Vous êtes sur la page 1sur 669

‫سجود‬ ‫َ‬

‫ق وأمـُر ال ُ‬
‫خل ِ‬
‫أصـل ال َ‬

‫ن النــا وبين الوليــة والتوحـيـد‬


‫َبي َ‬

‫بحث قرآني علمي فلسفي عن أطوار الخلق‬


‫والّترقي قبل آدم‬
‫وعلقته بالسنن الكونية والشجرة‬
‫لتحديد مفهوم الولية والتوحيد‬
‫‪2‬‬

‫تأليـف‬

‫عالم سبيط النيلي‬

‫أ‬
‫‪3‬‬

‫الهــداء‬

‫إلى الذي‪....‬‬
‫منذ أو ّ‬
‫ل يوم التقينا قال لي‪:‬‬

‫صدقت!‬

‫و(‬
‫ه َ‬
‫من أراد الله فليقل ) ُ‬
‫ول يقوّلن )أنا(‬

‫و(‬ ‫ثم لم أجده يقول إل ّ ) ُ‬


‫ه َ‬
‫لذا‪....‬‬

‫لن أقول كما قالوا‪ :‬له وحده‬

‫بل ل َ ُ‬
‫ه‪،‬‬

‫ولكل إخواني‪،‬‬

‫ه‪...‬‬
‫الذين هم مِثل َ‬
‫في كل الرض‪...‬‬

‫لهم ثمرة‪،‬‬

‫مثل أخي البار‪،‬‬

‫ثامر‪...‬‬
‫أ‬
‫‪4‬‬

‫عبد‪...‬‬

‫علي…‬

‫أهدي هذا الكتاب‬

‫عالم سبيط النيلي‬

‫المحتويات‬

‫رقم الصفحة‬ ‫الموضوع‬


‫المحتويات_________________________________________‪4‬‬
‫دمـة____________________________________________‪6‬‬ ‫ق ّ‬
‫م َ‬
‫ُ‬
‫‪ 1‬في الفرق بين القدْر و القد ََر________________________‪11‬‬
‫در____________________________‪19‬‬ ‫ق َ‬
‫در وال َ‬
‫ق ْ‬
‫‪ 2‬في معاني ال َ‬
‫در _______________‪22‬‬ ‫‪ 3‬في الفرق بين المر وبين القد ََر والق ْ‬
‫ل الوامر__________________________________‪28‬‬ ‫‪ 4‬في َتنّز ِ‬
‫‪ 5‬في معنى ‪‬تنزل الملئكة والروح فيها من كل أمر‪30_____‬‬
‫سّنة والقد ََر____________________________‪33‬‬ ‫‪ 6‬الفرق بين ال ُ‬
‫‪ - 7‬السبب في أن ايجاد بديل أو تحويل للسنة لم يخاطب به سوى الرسول صلى‬
‫الله عليه وآله وسلم_________________________________‪36‬‬
‫‪ 8‬الفرق بين التبديل والتحويل وسبب تقديم التبديل على التحويل في آية فاطر‪...‬‬
‫‪40‬‬
‫‪ 9‬في العلقة بين السّنة وأصل الخلق )الحمأ المسنون(_____‪43‬‬
‫‪ 10‬في أصل الخلق "صلصال من الحمأ المسنون"_________‪45‬‬
‫ن خلقَ النسان سابقّ على خلق البشر___________‪48‬‬ ‫‪ 11‬في أ ّ‬
‫‪ 12‬في معنى التسوية_______________________________‪50‬‬
‫‪ 13‬في ذم النسان والثناء على البشر في القرآن_________‪52‬‬
‫‪ 14‬التأكيد على الفرض بمورد صاد_____________________‪58‬‬
‫‪ 15‬في تكرار المر بعد النفخ والتسوية__________________‪60‬‬
‫‪ 16‬المعارضة بين انعدام الروح والحياة_________________‪62‬‬

‫أ‬
‫‪5‬‬

‫المعارضة بمورد سورة العصر______________________‪69‬‬ ‫‪17‬‬


‫الصلة بين الروح والمر___________________________‪72‬‬ ‫‪18‬‬
‫الخصائص المشتركة بين الروح والمر_______________‪74‬‬ ‫‪19‬‬
‫جمع فصول ومؤيدات ____________________________‪78‬‬ ‫‪20‬‬
‫الول ‪ :‬في ترتيب الخلق زمانيا ً____________________‪78‬‬
‫ثانيًا‪ :‬ملحظة الترقي وتشكيل المراحل من خلل التبدل في وصف إبليس ‪. .‬‬
‫‪81‬‬
‫‪ -1‬في سورة الحجر )المنشأ الول( صلصال من حمأ مسنون وصف إعراض‬
‫‪81‬‬‫إبليس بالعبارة ‪ ‬إل إبليس أبى ان يكون من الساجدين _‬
‫‪82‬‬ ‫‪ -2‬في مرحلة الطين )مورد صاد( لحظ التغير في الوصف‪:‬‬
‫ثالثًا‪ :‬ملحظة الترقي في السؤال عن سبب إعراضه عن السجود ‪84.........‬‬
‫رابعًا‪ :‬الترقي في إجابة إبليس على السؤال _________‪87‬‬
‫خامسًا‪ :‬حل أشكال الصطفاء مرة أخرى ___________‪89‬‬
‫‪ 21‬النتخاب القسريّ والتماذج________________________‪96‬‬
‫مر من أبحاث_______________________‪108‬‬‫‪ 22‬خلصة في ما ّ‬
‫‪ 23‬الخلصة والنظام القرآني_________________________‪112‬‬
‫موارد السجود لدم‪131______________________________:‬‬
‫موارد خلق البشر‪132_______________________________:‬‬
‫عــــــام______________________________________‪138‬‬ ‫‪24‬‬
‫العلقة بين الكلمة والشجرة_______________________‪141‬‬ ‫‪25‬‬
‫مناقشة إشكال محتمل__________________________‪153‬‬
‫خلصة بأهم ما ذكر_____________________________‪177‬‬
‫العلقة بين النور الشجرة في أية النور _____________‪178‬‬
‫النـــور والضـــياء_______________________________‪186‬‬ ‫‪27‬‬
‫التوافق العددي بين خصائص المثل ومكوناته__________‪192‬‬ ‫‪28‬‬
‫اتحاد المكان والزمان لمـكونات المشكاة____________‪197‬‬ ‫‪29‬‬
‫محاولة للتعرف على بعض شخوص المشكاة_________‪208‬‬ ‫‪30‬‬
‫أ‪ -‬المشكاة‪208____________________________________:‬‬
‫ب ‪ -‬المصباح والزجاجة ‪236__________________________:‬‬
‫جـ‪ -‬الشجرة ‪257___________________________________:‬‬
‫"علقات لفظية أخرى"___________________________‪265‬‬
‫‪ 30‬بعض خصائص الشجرة___________________________‪267‬‬
‫اللفظ الول‪ :‬مباركة______________________________‪267‬‬
‫ج‪ -‬ارتباط لفظ مبارك بالكلمات‪289____________________:‬‬‫‍‬
‫د‪ -‬ارتباط لفظ مبارك بالرض‪291_____________________:‬‬
‫هـ‪ -‬القتران بين )مبارك( وصفات الذات اللهية‪292_______:‬‬
‫الثاني‪ :‬زيتونة_________________________________‪296‬‬
‫الثالث‪ :‬ل شرقية ول غربية_______________________‪302‬‬
‫ه نار نور ______‪307‬‬
‫الرابع‪ :‬يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسس ُ‬

‫أ‬
‫‪6‬‬

‫الخامس‪ :‬نور على نور__________________________‪326‬‬


‫يهدي الله لنورهِ من يشاء_________________________‪332‬‬ ‫‪32‬‬
‫الصفات الثلثة للمجموعة الفردية__________________‪365‬‬ ‫‪33‬‬
‫ارتباط المجموعة الفردية بالشجرة_________________‪372‬‬ ‫‪34‬‬
‫الظرف الزماني لنور الشجرة_____________________‪379‬‬ ‫‪35‬‬
‫العتداء على كلمات الشجرة______________________‪406‬‬ ‫‪36‬‬
‫اعتداء أبن نوح على الشجرة______________________‪414‬‬ ‫‪37‬‬
‫اعتداء المل من بني إسرائيل على الشجرة___________‪426‬‬ ‫‪38‬‬
‫تحديد النتماء إلى الكفر أو اليمان__________________‪476‬‬ ‫‪39‬‬
‫قدرة الكلمة على تغيير النظام الطبيعي_____________‪518‬‬ ‫‪40‬‬
‫طريق آصف لجلب العرش________________________‪547‬‬ ‫‪41‬‬
‫سرعة نقل الجّان________________________________‪554‬‬
‫‪ 42‬السم العظم والرسول العظم___________________‪560‬‬
‫معجــــَزة___________________________‪568‬‬
‫ســـحُر وال ُ‬
‫‪ 43‬ال ِ‬
‫ما هو الفرق بين السحر والمعجزة؟ ________________‪576‬‬
‫‪ 44‬ظهور النا عند الصوفية والقسس__________________‪590‬‬
‫من هو المسيح عليه السلم؟ ______________________‪628‬‬
‫فرضية إلوهية المسيح ___________________________‪656‬‬

‫دمـة‬ ‫م َ‬
‫ق ّ‬ ‫ُ‬

‫ان الغاية مــن هــذه الرســالة هــي تأســيس‬


‫المفاهيم الجديدة )الصيلة( للتوحيد والوليــة‬
‫من خلل قصة الخلق والسجود لدم وإعراض‬
‫إبليس عن السجود ومعصية آدم وما يتبع ذلك‬
‫من توسله بالكلمات والتوبة عليه‪.‬‬

‫أ‬
‫‪7‬‬

‫ونقــوم بهــذا العمــل لعــادة ترتيــب هــذه‬


‫المفاهيم عن التوحيد والوليــة بعــد ان حــدث‬
‫لها تخريب كبير بسبب العتباط اللغــوي فهــو‬
‫تأسيس يقوم على مبدأ القصدية الذي يفســر‬
‫النص بطريقته الخاصة والتي تتضمن الوصايا‬
‫العشـــرة‪ :‬ل تـــرادف‪ ،‬ل مشـــترك لفظـــي‪ ،‬ل‬
‫حذف‪ ،‬ل تقديم‪ ،‬ل تــأخير‪ ،‬ل زيــادة‪ ،‬ل كنايــة‪،‬‬
‫ل مجاز‪ ،‬ل استعارة‪ ،‬ل إيجــاز وإطنــاب ‪ -‬فــي‬
‫النص القرآني خصوصًا‪.‬‬

‫ل تعتــبر البحــاث هنــا تطبيقــات تفصــيلية‬


‫للمنهــج اللفظــي علــى النصــوص بــل تعتــبر‬
‫تطبيقات بحثية للعلقــات اللفظيــة بصــورتها‬
‫العامــة علــى جملــة مــن النصــوص القرآنيــة‬
‫المترابطــة مــع بعضــها البعــض‪ ،‬وهــو أحــد‬
‫أســاليب هــذا المنهــج حينمــا يرغــب بتصــحيح‬
‫المفـــاهيم المتعلـــق بعضـــها ببعـــض بصـــورة‬
‫سريعة‪.‬‬

‫أ‬
‫‪8‬‬

‫تتضمن هــذه الرســالة فهم ـا ً جديــدا ً لقصــة‬


‫خلــق النســان يقــوم علــى أســاس المراحــل‬
‫المتعــددة والطــوار المتلحقــة وفــق مبــدأ‬
‫ي(‪ .‬ويتم هنا ملحظة الختلفــات فــي‬ ‫)الترق ّ‬
‫الموارد القرآنية للقصة ممــا نفهــم منــه هــذا‬
‫التطور المســتمر وغيــاب التكــرار فــي النــص‬
‫القرآني‪.‬‬

‫وخلل ذلــك يتــم تصــحيح مفاهيمنــا عــن‬


‫العبــارات القرآنيــة كلهــا مثــل )مســنون( أي‬
‫س ّنة )وهي الشــرعة أو المنهــاج‬
‫موضوع في ُ‬
‫الــذاتي الحركــة( ‪ -‬وليــس )المتعفــن(‪ .‬كــذلك‬
‫يتم الربط بين اللفاظ القدَ ْر والق ـدَ َر والمــر‬
‫والروح والسنة وانعــدام التبــديل أو التحويــل‬
‫في السنن اللهية ومن خلل ذلك تتم الجابة‬
‫ســجود لدم حيــث ننــتزع منــه‬
‫عن إشــكالت ال ُ‬
‫مفهوم التوحيد المرتبط بالولية مباشرة‪.‬‬

‫ونقــوم بعــد ذلــك بتعزيــز هــذا الربــط مــن‬


‫خلل علقة الكلمات التي تاب الله تعالى بها‬
‫أ‬
‫‪9‬‬

‫على آدم بالشجرة المتجاوز عليها ‪ -‬حيث يتــم‬


‫تفصــيل هــذا الجــانب ليــة المشــكاة لعلقتــه‬
‫بالكلمــات حيــث نلحــظ أجــزاء مثــل المشــكاة‬
‫وعلقــــاته العدديــــة بالكلمــــات والنــــوار ‪-‬‬
‫المضروبة مثل ً لنور الله‪.‬‬
‫نتعرض كذلك لمشــكلة الحريــة ومنشــأ ال ُ‬
‫كفــر‬
‫فنربطه بظهــور )النــا( فــي النســان ‪ -‬وهــو‬
‫تأسيس جديد مخالف تماما ً للفلسفة المثالية‬
‫من أفلطون إلى ديكارت ‪ -‬ولكننا ل نذكر هنا‬
‫تفاصيل هذا الموضوع لنهــا قــد فصــلت فــي‬
‫كتابها المخصص لها )الحل الفلسفي(‪.‬‬

‫تتضمن الرسالة كذلك تفريقا ً بين النسان‬


‫والبشر في النص القرآني‪ ،‬وعلى ذلك فهناك‬
‫فرق بين البشر الذي سجد له )الملئكة كلهم‬
‫ســجد لــه )الملئكــة(‬
‫اجمعون( وبين آدم الذي َ‬
‫فقط إضافة إلى الختلفات الخرى‪.‬‬

‫أ‬
‫‪10‬‬

‫تظهـــر بيـــن طيـــات الرســـالة العلقـــات‬


‫اللفظية للقرآن وبعض خطوط نظامه المعجز‬
‫من خلل متابعة بعض اللفاظ‪.‬‬

‫تعتبر هذه الرسالة بمثابة التأسيس الجديد‬


‫فــي هــذه البــواب فهــي الخطــوة الولــى‬
‫صــدية‬
‫لدراســة هــذه المفــاهيم بــالطرائق الق ّ‬
‫وليست هي الدراســة الــواجب حصــولها وفــق‬
‫هذه الطرائق‪ .‬والغاية منها كمــا ذكــرت وضــع‬
‫اللبنات الولى لهذا التأســيس فهــي ل تغنــي‬
‫أبــدا ً عــن دراســة هــذه المســائل والــتي هــي‬
‫أخطر وأهــم مــا فــي الفكــر الــديني ‪ -‬دراســة‬
‫مستفيضة وشاملة‪.‬‬

‫ل أعتبر النتــائج الــتي لــم ترتبــط بالنظــام‬


‫القرآنــي الصــارم نتــائج نهائيــة‪ ،‬فبإمكــانكم‬
‫تغييرها أو تعديلها بمــا يتلءم مــع النظــام إذا‬
‫أمكنكم العثور على مفاتيح للبــواب المغلقــة‬
‫في النظام‪.‬‬

‫أ‬
‫‪11‬‬

‫لذلك استغفر الله لي ولكم عــن كــل قــول‬


‫و العزيــز الحكيــم‬
‫هــ َ‬
‫ل يقــع فــي رضــاه انــه ُ‬
‫ب العالمين‪.‬‬
‫ه ر ّ‬
‫والحمد لل ِ‬

‫‪ 1‬في الفرق بين القدْر و القدَ َر‬

‫ان الغايــة مــن هــذا التفريــق هــو لمعرفــة‬


‫لماذا ل ُيعرف القدَ َر‪ .‬وعند ذاك يمكن معرفــة‬
‫حقيقــة المــراد مــن بعــض النصــوص‪ .‬وكــذلك‬
‫لكشــف حلقــة مــن حلقــات المعرفــة العليــا‪.‬‬
‫وهـــي المعرفـــة الـــتي ســـتتجلى لـــك بعـــض‬
‫خطوطهـــا تباعـــا ً لغـــرض )تأســـيس( الفهـــم‬
‫البتدائي لمعنى الولية ومن ثم التوحيد‪.‬‬

‫ولم يدرك أحد فرق ا ً بيــن هــذين اللفظيــن‪،‬‬


‫رغــم ورودهمــا القرآنــي‪ .‬فلنلحــظ كمــا هــي‬
‫عادتنا المرجع اللغوي لهما‪ :‬فيظهــر لــك مــن‬
‫ة لدرجــة‬
‫التأمل انهما متلصقان متلحمان لغ ً‬
‫انه يصعب التفكيك بينهما‪ ،‬إذ كلهما محمــول‬

‫أ‬
‫‪12‬‬

‫علــى المصــدر لكــن الفــرق بينهمــا ل بــد ان‬


‫يكــون جليــا ً بعــد ان اختلفــا فــي المواضــع‬
‫والستخدام قرآنيًا‪.‬‬

‫م‬
‫حكـــ ْ‬
‫در والقـــدَ َر مثلهمـــا مثـــل ال ُ‬
‫فالقـــ ْ‬
‫مة ‪ -‬ل تعني الهيئة أو الشخوص ‪ -‬بــل‬
‫حكو َ‬
‫وال َ‬
‫در هو الحكم‪ ،‬فهو علــى‬
‫المر والقانون‪ .‬فالق ْ‬
‫م واحد‬
‫العموم كل الحكم وعلى الخصوص حك ّ‬
‫مخصوص‪.‬‬

‫فكما يقال عن أي شيء )هذا حكم الملــك(‬


‫فهذا عموم‪ .‬ويقال )هذه الليلة يصدر الحكــم(‬
‫م خاص بشيء خاص‪.‬‬
‫فهو حك ّ‬
‫فقوله )ليلة القد َر( أي ليلة نفاذ أمر واحد‬
‫مخصوص‪ .‬لن العموم ل يرتبط بالزمن‪ ،‬ولمــا‬
‫كان القدْر هنا ارتبط بليلة دل ذلــك علــى انــه‬
‫أمر واحد مخصوص‪.‬‬

‫أ‬
‫‪13‬‬

‫أما )القدَ َر( الــذي يــذكر دائمــا مــع القضــاء‬


‫ة‬
‫فهو مجموعة الوامر الــتي يقضــى بهــا عــاد ً‬
‫وفق ناموس معمول به‪.‬‬

‫وإذن فمثله مثل القانون أو الحكومة‪ .‬فاي‬


‫ويقـــال انـــه ضـــمن القـــانون أو‬
‫أمـــر يقـــع َ‬
‫بالقانون‪ :‬ل يراد به ان الملك أمر به أو ارتاه‬
‫أو رغب فيــه بــل يــراد بــذلك ان القــانون قــد‬
‫ذكــره ومــا تركــه أو أهملــه‪ .‬وهــذا ل يصــح‬
‫بطبيعة الحال إل على الملــك الحــق‪ ،‬لن كــل‬
‫ملك يضع القانون سواه فإنمــا يضــعه لنــه ل‬
‫)قدرة( له بسواه عن الردع‪ ،‬أما الملــك الحــق‬
‫فإنما وضعه وهو غني عنه‪ ،‬والعلة فيه ليست‬
‫للردع بل للرتداع فتأمل!‬

‫ولتوضيح ذلك مزيدا ً من اليضاح ان الملــك‬


‫الرضي أو الحاكم يتمنى إل يخرق القانون و‬
‫كــذلك اللــه لكــن ل بطريقــة أهــل الرض بــل‬
‫يريــد ان ُيفهــم القــانون ثــم ل ُيخــرق‪ ،‬لن‬
‫ســـلم للـــترقي‬
‫القـــانون الـــذي وضـــعه هـــو ّ‬
‫أ‬
‫‪14‬‬

‫والتطــور وبفهمــه يــدرك النســان )قــدرة(‬


‫ســّلم للوصــول إليــه‬
‫واضــعه‪ ،‬فقــانون اللــه ُ‬
‫وقانون الملوك الخرين حواجز لبعاد النــاس‬
‫عنهم ‪ ..‬قانون الله هو جزء من )الق ـدَ َر( كّلــه‬
‫المســتولي علــى الموجــودات‪ ،‬ومعرفتــه هــي‬
‫معرفة الموجــودات وبالتــالي معرفــة الواضــع‬
‫ولما ّ كانت أعلى مراتب العبودية هــي معرفــة‬
‫ســلم‬
‫اللــه ‪ -‬كــانت معرفــة )القــدَ َر( هــي ال ّ‬
‫للوصول إلى ذلك‪.‬‬

‫فأن قلت هذا ينــاقض قولنــا الول مــن ان‬


‫الغاية من هذا المبحــث هــي لمعرفــة لمــاذا ل‬
‫يعرف القدَ َر قلنا لك‪ :‬ل تعجل لننــا ســنبرهن‬
‫لك بإذن الله ان أعلى معرفة للــه إنمــا تكمــن‬
‫ة‪ ،‬وهو‬
‫في معرفة كونه ل ُيعرف فكذلك‪ .‬قدر ُ‬
‫تأسيس جديد ل نظنك سمعت به‪.‬‬

‫ه المعرفة من تأسيس ‪ -‬لنه من‬


‫ول بد لهذ ِ‬
‫المحال ان يتساوى الجاهــل بــالله وهــو عــالم‬
‫لماذا يجهله ‪ ...‬مع الجاهــل بــه وهــو ل يــدري‬
‫أ‬
‫‪15‬‬

‫لمــاذا يجهلــه ؟! فــالخير جاهــل بحــق والول‬


‫عارف بحق‪.‬‬

‫واذن فالق ـدَ َُر هــو مجموعــة الحكــام الــتي‬


‫مهـــا هـــو‬
‫تحكـــم الموجـــودات‪ .‬فأعلهـــا واع ّ‬
‫الحكومـــة الشـــاملة ‪ -‬أي النـــواميس كلهـــا ‪-‬‬
‫وادناها هو آحاد أفرادها وهو كل ما يقــع لــك‬
‫ولسواك‪.‬‬

‫در ‪ -‬بالخصــوص ‪ -‬حكــم واحــد‬


‫ولما كان الق ْ‬
‫فهو إذن يقع على أفراد ما يقع من الحــوادث‬
‫در‬
‫إلــى أدناهــا وأعلهــا‪ .‬فالعلقــة بيــن القــ ْ‬
‫والقــدَ َر كالعلقــة بيــن الحكــم والحكومــة أو‬
‫المر والقانون‪.‬‬

‫در أعلى رتبه من القدَ َر من جهة‬


‫أي ان الق ْ‬
‫عم منه من العموم‬
‫وأسفله من جهة أخرى ‪ -‬أ ّ‬
‫وأخــص منــه عنــد الخصــوص ‪ -‬وبعبــارة ثالثــة‬
‫ة مــن القــدَر ‪ -‬بالتحريــك‪ .‬هــي دون‬
‫أعلى رتب ـ ً‬
‫در هــو دون الق ـدَ َر‬
‫در وأدنــى ح ـدّ مــن الق ـ ْ‬
‫الق ْ‬
‫ويمكن توضيحه رابع ا ً بالرسم وهو أوضحها‪:‬‬
‫أ‬
‫‪16‬‬

‫در‬
‫القــ ْ‬ ‫ال َ‬
‫قـــ دَ َر‬ ‫ال َ‬
‫قــ دَ َر‬ ‫در‬
‫القــ ْ‬

‫فالقدر يقع على كــل ق ـدَ َر وليــس العكــس‬


‫صحيح‪ .‬والعّلة في ذلك ان الحاكم في الرض‬
‫ل يستطيع دوم ـا ً إلغــاء القــانون بــأمر خــاص‪،‬‬
‫بينما الله قادر على ذلك‪ .‬فالحكم كله له أول ً‬
‫وآخرا ً لذا قال )قل ان المر كله لله(‪.‬‬

‫در ارتبــاط بالزمــان )ليلــة‬


‫ولذلك كــان للق ـ ْ‬
‫القدر( ‪ -‬خير من الف شهر ‪ -‬بينمــا ل ارتبــاط‬
‫للقدَ َر إل بأصل التكــوين لنــه القــانون العــام‬
‫فجاء ذكره مرتبطا ً بالموجودات )اّنا كل شي ٍ‬
‫ء‬
‫خلقناه بقدَ َر(‪.‬‬

‫در( أمــر خــاص يحــدث فوري ـا ً فــي‬


‫إذن )الق ْ‬
‫در نفسه وقــد‬
‫زمن مخصوص‪ .‬قد يلغي به الق َ‬

‫أ‬
‫‪17‬‬

‫درا ً ل‬
‫يثبته‪ .‬فإذا ثبته انطبقا وإذا الغاه كان ق ْ‬
‫قدَ َر ًا‪.‬‬

‫فلــو ان عقل ً بلــغ مــن العظمــة بحيــث انــه‬


‫عرف أسرار الموجودات كلهــا بمنحــه إلهيــة ‪-‬‬
‫فان صــاحب هــذا العقــل ســيظل عــاجزا ً عــن‬
‫معرفة ما سيكون ولو عرف كل ما كان ‪ -‬لنه‬
‫ى لــه‬
‫بهذه المعرفة قد عرف الق ـدَ َر ولكــن ان ـ ّ‬
‫در( الــذي يــأتي فــي كــل آن‬ ‫ان يعــرف )القــ ْ‬
‫فيثبت أو يلغي ؟‬

‫فلو ان ملك ا ً من الملوك له حكم )مطلق( ‪-‬‬


‫فــان وزيــره الثيــر لــديه ل يمكنــه معرفــة مــا‬
‫سيفعله الملك وما سيأمر به في كــل آن مــن‬
‫إلغاء أمــر أو تثــبيت أو تغييــر‪ ،‬فكيــف بالملــك‬
‫الذي )الذي ليس له وزير ول احدا ً مــن عبــاده‬
‫*‬
‫يستشير(‬

‫در حاكم على القدَ َر نفسه‪.‬‬


‫واذن فالق ْ‬

‫‪.‬‬ ‫العبارة من دعاء يستشير‬ ‫*‬

‫أ‬
‫‪18‬‬

‫دره ‪ ‬ولــم‬
‫لذا قال ‪‬ما قدروا الله حق قــ ْ‬
‫در يكتنف القــدَ َر‬
‫يقل قدَ َره بالتحريك‪ ،‬لن الق ْ‬
‫منه من جميع جهاته‪.‬‬
‫ويتض ّ‬

‫أ‬
‫‪19‬‬

‫در‬ ‫در وال َ‬


‫ق َ‬ ‫‪ 2‬في معاني ال َ‬
‫ق ْ‬
‫اشتقاق الثنين من أصل لغوي واحد وهما‬
‫مرتبطان بالتقدير من جهة كــونه )التخطيــط(‬
‫أو الخطة الموضوعة‪ ،‬وهذا المعنــى مســتخدم‬
‫عنــد القــدماء‪ .‬عــن علــي عليــه الســلم فــي‬
‫صاحب الناقه الذي يخبر بمقتل ملك في آخــر‬
‫الزمان )راكب الذعلبه خطط بدنها بوضــينها(‬
‫‪ -‬أي التحم في أصل التكوين وهــو التخطيــط‬
‫في المصطلح الحديث )التصميم( ‪.Design‬‬

‫ومن جهة أخــرى فهمــا مرتبطــان بالقــدره‬


‫ة( تعنــي‬
‫أي القــوة الفاعلــة‪ .‬فالقــدَ َر )مفــرد ّ‬
‫وضــع الشــياء فــي خطــة ونــاموس وتصــميم‬
‫معين لمد معين ل تخطيطا ً بالفكر وحده بــل‬
‫مــع القــدرة علــى اليجــاد بهــذا التقــدير بــل‬
‫وشحنه بالقوة الكافية لبقاءه موجــودا ً علــى‬
‫هذه الخطة لهذا المد‪.‬‬

‫أ‬
‫‪20‬‬

‫ب ان لن يقدر عليــه أحــد ‪‬‬ ‫فقوله ‪‬اي َ‬


‫حس ُ‬
‫ليس معناه القرآني اخــذه أو الســتيلء عليــه‬
‫والتمكـــن منـــه أو اتلفـــه أو معـــاقبته ‪ -‬بـــل‬
‫اجباره على الــدخول فــي النــاموس ولــو بعــد‬
‫حين بل ل بد ان يكون ذلك بعد حيــن لرتبــاط‬
‫التخطيـــط )القـــدَ َر( بامـــد أو أجـــل مســـمى‪.‬‬
‫فالقــدَ َر إذن ليــس هــو المقــدار أو الكــم أو‬
‫الحجـــم أو القيمـــة أو ايـــة علقـــة رياضـــية‬
‫بالشياء بل القدَ َر هو كل تلك المظاهر الــتي‬
‫جوهرهــا ماهيــة الشــيء وحســاباته الداخليــة‬
‫المرتبطـــه بايجـــاده والغـــايه منـــه وحركتـــه‬
‫المستمره إلى أنتهاء ذلك الجل‪.‬‬

‫فقوله ‪‬وكان أمر اللــه ق ـدَ َر ا ً مقــدورا ‪- ‬‬


‫تأخــذ )كــان( هنــا محلهــا الحقيقــي لفــادة‬
‫الماضــي‪ -‬أي ان المــر كــان منــذ التخطيــط‬
‫الول قــدرا ً محســوبا ً ‪ -‬بمــا فــي ذلــك كــونه‬
‫مقدورا ً أي خاضعا ً للقوة الفاعلة في تحريكــه‬
‫بالتجاه الذي وضع فيه‪ ،‬وهــذا يتضــمن جميــع‬

‫أ‬
‫‪21‬‬

‫الحتمالت الممكنة لوقوع الحركة ضمن ذلــك‬


‫التخطيط‪ ،‬وهو غير ما قــاله المفســرون مــن‬
‫ن‪ .‬فليس لحد إذا وقع المــر ان‬
‫انها بمعنى إ ّ‬
‫يعجــب أو ينــدهش لوقــوعه ‪ -‬لن المــر الــذي‬
‫حــدث هــو أحــد الحتمــالت )الفارغــة( الــتي‬
‫ممكــن ان تمل بالحــدث كجــزء ل يتجــزأ مــن‬
‫التخطيط الساســي‪ .‬فقــوله )مقــدورا( ليــس‬
‫لله‪ ،‬إذ هو على كل شيء قدير ‪ -‬بــل مقــدورا ً‬
‫هنا تعني انه محتمل الوقــوع ‪ -‬ل مــانع يحتــم‬
‫درا ً عاديــا ً‬
‫عدم وقوعه‪ ،‬وبهذا صار )أمرًا( ل ق َ‬
‫)وكــان أمــر اللــه قــدرًا(‪ ،‬لكنــه منطبــق علــى‬
‫القدَ َر وليس أمرا ً خاصا ً الغي به القدَ َر ‪ -‬لذلك‬
‫م هذا التخطيط أو‬
‫كانت مقدمة الية تذكر قد َ‬
‫القــانون )الســنة( ‪ -‬فــالمر الجديــد لــم يكــن‬
‫]ســنه‬ ‫مخالفا ً لها بل جاريا ً فــي احتمالتهــا‪:‬‬
‫ه في الذين خلوا من قبل وكــان أمــر اللــه‬
‫الل ِ‬
‫قدرا ً مقدورا ‪/ 38‬الحزاب‪ ،‬فهذا المر الذي‬
‫ضننتم انه خاص ‪ -‬ليس خاصا ً ول يثير العجــب‬

‫أ‬
‫‪22‬‬

‫بــل هــو قــد ّر مقــدور أي )منفعــل محتمــل‬


‫الوقوع(‪.‬‬

‫‪ 3‬فــي الفــرق بيــن المــر وبيــن‬


‫در‬
‫القدَ َر والق ْ‬
‫كل شيء يصدر من قبل اللــه ســبحانه هــو‬
‫أمر‪ .‬فــالمر ليــس معنــاه )القضــية( كمــا هــو‬
‫مستعمل اصطلحا ً بل المــر بمعنــاه الصــلي‬
‫كقوله ‪‬ول أعصي لك أمرا ‪ ‬فإذا كان المر‬
‫من الوامر الثابته فهو قدَ َر )بالتحريــك( ‪ -‬أي‬
‫أوامــر ثــابته تشــمل الخطــط الموضــوعة مــن‬
‫الصل‪.‬‬

‫وإذا كان أمرا ً خاصا ً تلغى بــه أو توقــف بــه‬


‫در(‪.‬‬
‫الوامر الثــابته أو البعــض منهــا فهــو )ق ـ ْ‬
‫فقوله ‪‬وكان أمر الله ‪ - ‬بهذا الشأن الــذي‬
‫تتحدث فيه الية ‪ -‬وهو من شــؤون التخطيــط‬
‫درا ً فلمــإذا‬
‫الثابت ‪ -‬كان هذا المر قــدَ َر ا ً ل قــ ْ‬

‫أ‬
‫‪23‬‬

‫العجب؟ ولمإذا الحرج على النــبي صــلى اللــه‬


‫عليه وآله وسلم فيما فرض الله له؟‬

‫در فهو أمر خاص يوقــف بــه العمــل‬


‫اما الق ْ‬
‫در في ليلة ما‬
‫بالوامر الثابته ‪ -‬فإذا حدث الق ْ‬
‫‪-‬يحــق لــك النــدهاش‪ -‬بــل هــو الــذي يــدفعك‬
‫للدهشــة حينمــا يقــول ‪‬ومــا أدراك مــا ليلــة‬
‫در ‪‬؟!‬
‫الق ْ‬
‫والفرق الخر‪ :‬هو ان المر ل يتقدم على‬
‫در‪ ،‬بــل دوم ـًا‪ ،‬امــا ان يتــاخر أو‬
‫الق ـدَ َر أو الق ـ ْ‬
‫يكونا مع ًا‪.‬‬

‫فقوله تعالى ‪‬فالتقى الماء على أمر قــد‬


‫در ‪ :‬ان المــاء الرضــي والمــاء الســماوي‬ ‫ُ‬
‫قــ ِ‬
‫در سلفًا‪،‬‬ ‫التقيا على حد المر الذي كان قد ُ‬
‫ق ِ‬
‫هما عشــوائيا ً‬ ‫فلم يلتقيــا جزاف ـا ً ول كــان َ‬
‫ح ـد ُ ّ‬
‫كيفما اتفق بل التخطيط الســابق الــذي كــان‬
‫حسب بــه احتمــال الطوفــان ووقــوعه لــم‬
‫قد ُ‬
‫يترك حساب طريقتــه وكميتــه ومقــداره وحــد‬
‫حسب كل شيء‬
‫التقاء المائين وقدرهما ‪ -‬بل ُ‬
‫أ‬
‫‪24‬‬

‫‪ -‬لكن ذلك الحتمال لم يكن حتما ً مقضــيا ً بــل‬


‫هــو احتمــال ممكــن ان يقــع وممكــن إل يقــع‬
‫وهـــو مرتبـــط بـــالقوم أنفســـهم‪ ،‬فـــالوقوع‬
‫متوقف عليهم من جهــة ‪ ..‬ومــن جهــة أخــرى‬
‫متوقف على صدور الذن اللهي بوقوع المر‬
‫أو قضــاؤه‪ .‬فلمــا صــدر المــر كــان التقــاء‬
‫ه‬
‫عرض ـ ُ‬ ‫المائين ‪ -‬وكم هو دالة شــديدة التغيــر ُ‬
‫لحدوث الخلــل ‪ -‬مــذعنا ً للنــاموس جاري ـا ً فــي‬
‫التقــدير الســابق لحــد ان التقــاءه أي تمــاس‬
‫م‬
‫قطر الماء المنهمر مع العيون المتفجرة ‪ -‬ت ّ‬
‫در‬
‫فـــي المكـــان والزمـــان المقـــرر والمقـــ ّ‬
‫سلفا ً !!‬

‫سئل عالم طبيعي هل لتلك الدالة من‬ ‫ولو ُ‬


‫حساب لقال ان لها حســابا ً ل شــك فــي ذلــك‬
‫لكـــن مـــن ذا الـــذي يقـــدر ان يحســـب تلـــك‬
‫المتغيــرات الــتي ل حصــر لهــا ليحــدد ســلفا ً‬
‫لحظة التقاء الماءين ومكان التقاءهما ســوى‬
‫خــالق الســماء والرض ؟ واذن فــالمر يحــدث‬

‫أ‬
‫‪25‬‬

‫بعد التقدير والحساب ‪ -‬كمــا هــو الشــأن فــي‬


‫أي أمر‪.‬‬

‫هذا على الجمال‪.‬‬


‫اما على التفصــيل فــان المــر ليــس حــدثا ً‬
‫شرطه ان يقع فورا ً كما تحســب‪ .‬لن المــور‬
‫متعــددة‪ ،‬وانمــا هــو مشــتق مــن المــرور‪ ،‬أي‬
‫الذن الني بحــدوث الحركــة وتمريرهــا وفــق‬
‫الخطــط الموضــوعة‪ .‬مثــال ذلــك مثــل عمــل‬
‫)المسيطر( الذي يراقــب عمــل الجميــع‪ ،‬وهــو‬
‫عمــل اتفقــوا ســلف ا ً علــى جميــع جزئيــاته ‪-‬‬
‫ة‬
‫والعاملون لهم خيــاراتهم واخطــاءهم‪ ،‬فمــر ً‬
‫ة‬
‫يمرر العمل ومرةً يغيره وتــارةً يرقــف وتــار ً‬
‫يعاقب ويحاسب واخرى يســجل ‪ -‬وكــل شــيء‬
‫يقع انما هو أمر وبأمر‪.‬‬

‫فاللفظ واحد ومعناه العميق علــى الصــل‬


‫واحـــد وانمـــا اختلـــف اســـتخدامه القرآنـــي‬
‫لختلف الموضــع الــذي يتحــدث عنــه أو فيــه‬
‫وهو جزء من جزيئات المر الكلي‪.‬‬
‫أ‬
‫‪26‬‬

‫فالمر الكلي لله ‪‬قل ان المــر كلــ ُ‬


‫ه للــه‬
‫‪.‬‬
‫لن التمرير ‪ -‬يمــر عــبر اذنــه وارادتــه أو ً‬
‫ل‪،‬‬
‫ولن التمرير الــذي يقــرره المخلــوق هــو مــن‬
‫الحتمالت المتروكة )فارغة( لملها من قبل‬
‫المخلوق ‪ -‬وفــق التخطيــط الصــلي ومــن ثــم‬
‫وفق المشــيئة الــتي ســنلحظ اثرهــا قريب ـا ً ‪-‬‬
‫فالمر الكلي لله‪ .‬واما النسبه ‪ -‬نسبة المر ‪-‬‬
‫فمن البــدهي ان تختلــف هــي الخــرى فمــرة‬
‫يكــون المــر أمــر النــاس ‪‬فتنــازعوا أمرهــم‬
‫بينهم واسروا النجوى ‪ ‬ونزاعهم بشأن اتخاذ‬
‫قرار وتنفيذ حدث ‪ -‬ولهم اختيار بذلك ‪ -‬فهــذا‬
‫أمرهم‪ .‬ومرة يكون أمر المــؤمنين ‪‬وأمرهــم‬
‫شورى بينهم ‪ - ‬ل نزاع فيه وهــذا اختيــارهم‬
‫‪ -‬فهو أمرهم‪.‬‬

‫ومــرة يكــون أمــر المتلكــم بحــدث خــاص‬


‫عســرا(‪ ،‬ومــرة‬
‫)‪....‬ول ترهقنــي مــن أمــري ُ‬
‫ينفــي المتكلــم ان يكــون المــر أمــره )ومــا‬
‫أ‬
‫‪27‬‬

‫فعلتــه عــن أمــري(‪ ،‬ومــرة يوقــف الخــالق ‪-‬‬


‫ســبحانه ‪ -‬العمــل بــأمر ســابق بــأمر لحــق ‪-‬‬
‫فلكون النبي له مقام عظيم سحب منه المر‬
‫بقبولهم )ليس لك مــن المــر شــيء أو يتــوب‬
‫عليهــم(‪ ،‬ومــرة يــذيق الجــاني وبــال أمــره‬
‫)ليذوق وبال أمره(‪ ،‬فالمر إذن هــو )القــرار(‬
‫المتخذ بشأن قضية ما ل القضية نفسها‪.‬‬

‫أ‬
‫‪28‬‬

‫ل الوامر‬
‫‪ 4‬في َتنّز ِ‬
‫إذن المــور )الوامــر( متعــددة‪ ،‬وعــدا ذلــك‬
‫فهي متنزله على مراتب شأنها شــأن أوامــر‬
‫)هيئة( أو )مملكه( من تاليف المخلوقين‪.‬‬

‫فــأول الوامــر وآخرهــا واكبرهــا هــو )أمــر‬


‫اللــه( المضــاف لســمه الكــبر لفــظ الجللــه‪.‬‬
‫وهذا المر هو المر الكلــي الــذي ل اكــبر ول‬
‫اوســع منــه‪ .‬ول يحــدث هــذا المــر كمــا تظــن‬
‫كلمح البصــر ‪ -‬بــل علــى العكــس هــو اطولهــا‬
‫زمن ا ً وأكثرها تاخرًا‪.‬‬

‫لذا قال ‪‬فتربصوا حتى ياتي الله بأمره ‪‬‬

‫وقال ‪‬ان الله بالغ أمره ‪‬‬

‫فالضمير يعود على لفظ الجللة فهو )أمــر‬


‫اللــه( وهــو بــالغ بعــد حيــن لن المــر الكلــي‬
‫ب بالقول‪:‬‬
‫مرتبط بالقدَ َر الكلي‪ .‬لذا عق ّ‬

‫]ان الله بالغ أمره ‪ -‬قــد جعــل اللــه لكــل‬


‫شيء قدَ َر ا ً ‪‬‬

‫أ‬
‫‪29‬‬

‫فهذا أمر اللوهية )أمر الله(‪.‬‬

‫والمســتوى الثــاني مــن الوامــر هــو أمــر‬


‫الرب ‪ -‬الصادر من مقام الربوبية وهــو اســرع‬
‫تحقيقا ً ووقوعًا‪.‬‬

‫فهــذا هــو أمــر المحاســبة الســريعة ‪ -‬ذات‬


‫المهلة المحدودة‪ ،‬أو الرحمة‪:‬‬

‫]وكأين من قرية عتت عن أمر ربها‬


‫ورسله فحاسبناها حسابا ً شديدا َ ‪‬‬

‫]يا إبراهيم اعرض عن هذا إّنه قد جاء‬


‫أمر ربك ‪‬‬

‫والمســـتوى الخـــر‪ :‬هـــو )أمرنـــا( بصـــيغة‬


‫جماعة المتكلمين‪ .‬والمراد به مجمــوع القــوى‬
‫القائمة بتنفيذ المر‪.‬‬

‫ة‬
‫وهذا اسرع الوامر نفــاذا واشــدها مباغت ـ ً‬
‫للناس وهو الموصوف بانه كلمح بالبصر )وما‬
‫أمرنا إل واحدة كلمح بالبصر(‪.‬‬

‫أ‬
‫‪30‬‬

‫ذلـــك لنـــه حينمـــا ُنســـب إلـــى جماعـــة‬


‫المتكلميــن فكــأنه قــد ُ‬
‫قضــي مــن المقــامين‬
‫السابقين مقام اللوهيــة ومقــام الربوبيــة ‪-‬‬
‫أي ان الرادة في قضاءه قد تحققت فالقوى‬
‫المنفذة إذن تنفذ بدون مرور زمان فأنتبه‪.‬‬

‫فالمر إذن يتنزل على مســتويات ومراتــب‬


‫ة على مستويات التكوين‪.‬‬
‫مرّتب ً‬
‫‪ُ -‬‬
‫]الله الذي خلق سبع سموات ومن الرض‬
‫مثلهن يتنزل المر بينهن ‪/ ‬الطلق‬

‫‪ 5‬في معنى ‪‬تنزل الملئكة والروح فيها مــن‬


‫كل أمر ‪‬‬

‫لمعرفة معنى )من كل أمر(‪ :‬لما كانت تلك‬


‫در ‪ -‬ل القدَ َر‪ -‬وهو المر الذي يوقــف‬ ‫ليلة الق ْ‬
‫به العمل بالوامر الثابته كل ً أو جزءً )القــدَ َر(‬
‫‪ 0‬فلبد من قوى منفذة لهذا المر‪.‬‬

‫أ‬
‫‪31‬‬

‫ى بــاللم يســتغرق‬
‫فالملئكــة ‪ -‬جمــع محلــ ّ‬
‫جميع الملئكة‪ .‬والــروح هــي القــوى العظــم‬
‫ى بــاللم يســتغرق‬ ‫من الملئكة والجمع المحل ّ‬
‫الجميع أيضًا‪ :‬روح المــر‪) :‬روح ـا ً مــن أمرنــا(‪،‬‬
‫والروح المين )نزل به الروح الميــن(‪ ،‬وروح‬
‫القدس )وايدناه بروح القدس(‪.‬‬

‫وبصـــفة عامـــة يظهـــر ان جميـــع القـــوى‬


‫الســماوية والرضــية تشــارك فــي تنفيــذ أمــر‬
‫ليلة القدر‪.‬‬

‫ولمــا كــانت الوامــر تنــزل مــن مقامــات‬


‫مختلفة )الفصل السابق(‪ ،‬قال‪:‬‬

‫]بإذن ربهم من كل أمر ‪‬‬

‫أي ان مستويات التنفيذ تحــدث مــن جميــع‬


‫المســتويات العاملــة فــي المقامــات جميعــا ً‬
‫فالملئكة والروح تن ـّزل فيهــا ل مــن )أمرنــا(‬
‫ول من )أمر ربك( بل من الجميع‪.‬‬

‫أ‬
‫‪32‬‬

‫وإذا طبقت المثل الســابق فــي المســيطر‬


‫والعاملين توضح المر‪.‬‬

‫فالهيئات المختلفة تعمل ليل نهار وتجــري‬


‫التجارب لتنفيذ مشروع معين لسنوات طويلة‬
‫فإذا حانت ساعة تنفيذ المشروع مثل )اطلق‬
‫سفينة جديدة إلى الفضاء(‪ ،‬فمــن الواضــح ان‬
‫جميـــع الهيئات والقســـام تســـتنفر للعمـــل‬
‫الحقيقــي هــذه المــرة ل التجريــبي وحســب‬
‫ويكون تمرير الوامر جاريــا ً بجميــع الخطــوط‬
‫حـــتى رئاســـة الدولـــة والعلم لهـــم علـــم‬
‫بالموضوع‪.‬‬

‫ليلة القدر هــي موعــد تنفيــذ )أمــر اللــه( ‪-‬‬


‫الكلي الخاص بهذين الثقلين‪.‬‬

‫واذن فابتداء تنفيــذ المــر الكلــي يســتلزم‬


‫اشتراك جميع مستويات المر من )أمر ربــك(‬
‫إلى )أمرنا( ‪ -‬وهو ما عبر عنه بصيغة )من كل‬
‫أمر(‪.‬‬

‫أ‬
‫‪33‬‬

‫ســـّنة‬
‫‪ 6‬الفـــرق بيـــن ال ُ‬
‫والقدَ َر‬
‫هــذه المعرفــة ضــرورية لنــك إذا اردت ان‬
‫تكــون "مواطن ـًا" صــالحا ً ترضــي الملــك عنــك‬
‫ل‪ ،‬لللــتزام بــه ثانيــًا‪،‬‬
‫عليك معرفة قــانونه أو ً‬
‫واللتزام الطوعي خير من الكرهــي حــتى لــو‬
‫عرف القانون إجمــا ً‬
‫ل‪ ،‬والطــوعي ل تنــاله إل‬
‫بمعرفة روح القــانون‪ ،‬لنــك إذا عرفتــه هكــذا‬
‫ة وحبــا ً‬
‫أنه حسن ل أحسن منه أطعت طواعيــ ً‬
‫ل كرهًا‪ ،‬فالقدَ َر هو الخطة الموضوعة تقديرا ً‬
‫وبحســـاب‪ .‬امـــا الســـنة فهـــي المســـتلزمات‬
‫الخرى لستيعاب الخطة وتنفيذ مراحلها‪.‬‬

‫العلقة بينهما كالعلقــة بيــن المصــطلحين‬


‫العلميين ‪ -‬المشــروع أو )الفكــرة( والتصــميم‬
‫فالفكرة توضع أو ل ً ويتم اجراء حســاباتها ثــم‬
‫يوضــع التصــميم الملئم للفكــرة لكــي يتــم‬
‫ايجادها فع ً‬
‫ل‪ ،‬فالتصميم الذي يخرج إلــى حيــز‬
‫أ‬
‫‪34‬‬

‫الوجود هو السنة‪ .‬فالفكرة ل يمكن ان تلغــى‬


‫أو تبدل أو تحول ‪ -‬إذ إلغاؤها إلغاء لصاحبها ‪-‬‬
‫إل إذا كان لديه خير منها ‪ -‬والــذات المقدســة‬
‫ل يزيد علمه ول ينقص ‪ -‬لذا ل يمكن إلغــاء أو‬
‫تبديل الســنة‪ ،‬إذ هــو محــال كاســتحالة وجــود‬
‫شريك‪.‬‬

‫امــا التصــميم فيمكــن ان يبــدل أو يحــور‬


‫ليلئم ‪) -‬ذوق( ‪ -‬العــاملين بالمشــروع بعــدما‬
‫ظهــرت نتــائج تزعجهــم خلل العمــل‪ ،‬علــى‬
‫سبيل المثال‪.‬‬

‫والسنة مثــل التصــميم‪ ،‬لــذا جــرى الحــديث‬


‫في القــرآن عــن تبــديل وتحويــل الســنة ولــم‬
‫يجر الحديث عن تبديل أو تحويــل القــدَ َر‪ ،‬لن‬
‫القــدَ َر قــانون ايجــاد الخلــق والســنة النظــام‬
‫الذي وضع فيه الخلق‪.‬‬

‫‪ ‬السراء‬ ‫]ول تجد لسنتنا تحويل ً ‪77‬‬

‫فاطر‬ ‫]ولن تجد لسنة الله تبديل ‪ 43‬‬

‫أ‬
‫‪35‬‬

‫فهو قادر على ايجاد بديل لكنه لخلــق آخــر‬


‫بنظام آخــر ‪ -‬لنفــس مشــروع‪ ،‬الخليفــة الــذي‬
‫سنوضح لك شيئا منه ‪ -‬ل يمكن التفكيك بيــن‬
‫الخلق والنظام الموضوع‪ ،‬فلــن تتبــدل الســنة‬
‫إل بتبدل الخلق نفسه لنهما مرتبطان ربطا ً‬
‫وثيق ًا‪.‬‬

‫امــا إذا اردت تغييــر النظــام لنفــس هــذا‬


‫الخلـــق )فلـــن تجـــد( ‪ -‬لن واضـــع النظـــام‬
‫صـــمم( هـــو نفـــس صـــاحب المشـــروع‬
‫)الم ّ‬
‫در أو المخطط(‪.‬‬
‫)المق ّ‬
‫وهذا قلما يحدث علــى مســتوى البشــر‪ .‬إذ‬
‫مين لتنفيذ‬
‫دائما يتبارى عدد كبير من المصم ّ‬
‫فكــرة مشــروع فيؤخــذ بأعلهــا فــي حســاب‬
‫)الجــدوى(‪ .‬لكــن هنــا خــالق الخلــق نفســه‬
‫بــالفكرة اوجــدهم بالفعــل ‪ -‬فالســنة الــتي‬
‫وضعها اللــه هــي الحســن لهــذا الخلــق الــذي‬
‫خلقــه اللــه‪ ،‬وإذا حــدث تبــديل أو تحويــل فــي‬
‫السنة اضطرب وضع الخلق اضــطرابا ً شــديدَا‪،‬‬
‫أ‬
‫‪36‬‬

‫فالســـنه إذن مـــن الناحيـــة النظريـــة يمكـــن‬


‫تبــديلها ‪ -‬لكنــك لــن تجــد بــديل ً مــن الناحيــة‬
‫العملية ليلئم هذا الخلق‪ .‬اما القدر فهو عين‬
‫الفكــرة الوليــة وحســاباتها فل حــديث حــول‬
‫تبـــديله أو تحـــويله علـــى عمـــومه كمشـــروع‬
‫در توقيف أو إلغاء‬
‫لفكرة‪ .‬نعم لكن يمكن بالق ْ‬
‫در أمر خاص‬
‫فقرات معينة من القدَ َر‪ ،‬لن الق ْ‬
‫أعلى قوة من القدَ َر )بالتحريك(‪.‬‬

‫‪ - 7‬السبب في أن ايجاد بديل أو تحويل للسنة‬


‫لم يخاطب به سوى الرسول صلى اللــه عليــه‬
‫وآله وسلم‬

‫وهنا أمر دقيق في غاية الدقة‪ ،‬يبرهن على‬


‫مــا ذكرنــاه مــن ان التحويــل فــي الســنة أو‬
‫التبديل يستلزم تغييــر الخلــق بخلــق آخــر‪ .‬أي‬
‫ان لكل خلق سنته )نظامه(‪ .‬نفى القرآن في‬
‫خمسة مواضع )ايجــاد تحويــل أو تبــديل( فــي‬
‫السنة من قبــل النــبي صــلى اللــه عليــه وآلــه‬

‫أ‬
‫‪37‬‬

‫وسلم ولكنه لم ينف التحويل والتبديل نفسه‬


‫من قبل الله‪.‬‬

‫لمـــاذا ؟ لن التحويـــل ليـــس محـــال ً بـــل‬


‫يستلزم تبديل الخلــق وحســب‪ ،‬وذلــك مقــدور‬
‫للــه‪ .‬لــذلك لــم ينــف تبــديل الخلــق‪ ،‬بــل علــى‬
‫العكس اثبت امكان التبديل‪:‬‬

‫]إن يشاء يذهبكم ويأتي بخلق جديد ‪‬‬

‫بينما نفى ايجاد بديل للسنة من قبل الخلــق‪.‬‬


‫لن المخلوق ل يضع سنته بنفسه‪.‬‬

‫لكنــك تلحــظ ان المواضــع الخمســة لعــدم‬


‫ايجاد تبديل للســنه خــوطب بهــا النــبي صــلى‬
‫الله عليه وآله وسلم وحده‪:‬‬

‫الفتح ‪23/‬‬ ‫ولن تجد لسنه الله تبديل‬

‫فاطر ‪43 /‬‬ ‫فلن تجد لسنه الله تبديل‬

‫فاطر ‪43 /‬‬ ‫ولن تجد لسنه الله تحويل‬

‫‪/ 77‬السراء‬ ‫ول تجد لسنتنا تحويل‬

‫‪/62‬الحزاب‬ ‫ولن تجد لسنه الله تبديل‬


‫أ‬
‫‪38‬‬

‫ففيها جميع ـا ً نفــى عــن النــبي صــلى اللــه‬


‫عليه وآله وسلم احتمال اليجاد؟ لماذا؟‬

‫ذلــك لن التبــديل والتحويــل يســتلزم تغييــر‬


‫الخلــق ومــن الواضــح ان التبــديل فــي الخلــق‬
‫يبدأ من السوء أو الدنى صعودا ً الى العلى‪.‬‬
‫فكــأنه يقــول لــو تبــدل الخلــق كلهــم وبقيــت‬
‫وحدك ‪ -‬فرغم فضلك ومحبتنا لك ‪ -‬وإذننا لــك‬
‫بالبحث عن سنة تلئمك فلــن تجــد رغــم ذلــك‬
‫تبــديل ً أو تحــويل ً تــراه أحســن مــن ســنتنا أو‬
‫)سنه اللــه(‪ ،‬وان لــم تجــد أنــت فغيــرك أولــى‬
‫بالسكوت‪.‬‬

‫فتغيير الخلق كشــرط لتغييــر الســنة وضــع‬


‫سرا ً في الخطاب )لن تجد( )ل تج ـ ْ‬
‫د( وبنفــس‬
‫جد النبي صلى الله عليــه وآلــه‬
‫الطريق ‪ -‬لو و َ‬
‫وسلم بديل ً للسنة لكان لخلــق آخــر غيــر هــذا‬
‫الخلق ‪ -‬خلق ل يستطيع هو اخراجه للوجــود ‪-‬‬
‫فكأّنه لم يجد بديل ً وذلــك لســتحالة التفكيــك‬
‫بيــن الخلــق وســنته ‪ -‬لن مصــدرهما واحــد‬
‫أ‬
‫‪39‬‬

‫بخلف ما يفعله كــل مــن ســواه‪ .‬امــا الســبب‬


‫لهــذا النفــي فهــو دفــع العجلــة لــدى البعــض‬
‫لرؤيــة نتيجــة )مشــروع( الخليفــة فــي الرض‬
‫وقــد تحقــق بســرعة ودفــع مطــالب آخريــن‬
‫لتغيير )النظام( مع أنهم يرفضــون ان يبــدلوا‬
‫بخلق آخر‪.‬‬

‫أ‬
‫‪40‬‬

‫‪ 8‬الفرق بين التبــديل والتحويــل وســبب تقــديم‬


‫التبديل على التحويل في آية فاطر‬

‫التبديل والتحويــل واضــحان فــالول تغييــر‬


‫تمام النظام والخر تحويل في مساره عموما ً‬
‫أو فــي خــط مــن خطــوطه ‪ -‬أي أجــزاء مــن‬
‫السنن‪ .‬فتغيير أجزاء من السنن معناه تحويل‬
‫في السنة العامة‪.‬‬
‫التبديل الكلي يســتلزم تغييــر الخلــق‪ ،‬وإل ّ‬
‫يحــدث خلــل وانحــراف فــي المســار ل يعلــم‬
‫نتيجته إل هــو ومثلــه مثــل رجــل جاهــل غايــة‬
‫الجهــل يبــدل تصــميم آلــة مــن ارقــى اللت‬
‫زاعما ً انها ســتكون بكفــاءة أعلــى‪ ،‬ول يبقــى‬
‫مـــن التصـــميم الول ‪ -‬الـــذي وضـــعه علمـــاء‬
‫مختصون شيئا ً ‪ -‬النتيجة هي لن تكون هنا أية‬
‫آلة أصل ً لُتحسب كفاءتها‪.‬‬

‫والتحويــل معنــاه اجــراء تحــوير فــي بعــض‬


‫الجزاء على اللة التي في هذا المثل‪.‬‬

‫أ‬
‫‪41‬‬

‫لكن لو كان للمصمم علما ً إحاطي ـًا‪ ،‬بفكــرة‬


‫اللة وعملها وغايتها‪ ،‬فلن تجد بطبيعة الحال‬
‫مجال ً لبداء افكارك حول تحــوير جــزء منهــا ‪-‬‬
‫فكيف إذا كنــت لــم تفتــح أي جــزء للن بــل ل‬
‫تدرك تماما ً كيف يعمل كل جزء ؟‬

‫لكنك لو فعلت ‪ -‬فلن تحصل إل على تأخير‬


‫في العمل وزيادة مشاكل‪.‬‬

‫إذن أي تحويل في سنه الله يؤخر مشــروع‬


‫)الخليفـــة فـــي الرض(‪ ،‬واي تبـــديل يلغـــي‬
‫المشروع‪ .‬لذلك كان التقديم للتبــديل‪ ،‬فكــان‬
‫يقول لن تجد بديل ً لهذا النظــام بــل لــن تجــد‬
‫حتى تحويل ً لمساره وغايته مع بقاءه‪.‬‬

‫فحينما يتحدث عن جــزء مــن الســنن ‪ -‬عــن‬


‫قضيه محددة ‪ -‬ينفي ايجــاد تحويــل‪ .‬كمــا فــي‬
‫آية السراء‪.‬‬

‫أ‬
‫‪42‬‬

‫وحينمــا يتحــدث عــن القضــية الكــبرى ‪ -‬أي‬


‫المشروع كله ‪ -‬ينفي ايجاد تبديل كما في آية‬
‫الفتح‪.‬‬

‫وحينمــا يتحــدث عــن القضــية العامــة مــن‬


‫خلل تفاصيل لها صلة بــأجزاء مــن الســنن ‪-‬‬
‫أي حينما يجمع بينهما ‪ -‬يجمع في النفي بين‬
‫التبديل والتحويل كما في فاطر‪.‬‬

‫وحينما يتحدث عن قضية جزئية لكنهــا مــن‬


‫المحــال ان تقــع إل عنــد اكتمــال المشــروع‬
‫ينفي بالطبع ايجاد تبديل ‪ -‬في موضع تحسبه‬
‫موضع نفي التحويل ان لم تكن لــديك قواعــد‬
‫أخرى لللفاظ تفك بها مواضع اللتبــاس كمــا‬
‫في آية الحزاب‪.‬‬

‫فهذه هي مجموعة الحتمالت‪ ،‬ذكرت فــي‬


‫أربع سور بأربع آيات‪.‬‬

‫أ‬
‫‪43‬‬

‫‪ 9‬في العلقة بين السّنة وأصل الخلق )الحمــأ‬


‫المسنون(‬

‫وذلك للشــتراك بيــن اللفظيــن )الســنة( و‬


‫ة‪.‬‬
‫)المسنون( إذ هما من أصل واحد لغ ً‬
‫ولــم يخطــئ المفســرون بمعنــى )الحمــأ‬
‫المســنون( ‪ -‬إذ زعمــوا انــه الطيــن الســود‬
‫المنتــن ‪ -‬خط ـأ ً فكري ـا ً وعقائدي ـا ً وحســب بــل‬
‫اخطأوا خطأ ً ل يغتفر من حيث اللغة‪.‬‬

‫إذ المسنون هو الموضوع في سنه وشرعه‬


‫ومنهج من الصــل‪ .‬ول علقــة لــه بــالمنتن إذ‬
‫المفعول منه )متسنه( كما فــي قــوله تعــالى‬
‫سنه ‪.‬‬
‫‪‬وانظر إلى طعامك لم يت ّ‬
‫ه‪ :‬تبــدل وتغيــر‬
‫سنِ َ‬
‫وهما فعلن منفصلن ‪َ -‬‬
‫ن فهو مسنون‪.‬‬
‫س ّ‬
‫ن ي َ‬
‫س َ‬
‫سنه والخر‪ّ :‬‬
‫فهو مت ّ‬
‫وقد فصلنا القول في اللفاظ الربعة في‬
‫صلصال ‪ -‬حمأ ‪ -‬مسنون ‪ -‬فخّار في كتاب آخر‬

‫أ‬
‫‪44‬‬

‫ة وقرآن ـا ً وعقل ً‬
‫وبرهنا علــى خطــأ القــوم لغ ـ َ‬
‫من جميع الوجوه فراجعه هناك‪.‬‬

‫فالمخــاطبون بعــدم القــدرة علــى ايجــاد‬


‫تحويــل فــي الســنة أو تبــديل ‪ -‬هــم انفســهم‬
‫جــزء مــن تلــك الســنة‪ .‬والمنفعــل بشــيء ل‬
‫يمكن ان يكون فاعل ً لذلك الشيء‪.‬‬
‫فالدمي ‪ -‬هو مسنون ‪ -‬فكيــف يجــد بــديل ً‬
‫للسنة؟‬

‫أ‬
‫‪45‬‬

‫فــي أصــل الخلــق "صلصــال مــن الحمــأ‬ ‫‪10‬‬


‫المسنون"‬

‫على قول المام عليه السلم‪ " :‬لــو عــرف‬


‫الناس كيف خلق آدم ما اختلف رجلن"‬

‫إن في معرفة النــاس كلهــم بكيفيــة خلــق‬


‫آدم شــــرط فــــي زوال الختلف‪ ،‬لكنهــــم ل‬
‫يعرفـــون لـــذلك اختلفـــوا‪ .‬وعـــدم معرفتهـــم‬
‫ليســت بمنــع خــارجي ‪ -‬بــل لعــدم رغبتهــم‬
‫بالمعرفة لقتناعهم بالمتيسر منها‪.‬‬

‫وزعمــوا‪ :‬ان الصلصــال هــو الــذي يحــدث‬


‫صوتا ً ير ّ‬
‫ن‪.‬‬

‫بينما الصلصال علــى الصــل هــو الخلصــة‬


‫المــتركزة فــي نقطــة‪ .‬ثــم صــارت المفــردة‬
‫اصطلح ا ً ‪ -‬فســميت بــه البقعــة البيضــاء فــي‬
‫الفرس الدهم والقطرات الخيرة مــن المــاء‬
‫الجاري‪ .‬ثــم اصــبحت وصــف ًا‪ :‬فكــل مــا ُيحــدث‬
‫صــوت ا ً مشــابه ا ً لصــوت المــاء ُيصلصــل ‪ -‬وإذا‬

‫أ‬
‫‪46‬‬

‫جــف الغــدير فلــم يبــق منــه إل القليــل قيــل‪:‬‬


‫صل‪.‬‬

‫لكــن القــرآن يســتخدم الصــل اللغــوي ‪ -‬ل‬


‫الصطلحات‪.‬‬

‫فالصلصال هو الخلصة المتركزة المأخوذة‬


‫من )الحمأ( وهو الكتله مــن المــادة موضــوعة‬
‫فــي شــرعه ومنهــاج )مســنون( ‪ -‬ولهــا قــدرة‬
‫ذاتية على حماية نفســها بقــوة ذاتيــة ‪ -‬علــى‬
‫البقاء( ‪ -‬بالنقسام والتكاثر‪.‬‬

‫إذن )الصلصــال مــن الحمــأ المســنون( هــو‬


‫المادة الولى للحيــاة‪ ،‬وقــد برهنــا بكــل يســر‬
‫على خطأ من قال انه كان جسدا ً مــن الطيــن‬
‫المفخور بالنــار يصلصــل إذا ضــربته ‪ -‬فــارجع‬
‫إلى تفصيله اللغوي هناك‪.‬‬

‫امــا قــوله تعــالى ‪‬خلــق النســان مــن‬


‫س عليهــم المــر‬ ‫صلصال كالفخار ‪ ‬فقد ألتب ـ َ‬
‫فيه أيضا ً كمــا إلتب ـ َ‬
‫س فــي أمثــاله‪ .‬إذ الفخــار‬

‫أ‬
‫‪47‬‬

‫ليس المفخور بالنار بــل المتفــاخر فــي ذاتــه‬


‫والمتميز على أشباهه‪ .‬فتلــك المــادة الولــى‬
‫للحياة التي شحنها البــارئ بقــوة البقــاء هــي‬
‫سنت وفــق منهــاج‬
‫خلصة من مكونات الرض ُ‬
‫)مسنون( وحميت ذاتيا ً بقوة البقاء )حمأ( ثم‬
‫جبلــت منهــا‬
‫صارت فخارة علــى المــادة الــتي ُ‬
‫)فخار( ‪ -‬بقــدرتها علــى التفــاخر أي الــترقي‬
‫والســـمو‪ ،‬فهـــي ليســـت )فخـــارًا( بـــالمعنى‬
‫الصطلحي بل كأي فخار ‪ -‬أي شــيء يســمو‬
‫علــى منشــأة الول لمكــان كــاف التشــبيه‪:‬‬
‫)كالفخار( هذا اختصارا ً ‪ -‬اما التفصيل فتجــده‬
‫في ذلك الكتاب ان شاء الله‪.‬‬

‫أ‬
‫‪48‬‬

‫ق علــى خلــق‬
‫ق النســان ســاب ّ‬
‫ن خل َ‬
‫في أ ّ‬ ‫‪11‬‬
‫البشر‬

‫يجب التفريق والنظر الدقيق في استخدام‬


‫القرآن لللفاظ‪ .‬ووفق المنهج الــذي اخترنــاه‬
‫في ذلك الكتاب ‪ -‬فأن النتائج كانت حسنة‪ ،‬إذ‬
‫ستؤيد اليات واللفاظ بعضها بعضا ً وتشــترك‬
‫ض مــا ‪ -‬علــى‬ ‫ً‬
‫جميع ا في تصحيح أو تخطئة فر ٍ‬
‫ور‪.‬‬
‫س َ‬
‫الرغم من تباعدها في ال ُ‬
‫ستجد الفرض السابق ‪ -‬وهو ان الصلصــال‬
‫من حمأ مسنون هو المادة الولى المشــحونة‬
‫وي‬
‫بالحياة التي ترقت لتصــل إلــى إنســان س ـ ّ‬
‫خلل حقب ودهور هو فرض صحيح على أكــثر‬
‫من جهة‪.‬‬

‫هذه إحدى الجهات‪ :‬ففي سورة الحجر‪:‬‬

‫]ولقد خلقنا النسان من صلصال من‬


‫حمأ المسنون ‪‬‬

‫أ‬
‫‪49‬‬

‫وبعدها مباشرة‪:‬‬
‫]وإذ قال ربك للملئكة إ ّني خالق بشرا ً‬
‫من صلصال من حمأ مسنون ‪‬‬

‫فبعــد خلــق النســان ‪ -‬كــانت الخطــة هــي‬


‫إيصاله إلى مرحلــة البشــرية فــاخبر الملئكــة‬
‫بذلك‪ .‬ثم قال بعدها‪:‬‬

‫ت فيه من روحي‬ ‫]فإذا سويته ون َ‬


‫فخ ُ‬
‫فقعوا له ساجدين ‪‬‬

‫لحظ الماضي في قــوله ‪‬ولقــد خلقنــا ‪‬‬


‫وتقديمه على ما أراد شــرحه بصــيغة الحاضــر‬
‫والمستقبل‪) :‬إني خالق(‪) .‬فإذا سويته(‪.‬‬

‫واذن فالملئكــة ل يســجدون لنســان بــل‬


‫لبشر سواه ونفخ فيه من روحه‪.‬‬

‫من الواضح ان الخبار كــان قبــل التســوية‬


‫والنفخ‪.‬‬

‫لنــه أشــار إلــى المســتقبل‪ :‬إذا ســويته‬


‫ونفخت ‪ -‬فقعوا‪.‬‬

‫أ‬
‫‪50‬‬

‫إذن فــالقول كــان بيــن مرحلــة )النســان(‬


‫ومرحلة )البشر(‪.‬‬

‫أي القول فــي ســورة الحجــر خصيص ـا ً هــو‬


‫في هذه الفترة‪.‬‬

‫في معنى التسوية‬ ‫‪12‬‬

‫ه( بمعنى خلقته‪ .‬معاذ‬


‫سوّيت ُ‬
‫ل تحسب ان ) َ‬
‫ن الله تعالى يحتاج إلى زمــن ليخلــق ‪-‬‬ ‫الله كأ ّ‬
‫)انمــا أمــره إذا اراد شــيئا ً ان يقــول لــه كــن‬
‫فيكون(‪.‬‬

‫انمــا معنــاه ان يكــون ســويا ً فــي الخلــق‬


‫والعقل ‪ -‬وهذا يحتاج إلى زمــن وفــق المنهــج‬
‫الموضوع اصل ً في الصلصــال كــونه مــن حمــأ‬
‫)مسنون( ‪ -‬خطة ذاتيه فيه للــترقي والتطــور‬
‫‪ 0‬إذن فهــو يحتــاج إلــى زمــن طويــل جــدا ً‬
‫للترقي وصــول ً للتســوية فهــذه وجهــة أخــرى‬

‫أ‬
‫‪51‬‬

‫تعــدها ان شــئت مــن الجهــات الصــحيحة لهــذا‬


‫الفرض‪.‬‬

‫أ‬
‫‪52‬‬

‫في ذم النسان والثناء على البشر فـــي‬ ‫‪13‬‬


‫القرآن‬

‫ل تحســب انــه بعــد نفــخ الــروح والتســوية‬


‫لدم )البشــر الول( لــم ُيولــد آدم إل بشــرا ً ؟‬
‫فالنسان استمر وجوده‪ ،‬فمــن تعلــق بالمبــدأ‬
‫العلى صار بشرا ً ومــن رضــي بمــا هــو عليــه‬
‫بقي إنسان ًا‪ -‬فالسابقون ‪ -‬على خــط التطــور‬
‫والترقي هم البشر والخرون خلفهم تباعــا ً ‪-‬‬
‫بعضهم ينحــدر وبعضــم يــترقى ببطــء‪ ،‬وليــس‬
‫ذلك في الخلقــه‪-‬لن تســوية الخلقــه قــد تــم‪،‬‬
‫انما هو في الختيار الذي هو مرتبط بالعقـــل‬
‫والقلب ‪ -‬نعــم الخلقــه تتحســن أيض ـا ً بحســن‬
‫الختيار‪ .‬لذلك كانت موارد ذكر النســان فــي‬
‫م فــــي أكثرهــــا ‪ -‬إل إذا‬
‫القــــرآن مــــوارد ذ ّ‬
‫استثنى‪ ،‬بينما موارد البشر موارد ثناء ومديــح‬
‫م العــام‬
‫من غيــر مــا اســتثناء‪ .‬بــل مــوارد الــذ ّ‬

‫أ‬
‫‪53‬‬

‫)للنسان( من غير استثناء هي أكثر الموارد ‪-‬‬


‫عدا موردين من أصل )‪ (65‬موردًا‪.‬‬

‫مثل‪:‬‬

‫]انه ليؤس كفور ‪ ‬ان النسان لظلــوم‬


‫كفار ‪ ‬ويدع النسان بالشر دعــاءه بــالخير‬
‫‪ ‬وكان النسان عجول ‪ ‬وكان النســان‬
‫كفــورا ‪ ‬إن النســان لكفــور ‪ ‬وحملهــا‬
‫النســان انــه كــان ظلومــا ً جهــول ‪ ‬كمثــل‬
‫الشيطان إذا قال للنسان اكفــر ‪ -‬فّلمــا كفــر‬
‫‪ ‬قتل النسان ما أكفــره ‪ .....‬إلــى آخــر‬
‫تلك الموارد‪.‬‬

‫امـــا البشـــر فقـــد اطلـــق علـــى النبيـــاء‬


‫صة‪:‬‬
‫والصفياء والرسل والخا ّ‬
‫]فارسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا ً‬
‫سويا ً ‪‬‬

‫لحظ انه ل يتمثل بالنسان لنه واطئ‪.‬‬

‫أ‬
‫‪54‬‬

‫]قل سبحان ربي هل كنت إل بشرا ً‬


‫رسول ‪‬‬

‫]قل إنما أنا بشر مثلكم ُيوحى إلى ‪‬‬

‫]ما أنت إل بشر مثلنا ‪‬‬

‫فكــون الرســل مثلهــم أي مثــل النســان فــي‬


‫الخلقــة لكنهــم بالمعرفــة والرتبــاط بالمبــدأ‬
‫ودرجة الترقي بشر وليسوا من النسان‪.‬‬

‫]قالت أنى يكون لي غل ّ‬


‫م ولم يمسسني‬
‫بشر ‪‬‬

‫لن مقامهــا ودرجتهــا هــي درجــة البشــر‬


‫كونها من الولياء‪.‬‬

‫ش لله ما هذا بشرا ً ‪ - ‬ولو قلن‬ ‫]قلن حا َ‬


‫ما هذا إنســان لحتمــل ان يكــون بشــرا ً فلمــا‬
‫نفيت العلى ُنفي الدنــى‪ ،‬هــذا أمــر تقتضــيه‬
‫البلغة‪.‬‬

‫أ‬
‫‪55‬‬

‫]بل أنتم بشر ممن خلق ‪ ‬وهذه الية قــد‬


‫حــدث التباســا ً لنهــا بالضــد مــن الفــرض ‪-‬‬
‫ت ُ‬
‫لحتمال وجود من ُيعذب فيهم‪ :‬والجواب‪:‬‬

‫ان البلغــة تقتضــي ذلــك ‪ -‬لنهــم ادعــوا‬


‫)الولية( موضوع كتابنا ‪ -‬زعمــوا انهــم أوليــاء‬
‫للــه ‪ -‬فقــال‪ :‬فلــم يعــذبكم بــذنوبكم ؟ لن‬
‫الولياء ل يــذنبون أو يــذنبون ويتوبــون‪ .‬واذن‬
‫فل يعذبون ؟ ثم قال بل أنتم بشر ممن خلــق‬
‫يعذب من يشاء ويغفر لمــن يشــاء‪ .‬فغايــة مــا‬
‫تصــلونه‪ :‬ان تكونــوا بشــرا ً ‪ -‬لن فيهــم انبيــاء‬
‫ورسل )بشر(‪ ،‬فحاججهم بأعلى درجــة فيهــم‬
‫ُيحتمل ان يصلوا إليها‪.‬‬

‫المــورد الخــر الــذي يحتــاج إلــى ايضــاح‬


‫لظهـــوره فـــي العمـــوم قـــوله تعـــالى فـــي‬
‫الفرقان }وهــو الــذي خلــق مــن المــاء بشــرا ً‬
‫فجعله نسب ا ً وصهرًا{ ‪/54‬الفرقان‪.‬‬

‫أ‬
‫‪56‬‬

‫فبعـــد العثـــور علـــى القاعـــدة ل بـــد مـــن‬


‫ي وهو ان البشر المقصود فــي‬ ‫الذعان للمرو ّ‬
‫هــذه اليــة ليــس عامــا ً بــل هــو رجــل معّيــن‬
‫معروف‪ .‬وفوق ذلــك فهــو فــي معــرض تبيــان‬
‫حقيقة وفيــه من ِــة علــى ذلــك المخلــوق كــونه‬
‫جعله نسب ا ً وصهرا ً فهو مــن مــوارد الثنــاء ول‬
‫يخــل بــالفرض ‪ -‬والمخــاطب بــه النــبي صــلى‬
‫الله عليه وآله وســلم وفيــه منــه عليــه بخلــق‬
‫هذا البشر لقوله‪:‬‬

‫مــد قــديرا ً ‪ ‬فهــو إذن‬


‫]وكان ربــك يــا مح ّ‬
‫شــخص مخصــوص قــد اجتمــع فيــه النســب‬
‫والصــهر لرســول اللــه صــلى اللــه عليــه وآلــه‬
‫وسلم‪.‬‬

‫وفوق ذلــك فمــن الممكــن اســتخدام لفــظ‬


‫)الماء( المعّرف للدللة على الخصوصية ‪ -‬لن‬
‫اســتعراض مــوارد ذكــر المــاء كلهــا يحــدد لنــا‬
‫ف انـــه مـــاء‘’‬
‫المقصـــود مـــن المـــاء المعـــر ّ‬
‫مخصــوص لســتطراد التنكيــر فــي المــوارد‬
‫أ‬
‫‪57‬‬

‫الدالة على الماء الــذي نعرفــه نحــن‪ ،‬نعــم ان‬


‫النظـــام القرآنـــي يكشـــف ان هـــذا البشـــر‬
‫مخصوص كما سياتيك فيما بعد‪.‬‬

‫فكون )النســان( مــذموم والبشــر ممــدوح‬


‫فــي القــرآن‪ ،‬هــو إحــدى الجهــات الــتي تؤيــد‬
‫الفــرض الســابق مــن أن النســان خلــق أول ً‬
‫ي والسمو‪ ،‬وصول ً‬
‫ة فيه للترق ّ‬
‫ة موضوع ٍ‬
‫بشرع ٍ‬
‫إلى مرحلة البشرية‪.‬‬

‫أ‬
‫‪58‬‬

‫التأكيد على الفرض بمــورد‬ ‫‪14‬‬


‫صاد‬
‫والمورد فى صاد يؤكد الفــرض إذ هــو ‪‬إذ‬
‫ة إني خالق بشًرا من طين ‪‬‬
‫قال ربك للملئك ِ‬
‫ة بل أدنــى‬
‫وبعدها مباشرة عبارة الحجر كامل ـ ً‬
‫تغيير‪:‬‬

‫]فإذا سويته ونفخت فيه من روحي‬


‫فقعوا له ساجدين ‪‬‬

‫فالم َنشأ في الحجــر مفصــل‪ :‬صلصــال مــن‬


‫حمأء صفته انــه مســنون‪ .‬والمَنشــأ فــي صــاد‬
‫يشير إلى المادة الصــلية الــتي تتضــمن هــذه‬
‫الجـــزاء‪ .‬فالتربـــة تحتـــوي جميـــع العناصـــر‬
‫المشــار إليهــا فــي الحجــر ل ينقصــها ســوى‬
‫الماء‪ .‬إذن فهو ليــس هــذا الطيــن بــل المــادة‬
‫الحيــة المتماســكة والمختصــه بعمــل مــا‪ .‬فل‬
‫تحسب انه خلق بشرا ً مــن طيــن هكــذا بقــوله‬

‫أ‬
‫‪59‬‬

‫)كن( وهو قادر على ذلك ‪ -‬بل شاء ان يخلقه‬


‫اطوارا ً ‪ -‬طورا ً من بعد طور ‪ -‬والعّلة في ذلك‬
‫ليس هنا موضع ايضاحها لكنها ستنكشــف لــك‬
‫لحقًا‪ ،‬لذلك قال نفس العبارة ‪‬فإذا ســويته‬
‫ونفخت ‪ ‬وهذا سيستوجب منهم )الملئكة( ‪-‬‬
‫الجابة الفوريــة لقبــول أمــر الســجود‪ ،‬ولكــن‬
‫عليهم النتظار لحين التسوية والنفخ للقيــام‬
‫بالسجود فع ً‬
‫ل‪.‬‬

‫أ‬
‫‪60‬‬

‫فــي تكــرار المــر بعــد النفــخ‬ ‫‪15‬‬


‫والتسوية‬
‫لــذا تكــرر المــر بالســجود عنــد اكتمــال‬
‫التسوية والنفخ لفرد مصطفى من جموع من‬
‫جنس النسان‪.‬‬

‫دليل الصطفاء قــوله ‪‬ان اللــه اصــطفى‬


‫آدم ‪ ،‬ول موضــوع للصــطفاء إذا كــان هــو‬
‫الول لن الصطفاء ل يكون إل من مجموعــة‬
‫متشابهة وبعد الصطفاء استحق ان يســمى ‪-‬‬
‫لن المجموعة هي مجموعة بهيمية ل أســماء‬
‫لفرادها‪.‬‬

‫]واذ قال ربك للملئكة اسجدوا لدم ‪‬‬

‫لحظ ان المر هذه المرة كان فوريــا ً غيــر‬


‫ق بــاي شــرط يتحقــق فــي المســتقبل‬
‫متعلــ ٍ‬
‫بمعنى‪ :‬اسجدوا الن لدم‪.‬‬

‫أ‬
‫‪61‬‬

‫لن آدم قد اصــطفى مــن مجموعــة بعقلــه‬


‫الفذ واستوت خلقته ونفخت فيه الروح‪.‬‬

‫أ‬
‫‪62‬‬

‫المعارضة بين انعدام الروح والحياة‬ ‫‪16‬‬

‫قد تقول‪ :‬كيف كانت المجموعة حية وهــي‬


‫بل روح‪ .‬إذ كــان النفــخ لــم يحصــل إل للفــرد‬
‫المصطفى آدم ؟ أقــول‪ :‬ذلــك للخطــأ الشــائع‬
‫جدا ً في الصلة بين الحياة والروح‪ .‬الواقــع ان‬
‫الــــروح ل علقــــة لــــه بالحيــــاة )بــــالمعنى‬
‫المتعـــارف( لكـــن اثبـــات ذلـــك يحتـــاج إلـــى‬
‫مقدمات ومجموعة فصــول ومحاولــة لمعرفــة‬
‫أو تحديد معنــى فــي القــل للــروح‪ .‬قــد نعــود‬
‫إلى الموضوع بعد الكتفاء بدليل واحد‪ ،‬وهــو‪:‬‬
‫ان المــوت نســب للنفــس فــي القــرآن‪ ،‬ولــم‬
‫يذكر شيء عن الروح قريب ا ً من ذكــر المــوت‪.‬‬
‫جمعت في القــرآن علــى )انفــس( و‬
‫والنفس ُ‬
‫جمــع الــروح‪ .‬فُيفهــم مــن‬
‫)نفوس( بينما لم ي ُ‬
‫ذلك ان النفــس ذات منفص ـ ّ‬
‫ل متعــدد والــروح‬
‫واحــد متصــل بالــذات المقدســة لن المــوارد‬
‫تنسب الــروح إلــى الــذات المقدســة إل مــورد‬
‫السؤال }ويسألونك عن الــروح{ و ُيفهــم مــن‬
‫أ‬
‫‪63‬‬

‫الجابـــــــــــــــــــــــــة أيضـــــــــــــــــــــــــا ً‬

‫]قل الروح من أمر ربي ‪ ‬والموارد الخــرى‬


‫‪‬روحنا ‪ ، ‬روحا ً من أمرنا ‪ ‬ايــدناه )بــروح‬
‫القدس( ‪] -‬نزل بالروح الميــن ‪ -‬والختلف‬
‫بالتسمية منشــأةُ ليــس التعــدد بــل المقامــات‬
‫والتفاضــل فــي القــوة والقــدرة مثــل المــاء‬
‫القليل والكثير ومنبعه واحد‪.‬‬

‫وهــذا الســتنتاج مغــاير بــل معــاكس لمــا‬


‫اتفقوا عليه )وسمعته سماع ا ً من مختص( من‬
‫ان الروح متعدد والنفس جنس واحد‪.‬‬

‫ول يستثنى من الموارد القرآنيــة إل مــورد‬


‫]ترجعونهــا ان كنتــم صــادقين ‪ ‬إذ‬ ‫الواقعة‪:‬‬
‫قالوا بعودة الضمير على الروح ‪ -‬وقد يعارض‬
‫بقولنا‪ :‬ان الضمير يعود إلى النفس ل الــروح‬
‫وفــي القــرآن مــا يؤيــده حيــث الــروح مــذكر‬
‫والنفس مؤنث‪.‬‬

‫أ‬
‫‪64‬‬

‫إذن فقد فصمت عرى العلقــة المشــهورة‬


‫بين الروح وحياة البدن‪.‬‬

‫وتأكدت العلقة بين النفس وحيــاة البــدن‪.‬‬


‫فل حيــاة للبــدن بغيــر نفــس‪ .‬ويؤكــد ذلــك‪:‬‬
‫تقسيم المعصــوم عليــه الســلم للنفــوس‪ ،‬إذ‬
‫عدّ للحيوان نفس ًا‪ ،‬وللنبات نفسًا‪ ،‬فربط بيــن‬
‫النفــس والحيــاة مــن جميــع الجهــات ‪ /‬أنظــر‬
‫النهج‪.‬‬

‫فكــون المجموعــة مــن )النســان( الــتي‬


‫أنتخب منها آدم كائنات حية لكــن بل روح هــو‬
‫أمر معقول بل مقبول‪.‬‬

‫وقبوله في الربط ثالثا ً بيــن الــروح وحيــاة‬


‫النفس‪:‬‬

‫عد القرآن الكافر ميتا ً ‪‬أموات غير أحيــاء‬


‫إذ ّ‬
‫‪ ، ‬أ فمــن كــان ميت ـا ً فأحيينــاهُ وجعلنــا لــه‬
‫نورا ً يمشي به ‪.‬‬

‫أ‬
‫‪65‬‬

‫فصار مقبول ً الن ان يقال‪ :‬النسان سبق‬


‫آدم و )النسان كفور(‪ ،‬إذن فهو ميــت ‪ -‬لكنــه‬
‫س ببــدن‬
‫كائن حي ‪ -‬وموته هو فــي كــونه نف ـ ّ‬
‫حي لكن من غير روح فهو نفس )ميتة( وبدن‬
‫حي‪ -‬ولكي تحيا النفس )كمــا برهنــاه مــن ان‬
‫الموت والحياة للنفــس فــي القــرآن(‪ -‬فلكــي‬
‫تحيا تلك النفس الميتة في البدن الحي ل بــد‬
‫مــن حصــولها علــى الــروح‪ ،‬ونقصــد باحياءهــا‬
‫الحياء البدي وحصولها على الروح حياة لهــا‬
‫د البدن أو موته‪.‬‬
‫ولو مع فق ِ‬
‫إذن نفــــخ الــــروح فــــي النســــان الول‬
‫المصطفى من مجموعة هــو لحيــاء نفســه ل‬
‫لحياء بدنه لن بدنه حــي‪ .‬إذ قــد ســواه قبــل‬
‫النفخ‪.‬‬

‫فلما صار حي النفس استحق السجود‪.‬‬

‫الن ســقط عــن العتبــار ذلــك التســاؤل‪:‬‬


‫كيف تعذب الــروح فــي النــار وهــي مــن نفــخ‬
‫الــذات المقدســة‪ .‬لن هــذا التفســير ُينكــر ان‬
‫أ‬
‫‪66‬‬

‫يكون للكافر روح ـا ً حــتى يســأل الســائل عــن‬


‫عذابها ؟!‬

‫ن يعذب قليل ً أو كثيرا ً علــى‬


‫وقد يسأل عم ّ‬
‫المعاصي ثم ينجو ‪ -‬فهو مؤمن وله روح ؟‪:‬‬
‫ذب النفس والبــدن ‪ -‬برزخي ـا ً‬
‫فيقال‪ :‬قد تع ّ‬
‫أو في الرجوع إلى الدنيا ‪ -‬كمــا برهنــاه حــتى‬
‫تكون قادرة على احتواء الروح بصــورة دائمــة‬
‫‪ -‬فإذا بلغ ذلك نجا ‪ -‬وإذا لم تبلغ ذلك بقيا مــا‬
‫بقي على ذلك الحال‪.‬‬

‫فمن أجل ذلك اختلفوا في فترات العذاب‪.‬‬

‫ثم انظر إلى ذكورة الروح وانوثة النفــس‪.‬‬


‫لن النفس مزدوجة من الصل‬

‫]ونفـــس ومـــا ســـواها فألهمهـــا فجورهـــا‬


‫وتقواهــــا ‪ - ‬واذن فعــــودة الضــــمير فــــي‬
‫)ترجعونهــا( فــي الواقعــة إلــى النفــس هــو‬
‫المقبول لن ذكورة الروح ظاهرة فــي قــوله‬

‫أ‬
‫‪67‬‬

‫‪‬فتمثل لها ‪ ‬ولم يقل فتمثلت‪ .‬والمقصــود‬


‫كما هو معلوم )روحنــا( فقولنــا‪ :‬ان النســان‬
‫حــي البــدن ميــت النفــس لنــه كفــار وكفــور‬
‫يؤيده لو تذكرت قوله‪:‬‬

‫]يا أيها النسان ما غرك بربك الكريم‬


‫الذي خلقك فسواك فعدلك‬
‫في أي صورة ما تشاء ركبك ‪‬‬

‫فهذه التفاصيل تحكي بدل ً حيا ً سويًا‪ .‬ولــم‬


‫يذكر انــه نفــخ فيــك مــن روحــه ‪ -‬لنــه ل زال‬
‫إنســانا ً ‪ -‬لــم يصــل مرحلــة البشــرية‪ ،‬بــل هــو‬
‫مغرور بربه ‪ -‬يا أيها النسان ما غرك بربــك ‪-‬‬
‫فهو هنا يدعوه ليرتقي كي ينفــخ فيــه الــروح‬
‫كما فعل بآدم‪.‬‬

‫وأمــا المرويــات فلــدينا نــص للمــام علــي‬


‫عليه السلم يؤكد ذلــك إذ افــاد وجــود خمســة‬
‫انــواع للــروح هــي روح البــدن وروح القــوة‬
‫وروح الشهوة وروح اليمان وروح القدس‪.‬‬

‫أ‬
‫‪68‬‬

‫وحينمــا شــرح النــص طبيعــة هــذه الرواح‬


‫افاد ان الثلثة الولى عامة وهي قوى ارضية‬
‫المنشأ لكل الخلق ‪ -‬بينما روح اليمان خاصــة‬
‫بـــالمؤمنين وروح القـــدس خاصـــة بالرســـل‬
‫والولياء ‪ -‬فنفهم من ذلك ان نفخ الروح في‬
‫آدم يراد بها روح اليمان فقط‪.‬‬

‫أ‬
‫‪69‬‬

‫المعارضة بمورد سورة العصر‬ ‫‪17‬‬

‫]والعصر ان النسان لفي خسر إل الذين‬


‫آمنوا وعملوا الصالحات‬
‫وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ‪‬‬

‫قد تقول‪ :‬استثناء الذين آمنوا وعملوا‬


‫الصالحات من جنس النسان دليل على انهم‬
‫من جنس النسان أصل ً واستثنوا ليمانهم‬
‫وعمل الصالحات وقد نجيب عليك‪ :‬اننا لم‬
‫نقل شيئا ً غير ذلك‪ .‬فانه اصل ً من جنس‬
‫النسان واستثنوا ليمانهم ‪ -‬فل مانع ان‬
‫يكونوا بعد ايمانهم قد ترفعوا عن )الجمع‬
‫المفيد للعموم( ‪ -‬ان النسان لفي خسر ‪-‬‬
‫فلم يكونوا منه ‪ -‬بل هذه هي فائدة‬
‫الستثناء‪ :‬اخراج وفصل المستثنى من‬
‫ستثنى منها‪.‬‬
‫المجموعة الم ُ‬
‫وقد نقول ثانيًا‪:‬‬

