،وصححه
اللباني في صحيح سنن الترمذي ،2/336 ،وصحيح سنن ابن ماجه.1/49 ،
()2أخرجه بلفظه ،أبو عاصم في كتاب السنة ،1/37 ،برقم ،76وحسن إسناده اللباني
في ظلل الجنة في تخريج السنة ،المطبوع مع كتاب السنة ،1/37 ،وأخرجه الترمذي
بنحوه ،في كتاب الفتن ،باب ما جاء لتركبن سنن من كان قبلكم ،4/475 ،برقم ،2180
وقال :هذا حديث حسن صحيح ،وانظر :النهج السديد في تخريج أحاديث تيسير العزيز
الحميد ،لجاسم بن فهيد الدوسري ،ص .65–64
()3انظر :تنبيه أولي البصار إلى كمال الدين وما في البدع من أخطار ،للدكتور صالح
السحيمي ،ص ،147ورسائل ودراسات في الهواء والفتراق والبدع وموقف السلف
منها ،للدكتور ناصر العقل ،2/170 ،وكتاب التوحيد ،للدكتور العلمة صالح الفوزان ص
.87
24
”فمن“؟) ،(1قال المام النووي رحمه اللــه" :الس ـَّنن ،بفتــح الســين
والنــون :وهــو الطريــق ،والمــراد بالشــبر ،والــذراع ،وجحــر الضــب:
التمثيل بشدة الموافقــة فــي المعاصــي والمخالفــات ،ل فــي الكفــر،
وفي هذا معجزة ظاهرة لرسول الله ص ـّلى اللــه عليــه وس ـّلم ،فقــد
وقع ما أخبر به صّلى الله عليه وسّلم").(2
فظهر أن الشبر ،والذراع ،والطريق ،ودخول الجحر تمثيل للقتداء
بهم في كل شيء مما نهى عنه وذمه) ،(3وقد حذر النــبي ص ـّلى اللــه
عليه وسّلم عن التشبه بغير أهل السلم فقال” :بعثت بيــن يــدي
الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده ل شريك لــه ،وجعــل
رزقي تحت ظل رمحي ،وجعــل الــذلّ والصــغار علــى مــن
خالف أمري ،ومن تشبه بقوم فهو منهم“).(4
تاسعًا :العتماد علــى الحــاديث الضــعيفة والموضــوعة،
من السباب التي تؤدي إلى البــدع وانتشــارها؛ فــإن كــثيرا ً مــن أهــل
البــدع اعتمــدوا علــى الحــاديث الواهيــة الضــعيفة ،والمكذوبــة علــى
رســول اللــه صـّلى اللــه عليــه وسـّلم ،والــتي ل يقبلهــا أهــل صــناعة
الحديث في البناء عليها ،وردوا الحاديث الصــحيحة الــتي تخــالف مــا
هم عليه من البدع ،فوقعوا بذلك في المهالك والعطــب ،والخســارة،
ول حول ول قوة إل بالله).(5
عاشرًا :الغلو أعظم أسباب انتشار البدع ،وظهورهــا ،وهــو
سبب شرك البشر؛ لن الناس بعد آدم عليــه الصــلة والســلم كــانوا
على التوحيد عشرة قرون ،وبعد ذلك تعلق الناس بالصالحين ،وغلــوا
فيهم حتى عبدوهم من دون الله عز وجل؛ فأرسل اللــه تعـالى نوحـا ً
صّلى الله عليه وسّلم يــدعو إلــى التوحيــد ،ثــم تتــابع الرســل عليهــم
الصلة والســلم) ،(6والغلــو يكــون :فــي الشــخاص ،كتقــديس الئمــة
والولياء ،ورفعهم فوق منازلهم ،ويصل ذلك في النهاية إلى عبادتهم،
ويكون الغلو في الدين ،وذلك بالزيادة على ما شرعه الله ،أو التشدد
()1متفق عليه :البخاري ،كتاب العتصام بالكتاب والسنة ،باب قول النبي صّلى الله عليه
وسّلم” :لتتبعن سنن من كان قبلكم“ ،8/191 ،برقم ،7320ومسلم ،كتاب
العلم ،باب اتباع سنن اليهود والنصارى ،4/2054 ،برقم .2669
()2شرح النووي على صحيح مسلم.16/460 ،
()3انظر :فتح الباري ،لبن حجر.13/301 ،
()4أحمد في المسند ،92 ،2/50 ،وصحح إسناده أحمد محمد شاكر في شرحه للمسند
برقم ،5667 ،5115 ،5114من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
()5انظر :فتاوى ابن تيمية ،363-22/361 ،والعتصام للشاطبي ،294-1/287 ،وتنبيه
أولي البصار إلى كمال الدين وما في البدع من الخطار ،للدكتور صالح السحيمي ،ص
،848ورسائل ودراسات في الهواء والفتراق والبدع وموقف السلف منها ،للدكتور
ناصر العقل.2/180 ،
()6انظر :البداية والنهاية ،لبن كثير.1/106 ،
25
والتكفيــر بغيــر حــق ،والغلــو فــي الحقيقــة :هــو مجــاوزة الحــد فــي
العتقادات والعمال ،وذلك بأن يزاد في حمــد الشــيء ،أو يــزاد فــي
ذمه على ما يستحق) ،(1وقد حذر الله عن الغلو فقال عز وجل لهــل
م{ ]النســاء،[171 : غل ُــوا ْ ِ
فــي ِدين ِك ُـ ْ ل ال ْك ِت َــا ِ
ب ل َ تَ ْ الكتابَ} :يا أ َ ْ
ه َ
وحذر النبي صّلى الله عليه وسّلم مــن الغلــو فــي الــدين ،فعــن ابــن
عباس رضي الله عنهما عن النبي صّلى اللــه عليــه وس ـّلم أنــه قــال:
”إياكم والغلو في الدين ،فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو
فـي الــدين“) ،(2فظهــر أن الغلــو فــي الــدين مــن أعظــم أســباب
الشرك ،والبدع ،والهواء)(3؛ ولخطر الغلو في الدين حذر النبي صـّلى
الله عليه وس ـّلم عــن الطــراء فقــال” :ل تطروني كمــا أطــرت
النصارى عيسى ابن مريم فإنمـا أنـا عبـده ،فقولـوا :عبـد
الله ورسوله“).(4
26
وألزموا أنفسهم بها) ،(1ومــن أمثلــة ذلــك :تحريــم مــا أحــل اللــه مــن
الطيبات تعبدا ً لله عز وجل) ،(2وغير ذلك من المثلة).(3
-2البدعة الضافية :وهي التي لها جهتان أو شائبتان:
إحداهما :لها من الدلة متعلق فل تكون من تلك الجهة بدعة.
والخرى :ليس لها متعلق إل مثل مــا للبدعــة الحقيقيــة :أي أنهــا
بالنسبة لحدى الجهتين سنة لستنادها إلى دليل ،وبالنسبة إلى الجهة
الخرى بدعة لنها مستندة إلى شبهة ل إلى دليل ،ولنها مستندة إلى
شيء ،والفرق بينهمـا مـن جهـة المعنـى أن الـدليل عليهـا مـن جهــة
الصل قائم ،ومن جهة الكيفيــات ،أو الحـوال ،أو التفاصــيل لـم يقــم
عليها مع أنها محتاجة إليه؛ لن الغالب وقوعها فــي التعبــديات ل فــي
العادات المحضة) ،(4ومن أمثلة ذلك :الذكر أدبار الصلوات ،أو في أي
وقــت علــى هيئة الجتمــاع بصــوت واحــد ،أو يــدعو المــام والنــاس
يؤمنــون أدبــار الصــلوات ،فالــذكر مشــروع ،ولكــن أداؤه علــى هــذه
الكيفية غير مشروع وبدعة مخالفة للسنة) (5ومن ذلك تخصــيص يــوم
النصف من شعبان بصيام وليلته بقيام ،وصلة الرغائب في أول ليلــة
جمعة من رجب ،وهذه بدع منكرة ،وهي بدعة إضــافية؛ لن عبــادات
الصـلة والصـيام الصـل فيهـا المشـروعية ،لكـن يـأتي البتـداع فـي
تخصيص الزمان ،أو المكان ،أو الكيفية؛ فإن ذلك لم يأت فــي كتــاب
ول سنة ،فهي مشروعية باعتبار ذاتها بدعة باعتبار ما عرض لها).(6
والتركية:
ّ القسم الثاني :البدعة الفعلية
-1البدعة الفعلية :تدخل في تعريف البدعة :فهي طريقة في
الدين مخترعة ،تشبه الطريقة الشرعية ،يقصد بالسلوك عليها
المبالغة في التعبد لله سبحانه) ،(7ومن أمثلة ذلك :الزيادة في شرع
الله ما ليس منه ،كمن يزيد في الصلة ركعة ،أو يدخل في الدين ما
ليس منه ،أو يفعل العبادة على كيفية يخالف فيها هدي النبي صّلى
27
الله عليه وسّلم) ،(1أو يخصص وقتا ً للعبادة المشروعة لم يخصصه
الشرع :كتخصيص يوم النصف من شعبان بصيام وليلته بقيام).(2
-2البدعة التّركية :تدخل في عموم تعريف البدعة ،من حيث
إنها "طريقة في الدين مخترعة") ،(3فقد يقع البتداع بنفس الترك
تحريما ً للمتروك ،أو غير تحريم؛ فإن الفعل – مثل ً – قد يكون حلل ً
بالشرع فيحرمه النسان على نفسه أو يقصد تركه قصدًا ،فهذا الترك
إما أن يكون لمر يُعتبر شرعا ً أو ل :فإن كان لمر يعتبر فل حرج فيه؛
لنه ترك ما يجوز تركه أو ما يُطلب بتركه ،كالذي يمنع نفسه من
الطعام الفلني من أجل أنه يضره في جسمه ،أو عقله ،أو دينه ،وما
أشبه ذلك ،فل مانع هنا من الترك ،وهذا راجع إلى الحمية من
المضرات ،وأصله قوله صّلى الله عليه وسّلم” :يا معشر الشباب من
استطاع منكم الباءة فليتزوج ،فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ،ومن
لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء“) ،(4وكذلك لو ترك ما ل بأس
به حذرا ً مما به بأس ،وهذا كترك المشتبه حذرا ً من الوقوع في
الحرام ،واستبراءً للدين والعرض.
ً
وإن كان الترك لغير ذلك ،فإما أن يكون تديّنا أو ل؛ فإن لم يكن
تدينا ً فالتارك عابث بتحريمه الفعل ،أو بعزيمته على الترك ،ول
يسمى هذا الترك بدعة؛ لنه ل يدخل تحت لفظ الحد ،إل على
الطريقة الثانية القائلة :إن البدعة تدخل في العادات ،وأما على
الطريقة الولى ،فل يدخل ،لكن هذا التارك يكون مخالفا ً بتركه ،أو
باعتقاده التحريم فيما أحل الله ،وإثم المخالفة يختلف باختلف
درجات المتروك :من حيث :الوجوب ،والندب.
أما إن كان الترك تديّنا ً فهو البتداع في الدين ،سواء كان المتروك
مباحا ً أو مأمورا ً به ،وسواء كان في العبادات ،أو المعاملت ،أو
العادات :بالقول ،أو الفعل ،أو العتقاد ،إذا قصد بتركه التعبد لله كان
مبتدعا ً بتركه) ،(5ومن الدلة على أن الترك في مثل ذلك يكون بدعة:
قصة الثلثة الذين جاءوا إلى بيوت أزواج النبي صّلى الله عليه وسّلم
يسألون عن عبادته ،فلما أخبروا بها ،فكأنهم تقالوها ،فقالوا :وأين
نحن من النبي صّلى الله عليه وسّلم؟ قد غفر الله له ما تقدم من
()1انظر :العتصام للشاطبي ،445–1/367وتنبيه أولي البصار ،للدكتور صالح
السحيمي ،ص ،99وحقيقة البدعة وأحكامها ،لسعيد الغامدي ،2/37 ،وأصول في البدع
والسنن للعدوي ص ،70وعلم أصول البدع ،لعلي بن حسن الثري ،ص .107
()2انظر :كتاب التوحيد ،للعلمة الدكتور صالح الفوزان ،ص .82
()3انظر :العتصام للشاطبي.1/57 ،
()4متفق عليه من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :البخاري ،كتاب الصوم،
باب الصوم لمن خاف على نفسه العزبة ،2/280 ،برقم ،1905ومسلم ،كتاب النكاح،
باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنته ،2/1018 ،برقم .1400
()5انظر :العتصام ،للشاطبي.1/58 ،
28
ذنبه وما تأخر ،قال أحدهم :أما أنا فأصلي الليل أبدًا ،وقال آخر :أنا
أصوم الدهر ول أفطر ،وقال آخر :أنا أعتزل النساء فل أتزوج أبدًا،
فجاء رسول الله صّلى الله عليه وسّلم فقال” :أنتم الذين قلتم
كذا وكذا؟ أما والله إني لخشاكم لله ،وأتقاكم له؛ لكني:
أصوم وأفطر ،وأصلي وأرقد ،وأتزوج النساء ،فمن رغب
عن سنتي فليس مني“).(1
والمراد بالسنة :الطريقة ،ل التي تقابل الفرض ،والرغبة عن
الشيء :العراض عنه إلى غيره ،والمراد :من ترك طريقتي ،وأخذ
بطريقة غيري فليس مني).(2
واتضح مما سبق أن البدعة على قسمين :بدعة فعلية ،وبدع ة
تركية ،كما ظهر أن السنة على قسمين :سنة فعلية وسنة تركية،
فسنة النبي صّلى الله عليه وسّلم كما تكون بالفعل تكون بالترك،
فكما كلفنا الله باتباع النبي صّلى الله عليه وسّلم في فعله الذي
يتقرب به إلى الله – إذا لم يكن من باب الخصوصيات – كذلك طالبنا
باتباعه في تركه – فيكون الترك سنة ،والفعل سنة ،وكما ل نتقرب
إلى الله بترك ما فعل ،ل نتقرب إليه بفعل ما ترك ،فالفاعل لما
ترك ،كالتارك لما فعل ،ول فرق بينهما).(3
()1متفق عليه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه :البخاري ،كتاب النكاح ،باب
الترغيب في النكاح ،6/142 ،برقم ،5063ومسلم ،كتاب النكاح ،باب استحباب النكاح
لمن تاقت نفسه إليه ،2/1020 ،برقم .1401
()2انظر :فتح الباري ،لبن حجر.9/105 ،
()3انظر :العتصام للشاطبي ،60-1/57 ،و ،498 ،485 ،479والمر بالتباع والنهي عن
البتداع ،لجلل الدين السيوطي ،ص ،205وأصول في البدع ،للشيخ محمد أحمد
العدوي ،ص ،70وحقيقة البدعة وأحكامها ،لسعيد بن ناصر الغامدي ،58-2/37 ،وتنبيه
أولي البصار إلى كمال الدين وما في البدع من أخطار ،للدكتور صالح السحيمي ص
،97وعلم أصول البدع للشيخ علي بن حسن الثري ،ص ،107وتحذير المسلمين عن
البتداع والبدع في الدين ،للشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي ،ص .83
29
النوع الثاني :ما يكون من الزيادة على العبادة المشروعة ،كما
لو زاد ركعة خامسة في صلة الظهر أو العصر مث ً
ل.
النوع الثالث :ما يكون في صفة أداء العبادة المشروعة ،بأن
يؤديها على صفة غير مشروعة ،وكذلك أداء الذكار المشروعة
بأصوات جماعية مطربة ،وكالتعبد بالتشديد على النفس في العبادات
إلى حد يخرج عن سنة رسول الله صّلى الله عليه وسّلم.
النوع الرابع :ما يكون بتخصيص وقت للعبادة المشروعة لم
يخصصه الشرع :كتخصيص يوم النصف من شعبان بصيام ،وليلته
بقيام؛ فإن أصل الصيام والقيام مشروع ،ولكن تخصيصه بوقت من
الوقات يحتاج على دليل).(1
30
مدّعيا ً للجتهاد أو مقلدًا. -1من جهة كون صاحب البدعة ُ
-2من جهة وقوعها في الضروريات :الدين ،والنفس ،والعرض،
والعقل ،والمال أو غيرها.
-3من جهة كون صاحبها مستترا ً بها أو معلناً.