‫أ‬
‫‪70‬‬

‫ان شــهاب الــدين القرافــي )ت ‪ 682‬هـــ(‬


‫]قــد كــانت‬ ‫المختص بشؤون الستثناء قــال‪:‬‬
‫لكم أســوة حســنة فــي إبراهيــم ‪ ‬إلــى قــوله‬
‫تعالى ‪‬إل قول إبراهيم لبيه ‪ ‬فقد استثنى‬
‫من )أسوة( وهو نكرة موصوفة غير محصــورة‬
‫ولــم يتعيــن دخــول مــا أســتثنى منهــا تحــت‬
‫ة‪ .‬وكــذلك )إل حاجــة فــي نفــس‬
‫لفظهــا لغــ ً‬
‫يعقوب( فــي غيــر مــا موضــع مــن كتــاب اللــه‬
‫واذن فدخول‬ ‫‪((1‬‬
‫دليل على جواز استثناء الغير‬
‫المســتثنى فــي عنــوان المســتثنى منــه ليــس‬
‫شرط ا ً في صحة الستثناء‪.‬‬

‫وثالثـــًا‪ :‬ان المعـــّرف بـــاللم إذ يقتضـــي‬


‫العمــوم فيجــب ملحظــة ذلــك العمــوم إذ قــد‬
‫يفيد الجنس ل عموم أفــراده‪ .‬مثــل‪] :‬الطلق‬
‫أنتقــل‬ ‫‪((2‬‬
‫يلزمني[ فيلزم الحالف طلقة واحدة‬

‫الستغناء في احكام الستثناء ‪ -‬الباب العشرون‪378 /‬‬ ‫‪(1‬‬ ‫)‬

‫‪(2‬‬
‫نفس المصدر السابق الباب ‪19/368‬‬ ‫)‬

‫أ‬
‫‪71‬‬

‫المعــرف بــاللم علــى العمــوم إلــى حقيقــة‬


‫الجنس في الطلق خاصة ‪. ((2‬‬

‫وإذن فالنسان أسم جنس فهو فــي خســر‬


‫دوم ا ً ‪-‬إل المرقي منه والمتســامي لســتقبال‬
‫نفــخ الــروح فيــه وهــو جماعــة الــذين آمنــوا‬
‫وعملوا الصالحات ‪ -‬وهاتان صــفتان وتواصــوا‬
‫بالحق وتواصوا بالصبر‪ -‬المجموع أربع صفات‬
‫ذات صلة بالختيــار والمعرفــة الموصــلة إلــى‬
‫الحق‪.‬‬

‫)‬

‫أ‬
‫‪72‬‬

‫الصلة بين الروح والمر‬ ‫‪18‬‬

‫حينمــا قــال اللــه تعــالى ‪‬يســألونك عــن‬


‫الروح قل الروح من أمر ربي ‪ ‬قالوا إن الله‬
‫تعالى قد ترك الجابة على السؤال بــل نهــى‬
‫عن السؤال بشأن الروح باعتبار أنه قال قــل‬
‫‪-‬أيها النبي‪ -‬الروح مــن أمــر ربــي فل تســألوا‬
‫عن أشياء ل تفهمونها‪.‬‬

‫ولكن وفق المنهج اللفظي يلزمنا العتقاد‬


‫إنه أجاب عــن الســؤال بنفــس العبــارة‪ ،‬لنهــا‬
‫عبارة تعرف الــروح تعريف ـا ً كــامل ً مــن ناحيــة‬
‫]الروح من أمر ربي ‪.‬‬ ‫بناء الجملة‪:‬‬

‫ة‬
‫لو شاء المنع من السؤال لمنع بأي صــيغ ٍ‬
‫أخرى مثل قــل ل تســألوا عمــا ليــس لكــم بــه‬
‫علم بل التعقيــب يفيــد إمكــان حصــول العلــم‬
‫عن الروح وان كان قلي ً‬
‫ل‪:‬‬

‫]وما أوتيتم من العلم إل قليل ‪ ‬ولو شاء‬


‫لقال كما في موضع آخر ‪‬والله يعلــم وأنتــم‬

‫أ‬
‫‪73‬‬

‫ل تعلمــون ‪ ‬بــل التــدقيق يحتــم ان تقــول‬


‫]القليل[ هو ما أوتينا بالماضي ول يمنــع مــن‬
‫حصول العلم الكثير مســتقبل ً ‪ -‬وان التعقيــب‬
‫يشير إلى أننا لجهلنا لن نفهــم هــذا التعريــف‬
‫]الــروح‬ ‫المختصر والمركز في اربع كلمــات‪:‬‬
‫من أمر ربي ‪ ‬لن ما وصلنا من العلــم قليــل‬
‫لقــد عرفــت الوامــر ومقاماتهــا فــي الفصــل‬
‫السابق‪ ،‬وملحقة المفردات جميعــا ً فــي هــذا‬
‫التعريف في كل القرآن ل بد ان تكشــف ولــو‬
‫قليل ً عــن أســرار التعريــف بســبب الحكــام‬
‫الهندســي الشــديد الصــرامة فــي الــتركيب‬
‫القرآني‪.‬‬

‫فكلمة )من( في التعريف ليست مثــل مــن‬


‫فــي قــوله }هــذه مــن عنــدك{ ول هــي مثــل‬
‫)من( التي تفيــد عــددا ً معين ـا ً مــن المجموعــة‬
‫الكاملة مثل )ومــن النــاس( وان كــان المنهــج‬
‫ى‬
‫الذي نحــن بصــدده يرجــع الجميــع إلــى معن ـ ً‬
‫واحـــدا ً مشـــتركا ً ‪ -‬لكننـــا نـــذكره هنـــا علـــى‬

‫أ‬
‫‪74‬‬

‫طريقتهــم لمجــرد التوضــيح‪ ،‬فــان )مــن( فــي‬


‫هذه الية تعني الجزئية المتفرعة عن الصل‪.‬‬
‫فهي بصدد الشارة إلى المنشــأ الــذي تصــدر‬
‫منه الروح ‪ -‬أي انها على اصلها اللغوي‪ .‬وهذا‬
‫يعني ان هذا الحــرف بهــذا المعنــى قــد جعــل‬
‫مصدر الروح هو المر‪ .‬وهي مثل ‪‬يحفظونه‬
‫مـــن أمـــر اللـــه ‪ - ‬أي هـــم مـــن أمـــر اللـــه‬
‫ويحفظون من أمر اللــه إذ ل عاصــم مــن أمــر‬
‫الله كما قال نوح عليه السلم لبنه‪.‬‬

‫إذن فــالروح هــو أحــد الوامــر الصــادرة مــن‬


‫مقام الربوبية ‪‬الروح من أمر ربي ‪.‬‬

‫الخصائص المشتركة بين الروح والمر‬ ‫‪19‬‬

‫لقــد ذكرنــا ان المــر هــو معنــاه الصــلي‬


‫كالذي في قوله تعالى ‪‬ول أعصي لــ َ‬
‫ك أمــرا‬
‫‪ ‬فــــالمر إذن قــــول ‪ .((1‬والمــــر بمعنــــاه‬
‫الشامــــل ليــس ســوى الكــــلم الـــذي يــراد‬
‫تحقيقه‪ ،‬حتى في قوله ‪‬وأمرهــم شــورى ‪‬‬
‫على المنهج‪ :‬القول اذا كان جهرا ً فهو كلم وال ّ فهو قول والقوال المترابطة تعّبر عن أم ٍ‬
‫‪(1‬‬
‫ر‬ ‫)‬

‫ية(‪.‬‬
‫جملة )قض ّ‬
‫واحد فاقل القول مفردة )فكرة مفردة( وأقل أمٌر ُ‬

‫أ‬
‫‪75‬‬

‫إنما يتشــاورون بــالكلم‪ .‬وكــل أمــر صــدر هــو‬


‫في الصل لفظ أي حروف بصوت فيرجع إلى‬
‫أصله‪.‬‬

‫]ونفخت فيه‬ ‫كذلك الروح يحتاج إلى نفخ‪.‬‬


‫من روحي ‪ ‬فنفخنا فيه من روحنا ‪.‬‬

‫والمر الربوبي هــو كلم اللــه أيضــًا‪ .‬وإذن‬


‫فالتعريف )الروح مــن أمــر ربــي( إنمــا يرجــع‬
‫الروح إلى منشأه وهو المر الربـــوبي‪ ،‬أي أن‬
‫بعض هذا المر هو الروح‪.‬‬

‫الن توضــحت أكــثر مــن ذي قبــل العناصــر‬


‫اللفظية التي تركبت منها آيــة القــدر }تنــزل‬
‫الملئكــة والــروح فيهــا بــأذن ربهــم مــن كــل‬
‫أمر{‪.‬‬

‫ل تحسب ان المر الربوبي يحتاج إلى نفخ‬


‫لظهوره‪ .‬كيف وهو متصــل بالــذات المقدســة‬
‫الذي يتكلم بل ادوات أو معالجة أصوات‪.‬‬

‫أ‬
‫‪76‬‬

‫لكن حينما ينشق عنــه الــروح ‪ -‬وُيــراد مــن‬


‫الــروح ان تســري فــي البــدن المــادي يصــبح‬
‫النفخ ضروريًا‪.‬‬

‫لذلك لم يرد مع المر نفخ وورد النفخ مــع‬


‫الروح وحسب‪ .‬وعلى صعيد المخلوق ل يقــال‬
‫)نفــخ( للمــر ‪ -‬لن المــر هــو كلم صــوتي‬
‫فالنفــخ جــزء مــن صــورته تلــك ل تحســب ان‬
‫النفخ يتم دفعة واحدة‪ ،‬لنــه إذا حصــل كــذلك‬
‫فهو يستغرق زمن ا ً ما واذا كان أمره ان يقول‬
‫للشيء كن فيكون حدث تناقض‪.‬‬

‫يجــب ان تزيــل مــن ذهنــك صــورة النفــخ‬


‫المعهود لديك‪ .‬إذ النفخ يستغرق زمن ا ً مختلفا ً‬
‫بحسب درجة استعداد النفــس لقبــول النفــخ‪.‬‬
‫فالزمن المستغرق متعلق باستعداد النفس ل‬
‫بقدرة النافــخ‪ ،‬إذ هــو علــى كــل شــيء قــدير‪.‬‬
‫ومن طبيعة النفخ أن يكون تدريجيا ً أو دفعات‬
‫حتى في المعهود لديك‪.‬‬

‫أ‬
‫‪77‬‬

‫إذن )فكمية( الروح السارية فــي كــل فــرد‬


‫من ولد آدم مختلفة جدا ً منــذ انعقــاد العلقــة‪-‬‬
‫والى لحظة الموت يكون كل منهم قد اســتلم‬
‫مقدارا ً منها مختلفا ً جدًا‪ ،‬فبعضهم يمــوت ول‬
‫روح له وبعضهم يولد وله روح عظيمة‪.‬‬

‫أ‬
‫‪78‬‬

‫جمع فصول ومؤيدات‬ ‫‪20‬‬

‫ااااا ‪ :‬اا ااااا ااااا ااااا اا‬

‫يلحــظ المــوارد القرآنيــة ‪ -‬الخبــار بــالخلق‬


‫قبل الخلق‪ .‬في موضعين‪ ،‬المر بالسجود في‬
‫خمسة مواضع والخبار بالخليفــة فــي موضــع‬
‫واحــد ودراســة القترانــات اللفظيــة نحصــل‬
‫على تسلسل زمني لطوار الخلق على النحــو‬
‫التي‪:‬‬

‫الحمــأ المســنون انتــج بعــد الــتركز‬ ‫الول‪:‬‬


‫والــترقي خلصــة هــي الصلصــال فــي مــورد‬
‫الحجر ‪ ...‬والطين في مورد الطين‪.‬‬

‫من‬ ‫المذموم‬ ‫)النسان(‬ ‫الثاني‪ :‬خلق‬


‫الصلصال في مورد الحجر‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬أخبر بانه خالق بشرا ً ‪ -‬من هذا‬


‫الصلصال ‪ -‬ولــم يقــل مــن النســان لســببين‪:‬‬
‫الول اختلف جــزئي فــي العناصــر ‪ -‬يوضــحه‬
‫مــورد صــاد‪ .‬و الثــاني لظهــار القــدرة علــى‬

‫أ‬
‫‪79‬‬

‫البداع ‪ -‬أي خالق من أدنى شيء أرقى شيء‬


‫لدرجة استحقاق السجود‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬النباء بضرورة السجود عند استواء‬


‫الخلقة والعقل ونفخ الــروح‪ .‬وقــد عرفنــا ان‬
‫الــروح قــوة ‪-‬ل علقــة لهــا بالحيــاة بمعناهــا‬
‫الطــبيعي مــن حركــة والتكــاثر‪ .‬وهــي )روح‬
‫اليمان( وســوف ياتيــك المســتندات الروائيــة‬
‫على هذا المعنى‪.‬‬

‫الخامس‪ :‬بعد التسوية والنفــخ أنبــأ انــه عــازم‬


‫على جعل خليفــة فــي الرض‪ .‬وهــو الموضــع‬
‫الذي اعترض فيه جملــة الملئكــة علوة علــى‬
‫إبليس‪.‬‬

‫المراحــل الكاملــة إذن ثلثــة‪ :‬صلصــال مــن‬


‫حمأ مسنون ‪ ç‬إنسان ‪ ç‬بشر‬

‫عند إدخال مورد صاد نــرى مرحلــتين همــا‪:‬‬


‫طين ‪ ç‬بشر‬

‫أ‬
‫‪80‬‬

‫وفـــي الحـــالتين ‪ -‬ذات المرحلـــتين وذات‬


‫الثلث ‪ -‬أمــر بالســجود عنــد التســوية والنفــخ‬
‫‪‬فإذا سويته ونفخت فيه من روحــي فقعــوا‬
‫له ساجدين ‪.‬‬
‫ُيسبب لنا الموضع في صاد إشكال ً تطابقيا ً‬
‫في التسلسل الزمني ل يمكــن حلــه بســهولة‬
‫رغم كثرة المؤيدات التي سوف تأتيــك الدالــة‬
‫على تسلسل المراحل‪.‬‬

‫فكأن مدة الــترقي والتطــور كــانت طويلــة‬


‫جدا ً بحيــث احتيــج إلــى تعجيلهــا عنــد اكتمــال‬
‫عناصر الــدماغ فــي مرحلــة )النســان( بصــنع‬
‫نموذج عال وراق جدا ً مــن )الطيــن( متجــاوزا ً‬
‫المرحلة الولى )الصلصال حمأ مسنون(‪.‬‬

‫وهــذا مثلمــا يحــدث حينمــا تريــد تــوجيه‬


‫مجموعــة عابثــة فــي العمــل بــزرع نمــوذج‬
‫صن( يؤثر ول يتأثر ليقتدوا به تعجيل ً في‬
‫مح ّ‬
‫) ُ‬
‫أمر تربيتهم‪ ،‬وبغير هــذا الحــل يصــعب إدخــال‬
‫مورد صاد في التسلسل )الزمني( رغم انه ل‬
‫أ‬
‫‪81‬‬

‫يستغنى عنه في حل شبكة اللفاظ المحكمــة‬


‫إحكاما ً شديدا ً بين الموارد الثلثة‪.‬‬

‫اااا ا‪:‬ا اااااا اااااا اااااا ااااااا اا‬


‫اااا اااااا اا ااا ااااا‬

‫‪ -1‬في ســورة الحجــر )المنشــأ الول( صلصــال‬


‫مـــن حمـــأ مســـنون وصـــف إعـــراض إبليـــس‬
‫بالعبـــارة ‪ ‬إل إبليـــس أبـــى ان يكـــون مـــن‬
‫الساجدين ‪‬‬

‫العبارة تتضمن الخبار فقط عن اعراضــه ول‬


‫تحتوي أي دللة مباشرة على فســق أو كفــر‪.‬‬
‫لماذا؟‬

‫لن تلك أول مرحلة ‪ -‬فالتسوية والنفخ لم‬


‫يحصــل بعــد فقــوله ‪‬فســجد الملئكــة كلهــم‬
‫أجمعــون ‪ ‬فــي هــذا الموضــع يعنــي أذعنــوا‬
‫للمر واعتــبر إذعــانهم تحقق ـا ً للســجود ‪ -‬لن‬
‫القـــرار بالســـجود طاعـــة فســـجودهم كـــان‬

‫أ‬
‫‪82‬‬

‫اقــرارًا‪ .‬ولكــن هــذا مخــالف )للقصــدية(‪ .‬إذن‬


‫سنحل هذه المشكلة فيما بعد‪.‬‬

‫فــي مرحلــة الطيــن )مــورد صــاد( لحــظ‬ ‫‪-2‬‬


‫التغير في الوصف‪:‬‬

‫]إل إبليس استكبر وكان من الكافرين ‪‬‬

‫جعله متكبرا ً وكافرًا‪ .‬ذلك لنــه خلــق النمــوذج‬


‫جل للتطور( من نفس التراب ‪ -‬إذ اخذنا‬
‫)المع ّ‬
‫جــل أو‬
‫بهذه الفكرة ‪ -‬فكــرة إدخــال عنصــر مع ّ‬
‫قدوه حيــث هــي الفكــرة الوحيــدة الــتي تحــل‬
‫المعضـــلت فـــي المرويـــات المـــأثورة عـــن‬
‫المعصــوم بشــأن الطيــن ومنشــأ الخلــق كمــا‬
‫سترى‪ .‬كــل مــا حــدث ان الــتراب هــذه المــرة‬
‫)صفو ل كدر فيــه( كمــا تقــرره عبــارة إحــدى‬
‫المرويات وان الطين المتشــكل منــه صــفو ل‬
‫كــدر فيــه ‪ -‬بخلف منشــأ الصلصــال مــن حمــأ‬
‫مسنون‪.‬‬

‫أ‬
‫‪83‬‬

‫ل تحســــب ان )الكــــدر( المقصــــود هنــــا‬


‫الشوائب المعتادة ول هذا الطيــن بــل الطيــن‬
‫سمي طين ا ً ‪ -‬لن الصــل اللغــوي للطيــن هــو‬
‫الجزاء المتماسكة جدا ً والمتخصصة بفعل ما‪.‬‬
‫حيث وصف فيما بعد بانه )طين لزب( ‪ -‬لقوة‬
‫ارتباط عناصره مــع بعضــها بســبب غيــاب أيــة‬
‫شــوائب‪ .‬فــي هــذا الصــفاء يتــم خلــق بشــر‬
‫مباشــرة مــن غيــر المــرور بمرحلــة النســان‬
‫فانتبه‪.‬‬

‫إنــه طيــن مقــدس‪ .‬لــذلك فهــو الموضــع‬


‫الوحيد الذي ينسب فيه خلق هــذا البشــر إلــى‬
‫الذات بصيغة المفرد‪) :‬خلقــت( والعبــارة هــي‬
‫‪‬ما منعك ان تسجد لما خلقت ‪.‬‬

‫كما إنها الموضع الوحيــد الــذي يجعــل فيــه‬


‫خلق هذا البشر بكلتا يــديه ويصــيغه المتكلــم‪:‬‬

‫]ما منعك ان تسجد لما خلقت بيد ّ‬


‫ي ‪.‬‬

‫أ‬
‫‪84‬‬

‫في المرحلة الثالثــة حيــث صــار أســمه آدم‬


‫بعد النفخ والتسوية وحيث جعله خليفة يتغيــر‬
‫الوصف حيــث يجتمــع الصــفات الثلثــة‪ :‬البــاء‬
‫عن السجود والستكبار ثم الكفر!‬

‫لماذا؟ لن هذه المرحلة هي المرحلة التي‬


‫اكتملــت فيهــا المراحــل الثلث جميع ـا ً فل بــد‬
‫لدقــة وصــف إبليــس ان يــأتي بجميــع أفعــاله‬
‫الماضية إلى المرحلة الثالثة فكانت العبارة‪:‬‬

‫]إل إبليـــس أبـــى وأســـتكبر وكـــان مـــن‬


‫الكافرين ‪ - ‬مورد البقرة‪.‬‬

‫اااا ا‪:‬ا اااااا اااااا اا اااااا اا ا اا‬


‫اااااا اا اااااا‬

‫‪ -1‬في مرحلة الصلصال )مــورد الحجــر( الســؤال‬


‫ل يحمل أي تهكم أو ذم بل على العكــس فيــه‬
‫محاولة لردعه عن قراره بأسلوب ليــن ذاكــرا ً‬
‫أسمه‪:‬‬

‫أ‬
‫‪85‬‬

‫]قال يا إبليس مالك إل تكون مع‬


‫الساجدين ‪‬؟‬

‫أنــت هنــا تلحــظ بوضــوح التلطــف فــي‬


‫السؤال‪.‬‬

‫‪ -2‬في مرحلة الطين ‪ -‬مــورد صــاد لحــظ التغيــر‬


‫في أسلوب السؤال‬

‫]قال ما منعك ان تسجد لما خلقت بيد ّ‬


‫ي؟‬
‫استكبرت أم كنت من العالين ‪‬‬

‫‪ -3‬فــي المرحلــة الثالثــة حيــث هــو آدم يختفــي‬


‫الســؤال‪ .‬ثــم ل يظهــر فــي أي موضــع مــن‬
‫المواضــع الخمســة الــتي ذكــر فيهــا الســجود‬
‫لدم‪ .‬لماذا؟‬

‫لنــه ل توجــد ضــرورة للتحقيــق والســؤال‬


‫بعدما أك ّــد علــى إصــراره علــى عــدم الســجود‬
‫ه‬
‫للمرة الثالثة وبعد ان تقرر استكبارهُ وكفــر ُ‬
‫بعد المرحلة الثانية‪ .‬هذا ســياق مــورد البقــرة‬
‫‪‬إل إبليــــس أبــــى وأســــتكبر وكــــان مــــن‬

‫أ‬
‫‪86‬‬

‫الكافرين‪ .‬وقلنــا يــا آدم اســكن أنــت وزوجــك‬


‫الجنة ‪.‬‬

‫ل يوجــد ســؤال عــن ســبب العــراض عــن‬


‫السجود‪.‬‬

‫ويبقــى هنــاك ســؤال‪ :‬هــل كــان آدم مــن‬


‫منشأ الصلصال أم الطين؟‬

‫لو سألت )إماميًا( لجابك فورا ً انه ل بد ان‬


‫يكون مــن الطيــن وفــق هــذا التقســيم لكــونه‬
‫نبي معصوم‪.‬‬

‫ان مورد السراء يحل الشكال إذ يمكــن منــه‬


‫معرفة جواب إبليس علــى الســؤال المختفــي‬
‫بالمرحلــة الثالثــة مــن البقــرة لنــه فــي هــذا‬
‫المورد هو باسم آدم كمــا فــي مــورد البقــرة‪،‬‬
‫ويتضح لنا من جواب إبليس ان آدم مــن طيــن‬
‫‪ -‬فكأن الجنس المخلوق من صلصال لم يصل‬
‫بعد مرحلة البشرية والمورد هو‬

‫أ‬
‫‪87‬‬

‫]وإذ قلنا للملئكة اسجدوا لدم فســجدوا‬


‫إل إبليس قال أ أسجد لمن خلقت طينا ً ‪‬؟‬

‫قــال ذلــك تأكيــدا ً لجــابته فــي المرحلــة‬


‫الثانيــة ‪ -‬المــذكورة فــي صــاد والــتي تأتيــك‬
‫قريبًا‪.‬‬

‫اااا ا‪:‬ا اا اااا ا ا اااا ا اااا ا اا ا‬


‫اااااا‬

‫‪ .1‬فــي المرحلــة الولــى يمتلــك إبليــس قــوة‬


‫وصــرامة فــي العــراض عــن الســجود وكــأن‬
‫المبررات كافية لديه للمتناع عن تنفيذ المر‬
‫‪ -‬لعتقــاده باســتحالة ترقــي الصلصــال إلــى‬
‫بشر ‪ -‬والشك في القدرة اللهية قــد كشــفه‪،‬‬
‫واظهر ان عبادته السالفة لم تكن عن معرفة‬
‫بالله بل طمع ا ً في الوصول إلى مراتــب المل‬
‫العلوي‪ .‬قال بكل وضوح‪:‬‬

‫]ما كنت لسجد لبشر خلقته من صلصــال‬


‫مــن حمــأ مســنون ‪ ،‬تأكيــده علــى المنشــأ‬

‫أ‬
‫‪88‬‬

‫باعتباره واطئ ا ً يدل على انــه ل يفــرق كــثيرا ً‬


‫بين البشر والمنشــأ‪ ،‬وعلوة علــى ذلــك فهــو‬
‫يكذب لن منشأه هــو الخــر مــن الطيــن كمــا‬
‫ســترى‪ ،‬وهــذا هــو ســبب عــدم الجابــة علــى‬
‫شبهة المنشأ‪.‬‬

‫‪ .2‬فـــي المرحلـــة الثانيـــة ‪) -‬الطيـــن( اختلفـــت‬


‫الجابة كليًا‪:‬‬

‫]أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته مــن‬


‫طين ‪ - ‬مورد صاد‪.‬‬

‫لماذا؟ لنــه هنــا لحــظ الــترقي فــي الخلــق ‪-‬‬


‫فكأنه يقول ل زال واطئ ا ً ول زلت خيرا ً منه‪.‬‬

‫السؤال‬ ‫اختفى‬ ‫إذ‬ ‫الثالثة‬ ‫المرحلة‬ ‫في‬ ‫‪.3‬‬


‫اختفت الجابــة لكــن يجــب البحــث عنهــا ‪ -‬ول‬
‫ذكــر لهــا إل ذكــرا ً عــابرا ً فــي مــورد الســراء‬
‫المعوض عن مورد البقرة‪ .‬إذن يجب التشــبث‬
‫به لستخراج الجابــة ونعــثر عليهــا فــي اليــة‬
‫اللحقة من السراء‪:‬‬

‫أ‬
‫‪89‬‬

‫ي لن‬ ‫]أ رأيـــت هـــذا الـــذي كر ّ‬


‫مـــت علـــ ّ‬
‫أخرّتني إلى يوم القيامة ‪.‬‬
‫إذن فـــي المرحلـــة الثالثـــة أقـــر ضـــمنا ً‬
‫بأفضــليته ‪ -‬لذعــان جميــع المل العلــوي بعــد‬
‫إجــراء اختبــار الســماء المــذكور مفص ـل ً فــي‬
‫مورد البقرة‪.‬‬

‫لكنــه نســب التفضــيل للــه تعــالى ‪ -‬غيــر‬


‫مقتنــع بــه ‪ -‬مشــيرا ً إلــى انــه كر ّ‬
‫مــه عليــه‬
‫دل ذلــك علــى‬
‫بالخصوص فلم يقل علينــا ‪ -‬فــ ّ‬
‫غروره وحمقه في آن واحد‪.‬‬

‫اااا ا‪:‬ا اا ااااا اااااااا ااا اااا‬

‫قد تقول‪ :‬فأين حصل الصطفاء ومــتى إذا‬


‫كان آدم من طين ! عند الخذ بفرضية إدخــال‬
‫مخلوق الطين ضمن مخلوقات الصلصال؟‬

‫والجواب‪ :‬هنا ثلثة أمــور هامــة‪ :‬الول‪ :‬ان‬


‫الدخال ضمن المجموعــة ل يلغــي الصــطفاء‬
‫من المجموعة ‪ -‬كمــا لــو أدخلــت رجل ً يخصــك‬

‫أ‬
‫‪90‬‬

‫جــل فــي‬
‫في مجموعة )وقــد اصــطفيتهم( لتع ّ‬
‫تربيتهم ثم اصطفيته مــن بينهــم تــارةً أخــرى‬
‫وربما يحل هــذا الشــرح الشــكال فــي تكــرار‬
‫الصــطفاء لمريــم عليــه الســلم ‪‬إن اللــه‬
‫ء‬
‫ك علـــى نســـا ِ‬
‫ك واصـــطفا ِ‬
‫أطفـــاك وطهـــر ِ‬
‫العالمين ‪ .‬فحينما ذكر نســاء العــالمين كــان‬
‫يشـــمل ذلـــك كـــل أفـــراد المجموعـــة فجـــاء‬
‫بالصـــطفاء الثـــاني ‪ -‬حيـــث الول تكـــويني‬
‫سابق‪.‬‬

‫الثــاني‪ :‬إذا أخــذنا بتــدبر اليــات بالطريقــة‬


‫النفة للمنهــج الــذي نحــن عليــه وهــو الصــح‬
‫لصرامة الحكام فــي اللفــظ القرآنــي أمكننــا‬
‫القول‪:‬‬

‫انــه ل دليــل علــى الرتبــاط الحتمــي بيــن‬


‫]إني خالق بشرا ً ‪ ‬وبيــن قــوله‬ ‫قوله تعالى‪:‬‬
‫‪‬اســجدوا لدم ‪ - ‬ضــرورة انــه قــال عــن‬
‫البشر ‪‬فإذا سويته ونفخت فيــه مــن روحــي‬
‫فقعوا له ساجدين ‪ - ‬إذ يفترض ان )يقعــوا(‬
‫أ‬
‫‪91‬‬

‫ســاجدين بمجــرد ظهــوره فــي حالــة التســوية‬


‫والنفـــخ ‪ -‬ول ينتظـــروا أمـــرا ً جديـــدا ً هـــو‬
‫‪‬اســـجدوا لدم ‪ - ‬لن الوقـــوع ســـاجدين‬
‫أخص من السجود فانتبه‪.‬‬

‫جــل مـــن‬
‫ومعنــى ذلــك ان النمـــوذج المع ّ‬
‫الطـين تمثـل في آدم ‪ -‬بينما البشر المترقي‬
‫من الصلصال والحمـأ المسنون لم يصـل بعـد‬
‫إلى مرحـلة البشــرية تلقـائيـــا ً ولكــن إبليــس‬
‫اجاب في تلك المـرحـلـــة بخصــوص السجـــود‬
‫قائــل ً ‪‬مــا كنــت لسجـــد لبشــر خلقتــه مــن‬
‫صلصال من حمـأ مسنون ‪.‬‬

‫فهل يعني ذلك ان الفرض هذا خاطئ؟‬

‫كل‪ :‬لن الطيــن الــذي نحــن بصــدده )طيــن‬


‫آدم( هـــو مـــادة متناســـبة ومتناســـقة فـــي‬
‫عناصرها تر ّ‬
‫قت من الصلصــال ‪ -‬ل مــن شــيء‬
‫آخر ‪ -‬ولكن اليد الربانيــة تــدخلت فــي تعجيــل‬
‫تصفيتها وترقيتها بعناية خاصة فهي تنطــوي‬

‫أ‬
‫‪92‬‬

‫علــى )ظهــور متــأخر( لهــذا البشــر المــتر ّ‬


‫قي‬
‫بصورة طبيعية‪.‬‬

‫إن هـــذا يعنـــي ان البشـــر الـــذي يفـــترض‬


‫ظهوره )طبيعي ًا( وفق النــاموس والســّنة هــو‬
‫الن‪ -‬في لحظة السجود لدم ‪ -‬موجود بشكل‬
‫كـــامن فـــي خصائصـــه المرتبطـــة بالذريـــة‬
‫والتناسل فآدم إذن يسجد لــه لكــن ليــس هــو‬
‫وحده المقصود من )الوقــوع ســاجدين( مثــال‬
‫ذلك ما يفعله النباتي من )اصطفاء( الســنابل‬
‫الكثر طو ل ً واحسن حب ـا ً مــن حقــل الــرز ثــم‬
‫يغرزها في حقل آخر نظيف ونموذجي )جّنة(‬
‫على أمل اضمحلل الخصائص الرديئة وظهور‬
‫دة أجيال من التنسيق لــه خصــائص‬
‫حب بعد ع ّ‬
‫ل‬
‫ثابتة فــي طــول الســنابل وحجــم الحــب خــا ٍ‬
‫تماما ً من الصفات الرديئة فــي داخــل تركيبــه‬
‫التكاثري )أعني علميا ً الجيني الــوراثي( ‪ -‬مــع‬
‫الفارق الذي سوف نوضحه قريبًا‪.‬‬

‫أ‬
‫‪93‬‬

‫الثالث‪ :‬أن فكــرة تعــدد )الوادم( قبــل آدم‬


‫تدخل هنــا قســر ًِا‪ .‬وهــي فكــرة تجــد لهــا مــن‬
‫المــأثور والحــديث المرتبــط بــالوحي مســتندا ً‬
‫متعددا ً من الروايات‪.‬‬

‫وهذا يعني أن الوادم السابقين كانوا فــي‬


‫طريق الترقي وصول ً إلى آدم الذي أسجد لــه‬
‫الملئكة‪ .‬مثلهم في ذلك مثــل ســنابل كــبيرة‬
‫فــي حقــل‪ ،‬لكنهــا تحمــل خصــائص الســنابل‬
‫الردّيــة فــي داخلهــا‪ .‬ولــن تتخلــص مــن تلــك‬
‫دة أجيــال بحيــث تكــون‬
‫الخصــائص إل بعــد عــ ّ‬
‫نسبة ظهــور ســنبلة ردي ّــة مــن مجمــوع حّبهــا‬
‫يساوي صفرا ً مع اللتزام بنفس الشروط‪.‬‬

‫هل كان آدم بهــذه الشــاكلة؟ الجــواب نعــم‬


‫قطعــًا‪ .‬لن التكليــف الــذي أمــر بــه وذريتــه‬
‫يستلزم ذلك فل ُيكّلف ما ل يطيــق‪ .‬مــن أيــن‬
‫إذن ظهرت الخصائص الردّية تارة أخرى؟‬

‫أ‬
‫‪94‬‬

‫الجواب‪ :‬أنها ظهرت بالتمازج والتزاوج مع‬


‫المجموعــة الكــبيرة المترقيــة بشــكل طــبيعي‬
‫من الصلصال‪.‬‬

‫فــآدم كــان النمــوذج المعجــل والرض بعــد‬


‫ذلك مليئة بالناس من غير آدم‪..‬‬

‫هــل يعنــي هــذا أن الخلــق الــذين هــم الن‬


‫على الرض ليسوا جميعا ً من ولد آدم؟ وقبــل‬
‫هذا السؤال سؤال آخر‪:‬‬

‫في الوقت الذي كان فيه آدم الــذي اســجد‬


‫له الملئكة أين ذلك النوع النساني المترقي‬
‫من الحمأ المسنون؟ لماذا لم يرد لــه أي ذكــر‬
‫صريح فــي القــرآن كمــا لــو كــان آدم وزوجــه‬
‫بمفردهما في الجّنة؟‬

‫على مستوى التنقيب والبحث في طبقــات‬


‫الرض ‪ -‬ل يسعنا إل العتراف بنماذج مختلفة‬
‫للكائن النساني عبَر حقب وعصــور متطاولــة‬
‫تبلغ بأقل تقدير أكثر من ستمائة ألــف ســنة‪.‬‬

‫أ‬
‫‪95‬‬

‫بينما ل تبلغ المدة المقررة فــي التــوراة منــذ‬


‫آدم إل بحدود عشرة آلف سنة‪ .‬وبفرض عدم‬
‫صــحة مــا ورد فــي التــوراة فــأن ثبــت أســماء‬
‫الملوك في اللوحين الــذين عــثر عليهمــا فــي‬
‫العراق‪ ،‬يذكر زمن ا ّ أطول بكــثير ممــا ورد فــي‬
‫التــوراة ممــا يبلــغ بمجموعــة أكــثر مــن مــائة‬
‫وعشرين ألف سنة‪.‬‬

‫سنحاول تحصيل إجابــة علــى الســؤال مــن‬


‫خلل فكــرة التمــازج الــتي عثرنــا لهــا علــى‬
‫مستند روائي‪ ،‬فيما إذا اعتقدنا أن المجموعة‬
‫التي ينتمي لها آدم قبــل الصــطفاء لــم يتــم‬
‫إبادتها بصورة جماعية‪.‬‬

‫أ‬
‫‪96‬‬

‫ي والتماذج‬
‫النتخاب القسر ّ‬ ‫‪21‬‬

‫ماذا يفعل العالم النباتي بالسنابل الرديـــة‬


‫حينما يستخرج مــن الحقــل بضــع ســنابل ذات‬
‫خصــائص عاليــة؟ طبع ـا ً يحرقهــا أو يرميهــا أو‬
‫مها علفا ً للحيوان !‬
‫يقد ّ‬
‫إنه ينتخب انتخابا ً قسريا ً ل طبيعيا ً ‪ -‬كما‬
‫لــو كــان ل يــؤمن بالنتخــاب الطــبيعي أو أنــه‬
‫يراه في القل بطيئا ً إلى ح ٍ‬
‫د مقرف‪.‬‬

‫ول تحسب أن هــذا المثــل مخــالف للســنن‬


‫اللهيــة لنــه هــو عيــن المثــل أو شــبيه بــذلك‬
‫الذي يضربه المسيح عليه السلم في النجيل‬
‫لهــذه العمليــة اللهيــة الــتي تحــدث مــع بنــي‬
‫النســان‪ .‬أنظــر مثــل الــزؤان ‪ /‬أنجيــل مــتى‬
‫‪.30 - 13/24‬‬

‫إذن فـــإهلك المجموعـــة واســـتخلف آدم‬


‫عليه السلم أمر محتمل الوقوع بعــد أن صــار‬

‫أ‬
‫‪97‬‬

‫في بدن آدم خصائص راقية ستظهر في يــوم‬


‫ما بشرا ً يجــب أن يقعــوا لــه ســاجدين‪ .‬ومثــل‬
‫سجل تاريخيا ً فــي‬
‫ذلك حدث في عهد متأخر م ّ‬
‫الملحمة والثبت السومري والتــوراة والقــرآن‬
‫جل فــي العديــد مــن‬
‫اعنــي الطوفــان كمــا س ـ ّ‬
‫الوثائق المطمورة فــي الرض بمــا فــي ذلــك‬
‫طبقــة غريــن علــى عمــق أربعيــن مــترا ً فــي‬
‫العراق مما يؤكده البــاحث المنقــب اللمــاني‬
‫انــه دليــل علــى حــدوث الطوفــان‪ .‬وللمــام‬
‫الصادق عليه السلم مثل شبيه بمثل المسيح‬
‫في عبارة عامة ‪‬لتغربلن كما يغربل الــزؤان‬
‫من القمح ‪. ‬‬

‫والمسيح عليه السلم ذكر أّنه ُيحرق‪:‬‬

‫]يا رب ألم تزرع زرعا ً طيب ـا ً فــي حقلــك؟‬


‫فمــن أيــن جــاءه الــزؤان؟ فقــال لهــم‪ :‬أحــد‬
‫العداء فعل ذلك فقال له العبيــد أ فتريــد أن‬
‫نــذهب فنجمعــه؟ فقــال ل مخافــة أن تقلعــوا‬
‫القمح وأنتم تجمعون الزؤان فدعوهما ينبتان‬
‫أ‬
‫‪98‬‬

‫معــا ً إلــى يــوم الحصــاد حــتى إذا أتــى وقــت‬


‫الحصاد أقول للحاصدّين‪ :‬أجمعوا الــزؤان أول ً‬
‫واربطوه حزما ً ليحرق ‪.‬‬

‫مة إلى حصادها تسمى‬ ‫ويبدو أن فترة كل أ ّ‬


‫في القرآن )قرنًا( لنه من المؤكــد أنــه ليــس‬
‫قرنا ً بمعنى مائة سنة‪.‬‬

‫فهو يذكر ‪‬قرون ا ً تطاول عليهــم العمــر ‪‬‬


‫ومـــن نـــوح إلـــى إبراهيـــم عليـــه الســـلم‬
‫]قرونــا ً بيــن ذلــك كــثيرا ً ‪ ‬و ‪‬رســل ً لــم‬
‫نقصصهم عليك ‪.‬‬

‫فقوم نوح في قــرن واحــد رغــم انــه لبــث‬


‫يدعو فيهم ‪‬ألف سنة إل خمسين عاما ً ‪.‬‬

‫وقد ذكر نوح سابق في جملة عرضــية فــي‬


‫خطاب للمام علي عليــه الســلم إذ ورد فيــه‬
‫‪‬نـــوح الول ونـــوح الخـــر وآدم الول وآدم‬
‫الخر ‪.‬‬

‫أ‬
‫‪99‬‬

‫صــح‬
‫إذا كــان كــل )نــوح( مرتبــط بقــرن في ّ‬
‫تفســيرا ً لطبقــة أخــرى مــن الغريــن الحمــر‬
‫)ثخنهــا زهــاء ‪ 11‬قــدم ًا( تفصــل مــا بيــن دور‬
‫جمــدة نصــر ودور فجــر الســللت والخــرى‬
‫ب )وولي( إذ ترجع‬
‫أقدم حسب ما ذكره المنق ّ‬
‫إلى دور العبيد )‪ 4000‬ق‪ .‬م‪.((1 (.‬‬

‫والغريـــب أنهـــم حـــاولوا تحديـــد فـــترة‬


‫الطوفان تحديدا ً مخالفا ً لعلــم طبقــات الرض‬
‫ولم يفترضوا حدوث أكثر من طوفان إل فــي‬
‫وقت متأخر‪.‬‬

‫مــا زعمهــم أنهــا فيضــانات النهريــن فــي‬


‫أ ّ‬
‫السهل الرســوبي المتكــررة ومتابعــة بــاحثين‬
‫إسلميين لهــم فــي ذلــك وتعزيــز هــذا الــرأي‬
‫بمصادفة وقوع أمطار غزيرة فهــي محــاولت‬
‫تشبه محاولت إبليس التي نتحدث عنها الن‪.‬‬

‫فالنسان ‪ -‬والمعاصر أيضا ً يبدو لديه رغبة‬


‫كبيرة في تفسير الظواهر والثار بعيــدا ً عــن‬
‫تاريخ الحضارات ‪ /‬طه باقر ‪310 -‬‬ ‫‪(1‬‬ ‫)‬

‫أ‬
‫‪100‬‬

‫التــدخل اللهــي أو القــرار الســماوي بحجــة‬


‫البحث العلمي‪.‬‬

‫بينما التدخل اللهي ل يعني إلغاء السباب‬


‫والمسببات الظاهرة فــي الثــار فتمثــل هــذه‬
‫السلســلة الممكــن البحــث فيهــا ل يســتطيع‬
‫العلم بكل قواه وإمكاناته الحاطة بها‪.‬‬

‫ينعكس هذا التفكير كــثيرا ً علــى ســلوكيات‬


‫م أحيان ـا ً‬
‫علماء الثــار ومــن تــابعهم بحيــث يت ـ ّ‬
‫إخفــــاء متعمــــد للمعلومــــات أو افــــتراض‬
‫تفسيرات عشوائية‪.‬‬

‫لقد تجاهل التفسير المذكور قاعــدة شــحة‬


‫مســـتوى المطـــار فـــي الســـهل الرســـوبي‬
‫مــة كمــا تجاهــل تعــددّ الطبقــات ‪-‬‬
‫كقاعــدة عا ّ‬
‫مــة يتجنــب البــاحثون الربــط بيــن‬
‫وبصــفة عا ّ‬
‫الظـــواهر الكونيـــة والظـــواهر الجتماعيـــة‬
‫بــالرغم مــن إقرارهــم بهــا فيمــا يخــص بعــض‬
‫الحالت التي وقعت في العصر الحديث‪.‬‬

‫أ‬
‫‪101‬‬

‫على أن للقصة في القرآن عرضـا ً مختلفـا ً‬


‫تمامـا ً لمــا فــي الذهــان‪ ،‬حيــث نحتمــل بقــوة‬
‫ى إلـــى انخفـــاض الضـــغط‬
‫حـــدوث بركـــان أد ّ‬
‫ي فــي المنطقــة ممــا اســتدعى تفجــر‬
‫الجــو ّ‬
‫المياه الجوفية بقوة وهطــول أمطــار غزيــرة‬
‫لم يسبق لها مثيل وهــو مــا عّبــر عنــه بقــوله‬
‫تعالى‪:‬‬

‫]حتى إذا جاء أمرنا وفاَر التّنور ‪‬‬

‫وذلك إذ لحظنا أن )الفوران( أستخدم فــي‬


‫القـــرآن للنـــار ل للمـــاء‪ ،‬وتشـــابه البركـــان‬
‫والتنور في الشكل والمضمون‪.‬‬

‫ولدينا لهذا التفسير شــواهد أخــرى عديــدة‬


‫ومنها وجود حجــر بركــاني فــي )تــل ‪ -‬فــاره(‬
‫والتي كانت عاصمة مملكــة فــي تلــك الحقبــة‬
‫ومنها العلقة الصوتية بين السم وبين )فــار‬
‫‪ -‬التنــور(‪ ،‬وفــي جميــع الحــوال فــأن الــذي‬
‫ســر الطوفــان علــى أنــه فيضــان للنهريــن‬
‫يف ّ‬

‫أ‬
‫‪102‬‬

‫رافقته أمطار إنما يخرج عــن النــص القرآنــي‬


‫جــر لعيــون المــاء‬
‫الــذي يؤكــد علــى أنــه تف ّ‬
‫الجــوفي وســقوط غزيــر للمطــار ويســتحيل‬
‫عليه الجمع بين الفكرتين مهما أوتي من مكر‬
‫وتلبيس‪.‬‬

‫يفتخر الباحثون المعاصــرون ومــن تــابعهم‬


‫بالبتعاد عن النص القرآني خصوصا ً والــديني‬
‫عموم ـا ً واصــبح هــذا المــر شــبي ً‬
‫ها بــالمراض‬
‫المزمنة التي أصابتهم وهو يدل دللة قاطعــة‬
‫على وجــود توجهــات ســابقة تتنــافى والــروح‬
‫عونها‪ . .‬لقــد انتشــر هــذا‬
‫العلمّيــة الــتي يــد ّ‬
‫المــرض فــي نفــوس البــاحثين فــي الشــرق‬
‫الســــلمي أيضــــا ً وأصــــبح ســــمة عامــــة‬
‫)للمثقفيــن(‪ ،‬إل مــا نــدر‪ ،‬فــي حيــن تقوقــع‬
‫)المتدينون( متجاهلين جميع الحقائق العلمية‬
‫مــا )العلمــاء( المســلمين فقــد‬
‫المكتشــفة أ ّ‬
‫عجزوا عن التوفيــق وهكــذا ظ ـ ّ‬
‫ل كــل جماعــة‬

‫أ‬
‫‪103‬‬

‫فــي موضــعهم ولســان حــالهم يقــول )لكــم‬


‫دينكم ولي دين(‪.‬‬

‫أثبتنا على نحو واضــح فــي أبحــاث ســابقة‬


‫اعتباطيـــة المناهـــج اللغويـــة الـــتي ســـببت‬
‫سر )للــدين( ونعتــبر‬‫اعتباطا ً عاما ً للفكر المف ّ‬
‫ذلك سببا ً بل أداةً فعّالة لكــل مــن أســاء إلــى‬
‫)الدين( مــن داخلــه وخــارجه عــن قصــد وغيــر‬
‫قصد وبالتالي انفصام العلقة بين المؤسســة‬
‫الدينية والمؤسسة الثقافية‪.‬‬

‫ونعــــود إلــــى الموضــــوع‪ :‬إذن فــــإهلك‬


‫المجموعة بالمر اللهي والبقاء على خليفــة‬
‫لله أمر محتمل الوقوع فــي العهــد الول‪- ،‬إذ‬
‫يبدو أن هذه العملية )الستخلف( قــد وقعــت‬
‫أكثر من مّرة‪:‬‬

‫]إذ جعلكم خلفاء من بعد نوح ‪ 69/70‬‬

‫أ‬
‫‪104‬‬

‫]وعد الله الذين أمنوا منكم وعملوا‬


‫الصالحات ليستخلفّنهم في الرض كما‬
‫استخلف الذين من قبلهم ‪ 55/24‬‬

‫هذا يعني أن الستخلف وقع أكثر من مّرة‬


‫‪ -‬وفــي كــل مــّرة يســبق ذلــك )ســفك دمــاء‬
‫وفساد(‪ -‬وهو المر الذي ذكــره الملئكــة فــي‬
‫البدء‪.‬‬

‫]وإذ قال ربك للملئكة إني جاعل في‬


‫الرض خليفة قالوا‬
‫أتجعل فيها من ُيفسد فيها ويسفك الدماء ‪‬‬
‫‪30/2‬‬

‫فالخليفة يستلزم حصــول اســتخلف وهــذا‬


‫يعني تكرار عميلة الفرز والتنقيــة كــل مـّرة ‪-‬‬
‫وبالطبع ل بــد أن يرافــق مثــل هــذا النتخــاب‬
‫إهلك‪ . .‬فقــد توقــع موســى عليــه الســلم‬
‫حصول ذلك في الستخلف‪:‬‬

‫أ‬
‫‪105‬‬

‫]قال عسى ربكم ان يهلك عدوكم‬


‫ويستخلفكم في الرض فينظر كيف تعملون‬
‫‪ 29/7‬‬

‫فالستخلف إذن يتكرر‪.‬‬

‫ن الفســاد‬
‫وهذا التكرار ضروري من حيث ا ّ‬
‫من خصائص المجموعة وهــو مســتمر إلــى مــا‬
‫بعد آدم وذلك لنه فــي النتخــاب القســري ل‬
‫يحــدث إلغــاء تــام للخصــائص الردي ّــة بحيــث ل‬
‫يحتمل ظهورها ثانيــة بصــفة مطلقــة‪ ،‬فمثــل‬
‫تلــك الخصــائص تعــاود الظهــور وهنــا يظهــر‬
‫تفسير العقاب والثواب أي فلسفة الحســاب‪،‬‬
‫وتوضيحه كما يلي‪:‬‬

‫ي القمــح مــن الــزؤان‬‫أنــا أمــرك ان تنقــ ّ‬


‫وتنتخب السنابل الجيدة وتعيــد الفعــل نفســه‬
‫كــل مــره تــزرع وتحصــد فيهــا فبعــد مواســم‬
‫حبا ً نقيا ً من النــوع‬
‫يفترض انك ل تجمع سوى ّ‬
‫الجيد ولكن لو عدت وأهملــت الحقــل وتركــت‬

‫أ‬
‫‪106‬‬

‫العدو يعبث وتجــاهلت النتخــاب فبعــد اجيــال‬


‫ديــة بــالظهور وســيكون‬
‫تعــاود الســنابل الر ّ‬
‫أكثرها زؤان أيضًا‪.‬‬

‫يكمن الفــارق بيــن المثــل والحقيقــة فــي‬


‫انك والسنابل شيء واحد فأنت أيها النســان‬
‫الســـنبلة أو )الحّبـــة( وأنـــت الـــذي تقـــوم‬
‫خب‪.‬‬
‫منت َ‬
‫خب وأنت ال ُ‬
‫بالنتخاب فأنت المنت ِ‬
‫تخّيل السنابل وهي )عاقلــة وقــادرة علــى‬
‫الختيار(‪ ،‬عليها إذن ان تكون سنابل جيــدة ل‬
‫ها )الزؤان(‪.‬‬
‫دية ول تسمح بظهور عدو ّ‬
‫ر ّ‬
‫وينتظر صاحب الحقل عــدة اجيــال وحينمــا‬
‫وه )الــزؤان( ويمتل‬
‫يصبح أكثرية حقله من عد ّ‬
‫الحقل بما هو ضا ّر وتبقى سنابل قليلة فقط‬
‫عالية الجودة صامدة في الحقل يقوم باقتلع‬
‫الحقل أو حصاده فيحرق الزؤان ويعيد إنبــات‬
‫الســنابل ويقــول لهــا ناصــحًا‪ :‬هكــذا كــوني‪. .‬‬
‫هكــذا أريــدك بمفــردك لتنعمــي بتربــة الحقــل‬

‫أ‬
‫‪107‬‬

‫وحدك ‪ -‬فهذا هــو معنــى المثــل الــذي يضــربه‬


‫المسيح عليه السلم‪.‬‬

‫وهناك فــارق آخــر بيــن المثــل والحقيقــة‪.‬‬


‫ففـــي النســـان يحـــدث تمـــازج بيـــن الجيـــد‬
‫والرديء وتأثير متبــادل علــى مســتوى الفكــر‬
‫فينعكس علــى مســتوى الســللت والــذراري‪،‬‬
‫فالنوعان يتمازجان بالنجاب‪.‬‬

‫ي‬
‫ولــذلك تصــبح عمليــة النتخــاب والــترق ّ‬
‫بطيئة إلى حد مزعج‪.‬‬

‫يتــوجب لفهــم المــر مــن المثــل اســتبعاد‬


‫)الــزؤان( والعتمــاد علــى وجــود نــوعين مــن‬
‫الحنطة متشابهين تماما ً أحدهما يهلك الرض‬
‫وهو سام ل نفــع فيــه والخــر يخصــب الرض‬
‫ذ يتعقدّ المثل إلــى‬
‫وهو الطعام الطيب وعندئ ٍ‬
‫حــد بعيــد ول يمكننــا الســتمرار بــه لغــراض‬
‫الشرح‪.‬‬

‫أ‬
‫‪108‬‬

‫مر من أبحاث‬
‫خلصة في ما ّ‬ ‫‪22‬‬

‫ة لدينا‬
‫خلصة الفصول السابقة أصبحت واضح ً‬
‫فيما يخص خلق النسان نضعها في نقاط‪:‬‬

‫‪ -1‬خلــق اللــه النســان مــن صلصــال )خلصــة‬


‫مركزة( مــن )حمــأ( ‪ -‬مــادة ذات قابليــة علــى‬
‫الحمايــة الذاتيــة )مســنون( ‪ -‬موضــوع فــي‬
‫شــرعه ومنهــاج لتكــوين )بشــر( قــادر علــى‬
‫استقبال الروح اللهية )روح اليمــان( ل روح‬
‫ي‬
‫ي بعد سلســلة مــن حقــب الــترق ّ‬
‫الكائن الح ّ‬
‫والتطور‪.‬‬

‫‪ -2‬يتوجب على الملئكة السجود لهذا البشر بعــد‬


‫استقباله روح اليمان‪.‬‬
‫م خلــق كــائن معج ـ ّ‬
‫ل‬ ‫‪ -3‬خلل مراحــل التطــوّر ت ـ ّ‬
‫ي من الطين النقي وهو فرع من نفس‬ ‫للترق ّ‬
‫الكـــائن الول بانتخـــاب قســـري ل طـــبيعي‬
‫وانبثق عن هذا الفرع شخص بخصــائص ذاتيــة‬

‫أ‬
‫‪109‬‬

‫ى‬
‫ن من استقبال روح اليمان وسم ّ‬ ‫عالية تمك ّ‬
‫هذا الكائن )آدم( قبل ظهور البشر الطــبيعي‬
‫مــا كــان هــذا الكــائن ليــس هــو‬
‫ي‪ .‬ول ّ‬
‫للــترق ّ‬
‫]فـــإذا ســـويته‬ ‫المقصـــود بـــالمر الول ‪-‬‬
‫ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ‪- ‬‬
‫فقـــد احتــاج المل العلـــوي إلــى أمـــر جديـــد‬
‫للسجود له بصفة خاصة ليكــون ســجودهم لــه‬
‫دللة على سجودهم للكائن المنتظر فيما بعد‬
‫]اســجدوا‬ ‫حــددة هــي‪:‬‬
‫فــورد المــر بصــيغة م ّ‬
‫لدم ‪.‬‬

‫ورافــق ذلــك التأكيــد علــى الســجود للكــائن‬


‫المنتظــر مــرة أخــرى فــورد فــي ســورة صــاد‬
‫بصيغة‪:‬‬

‫]إني خالق بشرا ً من طين فإذا سويته‬


‫ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ‪‬‬

‫وإذن فقد اختلف عن مورد الحجر الذي يحــدد‬


‫منشأه من صلصال من حمأ مسنون‪.‬‬

‫أ‬
‫‪110‬‬

‫‪ -4‬و ّ‬
‫لن الخصائص الردّية قد تعاود الظهور فقــد‬
‫جــل مــن‬
‫تــم اختيــار زوجــة لهــذا الكــائن المع ّ‬
‫نفــس الطيــن المنتخــب )الســللة المنتخبــة‬
‫قسريًا( وقد رافق ذلك أهلك مجموعات ردّية‬
‫الصفات‪.‬‬

‫جـــل بعـــض التعلميـــات‬ ‫‪ -5‬خـــالف الكـــائن المع ّ‬


‫فظهرت الخصائص الرد ّية تــارة أخــرى قريبــا ً‬

‫]س ّ‬
‫ولت لــه نفســه قتــل‬ ‫في ابني آدم حيث‪:‬‬
‫أخيه فقتله ‪.‬‬

‫صية‬
‫وسوف نلحظ بالتفصيل طبيعة هذه المع ّ‬
‫وي برمتــه‬
‫ســر الفكــر الــديني الســما ّ‬
‫الــتي تف ّ‬
‫مــرة واحــدة مــن خلل البحــث عــن طبيعــة‬
‫الشجرة‪.‬‬

‫ن كذبة إبليس بشأن المنشــأ المختلــف‬


‫ملحظة‪:‬إ ّ‬
‫عـــن آدم )أو البشـــر( نجـــدها فـــي إحـــدى‬
‫المرويــات منتزعــة مــن القــرآن‪ .‬لن للنــار‬
‫شجرة وتلك الشجرة هــي الخضــراء ومنشــأها‬

‫أ‬
‫‪111‬‬

‫مــن الطيــن‪ -‬إذن فالمنشــأ ل يختلــف لكــل‬


‫منهما‪.‬‬
‫]الذي جعل لكم من الشجر الخضر نارا ً‬
‫‪‬‬

‫أ‬
‫‪112‬‬

‫الخلصة والنظام القرآني‬ ‫‪23‬‬

‫قلنا ان القرآن )نظام محكم( ومن طبيعــة‬


‫النظام المحكم ان الكليــات الــتي تتــألف مــن‬
‫مجموعــة حقــائق مترابطــة ل بــد ان تظهــر‬
‫كحقيقة واحدة بشكل أو آخــر فــي موضــع مــا‬
‫من النظام‪.‬‬

‫فهل تظهر مثل هذه الخلصــة مــن البحــث‬


‫في آية واحدة أو سياق متصل؟؟‬

‫الجواب‪ :‬نعــم أنهــا تظهــر فــي آيــة ســورة‬


‫السجدة‪:‬‬

‫ء خلقه وبدأ خَلق‬ ‫]الذي أحسن ك ّ‬


‫ل شي ٍ‬
‫النسان من طين‪ .‬ثم جعل َنسله من سللة‬
‫ه‬
‫من ماء مهين‪ .‬ثم سوا هّ ونفخ فيه من روح ِ‬
‫سمع والبصاَر والفئدة قليل ً ما‬
‫وجعل لكم ال َ‬
‫تشكرون ‪/  7-9‬ال م السجدة‪.‬‬

‫حيث نلحظ الترتيب التي‪:‬‬

‫أ‬
‫‪113‬‬

‫‪ -1‬خلق النسان من طين‪.‬‬

‫‪ -2‬تكون منه ماء مهين‪.‬‬

‫‪ -3‬تكون من الماء سللة‪.‬‬

‫‪ -4‬تكون من السللة نسل لذلك النسان‪.‬‬

‫ه‪.‬‬
‫‪ -5‬ثم سوا ّ‬
‫‪ -6‬ثم نفخ فيه من روحه‪.‬‬

‫نستفيد بصفة خاصة مــن لفــظ )بــدأ( فــي‬


‫الية لنه يحددّ البداية‪ :‬أنها من طين ‪ -‬ثم ماء‬
‫ون مــن النســل‬
‫مهيــن يشــكل النســل ثــم تك ـ ّ‬
‫وية )تعديل الخلقة(‬
‫سللة وكل ذلك قبل التس ّ‬
‫وقبل النفخ‪.‬‬

‫ون‬
‫فالمفسرون يعكسون الــترتيب إذ يجعل ـ ّ‬
‫الكــائن الكامــل هــو الول ومنــه حــدث نســل‬
‫ة جــدا ّ فــي ترتيــب‬
‫وسللة بينمــا اليــة واضــح ّ‬
‫معكوس لمزاعمهم‪.‬‬

‫أ‬
‫‪114‬‬

‫واضــح أن أطــول المراحــل هــي مرحلــة‬


‫)التســوية( الــتي قــامت علــى نســل الكــائن‬
‫م(‪.‬‬
‫القدم لنه استعمل معها أداة التراخي )ث ّ‬
‫وكذلك المرحلــة اللحقــة وهــي الســتعداد‬
‫للنفخ حيث استعمل معه نفس الداة‪.‬‬

‫وهذا يعني انه قد مضت حقب طويلة لكــل‬


‫مرحلــة فالكــائن الول كــائن بهيمــي ل ينتــج‬
‫ســوى المــاء المهيــن الــذي يشــكل الســللت‬
‫والــتي يتكــون منهــا نســل يــؤدي بــدوّره بعــد‬
‫ي(‬
‫حقب من الترقي إلى تشــكيل كــائن )ســو ّ‬
‫في انتظام أعضاءه التي تترقى وفــق قــدرته‬
‫علــى الــترقي الفكــري والعقلــي‪ .‬فلمــا بلــغ‬
‫القدرة على استقبال الــروح ‪ -‬روح اليمــان ‪-‬‬
‫نفخ فيه من روحه‪.‬‬

‫ي المفهــوم فــي الزمــان‬‫النســل مســتقبل ّ‬


‫والســللة بمفهـــوم ماضـــوي للزمـــان فهــذا‬
‫الـــترتيب مقصـــود لظهـــار قـــوانين انتقـــال‬
‫الخصائص ومقاومتها لعامل الزمان بحيــث ان‬
‫أ‬
‫‪115‬‬

‫ي يحتاج إلى مواجهــة كــبيرة مــع القــوة‬


‫الترق ّ‬
‫التي تؤدي إلى التراجع والتقهقر في طريــق‬
‫النتخاب‪.‬‬

‫قد يقول العتباط اللغــوي‪ :‬ان أهــل اللغــة‬


‫ل ينظرون إلى لفظ )النسان( هكــذا بــل هــو‬
‫اسم جنس ُيقصد به الناس كافة‪.‬‬

‫والجواب ان هــذا ل يغي ـّر شــيئا ً مــن المــر‬


‫فهو هنا كذلك‪.‬‬

‫عندهم ان آدم هو أول مخلوق كان )طينة(‬


‫على هيئة النسان ج ّ‬
‫فــت فنفــخ فيهــا الــروح‬
‫فصــار كائنــا ً حيــا ً فكيــف تجعــل اليــة المــاء‬
‫المهين والسللة والنسل جميعا ً قبل النفخ؟؟‬

‫حيـــا ً إل‬
‫والمفـــروض انـــه ل يكـــون كائنـــا ً ّ‬
‫بالنفخ ليكون لديه ماء مهين وسللة ونسل؟‬

‫من أجل ذلك بدأنا أبحاثنا هنا بالصــلة بيــن‬


‫الروح وحيــاة البــدن حيــث أثبتنــا انعــدام هــذه‬

‫أ‬
‫‪116‬‬

‫العلقـــة وان روح البـــدن هـــي غيـــر الـــروح‬


‫المنفوخة في آدم‪.‬‬

‫يضــطر العتبــاط فــي هــذه الحالــة إلــى‬


‫التقــديم والتــأخير والعبــث باليــات وتجاهــل‬
‫دة‪ .‬لــذلك نســفنا العتبــاط‬
‫الروايــات المؤكــ ّ‬
‫ه قبل ذلك فــي مقــدماتنا‬
‫االلغوي بكافة طرق ِ‬
‫على المهج الجديد في قصدية اللغة‪.‬‬

‫ومع ذلك فلن يســتطيع العتبــاط النتفــاع‬


‫بــأي واحــدة مــن طرائقــه فــي آيــة الســجدة‬
‫صية على أية محــاولت‬
‫المحكمة اللفاظ والع ّ‬
‫لتقديم وتأخير ولو على طرائقهم العابثة‪.‬‬

‫ننـــــاقش كـــــذلك بعـــــض العتراضـــــات‬


‫والستفسارات المحتملة على صورة محــاورة‬
‫من سؤال وجواب‪.‬‬

‫من الترتيب الســابق تقــدم الصلصــال‬


‫سؤال‪ :‬تض ّ‬
‫على الطين‪ .‬بينما ذكرت آية السجدة ان خلــق‬
‫النسان بدأ من طين فكيف ذلك‪.‬‬

‫أ‬
‫‪117‬‬

‫الجواب‪ :‬اّنــه ســؤال رائع حق ـًا‪ .‬وبخاصــة ان آيــة‬


‫السجدة تتضمن لفظ )بدأ(‪ -‬بدأ خلق النســان‬
‫مــن طيــن ممــا يســتلزم ظاهريــا ً نوعــا ً مــن‬
‫التعارض‪.‬‬

‫لكن هنا يكمن العجاز القرآني‪ .‬ففــي ســورة‬


‫صاد ذكر أيضا انــه مــن طيــن فالفــارق يكمــن‬
‫ي خــالق بشــرا ً‬
‫في بقيــة اللفــاظ‪ .‬فقــوله إنـ ّ‬
‫مختلف عن قوله وبدأ خلق النسان‪.‬‬

‫الول بالماضي يتحــدث فيــه عــن أمــر ســيقع‬


‫ل‪ -‬أي انه خالق بشــرا ً مــن صلصــال أو‬
‫مستقب ً‬
‫من طين‪ ،‬فــذكر‪ -‬فيــه المنشــأ الول لظهــار‬
‫التباين الشديد بين حالتين مما يظهّر القــدرة‬
‫ي‪.‬‬
‫على شحنه بقوة الترق ّ‬
‫بينما العبارة الثانيــة تتحــدث الن عــن واقعــة‬
‫سبقت‪ .‬فهي عكس الولى تماما ً في طريقــة‬
‫الخبار عن الواقعة‪.‬‬

‫أ‬
‫‪118‬‬

‫فالكائن البهيمي الول لم يصــل بعــد إلــى‬


‫مرحلة )النسان(‪:‬‬

‫واّنما بدأ يكون إنسانا ً من مرحلة الطين‪.‬‬

‫من ناحية لفظ )الطيــن( ‪ -‬فــانه يصــدق علــى‬


‫الحالتين فعل ً ‪ -‬أ ّ‬
‫ما درجة النقــاوة تفهــم مــن‬
‫المداخلت اللفظية الخرى‪.‬‬

‫سؤال‪ :‬ما المقصود بالنقاوة بالمعنى المعاصــر؟‬


‫هل لــذلك علقــة بالمــادة الــتي يــتركب منهــا‬
‫البدن أيضًا؟‬

‫الجـــواب‪ :‬إذا رجعـــت إلـــى موضـــوع النتخـــاب‬


‫م فهنــاك‬
‫والتمازج أدركت المقصود ‪ -‬ومــن ث ـ ّ‬
‫علقــة أكيــدة بمــادة البــدن وتناســق أعضــاءه‬
‫وجودة عمــل أنســجته كافــة‪ .‬ان الحــديث هنــا‬
‫عن النوع ل عن كل فرد ومع ذلك فان للف ـّرد‬
‫خيارات كثيرة تؤثر في تكوين بــدنه وان كــان‬
‫م ـا ً ل يمكنــه أحــداث التغييــر‬
‫يرث منها جزءً ها ّ‬
‫فيه‪ .‬لكن الله سبحانه يكّلم الفرد والنوع في‬

‫أ‬
‫‪119‬‬

‫آن واحــد‪ .‬وســبب ذلــك ان كــل مــا ليــس مــن‬


‫شأنك تغييره فحسابه ليس عليك‪ .‬إنمــا عليــك‬
‫ي‪.‬‬
‫حساب ما يمكنك تغييره بالترق ّ‬
‫سن سنة سيئة فعليه وزرهـــا‬
‫إل ترى ان )من ّ‬
‫ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة( والعكس‬
‫َ‬
‫بالعكس؟ فالفرد في الدين اللهي يحمل في‬
‫داخلـــه جميـــع عناصـــر الجماعـــة فـــي هـــذه‬
‫المسألة‪ .‬إل تراه يجعل )من قتل نفس ـا ً بغيــر‬
‫نفس أو فساد في الرض فكأنما قتل النــاس‬
‫جميعــًا( ومــن أحياهــا فكأنمــا أحيــا النــاس‬
‫جميع ًا؟‬

‫م ســواه ونفــخ‬
‫سؤال‪ :‬ان آية الســجدة تقــول‪ :‬ث ـ ّ‬
‫جــل‬
‫فيه من روحه‪ .‬فهل هذا الكــائن هــو المع ّ‬
‫فــي الــترتيب الســابق )آدم( أم هــو البشــر‬
‫ي‬
‫المنتظــــر ظهــــوره بالنتخــــاب والــــترق ّ‬
‫الطبيعي؟‬

‫الجواب‪ :‬إذا كان الضمير يعود علــى آخــر مــذكور‬


‫وهو هنا أول كائن بدأ خلقه من الطين فمـــن‬
‫أ‬
‫‪120‬‬

‫المؤكد انه البشــر المنتظــر ظهــوره بــالترقي‬


‫الذاتي‪.‬‬

‫لن لهذه العبارة روابط لفظيــة مشــتركة مــع‬


‫هذا الكائن فقط وفي موردي الحجر والصاد‪.‬‬

‫سؤال‪ :‬إذا جمعنا النتخاب والختيــار وأثــره فــي‬


‫التكوين والــترقي فــي آن واحــد فــان ظهــور‬
‫ي هــو مفخــرة‬
‫مثل هذا الكــائن الــذاتي الــترق ّ‬
‫المفاخر في تاريخ النسان ‪ -‬سيكون بل شــك‬
‫أفضل من آدم بما ل يقاس‪.‬‬

‫الجواب‪ :‬نعم هذا صــحيح جــدًا‪ ،‬وبهــذا فهــو ســيد‬


‫الموجودات بل منازع‪.‬‬

‫سؤال‪ :‬لكن صيغة الفعال في آية السجدة كلهــا‬


‫بالماضــي‪ :‬ثــم ســوّاه ونفــ َ‬
‫خ فيــه مــن روحــه‬
‫وجعل لكم السمع‪ . . .‬الخ‪ .‬فهــل هــذا الكــائن‬
‫قد ظهر فعل ً قبل نزول الية أم انــك تخــالف‬
‫منهجــك الــذي الــتزمت بــه وتتحــول هنــا إلــى‬
‫طرائق المفسرين في تقدير الماضــي ليفيــد‬

‫أ‬
‫‪121‬‬

‫المستقبل أو العكس أو المفرد ليفيــد الجمــع‬


‫والعكس وغير ذلك والتي حاربتها طوي ً‬
‫ل؟‬

‫ت إذن ومــا انــا‬


‫الجواب‪ :‬ان فعلت ذلك فقد ضــلل ُ‬
‫م بما التزمت به من‬
‫من المهتدين بل أنا ملتز ّ‬
‫قبل‪.‬‬

‫و هذا البشر؟‬
‫ه َ‬
‫سؤال‪ :‬فمن ُ‬
‫مد" رسول الله )صلى الله عليه‬
‫الجواب‪ :‬انه "مح ّ‬
‫وسلم(‪.‬‬

‫سؤال‪ :‬إذن فقد وقع الملئكــة لــه ســاجدين مــن‬


‫غير أمر جديد لنهم قد أمروا أن يســجدوا لــه‬
‫إذا سواهّ ونفخ فيه من روحه‪ .‬أليــس هــذا مــا‬
‫تقصده؟‬

‫الجواب‪ :‬نعم تمام ًا‪.‬‬

‫سؤال‪ :‬لكنه في هذين الموردين ‪ -‬الحجر وصــاد‪-‬‬


‫قال في كل منهما‪:‬‬

‫]فسجد الملئكــة كلهــم أجمعــون ‪ ‬وبصــيغة‬


‫ه‬
‫الماضي بعد المــر مباشــرة فيفهــم منــه أن ـ ّ‬

‫أ‬
‫‪122‬‬

‫عقيــب قــوله ‪‬إنــي خــالق‬


‫واقعــة قــد مضــت ُ‬
‫بشرا ً ‪‬؟؟‬

‫الجواب‪ :‬وما المشكلة؟ فحينما كان القرآن ينزل‬


‫م سجود الملئكة )كلهم أجمعــون( ‪-‬‬
‫كان قد ت ّ‬
‫إل إبليس فاستعمل صيغة الماضي لكنه جمــع‬
‫واقعتين واحدة قبل مليين السنين والخــرى‬
‫قبل سنين مثل ً فما المشكلة؟‬

‫سؤال‪ :‬المشكلة أن هذا التفسير غريــب؟! وهــذا‬


‫الجمع اغرب؟‬

‫جمــع‬ ‫الجواب‪ :‬ان الحــق غريــب دوم ـا ً ‪ -‬أ ّ‬


‫مــا أن ال َ‬
‫اغــــرب فليــــس بحــــق لن النــــاس كلهــــم‬
‫وبالســليقة يقولــون دومــا ً عبــارات مــن هــذا‬
‫النوع‪.‬‬

‫لحظ معــي أيــن الغرابــة فــي عبــارة مثــل‬


‫هذه لرجل يشتكي من سلوك ولده‪:‬‬

‫]يا لفرحتي وقد رزقت بولد ُيعينني إذا‬


‫كبرت فإذا هو منصرف لزوجته وأولده ل‬

‫أ‬
‫‪123‬‬

‫يذكرني ‪‬‬

‫فمثل هذه العبــارات بــاللوف‪/‬بــالمئات وهــي‬


‫تجمــع بيــن وقــائع متباعــدة فــي الزمــان ول‬
‫ُيعيبها أحد‪ .‬لقد انتبــه العتبــاطيون أنفســهم‬
‫إلى اللتفات القرآني في الزمنــة فــي اليــة‬
‫الواحدة ولكن اللتفات من الماضي الســحيق‬
‫إلـــى الماضـــي القريـــب شـــيء ل ُيـــدرك إل‬
‫بمنهجنا اللفظي‪.‬‬

‫م‬
‫إذن فل غرابـــة فـــي ذلـــك لن القـــرآن كل ّ‬
‫حيــوي مختلــف جــدا ً عــن كــل كلم فــي دقــة‬
‫نظــامه الصــارم والشــامل وقــد جمــع بيــن‬
‫حوادث قديمة وجديــدة والتفــت فــي الســياق‬
‫مــن زمــن إلــى زمــن‪ ،‬كــل مــا فــي المــر ان‬
‫التحـــرك وفـــق النظـــام القرآنـــي الصـــارم‬
‫سيســتدعي تعميــم هــذه الملحظــات علــى‬
‫التراكيب القرآنية كلهــا مــع اللــتزام بقواعــد‬

‫أ‬
‫‪124‬‬

‫منهجنــا‪ :‬ل تكــرار متطــابق لفظ ـا ً وواقعــة‪ ،‬ل‬


‫استعاره ول مجــاز‪ ،‬ل مرادفــات‪ ،‬ل تقــديم‪ ،‬ل‬
‫در جوازا ً أو وجوبًا‪،‬‬
‫تأخير‪ ،‬ل محذوفات‪ ،‬ل مق ّ‬
‫ل زائد أو مقحــم‪ ،‬ل إيجــاز وإطنــاب ‪ -‬فهــذه‬
‫وصــايا عشــرة مــن آمــن بهــا أدرك النظــام‬
‫القرآنــي ومــن خالفهــا ‪‬فل أرض ـا ً قطــع ول‬
‫ظهرا ً أبقى‪. ( (1‬‬

‫سؤال‪ :‬إن التحليل الخير بشــأن مراحــل الخلــق‬


‫خالف قولك السابق عــن مــورد صــاد إذ قلــت‬
‫انه يسبب إشــكال ً فــي تسلســل المراحــل ل‬
‫جــل‬
‫ه إل بافتراض خلــق الكــائن المع ّ‬
‫يمكن حل ّ‬
‫للتطور من الطيــن )البشــر(‪ .‬الن أصــبح هــذا‬
‫الكائن هو النبي صلى الله عليــه وآلــه وســلم‬
‫س آدم ولنفس المورد‪.‬‬
‫ولي َ‬
‫الجواب‪ :‬نعم هذا صحيح‪ .‬فالقارئ َ‬
‫فهم ان مورد‬
‫ص آدم ولكني لم أقل ذلك‪.‬‬
‫صاد يخ ّ‬
‫‪(1‬مأخوذ من الحديث الشريف‪" :‬ان هذا الدين عميق فتوغلوا فيه برفق فان المنّبت ل ارضا ً‬ ‫)‬

‫قطع ول ظهرا ً أبقى"‪.‬‬


‫المنّبت‪ :‬راكب الداّبة العجل يضربها لتسرع فل يقطع ارضا ً ول يبقى على الداّبة ونراه يصف‬
‫العتباط العجول جدا ً في تفسير القرآن بطريقة )الكلمة‪ :‬معناها(‪.‬‬

‫أ‬
‫‪125‬‬

‫لقد قلت انه بغير هذا الفــرض يصــعب إدخــال‬


‫مورد صاد في التسلسل الزمني لنــه يتحــدث‬
‫عن خلق بشر من طين ل من صلصال‪.‬‬

‫جل خلق من طيــن كنمــوذج‬


‫ما قلنا ان المع ّ‬
‫فل ّ‬
‫ن القــارئ اننــا‬
‫ي ظـ ّ‬
‫للقتداء ولتعجيــل الــترق ّ‬
‫بصدد هذا المورد‪.‬‬

‫ضــح لــه‬
‫وقد أبقيناه على اعتقاده حتى يتو ّ‬
‫أمر المراحل‪.‬‬
‫فالبشر المنتظر ظهوره هــو مــن طيــن أيض ـا ً‬
‫وهو قبل ذلك من صلصال لنه إنما ظهر بعــد‬
‫التمازج فقد كــان للختيــار الــذاتي أثــره بعــد‬
‫جـــل فقــد اتزنــت النفــس بيــن‬
‫ظهــور المع ّ‬
‫فجورهــا وتقواهــا وأصــبح الــترقي بالنتخــاب‬
‫ة حقيقيــة لختيــارات النفــس‪.‬‬
‫الطــبيعي دالــ ّ‬
‫نحن نعتقد أيض ا ً ان التكليف الشرعي بدأ مــن‬
‫هــذه النقطــة فلــم تكــن ثمــة وصــايا ســابقة‬
‫وضــعت للنســان البهيمــي وكــذلك ابتــدأت‬
‫المعرفة بالشياء من خلل اللغة‪:‬‬
‫أ‬
‫‪126‬‬

‫م آدم السماء كّلها ثم عرضهم على‬


‫]وعل ّ‬
‫الملئكة ‪‬‬

‫ولكننــا ألمحنــا لــذلك بــالقول ان الكــائن‬


‫جــل‬
‫المنتظر ظهــوره كــامن فــي الكــائن المع ّ‬
‫آدم‪.‬‬

‫سؤال‪ :‬فاين المــورد الــذي يجعــل خلــق آدم مــن‬


‫طين؟‬

‫الجواب‪ :‬انه مورد سورة السراء‪:‬‬

‫]وإذ قلنا للملئكة اسجدوا لدم فسجدوا إل‬


‫إبليس قال أ أسجد لمن خلقت طينا ً ‪‬‬

‫ســؤال‪ :‬كيــف يتحــدث مــوردا الحجــر وصــاد عــن‬


‫البشـــر المنتظـــر ظهـــوره تلقائيـــا ً بينمـــا‬
‫استخرجت منه مراحــل خلــق الكــائن المعجــل‬
‫قبل ذلك؟؟‬

‫الجواب‪ :‬ول إشكال في ذلــك لنــه بالخبــار عــن‬


‫واقعة قديمة جدا ً أعطانا فهما عن المرحلتين‬
‫الماضــيتين للخلــق قبــل آدم وبأخبــاره عــن‬

‫أ‬
‫‪127‬‬

‫الســجود لهــذا البشــر أعطانــا علمــة علــى‬


‫شخصيته‪ .‬ان آيات القــرآن كلهــا تعمــل بمثــل‬
‫هذه الطريقة ‪ -‬ول نهاية للمعلومــات الكامنــة‬
‫فيهـــا ‪ -‬وقـــد أوضــحنا كيفيـــة حصـــول ذلــك‬
‫بالحتمــالت المتعــددة لقــتران اللفــاظ مــع‬
‫بعضها‪.‬‬

‫سؤال‪ :‬عن طريق هذه اللفاظ مــا هــي الشــياء‬


‫التي تدل على أفضلية البشر المنتظر والــذي‬
‫هو عندك النبي محمــد صــلى اللــه عليــه وآلــه‬
‫وسلم علــى آدم؟ أو مــا الفــرق بيــن المــوارد‬
‫الخمسة لدم وموردي خلق البشر؟‬

‫الجواب‪ :‬كثيرة‪:‬‬

‫ي لنه هــو‬‫الول‪ :‬ان الخطاب في الموردين للنب ّ‬


‫المقصود من ذلك البشر‪ ،‬بينما خلــت المــوارد‬
‫الخمسة في السجود لدم من هذا الخطاب‪.‬‬

‫أ‬
‫‪128‬‬

‫الثاني‪ :‬ان الخطاب ورد بصيغة المفرد )وإذ قال‬


‫ربك( بينما جمع المــوارد الخمســة فــي قصــة‬
‫السجود لدم تبدأ بصيغة الجمع )وإذ قلنا (‪.‬‬

‫الثالث‪:‬تضمنت عبارتا البشر المنتظر في الحجــر‬


‫وصــاد لفــظ )ربــك( وخلــت المــوارد الخمســة‬
‫لدم من هذا اللفــظ ‪ -‬وفيــه تحنــن الربونيــة‪،‬‬
‫ه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم‬ ‫والمن ّ‬
‫خصوص ا ً واضحة جدًا‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬ورد خــبر الســجود للبشــر بصــيغة ‪-‬كلهــم‬


‫أجمعون( ‪ -‬بينما اكتفى بوصــفهم )فســجدوا(‬
‫في الموارد الخمسة ‪ -‬وهذا يــدل علــى وجــود‬
‫فوارق بين عدد الساجدين لكل منهما‪.‬‬

‫الخامس‪ :‬أورد لعــن إبليــس فــي مــوردي البشــر‬


‫وخلت الموارد الخمسة لدم من هذا اللعن‪.‬‬

‫الســادس‪ :‬أورد فــي هــذين المــوردين )الرجــم(‬


‫عقاب ا ً لبليس ولم يذكر مثل ذلك في الموارد‬
‫الخمسة‪.‬‬

‫أ‬
‫‪129‬‬

‫السابع‪ :‬تضمنت بعض الموارد الخمسة في قصة‬


‫آدم رهان إبليس على إضلل ‪ -‬ذرية( آدم فــي‬
‫حين خل الموردان الخاصان بالبشر مــن مثــل‬
‫هذا الرهان‪.‬‬

‫من المــوردان المراهنــة علــى إغــواء‬


‫الثامن‪ :‬تض ّ‬
‫)أهل الرض( بينما خلت الموارد الخمسة من‬
‫هــذا الرهــان فالذريــة متعلقــة بــآدم واهــل‬
‫الرض متعلق بمن ارسل لهم جميعًا‪.‬‬

‫التاسع‪ :‬اســتثنى إبليــس فــي المــوردين )العبــاد‬


‫المخلصين (‪ ،‬فــي حيــن خلــت مــوارد آدم مــن‬
‫هذا الستثناء بل جاء في الســراء بلفــظ )إل‬
‫قلي ً‬
‫ل(‪.‬‬

‫العاشر‪ :‬ذكر الله تعــالى فــي معــرض ال ـّرد علــى‬


‫الغــواء )الصــراط المســتقيم( فــي مــوردي‬
‫البشـــر وخلــت المـــوارد الخمســـة مـــن هــذا‬
‫ب‪ ،‬وهــو أمــر خــاص بــالنبي صــلى اللــه‬
‫المرك ّ‬
‫عليه وآله وسلم‪.‬‬

‫أ‬
‫‪130‬‬

‫الحــادي عشــر‪ :‬ورد فــي خلــق البشــر قــوله فــي‬


‫]ما منعك ان تسجد لما خلقت بيــدي ‪‬‬ ‫د‪:‬‬
‫الر ّ‬
‫في صــاد‪ ،‬بينمــا خلــت المــوارد الخمســة لدم‬
‫من هذا الوصف‪.‬‬

‫من الموردان طلب النظار إلى‬


‫الثاني عشر‪ :‬تض ّ‬
‫)يــوم يبعثــون( ‪ -‬ولــم يطلــب مثــل ذلــك فــي‬
‫المـــوارد الخمســـة إنمـــا قـــال مخـــبرا ً ‪‬لن‬
‫ن ذريتــه إل‬
‫أخرتني إلى يــوم القيامــة لحتنك ـ ّ‬
‫قليل ً ‪.‬‬

‫الثـــالث عشـــر‪ :‬ذكـــر فـــي المـــوردين )الـــوقت‬


‫المعلوم( ‪ -‬بديل ً ليوم يبعثون في حيــن خلــت‬
‫المــوارد الخمســة مــن هــذا التحديــد ‪ -‬وفــي‬
‫النظــام القرآنــي أن هــذا الــوقت هــو وقــت‬
‫ظهور دين محمد صلى الله عليه وآلــه وســلم‬
‫على الديان كلها‪.‬‬

‫الرابع عشر‪ :‬ذكر خلق البشر في آية )غير قصــة‬


‫الخلــق( تضــمنت الخطــاب المباشــر بصــيغة‬

‫أ‬
‫‪131‬‬

‫)ربــك( كمــا م ـّر عليــك فــي الفصــول الولــى‬


‫وذلك في معرض المّنة على النبي صلى اللــه‬
‫عليه وآله وسلم بقوله‪:‬‬
‫]وهو الذي خلق من الماء بشرا ً فجعله نسبا ً‬
‫وصهرا ً وكان ربك قديرا ‪.‬‬

‫والن نـــذكر هـــذه المـــوارد الخمســـة فـــي‬


‫الســجود لدم مــع مــورد الحجــر وصــاد فــي‬
‫السجود للبشر المنتظر‪.‬‬

‫موارد السجود لدم‪:‬‬

‫]وإذ قلنا للملئكة اسجدوا لدم فســجدوا إل‬ ‫‪-1‬‬


‫إبليس كــان مــن الجــن ففســق مــن أمــر رب ّــه‬
‫دو بئس‬
‫عــ ّ‬
‫أفتتخذونه وذريته أولياء وهم لكــم َ‬
‫للظالمين بدل ‪. 50/ 18‬‬

‫]وإذ قلنا للملئكة اسجدوا لدم فســجدوا إل‬ ‫‪-2‬‬


‫إبليس أبى ‪. 116/20‬‬

‫أ‬
‫‪132‬‬

‫]قلنــا للملئكــة اســجدوا لدم فســجدوا إل‬ ‫‪-3‬‬


‫إبليس أبــى وأســتكبر وكــان مــن الكــافرين ‪‬‬
‫‪.34/2‬‬

‫]قلنــا للملئكــة اســجدوا لدم فســجدوا إل‬ ‫‪-4‬‬


‫ت طينــًا؟ ‪‬‬
‫إبليــس قــال أ أســجد لمــن خلقــ َ‬
‫‪.17 /61‬‬

‫]ثم قلنا للملئكة اســجدوا لدم فســجدوا إل‬ ‫‪-5‬‬


‫إبليس لم يكن من الساجدين ‪‬‬

‫فهذه الموارد الخمسة المشــتركة بــتركيب‬


‫طويل فيه ذكــر آدم وهــو تركيــب واحــد فيهــا‬
‫جميعـــا ً هـــو ‪‬قلنـــا للملئكـــة اســـجدوا لدم‬
‫فسجدوا إل إبليس ‪.‬‬

‫موارد خلق البشر‪:‬‬

‫]ولقد خلقنا النسان من صلصــال مــن حمــأ‬ ‫‪-1‬‬


‫مســنون‪ .‬والجــان خلقنــاه مــن قبــل مــن نــار‬
‫الســموم‪ .‬وإذ قــال ربــك للملئكــة انــي خــالق‬
‫بشــرا ً مــن صلصــال مــن حمــأ مســنون فــإذا‬

‫أ‬
‫‪133‬‬

‫ســويته ونفخــت فيــه مــن روحــي فقعــوا لــه‬


‫ساجدين‪ .‬فسجد الملئكة كلهــم اجمعــون‪ .‬إل‬
‫إبليس أبى ان يكون مــع الســاجدين‪ .‬قــال يــا‬
‫إبليس مالك أل تكون مع الساجدين‪ .‬قــال لــم‬
‫اكن لسجد لبشر خلقته من صلصال من حمــأ‬
‫مسنون‪ .‬قال فــاخرج منهــا فانــك رجيــم‪ .‬وان‬
‫ب‬
‫عليـــك اللعنـــة إلـــى يـــوم الـــدين‪ .‬قـــال ر ّ‬
‫فانظرني إلــى يــوم يبعثــون‪ .‬قــال فانــك مــن‬
‫المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم‪ .‬قــال رب‬
‫بمــــا اغــــويتني لزين ّــــن لهــــم فــــي الرض‬
‫ولغــــوينهم أجمعيــــن‪ .‬إل عبــــادك منهــــم‬
‫ي مستقيم‪ .‬ان‬ ‫المخلصين‪ .‬قال هذا صراط عل ّ‬
‫س لك عليهم سلطان إل مــن اتبعــك‬‫عبادي لي َ‬
‫من الغــاوين‪ .‬وان جهنــم لموعــدهم أجمعيــن‪.‬‬
‫لها سبعة ابواب لكل باب منهم جزءّ مقســوم‬
‫‪ /  28-42‬الحجر‬

‫]قل هو نبأ عظيم‪ .‬أنتــم عنــه معرضــون‪ .‬مــا‬ ‫‪-2‬‬


‫كان لي من علم بالمل العلــى إذ يختصــمون‪.‬‬

‫أ‬
‫‪134‬‬

‫ي إل إنما انا نــذير مــبين‪ .‬إذ قــال‬


‫ان يوحى ال ّ‬
‫ربك للملئكة اني خالق بشرا ً من طيــن‪ .‬فــإذا‬
‫ســويته ونفخــت فيــه مــن روحــي فقعــوا لــه‬
‫ساجدين‪ .‬فسجد الملئكة كل ُ ُ‬
‫هــم اجمعــون‪ .‬إل‬
‫إبليس أستكبر وكــان مــن الكــافرين‪ .‬قــال يــا‬
‫ي‬
‫إبليس مــا منعــك ان تســجد لمــا خلقــت بيــد ّ‬
‫أستكبرت أم كنت من العــالين‪ .‬قــال انــا خيــر‬
‫منه خلقتني من نار وخلقته مــن طيــن‪ .‬قــال‬
‫فــاخرج منهــا فانــك رجيــم‪ .‬وان عليــك اللعنــة‬
‫ب فــانظرني إلــى يــوم‬
‫إلى يوم الدين‪ .‬قال ر ّ‬
‫يبعثون‪ .‬قال فانــك مــن المنظريــن إلــى يــوم‬
‫الــوقت المعلــوم‪ .‬قــال فبعزتــك لغــوينهم‬
‫أجمعيــن‪ .‬إل عبــادك منهــم المخلصــين‪ .‬قــال‬
‫لن جهنم منك وممن‬ ‫فالحق والحق أقول‪ .‬لم ّ‬
‫ّ‬
‫تبعك منهم أجمعين‪ .‬قل ما اسألكم عليه مــن‬
‫أجر وما انا من المتكلفين ‪/  67- 85‬ص‪.‬‬

‫ســؤال‪ :‬قــوله فــي صــاد )اســتكبر وكــان مــن‬


‫ه بحيــث تبقــى )كــان(‬
‫الكافرين( كيــف توضــح ّ‬

‫أ‬
‫‪135‬‬

‫عاملــة وتفيــد الماضــي وينســجم ذلــك مــع‬


‫التسلسل المذكور؟‬

‫الجواب‪ :‬فسجد الملئكــة كلهــم أجمعــون بنفــس‬


‫المر الول ولم يحتــاجوا إلــى أمــر جديــد لن‬
‫المسجود له هو البشــر الموعــود بــالظهور إل‬
‫إبليس أستكبر بالماضي القريــب‪ .‬وقــد ظهــر‬
‫ده الن و )كــان( قبــل ذلــك‬
‫استكباره على أش ّ‬
‫من الكــافرين بهــذا البشــر المنكــر لفضــليته‬
‫قبل ظهوره ثم )كان( قد كفر قبل ذلك إذ لم‬
‫يسجد لبيــه الــذي ســبقه فــي الظهــور )آدم(‬
‫فبقيــت )كــان( هنــا عاملــة بــل ومؤيــده لهــذا‬
‫الترتيب‪.‬‬

‫ســؤال‪ :‬أراك ذكــرت آيــات ســبقت القصــة وآيــة‬


‫زيادة على القصة هل تــرى لــذلك علقــة بمــا‬
‫ذكرناه؟‬

‫الجــواب‪ :‬بــالطبع هنــاك علقــة واضــحة بــأدنى‬


‫تأمل‪ .‬فهو يأمره أن يقول ان هناك نبأ عظيم‬
‫ورون‬
‫انتــم عنــه معرضــون انــه اكــبر ممــا تص ـ ّ‬
‫أ‬
‫‪136‬‬

‫ي‪ .‬ل علــم لــي‬


‫لكني اقتصر على ما يوحى إلــ ّ‬
‫بالمل العلــى إذ يختصــمون فــي شــأني ومــع‬
‫ي بشيء سوى اني نــذير ثــم‬‫ذلك فاني ل ادع ّ‬
‫ه ل خلــق‬ ‫جاء سرد القصة فهي إذن قصة خلق ِ‬
‫آدم ‪ -‬فإذا انهى القصة عاد المر إليه )ق ْ‬
‫ل( ‪-‬‬
‫ه القصة إذ ل قدرة‬
‫ل يمكن ان أتكلف مثل هذ ِ‬
‫لي عليها مقابل الرب الذي ُيهلك من يفــتري‬
‫عليه ول قدرة لي عليها في عالم الخيــال ول‬
‫قدرة لــي عليهــا فــي ان أجريهــا مجــرى كلم‬
‫الرب ول اطلب أجرا ً منكم فاختلق مثلها‪.‬‬

‫ود الملئكة لدم‪ ،‬ثــم عصــيانه‬


‫س سج ُ‬
‫سؤال‪ :‬أ لي َ‬
‫المــر اللهــي بشــيء متنــاقض ‪ -‬إذ قــام آدم‬
‫و شــيء لــم‬
‫هــ َ‬
‫بعصيان واضح ذكــره القــرآن و ُ‬
‫ولن يفعله الملئكة لقوله تعالى ‪‬ل يعصــون‬
‫الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ‪ .‬فكيــف‬
‫يأمر اللــه مــن ل يعصــي أبــدا ً ان يســجد لمــن‬
‫يتوقع منه العصيان؟؟‬

‫أ‬
‫‪137‬‬

‫الجواب‪ :‬نعم‪ .‬ان جوهر الفكر الديني إنما يكمــن‬


‫في فهم هذه المسألة‪ .‬طبيعــة هــذا العصــيان‬
‫ونوعه‪ ،‬والشيء المتجاوز عليه أي )الشــجرة(‬
‫فالجابة ل يمكن تلخيصها مــا لــم نفهــم أول ً‬
‫طبيعة الشجرة ومن ثم نوع العصــيان ليــزول‬
‫التنــاقض الظــاهري وننفــذ منــه إلــى المعنــى‬
‫الصــحيح للكفــر والشــرك والعصــيان خلفــا ً‬
‫للمفاهيم المتسالم عليها‪.‬‬

‫سؤال‪ :‬فلنبدأ إذن بتوضيح ذلك؟‬

‫الجواب‪ :‬لنبدأ على بركة الله‪.‬‬

‫أ‬
‫‪138‬‬

‫عــــــام‬ ‫‪24‬‬
‫و )الشــجرة(‪ .‬وقــد‬
‫هـ َ‬
‫صــية ُ‬
‫إن موضوع المع َ‬
‫تــاب اللــه عليــه بعــد ان )تلقــى آدم مــن ربــه‬
‫كلمات(‪.‬‬

‫فعلينـــا إذن أدراك العلقـــة بيـــن موضـــوع‬


‫العصيان وموضوع التوبة‪ .‬إذ مــن المعلــوم ان‬
‫لكــل ذنــب عقوبــة ولكــل تجــاوز توبــة معينــة‬
‫فــالمرء مثل ً إذا تجــاوز علــى حــق الغيــر مــن‬
‫ناحية )المال( ‪ -‬فان التوبة مشــروطة باعــادة‬
‫المــال أول ً لصــاحب الحــق‪ ،‬فل تقبــل التوبــة‬
‫والحق لم يرجع لصاحبه بعد‪.‬‬

‫إذن فاسباب التوبة لها علقة اكيــدة بنــوع‬


‫المعصية ‪ -‬وعليه فهناك علقــة بيــن الكلمــات‬
‫والشجرة‪.‬‬

‫ما كان كل )أمر( إلهي ل يمكن ان يكون‬‫ول ّ‬


‫)عبثًا( فان المر الصادر لدم بعدم الكل مــن‬

‫أ‬
‫‪139‬‬

‫الشجرة ليس اختبارا ً أو )فخًا( منصوبا ً لــه ول‬


‫و تنفيذ لرغبة عدوه إبليس‪ .‬انــه أمــر حكيــم‬
‫ه َ‬
‫ُ‬
‫مســتقل بنفســه‪ -‬بمعنــى آخــر‪ :‬ان العبوديــة‬
‫و في تنفيذ هذا المر ‪ -‬فللشجرة‬
‫ه َ‬
‫والخضوع ُ‬
‫علقـــة بالتوحيـــد يتـــوجب علينـــا كشـــفها‬
‫ويساعدنا على ذلك الحل القصدي للغة الــذي‬
‫يعيــد لنــا المعنــى الحركــي للفــظ القرآنــي‬
‫والذي بدونه يظهــر المجــاز فــي القــرآن كمــا‬
‫اثبتناه سابقا ً في كتاب )النظام القرآني(‪.‬‬

‫اننا نلحظ مثل ً ان الله ل يمكــن معرفتــه ‪-‬‬


‫ف وقد وردت آية المشكاة‬
‫إل في كونه ل ُيعر ُ‬
‫التي تــذكر ان )اللــه نــور الســموات والرض(‬
‫وضــربت مثل ً لنــوره بالمشــكاة المؤلفــة مــن‬
‫أجزاء معينة وهذه الجزاء توقد من شجرة‪.‬‬

‫ليــس ثمــة مجــازات ول رمــوز فــي النــص‬


‫القرآنــي إنمــا هــي حقــائق مجــردة‪ .‬ســوف‬
‫نلحظ في البحاث التية العلقة ما بين هــذه‬
‫اللفــاظ كالشــجرة والكلمــة والنــور والضــياء‬
‫أ‬
‫‪140‬‬

‫لكشــف طبيعــة الشــجرة‪ .‬وســوف نــدرك مــن‬


‫خلل ذلــك أننــا جميعــا ً مبتلــون بالكــل مــن‬
‫حـــده وان )الشـــجرة(‬
‫الشـــجرة وليـــس آدم و َ‬
‫الغائبــة عنــا الن ل نأكــل منهــا وحســب بــل‬
‫نعتدي عليها قطعا ً وهزا ً وركوبا ً علــى ســاقها‬
‫وضربا ً على أغصانها! ولم نقــدم لهــا شــيئًا‪. .‬‬
‫بل نوقد تحتها نارًا‪. .‬‬

‫أ‬
‫‪141‬‬

‫العلقــــــة بيــــــن‬ ‫‪25‬‬


‫الكلمة والشجرة‬
‫أرتبــط مثــل المشــكاة بالشــجرة المباركــة‬
‫فعلينا في البــدء معرفــة هــذه الشــجرة وهــذا‬
‫يقودنا إلى علقتها بالكلمة ‪ -‬ففــي موضــعين‬
‫من القــرآن ارتبطــت الكلمــة بالشــجرة حيــث‬
‫أصــبحت الشــجرة مثل ً للكلمــة فهــذا مفتــاح‬
‫ي للتعرف على الكلمة مــن خلل الشــجرة‬
‫أول ّ‬
‫وهذان الموضعان هما قوله تعالى‪:‬‬

‫]مثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة ‪ ‬وقوله‬


‫قبل ذلك‪:‬‬

‫]ألم تر كيف ضرب الله مثل ً كلم ً‬


‫ة طيبة‬
‫ة طيبة؟ ‪ 24-26 /14‬‬
‫كشجر ٍ‬
‫جــرت العــادة علــى اعتبــار الكلمــة مرادف ـا ً‬
‫للفظ أو المفردة‪.‬‬

‫أ‬
‫‪142‬‬

‫ونحــــن فـــي بحوثنـــا الســـابقة أبطلنـــا‬


‫المرادفات علــى جميــع المســتويات‪ .‬وتحــدثنا‬
‫كــذلك عــن النظــام القرآنــي ‪ -‬ممــا يســتلزم‬
‫م ا ً لكل لفظ مستعمل فيــه فنلحــظ‬
‫تحديدا ً عا ّ‬
‫هنـــا ان الجمـــع )كلمـــات( ‪ -‬والجمـــع )كلم(‬
‫م( ‪ -‬جموع مستعملة فــي القــرآن‬
‫والجمع )كل ِ ّ‬
‫فيحكمهــا إذن النظــام القرآنــي ولــن تكــون‬
‫مترادفة أو بمعنى واحد‪.‬‬

‫فأول شــيء نلحظــه ان هنــاك مــن حــاول‬


‫تبديل كلم الله‪:‬‬

‫]يريدون ان يبدل ّ‬
‫وا كلم الله ‪ 15/48‬‬
‫بل قام البعض بذلك فع ً‬
‫ل‪:‬‬

‫]وقد كان فريق منهم يسمعون كلم الله ثم‬


‫ونه ‪ 75/2‬‬
‫يحرف ّ‬
‫وبعضهم يحاكي أسلوبه بكلم من عنده‪:‬‬

‫]وان منهم لفري ً‬


‫قا يلوون ألسنتهم بالكتاب‬
‫لتحسُبوه من الكتاب ‪ 78/3‬‬

‫أ‬
‫‪143‬‬

‫و )اللفــاظ( المصــاغة فــي‬


‫هـ َ‬
‫فالكلم إذن ُ‬
‫عبــارات وجمــل برمــوز صــوتية فــي لغــة مــن‬
‫اللغات‪.‬‬

‫ما )الكلمات( ‪ -‬فيقرر لنــا القــرآن أنهــا ل‬


‫ا ّ‬
‫تتبدل ول يمكن تغييرها‪:‬‬

‫]ل تبديل لكلمات الله ‪ 64/10‬‬

‫]ول مبدل لكلمات الله ‪ 34/6‬‬

‫فــي اليــة الولــى نفــى إمكانيــة التبــديل‪.‬‬


‫ولكن قد يزعم البعض ان هذا عبارة عــن أمــر‬
‫ث ول ُ‬
‫فســوق ‪ ‬علــى طريــق‬ ‫مثــل ‪‬لر َ‬
‫فـــ َ‬
‫ت لــك اليــة الثانيــة الــتي‬
‫العتباط‪ ،‬لذلك ذكر ُ‬
‫دل( أيضًا‪.‬‬‫تنفي وجود )المب ّ‬
‫إذن فالمجموعة الولــى مــن اليــات تؤكــد‬
‫حدوث التبديل في )كلم اللــه( ‪ -‬والمجموعــة‬
‫الثانية تؤكد عدم حصــول التبــديل واســتحالته‬
‫في )كلمات الله( وإذن فالكلم غير الكلمــات‬

‫أ‬
‫‪144‬‬

‫مــا الكلمــات‬
‫دل أ ّ‬
‫فالكلم‪ -‬ألفاظ يمكــن ان تب ـ ّ‬
‫دل‪.‬‬
‫فل تتب ّ‬
‫هــذا يقودنــا إلــى العتقــاد بــان الكلمــات‬
‫)موجــودات( مشخصــة ولــذلك جمعهــا علــى‬
‫)كلمات( ‪ -‬لنك لو قلت )ألفاظ( فاللفــاظ ل‬
‫تدل علــى معنــى مفهــوم مــا لــم تــترابط مــع‬
‫بعضها فالكلم شيء مترابط مع بعضه البعض‬
‫في الزمان وتلك هي هيئته اما الكلمات فهي‬
‫موجودات متفرقة في الزمان‪.‬‬

‫نلحظ أيضا ً ان الله ســبحانه وصــف كلمــه‬


‫بأنه )حق(‪ .‬ولكنه قال أيضًا‪:‬‬

‫ق بكلماِته ‪ 7/8‬‬ ‫]ويريد الله ا ْ‬


‫ن ُيحق الح َ‬
‫فقد يزعم زاعــم ان )الحــق( شــيءّ ذهنــي‬
‫في الخارج وان الله يريد ان ُيح ّ‬
‫قه عن طريق‬
‫القرآن ‪ -‬فهذا خطأ فاحش لن الحق لــو كــان‬
‫موجودا ً في الخارج لكــان متحققــا ً فل يحتــاج‬
‫إلى تحقيق واذا كان الحــق فكــرة وهــدف لــم‬

‫أ‬
‫‪145‬‬

‫يتحقق بعد وإنمــا هــو ذهنــي فقــط فهــو إذن‬


‫الحق الذي أمر الله به أي هو )كلم الله( وهو‬
‫إذن يحتاج إلى تحقيق في الخارج عن طريــق‬
‫)كلماته(‪ .‬وإذن فكلمات الله موجودات فعليــة‬
‫قادرة على تحقيق الحق الذي في كلمه‪.‬‬

‫فإذا حاول أحد شرح النص بطريقــة أخــرى‬


‫تناقض لن المعنى سيكون‪ :‬انه يريــد إحقــاق‬
‫كلماته بكلمــاته إذا اعتــبرت الكلمــات والكلم‬
‫سواء‪.‬‬

‫ده )كلمــة(‪ ،‬ولمــا‬


‫ع( ومفــر ُ‬
‫الكلمــات )جمــ ّ‬
‫كانت الكلمات موجــودات فعليــة وبعضــها مــن‬
‫البشر أو )النسان( فقد استعملت لــذكر هــذا‬
‫الكائن‪:‬‬

‫ح‬
‫ه المسي ُ‬
‫ة منه اسم ُ‬ ‫]ان الله يبشّر ِ‬
‫ك بكلم ٍ‬
‫عيسى بن مريم ‪ 45/3‬‬

‫المسيح إذن )كلمة( من الله‪.‬‬

‫أ‬
‫‪146‬‬

‫والكلمـــــات موجـــــودات فبعـــــض هـــــذه‬


‫الموجودات شخوص‪ ،‬فالكلمات إذن خلــق مــن‬
‫خلق الله وليست تعاليم يمكن تحريفها‪.‬‬

‫لذلك أصبح هذا الخلــق هــو الضــمانة لعــدم‬


‫وقـــوع تحريـــف ‪ -‬وهـــي ضـــمانة احتجـــاج ‪-‬‬
‫فالتعــاليم المــذكورة بطريــق )اللغــة( تح ـّرف‬
‫وتبـــدل والضـــمانة لعـــدم وقـــوع التحريـــف‬
‫والتبــديل هــو )الكلمــات( أي الشــخوص لن‬
‫تحديد شخص يحمل كلم اللــه للنــاس ضــمانة‬
‫فعلية ‪ -‬فالشخص ل يمكن تبديله مــع الدعــاء‬
‫انه هو بعينه‪.‬‬

‫نعم يمكن قتله أو تنحيته عــن منصــبه فــي‬


‫)إمامــة( الخلــق ويمكــن عصــيانه لكــن مــن‬
‫المحال )تزويره( !‬

‫فإذا وقــع القتــل أو العصــيان ‪ -‬فقــد وقــع‬


‫بالمقابل ظهور مجموعة أخرى حتى لو كانت‬
‫أقل ي ّــة وهــذا هــو المطلــوب إذ المطلــوب مــن‬

‫أ‬
‫‪147‬‬

‫الختبار اللهي هو التمييز والفــرز ‪ -‬فالحيــاة‬


‫الدنيا خلقت لهذا الغرض البتدائي‪:‬‬

‫]والذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم‬


‫أحسن عمل ً ‪ 3/67‬‬

‫الخلق يحدث على شكل أطوار ويكتمل بعد‬


‫حين‪ .‬بينما كل كلم الله فهــو تــام لنــه يعــبر‬
‫عن حقيقة معينة‪.‬‬

‫إذن فــالكلم تــام مــن اصــله أمــا )الكلمــة(‬


‫فتحتاج إلى إتمام‪ ،‬وكذلك الكلمات )الجمع(‪:‬‬

‫]وتمت كلمة ربك صدقا ً وعدل ‪ 115/6‬‬

‫]وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتم ّ‬


‫هن ‪‬‬
‫‪124/2‬‬

‫ومن هنا ترتبط )الكلمات( التي توسل بهــا‬


‫آدم بموضــوع أســماء )الموجــودات( لن تلــك‬
‫الكلمـــات هـــي فـــي الواقـــع )موجـــودات( أو‬
‫)شــخوص( مــن كائنــات الهيــة‪ ،‬لــذلك ارتبــط‬
‫السجود بمسميات معينة لشخوص‪:‬‬

‫أ‬
‫‪148‬‬

‫]أنبئوني بأسماء هؤلء ان كنتم صادقين ‪‬‬


‫‪21/ 2‬‬

‫ذلك لن السماء كانت مرتبطــة بمجموعــة‬


‫قد أشار إليهم بصيغة العاقل مرتين مرة في‬
‫)أسماء هؤلء( ومرة في الضمير‪:‬‬

‫]وعلم آدم السماء كلها ثم عرضهم على‬


‫الملئكة ‪ 21/ 2‬‬

‫فبحسب نظام المجموعات وقواعد عائديــة‬


‫الضــمائر فــي منهجنــا تكــون )أســماء هــؤلء(‬
‫مجموعة صغرى ضــمن )الســماء كلهــا( الــتي‬
‫هي مجموعة كبرى‪.‬‬

‫ومن هنا أيضا ً ارتبطت الواقعة بالشجرة‪.‬‬

‫حيث التجاوز على الشجرة بالكل هو عين‬


‫التجــاوز علــى )الكلمــة( والــتي هــي )مش ـّبه(‬
‫للشجرة فالشجرة في آيتين هي مث ّ‬
‫ل للكلمة‪.‬‬
‫وبصورة أدق هي المشابه لمثل الكلمة ‪‬مث ُ‬
‫ل‬
‫كلمة طيبة كشجرة طيبة ‪.‬‬

‫أ‬
‫‪149‬‬

‫ولما كانت الكلمات خلق من خلق الله فقد‬


‫جرى عليها نفس الحكم في الخلق فقد رأيت‬
‫ان هناك كلمات طيبة وأخرى خبيثة‪.‬‬

‫كــذلك فهنــاك كلمــة للــه أو )مــن اللــه( ‪-‬‬


‫وه مثـل‪:‬‬
‫وأخرى منسوبة لعد ّ‬
‫‪.40/9‬‬ ‫]كلمة الذيـن كفــروا ‪‬‬

‫‪.74/9‬‬ ‫]كلمة الكفر ‪‬‬ ‫أو‬

‫كذلك فحكمهما في استحالة التبــديل مثــل‬


‫حكم الخلق حيث ل مخلوق يقدر علــى تبــديل‬
‫مخلوق‪:‬‬

‫]ل تبديل لكلمات الله ‪ 64/10‬‬

‫]ل تبديل لخلق الله ‪ 30/30‬‬

‫كلمات الله ‪ -‬المنسوبة لله تعالى هــي إذن‬


‫خلق من خلق الله لكنه خلــق طــاهر وأنمــوذج‬
‫للقتـــداء وهـــو خلـــق مصـــطفى ‪ -‬بحيـــث ان‬
‫التصديق به هو تصديق للــه ولمــا كــان الخلــق‬
‫يخطئون ويذنبون ولما كان بعض الخلــق وهــو‬
‫أ‬
‫‪150‬‬

‫الكثر )يكفرون( ولما كــان مصــدر الكفــر هــو‬


‫)اتباع غير الله( ‪ -‬عن قصد وتعمد وعناد فقــد‬
‫أصبح تصديق هذا الخلــق الطــاهر تنفيــذ لمــر‬
‫الله ووعد الله‪.‬‬

‫تظهـــر العلقـــة مـــن حيـــث ان )ســـجود‬


‫الملئكة لدم( علمة علــى الطاعــة والذعــان‬
‫للمر اللهي‪.‬‬

‫فثمة تمييز آخر لولد آدم يجري على نفس‬


‫الشاكلة‪ .‬بيــد انــه أشــد صــرامة وأقصــى فــي‬
‫الختبار‪ .‬آدم بالنسبة للملئكة جنس خلق آخر‬
‫مختلــف عنهــم امــا آدم نفســه فقــد جــرى‬
‫اختبارهُ )بكلمات( من جنسه‪.‬‬

‫وكذلك جــرى الختبــار نفســه لجميــع ذريــة‬


‫آدم ‪ -‬فليس آدم وحده هــو الــذي يجــري عليــه‬
‫اختبار الكل من الشجرة أو القــتراب منهــا ‪-‬‬
‫فالحقيقة ان هذا الختبار مستمر إلــى اليــوم‬
‫‪ -‬وطريق تجنب المعصــية هــو نفــس الطريــق‬

‫أ‬
‫‪151‬‬

‫أي التصديق بكلمــات ‪ -‬الشــخوص المــذكورين‬


‫والذين هم في الواقع شجرة‪:‬‬

‫قال تعالى في وصف مريم عليه السلم‪:‬‬

‫]وص ّ‬
‫دقت بكلمات ر ّبها وكتبه وكانت من‬
‫القانتين ‪. 12/ 66‬‬

‫فهنــا يــبرز التغــاير بيــن الكلمــات والكلم‬


‫واضحًا‪.‬‬

‫دم‬
‫فكل كلم الله موجود في كتبه‪ .‬لكنه قــ ّ‬
‫عرضـــة‬
‫الكلمـــات علـــى الكتـــب لن الكتـــب ُ‬
‫ة لظهــور‬
‫عرضــ ّ‬
‫للتحريف أو عدم الفهم ‪ -‬بــل ُ‬
‫ســر كلم اللــه علــى الهــوى ‪-‬‬
‫)النا( الــذي يف ّ‬
‫فيتوجب أول ً تطهير )النا( بالذعان والطاعة‬
‫ذ يتمكن المرء من‬
‫للكلمات وتصديقها ‪ -‬فعندئ ٍ‬
‫تصــديق مــا يجيــء بــه الكتــب‪ .‬فالكلمــات إذن‬
‫شخوص إذ ل يمكن تبديلهم‪.‬‬
‫دم الك ُ‬
‫فـــر )بالطـــاغوت( علـــى‬ ‫كـــذلك قـــ ّ‬
‫اليمان بالله‪ ،‬لن الطــاغوت كمــا ســنرى هــو‬

‫أ‬
‫‪152‬‬

‫)كلمــة الكفــر( ‪ -‬فــالكفر بــه ابتــداءً شــرط‬


‫لليمان‪:‬‬

‫]فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد‬


‫استمسك بالعروة الوثقى ‪ 256/2‬‬

‫فــي هــذه الحالــة يكــون اليمــان شــديدا ً ل‬


‫ى‬
‫عراه لنه مّر باختبار )الطاعة( وتخل ّ‬
‫تنفصم ُ‬
‫عن )النا( من خلل الكفر بالكلمة الخبيثة‪:‬‬

‫]فقد استمسك بالعروة الوثقى ل انفصام‬


‫لها ‪. 256/ 2‬‬

‫الطـــاغوت )كلمـــة( الـــذين كفـــروا‪ .‬وهـــم‬


‫قادتهم والولية لهم‪.‬‬

‫و)كلمــات اللــه( هــم قــادة الــذين آمنــوا‬


‫والولية لهم‪:‬‬

‫]والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت‬


‫‪76/4‬‬ ‫‪‬‬

‫]والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت ‪‬‬


‫‪257/2‬‬
‫أ‬
‫‪153‬‬

‫كــذلك قــدم اجتنــاب الطــاغوت والكفــر بــه‬


‫على النابة إلى الله‪:‬‬

‫]والذين اجتنبوا الطاغوت ان يعبدوها‬


‫وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد ‪‬‬
‫‪.17/39‬‬

‫لن النابة الفعلية ل تتحقق قبــل المــرور‬


‫باختبــار )الســماء( أو الشــخوص الــذين هــم‬
‫)كلمــات اللــه(‪ -‬والدعــاء ل يكفــي فكــثيرون‬
‫ون‬
‫عون موالة )كلمات الله( وكثيرون يــدع ّ‬
‫يد ّ‬
‫تصديقهم للكلمات إنما الختبــار الفعلــي هــو‬
‫)الكفر( بكلمات الذين كفروا و)اجتنابهم(‪.‬‬

‫اااااا ااااا ااااا‬

‫ويبقـــى هنـــا إشـــكال محتمـــل هـــو ان‬


‫صــل مــن‬
‫)الشجرة( إذا كانت ذرية أو نسب مت ّ‬
‫كلمــات فالكــل مــن الشــجرة شــيء ل يمكــن‬
‫تفسيره إذ الكل المعهود هــو مــا نعرفــه مــن‬
‫إدخال للطعام في المعدة عن طريق الفم‪.‬‬

‫أ‬
‫‪154‬‬

‫دية فل‬
‫إذ كان المرء قد قــرأ أبحاثنــا القص ـ ّ‬
‫إشكال هنا بل الشكال هنا في اســتعمال أي‬
‫لفظ آخر‪ .‬وببساطة فانك إذا قبلــت ان تكــون‬
‫)الشــجرة( ذريــة فلمــاذا ل تقبــل ان يكــون‬
‫)الكل( عاما ً أيض ـا ً بمعنــى اســتعمال الشــيء‬
‫للستهلك البدني والروحي؟‬

‫لكننا ذكرنا في تلك البحاث أشياء منها‪:‬‬

‫الول‪ :‬إن لكل تعاقب صوتي حركة عامــة تخصــه‬


‫وحده ولذلك فان لكل لفظ أصل حركي‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬إن الستعمال الجــاري والــذي جــرى هــو‬


‫جزء من هذه الحركــة العامــة فنحــن ل نــؤمن‬
‫بالمجاز‪ ،‬ومحتمل أيضا ً ان يكون خارجها فهــو‬
‫إذن خاطئ ولكن ذلك يندر حصوله‪.‬‬

‫الثـــالث‪ :‬إن الســـتعمالت العامـــة للنـــاس بـــل‬


‫)والعاميـــة المعاصـــرة ( اصـــدق فـــي تحديـــد‬
‫المعنى الحركي العام مما يدعيه علماء اللغــة‬

‫أ‬
‫‪155‬‬

‫‪ -‬فقد برهنا على جهل عظمائهم باللغــة فــي‬


‫ثلثة كتب سابقة‪.‬‬

‫والن لحظ قول القــائل ‪ -‬والــذي ســمعته‬


‫فــي حياتــك مــرات عديــدة‪" :‬فلن يريــد ان‬
‫يأكلني" ‪" -‬فلن أكلني وشربني"‪.‬‬

‫ويقول القائل أيضا ً محذرا ً "إياك إياك فان‬


‫لحمي مر المذاق"‪.‬‬

‫والتعــبير قــديم جــدا ً فقــد قــال إعرابــي‬


‫جــاهلي يصــف لحمــه‪" :‬مــّر مــذاقته كطعــم‬
‫ل" ‪ -‬مــن شــعر عنــترة العبســي‪ ،‬وذلــك‬
‫الحنظ ِ‬
‫في تحذير للعدو من ان يأكله‪.‬‬

‫ومعلوم ان المتلقي يفهم دوم ـا ً فــي مثــل‬


‫تلــك العبــارات ان الكــل فيهــا ليــس إدخــال‬
‫الطعام إلى الفم ومن ثم إلى المعدة‪ .‬بل هو‬
‫استعمال طاقات المقابل بطريقة اســتبدادية‬
‫بحيث يظهر الفاعل )أناني ًا( إلى ابعد حد‪.‬‬

‫أ‬
‫‪156‬‬

‫سيقول علماء اللغة هذا إذن مجــاز؟ فقــل‬


‫لهــم وأيــة صــفحة مــن كتــاب اللــه خلــت مــن‬
‫مجــازاتكم؟ فليكــن ذلــك واحــدا ً مــن ألــوف‬
‫مجازاتكم‪.‬‬

‫والخلف بيننا أننا نعتقد ان الكل المعهود‬


‫هو أحد اســتعمالت الفعــل )أكــل( ومــع ذلــك‬
‫فانهم يقولون )الحديــد متآكــل(‪ ،‬ول يقولــون‬
‫هو مجاز ويقولون )تآكل الجدار( ول يقولــون‬
‫مجاز! أن للنهي عن الكل من الشجرة معنى‬
‫وهذا المعنى على الحركة العامة للفعل ‪ -‬هــو‬
‫البتعاد عــن الشــجرة وعــدم التفكيــر بجعلهــا‬
‫طعاما ً ‪ -‬إذ المطلوب منه هو العكــس وهــو ان‬
‫دم لهــا مــا لــديه‬
‫يكون بخدمة الشجرة وان يق ـ ّ‬
‫مــن طاقــات فــإذا فعــل ذلــك فســتكون هــي‬
‫ي والتسامي إلى الملــك‬
‫طاقته الفعلية للترق ّ‬
‫الواسع والخلود‬

‫وتلك فتنة فاراد بلوغ الملــك والخلــود عــن‬


‫طريـــق اســـتغلل الشـــجرة بينمـــا الطريـــق‬
‫أ‬
‫‪157‬‬

‫المــأمور باتبــاعه لبلــوغ الملــك والخلــود هــو‬


‫العكس من ذلك تمام ـا ً وهــو ان يكــون موضــع‬
‫استغلل للشجرة‪.‬‬

‫أل تــراه وصــف الكــل مــن الشــجرة بــأنه‬


‫ُ‬
‫ظلم؟‬

‫لو كانت شجرة نباتية لكــان الكــل عصــيان‬


‫وحسب! لنك حينما تقوم باســتغلل مــن هــو‬
‫أعلى منك قدرا ً ومرتب ً‬
‫ة ومــن يجــب ان تكــون‬
‫أنت في خدمته فتجعله في خدمتك ‪ -‬حاشــاك‬
‫‪ -‬فهذا منك ظلم‪.‬‬

‫وما دام هناك ظلم فهناك )مظلوم( ‪ -‬ولــو‬


‫كــانت المعص ـّية واقعــة علــى أمــر إلهــي غيــر‬
‫متعلــق بمخلــوق أو )كلمــة( مقابــل آدم لمــا‬
‫وصفه بالظلم ‪ -‬لن الطــرف الخــر هــو اللــه‪،‬‬
‫ول يمكن وصفه بانه مظلوم؟!‬

‫ة أنبهك إليها‪:‬‬
‫ة دقيق ّ‬
‫ه مسأل ّ‬
‫فهذ ِ‬

‫أ‬
‫‪158‬‬

‫]وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكل‬


‫منها رغدا ً حيث شئتما ول تقربا هذه الشجرة‬
‫فتكونا من الظالمين ‪. 35/ 2‬‬

‫وقد يقول قائل‪:‬‬

‫)المظلوم هو النفس( كما في قوله ‪‬ر ّ‬


‫ب‬
‫ت نفسي ‪.‬‬
‫اني ظلم ُ‬
‫وهذا خلط بين أمريــن‪ :‬فكــل معصــية هــي‬
‫م للنفــس بدرجــة مــا‪ .‬ولكــن حينمــا يصــف‬
‫ظل ّ‬
‫القرآن رجل ً )بالظلم( وبهذه الصفة المطلقة‬
‫فهناك مظلوم في الخارج غير النفس‪.‬‬

‫فان قلــت فقــول يــونس ‪‬إنــي كنــت مــن‬


‫الظالمين ‪‬‬

‫فالجواب ان هناك ظلم تحقق وقوعه فــي‬


‫مه إذ ذهــب مغاض ـا ً لنــه‬
‫م قــو َ‬
‫الخارج فقد ظل َ‬
‫تعالى يعلم انهم سيؤمنون وقد آمنوا بالفعل‬
‫و)نفعهم إيمانهم(‪.‬‬

‫أ‬
‫‪159‬‬

‫]فلو ل كانت قرية آمنت فنفعهــا إيمانهــا‬


‫م يونس ‪. 98/ 10‬‬
‫إل قو َ‬
‫فكل ظالم موصوف بهذا اللفظ فهو ظالم‬
‫لنفسه ولمظلوم آخر في الخارج‪.‬‬

‫ولكن ليس كل موصوف بأنه )ظالم نفسه(‬


‫يكون بالضرورة ظالما ً لغيره‪.‬‬

‫ة( الــتي يجــب ان‬


‫فان قلــت فــأين )العصــم ُ‬
‫يتصف بها آدم وموسى ويونس عليه السلم؟‬

‫فهــذا الســؤال وان كــان خــارج موضــوعنا‬


‫الن لكنه سيكون في صــميم الموضــوع فيمــا‬
‫بعد فاكتفي هنا بذكر ثلثة أشياء‪:‬‬

‫ت ومراتـــب بحســـب‬
‫ة درجـــا ّ‬
‫الول‪ :‬أن للعصـــم ِ‬
‫الفراد الذين هم موضوع العصمة‪.‬‬

‫ن العصمة كمرتبة لكل فرد ليست ثابته‬


‫الثاني‪ :‬أ ّ‬
‫وإنما هي دالة متغيرة الدرجة‪.‬‬

‫ن منشأ الفعال له مصدران هما القلب‬


‫الثالث‪ :‬أ ّ‬
‫و مــا‬
‫والعقل ‪ -‬فعصــمة القلــب هــي علــى نح ـ ٍ‬

‫أ‬
‫‪160‬‬

‫واحدة وإنما يحدث التفاوت في عصمة العقل‬


‫ومــن هنــا يختلــف الفعــل الخــارجي الواحــد‬
‫الصــادر مــن شخصــين متفــاوتين جــدا ً فــي‬
‫عصمة‪ .‬وسوف يتوضح المر في محله بأزيد‬
‫ال ِ‬
‫من هذا في موضــوع التفاضــل ‪‬تلــك الرســل‬
‫فضلّنا بعضهم على بعض ‪. 253/2‬‬

‫نعود إلى )الكل(‪:‬‬

‫إذن فالكـــل مـــن الشـــجرة هـــو بمثابـــة‬


‫ســة هــي‬
‫اســتخدام لهــا بينمــا الشــجرة المقد ّ‬
‫التي يجــب ان تســتخدم الخريــن ‪ -‬هــي الــتي‬
‫دد‬
‫تقرر متى تمنحهم من ثمرها وهي التي تح ّ‬
‫مــتى يســتحقون الخلــود والمل ُـــك الــذي )ل‬
‫يبلى(‪.‬‬

‫هي إذن شجرة الحياة وشجرة الملوكية‪.‬‬

‫ف لحــد الملــوك‬
‫ورد في أحد النصوص وص ّ‬
‫بـــالقول‪" :‬نســـل الشـــجرة الملوكيـــة" فهـــو‬
‫بالطبع يحكي معنى )السللة( الملوكية‪.‬‬

‫أ‬
‫‪161‬‬

‫لكن شجرة )آدم( ملوكية بــالمعنى اللهــي‬


‫فان الله تعالى هو الذي منــح الملوكيــة لهــذه‬
‫الســللة‪ ،‬لــذلك نــوهّ الشــيطان علــى هــذه‬
‫المسألة عند محاولته إغواء آدم وزوجه‪:‬‬

‫كما ّ عن هذه الشجرة إل ان‬


‫]ما نهاكما َرب ُ‬
‫تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ‪ 20/7‬‬

‫م َلكيــن( ‪ -‬بفتــح‬
‫التحريــك فــي المصــحف ) َ‬
‫اللم‪ .‬لكــن الملئكــة قــد ســجدوا لدم قبــل‬
‫الغواء فل يمكن إغواءه والتغرير به للوصول‬
‫إلى )مرتبة( هو أعلى منها أص ً‬
‫ل‪.‬‬

‫إذن فالقراءة الصحيحة هي )م ِلكين( بكسر‬


‫اللم ‪ -‬لن الجمــع ســيختلف فــالجمع الجديــد‬
‫)ملــوك( لــم يســجدوا بينمــا الملئكــة ســجدوا‬
‫وذلــك لجعلــه يطمــع بملــك مــن نــوع آخــر لــم‬
‫يحصل عليه الملئكة‪.‬‬

‫هذا ل يمنع ان تكون هناك شجرة محــدودة‬


‫بالفعل داخل الجنة كرمــز للشــجرة الملوكيــة‬

‫أ‬
‫‪162‬‬

‫مهـــا علـــى آدم‪ .‬ان ســـنن اللـــه واحـــدة‬


‫حر ّ‬
‫فالشــجرة – ))أيــة شــجرة مثمــرة عليــك ان‬
‫تخدمها لتقدم لك ثمرهــا ول يمكنــك ان تغّيــر‬
‫ع لهــا‬
‫السنن التي تحكم الشــجرة فــأنت خاض ـ ّ‬
‫شئت أم أبيــت‪ .‬إل تــرى انــك تنتظــر منهــا ان‬
‫تعطيــك الثمــر فــي وقــت محــددّ ل يمكنــك‬
‫تغييره؟ إنها في الواقع هي التي تقــرر مــتى‬
‫تأكل منها‪.‬‬

‫علينـــا إذن أدراك الفـــرق بيـــن الشـــجرة‬


‫العاديــة والشــجرة اللهيــة فالثانيــة مثمــرة‬
‫بصورة دائمة انها مجموعة مخلوقات )كلمــات‬
‫لله( ‪ (( -‬وبالتالي فأنت تنتظر ان تمنحك مــن‬
‫ثمرهــا فهــذا اختيارهــا ل اختيــارك لنــك فــي‬
‫الشجرة العادية مذعن دوما ً بصورة قســرية ل‬
‫تقدر على جعل النخيــل يثمــر فــي الشــتاء أو‬
‫الحنطـــة فـــي الصـــيف‪ ،‬بينمـــا أنـــت مبتلـــى‬
‫بالشجرة اللهية المثمرة دوم ـًا‪ .‬هنــاك تنــاغم‬
‫عــام بيــن التكــوين والتشــريع وينطــوي علــى‬

‫أ‬
‫‪163‬‬

‫اظهــار حمــق النســان حينمــا يخضــع للســنن‬


‫الثابتة مقهورا ً ويرضى بها ول يخضع للســنن‬
‫اللهية التي يمتلــك )حريــة( فــي الخضــوع أو‬
‫العصيان إزاءهــا‪ .‬ان لكلمــات الشــجرة مقام ـا ً‬
‫خاصـــا ً ممنوحـــا ً مـــن اللـــه ‪ ،‬والتعـــدي عليـــه‬
‫وتجاوزه هو استكبار على الله‪.‬‬

‫فمثــل هــذه العمليــة تجــري بوضــوح تــام‬


‫وغالبـــا ً مـــا نلحـــظ أمثالهـــا فـــي حياتنـــا ‪-‬‬
‫فــالموظف العــادي إذا جلــس علــى كرســي‬
‫الــوزير عنــد غيــابه اعتــبر متعــديا ً ‪ -‬مــن حيــث‬
‫يشير هذا الفعل إلــى رغبتــه فــي الســتحواذ‬
‫على مقام أعلى من مقامه‪.‬‬

‫فقد ل يكــون هنــاك أي فــرق فــي كرســي‬


‫الوزير أو مكتبه عن بقية الكراسي واذا حاول‬
‫موظف آخر تبديل الكرسي ليدافع عن صاحبه‬
‫بحجة انه جلــس علــى الول والن فهــو ليــس‬
‫ونه أحمقــا ً ‪ -‬لن الموضــوع‬
‫كرسي الوزير يعد ّ‬
‫ل يتعلـــق بالكرســـي نفســـه بـــل لرتبـــاطه‬
‫أ‬
‫‪164‬‬

‫بالموقع‪ .‬فالموقع قــد أهيــن والتعــدي حصــل‬


‫سواء تبدل الكرسي أو لم يتبدل‪.‬‬

‫دو يريــد ايقــاعه فيمــا‬


‫لقد نسي آدم ان الع ّ‬
‫وقع فيه من قبل وتسّبب في طرده‪.‬‬

‫فآدم والسجود له هو موضــوع إبليــس مــن‬


‫حيث انه استعلى على مقامه ورفض السجود‬
‫و لــه‪ .‬والمفــروض‬
‫لدم فطرد‪ .‬فــآدم الن عــد ّ‬
‫ان يتخــذه عــدوا ً بالمقابــل‪ .‬ويرغــب الن ان‬
‫ي(‬
‫يــوقعه بنفــس الخطــأ ليــبرهن ان )التعــد ّ‬
‫ليس مقصورا ً عليه‪ .‬إذا استطاع البرهنة على‬
‫ذلــك فــالطرد ســيكون إجحاف ـا ً ويتــوجب مــن‬
‫العدل اللهي إنصافه في هذه المسألة‪.‬‬

‫لقــد أســتغل إبليــس فــي محــاوراته الــتي‬


‫ظهرت في النصوص القرآنية ‪ -‬استغ ّ‬
‫ل العدل‬
‫اللهي ابشع استغلل‪.‬‬

‫ءا مـــن صـــفات آدم‬


‫وكـــذلك اســـتغل جـــز ً‬
‫ه ل يفكر بعداوة أحــد مــن الخلــق و‬
‫مها ان ّ‬
‫وأه ّ‬

‫أ‬
‫‪165‬‬

‫الواقـــع ان الشـــيطان ل زال يســـتغل هـــذه‬


‫الصفة في بني آدم‪:‬‬

‫]ألم أعهد إليكم يا بني آدم ان ل تعبدوا‬


‫و مبين ‪. 6 /36‬‬
‫الشيطان أنه لكم عد ّ‬
‫لقد وقع آدم في الفخ وأكل من الشجرة‪.‬‬

‫لكن العدل اللهي اصــدر أمــرا ً لــم يتــوقعه‬


‫إبليس وجنوده وهو طرد المجموعة كلها‪:‬‬

‫]اهبطوا منها بعضكم لبع ٍ‬


‫ض عدو ولكم في‬
‫الرض مستقر ومتاع إلى حين ‪ 24 / 7‬‬

‫]قلنا أهبطوا منها جميعا ً ‪ 38 /2‬‬

‫فــي حيــن كــان يتوقــع ان آدم إذا أطــاعه‬


‫وارتكــب هــذا النــوع مــن )الســتكبار( علــى‬
‫السللة الملوكية ومقامها فــانه ســيفلح فــي‬
‫التســبب بطــرد آدم أمــا هــو فــالمفروض ان‬
‫و عام وإعادة إلى مقــامه الول‬
‫يصدر عنه عف ّ‬
‫لنه يتم بذلك البرهنــة علــى ان الكــائن الــذي‬
‫ض السجود له كان ل يستحق السجود فعل ً‬
‫رف َ‬

‫أ‬
‫‪166‬‬

‫وإذن فرفضه منطقي وله ما يبّرره ‪ -‬ومن ثم‬


‫لم يكن هذا الرفــض عصــيانا ً للــه ول متوجه ـا ً‬
‫إليه بل يخص موضوع الســجود‪ -‬آدم والــذي ل‬
‫يستحق السجود وفق هذا البرهان العملي‪.‬‬

‫أيــن يكمــن الفــرق إذن بيــن معصــية آدم‬


‫ومعصية إبليس؟ ولماذا خسر إبليس في هــذا‬
‫الرهان؟‬

‫والســؤال الخــر لمــاذا لــم يعــترض علــى‬


‫الطــرد الجديــد والحكــم المخــالف لتوقعــاته‬
‫ولماذا استعاض عنــه بتقــديم مطــاليب أخــرى‬
‫غريبــة عــن الموضــوع الصــلي؟ الحقيقــة ان‬
‫جوهر الديانات السماوية كلها يكمن في هــذه‬
‫المسألة‪.‬‬

‫وأكــثر مــن ذلــك ان الجنــة والنــار وطبيعــة‬


‫الحساب إنما يكمن في هذه المسألة‪.‬‬

‫وأكثر من ذلك ان عدم فهم هــذه المســألة‬


‫ل تنفع معه عبادة ومــع فهمهــا جيــدا ً ل تض ـّر‬

‫أ‬
‫‪167‬‬

‫أيــة معصــية مهمــا كــبرت مــا لــم تكــن تلــك‬


‫المعصية هي عــدم التفريــق بيــن معصــية آدم‬
‫ومعصية إبليس عن قصد سابق‪ .‬بالمكـــان ان‬
‫اذكر لك الجابة فورا ً ولكنــي ســأذكرها لــك ‪-‬‬
‫بالتوســع بالمثــال الســابق )جلــوس الموظــف‬
‫ور المــر‪.‬‬
‫علــى كرســي الــوزير( ليمكنــك تص ـ ّ‬
‫لنفرض ان الوزير طرد موظف ـا ً لنــه ل يقــوم‬
‫واب لــم‬
‫ب الــوزير‪ .‬والب ـ ّ‬
‫بالحـترام اللزم لبوا ّ‬
‫يقدم شكوى بهذا الخصوص‪ .‬لكن الــوزير أراد‬
‫كشــف مقــدار طــاعته فاصــدر أمــرا ً بتقــديم‬
‫واب‪.‬‬
‫احترام خاص للب ّ‬
‫فهم الموظف ان المسالة تتعلــق بالطاعــة‬
‫صــر‬
‫ى الفضلية علــى البــواب والــوزير م ّ‬ ‫وأدع ّ‬
‫ه هــذا الدعــاء‬
‫جــدْ ِ‬
‫على تأديته الحترام فلــم ي ُ‬
‫موا الحــترام‬ ‫شــيئا ً وخاصــ ً‬
‫ة ان الجميــع قــد ّ‬
‫ب كما طلب الوزير‪.‬‬
‫للبوا ّ‬
‫والن وقد طرده فقد أراد البرهنة على ان‬
‫البــواب ل يســتحق الحــترام المــذكور ‪ -‬وهــو‬
‫أ‬
‫‪168‬‬

‫بالطبع يأمل أثبات الفضلية وبالتالي يضــرب‬


‫عصفورين بحجر واحد فيتم طرد البــواب ‪ -‬إذا‬
‫ارتكــب معصــية مــن نفــس النــوع ويعــود هــو‬
‫ليكون بوابا ً للوزير‪ ،‬أو من الحاشية‪.‬‬

‫تــدرك الن مــدى حماقــة هــذا الموظــف !‬


‫فمثل هذا البرهان قد ينجح في طــرد البــواب‬
‫ولكنه ل يلغي عقوبة الموظف‪ .‬فــالوزير وان‬
‫كــان يحــب البــواب فعل ً ‪ -‬فانمــا يحب ّــه لســبب‬
‫واحــد وحســب وهــو شــدة تفــانيه فــي طاعــة‬
‫الوزير وهو مجرد سبب لكشف طاعة الخرين‬
‫‪ -‬فحينمــا كــان لزال أثيــرا ً لــدى الــوزير فــان‬
‫المر بتقديم الطاعة هو أمر الوزير وعصــيانه‬
‫عصــيان للــوزير وهــو غيــر متعلــق بــالبواب‬
‫مطلق ًا‪.‬‬

‫قام المطرود بــأغراء البــواب ‪ -‬والــذي لــم‬


‫عود بعد على اتخــاذه عــدوا ً بــل ربمــا يشــعر‬
‫َيت ّ‬
‫بنوع من تأنيب الضــمير إذ تســبب فــي طــرده‬
‫وهو يتناســى جميــع النصــائح بضــرورة الحــذر‬
‫أ‬
‫‪169‬‬

‫منــه ‪ -‬لقــد أغــراه بضــرورة الجلــوس علــى‬


‫كرسي الوزير ولو دقيقة واحدة فان ذلك من‬
‫شأنه ان يبقيه بوابا ّ مدى الحياة !‬

‫ولك الن ان تلحظ المعادلة ‪:‬‬


‫لقد أوقع البواب في مشــكلة ولكنــه أيضــا ً‬
‫اثبـــت بالـــدليل القـــاطع ان البـــواب ل يريـــد‬
‫استلب الكرسي بل العكس تماما ً وهو رغبته‬
‫في البقاء لخدمة هذا الكرسي‪.‬‬

‫فالمشكلة الــتي وقــع فيهــا البــواب كــانت‬


‫)شــكل ُية( فقــط‪ .‬فقــد شــاء الحــظ ان يحــ ّ‬
‫ذر‬
‫الملك بنفسه البــواب قــائل ً "إيــاك ان تجلــس‬
‫علــى كرســي الــوزير" ‪ -‬بينمــا ظهــر اســتعلء‬
‫ء‪ .‬ذلــك لن الملــك‬
‫الموظف بصــورة أكــثر جل ً‬
‫هو الوحيد الذي يدرك تفاصــيل مــا هــو كــائن‬
‫مة لها معنيان!‬
‫وما يكون! والعبارة بصورة عا ّ‬

‫أ‬
‫‪170‬‬

‫المعنــى الفعلــي والــذي ل يفعلــه البــواب‬


‫مطلقـــا ً ‪ -‬لنـــه رجـــل محـــ ّ‬
‫ب للطاعـــة كـــاره‬
‫للمعصية‪.‬‬
‫والمعنــى الشــكلي والــذي يجعلــه متلبســا ً‬
‫بالجريمة لمجرد الجلوس دقيقة واحدة وفقــا ً‬
‫لنصيحة )كاهن( يزعم أنها تنفعــه فــي البقــاء‬
‫دوم ـا ً لخدمــة الكرســي مســتغل ً هــذه الرغبــة‬
‫فيه‪.‬‬

‫ومــن جهــة أخــرى اثبــت الموظــف بهــذه‬


‫الحركــة انــه كــان مســتحقا ً للطــرد بخلف مــا‬
‫خطط له ‪ -‬ذلك لنه اســتعمل الحيلــة والكــذب‬
‫لليقاع بالبواب وقد ظهر الن حسده للبــواب‬
‫وظهر حّبه للمعصية وكرهه للطاعة من خلل‬
‫التحريض على المعصية مرة أخرى عن طريق‬
‫شخص آخر‪.‬‬

‫والواقع ان مثل هذه الغفلــة والحمــق هــي‬


‫صــفة مشــتركة )للكــافرين( ‪ -‬لننــا ســنبرهن‬
‫بــإذن اللــه ان الكفــر موضــوع )أخلقــي( وان‬
‫أ‬
‫‪171‬‬

‫الشرك )موضــوع اعتقــادي( وبمعنــى آخــر ان‬


‫الكفر من طبائع القلب وفعالياته أما الشــرك‬
‫فمن فعاليات العقل‪.‬‬

‫لذلك فكل خطأ يرتكبــه العقــل مــع ســلمة‬


‫القلب مغفور وكل عمل صــالح يفعلــه العقــل‬
‫مع مرض القلب مرفوض‪.‬‬

‫لكننــا نجــد ان هــذا نــادرا ً مــا يقــع فــالقلب‬


‫م العمل العقلي والقلب المريض‬
‫و ُ‬
‫السليم يق ّ‬
‫يقلب حسابات العقل فأنظر إلى إبليس وهــو‬
‫يحــاول كشــف عــدوه فــإذا بــه يكشــف نفســه‬
‫ويحاول البرهنة على جريمته فيثبت براءته!‬

‫وخرج البواب مطرودا ً أيضًا‪.‬‬

‫كان نادم ـا ً باكي ـًا‪ ..‬ل علــى الوضــع الــذي ل‬


‫يجوع فيه ول يعرى ول يضحي ول يشقى!‬

‫بــل كــان نادمــا ً باكيــا ً لبعــده عــن خدمــة‬


‫الــوزير‪ ..‬فتــوجه مــن منفــاه يخــاطب الملــك‬
‫الذي يسمع المنادي مهما كان ُبعده !‬

‫أ‬
‫‪172‬‬

‫وبالطبع ل مســاواة بيــن الثنيــن ‪ -‬أو كمــا‬


‫قــال المــام علــي عليــه الســلم فــي كلمــة‬
‫جامعة‪:‬‬

‫"ليس من طلب الحق فأخطأه كمن أراد‬


‫الباطل فأصابه"!‬

‫وه‬
‫فــآدم طلــب الطاعــة فأخطأهــا أمــا عــد ّ‬
‫ة( واعية فأصابه‪.‬‬
‫فقد أراد الباطل )إراد ً‬

‫وقام الملك بتلقيــن المطــرود مــن منفــاه‬


‫من العتــذار‪ .‬أكــدت الصــيغة علــى‬
‫بصيغة تتض ّ‬
‫موضــوع العصــيان نفســه ‪ -‬أعنــى فــي مثــال‬
‫الوزير وكرسي الوزير‪.‬‬
‫فعليــه الن العلن بوضــوح تــام انــه َنــ َ‬
‫ذر‬
‫نفسه لخدمة كرسي الوزير وانــه ل هــدف لــه‬
‫من حياته سوى هذا الهدف‪.‬‬

‫مــن هنــا نلحــظ الــترابط بيــن )الكلمــات(‬


‫باعتبارهــا شــخوص وبيــن الشــجرة باعتبارهــا‬
‫)شخوص( أيض ا ً من هنا نلحظ تمثيل الكلمات‬

‫أ‬
‫‪173‬‬

‫بالشــجار ‪ -‬كلمــة خبيثــة وكلمــة طيبــة‪ ،‬كلمــة‬


‫اللــه‪ ،‬وكلمــة الــذين كفــروا‪ ،‬شــجرة خبيثــة‬
‫وشجرة طيبة‪.‬‬

‫العلقة بين المثال وقصــة آدم يظهــر فــي‬


‫الختلف بين صيغة المر وأسلوب المعصية‪.‬‬

‫يبدو انه فهم من قوله تعالى ‪‬فكل منهــا‬


‫حيث شئتما رغدا ً ول تقربا هذه الشجرة ‪.‬‬
‫َ‬
‫فهم ان الكل هو الممنوع‪ .‬بينما ورد فــي‬
‫ن القتراب ممنوع‪.‬‬
‫الصيغة أ ّ‬
‫لكننـــا وفـــي معـــاني اللفـــاظ نلحـــظ ان‬
‫القتراب ل يعني فقط المعنى الجغرافي بــل‬
‫التفكير في الشيء هو )اقتراب( على الصل‬
‫اللغوي وهو القــتراب المعنــوي‪ .‬إذن فــالمر‬
‫من منع الكل والتفكير بالكل أيض ًا‪.‬‬
‫تض ّ‬
‫ان آدم وزوجه لم يق ـّررا )الكــل ول ف ّ‬
‫كــرا‬
‫بالكــل(‪-‬إنمــا كــان يكفــي فقــط ان )يــذوقا‬
‫الشجرة(‪ -‬لتحقيق ما زعمه العدو ‪ -‬وهــذا هــو‬

‫أ‬
‫‪174‬‬

‫الفهــم المتبــادر‪ .‬لكــن النــص القرآنــي أثبــت‬


‫عليهما الكل لنه أورد الصيغتين‪:‬‬

‫]فل ّ‬
‫ما ذاقا الشجرة بدت لهما سواتهما ‪‬‬
‫‪.22/ 7‬‬

‫]فأكل منها فبدت لهما سواتهما ‪‬‬


‫‪.121/20‬‬

‫أثبتنا في كتاب النظام القرآني ان الــذوق‬


‫ص الطعام خلفا ً لجمــاع أهــل اللغــة‪ ،‬إذ‬
‫ل يخ ّ‬
‫ان ذوق الطعام هو أحد الســتعمالت فقــط ‪-‬‬
‫ولم يرد مطلق ـا ً بمــا يفهــم منــه ذلــك إل فــي‬
‫المورد أعله في العراف‪.‬‬

‫أمــا بقيــة المــوارد فهــي بمعنــاه العــام ‪-‬‬


‫والــذي زعمــوا انــه فــي )أحــدها( مجــاز ممــا‬
‫يســتدعي اعتبــاره مجــازا ً فــي الجميــع علــى‬
‫رأيهم‪.‬‬

‫]ليذوقوا العذاب ‪ ، ‬فــذاقت‬ ‫مثال ذلك‪:‬‬


‫وبــال أمرهــا ‪ ...‬وذكرنــا عنــد ذلــك ان )ذاق(‬

‫أ‬
‫‪175‬‬

‫فعل يعني الحساس التــام بالشــيء وبجميــع‬


‫مؤثرأته‪.‬‬

‫إذن فــالفرق بيــن الثنيــن هــو بخلف مــا‬


‫يتبـــادر مـــن الفهـــم الصـــطلحي لمعـــاني‬
‫المفردات‪.‬‬

‫أعني ان كل من )ذاق( فقد أكــل والعكــس‬


‫غير صحيح‪.‬‬

‫وإذن فلم يأكل من الشجرة وحســب وإنمــا‬


‫ذاقاها ‪ -‬أي انهما بلغا بالحساس بهــا المبلــغ‬
‫التام‪.‬‬

‫إذا رجعنــا لمثــل الكرســي فــالفرق بيــن‬


‫المرين ‪ -‬كالفرق بيــن جلــوس الموظــف لي‬
‫سبب ‪ -‬كالبحث عن شيء وقع تحت المكتب ‪-‬‬
‫وجلوسه وهــو يحــاول استشــعار كــونه أصــبح‬
‫وزيرا ً بالفعل‪.‬‬

‫أ‬
‫‪176‬‬

‫والمعنى انهما لم يستخدما الشجرة للكــل‬


‫فقط وإنما اســتخدماها للحســاس بالملوكيــة‬
‫والخلود‪.‬‬

‫فــإذا كــان الكــل محّرمــا ً فالــذوق أشــ ّ‬


‫د‬
‫تحريم ًا‪.‬‬

‫لكن هذا الحساس بالملوكية والخلود ‪ -‬قد‬


‫جاء تنفيذا ً لوعــد الشــيطان ل للحصــول علــى‬
‫الملك والخلود بدل ً من الشجرة!‬

‫بمعنــى انهمــا ارادا ان يبلغــا إلــى مرتبــة‬


‫الشجرة عن طريق الشجرة وليس عن طريــق‬
‫إلغاءها أو أزالتها‪ ،‬وذلك بالتسلق بعجلة‪ .‬ومع‬
‫م للشــجرة ‪ -‬إذ‬
‫ذلــك فهــذا العمــل فيــه ظلــ ّ‬
‫يتوجب عليهما الحصول على هذه الرتبــة فــي‬
‫مشاركة الشجرة عــن طريــق الســتمرار فــي‬
‫تحريمها واحترامها بحيث تــأتي هــذه المرتبــة‬
‫عفوا ً ل قسرا ً واستعجال ً للمر‪.‬‬

‫أ‬
‫‪177‬‬

‫]ول تقربا هذ ِ‬
‫ه الشجرة فتكونا من‬
‫الظالمين ‪.‬‬

‫ااااا اااا اا ااا‬

‫‪ -1‬الكلمة تختلف عــن )اللفــظ والمفــردة( وعــن‬


‫عهــا كلمــات وهــي‬ ‫مكونات الكلم والك ًِلم و َ‬
‫جم ُ‬
‫كائنات مخلوقة أو شخوص‪.‬‬

‫‪ -2‬الشجرة سلس متصلة مــن كلمــات متشــابهة‬


‫وغير متفاضلة لنهــا مثــل أجــزاء كــائن واحــد‬
‫ولن كـــل كلمـــة منهـــا هـــي بمثابـــة شـــجرة‬
‫مستقلة‪.‬‬

‫ة الــذين‬
‫ة وهــي كلمــ ُ‬
‫‪ -3‬الكلمــات نوعــان خبيثــ ّ‬
‫كفروا وطّيبة وهي من كلمات الله‪.‬‬

‫دل مثل بقية‬


‫‪ -4‬الكلمات خلق وكلمات الله ل تتب ّ‬
‫خلق الله‪.‬‬

‫‪ -5‬وحدة الموضوع بين السجود لدم والكل مــن‬


‫ى الكلمات‪.‬‬
‫الشجرة والتوبة بتلق ّ‬

‫أ‬
‫‪178‬‬

‫ه المســيح‬ ‫ة أسم ‪‬وكلم ـ ٍ‬


‫ة منــه أســم ُ‬ ‫‪ -6‬لكل كلم ٍ‬
‫عيســى أبــن مريــم ‪.‬بينمــا ل أس ـ َ‬
‫م للمفــردة‬
‫سها‪.‬‬
‫ف ُ‬‫سوى المفردة ن َ‬

‫‪ -7‬عصــيان إبليــس صــاد ّر عــن )القلــب( وبعمــد‬


‫م صــادّر عــن‬
‫وســابق قصــد وعصــيان آدم وه ـ ّ‬
‫العقل‪.‬‬

‫‪ -8‬الغاية من عصيان إبليس هي العصيان نفســه‬


‫والغاية من عصيان آدم هي الطاعة‪.‬‬

‫ااااااا ااا ااااا اااااا اا ااا ااااا‬

‫نلحظ القسم الول من أية النور‪:‬‬

‫]الله نوُر السموات والرض مثل نور ِ‬


‫ه‬
‫كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة‬
‫ي يوقد من شجرة ‪‬‬
‫در ّ‬
‫ب َ‬
‫الزجاجة كأنها كوك ّ‬
‫‪35/ 24‬‬

‫رأينا فيما سبق ان الكلمات شخوص وانهم‬


‫ن عبء كلم الله إذا كانوا مــن كلمــات‬
‫يتحملو ّ‬
‫الله لن الناس لهم ميل إلى فهــم كلم اللــه‬

‫أ‬
‫‪179‬‬

‫م‬
‫حسب اهواءهم فيحدث تبديل للكلم لذلك ت ّ‬
‫ايــداع الكلم الممكــن التبــديل إلــى الكلمــات‬
‫التي ل تبديل لها‪.‬‬

‫لذلك فرز النص بين الكلمات والكتب‪:‬‬

‫]وصد ّ‬
‫قت بكلمات رّبها وكتبه ‪‬‬

‫ولحظنا سبب تقــديم الكلمــات علــى الكتــب‪،‬‬


‫كمــا لحظنــا العلقــة بيــن الكلمــة والشــجرة‬
‫ونلحظ الن العلقة بين النور والشجرة‪.‬‬

‫فأول شيء يلفت النظر قوله تعالى‪:‬‬

‫]قد جاءكم من الله نوّر وكتا ّ‬


‫ب مبين ‪ 15/‬‬
‫‪5‬‬

‫فالنور إذن مختلف عن الكتاب‪ ،‬لنه عطف‬


‫أحدهما على الخر بالواو‪ .‬وهذا ل يفهم جيدا ً‬
‫إل إذا عرفت ان النور غاية والكتــاب وســيلة‪.‬‬
‫فالكتاب يؤدي إلى الخراج من الظلمات إلــى‬
‫النور وإذن فالكتاب وسيلة للخراج إلى النور‬
‫فهو الهدف والغاية‪.‬‬

‫أ‬
‫‪180‬‬

‫ف‬
‫وهنا يكمن فرق كبير بين )النور( المعــر ّ‬
‫بــال التعريــف وبيــن )نــور( الــذي لــم يع ـّرف‪.‬‬
‫فالنور‪ ،‬المعّرف هــو النــور الكلــي الشــامل و‬
‫هو نور الله تعالى‪ ،‬أما )نور( الغير معّرف بال‬
‫التعريف فهو شعاع واحد مــن النــور الشــامل‬
‫يؤدي إلــى الوصــول إلــى النــور الشــامل مــن‬
‫خلل متابعته‪ ،‬لذلك اقــترنت المتابعــة بــالنور‬
‫الجزئي هذا‪:‬‬

‫]فالذيم آمنوا به وعزر ّ‬


‫وه ونصــروه واتبعوا‬
‫النـوَر الــذي أ ُنــزل معــه‬
‫‪157 /7‬‬ ‫أولئك هم المفلحون ‪‬‬

‫ف هنا هــو نفســه )نــوّر( ‪-‬‬


‫ل تتوهم فالمعر ّ‬
‫لنه عّرف هنــا بالضــافة‪ ،‬فالضــافة تقتضــي‬
‫إعادة أ ‍ل التعريف‪ ،‬وهو مختلــف عــن المعــرف‬
‫بن ّ‬
‫فسه الذي ل يحتاج إلى تعريف والــذي فــي‬
‫قوله‪:‬‬

‫أ‬
‫‪181‬‬

‫]لتخرج الناس من الظلمات إلى النور ‪‬‬


‫‪.1/14‬‬

‫ه هو نفسه النور‬
‫إذن فالنور الذي أنزل مع ُ‬
‫]قد جاءكم نور وكتاب مبين‬ ‫الذي في قوله‪:‬‬
‫‪.‬ولكن مثل هــذا الشــعاع موجــود فــي كتــب‬
‫الله أيضًا‪.‬‬

‫]إّنا أنزلنا التوراة فيها هد ً‬


‫ى ونور ‪.44/5 ‬‬

‫]وآتيناه النجيل فيه هد ً‬


‫ى ونور ‪.46/5 ‬‬

‫فالنور الذي في الكتاب يوص ـ ُ‬


‫ل إلــى النــور‬
‫صــل إلــى النــور‬
‫الذي مــع الكتــاب والخيــر يو ُ‬
‫الشامل المقابل للظُلمات‪.‬‬

‫وة والمختلــف‬
‫مــا هــو النــور المتعــددّ القــ ّ‬
‫السعة في اليات؟‬

‫لقد ارتبط النور بالشخوص‪:‬‬

‫]انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا‬


‫وراءكم فالتمسوا نورا ‪. 13/57‬‬

‫أ‬
‫‪182‬‬

‫]يقولون ربنا اتمم لنا نورنا ‪.8/66 ‬‬

‫]ومن لم يجعل الله له نورا ً فما له من‬


‫‪.40/24‬‬ ‫نور ‪‬‬
‫من كان ميتا ً فأحييناه وجعلنا له نورا ً‬
‫]أو َ‬
‫‪.122/6‬‬ ‫‪‬‬

‫النور الذي في الكتب ل ينفصل عنها لنــه‬


‫)فيها( كما فــي قــوله تعــالى ‪‬النجيــل فيــه‬
‫ى ونور ‪ ،‬أما نــور الشــخوص فهــو )لهــم(‬
‫هد ً‬
‫في جميــع المــوارد فهــو كيــان منفصــل فهــو‬
‫بمثابــة شــيء يملكــونه يتحــرك حيثمــا كــانوا‬
‫ويظهر هذا من خلل كونه متصل بهم وصادر‬
‫عنهم‪:‬‬

‫]يوم ل ُيخزي الله النبي والذين آمنوا معه‬


‫نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم ‪. 8/66‬‬

‫]يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى‬


‫نورهم بين أيديهم ‪.12/57 ‬‬

‫نلحظ في اليتين ظاهرتين‪:‬‬

‫أ‬
‫‪183‬‬

‫الولــى‪ :‬ان نــور المــؤمنين بهــذه الصــفة الــتي‬


‫يظهر فيها متصل ً بهم وممتدا ً إلى الخــارج ل ّ‬
‫د‪.‬‬
‫تلحظ إل في )يوم( محد ّ‬
‫الثانيــة‪ :‬ان لهــذا النــور حركــة واضــحة هــي انــه‬
‫)يسعى(‪.‬‬

‫أمــا ان النــور منســوب فــي اليــتين إلــى‬


‫الشخوص فهو واضح‪.‬‬

‫هنا علقة ترابطية من الدرجة الثانيــة فــي‬


‫النظــام القرآنــي للطبقــة الســطحية الولــى‬
‫تظهر من خلل مفردة )يسعى(‪.‬‬

‫إذ ان هـــذه الحركـــة )الســـعي( ارتبطـــت‬


‫بالشخوص في جميع الموارد القرآنية وهنــاك‬
‫مورد واحد فقط ارتبط بشخوص من الكائنات‬
‫أيض ا ً ولكنها ليست من جنــس النســان وإنمــا‬
‫من جنس الطير وهو قوله تعالى‪:‬‬

‫]ثم اجعل على كل جبل منهن جزءً ثم‬


‫‪260/2‬‬ ‫ادعهن يأتينك سعيا ً ‪‬‬

‫أ‬
‫‪184‬‬

‫أما بقية الموارد وهي )‪ (31‬موردا ً فهــي فــي‬


‫هذا الكائن ومنها‪:‬‬

‫]فل ّ‬
‫ما بلغ معه السعي ‪.102/37 ‬‬

‫]كان سعيهم مشكورا ‪. 19/ 17 ‬‬

‫]واذا تولى سعى في الرض لي ُ‬


‫فسد فيها‬
‫‪.205/5‬‬ ‫‪‬‬

‫]وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى ‪‬‬


‫‪20/ 36، 20 / 28‬‬

‫لـــدينا الن مخطـــط للعلقـــات بيـــن هـــذه‬


‫اللفاظ‪ .‬فالنور اللهي له مثل هذا المشـــكاة‬
‫في مكوناتها التي توقد من شجرة‪ .‬والشجرة‬
‫هي مثل للكلمة‪ .‬والكلمة هي مخلوق له أسم‬
‫محدد والســعي هــو الصــفة المشــتركة للنــور‬
‫د سواء‪.‬‬
‫وللمخلوق على ح ٍ‬

‫أ‬
‫‪185‬‬

‫نور‬ ‫كلمة‬

‫شجر‬
‫ة‬

‫يسعى‬ ‫خلق‬

‫بإمكاننا ان نلحظ‪ :‬ان مصدر النور في أية‬


‫المشكاة هو الشجرة باستثناء الزجاجة‪ .‬ولكن‬
‫الشجرة مــن الكلمــة‪ ،‬بقيــة الرتباطــات تؤكــد‬
‫العلقة وإ ل ّ فيمكن فــورا ً توصــيل الخــط بيــن‬
‫الكلمة والنور لن أحدهما يعــوض عــن الخــر‪.‬‬
‫ونلحظ ان هذا التعويض ممكــن مباشــرةً مــن‬
‫قوله تعالى‬

‫]إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله‬


‫وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ‪‬‬
‫‪1171/4‬‬

‫فالمسيح عليه السلم نور الله فــي الرض‬


‫ح منه‪.‬‬
‫لنه كلمته ورو ُ‬

‫أ‬
‫‪186‬‬

‫النـــور والضـــياء‬ ‫‪27‬‬


‫لقد سألنا قبــل قليــل مــا هــو النــور والن‬
‫يمكن الجابة إذا لحظنــا الفــروق بيــن النــور‬
‫والضياء‪.‬‬

‫وذلك لن تصورنا النور ضــوءً أو نوع ـا ً مــن‬


‫الضواء يجعلنا نتوهم‪.‬‬

‫وسبب الوهم ليس فــي كونهمــا مختلفيــن‬


‫في الحقيقة بل بسبب كونهما مختلفين فــي‬
‫الظهور فقــط فنحــن نســتخدم اللغــة بصــورة‬
‫اعتباطيــة احيانــا ً ولكننــا بقليــل مــن التأمــل‬
‫نكتشف المر‪.‬‬

‫الواقــع ان أحــدا ً مــا ليــس بمقــدوره رؤيــة‬


‫الضــوء مــع انــه موجــود دوم ـا ً فالمســألة هنــا‬
‫فيزيائية محض وتطابق الفهم اللغوي تمامــًا‪.‬‬
‫فيمكنــك فقــط ان تــرى الشــياء بــه حينمــا‬
‫ينعكس عنها أما الضــوء نفســه فل ي ُــرى‪ .‬وإذا‬

‫أ‬
‫‪187‬‬

‫كنت في غرفتك ليل ً والمصــباح يضــيء فانــك‬


‫ل تقــدر ان تــرى الضــوء المــار مــن المصــباح‬
‫والساقط على الجدار ‪ -‬أنت ترى الجدار حيث‬
‫انعكس عنه الضوء‪.‬‬

‫لذلك فان رواد الفضاء ل يــرون شــيئا ً فــي‬


‫الفضاء المحيــط بهــم ســوى الظلم الــدامس‬
‫مــع انهــم يــرون الشــمس وذلــك لعــدم وجــود‬
‫أشياء تحيط بهم خارج المركبــة مــن أبنيــة أو‬
‫أشجار أو غير ذلك‪.‬‬

‫ان ضوء الشمس المار بالفضاء ل يــرى ول‬


‫يمكنهم مشاهدته إنما يمكنهم فقط ملحظــة‬
‫الشياء إذا سقط عليها‪.‬‬

‫ان رؤيــة الشــياء إذا ســقط عليهــا الضــوء‬


‫هي النارة‪ .‬والسطح الذي ينعكس عنه الضوء‬
‫سطح منير إذن فالقمر منيّر لنه يعكس ضوء‬
‫الشمس‪:‬‬

‫‪.61/25‬‬ ‫]وجعل فيها سراجا ً وقمرا ً منيرا ‪‬‬

‫أ‬
‫‪188‬‬

‫سها فهي ضياء‪:‬‬


‫أما الشمس نف ُ‬
‫‪.5/10‬‬ ‫]هو الذي جعل الشم َ‬
‫س ضياءً ‪‬‬

‫رأينــا أن الكتــاب )فيــه نــور(‪ ،‬وهــو النــور‬


‫صل إلى النور التام والشامل الذي تقدم‬
‫المو ُ‬
‫عليه في الذكر‪:‬‬

‫]قد جاءكم نو ّر وكتاب مبين ‪.15/5 ‬‬

‫ولذلك لــم يتصــف الكتــاب بالضــاءة وإنمــا‬


‫أتصف بكونه منير‪:‬‬

‫]جاءتهم ُرسلهم بالبّينات وبالُز ّبر وبالكتاب‬


‫المنير ‪.25/35 ‬‬

‫نحاول الن جمع شــتات مــا لحظنــاه قبــل‬


‫قليل‪:‬‬

‫‪ -1‬النــور مختلــف عــن الكتــاب فالكتــاب وســيلة‬


‫للخراج من الظلمــات إلــى النــور والنــور هــو‬
‫الهدف والغاية‪.‬‬

‫‪ -2‬النـــور انعكـــاس للضـــياء ‪‬وقمـــرا ً منيـــرا ً ‪‬‬


‫‪.61/25‬‬
‫أ‬
‫‪189‬‬

‫‪ -3‬النــــور منســــوب للشــــخاص ‪ -‬أي لبعــــض‬


‫المخلوقات ‪‬أتمم لنا نورنا ‪. 8/66‬‬

‫‪ -4‬النــور من ـّزل مثــل الكتــاب ومقــترن بالكتــاب‬


‫‪‬وأنزلنا إليكم نورا ً مبينا ‪. 147/4‬‬

‫ة ونلحــظ‬
‫وعندما نجمع هذه الشــياء ســوي ً‬
‫ان الغاية من ذلك كله هو إيصــال الخلــق إلــى‬
‫مســتوى أهــل النــور نســتنتج ان النــور فــي‬
‫الكلمات من حيث ان الكلمــات خلــق ل يتبــدل‬
‫ومن حيث انهم المناء على الكتاب فهــم إذن‬
‫دوة( ‪ -‬تحصــل بمتــابعتهم وطاعــاتهم هــذه‬
‫)ق ُ‬
‫ما كانت الشــجرة مجموعــة كلمــات‬
‫المرتبة ول ّ‬
‫فــان هــذه الشــجرة هــي مصــدر النــور‪ .‬لــذلك‬
‫فالمثل المضروب لنور الله الشامل التام هــو‬
‫ما في )المشــكاة( مــن تراكيــب نورانيــة لكــن‬
‫جميعا ً توقد من الشجرة‪.‬‬

‫]كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة‬


‫ي يوقد من شجرة ‪‬‬
‫الزجاجة كأنها كوكب در ّ‬

‫أ‬
‫‪190‬‬

‫إذن فل طريــق للتوبــة لدم وهــو يعتــدي‬


‫على حرمــة الشــجرة إل عنــد التوســل ببعــض‬
‫كلماتهــا ‪ -‬فالكلمــات باعتبارهــا مــن مكونــات‬
‫الشجرة هي الوسيلة له للحصول على التوبــة‬
‫‪ -‬لنهــا فــي الصــل وســيلته للوصــول إلــى‬
‫الملك والخلود‪ ،‬وحينما تجاوزها ليحصل علــى‬
‫الملك والخلود من خلل اســتخدامها بطريقــة‬
‫تتناقض والطاعة فان أمر التوبــة متعلــق بهــا‬
‫من حيث أنها موضوع هذا التجاوز‪.‬‬

‫ففي الشــرع نلحــظ مثــل ذلــك القــانون ‪-‬‬


‫وهو ان الله يغفر ما بينه وبين العبــد لكنــه ل‬
‫يغفر لمــا هــو متعلــق بحقــوق العبــاد بعضــهم‬
‫ببعض ما لم يغفر ويصفح أول ً صاحب الحق‪.‬‬

‫فــي تعــاليم اللــه لدم )الكلمــات( تظهــر‬


‫العلقــة الحميمــة والفضــل العظيــم للكلمــات‬
‫من حيــث انــه ســبحانه قــد توكــل عنهــم فــي‬
‫مـــه مـــن قبـــل‬
‫هم كمـــا عل ّ‬
‫تعليـــم آدم فضـــل ِ ّ‬

‫أ‬
‫‪191‬‬

‫هم علــى الملئكــة فلــم‬


‫عرضـ ُ‬
‫أسماءهم حينما َ‬
‫من هؤلء؟!‬
‫يعلموا َ‬

‫أ‬
‫‪192‬‬

‫التوافــق العــددي بيــن خصــائص المثــل‬ ‫‪28‬‬


‫ومكوناته‬

‫يتألف المثل المضروب لنور اللــه تعــالى مــن‬


‫خمسة مكونات رئيسية هي‪:‬‬

‫‪ -1‬المشكاة ‪ -2‬المصباح ‪ -3‬الزجاجة ‪-4‬‬


‫الشجرة ‪ -5‬الزيت‬

‫الجزاء الثلثة الولى هي مكونات‬


‫المشكاة إذ ان المصباح فيها والمصباح في‬
‫زجاجة‪ .‬أما الشجرة وزيتها فهي وقود‬
‫المشكاة‪.‬‬

‫لدينا اعتقاد أن المكونات الرئيسية للمثــل‬


‫هــي بعــدد الكلمــات لن النــور إذا كــان مــن‬
‫خصائص الكلمــات فهنــاك علقــة عدديــة بيــن‬
‫الجزاء وعدد النوار فإذا أحصينا ألفاظ النور‬
‫في الية فأنهــا تســاوي عــدد الجــزاء فــالنور‬
‫كرر أيض ا ً خمس مرات وذلك كما يلي‪:‬‬

‫أ‬
‫‪193‬‬

‫‪ -1‬الله نور السموات والرض‪.‬‬

‫‪ -2‬مثل نــوره كمشــاة فيهــا مصــباح‪ ...‬إلــى‬


‫آخر خصائص هذا الجزء‪.‬‬

‫‪ 3-4‬نور على نور‬

‫‪ -5‬يهدي الله لنوره من يشاء‪.‬‬

‫التشــبيه الــذي فــي اليــة ل تنطبــق عليــه‬


‫جميــع أحكــام البلغــة عنــد العتبــاطيين لنــه‬
‫مــة تشــبيه مــن أي نــوع مــن النــواع‬
‫ليــس ث ّ‬
‫ي‬
‫المذكورة عندهم في تشبيه الحسي بالحس ـ ّ‬
‫أو العقلي أو معكوسيهما‪.‬‬

‫فقد اختلط الحسي بــالعقلي فــي المشــبه‬


‫والمشبه به ‪ -‬لنه إذا كانت الكلمــات شــخوص‬
‫هــي المقصــودة )بنــور اللــه( الــذي ضــرب لــه‬
‫ي والعقلي منــذ‬
‫المثل فثمة امتزاج بين الحس ّ‬
‫البداية‪.‬‬

‫أمــا فــي نهايــة المثــل وأجــزائه فل نجــد‬


‫ســية توقــد مــن شــجرة مــع التأكيــد‬
‫مشــكاة ح ّ‬

‫أ‬
‫‪194‬‬

‫على خصائص الشــجرة بشــكل منفــرد وزيتهــا‬


‫يكــاد يضــيء قبــل الحــتراق الــذي عّبــر عنــه‬
‫بالمس بالنار‪.‬‬

‫هـــذا التمـــازج يجعلنـــا نشـــك فـــي أصـــل‬


‫ي والعقلي وأنت تعلم انه‬‫التقسيم بين الحس ّ‬
‫مخــالف لمقاصــدهم الفلســفية لن الصــورة‬
‫المعقولة هي في الصل صــورة متركبــة مــن‬
‫مــة تجــزئة مــن هــذا‬
‫المحسوســات فليــس ث ّ‬
‫النـــوع‪ -‬حتــــى الصـــورة المتخيلــــة مهمــــا‬
‫ابتعــــدت فــــي الخيــال فهــي مركّبــة مــن‬
‫المحسوسات سواء كان الــتركيب منطقيــا ً أو‬
‫ل‪.‬‬

‫نلحظ التوافق العددي بين المكونات وبين‬


‫خصائص الشــجرة أيض ـًا‪ .‬فمــا دامــت الشــجرة‬
‫هي سلسلة كلمات فل بد ان تكون خصائصــها‬
‫ة عدديا ً مع عدد الجزاء الرئيسية‪ .‬فهنــا‬
‫متفق ّ‬
‫نجــد خمســة خصــائص للشــجرة وهــي بعــدد‬
‫المكونات وبعدد النوار وكما يلي‪:‬‬
‫أ‬
‫‪195‬‬

‫‪ -1‬مباركة ‪ -2‬زيتونــة ‪ -3‬ل شــرقية ‪ -4‬ل‬


‫ه‬
‫ســ ُ‬
‫غربية ‪ -5‬يكاد زيتها يضيء ولــو لــم تمس ْ‬
‫نار‬

‫أن الصــفة الخيــرة صــفة مشــتركة فــي‬


‫الواقـــع فقـــوله )زيتهـــا يضـــيء( هـــو صـــفة‬
‫للشجرة‪.‬‬

‫ولكنه أيض ا ً صفة للزيت فالزيت يضيء ولو‬


‫سسه نــار فكــأن هنــاك جملتــان أدمجتــا‬
‫لم تم ّ‬
‫سسه نار( هو‬ ‫معا ً لن قوله )يضيء ولو لم تم ّ‬
‫خاصــية جديــدة غيــر الخاصــية )يكــاد زيتهــا‬
‫يضيء(‪ .‬وسبب ذلك هــو وجــود الــواو فلــوله‬
‫سســه نــار(‬
‫لكــانت الجملــة )يضــيء لــو لــم تم ّ‬
‫ة بلو فل يمكن استخلص‬
‫وهي جملة مشروط ّ‬
‫صفتين منها لنها عبــارة واحــدة‪ .‬ولــول هــذه‬
‫الــواو لكــانت العبــارة قاصــرة لن الضــاءة‬
‫ستكون مقصورة علــى هــذه الحالــة فقــط أي‬
‫ســها نــار بينمــا هــو يريــد إظهــار‬
‫حينمــا ل تم ّ‬
‫أضــاءتها قبــل التقــاد فيفهــم المتلقــي ان‬
‫أ‬
‫‪196‬‬

‫ع دَ التقــاد ســتكون أعظــم بحيــث ل‬


‫الضاءة ب َ‬
‫يمكن تصورها وهنا مركز التشبيه وهنا غاياته‬
‫وأهدافه وكما سنلحظ بعد قليل‪.‬‬

‫أ‬
‫‪197‬‬

‫اتحــــاد المكــــان والزمــــان لمـــــكونات‬ ‫‪29‬‬


‫المشكاة‬

‫ان القــول بــأن أجــزاء المثــل ‪ -‬والــذي هــو‬


‫كلمــات للــه تعــالى ‪ -‬هــم مجموعــة النبيــاء‬
‫والرسل عليه الســلم مثل ً هــو قــول خــاطئ‪.‬‬
‫لن ذرية النبياء والرســل عليــه الســلم إنمــا‬
‫يمثلهــا فــي هــذا التشــبيه الشــجرة وليــس‬
‫المشكاة وسبب ذلك ان الشجرة دائمــة فهــي‬
‫تتجــاوز عنصــر الزمــان بحكــم كونهــا شــجرة‬
‫فالديمومة نلحظها في قوله تعالى‬

‫]مثل ً كلم ُ‬
‫ة طيبة كشجرة طيّبة أصلها ثابت‬
‫وفرعها في السماء‬
‫تؤتي أكلها كل حين بإذن رّبها ‪‬‬

‫فهــذا الثبــات فــي الشــجرة ينطــوي علــى‬


‫إمكانيــة الســتمرار والديمومــة فتــؤتي أكلهــا‬
‫)كل حين(‪.‬‬

‫أ‬
‫‪198‬‬

‫إذن فالشــجرة تتجــاوز الزمــان والمكــان‬


‫دين‪.‬‬
‫المحد ّ‬
‫بينما نلحظ ان المشكاة وعناصرها محددة‬
‫بزمان ومكان معين‪.‬‬

‫فالمثل يشبه نور الله تعالى بمشـــكاة ذات‬


‫أجزاء وحينمــا تكــون الجــزاء أشــباه لمثالهــا‬
‫مـــن الشـــخوص فيتـــوجب ان يكـــون هـــؤلء‬
‫الشـــخوص فـــي زمـــان واحـــد أو دور واحـــد‬
‫ليتحقــق التشــبيه‪ ،‬فــأنت ل يمكنــك ان تش ـّبه‬
‫شيئ ا ً بآخر ولهذا الخر أجزاء مفككــة متنــاثرة‬
‫في المكان أو متباعدة في الزمــان مــا دام ل‬
‫يؤدي غرضه إل بمجموع الجزاء واتحادها‪.‬‬

‫ولــذلك اســتبطنت الشــجرة خصــائص بعــدد‬


‫الجزاء كما لو كانت الغاية منها أصــل ً إيصــال‬
‫الزيت إلــى المكونــات والــتي يجــب ان تكــون‬
‫متلحمة زمانا ً ومكانًا‪.‬‬

‫أ‬
‫‪199‬‬

‫مــة ظهــور لكلمــات أكــثر عــددا ً‬


‫واذا كــان ث ّ‬
‫فــانه يظهــر مــن خصــائص المثــل كلهــا فــإذا‬
‫احصــينا خصــائص المثــل وجــدناها أكــثر مــن‬
‫خمسة وكما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬صفة المشكاة ‪) -‬فيها مصباح( ‪ -2‬صــفة‬


‫المصـــــــــــباح ‪) -‬فـــــــــــي زجاجـــــــــــة(‬
‫ي( ‪-4‬‬
‫‪ -3‬صــفة الزجاجــة ‪) -‬كأنهــا كــوكب در ّ‬
‫صــفة أخــرى للمصــباح ‪) -‬يوقــد مــن شــجرة(‬
‫‪ -5‬صفات الشجرة ‪) -‬مباركة( ‪) -6‬زيتونة( ‪-7‬‬
‫)ل شــرقية ( ‪) -8‬ل غربيــة( ‪) -9‬يكــاد زيتهــا‬
‫يضيء( ‪) -10‬زيتهــا يضــيء ولــو لــم تمسســه‬
‫نار( ‪) -11‬نور( ‪ ) -12‬على نور(‪.‬‬

‫وهـــذا الرقـــم مرتبـــط بتكـــوين الفلـــك و‬


‫)القمر المنير( لن القمر يتقلــب فــي مــداره‬
‫بهذا العدد كما تعود الرض من أيــة نقطــة أي‬
‫عنــد اكتمــال دورة واحــدة لهــا حــول مركــز‬
‫الضاءة )الشمس(‪.‬‬

‫أ‬
‫‪200‬‬

‫فهناك دوم ـا ً تنــاغم وتماثــل بيــن التكــوين‬


‫والتشريع ‪ -‬أي ان التكليف أو المانة الملقاة‬
‫على عاتق النسان منبثقة من صميم التكوين‬
‫صح‪.‬‬
‫أو العكس وهو ال ّ‬
‫لحظنـــا فـــي الحـــل القصـــدي والنظـــام‬
‫القرآنــي وحركــات الحــروف ان لكــل لفــظ‬
‫معنى حركيا ً وآخر يمثل جــذره اللغــوي العــام‬
‫وثالث هو الصــطلح أكــثر اســتعمال‪ .‬فــالنور‬
‫والضــياء مثــل أي لفــظ آخــر لهمــا مثــل هــذه‬
‫ء مــن‬
‫المعاني والتي يقــع فيهــا اللحــق كجــز ٍ‬
‫السابق أي أن الصطلح هو جزء من المعنــى‬
‫الجذري والمعنى الجذري هو جزء من المعنى‬
‫الحركي العام‪.‬‬

‫فــالقرآن ل يســتخدم إل المعنــى الحركــي‬


‫العــام والنــاس قــد يفهمــون منــه الصــطلح‬
‫الذي عندهم فهو صادق عنــد الصــطلح لكــن‬
‫النظــام والعجــاز إنمــا هــو فــي اســتعماله‬
‫المعنى الحركي لن الصطلح اعتبــاطي فــي‬
‫أ‬
‫‪201‬‬

‫طبيعته ومتغيــر فــي الزمــان وهــذا هــو الــذي‬


‫جعـــل القـــدامى يتنكـــرون لتطـــور اللغـــة‬
‫ون التغ ّيــر فيهــا إذ ســيظهر تنــاقض‬
‫ويحرمــ ّ‬
‫القرآن من خلل ذلك بينما اللغة تتغّيــر رغــم‬
‫دي‬ ‫انف الجميع وبخاصة إذا لم يتوفر ح ّ‬
‫ل قص ـ ّ‬
‫للغة‪.‬‬

‫النور إذن هو غيــر الضــياء ‪ -‬فالضــوء الــذي‬


‫يصدر من الشــمس هــو اصــطلح واقــع ضــمن‬
‫المعنى الحركي العــام للضــوء وكــذلك النــور‪.‬‬
‫وكذلك أي لفظ آخر‪.‬‬

‫لقد وصف القمر في أية مرة بــأنه )منيــر(‬


‫وتلك صــفة جســم ينعكــس عنــه الضــوء علــى‬
‫المعنى الصطلحي والعلمي‪.‬‬

‫ولكنه أيضا ً صفة مــن ينعكــس عنــه الضــياء‬


‫بمعناه الحركي‪.‬‬

‫ولذلك نجد الله تعالى قال في أية أخرى‪:‬‬

‫أ‬
‫‪202‬‬

‫]هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نورا ‪‬‬


‫‪5/10‬‬

‫فالقمر ليــس منيــرا ً فقــط وإنمــا هــو نــور‬


‫أيض ًا! والشمس ليست مصدرا ً للضياء بل هــي‬
‫ضياء كذلك‪.‬‬

‫وأهل اللغة يجدون )دومًا( حلول ً لمثل ذلك‬


‫الستعمال الذي يجعل القمــر وهــو ســطح أو‬
‫جرم )نورًا( وليس منيرا ً من خلل تقــديراتهم‬
‫للجملة والتي تصاغ في مثل هذه الية بعبارة‬
‫مثل‪" :‬والقمر نورا ً أي منيرًا"‪ .‬ويستدل علــى‬
‫ه‬
‫صحة التقدير ورود أية فيها وصف القمر انــ ّ‬
‫منير‪.‬‬

‫ومعلوم أننا أبطلنا هذه الطــرق لننــا نــرى‬


‫ان المتكلــم جــل جللــه قصــد مــن كــل عبــارة‬
‫دللتهــا الخاصــة بهــا وســمّينا تلــك الطــرائق‬
‫الغربيــة فــي التفســير بالعتباطيــة وفنــدناها‬
‫على أكثر من مستوى في ثلثة كتب سبقت‪.‬‬

‫أ‬
‫‪203‬‬

‫فلفــظ )القمــر( و )الشــمس( مثــل بقيــة‬


‫اللفاظ لهما دللتهما العامة والتي هي أكــثر‬
‫عموما ً من الصطلح الذي يقصد بــه الشــمس‬
‫والقمـــر المعهـــودين‪ .‬فالشـــمس والقمـــر‬
‫تعبيرات أخرى للكلمات‪.‬‬

‫ولــذلك اتفــق وصــف كــل منهمــا بنفــس‬


‫اللفظ المشــترك بينهمــا ‪ -‬اعنــي )الســراج( ‪-‬‬
‫فوصف به النبي صلى الله عليــه وآلــه وســلم‬
‫ووصفت به الشمس المعر ّ‬
‫فــة بــال التعريــف‪.‬‬
‫فإذا كان رســول اللــه صــلى اللــه عليــه وآلــه‬
‫وسلم هو أحد الكلمات بل هو أعظم الكلمــات‬
‫فقــد وصــف بنفــس وصــف الشــمس‪ ،‬فــإذا‬
‫اعقـــدنا علـــى المعـــّرف بـــال التعريـــف أي‬
‫سه والمعرف بالضافة أو النعــت‬
‫المعّرف بنف ّ‬
‫للتفريق بين ما هو من التكوين ومــا هــو مــن‬
‫التشــريع لحظنــا الفــرق بيــن دللــة كــل مــن‬
‫العبــارتين ‪ -‬بمســاعدة هــذا اللفــظ المشــترك‬
‫في آيتيين آخريين‪:‬‬

‫أ‬
‫‪204‬‬

‫]وجعل فيها سراجا ً وقمرا ً منيرا ً ‪ 61/25‬‬

‫]وجعل القمر فيهن نورا ً وجعل الشمس‬


‫سراجا ً ‪. 116/71‬‬

‫ه الــتراكيب الربعــة‬
‫وحينمــا تســتخدم لهــذ ِ‬
‫تركيبا ً آخر هو‪:‬‬

‫]وجعلنا سراجا ً وهاجا ‪. 13/78‬‬

‫نجــد ان هنــاك ســراجا ً مجعــول ً )ســراجًا( فــي‬


‫حيـــن ان اليـــة الســـابقة هـــي ان الشـــمس‬
‫مجعولة ســراجًا‪ ،‬بينمــا اليــة الولــى الســراج‬
‫مجعو ل ً فيها بل تغيير بشيء ل تحويل لشيء‪.‬‬

‫اليـــة الثانيـــة تميـــزت بأســـبقية الصـــفة‬


‫وأسبقية التعريف للشمس والقمر‪.‬‬

‫فلــــو كـــانت الشــــمس هـــي المعهـــودة‬


‫فالشـــمس ســـراج ‪ -‬أي قبـــل الجعـــل هـــي‬
‫الشــمس فهــي الســراج ‪ -‬وإذن فالمقصــود‬
‫شــمس لــم تشــرق بعــد علــى ديــاجير الظلم‬