-4من جهة كونه داعيا ً إليها أو غير داعٍ لها.
-5من جهة كونه خارجا ً على أهل السنة أو غير خارج.
-6من جهة كون البدعة حقيقية أو إضافية.
-7من جهة كون البدعة بيّنة أو مشكلة.
-8من جهة كون البدعة كفرا ً أو غير كفر.
-9من جهة الصرار على البدعة أو عدمه.
وبين رحمه الله أن هذه المراتب تختلف في الثم على حسب ّ
)(1
النظر إلى دركاتها ،وأوضح رحمه الله أن هذه المراتب منها ما هو
محرم ،ومنها ما هو مكروه ،وأن وصف الضلل ملزم لها وشامل
لنواعها) ،(2ول شك أن البدع تنقسم على حسب مراتبها في الثم إلى
ثلثة أقسام:
)(3
القسم الول :كفر بواح .
)(4
القسم الثاني :كبيرة من كبائر الذنوب .
)(5
القسم الثالث :صغيرة من صغائر الذنوب ،وللبدعة الصغيرة
شروط ،هي:
الشرط الول :ل يداوم عليها ،فإن المداومة تنقلها إلى كــبيرة فــي
حقه.
الشرط الثاني :ل يدعو إليها؛ فإن ذلك يعظم الــذنب لكــثرة العمــل
بها.
الشرط الثالث :ل يفعلها في مجتمعات الناس ،ول في المواضع
التي تقام فيها السنن.
الشرط الرابع :ل يستصغرها ول يستحقرها ،فإن ذلك استهانة بها،
والستهانة بالذنب أعظم من الذنب).(6
واسم الضللة يقع على هذه القسام الثلثة؛ لن النبي صّلى الله
عليه وسّلم جعل كل بدعة ضللة ،وهذا يشمل البدعة المكفرة،
والبدعة المفسقة :سواء كانت كبيرة أو صغيرة).(7
انظر هذه الشروط مع شرحها النفيس :العتصام للشاطبي.559 – 2/551 ، ()6
31
ومنهم من قسم البدع إلى أقسام أحكام الشريعة الخمسة :فقال:
قسم من البدع واجب ،وقسم محرم ،وقسم مندوب إليه ،والقسم
الرابع :بدعة مكروهة ،والقسم الخامس :البدع المباحة .وهذا
التقسيم مخالف لقوله صّلى الله عليه وسّلم” :فإن كل محدثة
بدعة وكل بدعة ضللة“) ،(1وقد رد على هذا التقسيم المام
الشاطبي رحمه الله بعد أن ذكر التقسيم وصاحبه" :والجواب أن هذا
التقسيم أمر مخترع ل يدل عليه دليل شرعي ،بل هو في نفسه
متدافع؛ لن من حقيقة البدعة أن ل يدل عليها دليل شرعي :ل من
نصوص الشرع ول من قواعده ،إذ لو كان هناك ما يدل من الشرع
وجوب ،أو ندبٍ ،أو إباحةٍ؛ لما كان ثم بدعة ،ولكان العمل داخل ً
ٍ على
في عموم العمال المأمور بها ،أو المخير فيها ،فالجمع بين كون تلك
الشياء بدعًا ،وبين كون الدلة تدل على وجوبها ،أو ندبها ،أو إباحتها
م من جهة كونها جمع بين متنافيين .أما المكروه منها والمحرم فمسلّ ٌ
بدعا ً ل من جهةٍ أخرى).(2
()1أبو داوود ،4/201 ،برقم ،4607والترمذي ،5/44 ،برقم ،2676وتقدم تخريجه ،ص
.42
()2العتصام.1/246 ،
ً
()3انظر :تعريف البدعة لغة واصطلحا ،ص 27من هذا الكتاب.
32
النوع الثاني :أن يسأل الله تعالى بالميت ،وهو من البدع
المحدثة في السلم وهذا ليس كالذي قبله فإنه ل يصل إلى الشرك
الكبر .والعامة الذين يتوسلون في أدعيتهم بالنبياء والصالحين كقول
أحدهم :أتوسل إليك بنبيك ،أو بأنبيائك ،أو بملئكتك ،أو بالصالحين من
عبادك ،أو بحق الشيخ فلن ،أو بحرمته ،أو أتوسل إليك باللوح
والقلم ،وغير ذلك مما يقولونه في أدعيتهم ،وهذه المور من البدع
المحدثة المنكرة والذي جاءت به السنة هو التوسل والتوجه بأسماء
الله تعالى ،وصفاته ،وبالعمال الصالحة كما ثبت في الصحيحين في
قصة الثلثة )أصحاب الغار( ،وبدعاء المسلم الحي الحاضر لخيه
المسلم.
النوع الثالث :أن يظن أن الدعاء عند القبور مستجاب ،أو أنه
أفضل من الدعاء في المسجد فيقصد القبر لذلك فإن هذا من
المنكرات إجماعا ً ولم نعلم في ذلك نزاعا ً بين أئمة الدين وهذا أمر
لم يشرعه الله ،ول رسوله ،ول فعله أحد من الصحابة ،ول التابعين
ول أئمة المسلمين وأصحاب رسول الله صّلى الله عليه وسّلم قد
أجدبوا مرات ودهمتهم نوائب ولم يجيئوا عند قبر النبي صّلى الله
عليه وسّلم بل خرج عمر بالعباس فاستسقى بدعائه وقد كان
السلف ينهون عن الدعاء عند القبور فقد رأى علي بن الحسين رضي
الله عنهما رجل ً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صّلى الله عليه
وسّلم فيدخل فيها فيدعو فيها فقال :أل أحدثكم حديثا ً سمعته من
أبي عن جدي عن رسول الله صّلى الله عليه وسّلم ،قال” :ل
تجعلوا قبري عيدا ً ول تجعلوا بيوتكم قبورا ً وصلوا عليّ
وسلموا حيثما كنتم فسيبلغني سلمكم وصلتكم“) ،(1ووجه
الدللة أن قبر النبي صّلى الله عليه وسّلم أفضل قبر على وجه
الرض وقد نهى عن اتخاذه عيدا ً فغيره أولى بالنهي كائنا ً ما كان ،
)(2
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صّلى الله عليه
وسّلم” :ل تجعلوا بيوتكم قبورا ً ول تجعلوا قبري عيدا ً
علي فإن صلتكم تبلغني حيث كنتم“).(3 ّ وصلوا
()1رواه إسماعيل القاضي في كتاب فضل الصلة على النبي صّلى الله عليه وسّلم ص
،34وصححه اللباني في نفس المرجع وله طرق وروايات ذكرها في كتابه تحذير
الساجد من اتخاذ القبور مساجد ،ص .140
()2انظر :الدرر السنية في الجوبة النجدية لعبد الرحمن بن قاسم .174-6/165
()3رواه أبو داود ،واللفظ له ،في كتاب المناسك ،باب زيارة القبور ،2/218 ،برقم
،2042وأحمد ،2/367 ،وحسنه الشيخ اللباني في كتابه :تحذير الساجد ،ص .142
33
البدع المنتشرة المعاصرة كثيرة جدًا ،ومنها على سبيل المثال ل
الحصر ما يلي:
ل :بدعة الحتفال بالمولد النبوي: أو ً
الحتفال بالمولد بدعة منكرة ،وأول من أحدثها العبيديون في
القرن الرابع الهجري ،وقد بيّن العلماء قديما ً وحديثا ً بطلن هذه
البدعة والرد على من ابتدعها وعمل بها ،فل يجوز الحتفال بالمولد،
لمور وبراهين منها:
ل :الحتفال بالمولد من البدع المحدثة في الدين التي ما أنزل أو ً
الله بها من سلطان؛ لن النبي صّلى الله عليه وسّلم لم يشرعه ل
بقوله ،ول فعله ،ول تقريره ،وهو قدوتنا وإمامنا ،قال الله عز وجل:
هوا{ ]الحشر: فانت َ ُ ه َعن ْ ُ م َهاك ُ ْ
ما ن َ َ و َذوهُ َ خ ُ ف ُ ل َسو ُ م الّر ُما آَتاك ُ ُو َ
} َ
ةسن َ ٌ ُ ّ ُ َ َ َ َ
ح َوة ٌ َ
س َهأ ْ ل الل ِ سو ِ
في َر ُ م ِ ن لك ْ ،[7وقال سبحانه} :لقدْ كا َ
را{ ]الحزاب: َ
ه كِثي ً ّ َ
وذَكَر الل َ خَر َ م ال ِ و َ وال ْي َ ْ
ه َ جو الل ّ َن ي َْر ُ من َ
كا َ لّ َ
،[21وقال النبي صّلى الله عليه وسّلم” :من أحدث في أمرنا
هذا ما ليس منه فهو رد“).(1
ثانيًا :الخلفاء الراشدون ومن معهم من أصحاب النبي صّلى الله
عليه وسّلم لم يحتفلوا بالمولد ،ولم يدعوا إلى الحتفال به ،وهم خير
المة بعد نبيها ،وقد قال صّلى الله عليه وسّلم في حق الخلفاء
الراشدين” :عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين
المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ ،وإياكم ومحدثات
المور ،فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضللة“).(2
ثالثًا :الحتفال بالمولد من سنة أهل الزيغ والضلل؛ فإن أول من
أحدث الحتفال بالمولد الفاطميون ،العبيديون في القرن الرابع
الهجري ،وقد انتسبوا إلى فاطمة رضي الله عنها ظلما ً وزورًا ،وبهتانا؛ً
وهم في الحقيقة من اليهود ،وقيل من المجوس ،وقيل من
الملحدة) ،(3وأولهم المعز لدين الله العبيدي المغربي الذي خرج من
المغرب إلى مصر في شوال سنة 361هـ ،وقدم إلى مصر في
34
رمضان سنة 362هـ) ،(4فهل لعاقل مسلم أن يقلد الرافضة ويتبع
سنتهم ويخالف هدي نبيه محمد صّلى الله عليه وسّلم؟.
رابعًا :إن الله عز وجل قد كمل الدين فقال سبحانه وتعالى:
}ال ْيوم أ َك ْمل ْت ل َك ُم دين َك ُم َ
تضي ُ وَر ِ مِتي َ ع َم نِ ْ عل َي ْك ُ ْت َ م ُ م ْوأ ت ْ َْ َ ْ ِ َ ُ َ ْ َ
ّ ّ
م ِديًنا{ ]المائدة ،[3 :والنبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ سل ََما ِ ْ
ل ل َك ُ ُ
البلغ المبين ،ولم يترك طريقا ً يوصل إلى الجنة ويباعد من النار إل
بينه للمة ،ومعلوم أن نبينا صّلى الله عليه وسّلم هو أفضل النبياء،
وخاتمهم ،وأكملهم بلغًا ،ونصحا ً لعباد الله ،فلو كان الحتفال بالمولد
لبينه صّلى الله عليه وسّلم من الدين الذي يرضاه الله عز وجل ّ
لمته ،أو فعله في حياته ،قال صّلى الله عليه وسلم” :ما بعث الله
ّ
من نبي إل كان حقا ً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه
لهم ،وينذرهم شر ما يعلمه لهم“).(1
خامسًا :إحداث مثل هذه الموالد البدعية يفهم منه أن الله تعالى
لم يكمل الدين لهذه المة ،فل بد من تشريع ما يكمل به الدين!
ويفهم منه أن الرسول صّلى الله عليه وسّلم لم يبلغ ما ينبغي للمة
حتى جاء هؤلء المبتدعون المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم
يأذن به سبحانه ،زاعمين أن ذلك يقربهم إلى الله ،وهذا بل شك فيه
خطر عظيم ،واعتراض على الله عز وجل ،وعلى رسوله صّلى الله
عليه وسّلم .والله عز وجل قد أكمل الدين وأتم على عباده نعمته.
سادسًا :صرح علماء السلم المحققون بإنكار الموالد ،والتحذير
منها عمل ً بالنصوص من الكتاب والسنة ،التي تحذر من البدع في
الدين ،وتأمر بإتباع النبي صّلى الله عليه وسّلم ،وتحذر من مخالفته
في القول وفي الفعل والعمل.
سابعًا :إن الحتفال بالمولد ل يحقق محبة الرسول صلى الله
ّ
عليه وسّلم ،وإنما يحقق ذلك :اتباعه ،والعمل بسنته ،وطاعته صّلى
ن الل ّ َ
ه حّبو َ م تُ ِ ل ِإن ُ
كنت ُ ْ ق ْالله عليه وسّلم ،قال الله عز وجلُ } :
فوٌر غ ُ ه َ والل ّ ُ م َ م ذُُنوب َك ُ ْ فْر ل َك ُ ْ غ ِوي َ ْ م الل ّ ُ
ه َ حب ِب ْك ُ ُ
عوِني ي ُ ْ فات ّب ِ َُ
م{ ]آل عمران.[31 : حي ٌ ّر ِ
()4انظر :البداية والنهاية :لبن كثير ،268-12/267 ،345 ،273-11/272 ،و ،6/232
،12/266 ،12/13 ،11/161 ،12/63وانظر :سير أعلم النبلء للذهبي–15/159 ،
،215وذكر أن آخر ملوك العبيدية :العاضد لدين الله ،قتله صلح الدين اليوبي سنة
564هـ ،قال" :تلشى أمر العاضد مع صلح الدين إلى أن خلعه وخطب لبني العباس
واستأصل شأفة بني عبيد ومحق دولة الرفض ،وكانوا أربعة عشر متخلفا ً ل خليفة،
والعاضد في اللغة :القاطع ،فكان هذا عاضدا ً لدولة أهل بيته.15/212 ،
()1مسلم ،كتاب المارة ،باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء :الول فالول ،2/1473 ،برقم
.1844
35
ثامنًا :الحتفال بالمولد النبوي واتخاذه عيدا ً فيه تشبه باليهود
والنصارى في أعيادهم ،وقد نُهينا عن التشبه بهم ،وتقليدهم).(1
تاسعًا :العاقل ل يغتر بكثرة من يحتفل بالمولد من الناس في
سائر البلدان ،فإن الحق ل يعرف بكثرة العاملين ،وإنما يعرف بالدلة
الشرعية ،قال الله سبحانه وتعالى} :وإن ت ُط َ
في من ِ ع أك ْث ََر َ ِ ْ َ ِ
ه{ ]النعام ،[116 :وقال عز وجل: ل الل ّ ِ ضّلو َ َ
سِبي ِ عن َ ك َ ض يُ ِ الْر َِ
ن{ ]يوسف ،[103 :وقال مِني َ ؤ ِ م ْت بِ ُ ص َحَر ْ و َ ول َ ْس َ ما أك ْث َُر الّنا ِ و َ } َ
كوُر{ ]سبأ.[13 : ش ُ ي ال ّ عَباِد َ ن ِ م ْ ل ّ قِلي ٌ و َ
سبحانهَ } :
عاشرًا :القاعدة الشرعية :رد ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله
تعالى وسنة رسوله صّلى الله عليه وسّلم كما قال الله عز وجلَ} :يا
َ ل ُ أ َيها ال ّذين آمُنوا ْ أ َطيعوا ْ الل ّه َ
رم ِ
وِلي ال ْ وأ ْ سو َ َ عوا ْ الّر ُ طي ُ وأ ِ َ َ ِ ُ ِ َ َ ّ َ
ل ِإن سو ِ والّر ُ ه َ ّ َ
دوهُ إ ِلى الل ِ ء فُر ّ َ ي ٍش ْ في َ م ِ عت ُ ْ م فِإن ت ََناَز ْ َ ُ
منك ْ ِ
ويل{ً ْ َ َ
ر ذَل ِك َ ْ ّ م تُ ْ ُ
ن ت َأ ِ س ُ ح َوأ ْ خي ٌْر َ خ ِ وم ِ ال ِ والي َ ْ ه َ ن ِبالل ِ مُنو َ ؤ ِ كنت ُ ْ
]النساء ،[59 :وقال عز وجل} :وما اختلفتم فيه من شيء
فحكمه إلى الله{ ]الشورى ،[10 :ول شك أن من رد الحتفال
بالمولد إلى الله ورسوله يجد أن الله يأمر بإتباع النبي صّلى الله
ما و َ ذوهُ َ خ ُ ف ُ ل َ سو ُ م الّر ُ ما آَتاك ُ ُ و َعليه وسّلم كما قال سبحانهَ } :
هوا{ ]الحشر ،[7 :ويبين سبحانه وتعالى أنه قد أكمل فانت َ ُ ه َ عن ْ ُم َ هاك ُ ْ نَ َ
الدين وأتم النعمة على المؤمنين .ويجد أن النبي صّلى الله عليه
وسّلم لم يأمر بالحتفال بالمولد ،ولم يفعله ،ولم يفعله أصحابه،
فعلم بذلك أن الحتفال بالمولد ليس من الدين ،بل هو من البدع
المحدثة.