‫أ‬
‫‪205‬‬

‫وبإشراقها صارت سراجا ً فلذلك قال )وجعــل‬


‫الشمس سراجًا(‪.‬‬
‫و ّ‬
‫لن هـــذه الشـــمس شـــمس الكلمـــة أي‬
‫رسول الله صلى الله عليه وآلــه وســلم فقــد‬
‫عر ّ‬
‫فها بنفسها قبل الجعل فقال )الشمس(‪.‬‬

‫ولنهــا الكلمــة الكــبر افــرد صــيغة الفعــل‬


‫)وجعل( ‪ -‬ونسب الفعل إلى فعل الواحد بمــا‬
‫يليــق والموصــوف لنــه لــو اســتعمل صــيغة‬
‫الجمع كما في )جعلنا( ‪ -‬اشتركت فــي تنفيــذ‬
‫القوى المنف ّ‬
‫ذة كلها ومنهــا الكلمــة فأســبقية‬
‫الكلمة وتعريفها باللف واللم يستلزم صيغة‬
‫الفعل المفرد المنسوب للواحد الحد‪.‬‬
‫ولذلك أيض ـا ّ اتصــف بنفــس الصــفة )حــا ً‬
‫ل(‬
‫للفعل أرسل )أو المفعول(‪:‬‬

‫]وداعيا ً إلى الله بإذنه وسراجا ً منيرا ْ ‪‬‬


‫‪.46/33‬‬

‫كذلك قوله ‪‬وجعل القمر فيهن نورا ‪.‬‬

‫أ‬
‫‪206‬‬

‫ه نور ل منير فقــط ومــن حيــث‬


‫من حيث ان ّ‬
‫انه مع ّرف بنفسه ومن حيث انه )القمر( قبل‬
‫الجعل معّرفا ً بال التعريف‪.‬‬

‫بينما الية الولى‪:‬‬

‫‪.‬‬ ‫]وجعل فيها سراجا ً وقمرا ً منيرا ‪61/25‬‬

‫تضمنت جعــل ســراج معيــن فيهــا لــم يكــن‬


‫معروفا ً ول معّرفا ً من قبل وكذلك قمرا ً ليس‬
‫بمعروف ول مع ّرف قبل الجعل ثــم هــو منيــر‬
‫وليــس نــورا ً بنفســه ‪ -‬فهــذا ســراج الفلــك‬
‫وقمره‪.‬‬

‫ومن هنا ندرك الفرق بين الية وبين قوله‬


‫تعالى‬

‫]هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نورا ‪‬‬


‫‪.5/10‬‬

‫مــا ســاوى فــي نســبة الفعــل لــه‬


‫نلحظ انــه ل ّ‬
‫تعالى فــي اليــتين مي ّــز أيــة الكلمــة عــن أيــة‬
‫الفلـــك بالتشـــديد علـــى فردانيـــة الفاعـــل‬

‫أ‬
‫‪207‬‬

‫باســتعمال أســم الشــارة والســم الموصــول‬


‫قبل الفعل "هو الذي"‪ ،‬بينما اكتفــى بالفعــل‬
‫جعــ َ‬
‫ل( للحــديث عــن شــمس الفلــك‬ ‫وحــده )و َ‬
‫وقمره‪.‬‬

‫أ‬
‫‪208‬‬

‫محاولــة للتعــرف علــى بعــض شــخوص‬ ‫‪30‬‬


‫المشكاة‬

‫أ‪ -‬المشكاة‪:‬‬

‫يظهــر المثــل وهــو يتحــدث عــن )المشــكاة(‬


‫فقط وبقيــة مفــردات اليــة إنمــا هــي وصــف‬
‫للمشكاة وأجزاءها ووقودها‪.‬‬

‫]مثل نور ِ‬
‫ه كمشكاة ‪ -‬فيها مصباح ‪ -‬المصباح‬
‫ي ‪-‬‬
‫في الزجاجة ‪ -‬زجاجه كأنها كوكب در ّ‬
‫يوقد من شجرة ‪ -‬مباركة ‪ -‬زيتونة ‪ -‬ل شرقية‬
‫‪ -‬ول غربية ‪ -‬يكاد زيتها يضيء ‪ -‬ولو لم‬
‫سه نار ‪ -‬نور ‪ -‬على نور ‪ -‬يهدي الله‬
‫س ْ‬
‫تم ّ‬
‫لنوره من يشاء ‪‬‬

‫إذن فـــالكلم كّلـــه فـــي النهايـــة لوصـــف‬


‫المشكاة‪.‬‬

‫وأنت تعلم ان المشكاة الماد ّية عبــارة عــن‬


‫جسم صــلب جــدا ّ لحمايــة مــا فــي داخلــه مــن‬

‫أ‬
‫‪209‬‬

‫أجزاء بحيث يمكن تعليقه وحملــه مــع أجــزاءه‬


‫وغرضـــه الساســـي هـــو ان يكـــون مصـــدرا ً‬
‫للضاءة‪.‬‬

‫بقليـــل مـــن التأمـــل نلحـــظ ان الوصـــف‬


‫الباقي بعــد لفــظ المشــكاة هــو فــي حقيقتــه‬
‫)للمصباح(‪.‬‬

‫لن المصــباح موضــوع فــي زجاجــة وتــم‬


‫ي‪ .‬ثــم عــاد‬
‫وصــف الزجاجــة‪ :‬كأنهــا كــوكب در ّ‬
‫فقال )يوقد( والمقصــود المصــباح يوقــد مــن‬
‫شجرة لن التقاد خــاص بالمصــباح‪ .‬ومــن ثــم‬
‫فالوصاف كلها تعود إلى المصباح‪.‬‬

‫ان هــذا يــدل علــى العلقــة التكامليــة بيــن‬


‫ســـمى‬
‫المصـــباح والمشـــكاة ‪ -‬فـــالمجموع ي ّ‬
‫)مشكاة( وغاية هــذه المشــكاة إنــارة مصــباح‪،‬‬
‫بمعنى آخر ان المصباح ل يضيء ما لم يوضــع‬
‫في مشكاة والمشــكاة ل تضــيء مــا لــم يكــن‬
‫فيها مصباح‪.‬‬

‫أ‬
‫‪210‬‬

‫والمصباح ل يضيء أيضا ً ما لــم يصــل إليــه‬


‫وقود )الزيت( وبالتالي فالمجموعة ل تضــيء‬
‫بغير زيت ومصدر الزيت هــو )الشــجرة( وإذن‬
‫فالمثل كله مرتبط مــن حيــث وجــوده وغــايته‬
‫بالشجرة‪.‬‬

‫مــا كــانت الشــجرة مثل ً للكلمــة الطيبــة‬


‫ول ّ‬
‫والكلمة هي أحد الشخوص فقد ظهر التلحــم‬
‫بيـــن المريـــن أي ان الكلمـــة تنتـــج شـــجرة‬
‫والشجرة مجموعة كلمات تظهر تباعا ً ولكنهــا‬
‫فــي المثــل أعطــت مجموعــة مــن الكلمــات‬
‫المترابطة في الزمان والمكان ول تقــل عــن‬
‫خمس كلمات‪.‬‬

‫معلــوم ان المصــباح هــو الجــزء الوحيــد الــذي‬


‫دل في أية مشكاة‪ .‬وبالتالي فــان الجــزاء‬
‫يتب ّ‬
‫الخــرى ثابتــة والشــجرة تّتصــف بالديمومــة‬
‫والستمرار‪:‬‬

‫أ‬
‫‪211‬‬

‫ة طيبة‬
‫ة كشجر ٍ‬ ‫]ضرب الله مثل ً كلم ً‬
‫ة طيب ً‬
‫أصلها ثابت وفرعها‬
‫في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن رّبها ‪.‬‬

‫هذه الشجرة لها صورة مقلوبة هي عكــس‬


‫ما يتبادر فهي قديمــة جــدا ً وأصــلها ثــابت فل‬
‫تفنــى بفنــاء الخلــق ‪ -‬وفرعهــا فــي الســماء‬
‫فهي متدلية الغصان في جميع أجزاء الكون‪.‬‬

‫لذلك ورد عن النبي صلى اللــه عليــه وآلــه‬


‫وســلم ان مــن فعــل كــذا وكــذا فقــد )تعلــق‬
‫ن من أغصان شجرة الطوبى(‪.‬‬
‫بغص ٍ‬
‫إذن فالشجرة هي التي توصل إلــى الملــك‬
‫والخلــود مــن خلل التعلــق بهــا ل مــن خلل‬
‫ها أو الســـتكبار عليهـــا بالكـــل )أو‬
‫تســـلق ّ‬
‫الستهلك(‪ .‬ووضع الشجرة هو مقلوب وضــع‬
‫الشجرة الخبيثة‪.‬‬

‫أ‬
‫‪212‬‬

‫لن الشــجرة الخبيثــة نابتــة مــن الرض ‪ -‬أو‬


‫يخيل لــك ذلــك ‪ -‬لنهــا فــي الواقــع مجتثــة ل‬
‫قرار لها‪:‬‬

‫]كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثيت من فوق‬


‫الرض ما لها من قرار ‪‬‬

‫فالفناء يلحق الشجرة الخبيثة والــتي هــي‬


‫مثل للكلمة الخبيثة والتي هي شــخوص أيض ـا ً‬
‫)قادة الذين كفروا(‪.‬‬
‫ستلحظ في موضع لحــق انــه ضــرب مثل ً‬
‫ي الــذي‬
‫للــذين كفــروا بظلمــات البحــر اللجــ ّ‬
‫يغشاه موج بعد مثل المشــكاة مباشــرة حيــث‬
‫يظهر التقابل مرة أخرى‪.‬‬

‫فــإذا قلــت كيــف يقــول )تــؤتي أكلهــا كــل‬


‫ها نفــس الشــجرة الــتي‬
‫حين(‪ ،‬بينما أنت تعــد ّ‬
‫حّرم الكل منها؟‬

‫أ‬
‫‪213‬‬

‫بالطبع إذا آتتك الشجرة طعام ـا ً فعليــك ان‬


‫تأخذه لكن ل يجوز لك ان تأخذ منها وهي لــم‬
‫تؤت َ‬
‫ك بعد‪.‬‬

‫]ما آتاكم الرسول فخذوه ‪‬‬

‫فمن يفعل ذلك ُيو ّبخ وُيضرب أو ُيهان مثل‬


‫مــا يفعــل صــاحب البســتان إذا قطــع أولده‬
‫الثمــر قبــل النضــوج ‪ -‬إذ ل ينتــج مــن ذلــك إل‬
‫الضرر على الكلين وعلى الشجر‪.‬‬

‫مــتى تؤتــك الشــجرة ثمرهــا؟ ان النظــام‬


‫التكويني هو مثال شاخص للنظام التشــريعي‬
‫فهي تؤتيك الثمر وكما ترغب حينمــا تخــدمها‬
‫كما ينبغي لمثلها‪ ،‬حينما تنتظر الزمــن اللزم‬
‫وهو قانون وسنة من السنن لبد منه‪ .‬وحينما‬
‫تقطــف منهــا ثمرهــا قبــل النضــج ومــن غيــر‬
‫مها لها فأنك تظلم الشجرة وتظلم‬
‫خدمة تقد ّ‬
‫نفسك‪.‬‬

‫أ‬
‫‪214‬‬

‫فالشــجرة لهــا قانونهــا وأنــت تخضــع لهــذا‬


‫القــانون لتحصــل علــى الثمــر‪ ،‬أمــا إذا أردت‬
‫الحصول على الثمر بقــانون مــن عنــدك فلــن‬
‫تحصل على شيء‪.‬‬

‫فهنا المفارقة يدركها الناس يوم القيامــة‬


‫بحسرة بالغــة! إذ أنهــم قــاموا بخدمــة شــجرة‬
‫النبــات خاضــعين للقــانون مــذلولين بالســنن‬
‫يبتكرون شتى الوسائل لرضاء شجرة النبــات‬
‫لتدّر عليهم الربح الني الذي ل قيمة لــه فــي‬
‫الواقع‪.‬‬

‫بينمــا فــي الجــانب المماثــل مــن التشــريع‬


‫اعرضوا عن شجرة الله ورفضوا النصياع لهــا‬
‫والرضــوخ لقانونهــا ‪ -‬فــي حيــن أن الفــوارق‬
‫ممة‬
‫هائلة ل قياس لها لن شجرة النبات مصــ ّ‬
‫كنموذج لشجرة الحياة البدية فــالمرء يســتمد‬
‫مــن الولــى طاقــة للبقــاء ضــمن فــترة هــذا‬
‫ة‬
‫النموذج بينما النموذج الشرعي يمنحه طاقـــ ً‬
‫للبقاء وفق بقائه هو ‪ -‬أن الشــجرة المباركــة‬
‫أ‬
‫‪215‬‬

‫ل فنــاء لهــا لن الزيــت مضــيء قبــل التقــاد‬


‫فهو منبعث من الذات اللهيــة وهــو بــاق بعــد‬
‫الســـموات والرض‪ ،‬فـــالتكوين إنمـــا خلـــق‬
‫صغر لجل هذه الشجرة ل غير ‪ -‬أي‬
‫كنموذج م ّ‬
‫لجل أدراك طبيعتها‪.‬‬

‫وكــل مــا فــي الكــون مــن الفلك ونظــم‬


‫ســم‬
‫ونبــات وكائنــات إنمــا هــي نمــوذج مج ّ‬
‫صغر في الزمان والبقــاء والعمــر للشــجرة‬
‫وم ّ‬
‫المباركة‪.‬‬

‫ولذلك كله سبب فلسفي عميق جدا ً ولكنــه‬


‫بسيط وقريب للغاية‪ ،‬والمؤسف حقا ً أنني لم‬
‫أجد فليسوف ا ً أو متفلسف ا ً أو صوفيا ً أو فقيها ً‬
‫ب والبســيط فــي آن‬
‫أنتبــه لهــذا المــر المرك ـ ّ‬
‫واحد‪.‬‬

‫ذلك أن )معرفة الله( شيء متعــذر ومحــال‬


‫والمقصود بهذه العبارة هو أدراك أنه سبحانه‬
‫أكبر مــن أن يعــرف‪ .‬وتظهــر بســاطة الشــرح‬
‫فــي حقيقــة أن كــل موجــود ســواه يصــلح أن‬
‫أ‬
‫‪216‬‬

‫يكـــون موضـــوعا ً للمعرفـــة إل هـــو فليـــس‬


‫)موضوعًا( للمعرفة وبهذا يختلف الله الفــرد‬
‫الصمد عن كل أحد سواه‪.‬‬

‫وجميع الذين جعلــوه موضــوعا ً للبحــث قــد‬


‫أخطأوا أو تجــاوزوا ‪ -‬لن اللــه إذا عــرف كمــا‬
‫تعــرف بقيــة الموجــودات لــم يبقــى أي فــرق‬
‫بينه وبينهــا‪ .‬كيــف إذا ً يمكــن أن تحصــل هــذه‬
‫المعرفـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة‬
‫‪ -‬أي العجز عن معرفته عند الخلق؟ هنا تظهر‬
‫المسألة وهي مركّبة‪ .‬فقــد خلــق خلقــا ً جعــل‬
‫لهم نــورا ً مســتمدا ً مــن نــوره‪ ،‬وجعــل الخلــق‬
‫يتوهموا أنهم يعرفونهم معرفة حقيقة بينمــا‬
‫هم عاجزين في الواقع عن معرفتهم‪ .‬هـــؤلء‬
‫غر ومثل لنور الله‪.‬‬
‫نموذج مص ّ‬

‫بالمكــان خلــق تكوينــات أو أجــرام تحمــل‬


‫هذه الصفة لكن النسان يعجز عــن أدراك مــا‬
‫ليس من جنســه وطــبيعته‪ ،‬أي إدراك كــونه ل‬
‫يدركهم‪.‬‬
‫أ‬
‫‪217‬‬

‫من هنا فان إسجــاد الملئــكة وهم أفضل‬


‫المخلوقات لدم يأخذ دللــة فــــي معنــى مــن‬
‫معــاني )الحتجــاب(‪ -‬فــالله نــور الســموات‬
‫والرض ‪ -‬ولهـــذا النـــور مثـــل فـــي كلمـــات‬
‫نورانيــة‪ ،‬بهيئة بشــّرية‪ .‬فلــم يــأمر بالســجود‬
‫لنجــم أو فلــك أو مجــرة أو بحــر إنمــا أمــر‬
‫م بيــن جنــاحيه‬
‫بالسجود لهذا الكائن الذي يض ـ ّ‬
‫شعاعا ً من نور الله‪.‬‬

‫أما الكلمات فهي نور محض ‪ -‬فهي كلمات‬


‫الشجرة ول محيــص لــه عنــد الوبــة والرجــوع‬
‫ة لــه‬
‫من التوسل بالكلمات أي اتخاذهــا وســيل ً‬
‫للوصول إلى الوبة والرجوع‪.‬‬

‫إن التعامـــل مـــع الشـــجرة فـــي منتهـــى‬


‫الخطورة والدقة ‪ -‬أنه يعني التعامل مــع نــور‬
‫الله‪.‬‬

‫فالشــجرة هــي الــتي تعطــي وتمنــح مــتى‬


‫شــاءت وكيفمــا شــاءت وبحســب قانونهــا‪ ،‬ل‬
‫بحسب قوانين يبتدعها المستفيد‪.‬‬
‫أ‬
‫‪218‬‬

‫]ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه‬


‫فانتهوا ‪‬‬

‫إن حالتين من التعامل نجدهما في الية‪:‬‬

‫فالمنهي عنه أن تأخذوا ما لم يؤتكم!‬

‫هنا هو المأزق الذي وقعت فيــه النســانية‬


‫كلها إل من رحم ‪ -‬وهو المأزق الذي وقع فيه‬
‫آدم أول القوم‪.‬‬

‫فكيــف نربــط الستشــعار بالملوكيــة عنــد‬


‫ذوق الشجرة وبين الية؟‬

‫أن الذين أرادوا أن يجعلوا النبي صلى الله‬


‫عليــه وآلــه وســلم يفعــل وينفــذ أهــواءهم‬
‫وطلبــاتهم كــانوا يريــدون أن يأخــذوا مــا لــم‬
‫يؤتهم‪.‬‬

‫مــا نهــوا عنــه‪.‬‬


‫والمعنى أنهم لــم ينتهــوا ع ّ‬
‫والمعنى هو أنهم يريدون الكل من الشجرة‪.‬‬

‫وبــالطبع فإحســاس أي فــرد يطلــب )مــن‬


‫المير أو المالك أو القائد( أن يفعــل كــذا ول‬

‫أ‬
‫‪219‬‬

‫يفعــل كــذا هــو إحســاس المشــارك بالقيــادة‬


‫والمارة‪.‬‬

‫كـــانت الجماعـــة الســـلمية فـــي اغلـــب‬


‫أفرادهــا مصــابة بهــذا الــداء الوبيــل وكــانت‬
‫تحاول تنفيذ مراميها ومشاركته في أمره‪.‬‬

‫لقد كان الكلون من الشجرة المحّرمة هم‬


‫الكثرة الكثيرة ‪ -‬وكــان المطيعــون المنفــذون‬
‫بل مناقشة هم القّلة‪.‬‬

‫كانت الجماعة في اغلب أفرادهــا ل تفهــم‬


‫شيئ ا ً عن جوهر القضية التي بعث من اجلها‪.‬‬

‫وكان اقتران أسمه صــلى اللــه عليــه وآلــه‬


‫وسلم بعد )الله( مباشرة في عشرات اليــات‬
‫الخاصة بالطاعة وتنفيذ الوامر ل تأخذ عنــده‬
‫البعد الفلســفي اللزم وكــانت بالنســبة لهــم‬
‫كغيرها من الوامر مدعاة للجتهاد والتاؤيل ‪-‬‬
‫ثم تفشى هذا الــداء فــي الجماعــة الســلمية‬

‫أ‬
‫‪220‬‬

‫كلها وهو اليوم عــام تقريب ـا ً فلــم يســلم منــه‬


‫)إل قلة من الولين وقلة من الخرين(‪.‬‬

‫وهـــذا المـــر متعلـــق بـــالقلب ونوايـــاه‬


‫فالوراق الــتي نكتبهــا الن هــي لهــذه القلــة‬
‫فقط ليزدادوا إيمانا ً مع إيمانهم‪.‬‬

‫وبإمكانك أن تلحظ أن قوله تعالى‪:‬‬

‫]وشاورهم في المر فإذا عزمت فتؤكل‬


‫على الله ‪‬‬

‫فهذه الية مثل ً أشــهر عنــد ال ّ‬


‫مــة مــن أيــة‬
‫المشكاة‪.‬‬

‫وهي أشهر من قوله تعالى‪:‬‬

‫]ومن يشاقق الرسول من بعدما تبين له‬


‫الهدى ويتبع غير سبيل‬
‫المؤمنين نوّله ما تولى ونصله جهنم ‪‬‬
‫‪.115/4‬‬

‫ومن قوله‪:‬‬

‫أ‬
‫‪221‬‬

‫]وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا ‪‬‬


‫‪.92/5‬‬

‫وأشهر من تلك المعادلــة بيــن طاعــة اللــه‬


‫وطاعة الرسول في قوله تعالى‬

‫‪.‬‬ ‫]من يطع الرسول فقد أطاع الله ‪80/4‬‬

‫ما في‬
‫هذا الطلق وهذه المعادلة المقلوبة ع ّ‬
‫الذهان تحتاج إلى التأمــل فــإذا كــانت طاعــة‬
‫الرسول قد تأخرت في أكثر اليات عن طاعة‬
‫مت فالرســول هــاد ول يحتــاج‬
‫اللــه فهنــا تقــد ّ‬
‫إلــى أيــة مقترحــات مــن أحــد‪ ،‬والمشــاورة ل‬
‫تضمن الستفادة من أراء الغيــر ‪ -‬فالمشــاور‬
‫قد ل يحتــاج إلــى أراء الغيــر بــل المشــاورات‬
‫يتم فيها كشف أراء الغير فقط‪.‬‬

‫فإذا أمكنه الكشف عن أراءهم أمكنه صلى‬


‫الله عليه وآله وسلم اتخاذ قــرار مناســب أمــا‬
‫لتعزيز قــوتهم أو معالجــة ضــعفهم أو إحبــاط‬
‫مؤامراتهم التي يعرفها من )لحن القول(‪.‬‬

‫أ‬
‫‪222‬‬

‫لذلك قال ‪‬فإذا عزمت فتوكل علــى اللــه‬


‫‪.‬‬

‫فهــو وحــده الــذي يعــزم ولــو كــانت هنــاك‬


‫مداخلــة مــن أي نــوع والنتفــاع منهــم باتخــاذ‬
‫العــزم لجــاء بصــيغة الجمــع أي لقــال ‪‬فــإذا‬
‫عزمتم فتوكلوا ‪.‬‬

‫فلنلحظ جملة من الوامر‪:‬‬

‫]ومن ُيط ْ‬
‫ع الله ورسوله يدخله جنات ‪‬‬
‫‪.13/4‬‬

‫]أن تطيعوه تهتدوا ‪.54/24 ‬‬

‫]ومن يطع الله ورسوله فاز فوزا ً عظيمــا ً ‪‬‬


‫‪.71/33‬‬

‫]وأطعن الله ورسوله ‪.33/33‬‬

‫]وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون ‪‬‬


‫‪.132/3‬‬

‫]أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ‪.59/4 ‬‬

‫أ‬
‫‪223‬‬

‫]قل أطيعوا الله والرسول ‪.32/3 ‬‬

‫]ويطيعــون اللــه ورســوله أولئك ســيرحمهم‬


‫‪.71/9‬‬ ‫الله ‪‬‬

‫]أطيعوا الله ورسوله ‪.1/8-6/8 ‬‬

‫‪.12/64‬‬ ‫]وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول ‪‬‬

‫]أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ‪.33/74 ‬‬

‫وإذا لحظنـــا جملـــة أخـــرى مـــن الوامـــر‬


‫الخاصة ببعض النبياء نجد طــاعتهم هــي مــن‬
‫جملة الوامر الولى‪:‬‬

‫فــي ســورة الشــعراء تكــرر ذكــر عبــارة‬


‫‪‬فاتقوا الله وأطيعون ‪ ‬ثمــان مــرات وتلــك‬
‫فــــــــــــــــــــــــــي اليــــــــــــــــــــــــــات‬
‫‪/108/110/126/131/144/150/163/179‬‬
‫عدا السور الخرى‪.‬‬

‫وقد يلحظ حصر الرسال نفســه بالطاعــة‬


‫بأداة الحصر‪:‬‬

‫أ‬
‫‪224‬‬

‫]وما ارسلنا من رسول إل ليطاع ‪. 64/4‬‬

‫ذلك لن جميع الهداف الخرى = الهــدى ‪-‬‬


‫التقوى ‪ -‬الجنــات تتحقــق بهــذه الطاعــة كمــا‬
‫لحظت قبل قليل‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى نهى النبي صلى الله عليه‬


‫وآله وسلم عن طاعة المجموعــات المــذكورة‬
‫في اليات‪:‬‬

‫]فل تط ْ‬
‫ع الكافرين ‪. 52/25‬‬

‫]ول تطع الكافرين والمنافقين ‪. 48/33‬‬

‫]يا أيها النبي اتق الله ول تطع الكافرين‬


‫والمنافقين ‪. 1/33‬‬

‫]ول تطع كل حلف مهين ‪. 10/68‬‬

‫دوا لو تدهن فيدهنون‬ ‫]فل تطع المك ّ‬


‫ذبين و ّ‬
‫‪. 8/68‬‬

‫]ول تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتب ّ‬


‫ع‬
‫هواه ‪. 28/18‬‬

‫أ‬
‫‪225‬‬

‫ه المجموعات الفرعية كلهــا‬


‫ومعلوم ان هذ ِ‬
‫ضــمن الجماعــة الســلمية لنهــا لــم ترتبــط‬
‫بالشرك أو )عبدة الصــنام( فهــؤلء مجموعــة‬
‫منفصــلة وهــو معهــا فــي حــرب دائمــة ول‬
‫يطيعها في شيء‪.‬‬

‫هذه المجموعات الفرعية اســتطاعت فيمــا‬


‫دث عنهــا إلــى‬
‫بعد ان تصرف اليات التي تتح ـ ّ‬
‫مجموعـــة غائبـــة ولـــم تعـــد موجـــودة وهـــي‬
‫ى ذلــك إلــى‬
‫مجموعــة عبــدة الصــنام وقــد أد ّ‬
‫ور عام من غياب المجموعات التي يتحدث‬
‫تص ّ‬
‫عنها القرآن ففقد بذلك موضوعه الــدائم ثــم‬
‫صرفت بتاويلت أخرى إلى اليهود والنصــارى‬
‫وعبدة الكواكب والمجوس والصابئة وغيرهــم‬
‫بحيــث تــم تقــديم وتــأخير اللفــاظ القرآنيــة‬
‫لتنسجم مع التفسير الجديد وقد رأينــا أمثــال ً‬
‫لها في )الحل القصدي للغة(‪.((1‬‬

‫كتاب مخطوط للمؤلف‪.‬‬ ‫‪(1‬‬ ‫)‬

‫أ‬
‫‪226‬‬

‫وإذا عدنا للموضوع‪ :‬فالطائع لله والرسول‬


‫يستشعر الخضوع والستســلم وبخلفــه فــان‬
‫العاصي يحاول المشاركة في المر ‪ -‬بتعميــم‬
‫المعنــى اللغــوي للنهــي ذلــك لنــك إذا قلــت‬
‫فلن يأمر وينهي فهذا تكرار لن المر يقول‬
‫)افعــل ول تفعــل( أي ان النهــي مــن جملــة‬
‫الوامر أو أحــد الوامــر لــذلك ُيســمى الرجــل‬
‫)أميرًا( وفي العسكر )المر( ول يقال الناهي‬
‫لن النهي أمر‪:‬‬

‫]يقــولون هــل لنا مــن المر مــن شـيء‬


‫قــل ان المر ك ُّله لله يخفــون‬
‫في أنفسهم ما ل يبدون لك ‪. 154/3‬‬

‫أثبتنــا ان )القــول( غيــر الكلم فــي كتــاب‬


‫النظام بناءً على الية‪:‬‬

‫]سواء منكم من ا ّ‬
‫سر القول ومن جهر به ‪‬‬

‫فهـــم يبـــدون المشـــورة ولكنهـــم يخفـــون‬


‫المشــاركة‪ ،‬فيحتمــل أنهــم لــم يجهــروا بهــذا‬

‫أ‬
‫‪227‬‬

‫القول‪ .‬فلحظ كيف تتعلق الية عند اكتمالهــا‬


‫بمحاولة المشاركة والتي منشأها )القلب(‪:‬‬

‫]يخفون في أنفسهم ما ل يبدون لك‬


‫يقولون لو كان لنا من المر شيء ما قتلنا‬
‫ها هنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين‬
‫كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي‬
‫الله ما في صدروكم وليمحص ما في قلوبكم‬
‫والله عليم بذات الصدور ‪. 154/3‬‬

‫هــذه المجموعــات تضــم خليط ـا ً مــن كفــار‬


‫ومنــافقين أو مــؤمنين ألتبــس عليهــم المــر‬
‫ومن مؤمنين مطيعين وهم القل عددًا‪.‬‬

‫ومثل هذه التركيبــة المختلطــة هــي نفــس‬


‫التركيبـــة الموجـــود عليهـــا حـــال المجتمـــع‬
‫)السلمي( فــي كــل العصــور كمــا أنهــا هــي‬
‫نفس التركيبة التي عليها حال أهل الكتاب‪.‬‬

‫أ‬
‫‪228‬‬

‫وأذا كان )المر( ك ّله لله فأن تنزل الوامر‬


‫إنما يحــدث بقــانون أي أن التنــزل نفســه هــو‬
‫أمر من الوامر‪.‬‬

‫فالملــك الــذي يشــرع قانونــا ً إنمــا يقــوم‬


‫بتنفيــذ القــانون )جماعــة( خاصــة تفهــم روح‬
‫القــانون بنــاءً علــى قــانون التشــريع نفســه‪.‬‬
‫بمعنى أن القاضي أو الحاكم بالقــانون ليــس‬
‫ب بل هــو القــادر علــى الحكــم‬
‫كل من هب ود ً‬
‫بالقــانون بصــلحية مــن قــانون آخــر ضــمن‬
‫شريعة الملك لنه لو حكم كــل شــخص نفســه‬
‫بقــانون الملــك فالشــخاص ســيختلفون فــي‬
‫فهــم القــانون وبخاصــة علــى أنفســهم فل‬
‫تبقى ضرورة لوجود القانون‪.‬‬

‫فل يستطيع أحد أن يحكم بالقانون مــا لــم‬


‫يكـــن القـــانون نفســـه قـــد أعطـــاه تلـــك‬
‫الصلحيات‪.‬‬

‫أ‬
‫‪229‬‬

‫بــل الحــاكم نفســه إذا حــوكم بالقــانون‬


‫فيحكمه القانون عن طريــق رجــل آخــر وفــق‬
‫قانون أيضًا‪.‬‬

‫فــالوامر تحتــاج إلــى تنفيــذ ويجــب تعييــن‬


‫المنفـــذين وفـــق الوامـــر‪ .‬ان التنفيـــذ هـــو‬
‫انعكاس لشريعة الملك وظهور لمره‪.‬‬

‫لــذلك فــأولوا المــر ليــس كــل مــن تــوّلى‬


‫المر‪ .‬فثمــة فــرق بيــن قولــك صــاحب الثــوب‬
‫وهو شخص قام باستلب ثوب زيد وبين قــول‬
‫المالك الصلي للثوب الذي هو زيد‪.‬‬

‫بمعنى ان هناك مــن اســتلب الحكــم وقــام‬


‫بإصدار الوامر ومع ذلك فهو ليس مــن اولــي‬
‫المر الذين يــأمر القــرآن بطــاعتهم مــن بعــد‬
‫الرسول‪.‬‬

‫واضــح ان الوامــر عبــارة عــن )كلم(‪ .‬أمــا‬


‫ون فهـــم كلمـــات‪ .‬واول الكلمـــات‬
‫المنفـــذ ّ‬

‫أ‬
‫‪230‬‬

‫وأعظمها عند الله هو النبي صــلى اللــه عليــه‬


‫وآله وسلم لنه مشكاة تلك الشجرة‪.‬‬

‫فقد رأينا كيف أمر بطاعة النبي صلى الله‬


‫عليه وآله وسلم ‪ -‬فهذا أمر عام يشتمل على‬
‫جميع الوامر‪ .‬لنه جعــل طــاعته طاعــة اللــه‪.‬‬
‫وطاعة الله هي الغاية من إنزال كلمــه الــذي‬
‫من جميع الوامر‪.‬‬
‫يتض ّ‬
‫فالكلمـــات هـــي الخـــرى ل تنقطـــع ‪ -‬إذ‬
‫بانقطاعها ل تبقى ضــرورة للكلم ‪ -‬انقطــاع‬
‫الكلمات هو مثل ما يحدث إذا ألغيــت تعيينــات‬
‫القضاة وأغلقت المحاكم‪ .‬في هــذه الحالــة ل‬
‫تبقى ضرورة للقانون‪.‬‬

‫إذن فقوله تعالى‪:‬‬

‫]أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي المر‬


‫منكم ‪ 59 / 4‬‬

‫إنما يشتمل على مجموعة كلمات مستمرة‬


‫بعد الرسول‪.‬‬

‫أ‬
‫‪231‬‬

‫وأية محاولة للبقــاء علــى الكلم مــن غيــر‬


‫كلمــات هــي محاولــة يــراد بهــا فهــم الكلم‬
‫حسب مقتضيات المصلحة النيــة للفاعــل‪ ،‬ان‬
‫مثل تلك المحاولة هي الكفر لنها فــي واقــع‬
‫الحال كفّر بجميع الوامر‪.‬‬

‫الكفــر هــو ان افهــم القــانون بطريقــتي ‪-‬‬


‫واليمــان بالقــانون هــو ان افهمــه وفــق مــا‬
‫أراده الم ّ‬
‫شــرع‪ .‬هــذا هــو فيصــل الفــرق بيــن‬
‫الكفــر واليمــان‪ .‬فهــؤلء حكــام للشــريعة إذ‬
‫انهم معنييــن بتنفيــذ الوامــر وعبــارة )اولــي‬
‫المر( مشعرة بكــونهم يتلقــون المــر الكلــي‬
‫اللهي وهم أول من يخبر به‪.‬‬

‫لذلك فهم العلم بل هم العلمــاء والبــاقي‬


‫جهال بالمر تماما ً وافضل من فيهم هــو مــن‬
‫له قدرة على استنباط سبب الحكــم بطريقــة‬
‫أو أخــرى‪ ..‬فهــذا البتلء الغايــة منــه تمييــز‬
‫جماعة إبليس عن جماعة التوابين مثل آدم‪:‬‬

‫أ‬
‫‪232‬‬

‫]ولو رد ّ‬
‫وه إلى الـرسول والى اولي المر‬
‫لعلمه الذين يستنبطونه منهم ‪ 83/4‬‬

‫هم هنــا لمــن ل يتــدبر بصــورة‬


‫قد يحدث تو ّ‬
‫ظن ان الذين يستنبطون منهــم مــن‬ ‫دقيقة في ّ‬
‫أولي المر!!‬

‫ذلــك لن أولــي المــر ليــس فيهــم مــن‬


‫من ل يستنبط فهــذا المــر ســيكون‬ ‫يستنبط و َ‬
‫اعتباطيا ً يج ّ‬
‫ل الله تعالى عنــه إذ كيــف تفعــل‬
‫وجد زمان يغيــب فيــه الرســول‬
‫المجموعة إذا ُ‬
‫وليـــس مـــن أولـــي المـــر أحـــد قـــادر علـــى‬
‫الســـتنباط؟ ان اللتفـــات القرآنـــي أو مـــا‬
‫أسميناه )حيوية الكلم( يحددّ مواضــع عائديــة‬
‫الضمائر‪.‬‬

‫فالخير فيه عودة إلى المجموعــة الصــلية‬


‫)ولـــــو ردوه(‪ ،‬بمعنـــــى ان الضـــــمير فـــــي‬
‫يســـتنبطون و)ردوه( يعـــود إلـــى مجموعـــة‬
‫واحدة‪.‬‬

‫أ‬
‫‪233‬‬

‫أمـــا الرســـول واولـــو المـــر فمجموعـــة‬


‫سؤولة عن المر‪.‬‬
‫م َ‬
‫م المــر جماعــة منهــم عــن طريــق‬
‫فإذا فه َ‬
‫الرســول واولــي المــر ‪ -‬اخــبروا بــه البــاقين‬
‫حجة عليهم‪ .‬فتلــك المجموعــة ل خيــار‬
‫وكانوا ُ‬
‫لها في المر إذ لو كان لكــل شــخص خيــاراته‬
‫في القانون لفسدت الممالك كلها‪.‬‬

‫]وما كان لمؤمن ول مؤمنة إذا قضى الله‬


‫ورسوله أمرا ً ان يكون لهم ال َ‬
‫خيرةُ من أمرهم‬
‫ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضل ل ً مبينا ً‬
‫‪ 36/33‬‬

‫لم يقل الخيــرة مــن ذلــك المــر ‪ -‬بــل مــن‬


‫)أمرهم( لن لهم خياراتهم واليمان إنما هو‬
‫اختيار خيار اللــه ورســوله لــذلك أعطــى هــذه‬
‫الصفة للمــؤمن والمؤمنــة إذ مــن الواضــح ان‬
‫هناك من يستولي على المر لكنــه لــن يكــون‬
‫مؤمنا ً ول مؤمن ً‬
‫ة ولن يكــون مــن اولــي المــر‬

‫أ‬
‫‪234‬‬

‫فالخيــار نفســه مــتروك شــأنه شــأن اليمــان‬


‫نفسه‪:‬‬

‫]ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ‪‬‬

‫فاليمــان هــو خيــار والكفــر هــو خيــار ‪ -‬فــإذا‬


‫ي ان اختــار مــا اختــار لــي‬
‫ومن فعل ّ‬
‫ت ان ا ّ‬
‫أرد ُ‬
‫اللـــه ورســـوله وإذا دخلـــت خيـــاراتي ضـــمن‬
‫خياراتهم فهنا تكمن المعصية والكفر‪.‬‬

‫وليست الممالك الرضية هي الــتي تفســد‬


‫ب بــل‬
‫هـــب ود ّ‬
‫إذا تــرك القــانون لكــل مــن ّ‬
‫مــة تنفيــذ‬
‫المملكة السماوية تفسد لــو كــان ث ّ‬
‫ممكن لخيارات الناس‪:‬‬

‫]ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات‬


‫والرض ‪ 251/2‬‬

‫في بحث سابق رأينا انه عاب عليهــم عــدم‬


‫نصــرهم النــبي صــلى اللــه عليــه وآلــه وســلم‬
‫فقال‪:‬‬

‫أ‬
‫‪235‬‬

‫]إل ّ تنصروه فقد نصره الله إذ اخرجه الذين‬


‫كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار ‪‬‬

‫ب‬
‫ه النصر إليه وانص ـ ّ‬
‫ورأينا كذلك كيف توج ّ‬
‫الخــراج عليــه ثــم رأينــا كيــف انفــرد بــإنزال‬
‫السكينة عليه وانفرد كذلك بالتأييد له وأثبتنــا‬
‫كذلك انعدام الجنود الرئيســيين معــه انعــداما ً‬
‫تاما ً ‪ -‬ثــم لحظنــا انــه صــلى اللــه عليــه وآلــه‬
‫وسلم كلمة الله العليا‪.‬‬

‫وإذا تتبعنا تلك المسألة ‪ -‬أي العلقــة بيــن‬


‫الكلمة والــذات اللهيــة نلحــظ فروق ـا ً كــبيرة‬
‫بينه وبين سواه من الكلمات‪.‬‬

‫فالمسيـح )كلمة منـه(‪ .‬وفي النص الخــر‪:‬‬

‫]وكلمتـ ُ‬
‫ه ألقاها إلى مريــم ‪ ‬فالنســبة إلــى‬
‫تلك الضمائر واستعمال )من( يؤكــد لنــا ان ل‬
‫أحد من النبياء نسب إلى لفظ الجللــة بهــذه‬
‫الصيغة )كلمة الله( سوى النبي الخــاتم صــلى‬
‫الله عليه وآله وسلم‪.‬‬

‫أ‬
‫‪236‬‬

‫لــذلك فهــو الكلمــة الجامعــة للكلمــات كمــا‬


‫م عــام لجميــع أجزاءهــا‪ .‬وأهميــة‬
‫المشكاة أس ّ‬
‫المصــباح مهمــا بلغــت‪ ،‬باعتبــاره هــو عنصــر‬
‫الضــاءة يبقــى جــزءً مــن المشــكاة وتبقــى‬
‫المشكاة )فيها مصباح(‪.‬‬

‫ب ‪ -‬المصباح والزجاجة ‪:‬‬

‫يوضــع المصــباح فــي الزجاجــة لســببين‪:‬‬


‫الول هــو حمايــة المصــباح والثــاني للســماح‬
‫باختراق الضياء المنبعث منــه خلل الزجاجــة‪.‬‬
‫الواقع ان الســبب واحــد هــو حمايــة المصــباح‬
‫ووقع الختيار على الزجاج للسبب الثاني‪.‬‬

‫إذن حماية المصباح هي الهــدف مــن وضــع‬


‫الزجاجة‪.‬‬

‫ميــة بالمشــكاة لنهــا داخلهــا‬


‫الزجاجــة مح ّ‬
‫والمصـــباح داخـــل الزجاجـــة‪ .‬إذن فالزجاجـــة‬
‫واقعة بينهما‪.‬‬

‫أ‬
‫‪237‬‬

‫ح‬
‫وعنصر الحماية واضح في المثــل ‪ -‬صــحي ّ‬
‫ان مثل نور الله ل علقة له بمصــابيحنا الــتي‬
‫نحميها من الرياح والحشرات وعبث الطفال‬
‫دة ‪ -‬ولكــن المثــل‬
‫أو الخطــاء غيــر المتعمــ ّ‬
‫القرآني يحتاج إلــى حمايــة مــن اؤلئك الــذين‬
‫يرغبون ببقاء الظلم‪ .‬وتظهر أهمية الزجاجــة‬
‫إذا عرفنا وجود محاولت لطفاء نور اللــه أي‬
‫تحطيم المصباح‪:‬‬

‫]يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله‬


‫م نوره ‪ 8/16‬‬
‫مت ُ‬
‫]يريدون ان يطفئوا نور الله بأفواههم‬
‫ويأبى الله‬
‫ه الكافرون ‪ 23/9‬‬
‫إل أن يتم نوره ولو كر ِ‬
‫لن نـــور اللـــه فـــي اليـــتين هـــو نشـــاط‬
‫الكلمات والتي تعمل بمقتضى الكلم اللهــي‬
‫والمر‪ .‬وقد راينا العلقة بين المر والكلم‪.‬‬

‫أ‬
‫‪238‬‬

‫إذن فعبارة )بافواههم( هو نشــاط كلمــي‬


‫ص تأويــل الكلم ثــم يــأتي‬
‫مقابــل‪ .‬انــه يخــ ّ‬
‫السلوك لينفذّ مشروع الطفــاء‪ ،‬لن النــور ل‬
‫ما يتم‬
‫يطفئ من حيث انه انعكاس للضاءة فا ّ‬
‫تدمير المصباح أو اقتلع الشجرة‪.‬‬

‫فالشجرة ل ُتطال لن اصلها ثابت وفرعها‬


‫ق إل تحطيم المصباح‪.‬‬
‫في السماء فلم يب َ‬
‫تشــكل المشــكاة حمايــة اكيــدة للمصــباح‬
‫ولكن ماذا يحدث لو غابت المشكاة؟‬

‫ي فقــط‬
‫اعنــي عنــد غيــاب الجــزء المــاد ّ‬
‫للمشكاة والذي نريد به موت بدن النبي صلى‬
‫الله عليه وآله وسلم؟‬

‫يبقــى المصــباح عاريـا ً ‪ -‬وعنــد ذلــك يحتــاج‬


‫المصباح إلى حماية‪.‬‬

‫ليست الحماية المطلوبة فــي هــذه الحالــة‬


‫ان تكـــون قـــادرة فعل ً علـــى منـــع تـــدمير‬
‫المصباح‪.‬‬

‫أ‬
‫‪239‬‬

‫بل الحماية المطلوبة هي الكشف عن هــذا‬


‫م‪.‬‬
‫التدمير والعلن عن فاعليه فيما لو ت ّ‬
‫ونجــد مثــال ذلــك فــي تشــبيه المســيح ‪-‬‬
‫ه لهم فقد ثبتت تهمة الصلب على‬ ‫فحيث ُ‬
‫شـب ّ َ‬
‫الفــاعلين لنهــم إنمــا صــلبوا المســيح عليــه‬
‫السلم حســب اعتقــاداتهم‪ .‬فالمســيح نفســه‬
‫لم يصلب ولــم يقتــل ولكــن الفــاعلين اثبتــوا‬
‫التهمة على أنفسهم فهــم متلبســين بجريمــة‬
‫فعلية اســمها )قتــل المســيح(‪ .‬ان المصــباح ‪-‬‬
‫حتى ذلك الــذي نســتخدمه بالفعــل للضــاءة ‪-‬‬
‫معــدن مــرن جــدا ً ومقــاوم للعــوارض وبصــفة‬
‫عامه ليس من الضروري تحطيم المصباح بــل‬
‫يكفي عدم أنارته بأية وسيلة‪.‬‬

‫وافضل الطرق ‪ -‬بعــد غيــاب المشــكاة هــو‬


‫فصله عن موضــعه المرتبــط بــه مــع الشــجرة‬
‫حيث مصدر الوقود‪.‬‬

‫هنــا تكمــن أهميــة الزجاجــة‪ .‬إذ ل يمكـــن‬


‫الوصـول إلــى نــزع المصــباح مــن موضــعه إل‬
‫أ‬
‫‪240‬‬

‫بتحطيم الزجاجة‪ .‬ومعلوم ان تحطيم الزجاجة‬


‫عمل مثير للنتباه اكثر من أي شيء آخــر‪ ،‬ان‬
‫سر الزجاج هو أكثر الصوات احتكاكا ً‬
‫صوت تك ّ‬
‫بشغاف القلب وأكثره مجلبة النتباه‪.‬‬

‫إذ كانت إحدى الكلمات امراة فان الزجاجة‬


‫تعــبير عنهــا‪ ،‬فــالنبي صــلى اللــه عليــه وآلــه‬
‫وســلم هــو أول واصــف للمــرأة بالقــارورة‬
‫الزجاجيــة وعنــه اخــذ الشــعراء والدبــاء هــذا‬
‫التشبيه الذي تراه مبثوثا ً في الدب العربي‪.‬‬

‫وإذا كــانت الزجاجــة امــراة فليســت مــن‬


‫مرشحة لمثل هذا التشبيه في المثل القرآني‬
‫ه ســيدة نســاء العــالمين فاطمــة‬
‫ســوى بضــعت ُ ُ‬
‫الزهراء عليها السلم‪.‬‬

‫فإذا ابتعــدنا عــن النــص القرآنــي وراجعنــا‬


‫النص النبوي وليكن المتفق عليــه فقــط عنــد‬
‫الجماعـــة الســـلمية فنحـــن إزاء مخلوقـــة‬
‫أحاطها صاحب الرسالة صلى الله عليــه وآلــه‬

‫أ‬
‫‪241‬‬

‫وسلم بهالــة عظيمــة مــن الحــاديث بعبــارات‬


‫مختلفة‪.‬‬

‫ة مــع‬
‫واذا اردنــا ملحقتهــا وجــدناها متفق ـ ً‬
‫هذا التشبيه‪.‬‬
‫ان كســر الزجاجــة وتحطيمهــا عمــ ّ‬
‫ل يــثير‬
‫النتبـــاه‪ .‬ولكـــن يمكـــن لعشـــاق الظُلمـــات‬
‫عينة تجعل الزجاجة تختفــي‬
‫استخدام وسيلة م ّ‬
‫من غير ان ينتبه أحد‪.‬‬

‫وهنــا تظهــر أهميــة الوصــف المنفــرد فــي‬


‫النص القرآني‪.‬‬

‫فهـــذا الجـــزء هـــو الوحيـــد مـــن مؤلفـــات‬


‫المشكاة المستنير بذاته من غير مصباح ومــن‬
‫غير زيت ‪ -‬فعنــد خفائهــا يحــدث نقــص واضــح‬
‫في النوار‪:‬‬

‫]الزجاجة كأنها كوكب در ّ‬


‫ي‪‬‬

‫أ‬
‫‪242‬‬

‫ن )يوقد( ‪ -‬الضمير فيه راجـــع‬


‫إذا اعتقدنا ا ّ‬
‫ي فمعنــى ذلــك ان الوقــود‬
‫ب الــدر ّ‬
‫إلى الكــوك ّ‬
‫خاص بالزجاجة‪.‬‬

‫فــي هــذه الحالــة ل يحتــاج المصــباح إلــى‬


‫وقود خاص بل هو متقد بنفسه‪.‬‬

‫ويبدو هذا التأويل أكثر انسجاما ً مــع اللغــة‬


‫القرآنية بصفة خاصة لن المصــباح علــى زنــة‬
‫مفتاح )مفعال( يفيد قيامه بالفعل ذاتيا ً كمــا‬
‫المفتاح يفتح بنفسه ‪ -‬فهو ل يحتاج إلــى أداة‬
‫أخرى ليقوم بعمله الذي اشتق منه‪.‬‬

‫ي يوقد مــن‬
‫إذن )فالزجاجة كانها كوكب در ّ‬
‫شجرة مباركة(‪.‬‬

‫إذا كان المر كذلك فليس بمقــدور عشــاق‬


‫الظلم التمييز بيــن أضــاءة المصــباح واضــواء‬
‫الزجاجــة ‪ -‬وفــي جميــع الحــوال فــان خلــع‬
‫المصباح من موضعه ل يتــم مطلق ـا ً مــن غيــر‬
‫إزالة للزجاجة‪.‬‬

‫أ‬
‫‪243‬‬

‫في الواقع التاريخي نلحظ انســجاما ً بيــن‬


‫المثل والواقع‪.‬‬

‫ول المصابيح لم يتــم العلن عــن خلعــه‬


‫فا ّ‬
‫إل بعد إزالة الزجاجة‪.‬‬

‫أكــاد اجــزم وبنــاءً علــى تركيــب اليــة وهــذا‬


‫التطــابق مــع الواقــع التــاريخي ان فاطمــة‬
‫صــد‬
‫د وتر ّ‬ ‫الزهــراء قــد قتلــت عــن ســابق عم ـ ٍ‬
‫حمــل‬‫وبصورة سّرية جدًا‪ .‬وبعد رحيلهــا فــورا ً ُ‬
‫علي بن ابي طــالب إلــى المســجد مــع أربعــة‬
‫ح حيــث أمــر بــإعلن بيعــة لصــاحب‬
‫الف مســل ّ‬
‫النبي صلى الله عليه وآلــه وســلم فــي الغــار‬
‫ول اثنين ‪ -‬وإذن فقد خلع من موضعه على‬
‫وا ّ‬
‫الصــورة الظاهريــة فقــط‪ .‬وتشــكل وصــيّتها‬
‫صــحابة مــن حضــور جنازتهــا علمــة‬
‫بحرمان ال ّ‬
‫ن إخفــاء موضــع‬
‫اكيــدة علــى الجريمــة‪ ،‬كمــا ا ّ‬
‫قبرها من قبل َ‬
‫ذويها علمة أخرى آكد‪.‬‬

‫ملــك‬
‫قلنــا مــن الناحيــة الظاهريــة‪ :‬لن ال ُ‬
‫اللهي ‪ -‬ملــك الشــجرة المباركــة ل يبلــى ول‬
‫أ‬
‫‪244‬‬

‫صــنا‬
‫يمكن خلع صاحبه عنه ‪ -‬فهذه الوقائع تخ ّ‬
‫فقط‪.‬‬

‫الكــثير مــن الملــوك استشــهدوا بــالقرآن‬


‫لتقريــر ان ملكهــم مشــروع ووليتهــم علــى‬
‫الخلق وفق الشرع كما في قوله تعالى‪:‬‬
‫]قل اللهـم مـالك الملــك تــؤتي المـــل َ‬
‫ك مــن‬
‫ن تشاء ‪‬‬ ‫ع المـل َ‬
‫ك مم َ‬ ‫ت َ‬
‫شاء وتنز ُ‬
‫ه اليـــة ملـــوك‪ ،‬كـــثيرون‬ ‫واســـتد ّ‬
‫ل بهـــذ ِ‬
‫وسلطين في العالم السلمي‪.‬‬

‫ح ان المرء إذا قــام بــانقلب عســكري‬


‫صحي ّ‬
‫ه‬ ‫مل َ‬
‫ك السلطان فان ذلك بمشيئة الله وقــدر ِ‬ ‫و َ‬
‫ه‪.‬‬
‫وقضاء ِ‬
‫سون على الناس باستغلل‬
‫لكن الملوك ُيلب ُ‬
‫آية قرآنية من هذا النوع لن الشياء الواقعــة‬
‫بمشيئة الله وقدره وقضاءه وعلمه ‪ -‬أي بهذه‬

‫أ‬
‫‪245‬‬

‫الربعة إنمــا تحتــاج إلــى عنصــر خــاص لتكــون‬


‫ه(‪.‬‬
‫مشروعة وهو )رضا ُ‬
‫ان جميــع جــرائم الكفــر تحــدث بالمشــيئة‬
‫علم‪ .‬لكنها تحدث من غير‬
‫والقضاء والقدَ َر وال ِ‬
‫رضاه‪.‬‬

‫هــذه المســألة أي العلقــة بيــن المفــردات‬


‫الخمسة في القرآن تحتاج إلى كتاب خاص‪.‬‬

‫ومع ذلك فإني أختصــر لــك هــذه العلقــات‬


‫سط‪ ،‬وعند قراءتك ارجع للمخطط‬
‫بمخطط مب ّ‬
‫ده يلئم جميع الموارد القرآنية‪ ،‬ويفســّرها‬
‫تج ّ‬
‫من غير تناقض‪.‬‬

‫لقد لحظنا شيئا ً من العلقات بيــن القــدْر‬


‫ة عامــة‬‫والقدَ َر وكذلك شيئا ً من المــر وبصــف ٍ‬
‫فالمتعلق بالســنن ليــس بالضــرورة ان يكــون‬
‫متعلقا ً بالرضى اللهي أو المر‪.‬‬

‫ان الفعــال الصــادرة مــن جميــع الجــوارح‬


‫يمكن ان تكون إحدى ثلثة‪ :‬فــرائض إلهيــة أو‬

‫أ‬
‫‪246‬‬

‫فضائل أو معاصي‪.‬‬

‫ولنفــرض ان جميــع الــذنوب هــي مــن بــاب‬


‫المعاصي بغير تمييز بين كبائرها وصــغائرها ‪-‬‬
‫و ما‪.‬‬
‫لن مفردة المعاصي جامعة لها على نح ٍ‬
‫قدر الله‬
‫أمر الله‬
‫فرائ‬
‫ض‬

‫مشيئة الله‬ ‫رضا الله‬


‫فرائض‬

‫قضاء الله‬
‫علم الله‬

‫فرائ‬
‫ض‬

‫أ‬
‫‪247‬‬

‫هــذا المخطــط بســيط للغايــة وواضــح‪.‬‬


‫فالفضــائل مثل ً تحــدث برضــا اللــه وقضــائه‬
‫ولكــن ليســت بــأمره‪ .‬والمقصــود بــالمر هنــا‬
‫الواجبات المنزلة في الكتب‪.‬‬

‫وهذا مجرد تســامح مــع التقســيم الفقهــي‬


‫وإل ّ فنحـــن نعتقـــد ان الفضـــائل والفـــرائض‬
‫شيء واحد‪ .‬إنما القصد هنا مثل إعطاء زيادة‬
‫من الصدقات أكثر من الفريضة فالله لم يأمر‬
‫‪((1‬‬
‫بذلك ولكنه برضاه وهو بمحبته‬

‫والمعاصي وقعت بالقضاء‪ .‬لكنهــا لــم تقــع‬


‫بأمره ول رضاه‪.‬‬

‫الفرائض وقعت بأمره ورضاه وقضائه‪.‬‬

‫وأمــا القــدر والمشــيئة والعلــم والقضــاء‬


‫مه لكل الوقائع ‪ -‬سواء كانت فــرائض‬
‫فهي عا ّ‬
‫أو فضائل أو معاصي‪.‬‬

‫‪(1‬أو مثل زيادة الصلة كالنوافل ‪ .‬وكل المندوبات ومع ذلك فإنها ل تسلم من مناقشة لوجود‬ ‫)‬

‫أوامر عامة بشأنها مثل )امر ربي بالقسط(‪) ،‬ان اللــه يــأمر بالعــدل والحســان( ‪ -‬ويتــوجب‬
‫إذن ملحظة التداخل بين الفرائض والوامر‪.‬‬

‫أ‬
‫‪248‬‬

‫وهناك دوما ً أخطاء في )عائديــة الضــمائر(‬


‫حاول العتباط استغللها أو افتعالهــا لتمريــر‬
‫أفكاره‪.‬‬

‫فالـــذي )يـــؤتيه اللـــه المــــلك(‪ -‬ل أحـــد‬


‫بمقــدوره ســلبه هــذا الملــك إل مــن الناحيــة‬
‫الظاهريــة فقــط لقــد كــان علــى )نمــرود(‬
‫التخ ّلي عن الملك لبراهيم عليه السلم الذي‬
‫س‬
‫اتاه الله الملك‪ .‬اما نمــرود فقــد آتــاه النــا ُ‬
‫الملك وليس إله إبراهيم‪.‬‬

‫م بقضاء الله وقدره‬


‫وحصوله على الملك ت ّ‬
‫ومشــيئته أي انــه حــدث وفــق الســنن اللهيــة‬
‫التي تسمح بالصل لوقوع المعاصي‪.‬‬

‫ون‬
‫لــو كــان الملــوك صــادقين فيمــا يــدع ّ‬
‫هــم التخّلــي فــورا ً عــن جميــع القــوانين‬
‫فعلي ّ‬
‫التي يحكمون بها الناس‪.‬‬

‫فلماذا يحاكم الملــك زيــدا ً ويحبســه لقتل ـ ِ‬


‫ه‬
‫عمرو؟ يحق لزيد ان يقول ان الله الذي اتــاك‬

‫أ‬
‫‪249‬‬

‫ك والسلطان قــد آتــاني أيض ـا ً‬


‫مل َ‬
‫أيها الملك ال ُ‬
‫قدرة على قتل عمرو! وعدا ذلك فاني قتلتــه‬
‫لن اجلــه قــد انقضــى ‪ -‬ولــو شــاء اللــه ان ل‬
‫اقتله لفعــل ومــن ثــم فقــد حــدث كــل شــيء‬
‫بالقضاء والقدر المحتوم‪.‬‬

‫كل ما يصــدق مــن حمــق وســخافة لوصــف‬


‫و اكــبر‬
‫مقولة زيد هــذه فــانه يصــدق علــى نحـ ٍ‬
‫وا‬
‫لوصــف مقولــة جميــع الملــوك الــذين ادعــ ّ‬
‫خلفــة النــبي صــلى اللــه عليــه وآلــه وســلم‬
‫باعتبار ان الله يؤتي ملكه من يشاء‪.‬‬

‫الواقع ان اليــات تتحــدث للــردّ علــى هــذه‬


‫المقولة ل لثباتها‪ .‬بمعنى ان الله الذي اختار‬
‫غيركــم للملــك والســلطان يفعــل مــا يشــاء‪،‬‬
‫فعليكم الذعان لختياره والقبول به‪.‬‬

‫وإذا سلبتم الملك والســلطان ممــن اتــاهم‬


‫الله الملك فهذا السلب مؤقت بالحيــاة الــدنيا‬
‫فقط والتي سترون انكم لم تلبثــوا فيهــا إل‬

‫أ‬
‫‪250‬‬

‫ة أو ضحاها‪ .‬ومن ثم يأتي الملك البــدي‬


‫عشي َ‬
‫لهؤلء في وقت تحشرون فيه إلى جهنم‪.‬‬

‫كانت محاججة نمرود لبراهيــم هــي بشــأن‬


‫أيهما أحق بالملك والسلطان‪:‬‬

‫]أ لم تَر إلى الذي حاج إبراهيم في رّبــه ان‬


‫آتاه الله الملك ‪ 258/2‬‬

‫فالية واضحة في تقرير ان اللــه قــد اتــى‬


‫الملك لبراهيم‪ ،‬وقد ذكرت قضية اليتاء فــي‬
‫مواضع أخرى من القرآن كقوله تعالى‪:‬‬

‫]أم يحسدون الناس علــى مــا آتــاهم اللــه‬


‫مــن فضــله فقــد اتينــا آل إبراهيــم الكتــاب‬
‫والحكمة وآتيناهم ملكا ً عظيما ً ‪ 54/ 4‬‬

‫وقد انكــر قبــل هــذه اليــة ان يكــون لحــد‬


‫نصيب من الملك اللهي من غير الذين آتــاهم‬
‫الله الملك والسلطان فقال‪:‬‬

‫]أم لهــم نصــيب مــن الملــك فــإذا ل يؤتــون‬


‫الناس نقيرا ‪ 53/4‬‬

‫أ‬
‫‪251‬‬

‫صــر العتبــاط اللغــوي‬


‫ومع هــذا الوضــوح أ ّ‬
‫والتفسيري الذي يعيش علــى فضــلت مــوائد‬
‫المراء والملوك ‪ -‬أص ـّر علــى إعــادة الضــمير‬
‫في الية إلى )نمــرود( مــدعيا ً انــه هــو الملــك‬
‫في ذلــك الزمــان وإبراهيــم رجــل عــادي كــان‬
‫يحاججه في رّبه‪.‬‬

‫لقد وجد إبراهيم عليه السلم فــي نمــرود‬


‫منطقا ً مخالفا ً للمعقول فــالحق بالملــك هــو‬
‫القدر على جعل الموجودات مذعنة ومطيعــة‬
‫ك ترجع قدرته في ذلك إلــى قــدرة‬
‫له وكل مل ِ‬
‫رّبه‪:‬‬

‫]إذ قال إبراهيم ربي الذي يحي ويميت! [‬

‫فقال نمرود‪:‬‬

‫] قال أنا احيي وأميت ‪‬‬

‫وحســب مــا روي قــال اعمــد إلــى رجليــن‬


‫احكــم عليهمــا بــالموت فــاعفو عــن أحــدهما‬
‫وأميت الخر فاكون بذلك قد احييت وامت‪.‬‬

‫أ‬
‫‪252‬‬

‫فقال إبراهيم ان كنت صادقا ً فاحيي الذي‬


‫مات!‬

‫ان مثــل هــذا المنطــق الملتــوي هــو صــفة‬


‫مشتركة للملوك الزور واتباعهم‪.‬‬

‫ثم قال إبراهيم‪ :‬دع عنك هذا‪:‬‬

‫]فان الله يأتي بالشمس من المشــرق فــأت‬


‫بهـــــــــــــــا مـــــــــــــــن المغـــــــــــــــرب‬
‫فبهـــت الـــذي كفـــر واللـــه ل يهـــدي القـــوم‬
‫الظالمين ‪ 258/2‬‬

‫لقد عادت الشمس لتأتي مــن المغــرب ورآهــا‬


‫الجمــع ولــذلك بهــت كــل مــن كفــر‪ .‬ان هــذه‬
‫المحاججة بين إبراهيم عليــه الســلم ونمــرود‬
‫لم تكن موضــوعها قــدرة اللــه فــان نمــرود ل‬
‫ينكر الله وقدرته شأنه شأن أي كائن آخر بــل‬
‫ه الملــك ولن‬
‫موضــوعها مــن منهمــا آتــاه رّبــ ُ‬
‫القرآن يجعل سبب المحاججة هو إيتاء الملك‬
‫لبراهيم‪ .‬من الواضــح جــدا ً ان احــدا ً عــاقل ً ل‬

‫أ‬
‫‪253‬‬

‫يمكنه محاججة أحد ملوك الرض فــي ان اللــه‬


‫) ُيحيي و ُيميت( ‪ -‬إذ يــدرك الملــك مثــل جميــع‬
‫النــاس حقيقــة المــوت والحيــاة ‪ -‬بــل قــال‬
‫إبراهيم )ربي الذي يحيي ويميــت( ولمــا كــان‬
‫و الذي قــد آتــاه الملــك فهــو إذن ُيحــي‬
‫ه َ‬
‫ه ُ‬
‫الل ُ‬
‫وُيميت ‪ -‬كما فعل المسيح عليــه الســلم مــن‬
‫بعد إذ كان ُيحيي الموتى لــذلك اجــاب نمــرود‬
‫قائل ً )أنا أ ُ‬
‫حيي وأميت( ‪ -‬بحيلة لفظية ‪ -‬فلما‬
‫جاء إبراهيم بمثال الشمس _بهت الذي كفر(‪.‬‬

‫لبد إذن ان يكون إبراهيــم قــد أراه قــدرته‬


‫في ان يأتي بالشمس من المغرب لن مجــّرد‬
‫جــة فــان لنمــرود‬
‫الكلم والدعاء ل تثبت به ح ّ‬
‫قدرة ان يقول عن ر ّبه الــذي آتــاه الملــك مــا‬
‫شاء مــن الصــفات ‪ -‬فلكــي يثبــت كــل منهمــا‬
‫ل منهما إظهــار‬
‫أحقيته بالملك يتوجب على ك ٍ‬
‫كـــل مـــا فـــي قـــدرته مـــن ســـيطرة علـــى‬
‫الموجودات ولما كــان ملــك نمــرود مــن إيتــاء‬
‫الناس وملك إبراهيم مــن إيتــاء اللــه فالغلبــة‬

‫أ‬
‫‪254‬‬

‫جــرد كلم‪.‬‬
‫م ّ‬
‫ديــة ل ُ‬
‫لبراهيم بناءً على أدلــة ما ّ‬
‫لــذلك نقــول انــه أراه إحيــاء المــوتى وإعــادة‬
‫الشمس خلف ـا ً للعتبــاط الــذي يحــاول جعــل‬
‫المحاورة في الله ل في ملك الله‪.‬‬

‫فــي موضــوع ســابق ذكرنــا ان المعجــزة ل‬


‫يــراد بهــا الدللــة علــى الصــدق فــي الــدعوى‬
‫وحســب وإنمــا الهــم مــن ذلــك الصــدق فــي‬
‫الوعد‪.‬‬

‫فحيث يعجز ملوك الزور عن دفع الضر عن‬


‫ملــك مــن‬
‫أنفســهم يتمكــن مــن آتــاه اللــه ال ِ‬
‫تســـخير الموجـــودات وإصـــدار المـــر إلـــى‬
‫الكائنــات لتحقيــق مــا يحلــم بــه النســان مــن‬
‫حياة ل شقاء فيها‪.‬‬

‫ان النسان وهو يحاول التخّلص من ملــوك‬


‫آتاهم الله الملك بعبــادة ملــوك مزيفيــن إنمــا‬
‫يجلـــب بـــذلك لنفســـه الخســـارة والحرمـــان‬
‫والفناء والعذاب بدل ً من الحياة البديــة الــتي‬
‫ل شقاء فيها‪.‬‬
‫أ‬
‫‪255‬‬

‫وهو في ذلك مخدوع من حيث ان العبودية‬


‫للطغــاة تســتنفذ جميــع طاقــاته لتــوهمه انــه‬
‫يحقق ذاته ويسمح لخياراته الخاصة بالتحقق‪.‬‬
‫بينما طاعــة اولــي المــر تتضــمن عكــس ذلــك‬
‫تمامــا ً حيــث تضــاف لــه طاقــة جديــدة فــوق‬
‫طــاقته وحيــث يتمكــن مــن تحقيــق خيــاراته‬
‫الفعلية‪ ،‬ومن هنا يستحق كــل فريــق فعل ً مــا‬
‫سيكون جزاءً له بصورة عادلة تمام ًا‪.‬‬

‫ان إبراهيم عليــه الســلم هــو أحــد كلمــات‬


‫الله التي ل عدد لها وقد ابتلى بكلمــات قبــل‬
‫حصوله على هذه المرتبــة ‪ -‬ومــن هنــا تجــاوز‬
‫إبراهيم عليه الســلم الخطــأ الــذي وقــع فيــه‬
‫آدم‪:‬‬

‫]واذ ابتلى إبراهيم رّبه بكلمــات فــأتمه ّ‬


‫ن‬
‫قال إني جاعلك للناس إماما ً ‪ 124/ 2‬‬

‫تجــاوز إبراهيــم الوقــوع فــي الخطيئة الــتي‬


‫تجعله يتوسل بالكلمات للوبــة والرجــوع إلــى‬

‫أ‬
‫‪256‬‬

‫مستوى آخر هو أدراك ما للكلمات من اهميــة‬


‫في الحصول على الملك الدائم والخلود‪.‬‬

‫ان الختبــار الــذي جــرى لدم إنمــا يجــري‬


‫بصورة مستمرة لكل مخلوق‪ ،‬وكل إنسان قــد‬
‫ابتلى بالشجرة ‪ -‬وسوف نلحظ كيف ارتبطت‬
‫صفة )المباركة( صفة الشجرة بذرّية إبراهيم‪.‬‬

‫وقد أبتلى جميع الرسل والنبيــاء بكلمــات‬


‫هد ومن بعد العهد‬ ‫ع‬ ‫ال‬ ‫منهم‬ ‫الشجرة‪ .‬لقد ُ‬
‫أخذ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫الميثــاق علــى التصــديق بكلمــة اللــه العليــا ‪-‬‬
‫مشكاة النور اللهــي وأجزاءهــا المتصــلة بهــا‬
‫ومـــن هنـــا فقـــط منحـــوا النبـــوة والكتـــاب‬
‫واستمرار الذرية بعضها من بعض‪:‬‬

‫]واذ اخذ اللــه ميثــاق النــبيين لمــا آتيتكــم‬


‫من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدقّ لما‬
‫معكــم لتــؤمّنن بــه ولتنص ـّرنه قــال أ أقررتــم‬
‫واخذتم على ذلكم إصري؟ قالوا اقررنــا قــال‬
‫فاشهدوا وانا معكم من الشاهدين ‪ 81/3‬‬

‫أ‬
‫‪257‬‬

‫لقــد تضــمن الميثــاق اليمــان بالرســول‬


‫صره وكان ذلــك القــرار‬
‫المصدق لما معهم ون َ‬
‫حكمة‪.‬‬
‫هو شرط ايتاءهم الكتاب وال ِ‬
‫ومن هنا ندرك اهميــة المصــباح والزجاجــة‬
‫عهــد‬
‫باعتبارهما جزءً ل يتجزأ من المشكاة فال َ‬
‫والميثاق المأخوذ للتصديق بمحمد صــلى اللــه‬
‫عليه وآله وسلم واليمان به مــن النبيــاء قــد‬
‫انطــوى ضــمنا ً علــى القــرار ببقيــة كلمــات‬
‫الشجرة وأجزاء المشكاة‪.‬‬

‫جـ‪ -‬الشجرة ‪:‬‬

‫اتصفت الشجرة فــي اليــة بتســعة صــفات‬


‫بعد الفعل ُيوقد هي على التوالي‪:‬‬

‫‪ -1‬شــــجرة ‪ -2‬مباركــــة ‪ -3‬زيتونــــة ‪ -4‬ل‬


‫شرقية ‪ -5‬ل غربيــة ‪ -6‬يكــاد زيتهــا يضــيء ‪-7‬‬
‫ســه نــار ‪ -8‬نــور ‪ -9‬علــى‬
‫يضيء ولو لــم تمس ْ‬
‫نور‪.‬‬

‫أ‬
‫‪258‬‬

‫إذ كانت الصفتان الخيرتــان تعــودان علــى‬


‫المشــكاة أو المصــباح أو الزجاجــة فــالمر ل‬
‫يختلــف بالنســبة للشــجرة‪ .‬لن هــذا التعقيــب‬
‫)نور على نور( شامل لكــل الجــزاء‪ ،‬فــالنوار‬
‫كامنة في الشجرة من حيث ان الزيت يضــيء‬
‫قبل التقاد بالنار‪ .‬فعلينــا ان نتــذكر دومـا ً ان‬
‫المثـــل خليـــط متجـــانس مـــن المحســـوس‬
‫والمعقول ولــذلك فالمشــكاة منيــرة قبــل ان‬
‫تمس زيتها النار وهذا المــر ل مثيــل لــه فــي‬
‫ي ان المشـــكاة مثـــل‬
‫المحسوســـات فالمـــدع ّ‬
‫لقلب المؤمن )كما ورد في اغلب التفاســير(‬
‫يعجز عن شرح معاني الشجرة والزيــت الــذي‬
‫ســه النــار لغيــاب ذلــك فــي‬
‫يضيء قبــل ان تم ّ‬
‫المحسوسات من الطبيعة ‪ -‬وثانيا ً لُبعد )قلــب‬
‫المـــؤمن( عــن النــارة قبــل التقـــاد الـــذي‬
‫ســــنلحظه‪ .‬نحــــاول الن اســــتعراض تلــــك‬
‫الخصائص‪:‬‬

‫أ‬
‫‪259‬‬

‫فقــوله‪ :‬شــجرة‪ :‬لحظنــا علقــة الشــجرة‬


‫بالكلمة‪ .‬الشجرة النباتية ســميت كــذلك لنهــا‬
‫تشبه في حركتها حركة التعاقب )شجَر( وقــد‬
‫دنــا علــى اعتباطيــة أهــل‬
‫أوضــحنا ذلــك فــي ر ّ‬
‫اللغة كدليل على اعتباطية الشــارة اللغويــة‪.‬‬
‫لذا نقول ان اللفظ يأتي بهذه الحركة فليــس‬
‫مـــن الضـــروري فـــي اللغـــة القرآنيـــة الـــتي‬
‫يستعمل فيها اللفظ علــى الصــل الحركــي ‪-‬‬
‫ليــس مــن الضــروري دوم ـا ً انــه يعنــي شــجرة‬
‫النبات المعهود‪.‬‬

‫فنحـــن نســـتعمل اللفـــظ علـــى الحقيقـــة‬


‫للشارة إلى )الذر ّية( و )النسب( بــل والفــرد‬
‫ب‬
‫الواحــد إذ كــان لــه قــدرة علــى التشــع ّ‬
‫والتفّرع ‪ -‬كذلك للمر الذي يختلــف ويتشــعب‬
‫فيقــال )شــجر بينهــم أمــر( أي نمــا وتفــرع‬
‫وتشعب‪ :‬قال تعالى‪:‬‬

‫أ‬
‫‪260‬‬

‫ورب َ‬
‫ك ل يؤمنون حتى يحكمونك في ما‬ ‫]ف ّ‬
‫ة فــي مــا‬
‫شــجَر بينهــم ثــم ل يجــدوا غضاضــ ً‬
‫وا تسليما ‪‬‬
‫قضيت ويسلم ّ‬
‫إذن فالشجرة نسب وذرية النبياء والرسل‬
‫عليــه الســلم والــتي تنتــج )كــل حيــن( قيــادة‬
‫للخلــق كمــا للــذين كفــروا قيــادة مــن جنــس‬
‫شجرتهم الخبيثة‪.‬‬

‫وهنــاك مشــكاة تتــألف مــن أجــزاء خمســة‬


‫توقد من هذه الشــجرة‪ .‬فالشــجرة إذن تعمــل‬
‫كجزء من المشــكاة وكوقــود لهــا وذلــك لنهــا‬
‫دائمة‪ .‬وتخصيص المشكاة مثل ً لنور اللــه فيــه‬
‫غايــة هــي ان المشــكاة منيــرة قبــل وصــول‬
‫الزيت‪.‬‬

‫في هذه النقطة يكون مركز التشــبيه‪ .‬لن‬


‫محض وليس مجرد‬
‫هذا معناه ان المشكاة نوّر َ‬
‫شعاع نوراني‪.‬‬

‫أ‬
‫‪261‬‬

‫فكــأن الشــجرة ‪ -‬النبيــاء والرســل عليــه‬


‫الســلم ‪ -‬جميعــا ً إنمــا جــاءوا للخــراج مــن‬
‫الظلمات إلى النور المحــض ‪ -‬نــور المشــكاة‪،‬‬
‫وقد لحظنا ما يؤكد ذلك في الميثاق المأخوذ‬
‫عليهم باليمان بالنبي محمد صلى اللــه عليــه‬
‫وآلــه وســلم ونصــره مقابــل إتــاءهم الكتــاب‬
‫والحكمة‪.‬‬

‫فــإذا جــاء التعقيــب )نــور علــى نــور( فــانه‬


‫يعنــى أشــياء كــثيرة قــد ل يمكــن احصــاءها‪.‬‬
‫فأولها ان )النــار( الــتي تمــس الزيــت ســتنير‬
‫الجزاء مرة أخرى علوة على انارتها الذاتية‪.‬‬

‫وثانيهــا ان الوعــد إذا تحقــق لظهــور ملــك‬


‫كلمــات الشــجرة سيحصــل مجمــوع النــوار‬
‫باليمان بالنبي صلى اللــه عليــه وآلــه وســلم‬
‫وتصــديقه مــن خلل جميــع النبيــاء والرســل‬
‫والولياء‪.‬‬

‫فقوله تعالى‪:‬‬

‫أ‬
‫‪262‬‬

‫]يوم ل يخــزي اللــه النــب ّ‬


‫ي والــذين آمنــوا‬
‫معه نورهم يسعى بين ايديهم وبإيمانهم ‪‬‬

‫سيشــتمل علــى جميــع النبيــاء والرســل‬


‫وه‪.‬‬
‫لنهم آمنوا به وصدق ّ‬
‫من عــددا ً‬
‫والثالث ان ديمومة الشجرة تتضــ ّ‬
‫من الكلمات لحين تحقــق الوعــد ظهــرت فــي‬
‫الخصائص التسعة للشجرة‪.‬‬

‫فهذه الكلمات كامنة في الشجرة ومتأخرة‬


‫فــي ظهورهــا عــن أفــراد المشــكاة عليــك‬
‫بالتأمـــل فيهـــا لدراك المزيـــد مـــن النظـــام‬
‫الـــداخلي فـــي اليـــة‪ ،‬فالمكونـــات الخمســـة‬
‫الولــى تختلــف فــي ترتيبهــا الفعلــي عــن‬
‫الترتيب الذي استخرجناه فهي تخضع لــترتيب‬
‫المفردات نفسها في الية‪.‬‬

‫دي( ‪-‬‬
‫بمعنى ان المشكاة أو )النــور المحمــ ّ‬
‫نــور محــض يظهــر فــي شــخوص فالشخصــية‬
‫الجامعــة للنــور ل تتكــرر‪ .‬ومثــل هــذا المــر‬

‫أ‬
‫‪263‬‬

‫نستعمله فــي حياتنــا العامــة‪ ،‬فالشــيء الــذي‬


‫ينطــوي علــى أجــزاء حــال العــرض تــذكر عنــد‬
‫العــرض تلــك الجــزاء أو المكونــات وإذا كــان‬
‫ينطوي علــى ولدة أجــزاء أخــرى فإنهــا تــذكر‬
‫كخصائص ل كــأجزاء‪ .‬إذن فــالمجموع الفعلــي‬
‫للكلمــات هــو مجمــوع الجــزاء والخصــائص‬
‫)الصفات(‪ .‬ول يظهــر مثــل هــذا المجمــوع إل‬
‫بــالتلحم بيــن المكونــات والصــفات بحيــث ل‬
‫يتكرر شيء منها مرتين وبهذا تتــوزع كتوزيــع‬
‫المقاطع اللفظية في اليــة كلهــا بحيــث يتــم‬
‫دمج النوار والجــزاء والصــفات فــي تشــكيل‬
‫يفيد هذا العدد المقصــود وعلــى النحــو الــذي‬
‫تظهر فيه )دفقات( للكلمات وكما يأتي‪:‬‬

‫‪ -1‬الله نور السموات والرض‬

‫‪ -2‬مثل نوره كمشكاة‬

‫‪ -3‬المشكاة فيها مصباح‬

‫‪ -4‬المصباح في زجاجة‬

‫أ‬
‫‪264‬‬

‫ي‬
‫‪ -5‬الزجاجة كأنها كوكب در ّ‬
‫‪ -6‬يوقد من شجرة‬

‫‪ -7‬مباركة‬

‫‪ -8‬زيتونة‬

‫‪ -9‬ل شرقية‪.‬‬

‫‪ -10‬ل غربية‬

‫‪ -11‬يكاد زيتها يضيء‬

‫سه نار‬
‫‪ -12‬ولو لم تمس ْ‬
‫‪ -13‬نور على نور‪.‬‬

‫‪ -14‬يهدي الله لنوره من يشاء‬

‫يحـــدث فـــي هـــذا الـــترتيب دوران‪ ،‬فـــإذا‬


‫طابقته على عدد الشهور فانتهى العــدد عنــد‬
‫الرقـــم )‪ - (12‬عـــادت الرقـــام ) ‪ (13‬و)‪(14‬‬
‫لتــدور لفظيــا ً مــع ) ‪ (1‬و) ‪ (2‬مــن حيــث ذكــر‬
‫النور‪.‬‬

‫أ‬
‫‪265‬‬

‫"علقات لفظية أخرى"‬

‫في سورة البقرة حيث ذكره انــه تعــالى‬


‫‪‬جعل في الرض خليفة ‪ - ‬وقالت الملئكة‬
‫‪‬أتجعل فيها من يفسد فيها‪ ..‬إلى اخر الية‬
‫‪ ‬قال تعــالى ‪‬انــي اعلــم مــا ل تعلمــون ‪.‬‬
‫وفي نهاية الختبار الذي جرى بشأن السماء‬
‫انبــاء آدم الملئكــة )باســماء هــؤلء( الــذين‬
‫جهلوهم الملئكة فقال معقبا ً ‪‬فل ّ‬
‫ما أنباءهم‬
‫بأسمائهم قال أ لم أقل لكم إني اعلــم غيــب‬
‫السموات والرض واعلم ما تبدون ومــا كنتــم‬
‫تكتمون ‪.‬‬

‫في آخر آية المشكاة المضروبة كمثــل لنــوره‬


‫تعالى يأتي تعقيب مشابه عن العلم إذ يقول‪:‬‬
‫]ويضــرب اللــه المثــال للنــاس واللــه بكــل‬
‫شيء عليم ‪. 35/24‬‬

‫أ‬
‫‪266‬‬

‫ان مثل هذه الفقرة ل نجدها فيمــا يعقــب‬


‫لفظ )المثال( في موارده الحدى عشرة في‬
‫القرآن‪.‬‬

‫وذلك لن المثل لما كان مضروبا ً لنور الله‬


‫تعــالى ولمــا لــم يكــن مــن موجــودات شــيء‬
‫اعظم من نور اللــه فيتــوجب اســتعراض مثــل‬
‫هــذه الموجــودات باســرها واســتخراج المَثــل‬
‫منها لذلك ورد التعقيب انه )بكل شيء عليم(‬
‫‪ -‬وهـــذا يعنـــي انـــه ل يصـــلح شـــيء مـــن‬
‫الموجودات أفضل من المشكاة مثل ً لنور الله‬
‫لنه يعلم جميع تلــك الشــياء ‪ -‬فل الشــموس‬
‫ول القمــار الفلكيــة فــي الكــوان ول غيرهــا‬
‫يؤدي الغرض المطلوب من المثل كمــا تــؤديه‬
‫المشكاة ‪ -‬فهي من شجرة يكاد زيتهــا يضــيء‬
‫ولو لم تمسه نار نور على نور بينما ل تحــدث‬
‫إضاءة من غيــر نــار ‪ -‬وكمــا قلنــا فهنــا مركــز‬
‫التشبيه الذي سنوضحه مرة أخرى قريبًا‪.‬‬

‫أ‬
‫‪267‬‬

‫بعض خصائص الشجرة‬ ‫‪30‬‬

‫لنلحظ العلقات اللفظية لبعــض خصــائص‬


‫الشجرة‬

‫اللفظ الول‪ :‬مباركة‬

‫لقــد ارتبطــت صــفة )مباركــة( فــي القــرآن‬


‫بشبكة لفظية نجــدها فــي آيــة المشــكاة مــرة‬
‫أخرى مثال ذلك‪:‬‬

‫أ‪ -‬الرتباط بالشجرة‬

‫]فل ّ‬
‫مــا أتاهــا نــودي مــن شــاطئ الــوادي‬
‫اليمن من البقعة المباركة من الشجرة ‪‬‬

‫ب‪ -‬الرتباط بالبيت‬

‫وهذا الرتباط هــام جــدا ً لننــا تقـ ّ‬


‫دمنا فــي‬
‫السياق متسائلين‪:‬‬

‫ه المشكاة؟‬
‫أين توجد مثل هذ ِ‬

‫أ‬
‫‪268‬‬

‫ومثل هذا السؤال ساذج للغاية ولكــن اللــه‬


‫َيعل ُـــم ج َ‬
‫هـــل عبــاده فــأين عســى ان يكــون‬
‫الشخاص؟‬

‫بــالطبع يتواجــد الشــخاص وهــم كلمــات‬


‫الشجرة في بيــوت عادي ّــة جــدا ً فــي صــورتها‪،‬‬
‫تماما ً مثل صــورتهم المشــابهة لصــور النــاس‬
‫حيث يأكلون الطعام ويمشون في الســواق ‪-‬‬
‫وكذلك فانهم في بيوت‪.‬‬

‫إذن يأتي الجواب هكذا‪:‬‬

‫]نور على نور يهدي الله لنوره من يشـــاء‬


‫ويضرب الله المثال للناس والله بكــل شــيء‬
‫ت إذن اللــه ان ترفــع ويــذكر‬
‫عليــم‪ .‬فــي بيــو ٍ‬
‫فيها اسمه‪[ ..‬‬

‫ولم يكتف بذلك فحددّ ان في هذه الـــبيوت‬


‫)رجال(‪:‬‬

‫أ‬
‫‪269‬‬

‫]‪ ...‬اذن الله ان ترفع ويذكر فيهــا أســمه‬


‫يسبح له فيها رجال ل تلهيهم تجــارة ول بيــع‬
‫عن ذكر الله واقام الصلة وإيتاء الزكاة ‪.‬‬

‫وفي هــذه النقطــة يتهــاوى العتبــاط فــي‬


‫تفسيره إذ يزعم ان )المشكاة( قلب المؤمن‪.‬‬

‫لننا إذا افترضــنا ان القلــوب تتواجــد فــي‬


‫و غريــب مــن المجــاز الــذي‬
‫الــبيوت علــى نح ـ ٍ‬
‫أبطلناه سابقا ً يعود مرة أخرى لفــظ )رجــال(‬
‫ليلغــي هــذا المجــاز بــل ســوف يلغــي المثــل‬
‫برمته لننا بــازاء إحــدى حل ي ّــن ل ثــالث لهمــا‪:‬‬
‫ما رجال هم من الطهارة بحيث ل فــرق بيــن‬
‫أ ّ‬
‫قلوبهم وابدانهم في الطهــارة ‪ -‬وأمــا قلــوب‬
‫طــاهرة فقــط فيتــوجب ابقــاء الرمــز إلــى‬
‫النهاية وعــدم تخريبــه بلفــظ )رجــال(‪ ،‬ولكــن‬
‫العتبــاط ل تهمــه النتــائج الوضــح مــن هــذه‬
‫بكثير فكيف بهذه؟‬

‫أ‬
‫‪270‬‬

‫كل ذلك إذا غضضنا الطرف عن التناقضات‬


‫الخــرى بيــن الجمــع و المفــرد فالمشــكاة إذا‬
‫كانت مثل ً لقلب المؤمن فلن تكون في بيوت‬
‫صــح مثــل هــذا‬
‫بــل فــي بيــت واحــد ‪ -‬إذ ل ي ّ‬
‫النتقال من المفــرد إلــى الجمــع إذا أريــد بــه‬
‫جنس الفراد كلهم فيتوجب المحافظــة علــى‬
‫الفــراد والجمــع إلــى النهايــة مــا دام يفيــد‬
‫الجنس وعمومه‪.‬‬

‫في هذه اللحظة عليك أن تتذكر موضوع‬


‫الطين والتمازج في الفصول الولى والتأثير‬
‫المتبادل بين الختيار الذاتي وطبيعــة المــادة‬
‫التي يتألف منها البدن مثلما تتذكر أن البشــر‬
‫المنتظر ظهوره قد أشار إليه أنه خلقه بيــديه‬
‫فقال ‪‬ما منعك أن تســجد لمــا خلقــت بيــدي‬
‫‪.‬‬

‫أن )البيت( في منهاجنا يختلف عن )الدار(‬


‫و )المسكن(‪ ،‬فقد وردت اللفاظ الثلثــة فــي‬
‫القرآن ونحن ‪ -‬كما تعلم ‪ -‬ل نؤمن بــالترادف‬
‫أ‬
‫‪271‬‬

‫المزعــوم ببــن اللفــاظ‪ .‬كــذلك فنحــن نفــرق‬


‫ونلحظ بشدة الختلفــات فــي نفــس اللفــظ‬
‫بين المفرد والجمــع والمعــرف بنفســه وغيــر‬
‫المعّرف والمعّرف بالضافة‪.‬‬

‫ان المسكن موضع السكن ‪ -‬من السكون ‪-‬‬


‫فهو مرتبط بالكائن المتحــرك مــن خلل تلــك‬
‫الحركة ‪ -‬حيث يطرأ عليها السكون‪.‬‬

‫والدار الموضع الذي يدور فيه أمر ما أو تــدار‬


‫منه أمور ما وهو مرتبط بهــذه الحركــة أيض ـًا‪.‬‬
‫ولذلك تعم الدار مساحة أوســع فقــد تشــتمل‬
‫على مساكن كــثيرة جــدا ً بــل ويمكــن أطلقــه‬
‫على )الوطن( كله الذي يضم مجموعة بنظــام‬
‫معين‪:‬‬

‫]سأريكم دار الفاسقين ‪ ،‬لذلك كــانت‬


‫الخــرة )دارًا(‪) :‬وللــدار الخــرة خيــر(‪ ،‬وهــي‬
‫تضم مساكن عديدة‪:‬‬

‫] ومساكن طيبة في جنات عدن ‪‬‬

‫أ‬
‫‪272‬‬

‫أما البيت فأنه مرتبط بديمومــة واســتمرار‬


‫الحركة لمــا يحــل فيــه ‪ -‬أنــه متعلــق بــالفراد‬
‫الذين هم في البيت‪ ،‬فإذا استقرت جماعــة ل‬
‫تربطهــا رابطــة دائمــة كمــا لــو أجتمعــوا فــي‬
‫ســفر أو غيــر ذلــك فــأن موضــعهم هــذا هــو‬
‫)مسكن( ل بيت‪ .‬كذلك فالمرء إذا دخل وحــده‬
‫في موضع )دار مث ً‬
‫ل( فهي مسكن ل بيت‪.‬‬

‫شرط التســمية للموضــع فــالبيت مشــروط‬


‫ت(‪.‬‬
‫بأن يكون فيه )أمر مبي ّ‬
‫ويظهــر أن القــرآن يســتعمل هــذه المعــاني‬
‫الجذرية فقــط‪ ،‬فحينمــا يريــد وصــف الموضــع‬
‫وقد أنقطع عنه أهله يسميه )مسكنًا( ل بيتًا‪.‬‬

‫]وعادا ً وثمود وقد تبين لكم من‬


‫‪38/29‬‬ ‫مساكنهم ‪‬‬

‫]قد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان ‪‬‬


‫‪15/34‬‬

‫‪25/46‬‬ ‫] فأصبح ل يرى إل مساكنهم ‪‬‬

‫أ‬
‫‪273‬‬

‫لنه لو قــال بيتهــم فيتــوجب إعطــاء صــفة‬


‫جديدة تدل على خرابها لن طبيعة البيت انــه‬
‫دائم ومستمر في تكــوين الحركــة فــي داخلــه‬
‫بالتوالد والتساع‪.‬‬

‫لذلك جاء بمثل هــذا الوصــف فــي آيــة عــن‬


‫اولئك القـــــوام الـــــذين ذكـــــر بيـــــوتهم ل‬
‫مساكنهم‪:‬‬

‫]فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ‪52/27 ‬‬

‫إذن فنحــن نفهــم المثــل المضــروب لــبيت‬


‫مـــا يقـــوله‬
‫العنكبـــوت بطريقـــة مختلفـــة ع ّ‬
‫المفسرون‪:‬‬

‫]مثل الذين اتخــذوا مــن دون اللــه أوليــاء‬


‫كمثل العنكبوت اتخذت بيتا ً وان أوهن البيوت‬
‫مون ‪ 41/29‬‬
‫لبيت العنكبوت لو كانوا َيعل ُ‬
‫اشترط لمعرفة هذا الوهن العلم )لو كانوا‬
‫يعلمون(‬