الحادي عشر :إن المشروع للمسلم يوم الثنين أن يصوم إذا
أحب ،لن النبي صّلى الله عليه وسّلم سئل عن صوم يوم الثنين،
فقال” :ذاك يوم ولدت فيه ،ويوم بعثت ،أو أنزل عليّ
فيه“) ،(2فالمشرع التأسي بالنبي صّلى الله عليه وسّلم في صيام
يوم الثنين ،وعدم الحتفال بالمولد.
الثاني عشر :عيد المولد النبوي ل يخلو من وقوع المنكرات
والمفاسد غالبًا ،ويعرف ذلك من شاهد هذا الحتفال ومن هذه
المنكرات على سبيل المثال ل الحصر ما يأتي:
-1أكثر القصائد والمدائح التي يتغنّى بها أهل المولد ل تخلو من
ألفاظ شركية ،والغلو والطراء الذي نهى عنه رسول الله صّلى الله
()1انظر :اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم ،لبن تيمية،615-2/614 ،
وزاد المعاد ،لبن القيم.1/95 ،
()2صحيح مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه ،كتاب الصيام ،باب استحباب صيام ثلثة
أيام من كل شهر ،وصوم يوم عرفة وعاشوراء ،والثنين والخميس ،2/819 ،برقم
.1162
36
عليه وسّلم ،فقال” :ل تطروني كما أطرت النصارى ابن
مريم ،فإنما أنا عبده ،فقولوا :عبد الله ورسوله“).(1
-2يحصل في الحتفالت بالموالد في الغالب بعض المحرمات
الخرى :كاختلط الرجال بالنساء ،واستعمال الغاني والمعازف،
وشرب المسكرات والمخدرات ،وقد يحصل فيها الشرك الكبر
كالستغاثة بالرسول صّلى الله عليه وسّلم ،أو غيره من الولياء،
والستهانة بكتاب الله عز وجل فيشرب الدخان في مجلس القرآن،
ويحصل السراف والتبذير في الموال ،وإقامة حلقات الذكر
المحرف في المساجد أيام الموالد مع ارتفاع أصوات المنشدين مع
التصفيق القوي من رئيس الذاكرين ،وكل ذلك غير مشروع بإجماع
علماء أهل الحق).(2
-3يحصل عمل قبيح في الحتفال بمولد النبي صّلى الله عليه
وسّلم ،وذلك يكون بقيام البعض عند ذكر ولدته صّلى الله عليه
وسّلم إكراما ً له وتعظيمًا ،لعتقادهم أن رسول الله صّلى الله عليه
وسّلم يحضر المولد في مجلس احتفالهم؛ ولهذا يقومون له محيين
ومرحبين ،فإن رسول الله صّلى الله عليه وسّلم ل يخرج من قبره
قبل يوم القيامة ،ول يتصل بأحد من الناس ،ول يحضر اجتماعهم ،بل
هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة ،وروحه في أعل عليين عند ربه
عدَ ذَل ِ َ م إ ِن ّك ُ ْ
في دار الكرامة ،كما قال الله عز وجل} :ث ُ ّ
)(3
ك م بَ ْ
ن{ ]المؤمنون ،[16-15 :وقال عُثو َ
ة ت ُب ْ َ
م ِ م ال ْ ِ
قَيا َ و َ
م يَ ْم إ ِن ّك ُ ْ
ن ،ث ُ ّ لَ َ
مي ُّتو َ
عليه الصلة والسلم” :أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ،وأول
من ينشق عنه القبر ،وأول شافع وأول مشفع“) ،(4فهذه
الية ،والحديث الشريف وما جاء في هذا المعنى من اليات
والحاديث كلها تدل على أن النبي صّلى الله عليه وسّلم وغيره من
الموات إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة .قال سماحة العلمة
عبد العزيز بن عبد الله ابن باز حفظه الله" :وهذا أمر مجمع عليه
بين علماء المسلمين ،ليس فيه نزاع بينهم").(5
م،4/171 {... مْري َ َ في ال ْك َِتا ِ
ب َ واذْك ُْر ِ
البخاري ،كتاب النبياء ،باب قوله تعالىَ } :
()1
برقم .3445
()2انظر :البداع في مضار البتداع ،للشيخ علي محفوظ ،ص .257-251
()3انظر :التحذير من البدع ،لسماحة العلمة المام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز ،ص
.13
()4مسلم ،كتاب الفضائل ،باب تفضيل نبينا محمد صّلى الله عليه وسّلم على جميع
الخلئق ،4/1782 ،برقم .2278
()5التحذير من البدع ،ص ،14وص ،14-7وانظر :البداع في مضار البتداع للشيخ علي
محفوظ ص ،258-250والتبرك :أنواعه وأحكامه ،للدكتور ناصر بن عبد الرحمن
الجديع ،ص ،373-358وتنبيه أولي البصار إلى كمال الدين وما في البدع من أخطار،
ص .250-228
37
ثانيًا :بدعة الحتفال بأول ليلة جمعة من شهر رجب:
الحتفال بأول ليلة جمعة من شهر رجب بدعة منكرة ،فقد ذكر
المام أبو بكر الطرطوشي رحمه الله :أنه أخبره أبو محمد المقدسي
فقال" :وأما صلة رجب فلم تحدث عندنا في بيت المقدس إل بعد
سنة ثمانين وأربعمائة ]480هـ[ وما كنا رأيناها ول سمعنا بها قبل
ذلك") ،(1وقال المام أبو شامة رحمه الله" :وأما صلة الرغائب
فالمشهور بين الناس اليوم أنها هي التي تصلى بين العشائين ليلة
أول جمعة من شهر رجب") ،(2وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله:
"فأما الصلة فلم يصح في شهر رجب صلة مخصوصة ،تختص به،
والحاديث المروية في صلة الرغائب في أول ليلة جمعة من شهر
)(3
ب وباطل ل تصح ،وهذه الصلة بدعة عند جمهور العلماء" ، رجب كذ ٌ
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله" :لم يرد في فضل شهر رجب ،ول
معين ،ول في قيام ليلةّ في صيامه ،ول في صيام شيء منه
)(4
بين رحمه الله أن مخصوصة فيه ،حديث صحيح يصلح للحجة" ،ثم ّ
الحاديث الواردة في فضل رجب أو فضل صيامه أو صيام شيء منه
على قسمين :ضعيفة ،وموضوعة) ،(5ثم ذكر حديث صلة الرغائب،
وفيه :أنه يصوم أول خميس من رجب ثم يصلي بين العشائين ليلة
الجمعة اثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة،
و الل ّ ُ
ه ه َ ر{ ثلث مرات ،و} ُ
ق ْ
ل ُ ة ال ْ َ
قد ْ ِ و}إ ِّنا َأنَزل َْناهُ ِ
في ل َي ْل َ ِ
د{ اثنتي عشرة مرة ،يفصل بين كل ركعتين بتسليمة ،ثم ذكر َ
ح ٌأ َ
كلما ً طويل ً في صفة التسبيح والستغفار ،والسجود ،والصلة على
النبي صّلى الله عليه وسّلم ،ثم بيّن بأن هذا الحديث موضوع مكذوب
وبين أن من يصلّيها يحتاج على رسول الله صّلى الله عليه وسّلمّ ،
إلى أن يصوم ،وربما كان النهار شديد الحر ،فإذا صام لم يتمكن من
الكل حتى يصلي المغرب ،ثم يقف في صلته ،ويقع في ذلك التسبيح
الطويل ،والسجود الطويل ،فيتأذى غاية الذى ،وقال" :وإني لغار
لرمضان ولصلة التراويح كيف زوحم بهذه ،بل هذه عند العوام أعظم
وأجل؛ فإنه يحضرها من ل يحضر الجماعات") ،(6وقال المام ابن
الصلح رحمه الله ،في صلة الرغائب" :حديثها موضوع على رسول
الله صّلى الله عليه وسّلم ،وهي بدعة حدثت بعد أربعمائة من
كتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث ،للمام أبي شامة ،ص .138 ()2
انظر :تبيين العجب بما ورد في شهر رجب ،ص .23 ()5
انظر :تبيين العجب بما ورد في شهر رجب ،ص .54 ()6
38
الهجرة") ،(1وأفتى المام العز بن عبد السلم سنة سبع وثلثين
وستمائة ]637هـ[ أن صلة الرغائب بدعة منكرة ،وأن حديثها كذب
على رسول الله صّلى الله عليه وسّلم").(2
وأختم كلم الئمة بتلخيص لكلم المام أبي شامة في بطلن صلة
الرغائب ومفاسدها ،فقد بيّن رحمه الله ذلك على النحو التي:
-1مما يدل على ابتداع هذه الصلة أن العلماء الذين هم أعلم
الدين وأئمة المسلمين :من الصحابة ،والتابعين ،وتابعي التابعين،
وغيرهم ممّن دوّن الكتب في الشريعة مع شدة حرصهم على تعليم
الناس الفرائض والسنن لم ينقل عن واحد منهم أنه ذكر هذه الصلة،
ول دوّنها في كتابه ،ول تعرض لها في مجلسه ،والعادة تحيل أن تكون
هذه سنة وتغيب عن هؤلء العلم.
وجوه ثلثة:
ٍ -2هذه الصلة مخالفة للشرع من
الوجه الول :مخالفة لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن
النبي صّلى الله عليه وسّلم أنه قال” :ل تخصوا ليلة الجمعة
بقيام من بين الليالي ،ول تخصوا يوم الجمعة بصيام من
بين اليام ،إل أن يكون في صوم يصومه أحدكم“) ،(3فل
يجوز أن تخص ليلة الجمعة بصلة زائدة على سائر الليالي لهذا
الحديث) ،(4وهذا يعم أول ليلة جمعة من رجب وغيرها.
ب فيهما الوجه الثاني :صلة رجب وشعبان صلتا بدعة قد كُذِ َ
على رسول الله صّلى الله عليه وسّلم ،بوضع ما ليس من حديثه،
ب على الله بالتقدير عليه في جزاء العمال ما لم يُن َّزل به وكذِ َ
ُ
سلطانًا ،فمن الغيرة لله ولرسوله صّلى الله عليه وسّلم تعطيل ما
ب فيه على الله ورسوله صّلى الله عليه وسّلم وهجره ُكذِ َ
واستقباحه ،وتنفير الناس عنه؛ فإنه يلزم من الموافقة على ذلك
مفاسد هي:
المفسدة الولى :اعتماد العوام على ما جاء في فضلها
وتكفيرها فيحمل كثيرا ً منهم على أمرين:
أحدهما :التفريط في الفرائض.
والثاني :النهماك في المعاصي ،وينتظرون مجيء هذه الليلة
ويصلون هذه الصلة فيرون ما فعلوه مجزئا ً عما تركوه وماحيا ً ما
ارتكبوه ،فعاد ما ظنه واضع الحديث في صلة الرغائب حامل ً على
مزيد الطاعات :مكثرا ً من مزيد ارتكاب المعاصي والمنكرات .
()1كتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث ،للمام أبي شامة ،ص .145
()2كتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث ،للمام أبي شامة ،ص .149
()3متفق عليه :البخاري ،كتاب الصوم ،باب صوم يوم الجمعة ،2/303 ،برقم ،1985
ومسلم ،كتاب الصيام ،باب كراهة صوم يوم الجمعة منفردًا ،2/801 ،برقم .1144
()4انظر :كتاب الباعث على إنكار البدع ،لبي شامة ،ص .156
39
المفسدة الثانية :إن فعل البدع مما يغري المبتدعين في إضلل
الناس إذا رأوا رواج ما وضعوه وانهماك الناس عليه ،فينقلونهم من
بدعة إلى بدعة ،أما ترك البدع ففيه زجر للمبتدعين والواضعين عن
وضع البدع.
المفسدة الثالثة :إن الرجل العالم إذا فعل هذه البدعة كان
موهما ً للعامة أنها من السنن فيكون كاذبا ً على رسول الله صّلى الله
عليه وسّلم بلسان الحال ،ولسان الحال قد يقوم مقام لسان المقال،
وأكثر ما ُأوتي الناس في البدع بهذا السبب.
المفسدة الرابعة :إن العالم إذا صلى هذه الصلة المبتدعة كان
متسببا ً إلى أن تكذب العامة على رسول الله صّلى الله عليه وسّلم،
فيقولون هذه سنة من السنن.
الوجه الثالث :إن هذه الصلة البدعية مشتملة على مخالفة
سنن الشرع في الصلة لمور:
ّ ّ
المر الول :مخالفة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم في
الصلة بسبب عدد السجدات ،وعدد التسبيحات ،وعدد قراءة
سورتي" :القدر" و"الخلص" في كل ركعة.
المر الثاني :مخالفة لسنة خشوع القلب وخضوعه وحضوره في
الصلة ،وتفريغه لله ،والوقوف على معاني القرآن.
المر الثالث :مخالفة لسنة النوافل في البيوت ،لن فعلها في
البيوت أولى من فعلها في المساجد ،وفعلها على النفراد ،إل صلة
التراويح في رمضان.
المر الرابع :إن من كمال هذه الصلة البدعية عند واضعيها
صيام يوم الخميس ذلك اليوم ،فيلزم بذلك تعطيل سنتين :سنة
الفطار ،وسنة تفريغ القلب من ألم الجوع والعطش.
المر الخامس :إن سجدتي هذه الصلة بعد الفراغ منها سجدتان
ل سبب لهما).(1
وكل ما تقدم من الدلة ،وأقوال الئمة ،وأوجه البطلن ،وأقسام
المفاسد يبين للعاقل أن صلة الرغائب بدعة منكرة قبيحة ،محدثة
في السلم.
40
علوه عز وجل على جميع خلقه ،قال ّ عظم قدرة الله الباهرة ،وعلى
ْ َ َ
د
ج ِس ِ م ْ ن ال َ ه لي ْل ً ّ
م َ د ِ
عب ْ ِ
سَرى ب ِ َ ذي أ ْ ن ال ّ ِ حا َ سب ْ َ
عز وجلُ } :
َ ّ َ
ن
م ْه ِ ري َ ُ
ه ل ِن ُ ِول ُ ح ْذي َباَرك َْنا َ صى ال ِ ق َ د ال ْ سج ِ م ْحَرام ِ إ َِلى ال َ
ْ ال ْ َ
صير{ ]السراء.[1 : ع الب َ ِ مي ُ س ِ و ال ّ ه َ
ه ُ
آَيات َِنا إ ِن ّ ُ
ّ
وتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :أنه عرج به إلى ّ
السماء ،وفتحت له أبوابها ،حتى جاوز السماء السابعة ،فكلمه ربه
عز وجل كما أراد سبحانه وتعالى ،وفرض عليه الصلوات الخمس،
وكان الله عز وجل فرضها خمسين صلة ،فلم يزل نبينا محمد صّلى
الله عليه وسّلم يراجع ربه ويسأله التخفيف حتى جعلها خمسا ً في
الفرض وخمسين صلة في الجر؛ لن الحسنة بعشرة أمثالها ،فلله
الحمد والشكر على جميع نعمه التي ل تعد ول تحصى).(1
وهذه الليلة التي حصل فيها السراء ل يحتفل بها ول تخص بشيء
من أنواع العبادة التي لم تشرع ،لمور منها:
ل :هذه الليلة التي حصل فيها السراء والمعراج لم يأتِ خبر أو ً
صحيح في تحديدها ول تعيينها ل في رجب ول في غيره ،فقيل :إنها
كانت بعد مبعثه صّلى الله عليه وسّلم بخمسة عشر شهرًا ،وقيل:
ليلة سبع وعشرين من ربيع الخر ،قبل الهجرة بسنة ،وقيل :كان
ذلك بعد مبعثه بخمس سنين) (2وقيل :ليلة سبعة وعشرين من شهر
ربيع الول) ،(3وقال المام أبو شامة رحمه الله" :وذكر عن بعض
القصاص أن السراء كان في رجب ،وذلك عند أهل التعديل والتخريج
عين الكذب") ،(4وذكر المام ابن القيم رحمه الله أن ليلة السراء ل
يعرف أي ليلة كانت).(5
قال العلمة عبد العزيز ابن باز رحمه الله" :وهذه الليلة التي
حصل فيها السراء والمعراج لم يأت في الحاديث الصحيحة تعيينها ل
في رجب ول في غيره ،وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن
النبي صّلى الله عليه وسّلم عند أهل العلم بالحديث ولله الحكمة
البالغة في إنساء الناس لها") ،(6ولو ثبت تعيينها لم يجز أن تخص
بشي من أنواع العبادة بدون دليل).(7
()1انظر :التحذير من البدع ،للعلمة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز ،ص .16
()2انظر :شرح النووي على صحيح مسلم.268-2/267 ،
()3انظر :كتاب الحوادث والبدع ،لبي شامة ،ص .232
()4كتاب الحوادث والبدع ،لبي شامة ،ص ،232وانظر :تبيين العجب بما ورد في شهر
رجب ،لبن حجر ،ص .65 ،64 ،52 ،19 ،9
()5انظر :زاد المعاد في هدي خير العباد ،لبن القيم.1/58 ،
()6التحذير من البدع ،ص .17
()7التحذير من البدع ،ص .17
41
ثانيًا :ل يعرف عن أحد من المسلمين :أهل العلم واليمان أنه
جعل ليلة السراء فضيلة عن غيرها؛ ولن النبي صّلى الله عليه
وسّلم وأصحابه ،والتابعين وأتباعهم بإحسان لم يحتفلوا بها ولم
يخصوها بشيء من العبادة ،ولم يذكروها ،ولو كان الحتفال بها أمرا ً
مشروعًا؛ لبي ّنه رسول الله صّلى الله عليه وسّلم للمة :إما بالقول
وإما بالفعل ،ولو وقع أمر من ذلك؛ لعرف واشتهر ،ونقله الصحابة
رضي الله عنهم إلينا).(1
ثالثًا :قد أكمل الله لهذه المة دينها ،وأتم النعمة ،قال الله عز
وجل} :ال ْيوم أ َك ْمل ْت ل َك ُم دين َك ُم َ
مِتي ع َم نِ ْ عل َي ْك ُ ْ
ت َ م ُم ْ وأ ت ْ َ
ْ َ ْ ِ َ ُ َ ْ َ
م ِديًنا{ ]المائدة ،[3 :وقال سبحانه وتعالى: سل ََ م ال ِ ْ ت ل َك ُ ُ ضي ُ وَر ِ َ
ه ّ ْ
م ي َأ َ َ َ َ
شَركاءُ َ م ُ َ َ
ه الل ُ ذن ب ِ ِ ما ل ْ ن َدي ِ ن ال ّ م َ هم ّ عوا ل ُشَر ُ ه ْ مل ُ }أ ْ
ب
ذا ٌ ع َ
م َ ه ْ َ
نل ُ مي َ ّ
ن الظال ِ ِ وإ ِ ّ
م َ ه ْ
ي ب َي ْن َ ُض َ ُ
ل لق َِ ص ِ َ
ة الف ْْ م ُ َ
ول كل ِ َ ول َ ْ َ
م{ ]الشورى.[21 : َ
أِلي ٌ
رابعًا :حذر النبي صّلى الله عليه وسّلم من البدع ،وصرح بأن كل
بدعة ضللة ،وأنها مردودة على صحابها ،ففي الصحيحين عن عائشة
رضي الله عنها عن النبي صّلى الله عليه وسّلم أنه قال” :من
أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد“) ،(2وفي رواية
لمسلم” :من عمل عمل ً ليس عليه أمرنا فهو رد“) ،(3وحذر
السلف الصالح من البدع؛ لنها زيادة في الدين وشرعٌ لم يأذن به
الله ،ورسوله صّلى الله عليه وسّلم ،وتشبه بأعداء الله :من اليهود
والنصارى في زياداتهم في دينهم).(4
انظر :زاد المعاد لبن القيم ،1/58 ،والتحذير من البدع ،للعلمة ابن باز ،ص .17 ()1
42
يلتفتون إلى ليلة النصف من شعبان ،ولم ندرك أحدا ً منهم يذكر
حديث مكحول) (1ول يرى لها فضل ً على ما سواها من الليللي").(2
وقال المام أبو بكر الطرطوشي رحمه الله" :وأخبرني أبو محمد
المقدسي ،قال" :لم تكن عندنا ببيت المقدس قط صلة الرغائب
هذه التي تصلى في رجب وشعبان ،وأول ما حدثت عندنا في سنة
م علينا في بيت المقدس رجل ثمان وأربعين وأربعمائة ]448هـ[ ،قَدِ َ
من أهل نابلس يعرف بابن أبي الحمراء ،وكان حسن التلوة فقام
فصلى في المسجد القصى ليلة النصف من شعبان فأحرم خلفه
رجل ثم انضاف إليهم ثالث ،ورابع ،فما ختمها إل وهم في جماعة
كبيرة ،ثم جاء في العام القابل فصلى معه خلق كثير ،ثم جاء من
العام القابل فصلى معه خلق كثير ،وشاعت في المسجد ،وانتشرت
الصلة في المسجد القصى وبيوت الناس ،ومنازلهم ثم استقرت
كأنها سنة إلى يومنا هذا").(3
وأخرج المام ابن وضاح بسنده أن ابن أبي ملكية قيل له إن زيادا ً
النميري يقول إن ليلة النصف من شعبان أجرها كأجر ليلة القدر
فقال ابن أبي ملكية :لو سمعته منه وبيدي عصا ً لضربته بها ،وكان
زياد قاضيًا").(4
ُ
وقال المام أبو شامة الشافعي رحمه الله" :وأما اللفية فصلة
وه َ
ل ُ النصف من شعبان سميت بذلك لنها يقرأ فيها ألف مرة } ُ
ق ْ
د{ لنها مائة ركعة ,في كل ركعة يقرأ الفاتحة مرة ,وسورة الل ّ َ
ح ٌ
هأ َُ
يأت فيها خبر,
ِ الخلص عشر مرات .وهي صلة طويلة مستثقلة لم
ول أثر ,إل ضعيف أو موضوع ,وللعلوم بها افتتان عظيم ,والتزم
()1يعني بحديث مكحول ما أخرجه ابن أبي عاصم في السنة برقم ،512وابن حبان
برقم ،[12/481 ] 5665والطبراني في الكبير ،20/109برقم ،215وأبو نعيم في
الحلية ،5/191 ،والبيهقي في شعب اليمان 5/272 ،برقم ،6628عن معاذ بن جبل
رضي الله عنه يرفعه" :يطلع الله إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع
خلقه إل لمشركٍ أو مشاحن" ،قال اللباني في سلسلة الحاديث الصحيحة :حديث
صحيح روي عن جماعة من الصحابة من طرق مختلفة يشد بعضها بعضًا ،وهم :معاذ بن
جبل ،وأبو ثعلبة الخشني ،وعبد الله بن عمرو ،وأبي موسى الشعري ،وأبي هريرة،
وأبي بكر الصديق ،وعوف بن مالك ،وعائشة رضي الله عنهم ،ثم خرج هذه الطرق
الثمانية ،وتكلم على رجالها في أربع صفحات .قلت :فإن صح هذا الحديث في فضل ليلة
النصف من شعبان كما يقول اللباني حفظه الله فليس فيه ما يدل على تخصيص ليلتها
بقيام ول يومها بصيام ،إل ما كان يعتاده المسلم من العبادات المشروعة في أيام
السَنة ،لن العبادات توقيفية.
ّ
()2كتاب فيه ما جاء في البدع ،للمام ابن وضاح ،المتوفى سنة 287هـ ص ،100برقم
.119
()3كتاب الحوادث والبدع ،للطرطوشي ،المتوفى سنة 474هـ ،ص ،266برقم .238
()4كتاب فيه ما جاء في البدع ،لبن وضاح ،ص ،101برقم ،120ورواه الطرطوشي في
كتاب الحوادث والبدع عن ابن وضاح ،ص ،263برقم .235
43
بسببها كثرة الوقيد في جميع مساجد البلد ,التي تصلّى فيها ويستمر
ذلك الليل كله ,ويجري فيه الفسوق والعصيان ,واختلط الرجال
بالنساء ,ومن الفتن المختلفة ما شهرته تُغني عن وصفه ,وللمتعبدين
وزين لهم الشيطان جَعَْلها من أصلّ من العوامّ فيها اعتقاد متين,
شعائر المسلمين").(1
وقال الحافظ بن رجب رحمه الله بعد كلم نفيس" :وليلة النصف
من شعبان كان التابعون من أهل الشام :كخالد بن معدان ,ومكحول,
ولقمان ابن عامر ,وغيرهم يعظمونها ويجتهدون فيها العبادة ,وعنهم
آثار
ٌ أخذ الناس فضلها وتعظيمها ,وقد قيل :إنه بلغهم في ذلك
إسرائيلية ,فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف تعظيمها ،فمنهم
عباد أهل من قبله منهم ووافقهم على تعظيمها ،منهم طائفة من ّ
البصرة ،وغيرهم ،وأنكر ذلك أكثر العلماء من أهل الحجاز ،منهم:
عطاء ،وابن أبي مليكه ،ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن
فقهاء أهل المدينة ،وهو قول أصحاب مالك وغيرهم ،وقالوا :ذلك كله
بدعة ،واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين:
إحدهما :أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد ،كان خالد بن
معدان ،ولقمان بن عامر ،وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم،
ويتبخرون ،ويكتحلون ،ويقومون في المسجد ليلتهم تلك ،ووافقهم
إسحاق بن راهويه على ذلك ،وقال في قيامها في المساجد ليس
ذلك ببدعة ،نقله عنه حرب الكرماني في مسائله.
والثاني :أنه يكره الجتماع فيها في المساجد للصلة والقصص،
والدعاء ،ول يكره أن يصلي الرجل فيها لخاصة نفسه ،وهذا قول
الوزاعي ،إمام أهل الشام ،وفقيههم ،وعالمهم ،وهذا القرب إن شاء
الله تعالى ،"...ثم قال" :ول يعرف للمام أحمد كلمٌ في ليلة نصف
شعبان ،ويخرّج في استحباب قيامها عنه روايتان ،من الروايتين عنه
في قيام ليلة العيد؛ فإنه في رواية لم يستحب قيامها جماعة؛ لنه لم
ُينقل عن النبي صّلى الله عليه وسّلم وأصحابه ،واستحبها في رواية؛
لفعل عبد الرحمن بن زيد بن السود لذلك ،وهو من التابعين ،فكذلك
قيام ليلة النصف من شعبان ،لم يثبت فيها شيء عن النبي صّلى الله
عليه وسّلم ،ول عن أصحابه ،وثبت فيها عن طائفة من التابعين من
أعيان فقهاء أهل الشام").(2
قال المام العلمة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز حفظه الله:
"وأما ما اختاره الوزاعي رحمه الله من استحباب قيامها للفراد،
()1كتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث ،لعبد الرحمن بن إسماعيل ،المعروف بأبي
شامة ،المتوفى سنة 665هـ ،ص .124
()2لطائف المعارف ،لبن رجب ،ص .263
44
واختيار الحافظ ابن رجب لهذا القول فهو غريب وضعيف؛ لن كل
شيء لم يثبت بالدلة الشرعية كونه مشروعا ً لم يجزْ للمسلم أن
يحدثه في دين الله ،سواء فعله مفردا ً أو جماعة ،وسواء أسره أو
أعلنه ،لعموم قول النبي صّلى الله عليه وسّلم” :من عمل عمل ً
ليس عليه أمرنا فهو رد“) ،(1وغيره من الدلة الدالة على إنكار
البدع والتحذير منها") ،(2فمما تقدم من كلم المام ابن وضاح،
والمام الطرطوشي ،والمام عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف
بأبي شامة ،والحافظ ابن رجب رحمهم الله ،وإمام هذا الزمان عبد
العزيز ابن باز حفظه الله ،يتضح أن تخصيص ليلة النصف من شعبان
بصلة أو غيرها من العبادة غير المشروعة بدعة ل أصل له من كتاب،
ول سنة ،ول عمله أحد من أصحاب النبي صّلى الله عليه وسّلم.
خامسًا :التبرك:
برك :هو طلب البركة ،والتبرك بالشيء :طلب البركة الت ّ
ّ
)(3
بواسطته .
ول شك أن الخير والبركة بيد الله عز وجل ،وقد اختص الله عز
وجل بعض خلقه بما شاء من الفضل والبركة ،وأصل البركة :الثبوت
واللزوم ،وتطلق على النماء والزيادة ،والتبريك :الدعاء ،يقال :برّك
الشيء وبارك فيه أو بارك
َ عليه :أي دعا له بالبركة ،ويقال :بارك الله
عليه :أي وضع فيه البركة ،وتبارك ل يوصف به إل الله تبارك وتعالى،
م وهذه صفة ل تنبغي إل الله عظ ُ َ
فل يقال :تبارك فلن؛ لن المعنى َ
ن :هو البركة :فالبركة واليُمن لفظان مترادفان ،وقد م ُ
والي ْ
ُ عز وجل،
ظهر من معاني ألفاظ القرآن الكريم أن المقصود بالبركة عدة أمور،
منها:
-1ثبوت الخير ودوامه.
ً
-2كثرة الخير وزيادته واستمراره شيئا بعد شيء.
-3وتبارك ل يوصف بها إل الله ،ول تسند إل إليه ،وذكر ابن القيم
رحمه الله أن تباركه سبحانه وتعالى :دوام جوده ،وكثرة خيره،
ومجده وعلوّه ،وعظمته وتقدسه ،ومجيء الخيرات كلها من عنده،
وتبريكه على من شاء من خلقه ،وهذا هو المعهود من ألفاظ القرآن
أنها تكون دالة على جملة معان).(4
45
والمور المباركة أنواع منها:
-1القرآن الكريم مبارك :أي كثير البركات والخيرات؛ لن فيه خير
الدنيا والخرة ،وطلب البركة من القرآن يكون بتلوته حق تلوته
والعمل بما فيه على الوجه الذي يرضي الله عز وجل.
-2الرسول صّلى الله عليه وسّلم مبارك ،جعل الله فيه البركة،
وهذه البركة نوعان:
) أ ( بركة معنوية :وهي ما يحصل من بركات رسالته في الدنيا
والخرة ،لن الله أرسله رحمة للعالمين ،وأخرج الناس من الظلمات
إلى النور ,وأحل لهم الطيبات وحرم عليهم الخبائث ،وختم به
الرسل ،ودينه يحمل اليسر والسماحة.
حسيّة ،وهي على نوعين: ّ )ب( بركة
ّ ّ
النوع الول :بركة في أفعاله صلى الله عليه وسلم ،وهي ما
أكرمه الله به من المعجزات الباهرة الدالة على صدقه.