‫أ‬
‫‪274‬‬

‫إذن فهذا الوهن ليــس ظــاهرا ً فــي خيــوط‬


‫مسكن العنكبوت كما زعموا‪ .‬ربما العكس هــو‬
‫ت ريحا ً شديدة إلى )بيــت(‬
‫جه ُ‬‫و ّ‬
‫الصحيح‪ :‬فقد َ‬
‫ع‪ ،‬وجهت سيل ً شديدا ً مــن‬‫العنكبوت فما تقط ّ‬
‫الماء إليه فاخترقه ولــم يــؤثر فيــه‪ .‬الحــق ان‬
‫مســكن العنكبــوت مــن اشــد المســاكن ثباتــا ً‬
‫ومقاومة‪.‬‬

‫الوهن إذن فــي الــبيت مــن حيــث انقطــاع‬


‫وجــود الفــراد فيــه وحيــاتهم وانعــدام ذلــك‪.‬‬
‫لحظ بيوت العناكب الخاوية من الحياة وهــي‬
‫باللوف تبقى لعشرات الســنين فــي اماكنهــا‬
‫خلف ا ً لجميع مساكن الحشــرات بــل والطيــور‬
‫الكبر حجم ًا‪ .‬واكتشفوا في الزمنــة اللحقــة‬
‫بمــا حققــه العلــم المعاصــر ان النــثى تقــوم‬
‫باكــل الــذكر بعــد وضــع الــبيض وحضــانته أو‬
‫العكس‪.‬‬

‫إذن فــالوهن هــو فــي عــدم اســتمرارية‬


‫وديمومة الحياة‪.‬‬
‫أ‬
‫‪275‬‬

‫ومن هنــا يطــابق المثــل الممثــل بــه ‪ -‬لن‬


‫الذين اتخذوا من دون الله أولياء حسبوا انهم‬
‫يحصلون علــى الديمومــة والســتمرار فكــانت‬
‫عاقبتهم الهلك وفقدان الحياة الحقيقية لن‬
‫الديمومة في الخرة ل في الولى‪:‬‬

‫]وان الخـــرة لهـــي الحيـــوان لـــو كـــانوا‬


‫يعلمون ‪ 64/29‬‬

‫لحــظ اشــتراك اليــتين فــي المركــب ‪‬لــو‬


‫كـــانوا يعلمـــون ‪ - ‬وكلهمـــا فـــي ســـورة‬
‫العنكبوت ومثل هذه النتائج تحــدث دومــا ً مــن‬
‫غير قصد وهو مــن المثلــة الواضــحة للنظــام‬
‫القرآنــي‪ ،‬لنــي اعتمــد فــي الشــرح علــى مــا‬
‫احفظ من غيــر تحديــد للمواضــع الــتي أثبتهــا‬
‫فيما بعد‪.‬‬

‫نعود الن إلى ارتبــاط لفــظ )مبــارك( فــي‬


‫آية النور بلفــظ بيــت‪ ،‬حيــث نجــده فــي قــوله‬
‫تعالى‪:‬‬

‫أ‬
‫‪276‬‬

‫]أ تعجــبين مــن أمــر اللــه؟ رحمــة اللــه‬


‫وبركاته عليكم أهل البيت ‪ 73/11‬‬

‫لماذا جاء اللفظ هنا؟ لن موضــوع الحــدث‬


‫ه الذ ّرية وهذا البيت‪.‬‬
‫هو استمرار حياة هذ ِ‬
‫نلحظ أيضا ً ارتباطه بالمر‪.‬‬

‫فأنت تتذكر مراتب المر فهنا المر الكل ّــي‬


‫الشامل )أمر الله(‪.‬‬

‫عجبــا ً ‪-‬‬
‫هذا يعني ان ولدة العجــوز ليســت َ‬
‫ذلك لنها ليست خلف ا ً للسنن والنواميس بــل‬
‫مباركة هــذا الــبيت واســتمراره هــو جــزء مــن‬
‫هذه الســنن ان لــم تكــن الســنن الكونيــة قــد‬
‫وضعت اصل ً لجل ذلك حيث يظهر واضحا ً من‬
‫جب‪.‬‬
‫ع َ‬
‫جب من ال َ‬
‫صيغة التع ّ‬
‫فحينما تعجبت زوجة إبراهيم عليه الســلم‬
‫قائلة‪:‬‬

‫]أ أل ِدُ وانا عجوز وهذا بعلي شيخا؟ ‪‬‬

‫أ‬
‫‪277‬‬

‫جــب لوجــود ضــعف فــي‬


‫ويحــق لهــا التع ّ‬
‫احتمال الولدة من الطرفين )عجوز وشيخ(‪.‬‬

‫جبها‪) :‬أتعجبين مــن‬


‫جبوا لع َ‬
‫لكن الملئكة تع ّ‬
‫أمر الله(؟‬

‫درا ً ‪ -‬ل‬
‫لنه لو كــان خلف الســنن لكــان ق ـ ْ‬
‫قدَ َر ا ً ‪ -‬ولو كان مخططا ً لــه بعــد خلــق الكــون‬
‫مــا ان يكــون‬ ‫لكان أمرا ً ربوبي ـا ً فــي القــل ‪ -‬أ ّ‬
‫)أمر الله( فمعنى ذلك ان أمر الله الكّلي هــو‬
‫في هذا البيت‪ ،‬وبالتــالي فكــل مــا حــدث مــن‬
‫خلق وتكوين هو لظهار هذا المر‪.‬‬

‫وإذا كنــت تعجــب مــن ذلــك فتــذكر ان آيــة‬


‫المشكاة انفردت بصــيغة عجيبــة هــي تعريــف‬
‫مــن ل يمكــن تعريفــه وهــو اللــه تعــالى بــأنه‬
‫َ‬
‫)نور الســموات والرض( ‪ -‬ومعلــوم اننــا للن‬
‫لــم نتعــرف علــى النــور وطــبيعته ولكــن مــن‬
‫الواضح انه ل وجود لهذا التكوين بغير نور ثم‬
‫انتهت الية بتصريح مفاده ان لهذا النور مثل‬
‫هو المشكاة وانتهت آية المشكاة بتصريح آخر‬
‫أ‬
‫‪278‬‬

‫مفاده ان هذه النوار المتكاثفة للمشكاة هي‬


‫في )بيوت(‪.‬‬

‫إذن فالواقع العام للشجرة )المباركة( انها‬


‫كلمات في بيوت‪.‬‬

‫نعود إلى الرتباط‪ :‬فنجده كذلك في قــوله‬


‫تعالى‪:‬‬

‫]ان أول بيــت وضــع للنــاس للــذي ببكــه‬


‫مباركا ً وهد ً‬
‫ى للعالمين ‪ 96/3‬‬

‫فارتبطت الصفة بالبيت مرة أخرى‪.‬‬

‫ى للعــالمين ‪-‬‬
‫ول تنسى التأمل بقوله وهــد ً‬
‫وهو جمع عالم فالعوالم كلها تهتــدي بــالبيت‬
‫المبارك‪.‬‬

‫ان الرتباط المذكور نلحظــه فــي اقــتران‬


‫آخر‪.‬‬

‫فبغض النظر عن طبيعــة الــبيت ‪ -‬المعــرف‬


‫وغيره ‪ -‬فللبيت أهل‪.‬‬

‫أ‬
‫‪279‬‬

‫ورأينــا ان الرحمــة والبركــات علــى أهــل‬


‫البيت هي المر اللهي الشامل‪ .‬فلو لحظنــا‬
‫آية التطهير الشهيرة والمختلف بشــأن )أهــل‬
‫الــبيت( فيهــا هــل تضــم الزوجــات أم ل فــان‬
‫النظام القرآني ل يسمح بمثــل هــذا الشــقاق‬
‫فــي الكتــاب ‪ -‬لقــد قلنــا مــرارا ً مرد ّ‬
‫ديــن وراء‬
‫رّبنا ان الشقاق في الكتاب ضلل بعيــد ‪ -‬لن‬
‫الكتاب كتاب مبين يسمح بالسباق في كشــف‬
‫معانيه ول يسمح بالشقاق‪.‬‬

‫وعلــى أيــة حــال فــان تركيــب اليــة واضــح‬


‫منــا‬
‫بالتد ّبر بمنهجنا بجميع ألفاظها والــتي يه ّ‬
‫هنا منها واحدة هو لفظ )عنكم(‪:‬‬

‫]إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهــل‬


‫البيت ‪‬‬

‫لننا لو قلنا إن فيهم رجس لقــال )منكــم(‬


‫ل عنكم والتي تعني بينكم رجس ‪ -‬ل فيكم‪.‬‬

‫أ‬
‫‪280‬‬

‫إذن فالمخاطبين )أهــل الــبيت( ‪ -‬مجموعــة‬


‫انضم إليها أفراد من الرجس وإذا كان يصعب‬
‫احتمال ذلك حتى من المذاهب المؤيدة لهــذه‬
‫النتيجة فهذا هو حال النظــام القرآنــي الــذي‬
‫يستعمل الجذر اللغوي‪.‬‬

‫إذ ان مفردة أهل مفردة ظاهريــة المعنــى‬


‫والحركة ‪ -‬وهذا المر لن يفهمه أحــد بصــورة‬
‫جيدة حتى تدخل معاني الحروف إلى الذهان‬
‫كدخول النحو العتباطي قبل ذلك بألف سنة‪.‬‬

‫حه ما استطعت‪:‬‬
‫لكّني مع ذلك سأوض ّ‬
‫ان لفـــظ )أهـــل( يحمـــل علـــى حصـــول‬
‫المجادلة دوم ا ً بشأن أي فرد ان كان من أهــل‬
‫فلن أو ل‪.‬‬

‫إذ ان هناك ثوابت وهناك متحركــات ‪ -‬فــان‬


‫)نوح( عليــه الســلم يــرى ان ابنــه مــن أهلــه‪.‬‬
‫ولكن الله اخبره بصورة مفاجئة انه ليس مــن‬

‫أ‬
‫‪281‬‬

‫أهله‪ .‬ل أحد بالطبع يمكنه ان يناقش فيما إذا‬


‫كان نوح نفسه من أهل نوح أم ل؟‬

‫لنه إذا حصل شك في نوح فليس هنــاك‬


‫مــن الصــل موضــوع اســمه أهــل نــوح‪ .‬ان‬
‫العتباط ل يمكنه حل مشكلة مــن هــذا النــوع‬
‫ولو بقي الف سنة أخرى‪ ،‬وهي هل كــان أحــد‬
‫كاذبا ً في قــوله ‪‬ر ّ‬
‫ب ان ابنــي مــن أهلــي ‪،‬‬
‫]انه ليس مــن أهلــك انــه عم ـ ّ‬
‫ل غــبر‬ ‫وقوله‪:‬‬
‫صالح ‪.‬‬

‫ل محيص لنا من العتقاد بصدق العبارتين‪.‬‬

‫فنوح ثابت لنه هو النــبي المرســل ‪ -‬وأمــا‬


‫بقيــة النــاس فيمكــن ان يكونــوا مــن أهلــه أو‬
‫يمكن أن ل يكونــوا كــذلك مهمــا بلغــت درجــة‬
‫القربى بينهم‪.‬‬

‫نعم كان من أهله ولكنه خرج منهم بكفــره‬


‫الذي ل إيمان بعده وهو أمر ل يخفا على الله‬
‫وان خفي على نــوح ‪ -‬انــه يســأل لــه الرجــوع‬

‫أ‬
‫‪282‬‬

‫والوبة فلما أجابه بقوله انه ليس مــن أهلــك‬


‫فهــم انــه قــد كفــر بل رجعــة‪ .‬وإذن فالهــل‬
‫مفردة متغيّرة ل في الدللة بل فــي انطبــاق‬
‫دنا‬
‫الدللة علــى الموضــوع الخــارجي وقــد اك ـ ّ‬
‫على حصــول اللتبــاس علــى أهــل اللغــة بيــن‬
‫الدللــة‪ ،‬ومــا تنطبــق عليــه وخلطهــم بيــن‬
‫المريــن فــي الشــرق والغــرب ومــا ادى مــن‬
‫تخريب عام لمبحث الدللة‪.‬‬

‫ول يثبت معنى الهــل خارجي ـا ً إل بالنســبة‬


‫إلى المعلومة الثابتة مثل )أهــل الجّنــة( وإذن‬
‫فل أحد منهم كافر وعكســه )أهــل النــار( فل‬
‫ل‬
‫مــا كــان هنــاك تأبيــد فــي ك ـ ٍ‬
‫مؤمن فيهم ول ّ‬
‫منهما علمنــا ان )أهــل( هنــا ثابتــة لثبــوت مــا‬
‫ُأضيفت إليه‪.‬‬

‫فاهل الرجل متغيرون وثابتون في العرف‬


‫العام أيضًا‪ .‬المرأة من أهلــه فــإذا طلق ّ‬
‫هــا لــم‬
‫تعد من أهله‪.‬‬

‫أ‬
‫‪283‬‬

‫ولكــن البنــاء ثــابتون فــاللفظ هنــا بدللــة‬


‫عرفية فقط‪ .‬امــا أهــل النبيــاء عليــه الســلم‬
‫مة وداخلة في العتقاد لن‬
‫فالنسبة اليهم عا ّ‬
‫العتقاد يخلق وليــة أو عــداوة والعــدو ليــس‬
‫اهل ً ول من الهل‪.‬‬

‫فإذا قلت أهل النبي صلى الله عليــه وآلــه‬


‫وسلم‪ ،‬فانه مختلــف جــدا ً عــن )أهــل الــبيت(‪.‬‬
‫لن النبي له أهل في العــرف غيــر أهلــه عنــد‬
‫الله اما البيت فل يعلم أهله إل الله لنه ليس‬
‫بيت آباءنا وأجدادنا انه )بيت الله( والله وحده‬
‫هو الذي يحــددّ أهلــه لن أهلــه هــم أهــل اللــه‬
‫تعــالى عــن الصــاحبة والولــد‪ -‬فالنســبة إلــى‬
‫البيت ثابتة كالنسبة إلى الجن ّــة‪ ،‬ومعنــى ذلــك‬
‫ان أهل الــبيت عــدد محــدد ل يزيــد ول ينقــص‬
‫مطلقــا ً ‪ -‬بينمــا أهــل النــبي متغيــرون‪ ،‬منــذ‬
‫البداية بحيث ان )العجوز والشيخ( ‪ -‬يتجاوزان‬
‫فيه ظاهر السنن فل عجب من أمــر اللــه لن‬
‫السنن حدثت بالمر الول فولدة العجوز من‬

‫أ‬
‫‪284‬‬

‫صــمم ا ً ومخطط ـا ً منــذ بــدأ‬


‫بعلها الشيخ كــان م ّ‬
‫الخليقة بخلف مــا يحــدث للخريــن‪ ،‬لن هــذه‬
‫الذ ّرية تمثل نور الله فل معنى لهذا الخلق إذا‬
‫لم يتضمن نور الله بل ل وجــود لــه دون ذلــك‬
‫النور ‪ -‬فالنور هــو الصــل ‪ -‬هــو أصــل الخلــق‬
‫وهــو طــاقته الكامنــة فيــه فالســنن هــي فــي‬
‫خدمته بل هو المحرك لهذه السنن‪.‬‬

‫في جميــع المواضــع ل نلحــظ ان إبراهيــم‬


‫جب مــن ولدة زوجتــه‪ ،‬بــل‬
‫عليه السلم قد تع ّ‬
‫كانت هي المتعجبة فقــط‪ .‬لن إبراهيــم عليــه‬
‫السلم يدرك جيدا ً من هو‪ ،‬وبــالطبع ل يمكــن‬
‫لزوجته ان تفهم من هو كما يفهم هو نفسه‪.‬‬

‫]ليذهب عنكم الرجس أهل الــبيت‬ ‫فقوله‪:‬‬


‫‪ .‬إنمــا هــو لخــراج أفــراد يــدخلون هــذه‬
‫المجموعة بحسب العرف العام‪ ،‬فيخشى على‬
‫أهــل الــبيت ضــياع حقيقتهــم لوجــود هــؤلء‬
‫الفراد فيهم‪.‬‬

‫أ‬
‫‪285‬‬

‫ان لفظ )عن( مع لفظ الفعل )اذهب( ل يفيد‬


‫إل استبعاد الشياء الطارئة فقط‪.‬‬

‫إل تــراه إذا كــان الشــيء مرتبطــا ً بــالخر‬


‫ارتباطا ً جوهريا ً لم يأ ِ‬
‫ت بلفظ )عن( كمــا فــي‬
‫قوله‪:‬‬

‫]ويذهب غيظ قلوبهم ‪ 15/9‬‬

‫فلم يقل ويذهب )عنهــم( غيــظ قلــوبهم ‪-‬‬


‫لن هــذا الغيــظ مــن طــبيعتهم وجــزء مــن‬
‫تكوينهم بالرغم من انه يؤذيهم ويؤلمهم‪.‬‬

‫بينمــا الشــيطان طــارئ علــى المــؤمنين‬


‫فقال‪:‬‬

‫]ويذهب عنكم رجس الشيطان ‪ 11/8‬‬

‫فكذلك الرجس طــارئ عليهــم فليــس فــي‬


‫أهل البيت رجس بــل )بينهــم( الرجــس الــذي‬
‫يجب إخراجه وعزله فاليــات كمــا قــالوا إنمــا‬
‫تتحدث عــن بعــض نســاء النــبي وفــي العــرف‬
‫العـــام هـــم أهلـــه وبالتـــالي يلتبـــس المـــر‬

‫أ‬
‫‪286‬‬

‫فيحسبهم الجاهل من أهل البيت وبخاصــة إذا‬


‫ظهر منهــن مــا يتنــافى وســلوك أهــل الــبيت‬
‫ة هذا السلوك مــن‬
‫فكانت اليات تتحدث موبخ ً‬
‫بعض النساء ولذلك تحــول الحــديث مــن جمــع‬
‫المؤنث إلى جمع المــذكر بعــد انتهــاء التوبيــخ‬
‫ومجيء الفقرة التي توجه فيها الخطاب إلــى‬
‫أهل البيت‪ ،‬ذلك أن هذه المجموعة من )نساء‬
‫النــبي( غريبــة عــن أهــل الــبيت وتكــون مــن‬
‫دا ل نعلمهــا فــي‬
‫الهــل بشــروط قاســية جــ ً‬
‫لحقـــة بالشـــروط المـــذكورة فـــي القـــرآن‬
‫‪‬وألحقنا بهــم أزواجهــم وزوجــاتهم ‪ .‬وأمــا‬
‫في الحالــة العتياديــة فهــي مجموعــة غريبــة‬
‫يحتمل منهــا الســاءة إلــى )أهــل الــبيت(‪ ،‬إذا‬
‫أنها يمكن أن تأتي بفاحشة مبينة‪:‬‬

‫ن بفاحشــة‬ ‫]يا نساء النــبي مــن يــأ ِ‬


‫ت منك ـ ّ‬
‫مبينة‪ ...‬الية ‪‬‬

‫ومثل هذا الخطاب لم يوجه لهل البيت لن‬


‫الذي اصطفاهم هو الله‪..‬‬
‫أ‬
‫‪287‬‬

‫]إن الله اصطفى‪ ...‬الية ‪‬‬

‫فآل إبراهيم الصفياء هــم المجموعــة الــتي‬


‫تشكل أهل البيت‪.‬‬

‫بينما النساء من اصطفاء أهل الــبيت ل مــن‬


‫اصــطفاء اللــه تحــت ظــروف مختلفــة‪ ،‬وقــد‬
‫ضـــرب القـــرآن مثل ً لكفـــر زوجـــات النبيـــاء‬
‫وضرب هــذا المثــل بشــأن نســاء النــبي صــلى‬
‫صـــا بعـــد أن‬
‫اللـــه عليـــه وآلـــه وســـلم خصو ً‬
‫تظاهرت منهن اثنتان عليه كما سردته سورة‬
‫التحريم‪:‬‬

‫]وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثًا‪...‬‬


‫إلى وصالح المؤمنين ‪ ‬الية‪.‬‬

‫ثم قال ‪‬وضرب اللــه مثل ً للــذين كفــروا‪...‬‬


‫[ الية‪.‬‬

‫فــاللم فــي )للــذين كفــروا( ل لســماعهم‬


‫المثــل كمــا يظــن البعــض بــل هــو مثــل لهــم‪.‬‬
‫فالسائل يسأل‪ :‬مــا هــو مثــل الــذين كفــروا؟‬

‫أ‬
‫‪288‬‬

‫والجــواب أن الــذين كفــروا يمكــن أن يكونــوا‬


‫دا تحت عباد صالحين! كمــا يمكــن‬
‫نساءً وتحدي ً‬
‫أن يكون مثل الذين آمنــوا نســاء تحــت طغــاة‬
‫وجبابرة كامرأة فرعون!‬

‫فالعتبـــاط اللغـــوي يخـــالف القـــرآن بكـــل‬


‫صراحة حينما يزعم أن )نساء النبي( ل يمكــن‬
‫ن من الذين كفروا! بعدما يؤكد القــرآن‬
‫أن يك ّ‬
‫إمكانية ذلك!‬

‫السؤال هو‪ :‬هل يدافع العتباط عــن النــبي‬


‫صلى الله عليه وآله وسلم أم عن نساء النبي‬
‫صلى الله عليه وآله وسلم؟‬

‫مــن الواضــح أنــه يــدافع عــن فكــرة خلــط‬


‫الوراق بحيــث يــزول التمييــز بيــن الصــفياء‬
‫والرجس‪ ،‬ول يدافع عن النبي صلى الله عليه‬
‫وآله وسلم‪.‬‬

‫أ‬
‫‪289‬‬

‫ارتباط لفظ مبارك بالكلمات‪:‬‬ ‫ج‪-‬‬


‫‍‬

‫وارتبط أيض ا ً لفظ مبارك بكلمات الله وهم‬


‫بعض الرسل الذين يؤلفون الشجرة‪:‬‬

‫]وجعلنــي مباركــا ً أينمــا كنــت وأوصــاني‬


‫بالصلة ‪ 31/16‬‬

‫والقــائل هنــا هــو كلمــة مــن كلمــات اللــه‬


‫المسيح عليه السلم‪.‬‬

‫]وباركنا عليه وعلى اسحق ‪ 113/37‬‬

‫والمبارك عليه هنــا إبراهيــم عليــه الســلم‬


‫المبتلى بالكلمات‪.‬‬

‫]اهبط بســلم منــا وبركــات عليــك وعلــى‬


‫أمم ٍ ممن مع َ‬
‫ك ‪ 48/11‬‬

‫هذه البركات على نوح عليه السلم‪.‬‬

‫ان كلمات الشجرة متتابعة ومتلحقة لنهــا‬


‫ذرّية ومعلوم ان الذرّية المتصلة تؤلف شجرة‬
‫فالمذكورين هنا )المباركين( جمعوا فــي آيــة‬
‫أخـــرى باعتبـــارهم اصـــفياء انتخبـــوا مـــن‬
‫أ‬
‫‪290‬‬

‫المجموعــة بقــدرتهم علــى تجــاوز المعصــية‬


‫فاصطفاهم الله لهذا الختبار‪:‬‬

‫]إن الله اصطفى آدم ونوحا ً وآل إبراهيم‬


‫ضـــها‬
‫وآل عمـــران علـــى العـــالمين ذري ّـــة َبع ُ‬
‫من بعض والله سميع عليم ‪.‬‬

‫لحظنا في الحل القصدي للغة ان )ســميع‬


‫عليم( مركب يشير إلــى الحلــم والعنايــة فــي‬
‫جميع موارد القرآن خلفا ً ل ّ‬
‫ما زعمه العتباط‬
‫من ان تقديم سميع على عليم لفادة التهديد‬
‫وعرضنا هناك بقية موارد المركب‪.‬‬

‫ما المم التي مع نوح التي )بوركت( فــي‬ ‫أ ّ‬


‫الية فل تحسب انها شعوبا ً كاملة لما تفهمــه‬
‫من مفردة )المم( لن الكلمــة الواحــدة أمــة‬
‫وإبراهيم عليه السلم كان أمة‪:‬‬

‫]أن إبراهيم كان أمة قانتــا ً للــه حنيفــا ً ‪‬‬


‫‪120/16‬‬

‫أ‬
‫‪291‬‬

‫فالمباركة هي لمن تبع هذه الكلمات فهــم‬


‫أمة دون سواهم من المم‪.‬‬

‫ارتباط لفظ مبارك بالرض‪:‬‬ ‫د‪-‬‬

‫ارتباط اللفظ بالرض المباركة‪:‬‬

‫]وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون‬


‫مشارق الرض ومغاربها التي باركنا فيها ‪‬‬
‫‪137/7‬‬

‫مــن عليهــم‬
‫فالقوم المقصودون هم الــذين ّ‬
‫تعالى بالمامة والملك ‪ -‬لن المقصودين هنــا‬
‫تحديدا ً كلمات الشــجرة ل غيرهــم فعنــد تتبــع‬
‫اللفظ نجد‬

‫]ونريــد أن نم ـ ّ‬
‫ن علــى الــذين استضــعفوا‬
‫في الرض ونجعلهم أئمة ونجعلهــم الــوارثين‬
‫‪.‬‬

‫لحظ الرتباطات بين اليتين‪:‬‬

‫الرض ‪ -‬الرض‪ ،‬كــــــانوا يستضــــــعفون ‪-‬‬


‫ستضعفوا ‪ /‬ونجعلهم الوارثين ‪ -‬أورثنا‪.‬‬
‫ا ُ‬

‫أ‬
‫‪292‬‬

‫والســبب فــي ذلــك ان المباركــة للرض ل‬


‫تتحقق من الله تعالى ما لم يظهر نوره فيهــا‬
‫‪ -‬فإذا ظهــر نــور للــه فــي أرض فقــد باركهــا‬
‫وهذا الظهور ل يتــم مطلق ـا ً مــن غيــر قيــادة‬
‫صـــالحة مـــن كلمـــات اللـــه‪ ،‬وقيـــام الملـــك‬
‫والخلفـــة اللهيـــة هـــو الـــذي يجعـــل الرض‬
‫مباركة‪.‬‬

‫ذكر الملك والسلطان ‪ -‬وذلك بــالرغم مــن‬


‫انــه ســبحانه لــه مــا ل يحصــى مــن الســماء‬
‫الحسنى كما في الفقرة التالية‪.‬‬

‫القتران بين )مبارك( وصفات الذات‬ ‫هـ‪-‬‬


‫اللهية‪:‬‬

‫اقــترنت صــفة تبــارك مــع الــذات اللهيــة‬


‫أيضًا‪.‬‬

‫فقــد رأينــا ان آيــة المشــكاة ابتــدأت بقــوله‬


‫‪‬الله نور السموات والرض ‪.‬‬

‫أ‬
‫‪293‬‬

‫فل عجــب إذن ان يعطــي لفظــا ً مشــتركا ً‬


‫لنفسه ولكلماته ما دام الذي يمثل نــوره فــي‬
‫الســموات والرض مشــكاة توقــد مــن شــجرة‬
‫مباركة‪ ،‬فهذا الرتباط مشــروط بــذكر الملــك‬
‫والسلطان‪:‬‬

‫]تبارك الذي بيــده الملــك وهــو علــى كــل‬


‫شيء قدير ‪ 1/67‬‬

‫]تبارك الذي له ملك الســموات والرض ‪‬‬


‫‪85/43‬‬

‫ما كانت الكلمات هي من أمر الله ‪ -‬كمــا‬


‫ول ّ‬
‫سط لفــظ المباركــة مــع لفــظ‬
‫رأينا فلحظ تو ّ‬
‫الجللة عــن طريــق لفــظ )المــر( عنــد غيــاب‬
‫لفظ الملك‪:‬‬

‫]أل لــه الخلــق والمــر تبــارك اللــه رب‬


‫العالمين ‪ 54/7‬‬

‫لن أمــر الخلــق لــه وهــو يخلــق مــا يشــاء‬


‫ويختار‬

‫أ‬
‫‪294‬‬

‫]وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كــان لهــم‬


‫الخيرة ‪‬‬

‫وأما بقية الموارد فــان الملــك والســلطان‬


‫والخلــق والمــر مــذكورة دومــا ً قريبــا ً مــن‬
‫الســياق المــذكور فيــه لفــظ )تبــارك( فعليــك‬
‫النتباه كما في ختام سورة الرحمن‪:‬‬

‫]تبــارك اســم ربــك ذو الجلل والكــرام ‪‬‬


‫‪78/55‬‬

‫و‬
‫فالسم نفسه لم يذكر ولكنه مرتبــط بعل ـ ّ‬
‫رفعة السلطان والملك الذي أظهرته الجنتان‬
‫ومن دونهما المدهامتان‪.‬‬

‫كذلك ارتبط بمــا رأينــاه مــن علقــات بيــن‬


‫التكوين الفلكي والخلق النوراني‪.‬‬
‫]تبــارك الــذي جعــل فــي الســماء بروجــا ً‬
‫وجعل فيها سراجا ً وقمرا ً منيرا ‪ 61/25‬‬

‫وبصــفة عامــة يجــب عليــك ملحظــة تلــك‬


‫الروابط في بقية الموارد‪.‬‬

‫أ‬
‫‪295‬‬

‫هذه هي خلصة العلقة بيــن لفــظ مبــارك‬


‫ومكونات الشجرة وانت ترى انها ســارية مــن‬
‫الذات اللهية إلــى كلمــه تعــالى إلــى كلمــاته‬
‫تعالى إلى ملكه وملكــوته إلــى الصــفياء مــن‬
‫كلماته إلى أرض ملكه وملكوته‪.‬‬

‫فوصف الشجرة انها )مباركة( يعني انها‬


‫متصلة بالذات اللهية ل تنفصل‪ -‬مثلما يتصــل‬
‫الشعاع أو الضوء أو النور المنعكس بالشمس‬
‫فهو آت منهــا راجــع إليهــا فهــي مباركــة فــي‬
‫الـــولدة ولهـــا ملـــك الرض المباركـــة فيهـــا‬
‫كلمات الله كلمة من بعــد كلمــة تحقــق كلمــه‬
‫ه وتقــود‬ ‫وتنفذّ مشيئته وأمره وترعــى شَر َ‬
‫عـــ ُ‬
‫خلقه إلى طاعته وتظهر حقيقة نــوره وعجــز‬
‫الخلق عن أدراك كنهه من خلل عجزهــم عــن‬
‫أدراك خلقـــه النـــوراني فلـــذلك تكـــون بـــاب‬
‫رحمته ورضاه خلقها من نوره واسكنها أرضه‬
‫وأعطاها ملكــه تتــوارثه كلمــة مــن بعــد كلمــة‬

‫أ‬
‫‪296‬‬

‫‪‬نور على نــور يهــدي اللــه لنــوره مــن يشــاء‬


‫ويضرب الله المثال والله بكل شيء عليم ‪.‬‬

‫اااااا‪ :‬اااااا‬

‫ان المكـــررات اللفظيـــة للمفـــردة فـــي‬


‫القرآن معدودة فقد وردت سبع مــرات فقــط‬
‫بضمنها )زيتونة ‪ -‬يكاد زيتها يضيء(‪.‬‬

‫إذن فــالزيتون كاســم ورد ســت مــرات إذا‬


‫استثنينا الزيت‪ .‬و)زيتونة( بالتأنيث لم يرد إل‬
‫في آية المشكاة‪.‬‬

‫أما )الزيتون( فقد ورد خمس مرات‪.‬‬

‫ومع ان هــذه العــداد لهــا أهميــة لعلقتهــا‬


‫بأعداد مكونات المشكاة أو أيــام اللــه أو عــدد‬
‫الســموات إل ان معرفتنــا بــالزيتون القرآنــي‬
‫وبخاصة في آية المشكاة تظل قاصرة بســبب‬
‫غياب الموارد التي تتحــدث عــن )زيتــون( مــن‬
‫غير النوع النباتي‪ .‬وهذا باستثناء آية )التين(‪:‬‬

‫أ‬
‫‪297‬‬

‫]والــتين والزيتــون وطــور ســينين وهــذا‬


‫البلد المين ‪‬‬

‫فمــن هــذه اليــة وحــدها ل يمكننــا كشــف‬


‫دد ضمن النظام القرآني وبطريقتنا‬
‫شيء مح ّ‬
‫التي تعتمــد علــى المتشــابهات فــي اللفــظ ‪-‬‬
‫صلت والــتي يفســر‬ ‫ي المـــف ّ‬
‫لنهــا عنــدنا هــ َ‬
‫بعضــها بعضــا ً ‪ -‬كمــا رايــت ذلــك فــي كتــاب‬
‫النظام القرآني‪.‬‬

‫وعلى ذلك فل بد من التأمل ولو قليل ً مــن‬


‫كثير بموارد )الزيتون( الخمسة الخرى والتي‬
‫ظاهرها انها في النبات‪:‬‬

‫نلحــــظ أول ً ان الزيتــــون معــــّرف بــــال‬


‫التعريــف بعــد ذكــر العنــاب منكــرة فــي آيــة‬
‫النعام‪:‬‬

‫]وجنــات مــن اعنــاب والزيتــون والر ّ‬


‫مــان‬
‫مشتبه ا ً وغير متشابه ‪ 99/6‬‬

‫أ‬
‫‪298‬‬

‫ولقــد الفــت النظــر إلــى الثمــر والنبــات‬


‫نفسه‪:‬‬

‫]انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه ‪‬‬

‫إذن علينـــا ان ننظـــر إلـــى تلـــك النباتـــات‬


‫وثمارها‪.‬‬

‫الزيتون يختلف عن النباتات المذكورة هنا‬


‫مة‪.‬‬
‫مان بثلثة خصائص ها ّ‬
‫‪ -‬العناب والر ّ‬
‫العناب‬ ‫بخلف‬ ‫الخضرة‬ ‫دائم‬ ‫الولى‪ :‬إنه‬
‫مــان تتجــرد مــن الوراق فــي الخريــف‬
‫والر ّ‬
‫والشتاء وتعود إليها خضرتها في الربيع‪.‬‬

‫ان هذه الصــفة هامــة جــدا ً فــالزيتون ل يتــأثر‬


‫بالفصول والزمنة ومن هنا نــدرك شــيئا ً عــن‬
‫قوله تعالى ‪‬شجرة مباركه زيتونة ‪.‬‬

‫مان الذي تحيط به‬ ‫الثانية‪ :‬إّنه منفرد بخلف الر ّ‬


‫فســائله الكــثيرة جــدا ً حــتى ل يمكــن للــزارع‬
‫نفسه التمييز بين الشجرة الصل وما يستوي‬
‫من شطاءها الخارج معها‪.‬‬

‫أ‬
‫‪299‬‬

‫فمثل هذه الصورة نجــدها فــي ســورة الفتــح‬


‫عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والـــذين‬
‫معه لن هذا الوصف يراد به إبراز المجموعــة‬
‫]محمــد رســول‬ ‫جه الكفــاّر‪:‬‬
‫المؤمنة كلها بــو ّ‬
‫الله والذين معــه اشــداء علــى الكفــار رحمــاء‬
‫بينهــم تراهــم ركعــا ً ســجدًا‪ [ ...‬إلــى قــوله‬
‫‪‬كـــزرع اخـــرج شـــطأه فـــآزرهُ فاســـتغلط‬
‫عجــب الــزرّاع ليغيــض‬
‫ه يُ ّ‬
‫فاستوى علــى ســوق ِ‬
‫بهم الكفار ‪ . 29/48‬‬

‫اما الزيتون فانك لــو رأيــت فســائله لوجــدتها‬


‫صــغيرة ضــئيلة نســبة إلــى الشــجرة الباســقة‬
‫ومهما تركتهــا فلــن تكــبر ولــن تســتوي علــى‬
‫ســوقها وهــذا الوصــف إنمــا يخــص الشــجرة‬
‫المباركة والتي لن يبلغ التابع لها مبلغها مــن‬
‫مــن هــو ليــس منهــا ول هــي‬
‫الفضل ناهيــك ع ّ‬
‫منه‪ .‬وأمــا مخالفــة الزيتــون للعنــب فهــو مــن‬
‫جهة أخرى وهي الثبات‪ .‬فالعنب يطول ويمتد‬
‫فيحتــاج الــزارع دوم ـا ً إلــى قطــع أجــزاء منــه‬
‫أ‬
‫‪300‬‬

‫ليثمر ول يحدث مثل ذلك للزيتون والذي كــأن‬


‫ة ول تزداد إل ببطــء‬
‫عدد اوراقه محسوبة بدق ٍ‬
‫شديد في وضع متناســق رشــيق يــدفعك إلــى‬
‫تركها على حالها والعراض عن التــدخل فــي‬
‫شؤونها‪.‬‬

‫ومخالفته الخرى للعنــب ان الخيــر ل يقــوى‬


‫علــى القيــام بنفســه معتمــدا ً علــى ســاق ِ‬
‫ه إل‬
‫بقطع أكثر أجزاءه حتى يغلظ ساقه الكبر ثم‬
‫بعد ذلك ل يرتفع أكثر إل بعمد يعتمــد عليــه ‪-‬‬
‫اما الزيتون فقائم بنفسه‪.‬‬

‫وهذه صفة تذكرنا بصفة الشجرة المباركــة‬


‫القائمة بنفسها والثابتة في امتدادها‪.‬‬

‫الثالثة‪ :‬والصفة الثالثة المختلفة كليا ً عن العنب‬


‫مان بل الــتي يختلــف فيهــا الزيتــون عــن‬
‫والر ّ‬
‫جميع النبات هي حال الثمر‪.‬‬

‫مــرهّ الطعــم قبــل النضــوج أو‬


‫فــاغلب الثمــار ُ‬
‫حامضــة أو غيــر مســاغه فــإذا نضــجت طــابت‬

‫أ‬
‫‪301‬‬

‫وزادت حلوتها وظهــرت رائحتهــا الزكيــة امــا‬


‫ما نضــج ازدادت فيــه المــرارة‬
‫الزيتون فانه كل ّ‬
‫حتى يكون النضج منه هو الكثر مراره!‬

‫ة الشجرة وهي‬
‫وهذه صفة أخرى تذكّرنا بحرم ِ‬
‫حرمة مستديمة فهي ل تصلح للكل ومن أكل‬
‫ه وتحشرجت المــرارة فــي‬
‫منها ذاق وبال أمر ِ‬
‫صصة لنتاج الزيت الذي‬
‫حلقه لنها شجرة مخ ّ‬
‫يضيء المصباح فهي للستنارة ل للكل‪.‬‬

‫ومن هنا ندرك العلقة بين الزيتونــة فــي آيــة‬


‫المشكاة والشجرة التي حرم اكلهــا علــى آدم‬
‫وذريتــه ‪ -‬لن الكــثير مــن خصــائص الزيتــون‬
‫)الشـــجر المعهـــود( يطـــابق خصـــائص تلـــك‬
‫ديــة كمــا‬
‫الزيتونــة والــتي هــي شــجرة غيــر ما ّ‬
‫ياتيــك‪ ،‬واالفــارق بينهمــا هــو الفــارق بيــن‬
‫الحركــة العامــة للفــظ وبيــن مــا يطــابقه مــن‬
‫عــد جــزءً مــن تطبيقــات‬
‫دية ت ّ‬
‫أجزاء أو صور ما ّ‬
‫اللفظ‪.‬‬

‫أ‬
‫‪302‬‬

‫اااااا‪ :‬اا ااااا ااا ااااا‬

‫قــــال أهــــل التفســــير )ل يهوديــــة ول‬


‫نصرانية(‪ .‬ومعلوم ان اليهود ليسوا مختصــين‬
‫بالمشـــرق والنصــارى فـــي المغـــرب ‪ -‬فقـــد‬
‫ينطبق مثل هذا الشرح على نحو غــامض مــن‬
‫النحاء الدقيقة جدَا‪.‬‬

‫علينا ان نبقي اللفاظ كما هي فالشرقي‬


‫والغربـــي جهـــات والمـــراد الول هـــو نفـــي‬
‫ور‬
‫الجهات عن الشــجرة وابعادهــا عــن أي تصـ ّ‬
‫دد‪.‬‬
‫مادي مح ّ‬
‫فإذا انتفت الجهات لــم تكــن الشــجرة فــي‬
‫هـــذه الحالـــة إل كونهـــا إلهيـــة أو رباني ّـــة إذ‬
‫المفــروض انهــا هــي الــتي تعطــي للجهــات‬
‫اسماءها مادامت مثل ً لنور الســموات والرض‬
‫ونــور اللــه فالســموات والرض هــي موضــوع‬
‫الجهات وعليه فهي خارج هذا التحديد‪.‬‬

‫]لله المشرق والمغرب ‪‬‬

‫أ‬
‫‪303‬‬

‫]رب المشارق والمغارب ‪‬‬

‫]ر ّ‬
‫ب المشرقين والمغربين ‪‬‬

‫ضــح لمــاذا لــم يقــل )شــرقية‬


‫ومــن هنــا يت ّ‬
‫وغربية( ‪ -‬إذ أن هذا التعبير ســينفي الجهــات‬
‫المخصوصة أيضا ً ‪ -‬السبب فــي ذلــك هــو أنهــا‬
‫ســتكون عيــن الوجــود بينمــا المــراد جعلهــا‬
‫مصـــدرا ً لطاقـــة الوجـــود ‪ -‬نـــور الســـموات‬
‫والرض‪.‬‬

‫فــالوجود يفنــى بينمــا الشــجرة ل تفنــى‬


‫بفنائه لذلك قال‪:‬‬

‫ه ربــك ذو‬ ‫]كل من عليها فان ويبقــى و َ‬


‫جـ ُ‬
‫الجلل والكرام ‪‬‬

‫لن الشجرة غير متجهة إلــى وجــود معيــن‬


‫تستمد منــه وجودهــا ‪ -‬فوجودهــا مباشــر مــن‬
‫الــرب لنهــا عبــارة عــن نــور فــالزيت مضــيء‬
‫ي‬
‫وهــي نــور علــى نــور قبــل أي قــانون مــاد ّ‬
‫للحتراق بالنار‪:‬‬

‫أ‬
‫‪304‬‬

‫] يضيء ولو لم تمس ْ‬


‫سه نار ‪‬‬

‫إذن فالنفي ليس للجهات وإنما للتجاهات‬


‫المادّيــة أيضــا ً فلــو قــال ل شــرقية واكتفــى‬
‫لكــانت غربيــة ولهــا مشــرق ولــو قــال ليســت‬
‫غربيــة واكتفــى لكــانت شــرقية ولهــا مغــرب‬
‫ولكن عند نفي التجاهين حصل نفي للجهات‬
‫أو العكس‪.‬‬

‫ص كــل ســامع لكلم‬


‫علوم ان النفي يخــ ّ‬
‫وم ّ‬
‫ب ‪ -‬أي كــل موجــود فــالنفي مطلــق ‪ -‬أي‬
‫الــر ّ‬
‫انهــا مقابــل الوجــود مــن حيــث ان الوجــود‬
‫سيستمد منها طاقــة بقــاءه وديمــومته ‪ّ -‬‬
‫لنــا‬
‫ه الشــجرة مــن‬
‫ذكرنا ان الديمومــة صــفة لهــذ ِ‬
‫حيث الوصف )مباركة( ومــن حيــث ان الكلمــة‬
‫لهــا مثــل هــو الشــجرة الــتي اصــلها ثــابت‬
‫وفرعها في السماء تــؤتي اكلهــا )كــل حيــن(‬
‫فالعبارة الخيرة تنطوي على زمن مستمر‪.‬‬

‫أ‬
‫‪305‬‬

‫إذن فالشـــجرة ليســـت ماديـــة ول حـــتى‬


‫سماوية بالمعنى الكوني بل نورانية ل تصــدق‬
‫عليها صفات وخصائص المادة‪.‬‬
‫يشــــكل أي جــــزء مســــتنير بــــذاته ظل ل ً‬
‫للجســـام المادي ّـــة‪ ،‬بينمـــا ل يتكـــون للجـــزء‬
‫المضــيء ظــل‪ ،‬ومثــال ذلــك الشــمس حيــث‬
‫يتشـــكل ظـــل للقمـــر وللرض بســـبب ضـــوء‬
‫الشمس أما الشمس فل ظل لها‪.‬‬

‫لكن يتكــون ظــل للشــمس إذا كــانت تصــل‬


‫إليهــا إضــاءة اشــد مــن إضــاءتها مــن مصــدر‬
‫ضوئي آخر‪.‬‬

‫إذن فالشجرة التي زيتها يكاد يضيء بغيــر‬


‫نار ‪ -‬هي أكثر الشياء إضاءة في الوجــود لن‬
‫كل إضاءة أخرى صادرة عن الشموس الكونية‬
‫مثل ً ل بد أن تحدث بسبب وجود نار‪.‬‬

‫إذن فالشجرة ل ظل لها‪.‬‬

‫أ‬
‫‪306‬‬

‫ان هذا يــذكرنا بمعجــزة غريبــة عــن إحــدى‬


‫كلمــات الشــجرة‪ .‬فقــد اتفــق الــذين رافقــوا‬
‫النبي محمد صلى الله عليه وآله وســلم انهــم‬
‫لم يلحظوا له ظل ً ‪ -‬وكانت تلك الصفة تدعوا‬
‫إلــى العجــب وبالنســبة للعــداء فقــد فســروا‬
‫المر على انــه نــوع مــن الســحر ‪ -‬لكــن إلغــاء‬
‫مثل هذا القانون الفيزيائي هو شــيء عســير‬
‫على اكبر السحرة وذلك حينما نتذكر ان هــذه‬
‫الصــفة هــي شــيء دائمــي بخلف مــا يفعلــه‬
‫الساحر حيــث يقــوم بخــرق ظــاهري للقــانون‬
‫الفيزيـــائي عـــن طريـــق خـــدعه فيزيائيـــة أو‬
‫دد‬
‫بصـــرية فـــي وقـــت محـــدد ومكـــان محـــ ّ‬
‫عينــة فل يســتطيع إعــادة‬
‫وباستعمال أدوات م ّ‬
‫الخدعــة حيثمــا أراد ومــتى شــاء وفــي جميــع‬
‫الظروف‪.‬‬

‫أ‬
‫‪307‬‬

‫اااااا‪ :‬اا اا اااا ا اا اا اا ا ا ا اااا اا‬


‫ااا ااا‬

‫ذكرت لكم فيمــا ســبق وبســرعة ان مركــز‬


‫التشــبيه فــي مثــل المشــكاة هــو فــي عبــارة‬
‫ه نار نور على نور(‪.‬‬
‫)يضيء ولو لم تمسس ُ‬
‫وأخشــى ان تفــوتني العبــارات الملئمــة‬
‫والواضحة لشرح هذا المر فاحتاج مجددا ً إلى‬
‫انتباهكم الشديد‪.‬‬

‫لقد ذكرنا ان الضوء مصدر والنور انعكــاس‬


‫للضوء عن المصدر‪.‬‬

‫وكان ذلك واضحا ً من ناحيــة اللغــة حيــث‬


‫اســـتعم َ‬
‫ل القـــرآن الول للشـــمس والثـــاني‬
‫للقمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــر‪.‬‬
‫]هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نورا ‪‬‬
‫‪.5/10‬‬

‫وذكرنا ان الضاءة كمصدر ل بــد لهــا مــن‬


‫النار فالضاءة ل تتحقق بغير نار‪.‬‬

‫أ‬
‫‪308‬‬

‫]كمثل الذي استوقد نارا ً فّلما اضاءت مــا‬


‫حوله ذهب الله بنورهم ‪ 17/2‬‬

‫إذا فهمنــا أي واحــدة مــن الثنيــن فهمنــا‬


‫الخرى ‪ -‬ونقصد بهــذا الفهــم بــالطبع الفهــم‬
‫الجزئي لهــذه الحقيقــة لننــا قلنــا ان الفهــم‬
‫مهم هــو ان‬
‫التام للنص هو في اللنهاية ‪ -‬فال ّ‬
‫نضع ايدينا على أول هذا الخط‪ ،‬وليــس أدراك‬
‫غايته ‪ -‬فلو ادركت النص بصورة مطلقــة لمــا‬
‫بقي فرق بين المتكلم والمتلقي‪.‬‬

‫العلقـــة بيـــن اليـــتين هـــو ان اللفـــاظ‬


‫مرتبطـــة ببعضـــها كعلـــة ومعلـــول وغايـــات‬
‫ازدحمت فيهما وتجاورت اعني اللفاظ الــتي‬
‫لحظنا علقاتها قبل ذلك )ضوء ‪ -‬نار ‪ -‬نور(‪.‬‬

‫لذلك أصبحت هذه العبارة في آية المشكاة‬


‫هــي مركــز التمثيــل وســوف نــدرك أيضــا ً ان‬
‫نقطة هذا المركز هو لفظ )يكاد(‪.‬‬

‫أ‬
‫‪309‬‬

‫لنه لو قال )يضيء( من غير )يكــاد( لكــان‬


‫الزيت يضيء فعل ً من غير ان تم ّ‬
‫سه النار‪.‬‬

‫وإذن فطاقته ذاتيــة بصــفة مطلقــة‪ .‬فهــذا‬


‫ليس زيتا ً إلهيا ً بل هو إله آخــر ‪ -‬إذ ليــس مــن‬
‫شيء في الوجود طاقته ذاتية بصفة مطلقــة‪،‬‬
‫لذلك لم يقل يضيء بل )يكاد يضيء(‪.‬‬

‫إذن فالزيت ليــس مضــيئا ً بغيــر نــار ولكنــه‬


‫سه النــار وهــو لشــدة النــارة‬
‫منير قبل ان تم ّ‬
‫)يكاد يضيء(‪.‬‬

‫حيث يخّيل للمرء ان نوره ذاتي محض‪.‬‬

‫ن النــور‬
‫من أين جــاءه النــور؟ إذ يفــترض ا ّ‬
‫انعكاس للضاءة فإذا كان ل يضــيء فعل ً وإذا‬
‫كان هو مصدر طاقة الوجــود وهــو منيــر إلــى‬
‫هذا الحدّ فما هو مصــدر الضــوء الــذي يعكســه‬
‫الزيت؟ علينا ان نرجع لول الية‪.‬‬

‫انــه يعكــس )نــور اللــه( ‪ -‬الــذاتي بصــفة‬


‫ء( لن‬
‫مطلقــة ولكــن ل يمكــن تســميته )ضــو ً‬

‫أ‬
‫‪310‬‬

‫الضــوء مــن خصــائص الجســام ويحتــاج إلــى‬


‫ن كل انعكاس في الوجــود هــو بيــن‬
‫)نار( فكأ ّ‬
‫مصدر ضوء وآخــر يعكــس الضــوء علــى شــكل‬
‫)نور( باستثناء النعكاس الول حيث هــو نــور‬
‫منعكس عن نور فلشدة هذا النور يبدو وكــأنه‬
‫مضيء بذاته وهو انعكاس نور اللــه مــن زيــت‬
‫الشجرة صورة نور‪.‬‬

‫فهل يحتاج الزيت إلى النار؟‬

‫بالطبع يحتاج إلى نار مــن اجــل ان يضــيء‬


‫ولكن الضاءة هذه المرة ليســت نفســها فــي‬
‫)يكاد يضيء( الولى! فالضــاءة الجديــدة مــن‬
‫الوجــود وللوجــود فهــو يحتــاج للنــار لحاجــة‬
‫الوجود للضــوء ‪ -‬فــالوجود يحتــاج إلــى إضــاءة‬
‫ما الزيــت نفســه والمشــكاة وكلماتهــا فهــي‬
‫أ ّ‬
‫غنّية عن ذلك لنها نور‪.‬‬

‫إذن علــى الوجــود ان يجعــل النــار تمــس‬


‫الزيت لجل أن يضيء‪.‬‬

‫أ‬
‫‪311‬‬

‫فما هو سبب احتياج الوجود إلى الضــوء أو‬


‫ليس النور كافيًا؟‬

‫ي الصورة والطبيعــة والنــور‬


‫ان الوجود ماد ّ‬
‫ي ولــن ينتفــع شــيء مــن‬ ‫شــيء غيــر مــاد ّ‬
‫ى تمامــا ً عــن‬
‫الموجودات من النور إل إذا تخل ّ‬
‫ماديته ولو بصورة نفسية فقط‪ ،‬ومثل هــؤلء‬
‫هم قلة إلى ابعد حد فالســواد العظــم ‪ -‬مــن‬
‫الناس مثل ً ‪ -‬يحتاجون إلى ضوء ساطع دوما ً ‪-‬‬
‫ليمكنهــم معرفــة مــا يحيــط بهــم وهــذا المــر‬
‫يجعل لهم نورا ً ‪ -‬لن النور ليــس ماديــا ً ‪ -‬انــه‬
‫انعكاس للضوء فــإذا انعكســت تلــك المعــارف‬
‫من داخلهم إلى الخــارج كــان ذلــك هــو النــور‬
‫المتكون عندهم من الضوء‪.‬‬

‫فلحظ الن آية البقرة‪:‬‬

‫]كمثل الذي استوقد نارا ً فلما اضاءت مــا‬


‫حـــــــــــــــوله ذهـــــــــــــــب اللـــــــــــــــه‬
‫بنورهم وتركهم في ظلمات ل يبصرون ‪.‬‬

‫أ‬
‫‪312‬‬

‫اعتقــــد المفســــرون واهــــل اللغــــة ان‬


‫المســتوقد والــذي ذهــب اللــه بنــورهم واحــد‬
‫ولكنه انتقل من المفــرد إلــى الجمــع لنتهــاء‬
‫التشبيه فتحول إلى المجموع لن الغايــة مــن‬
‫المثل ليست لواحد بل للمجموع‪.‬‬

‫ء‪.‬‬
‫عد هرا ً‬
‫في منهجنا هذا الكلم ي ّ‬
‫فالتشبيه لم ينته بعد وإنما نهايته نهايــة‬
‫ي‬
‫عمــ ّ‬
‫م بكــم ُ‬ ‫الية بل والية التي بعدها ‪ُ ‬‬
‫ص َ‬
‫فهم ل يرجعون ‪. -18/2‬‬

‫في منهجنا المستوقد واحــد والــذين ذهــب‬


‫الله بنورهم مجموعة غيره‪.‬‬

‫فالمستوقد نارا ً طلب )بســين الطلــب( ان‬


‫يوقد نارا ً لتضيء لنه ل يريد للناس اتباع نور‬
‫ي الصــورة ‪-‬‬‫الله فاخترع لهم نورا ً من نار ماد ّ‬
‫من اجل ان يتبعوه فيكون بذلك )إلهًا( صغيرا ً‬
‫علــى الرض ‪ -‬فــتركه اللــه يفعــل ذلــك فلمــا‬
‫اضــاءت مــا حــوله ذهــب اللــه بنــور الجماعــة‬

‫أ‬
‫‪313‬‬

‫التابعة والملتفة حوله فتركهم في ظلمات ل‬


‫يبصـــرون فلـــو انعكســـت معرفـــة الشـــياء‬
‫المحيطــة بهــم ‪ -‬صــارت نــورا ً فــذهب اللــه‬
‫بنــورهم الســابق قبــل حصــول النــور الجديــد‪.‬‬
‫وحينما اصــبحوا فــي الظلمــات فمــن الواضــح‬
‫انهم سيتفرقون عنه‪ ،‬ان ذهاب هذا النعكاس‬
‫للمعرفة ظهر على جميع الحواس‪) :‬صم بكــم‬
‫عمي( وعلى القدرات الفاعلة لهم في قــوله‬
‫)بكم(‪ -‬فهم ل يرجعون لموضع المستوقد ول‬
‫يستطيعون العثور عليه بــل ل يقــدرون علــى‬
‫مناداته‪.‬‬

‫من هو المستوقد؟ انه الذي يريد الستيلء‬


‫على الملك ليكون بديل ً للشجرة ‪ -‬أليست هي‬
‫شجرة الملك الذي ل يبلى؟‬

‫فكيف يستولي على ملــك الشــجرة مــا لــم‬


‫ت ببديل لنورهــا بنــور يخــترعه مــن الوجــود‬‫يأ ِ‬
‫اختراعًا؟‬

‫انه الطاغوت‪ .‬إل تلحظ العلقة التية‪:‬‬


‫أ‬
‫‪314‬‬

‫] والـــذين كفـــروا اوليـــاؤهم الطـــاغوت‬


‫يخرجونهم من النور إلى الظلمات ‪‬‬

‫فالطــاغوت كلمــة الــذين كفــروا وقــائدهم‬


‫مثلما الشجرة كلمات الله وقادة الذين آمنوا‪.‬‬

‫والطــاغوت إذ يحــاول اخــتراع نــور آخــر‬


‫للنــاس فأ ّنمــا يــدخلهم فــي الحقيقــة إلــى‬
‫الظلمات‪ .‬إذن فقــول المفســرين ذهــب اللــه‬
‫)بنورهم( أي بابصارهم هو تعســف ل يخــالف‬
‫النظام القرآني كله بل يخــالف النــص نفســه‬
‫الذي لم يكتفي بوصــفهم هــذا حــتى قــال )ل‬
‫صــم‬
‫يبصرون( ولم يكتفــي بعمــي حــتى قــال ُ‬
‫وبكم ول يرجعون‪.‬‬

‫فإذا قلت‪ :‬كيف أصبح عدل ً ان يــذهب اللــه‬


‫دما تمكن المستوقد من إضاءة‬
‫بنور التباع بع َ‬
‫ما حوله؟‬

‫ســؤال فلســفي لكنــه ليــس وجيهــا ً ‪ -‬لن‬


‫ذهاب نورهم قانون سابق ل عقوبة جديدة‪.‬‬

‫أ‬
‫‪315‬‬

‫لن نــورهم هــو انعكــاس معرفــة الشــياء‬


‫وا حول‬
‫بالفطرة ‪ -‬المعرفة العاد ّية فلما تجمع ّ‬
‫المســتوقد فقــدوا تلــك المعرفــة المســبقة‬
‫ما مادي ـا ً فقــد ضــاع التمييــز‬
‫لنحراف النوايا أ ّ‬
‫بين النار والنور والضوء‪.‬‬

‫فالرؤيا المعرفيــة شــيء والرؤيــا البصــرية‬


‫شيء آخر ‪ -‬وحينما تركوا الرؤيا المعرفية من‬
‫اجل البصرية فقد اذهبــوا نــورهم بقــرار مــن‬
‫انفسهم ل غير ولكنه نسبه إلى الله لنــه هــو‬
‫الــذي شــحن الوجــود بمثــل هــذا النــاموس‬
‫فالوجود مشحون بنور اللــه وهنــاك جــزء منــه‬
‫في كل نفــس أيضـا ً باعتبارهــا جــزء مــن هــذا‬
‫الوجــود ‪ -‬والرتبــاط بالطــاغوت يفصــله عــن‬
‫الوجــود ‪ -‬لكــن الطــاغوت يريــد الســتقلل‬
‫فيســتقل عنــه فعل ً مــن ناحيــة عــدم ســريان‬
‫النور وانما يبقــى مرتبط ـا ً بــه ارتباط ـا ً مادي ـا ً‬
‫والنتيجة نفسها تظهر على التباع فيفقــدون‬
‫نورهم‪.‬‬

‫أ‬
‫‪316‬‬

‫ما هو الفرق بين المشكاة إذا أضاءت عنــد‬


‫مس النار للزيت وبين نار المستوقد؟ أليست‬
‫في النهاية ان كل منهما إضاءة مــن نــار فــي‬
‫مثل هذه الحالة؟‬

‫ان المستوقد ل يمتلك شيئا ً ســوى )النــار(‬


‫فهي مصدر إضاءته‪.‬‬

‫ومن اين يأتي بالنار؟ ل بد ان يحرق أشياء‬


‫موجودة فــي الطبيعــة انــه ل يســتطيع تأجيــج‬
‫نار من ل شــيء‪ .‬والشــيء الوحيــد المخصــص‬
‫فــي تصــميم الوجــود للضــاءة هــو )الزيــت( ‪-‬‬
‫ب الزيت فل بد له من احــراق أشــياء‬
‫وإذا تجن ّ‬
‫صــة للحــرق‪ .‬انــه يســتخدم الفنــاء‬
‫غيــر مخص ّ‬
‫لجل الحياء‪ .‬انــه يســتعمل مضــادات الوجــود‬
‫فعمله تخريب وعبــث‪ .‬وهــذا مــا نلحظــه عنــد‬
‫متابعة لفظ )النــار( ‪ -‬فالنــار ليســت ضــرورية‬
‫ه الضــرورة مــن‬
‫للشــجرة ‪ -‬إنمــا انبثقــت هــذ ِ‬
‫ج النــار إذ‬
‫طبيعة الوجود ومعنــى ذلــك ان تاج ـ ّ‬
‫يجعل اتباع المستوقد في ظلمات فهو يفعــل‬
‫أ‬
‫‪317‬‬

‫فعل ً معاكس ـا ً مــع زيــت الشــجرة إذ تتضــاعف‬


‫س مــن النــار للزيــت‬
‫النوار لمجرد حصــول م ـ ّ‬
‫فاتباع المســتوقد يبقــون فــي ظلمــات بينمــا‬
‫اتباع الشجرة يحصل لهم المزيد من التضــاح‬
‫والرؤية‪.‬‬

‫ما معنى النار هنا؟‬

‫ان النار كظاهرة طبيعّية هــي فــي الواقــع‬


‫العلمي والعملي نتيجة لصــراع قــوى متنافيــة‬
‫دة‪.‬‬
‫ومتضا ّ‬
‫إننا نلحظ مّرة أخــرى علقــة بيــن الشــجر‬
‫والنار في سورة يس‪:‬‬

‫]الذي جعل لكم من الشــجر الخضــر نــارا‬


‫فإذا انتم منه توقدون ‪‬‬

‫لكننا نلحــظ أيضـا ً فــي تعــبير قرآنــي آخــر‬


‫في الواقعة ان للنار شجرة خاصة‬

‫]ارايتم النار التي تــورون‪.‬أ أنتــم أنشــأتم‬


‫شجرتها أم نحن المنشؤن ‪‬‬

‫أ‬
‫‪318‬‬

‫والفعـــل )شـــجر( ينطـــوي علـــى مفهـــوم‬


‫للتفرق المتتابع والتفرع المستمر وهنا تكمن‬
‫نكتــة أخــرى مــن نكــات مثــل المشــكاة عنــد‬
‫المقارنة بآية البقرة‪.‬‬

‫فالنار الطبيعيــة ناشــئة مــن شــجرة فهــي‬


‫تتفــرع بصــورة متتابعــة وهــذا مــا يظهــر عنــد‬
‫احــراق ايــة كميــة مــن الحطــب مثل ّ فيحــدث‬
‫تصاعد للحرارة والضــاءة وعنــد نفــاذ الوقــود‬
‫يرجع مســتوى التأجــج إلــى الهبــوط‪ ،‬ومــادام‬
‫هناك بقية من وقود فالتأجج يتصاعد‪.‬‬

‫والــذي يحــدث فــي المثليــن ان النــار إذا‬


‫مست الزيت ازداد إضاءة بينما تصاعد النار ل‬
‫ينفــع شــيئا لتبــاع المســتوقد لنهــم فقــدوا‬
‫ة‪-‬دالــة معرفــة الشــياء ‪-‬لكــل‬
‫نورهم ‪ -‬فالدال ـ ّ‬
‫منهما بعكس الخرى بالرغم من ان الظــاهرة‬
‫)تأجج النار( واحدة‪.‬‬

‫وســبب ذلــك ان النــار تعــبير عــن نتــائج‬


‫الفتنة‪ -‬لنها عبارة عن صــراع بيــن متنافيــات‬
‫أ‬
‫‪319‬‬

‫ســواء فــي الطبيعــة أو فــي الفكــر ولهــذا‬


‫ارتبطت النار فــي القــرآن بالفتنــة وبــالحرب‬
‫باعتبارها آخر أدوار الفتنة‪.‬‬

‫هم على النار يفتنون ذوقوا فتنتكم‬ ‫]يو َ‬


‫م ُ‬
‫‪‬‬

‫إن عبـــارة )علـــى النـــار( مختلفـــة عـــن‬


‫التعبيرات القرآنية الخرى التي تــورخ عــذاب‬
‫المجرميــن إذ هــم فــي تلــك العبــارات )فــي‬
‫النار( وليسوا )على النار(‪.‬‬

‫]كلما أوقدوا نارا ً للحرب أطفأهــا اللــه ‪‬‬


‫‪.64/5‬‬

‫المقصــود هنــا ليســت نــار حــرب بــل نــار‬


‫للحرب فاللم يأخــذ موضــعه باعتبــاره يوصــل‬
‫إلــى الغايــة وإذن فالنــار فتنــة الغايــة منهــا‬
‫تأجيج حرب‪.‬‬

‫ان الفتنة هي )صراع( بين فئات متنافيـــة‪.‬‬


‫فمثل هذا الصــراع بالنســبة للمســتوقد هــدف‬

‫أ‬
‫‪320‬‬

‫في ذاته‪ .‬ان المســتوقد فــي الحقيقــة يعمــل‬


‫مخادعة فالنار الــتي اســتوقدها ليســت بــديل ّ‬
‫لنور الله إل ّ من الناحية الظاهرية وأما غــايته‬
‫الخيرة فهي حرق التباع في تلك المحرقة ‪-‬‬
‫ان ضـــوء المســـتوقد مثـــل ضـــوء مصـــيدة‬
‫الحشرات‪.‬‬

‫مــن طبيعــة الطــاغوت! انــه يعيــش علــى‬


‫الصــــراع ‪-‬فالفتنــــة ليســــت وســــيلة لــــديه‬
‫للستحواذ على الحكم‪ .‬بل الحكم هــو وســيلة‬
‫للستحواذ على النفوس عن طريــق إضــعافها‬
‫وتــدمير بعضــها ببعــض‪ ،‬فهــو يرغــب بــالحكم‬
‫ليحقق بالفتنة والحرب السيطرة وحسب‪.‬‬

‫اما نور الشجرة فهــو نــور ســلمي ل يــدعو‬


‫إلى الصراع بل يحاول إطفاء النار إذ ل تبقى‬
‫لها ضرورة مع وجود إضــاءة بغيــر نــار‪ .‬لــذلك‬
‫ارتبطــت العــودة إلــى الســلم والتأكيــد عليــه‬
‫ه الفعلــي أو‬
‫حيثما ذكر الطاغوت سواء باســم ِ‬

‫أ‬
‫‪321‬‬

‫بأســمائه القرآنيــة الخــرى أو حيــث مــا ذكــر‬


‫النور وأسماؤه الخرى‪:‬‬

‫]قـــد جـــاءكم مـــن اللـــه نـــور وكتـــاب‬


‫ســب َ‬
‫ل‬ ‫مبين‪.‬يهدي بــه اللــه مــن اتبــع رضــوانه ُ‬
‫السلم ويخرجهم من الظلمــات إلــى النــور ‪‬‬
‫‪.11/5‬‬

‫]والله يدعو إلى السلم ويهدي من يشــاء‬


‫إلى صراط مستقيم ‪.‬‬

‫فيقــرب مــن هــذا العــرض فــي الســياق‬


‫القرآني محاورات بين القادة والتباع وتلوم‬
‫بينهــم عليــك بتتبعــه والرجــوع إليــه متخــذا ً‬
‫اللفــاظ طريقــا ً للربــط بيــن تلــك الوقــائع‪.‬‬
‫ويمكن القول ان تسمية السلم من الســـلم‬
‫فهــو مــن اشــتقاقات هــذا اللفــظ وهــو ديــن‬
‫جميع النبياء وفق السم القرآني كقوله عن‬
‫ملكة سبأ وسليمان عليه السلم‪:‬‬

‫أ‬
‫‪322‬‬

‫]وأسلمت مــع ســليمان لــرب العــالمين ‪‬‬


‫‪.44/ 27‬‬

‫وعن إبراهيم عليه السلم‬

‫]إذ قال له ربه اســلم قــال اســلمت لــرب‬


‫العالمين ‪. 131/2‬‬

‫وعن الملل السابقة عمومًا‪:‬‬

‫حســن‬
‫و م ُ‬
‫هــ َ‬ ‫]بلى من أســل َ‬
‫م وجهــه للــه و ُ‬
‫فله َأجرهُ عند رّبه ‪. 125/4‬‬

‫وعلى لسان الجن‪:‬‬

‫]فمـــن أســـلم فـــأولئك تحـــروا رشـــدا ‪‬‬


‫‪.14/72‬‬

‫وعن الحواريين‪:‬‬

‫]آمّنا بالله واشهدْ باّنا مسلمون ‪. 52/3‬‬

‫وعن يعقوب وهو يوصي أولده‪:‬‬

‫]ان الله اصطفى لكــم الــدين فل تمــوتن‬


‫إل وأنتم مسلمون ‪. 132/2‬‬

‫أ‬
‫‪323‬‬

‫دد على الســلم والســلم مقابــل‬


‫وكذلك ش ّ‬
‫الحرب والفتنة‪:‬‬

‫] فــإن اعــتزلوكم فلــم يقــاتلوكم والقــوا‬


‫إليكم السلم ما جعل الله لكم عليهم سبيل ‪‬‬
‫‪.90/4‬‬

‫]يا أيها الــذين آمنــوا ادخلــوا فــي الســلم‬


‫كا ّ‬
‫فة ‪. 208/2‬‬

‫]وإن جنحــوا للســلم فاجنــح لهــا وتوكــل‬


‫على الله ‪. 62/8‬‬

‫فمــا هــي الطريقــة للــدخول إلــى الســلم‬


‫ب الحرب والفتنة؟ ان الطريقة‬
‫والسلم وتجن ّ‬
‫هي الستضاءة بنور الله وترك أي نار يشعلها‬
‫المستوقد ومن هنا تظهر العلقة بين السلم‬
‫ونور المشكاة وكلماتها‪ ..‬فتلك الكلمــات هــي‬
‫ح كلمات الشجرة ولدينا قائمة طويلــة‬
‫من سن ْ‬
‫بالسلم اللهــي علــى كلمــات ســابقة لنفــس‬
‫الشجرة‪:‬‬

‫أ‬
‫‪324‬‬

‫]سلم على نوح في العالمين ‪. 79/37‬‬

‫]وسلم على عبادة الذين اصطفى‪ .‬أ الله‬


‫خيّر أم ما يشركون ‪ 59/27‬‬

‫]والســلم عل ـ ّ‬
‫ى يــوم ولــدت ويــوم أمــوت‬
‫ويوم ابعث حيا ‪. 33/19‬‬

‫]وسلم على المرسلين ‪. 181/37‬‬

‫]سلم على موسى وهر ُ‬


‫ون ‪. 112/37‬‬

‫]سلم على آل ياسين ‪. 130/37‬‬

‫وإذن فعليك ان تتوقف عند المقارنــة بيــن‬


‫حــروب النــبي صــلى اللــه عليــه وآلــه وســلم‬
‫حروب خاضتها الملوك من بعده فثمــة فــرق‬
‫و ُ‬
‫بل وتناقض بين الثنين في الهداف والنوايا‬
‫والطرائق‪.‬‬

‫لقد كان النبي صلى الله عليه وآله وســلم‬


‫يحــارب الــذين يحــاربون )الســلم( والحريــة‬
‫‪-‬حريـــة اختيـــار الفـــراد لقـــد كـــان يحـــارب‬

‫أ‬
‫‪325‬‬

‫ما الملــوك الــذين جــاءوا بعــد ذلــك‬


‫الطاغوت أ ّ‬
‫فكانوا طواغيت يحاربون أمثالهم‪.‬‬

‫وقــد ل تســتطيع تمييــز الطــاغوت بصــورة‬


‫جيدة‪ .‬إن الظروف الموضــوعية تخلــق حــالت‬
‫مختلفة تمام ـًا‪-‬فالــذي يبــدوا لــك رجل ً حكيم ـا ً‬

‫متوازنا ً رب ّ‬
‫ما يكون مــن اشــرس الطغــاة فيمــا‬
‫لــو تــوافرت لــه الضــروف الموضــوعية الــتي‬
‫تظهر هذا الطغيان‪.‬‬

‫ويكفـــي فـــي الطغيـــان ان يقـــوم المـــرء‬


‫بتعليم الناس أفكــاره الخاصــة وحملهــم علــى‬
‫اليمان بها والدعوة لها مقابل تعــاليم اللــه ‪-‬‬
‫وليس من الضروري ان يكون الطاغوت فــردا ً‬
‫بل الغلب والعم انــه حركــات يشــترك فيهــا‬
‫أفراد وجماعات كثيرة ويقوم بالتنفيــذ أفــراد‬
‫ظاهرين بينما تبقى تلك الجماعات بعيدة عن‬
‫النظـــار‪.‬ان الطـــاغوت ليـــس فـــي الجـــانب‬
‫السياســي وحــده مــن جــوانب الحيــاة فهنــاك‬
‫طاغوت في الفكر وفي الفلسفة وفي الدب‬
‫أ‬
‫‪326‬‬

‫وفي العلــم الطــبيعي ‪ -‬وهنــاك طــاغوت فــي‬


‫الدين وهو اشرس الطواغيت واعتاها ‪-‬مثلمــا‬
‫هناك طاغوت في كل فن ونشــاط عقلــي لــه‬
‫مساس بالمعتقدات والسلوك‪.‬‬

‫وإذا اردنا أن نتابع ارتباطات تلــك اللفــاظ‬


‫مع بعضها فنحن امام شبكة واســعة ومحكمــة‬
‫من النسيج القرآني تحتاج إلى فصول خاصــة‬
‫ولكني اختم هذة النقطة في هذا الفصل بآية‬
‫الســراء الــتي تجمــع وبصــورة متجــاورة بيــن‬
‫الشجرة الخبيثة والفتنة والطغيان‪:‬‬

‫]وما جعلنــا الرؤيــا الــتي أرينــاك ال فتنــة‬


‫للنـــاس والشـــجرة الملعونـــة فـــي القـــرآن‬
‫فهم فما يزيدهم إل طغيانا ً كبيرا ً ‪‬‬
‫ونخو ّ‬

‫اااااا‪ :‬ااا ااا ااا‬


‫يبدو لنــا هــذا المقطــع وكانــة ليــس خاص ـا ً‬
‫و عــودة لوصــف‬
‫بالشــجرة والزيــت وانمــا هــ َ‬
‫المشكاة‪.‬‬

‫أ‬
‫‪327‬‬

‫وقد يدل على ذلــك وجــود نــور ســابق فــي‬


‫الزجاجة فلما تم وصف الزيت انه يكاد يضيء‬
‫سه نار عادَ إلى المشكاة فقال نور‬
‫ولو لم تم ْ‬
‫على نور ‪-‬نــور الزيــت ونــور المشــكاة أو نــور‬
‫المصباح المتقــد مــن الزيــت أو نــور الزجاجــة‬
‫المتقدة من الشجرة مع نور الزيت‪.‬‬

‫ومع ذلك فمن الممكن العتقـــاد ان الكلم‬


‫لزال عن الزيت والشجرة بســبب انــه يضــيء‬
‫سته نــار‬
‫سه نار فالنور الثاني إذا م ّ‬
‫ولو لم تم ْ‬
‫‪ -‬ومعلــوم ان الفتــن الموعــودة خمســة فتــن‬
‫تضمن فتنا ً فرعية تتزايد وتكــبر حــتى تنتهــي‬
‫مــة حســب مــاذكرته‬
‫بالفتنــة الكــبرى فــي ال ّ‬
‫نصوص الفتن وهذا يعنــي ان نــور الشــجرة ل‬
‫يــزال متزايــدا ً بــاطرادّ مــع نــار الفتنــة حيــث‬
‫حة من المة للرجوع إلــى نــور‬
‫تظهر حاجة مل ّ‬
‫الله بعيدا ً عن النار التي يوقدها الطاغوت‪.‬‬

‫كذلك يمكن العتقاد انه وصف عام للجميع‬


‫وعنـــد ذلـــك يكـــون النـــور مرتبطـــا ً بكلمـــات‬
‫أ‬
‫‪328‬‬

‫الشجرة ومكونات المشكاة كلهــا بمعنــى انهــا‬


‫كلمة على أثر كلمة وليس كلمة من بعد كلمة‬
‫لنــه ل فاصــلة بيــن الكلمــات فنــور الكلمــة‬
‫الســابقة يبقــى مــع الكلمــة اللحقــة ويضــاف‬
‫مة أحد معاني التصديق‬
‫إليها وهو بصورته العا ّ‬
‫دق المسيح ما بيــن يــديه مــن التــوراة‬
‫حيث ص ّ‬
‫وكذلك جاء النبي صلى الله عليه وآلــه وســلم‬
‫دقا ً لمــا بيــن يــديه مــن الكتــاب ‪-‬وهــذه‬
‫مصــ ّ‬
‫صائص الشجرة الخبيثــة‬
‫صية هي بخلف خ ّ‬
‫الخا ّ‬
‫حيث تختلف كلماتها بعضها عن بعــض ‪ -‬وهــي‬
‫إذ يتولى بعضها البعض من الناحية الظاهريــة‬
‫فانهم في داخل نفوسهم يلعن بعضهم بعضا ً‬
‫ويــبرأ بعضــهم مــن بعــض وهــذا أمــر طــبيعي‬
‫مادام كل طاغوت فيهم عابد لــذاته ولهــواه ‪-‬‬
‫فليس لهم معبو دُ مشترك واحــد كمــا لكلمــات‬
‫الشجرة الطيبة‪.‬‬

‫وتظهر افرازات الطاغوت على الجماعــات‬


‫التابعة فالرســل كلمــات نورانيــة بعضــها مــن‬

‫أ‬
‫‪329‬‬

‫بعض وبعضها على أثر بعض تصــدق كــل منهــا‬


‫الخرى وتؤكــد اللحقــة علــى صــدق الســابقة‬
‫وتبشر السابقة باللحقة‪.‬‬

‫ولكــــن الجماعــــات تســــلك خلف ذلــــك‬


‫فالعداوة متأصلة بين جماعــات النبيــاء عليــه‬
‫السلم لن هذه الجماعات تابعت أولئك الذين‬
‫وا لهــم تعــاليم النبيــاء بالصــورة الــتي‬
‫قــدم ّ‬
‫ارادها الطاغوت فتأجيج الفتنة وخلــق العــداء‬
‫هو أحد أهم طــرائق الطــاغوت‪ ،‬والقــرآن لــم‬
‫يستثن من هذه الجماعــات ا ّ‬
‫لمــن آمــن بــالله‬
‫واليــوم الخــر وعمــل صــالحا ً بمــا فــي ذلــك‬
‫جماعة النبي الخــاتم محمــد صــلى اللــه عليــه‬
‫وآلـــه وســـلم حيـــث ذكرهـــم أول ً مـــن بيـــن‬
‫المجموعات الربعة‪:‬‬

‫]ان الذين آمنوا والذين هــادوا والنصــارى‬


‫والصابئين من آمن بالله واليوم الخر وعمــل‬
‫صــالح ا ً فلهــم اجرهــم عنــد ربهــم ول خــوف‬
‫عليهم ول هم يحزنون ‪. 62/2‬‬
‫أ‬
‫‪330‬‬

‫إذن فهناك مجموعة خاصة ناجية من جميع‬


‫الملل هي مجموعــة )مــن آمــن بــالله واليــوم‬
‫الخر وعمل صالحًا( ‪ -‬وهي مجموعــة الفــراد‬
‫المتفر ّ‬
‫قين في هــذه الجماعــات الكــبيرة مــن‬
‫الملل ‪ -‬فالسماء الظاهرية هي أسماء تخــص‬
‫ي‬
‫الناس بصورة عامة فكــل فئة ومــذهب يــدع ّ‬
‫انه وحده السائر إلى الصراط المستقيم وانه‬
‫هو التجاه الذي يرضاه الله ولكن هــذا مجــّرد‬
‫عاء فالناجون هــم أفــراد فــي جميــع الملــل‬
‫اد ّ‬
‫تصــدق عليهــم الصــفات المــذكورة فــي اليــة‬
‫بشــرط فهمهــا فهمــا ً قرآنيــّا‪ .‬ان الصــفات‬
‫صــل لثبــات ان‬
‫الثلثــة تحتــاج إلــى حــديث مف ّ‬
‫هؤلء الفراد )المتصفين بها( ‪ -‬مهتدين إلــى‬
‫نور الله عن طريــق التعلــق بمثلــه المضــروب‬
‫في المشكاة فآية المشكاة تضمنت التعقيب‪:‬‬

‫)نور على نور يهدي الله لنوره مــن يشــاء(‬


‫‪ -‬ومعلــوم ان الــذين لهــم أجرهــم ول خــوف‬
‫ديــة لن‬
‫عليهم ولهــم يحزنــون مجموعــة مهت ّ‬

‫أ‬
‫‪331‬‬

‫مثــل هــذا التطميــن علــى مصــيرهم خــاص‬


‫بالمهتدين ول يشــمل أولئك الــذين يحاســبون‬
‫حسابا ً عسيرًا‪.‬‬

‫ان مثـــل هـــذا البحـــث المطـــول ل يمكـــن‬


‫ادراجه هنــا بجميــع تفاصــيله‪ ،‬ولكنــه ضــروري‬
‫للغاية مــن اجــل إتمــام الربــط بيــن نــور اللــه‬
‫والمجموعــة المهتديــة بــه بحيــث يتــم كشــف‬
‫ة التي ل ترتبط بنور الله‪.‬‬
‫المجموعات المزيف ّ‬
‫لذلك فسوف أحاول تلخيص نتائج مثل هذا‬
‫البحث هنا لتمام هذا الربط على ان فقــرات‬
‫منه قد فصلت في مواضع أخــرى مــن أبحاثنــا‬
‫السابقة‪.‬‬

‫أ‬
‫‪332‬‬

‫ه من يشاء‬
‫يهدي الله لنور ِ‬ ‫‪32‬‬

‫]ويضرب الله المثــال للنــاس واللــه بكــل‬


‫شيء عليم ‪‬‬

‫وقبــل ذلــك كلــه نلحــظ ارتباطــات الهــدى‬


‫همــا الســابق‬
‫وعلقتــه بالصــراط والنــور فأي ّ‬
‫النور أم الصراط؟‬

‫فـــي آيـــة المـــائدة يظهـــر ان النـــور هـــو‬


‫الموصل إلى الصراط‪.‬‬

‫]ويخرجهــم مــن الظلمــات إلــى النــور‬


‫بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم ‪، 16/ 5‬‬
‫فبعــد الخــروج إلــى النــور يتــم الهتــداء إلــى‬
‫صراط مستقيم‪.‬‬

‫ولكن هذا ليــس هــو )الصــراط المســتقيم(‬


‫المعــرف بــأل التعريــف والمــذكور مثل ً فــي‬
‫سورة الفاتحة‪:‬‬

‫]أهدنا الصراط المستقيم ‪‬‬

‫أ‬
‫‪333‬‬

‫ة فرق بين المعّرف والمنكّر‪ .‬فــالمنكر‬


‫فثم َ‬
‫)صــراط مســتقيم( هــو واحــد مــن مجموعــة‬
‫عرف‪.‬‬
‫توصل إلى الصراط الم ّ‬
‫وهــذا المــر معــروف فــي اللغــة الفصــحى‬
‫والعامية على سواء‪.‬‬

‫ولكنه استعمل مفردة )هــدى( لهمــا معــا ً ‪-‬‬


‫لن الهدى بطــبيعته عبــارة عــن مراتــب فهــو‬
‫فعل يفيد الحصول على الهتداء إلى الشــياء‬
‫مهتــدى إليــه‬
‫دد درجــة الهتــداء ال ُ‬
‫فالــذي يحــ ّ‬
‫منها‪.‬‬

‫ومـــن ناحيـــة أخـــرى فعلينـــا ان نلحـــظ‬


‫دقة‪.‬‬
‫التراكيب في منتهى النتباه وال ّ‬
‫النــور نفســه ليــس واحــدا ً فــي الكثافــة‬
‫والقــوة‪ .‬والنــور مختلــف عنــد إضــافته إلــى‬
‫اسمه تعــالى نــور اللــه أو نــوره ‪ -‬لنــه النــور‬
‫م‪.‬‬
‫العظم والع ّ‬

‫أ‬
‫‪334‬‬

‫وصــل لنــور‬
‫هدى ما كــان ي ُ‬
‫فأعلى مراتب ال ُ‬
‫الله مباشرة‪ .‬ومن بعده فــي الرتبــة الهتــداء‬
‫إلى الصراط المستقيم المع ـّرف‪ .‬ومــن بعــده‬
‫في الرتبة الهتــداء إلــى أي صــراط مســتقيم‬
‫ومن بعــده الهتــداء إلــى النــور المعــرف بــال‬
‫التعريف‪.‬‬

‫والترتيب المعكوس ترتيب تصــاعدي ‪ -‬مــن‬


‫اهتدى إلى النور فهناك أمــ ّ‬
‫ل فــي أن يهتــدي‬
‫إلى صــراط مســتقيم معيــن‪ .‬والخيــر يوصــل‬
‫إلــى )الصــراط المســتقيم( المع ـّرف والخيــر‬
‫يوصل إلى نور الله‪.‬‬

‫إذن فســـوف تـــدرك الن مـــا فـــي ســـورة‬


‫الفاتحة من ترتيب ‪ -‬لن نــور اللــه كمــا رأينــا‬
‫فــي المشــكاة هــم شــخوص )كلمــات اللــه(‬
‫)فالصــــراط المســــتقيم( ‪ -‬المعــــّرف هــــو‬
‫ســمى باســمهم وهــو )صــراط‬
‫صــراطهم والم ّ‬
‫م تعريــف‬
‫الله( في موضع من القرآن لذلك تــ ّ‬
‫أ‬
‫‪335‬‬

‫الصراط بهم ل تعريفهم بالصراط لنهــم نــور‬


‫الله أي نور في الملكوت‪:‬‬

‫]أهدنا الصراط المستقيم صراط الذين‬


‫ت عليهم ‪ ‬فإذا أخذت مركب "أنعم اللــه‬
‫أنعم َ‬
‫ص‬
‫عليهم ‪ -‬أنعمــت عليهــم‪...‬الــخ" وجــدته يخ ـ ّ‬
‫هــؤلء الفــراد ويرتبــط لفظي ـا ً بهــم وحــدهم‬
‫فهــو مركــب خــاص بكلمــات اللــه وهــذا بحــث‬
‫دقيق جدا ً فعليك النتبــاه واخلــع عــن نفســك‬
‫جميــع طــرائق العتبــاط اللغــوي والتفســير‬
‫العشوائي‪:‬‬

‫]أولئك الذين أنعم اللــه عليهــم مــن النــبيين‬ ‫‍أ‪-‬‬


‫مــن ذريــة آدم ‪ . 58/19‬تتحــدث اليــة عــن‬
‫كلمات الله السابقة من النبياء مــن الشــجرة‬
‫المباركة التي ذكرهــا فــي موضــع آخــر أنهــا ‪-‬‬
‫ذرّية بعضها من بعض(‪.‬‬

‫]ومــن ي ِ‬
‫طــع اللــه والرســول فــأولئك مــع‬ ‫‍ب‪-‬‬
‫الذين أنعم الله عليهم ‪ . 69/ 4‬لحظ انه لم‬

‫أ‬
‫‪336‬‬

‫يقل فأولئك من الذين أنعم الله عليهــم ‪ -‬بــل‬


‫معهم لنه مهما بلغ المرء فــي الطاعــة فلــن‬
‫ددة ســلفا ً‬
‫يكــون منهــم لنهــم مجموعــة محــ ّ‬
‫)بالمر الكلي( مثل ً لنور الله‪.‬‬
‫ى فلن اكون ظهيــرا ً‬‫ت عل ّ‬ ‫ج‪] -‬قال ر ّ‬
‫ب بما أنعم َ‬ ‫‍ ‍‬
‫للمجرميــن ‪ . 17/28‬والمتكّلــم هنــا موســى‬
‫عليه السلم أحد كلمات الشجرة‪.‬‬

‫والن قد تقول ان هذا المركب ورد أيضا ً عــن‬


‫نــاس عــاديين أو كــثرة مــن النــاس مثــل بنــي‬
‫إسرائيل في قوله تعالى‪:‬‬

‫]اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكــم وأّنــي‬


‫فضلتكم على العالمين ‪ 47/2‬‬

‫نعم هنا يظهر العجاز القرآني مرة أخرى ‪-‬‬


‫وتظهر كذلك آثار التفســير العتبــاطي علــى‬
‫السائل‪:‬‬

‫فهو لم يقل )أنعمت عليكم( ‪ -‬أو )اذكروا إذ‬


‫أنعمــت عليكــم( فــأنعمت عليكــم جملــة تعــود‬

‫أ‬
‫‪337‬‬

‫على نعمتي أي انها وصــف لنعمــتي فالنعــام‬


‫ة‪:‬‬
‫م عــن طريــق نعمتــه ل مباشــر ً‬
‫عليهــم تــ ّ‬
‫ت عليكــم‪ .‬وقــد وضــعت لــك‬ ‫نعمتي التي أنعم ُ‬
‫خط ـا ً تحــت مفــردة الــتي كــي تــدرك المعنــى‬
‫المقصود‪.‬‬

‫إذن فهناك )نعمة له( وقد أنعم عليهم بها ‪-‬‬


‫م آخر لكلمات الله‪.‬‬
‫وهذه النعمة هي اس ّ‬
‫أل ترى ان هذه الصيغة تغيّرت في خطــابه‬
‫مع المسيح عليه السلم‪:‬‬

‫]يا عيسى ابن مريــم اذكــر نعمــتي عليــك‬


‫وعلى والدتك ‪ 110/5‬‬

‫فلم يقل التي أنعمــت عليــك لتكــون النعمــة‬


‫متنزلــة بمرحلــتين مــرة نعمــة بنفســها ومــرة‬
‫أنعم بها عليه‪ -‬بل أنعم عليه مباشرة لنه هــو‬
‫النعمة وذلك لنه احدى كلمات الشــجرة فهــو‬
‫النعمة التي أنعم الله بها بني إسرائيل‪.‬‬

‫أ‬
‫‪338‬‬

‫بينما ثبتت هذه الصيغة ذاتها في الخطــاب‬


‫الموجه إلى بني إسرائيل‪:‬‬

‫]اذكـــروا نعمـــتي الـــتي أنعمـــت عليكـــم‬


‫واوفوا بعهدي اوف بعهدكم ‪. 40/2‬‬

‫]اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكــم وانــي‬


‫فضلتكم على العلمين ‪. 122/2‬‬

‫إذن فقوله مخاطبا ً النــبي صــلى اللــه عليــه‬


‫وآله وسلم‪:‬‬

‫]ويتــم نعمتــه عليــك ‪  2/48‬هــو شــيء‬


‫يخــص كلمــات الشــجرة ومكونــات المشــكاة‪،‬‬
‫فمــن جهــة أخــرى ل بــد ان تتــذكر بحثنــا عــن‬
‫حاجة الكلمات إلى إتمام لنها عبارة عن خلق‬
‫وذرية بعضها من بعــض وقــد رأيــت ذلــك فــي‬
‫]وإذا ابتلـــى إبراهيـــم رّبـــه‬ ‫قـــوله تعـــالى‪:‬‬
‫بكلمات فاتمهن ‪.‬‬

‫كذلك سوف تدرك معنى قوله‪:‬‬

‫أ‬
‫‪339‬‬

‫]فــآلف بيــن قلــوبكم فأصــبحتم بنعمتــه‬


‫أخوانا ‪. 103/3‬‬

‫لن المقصود مــن هــذه النعمــة )كلمــة اللــه‬


‫العليا( ‪ -‬وأول كلمات المشكاة‪.‬‬

‫فالنعمة ليست الكتــاب ول التشــريع بــل ول‬


‫الدين كله كعقيدة ‪ -‬انمــا النعمــة هــي كلمــات‬
‫اللــه الــتي تفهــم لغــز هــذا الكــون وس ـّر هــذا‬
‫الكتاب المبين الذين جعله تبيانا ً لكــل شــيء ‪-‬‬
‫فل نفــع فــي الــدين مــا لــم تظهــر أســراره‬
‫وتنجلى الظلمة بنهاره‪.‬‬

‫وأمــا لمــاذا جعــل اللــه ســّره ونــوره فــي‬


‫شخوص بشــرية وكائنــات مــن أصــل النســان‬
‫فهنا هــو الهــدف الــذي كتبنــا مــن اجلــه هــذه‬
‫الرسالة من بدايتها‪.‬‬

‫ذلك لن الكشف عن زيف النفس النســانية‬


‫وانحرافها إنما يتم بهــذه الوســيلة باعتبارهــا‬
‫افضل وانجح الوسائل‪ .‬فان مشــكلة النســان‬

‫أ‬
‫‪340‬‬

‫هــي فــي )النــا( المـــتعالي فــي نفســه وقــد‬


‫لحظنا ان هذا )النــا( هــو المــأزق الفلســفي‬
‫والميتــافيزيقي فــي تاريــخ النســان ‪ -‬فيتــم‬
‫تحطيـــم هـــذا النـــا بـــذوات بشـــرية مذعنـــة‬
‫للناموس اللهي وهي تستطيع ان تفعل فــي‬
‫الموجـــودات اكـــثر ممـــا تتكل ّـــم ‪ -‬وهـــؤلء ل‬
‫يتكلمون بشيء من تلقاء أنفســهم فل وجــود‬
‫للنا لــديهم ‪ -‬النــا عنــدهم قــد اختفــى وذاب‬
‫في عبارة )أنا الله ل إلــه إل أنــا فاعبــدني( ‪-‬‬
‫فهؤلء يحاسب الله الخلق بهم حسابا ً عسيرا‬
‫وبهم يلقي من يلقيه في اتــون جهنــم وبهــم‬
‫ينقذ من ينقذه‪.‬‬