النوع الثاني :بركة في ذاته وآثاره الحسية :وهي ما جعل الله له
صّلى الله عليه وسّلم من البركة في ذاته؛ ولهذا تبرك به الصحابة
في حياته ،وبما بقي له من آثار جسده بعد وفاته).(1
والتبرك بالنبي صّلى الله عليه وسّلم في حياته ل يقاس عليه أحد
من خلق الله عز وجل؛ لما جعل الله فيه من البركة ،ول شك أن
النبياء عليهم الصلة والسلم قد جعل الله فيهم البركة ،وكذا
الملئكة ،والصالحين ،ولكن ل يتبرك بهم لعدم الدليل ،وكذلك بعض
الماكن مباركة :كالمساجد الثلثة :المسجد الحرام ،والمسجد النبوي،
والمسجد القصى ،ثم سائر المساجد ،وقد جعل الله في بعض
الزمنة بركة :كرمضان ،وليلة القدر ،وعشر ذي الحجة ،والشهر
الحرم ،ويوم الثنين والخميس ،والجمعة ،ووقت النزول اللهي في
الثلث الخر من الليل ،وغير ذلك من الزمنة المباركة ،التي ل يتبرك
بها المسلم وإنما يطلب البركة من الله عز وجل بقيامه بالعمال
الصالحة المشروعة فيها).(2
-3هناك أشياء مباركة :كما زمزم ،وكالمطر؛ لن من بركاته:
شرب الناس منه والنعام والدواب ،وإنبات الثمار والشجار وشجرة
الزيتون مباركة ،واللبن مبارك ،والخيل مباركة ،والغنم مباركة،
والنخيل مباركة).(3
انظر :التبرك :أنواعه وأحكامه ،للدكتور ناصر الجديع ،ص .96-21 ()1
انظر :التبرك :أنواعه وأحكامه ،للدكتور ناصر الجديع ،ص .182-70 ()2
انظر :التبرك :أنواعه وأحكامه ،للدكتور ناصر الجديع ،ص .197-183 ()3
46
والتبرك المشروع يكون بأمور ،منها ما يأتي:
-1التبرك بذكر الله وتلوة القرآن الكريم ،ويكون ذلك على الوجه
المشروع ،وهو طلب البركة من الله عز وجل بذكر القلب ،واللسان،
والعمل بالقرآن والسنة على الوجه المشروع؛ لن من بركات ذلك
اطمئنان القلب ،وقوة القلب على الطاعة ،والشفاء من الفات،
والسعادة في الدنيا والخرة ،ومغفرة الذنوب ،ونزول السكينة ،وأن
القرآن يكون شفيعا ً لصحابه يوم القيامة ،ول يتبرك بالمصحف
كوضعه في البيت أو في السيارة وإنما التبرك يكون بالتلوة والعمل
به).(1
-2التبرك المشروع بذات النبي صّلى الله عليه وسّلم في حياته؛
لن النبي صّلى الله عليه وسّلم مبارك في ذاته وما اتصل بذاته؛
ولهذا تبرك الصحابة رضي الله عنهم بذاته صّلى الله عليه وسّلم،
ومن ذلك ،ما ثبت عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال" :خرج رسول
الله صّلى الله عليه وسّلم بالهاجرة إلى البطحاء ،فتوضأ ثم صلى
الظهر ركعتين ،والعصر ركعتين ،وقام الناس فجعلوا يأخذون يديه
فيمسحون بها وجوههم ،قال :فأخذت بيده فوضعتها على وجهي ،فإذا
هي أبرد من الثلج ،وأطيب رائحة من المسك") ،(2وعن أنس رضي
الله عنه أن رسول الله صّلى الله عليه وسّلم أتى منى ،فأتى الجمرة
فرماها ،ثم أتى منزله بمنى ونحر ،ثم قال للحلق” :خذ“ وأشار إلى
جانبه اليمن ،ثم اليسر ،ثم جعل يعطيه الناس" ،وفي رواية” :ثم
دعا أبا طلحة النصاري فأعطاه إياه ،ثم ناوله الشق
اليسر“) ،(3فقال” :احلق“ فحلقه ،فأعطاه أبا طلحة فقال:
”أقسمه بين الناس“) ،(4وكان الصحابة يتبركون بثياب النبي
صّلى الله عليه وسّلم ومواضع أصابعه ،وبماء وضوئه ،وبفضل شربه،
وهو كثير) ،(5ويتبركون بالشياء المنفصلة منه :كالشعر ،والشياء التي
استعملها وبقيت بعده :كالثياب ،والنية ،والنعل ،وغير ذلك مما اتصل
بجسده صّلى الله عليه وسّلم).(6
ول يقاس عليه غيره صّلى الله عليه وسّلم؛ فإنه لم يؤثر عنه صّلى
الله عليه وسّلم أنه أمر بالتبرك بغيره من الصحابة رضي الله عنهم
47
أو غيرهم ،ولم ينقل أن الصحابة رضي الله عنهم فعلوا ذلك مع غيره
ل في حياته ول بعد مماته ،ولم يفعلوه مع السابقين الولين من
المهاجرين والنصار ،ول مع الخلفاء الراشدين المهديين ،ول مع
العشرة المشهود لهم بالجنة ،قال المام الشاطبي رحمه الله:
"الصحابة رضي الله عنهم بعد موته عليه الصلة والسلم ،لم يقع من
أحد منهم شيء من ذلك بالنسبة إلى من خلفه ،إذ لم يترك النبي
صّلى الله عليه وسّلم بعده في المة أفضل من أبي بكر الصديق
رضي الله عنه ،فهو كان خليفته ،ولم يفعل به شيء من ذلك ،ول
عمر رضي الله عنه ،وهو كان أفضل المة بعده ،ثم كذلك عثمان ،ثم
علي ،ثم سائر الصحابة الذين ل أحد أفضل منهم في المة ،ثم لم
يثبت لواحد منهم من طريق صحيح معروف أن متبركا ً تبرك به على
أحد تلك الوجوه أو نحوها") ،(1ول شك أن النتفاع بعلم العلماء،
والستماع إلى وعظهم ،ودعائهم ،والحصول على فضل مجال الذكر
معهم فيها من الخير والبركة والنفع الشيء العظيم ،ولكن ل يتبرك
بذواتهم وإنما يعمل بعلمهم الصحيح ،ويقتدى بأهل السنة منهم).(2
-3التبرك بشرب ماء زمزم؛ لنه أفضل مياه الرض ،ويُشبع من
شربه ويكفيه عن الطعام ،ويُستشفى بشربه مع النية الصالحة من
السقام؛ لنه لما شرب له؛ قال النبي صّلى الله عليه وسّلم في ماء
زمزم” :إنها مباركة ،إنها طعام طعم ]وشفاء سقيم[“)،(3
وعن جابر رضي الله عنه يرفعه” :ماء زمزم لما شرب له“)،(4
ويذكر أن النبي صّلى الله عليه وسّلم "كان يحمل ماء زمزم في
الداوي والقرب ،فكان يصب على المرضى ويسقيهم").(5
-4التبرك بماء المطر ،ل شك أن المطر مبارك لما جعل الله فيه
من البركة :من شرب الناس منه ،والنعام ،والدواب ،وإنبات
ّ
الشجار ،والثمار ،وأحيى به الله كل شيء ،وقد ثبت عن النبي صلى
الله عليه وسّلم من حديث أنس رضي الله عنه ،قال :أصابنا ونحن
()1العتصام للشاطبي ،9 ،2/8 ،ونظر :التبرك :أنواعه وأحكامه ،للدكتور الجديع ،ص
.269-261
()2انظر :التبرك :أنواعه وأحكامه ،للدكتور الجديع ،ص .278-269
()3أخرجه مسلم ،كتاب فضائل الصحابة ،باب من فضائل أبي ذر رضي الله عنه،
،4/1922برقم ،2473وما بين المعكوفين عند البزار ،والبيهقي ،والطبراني ،قال
الهيثمي في مجمع الزوائد" :رجاله ثقات".3/286 ،
()4أخرجه ابن ماجه ،كتاب المناسك ،باب الشرب من زمزم ،2/1018 ،برقم ،3062
وصححه اللباني في صحيح سنن ابن ماجه ،2/183 ،وإرواء الغليل.4/320 ،
()5الترمذي بنحوه ،عن عائشة رضي الله عنها ،كتاب الحج ،باب :حدثنا أبو كريب،
،3/286برقم ،963والبيهقي ،5/202 ،وصححه اللباني في صحيح سنن الترمذي،
،1/284والحاديث الصحيحة.2/572 ،
48
مع رسول الله صّلى الله عليه وسّلم مطر .قال :فحسر) (1رسول
الله صّلى الله عليه وسّلم ثوبه حتى أصابه من المطر ،فقلنا :يا
رسول الله لم صنعت هذا؟ قال” :لنه حديث عهد بربه“) ،(2قال
المام النووي رحمه الله" :ومعنى حديث عهد بربه :أي بتكوين ربه
إياه ،ومعناه أن المطر رحمة وهي قريبة العهد بخلق الله تعالى لها،
فيتبرك بها").(3
()1أي :كشف بعض بدنه .شرح النووي على صحيح مسلم.6/448 ،
()2أخرج مسلم ،كتاب صلة الستسقاء ،باب الدعاء في الستسقاء ،2/615 ،برقم
.898
()3شرح النووي على صحيح مسلم.6/448 ،
()4انظر :مجموع فتاوى ابن باز في الحج والعمرة.5/289 ،
()5انظر :التبر :أنواعه وأحكامه ،للدكتور الجديع ،ص .380-315
49
-2من التبرك الممنوع :التبرك بالصالحين ،فل يتبرك بذواتهم ،ول
آثارهم ،ول مواضع عباداتهم ،ول مكان إقامتهم ،و بقبورهم ،ول تشد
الرحال إلى زيارتها ،ول يصلى عندها ،ول تطلب الحوائج عند قبورهم،
ول يتمسح بها ،ول يعكف عندها ،ول يتبرك بمواليدهم ،وغير ذلك ومن
فعل شيئا ً من ذلك تقربا ً إليهم فقد أشرك بالله شركا ً أكبر ،إذا اعتقد
أنهم يضرون أو ينفعون ،أو يعطون أو يمنعون ،أما من فعل ذلك
يرجو البركة من الله بالتبرك بهم فقد ابتدع بدعة نكراء ،وعمل عمل ً
قبيحا ً).(1
-3من التبرك الممنوع :التبرك بالجبال والمواضع ،لن ذلك يخالف
ما كان عليه النبي صّلى الله عليه وسّلم ،والتبرك بذلك يسبب تعظيم
هذه الجبال والمواضع ،ول يجوز القياس على تقبيل الحجر الأسود أو
الطواف بالبيت ،فإن ذلك عبادة لله عز وجل توقيفية ،ول يمسح غير
الحجر السود والركن اليماني من الكعبة ،لن النبي صّلى الله عليه
وسّلم لم يستلم من الركان إل الركنين ،اليمانيين باتفاق العلماء)،(2
قال المام ابن القيم رحمه الله" :ليس عل وجه الرض موضع يشرع
تقبيله واستلمه وتحط الوزار فيه غير الحجر السود والركن
اليماني").(3
وقال رحمه الله عند كلمه على خصائص مكة" :ليس على وجه
الرض بقعة يجب على كل قادر السعي إليها ،والطواف بالبيت الذي
فيها غيرها") ،(4وقال شيخ السلم في حكم الطواف بغير الكعبة:
"وأما الطواف بذلك فهو من أعظم البدع المحرمة ،ومن اتخذه دينا ً
يستتاب ،فإن تاب وإل قتل") ،(5ول يجوز التمسح ول تقبيل مقام
إبراهيم ول الحجر ،ول شيئا ً من جدران المسجد ،ول يتبرك بجبل
حراء ،ويسمى جبل النور ،ول تشرع زيارته ،ول الصعود إليه ول
قصده للصلة ،ول يتبرك بجبل ثور ،ول تشرع زيارته ،ول جبل
عرفات ،ول جبل أبي قبيس ،ول جبل ثبير ،ول يتبرك بالدور :كدار
الأرقم ول غيرها ،ول تشرع زيارة جبل الطور ،ول تشد الرحال إليه،
ول يتبرك بالشجار والحجار ونحوها).(6
وأسباب التبرك الممنوع :الجهل بالدين ،والغلو في الصالحين،
والتشبه بالكفار ،وتعظيم الثار المكانية).(7
50
وآثار التبرك الممنوع كثيرة منها :الشرك الكبر ،وهو أعظم
الثار وأشدها خطرًا ،إذا كان الترك في حد ذاته شركًا ،وإذا كان
التبرك يؤدي إلى الشرك فيكون من وسائل الشرك الكبر .ومن آثار
التبرك الممنوع البتداع في الدين ،واقتراف المعاصي ،والوقوع في
أنواع الكذب ،وتحريف النصوص وتحميلها ما ل تحمل ،وإضاعة
السنن ،والتغرير بالجهال ،وإضاعة الجيال ،كل هذه المور من آثار
التبرك المحرم المذموم.
أما وسائل مقاومة التبرك الممنوع ،فمنها :نشر العلم،
والدعوة إلى منهج الحق ،وإزالة وسائل الغلو ومظاهر التبرك،
وتحطيم كل وسيلة من هذه الوسائل).(1
قال العلمة السعدي رمه الله في تعليقه على كتاب التوحيد :باب
من تبرك بشجرة أو حجرة أو نحوهما" :أي فإن ذلك من الشرك
ومن أعمال المشركين ،فإن العلماء اتفقوا على أنه ل يشرع التبرك
بشيء من الشجار ،والحجار ،والبقع ،والمشاهد وغيرها؛ فإن هذا
التبرك غلوّ فيها ،وذلك يتدرج به إلى دعائها وعبادتها وهذا هو الشرك
الكبر كما تقدم انطباق الحديث عليه ،وهذا عام في كل شيء حتى
مقام إبراهيم ،وحجرة النبي صّلى الله عليه وسّلم وصخرة بيت
المقدس ،وغيرها من البقع الفاضلة.
وأما استلم الحجر السود وتقبيله ،واستلم الركن اليماني من
الكعبة المشرفة فهذا عبودية لله وتعظيم لله ،وخضوع لعظمته ،فهو
عبدٌ له ،وذلك تعظيم للمخلوق، عبد .فهذا تعظيم للخالق وتَ ّ
روح التّ ّ
وتأله له .والفرق بين المرين كالفرق بين الدعاء لله الذي هو إخلصٌ ّ
)(2
وتوحيد ،والدعاء للمخلوق الذي هو شرك وتنديد" .ٌ
51
الحافظ ابن رجب رحمه الله" :النية هي :قصد القلب ول يجب
التلفظ بما في القلب في شيء من العبادات").(1
-2الذكر الجماعي بعد الصلوات؛ والمشروع أن يقول كل واحد
الذكر الوارد منفردًا ،كما كان النبي صّلى الله عليه وسّلم يذكر الله
عز وجل أدبار الصلوات ،وكما عمله الصحابة رضي الله عنهم؛ لنهم
المطبقون لسنته عليه الصلة والسلم ،فل شك أن الذكر الجماعي
بدعة مخالف لهدي النبي صّلى الله عليه وسّلم.
-3طلب قراءة الفاتحة على أرواح الموات ،أو تقرأ على الموات،
أو قراءتها بعد الدعاء للموات أو عند خطبة النكاح ،كل ذلك من
البدع المنكرة التي لم ترد عن رسول الله صّلى الله عليه وسّلم،
ولم يفعلها الصحابة رضي الله عنهم ،وهم أعلم الناس بأحوال النبي
صّلى الله عليه وسّلم ،فعلم بذلك أن هذا الفعل بدعة محدثة منكرة.
-4إقامة المآتم على الموات وصناعة الطعمة ،واستئجار
المقرئين لقراءة القرآن ،يزعمون أن ذلك من باب العزاء ،وأنه ينفع
الميت ،وكل ذلك من البدع ،والغلل التي ما أنزل الله بها من
سلطان.