‫ان مثل هذا المتحان قــد م ـّر ســابقا ً علــى‬


‫م إخــراج النفــس النانيــة مــن‬
‫الملئكــة وتـــ ّ‬
‫بينهم ولعنها ورجمها ‪ -‬النفس التي قالت‪:‬‬

‫]أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته مــن‬


‫طين ‪‬‬

‫أ‬
‫‪341‬‬

‫وذلك من خلل ابتلءهم بالسجود لمخلوق‪.‬‬

‫واستمر مثل هذا المتحان اللهــي علــى‬


‫بني النسان ‪ -‬فكل رسول يبعث تعاد الحكاية‬
‫من او ّلها ويلحظ من الذي يقول )أنــا(‪ .‬فقــد‬
‫قال موسى لفرعون ‪‬هل لك إلى ان تزكــ ّ‬
‫ى‬
‫واهديك إلى ربك فتخشى ؟ ‪‬‬

‫والجواب دوما ً يتض ّ‬


‫من النا‪:‬‬

‫]أم أنا خير من هذا الــذي مهيــن ول يكــاد‬


‫يبين ‪. 52/43‬‬

‫وقال إبراهيم عليه السلم ‪‬ربي الــذي‬


‫يحــي ويميــت ‪ ،‬وقــال نمــرود مبتــدأ ً الجابــة‬
‫بالنا‪:‬‬

‫]أنا ُأحيي وُأميت ‪. 258/2‬‬

‫ملــك فــان‬
‫وقد قلنا ان الرتباط الول هــو بال ُ‬
‫الله ل يؤتي ملكه ال لمن تخّلــى عــن )النــا(‬
‫الداخلي هذا واذعن اذعان ـا ً تام ـا ً للــه ‪ -‬وعلــى‬
‫ذلك جرت سنة النبياء عليه السلم فانهم )ل‬

‫أ‬
‫‪342‬‬

‫يول ّــون أحــدا ً طلــب المــر أو حــرص عليــه( أو‬


‫قــال أنــا لــه ‪ -‬فصــاحب النــا مريــض ل يصــلح‬
‫نفسه فكيف يصلح غيره؟‬

‫وفي بني إسرائيل طلبوا مــن نــبي لهــم ‪-‬‬


‫علــى مــا ذكــر القــرآن ‪ -‬ان يجعــل لهــم ملك ـا ً‬
‫ليقاتلوا في سبيل الله‪.‬‬

‫]وقال لهم نبي ّ‬


‫هم ان اللــه قــد بعــث لكــم‬
‫طالوت ملكا ً ‪. 247/2‬‬

‫وجــاء الجــواب ‪ -‬وبرغــم مــن انهــم أهــل هــذا‬


‫المطلب ‪ -‬جاء رافضا ً ملــك طــالوت ومتضــمنا ً‬
‫النا الجمعي بصيغة )نحن(‪:‬‬

‫]قالوا أنى يكــون لــه الملــك علينــا ونحــن‬


‫أحق بالملك منه ‪. 247/2‬‬

‫فكل كائن إنســاني يضــع للنــا الــداخلي لــديه‬


‫موضع ا ً مقابل المر اللهي ‪ -‬انمــا يريــد بهــذا‬
‫مشاركة الله في اُلوهيته ولذلك كــان الكفــر‬
‫ر واحــد‬
‫ببعض الكتاب كفّر بالكــل والكفــر بــام ٍ‬

‫أ‬
‫‪343‬‬

‫هو كفّر بالجميع لماذا ؟ لن الشــياء الخــرى‬


‫الــتي يــؤمن بهــا انمــا يــؤمن بهــا لتحقيــق‬
‫مصــالحة النانيــة لنهــا جــاءت ملئمــة لهــا‬
‫فالشيء الواحد الذي يكفــر فيــه المــرء مهمــا‬
‫كان ضــئيل ً وغيــر ذي أهميــة فــي نظــره انمــا‬
‫يكشــف عــن حقيقــة الــذات النســانية كلهــا‬
‫ويظهر جميع توجهاتها ‪ -‬ان إبليس في قصــة‬
‫الخلق لم ينكــر ان اللــه هــو الخــالق وانــه هــو‬
‫ب فــوقه ولــم ينكــر شــيئا ً مــن‬
‫الرب الذي ل ر ّ‬
‫ضــرورات ‪ -‬الــدّين ‪ -‬انــه )اجتهــد( برأيــه فــي‬
‫مسألة السجود لدم فأتخذ رأيا ً مخالفــا ً لــرأي‬
‫الله في المسألة اليس معنــى ذلــك انــه أنكــر‬
‫ال ُلوهيـــة والوحدانيـــة مـــن حيـــث اجتهـــد‬
‫مقابلها ؟ ذلــك لن هــذا الســلوك هــو الوحيــد‬
‫الذي ينّبىء عن حقيقــة افكــاره واختيــاراته ‪-‬‬
‫فالله واحد ولو كان ثمة إلهيــن لكــان يمكــن‬
‫ان يكون هنــاك ثــالث هــو إبليــس والرابــع لــه‬
‫رأي آخر في المسألة ‪ -‬ان معنى الله الواحد‬

‫أ‬
‫‪344‬‬

‫هــو إ ن ّــي ل امتلــك أي رأي فــي أيــة مســألة ‪-‬‬


‫معنى الله الواحد إّني انتظر من هذا الواحــد‬
‫وديــة وتســّلط‬
‫ان يــأمرني فــأطيع ‪ -‬انهــا عب ّ‬
‫ي ان اقبــل بالعبوديــة و التســلط‬ ‫وقهــر ‪ -‬عل ـ ّ‬
‫ض تمــام‬
‫والقهر اللهــي لكــي ابرهــن إن ّــي را ٍ‬
‫الرضا بالله الواحــد واذا فك ـّرت بأختيــار آخــر‬
‫فقد أبلغته بكل وضوح إ ّني اريد مشاركته في‬
‫اللوهية ‪ -‬ان هــذا الفهــم للتوحيــد ليــس مــن‬
‫خارج النفــس انــه تمييــز مــن داخلهــا فقــط ‪-‬‬
‫ولكنه شيء مرعب إلى أبعد حد‪ ،‬انه يثير فــي‬
‫من يفهمــه ‪ -‬أو يتــذكره هكــذ خوف ـا ً مســتورا ً‬

‫ورعبا ً دائما ً يشوبه رجــاءّ ُ‬


‫ملــح وام ـ ّ‬
‫ل مرتقــب‬
‫في الخلص ‪ -‬ان هذا الشعور هو الذي يفســر‬
‫لنا ذلك الخوف المتأصل فــي نفــوس النبيــاء‬
‫صلى اللــه عليــه وآلــه وســلم وكلمــات اللــه ‪-‬‬
‫فإذا كــان القــدر قــد جعلهــم مثل ً لنــوره فــان‬
‫در الــذي يكتنفــه ويلغيــه فــي أي لحظــة‬
‫القــ ْ‬
‫يجعلهم مرعوبين من الله راجين لخلصــه بــل‬

‫أ‬
‫‪345‬‬

‫راغبين في الموت بسرعة علــى افضــل حــال‬


‫خشية ان يميلوا عن هذا الخــط الــدقيق فهــم‬
‫في توسل دائم لله ان يثبتهم عليــه ويبقيهــم‬
‫فيه ‪ -‬ومن الممكن القول ان وصف )الصراط‬
‫المستقيم( على لسانهم بأنه أحد من السيف‬
‫وادق من الشــعرة انمــا يــراد بــه هــذا الخــط ‪-‬‬
‫الذي يقع عنه المرء في الكفر لمجــرد الميــل‬
‫في اية لحظة حينما تميل النفس إلى )النــا(‬
‫الذي فيها‪.‬‬

‫ان إعطــاء النبيــاء معجــزات هــو ابتلء آخــر‬


‫ومصيبة فوق مصيبتهم‪.‬‬

‫فعلوة على ما يفــرزه الصــراع مــع الجهلــة‬


‫بسبب المعجزة ‪ -‬فان النفس تتعــاظم عنــدما‬
‫تتمكــن مــن الحصــول علــى قــدرات خارقــة‬
‫لقوانين الطبيعة فعليهم إذن ان يوازنوا بيــن‬
‫المرين فيقوموا بــإذلل أنفســهم أمــام اللــه‬
‫من اجل ان تموت النا موتا ً أبديًا‪.‬‬

‫أ‬
‫‪346‬‬

‫بالمقابـــل نلحــظ تلــك المعادلـــة العجيبـــة‬


‫فالحياة البدية هي لولئك الذين أمــاتوا النــا‬
‫داخل نفوســهم ‪ -‬حيــاة معهــا ملــك الســموات‬
‫والرض وملك ل يبلــى‪ .‬بينمــا الــذل والهــوان‬
‫ب على ذوي النــا‬
‫وألوان الخزي والعذاب ينص ّ‬
‫المتعالي وهي معادلة تبدو في منتهى العدل‬
‫‪ -‬بل هي الحكمة البدية الوحيدة وذلك حينمــا‬
‫تربط المسألة بالله الواحد ‪ -‬فإني إذ أرضــى‬
‫بالعبودية والقهر والتسلط ومن الله الواحــد‬
‫‪ -‬فهـــذا يعنـــي فـــي الحقيقـــة إن ّـــي ارفـــض‬
‫العبودية والقهر والتســلط بجميــع صــورها ال‬
‫هذه الصورة ‪ -‬معناه إّني ارفض الستعباد من‬
‫قبل جميــع الكائنــات الــتي خلقهــا اللــه لنــي‬
‫اريد ان يستعبدني هو ومعنى ذلــك إّنــي أريــد‬
‫ان أســمو فوقهــا جميعــا ً ‪ ..‬وليــس هنــاك أي‬
‫معنى آخر لما افعله‪.‬‬

‫ت إليه ومــا رغبــت‬


‫فهو إذن يعطيني ما صبو ُ‬
‫فيه‪ .‬يعطيني ان امتلــك جميــع الشــياء الــتي‬

‫أ‬
‫‪347‬‬

‫سموت عليها خلل عبوديتي له‪ .‬لن يســبقني‬


‫ال أولئك الـــذين هـــم بشـــر مثلـــي لكنهـــم‬
‫سبقوني في تلك العبوديــة ‪ -‬يســبقني أولئك‬
‫الــذين ســبقوني فــي حيــاتي نفســها بســرعة‬
‫مذهلة بحيث ان اللــه جعلهــم مثل ً لنــوره ‪ -‬ان‬
‫اعترافي بفضلهم هو مثــل اعــتراف الملئكــة‬
‫بفضل آدم ‪ -‬وظهور أنــانيتي معهــم هــو مثــل‬
‫ظهور أنانية إبليس مع آدم ‪ -‬لقد اخبرني الله‬
‫بهذه القصة لنتفع بها مــن هــذه الجهــة ‪ -‬لــم‬
‫يخبرني بها لمجّرد ان يشــرح لــي كيــف خلــق‬
‫الخلــق‪ -‬مــن أنــا حــتى يشــرح لــي كيــف خلــق‬
‫الخلق ؟‬

‫هــل ســمعت مــرة بصــانع يشــرح للمصــنوع‬


‫كيف صنعه ؟‬

‫وبالمقابل يظهــر مــا أريــده حينمــا ارفــض‬


‫عبودية الله وتسلطه وقهره‪.‬‬

‫لن معنــاه الوحيــد أن أبقــى مســتعبدا ً مــن‬


‫قبل جميــع الكائنــات المســتعبدة لــه بمــا فــي‬
‫أ‬
‫‪348‬‬

‫ذلك الجماد والحيوان فهذا مــا أريــده بالفعــل‬


‫وهو يعطيني ما أريد أيضا ً انه يسمح لــي بــأن‬
‫أس ّلط علــى نفســي جميــع تلــك الكائنــات‪ .‬ان‬
‫تعــبير البــابليين عــن )العــالم الســفلي( بهــذا‬
‫الســم تعــبير دقيــق‪ .‬إننــا نلحــظ فــي ســورة‬
‫التين‪:‬‬

‫]ثم رددناه اسفل سافلين ال الذين آمنوا‬


‫وعملوا الصالحات ‪.‬‬

‫إذن فنحن لسنا أمام عدل الهي فقــط‪ .‬إننــا‬


‫أمام عطاء إلهي دائم ‪ -‬انه يعطيك مــا تريــد ‪-‬‬
‫كل ما تريد بل اســتثناء! وأنــت بــالطبع تختــار‬
‫لنفسك ما تريد ‪ -‬سواء أ كنت تريــد ان تكــون‬
‫مالكا ً للموجودات ومتحكم ا ً فيها أو كنت تريــد‬
‫ان تكون مملوكا ً للموجودات عبدا ً لهــا تتحكــم‬
‫فيك وتتسلط عليك‪.‬‬

‫هنا فقط يكمن التعريف الحقيقي للحّريــة‬


‫وهــو تعريــف يخــالف تعريــف الفلســفة لهــا‬

‫أ‬
‫‪349‬‬

‫والزوبعة الــتي تثيرهــا بشــأنها حينمــا تحــاول‬


‫من غير جدوى ان تربط الحّرية بالنا ‪ -‬فيأتي‬
‫منطقهــا متناقضــا ً بحيــث ان كــل فيلســوف‬
‫يقــوم بــإجراء تعــديل جديــد عليهــا ولكــن بل‬
‫جدوى ‪ -‬ففي كل مّره يكتشف المفكر نفســه‬
‫ذلك التناقض الفاضح بين النتيجــة والهــدف ‪-‬‬
‫فكّلمــا امعــن فــي ربــط الحريــة بالــذات كلمــا‬
‫ظهرت نتائج اشد في الستعباد والقهــر ‪ -‬ان‬
‫حريــة الــذات وتحــرر النــا هــو فــي إقرارهــا‬
‫بحقيقتها وحقيقتهــا الوحيــدة انهــا ل شــيء‪.‬‬
‫فذلك القــرار وحــده هــو الــذي يجعلهــا شــيئا ً‬
‫مذكورا ً وهــذه المعادلــة المتناقضــة إنمــا هــي‬
‫جدلية من جدليات الله الواحد ‪ -‬فليــس ثمــة‬
‫من حل آخر ما دام هناك اله واحد ‪ -‬يســتحيل‬
‫ان ُيوجد غيره‪.‬‬

‫ويمكنك ان تصل إلى نفس النتيجــة بطريــق‬


‫آخر‪ :‬فحينمــا أقــول إننــي كــائن حــي وعاقــل‬
‫فان معنى ذلك كله انني أختــار ‪ -‬ان اختيــاري‬

‫أ‬
‫‪350‬‬

‫هــو حيــاتي ‪ -‬وحينمــا ل اقــدر علــى الختيــار‬


‫ت حي ـًا‪،‬‬
‫مطلق ا ً فمعنى ذلــك اننــي ميــت ولس ـ ُ‬
‫فالحيــاة حركــه متصــلة مــن الختيــارات وكــل‬
‫حركة ضئيلة أو كبيرة هي اختيــار ‪ -‬وفــي كــل‬
‫أمر أمامي عددُ مــن الختيــارات مثــل ) أ‪ -‬ب‪-‬‬
‫ج‪ -‬د‪ ... -‬الخ( وإني أختار أحــدها ‪ -‬فتلــك هــي‬
‫ى دوما َ ان أختار‬
‫الحياة التي اشعر بها‪ .‬ان عل ّ‬
‫ما يمكنه ان يبقيني حيا ً ‪ -‬وأتجنب ما يضــرني‬
‫‪ -‬مــا يــؤثر ســلبا ً علــى حيــاتي ‪ -‬بمعنــى إننــي‬
‫أختار من اجل ان أظــل مختــارا ً دومــًا‪ ،‬فكــأن‬
‫الختيار هو غايتي ووسيلتي وهدفي وحيــاتي‬
‫في آن واحد ‪ -‬ليــس ثمــة شــيء عنــدي ســواه‬
‫ول غاية لي غيره‪.‬‬

‫كيف أختار في كل مرة واحدا ً من الخيــارات‬


‫المطروحة أمامي؟ اننــي ل أدرك كيــف تتغيــر‬
‫وال الشديدة التغيــر فــي الوجــود كــل‬
‫تلك الد ّ‬
‫لحظــة بــل وأجــزاء اللحظــة‪ ،‬فيجعــل خيــاري‬
‫الصائب في لحظة خاطئا ً ومضرا ً بحياتي فــي‬

‫أ‬
‫‪351‬‬

‫اللحظة التالية أو العكس‪ ..‬بالطبع يتراءى لي‬


‫دوم ا ً ان )ج( أو )ب( أصلح لي ولكن كــم مــرة‬
‫ندمت إ ّني لم اختر )د( ؟ وكم مرة أخــترت )ا(‬
‫فظهــر لــي ان )س( هــو الفضــل وكــم مــرة‬
‫تعجبت لن الخيار )س( مطروح لشــخص آخــر‬
‫ولكنه لم يكن مطروح ـا ً ضــمن خيــاراتي أنــا ؟‬
‫د جهيــد‬
‫كم مرة اخترت )س( وجعلته بعــد جهــ ٍ‬
‫أحــد خيــاراتي ثــم ظهــر ان )س( قــد اضــّر‬
‫بحياتي ضررا ً فادحا ً ؟ وكم وكم ‪...‬‬

‫وبينما أنا مشغول بهذا التنقل الذي رافقـــه‬


‫اللم والمل والخوف والندم واليأس وجميـــع‬
‫مشاعري الخرى فإذا أنا مفاجئ بهجوم غيــر‬
‫متوقع ؟ فقد زحفت خيارات اشخاص آخريـــن‬
‫لتزاحم خياراتي ‪ -‬بــل الكائنــات غيــر العاقلــة‬
‫والجمادات هي الخرى تحدد خياراتي وتتدخل‬
‫فيها ‪ -‬الطبيعة تحاربني أيضــا ً وبــدني عرضــه‬
‫لهجومات من كائنــات وقــوى كــثيرة ‪ -‬خــدعت‬
‫نفسي ألف مرة وتغافلت ألف مرة بل جــدوى‬

‫أ‬
‫‪352‬‬

‫‪ -‬ومــا جعلتــه اســتمرارا ً لحيــاتي فــي امتلك‬


‫ابناء هم في الواقع حجر عثرة امــام وجــودي‬
‫وخياراتي الخاصة‪.‬‬

‫الدوات التي امتلكها لتحقيق خياراتي ‪ -‬لها‬


‫خياراتهـــا وتحـــاربني أيضـــًا‪ .‬إنهـــا تطـــالبني‬
‫ي أحيانـــا ً ان‬
‫بالصلح والتبديل كل مرة ‪ -‬وعل ّ‬
‫افقد كرامتي لجلها فاشتهي ان ابصق عليها‬
‫‪ -‬لنها تبدو لي احيانا ً عدوا ً ل عونًا‪.‬‬

‫ان مصيبتي ليس مثلها مصيبة فان منطقي‬


‫وعقلي يدلني على إ ّني في الواقع عب ـدُ مــن‬
‫حيــث أنــا حــُر ‪ -‬واننــي كلمــا اردت التحــرر‬
‫ازدادت عبوديتي للشياء ‪ -‬ولما كــانت حيــاتي‬
‫هي حريتي وحريتي هي حيــاتي فــانني اقــوم‬
‫دوم ا ً بتدمير هدفي من حيث اسعى إليــه ‪ -‬ان‬
‫مشكلتي ليست مثلها أية مشكلة فــي العــالم‬
‫ومحنتي من أعجب المحن‪.‬‬

‫ان أمامي حليــن فقــط وكلهمــا مــن اتعــس‬


‫الحلــــول وأســــوأها‪ .‬الول ان اتــــرك هــــذه‬
‫أ‬
‫‪353‬‬

‫الطريقــة فــي التفكيــر وأبقــى مخــدوعا ً إلــى‬


‫النهاية وكأني ل اعلــم شــيئًا‪ .‬وهــذا حــل غيــر‬
‫صـــحيح فحيـــث بـــدأت بـــالتفكر بمشـــكلتي‬
‫دتها فإني أحاول التراجع والهرب منهــا ‪-‬‬
‫وحد ّ‬
‫لن معنــى ذلــك اننــي إذ شــعرت بإنســانيتي‬
‫فجاءة فإني اريد العودة إلى طوري البهيمــي‬
‫فاعيش مثل أي بهيمة على الرض‪.‬‬

‫د‬
‫والحــل الخــر هــو ان اقــوم بوضــع حــ ّ‬
‫لخيــاراتي بقتــل نفســي والخلص مــن تلــك‬
‫الخدعة إلى البد‪.‬‬

‫وهذا الشــيء غيــر منطقــي أيض ـًا! لننــي إذ‬


‫ض بها‬
‫امتلك الن قدرة على الختيار وغير را ٍ‬
‫فكيف اعلم إّنــي سأرضــى إذا جــردت نفســي‬
‫عن كل اختيار بالموت ؟‬

‫لنني بالموت سأكون شيئا ً من الموجودات‪.‬‬


‫لــو كنــت أفنــى فع ل ً أو لــو كنــت متأكــدا ً مــن‬
‫فنائي لكــان ذلــك حل ً معقــو ً‬
‫ل‪ .‬أمــا ان اكــون‬

‫أ‬
‫‪354‬‬

‫شيئا ً من الشياء التي ل اعلم مــا هــي فتلــك‬


‫مصيبة عظمى‪.‬‬

‫وتعظــم المصــيبة أكــثر مــن ذلــك إذا صــدق‬


‫القائلون بــأن لــي نفــس أو روح ل تمــوت ول‬
‫تفنى‪ ..‬فمن ذا يجعلني ان اجازف بمثل هــذه‬
‫المجازفة؟‬

‫إذن لن أختار الموت طريقا ً للخلص ‪ -‬لنــي‬


‫ســأكون أضــحوكة فــي نظــر نفســي إذ كيــف‬
‫اجعـــل طريـــق خلصـــي وتحريـــر وجـــودي‬
‫وخياراتي بإلغاء هذا الوجود ؟‬

‫لكني في مأزق آخر أعجب وأغرب‪ ..‬فــإني‬


‫إذ لم أحاول اختيــار المــوت فــان المــوت هــو‬
‫الذي يختارني ‪ -‬انه ل يــتركني‪ ،‬انــه يلحقنــي‬
‫حتى يأتيني ‪ -‬فإني مهما فعلت فسوف أموت‬
‫وتلك حقيقة ل يمكنني نكرانها‪.‬‬
‫ها أنذا أقترب جدا ً مما يفترض ان يكون حل ً‬
‫ي الن أن‬ ‫معقـــول ً لمشـــكلتي ‪ -‬يتـــو ّ‬
‫جب علـــ ّ‬

‫أ‬
‫‪355‬‬

‫أفهم ما هو الموت‪ ،‬ويتوجب ان أفسر حياتي‬


‫وموتي مع ا ً ‪ -‬فأن موتي لغز آخر مثــل حيــاتي‬
‫تمام ًا‪ ،‬فإذا وفقــت لتفســير كهــذا فــإني كمــا‬
‫يبدو لي سأقترب من الحــل أو أجــده ‪ -‬وربمــا‬
‫يكــون ســهل ً ممتنعــا ً بحيــث أنــه يبعــث علــى‬
‫دهشة أكبر من دهشتي من الحياة والمـــوت ‪-‬‬
‫كالدهشة التي تنتابني أحيانا ً حينما ابحث عن‬
‫القلــم الــذي فــي يــدي فــأدور فــي الغرفــة‬
‫واقلب الشياء وهــو فــي يــدي يشــترك أيض ـا ً‬
‫بتقليبهــا وأنــا أبحــث عنــه! حــتى يــومض فــي‬
‫عقلي بعد دقائق من القلــق وترديــد عبــارات‪:‬‬
‫يا للعجب أين ذهب القلم الن كان في يدي ‪-‬‬
‫كان في يدي قبل قليل ‪ -‬في يــدي فــي يــدي‬
‫ثم انتبه فإذا هو لم يزل في يدي‪.‬‬

‫من الممكــن ان يكــون ذهــولي عــن القلــم‬


‫الــذي فــي يــدي متناســبا ً زمنيــا ً فــي حيــاتي‬
‫القصيرة كفرد مع ذهولي عن مغــزى وجــودي‬
‫ومماتي في حياتي الطويلة كنوع‪.‬‬

‫أ‬
‫‪356‬‬

‫من الممكن ان يكــون ذهــولي الخيــر كنــوع‬


‫يســتمر قرونــا ً لنهــا بمثابــة اللحظــات فــي‬
‫عمري النوعي‪.‬‬

‫يجب ان أجد تفســيرا ً ملئمــا ً لمــوتي‪ .‬ليــس‬


‫من المنطقي ان تكون الشياء التي أخترعها‬
‫بعقلــي واعملهــا بجهــدي أطــول عمــرا ً منــي!‬
‫الدار التي أبني واللة الــتي أصــنع والشــجرة‬
‫التي أغرس كل أولئك يبقون زمنا ً أطول مــن‬
‫زمني ويخلفوني بعــد مــوتي ‪ -‬وكــم ترهقنــي‬
‫الصخرة التي انقل هي قبلي بمليين السنين‬
‫وتبقـــى بعـــدي زمنـــا ً ل أدركـــه‪ ،‬وســـيحملها‬
‫احفادي أيضا ً وربما تعــاد إلــى موضــعها الــذي‬
‫حملتها منه!‬

‫ي ان أعــــترف ان حيــــاتي شــــيءّ ل‬


‫علــــ ّ‬
‫يخصني‪.‬‬

‫ان كل ما عرضته الن على نفسي يؤكد لي‬


‫ان حياتي وموتي شيءّ واحدّ من مصدر واحد‬
‫وهــو ل يخصــني أبــدًا‪ ،‬لنــه لــو كــان يخصــني‬
‫أ‬
‫‪357‬‬

‫لوجــدت خيــارا ً معينــا ً لحــدهما ‪ -‬التفاصــيل‬


‫الدقيقــة داخلهــا تبــدو وكأنهــا تخصــني وانهــا‬
‫جزء من خياراتي الكثيرة ولكن اغلبهــا يفلــت‬
‫وجــد كمــا‬
‫مني‪ ،‬انني ل أتذكر متى قررت أن أ ُ‬
‫ل اصــدق بــأنني ســأقرر مــوتي‪ .‬ان ظهــوري‬
‫واختفائي بقوة ليست من صنعي وكل شــيء‬
‫قــد انخــدع بمحاولــة التــدخل فيــه ال ابتــداء‬
‫حياتي وأنتهاءها فهو الشيء الوحيــد الــذي ل‬
‫ي ان‬
‫أفكر بالتــدخل فيــه وتغييــر مســاره فعلـ ّ‬
‫أكون دوما ً في حــدود منطقــي الــذي الــتزمت‬
‫بــه ول بــد لــي مــن ان اعــترف ان مشــكلتي‬
‫د اننــي يجــب ان أحــدد علقــتي‬
‫معقدة إلى ح ـ ٍ‬
‫بها‪ .‬ان امامي الن ثلثــة أحتمــالت الول ان‬
‫مشــكلتي عاديــة جــدا ً ول يحتــاج إلــى هــذا‬
‫و خرجت‬
‫التهويل‪ .‬انه أحتمال سخيف لني للت ّ‬
‫من سخف اعتبارها عاديــة فكيــف ارجــع إلــى‬
‫من حيث بدأت ؟‬

‫أ‬
‫‪358‬‬

‫والحتمال الثــاني ان مشــكلتي ل تخصــني‬


‫فهي ليست مشكلتي؟‬

‫انــه احتمــال أكــثر ســخفا ً فــإني قبــل قليــل‬


‫قررت ان تركــي التفكيــر بهــذه الطريقــة هــو‬
‫عودة للبهيمية‪ ،‬وما هذا الحتمال ال مــن ذاك‬
‫الول فإذا لم تكــن المشــكلة مشــكلتي فهــذا‬
‫ي ان أتوقــف عــن التفكيــر دومــا ً‬‫يعني ان عل ّ‬
‫وأكون بهيمة‪.‬‬

‫الحتمال الثالث ان مشكلتي مشــتركة فــان‬


‫هناك طرف آخر فيها ‪ -‬ذلك هو الــذي القــاني‬
‫فــي اتــون هــذه الحيــاة وهــو الــذي يســلبني‬
‫حيـــاتي بـــالموت وهـــو الـــذي جعـــل حيـــاتي‬
‫وخياراتي شيئا ً واحدا ً وهو الذي ابتلني بهــذا‬
‫البلء واذا كانت مشكلتي مشــتركة علــى هــذا‬
‫النحو ‪ -‬فليس ثمة شيء فيها سوى أنا وهـــو‪،‬‬
‫وكل شيء آخر فيها انما هو محنــة مــن محــن‬
‫تلــك العلقــة ‪ -‬نعــم لقــد توصــلت إلــى حــل‬
‫منطقي ‪-‬فهذا التضادّ والتناقض في مشكلتي‬
‫أ‬
‫‪359‬‬

‫ه منطقيــا ً إل بــافتراض وجــود‬


‫ل يمكــن حلــ ّ‬
‫طرف آخر غيري فيها ‪ -‬ولكن من الواضح انــه‬
‫طرف متسلط إلى حدً الستعباد ومكيــن إلــى‬
‫حدّ ل يمكن تصوره بحيث انــه قــد أحــاط بكــل‬
‫وجودي وخيــاراتي وقبضــها مــرة واحــدة فــي‬
‫يده وكأنـه يريد إبلغي بأن جميع خيــاراتي ل‬
‫قيمة لها وإني مهما فعلت فلــن أجــد نفســي‬
‫وان طريقي الوحيد هــو ان أختــاره شخصــيا ً ‪-‬‬
‫فهو الختيار الوحيد المتبقي أمامي‪.‬‬

‫نعم ان بإمكاني الن ان أفسر الكــثير مــن‬


‫الظــواهر الغريبــة الــتي تحــدث فــي حيــاتي‬
‫ومماتي‪.‬‬

‫ان تصــميم الموجــودات ظهــر لــي وكــأنه‬


‫موضوع خصيصا ً لدراك هــذه الحقيقــة فكلمــا‬
‫حاولت المعان في الستحواذ عليها وجــدتني‬
‫مستعبدا ً لها مزيدا ً من الستعباد ‪-‬انه يجعلني‬
‫اركض وراء السراب‪ ،‬فاول صــفة أجــدها فيــه‬
‫مم الوجود بطريقة خلقة تنم عن مكــر‬
‫انه ص ّ‬
‫أ‬
‫‪360‬‬

‫عظيم ‪-‬مكر يجعلني امضي بعيدا ً فــي معرفــة‬


‫الشياء ثم اكتشف فجأة إنني ل زلــت جــاهل ً‬
‫بكل ما يحيط بي بما في ذلك بدني نفسه‪.‬‬

‫ى ان اعترف بشيء آخر هو إّني لم أنكــر‬ ‫عل ّ‬


‫يوم ا ً ما وجــوده ‪-‬وإذا كــان قــد بــدر منــي فــي‬
‫دور مــن أدوار حيــاتي شــيء كهــذا فقــد كــان‬
‫مجرد أكذوبة افتعلتها تخلص ا ً من علقتي به ‪-‬‬
‫فــدفع ذلــك بعــض المســاكين ليــبرهنوا لــي‬
‫برســائل فلســفية مخصوصــة علــى وجــوده ‪-‬‬
‫وهـــي براهيـــن مقلوبـــة المنطـــق مـــا كنـــت‬
‫لحتاجها في يــوم مــا ‪ -‬ول يحتاجهــا هــو فلــو‬
‫كان هناك شك فــي وجــوده لكــان هنــاك شــك‬
‫في وجــودي أنــا‪ ،‬وحينمــا اقــترفت مثــل هــذه‬
‫الفكرة في دور آخر من أدوار حياتي فزعمت‬
‫إ ّني أشك في وجودي فقد كــانت لعبــة أخــرى‬
‫ى ان اعــترف‬ ‫من ُلعبي التي لهــوت بهــا ‪ -‬عل ـ ّ‬
‫الن كنــوع محــترم يحــترم نفســه إّنــي كنــت‬
‫اكذب في كل ذلــك والــذين برهنــوا لــي علــى‬

‫أ‬
‫‪361‬‬

‫وجوده كانوا اكذب مني لنه قد استهواهم ان‬


‫موا مــن أنفســهم برهان ـا ً علــى المطلــق‬
‫يقــد ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫فكانوا بذلك اكثر أنانية من ّ‬
‫لو كان يحتاج إلى برهان لكان هو الولى به‬
‫من سواه‪ ،‬لذلك اكتفى بالنهي والمر والوعد‬
‫والوعيد لنه يعلم جيدا ً انه ليس من أحد وقــع‬
‫عليــه فعــل ســلطوي وقســري ينكــر وجــود‬
‫الفاعــل‪ ،‬وهــو يعلــم جيــدا ً ان منكــر الفاعــل‬
‫يكــذب فــي نفســه ويعلــم انــه يكــذب لــذلك ل‬
‫ضــه‬
‫يــبرهن لــه علــى وجــود الفاعــل انمــا يع ِ‬
‫ه ويمنيه‪.‬‬
‫ليتجنب الكذب ويخوف ّ‬
‫ان كــل مــا أحتــاجه هــو القيــام بتجربــة أو‬
‫حـــدا ً‬
‫تجـــارب لنـــي أصـــبحت مـــن المعرفـــة َ‬
‫أســتطيع فيــه تكــذيب كــل الــذين حــاولوا ان‬
‫ى حينما افتعلوا لي مشكلة ل وجود‬ ‫يكذبوا عل ّ‬
‫لها وذلك حينما ذكروا لي ان علقتي بــالله ل‬
‫ى ان أتعقــل المــر‬
‫تخضــع للتجربــة أو ان عل ـ ّ‬
‫تعقل ً بنتائج محسوسة‪.‬‬
‫أ‬
‫‪362‬‬

‫إننـــي أدرك الن ان علقـــتي بـــالله هـــي‬


‫التجربة الوحيدة التي أخوضــها لكتشــف لغــز‬
‫حياتي ومماتي‪.‬‬

‫كيف تكــون الشــياء كلهــا تــبرهن لــي عــن‬


‫وجودهــا وحركتهــا مــن خلل تجربــتي معهــا‬
‫وتفشل تجربة علقتي بخالق الموجودات ؟‬

‫ان المر لهو بالعكس تمام ًا‪.‬‬


‫لع ّ‬
‫ل الذين أوحوا لي بتلك الفكرة من جملــة‬
‫أعـــدائي ؟ لعلهـــم يريـــدون لـــي ان ابقـــى‬
‫مستعبدا ً لهم ولدواتهم لنهم يــدركون جيــدا ً‬
‫إ ّني إذا اكتشفت علقة عليا مع خالق الشياء‬
‫فإني سوف اتحرر منهم إلى البد أو اجعلهــم‬
‫عبيدا ً لي ُ‬
‫هم وأشياءهم ؟؟‬

‫ى ان أشــك فــي كــل شــيء لــم‬


‫يتوجب عل ـ ّ‬
‫يأتني من طرفي مشكلتي‪:‬‬

‫نفسي وخالقها‪.‬‬

‫أ‬
‫‪363‬‬

‫لن كــل طــرف آخــر مــن الموجــودات فــي‬


‫صــراع معــي بالتــالي فينــدر ان يكــون ناصــحا ً‬
‫لي‪.‬‬

‫وهل تلــك نتيجــة لمنطقــي الســليم أم انهــا‬


‫بالفعل بداية تحرري من الشــياء ؟ مــا أجمــل‬
‫هذه النتيجة التي جاءت عفــوا ً عنــد محــاورتي‬
‫لذاتي مستبعدا ً أي طرف آخر غير خالقها‪.‬‬

‫لقــد جربــت كــثيرا ً ان أصــارع تلــك القــوى‬


‫ى الن ان اجرب طريقا ً آخر‪ ،‬ان‬ ‫بمفردي وعل ّ‬
‫أصــارعها بقــوة خــالقي وهــذا يســتلزم منــي‬
‫قبــول ً بوحــدانيته ورضــا ً بإلغــاء ذاتــي لتكــون‬
‫ارادتي جزءً من إرادته ومشيئتي ســائرة فــي‬
‫ي إلقــاء هــذا الحمــل‬
‫مشيئته وانــه ليخــف عل ـ ّ‬
‫الثقيل عــن عــاتقي‪ ،‬فسأصــارع القــوى الــتي‬
‫تريد الستحواذ علــى وجــودي ل بالنــا بــل بـ ـ‬
‫)أنت( ‪ -‬لتبقى )النا( سالمة معافاة أبدية‪.‬‬

‫ها أنــت كــائن حــي الن ولــك إرادة واختيــار‬


‫فهل اخــترت يوم ـا ً ان تخــوض تجربــة كتلــك ؟‬
‫أ‬
‫‪364‬‬

‫تتخلى عن النا الذي فيك وتطلب من الله ان‬


‫يفعــل لــك مــا هــو لصــالحك ؟ ســتقول بلــى‬
‫دعوته كثيرا ً وفي اكــثر الشــياء لــم يســتجيب‬
‫لي ولم الحظ شــيئا ً محسوســا ً كالــذي يحــدث‬
‫في أي تجربة علمية‪.‬‬

‫ذلــك لنــك تطلــب بالنــا وتــدعو بالنــا ‪ -‬ان‬


‫التحرر من النا قبل التحــرر مــن الموجــودات‬
‫والتحرر من الموجودات قبل السيطرة عليهــا‬
‫‪ -‬أنت تريد ان تسيطر على الشياء بقوة الله‬
‫والنا مسيطرة عليك ‪ -‬فمن غير المعقول ان‬
‫تسري قوة الله في موضع مشغول بغيرها‪.‬‬

‫إنها مثل أي تجربــة علميــة عليــك ان تجعــل‬


‫ظروفهــا قياســية وصــحيحة وخاليــة مــن أيــة‬
‫مخادعة‪.‬‬

‫أ‬
‫‪365‬‬

‫الصفات الثلثة للمجموعة الفردية‬ ‫‪33‬‬

‫إذا عدنا الن لية البقرة الــتي ذكــرت ثلثــة‬


‫صــفات للفــراد النــاجين مــن الملــل الربعــة‬
‫فانه يتوجب علينــا فهــم هــذه الصــفات وفــق‬
‫النظـــام القرآنـــي الصـــارم فـــي اســـتعمال‬
‫اللفــاظ للكشــف عــن هــذه المجموعــة الــتي‬
‫سميناها بالمجموعة الفردية‪.‬‬

‫فقــوله ‪‬مــن أمــن بــالله واليــوم الخــر‬


‫وعمل صالحا ً ‪ - ‬ل يمكن ان نفهمــه بــالفهم‬
‫الســــاذج‪ ،‬الــــذي يجعــــل اليمــــان مرادفــــا ً‬
‫)للعتقاد( أو التصديق بالفكرة‪.‬‬

‫فقــد ذكرنــا ان إبليــس ل ينكــر )وفــق هــذا‬


‫الفهم( وجود الله وهــو يحــاوره معترف ـا ً بــأنه‬
‫رب ّــه وخــالقه ومصــرا ً فــي عيــن الــوقت علــى‬
‫عصيان المر الخاص بالسجود‪.‬‬

‫وقــد اعتــبره القــرآن )كــافرا ً ومســتكبرًا(‬


‫رغم اعتقاده هذا‪.‬‬

‫أ‬
‫‪366‬‬

‫كذلك ذكرنا انه ليس من أحــد مــن الكائنــات‬


‫يقر بمثــل هــذا القــرار فوجــود اللــه حقيقــة‬
‫سابقة على وجود الكــائن نفســه فــو متلبــس‬
‫بها وما تــراه مــن إنكــار لهــذه الحقيقــة فهــو‬
‫بلسان كذب‪ ،‬وقد برهنا على ذلك قرآني ـا ً فــي‬
‫موضعه‪ .‬ولذلك لم يــذكر القــرآن أيــة ادلــة أو‬
‫براهين على وجود الله بل علــى العكــس مــن‬
‫ذلــك اعتــبر وجــود اللــه حقيقــة مفــروغ منهــا‬
‫فاعتمدها كبديهيــة للمحاججــة مــع المعانــدين‬
‫من المشركين والكفار‪.‬‬

‫]ولن ســــألتهم مــــن خلــــق الســــموات‬


‫ن الّله ‪ 25/31‬‬
‫والرض ليقول ّ‬
‫]ولن ســــألتهم مــــن خلــــق الســــموات‬
‫ن العزيز العليم ‪ 43/9‬‬
‫والرض ليقول ّ‬
‫]ولن سألتهم من خلقهم ليقولن الّله ‪‬‬

‫أ‬
‫‪367‬‬

‫]ولن ســــألتهم مــــن خلــــق الســــموات‬


‫خر الشمس والقمر ليقــولن الل ّــه‬
‫والرض وس ّ‬
‫‪. 61/29‬‬

‫إذن فالمقصــود بـــ آمــن بــالله شــيء غيــر‬


‫العتقاد بوجــوده‪ ،‬انــه القــرار بأحــديته وفــق‬
‫الفهم الذي شرحناه فــي الفقــرة الســابقة ‪-‬‬
‫والمتضمن القــرار بعجــز المــرء عــن تحقيــق‬
‫شيء في حياته بمفرده ومن غير الرتباط به‬
‫والخضوع لــه فالعبــارة لغوي ـا ً ل تفيــد ال هــذا‬
‫المعنــى لن لفــظ الجللــة انمــا هــو تضــخيم‬
‫للفظ )الله( ومعلوم ان الوحدانية داخلة في‬
‫حدود هذا اللفظ إذ منطقيا ً ليس هناك ســوى‬
‫ه(‪،‬‬
‫إله واحد هو)الله( المعرف بنفسه أو )اللــ ّ‬
‫ولكن هذا المان يحتاج إلــى صــفتين أخرتيــن‬
‫ليتم الخضوع والقرار به على وجهه الصــحيح‬
‫وهما‪:‬‬

‫أ‬
‫‪368‬‬

‫الولى‪ :‬اليمان بل عبثية الخلق والمـعبّر عنه‬


‫باليمان )باليوم الخر( والذي هو في منهجنا‬
‫يختلف عن يوم القيامة‪.‬‬

‫فاليوم الخر هو يوم تحقق مشروع الخلق أي‬


‫)خليفة فــي الرض( وهــو المــر الــذي يخــص‬
‫وجود هــذا الكــائن ‪ -‬فهــو إيمــان يخــص وجــود‬
‫المؤمن وعنايته ومعنى ذلك انــه يــدرك ســبب‬
‫وجوده وحياته وموته ومــن هنــا يمكنــه تحديــد‬
‫خياراته‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬انه وبعد ان حددّ خياراته وعرف طريق‬


‫تحــّرره مــن اســتعباد الموجــودات فعليــه ان‬
‫يسلك سلوكا ً يعــبّر تعــبيرا ً صــادقا ً عــن رغبتــه‬
‫فــي الخلص مــن عبوديــة الموجــودات وذلــك‬
‫بالسراع في تحقيق اليوم الخر‪.‬‬

‫و لــه بخلف يــوم‬


‫فــاليوم الخــر يــوم مرجــ ّ‬
‫القيامــة يــوم الهــوال الــذي يخشــاه ‪ -‬لــذلك‬
‫ارتبط رجاء الله ورجاء اليــوم الخــر ارتباطــا ً‬
‫لفظي ا ً بمفــردة الرجــاء وكــانت دعــوة الرســل‬
‫أ‬
‫‪369‬‬

‫عليه الســلم هــي الحــث علــى الوصــول إلــى‬


‫هــذه المرحلــة المتطــورة مــن حيــاة النســان‬
‫لنها مرحلــة ســيطرته علــى الموجــودات مــن‬
‫خلل الرتبـــاط بخالقهـــا واســـتعمال قـــوته‬
‫القاهرة في إخضــاعها فطــالب الرســل عليــه‬
‫السلم أممهم بضرورة رجاء اليوم الخر‪:‬‬

‫]فقال يا قوم اعبدوا اللــه وارجــوا اليــوم‬


‫الخر ‪. 36/29‬‬

‫]لقد كــان لكــم فيهــم أســوة حســنة لمــن‬


‫كان يرجو الله واليوم الخر ‪ 6/60‬‬

‫]لقــد كــان لكــم فــي رســول اللــه أســوة‬


‫حسنة لمــن كــان يرجــو اللــه واليــوم الخــر ‪‬‬
‫‪.21/33‬‬

‫إن تقريــب هــذا اليــوم ل يتــم إل بالعمــل‪.‬‬


‫فالنوايا وحدها ل تكفي لتحقيق هذا المطلــب‬
‫ولذلك عبّر عن هذا العمل بأنه العمل الصــالح‬
‫‪ -‬فهــو الوحيــد الــذي يصــلح النــوع النســاني‬

‫أ‬
‫‪370‬‬

‫ويوصله إلــى المرحلــة الــتي يتــم فيهــا إلغــاء‬


‫الموت وإحياء الرض‪.‬‬

‫ان تفاصيل العلقات اللفظية لهذه المسألة‬


‫الخطيــرة والــتي حّرفهــا علمــاء الــدين مــن‬
‫المـلل الثلثة تحتاج إلــى كتــاب مفصــل لهــذا‬
‫الطور قيد العداد لنهــا شــبكة مســتقلة مــن‬
‫اللفــاظ واليــات الــتي تتحــدث عــن خصــائص‬
‫هذه المرحلة وشــؤونها والمختلفــة كلي ـا ً عــن‬
‫يوم القيامة‪.‬‬
‫ومن هنا ُيصبح )العمل الصالح( عمل ً محــددا ً‬
‫ت إلـــى العمـــال‬
‫بطبيعـــة معينـــة قـــد ل يمـــ ّ‬
‫الصــالحة الــتي يــذكرها علمــاء الــدين بصــلة‬
‫كبيرة ما لم تكن اغلب تلــك العمــال تنــاقض‬
‫هذا العمل الصالح وتقف بوجهه‪ -‬كــذلك فــانه‬
‫ل يمت بصلة تذكر للفئات الدينية ذات الطابع‬
‫السياسي التي تحاول الحصول على الســلطة‬
‫وتنفيذ مشروعها الســلمي ‪ -‬فهــذا الســلم‬
‫الســمي العنــوان والصــورة ل يمــت بجــوهره‬
‫أ‬
‫‪371‬‬

‫إلــى الســلم اللهــي فــي مشــروع الخليفــة‬


‫ع‬
‫الرضــي بصــلة تــذكر ‪ -‬ســوى انــه مشــرو ّ‬
‫مقابــل المشــروع اللهــي يأخــذ منــه عنــوانه‬
‫وأسمه‪.‬‬

‫إذن فالفئة أو المجموعــة الفردّيــة الصــورة‬


‫ملــل الربعــة والــتي يؤتيهــا‬
‫والمتفرقة في ال ُ‬
‫أجرها ويطمأنها بعبــارة )ل خــوف عليهــم ول‬
‫هـــم يحزنـــون( هـــي مجموعـــة خاصـــة ذات‬
‫خصـــائص عاليـــة فـــي الـــوعي والمســـؤولية‬
‫اتصفت بثلثة صفات هــي اليمــان بالواحديــة‬
‫اللهية ورجــاء اليــوم الخــر والقيــام بالعمــل‬
‫وصل لهذا اليوم‪.‬‬
‫الصالح الم ُ‬

‫أ‬
‫‪372‬‬

‫ارتباط المجموعة الفردية بالشجرة‬ ‫‪34‬‬


‫كيـــف ترتبـــط هـــذه المجموعـــة المتصـــ ّ‬
‫فة‬
‫بالصفات الثلثــة بالشــجرة المباركــة بــالرغم‬
‫ملة واحدة ظاهريًا؟‬
‫من انها ليست من ِ‬
‫إنها ترتبط بالشجرة باعتبارها مصــدر النــور‬
‫وباعتبارها ليست خاصة بملة من تلــك الملــل‬
‫وقد رأينا ان هناك )يوما ً محــددًا( يســعى فيــه‬
‫م‬
‫نور المؤمنين ويتم فيه نورهم فهــو إذن يــو ّ‬
‫يتــم فيــه كشــف ســنن التكــوين بهــذا النــور‬
‫والســـيطرة علـــى الموجـــودات وتحريكهـــا‬
‫فالمجموعــة الفرديــة إذ تــؤمن بــالله وحــده‬
‫واليوم الخر وترجوه وتعمــل عمل ً مخصوصــا ً‬
‫)صالحًا( فإنما تحــاول الخــروج مــن الظلمــات‬
‫إلــى النــور ‪ -‬نــور اللــه المضــروب لــه مثــل‬
‫المشكاة والشجرة ‪ -‬فمن خصائص النــور كمــا‬
‫قلنا هو انعكاس معرفة الشــياء فــي النفــس‬
‫والعقل بحيث يمكن ادراك حقيقتهــا ل مج ـّرد‬
‫ظواهرها الخارجية‪ .‬ومن هنــا قلنــا ان الــولي‬
‫أ‬
‫‪373‬‬

‫يقوم بخرق القانون الظاهري للطبيعــة فهــو‬


‫يأتي )بالمعجزات( ‪ -‬انها معجزات بالنسبة لنــا‬
‫فقط أما بالنسبة له انه ل يأتي بشــيء خلف‬
‫القانون الطبيعي لنه يدرك القانون الداخلي‬
‫للشياء والموجودات فهو ين ّ‬
‫فذ ما يرمي إليــه‬
‫مــن داخــل القــانون ل مــن خــارجه ‪ -‬انــه ل‬
‫يســتطيع فــي كــل الحــوال تبــديل الســنن‬
‫والقوانين لكن يمكنــه اســتعمالها ‪ -‬أمــا نحــن‬
‫وفــي العلــم الحــديث وفــي أعلــى التقنيــات‬
‫والصناعات فاننا ل نفعل شيئا ً سوى محاكـــاة‬
‫مــا تريــد الســنن فنحــن ل نســتعملها انمــا‬
‫نجابهها ‪ -‬فلكي تطيــر إلــى العلــى عليــك ان‬
‫ة تواجه قــوة الجاذبيــة ولكــي تتحــرك‬
‫تصنع آل ً‬
‫وة تــواجه قــوة الحتكــاك‬
‫عليك ان تجهزها بق ّ‬
‫وهكذا يتوجب عليك ان تــواجه قــوى الطبيعــة‬
‫أو تحاكيها أما الولي فانه يســتعملها فيوقــف‬
‫عمــل بعضــها بــالبعض الخــر ‪ -‬فهنــا يشــترك‬
‫)الولي( بنفس المركب ‪‬ل خوف عليهــم ول‬

‫أ‬
‫‪374‬‬

‫هــم يحزنــون ‪ - ‬وهــي العبــارة الــتي كــانت‬


‫تعقيبا ً للمجموعة الفردية‪.‬‬

‫]ال ان أولياء الله ل خوف عليهم ول هــم‬


‫يحزنون ‪ 62/10‬‬

‫ن مــوارد هــذا الــتركيب اعنــي )ل خــوف‬ ‫إ ّ‬


‫عليهم ول هــم يحزنــون( أربعــة عشــر مــوردا ً‬
‫انها تعيدنا في النظام القرآنــي إلــى منطقــة‬
‫البحــــث الول ‪ -‬نــــور المشــــكاة مــــن خلل‬
‫ارتباطها بجميع التفاصيل المذكورة سابق ًا‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى نلحظ ان عدد المــوارد هــو‬


‫بعدد )دفقات( آية المشكات أو مقاطعها التي‬
‫تحــدد صــفاتها والمثبتــة ســابقا ً فــي القائمــة‬
‫حيث بلغت أربعة عشر مقطع ًا‪.‬‬

‫ان هذا التركيب يرتبط بالمجموعــة الفردّيــة‬


‫فقــط وتقــوم هــذه المــوارد المتعــددة بــذكر‬
‫خصائص هذه المجموعــة وصــفاتها ول يرتبــط‬
‫التركيب اعله بكلمات الشــجرة وشخوصــها ‪-‬‬

‫أ‬
‫‪375‬‬

‫لن تلــك الكلمــات هــي )النــور( الــتي يتــم‬


‫الخراج إليه وهي المثــل ‪ -‬انمــا هــذا الوصــف‬
‫للمجموعة التابعــة لهــم والمكونــة مــن افــراد‬
‫من المم الربعة‪ :‬الذين آمنوا ‪ -‬والذين هادوا‬
‫‪ -‬والنصارى ‪ -‬والصابئين‪.‬‬

‫بــل قــد يــذكر هــذا التطميــن علــى لســان‬


‫شخوص الكلمات موجه ـا ً لتبــاعهم وذلــك لن‬
‫الله قــد اعطــاهم ســلفا ً مثــل هــذه القــدرات‬
‫كونهم مثل ً لنوره كما في سورة العراف‪:‬‬

‫]ونادى اصحاب العراف رجال ً يعرفــونهم‬


‫بسيماهم قالوا ما أغنى‬

‫عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون‪ .‬أ هؤلء‬


‫الذين أقسمتم ل ينــالهم اللــه برحمــة ادخلــوا‬
‫الجنة ل خوف عليكم ول أنتم تحزنون‪ 48-‬‬
‫‪.49/7‬‬

‫ونلحــظ بوضــوح ان الــذين ادخلهــم اصــحاب‬


‫العــراف إلــى الجنــة هــم افــراد قلئل منهــم‬

‫أ‬
‫‪376‬‬

‫مجموعة فردّية داخل المجموعة الكبرى الــتي‬


‫كانت تقسم بالله ان هؤلء ضالين ول ينالهم‬
‫اللـــه برحمـــة ومـــن الواضـــح ان المجموعـــة‬
‫الكبرى ليست مــن )عبــدة الصــنام( بــالمعنى‬
‫المتعارف ولكنها من عبدة الهوى والطــاغوت‬
‫وتتسم )بالطغيــان الــديني( فهــي المســؤولة‬
‫عن الكتب المنزلة وهي التي تقــوم بشــرحها‬
‫وتحديد شرائعها باسلوب طاغوتي وكهنــوتي‪،‬‬
‫وتقـــوم بتفســـير تلـــك النصـــوص المنزلـــة‬
‫والنصـــوص الـــواردة عـــن الرســـل بطرقهـــا‬
‫العتباطية خدمة لمصــالحها فتتغي ـّر المعــاني‬
‫وفق المنافع النية بصورة دائمــة‪ .‬فمجموعــة‬
‫المســتكبرين )مجموعــة دينيــة( لكنهــا اتخــذت‬
‫الدين ستارا ً لها وجعلتــه العوبــة بيــدها‪ ،‬فقــد‬
‫نادى هذا الجمع من النار بعد هذه الية قائ ً‬
‫ل‪:‬‬

‫]ونــادى اصــحاب النــار اصــحاب الجنــة ان‬


‫افيضوا علينا مــن المــاء أو ممــا رزقكــم اللــه‬
‫قالوا ان الله حرمهما علــى الكــافرين‪ .‬الــذين‬

‫أ‬
‫‪377‬‬

‫انخذوا دينهم لهوا ً ولعبا ً وغرتهم الحياة الدنيا‬


‫فاليوم ننساهم كمــا نســوا لقــاء يــومهم هــذا‬
‫وما كانوا بآياتنا يجحدون ‪. 50-51/7‬‬
‫وفي تفاصيل النظام القرآني نجــد اختلفــا ً‬
‫بيــن الــدنيا والحيــاة الــدنيا فهــؤلء غرتهــم‬
‫الحياة الدنيا ولم يحاولوا الوصول إلــى اليــوم‬
‫الخر والذي هو اليوم الخير من الدنيا وقــف‬
‫تسلســل صــارم ليــام اللــه فــي القــرآن ممــا‬
‫يطول بيانه هنا ‪ -‬وهو ظاهر مــن قــوله )كمــا‬
‫نسوا لقاء يومهم هــذا( فهــذا اليــوم لــم يكــن‬
‫منكرا ً عندهم وكيف ُينكر ما خلق لجله و ُبعث‬
‫الرسل له وهو اساس الدين ومحوره ؟ لكنهم‬
‫نسوه فتحــول الــدين إلــى لهــو ولعــب ففقــد‬
‫عندهم غاياته واهدافه‪.‬‬

‫فإذا اردت التوسع بهــذا المضــمون فعليــك‬


‫ملحقــة ألفــاظ بقيــة المــوارد الربعــة عشــر‬
‫للمجموعــة الفرديــة وعلقتهــا بيــوم ظهــور‬
‫النور اللهي‪.‬‬
‫أ‬
‫‪378‬‬

‫وبهــذا تكــون قــد فصــلت فصــل ً تامــا ً بيــن‬


‫المجموعــــة الــــتي تتــــابع نــــور الشــــجرة‬
‫والمجموعــــات الخــــرى الــــتي تتــــابع نــــار‬
‫المســــتوقد ‪ -‬ولــــذلك تجــــد عقوبــــة هــــذه‬
‫المجموعات )النــار( بخلف مــا يقــع لهــا يــوم‬
‫القيامة حيث تذكر نار جهنم أو جهنم‪.‬‬

‫وبالطبع عليك التأكد من )زمن الوقائع( فقــد‬


‫ينقلك إلى ما بعد يوم القيامة فيذكر )جهنم(‬
‫عند ذكر المجموعات الكــافرة فعليــك التمييــز‬
‫بينهــا فــي كــل شــيء بمــا فــي ذلــك الدوار‬
‫والزمنة‪.‬‬

‫أ‬
‫‪379‬‬

‫الظرف الزماني لنور الشجرة‬ ‫‪35‬‬

‫تحدد الية الــتي بعــد آيــة المشــكاة الظــرف‬


‫الزمكــاني لنــور الشــجرة‪ ،‬وذلــك حينمــا تبــدأ‬
‫بظرف المكان )فــي( ‪ -‬ممــا يســتدعي اعتبــار‬
‫الجملــة مســتمرة لنــه ل يمكــن البــدء بجملــة‬
‫بمفــردة تفيــد الظــرف فلــو قلــت لــك )تحــت‬
‫السرير ‪ -‬فوق السطح ‪ -‬في الماء( فان مثــل‬
‫هذه العبارات تجعلــك تســأل‪ :‬مــا هــو الشــيء‬
‫الذي تحت أو فوف أو في الماء‪.‬‬

‫إذن فالكلم مستمر هكذا‪:‬‬

‫]نــور علــى نــور ‪ -‬يهــدي اللــه لنــوره مــن‬


‫يشاء ويضرب الله المثال للنــاس واللــه بكــل‬
‫شــيء عليــم ‪ -‬فــي بيــوت إذن اللــه ان ترفــع‬
‫ويذكر فيها اسمه ‪‬‬

‫كما لو كانت جملة يهــدي إلــى آخرهــا جملــة‬


‫اعترضت جملة وعبــارة دخلــت فــي عبــارة إذا‬

‫أ‬
‫‪380‬‬

‫كان المرء ينسى بســرعة ان يســأل أيــن يجــد‬


‫هذا النور‪.‬‬

‫وأول شــيء نلحــظ هنــا خصوصــية شــديدة‬


‫لهذه البيوت ‪ -‬لن المذكور فيها )أســم اللــه(‬
‫وتلك قضية بالغة الهمية ‪ -‬لنــه مــن الواضــح‬
‫ان اسم الله هنا هو غير لفظ الجللــة ‪ -‬لنــك‬
‫تتذكر أننا قلنا وبّرهنا على ان طريــق معرفــة‬
‫اللــه هــو القــرار بــالعجز عــن معرفتــه‪ -‬فلــو‬
‫أمكن معرفته لما كان هناك فرق بين الخــالق‬
‫والمخلــوق ‪ -‬فتكمــن معرفتــه الحقيقيــة فــي‬
‫كونه الحقيقــة الوحيــدة وغيــره ل شــيء فــي‬
‫واقــع المــر ولــذلك فل يقــدر اللشــيء علــى‬
‫معرفــة الحقيقــة المطلقــة‪ ،‬فمــن اجــل ذلــك‬
‫سأله الرسل باسمه المكنــون الــذي ل يعلمــه‬
‫أحد ال هو‪.‬‬

‫هنــا ان حجــب هــذا‬


‫فــي رســالة ســابقة بر ّ‬
‫ب حتمــي ‪ -‬فلــم يحجب ْــه‬
‫السم عن الخلق حج ـ ّ‬
‫عنهم لنه ُيريد الســتئثار باســم ل يعرفــونه‪،‬‬
‫أ‬
‫‪381‬‬

‫عرفتــه بــل هــو محجــوب‬


‫وهم يقدرون علــى م ّ‬
‫عنهم بما يحتمه الفرق بين الخالق والمخلوق‬
‫فانكشافه لهم يلغي وجــودهم ويفنيهــم قبــل‬
‫وصول المعلومة اليهم‪ ،‬لن هذا السم يوضح‬
‫حقيقة الله كما هو ‪ -‬فلو افترضنا وجود كائن‬
‫يستطيع معرفته لكــان هــذا الكــائن إله ـا ً آخــر‬
‫فالقتراب من معرفة الحقيقة المطلقة انمــا‬
‫هو )عــدم( أو فنــاء ‪ -‬ولــذلك كــان مصــير مــن‬
‫يحاول ان يجعل من ذاته مقابل ً لله هو الفناء‬
‫‪ -‬حيــث يتــم افنــاء وجــوده واســتهلك طــاقته‬
‫الوجودية والتي ل تنفذ أبد البــدين بالتعــذيب‬
‫والســتهلك المســتمر ‪ -‬فالعــذاب والثــواب‬
‫كلهما قانون واحد مرتبط بالعلقــة مــع هــذه‬
‫الحدية اللهية‪.‬‬

‫للحــق أو الحقيقــة المطلقــة أســماء كــثيرة‬


‫بعدد ما ظهر لهــذا الحــق مــن تكوينــات لــذلك‬
‫قيــل ل حصــر لســماء اللــه ‪ -‬وكــل مــا كــان‬
‫السم اعظم كلما احتــوى مــن التكوينــات مــا‬

‫أ‬
‫‪382‬‬

‫هو اعظم‪ .‬ان الســم العظــم مثل ً هــو الــذي‬


‫يشتمل علــى جميــع التكوينــات‪ .‬بينمــا الســم‬
‫المكنــون الــذي ل يعلمــه ول يمكــن ان يعلمــه‬
‫أحد هو اسمه كحق مطلق مع غياب الوجــود ‪-‬‬
‫فمن الطبيعي ان ل يدرك هــذا الســم ال هــو‬
‫لن ذلك هو اســمه الــذي ل يرتبــط مــع وجــود‬
‫شيء‪.‬‬

‫ل نعلم أي اســم للــه يــذكره هــؤلء الرجــال‬


‫في بيوتهم حسب الية ومــا هــي درجتــه مــن‬
‫أسماءه تعالى ولكن يبدو انه الســم العظــم‬
‫والذي به يقدرون علــى التحكــم بــالموجودات‬
‫وذلك لنه أضيف إلى اسم الجللــة وهــو مــن‬
‫اعظم السماء بل ورد في أحد النصوص )انــه‬
‫أقرب إلــى الســم العظــم مــن بيــاض العيــن‬
‫إلى سوادها(‪.‬‬

‫وفي هــذا النــص مغــزى آخــر فرغــم القــرب‬


‫الشــديد فهنــاك الفــارق البعيــد الفــارق بيــن‬
‫الســود والبيــض ‪ -‬وعلــى ترتيــب الكلم هــو‬
‫أ‬
‫‪383‬‬

‫الفارق بين الجزء الذي يبصر والجزء الــذي ل‬


‫يبصر ‪ -‬فكأن العارف باسم الجللة مهمــا بلــغ‬
‫من معرفته فلــن يبلــغ ولــن يقــاس بالعــارف‬
‫بالسم العظم فبالخير يمكن أبصار الشياء‬
‫على حقيقتها ومعرفة تكوينها الداخلي‪.‬‬

‫ومن الواضح انه اسم خاص )مفرد( لنه لــم‬


‫يق َ‬
‫ل )ويذكر فيها اسماؤه( مع انه ذكــر صــيغة‬
‫الجمع في مواضع أخرى كقوله‪:‬‬

‫]ولله السماء الحسنى فادعوه بها ‪‬‬

‫وبالطبع ل يعني ذلك انه يتكون من مفردة‬


‫واحدة بل قد يتألف من جمل كــثيرة مرتبطــة‬
‫مــع بعضــها البعــض علــى نحــو محــدد وصــارم‬
‫والهــم مــن ذلــك هــو معرفــة مغــزى هــذا‬
‫العبارات ومعناها الحقيقي فل تكفي معرفــة‬
‫ألفاظها فقط‪.‬‬

‫أ‬
‫‪384‬‬

‫ان الفقــــرة الســــابقة ‪ -‬أي كــــون اســــمه‬


‫المكنــون والــذي ل يرتبــط بوجــود شــيء قــد‬
‫تحتاج إلى توضيح مبسط‪.‬‬

‫فانك إذا قلت أي اســم مــن أســماءه تعــالى‬


‫مثل الخالق فثمــة مخلــوق‪ ،‬واذا قلــت العليــم‬
‫فهنـــاك معلـــوم واذا قلـــت القـــدير فهنـــاك‬
‫مقدور‪ ،‬وكذلك الصفات والسماء الــتي تبــدو‬
‫لــك مســتقلة تمامــا ً مثــل الحكيــم أو العزيــز‬
‫‪...‬الخ فأنها تستوجب وجود طرف آخر تظهــر‬
‫فيه العزه أو الحكمة أو غيرها من الصفات‪.‬‬

‫وفي الواقع فان تلــك الســماء هــي صــفات‬


‫الهية تصفه من حيث علقته بالكائنات ل غير‬
‫فهـــي ليســـت اســـمه الحقيقـــي لن اســـمه‬
‫الحقيقي يجب ان يكون ذاتيــا ً بصــفة مطلقــة‬
‫ومعلــوم ان اللغــة تكــوين آخــر فل يمكــن ان‬
‫يعلم أي كــائن بــأي لســان مثــل هــذا الســم‪.‬‬
‫ومــن هنــا فنحــن ل نــؤمن بتقســيم العلمــاء‬
‫لسمائه تعالى إلى مجموعــتين ثبوتيــة وغيــر‬
‫أ‬
‫‪385‬‬

‫ثبوتية فكــل أســمائه الــتي عرفتهــا الكائنــات‬


‫ســواء كــانوا ملئكــة أو أرواحــا ً أو أنبيــاء أو‬
‫عوالم أخرى إنما هــي أســماء متعلقــة بوجــود‬
‫ور وتصــف علقتــه‬
‫تلــك الكائنــات فهــي تصــ ّ‬
‫تعــالى بتلــك الكائنــات ول تصــفه هــو كــذات‬
‫مستقلــة‪.‬‬

‫وبنــاءً علــى ذلــك فنحــن إذ نفكــر بنــور اللــه‬


‫ومثله المضــروب ل بــد لنــا مــن القــرار بــأنه‬
‫دد فالمر هنا هو‬
‫موجود في ضرف مكاني مح ّ‬
‫وره العقــول البليــدة ‪ -‬فــالله‬
‫عكــس مــا تتصــ ّ‬
‫شديد المحــال ل نعــرف عنــه ال تلــك الشــياء‬
‫المتعلقـــة بوجودنـــا ‪ -‬فنحـــن أمـــام عبـــارة‬
‫مستمرة هي )الله أكبر( وهي عبارة مستمرة‬
‫ل انتهاء لهــا‪ -‬ول يمكــن أضــافتها إلــى شــيء‬
‫معين فلو قال المرء )الله اكبر من السموات‬
‫والرض( فان أراد بذلك النسبة فقد كفر لن‬
‫الكون محدود مهما كبر فيكون اللــه محــدودا ً‬
‫قياســا ً عليــه لكــونه اكــبر منــه وحســب‪ .‬ان‬

‫أ‬
‫‪386‬‬

‫المطلق قدير أو )على كل شيء قدير( ولكــن‬


‫هــذا ل يعنــي انــه قــديّر علــى مــا هــو غيــر‬
‫منطقي! فهو مثل ً ل يقدر ان يموت ول يقدر‬
‫ان يخلق الها ً آخر يكون مثلــه ســواء فــي كــل‬
‫صفاته ‪ -‬ذلــك لن هــذا الفــرض غيــر منطقــي‬
‫من اصله وهو ل يختلف عن قولك‪ :‬هل يقــدر‬
‫ب المجرميــن ويعــذب الطــائعين؟‬
‫اللــه ان يح ـ ّ‬
‫فمثل تلــك الصــفات ليســت مخالفــة لصــفاته‬
‫المتعلقة بالكائنات وحسب بل مخالفة لصفته‬
‫الذاتية المستقلة عن الوجود‪.‬‬

‫ان الــذين قــالوا ان اللــه والوجــود واحــد‬


‫كفروا ل شك في ذلك ‪ -‬ل معنــى ذلــك انــه ل‬
‫يقــدر علــى الحيــاة والبقــاء مــن دون اكــوان‬
‫وموجودات وكانت تلك رغبــة منهــم للحتيــال‬
‫على العبودية في محاولة مكشــوفة وظــاهرة‬
‫و ما‪.‬‬
‫تجعل منهم شركاء له على نح ٍ‬
‫ومن هنا نعلــم ان ظهــور حقيقــة اللــه فــي‬
‫الوجود وافهام الخلق بهــا هــو شــيءّ مختلــف‬
‫أ‬
‫‪387‬‬

‫عــن إفهــامهم بأيــة قضــية أخــرى‪ .‬فــان هــذه‬


‫الطريقــة تشــتمل علــى فكــرة تــؤدي إلــى‬
‫ل من معرفــة )عجزهــم(‬
‫ايصالهم لمستوى عا ٍ‬
‫عـــن أدراك هـــذه الحقيقـــة وإذن فـــإن هـــذه‬
‫ة مخالفة لما تعهده مــن‬
‫الطريقة تسير بصور ٍ‬
‫تعليم للشياء‪ .‬قلنا ان حقيقة الله إذا ظهرت‬
‫لكائن أفنته وبلــغ العــدم قبــل وصــول نورهــا‬
‫إليه وهذه بمثابة مشكلة تحتاج إلى حل ‪ -‬فان‬
‫الله خلق هذا الخلق وهو يريــد منــه ان يعــرف‬
‫من هو الله ‪ -‬وتلك معرفة تجعل الفرد يفنــى‬
‫قبل المعرفة فليس ثمة كائن يمكن ان يبقى‬
‫أمـــام اللـــه ويعرفـــه حـــق المعرفـــة وإذن‬
‫فالطريقة الوحيدة هي إفهام الخلــق القضــية‬
‫الخيرة أي عجزهم عن معرفتــه‪ .‬فكيــف يتــم‬
‫ذلك ؟ انــه يتــم بأيــة صــورة ممكنــة تشــبه مــا‬
‫يحدث في الطبيعة‪ .‬كما في المثال التي‪:‬‬

‫لو سألتك هل ترى الضوء فانك تجيبني نعــم‬


‫ارى الضــوء‪ .‬وهــل تــرى الضــوء الخــافت جــدا ً‬

‫أ‬
‫‪388‬‬

‫د ما فإذا خفت أكثر مــن‬


‫فالجواب نعم إلى ح ٍ‬
‫قدرة عيني على رؤيــة الشــياء لــم أع ـدْ اراه‪.‬‬
‫وحينما تزداد الضاءة فانك ترى أوضح ولكنــك‬
‫د ل يمكن رؤية الضــاءة الشــديدة‬
‫تصل إلى ح ٍ‬
‫جدًا‪.‬‬
‫بإمكــاني ان اضــع لــك إضــاءة شــديدة جــدا ً‬
‫تعمى البصر فورا ً فل تتذكر انــك رأيــت شــيئا ً‬
‫)كمــا فــي أضــاءة بعــض المــواد المتفجــرة(‪،‬‬
‫ولكني إذا أردت ان أريك مقدار هذه الضــاءة‬

‫عقليا ً وبصــريا ً علــى نح ـ ٍ‬


‫و مــا فــإني أضــع لــك‬
‫زجاجات أو نظارات مظلمة أو معتمــة بدرجــة‬
‫كــبيرة بحيــث ان النافــذ منهــا يكــاد يخطــف‬
‫بصرك ثم اقول لك ان التعتيم هو بالف درجة‬
‫أدنى من الحقيقة! أو عشــرة آلف مــرة اقــل‬
‫من المصدر أو كذا درجــة ســيمكنك مــن خلل‬
‫ذلك تقدير حجم الضاءة عقلي ا ً وتطمئن لهذه‬
‫النتيجة لنك رأيت شــيئا ً مــن أضــاءة المصــدر‬
‫فعل ً عند نفاذه من الزجاجة المعتمة‪.‬‬

‫أ‬
‫‪389‬‬

‫إذن فإني اقوم بعمل متناقض فــي التجــاه‬


‫فقد حجبت عنــك أكــثر الضــاءة مــن أجــل ان‬
‫تعرف مقدارها‪.‬ان هذا المثال يجعلنا نفهم ما‬
‫يقصده المام علي عليه الســلم مــن تعريفــه‬
‫سئل عن معنى‬
‫لقدر الله أو )للحقيقة( حينما ُ‬
‫الحقيقة فقال‪:‬‬

‫س ســاطعة‬
‫ة حالكة في وسطها شــم ّ‬
‫"ظلم ُ‬
‫من اراد ان ينظر إلى الشمس )إليهــا( أعمــاه‬
‫الله"‪.‬‬

‫وحينما اريدك ان تشــعر بعجــزك عــن تقــدير‬


‫الضاءة لنها أكبر من قــدرتك علــى تصــورها‬
‫فيجــب ان أقــوم بوضــع أكــثر مــن حجــاب بــل‬
‫وعاكس للضوء إذا كان اقــل مــا يمكــن نفــاذه‬
‫عمي ـا ً فــي كــل الحــوال‪ ،‬فمــن‬
‫حجــب م ُ‬
‫مــن ال ُ‬
‫شــأن العــاكس ان يجعــل النظــر إلــى الضــوء‬
‫بصـــورة غيـــر مباشـــرة وتحديـــدا ً بالتجـــاه‬
‫المعاكس كي ل تتم مواجهة المصدر ومعلــوم‬
‫ان العاكس يعكس في هذه الحالــة نــورا ً لنــه‬
‫أ‬
‫‪390‬‬

‫عبارة عن اشراقة للمصدر وليس هو المصدر‬


‫نفسه‪.‬‬

‫ان هـــذا الحـــل يجعلنـــا مـــرةً أخـــرى نعـــي‬


‫حجب الكثيرة التي فصلت بين‬
‫المقصود من ال ُ‬
‫الــذات المطلقــة وبيــن الموجــودات فــأكثر‬
‫الموجودات معرفــة بــالله )أكثرهــا قرب ـًا( هــو‬
‫أكثرها إقرارا ً بعجزه عــن إدراك حقيقــة اللــه‬
‫حجب الكثيفة عــن الحقيقــة وقــد‬
‫لقربه من ال ُ‬
‫تم التعبير عن ذلك فــي المــأثور بخاصــة فــي‬
‫قصة المعراج ‪ -‬حيث تجاوز النــبي صــلى اللــه‬
‫عليه وآله وســلم منــاطق ملكوتيــة لــم يمكــن‬
‫جبريــل صــلى اللــه عليــه وآلــه وســلم مــن‬
‫استمرار الحركــة فيهــا معــه حــتى قــال لــه )أ‬
‫تتركني يا جبريل في هذا الموضع‪...‬؟( ‪ -‬فأكد‬
‫له على وجود كائنات أخرى يمكنهــا اســتقباله‬
‫هناك‪ ،‬وإذا حدث ذلك أكثر من مرة فقد اجتاز‬
‫منطقة أخرى أكثر بعدا ً مع انها اكثر قربا ً في‬
‫ظاهر المر وكان في النهاية ان بقــي وحــده‬

‫أ‬
‫‪391‬‬

‫في ظلمة شديدة ‪ -‬يمكــن القــول انهــا تعــبير‬


‫عــن )الظلم المحــض( وهنــاك لــم يكــن أحــد‬
‫يكلمه سوى الله ‪ -‬ولم يكن يــرى شــيئا ً ســوى‬
‫ر ساطع‪ .‬ويمكننا أيضا ً ان‬
‫نفسه المشرقة بنو ٍ‬
‫نفهم عبارة المام الصادق عليه السلم فــي‬
‫سبب السجود لدم إذ ذكر ان السبب في ذلك‬
‫هو لن )الله قد احتجب بآدم(‪.‬‬

‫وهذا التعبير مختلف عمــا إذا قلــت )احتجــب‬


‫في( ‪ -‬لن هذا الحرف يفيد الظرفية المكانية‬
‫بينما البــاء يفيــد الواســطة فالحتجــاب ليــس‬
‫مادي الصورة وان كان مــادي الداة ‪ -‬فحينمــا‬
‫ينبعــث مــن آدم نــور الهــي مشــرق ويشــك ّ‬
‫ل‬
‫نقطة منيرة فــي الوجــود انعكاس ـا ً لنــور اللــه‬
‫فيتـــوجب علـــى الموجـــودات الســـجود لهـــذا‬
‫الكائن‪ ،‬والحاطــة بــه والتــوجه إليــه باعتبــاره‬
‫البؤرة الظاهرة للنور اللهي في الوجود‪.‬‬

‫أ‬
‫‪392‬‬

‫الواقع علينا ان نعترف اننا ل ندرك ل علميا ً‬


‫ول عقلي ا ً حدود الكون ول نملك أي تصور عن‬
‫عدد الكوان المحتملة‪.‬‬

‫ان لدينا مشاكل عديــدة بهــذا الصــدد فمــن‬


‫الناحية العلميــة ان مــا نلحظــه مــن تكوينــات‬
‫فلكية تفصلنا عنها مليين ومليــارات الســنين‬
‫الضوئية ل تشكل لنا موضوع ا ً علميا ً للدراسة‪.‬‬

‫فقــد عــزف علمــاء الفلــك عــن ذلــك لنــه‬


‫ليســت هنــاك قابليــة علــى الســتمرار بوضــع‬
‫خرائط مفصلة بمليارات النجوم بخاصة وانهــا‬
‫ل تمنحنــا معلومــات اكيــدة لبعــدها الســاحق‬
‫ولقد أقتصر البحــث الن علــى حــدود نظامنــا‬
‫الشمسي وما يقرب منــه مــن شــموس داخــل‬
‫مجرتنا‪.‬‬

‫ور وجود أنظمــة‬


‫ويميل العلماء الن إلى تص ّ‬
‫متعددة واكوان متعددة وان جميع ما كشــفناه‬
‫على هــذا البعــد الســحيق ليــس ســوى قطعــة‬
‫ضئيلة المســاحة مــن الكــون الــذي نحــن فيــه‬
‫أ‬
‫‪393‬‬

‫والذي تحده اكوان أخــرى مــن جميــع الجهــات‬


‫وعلوة علــى ذلــك فــان هــذه النظمــة ‪ -‬فــي‬
‫حــدود الرؤيــة ‪ -‬هــي مــن البعــد بحيــث اننــا ل‬
‫نعلم ان كانت قد استبدلت بغيرهــا أم ل! لن‬
‫الضوء الواصل الينا منها قد صــدر عنهــا قبــل‬
‫مئة مليون سنة مثل ً وهذا يعني اننا ندرس أو‬
‫)نرى( حاليا ً صورتها قبل مــأة مليــون ســنة ل‬
‫صورتها الحالية!‬

‫اننـــا ل نمتلـــك ســـرعة الضـــوء المهولـــة‬


‫بالنســبة لنــا‪ ،‬ومــع ذلــك فــان الضــوء بســرعة‬
‫د مقــرف بالنســبة للمســاحة‬
‫بطيئة إلــى حــ ٍ‬
‫المرئية من الكون‪.‬‬

‫انه أبطــأ بــآلف المــرات مــن ســرعة نملــة‬


‫تحاول الحركة ما بين نصــفي الكــرة الرضــية‬
‫كنسبة وتناسب‪.‬‬

‫لذلك يعتقــد بعــض علمــاء الفلــك ان هنالــك‬


‫ســـرع أخـــرى تلئم النظـــام الكـــوني لكننـــا‬
‫نجهلها‪.‬‬
‫أ‬
‫‪394‬‬

‫وان العلــم الحــديث قــد ينطبــق علــى جــزء‬


‫ضــئيل فقــط مــن المســاحة المرئيــة والــتي‬
‫ُ‬
‫شبهت كما في الرسم‪:‬‬
‫‪TH1‬‬

‫‪TH4‬‬ ‫‪TH2‬‬

‫‪TH1‬‬

‫المساحة المرئية‬

‫الكون الذي نحــن فيــه هــو المطــابق لنظــام‬


‫معّيــن ‪ .TH1‬فهــذا وجــود أو كــون مســتقل‪.‬‬
‫ُ‬
‫والمليارات من النجوم والنظمة التي تفصــل‬
‫بينها مساحات بمليين السنين الضــوئية انمــا‬
‫هي في المثلث الصغير‪.‬وهنــاك اكــوان أخــرى‬
‫ملصقة لهذا الكون‪ .‬ان هذا يــذكرنا بالرقــام‬
‫الكـــبيرة لمســـاحة الكـــون أو الكـــوان فـــي‬
‫الحديث النبــوي بصــفة عامــة والــتي لــم تلــق‬
‫عناية من البــاحثين وهــي أحــاديث كــثير جــدا ً‬

‫أ‬
‫‪395‬‬

‫منها على سبيل المثال قوله صلى الله عليــه‬


‫وآله وسلم‪:‬‬

‫ج دّ هُ ثمانية عشر ألف عالم‬


‫)ان لله تعالى َ‬
‫كل عالم منها اكبر من الدنيا(‪.‬‬

‫نحن في الواقع ل نعرف معنــى )الــدنيا( أي‬


‫المعنى الكوني لهــا إل إذا كــان المقصــود مــا‬
‫نراه في السماء‪.‬‬

‫ان ما نراه في الســماء مجرتنــا فقــط ذات‬


‫المائة وخمســين بليــون نظــام شمســي حيــث‬
‫تظهــر تلــك الشــموس بالصــورة الــتي نراهــا‬
‫فيها ونسم ّيها )النجوم(‪ .‬ول نرى منها شمسا ً‬
‫كــبيرة فعليــة إل شمســنا لننــا فــي داخــل‬
‫نظامها‪ .‬فهذا هو الذي نراه بالعين المجــردة‪.‬‬
‫ومعلوم ان مثل هذا الكم الهائل من العــوالم‬
‫ل يعقل ان يكون فارغ ـا ً مــن الكائنــات الحيــة‬
‫العاقلة‪ ،‬فان علماء الفلك يقدّرون المســكون‬
‫منهــا فــي مجرتنــا فقــط بخمســمائة مليــون‬
‫نظام شمسي وفق طريقة تقوم على إحصــاء‬
‫أ‬
‫‪396‬‬

‫احتمالية نشوء حياة فيها على احتمالية نشوء‬


‫حياة الرض في النظــام الشمســي بــافتراض‬
‫ان كواكب النظام الشمسي كلهــا خاليــة مــن‬
‫الحياة ما عدا الرض‪.‬‬

‫لكن خلوها من الكائنات المشــابهة للنســان‬


‫ليس احتمال ً أكيدا ً على القل فيما يخ ّ‬
‫ص أحد‬
‫تلك الكوان اللمتناهية بالنسبة لنا ‪ -‬لننا من‬
‫النظام القرآني ندرك ان جزءً كبيرا ً مــن هــذا‬
‫ص لهــذا الكــائن‬
‫الكون ان لم يكــن كلــه مخص ـ ّ‬
‫ومعروض له ليملكه ويستولي عليــه بالشــرط‬
‫اللهــي ل بــالعلم النســاني ‪ -‬الشــرط الــذي‬
‫تمنحــه علم ـا ً مــن نــوع آخــر نتمكــن فيــه مــن‬
‫كشف طبيعة القانون الكوني والتحكم فيــه ل‬
‫استغلله أو مجابهته أو محاكاته‪.‬‬

‫وقد تم اثبات ذلك في كتاب خاص عن هذا‬


‫الطــور المتقــدم مــن حيــاة البشــر يصــعب‬
‫اختصار أفكاره هنا‪.‬‬

‫أ‬
‫‪397‬‬

‫السؤال الهــام هنــا لمــاذا أختــار اللــه هــذا‬


‫الكــائن )آدم( ليحتجــب بــه دون ســائر هــذه‬
‫التكوينــات المعقــدة والــتي خل ّ‬
‫قهــا أكــبر مــن‬
‫خلق الناس ؟‬

‫ويمكــن للمــرء أن يقــول ان اللــه يفعــل مــا‬


‫يشــاء‪ .‬ولكــن مثــل هــذه الجابــة يســتطيع‬
‫إطلقها أي شخص إذا كان ل يشك في قــدرة‬
‫اللــه وحكمتــه لكنهــا ل تتضمـــن أي نــوع مــن‬
‫المعرفة عن تلك الحكمة‪.‬‬

‫إذا أردت ان تفحص مكونــات ضــوء الشــمس‬


‫بتحليلـــه )بالموشـــور( فانـــك تـــدخل اشـــعة‬
‫الشمس إلى الموشور ‪ -‬ومــن الجهــة الخــرى‬
‫تظهر سبعة الوان‪.‬‬

‫لقد علمــت الن ان الضــوء البيــض مؤلــف‬


‫ميتها الــوان الطيــف‬
‫مــن ســبعة الــوان وســ ّ‬
‫الشمسي‪.‬‬

‫أ‬
‫‪398‬‬

‫لقد حصلت لك معرفة جديدة عــن الضــوء مــع‬


‫انك لم تستهلك أي مقدار من ضــوء الشــمس‬
‫ولــم ينقــص مــن الشــمس شــيء ولــم يزدهــا‬
‫عملك هذا شيئًا‪.‬‬

‫إنـــك أحيانـــا ً تقـــوم بوضـــع جميـــع أســـرارك‬


‫وكنوزك في صندوق صغير‪ ،‬وربما يكــون هــذا‬
‫الجزء اعّز شيء لديك من جميع ما فــي الــدار‬
‫الواسعة‪.‬‬

‫لقد ذكر الله شيئا ً شبيها ً بهذا حينما اعلــن‬


‫انه ل يستحي ان يضرب مثل ً مــا بعوضــة فمــا‬
‫فوقها‪ ،‬وقد اكتنف هذا المثــل غمــوض شــديد‬
‫وتهكم توقف عنده المفسرون‪:‬‬

‫]ان اللــه ل يســتحي ان يضــرب مثل ً مــا‬


‫ة فما فوقها فاما الذين آمنوا فيعلمون‬
‫بعوض ً‬
‫انــه الحــق مــن ر ّبهــم وامــا الــذين كفــروا‬
‫فيقولــون مــاذا اراد اللــه بهــذا مثل يض ـ ّ‬
‫ل بــه‬

‫أ‬
‫‪399‬‬

‫كــثيرا ً ويهــدي بــه كــثيرا ً ومــا ُيضــل بــه إل‬


‫الفاسقين ‪ 26/2‬‬

‫ان النــاس لهــم ولــع بالمظــاهر والحجــوم‪.‬‬


‫وحينمــا يريــد اللــه إخــراج زيفهــم وكــبرهم‬
‫واستكبارهم فانه يبتليهم بمسألة الحجوم‪.‬‬

‫إن جبريـــل عليـــه الســـلم مثل ً يمتلـــك‬


‫سدان افــق الســماء‪ ،‬ونحــن ل نعلــم‬
‫جناحين ي ّ‬
‫حجمه الحقيقي‪ ،‬لكن مأثور الملل الثلثة ذكر‬
‫انه قام بقلب القرى تفسيرا ً لعبارة ‪‬فجعلنا‬
‫عاليهــا ســافلها وأمطرناهــا بحجــارة ‪ ،‬ومــع‬
‫ذلــك فقــد ابتله اللــه مــع ملئكــة بمثــل هــذه‬
‫القوة أو اكثر بالســجود لكــائن طــوله مــترين‬
‫ووزنه ثمانين كيلو غرامًا!‪.‬‬

‫ومشكلة اكثر علماء الدين هي عزوفهم عن‬


‫الجمع بين بديهيات الدين نفسه ‪ -‬فقــد اشــتد‬
‫نكران احدهم علــى القــائل انــه يطــوف علــى‬
‫قبر النبي صــلى اللــه عليــه وآلــه وســلم لنــه‬
‫يعتقد انه اعظم حرمــة مــن الكعبــة ‪ -‬فــاعتبر‬
‫أ‬
‫‪400‬‬

‫هذا الطواف نوع ـا ً مــن الشــرك ‪ -‬متناســيا ً ان‬


‫الملئكة سجدوا لدم وآدم ليــس بأفضــل مــن‬
‫النبي صــلى اللــه عليــه وآلــه وســلم ‪ -‬وليــس‬
‫المعــترض بافضــل مــن الملئكــة‪ ،‬ذلــك لن‬
‫اليمان برسالة النــبي صــلى اللــه عليــه وآلــه‬
‫وسلم شيء ومعرفة من هو شيء آخر‪.‬‬

‫ان الله ل يستحي ان يضــرب مثل ً مــا رغــم‬


‫عظمته التي نقر بعجزنــا عــن ادراك صــفتها‪،‬‬
‫ولمن يريد ان يضرب مث ً‬
‫ل؟‬

‫انه لم يخبرنا فــي اليــة فقــد جــاء بالمثــل‬


‫فورا ً وهو حشرة البعوض ولم يذكر كــذلك مــا‬
‫هذه البعوضة وما شأنها؟‬

‫فعقد فورا ً مقارنة بين الذين آمنوا والذين‬


‫كفروا‪.‬‬

‫ان علينا أن ندرس هذا النص بعناية فهناك‬


‫ممثل له لم يذكر وإنما ذكر الممثل به فقط‪.‬‬

‫أ‬
‫‪401‬‬

‫وثانيًا‪ :‬لم يذكر شــيئا ً عــن البعوضــة ســوى‬


‫أسمها فلم تقم بفعل شيء معين‪.‬‬

‫وثالثًا‪ :‬ان المقارنة جاءت بســرعة فالــذين‬


‫آمنوا يعلمون انه الحــق مــن هــذا المثــل‪ .‬أمــا‬
‫الذين كفروا فيتساءلون ماذا اراد بهذا مثل ؟‬

‫اننــا نتــوهم إذا تصــورنا ان الــذين كفــروا‬


‫يسألون عن معنى المثــل! فهنــا مشــكلة مــن‬
‫مشاكل العتباط اللغوي‪.‬‬

‫انهـــم يفهمـــون المثـــل جيـــدا ً بيـــد انهـــم‬


‫يسألون ماذا أراد الله بهذا مث ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ان مجيء )مث ً‬
‫ل( في نهاية الجملة له أهميــة‬
‫صة ‪ -‬لنه اعادةّ لمفــرده )مثــل( فهــم إذن‬
‫خا ّ‬
‫يتساءلون عن الممثل له ل عن معنــى المثــل‬
‫كلــه‪ .‬مــن الواضــح ان الممثــل لــه تــرك ذكــره‬
‫لسبب واحد فقط وهو انــه معلــوم لدرجــة ان‬
‫الذين آمنوا قالوا نعم انه الحق من رّبهم‪.‬‬

‫أ‬
‫‪402‬‬

‫إذن فتسائل الذين كفروا هو تسائل الطغاة‬


‫الذين يسألون دوما ً عن أشياء يعلمونها جيدًا‪.‬‬

‫ذلك لن الممثــل لــه )بشــر( يهــدي بــه قــوم‬


‫م آخــرون ولكــن ل )يضــل بــه ال‬
‫ضل به قو ّ‬
‫وي َ ِ‬
‫الفاسقين(‪.‬‬

‫ن الــذين كفــروا يرفضــون دوم ـا ً ان يهــديهم‬


‫إ ّ‬
‫بشر‪ ،‬حيث عليــك ان تســتعيد الن مــا ذكرنــاه‬
‫في الفصول الولى ‪ -‬فالذين كفــروا ل زالــوا‬
‫في طــور النســان ول يريــدون الــترقي إلــى‬
‫م‬
‫طور البشر وقد رأينا ان النظام القرآنــي ذ ّ‬
‫النسان في أكثر المواضع وأمتدح البشر ولم‬
‫يرد ذكر هذا اللفظ ال مع النبياء والولياء‪:‬‬

‫وا‬ ‫]فقــالوا أبشــّر يهــدَ ُ‬


‫وننا فكفــروا وتولــ ّ‬
‫واستغنى الله ‪ 6/64‬‬

‫]قالوا أ نؤم ُ‬
‫ن لبشرين مثلنا ‪ 477/23‬‬

‫]فقالوا أ بشــرا ً منــا واحــدا ً نتب ّ‬


‫عــه إنــا إذا‬
‫سعُر ‪ 24/54‬‬
‫ل و ُ‬
‫لفي ضل ٍ‬

‫أ‬
‫‪403‬‬

‫ومــن هنــا نعلــم ان ابتلء الخلــق بمســألة‬


‫)الحجوم( والظواهر هو الهدف من ضرب هذا‬
‫المثل ‪ -‬فالممثل له مهما كــان صــغير الحجــم‬
‫فــان اللــه ل يســتحي ان يضــرب مثل ً لــه أو‬
‫يجعله سببا ً في ضلل قــوم وهدايــة آخريــن ‪-‬‬
‫وعلينــا فقــط ان نــدرك ان لفــظ )بعوضــة(‬
‫المشتق من )بعــض(‪ ،‬كــأي لفــظ قرآنــي آخــر‬
‫على أصــله الحركــي هــو بعيــد كــل البعــد عــن‬
‫اصــطلحاتنا اللغويــة ومــن هنــا يظهــر الربــط‬
‫بين بعض الشعاع والشعاع أو بين بعض نــوره‬
‫الذي ضــرب لــه مثل ً بالمشــكاة ونــوره تعــالى‬
‫الذي ل يمكن الحاطة به‪.‬‬

‫ان كشــف خبايــا الــذات النســانية المتمثــل‬


‫بالنــا مقابــل الــذات اللهيــة يتــم مــن خلل‬
‫ذوات )كائنــات( مثــل هــذا الخلــق تمامــا ً فــي‬
‫الصورة والحاجــة إلــى الطعــام والمشــي فــي‬
‫السواق ومن ثم الموت وما يرافق ذلــك مــن‬
‫صحة ومرض وعوارض أخرى‪.‬‬

‫أ‬
‫‪404‬‬

‫إنما يكمن الفرق بين هؤلء وبقية الناس في‬


‫انهم تخّلوا عن النا بصفة تا ّ‬
‫مة فأصبحوا فــي‬
‫جميع حالتهم في تذكر دائم وارتباط مستمر‬
‫وأحتياج للخالق مع انهم منحوا معرفــة عاليــة‬
‫وقدرة كبيرة على تسخير الموجــودات وخــرق‬
‫الظواهر الطبيعية ‪ -‬فأصــبح مــن هــذه الجهــة‬
‫العتراف بأفضليتهم علينا هو الداّلة الوحيدة‬
‫الكاشفة لكوامن النفس وإظهار خبايا النا‪.‬‬

‫ومــن المعلــوم ان المقــر بأفضــلية خلــق‬


‫ه‬ ‫إرادة الله مثل ً لنوره هو إقــرار للــه‪ ،‬واتبــا ّ‬
‫ع ُ‬
‫هو اتب ّاع لله فمن هنا جاء القانون‪:‬‬

‫)من يطع الرسول فقد أطاع الله(‪.‬‬

‫ومــن هنــا أيضــا ً يمكنــك تفســير الحكايــات‬


‫والغــرائب فــي المــأثور الــديني ممــا يتعلــق‬
‫بالخلق ‪ -‬مثل غفران كبائر عظيمــة بأعمــال‬
‫بالغــة الضــئالة مثــل إطعــام حيــوان أو عيــادة‬
‫ســر‪..‬الــخ‬
‫مريض أو زيارة أخ مؤمن أو صــدقة ِ‬
‫فتلــك العمــال إنمــا هــي مشــروطة بهــذا‬
‫أ‬
‫‪405‬‬

‫الشرط ويراد منها ابراز هذا الشرط وهو انها‬


‫وهــا مــن الريــاء )ظهــور‬
‫أعمــال اتســمت بخل ّ‬
‫النــا( وكــانت خالصــة لــوجه اللــه بحيــث انهــا‬
‫أحيان ا ً فاقت عبادات كبيرة لسنين عديــدة لــم‬
‫تتضمن الشرط المذكور‪.‬‬

‫أ‬
‫‪406‬‬

‫العتداء على كلمات الشجرة‬ ‫‪36‬‬

‫م‪ ،‬فكــل‬
‫قلنــا ان البتلء بالشــجرة ابتل ءّ عــا ّ‬
‫مخلــوق مبتلــى بالشــجرة وليــس الكــل مــن‬
‫الشجرة والتوســل بكلماتهــا إلــى التوبــة أمــر‬
‫يخص آدم وحده‪ .‬ففي كل زمــان هنــاك كلمــة‬
‫مــن كلمــات الشــجرة‪ .‬وفــي كــل وقــت تعــاد‬
‫القصة نفسها مع كل مخلوق‪.‬‬

‫وقد سبقت ظهور النبي صلى الله عليه وآلــه‬


‫وسلم شخصيات تمثل تلك الكلمات علــى مــّر‬
‫م تــدريب الخلــق علــى‬
‫التاريــخ‪ ،‬بمعنــى انــه ت ـ ّ‬
‫احترام كلمات الله الخاصة في المشــكاة عــن‬
‫طريق كلمات سابقة من نفس الشجرة‪.‬‬

‫ســر لنــا كيــف تتولــد الكلمــات‬


‫إن هــذا يف ّ‬
‫الخاصة مــن الكلمــات الســابقة وكيــف تجــري‬
‫سر لنا ثناءه علــى‬
‫عملية إتمام الكلمات ‪ -‬ويف ّ‬
‫إبراهيم عليه السلم لبتلئه بالكلمات وثناءه‬

‫أ‬
‫‪407‬‬

‫على مريم عليه السلم لنها )صد ّ‬


‫قت بكلمات‬
‫ر ّبهــا ورســله( ‪ -‬فهــي إذن صــدقت بالرســل‬
‫وكان هذا التصديق بسبب تصديقها بالكلمــات‬
‫عموم ًا‪.‬‬

‫ســـر لنـــا أيضـــا ً ظـــاهرة التمهيـــد‬


‫وهـــو يف ّ‬
‫والتبشير التي قام بها الرسل عليهم الســلم‬
‫للنبي صلى الله عليه وآله وسلم‪.‬‬

‫ان ختم النبوات به يحمل مغزى واحدا ً فقط‬


‫وهــو انتهــاء أدوار التبشــير والتــدريب فقــد‬
‫توضـــح المـــر بمـــا يكفـــي واصـــبح العقـــل‬
‫النســاني قــادرا ً علــى التمييــز والن يجــري‬
‫الحســاب علــى نوايــا النفــس المتبعــة بالنــا‬
‫مقابل الّله ‪ -‬لذلك قال )ل إكــراه فــي الــدين‬
‫ي(‪.‬‬
‫قد تبين الرشد من الغ َ‬
‫ان العتــداء علــى الشــجرة يحصــل بمجــرد‬
‫الشــك بهــا أو تكــذيب مقولتهــا‪ .‬والعصــيان‬
‫والفسوق يحصــل لمجــّرد عــدم متابعتهــا وان‬
‫كان المرء مرتبطا ً بالله ارتباطا ً شديدًا‪.‬‬
‫أ‬
‫‪408‬‬

‫ان هــذه الفكــرة ســهلة جــدا ً للفهــم‪.‬انهــا‬


‫بسيطة وغير مركبة ويقوم بهــا النــاس دوم ـا ً‬
‫خلل تعــاملهم بيــد انهــا حينمــا ترتبــط بــالله‬
‫يكفرون بها في اغلب الحيان‪.‬‬

‫فإذا ارســل الملــك رجل ً ليقــوم بــالفحص أو‬


‫التدقيق لي غرض ‪ -‬فانه ل طريق للشــخاص‬
‫موضوع الفحص لرضاء الملك ال ذلك الرجــل‬
‫مهما كانت علقتهم بالملك ‪ -‬لن طاعــة هــذا‬
‫المرسل هي طاعة للملك فلــو تجــاوز شــخص‬
‫صــلفا ً بمــا‬
‫ده الملــك َ‬
‫وراجع الملك مباشرة ع ـ ّ‬
‫يكفي لن يكون عديم الخلق‪.‬‬

‫لن الملك ُيــدرك جيــدا ً انــه يريــد بــذلك ان‬


‫يعصيه من حيث يحاول طاعته فقد جمــع بيــن‬
‫العصيان والطاعة‪.‬‬

‫وإذا أرسل الب شخصا ً لســتلم امانــة مــن‬


‫ه ورفــض الولــد تســليم المانــة لرســول‬
‫ولــد ِ‬
‫الب فاننا ندرك مقدار استعلءه علــى والــده‬
‫حتى لو جاءه بعد ذلك زحفا ً علــى ركبــه وخــّر‬
‫أ‬
‫‪409‬‬

‫ساجدا ً أمام والده! فلقد تضمن هــذا الســجود‬


‫كــــبرا ً واســــتخفافا ً ل يمكــــن إخفــــاؤه لن‬
‫المرسل اول ً انما هو ممثل للب ‪ -‬فهــو يريــد‬
‫العتـــداء علـــى الب‪ .‬وتلـــك فرصـــة فريـــدة‬
‫لمتحان النوايا واستخراج الخبايا‪.‬‬

‫وكلما كان الممثل بعيــدا ً فــي الــترتيب كــان‬


‫البتلء بــه اشــد والخبايــا المســتخرجة اكــثر‬
‫عمق ًا‪ .‬لــو قــام الممثــل الول )بتفــويض مــن‬
‫ن فان البن سيصب‬
‫الب( باختيار ممثل له ثا ٍ‬
‫جام غضــبه واســتكباره علــى الممثــل الجديــد‬
‫ولن يعرض عن سماعه فقط بل ربمــا اعتــدى‬
‫عليه بالضرب ‪ -‬واما الثالث فــاظّنه يقتلــه ول‬
‫ه قرآنيــة علــى ذلــك فمــا‬
‫يبالي‪ .‬واذا اردنا ادل ّ‬
‫اكثرها بيد ان علينا ان نقرأ بصورة صحيحة‪.‬‬

‫وقبل ذلــك علينــا ان نقــرأ التاريــخ بصــورة‬


‫صحيحة‪.‬‬

‫لقد اعتدى بنو إسرائيل علــى موســى عليــه‬


‫السلم ‪ -‬وآذوه ‪ -‬واتهمــوه بأشــياء ّبــرأه اللــه‬
‫أ‬
‫‪410‬‬

‫منها‪ .‬انه يمثــل اللــه ‪ -‬انــه كلمــة مــن كلمــات‬


‫الشــجرة ‪ -‬فكــل راغــب فــي ان يقــول )أنــا(‬
‫مقابل الله يقولها لموسى‪.‬‬

‫واذا اراد الله ان يستخرج المزيد من خبايــا‬


‫النفوس فقــد واعــد موســى ثلثيــن ليلــة ثــم‬
‫زادها عشرة ليال‪.‬‬

‫والن فقد غاب موسى عشرة ليــال إضــافة‬


‫على الموعد لم يكن يعلم بها أحد ‪ -‬في حيــن‬
‫ون الذي يمثل موسى‪.‬‬
‫انفرد القوم َبهار ُ‬
‫م منهــا عــبرت النــا حــاجزا ً‬
‫وكلما عــبر يــو ُ‬
‫جديــدا ً للعتــداء علــى )هــرون( الــذي يمثــل‬
‫موسى‪ ،‬ان هــرون ممثــل لنــور اللــه بالدرجــة‬
‫الثانية‪.‬‬

‫ول يشترط عند الله ان يكون اللحــق أدنــى‬


‫من السابق‪ .‬ان الله يفعل احيانا ً العكس حيث‬
‫يجعل الكثر اجراما ً يتزامن مع العظم قــدرا ً‬
‫عند الله ولديه لذلك قواعد خاصة مثلمــا ختــم‬

‫أ‬
‫‪411‬‬

‫النبياء عليه السلم بافضلهم واعلهــم قــدرا ً‬


‫ضــا ً‬
‫عنده‪ .‬وفي نهاية الموعد كان هارون معر ّ‬
‫للقتل الفعلي‪:‬‬

‫]قـــال أبـــن أم ا ّ‬
‫ن القـــوم استضـــعفوني‬
‫وكادوا يقتلــونني فل ُتشــمت بــي العــداء ول‬
‫تجعلني مع القوم الظالمين ‪. 150/7‬‬

‫وهل نسي موســى عليــه الســلم وهــو فــي‬


‫أوج غضــبه تلــك الحقيقــة مــدفوع ا ً بــواجبه‬
‫الرسالي حتى إذا سمع مفردة )أعداء( عــادت‬
‫إليه صفته كنبي ل كرسول فقال‪:‬‬

‫]قال ر ّ‬
‫ب اغفر لــي ولخــي وأدخلنــا فــي‬
‫م الرحمين ‪ 11511/77‬‬
‫رحمتك وأنت ارح ُ‬
‫وه ولمــاذا‬
‫عــد ّ‬
‫فلمــاذا يحــرص القــائد علــى ً‬
‫يشــمت العــدو بــأخيه النــبي الرســول ؟ ولــم‬
‫يتضــمن دعــاؤه الســتغفار لحــد مــن الخلــق‬
‫سوى نفسه وأخيه‪.‬‬

‫أ‬
‫‪412‬‬

‫ونجد لذلك مثال ً آخــر مــن التأريــخ‪ ..‬فحينمــا‬


‫يموت )محمد( صلى الله عليه وآله وسلم في‬
‫ظروف غامضة وباعراض مرضــية غريبــة فــي‬
‫وقت قريب جدا ً من إعلنه ممثل له وخليفة ‪-‬‬
‫نجد بعد استبعاد هــذا الخليفــة لثلثــة مراحــل‬
‫ولثلثة عقــود مــن الزمــن واســتلمه الخلفــة‬
‫تحـــت ظـــروف قاســـية ‪ -‬انقلب المشـــرق‬
‫والمغـــرب والـــداخل والخـــارج كلهـــا عليـــه ‪-‬‬
‫جيــوش متلحقــة لحربــه‪ ..‬وإقــرار فــي عيــن‬
‫الــوقت بافضــليته وإقــرار بــاهليته لهــا فــي‬
‫القل كما يستحقها أي مرشح عند من يــؤمن‬
‫)بأنا النسان( ول يؤمن بقوله )أنا الله ل إلــه‬
‫دة‬
‫ال أنا(‪ ...‬وبعد خوضه هــذه الحــروب المعقـ ّ‬
‫محرابه‪.‬‬
‫ُيقتل غيلة في ِ‬
‫وفي المرحلة الثالثة تكون )النا( أكثر جرأة‬
‫فيتــم تقطيــع أحــد أســباط النــبي والمحــاط‬
‫بهالة من الحديث الشــريف ‪ -‬بالســيوف علنــا ً‬

‫أ‬
‫‪413‬‬

‫ويحمــــل رأســــه ورؤوس أصــــحابه لتجــــوب‬


‫البلدان‪.‬‬

‫وبعــد ألــف ســنه وأربعمــائة ســنة يســتلم‬


‫المــأجورون عبيــد )النــا( أربــاح منشــوراتهم‬
‫ه المذبحــة‬
‫الــتي تــرى ان هــذا الصــراع وهــذ ِ‬
‫بالــذات كــانت عبــارة عــن )أجتهــاد فــي أمــور‬
‫الدين(‪.‬‬
‫وبصــفة عامــة فــأن الكفــر ليــس موضــوعا ً‬
‫اعتقاديـــًا‪ .‬لقـــد أكـــدت علـــى هـــذا الكشـــف‬
‫القرآنــي أكــثر مــن مــّرة‪ .‬ان الكفــر مســألة‬
‫أخلقية ل غيــر‪ ،‬وان إبليــس كفــر لنــه عــديم‬
‫قـــه‬
‫خل ِ‬
‫الخلق فكذلك يكفر كل من تابعه في ُ‬
‫وسلوكه‪.‬‬

‫أ‬
‫‪414‬‬

‫اعتداء أبن نوح على الشجرة‬ ‫‪37‬‬

‫بإمكاننا ان نبرهن على ان ابن نوح كان من‬


‫المعتــدين علــى كلمــة مــن الكلمــات الســابقة‬
‫للشجرة من خلل ملحظــة قضــية هامــة فــي‬
‫نص قرآني لم ينتبه لها أحد حسب علمي‪.‬‬

‫فقد كــان العتقــاد الســائد ان ابــن نــوح ل‬


‫يختلف بشيء عــن قــومه مــن حيــث إنكــارهم‬
‫وقــوع العــذاب وســخريتهم مــن نــوح عليــه‬
‫السلم‪.‬‬

‫ان بمقــدورنا ان نــبرهن ان ابــن نــوح لــم‬


‫يكذب بوقوع العذاب ولم يكن من الســاحرين‪.‬‬
‫لقد كان من هذه الناحية في )أتــم اليمــان(‪،‬‬
‫بل ل بــد ان نعتقــد وفــق النــص القرآنــي انــه‬
‫بنـــى فلكـــا ً أيضـــًا‪) ،‬ســـفينة( لتنقـــذه مـــن‬
‫الطوفان‪ .‬والنص موضوع البحث هــو مــا فــي‬
‫هود‪:‬‬
‫سورة ُ‬

‫أ‬
‫‪415‬‬

‫]وقــال اركبــوا فيهــا باســم اللــه مجراهــا‬


‫ومرساها ان ربي لغفور رحيم‪.‬‬

‫وهي تجري بهم في مــوج كالجبــال ونــادى‬


‫نوح ابنه وكان في معزل يا بنــي اركــب معنــا‬
‫ول تكن مع الكافرين‪ .‬قال ســآوي إلــى جبــل‬
‫يعصمني من المــاء قــال ل عاصــم اليــوم مــن‬
‫أمــــــــــــــــــــــــــــر اللــــــــــــــــــــــــــــه‬
‫إل من رحــم وحــال بينهمــا المــوج فكــان مــن‬
‫المغرقين ‪. 41-43/11‬‬

‫ان المحاورة التي يــذكرها النــص القرآنــي‬


‫قد جرت بعد حــدوث الطوفــان بفــترة طويلــة‬
‫بحيث ان الموج كان كالجبال‪.‬‬

‫ومعلــوم ان القــوم قــد هلكــوا جميع ـا ً فــي‬


‫هــذه الحالــة لننــا ل يمكــن ان نعتقــد انهــم‬
‫ارتقوا الجبال في تلك اللحظة ‪ -‬فلدينا حرف‬
‫)ســين( المســتقبلي فــي قــوله )ســآوي إلــى‬
‫الجبل( وهذا معناه انه في حال المحاورة لــم‬

‫أ‬
‫‪416‬‬

‫يكن في جبل وانما سيحاول اليواء إلى جبــل‬


‫لم يحدده بعد ومعنى ذلك انه الن فــي المــاء‬
‫وهو أمر محال بغير سفينة‪ ،‬ما دامت المــواج‬
‫كالجبال فهــذا يعنــي ان الريــح كــانت شــديدة‬
‫جدا ً وعليه فان وصول السفينة ‪ -‬سفينة نــوح‬
‫وســفينة البــن إلــى منطقــة جبليــة هــو أمــر‬
‫محتمـــل جـــدا ً إذا كـــانت منطقـــة النطلق‬
‫منبسطة وخالية من الجبال‪.‬‬

‫ان هذا النــص والتــدقيق فيــه يمكنّنــا لول‬


‫مرة من الجمع بين النظريــتين بشــأن موضــع‬
‫الطوفان حيث يمكن ان نعتقد ان القوم فــي‬
‫منطقة جنوب غــرب العــراق )تــل فــارة( وان‬
‫السفينة تحركت بعنف بأتجاه شمال الشرقي‬
‫بسبب الريح الجنوبية الشديدة فبلغت منطقة‬
‫الجبــال‪ .‬ولمــا كــان القــوم يكــذّبون بوقــوع‬
‫العذاب ويسخرون من نــوح فلــم تكــن لــديهم‬
‫اية نوايا لتخاذ اية إجراءات للنقاذ‪.‬‬

‫أ‬
‫‪417‬‬

‫مــن جهــة أخــرى ل يوجــد لــدينا أي خــبر‬


‫يفيدان الرسل يخبرون قومهم بنــوع العــذاب‬
‫حــتى يتخــذوا مثــل هــذا الجــراء ‪ -‬فالرســل‬
‫يخبرون بوقــوع عــذاب فقــط أمــا نــوعه فلــم‬
‫يذكروه لقومهم‪.‬‬

‫لكن بناء نوح عليه السلم للسفينة كــان‬


‫أمــرا ً واضــحا ً يــدل علــى نــوع العــذاب بصــفته‬
‫العامة كونه نوع مــن الغــرق أمــا بالمطــار أو‬
‫العيون أو كليهما‪.‬‬

‫ان المحاورة تؤكد لنا ان ابــن نــوح قــد انتفــع‬


‫من هذه الشارة فبنى لنفسه ســفينة خاصــة‬
‫إذ ل ُيعقل انه بقي سابحا ً إلى ان بلغ المــوج‬
‫ارتفاع الجبال‪.‬لقــد كــان ظاهري ـا ً رجل ً مؤمن ـا ً‬
‫وليس ببعيد انه كان يقيم العبادات والمناسك‬
‫الدينية التي يفعلها نوح ومن امن معه‪.‬‬

‫لكنــه ل يريــد اتبــاع نــوح والوقــوع تحــت‬


‫إمرتـــه‪ ،‬ونلحـــظ ذلـــك بوضـــوح مـــن خلل‬
‫المحـــاورة إذ لـــم يقـــل لـــه )ول تكـــن مـــن‬
‫أ‬
‫‪418‬‬

‫الكافرين( بل )ول تكــن مــع الكــافرين(‪ ،‬وقــد‬


‫يشير هذا الحرف إلى وجــود افــراد معــه فــي‬
‫سفينته الخاصة مما يستدعي العتقاد بوجــود‬
‫انشقاق في اصحاب نــوح عليــه الســلم وهــو‬
‫د‬
‫أمر دائم الوقوع‪ ،‬حيــث حــدث عصــيان وتمــر ّ‬
‫عند جميع من آمن بالرسل وذلك لن اليمــان‬
‫بالرســل شــيءّ مختلــف عــن الذعــان لهــم‬
‫وطــاعتهم طاعــة مطلقــة فــالتمحيص انمــا‬
‫يجري من خلل الطاعة‪ ،‬وقد رأينا كيف يؤكــد‬
‫القرآن على طاعة الرسول وكيف يفرق بيــن‬
‫المجموعات الداخلة تحت عنوان واحد أو تحت‬
‫مجموعة واحدة ظاهريًا‪.‬‬

‫لقد قدم نوح عليــه الســلم آخــر نصــيحة‬


‫لولده إذ رآه حسب نص روائي )يعلو ويهبــط(‬
‫هــي )اركــب معنــا(‪ ،‬فليــس ثمــة عــدة ســفن‬
‫يمكــن ان تنجــو مــن الغــرق ان هــذا مخــالف‬
‫لطبيعة السنن اللهية فلو كان يمكن ان يصح‬
‫أي رأي أو خيار مقابل الختيار اللهــي لكــان‬

‫أ‬
‫‪419‬‬

‫إبليس محقا ً فــي خيــاره واعتقــاده بأفضــليته‬


‫على آدم‪.‬‬

‫ان موضـــوع المامـــة أو القيـــادة يـــبرز‬


‫بشــكل ظــاهر فــي قصــة ابــن نــوح ونــتيجته‬
‫المتحصلة الوحيدة مــن ذلــك ان متابعــة امــام‬
‫من اختياري ولــو كــان ذلــك المــام هــو ذاتــي‬
‫)أنا( انما هو اختيار مقابل الختيار اللهــي ل‬
‫يختلف بشي عن فعــل إبليــس وبالتــالي فهــو‬
‫المقصود بلفظ )الكفر( اينما وجد في الكتــب‬
‫المنزلة ومــن هنــا يتــم اســتدعاء المجموعــات‬
‫للحساب بحسب أأمتهم‪:‬‬

‫س بإمامهم ‪.‬‬
‫عوكل إنا ُ‬ ‫]يو َ‬
‫م ند َ‬

‫إذن فانا ح ـّر فــي اختيــاري بيــد إ ن ّــي إذا‬


‫اخترت ما أختار الله اختلف عما إذا اخترت ما‬
‫يخــالف اختيــاره ‪ ..‬وحينمــا أختــار مــا يخــالف‬
‫اختياره فإني أختار أيضا ً عواقب ذلك‪ ،‬ان الله‬
‫ل يغيّر قوانين الكون لجل ان تصح خيـــاراتي‬

‫أ‬
‫‪420‬‬

‫فأكون سعيدًا! لو فعل ذلــك ‪ -‬ج ـ ّ‬


‫ل عــن ذلــك‪-‬‬
‫ب والمربــوب رأس ـا ً‬
‫لنقلبت المعادلة بين الــر ّ‬
‫على عقب ؟ فالسنن ل تتبدل‪ .‬لحظ البحث )‬
‫‪ (8‬مــن أجــل ذلــك أقــول لولئك المتحــذلقين‬
‫الــذين زعمــوا ان موضــوع القيــادة واقامــة‬
‫شــرائع الكتــب المنزلــة بعــد النبيــاء موضــوع‬
‫يتعلق باختيار المة أقول لهم بوضــوح كــاف‪:‬‬
‫ان هذا الرفض لقادة يعينهم النبيــاء عليهــم‬
‫السلم ليس متوجها ً إلى النبيــاء أو القــادة ‪-‬‬
‫انمــا هــو متــوجه بصــورة مباشــرة إلــى اللــه‬
‫ومعنــاه الوحيــد انهــم يطلبــون مــن اللــه ان‬
‫يتخلى عن الوهيته وربوبيته لهم ‪ -‬وليس ثمة‬
‫أي معنى آخر لفكرتهم‪.‬‬

‫مــن هنــا نعلــم ســبب هــذا الــدعاء التعليمــي‬


‫الحقيقي الشديد اللهجة لمير المؤمنين علي‬
‫عليه السلم على الذين اقترحوا هذا المقترح‬
‫وتقـــدموا بهـــذه الفكـــرة واعتـــبروا المامـــة‬
‫موضوعا ً يخ ّ‬
‫صهم فلنقــرأ هــذا الــدعاء أو جــزءً‬

‫أ‬
‫‪421‬‬

‫منــه والــذي كــان يقــرأه كــورٍد مــن الوراد‬


‫اليوميــة الثابتــة ‪ -‬فهــو ليــس شــكوى يقــدمها‬
‫صه هــو بقــدر مــا هــو بــراءة‬
‫عبدّ لرّبه لحق يخ ّ‬
‫مها عبد لر ّبه من أفعال ترتبت علــى هــذه‬
‫يقد ّ‬
‫الفكرة ونتائج ل ُينتظر منها ال غضب الرب‪:‬‬

‫)اللهـــم العـــن صـــنمي قريـــش وجبتيهـــا‬


‫وطاغوتيها وإفكيها اللذين أكل إنعامك وجحدا‬
‫الئك وخالفــا أمــرك وأنكــرا وحيــك وعصــيا‬
‫رســولك وقلبــا دينــك وحرفــا كتابــك وعطل‬
‫أحكامــك وابطل فرائضــك والحــدا فــي آياتــك‬
‫وعاديا اوليائك ووالبا أعداءك وافسدا عبــادك‬
‫وأضّرا ببلدك‪.(..‬‬

‫وأنت تلحــظ فــي هــذا النــص روح المامــة‬


‫والقيــادة ‪ -‬روح النبــوة والرســالة مــن خلل‬
‫توجيه الخطاب إلى الله تعالى ونسبة الشياء‬
‫كلها اليه إنعامك‪ ،‬الئك‪ ،‬وحيك‪ ،‬أمرك‪ ،‬كتابك‪،‬‬
‫دينك‪..‬الخ‪ .‬ثــم يســتطرد فــي فصــل آخــر مــن‬

‫أ‬
‫‪422‬‬

‫الدعاء على ذكر ما ترتب على ذلك مــن نتــائج‬


‫تتعلق بالدين اللهي‪:‬‬

‫)اللهم العنهم بعــدد كــل منكــر اتــوه وحــق‬


‫أخفــوه ومنــبر علــوه ومــؤمن أردوه ومنــافق‬
‫وة وولي آذوه وطريد آووه وصادق طــردوه‬
‫ول ّ‬
‫ض غيــروه‬‫وكافر نصــروه وأمــام قهــروه وفــر ٍ‬
‫ر‬
‫ر أنكروه وشر أضمروه ودم أراقــوه وخــب ٍ‬ ‫وأث ٍ‬
‫وه وحكــم قلبــوه وكفــر أبــدعوه وكــذب‬
‫بــدل ّ‬
‫ســحت‬
‫دلسوه وارث غصبوه وفيء اقتطعوه و ُ‬
‫أكلوه ‪ ...‬إلى آخر الفقرة(‪.‬‬

‫لقد تغيرت في هذا الفصل صيغة اللفــاظ‬


‫‪ -‬فالخطــاب بقــي متوجهــا ً إلــى اللــه لكــن‬
‫العمــال تحــولت إلــى صــيغة الجمــع للغــائب‬
‫وذلك لن عملية التأسيس قد انتهت بالفقرة‬
‫الولــى ثــم تــأتي النتــائج ومعلــوم ان هــذه‬
‫النتائج مستمرة حتى تقــوم الســاعة أو يــأتي‬
‫الله بأمره فتحولت الفعال إلــى صــيغة جمــع‬
‫للفاعلين ‪ -‬إذ كل منبر عله إنســان فهــو مــن‬
‫أ‬
‫‪423‬‬

‫فعلهم وكل دم يراق هو بسببهم ‪ ...‬إلى آخــر‬


‫الفعال‪.‬‬

‫ومعلوم ان هدف الرسالة لــم يتحقــق للن‬


‫إذ هــو صــلى اللــه عليــه وآلــه وســلم رحمــة‬
‫للعــالمين فهــو يشــمل العــوالم كلهــا ل أهــل‬
‫الرض وحــدهم ‪ -‬فقــد تــوقفت بســبب هــذه‬
‫الفكرة عملية انتشار دين الله وتم حرفه عــن‬
‫وجهته وقد أوضحنا ذلــك فــي مؤلفاتنــا حيــث‬
‫اســـتخدمت اعتباطيـــة اللغـــة كســـلح فعـــال‬
‫يظــاهر الســلحة الخــرى الموجهــة للقيــادة‬
‫اللهية‪.‬‬

‫فــي الفقـــرة اللحقـــة مــن الـــدعاء يتــم‬


‫استعمال صيغتي الجموع للفعال والفــاعلين‬
‫ومثل هذا التدرج في السلوب والذي ّيحــاكي‬
‫فيه أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وســلم‬
‫فـــي الملحـــم والفتـــن فـــي تـــدّرج المنكـــر‬
‫وانتشاره في آخر الزمان ‪ -‬أقول ان مثل هذا‬
‫السلوب ل يصدر ال عــن نفــس شــبيهة إلــى‬
‫أ‬
‫‪424‬‬

‫أبعد حد بنفــس النــبي صــلى اللــه عليــه وآلــه‬


‫وسلم‪ ،‬وقد حدث هنا تغير آخر فقــد اســتعمل‬
‫مجددا ً صيغة المثنى في )طلب اللعن(‪:‬‬

‫هم العنهما بكل آيــة حرفوهــا وفريضــة‬


‫)الل ّ‬
‫تركوهـــا وســـنة غيروهـــا واحكـــام عطلوهـــا‬
‫وأرحــام قطعوهــا وشــهادات كتموهــا ‪ ...‬إلــى‬
‫آخر الفقرة(‪.‬‬

‫ان الضمائر في حرفوها وتركوهــا ‪ ..‬الــخ ‪-‬‬


‫ضمائر الفاعلين ل تعــود إلــى )المثنــى( إنمــا‬
‫يعود على جميع الفــاعلين بل تحديــد زمنــي ‪-‬‬
‫لن من طبيعة الدعاء انه باق ومســتمر فكــل‬
‫فعل متجددّ إنما يكون بالماضي ويكتنفه هــذا‬
‫ع به‪.‬‬
‫الزمان كلما دعا دا ٍ‬
‫وفــي الفقــرة الخيــرة يتحــول الكلم كلــه‬
‫إلـــى صـــيغة الزمـــن المســـتمر مـــع الجمـــع‬
‫للفاعلين وللفعال‪:‬‬

‫أ‬
‫‪425‬‬

‫)‪ ...‬لعنــا ً دائمــا ً دائبــا ً ســرمدا ل انقطــاع‬


‫لمده ول نفاذ لعدده لعنا ً يغدو أوله ول يــروح‬
‫آخــره لهــم ولعــوانهم وأنصــارهم ومحّبيهــم‬
‫ومواليهم والمسلمّين إليهم والمائلين إليهــم‬
‫والناهضــين باحتجــاجهم والمقتــدين بكلمهــم‬
‫والمصدقين بأحكامهم ‪.(...‬‬
‫تــم ختــم تلــك العبــارة )اللهــم عــذبهم عــذابا ً‬
‫يستغيث منه أهل النار(‪- .‬النص من الصحيفة‬
‫وية‪.283 /‬‬
‫عل ّ‬
‫ال َ‬
‫ان الفقـــرة الخيـــرة تـــدّلنا علـــى أهميـــة‬
‫الرسالة الســلمية باعتبارهــا رحمــة للعــوالم‬
‫كلهــا وإذن فالقيــادة البديلــة تحــاول إيقــاف‬
‫حركة هذه الرسالة وبالتالي فهي قيادة عليــا‬
‫للــذين كفــروا فمــن اوجــه العبــادة ان يتقــدم‬
‫بطلب كهذا فهم قادة أهل النــار وهــو يطلــب‬
‫من العدل اللهي عدم مساواتهم بأهــل النــار‬
‫صــا ً يســتغيث منــه‬
‫عموما ً وتعــذيبهم عــذابا ً خا ّ‬
‫أهل النار‪.‬‬
‫أ‬
‫‪426‬‬

‫اعتــداء المل مــن بنــي إســرائيل علــى‬ ‫‪38‬‬


‫الشجرة‬

‫حينما يصدر المر اللهي علــى لســان أحــد‬


‫النبياء فــان معصــية المــر هــي ظهــور للنــا‬
‫النســاني أي اختيــار النســان ‪ -‬فــي مقابــل‬
‫الختيار اللهي المتمثل في ذلك المر‪.‬‬

‫المعصــية إذن ل ترتبــط بشــخص النــبي أو‬


‫الرســول فــالمعترض علــى الرســول يفعــل‬
‫نفس الفعل الول الذي قام بــه إبليــس فقــد‬
‫تمسك باختياره الخاص مقابــل المــر اللهــي‬
‫ومن هنا كفر‪.‬‬

‫إذن فــالكفر هــو بمفهــوم بــالغ الخطــورة‪.‬‬


‫فليس الكافر هــو ذلــك المنكــر لوجــود اللــه ‪-‬‬
‫لنه ليس هنــاك منكــر لوجــود اللــه فعل ً بيــن‬
‫ب‪ ،‬ل بمعنى‬
‫دعي مثل ذلك هو كذا ّ‬
‫الخلق فالم ّ‬
‫انه يكذب فــي المقــول أي عــدم صــحة الخــبر‬

‫أ‬
‫‪427‬‬

‫لن هنــاك الــه للعــالم بــل يكــذب مــن ناحيــة‬


‫صدور المقول عــن ذاتــه أي انــه ينكــر وجــود‬
‫الله بلسانه فقط فهو يعلم جيــدا ً انــه يكــذب‬
‫في تلك اللحظة‪..‬‬

‫لذلك لم يــذكر القــرآن ول الكتــب المنزلــة‬


‫الســابقة أيــة أدلــة علــى وجــود اللــه لن هــذا‬
‫الوجــود هــو الحقيقــة الوحيــدة المطلقــة فل‬
‫يمكــن البرهنــة علــى وجــود اللــه مــن خلل‬
‫المخلوقات لن هذه المخلوقات متخّلفــة عــن‬
‫وجــوده ومعلولــة لــه فوجودهــا مســتمدّ مــن‬
‫وجوده تعالى‪ :‬ووجوده المحض المطلــق وهــو‬
‫الوجود الحقيقــي الوحيــد‪ ،‬فكــل شــيء غيــره‬
‫تعالى إنما هــو متذبــذب بيــن الوجــود والفنــاء‬
‫فهــو وجــود معلــق ل قــرار لــه ال بالتشــبث‬
‫بالوجود المطلق‪.‬‬

‫مــن هنــا نعلــم ان الــبراهين الــتي ســاقها‬


‫الفلسفة والمتكلمون لثبات وجود اللــه مــن‬
‫هـــراء‬
‫خلل المخلوقات بما فيها النسان هي ُ‬
‫أ‬
‫‪428‬‬

‫ع عــن‬
‫سم بأي منطق صحيح وفيهــا تراج ـ ّ‬
‫ل تت ّ‬
‫الفكـــرة الولـــى واقـــرار بأكذوبـــة المنكـــر‬
‫فالمنكر لوجود الله يضحك فــي داخــل نفســه‬
‫من عقولهم إذ يشغلهم بــالبحث عــن براهيــن‬
‫ه‬‫تثبت وجود الله ويجعلهــم يقفــون فــي صــف ّ‬
‫من حيث ل يعلمــون ‪ -‬فأصــبح الــدليل مــدلول ً‬
‫عليـــه والبرهـــان مبرهنـــا ً عليـــه ومثـــل هـــذا‬
‫الـــتراجع ل ينفـــع بعـــده أي دواء فالمنتصـــر‬
‫الوحيد فيه ظاهريا ً هو المنكر لوجود الله‪.‬‬

‫وسوف اضرب مثال ً لتوضيح المر وإظهــار‬


‫خطورته‪:‬‬

‫ن رجل ً لـــه أولد مختلفيـــن فـــي‬


‫نفـــرض ا ّ‬
‫طريقة تعاملهم مع أبيهم وان بعضهم يلقون‬
‫بالمودة لعداء والدهم وبعضــهم كــان مطيع ـا ً‬
‫له‪ .‬لقد بلغت المــودة بهــم للعــدو ان يقومــوا‬
‫بطــاعته واحــترامه كمــا يفعلــون مــع الب أو‬
‫اكثر من ذلك‪.‬‬

‫أ‬
‫‪429‬‬

‫والب يــوبخهم قــائ ً‬


‫ل‪ :‬انظــروا أنــا أبــوكم‬
‫الوحيد! ل يمكن ان يكون لكم أب غيري أنتــم‬
‫تجعلــون لنفســكم اكــثر مــن أب‪ .‬مــن يجعــل‬
‫مه من اّبوتي واتركــه‬ ‫ح ْر ُ‬
‫لنفسه اكثر من أب أ َ‬
‫لعدوي والذي هو في الواقع عدوه أيضا ً لكنــه‬
‫احّبــه وواله ليهــرب مــن اللــتزام بشــروط‬
‫البنـــوة لـــي ‪ ...‬ليـــس لكـــم أب ســـوى أب‬
‫واحد ‪...‬الخ‪.‬‬

‫من الواضح انه ل أحد منهم يعتقد بالفعــل‬


‫ان أباه شخص آخر غير هذا المتكّلم‪. .‬‬

‫وليست غاية الب من قــوله باتخــاذ ابــوين‬


‫أو اكــثر ســوى التأكيــد علــى ان ســلوكهم ل‬
‫يفضي في النهاية ال لمثل هذا العتقاد ولما‬
‫كــان هــذا العتقــاد خــاطئا ً عنــد الولد فــانه‬
‫يحملهــم مــن خلل ذلــك إلــى إعــادة النظــر‬
‫بسلوكهم معه‪.‬‬

‫بمعنى انه يستعمل حقيقة ثابتة هي كــونه‬


‫)أبوهم( الوحيد للبرهنة علــى وجــوب طــاعته‬
‫أ‬
‫‪430‬‬

‫وحده باعتبار انعدام وجود ابوين مــن الرجــال‬


‫لنسان واحد!‬

‫ان وجود أبوين من الرجــال لنســان واحــد‬


‫هو أمر محال عقل ً وواقع ًا‪.‬‬

‫لكن الولــد المطيــع لوالــده كــان غبي ـا ً بمــا‬


‫يكفي بحيث أساء لوالده من حيث أراد الدفاع‬
‫عنه‪.‬‬

‫ففــي إحــدى المــرات كتــب مقالــة يــبرهن‬


‫فيهــا علــى عــدم وجــود أبــوين مــن الرجــال‬
‫مــا كــان ل يفهــم مــا يحــدث‬
‫لنســان واحــد ول ّ‬
‫داخل الرحام فقــد شــوهّ العتقــاد الوجــداني‬
‫السائد حــول القضـّية وتحــولت البديهيــة إلــى‬
‫افتراض يحتاج إلى برهان؟‬

‫وبــالطبع فــرح العصــاة مــن إخــوانه بهــذه‬


‫المقالــة الــتي قلبــت كلم الب رأســا علــى‬
‫عقب‪ .‬أصبحت بديهية الب الواحد تحتاج إلــى‬

‫أ‬
‫‪431‬‬

‫برهان بعد ان كانت هي البرهان الوحيد علــى‬


‫وجوب طاعته وحده‪.‬‬

‫وفي المرة الخرى قــام الولــد الغــبي بمــا‬


‫هو اسوأ مــن ذلــك‪ :‬فــان أحــد الولد العصــاة‬
‫وفي لحظة سكر شديد وأجواء من الســخرية‬
‫در والمعاندة‪:‬‬
‫والستهزاء قال على سبيل التن ّ‬

‫]ومن َيقل انه يتوجب عل ّ‬


‫ى ان أكون‬
‫ولدت من أب؟ من الممكن ان يكون أبي ليس‬
‫هو أبي ومن الممكن ان يكون أبي غير‬
‫موجود أصل‪[ ..‬‬

‫ن المطيــع قــام بكتابــة مقالــة أخــرى‬


‫البــ ُ‬
‫يبرهن فيهــا هــذه المــرة علــى )وجــود الب(!‬
‫فأصبح وجود أب لكل إنسان قضية تحتاج إلى‬
‫برهان‪.‬‬

‫وفي مقالة ثالثة اثبت انه )فلن الفلنــي(‬


‫تحديدا ً ل غيره!‬

‫أ‬
‫‪432‬‬

‫فهذا التراجع من المطيع ل يثبت ال شــيئا ً‬


‫واحدا ً وهو انــه فــي الواقــع ل يختلــف عنهــم‬
‫بشيء من الشكوك والمعاصــي الخفيــة الــتي‬
‫يفعلهــا عنــادا ً لوالــده ‪ -‬أو انــه فــي الحقيقــة‬
‫واحد منهــم اســتعمل هــذا الســلوب لتضــليل‬
‫اخــوته الصــغار الناشــيئن الــذين جــاءوا بعــد‬
‫هؤلء‪.‬‬

‫ل يختلف البــن )المطيــع( ظاهري ـا ً بشــيء‬


‫عن اخوته الجاحدين ذلك لنه قد ظهر )النــا(‬
‫الداخلي لديه من خلل الدفاع عن الب مثلما‬
‫أظهرهـــا اخـــوته مـــن خلل )إنكـــاره( تـــارة‬
‫واشراك غيره معه تارة أخرى‪ .‬فهو يقول مــا‬
‫معناه‪" :‬أنا أبرهن على وجود أبي"!‬

‫وهــو يــبرهن ذلــك بمقــالت وفلســفة مــن‬


‫عنــده ‪ -‬بينمــا أصــل العبــارة هــي البديهيــة‬
‫القائلة "أنا ولدت من أبي"‪.‬‬

‫فإذا رجعنا الن إلى القرآن ل نجده يسوق‬


‫الدلــة علــى وجــود اللــه بــل اعتــبر وجــوده‬
‫أ‬
‫‪433‬‬

‫ووحـــدانيته هـــي البرهـــان والـــدليل الول‬


‫والخير على وجوب طاعته وحده‪.‬‬

‫فحينما يــذكر القــرآن تلــك التفاصــيل عــن‬


‫التوحيد إنما يثير في العقول والنفــوس تلــك‬
‫البديهيــة ويظهــر تلــك الحقيقــة بمعنــى ان‬
‫العقــول ترفــض وجــود اكــثر مــن الــه ‪ -‬بينمــا‬
‫السلوك النساني يتصف بما هــو إقــرار بهــذا‬
‫دد‪ .‬فهــو يــثير التنــاقض الــداخلي فــي‬
‫التعــ ّ‬
‫النسان بين اعتقاده وسلوكه إذن فهو يقــوم‬
‫بتوبيخ النسان على أخلقه الــتي تنــافى مــع‬
‫المسلم ّات‪ ،‬فيقول مث ً‬
‫ل‪:‬‬

‫]لو كان فيهما آلهة إل الله لفسدتا ‪‬‬

‫فهذا ليس برهانا ً على ان فيهما اله واحـــد‬


‫فيقــول القــائل لــم تفســدا بعــد وإذن فــالله‬
‫واحد!‬

‫ان اليــة ل تقــول ذلــك ول تســتدل علــى‬


‫الوحدانية من عدم الفساد بل تسير بالبرهان‬

‫أ‬
‫‪434‬‬

‫بصــورة هــي عكــس مــا يزعمــه المتكلمــون‬


‫والفلسفة انها تفترض ما هو عكس الحقيقة‬
‫)لو كان فيهما الهة ال اللــه( ونتيجــة الفــرض‬
‫هو )لفسدتا( ‪ -‬فكــل موجــود إذا تعــاوره اكــثر‬
‫مــن الــه يفســد فتلــك هــي الحقيقــة وهــذه‬
‫الحقيقة تدل على انه يتــوجب علــى الموجــود‬
‫الحّر الذي يمتلك قدره على الختيار ال يــوزع‬
‫خيــاراته علــى اكــثر مــن جهــة لنــه سيفســد‬
‫ويطــوله الفنــاء ‪ -‬وهــو فنــاء وجــودي ليــس‬
‫كـــالموت لنـــه اســـتنفاد لطـــاقته الوجوديـــة‬
‫فيبقى معذبا ً حتى يفنى وهو يســتلزم البقــاء‬
‫في العذاب إلى أمد غير محدود‪.‬‬

‫ذكرنا سابق ا ً اليات القرآنيــة الــتي ســيقت‬


‫لظهار هذه الحقيقة على لسان جميع الخلق‬
‫كفار ومؤمنين ومشركين‪:‬‬

‫]ولئن سألتهم من خلقهم ليقوّلن الله ‪‬‬


‫‪87/43‬‬

‫أ‬
‫‪435‬‬

‫]ولئن سألتهم من خلق السموات‬


‫والرض ليقوّلن الله ‪ 38/39‬‬

‫فهنــا ســت مــوارد متشــابهة مــن الســؤال‬


‫والجــواب عــن خــالق الخلــق وإذن فل منكــر‬
‫لوجود الله بمعنى ان منكر وجود الله ل وجود‬
‫له ولذلك لــم يــرد أي برهــان أو دليــل قرآنــي‬
‫لثبــات وجــود اللــه لن وجــوده هــو الثبــات‬
‫الول والبرهان الوحد على كل مــا يمكــن ان‬
‫يــبرهن عليــه فهــو الحــق المطلــق والحقيقــة‬
‫الولى‪.‬‬

‫وعلـــى ذلـــك فـــالكفر قضـــية أخلقيـــة ل‬


‫اعتقادية‪ ..‬ان الكفر هو ظهور النا النســاني‬
‫مقابل هذا الوجود المطلق ومن هنا نعلــم ان‬
‫كفر إبليس مسألة أخلقية فهو لــم ينكــر انــه‬
‫مخلوق ومربوب إنما اختار اختيــارا ً خاصــا ً بــه‬
‫مقابل المر اللهي‪.‬‬

‫أ‬
‫‪436‬‬

‫إذن كل كافر مشــرك ‪ -‬لن معنــى الشــرك‬


‫هو اتخاذ الهين في السلوك وليس بالضرورة‬
‫ان يكون معتقدا ً بوجود الهين أو اكثر!‬

‫فهذا العتقاد أكذوبة مرفوضــة مــن داخــل‬


‫جــة‬
‫ه مجــّرد احتيــال وح ّ‬
‫العقــل والنفــس ‪ -‬انــ ّ‬
‫يقوم بها المــرء لتحقيــق النــا الــداخلي لــديه‬
‫مقابل اللــه فل يحتــاج أحــد إلــى مناقشــته أو‬
‫أبطال أدلته لنها في الواقع أشياء مفتعلــة ‪-‬‬
‫ان إبليس لم يدع ان هناك اله آخــر غيــر اللــه‬
‫لكنه في سلوكه هذا قد عبد بالفعل الها ً آخــر‬
‫لقد عبد هواه واتخذ من ذاته اله ا ً آخــر ســواء‬
‫قــال بوجــود الــه آخــر أو لــم يقــل ‪ -‬رمــز الــه‬
‫بحجــر أو نحــت أو لــم يرمــز فــانه عمليــا ً قــد‬
‫أشرك‪.‬‬

‫آشرك من حيــث انــه أطــاع اللــه فــي جــزء‬


‫واطاع غيره )النا( في جزء آخر‪.‬‬

‫أ‬
‫‪437‬‬

‫المشــكلة هنــا ان العلقــة مــع اللــه علقــة‬


‫خطرة إلى أبعــد حــد متصــور ‪ -‬فهنــاك غشــاء‬
‫رقيق جدا ً بين الكفر واليمان‪.‬‬

‫ان العلقــة مــع اللــه ل تقبــل ايــة حلــول‬


‫وسطى ول فوق الوسطى‪.‬‬

‫ان أي جزء ضئيل مــن )النــا( مقابــل اللــه‬


‫سيظهر بأية صوره من خلل السلوك ويمتلك‬
‫الله الحجة الكاملة على ان يدخل المرء عذابا ً‬
‫أبــديا لمجــرد حصــول حركــة واحــدة منــه غيــر‬
‫منظوره لحــد حــتى لــو أفنــى عمــره ســجودا ً‬
‫وركوعا ً وأنفاقا في سبيل الله!‬

‫د‬
‫ليس لن الله تعالى قــاس إلــى هــذا الح ـ ّ‬
‫بل لن المر ل يكون ال على هذا النحــو فــي‬
‫تصــميم الوجــود ‪ -‬ان اللــه نفســه ل يقــدر ان‬
‫يغفر للنا الذي يعانده في أمر واحد ولو كــان‬
‫مطيع ا ً له في مليين الشياء الخرى لن النا‬
‫و‬
‫إذا ظهر فقد ظهر اله آخر صغير ُيريــد النمــ ّ‬
‫والســــتكبار ‪ -‬فــــالوجود المطلــــق يفنيــــه‬
‫أ‬
‫‪438‬‬

‫بالتعذيب المستمر وليــس ثمــة مــن ح ـ ّ‬


‫ل آخــر‬
‫للمسألة‪.‬‬

‫جـــم‬
‫لن الوجـــود المطلـــق ل يقـــدر ان يح ّ‬
‫نفسه ويترك شيئا ً من الفراغ لوجــود آخــر ان‬
‫مثل هذا المر غير مقدور حــتى للــه ســبحانه‬
‫لن الشـــياء غيـــر المنطقيـــة )فـــي منطـــق‬
‫الوجــود المطلــق ل فــي منطــق الفلســفة(‪-‬‬
‫هذه الشياء ل يفعلها الله لنها تتعــارض مــع‬
‫اللوهية أنهــا تشــبه الســؤال‪:‬هــل يقــدر اللــه‬
‫على ان يخلق الها ً آخر؟‬

‫ليس للنسان من نجاة ال إذا استخرج مــن‬


‫نفسه آخر ذّره من )النا( ونبذها‪.‬‬

‫سر لنا الحديث النبوي الشريف‪:‬‬


‫ان هذا يف ّ‬
‫]اا ااا ااا اااااا ااا ااااا اااا‬
‫اا ااااا اااااا‬
‫اا ‪‬‬
‫ااا اا ااا اا اااا ااااا ااا اا اا ا‬

‫أ‬
‫‪439‬‬

‫ومن هنا تذهب العبادة هباءً إذا ظهر الكبر‬


‫ولو بمثقال ذ ّرة فلنلحظ تعليق المــام علــي‬
‫عليه السلم على محنة الملئكة بآدم‪.‬‬

‫ذلك لن منشأ المحنة هو في اظهار النا ‪-‬‬


‫ول يظهر النا ال عنــد صــدور أوامــر )غريبــة(‬
‫مــن نــوع مــا‪ ،‬ان العشــاق يختــبرون بعضــهم‬
‫البعــض بأعمــال تبــدو ل منطقيــة ولكــن هــذه‬
‫الختبارات تكشف أكاذيبهم أو صدقهم ولكــن‬
‫اللــه غــالب علــى أمــره لنــه يختــبر الخلــق‬
‫ويستخرج النــا الــذي فيهــم بأشــياء ظاهرهــا‬
‫غيــر معقــول ولكنهــا فــي الواقــع جــزء مــن‬
‫تصميم الوجود فلــو كــان آدم شخص ـا ً نوراني ـا ً‬
‫وعظيم ا ً اكبر من الشموس والفلك لــم تجــد‬
‫النا في داخل إبليس وسيلة للخروج‪!..‬‬

‫لقد أخرجها الطيــن الــذي احتقــره إبليــس‬


‫وهذا هو المقصود بيد ان هذه ليســت )حيلــة(‬
‫لكشف النا إنما هذا الطين هو بالفعل اعظم‬

‫أ‬
‫‪440‬‬

‫وانور من الشــموس والفلك ‪ -‬لحــظ تعليــق‬


‫المام علي عليه السلم على الموضوع‪:‬‬

‫"‪ ...‬ولــو أراد اللــه ان يخلــق آدم مــن نــور‬


‫حرق البصــار ضــياؤه ويبهــر العقــول رواؤه‪،‬‬
‫ي ُ‬
‫وطيب يأخذ النفاس عرفــه لفعــل ولــو فعــل‬
‫ت البلوى فيــه‬
‫لظلت له العناق خاضعة ولخف ّ‬
‫على الملئكة ولكن الله سبحانه يبتلــى خلقــه‬
‫ببعض ما يجهلون أصله تمييزا ً بالختبــار لهــم‬
‫ونفيا ً للستكبار عنهــم وأبعــادا للخيلء منهــم‬
‫فاعتبروا بمــا كــان مــن فعــل اللــه بــإبليس اذ‬
‫أحبط عمله الطويل وجهده الجهيد وكــان قــد‬
‫س ـّني‬
‫عبد الله ستة الف ســنة ل ي ُــدرى أمــن ِ‬
‫ة‬
‫ر ســاع ٍ‬
‫ي الخــرة عــن ك ِب َ ـ ِ‬
‫الــدنيا أم مــن ســن ّ‬
‫واحدة‪.‬‬

‫فمن ذا بعد إبليس يسلم علــى اللــه بمثــل‬


‫معصــيته؟ كل مــا كــان اللــه ســبحانه ليــدخل‬
‫الجنة بشرا ً بأمر اخرج به منها ملكًا‪ .‬ان حكمه‬
‫في أهل السماء وأهل الرض لواحد وما بيــن‬
‫أ‬
‫‪441‬‬

‫الله وبيــن أحــد مــن خلقــه هــواده فــي إباحــة‬


‫مـــه علـــى العـــالمين " ‪) -‬الخطبـــة‬
‫ى حر ّ‬
‫حمـــ ً‬
‫القاصعة ‪ -‬الفقرة الرابعة( الرقم ‪ - 192‬نهــج‬
‫البلغة‪.‬‬

‫ان العبارة الخيرة تؤكــد لنــا ثبــات الســنن‬


‫)الحكــم الواحــد( كمــا تؤكــد لنــا ان )الحمــى(‬
‫م واحد وانه قد ابتلى به الخلق جميعًا‪.‬‬
‫المحر ّ‬
‫جه مــن خلل‬
‫وتفســير وحــدة الحمــى يتــو ّ‬
‫النظر إلى التداخل بين الشجرة وكلماتها‪.‬‬

‫ان آدم مبتلى بالشجرة ولكنه أحد كلماتهــا‬


‫فالملئكـــة مبتلـــون بـــه وإذن فهـــم مبتلـــون‬
‫بالشــجرة أيض ـا ً ‪ -‬والفــرق هــو فــي الســلوب‬
‫يتــوجب علــى الخلــق الســجود لدم امــا آدم‬
‫وذريته فعليهم احــترام الشــجرة وســبب ذلــك‬
‫هو تفاضل الكلمات بعضها على بعض ‪ -‬فيتــم‬
‫ابتلء بعضهم ببعض وهي عبارته عليه السلم‬
‫السابقة في النص‪.‬‬

‫أ‬
‫‪442‬‬

‫حمد بقوله‪:‬‬
‫في هذه الخطبة كان افتتاح ال َ‬

‫] الحمد لله الذي لبس العز والكبرياء ‪.‬‬

‫ومـــن الواضـــح ان الكلم مرتبـــط بهـــذا‬


‫الفتتاح فكلمه يســير بنظــام محكــم وصــارم‬
‫من أوله إلى آخره وإذن فالذين زعمــوا انهــم‬
‫ل يقدرون على شرح كلمه لكثرة التكرار هم‬
‫مــر مــا‬
‫مثــل المفســرين إذ تــأتي اليــة وقــد ّ‬
‫يشبهها فيقولون‪ :‬قد تم شرح هذه القصة أو‬
‫القضــية فــي اليــة كــذا لعتقــادهم ان الكلم‬
‫مكرر وذلك لعدم تمييزهم بين تلك اللفاظ‪.‬‬

‫ثم ذكر بعد الستنتاج ان )العــز والكبريــاء(‬


‫لـــه وحـــده اصـــطفاهما لنفســـه دون خلقـــه‬
‫وجعلهما حمى وحرما على غيره وجعل اللعنة‬
‫على من نازعه فيهما من عباده‪.‬‬

‫لقد تحدث في هــذه الخطبــة الطويلــة عــن‬


‫هــذه القضــية أي ابتلء اللــه للخلــق لظهــار‬
‫حقيقتهـــم فـــذكر جملـــة مـــن أنـــواع البتلء‬

‫أ‬
‫‪443‬‬

‫المختلفـــة الصـــور والســـاليب وهـــي تـــدور‬


‫بمجموعها على محور واحد ‪ -‬اســتخراج الكــبر‬
‫من خلل الوامر المجهولة‪.‬‬

‫فالرسل والنبياء بشر يشبهون البشر في‬


‫كل شيء ومن هنا تخرج النا ظــاهرة للعيــان‬
‫فالمتكبر علــى اللــه ل يتحــدى اللــه ول يجهــر‬
‫بــذلك إنمــا يســتعيض عــن ذلــك كلــه بمحاربــة‬
‫النبياء والرسل والســتكبار عليهــم والدعــاء‬
‫بأنهم )بشر مثلنا(‪.‬‬

‫تظهر الخطبة وهي مخصصــة للحــديث عــن‬


‫)كلمــات الشــجرة( ‪ -‬أو )الــبيت وأهلــه( فــترد‬
‫قصة السجود لدم متعرضا ً لمورد سورة صــاد‬
‫الذي ذكرناه سابقًا‪ .‬وذكر المم الهالكه الــتي‬
‫تــابعت ابليــس فــي الســتكبار وذكــر قصــة‬
‫موسى وهرون عليه السلم وذكر فقرات عن‬
‫مجمــوع الرســل ثــم عــاد إلــى ذكــر آدم وذكــر‬
‫البتلء بالبيت كــونه وعلــى ح ـدّ تعــبيره عليــه‬
‫السلم أحجار ل تضر ول تنفع‪:‬‬
‫أ‬
‫‪444‬‬

‫"‪ ...‬اختــبر الوليــن مــن لــدن آدم صــلوات‬


‫الله عليه إلى الخرين من هذا العالم باحجــار‬
‫ل تضر ول تنفع ول تبصــر ول تســمع فجعلهــا‬
‫بيته الحرام الذي جعله للناس قياما ً ثم وضعه‬
‫باوعر بقاع الرض حجــرا ً واقــل نتــائق الــدنيا‬
‫قطــرا ً بيــن جبــال‬
‫مدرا ً واضيق بطون الودية ُ‬
‫خشــنة ورمــال دمثــة وعيــون وشــلة وقــرى‬
‫منقطعـــة ل يزكـــو بهـــا خـــف ول حـــافر ول‬
‫ظلف ‪ ...‬الخ "‪.‬‬
‫ِ‬
‫وغــايته مــن ذلــك إظهــار الــترابط فثمــة‬
‫مدعاة للستكبار لظهور النا محتقرا ً الموضع‬
‫كما احتقر إبليس الطين‪.‬‬

‫ويدل على ذلك انه عــاد لــذكر إبليــس فــي‬


‫افتراض وجود موضــع مختلــف للــبيت الحــرام‬
‫فقال‪:‬‬

‫" ولــو أراد ســبحانه ان يضــع بيتــه الحــرام‬


‫ومشاعره العظام بيــن جنــات وانهــار وســهل‬
‫م الشجار داني الثمــار ملتــف البنــى‬
‫وقرار ج ّ‬
‫أ‬
‫‪445‬‬

‫ة‬
‫ة ســـمراء وروضـــ ٍ‬
‫متصـــل القـــرى بيـــن ب ّـــر ٍ‬
‫خضــراء ‪ ...‬الــخ ولــو كــان الســاس المحمــول‬
‫عليهــا والحجــار المرفــوع بهــا بيــن زمــردة‬
‫ف‬
‫خضراء وياقوتــة حمــراء ونــور وضــياء لخف ـ ّ‬
‫ذلــك مصــارعة الشــك فــي الصــدور ولوضــع‬
‫مجاهــدة إبليــس عــن القلــوب ولنفــى معتلــج‬
‫الريــب مــن النــاس ولكــن اللــه يختــبر عبــاده‬
‫بــانواع الشــدائد ويتعبــدهم بــأنواع المجاهــد‬
‫ويبتليهم بضروب المكاره إخراجا ً للتكّبــر مــن‬
‫قلوبهم ‪." ...‬‬

‫ان النص يوضح لنــا مفــاهيم مختلفــة عمــا‬


‫دين‪.‬‬
‫تعارف عليه الناس من فهم لل ّ‬
‫فــان زرع الشــك وســيلة لخــراج التكّبــر ‪-‬‬
‫ولكن هذا الشك ليس في عــدم وضــوح المــر‬
‫اللهــي أو اختلف الحكــم بــل هــو فــي جعــل‬
‫المــر اللهــي محمــول ً فــي موجــودات عادي ّــة‬
‫جدًا‪ :‬بشر مثلنــا ‪ -‬الحجــار ل تضــر ول تنفــع ‪-‬‬
‫طين ‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫أ‬
‫‪446‬‬

‫لقد كان النبي صلى الله عليه وآله وســلم‬


‫يفعل ذلك‪ :‬ظهرت النوات المســتكبرة دفعــة‬
‫واحدة حينما قــام بتــأمير شــاب عمــره تســعة‬
‫عشــر ســنه قــائدا ً للجيــش الــذي ي ّ‬
‫ضــم كبــار‬
‫الصحابة‪.‬‬

‫واعلن هــذا الجيــش عصــيانه المســلح عنــد‬


‫الجرف وعدم إذعانه بالطاعــة للقــائد الشــاب‬
‫واستمر هناك ثمانية عشر يوما ً رافضا ً تنفيـــذ‬
‫أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بضرورة‬
‫التحرك بسرعة إلى الشام‪.‬‬

‫وبــالطبع فــان أعــذار المســتكبرين جــاهزة‬


‫دوما ً وليس في هذه المناسبة عذر افضل من‬
‫انتظار ما يكون من أمر النبي صلى الله عليه‬
‫وآله وسلم الذي يجود بنفسه في ساعات من‬
‫كفاح مرير لجسده الشــريف مــع الســم الــذي‬
‫سقاه له الخونة‪.‬‬

‫وخروجــه صــلى اللــه عليــه وآلــه وســلم‬


‫معصوب الرأس ثلث مرات ولعنــه مــن تخلــف‬
‫أ‬
‫‪447‬‬

‫عن المسير لم يزحزح الجمع شبرا ً واحدا ً أبعد‬


‫من الجرف‪.‬‬

‫إذ لو كانت )اللعنة( تجعل الملعون يــتراجع‬


‫عــن قــراره لكــان قــوله تعــالى فــي خطــاب‬
‫مباشر لبليس‪:‬‬

‫]اخرج منها فانك رجيم وان عليك لعنتي‬


‫إلى يوم الدين ‪‬‬
‫لــو كــان اللعــن ينفــع لخ ـّر إبليــس ســاجدا ً‬
‫صــر علــى عــدم الســجود إلــى‬
‫م ّ‬
‫لدم‪ ..‬لكنــه ُ‬
‫لحظة كتابة هذه السطور‪.‬‬

‫وبعــدما تــم الســتحواذ علــى الســلطة تــم‬


‫تسيير الجيش بإمارة اسامة بعد تصوير مشهد‬
‫تمــثيلي بيــن القطــاب يظهــر فيــه حــرص‬
‫الخليفة الجديد على تنفيــذ أمــر النــبي صــلى‬
‫اللــه عليــه وآلــه وســلم!! لنــه عــارض بشــدة‬
‫س ـّر ا ً ان يجهــروا امــامه‬
‫أولئك الــذين أمرهــم ِ‬
‫بمعارضة الحملة‪.‬‬

‫أ‬
‫‪448‬‬

‫لــم تبــق فــائدة مــن الحملــة! لقــد فقــدت‬


‫فائدتها والنــبي حــي فكيــف تنفــع بعــد مــوته‬
‫بأشهر؟‬

‫ذلك لنه أمــر ان )يســبق الجيــش الخبــار(‬


‫وهــذا هــو تعــبيره فثمــة )أخبــار( تصــل إلــى‬
‫الروم من المدينة عن جميــع التحركــات الــتي‬
‫يقوم بهــا النــبي وتلــك عبــاراته الــتي ذكرهــا‬
‫المؤرخون‪ .‬وبعد النبي وحينما ارسلوا الحملة‬
‫لم تكــن ثمــة أخبــار تــذهب وتــأتي! فالقيــادة‬
‫الجديــدة فــرع مــن قيــادة الــروم فــي واقــع‬
‫الحال‪.‬‬

‫عليــك ان تقــرأ )فتــوح الشــام( بالتفصــيل‬


‫والتدقيق لتعلم ان عملية تهجيــر اليهــود إلــى‬
‫فلســطين لــم يقــم بهــا )بلفــور( المســكين‬
‫بالوعــد المزعــوم ‪ 0‬لقــد حــدث هــذا التهجيــر‬
‫وبالخطة المتفق عليها بعد رحيل النبي صلى‬
‫الله عليه وآله وسلم مباشرة!‬

‫أ‬
‫‪449‬‬

‫ستدرك أيضا إذا قرأت التاريخ بدقة وتمعن‬


‫ان تحريــر بيــت المقــدس كــان واحــدة مــن‬
‫المسرحيات الجميلة ول أحسبك ل تفرق بيــن‬
‫التمثيــل والحقيقــة حينمــا تقــرأ ان الحصــار‬
‫ى طــول المــدة‬
‫الــذي اســتمر ســتة اشــهر واد ّ‬
‫إلى ضجر العسكر واوشكوا ان يدخلوا المدينة‬
‫بدون أمر قد انتهى في آخر المطاف بظهــور‬
‫عشرة قسس فقط بملبسهم الدينية خرجــوا‬
‫مــن الــبيت وتــم تحريــر مدينــة المقــدس بعــد‬
‫خروجهم منها!!‬

‫من البديهي القول ان الوضــع الجتمــاعي‬


‫للعــالم هــو نتيجــة لســلوك الخلــق فــالكفر‬
‫واليمان قضية سلوكية ل اعتقادية وبالتـــالي‬
‫فــان وضــع العــالم هــو نتيجــة لســلوكه‪ ،‬ان‬
‫ابليس لم يخطئ فــي الحســابات كمــا يتــوهم‬
‫البعض وكل اتباعه لم يخطئوا في الحســابات‬
‫إنمــا هــي النــا المتعاليــة الــتي تظهــر فــي‬
‫السلوك في مواجهة المر اللهي‪.‬‬

‫أ‬
‫‪450‬‬

‫قلنا ان هذا الفهم يحمل خطــورة العلقــة‬


‫مع الله ‪ -‬ان هذه العلقة خطرة فعل ً فالــذين‬
‫يبحثــون عــن النجــاة ل بــد ان يعيشــوا تــوترا ً‬

‫وقلق ا ً مستمرا ً وهــذا يف ّ‬


‫ســر لنــا ثنــاء القــرآن‬
‫على الذين )يخافون سوء الحساب(‪.‬‬

‫ســر لنــا أيضــا جملــة مــن النصــوص‬


‫انــه يف ّ‬
‫المــأثورة‪ .‬فليــس المتــدّين هــو ذلــك الــذي‬
‫يرتــدي زي رجــال الــدين ول هــو ذلــك الــذي‬
‫يحفظ فــي الــذاكرة نصــوص القــرآن والس ـّنة‬
‫حر بالحلل والحرام‪.‬‬
‫ول هو ذلك المتب ّ‬
‫ان لكثر هؤلء الباع الطويل )وفي المـلل‬
‫الثلثــة( فــي تحريــف النصــوص عــن وجهتهــا‬
‫وتفسيرها بغيــر مــا أريــد بهــا وتحويلهــا ألــي‬
‫وجهـــة أخـــرى بســـبب معرفتهـــم الواســـعة‬
‫بالنصوص‪.‬‬

‫ان المتــدين هــو الــذي يعيــش هــذا القلــق‬


‫والخوف من سوء الحساب ويخشى ان يخترق‬
‫الغشاء الرقيق بين الكفر واليمان ‪ -‬انه ذلــك‬
‫أ‬
‫‪451‬‬

‫الذي يجاهد النا الــداخلي ويقمعــه كلمــا أراد‬


‫التنامي والظهور والذي عّبر عنه النبي صــلى‬
‫الله عليه وآله وســلم بالجهــاد الكــبر ‪ -‬جهــاد‬
‫النفس‪.‬‬

‫من اجل ذلــك تبــدو المحــاورة بيــن المــام‬


‫الصادق ‪ -‬الكلمة السابعة مــن كلمــات شــجرة‬
‫المشكاة ‪ -‬مع أحد الشــخاص بشــأن الحســاب‬
‫محاورة غريبة على اكــثر النــاس ومــن بينهــم‬
‫اتباعه ولعّلها مع أحد اتباعه ‪ -‬تلــك المحــاورة‬
‫ن جعفــر قــال مــن والــى‬
‫الــتي كــان ســببها ا ّ‬
‫محمدا ً وخلفاءه الذين نص عليهــم بأســمائهم‬
‫فقد نجا ولو كــان مــذنب ا ً ومــن خــالفهم هــوى‬
‫ولو كان عابدا ً قائم ا ً الليل صائما ً النهار حاجا ً‬
‫معتمرا ً كل عام‪.‬‬

‫تساءل الرجل بــأي شــيء يحتــج اللــه علــى‬


‫مثل هذا المطيع فيدخله العذاب البدي؟‬

‫أ‬
‫‪452‬‬

‫ان السؤال نفسه يكشف عن ضعف شــديد‬


‫في فهم الدين السماوي بل وأبجديته الولى‬
‫قصة الخلق والسجود لدم‪.‬‬

‫لكــن جعفــر الصــادق أجــاب بطريــق آخــر ‪-‬‬


‫أجــاب عــن طريــق الحســاب نفســه فقــال‬
‫للسائل ان المر أهون على الله مما تظن‪.‬‬

‫فان لله تعالى ان يسأل هــذا المطيــع عــن‬


‫صلته إذ لم تكتب له صلة ثم يتــبين انهــا لــم‬
‫تكتــب لنــه غســل رجليــه فــي الوضــوء ولــم‬
‫يمسحها كما فعل جعفــر والحســن والحســين‬
‫ي ومحمد لنزعاجه من أسماء هــؤلء‪ .‬وإذ‬ ‫وعل ّ‬
‫لــم يقبــل وضــوءه لــم تقبــل صــلته وإذ لــم‬
‫تسجل له صلة لــم يســجل لــه أي شــيء مــن‬
‫طاعاته الكثيرة ‪ -‬فما بالك إذا سئل عــن غيــر‬
‫ذلك؟‬

‫هنا عــن معنــى المقطــع‬


‫ان هذه الجابة تنب ّ‬
‫القرآني بشأن حساب البعــض وإلقــاءهم قــي‬

‫أ‬
‫‪453‬‬

‫أتون جهنم المقطع الذي يقــول )وكــان ذلــك‬


‫على الله يسيرا(‪.‬‬

‫إذ يبــدو لنــا هــذا المقطــع غريب ـا ً جــدا ً فــي‬


‫الية التالية‪:‬‬

‫]يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة‬


‫مبنية يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك‬
‫على الله يسيرا ‪ 30/33‬‬

‫ل يشـــك أحـــد فـــي قـــدرة اللـــه وبخاصـــة‬


‫المخاطبات في الية فالمقطع يكون زائدا ً لو‬
‫ل هــذا الفهــم الخــاص عــن العــدل اللهــي إذ‬
‫الســؤال الن هــو كيــف يتحقــق العــدل مــع‬
‫مضاعفة العذاب لفراد دون أفراد آخرين مــع‬
‫ان المعصية واحدة؟‬
‫الجواب ان ذلك على الله يسير جــدا ً فبــدل ً‬
‫مــن غفــران الــذنوب الخــرى يتــم تثبيتهــا‬
‫والتدقيق في الحساب ان الله يجد دومــا ً مــن‬
‫الســلوك مــا كــان انعكاس ـا ً للنوايــا وحينمــا ل‬

‫أ‬
‫‪454‬‬

‫يرضى عن النوايا فلن يجد المرء لنفسه عمل ً‬


‫عند الله مع سوء الحساب‪.‬‬

‫ويبدو غريبا ً نفس المقطع في آية أخرى‪:‬‬

‫]ان الذين كفروا وظلموا لم يكن الله‬


‫ليغفر لهم ول ليهديهم طريقا ال طريق‬
‫جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله‬
‫يسيرا ‪ 169/4‬‬

‫ان المقطع المذكور يعطينا دللة ل شك فيها‬


‫بحسب هذا النظام الصارم في القــرآن علــى‬
‫المقصود بالذين كفروا وظلموا فــي اليــة اذ‬
‫المقصــود بهــم مجموعــة مــن داخــل الجماعــة‬
‫السلمية لن المقطع نفسه سيصبح زائدا ً ل‬
‫ورت ان الذين كفــروا هــم عبــدة‬
‫محاله إذا تص ّ‬
‫الصــنام الجاهليــة ‪ -‬وقــد رأيــت ان اللــه فــرز‬
‫الكافر مــن مجموعــة المل العلــى فــي قصــة‬
‫السجود لدم‪.‬‬

‫أ‬
‫‪455‬‬

‫فكذلك من اليســير عليــه ابتلء المجموعــة‬


‫واستخراج الكفار منها والظالمين‪.‬‬

‫إذن فالكفر واليمان ليسوا في معسكرين‬


‫منفصــلين‪ .‬ان الكفــر واليمــان هــو معســكر‬
‫خليط من كليهما دومًا‪.‬‬

‫فــي اليــة الولــى اســتبعد العتبــاط أيــة‬


‫احتمالت لنقد نساء النبي مــع ان هــذا النقــد‬
‫مذكور في القرآن في اكثر من موضع‪.‬‬

‫ان عبادة الشخاص تطغى على عبادة اللــه‬


‫بصورة دائمة ومــرة أخــرى نقــول ان المــر ل‬
‫يتعلــق بالشــخاص المعبــودين دون اللــه ول‬
‫بالشخاص المــتروكين مــن الوليــاء والرســل‬
‫خلفا ً لمر اللــه ‪ -‬المــر مــن الجهــتين يتعلــق‬
‫برغبــة النســان فــي النحــراف عــن المــر‬
‫اللهــي وتحقيــق النــا الــداخلي لــديه مقابــل‬
‫الله‪.‬‬

‫أ‬
‫‪456‬‬

‫ان ابتلء الله الناس بعضهم ببعــض يفســر‬


‫لنا المقطع الغريــب الخــر فــي بعــض اليــات‬
‫القرآنية وهو قوله تعالى‪:‬‬

‫]ما انزل الله بها من سلطان ‪‬‬

‫أو في قوله تعالى‪:‬‬

‫]ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به‬


‫سلطانا ً ‪ 71/22 (1‬‬
‫(‬

‫مــا إذا كــانت عبــادة‬


‫فيظهر هنا التساؤل ع ّ‬
‫غيره تعالى جائزة عندما ينزل بــذلك ســلطان‬
‫أم ل‪.‬‬

‫ان مثــل هــذا التســاؤل مخطــوء مــن أصــله‬


‫لنــه إذا انــزل اللــه ســلطانا ً بعبــادة شــيء‬
‫فالعبــادة للمنــزل ل غيــره‪ ،‬ول تختلــف عــن‬
‫المثــال المــار ســابقا ً إذ أمــر الملــك بــاحترام‬
‫الحاجب بطريقــة معينــة فالتنفيــذ هــو طاعــة‬

‫لحظ التناظر العددي للمقطع في السورتين اذ ك ٌ‬


‫ل منهما برقم واحد هُوَ )‪.(71‬‬ ‫‪(1‬‬ ‫)‬

‫أ‬
‫‪457‬‬

‫لمر الملك إذ ان الحاجب ل حول ول قوة لـــه‬


‫بغير الملك‪.‬‬

‫هنا يظهر عقــم الجــدل العتبــاطي لبعــض‬


‫الســلف عــن قصــة الســجود لدم اذ حــاولوا‬
‫التخلــص مــن هــذا الشــكال المفتعــل بطــرق‬
‫ون ان آدم كـــان بمثابـــة‬
‫ملتويـــة مـــرة يـــدع ّ‬
‫)القبلــة( للملئكــة والســجود كــان للــه وهــو‬
‫خلف النص القرآني الواضــح جــدًا‪) :‬اســجدوا‬
‫لدم( ‪ -‬في خمسة مواضع قرآنية‪.‬‬

‫ومــرة بــالزعم ان الســجود ليــس الســجود‬


‫المعلوم إنما هو تحية خاصــة واحــترام معيــن‪.‬‬
‫وفي هذه المحاولة تظهر فائدة الترادف ذلك‬
‫المســتند الكــبير للعتبــاط اللغــوي والفكــري‬
‫والدعامة الولى للتحريف الدللي للمفردات‪.‬‬

‫ل يحتاج المر إلى أية تخريجــات اعتباطيــة‬


‫كهذه ‪ -‬اذ تفقــد قصــة الســجود أهــم أركانهــا‬
‫والعـــبرة الوحيـــدة فيهـــا مـــن خلل هـــذه‬
‫المحاولت‪.‬‬
‫أ‬
‫‪458‬‬

‫ى ان‬
‫إذا امرني اللــه ان اســجد لحجــر فعل ـ ّ‬
‫اســجد‪ .‬وحينمــا ل اســجد اكفــر‪ .‬وبمجــّرد ان‬
‫احاول إدخال رأيــي الخــاص مقابــل راي اللــه‬
‫فاني اكفر‪.‬‬

‫ان اللــه يغلــب الجميــع ول يمكــن لحــد ان‬


‫يغلبه فهو قادر على استخراج ما في نفســي‬
‫من كبر واستعلء بأوامر مثل هذه ‪ -‬فهذا هــو‬
‫موضوع البتلء وحينما اجــردهّ مــن الســجود ‪-‬‬
‫فمن هنا يكون تخريج قصة السجود على هــذا‬
‫النحو هو التخريــج المتفــق نظري ـا ً مــع أفكــار‬
‫إبليس والمخالف لفكار الملئكة‪.‬‬

‫إذن فالمقاطع المماثلة في القــرآن الــتي‬


‫تتحــدث عــن غيــاب نــزول ســلطان مــن اللــه‬
‫بشأن القوى المعبــودة فــي اليــات الســابقة‬
‫وغيرهــا إنمــا يــراد بهــا إظهــار هــذه النقطــة‬
‫الجوهريــة والساســية فــي موضــوع العبــادة‬
‫بمعنى ان الله لو أمر بالسجود للصنام لكــان‬
‫السجود لها هو امتثال لمــر اللــه وعبــادة لــه‬
‫أ‬
‫‪459‬‬

‫ولكــن بمــا انــه لــم يــأمر فهــو يمثــل اختيــارا ً‬


‫إنسانيا فهو مرفوض عند اللــه حــتى لــو كــان‬
‫الصــنم هــو رمــز يشــير إلــى اللــه فــي ذهــن‬
‫الساجد وقد جمع جعفر الصادق فكرة العبادة‬
‫كلها والعلقة مع اللــه بجملــة واحــدة محكمــة‬
‫اللفاظ دقيقة المعنى هي قوله‪:‬‬

‫"ان الله يعبد من حيث ُيريد هو ل من حيث‬


‫يريد الناس"‪.‬‬

‫فهنا تكمن الخطورة وهنــا يكمــن البتلء ‪-‬‬


‫فحينمــــا يعجبنــــي المــــذهب الفلنــــي دون‬
‫المذهب الفلنــي وحينمــا ل ابحــث عــن مــراد‬
‫اللــه فــي عبــادة معينــة ولــو كــانت جزئيــة‬
‫واكتفى بالقول‪ :‬كلهم فقهــاء وكلهــم عــدول‬
‫واتبــاع أي منهــم مجــزئ فــي العبــادة‪ ،‬ولكــن‬
‫لنفسي هواها وارتباطاتها فاتبع بعضهم دون‬
‫بعض فاني اكفر مرتين مرة بمخادعة نفســي‬
‫بادعــاء شــيء فــي الظــاهر ومخــالفته فــي‬
‫الباطن ومرة بمخالفة الحكم اللهي الواقعي‬
‫أ‬
‫‪460‬‬

‫في الظاهر إذا تبين فيمــا بعــد ان مــراد اللــه‬


‫هو في ما تركت ل في ما آخذت ‪ -‬لني عبدته‬
‫مــن حيــث أردت أنــا ل مــن حيــث أراد هــو‪-‬‬
‫وحينمــا تظهــر )النــا( الــتي عنــدي مقابــل‬
‫المطلق فان مصيرها الفناء ل غير‪.‬‬

‫لكن الخلق له حــالت اغــرب فــي التعامــل‬


‫مع الخيار اللهــي ‪ .‬وهــذا أمــر طــبيعي فــان‬
‫اللــه قــد اســتعمل اعجــب الطــرق لتصــفية‬
‫الخلق‪ .‬للحصول على العزة يجب علــى المــرء‬
‫ان يكــون ذليل ً للــه وللحصــول علــى المعرفــة‬
‫يجــب عليــه القــرار بالجهــل وللحصــول علــى‬
‫الملـــك والســـلطان يجـــب عليـــه اول ً تجربـــة‬
‫الخضــوع والعبوديــة وللحصــول علــى الحيــاة‬
‫ب المــوت أو يتمنــاه‬
‫البدية يجب عليــه ان ُيح ـ ّ‬
‫وهكذا‪.‬‬

‫فكـــل أمـــر مرغـــوب ل يحصـــل عليـــه ال‬


‫بنقيضه‪.‬‬

‫أ‬
‫‪461‬‬

‫بينمـــا يحـــاول التجـــاه الخـــر ان يعطيـــه‬


‫ة‪ .‬تريــد‬
‫الشــيء نفســه ‪ -‬تريــد عــزةً خــذ عــز ً‬
‫سلطان ا ً خــذ شــيئا ً مــن الســلطان امــا البديــة‬
‫والحيــاة الدائمــة فيمكــن تجاوزهــا بتناســي‬
‫الموت وهكذا‪.‬‬

‫ومع ان هــذه الشــياء مزيفــة فــي التجــاه‬


‫الخــر وغيــر حقيقــة ال أنهــا مرغوبــة لكــثر‬
‫الناس لنها ل تستدعي للوصول اليها المرور‬
‫بالنقيض وان استدعت المرور بالنقيض فــانه‬
‫يقارفهــا شــيء مــن الهــدف مثــل مــا يفعــل‬
‫عه فهــو‬
‫الســلطان عنــد إغــواء النــاس لتبــا ّ‬
‫يذلهم ولكنه يعوضهم عن هذه الذلة بتســليط‬
‫بعضهم على بعض فيتم بذلك أشــعارهم بنــوع‬
‫من الســلطان والعــزة وليــس لــديهم بــالطبع‬
‫ذلـــك العقـــل المســـتنير الـــذي يـــرى انهـــم‬
‫يمارســون الســلطان فــي واقــع الحــال علــى‬
‫أنفسهم بدل ً عن الطاغوت‪.‬‬

‫أ‬
‫‪462‬‬

‫يقــوم الســلطان بتقســيم طغيــانه عليهــم‬


‫فيأخــذ كــل منهــم حصــته والواقــع ان النــاس‬
‫يفرحـــون دومـــا ً بالطـــاغوت وحكمـــه لنـــه‬
‫يشعرهم بهذا السلطان بينمــا الحكــم اللهــي‬
‫يســلبهم هــذه القــدرة لنــه يحملهــم علــى‬
‫التســاوي امــام اللــه بالعبوديــة‪ .‬لكــن هــذه‬
‫العبودّيــة تجعلهــم فــي الواقــع أحــرارا مــع‬
‫بعضهم البعض‪.‬‬

‫ان هــذه المفارقــة العجيبــة هــي نــوع مــن‬


‫البتلء ذي الطبيعة المتناقضة ظاهريـا ً لكنهــا‬
‫في الحقيقــة هــي الشــيء الوحيــد المنطقــي‬
‫في تصميم الوجود من اصله الول‪.‬‬

‫حــّر ًا؟ حســنا ً مــا معنــى ان‬


‫تريــد ان تكــون ُ‬
‫تكون حرًا؟ معناه ل أحــد يســتعبدك ول تكــون‬
‫خاضعا ً لحد‪ .‬حســن جــدا ً فــاخلع إذن ســلطتك‬
‫او ل ً عن رقاب الناس وكن عبدًا‪.‬‬

‫ويجيب مستغربا ً كيف أكون عبدا ً وانا أريــد‬


‫ان أكون حرًا؟ ان هذا شيء متناقض‪.‬‬
‫أ‬
‫‪463‬‬

‫كل فلن تكــون عبــدا ً لحــد قــط يمكنــك ان‬


‫تعرفــه‪ .‬ســتكون عبــدا ً لمــن يســتحيل عليــك‬
‫معرفته‪.‬‬

‫كيـــف تريـــد ان تكـــون حـــرا ً مـــن ســـلطة‬


‫الموجودات وانت تصارعها بسلطتك؟ تريد ان‬
‫تكون حرا ً فلتكــن الشــياء متحــررة منــك أول‬
‫وذلك بأن تكون عبدا ً ل لها لخالقها‪..‬‬

‫ان التجاه المضاد يخاطبه أيضًا‪:‬‬

‫تريــد ان تكــون حــرًا؟ حســنا ً مــا معنــى ان‬


‫تكون حرًا؟ معناه انك تستعبد الموجــودات ول‬
‫تجعلها تستعبدك‪.‬‬

‫فــي هــذه النقطــة يحــدث الفــرق ويتــم‬


‫النفصـــال ‪ ,‬فالمخـــدوع هـــو الـــذي يصـــدق‬
‫المقولة النفة لنه مهما منحه الطاغوت مــن‬
‫قدرات فلــن يســتطيع ان يمنــع عنــه تســاقط‬
‫الذباب على وجهه ولســع البعــوض عنــد نــومه‬
‫ول دفع الموت عنه في النهاية‪.‬‬

‫أ‬
‫‪464‬‬

‫ومــع ان هــذه الشــياء ل تحــدث أيض ـا ً فــي‬


‫التجاه الول ال ان هناك فرق ا ً كبيرا ً كالفرق‬
‫بين الوجود والعدم ‪ -‬تحتمه حقيقــة ان الفــار‬
‫من الموجودات إلى الله فاّر مــن العــدم إلــى‬
‫الوجود بينما الخــر هــو بعكســه تمام ـا ً ‪ -‬ذلــك‬
‫لن الله حقيقة مطلقة هي البرهان على كل‬
‫منطــق صــحيح وليســت قضــية تحتــاج إلــى‬
‫برهان‪.‬‬

‫يرغـــب النـــاس باتبـــاع الطـــاغوت ل لنـــه‬


‫يعطيهم ما يريــدون بالفعــل ‪ -‬بــل لنــه يمثــل‬
‫هاجس النا في نفوسهم ل غير‪.‬‬

‫انهم يفضّلون غالبا ً ان يختاروا ذلــك الــذي‬


‫يتميز بظهور النا على ذلك الذي يختاره الله‪.‬‬
‫فالذي يختاره اللــه للحكــم ل يســمح بتســليط‬
‫بعضــهم علــى بعــض‪ .‬انهــم يحــاربونه لهــذا‬
‫السبب وحده ‪ -‬وحينما يطالب النــاس بالعــدل‬
‫أحيان ا ً فــانهم يريــدون مخادعتــك للخلص مــن‬
‫شــرذمة تتســلط عليهــم بنحــو متعســف جــدا ً‬

‫أ‬
‫‪465‬‬

‫ى لتســلط بعضــهم علــى‬


‫بحيــث ل تبقــي معن ـ ً‬
‫بعــض مــع جــوع وحرمــان مــن مســتلزمات‬
‫ضروّرية‪.‬‬

‫والطــاغوت الــذكي هــو ذلــك الــذي يــوازن‬


‫هذين المرين فعليه إذا أراد إبقاءهم لهــثين‬
‫خلفه كــالكلب ان يمنحهــم شــيئا ً مــن الظلــم‬
‫والشك بعضهم على بعــض حينمــا ل يســتطيع‬
‫ان يمنحهم المزيد من العطايــا الفعليــة فــان‬
‫ذلك كفيل بصــورة ممتــازة للتعــويض عــن أي‬
‫حرمان آخر ‪ -‬لن ولع الناس بالســلطان اشــد‬
‫من ولعهم بالطعام والسكن والنكاح‪.‬‬

‫ان الذي يحرمهم مــن الســلطان والتســلط‬


‫يحاربونه ولو عدل بينهم كل عدل‪.‬‬

‫ان الناس اكثر الناس أعداء للعــدل لوجــود‬


‫النا في ذواتهم وإذا وجــدت مجموعــة انتشــر‬
‫بينهــا العــدل علــى مبــدأ ل إلهــي فل بــد مــن‬
‫وجــود تعــويض مــن جهــة أخــرى كالتســلط‬

‫أ‬
‫‪466‬‬

‫الجمــاعي علــى مجموعــات بشــرية مــن أمــم‬


‫أخرى‪.‬‬

‫ى إلــى‬
‫ان هذا يفســر لنــا الســبب الــذي اد ّ‬
‫تفتق جبهات عديدة للحرب على حكــم المــام‬
‫ي عليه السلم خلفا ً لمــن حكــم قبلــه مــن‬
‫عل ّ‬
‫الخلفاء‪.‬‬

‫ذلك لن الذين سبقوه قد منحوا القطــاب‬


‫المحركــة للمجموعــات مــا يصــبون اليــه مــن‬
‫التسلط والتمايز‪.‬‬

‫فقد كانت العطايــا تــوزع بطريقــة طبقيــة‬


‫ي عليــه‬
‫محضة اوقــف العمــل بهــا المــام عل ـ ّ‬
‫السلم فــور اســتخلفه ومنحهــم الحكــم حــق‬
‫اختيار الحكم وهو أمر آخر في طريق اللغـــاء‬
‫لقد صرفوا الحكم عنــه خلل عمليــة الختيــار‬
‫رغم إجمــاعهم علــى أفضــليته لهــذا الهــاجس‬
‫الجمعــي‪ .‬ومــا ذلــك لن اختيــار اللــه لــه كــان‬
‫بطريقــة غيــر واضــحة ول محــددة كمــا يزعــم‬
‫د سواء‪.‬‬
‫المدافعون عنه أو المناؤون على ح ٍ‬
‫أ‬
‫‪467‬‬

‫ان هــذا التصــور إنمــا يــدل علــى تحجــر‬


‫العقول وعدم فهمهــا للعلقــة بيــن المخلــوق‬
‫والخالق‪.‬‬

‫ان للعـــراض عنـــه رغـــم اتفـــاقهم علـــى‬


‫أفضليته إنما هو بسبب وضوح المر في كونه‬
‫اختيار الله‪.‬‬

‫لن هذا التحديد في كونه اختيــار اللــه قــد‬


‫ظهــر فــي كــل فقــرة وفــي كــل نــص مــن‬
‫النصوص الــتي ذكرهــا الخصــوم عــن فضــائله‬
‫التي صاغها النبي صلى الله عليه وآله وسلم‬
‫بعبارات محكمة ل تقبل ال تفسيرا ً واحدًا‪.‬‬

‫فالختيار اللهي يكبح النا وهو المر الذي‬


‫يصعب احتماله من قبل اكثر الخلق‪.‬‬

‫وفي قضية الحســين بــن علــي يظهــر هــذا‬


‫الهاجس بصورة اكبر‪.‬فان الناس الذين قتلــوا‬
‫الحسين ومثلوا به كانوا يعلمون ان له تقديرا ً‬

‫أ‬
‫‪468‬‬

‫خاص ـا ً ظهــر فــي اغــرب ســلوك فــي التاريــخ‬


‫البشري بين جبهتين متحاربتين‪.‬‬

‫لقد كان اجتماع الخلق على قتــل الحســين‬


‫في اغرب واقعــة تاريخيــة احتــوت تفاصــيلها‪.‬‬
‫على أعاجيب كثيرة لــم يكــن ال بســبب كــونه‬
‫الختيار اللهي الواضح بحيث ان الخلص مــن‬
‫هذا الخيار اللهي وذرف الدموع عليه قــد تــم‬
‫في آن واحد من نفوس ل تقدر على التخلص‬
‫من عبودية الذات‪.‬‬

‫لقد تم التأكيد على شخص اسمه )علي بن‬


‫الحســين( دون ســائر الفــراد وكــان الســبب‬
‫واضحا ً فقد حدد صــاحب الرســالة صــلى اللــه‬
‫عليــه وآلــه وســلم أســمه واحــدا ً مــن كلمــات‬
‫الشجرة التي تمثل الخيار اللهي‪.‬‬