ّ
-5الذكار الصوفية بأنواعها التي تخالف هدي محمد صلى الله
عليه وسّلم ،سواء كانت المخالفة في الصيغة ،والهيئة ،أو الوقت،
لقوله عليه الصلة والسلم” :من عمل عمل ً ليس عليه أمرنا
فهو رد“).(2
-6البناء على القبور :واتخاذها مساجد ،وبناء المساجد عليها،
ودفن الموات فيها ،والصلة إلى القبور ،وزيارتها لجل التبرك بها،
والتوسل بأصحابها أو غيرهم من الموتى ،والتبرك بالصلة عند
قبورهم ،أو الدعاء عندها ،وزيارة النساء للقبور ،واتخاذ السرج عليها
كل ذلك من البدع المنكرة القبيحة).(3
انظر :كتاب التوحيد ،للعلمة الدكتور صالح الفوزان ،ص .94 ()3
52
عمله فرآه حسنا ً فهو ل يتوب ما دام يراه حسنًا؛ لن أول التوبة العلم
بأن فعله سيء ليتوب منه ،وبأنه ترك حسنا ً مأمور به أمر إيجاب أو
استحباب؛ ليتوب ويفعله ،فما دام يرى فعله حسنا ً وهو سيء في
نفس المر؛ فإنه ل يتوب") ،(1ثم قال" :ولكن التوبة ممكنة وواقعة
بأن يهديه الله ويرشده حتى يتبين له الحق ،كما هدى سبحانه وتعالى
من هدى من الكفار والمنافقين ،وطوائف أهل البدع والضلل")،(2
وقال رحمه الله :ومن قال :إنه ل يقبل توبة مبتدع مطلقا ً فقد غلط
غلطا ً منكرًا") ،(3فقد فسر شيخ السلم حديث حجب التوبة عن
صاحب البدعة بكلمه هذا تفسيرا ً واضحا ً ولله الحمد ،فعن أنس
رضي الله عنه قال :قال رسول الله صّلى الله عليه وسّلم” :إن
الله حجب التوبة عن صاحب كل بدعة“) ،(4وقد وضح المعنى
لهذا الحديث في كلم ابن تيمية رحمه الله آنفًا ،ول شك أن النصوص
بين لعباده أنه يقبل توبة التائبين يفسر بعضها بعضًا ،والله عز وجل ّ
إذا أقلعوا عن جرائمهم ،وندموا وعزموا على أن ل يعودوا ،وردوا
الحقوق إلى أهلها إن وجدت فقال سبحانه بعد أن ذكر المشركين
م َ
ل ع ِ و َ ن َ م َ وآ َ ب َ من َتا َ والقتلة ،والزناة وتوعدهم بالهانةِ} :إل َ
ّ عملً صال ِحا َ ُ
ه
ن الل ُ كا َ و َ ت َ سَنا ٍ ح َ م َ ه ْسي َّئات ِ ِ ه َ ل الل ّ ُ ك ي ُب َدّ ُ ول َئ ِ َ فأ ْ َ ً َ َ
من ّ
فاٌر ل َ غ ّ َ
وإ ِّني ل َ ما{ ]الفرقان ،[70 :وقال عز وجلَ } : حي ً فوًرا ّر ِ غ ُ َ
دى{ ]طه [82 :وقال سبحانه هت َ َما ْ حا ث ُ ّ صال ِ ً ل َ م َ ع ِ و َ ن َ م َ وآ َب َ َتا َ
َ
عَلى أن ُ َ
مل ه ْ س ِ ف ِ فوا َ سَر ُ نأ ْ ذي َ ي ال ّ ِ عَباِد َ ل َيا ِ ق ْ وتعالىُ } :
و
ه َ ه ُ عا إ ِن ّ ُ مي ً ج ِ ب َ فُر الذُّنو َ غ ِ ه يَ ْ ن الل ّ َ ه إِ ّ ة الل ّ ِ م ِ ح َ من ّر ْ طوا ِ قن َ ُ تَ ْ
و َ م ْ غ ُ ال ْ َ
ءا أ ْ سو ً ل ُ ع َ من ي َ ْ و َ م{ ]الزمر ،[53 :وقال تعالىَ } : حي ُ فوُر الّر ِ
ما{ ]النساء: حي ً فوًرا ّر ِ غ ُ ه َ د الل ّ َ ج ِ ه يَ ِ ر الل ّ َ ف ِ غ ِ ست َ ْ م يَ ْ ه ثُ ّ س ُ ف َ م نَ ْ ي َظْل ِ ْ
،[110وهذه التوبة تعم من تاب من الملحدين والكافرين،
والمشركين ،والمبتدعين ،وغيرهم ممن تاب من أهل المعاصي ،إذا
اكتملت شروط التوبة ،ولله الحمد.
53
-1البدع بريد الكفر ،فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي
صّلى الله عليه وسّلم قال” :ل تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي
ع“ فقيل :يا ٍ بأخذ القرون قبلها شبرا ً بشبرٍ ،وذراعا ً بذرا
رسول الله ،كفارس والروم؟ فقال” :ومن الناس إل أولئك“)،(1
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صّلى الله عليه
ن سنن من كان قبلكم ،شبرا ً بشبر، ”لتتبع ّ
ُ وسّلم قال:
وذراعا ً بذراعٍ ،حتى لو دخلوا جحر ضبّ تبعتموهم“ قلنا :يا
رسول الله ،اليهود والنصارى؟ قال” :فمن“).(2
-2القول على الله بغير علم؛ لن الناظر في سير المبتدعة يجدهم
أكثر الناس كذبا ً على الله ورسوله صّلى الله عليه وسّلم ،وقد حذر
و َ
ل ق ّو تَ َ ول َ ْ قول عليه فقال سبحانه وتعالىَ } : الله تعالى عن التّ ّ
َ َ َ ْ َ ض ال َ َ عل َي َْنا ب َ ْ
ه
من ْ ُ
عَنا ِ م لقط ْ ن ،ث ُ ّمي ِه ِبالي َ ِ خذَْنا ِ
من ْ ُ ل ،ل َ
وي ِقا ِ ع َ َ
ّ ّ
ن{ ]الحاقة [46-44 :وحذر النبي صلى الله عليه وسلم عن وِتي َ ْ
ال َ
ّ
الكذب عليه ،وتوعد من فعل ذلك بالعذاب الشديد ،فقال صلى الله
عليه وسّلم” :من تعمد علي كذبا ً فليتبوأ مقعده من
النار“).(3
-3بغض المبتدعة للسنة وأهلها ،وهذا مما يدل على خطورة البدع،
قال المام إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني رحمه الله" :وعلمات
أهل البدع ظاهرة على أهلها بادية ،وأظهر آياتهم وعلماتهم :شدة
معاداتهم لحملة أخبار النبي صّلى الله عليه وسّلم ،واحتقارهم
لهم").(4
-4رد عمل المبتدع؛ لقول النبي صّلى الله عليه وسّلم” :من
أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" ،وفي رواية للمسلم” :من
عمل عمل ً ليس عليه أمرنا فهو رد“).(5
-5سوء عاقبة المبتدع؛ لن الشيطان يريد أن يظفر بالنسان في
عقبة من عدة عقبات :العقبة الولى :الشرك بالله تعالى ،فإن نجا
العبد من هذه العقبة طلبه الشيطان على عقبة البدعة ،وهذا يؤكد أن
()1أخرجه البخاري ،كتاب العتصام بالكتاب والسنة ،باب قول النبي صّلى الله عليه
وسّلم” :لتتبعن سنن من كان قبلكم“ ،8/191 ،برقم .7319
()2متفق عليه :البخاري ،كتاب العتصام ،باب قول النبي صّلى الله عليه وسّلم:
”لتتبعن سنن من كان قبلكم“ ،8/191 ،برقم ،7320ومسلم ،كتاب العلم ،باب
اتباع سنن اليهود والنصارى ،4/2054 ،برقم .2669
()3متفق عليه من حديث أنس رضي الله عنه :البخاري ،كتاب العلم ،باب إثم من كذب
على النبي صّلى الله عليه وسّلم ،1/41 ،برقم ،108ومسلم في المقدمة ،باب تغليظ
الكذب على رسول الله صّلى الله عليه وسّلم ،1/7 ،برقم .2
()4عقيدة أهل السنة وأصحاب الحديث ص .299
()5متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها :البخاري ،1/9 ،برقم ،1ومسلم،
،2/1515برقم ،1907 :وتقدم تخريجه ص .33
54
البدع أخطر من المعاصي) ،(1ولهذا قال سفيان الثوري رحمه الله:
"البدعة أحب على إبليس من المعصية؛ فإن المعصية يتاب منها
والبدعة ل يتاب منها") ،(2وهذا في الغالب ،والله عز وجل يهدي من
يشاء إلى صراط مستقيم.
-6انعكاس فهم المبتدع ،فيرى الحسنة سيئة ،والسيئة حسنة،
والسنة بدعة ،والبدعة سنة ،فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه
ركت ك منها شيء قالوا :تُ ِ ن البدع حتى إذا ُترِ َ قال" :والله لتفشُوَ ّ
السنة" ]أخرجه المام محمد بن وضاح ،في كتاب فيه ما جاء في البدع ،ص ،124
برقم ،162وانظر :آثارا ً في ذلك لبن وضاح في كتابه هذا ص .[156-124
-7عدم قبول شهادة المبتدع وروايته ،فقد أجمع أهل العلم من
المحدثين والفقهاء وأصحاب الصول على أن المبتدع الذي يكفر ّ
ببدعته ل تقبل روايته ،وأما الذي ل يكفر ببدعته فاختلفوا في قبول
روايته ،ورجح المام النووي رحمه الله أن روايته تقبل إذا لم يكن
داعية إلى بدعته ،ول تقبل إذا كان داعية ]انظر :شرح النووي على صحيح
مسلم .[1/176
-8المبتدعة أكثر من يقع في الفتن ،وقد حذر الله عز وجل من
ممنك ُ ْ موا ْ ِ ن ظَل َ ُذي َن ال ّ ِ صيب َ ّ ة ل ّ تُ ِ فت ْن َ ً قوا ْ ِ وات ّ ُ الفتن فقالَ } :
ْ ّ َ ْ
ب{ ]النفال ،[25 :وقال عز قا ِ ع َ ديدُ ال ِ ش ِ ه َ ن الل َ موا أ ّ عل َ ُوا ْ ة َ ص ً خآ َّ
َ َ
ة
فت ْن َ ٌ
م ِ ه ْ صيب َ ُ
ه أن ت ُ ِ ر ِ
م ِنأ ْ ع ْ ن َ فو َ خال ِ ُ ن يُ َ ذي َر ال ّ ِ حذ َ ِ فل ْي َ ْوجلَ } :
م{ ]النور ،[63 :فهل هناك فتنة أخطر من َ ع َ َ
ب أِلي ٌ ذا ٌ م َ ه ْ صيب َ ُو يُ ِأ ْ
مخالفة سنة رسول الله صّلى الله عليه وسّلم وعصيان أمره؟.
وقد حث النبي صّلى الله عليه وسّلم على العمال الصالحة قبل
وقوع الفتن فقال” :بادروا بالعمال فتنا ً كقطع الليل
المظلم .يصبح الرجل مؤمنا ً ويمسي كافرًا ،أو يمسي
مؤمنا ً ويصبح كافرا ً يبيع دينه بعرض من الدنيا“ ]مسلم عن أبي
هريرة رضي الله عنه ،كتاب اليمان ،باب الحث على المبادرة بالعمال قبل تظاهر
الفتن ،1/110 ،برقم .[118
-9المبتدع استدرك على الشريعة؛ لنه ببدعته نصب نفسه
مشرعا ً مكمل ً للدين ،والله عز وجل قد أكمل الدين وأتم النعمة ،قال
سبحانه وتعالى} :ال ْيوم أ َك ْمل ْت ل َك ُم دين َك ُم َ
معل َي ْك ُ ْ
ت َ م ُم ْ
وأ ت ْ َْ َ ْ ِ َ ُ َ ْ َ
م ِديًنا{ ]المائدة ،[3 :وبيّن سبحانه سل ََ ِ ْ لا مت ل َك ُ ُضي ُ وَر ِ مِتي َ ع َنِ ْ
عل َي ْ َ
ك ون َّزل َْنا َ وتعالى في القرآن الكريم كل شيء ،قال عز وجلَ } :
ن{مي َ سل ِ ِم ْ شَرى ل ِل ْ ُ وب ُ ْ
ة َ
م ً
ح َ
وَر ْدى َ
ه ً و ُ
ء َي ٍ
ش ْ ل َ ب ت ِب َْياًنا ل ّك ُ ّ
ال ْك َِتا َ
]النحل.[89 :
55
-10المبتدع يلتبس عليه الحق بالباطل ،لن العلم نور يهدي الله
م التقوى التي ُيوفّقُ صاحبها حرِ َ به من يشاء من عباده ،والمبتدع ُ
قوا ْ َ
مُنوا إن ت َت ّ ُ ْ ّ َ
نآ َ ذي َ ها ال ِ لصابة الحق ،قال الله تعالىِ} :يا أي ّ َ
م َ
فْر لك ُ ْ غ ِ وي َ ْ
م َسي َّئات ِك ُ ْ
م َ عنك ُ ْ فْر َ قانا ً َ
وي ُك َ ّ فْر َ م ُ عل ل ّك ُ ْ ج َه يَ ْ الل ّ َ
م{ ]النفال.[29 : ظي ِ ع ِل ال ْ َض ِ ف ْ ذو ال ْ َه ُ والل ّ ُ َ
-11المبتدع يحمل إثمه وإثم من تبعه ،فعن أبي هريرة رضي الله
عنه أن رسول الله صّلى الله عليه وسّلم قال” :من دعا إلى هدى
كان له من الجر مثل أجور من تبعه ل ينقص ذلك من
أجورهم شيئًا ،ومن دعا على ضللة كان عليه من الثم
ا“ ]مسلم، مثل آثام من تبعه ل ينقص ذلم من آثامهم شيئ ً
،4/2060برقم ،2674وتقدم تخريجه ص .[41
دخل صاحبها في اللعنة ،ففي الحديث الذي رواه -12البدعة ُت ِ
ّ
أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيمن ّ
أحدث في المدينة” :من أحدث فيها حدثا ً أو آوى محدثا ً فعليه
لعنة الله ،والملئكة ،والناس أجمعين ،ل يقبل الله منه
ل“ ]متفق عليه :البخاري ،كتاب العتصام ،باب إثم من آوى محدثاً، صرفا ً ول عد ً
،8/187برقم ،7306ومسلم ،كتاب الحج ،باب فضل المدينة ،ودعاء النبي صّلى الله
عليه وسّلم فيها بالبركة ،2/994 ،برقم ،[1366قال المام الشاطبي رحمه
الله" :وهذا الحديث في سياق العموم فيشمل كل حدث أحدث فيها
مما ينافي الشرع ،والبدع من أقبح الحدث" ]العتصام.[1/96 ،
-13المبتدع يحال بينه وبين الشرب من حوض النبي صّلى الله
عليه وسّلم ،يوم القيامة ،فعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن
النبي صّلى الله عليه وسّلم أنه قال” :أنا فرطكم على الحوض
علي
ّ من ورد شرب ومن شرب لم يظمأ أبدًا ،وليردنّ
م أعرفهم ويعرفوني ،ثم ُيحال بيني وبينهم“ ]متفق أقوا ٌ
عليه :البخاري ،كتاب الرقاق ،باب في حوض النبي صّلى الله عليه وسّلم،7/264 ،
ومسلم ،كتاب الفضائل ،باب إثبات حوض نبينا صّلى الله عليه وسّلم وصفاته،4/1793 ،
برقم ،[2290وفي لفظ فأقول” :إنهم مني“ فيقال :إنك ل تدري ما
غير بعدي“ ]البخاري، أحدثوا بعدك ،فأقول” :سحقا ً سحقا ً لمن ّ
كتاب الرقاق ،باب في حوض النبي صّلى الله عليه وسّلم ،7/264 ،برقم ،[6583
وعن شقيق عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صّلى الله عليه
ب أصحابي أصحابي ،فيقال :إنك ل تدري ما وسّلم” :يا ر ّ
أحدثوا بعدك“ ]متفق عليه :البخاري ،كتاب الرقائق ،باب في حوض النبي صّلى
الله عليه وسّلم ،7/262برقم ،6575ومسلم ،كتاب الفضائل ،باب إثبات حوض نبينا
صّلى الله عليه وسّلم ،4/1796 ،برقم ،[2297وعن أسماء بنت أبي بكر
رضي الله عنهما عن النبي صّلى الله عليه وسّلم قال” :إني على
الحوض حتى أنظر من يرد عليّ منكم ،وسيؤخذ ناسٌ من
56
عْرت ش َ
دوني فأقول :يا ربّ مني ومن أمتي فيقال :هل َ
ما عملوا بعدك والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم“،
فكان ابن أبي ملكية يقول" :اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا
أو أن نفتن في ديننا" ]متفق عليه :البخاري ،كتاب الرقائق ،باب في حوض النبي
صّلى الله عليه وسّلم ،7/266 ،برقم ،6593ومسلم ،كتاب الفضائل ،باب إثبات حوض
نبينا صّلى الله عليه وسّلم وصفاته ،4/1794 ،برقم .[2293
-14المبتدع معرض عن ذكر الله ،لن الله عز وجل شرع لنا
أذكارا ً و دعوات في كتابه وعلى لسان رسوله محمد صّلى الله عليه
وسّلم ،فمنها ما هو مقيد :كأذكار أدبار الصلوات ،وأذكار الصباح
والمساء ،وأذكار النوم والستيقاظ منه ،ومنها ما هو مطلق لم يحدد
َ
مُنوا اذْك ُُروا نآ َ ذي َ ها ال ّ ِ بزمان ول مكان ،قال الله عز وجلَ} :يا أي ّ َ
ل{ ]الحزاب،[42-41 : صي ً الل ّه ذك ْرا ك َِثيرا ،وسبحوه بك ْرةً َ
وأ ِ َ َ َ ّ ُ ُ ُ َ ً َ ِ ً
فالمبتدعة معرضون عن هذه الذكار :إما بانشغالهم ببدعهم وافتتانهم
بها ،وإما باستبدال الذكار المشروعة بأذكار بدعية ،استغنوا بها عما
شرع الله ورسوله صّلى الله عليه وسّلم فأعرضوا بها عن ذكر الله
تعالى ]انظر :تنبيه أولي البصار إلى كمال الدين وما في البدع من الخطار ،للدكتور
صالح بن سعد السحيمي ،ص .[189
-15المبتدعة يكتمون الحق ويخفونه على أتباعهم ،وقد توعد الله
مان َ مو َن ي َك ْت ُ ُ ذي َ ن ال ّ ِ هؤلء وأمثالهم باللعنة ،قال عز وجل} :إ ِ ّ
َ
في س ِ ما ب َي ّّناهُ ِللّنا ِ د َ ع ِ من ب َ ْ دى ِ ه َ وال ْ ُ ت َ ن ال ْب َي َّنا ِ م َ أنَزل َْنا ِ
ن{ ]البقرة.[159 : عُنو َ م اّلل ِ ه ُ عن ُ ُ وي َل ْ َ ه َم الل ّ ُ ه ُ عن ُ ُ ك َيل َ ب ُأوَلـئ ِ َ ال ْك َِتا ِ
فر عن السلم ،فإذا عمل بخرافات بدعته -16عمل المبتدع ي ُن َ ّ
ب ذلك سخرية أعداء السلم بالدين السلمي ،وهو من هذه سب ّ ََ
البدع بريء ]انظر :تنبيه أولي البصار ،لدكتور صالح السحيمي ،ص .[195
-17المبتدع يفرق المة؛ فإنه ببدعته يفرق هو وأتباعه المسلمين،
فيوجد بسبب ذلك أحزابا ً وشيعا ً متفرقة ،قال الله عز وجل} :إ ِ ّ
ن
ما
ء إ ِن ّ َي ٍش ْ في َ م ِ ه ْ من ْ ُت ِ س َ عا ل ّ ْ شي َ ً كاُنوا ْ ِ و َ م َ ه ْ قوا ْ ِدين َ ُ فّر ُن َ ذي َ ال ّ ِ
َ
ن{ ]النعام.[159 : عُلو َ ف َكاُنوا ْ ي َ ْ ما َ هم ب ِ َ م ي ُن َب ّئ ُ ُ ه ثُ ّ م إ َِلى الل ّ ِ ه ْ مُر ُ أ ْ
-18المبتدع المجاهر ببدعته تجوز غيبته؛ لتحذير المة من بدعته،
ول شك أن من أظهر بدعته فهو أشد خطرا ً ممن أظهر فسقه،
والغيبة محرمة بالكتاب والسنة ،ولكن تباح بغرض شرعي لستة
أسباب ]انظر :شرح النووي على صحيح مسلم ،16/142وانظر :تنبيه أولي البصار،
للدكتور السحيمي ،ص :[198-153التظلم ،والستعانة على تغيير المنكر،
والستفتاء ،وتحذير المسلمين من الشر ،وإذا جاهر بفسقه ،وبدعته،
والتعريف ]انظر :فتح الباري بشرح صحيح البخاري ،لبن حجر،[7/86 ،10/471 ،
وقد جمع بعضهم هذه المور الستة في قوله:
57
ف ومحذٍر
متظلم ٍ ومعر ٍ ة
ح ليس بغيبةٍ في ست ٍ
القد ُ
)*(
طلب العانة في إزالة منكر ومجاهر فسقا ً ومستفت ومن
)*( ]انظر :شرح العقيدة الطحاوية ،لبن أبي العز ،ص .[43
-19المبتدع متبع لهواه معاند للشرع ،ومشاق له ]انظر :العتصام
للشاطبي.[1/61 ،
-20المبتدع قد نّزل نفسه منزلة المضاهي للشارع؛ لن الله وضع
الشرائع وألزم المكلفين بالجري على سننها ]انظر :العتصام للشاطبي،
.[70-1/61
والله أسأل لي ولجميع المسلمين العفو والعافية في الدنيا
والخرة ،وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ،وعلى آله
وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
58
المصادر والمراجع
* القرآن الكريم:
-1البداع في مضار البداع ،للشيخ علي محفوظ ،بدون
تاريخ ،دار المعرفة ،بيروت ،لبنان.
-2اجتماع الجيوش السلمية ،للمام شمس الدين أبي عبد
الله محمد ابن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي الشهير بابن قيم
الجوزية ،ت 751هـ ،تحقيق عواد عبد الله المعتق ،الطبعة الولى،
1408هـ ،مطابع الفرزدق التجارية ،الرياض ،المملكة العربية
السعودية.
ً
-3أربعون حديثا في مدح السنة وذم البدعة ،يوسف بن
إسماعيل النبهاني ،بعناية بسام بن عبد الوهاب الجابي ،الطبعة
الولى1415 ،هـ ،دار ابن حزم ،بيروت ،لبنان.
-4إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل ،للعلمة
محمد ناصر الدين اللباني ،الطبعة الولى1399 ،هـ ،المكتب
السلمي ،بيروت ،لبنان.
-5إصلح المساجد من البدع والعواند ،محمد بن جمال
الدين القاسمي ،تخريج ناصر الدين اللباني ،الطبعة الخامسة،
1403هـ المكتب السلمي ،بيروت ،لبنان.
-6أصول في البدع والسنن ،محمد بن أحمد العدوي ،الطبعة
الولى1415 ،هـ ،دار الفتح ،الشارقة.
-7العتصام ،للمام إبراهيم بن موسى الشاطبي ،ت 790هـ،
تحقيق سليم الهللي ،الطبعة الولى1412 ،هـ ،دار ابن عفان ،الخبر،
المملكة العربية السعودية.
-8إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان ،للمام أبي عبد الله
بن أبي بكر ابن قيم الجوزية ،ت 751هـ ،تحقيق محمد حامد الفقي،
بدون تاريخ ،مكتبة حميدو ،السكندرية ،مصر.
-9اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم،
لشيخ السلم أحمد بن عبد الحليم ،ابن تيمية ،ت ،728تحقيق
الدكتور ناصر بن عبد الكريم العقل ،الطبعة الولى1404 ،هـ ،مكتبة
الرشد ،الرياض ،المملكة العربية السعودية.
-10المر بالتباع والنهي عن البتداع ،للحافظ جلل الدين
السيوطي ،تحقيق مشهور بن حسن بن سلمان ،الطبعة الثانية،
1416هـ ،دار ابن القيم ،الدمام ،المملكة العربية السعودية.
-11البداية والنهاية ،للفظ عماد الدين أبي الفداء إسماعيل
بن عمر ابن كثير ،ت 774هـ ،الطبعة الثالثة1979 ،م ،مكتبة
المعارف ،بيروت ،لبنان.
59
-12البدع والمحدثات وما ل أصل له ،لبن باز ،وابن عثيمين
مود بن عبد الله المطر ،الطبعة الولى، ومجموعة العلماء ،جمع ح ّ
1419هـ ،دار ابن خزيمة ،الرياض ،المملكة العربية السعودية.
-13البدع :أسبابها ومضارها ،للشيخ محمود شلتوت ،ت
1383هـ ،تحقيق علي بن حسن عبد المجيد ،الطبعة الولى،
1408هـ ،مكتبة ابن الجوزي ،الحساء ،المملكة العربية السعودية.
-14بهجة قلوب البرار وقرة عيون الخيار ،للعلمة عبد
الرحمن بن ناصر السعدي ،ت 1376هـ ،تخريج بدر البدر ،الطبعة
الثالثة1408 ،هـ ،مكتبة السندس ،الكويت.
-15التبرك أنواعه وأحكامه ،للدكتور ناصر بن عبد الرحمن
الجديع ،الطبعة الثانية1413 ،هـ دار الرشد ،الرياض ،المملكة العربية
السعودية.
-16تبين العجب بما ورد في شهر رجب ،للحافظ أحمد بن
علي بن حجر العسقلني ،تحقيق طارق بن عوض الدارعي ،طبع
ونشر مؤسسة قرطبة ،الندلس.
-17تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد ،محمد ناصر
الدين اللباني ،الطبعة الثالثة1398 :هـ ،المكتب السلمي ،بيروت.
-18تحذير المسلمين عن البتداع والبدع في الدين ،أحمد
بن حجر آل بوطامي ،الطبعة الثانية1403 ،هـ ،مكتبة ابن تيمية،
الكويت.
-19التحذير من البدع ،للعلمة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز،
الطبعة الثانية1412 ،هـ ،دار إمام الدعوة ،الرياض ،المملكة العربية
السعودية.
-20تفسير ابن كثير )تفسير القرآن العظيم( ،للمام أبي
الفداء إسماعيل ابن الخطيب عمر ابن كثير القرشي الدمشقي ،ت
774هـ ،طبعة 1407هـ ،دار الفكر ،بيروت ،لبنان.
-21تفسير الطبري )جامع البيان عن تأويل آي القرآن(،
للمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري ،ت 310هـ ،تحقيق محمود
وأحمد محمد شاكر ،الطبعة الثانية ،بدون تاريخ ،دار المعارف بمصر.
-22تنبيه أولي البصار إلى كمال الدين وما في البدع
من أخطار ،الدكتور صالح بن سعد السحيمي ،الطبعة الولى،
1410هـ ،دار ابن حزم ،الرياض ،المملكة العربية السعودية.
-23تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلم المنان،
العلمة عبد الرحمن بن ناصر السعدي ،ت 1376هـ ،تحقيق محمد
زهري النجار ،طبعة 1404هـ ،طبع ونشر الرئاسة العامة لدارات
البحوث العلمية والفتاء ،الرياض ،المملكة العربية السعودية.
60
-24جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا ً من
جوامع الكلم ،للمام الحافظ زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن
أحمد ابن رجب الحنبلي ،ت 795هـ ،تحقيق شعيب الرناؤوط،
الطبعة الولى1411 ،هـ ،مؤسسة الرسالة ،بيروت ،لبنان.
-25جامع بيان العلم وفضله ،لبي عمر يوسف بن عبد البر،
ت 463هـ ،تحقيق أبي الشبال الزهيري ،الطبعة الولى 1414هـ،
دار ابن الجوزي ،المملكة العربية السعودية.
-26جلء الفهام في فضل الصلة والسلم على محمد
خير النام ،للمام شمس الدين أبي عبد الله بن أبي بكر بن أيوب
الزرعي الدمشقي الشهير بابن القيم ،ت 751هـ ،تحقيق شعيب
وعبد القادر الرناؤوط ،الطبعة الثانية1407 ،هـ دار العروبة ،الصفاة،
الكويت.
-27حقيقة البدعة وأحكامها ،سعيد بن ناصر الغامدي،
الطبعة الولى1412 ،هـ ،دار الرشد ،المملكة العربية السعودية.
-28الحكمة في الدعوة إلى الله ،سعيد بن علي بن وهف
القحطاني ،الطبعة الثالثة1417 ،هـ ،توزيع مؤسسة الجريسي،
الرياض ،المملكة العربية السعودية.
-29حلية الولياء وطبقات الصفياء ،للحافظ أبي نعيم أحمد
بن عبد الله الصفهاني ،ت 430هـ ،بدون تاريخ ،دار الكتب العربية،
بيروت ،لبنان.
-30دراسات في الهواء والفرق والبدع وموقف السلف
منها ،للدكتور ناصر بن عبد الكريم العقل ،الطبعة الولى،1418 ،
مركز الدراسات والعلم ،دار إشبيليا ،الرياض ،المملكة العربية
السعودية.
-31الدرر السنية في الجوبة النجدية ،جمع عبد الرحمن بن
محمد بن قاسم ،ت 1392هـ الطبعة الثانية1385 ،هـ ،المكتب
السلمي ،بيروت ،لبنان.
-32زاد المعاد في هدي خير العباد ،للمام شمس الدين أبي
عبد الله محمد بن أبي بكر ابن القيم الجوزية ،ت 751هـ ،تحقيق
شعيب الرناؤوط وعبد القادر الرناؤوط ،الطبعة الولى1399 ،هـ،
مؤسسة الرسالة ،بيروت ،بنان.
-33سلسلة الحاديث الصحيحة ،للعلمة ناصر الدين اللباني،
الطبعة الثانية1399 ،هــ ،المكتب السلمي ،بيروت ،لبنان.
-34سنن أبي داود ،لسليمان بن الشعث السجستاني ،ت
275هـ ،تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ،بدون تاريخ ،دار
الفكر ،بيروت ،لبنان.
61
-35سنن ابن ماجه ،لمحمد بن يزيد القزويني ،ت 275هـ،
تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ،بدون تاريخ ،دار إحياء التراث العربي،
بيروت ،لبنان.
-36سنن الترمذي ،لبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة ،ت
279هـ ،تحقيق أحمد محمد شاكر ،الطبعة الثانية 1398هـ ،مطبعة
مصطفى البابي الحلبي ،القاهرة ،مصر.
-37سنن الدارمي ،عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ،ت
255هـ ،طبعة 1404هـ ،تحقيق عبد الله بن هاشم اليماني ،توزيع
الرئاسة العامة لدارة البحوث العلمية والفتاء ،الرياض ،المملكة
العربية السعودية.
-38سنن النسائي ،لبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب303 ،هـ،
بشرح الحافظ جلل الدين السيوطي ،ت 911هـ ،وحاشية السندي،
ت 1138هـ ،الطبعة الولى1406 ،هـ ،اعتنى به ورقمه عبد الفتاح
أبو غدة ،الطبعة الثانية1406 ،هـ ،دار البشائر السلمية ،بيروت،
لبنان.
-39سير إعلم النبلء ،للمام شمس الدين محمد بن أحمد بن
عثمان الذهبي ،ت 748هـ ،تحقيق شعيب الرناؤوط ،الطبعة الرابعة،
1406هـ ،مؤسسة الرسالة ،بيروت ،لبنان.
-40شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ،للمام أبي
القاسم هبة الله ابن حسن الطبري الللكائي ،ت 418هـ ،تحقيق د.
أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي ،الطبعة الرابعة،1416 ،هـ ،دار
طيبة ،الرياض ،المملكة العربية السعودية.
-41شرح السنة ،للمام الحافظ أبي محمد الحسين بن مسعود
الفراء البغوي ،ت 519هـ ،تحقيق شعيب الرناؤوط ،الطبعة الولى،
1396هـ ،المكتب السلمي ،بيروت ،لبنان.
-42شرح العقيدة الطحاوية ،للعلمة علي بن علي بن محمد
بن أبي العز الدمشقي ،ت 792هـ ،تخريج محمد ناصر الدين اللباني،
الطبعة الرابعة1390 ،هـ ،المكتب السلمي ،بيروت ،لبنان.
-43شرح العقيدة الواسطية ،لشيخ السلم ابن تيمية ،ت
728هـ ،بقلم العلمة الدكتور صالح بن فوزان الفوزان ،الطبعة
الخامسة1411 ،هـ ،طبع تحت إشراف الرئاسة العامة لدارة البحوث
العلمية والفتاء ،المملكة العربية السعودية.
-44شرح العقيدة الواسطية ،لشيخ السلم ابن تيمية ،تأليف
العلمة محمد خليل هراس ،تخريج علوي السقاف ،الطبعة الولى،
1411هـ ،دار الهجرة ،الرياض ،المملكة العربية السعودية.
62
-45شرح صحيح مسلم للنووي ،لمحيي الدين أبي زكريا بن
شرف النووي ،ت 676هـ ،تحقيق لجنة من العلماء بإشراف الناشر،
الطبعة الثالثة ،بدون تاريخ ،دار القلم ،بيروت ،لبنان.
-46شرح لمعة العتقاد ،عبد الله بن أحمد بن قدامة
المقدسي ،ت 620هـ ،بقلم الشيخ محمد بن صالح العثيمين ،الطبعة
الولى1407 ،هـ ،دار ابن القيم.
-47شعب اليمان ،للمام أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي،
ت 458هـ ،تحقيق أبي هاجر محمد السعيد بسيوني زغلول ،الطبعة
الولى1410 ،هـ ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان.
-48صحيح ابن حيان بترتيب ابن بلبان ،للمام أبي حاتم
محمد بن أحمد ابن حيان البستي ،ت 354هـ ،رتبه المير علء الدين
علي بن سليمان بن بلبان الفارسي ،ت 739هـ ،تحقيق شعيب
الرناؤوط ،الطبعة الثانية1414 ،هـ ،مؤسسة الرسالة ،بيروت ،لبنان.
-49صحيح البخاري ،لبي عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري،
ت 256هـ ،طبعة 1414هـ ،دار الفكر ،بيروت لبنان .وطبعة 1315هـ،
المكتبة السلمية ،إستانبول ،تركيا ،والنسخة المطبوعة مع فتح
الباري ،ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي ،وإشراف محب الدين
الخطيب ،بدون تاريخ ،مكتبة الرياض ،المملكة العربية السعودية.
-50صحيح سنن أبي داود باختصار السند ،ناصر الدين
اللباني ،الطبعة الولى1409 ،هـ ،المكتب السلمي ،بيروت لبنان.
-51صحيح سنن ابن ماجه باختصار السند ،لمحمد ناصر
الدين اللباني ،الطبعة الولى1407 ،هـ ،المكتب السلمي ،بيروت
لبنان.
-52صحيح سنن الترمذي باختصار السند ،لمحمد ناصر
الدين اللباني ،الطبعة الولى1408 :هـ ،المكتب السلمي ،بيروت،
لبنان.
-53صحيح مسلم ،لبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري
النيسابوري ،ت 261هـ ،تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ،بدون تاريخ،
دار إحياء التراث العربي ،بيروت ،لبنان.
-54الطبقات الكبرى :لمحمد بن سعد بن منيع الهاشمي
البصري ،ت 230هـ ،تحقيق محمد عبد القادر عطا ،الطبعة الولى،
1410هـ ،دار الكتب العلمية ،بيروت لبنان.
-55ظلل الجنة في تخريج السنة ،للعلمة ناصر الدين
اللباني ،الطبعة الولى1400 ،هـ المكتب السلمي ،بيروت ،لبنان.
-56عقيدة السلف وأصحاب الحديث ،المام إسماعيل بن
عبد الرحمن الصابوني ،ت 449هـ ،تحقيق ناصر بن عبد الرحمن
63
الجديع ،الطبعة الولى 1415هـ ،دار العاصمة الرياض ،المملكة
العربية السعودية.
-57علم أصول البدع ،علي بن حسن بن عبد الحميد ،الطبعة
الثانية1417 ،هـ ،دار الراية ،الرياض ،المملكة العربية السعودية.
-58الغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة،
الدكتور عبد الرحمن معل اللويحق ،الطبعة الثانية1416 ،هـ مؤسسة
الرسالة ،بيروت ،لبنان.
-59فتح الباري بشرح صحيح البخاري للحافظ أحمد بن
علي بن حجر العسقلني ،ت 852هـ ،ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي
وإشراف محب الدين الخطيب ،بدون تاريخ ،مكتبة الرياض ،المملكة
العربية السعودية.
-60فتح المجيد بشرح كتاب التوحيد ،لعبد الرحمن بن حسن
بن محمد بن عبد الوهاب ،ت 1285هـ ،دار الصميعي ،الرياض،
المملكة العربية السعودية ،وطبعة دار المنار ،بعناية صادق بن سليم
بن صادق ،الرياض ،المملكة العربية السعودية.
-61فتح رب البرية بتلخيص الحموية ،لشيخ السلم ابن
تيمية ،ت 728هـ ،بقلم العلمة محمد بن صالح العثيمين ،الطبعة
الثانية1404 ،هـ ،مطبعة جامعة المام محمد بن سعود السلمية،
المملكة العربية السعودية.
-62فضل الصلة على النبي صّلى الله عليه وسّلم:
إسماعيل بن إسحاق القاضي المالكي ،ت 282هـ ،تحقيق محمد
ناصر الدين اللباني ،الطبعة الثالثة1397 ،هـ المكتب السلمي.
-63القاموس المحيط ،للعلمة مجد الدين محمد بن يعقوب
الفيروز آبادي ،ت 817هـ الطبعة الولى1406 ،هـ ،مؤسسة الرسالة،
بيروت ،لبنان.
-64القول السديد في مقاصد التوحيد ،للشيخ عبد الرحمن
بن ناصر السعدي ،ت 1376هـ ،بعناية وتخريج د .المرتضي الزين
أحمد ،الطبعة الولى1416 ،هـ ،مجموعة التحف النفائس الدولية،
الرياض ،المملكة العربية السعودية.
-65كتاب الباعث على إنكار البدع البدع والحوادث،
للمام ،شهاب الدين أبي محمد عبد الرحمن بن إسماعيل ،المعروف
بأبي شامة ،ت 665هـ ،تحقيق مشهور بن حسن بن سلمان ،الطبعة
الولى1410 ،هـ ،دار الراية ،الرياض ،المملكة العربية السعودية.
-66كتاب التوحيد للدكتور صالح بن فوزان الفوزان،
طبعة خيرية بدون تاريخ.
64
-67كتاب الحوادث والبدع ،للعلمة إبراهيم بن أحمد
الطرطوشي ،ت 579هـ تحقيق عبد المجيد تركي ،الطبعة الولى،
1410هـ ،دار الغرب السلمية ،بيروت ،لبنان.
-68كتاب السنة ،للحافظ أبي بكر عمر بن أبي عاصم الضحاك
بن مخلد الشيباني ،ت 287هـ ،ومعه ظلل الجنة في تخريج السنة
لمحمد بن ناصر الدين اللباني ،الطبعة الولى1400 ،هـ المكتب
السلمي ،بيروت ،لبنان.
-69كتاب فيه ما جاء في البدع ،للمام محمد بن وضاح
القرطبي ،ت 287هـ ،تحقيق بدر البدر ،الطبعة الولى1416 ،هـ ،دار
الصميعي ،الرياض ،المملكة العربية السعودية.
-70لسان العرب ،للمام أبي الفضل جمال الدين بن مكرم بن
علي بن منظور ،ت 711هـ ،الطبعة الثالثة1414 ،هـ ،دار صادر،
بيروت ،لبنان.
-71لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف،
للحافظ عبد الرحمن ابن أحمد بن رجب ،ت 795هـ ،تحقيق ياسين
بن محمد السواس ،الطبعة الثالثة1416 ،هـ ،دار ابن كثير ،بيروت.
-72مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة ،للدكتور ناصر
بن عبد الكريم العقل ،الطبعة الولى ،بدون تاريخ ،دار الوطن،
الرياض ،المملكة العربية السعودية .
-73مجمع البحرين في زوائد المعجمين ،نور الدين علي بن
أبي بكر الهيثمي ،تحقيق عبد القدوس بن محمد نذير ،الطبعة الثانية،
1415هـ ،مكتبة الرشد ،الرياض ،المملكة العربية السعودية.
-74مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ،للحافظ نور الدين علي بن
أبي بكر الهيثمي ،ت 807هـ ،الطبعة الثالثة1402 ،هـ ،دار الكتاب
العربي ،بيروت لبنان.
-75مجموع فتاوى ابن تيمية ،لشيخ السلم أحمد بن عبد
الحليم بن عبد السلم ابن تيمية ،ت 728هـ ،جمع وترتيب عبد
الرحمن بن محمد بن قاسم ،بدون تاريخ ،مكتبة المعارف ،الرباط،
المغرب.
-67مجموع فتاوى ومقالت متنوعة :للعلمة عبد العزيز بن
عبد الله ابن باز ،جمع وترتيب د .محمد بن سعد الشويعر ،الطبعة
الولى 1408هـ ،الرئاسة العامة لدارات البحوث العلمية والفتاء.
المملكة العربية السعودية.
-77مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب،
الطبعة الولى ،بدون تاريخ ،جامعة المام محمد بن سعود السلمية.
65
-78مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك
نستعين ،للمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر ابن أيوب ابن قيم
الجوزية ،ت 751هـ ،تحقيق محمد حامد الفقي ،الطبعة بدون تاريخ،
مكتبة السنة المحمدية ،ومكتبة ابن تيمية ،القاهرة.
-79مسند المام أحمد بشرح أحمد شاكر ،للمام أحمد بن
محمد بن حنبل ،ت 241هـ ،شرحه وضع فهارسه أحمد محمد شاكر،
بدون تاريخ ،دار المعارف ،مصر.
-80مسند المام أحمد ،للمام أحمد بن محمد بن حنبل ،ت
241هـ ،بدون تاريخ ،المكتب السلمي ،دار صادر بيروت ،لبنان.
-81معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الصول
في التوحيد ،للشيخ حافظ بن أحمد الحكمي ،ت 377هـ ،تخريج
عمر بن محمود أبو عمر ،الطبعة الثانية1413 ،هـ ،دار ابن القيم،
الدمام ،المملكة العربية السعودية .
-82معجم الطبراني الكبير ،للحافظ أبي القاسم سليمان بن
أحمد الطبراني ،ت 360هـ ،تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي،
الطبعة الثانية ،بدون تاريخ ،وزارة الوقاف والشؤون الدينية
بالجمهورية العراقية.
-83معجم المقاييس في اللغة ،لبي الحسين أحمد بن
فارس بن زكريا ،ت 385هـ ،تحقيق شهاب الدين أبي عمرو ،الطبعة
الولى1415 ،هـ ،دار الفكر ،بيروت لبنان.
-84مفردات ألفاظ القرآن ،العلمة الراغب الصفهاني ،ت
502هـ ،تحقيق صفوان عدنان داوودي ،الطبعة الولى1412 :هـ ،دار
القلم ،دمشق ،دار الشامية ،بيروت.
-85المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ،لبي
العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي ،ت 656هـ ،تحقيق محيي
الدين مستو وجماعة ،الطبعة الولى1417 ،هـ ،دار ابن كثير ،دمشق،
بيروت.
-86النهاية في غريب الحديث ،للمام أبي السعادات المبارك
بن محمد بن الثير ،الجزري ،ت 606هـ ،تحقيق طاهر أحمد الزاوي
ومحمود محمد الطناحي ،بدون تاريخ ،المكتبة العلمية ،بيروت ،لبنان.
-87النهج السديد في تخريج أحاديث تيسير لعزيز
الحميد .للدوسري.
66
الفهـرس
الصفحة الموضوع
المقدمة..................................................... .
المبحث الول :نور السنة........................ .
* المطلب الول مفهومهما..................... .
أول ً مفهوم العقيدة لغة واصطلحًا..................... .
ثانيًا :مفهوم أهل السنة.................................. .
ثالثُا :مفهوم الجماعة..................................... .
* المطلب الثاني :أسماء أهل السنة وصفاتهم.
-1أهل السنة والجماعة................................. .
-2الفرقة الناجية......................................... .
-3الطائفة المنصورة.................................... .
-4المعتصمون المتمسكون بكتاب الله وسنة رسوله.
-5هم القدوة الصالحة الذين يهدون إلى الحق..... .
-6أهل السنة خيار الناس ينهون عن البدع.......... .
-7أهل السنة هم الغرباء إذا فسد الناس............ .
-8أهل السنة هم الذين يحملون العلم............... .
-9أهل السنة هم الذين يحزن الناس لفراقهم..... .
* المطلب الثالث :السنة نعمة مطلقة........ .
* المطلب الرابع :منزلة السنة.................. .
* المطلب الخامس :منزلة صاحب السنة وصاحب البدعة.
ل :منزلة صاحب السنة................................ . أو ً
ثانيًا :علمات أهل السنة................................. .
ثالثًا :منزلة صاحب البدعة.............................. .
المبحث الثاني :ظلمات البدعة................. .
* المطلب الول :مفهومها...................... .
* المطلب الثاني :شروط قبول العمل........ .
* المطلب الثالث :ذم البدعة في الدين....... .
ل :من القرآن........................................... . أو ً
ً
ثانيا :من السنة النبوية................................... .
ثالثًا :من أقوال الصحابة رضي الله عنهم في البدع.
رابعًا :من أقوال التابعين وأتباعهم بإحسان.......... .
خامسًا :البدع مذمومة من وجوه...................... .
* المطلب الرابع :أسباب البدع................. .
ل :الجهل ،آفة خطيرة................................. . أو ً
ثانيًا :إتباع الهوى.......................................... .
ثالثًا :التعلق بالشبهات................................... .
رابعًا :العتماد على العقل المجرد..................... .
67
خامسًا :التقليد والتعصب................................ .
سادسًا :مخالطة أهل الشر ومجالستهم............. .
سابعًا :سكوت العلماء وكتم العلم..................... .
ثامنًا :التشبه بالكفار وتقليدهم......................... .
تاسعًا :العتماد على الحاديث الضعيفة والموضوعة.
عاشرًا :الغلو أعظم أسباب انتشار البدع............. .
* المطلب الخامس أقسام البدع............... .
القسم الول :البدعة الحقيقة والضافية. . . . .
-1البدعة الحقيقية....................................... .
-2البدعة الضافية....................................... .
القسم الثاني :البدعة الفعلية والتركية....... .
-1البدعة الفعلية......................................... .
-2البدعة التركية.......................................... .
القسم الثالث :البدعة القولية العتقادية والبدعة العملية.
-1البدعة القولية العتقادية............................ .
-2البدعة العملية وهي أنواع........................... .
النوع الول :بدعة في أصل العبادة.................... .
النوع الثاني :ما يكون من الزيادة على العبادة...... .
النوع الثالث :ما يكون في صفة أداء العبادة........ .
النوع الرابع :ما يكون بتخصيص وقت العبادة....... .
* المطلب السادس :حكم البدعة في الدين. . .
فمنها ما هو كفر........................................... .
فمنها ما هو من وسائل الشرك........................ .
ومنها ما هو من المعاصي............................... .
* المطلب السابع :أنواع البدع عند القبور.... .
النوع الول :من يسأل الميت حاجته.................. .
النوع الثاني :أن يسأل الله تعالى بالميت............ .
النوع الثالث :أن يظن أن الدعاء عند القبور مستجاب.
* المطلب الثامن :البدع المنتشرة المعاصرة.
ل :بدعة الحتفال بالمولد النبوي.................... . أو ً
ثانيًا :بدعة الحتفال بأول ليلة جمعة من شهر رجب.
ثالثًا :بدعة الحتفال بليلة السراء والمعراج......... .
رابعًا :الحتفال بليلة النصف من شعبان.............. .
خامسًا :التبرك............................................. .
التبرك المشروع.......................................... .
التبرك الممنوع............................................ .
أسباب التبرك الممنوع................................... .
آثار التبرك الممنوع....................................... .
وسائل مقاومة التبرك الممنوع........................ .
68
سادسًا :بدع منكرة مختلفة............................. .
-1الجهر بالنية............................................ .
-2الذكر الجماعي بعد الصلوات....................... .
-3طلب قراءة الفاتحة على أرواح الموات......... .
-4إقامة مآتم على الموات............................ .
-5الذكار الصوفية بأنواعها............................. .
-6البناء على القبور ،واتخاذها مساجد............... .
* المطلب التاسع :توبة المبتدع................ .
* المطلب العاشر :آثار البدع وأضرارها....... .
-1البدع بريد الكفر...................................... .
-2القول على الله بغير علم........................... .
-3بغض المبتدعة للسنة وأهلها........................ .
-4رد عمل المبتدع....................................... .
-5سوء عاقبة المبتدع................................... .
-6انعكاس فهم المبتدع................................. .
-7عدم قبول شهادة المبتدع وروايته................. .
-8المبتدعة أكثر من يقع في الفتن................... .
-9المبتدع استدرك على الشريعة.................... .
-10المبتدع يلتبس عليه الحق بالباطل.............. .
-11المبتدع يحمل إثمه وإثم من تبعه................ .
-12البدعة تدخل صاحبها في اللعنة.................. .
-13المبتدع يحال بينه وبين الشرب من حوض النبي صــّلى اللــه
عليه وسّلم........................................... .
-14المبتدع معرض عن ذكر الله..................... .
-15المبتدعة يكتمون الحق ويخفونه عن أتباعهم. .
-16عمل المبتدع ينفر على السلم.................. .
-17المبتدع يفرق المة................................. .
-18المبتدع المجاهر ببدعته تجوز غيبته............. .
-19المبتدع متبع لهواه معاند للشرع................. .
-20المبتدع قد نزل نفسه منزلة المضاهي للشارع.
المصادر والمراجع................................. .
الفهرس............................................. .
69