‫وحينمــا قتــل علــي بــن الحســين )الكــبر(‬


‫ظهر علــي بــن الحســين الصــغر مــع الســبايا‬
‫امام الحــاكم ولقــد فــوجئ حينمــا ســمع بهــذا‬

‫أ‬
‫‪469‬‬

‫السم مع ان المعلومــات الســابقة قــد اكــدت‬


‫مقتله‪.‬‬

‫وحينما علــم بوجــود ولــدين للحســين بهــذا‬


‫السم فقد أصر على قتله‪.‬‬

‫حــدث ذلــك فــي وقــت كــان النــاس فــي‬


‫الشـــوارع العامـــة يبكـــون والنســـاء تضـــرب‬
‫وجوهها حول القصر‪.‬‬

‫ول يمكــن لي ذكــي فــي العــالم إصــدار‬


‫الحكم على قتل علي بن الحسين الخــر فــي‬
‫ضــرف كهــذا وتأجيــج مشــاعر العامــة مــا لــم‬
‫يدخل في حسبانه ان هذا السم هو )الختيار‬
‫اللهي( اللحق‪.‬‬

‫لن الترشيح النساني والختيار النســاني‬


‫ل يصــل مهمــا بلــغ إلــى أي جــزء ضــئيل مــن‬
‫الخطر الذي شعر به الطاغوت في حالة مثــل‬
‫هذه ‪ -‬فهذا هــو خطــر الشــعور بــأنه الختيــار‬
‫اللهي الذي ل يعلم أحد كيــف ومــتى يتحقــق‬

‫أ‬
‫‪470‬‬

‫ومثل هذا الخطر هــو الــذي شــعر بــه فرعــون‬


‫مصـــر فاصـــبح يذبـــح أبنـــاء بنـــي إســـرائيل‬
‫ويستحيي نساءهم‪.‬‬

‫وما بين الحسين وأبيه مّر الختيار اللهــي‬


‫للجماعات بالحسن سبط النبي بصورة مماثلة‬
‫لي اختيار الهي آخر‪.‬‬

‫لكن عدم جريان دمه قد حجب النــاس عــن‬


‫رؤية هــذا الختيــار بصــورة واضــحة‪ ،‬فالنــاس‬
‫يـــرون المحسوســـات ول يفهمـــون مغزاهـــا‬
‫فكيف بالمعقولت؟‬

‫ذلــــك ان النــــاس يريــــدون ان يختــــاروا‬


‫بأنفسهم وحينما يختارون فانهم لن يختـــاروا‬
‫ال صــنفا ً واحــدا ً فقــط هــو الطــاغوت الــذي‬
‫يمكـــن ان يكـــون جلدا ً لهـــم أو جلدا ً لبنـــاء‬
‫جلدتهم‪.‬‬
‫اختــاروا الحســن بعــد ابيــه حيــاءً وتســليما ً‬
‫بالمر الواقع‪ .‬فالرجــل مثــل ابيــه ســيدعوهم‬

‫أ‬
‫‪471‬‬

‫في القــر والح ـّر أيض ـا ً ‪ -‬وليــس القتــال امــرا ً‬


‫مزعج ا ً في كل حــال ‪ -‬إنمــا هــو مزعــج فقــط‬
‫حينما يكون تحــت قيــادة اختيــار الهــي فهــذه‬
‫القيــادة تقاتــل بطريقــة مختلفــة ل تســمح‬
‫بظهـــور النـــا حـــتى فـــي لحظـــات المـــوت‪.‬‬
‫النفوس الن يختمل في داخلها شــعور عــارم‬
‫للخلص من الختيار اللهي بعد ذهاب المــام‬
‫علي‪ .‬فليســت هنــاك فرصــة افضــل مــن تلــك‬
‫وإذا كانت اللسن تدعي تقديس )سيد شــباب‬
‫أهل الجنة( فان القلــوب ل تقــوى علــى ســل‬
‫السيوف دفاعا ً عــن هــذا الســيد فالنــاس هــم‬
‫نفس النــاس للســيدين ســواء بســواء ‪ -‬نفــس‬
‫الناس الذي سأل عنهم الحسين عليه الســلم‬
‫فيما بعد فقيل له )قلــوبهم معــك وســيوفهم‬
‫عليك(‪.‬‬

‫ان تــــرك الســــلطان اللهــــي لســــلطان‬


‫الشيطان وتسليمه له باليد من غير قتال لهو‬
‫اعظم على القائد اللهــي مــن القتــل دفاع ـا ً‬

‫أ‬
‫‪472‬‬

‫عن ذلك السلطان بيــد ان النــاس ل يفهمــون‬


‫محنة الحسن المبكية كمحنة الحسين حينما ل‬
‫يتذكرون ان هــذا الســيد الــذي كــان يلــج فــي‬
‫قلب المعركة في صــفين مــع أخيــه بحيــث ان‬
‫المــام علــي عليــه الســلم يســتعين بجنــوده‬
‫لعادته إلى مركزه‪ .‬ل يتذكرون ان هذا السيد‬
‫هو ابن علي الذي يقــول )واللــه للــف ضــربة‬
‫ة واحــدة علــى‬
‫بالسيف أهــون عنــدي مــن ميتـ ٍ‬
‫الفراش(‪.‬‬

‫ان الخلق يفعلون مــا هــو اغــرب مــن ذلــك‬


‫حينما نعتمد على اقوال المتحذلقين بقدر مــا‬
‫نعتمد على قول الله‪.‬‬

‫فقد قص القرآن علينــا قصصــا ً مــن محنــة‬


‫اختبار الله للخلق بالســلطان اللهــي اغمــض‬
‫الناس أعينهم عن رؤيتها‪.‬‬

‫فــي واحــدة منهــا قــام الخلــق بمحاربــة‬


‫اختيــارهم نفســه لن اللــه تــدخل فــي هــذا‬
‫الختيار!‬
‫أ‬
‫‪473‬‬

‫وبإمكانك ان تتصــور مــدى تحســس النــاس‬


‫من الخيار اللهــي‪ .‬ان الســبب الوحيــد لــذلك‬
‫هو العامل النفسي فالخيــار اللهــي ل يبقــي‬
‫اية قيمة للنا النساني‪.‬‬

‫فقــد طلــب المل مــن بنــي إســرائيل مــن‬


‫نــبّيهم ان يبعــث لهــم ملك ـا ً )قــائدا ً عســكريًا(‬
‫ليقاتلوا في سبيل الله!‬

‫وذك ّرهــم نــبيهم ان مجــرد وجــود احتمــال‬


‫بالعراض عن القتال يثير غضب الرب ‪ -‬فــان‬
‫الــرب إذا اختــار واجــاب الطلــب يغضــب إذا‬
‫رفضت عطاياه‪.‬‬

‫فاجمعوا انهم مطيعون للمــر قــائمون بــه‬


‫على احسن وجه‪.‬‬

‫ثم حكى لنا القرآن ما حدث بعد ذلك‪:‬‬

‫هم ان الله قد بعث لكم‬‫]وقال لهم نبي ّ‬


‫طالوت ملكا ً قالوا أن ّ‬
‫ى يكون له الملك علينا‬
‫ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من‬

‫أ‬
‫‪474‬‬

‫المال قال ان الله اصطفاه عليكم وزاده‬


‫بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه‬
‫من يشاء ‪ 247/2‬‬

‫مــن هــو طــالوت؟ انــه رجــل فــي اطــراف‬


‫المدينة يرعى الغنم‪.‬‬

‫هذا هو الختيار اللهــي الــذي تنكشــف بــه‬


‫وبســرعة مذهلــة نوايــا الخلــق وتظهــر بــه‬
‫اخلقهم‪.‬‬

‫انهم يطلبون من الله ان يختار لهم ملكا ً ‪-‬‬


‫ومع ذلك يريدون مــن اللــه ان يختــار لهــم مــا‬
‫يريدون اختياره سلفًا!‬

‫من هنا نعلم مدى اتصافه ســبحانه بــالحلم‬


‫ونعلم السبب الذي يجعل المام علي يســبحه‬
‫بالقول‪:‬‬

‫"سبحان من ل يعتدي على أهــل مملكتــه‪..‬‬


‫سبحان من ل يأخذ أهل الرض بألوان العذاب‬
‫‪ ...‬الخ"‪.‬‬

‫أ‬
‫‪475‬‬

‫فأنت الن بازاء رجــل زاده )اللــه ل غيــره(‬


‫بســطة فــي العلــم والجســم وهــي مــؤهلت‬
‫كاملة للقيــادة ومــع ذلــك يرفضــه النــاس ‪ -‬ل‬
‫لنقص فيه بل للنا الذي ينوءون تحت وطأته‪:‬‬

‫"نحن أحق بالملك منه"‪.‬‬

‫اما قولهم )لم يؤت سعة من المــال( فهــو‬


‫ضــدهم ل لهــم لن مــن كــان لــه مــال واســع‬
‫انشغل به عن هذا الرتباط مع اللــه وانشــغل‬
‫بــه عــن رعايــة شــؤونهم ‪ -‬فالنــا هــي الــتي‬
‫تتحدث هنا لن المال عبارة عن قدرات ذاتيــة‬
‫)ذات طبيعــة خاصــة( ومعنــى ذلــك انهــم ل‬
‫يسألون في الواقع عــن امــواله بــل يســألون‬
‫عن )أنانيته( وعن درجة استبداده وذلك لنهم‬
‫يفكــرون بطريــق معكــوس يبحثــون فيــه عــن‬
‫جلديهــم ان اللــه ل يغلبــه أحــد فهــو يحيــل‬
‫اختيارهم وطلبهم إلى اختبار يكشف بــه عــن‬
‫صحة هذا المطلب‪.‬‬

‫أ‬
‫‪476‬‬

‫ان فــي هــذه القصــة الــتي لهــا تفاصــيل‬


‫لحقة بهــا لــم تســرد فــي القــرآن عبث ـا ً إنمــا‬
‫سردت للتأكيد علــى ان الملــك اختيــار الهــي‪.‬‬
‫ومعلوم ان هــذا الملــك هــو الملــك الحقيقــي‬
‫الذي ل يبلى لنه من تمليك مالك الملك فكل‬
‫من ملكه مالك الملك وهــو جــزء مــن )شــجرة‬
‫الخلــد وملــك ل يبلــى( والعــراض عــن هــذا‬
‫الخيار واختيار سواه هو اعراض عن الختيـــار‬
‫اللهي وظهور للنا الــوثني المقابــل للواحــد‬
‫الحد المطلق‪.‬‬

‫ان الذين تجــاوزا علــى الملــك اللهــي هــم‬


‫قادة الكفر من الطاغوت وهــم فــي الحقيقــة‬
‫أســوء الخليقــة خلقــا ً وســلوكا ً فل عجــب إذا‬
‫رأيت النصــوص تؤكــد علــى انفرادهــم بعــذاب‬
‫خاص يستغيث منه أهل النار‪.‬‬

‫تحديد النتماء إلى الكفر أو اليمان‬ ‫‪39‬‬


‫تسلك المجموعات الدينية سلوكا ً متناقضــا ً‬
‫في تحديد هــذا النتمــاء وفــي كــل حالــة مــن‬
‫أ‬
‫‪477‬‬

‫الحــالت تتعــارض مــع القــرآن رغــم ادعاءهــا‬


‫تقديس هذا الكتاب الذي ل يأتيه الباطــل مــن‬
‫بين يديه ول من خلفه‪.‬‬

‫فنحــن نــرى مثل ً مجموعــة واحــدة تــدعي‬


‫دعوتين مختلفــتين ومتناقضــتين مــع القــرآن‬
‫تتبنى طرح كل منهمــا علــى حــده بحســب مــا‬
‫تريد إثباته فمثل ً ان مجموعة الجزيــرة تــدعي‬
‫ان الرتبــاط النســبي )مــن النســب( بــالنبي‬
‫صــلى اللــه عليــه وآلــه وســلم ل علقــة لــه‬
‫ئ عملــه ونوايــاه‬
‫باليمان أو الكفر فلكل امــر ٍ‬
‫الخاصة‪.‬‬

‫تقــول ذلــك حينمــا تريــد البرهنــة علــى ان‬


‫الحكــم ل علقــة لــه بالنســب وبالتــالي يصــح‬
‫اختيار الحاكم مــن قبــل المــة فــالحكم ليــس‬
‫وراثيًا‪ .‬ولكنهــا تقــول عكــس ذلــك للــرد علــى‬
‫الدعوى القائلة بانحراف بعض أصــحاب النــبي‬
‫أو بعض أزواجه صلى اللــه عليــه وآلــه وســلم‬
‫عن السلم الذي جاء به‪.‬‬
‫أ‬
‫‪478‬‬

‫ففــي هــذا الحــال تــرى ان أزواج النــبي‬


‫وأصــحابه هــم علــى حــال واحــد مــن وجــوب‬
‫التقــديس والحــترام وكــذلك تقــوم بــاحترام‬
‫جميع الذين توارثوا الخلفة والحكم متناســية‬
‫مقولتها المقابلــة بفســاد المبــدأ الــوراثي أو‬
‫عدم جدوى القربى‪.‬‬

‫وهنا تزعــم ان الزوجيــة علقــة تحتــم هــذا‬


‫التقديس بل الصحبة تحتم بل القرابة البعيدة‬
‫لن الحكــم المــوي أو العباســي أو الخلفــاء‬
‫الربعة هم جميع ا ً من قريش وقريش عشــيرة‬
‫النبي صلى الله عليــه وآلــه وســلم فهــي إذن‬
‫تثبت الشــيء وتنقضــه فــي آن واحــد وحســب‬
‫الطلـــب والمصـــلحة فهنـــا يظهـــر الختيـــار‬
‫النساني المقابل لختيار الله‪.‬‬

‫ذلك لننا نرى ان القرآن اخذ بــالمفهومين‬


‫وفندهما في آن واحد بحسب قواعده الخاصة‬
‫والتي تحــاول المجموعــات إخفاءهــا لتحقيــق‬
‫مآربها‪.‬‬
‫أ‬
‫‪479‬‬

‫فهــو يؤكــد علــى اســتقلل الفــرد بأعمــاله‬


‫ونواياه ويفند دعــوى أولئك الــذين يــدعون أو‬
‫يأملون وجــود ناصــر أو شــفيع لهــم يخلصــهم‬
‫من العذاب‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى نلحظه يؤكد علــى أهميــة‬


‫الذريــة واصــطفاءه لهــا واختيــاره المســبق‬
‫لولئك القادة ويفند مزاعم الذين يــدعون ان‬
‫هذا الملك بأيديهم وانهم يقدرون على فضل‬
‫الله ويحدد ان هذا الفضل هو بيد الله‪.‬‬

‫هنا نلحظ ان الدعاوى المتناقضة تجد لهــا‬


‫مؤيدا ً من القرآن دوما ً وســبب ذلــك ان الحــق‬
‫جلت قدرته جعل كلمه كما أراد يهــدي الــذين‬
‫اهتدوا واما الظالمين فيزيدهم ضل ل ً وعمى‪.‬‬

‫فالقرآن ل يهدي فقــط بــل يضــل أيض ـا ً إذ‬


‫نسب الله لنفسه فعل الضــلل والهــدى فــي‬
‫اكثر من موضع ولما كــان القــرآن هــو كلمــه‬
‫فانه قد اتصف بصفته فهــو هــاد ومظــل فــي‬
‫آن واحد ولكن ليس للفرد الواحد‪.‬‬
‫أ‬
‫‪480‬‬

‫فمن اهتدى به فقد اهتدى ولن يظل ومــن‬


‫ل ولن تجد لــه مــن بعــده ولي ـا ً‬
‫ظل به فقد ظ ّ‬
‫مرشدًا‪.‬‬

‫سر لنا النصوص النبوية الــتي تؤكــد‬


‫هذا يف ّ‬
‫وجود من )يقرأ القرآن والقرآن يلعنه(‪.‬‬

‫ان القرآن نظام محكم كما أثبتنا ذلك فــي‬


‫الكتب السابقة وهذا النظام مصمم لستخراج‬
‫النــا مــن داخــل النفــوس فاليــات ليســت‬
‫متعارضة أو معقدة أو عســرة علــى الفهــام؟‬
‫كيف وهو يؤكد انها آيات )بيانات( و )مبينات(‬
‫و )مفصــلت( بيــد انهــا هــدى لجماعــة وظلل‬
‫لجماعــة أخــرى بحســب مــا يرغــب المســتفيد‬
‫منها‪.‬‬

‫فالمفــاهيم الــتي تبــدو متعارضــة يمكــن‬


‫ملحظــة انهــا تتحــدث عــن مواضــيع مختلفــة‬
‫بأدنى تأمل وليست في موضوع واحــد ‪ -‬ذلــك‬
‫لمن أراد ان يفهم ان كلم الله واحد من عند‬

‫أ‬
‫‪481‬‬

‫واحد )ل يختلف ول يخالف بصاحبه عن الحق(‬


‫حسب التعبير النبوي‪.‬‬

‫ولكــن الطــاغوت اعتبــاطي دومــا ً ويســره‬


‫اســـتعمال النصـــوص المتعارضـــة للموضـــوع‬
‫الواحــد لنــه متقلــب الهــواء متغيــر الحــوال‬
‫فيقـــوم هـــو واتبـــاعه باســـتغلل الظـــواهر‬
‫اللفظية المتشــابهة للنــص للموضــوع الواحــد‬
‫لضلل الناس وتبرير فعاله المتناقضــة ومــن‬
‫هنا وصف النبي صلى الله عليــه وآلــه وســلم‬
‫من يفعــل ذلــك بــالكفر بل تحديــد أو اســتثناء‬
‫حينما قال "مــن ضــرب القــرآن بعضــه ببعــض‬
‫فقد كفر"‪.‬‬

‫وهــذه الصــفة فــي القــرآن عامــة ليســت‬


‫خاصــة بمفهــوم القربــى مثل ً أو غيــره فقــد‬
‫صيغت الكثير من المفــاهيم علــى هــذا النحــو‬
‫العجيب والذي هو بمثابة غربال ل يمر منه ال‬
‫ســليم الطويــة الراغــب فــي معرفــة الحــق‬
‫الراهب من عذاب الله‪.‬‬
‫أ‬
‫‪482‬‬

‫لذلك ارتبط هذا الفعل بالقلب دون ســواه‬


‫لنه مصدر )النا( الذي يريــد الــبروز مــع اللــه‬
‫شريكا ً في اللوهية‪:‬‬

‫]واما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما‬


‫تشابه منه ابتغاء الفتنه وابتغاء تأويله ‪‬‬

‫لقد اكد القرآن علــى الصــفة الثنائيــة فيــه‬


‫في مواضع أبرزها قوله‪:‬‬

‫]ولو جعلناه قرآنا ً أعجميا ً لقالوا لو ل‬


‫فصلت آياته اأعجمي وعربي قل هو للذين‬
‫آمنوا هدى وشفاء والذين ل يؤمنون في‬
‫آذانهم وقر وهو عليهم عمى ‪ 44/411‬‬

‫فهنا مقتل العتباط والطاغوت وهنا الفخ‬


‫المنصــوب لــه وتلــك عمليــة بالغــة الخطــورة‬
‫فــالمرء إذا قــال ان اليــة فــي كــذا موضــوع‬
‫وهي في غيره فقد وقع في الفخ المنصــوب‬
‫لصطياد النا‪.‬‬

‫أ‬
‫‪483‬‬

‫ذلك لن النا يبرز في هــذا المكــان بــروزا ً‬


‫واضحا ً فهو يســتعمل كلم اللــه ســلم ا ً لبلــوغ‬
‫عرش اللوهية فماذا تظن الله فاعل ً به؟‬

‫من هنا قال النــبي صــلى اللــه عليــه وآلــه‬


‫وسلم‪:‬‬

‫سر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من‬


‫"من ف ّ‬
‫النار"‬

‫لكن المة اختلفت في هــذه العبــارة الــتي‬


‫يفـــترض انهـــا حمايـــة مـــن )الختلف فـــي‬
‫القرآن( ‪ -‬اختلفت فيها باقوال بلغت عشرين‬
‫صورة في القل‪..‬‬
‫وهــو عمــ ّ‬
‫ل يــدل دللــة واضــحة علــى ان‬
‫)النا( يحاول المرور إلى القرآن بأية وســيلة‬
‫والختلف في معنى العبارة النبوية هــو فــي‬
‫النهاية )أمر لبد منه( لتحقيق هذه الغاية‪...‬‬

‫مــن اجــل ذلــك وضــعنا القواعــد الصــارمة‬


‫والناسفة لجميع مبــادئ التفســير العتبــاطي‬

‫أ‬
‫‪484‬‬

‫في مشروع النظام القرآني واكدنا على هــذا‬


‫النظــام الــذاتي للقــرآن والــذي ل علقــة لــه‬
‫بآراء ومفاهيم )النا(‪.‬‬

‫يتـــوجب علـــى جميـــع المثقفيـــن الـــذين‬


‫يجمعهم التواضع لخــالق الخلــق احتضــان هــذا‬
‫المشروع وتنميته فتلك مسؤليتهم فل يقولن‬
‫امرؤ انه ل علقة له بذلك وان هذا المــر مــن‬
‫اختصــاص علمــاء الــدين فــاذا ظهــر ان هــذه‬
‫المقولــة جــزء مــن الفهــم العتبــاطي يــوم‬
‫الحساب أو عند مجيء الملكين اليه في القبر‬
‫ذ ســـيكون عظيمـــا ً لكـــن‬‫فـــان النـــدم يـــومئ ٍ‬
‫المؤسف انه لن يكون نافعًا‪.‬‬

‫ومــن جملــة هــذا التنــاقض ان تكفيــر مــن‬


‫يشهد بالوحدانية هو كفر بحسب ما جاءت بــه‬
‫وية‪ .‬ولكن العتبــاط يأخــذ بهــذه‬
‫النصوص النب ّ‬
‫المقولــة فــي حالــة واحــدة هــي تكفيــر مــن‬
‫دســهم بينمــا يقــوم بتكفيــر الفئات الــتي‬
‫يق ّ‬
‫تشهد بالوحدانيــة حينمــا تكــون علقتــه ســيئة‬
‫أ‬
‫‪485‬‬

‫معها‪ .‬ومن جملته أيضا ً انها تكفّر أهل الكتاب‬


‫جميعـــا ً فـــي ألفـــاظ وعبـــارات عا ّ‬
‫مـــة خلل‬
‫الشــروح أو الخطــب ولكنهــا تــبرر التعامــل‬
‫معهم ضدّ أهل المّلة عند حصول الختلفات‪.‬‬

‫ان هــذا التقل ّــب فــي المواقــف ســمة فــي‬


‫العتبــاط وهنــاك انزيــاح مســتمر نحــو هــذه‬
‫السمة وهو ل يشمل مذهبا ً محــددا ً فهــو عــام‬
‫في المذاهب جميع ـا ً ولــذلك قلنــا ان مرجعنــا‬
‫الساس هــو التحديــد القرآنــي لهــذا النتمــاء‬
‫الذي يجعــل اليمــان حــالت فردّيــة ســميناها‬
‫)المجموعة الفردّية( والمنتشرة بأعداد قليلــة‬
‫نسبيا ً داخل المجموعات كلها‪.‬‬

‫ان هذا يفسر لنا النص النبوي الذي يقول‪:‬‬

‫"يــأتي زمــان علــى امــتي يصــبح فيــه الرجــل‬


‫مؤمنا ويمسي كافرا ً أو يمسي مؤمنا ً و ُيصــبح‬
‫كافرًا"‬

‫أ‬
‫‪486‬‬

‫فهذا النص يوضح حالة التقلــب العشــوائي‬


‫المـــدفوع بمواقـــف )النـــا( والـــذي يحـــاول‬
‫استبعاد الموقــف المحــدد مــن القضــايا وفــق‬
‫قواعد الدين‪.‬‬

‫معلـــوم ان كتاباتنـــا فـــي هـــذه الفصـــول‬


‫موجهة إلــى المجموعــة الفرديــة دون ســواها‬
‫لنها هي سبب بقــاء العــالم والحلــم الربــاني‬
‫علــــى أهــــل الرض ‪ .‬فعلــــى أفــــراد هــــذه‬
‫المجموعــة المتفرقــة فــي الملــل ان تفــرز‬
‫نفسها بتمييــز ذاتهــا عــن بقيــة الفئات لنهــا‬
‫الفرقــة الوحيــدة الناجيــة ‪ -‬وذلــك لن جــوهر‬
‫التوحيد ليس هو في قول )ل اله ال الله( بما‬
‫هــو قــول بــل بمــا هــو تســليم بهــذا القــول‬
‫ومعلــوم ان التســليم ل يتــم مطلقــا ً ال عنــد‬
‫اضــمحلل )النــا( وغيــابه مقابــل مــراد اللــه‬
‫الواحد‪.‬‬

‫تكمــن الخطــورة فــي النســبة والتناســب‬


‫فالقاعدة هنا هي بخلف القواعــد الموجــودة‬
‫أ‬
‫‪487‬‬

‫في الشياء الخرى حول النســبة والتناســب‪،‬‬


‫بمعنى ان ظهور النا بأي قدر ولو كان ضئيل ً‬
‫هو كفر بالمقولة التوحيدية‪.‬‬

‫بالنســبة للمطلــق يشــكل أي ظهــور للنــا‬


‫عدوانا ً يستلزم معاداة كافة الموجودات‪ ،‬ولــو‬
‫ل التدخل اللهي المباشر فــان الخلــق يفنــى‬
‫كله لوجود النــا ول يبقــى منــه ال الشــخوص‬
‫الفــانين اصــل ً فــي مبــدأ التوحيــد ‪ ..‬ان هــذا‬
‫يذكرنا بعبارتين واحدة لقائد بالختيار اللهي‬
‫وأخرى لطاغوت‪.‬‬

‫اما الولى فقوله عليه السلم‪:‬‬

‫)لول المام لساخت الرض بأهلها فبــه يــرزق‬


‫اللــــــــــــــــــــــــــه الخلــــــــــــــــــــــــــق‬
‫وبه ينزل القطر وبه يمهل الخلق(‬

‫ومعنـــى ذلـــك أن الكـــائن المتفـــاني فـــي‬


‫التوحيد حجة لله على الخلق ولكنه فــي عيــن‬

‫أ‬
‫‪488‬‬

‫الــوقت حجــة للخلــق علــى اللــه لبقــاءهم‬


‫وإمهالهم مدة أخرى من الزمن‪.‬‬

‫أمـــا الثانيـــة فقـــول القـــائد العســـكري‬


‫الطاغوتي‪:‬‬

‫"إذا احتملت ان يهجم عليــك العــدو بنســبة‬


‫واحــد بــالمئة فعليــك ان تحضــر دفاعاتــك مئة‬
‫بالمئة"‬

‫ذلك لن الحتمال الول إذا وقع فالعدو ل‬


‫يهجم بقــوات بنســبة واحــد بــالمئة! بــل بكــل‬
‫قـــوته فعليـــك إذن لمجابهـــة أي احتمـــال ان‬
‫تحضر دفاعك بكل قوته‪.‬‬

‫لما كان ظهور النا هو ظهور عدو للوجــود‬


‫وللمطلق فان جميع القوى تقــف ضــده فمــن‬
‫هنا الغرابة في بقاء الخلق والــذي ل يفســره‬
‫ســوى حلــم اللــه عليهــم لوجــود أفــراد هــذه‬
‫الشجرة وأفراد آخرين يمكن ان يكونوا اتباعا ً‬
‫حقيقيين لهم‪.‬‬

‫أ‬
‫‪489‬‬

‫ان المجموعات النسانية تميل ميل ً شديدا ً‬


‫إلى النتماءات المختلفة وتدخل هنا العوامــل‬
‫النفســية بشــكل حاســم‪ ،‬فالنســان يشــعر‬
‫بضعفه دوم ـا ً وهــو يحــاول التخلــص مــن هــذا‬
‫الشــعور عــن طريــق النتمــاء إلــى مجموعــة‬
‫ولكن غالبا ً مــا يعــدد انتمــاءاته لجهلــه بــالفئة‬
‫التي تؤمن له الشعور بالقوة فتظهــر )النــا(‬
‫من خلل المجموعات بصورتها التعددية‪ .‬مثل ً‬
‫ان المــرء يتعصــب لكــونه )أوربــي( ول يكفيــه‬
‫هذا فيتعصب ضد الوربي بكــونه )يســاري( أو‬
‫)علمــــاني( أو )مســــيحي( ول يكفيــــه هــــذا‬
‫فينتمي إلى مجموعة اصــغر )كــاثوليكي( مثل ً‬
‫ثم يستخدم جميع الخصائص الضــيقة للنتمــاء‬
‫على مستويات مختلفة فالنا يظهر ظهــورات‬
‫متعددة بحسب الحاجة وبحسب الطلب ‪ -‬طلب‬
‫المواجهــة مــع )الخــر( وكــذلك المــر فــي‬
‫المشـــرق وفـــي اغلـــب البقـــاع مـــن الرض‪،‬‬
‫وقليل ً ما يفكر ان هذه النتمــاءات ل تفاضــل‬

‫أ‬
‫‪490‬‬

‫بينهــا لن )النــا( منعــزل وحيــد وفريــد فهــو‬


‫غريــب فــي عــالم الشــياء والشــخوص وهــو‬
‫يرفــض الــتزحزح عــن أحــد النتمــاءات لنــه‬
‫يريدها جميع ـا ً وســبب ذلــك واضــح فــان النــا‬
‫بقدر ما يحاول الظهور فانه في الواقع يأخــذ‬
‫حصـــة متســـاوية مـــن الخفـــاء والضـــمحلل‬
‫والضعف ‪ -‬فالتشــدد فــي النتمــاء يجــره إلــى‬
‫انتمــاء اخــر وهكــذا بل نهايــة ول وصــول إلــى‬
‫حالة الستقرار‪ .‬ان سبب ذلــك اصــبح واضــحا ً‬
‫الن فان التحــرر الفعلــي ليــس مــن الشــياء‬
‫المجــــاورة )أو الفــــراد( ‪ -‬فهــــذا الفهــــم‬
‫المعكوس للحريــة يجعــل المعادلــة معكوســة‪:‬‬
‫مزيد من التحرر بهذا الطريــق ل يعنــي ســوى‬
‫المزيد من العبودية‪ .‬التحــرر الحقيقــي يكمــن‬
‫في التحرر من )النا( فهو إذن ينبثق من ذات‬
‫النسان‪.‬‬
‫ان الــتركيز علــى النــا ل يعنــي ال شــيئا ً‬
‫واحــد ًا‪ :‬الــتركيز علــى الممــاثلت للنــا ‪ -‬أي‬

‫أ‬
‫‪491‬‬

‫النوات الخرى فتظهر لقيــود الجديــدة علــى‬


‫النا والغير ملحظة ســابق ا ً وذلــك هــو مقتــل‬
‫الفلســفة قــديمها وحــديثها بل اســتثناء ‪ -‬لن‬
‫المثالية تجعل الــدور )للنــا( فتظهــر الشــياء‬
‫كقيود إضافية والمادية تجعــل الــدور للشــياء‬
‫مباشرة فتظهر القيود مع ضــعف واضــمحلل‬
‫للنا بصورة مستمرة حتى لتبدو النتيجــة فــي‬
‫الحالتين واحدة‪.‬‬

‫بينمــا الحقيقــة فــي المــر هــي نفســها‬


‫الحقيقــة ل تحتــاج إلــى مجهــود لكتشــافها ‪-‬‬
‫لن الحقيقة ثابتة ل متغيــرة دائميــة ل فانيــة‬
‫أزليــــة ل حــــادثه أحاديــــة ل متعــــددة وإذن‬
‫فالحقيقة هي أنا والشياء لسنا شيئ ا ً حقيقيا ً‬
‫ففــي هــذه اللحظــة تــبرز الحقيقــة وحــدها‪،‬‬
‫الحقيقة المطلقة ويختفي الجميع ولما كنــت‬
‫اقــر بهــذه الحقيقــة فــاني قــد اقــتربت منهــا‬
‫واصبحت ظل ً لها ‪ -‬أصبحت الن انعكاس ـا ً لهــا‬
‫لقــراري بفنــائي وعــدميتي فالنتيجــة الــتي‬

‫أ‬
‫‪492‬‬

‫احصل عليها والمنطقية جدا ً هي ان الحقيقة‬


‫تحاول ابقائي أطول مدة ممكنة ورفعي فوق‬
‫الموجودات بقدر هذا القرار‪ -‬ذلك لني بهذه‬
‫الوسيلة ‪ -‬وبها فقط ‪ -‬يمكنني ان أكون جــزءً‬
‫منها‪.‬‬

‫أقول بهــذه الوســيلة فقــط لنــه ل ســبيل‬


‫لدي لكون )حقيقة( بالفعل فل بــد ان أدخــل‬
‫اليهـــا بأيـــة طريقـــة وطريقـــي الوحيـــد هـــو‬
‫حقيقتي وحقيقتي اني لــم اكــن موجــودا ً ثــم‬
‫أعـــود فل أكـــون موجـــودا ً فمـــن الحمـــق ان‬
‫اتغافل عــن حقيقــتي وادعــي حقيقــة غيرهــا‬
‫مطلقة ‪ -‬لني اتصف بجميع صــفات الحقيقــة‬
‫المطلقة ولكن المؤسف انهــا صــفات تطــابق‬
‫حقيقتي أنا ‪ -‬أي عدميتي فان عدميتي ازليــة‬
‫ل حادثة احادية غيــر متعــددة ثابتــة ل متغيــرة‬
‫دائمــة ل فانيــة ‪ -‬فانــا حقيقــة عدميــة بينمــا‬
‫المطلــق حقيقــة وجوديــة وطريقــي الوحيــد‬
‫لكون حقيقة وجودية هو ان اتقيد بالحقيقــة‬

‫أ‬
‫‪493‬‬

‫الوجودية المطلقــة ول قيــد ول ارتبــاط لــدي‬


‫معها سوى ان أتصرف وافكر واتشكل بحسب‬
‫حقيقــــتي فهــــذا إقــــرار منــــي بالحقيقــــة‬
‫وبــــالفتراق والختلف عنهــــا ول احســــبها‬
‫تحتــاجني لي ســبب ولكــن بمــا ان المطلــق‬
‫يشــكل ويخلــق وجــودات فــان بقــائي وقــوتي‬
‫مرتبط بهذا التنــاقض اذ ل قيمــة للوجــود مــع‬
‫الوجود المطلــق ال للظهــور أي لظهــوره هــو‬
‫ل ظهــورا ً‬
‫في الوجود فاذا اســتطعت ان اشــك ّ‬
‫ل ظهــورا ً لــي‬
‫له بقيــت وإذا حــاولت ان اشــك ّ‬
‫فنيت ومــن المحــال ان أشــكل ظهــورا ً لــه ال‬
‫بفنائي‪ ،‬فهذا التناقض هو من صميم العلقــة‬
‫بين المطلق والفاني لنه ليست ثمة علقــات‬
‫متناقضة بنفــس الصــورة فــي داخــل الوجــود‬
‫نفسه إذا ل بد للمعادلة مــن ان تنقلــب علــى‬
‫الحدود الفاصلة بين المطلق والمحــدود وهــو‬
‫المـــر الـــذي تجـــاهلته الفلســـفة مدفوعـــة‬
‫بحماقات النا ‪ -‬فأخــذت منطقهــا وعــبرت بــه‬

‫أ‬
‫‪494‬‬

‫تلـــك الحـــدود ولمــا رجعـــت لــم تجـــد معهـــا‬


‫بضائعها! ول تخص هــذه الشــكالية الفلســفة‬
‫وحدها فعلم الكلم واصول الــدين والتصــوف‬
‫جميــع ذلــك إنمــا يصــدر عــن النــا ولهــذا فل‬
‫علقـــة لـــه مطلقـــا ً بالتشـــريع الموضـــوع‬
‫للخاضعين لللــه الواحــد والمقر ّيــن بحقيقتــه‬
‫الحدية‪.‬‬

‫ان هؤلء الذين يدافعون عــن التوحيــد ضــد‬


‫الشرك بوصايا أو تعــاليم منبثقــة عــن )النــا(‬
‫الذي يجعل من ذاته نائب ا ً عــن اللــه إنمــا هــم‬
‫في القاع السفل من الشرك ‪ -‬فليــس هنــاك‬
‫قدرة على التمييز من الظواهر الخارجية وقد‬
‫وردت في قصــص النبيــاء عليــه الســلم عــبر‬
‫من هذا النوع ‪ -‬فالمتعلق بأستار الكعبة يدعو‬
‫ربمــا يكــون أحــد الكفــار أو المشــركين بينمــا‬
‫يحتمل جــدا ً ان يكــون هنــاك صــعلوك متســكع‬
‫فــي الحانــات ممــن تشــمله رحمــة اللــه فــي‬
‫النهاية فهذا يذكرنا بتعليــق أحــد الئمــة عليــه‬

‫أ‬
‫‪495‬‬

‫السلم على حركة سائل فقير إذ أراد أحدهم‬


‫ان يعطيه شيئا ً فقال المام‪:‬‬

‫ه فانه جبار"‬ ‫"ل تع ْ‬


‫طـ ِ‬
‫أثارت هذه الجابة استغراب الرجل فقــال‪:‬‬
‫"سيدي انـه سائـل فقير‪ "!..‬فاكد مرة أخــرى‬
‫على المر قائل ً ‪:‬‬

‫"اقول لك انه جبار"‬

‫نعـــم انـــه جبـــار لـــم تتـــوفر الظـــروف‬


‫الموضــــوعية لظهــــور تجــــبره ‪ -‬فــــالمظهر‬
‫الخارجي والنظرة الولى ل تمكن المــرء مــن‬
‫التمييــز ولــذلك شــدد الرســل عليــه الســلم‬
‫والوليــاء علــى مســألة الحكــم علــى النــاس‬
‫د سواء‪.‬‬
‫بالكفر أو اليمان على ح ٍ‬
‫ان لدينا مفاهيم خاطئة عن هذا الموضــوع‬
‫جملة وتفصيل‪ .‬فمــن الشــائع مثل ً ان الرجــل‬
‫الذي كان ‪-‬علــى ســبيل المثــال‪ -‬يحــاول قتــل‬
‫النــبي صــلى اللــه عليــه وآلــه وســلم ودخــل‬

‫أ‬
‫‪496‬‬

‫المجموعة الســلمية فقــد صــح إســلمه وتــم‬


‫إيمــانه وقــد نــذكره بكــل خيــر ‪ -‬وفــق فهمنــا‬
‫للمور ‪ -‬اذ نتصور انه كان يشك فــي رســالته‬
‫عاه ولكــن المــر انكشــف لــه فــي‬
‫وصــحة مــد ّ‬
‫النهاية فآمن‪.‬‬

‫ان هــذا التصــور مخطــوء جــدًا‪ .‬ذلــك لن‬


‫الكفر واليمان ليــس مســألة حســابية عقليــة‬
‫المنشأ انه فــي الواقــع مســألة أخلقيــة كمــا‬
‫ذكرنا من قبل‪.‬‬

‫عي انــه‬
‫كيف اسمح لنفسي بقتل رجــل يــد ّ‬
‫مرســل مــن اللــه؟ ان هــذا المــر هــو شــيء‬
‫مهول في ظهور النا لن الفاعل يريــد قتــل‬
‫الله في واقع المر – وهو شيء أراد فرعــون‬
‫ان يفعله فيما مضى‪.‬‬

‫لنــي إن كنــت أشــك فــي صــدقه فــانه ل‬


‫ى للتيقن من كذبه!‬
‫سبيل لد ّ‬

‫أ‬
‫‪497‬‬

‫ومعلوم ان المــرء ل يمكــن ان يقــرر قتــل‬


‫ى انــه رســول اللــه حــتى عنــد الــتيقن‬‫المدع ّ‬
‫التام مــن كــذبه إل إذا اطمــأن إلــى أمــر آخــر‬
‫يقيني الصدور من الله‪.‬‬

‫أمــا أن يحمــل ســيفه ويبحــث عنــه ليقتلــه‬


‫فانه عمل يلخص لنا طبيعته الخلقية وليــس‬
‫العقلية ومن المحال ان يتحول هذا المخلــوق‬
‫إلى كائن متواضع لله بعد ان حاول ان يحارب‬
‫اللــه فالســلوك الــذي ســلكه إبليــس مــع آدم‬
‫اهون من هــذا الفعــل ‪ -‬لن إبليــس رفــض ان‬
‫يكون تابعا ً لدم بينما يريد هذا المخلوق قتــل‬
‫من أمر الله باتباعه فلم يكتف بعصيان المــر‬
‫فلن يؤمن فهو مثل إبليس أو اكثر انحراف ًا‪.‬‬

‫ان موقـــف الشـــاك يمثلـــه مـــن الصـــحابة‬


‫سلمان أو ابو ذر حيث حاول كل منهما التأكد‬
‫بطريقته الخاصة من صحة دعوة النــبي صــلى‬
‫الله عليه وآله وسلم ولم تكن تلك الختبارات‬
‫تحتــاج إلــى مــدة طويلــة فــاكتفى ســلمان‬
‫أ‬
‫‪498‬‬

‫الفارســي بثلثــة اختبــارات حققهــا فــي يــوم‬


‫واحد أو ثلثة أيام حسب ما ورد في المأثور‪.‬‬

‫وكل إنسان مشغوف بحب الله كان يتمنــى‬


‫ان تصدق اختباراته ويحقق آماله ببعث رسول‬
‫ومن الواضح ان من يحمــل ســيفه لقتــل هــذا‬
‫الرسول قبل التأكد هو كائن سيء الخلق بما‬
‫ل مزيــد عليــه فهــو عتــل زنيــم وافــاك اثيــم‬
‫ومعتــد قــديم ل يطهــره دخــوله فــي الــدين‬
‫ظاهريا ً من دنسه الخلقي‪.‬‬

‫ان الشــرك هــو الــذي تنطبــق عليــه تلــك‬


‫القاعدة ‪ -‬أي انكشاف الحقيقة وليس الكفــر‪.‬‬
‫ثمة فرق كبير بينهما في القرآن‪.‬‬

‫فالشرك نوعان أو مرتبتان ‪ -‬شــرك عقلــي‬


‫مثل عبادة صنم باعتباره رمز لله‪.‬‬

‫وهنا يقوم الرسل عليهم الســلم بتصــحيح‬


‫طريق العبــادة ولــذلك يمكــن ان يتحــول عابــد‬
‫الصنم إلى مــؤمن حقيقــي‪ .‬لمــاذا؟ لنــه فــي‬

‫أ‬
‫‪499‬‬

‫الواقع كان يريد ان يعبد الله ل ســواه ولكنــه‬


‫ظل طريق العبادة‪.‬‬

‫لذلك قال تعالى‪:‬‬

‫]وان أحد من المشركين استجارك فاجره‬


‫حتى يسمع كلم الله ثم ابلغه مأمنه ذلك‬
‫بأنهم قوم ل يعلمون ‪ 6/ 9‬‬

‫والعلم من متعلقات العقل ومــن فعاليــات‬


‫الدماغ‪.‬‬

‫وهناك شرك قلبي )ظهــور النــا مــع اللــه(‬


‫فهـــذا الشـــرك هـــو المســـمى فـــي القـــرآن‬
‫)بالكفر(‪.‬‬

‫فهــذا الكفــر ل علج لــه لنــه يصــدر عــن‬


‫القلب‪:‬‬

‫]ان الذين كفروا سواء عليهم أنذرتهم أم‬


‫لم تنذرهم ل يؤمنون‬
‫ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم ‪[ ..‬‬
‫‪7/2‬‬

‫أ‬
‫‪500‬‬

‫فلحــظ الختــم علــى القلــوب لن مصــدر‬


‫الشــرك فهــو مصــدر قلــبي فالكــائن يشــرك‬
‫)بإرادته( ل بسبب خطأ في حساباته‪.‬‬

‫لحظ اقتران الكفــر بــالقلب فــي المــوارد‬


‫الخرى ومنها‪:‬‬

‫]ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على‬


‫قلوبهم ‪ 3/63‬‬

‫]واشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم ‪‬‬


‫‪93/2‬‬

‫وقد اصدر القرآن قانونا ً عام ـا ً يتمثــل فــي‬


‫عدم هداية الكافرين‪:‬‬

‫]ان الله ل يهدي القوم الكافرين ‪ 67/5‬‬

‫]والله ل يهدي القوم الكافرين ‪ 264/2‬‬

‫]والله ل يهدي القوم الكافرين ‪ 37/9‬‬

‫أ‬
‫‪501‬‬

‫وقــد أعلــن أيضــا ً انــه ل يحبهــم )لن الحــب‬


‫مصدره القلــب( ‪ -‬ومــن ل يحبــه اللــه فــانه ل‬
‫يهديه مطلقًا‪.‬‬

‫]انه ل يحب الكافرين ‪ 45/30‬‬

‫]والله ل يحب كل كافر أثيم ‪ 276/2‬‬

‫ولكن القرآن قد يستعمل )الشرك( كلفــظ‬


‫ويريـــد بـــه شـــرك القلـــوب أي الكفـــر وقـــد‬
‫يستعمل الشرك ويريد به شرك العقل فيجــب‬
‫التفريــق الشــديد بينهمــا وهــذا أمــر ل يمكــن‬
‫توضيحه هنا فقد ياتي لــه شــرح مفصــل فــي‬
‫سلسلة النظام القرآنــي ‪ -‬مــدخل إلــى نظــام‬
‫المجموعات‪.‬‬

‫حــل لنــا الشــكال المحتمــل‬


‫هذا التــداخل ي ّ‬
‫حول الية السابقة‪:‬‬

‫]آمنوا ثم كفروا ‪‬‬

‫لن آيــة البقــرة قــالت انهــم ل يؤمنــون‬


‫فكيف نجمع بينهما؟‬

‫أ‬
‫‪502‬‬

‫نعم إنما نكتشف عظمــة العجــاز القرآنــي‬


‫في أمثال ذلك‪.‬‬

‫لن مفاعيـــل )آمنـــوا( و )يؤمنـــون( فـــي‬


‫اليتين متروكة غير مذكورة‪.‬‬

‫فالقضــية الــتي تصــطدم مــع )النــا( ‪ -‬ل‬


‫يؤمنون بها مطلقا ً ‪ -‬وهذا ما تريــد قــوله آيــة‬
‫البقرة وهي قضية مخصوصة‪.‬‬

‫واما آية المنافقون فانهم آمنوا بكل شيء‬


‫حتى إذا ظهرت نفــس القضــية الــتي تــذكرها‬
‫البقـــرة كفـــروا بهـــا‪ ،‬فتجيـــء آيـــة ســـورة‬
‫المنافقين للتأكيد علــى القاعــدة فــي ســورة‬
‫البقرة‪.‬‬

‫يجب النتباه الشديد إلى اننــا فــي المنهــج‬


‫اللفظــي للنظــام القرآنــي ننحــو منحــى آخــر‬
‫يختلف تماما ً عن طــرائق التفســير المعروفــة‬
‫فالمفاعيل المتروك ذكرها ظاهريا ً إنمــا هــي‬

‫أ‬
‫‪503‬‬

‫مــــن )المــــذكورات( فــــي النظــــام فيجــــب‬


‫استخراجها من النظام الكلي للقرآن‪.‬‬

‫ان اشــد الشــياء علــى )النــا( هــو نفســه‬


‫الذي دعا إبليــس للقــول )أنــا خيــر منــه( ‪ -‬أي‬
‫الفضلية وتحديد التابع والمتبوع‪.‬‬

‫ففــــي الحســــاب تــــأتي الفئات بحســــب‬


‫أأمتهم ‪:‬‬

‫]يوم ندعو كل أناس بإمامهم ‪‬‬

‫نلحظ في السلم كمجتمع ل كدين وجــود‬


‫ثلث تيارات أساسية حول هذه التبعية‪.‬‬

‫الول‪ :‬هـــو القـــائل ان تحديـــد المتبـــوع‬


‫)المـــام( مـــن شـــؤون الخلـــق فهـــم الـــذين‬
‫يختارون المام‪.‬‬

‫الثـــاني‪ :‬هـــو القـــائل ان تحديـــد المتبـــوع‬


‫)المــام( هــو مــن شــؤون الخــالق فهــو الــذي‬
‫يختار المام‪.‬‬

‫أ‬
‫‪504‬‬

‫الثالث‪ :‬هــو القــائل بــأن الحكــم للــه‪ .‬ولــم‬


‫يســتطع تحديــد كيفيــة انتقــال الحكــم إلــى‬
‫المخلوق وهم الخوارج وشعارهم‪:‬‬

‫)إن الحكم إل لله(‬

‫أجمعــت الفئتــان الولــى والثانيــة علــى‬


‫مــروق الخــوارج مــن الــدين وحســب النــص‬
‫النبوي‪:‬‬

‫)كما يمرق السهم من الرمّية(‬

‫لكن مــن الواضــح بعــد التمهيــد الســابق ان‬


‫التيــار القــائل بــأن تحديــد المتبــوع هــو مــن‬
‫شؤون الخلق اكثر مروقا ً من الدين من الفئة‬
‫الثالثـــة لن هـــذه الفئة أخطـــأت الحســـاب‬
‫العقلي فقط فلم يظهر النا مقابل اللــه بــل‬
‫ظهر الشرك العقلي الممكن التصحيح‪.‬‬

‫وحســـب مـــا رأينـــا فـــان القـــائل بتحديـــد‬


‫المتبوع من قبله هو إنمــا يســير علــى خطــى‬
‫إبليــس إذ هــو الــذي حــددّ الفضــلية واعطــى‬

‫أ‬
‫‪505‬‬

‫لنفسه الحق فــي تحديــد المتبــوع وهــو قــوله‬


‫)أنا خير منه( وإذن فــالفئة المــذكورة كــافرة‬
‫حسب النظام القرآني ومفاهيمه عن التوحيد‬
‫ول يمكن قياسها بالخوارج‪.‬‬

‫ي‬
‫ان هذا يفسر لنا سبب تحريم المام علــ ّ‬
‫عليه السلم على الناس ان يقــاتلوا الخــوارج‬
‫من بعده لنه يدرك جيــدا ً غيــاب الفئات الــتي‬
‫يمكنها تحديــد مــوقفهم مــن التوحيــد فــاغلب‬
‫الناس هم اكثر ضــل ل ً وأبعــد فــي الكفــر مــن‬
‫هذه الفئة التي تسمى الخوارج‪.‬‬

‫لم تذكر في القرآن عبارات من هذا النــوع‬


‫مــع المشــركين فلــم يقــل ان اللــه ل يحــب‬
‫المشركين مث ً‬
‫ل‪.‬‬

‫لمــاذا؟ لن هــذا اللفــظ يتضــمن الشــرك‬


‫العقلي وان الخالق تعالى يحــب أولئك الــذيم‬
‫ســلمت قلــوبهم ولــو كــانوا مخطئيــن فــي‬
‫طريقة العبادة‪.‬‬

‫أ‬
‫‪506‬‬

‫كمــا لــم يتضــمن عبــارة تــدل علــى انــه ل‬


‫يهــديهم كــالتي ذكــرت مــع الكفــار لنفــس‬
‫السبب‪ ،‬فالكفر شرك قلبي‪ ،‬انــه منبعــث مــن‬
‫الختيار نفسه لذلك لم يناقش القرآن الكفار‬
‫بل اكتفى بذكر ما وعدهم من العــذاب‪ ،‬بينمــا‬
‫ناقش المشــركين وجــادلهم وخلل ذلــك تجــد‬
‫اقترانا ً لفظيا ّ بين الشرك والعقل‪:‬‬

‫]أ ٍ‬
‫ف لكم ولما تعبدون من دون الله افل‬
‫تعقلون ‪ 67/21‬‬

‫]واذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله قالوا بل‬


‫نتبع ما ألفينا عليه إبائنا اولو كانوا إبائهم ل‬
‫يعقلون شيئا ول يهتدون ‪ 170/2‬‬

‫الية الولى مــن محاججــات إبراهيــم عليــه‬


‫الســلم‪ .‬ففــي البــدء قــالوا انهــم يعبــدون‬
‫أصناما‪:‬‬

‫]قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين ‪..‬‬


‫[‬ ‫قال هل يسمعونكم اذ تدعون ‪71/26 ...‬‬

‫أ‬
‫‪507‬‬

‫ومع اســتمرار العنــاد فــان احتمــال الخطــأ‬


‫ل ويظهر بدل ً عنه الختيار القلبي‬
‫العقلي يق ّ‬
‫‪ -‬اذ لو كانت قلوبهم ســليمة وغــايتهم عبــادة‬
‫الله لذعنوا للتصــحيح الــذي جــاء بــه إبراهيــم‬
‫عليه السلم‪.‬‬

‫إذن واقع الحال انهم ل يعبدون أصناما بل‬


‫أوثانــا وهــذا تفريــق هــام يتجــاهله التفســير‬
‫العتبــاطي الســائد ‪ -‬لن الــوثن رب فعلــي‬
‫للعأبد وليس رمزا ً لله الواحد ‪ -‬فاتخاذه يمثــل‬
‫رغبة النا في الظهور مقابل الله‪ .‬في نهايــة‬
‫المطاف حددّ إبراهيم عليه الســلم الموضــوع‬
‫بهذا التحديد أي انهم يعبدون ذواتــا ً ل رمــوزا ً‬
‫فالذوات أوثان والرموز أصنام وعليه فــالول‬
‫كفـــر والثـــاني شـــرك واذا بـــدأ بمجـــادلتهم‬
‫باعتبارهم مشــركين فقــد انتهــى إلــى نتيجــة‬
‫واضـــحة وهـــي انهـــم كـــافرين وذلـــك بعـــد‬
‫إجماعهم على تحريقة بالنار‪:‬‬

‫أ‬
‫‪508‬‬

‫]‪ ..‬قالوا اقتلوه أو حرقوه فانجاه الله من‬


‫النار ان في ذلك ليات لقوم يؤمنون‪ .‬وقال‬
‫إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكـم‬
‫في الحيـاة الدنيا ‪ 24/25/29‬‬

‫الوثــــان إذن ذوات وهــــي نفــــس النــــا‬


‫النساني فقــد تكــون نفــس ذات العابــد وقــد‬
‫تكون )أنا( اخــر لنــه يعــوض عــن عبــادة ذاتــه‬
‫بعبادة إنسان غيره فيظهــر النــا الــذاتي مــن‬
‫خلل الخــر وقــد حــدث لهــذه الفكــرة تنظيــر‬
‫متطور جدا ً علــى يــد الصــوفية ثــم حــدث لهــا‬
‫تطوّر اخر بالنا الــديكارتي وانفــرد النــا فــي‬
‫التنظيــر عنــد هوســرل ليشــكل الــذات الــتي‬
‫تســمى )النــا المتعــالي( ‪ -‬ولكنهــم انتقــدوه‬
‫علــى النفــراد بمعنــى انــه لــم يعــط للــذوات‬
‫المختلفة حصتها من اللوهية فحــاول مجــددا ً‬
‫إجراء )توصــيل( فونومولــوجي للنــوات لكنــه‬
‫كــان فضــيحة فكريــة اكــثر منــه ح ً‬
‫ل‪) .‬انظــر‬
‫الفينومينولوجيـــــــا عنـــــــد هورســـــــرل ‪-‬‬

‫أ‬
‫‪509‬‬

‫‪-241،242،153،177‬سماح رافع ‪ -‬دار الشؤن‬


‫الثقافية ‪ -‬بغداد(‬

‫ان الذوات الــتي تحــاول اقتســام اللوهيــة‬


‫ومهمــا كــانت الطريقــة والعــدد والســاليب‬
‫فأنهــا تصــل إلــى نتيجــة واحــدة هــي ملقــاة‬
‫عذاب الفنــاء وعنــدئذ تتقاســم الفنــاء ‪ -‬وهــو‬
‫فناء وجــودي طويــل المــد ‪ -‬فيحــدث الصــراع‬
‫دة وتنقلــب المــودة إلــى‬
‫بيــن النــوات المتعــد ّ‬
‫عداوة لحظ كيف اكمل إبراهيم عليه الســلم‬
‫الحديث‪:‬‬

‫]إنما اتخذتم اوثانا ً مودة بينكم في الحياة‬


‫الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكــم ببعــض‬
‫ويلعـن بعضكم بعضا ً ومأواكم النار ومـا لكم‬
‫مــن ناصريــن ‪ 25/29‬‬

‫ان التحليــل النــف غــائب فــي الجهــتين‬


‫فالمؤسسة الثقافية مخدوعة وهي تسير نحو‬
‫اســتعبادها وفناءهــا مــن حيــث تريــد التحــرر‬

‫أ‬
‫‪510‬‬

‫والمعرفة اما المؤسســة العتباطيــة الخــرى‬


‫فهي ل تفرق بين الوثن والصــنم ول يمكنهــا‬
‫ان تجيب على ســؤال مثــل انهــم ل ينطقــون‬
‫في آية ويلعن بعضــهم بعض ـا ً فــي آبــة أخــرى‬
‫مادام الوثن والصنم واحدًا‪.‬‬

‫الوثن إذن كائن حي وليس نحت حجــري أو‬


‫طينــي فــان المــورد الخــر لهــذا اللفــظ كــان‬
‫على لسان إبراهيم عليه السلم أيضًا‪.‬‬

‫]إنما تعبدون من دون الله اوثانا ً وتخلقون‬


‫إفكا ان الذيــــن تعبدون مــن دون الله ل‬
‫يملكــون لكــم رزقــا ً فابتغــوا عند الله‬
‫الــرزق واعبــدوه ‪ 17/29‬‬

‫تشــترك اليتــان فــي انهمــا ابتــدأتا بلفــظ‬


‫واحد هو )إنما(‪.‬‬

‫وهذا اللفظ يفيد النشاء والستئناف فهو‬


‫ابتداء جملة معارضة لقولهم لنه سألهم ماذا‬
‫تعبدون؟‬

‫أ‬
‫‪511‬‬

‫)قالوا نعبد أصناما فنظل لهــم عــاكفين( ‪-‬‬


‫فــالمقطع الثــاني مــن الجابــة‪ ::‬نظــل لهــم‬
‫عاكفين يدل على انها ليست أصناما فــأرادوا‬
‫الجمع بين موضوعين متناقضــين بمعنــى اننــا‬
‫نعبــد رمــوزا ً لللــه ولكننــا لــن نتخلــى عنهــا‪.‬‬
‫فعبارة لن نتخلى عنها هي ظهــور للنــا وإذن‬
‫فــالرموز ليســت موضــوعة لللــه الواحــد بــل‬
‫للــذوات الخــرى مــن النــوات المتكلمــة فــي‬
‫الجابة وإذن فهي أوثان ل أصنام فقــال فــي‬
‫)سورة أخرى(‪:‬‬

‫]إنما تعبدون من دون الله أوثانا ‪[ ..‬‬

‫ان من يريــد ان يعبــد اللــه إنمــا ينتظــر ان‬


‫يأمره الله بالطريقة التي يعبده بها وإذا اتخذ‬
‫لنفسه طريقته الخاصة ورفض التخلــي عنهــا‬
‫حتى لو أمــره اللــه فــانه فــي الواقــع ل يعبــد‬
‫الله‪.‬‬

‫فماذا تعني العبادة إذا لم تعن الطاعة؟‬

‫أ‬
‫‪512‬‬

‫ة حمقــاء‬
‫يريد النسان ان يغلــب ربــه بحيل ـ ٍ‬
‫من حيله انه مثل العبد الذي يقول لسيده أنــا‬
‫ع لك ولكن أنا الذي اختــار الشــياء الــتي‬
‫مطي ّ‬
‫أطيعك بها‪.‬‬

‫هــذه هــي مصــيدة جهنــم الــتي تجلــب لهــا‬


‫الحطب من الخلــق المتصــف بالغبــاء والحمــق‬
‫والغرور الفارغ‪.‬‬

‫وانــت تلحــظ انهــا نفــس حيلــة إبليــس‬


‫الحمقاء‪.‬‬

‫وهــذا الفــخ يقــع فيــه بــل وقــع فيــه اكــثر‬


‫علماء الدين!‬

‫فانهم أرادوا تبرير السجود لدم فقالوا لم‬


‫يكــن الســجود لدم بــل كــان للــه وآدم كــان‬
‫بمثابة قبلة لهم‪.‬‬

‫التبرير نفسه هــو جــزء ل يتجــزأ مــن فعــل‬


‫ابليس لنه ينطوي علــى حيلــة اخــرى للفــرار‬
‫مــن طاعــة المــر اللهــي‪ .‬إنمــا الســجود هــو‬

‫أ‬
‫‪513‬‬

‫لدم‪ .‬ولو أمر الله ان يسجدوا لحجر أو حصاة‬


‫فلن ينقذهم من الهلك سوى تنفيذ المر‪.‬‬

‫لن التبرير معناه ان الله إذا أمر امرا ً آخــر‬


‫ل يعلـــم أحـــد مـــا هـــي مـــبرراته فســـوف ل‬
‫يقومون بتنفيذ المــر والنتيجــة هــي نفســها‪:‬‬
‫معصــية اللــه وبالتــالي ظهــور اختيــار للنــا‬
‫مقابل الختيار اللهي‪.‬‬

‫وكمــا اســلفت فقــد جمــع المــام الصــادق‬


‫عليه السلم التوحيد كلــه فــي عبــارة محكمــة‬
‫وقصيرة هي‪:‬‬

‫"ان الله ُيعبد من حيث يريد هو ل من حيث‬


‫يريد المخلوق"‪.‬‬

‫وهذه الفكرة هــي غربــال الخلــق فمــا زال‬


‫الله يــأمر الخلــق بــالمر تلــو المــر فتنكشــف‬
‫النوايــا وتظهــر النــوات الــتي تريــد الــبروز‬
‫لتكون آلهة مع الله‪.‬‬

‫أ‬
‫‪514‬‬

‫من المحال ان يذهب النبي صلى الله عليه‬


‫وآلــه وســلم ويــترك القــانون اللهــي ليختــار‬
‫الناس إمامهم بغير هذا القانون‪.‬‬

‫وهــذا أمــر واضــح فل يقــدر النــاس وفــق‬


‫القانون الوضــعي ان يــأتوا بــأي رجــل ليحكــم‬
‫بينهم بالقانون بل يتوجب عليهم الذهاب إلى‬
‫عين بنفس القانون‪.‬‬
‫القاضي الم ّ‬
‫لكن الخلــق ل يجــرأون بمثــل هــذه الجــرأة‬
‫على قوانين الملك الرضي والدولة الوضعية‪،‬‬
‫بينما يمتلكون الجــرأة الكافيــة لبعــاد المــام‬
‫الفعلــي المعيــن بالقــانون اللهــي واختيــار‬
‫سواه مع انهــم يعلمــون جيــدا ً ان هــذا العمــل‬
‫في القانون الوضــعي هــو جريمــة وحماقــة ل‬
‫يفعلها عاقل‪.‬‬

‫ب علــى أولئك الــذين‬


‫ترى ما هو غضب الر ّ‬
‫اجتمعوا في )السقيفة( لختيــار إمــامهم مــع‬
‫علمهــم ان المــام الــذي يتبعــونه فــي الــدنيا‬

‫أ‬
‫‪515‬‬

‫يتبعونه مرغمين يوم القيامة فإذا ذهــب إلــى‬


‫جهنم لم تكن لهم مندوحة من الذهاب معه!؟‬

‫نعم سيقولون انه ذاهــب إلــى الجنــة ان شــاء‬


‫الله!‬

‫ولكن أ ّنى للمرء ان يزعم شيئا ً كهذا وداود‬


‫عليه السلم يسجد سجدة طويلة ينادي‪:‬‬

‫ب ل‬
‫ب ل تعـــذبني‪ ...‬ر ّ‬
‫ب ل تعـــذبني ر ّ‬
‫"ر ّ‬
‫تعذبني"يرددها حتى تبكي الملئكة؟‬

‫وحينما يأتيه جبريــل عليــه الســلم ليقــول‬


‫له‪ :‬رّبك ُيقرءك السلم ويقــول ارفــع يــا داود‬
‫رأسك فاني ل أعذبك وبعد ما يرجــع جبرائيــل‬
‫يعود داود إلى ديدنه الول‪.‬‬

‫فيــأتيه جبرائيــل عليــه الســلم ويقــول مــا‬


‫دعاك إلى ما تصنع؟‬

‫ان داود يعــرف مــا معنــى الوحدانيــة‪ .‬لقــد‬


‫قال لجبرائيل‪:‬‬

‫أ‬
‫‪516‬‬

‫"أ رأيت لو قال لي ل أعذبك ثم عذبني‬


‫فماذا أ ليس هو ربي وانا عبده؟"‬

‫من ذا الذي يأمن مكر الله؟‬

‫]أ فأمنـوا مكر الله فل يأمـــن مكــر اللــه‬


‫ال ّ القــوم الخاسـرون ‪ 99/7‬‬

‫إذا كــانت النــا تحــاول الظهــور مــع اللــه‬


‫بشتى الوسائل فان ادعاءها النجــاة والــذهاب‬
‫إلــى الجنــة هــو ايســر‪ ،‬الفكــار الــتي تمتلــك‬
‫الجرأة على ادعاءها‪.‬‬

‫لكن الزعم ان النبي صلى الله عليــه وآلــه‬


‫وسلم لم يحددّ إماما ً وهو وحده زعــ ّ‬
‫م يحــاول‬
‫اقتســام الملــك مــع اللــه ‪ ..‬ان الــذين زعمــوا‬
‫ذلك أوقعوا أنفسهم في اكبر هاويــة واعظــم‬
‫مشكلة مــع اللــه منــذ ان خلــق اللــه آدم‪ ..‬لن‬
‫هــذا المــام هــو أول كلمــات الشــجرة الــتي‬
‫ابتلى بها آدم وذريته والذي لم يتصف بصـــفة‬
‫النبوة أو الرسالة فحالته مدعاةّ لظهــور النــا‬

‫أ‬
‫‪517‬‬

‫باجلى صوره على مّر التاريخ لذلك قال النبي‬


‫صلى الله عليه وآله وسلم‪:‬‬

‫] هذا قسيم الجنة والنار يقول للنار هــذا‬


‫لــك خــذيه وهــذا لــي دعيــه ‪"‬كنــز العمــال ‪/‬‬
‫‪ ،6/402‬الصواعق المحرقة ‪"75 /‬‬

‫أ‬
‫‪518‬‬

‫قدرة الكلمة على تغيير النظام الطبيعي‬ ‫‪40‬‬

‫ان مســــألة علقــــة النســــان بالنظــــام‬


‫الطــبيعي قــد بحثناهــا بإيجــاز فــي الفصــل‬
‫الخـــامس مـــن كتـــاب )النظـــام القرآنـــي( ‪-‬‬
‫ولهمية المسألة نذكر هنا أهم النقــاط الــتي‬
‫وردت فــي هــذا البحــث لكــي نؤســس عليهــا‬
‫ة بالكلمة‪.‬‬
‫فقرات أخرى ذات صل ٍ‬
‫تمخض البحث المذكور على النتائج التية‪:‬‬

‫‍أ‪ -‬أن ما يلحظ من تــوازن فــي الكائنــات الحيــة‬


‫والنظام الطبيعي ليس خطــة ضــمن )النظــام‬
‫و‬ ‫الحســن( الممكــن عقلي ـا ً وعلمي ـا ً وانمــا ُ‬
‫هــ َ‬
‫خطــة لحمايــة النظــام مــن التخريــب فتقــوم‬
‫الطبيعة بإعــادة التــوازن لتحمــي نفســها مــن‬
‫العبث والتخريب‪.‬‬

‫و نظــام قــاس‬
‫ه َ‬
‫‍ب‪ -‬أن النظام الطبيعي الحالي ُ‬
‫جـــدا ً ‪ -‬لوجـــود التبـــاين الحـــراري والجفـــاف‬

‫أ‬
‫‪519‬‬

‫جر الــبراكين‬
‫حر وحدوث الفيضانات وتف ّ‬
‫والتص ّ‬
‫والزلزل وغيرها من الظــواهر كمــا انــه ملــئ‬
‫ة والفيروســات والكائنــات‬
‫بالبكتريــا المرضــي ِ‬
‫الضــاّرة بالنســان والمزروعــات ‪ .‬وإذن فهــذا‬
‫عي بعــض‬
‫النظــام ليــس هــو الحســن كمــا يــد ّ‬
‫علمــاء الــدين أو علمــاء الطبيعــة بــل النظــام‬
‫مشحون بقوة )المكان للتحــول إلــى النظــام‬
‫الحسن(‪.‬‬

‫ج‪ -‬إن العتقـــاد الســـائد عنـــد علمـــاء الـــدين‬


‫‍ ‍‬
‫والطبيعـــة هـــو تـــأثير قـــوى الطبيعـــة علـــى‬
‫النسان وهــو مــا يســمى عنــد الديــان )تــأثير‬
‫العلو ّيات في السفليات(‪.‬‬

‫وهذه الفكرة ليست دينيــة بــل مضــادة للــدين‬


‫وجوهره الحقيقــي بــل هــي فكــرة إلحاديــة ‪..‬‬
‫هــزوا بمعــاجز‬
‫ج ّ‬
‫لن الرسل عليه الســلم قــد ُ‬
‫وقــدرات خارقــة ســيطروا بهــا علــى قــوى‬
‫الطبيعــة وهــي إشــارة أو رســالة مــن اللــه‬
‫ة لهــل الرض توضــح لهــم ان النظــام‬
‫جه ـ ّ‬
‫مو ّ‬
‫أ‬
‫‪520‬‬

‫الطبيعي يمكــن ان يخضــع لهــم بشــرط اتبــاع‬


‫تعاليم خالق النظام‪.‬‬

‫ومثــال ذلــك قــدرات موســى عليــه الســلم‬


‫وقــدرات المســيح عليــه الســلم الــذي ُيــبرء‬
‫ص ويشــفي المرضــى بــامراض‬
‫ه وال َبــر َ‬
‫الكم َ‬
‫مستعصية وُيحي المــوتى ويخلــق مــن الطيــن‬
‫على هيئة الطيــر فينفــخ فيــه )فيكــون طيــرا ً‬
‫بإذن الله(‪.‬‬

‫ومنها تســخير الريــح لســليمان عليــه الســلم‬


‫وتكليـــم الكائنـــات الحي ّـــة المختلفـــة ومنهـــا‬
‫التحكم بحركة الكواكب وســبر أغــوار الفضــاء‬
‫ي‬
‫والدوران المحوري للرض التي أوتيت للول ّ‬
‫عليــه الســلم والنــبي صــلى اللــه عليــه وآلــه‬
‫وسلم‪.‬‬

‫إذن فمهمة الرسل عليــه الســلم هــي قيــادة‬


‫الخلـــق للســـيطرة علـــى النظـــام الطـــبيعي‬
‫وليست مهمتهــم هــي لجعــل الخلــق رازحيــن‬

‫أ‬
‫‪521‬‬

‫تحــت وطــأة هــذا النظــام مــذعنين لمشــاكله‬


‫الكثيرة‪.‬‬
‫مم ليكــون قاســيا ً‬
‫مصــ ّ‬
‫‍د‪ -‬ان النظــام الطــبيعي ُ‬
‫وطيع ـا ً فــي آن واحــد‪ .‬فهــو قــاس مــع أولئك‬
‫الــذين يحــاولون الســيطرة عليــه أو إصــلحه‬
‫ع للــذين‬
‫ن وطيــ ّ‬
‫بطرقهــم الخاصــة وهــو مــر ّ‬
‫يرغبون بالســيطرة عليــه بالقــانون الطــبيعي‬
‫وحده ‪ -‬أي معرفة حقيقــة القــوانين الطبيعــة‬
‫ل مظاهرها فقط كما في العلم الحديث‪.‬‬

‫ه‪ -‬ان كلمات اللــه )أوليــاء اللــه( لهــم طريقتهــم‬


‫‍ ‍‬
‫الخاصة في التعامل مع النظام الطبيعي‪.‬‬

‫فهم أو ل ً ليســوا راضــين بــه نظام ـا ً للعيــش‬


‫فهــم يبحثــون عــن نظــام افضــل ويرفضــون‬
‫النصــياع والخضــوع لــه فهــم فــوق النظــام‬
‫الطـــبيعي يجعلـــونه عبـــدا ً لهـــم مـــن خلل‬
‫عبوديتهم لواضع النظام‪.‬‬

‫أ‬
‫‪522‬‬

‫وثانيا ً يتمكنــون مــن خلل ذلــك التوصــل إلــى‬


‫ثــوابت النظــام الطــبيعي وعلقتــه بــالقّيم‬
‫الرياضــية بصــورة مختلفــة ‪ -‬بينمــا ل يتمكــن‬
‫العلم الحديث من الوصول إلــى تلــك الثــوابت‬
‫فالوحدات مثــل‪ :‬غــرام‪ -‬مــتر‪ -‬دايــن ‪ -‬جــول ‪-‬‬
‫واط ‪ ... -‬الخ هي وحدات اصطلحية ل وجــود‬
‫لها في النظام الطبيعي‪.‬‬

‫بينمــا يتمكــن الــولي مــن معرفــة الوحــدات‬


‫الحقيقية في الطبيعة نفسها ويعلم دوما ً مــا‬
‫هو )الواحد( في بدء قياس الوزان والطوال‬
‫والقوى والضــغوط ‪ ...‬الــخ لرتبــاطه بالواحــد‬
‫الحــق ورفضــه الســتعباد للنظــام الطــبيعي‬
‫فيتمكن من التحكم به بعل م ٍ خــاص جــوهري ل‬
‫ظاهري‪.‬‬

‫ومثال ذلــك إجابــة الــولي عــن الرقــم القابــل‬


‫للقسمة على العداد العشرة اذ قال‪":‬اضــرب‬
‫ايــام ســنتك فــي أيــام أســبوعك"‪ ،‬فاســتخدم‬
‫الوحـــدات الطبيعيـــة للشـــارة إلـــى العلقـــة‬
‫أ‬
‫‪523‬‬

‫الرياضــية الكامنــة فــي الوجــود بيــن العــداد‬


‫والظواهر‪.‬‬

‫وكان من الطبيعي ان يتمكن من الجابة على‬


‫اعقد المسائل بأســرع مــا يتمكــن منــه ارقــى‬
‫جهاز عقل الكتروني في العصر الحديث‪.‬‬

‫ان هـــذه القـــدرات ليســـت مرتبطـــة بخـــالق‬


‫ن القائم بهــا‬
‫النظام بصورة شكلية ‪ -‬بمعنى ا ّ‬
‫ل يقــوم بهــا مــن غيــر وعــي وفهــم للقــانون‬
‫الطبيعي بل العكس تماما ً هو الصحيح‪ .‬فكثير‬
‫من الناس يعتقد ان المسيح عليه السلم لمــا‬
‫م( وقام من مرقده مجيبــا ً انــه‬
‫قال للميت )ق ْ‬
‫فعل ذلــك بقــدرة اللــه دون ان تكــون لــه أيــة‬
‫معرفــة بمــا جــرى‪ .‬وان الــولي حينمــا أشــار‬
‫للشمس بالرجوع إلى موضعها ورجعــت انمــا‬
‫قام بذكر دعوات وتلفــظ كلمــات فــأذعنت لــه‬
‫الشمس‪.‬‬

‫ان هـــذه التصـــورات خـــاطئة ولـــذلك حـــاول‬


‫الكثيرون التطفل على معلومات منقولة مــن‬
‫أ‬
‫‪524‬‬

‫اجــل الحصــول علــى )الســم العظــم( الــذي‬


‫اعتقدوا ان مجــرد التلفــظ بــه يجعــل الشــياء‬
‫مطيعة للفاعل‪.‬‬

‫ان السم العظــم ‪ -‬كمــا يبــدو مــن النصــوص‬


‫ليـــس مفـــردة واحـــدة وانمـــا هـــو مجموعـــة‬
‫دد‬
‫مفــردات مترابطــة علــى نحــو معّيــن ومحــ ّ‬
‫بحيث تؤدي إلى تكــوين صــفة إلهيــة بمعناهــا‬
‫الدقيق‪.‬‬

‫عرفنــا ســابقا ً ان معرفــة اللــه محالــة‪ .‬إذ لــو‬


‫أمكن لمخلوق ان يعرفه لمــا بقــي فــرق بيــن‬
‫الخالق والمخلوق ‪ -‬فهــذه الحقيقــة هــي أول‬
‫خطــوة صــحيحة لمعرفــة اللــه‪ .‬وكلمــا تمكــن‬
‫المرء من معرفة موجودات اكثر وبصورة أكثر‬
‫تفصيل ً كلما ازدادت معرفته بهذا الفرق بيــن‬
‫المخلوق والخالق ‪ -‬فــتزداد بالتدريــج معرفتــه‬
‫بالشياء مقابل زيادة مطردة لجهله بالخالق ‪-‬‬
‫فيتحقق لديه عجزهُ عن معرفة الله‪.‬‬

‫أ‬
‫‪525‬‬

‫ان هذا العجز كلما كان واعيا ً كلما ازداد قربا ً‬


‫مــن اللــه وكلمــا ازداد عجــزهُ درجــة ازدادت‬
‫مكانته درجة مثلها عند الله‪ .‬لماذا؟‬

‫لن هـــذا العجـــز لـــم يقـــع ال ّ بعـــد معرفـــة‬


‫الموجـــودات‪ ..‬وزيـــادته تعنـــي زيـــادة تلـــك‬
‫المعرفة فالكثر عجــزا ً عــن معرفــة اللــه هــو‬
‫الكثر اقرارا ً بفردانية الله وهو الكثر معرفة‬
‫بالشــياء وإذن فهــو الكــثر فــي قــدرته علــى‬
‫التخلي عن )النا(‪ ،‬فهو إذن القرب والعلـــم‬
‫ولذلك يتفوق على الموجــودات لنــه اجتازهــا‬
‫بالمعرفة وسبقها في القتراب من الله‪.‬‬

‫إن الله هو الخالق وهو واحــد ل يتعــدد فل بــد‬


‫ان تكــون جميــع العلقــات معــه ذات طبيعــة‬
‫معكوســة ومختلفــة عــن علقــات الكائنــات‬
‫بعضها ببعض‪ .‬لذلك قال الولي في دعاءه‪:‬‬

‫"‪ ...‬ســبحان مــن جعــل ســبيل الخلــق إلــى‬


‫معرفتـــه العجـــز عـــن معرفتـــه‪"..‬وقـــال"‪...‬‬
‫ســُبحات‬
‫انحســرت البصــار دون النظــر إلــى ُ‬
‫أ‬
‫‪526‬‬

‫وجهك ولم تجعل للخلق طريقا ً إلــى معرفتــك‬


‫هــذا العجــز كمــا‬ ‫‪((1‬‬
‫ا ل ّ بالعجز عن معرفتك‪"...‬‬
‫قلنا يمثل التخلي التام عن )النا( مقابل الله‬
‫فمن الطبيعي ان يتمكن صاحب هــذا الشــعور‬
‫من التغلب على الموجودات ‪ -‬ذلك لنه يــدرك‬
‫جوهر القوانين التي تتحرك بها الشياء‪.‬‬

‫إذن فالفاعليــة ليســت فــي اللفــاظ الــتي‬


‫يذكرها الولي انما في المعارف التي تنطــوي‬
‫عليها تلك اللفاظ ‪ -‬وعلى ذلك فــان المســيح‬
‫عليه السلم َيعلــم كيــف ُيحيــي المــوتى‪ ،‬انــه‬
‫يعــرف الطريقــة وعلقتهــا بقــوانين المــادة‬
‫وليــس المــر كمــا يظــن البعــض‪ :‬انــه يقــول‬
‫للميت قــم فيقــوم والمســيح نفســه ل يــدري‬
‫كيف يقوم المّيت وانه يعلم ان لديه مثل هذه‬
‫م‬
‫القدرة لكنه ل يعلــم كيــف تعمــل!! بــل يعل ـ ُ‬
‫جيدا ً كيــف تعمــل هــذه القــدرة فــي المــوتى‪،‬‬
‫وحينما يقوم بخلــق طيــر مــن الطيــن وينفــخ‬

‫‪(1‬‬
‫الصحيفة ‪ /‬المناجاة الثانية عشرة حل ‪170‬‬ ‫)‬

‫أ‬
‫‪527‬‬

‫فيه فيكون طيرا ً فانما يعمل ذلك بــوعي تــام‬


‫ة بالعلقــة بيــن الطيــن والطيــر‬
‫ة كامل ٍ‬
‫ومعرف ٍ‬
‫مم‬
‫والروح ‪ -‬انه يفعل ذلك مثلما يقــوم المص ـ ّ‬
‫ة وتشغيلها فل يــدعي أحــد انــه‬
‫ة معين ٍ‬
‫بصنع آل ٍ‬
‫يفعل ذلك كله وهو ل يعلم كيف تشتغل اللة‬
‫ول يدري لماذا تعمل؟‬

‫ه‬
‫إذن فقوة السم العظــم ليســت فــي لفظ ـ ِ‬
‫وانما فــي معنــاه الــذي ينطــوي علــى معرفــة‬
‫بالموجودات ذات العلقة بهذا السم‪.‬‬

‫ذكرت المرويات ان السم العظم يتألف مــن‬


‫)ثلثـــة وســـبعين حرفـــًا(‪ .‬وذكـــر كـــذلك ان‬
‫ســليمان بــن داود عليــه الســلم اوتــى أربعــة‬
‫م ان عـــدد‬ ‫أحـــرف مـــن هـــذا الســـم‪ .‬معلـــو ّ‬
‫الحـــروف هـــو اقـــل مـــن ذلـــك )‪ (28‬حرفـــا ً‬
‫فالمقصود إذن ان هناك مكررات من الحروف‬
‫مثل ً ان يكون اللم في هذه المجموعة مكررا ً‬
‫اثنا عشرة مرة‪.‬‬

‫أ‬
‫‪528‬‬

‫هذا يعني انه يتــوجب صــياغة مفــردات معينــة‬


‫مترابطة مع بعضها بتسلسل معيــن فتتشــكل‬
‫من ذلك هيئة معينة‪.‬‬

‫ولما كان معدل الحروف في المفردات من ‪3‬‬


‫دل العــام هــو‬
‫‪ 5 -‬أحــرف لكــل مفــردة فالمع ـ ّ‬
‫أربعة أحرف‪ ،‬فتتألف بذلك )‪ (19‬تســعة عشــر‬
‫مفردة تقريبًا‪.‬‬

‫ان صـــياغة مفـــردات مـــن ) ‪ (73‬حرفـــا ً هـــو‬


‫باحتمــالت كــثيرة جــدا ً تبلــغ الملييــن وعليــه‬
‫فمن الصعب جــدا ً ترتيــب تســعة عشــر لفظ ـا ً‬
‫مخصوصا ً بترتيب معّين كاملة مــن أولهــا إلــى‬
‫آخرها‪ .‬ان هذا ل يمكن ان يحدث ال من عقل‬
‫تمكن مــن معرفــة جميــع الموجــودات بصــورة‬
‫شــاملة ولــذلك قــال المــأثور ان النــبي صــلى‬
‫الله عليه وآله وســلم قــد أوتــي معرفــة ) ‪(72‬‬
‫اثنين وسبعين حرفا ً وان الله أســتأثر لنفســه‬
‫و‪.‬‬
‫ه َ‬ ‫حرفا ً ل َيعل ُ‬
‫مه إل ّ ُ‬

‫أ‬
‫‪529‬‬

‫ان هذه المفردات ل تعطي صفة إلهية واحدة‬


‫من خلل تداخلها مع بعضــها بحيــث ان إزاحــة‬
‫إحدى المفردات عن موضعها ُيحدث ثغرة في‬
‫كماليـــة الوصـــف ل تســـدها ايـــة مفـــردة أو‬
‫دها ال ّ تلــك الصــفة‬
‫مجموعــة أخــرى ول تســ ّ‬
‫)المفردة( بعينها‪ .‬إذن فكل ترتيب معيــن هــو‬
‫عبــارة عــن هيئة معينــة وتبقــى هيئة واحــدة‬
‫صية علــى المعرفــة لن هنــاك حرف ـا ً يبقــى‬
‫ع ّ‬
‫مجهول ً وهذه إلهيئة هي الترتيب الذي يصــف‬
‫الذات اللهية وصف ا ً دقيقا ً ل يفهم معنــاه ال ّ‬
‫الله‪.‬‬

‫أميــل إلــى العتقــاد بــأن لكــل هيئة قــوة‬


‫تأثيريـــة فـــي مجموعـــة مـــن الموجـــودات‬
‫المرتبطــة بنــوع مــن الحقــائق مــا دام لكــل‬
‫ترتيــب معيــن لللفــاظ علقــة نوعيــة وكميــة‬
‫بالموجودات‪.‬‬

‫فإحــدى إلهيئات مثل ً ربمــا تتعلــق بحقــائق‬


‫الحركة الكلية‪ .‬لقد كان آصف بن برخيا ‪ -‬أحــد‬
‫أ‬
‫‪530‬‬

‫أعــوان ســليمان عليــه الســلم ُيــدرك حرفــا ً‬


‫واحدا ً ‪ -‬أي هيئة واحدة وبــه تمكــن مــن جلــب‬
‫عــرش ملكــة ســبأ مــن اليمــن إلــى فلســطين‬
‫حيث كان مقر سليمان وهي القصة القرآنيــة‬
‫الــتي ســنحاول تحليلهــا بقيــاس الســرع بعــد‬
‫قليل‪.‬‬

‫كــان النــبي صــلى اللــه عليــه وآلــه وســلم‬


‫يمتلــك اثنيــن وســبعين هيئة مــن المجمــوع‬
‫الكلي‪ .‬وخفيت عنه الهيئة المتعلقــة بــالحرف‬
‫المجهول‪.‬‬

‫ويمكــن تفســير ذلــك علــى نحــو واضــح إذا‬


‫تذكرنا المباحث السابقة كلها فقــد رأينــا وان‬
‫لم يكن بصورة مباشرة ان الوجود الولي هــو‬
‫فــي الحقيقــة الكلمــة لنهــا ارتبطــت لفظي ـا ً‬
‫بالنور كما لحظنا ذلك‪.‬‬

‫وهذا المر قد أكــدهُ النجيــل بصــورة أكــثر‬


‫ء‪:‬‬
‫صــراحة وغيــر مرمــوزة حينمــا قــال ابتــدا ً‬

‫أ‬
‫‪531‬‬

‫"في البدء كان الكلمة"وفي نص آخر‪":‬الكلمة‬


‫دء"يوحنا ‪.1 -1 /‬‬
‫ن في الب ِ‬
‫كا َ‬
‫وردت العبـــــارة نفســـــها فـــــي العهـــــد‬
‫القديم‪":‬سفر التكوين ‪"5 -1/1 /‬‬

‫ولمــا كــانت فــي اللفــظ القرآنــي مقترنــة‬


‫بالنور ولما كان المســيح عليــه الســلم كلمــة‬
‫الله فل غرابة إذا رأيناه يقول‪:‬‬

‫"أنا نور العالم من يتبعني ل يمشي في‬


‫الظلم"يوحنا ‪12/8 /‬‬

‫مثلما كان الولي يقول‪:‬‬

‫م"‪.‬‬ ‫ح ال ُ‬
‫ظل َ‬ ‫"أنا نون وال َ‬
‫قلم أنا مصبا ُ‬
‫نلحــظ فــي النــص النجيلــي عــدم تــأنيث‬
‫الكلمة‪ ،‬لنه قال )في البدء كان الكلمة( ولــم‬
‫يقل كانت‪.‬‬

‫وهذا يجري على نسق القرآن‪:‬‬

‫مه المسيح"‬
‫"وكلمة منه اس ُ‬

‫أ‬
‫‪532‬‬

‫مها لن الكلمـــة مـــذكر ل‬


‫فلـــم يقـــل اســـ َ‬
‫مؤنث‪ ،‬الكلمة نوُر الله‪.‬‬

‫دد الجابـــة‬
‫ان هـــذه الفقـــرة بالـــذات تحـــ ّ‬
‫الحاسمة على السؤال الفلسفي‪ :‬هل العــالم‬
‫قديم أم حادث؟ والتي صيغت بطريقــة أخــرى‬
‫هي‪ :‬هل الفكر أول أم المادة؟ لن الفكــر إذا‬
‫كان اول ً فهو أزلي وبالتالي فالمــادة حادثــة‪.‬‬
‫ولما كان لمثل هــذا التســاؤل ان يظهــر لــول‬
‫أنانية النســان الــتي أعمتــه فجعلتــه يتقهقــر‬
‫ه‬
‫من حيث يريد ان يرتقي ‪ -‬لن النسان نفس ُ‬
‫ه الحقيقية في كونه فكر ل مادة إذ‬
‫انما قيمت ُ‬
‫ل قيمــة لمــادته الــتي تتلشــى بعــد المــوت‬
‫مجــددًا‪ .‬بيــد انــه وجــد‬
‫وتســتحيل إلــى تــراب ُ‬
‫نفسه متأخرا ً في ظهوره عن العالم فحســـب‬
‫ان يكتــب أســبقية مــادته فكــانت النتيجــة ان‬
‫اكتسب تأخرا ً فكريًا!‬

‫وقد رأينا فيما سبق ان السجود لدم كـــان‬


‫بسبب كونه مفكرا ً ل غير وكــان الــدليل علــى‬
‫أ‬
‫‪533‬‬

‫ذلك واضحا ً وخلصته ان الفكــر واللغــة شــيءّ‬


‫واحــــد وان الخــــالق برهــــن للمل العلــــى‬
‫اســتحقاق آدم للســجود مــن خلل امتلك آدم‬
‫لغة وأسماء لموجودات جرى الختبار حولها‪:‬‬

‫]وعلم آدم السماء كلها ثم عرضهم على‬


‫ة فقال أنبئوني بأسماء هؤلء ان كنتم‬
‫الملئك ِ‬
‫صادقين ‪‬‬

‫لــم يتمكــن الملئكــة مــن مجــاراته فــي‬


‫الختبــار الطويــل المــد لحصــاء المســميات‬
‫وتمييزهــا عــن بعضــها بحيــث يمكنهــم أدراك‬
‫مسميات لم تظهر بعد باستنتاج منطقي كمــا‬
‫فعل آدم ومن هنــا أذعنــوا لعلميتــه وتفــوقه‬
‫فسجدوا حينما أمرهم بالسجود له‪:‬‬

‫م لنــا ا ل ّ مــا علمتنــا‬


‫]قالوا سبحانك ل عل ـ َ‬
‫انك أنت العليم الحكيم ‪‬‬

‫أ‬
‫‪534‬‬

‫]قـــال يـــا آدم أنـــبئهم بأســـمائهم فلمـــا‬


‫ي اعلم‬
‫م اقل لكم إن ّ‬
‫أنبأهم بأسمائهم قال أل ْ‬
‫غيب السموات والرض ‪‬‬

‫هــم‬
‫لمــاذا ذكــر الغيــب هنــا؟ لن )هــؤلء( ُ‬
‫كائنات لهم أسماء لم يكونوا قــد ظهــروا بعــد‬
‫صو َرهم كما لو كانوا‬
‫في الوجود فأراهم الله ُ‬
‫موجودين بالفعل فمن أيــن للملئكــة معرفــة‬
‫بأسمائهم؟‬

‫أما آدم فانه تعلم السماء كلها كمــا نصــت‬


‫اليــة الســابقة وليــس معنــى ذلــك انــه علمــه‬
‫السماء كلها واحدا ً واحدا ً بل معنى ذلــك انــه‬
‫اعطاه س ـّر اللغــة والمســميات بحيــث إذا راى‬
‫شيئ ا ً أمكنه أن يسميه بدقة وباسمه الحقيقي‬
‫مــن خلل الــترابط بيــن الفكــر )اللغــة( وبيــن‬
‫مــه‬
‫)المــادة( أي الوجــود‪ .‬ولــو كــان قــد عل ّ‬
‫السماء كلها اسم ا ً اسم ا ً لما كان له أي فضل‬
‫على الملئكــة‪ .‬وإذا كــانت الكلمــة هــي الول‬
‫فبإمكاننــا ان نفهــم الن لمــاذا تــذعن المــادة‬
‫أ‬
‫‪535‬‬

‫للكلمــة ذلــك لن المــادة نتــاج الكلمــة وليــس‬


‫س بصحيح‪.‬‬
‫العك ُ‬
‫هذا المر أ ّ‬
‫كده النجيل وان لم يظهــر فــي‬
‫السياق انه مــن كلم اللــه تعــالى أو المســيح‬
‫عليه الســلم بــل مــن كلم يوحنــا‪ ،‬لكنــه كــان‬
‫ينقل حقيقة فهمها من المســيح حينمــا قــال‬
‫مستطردًا‪:‬‬

‫]والكلمة كان لدى الله‪ ،‬والكلمة هو اللــه‪.‬‬


‫كان في البدء لدى الله‪.‬بــه كــان كــل شــيء ‪‬‬
‫يوحنا ‪3 -1/1‬‬

‫كده القرآن رابطا ً بين اليجــاد وبيــن‬


‫وقد أ ّ‬
‫المر‪:‬‬

‫]إنما أمُره إذا أراد شيئا ً ان يقول لــه كــن‬


‫فيكون ‪‬‬

‫إذن فالشياء نتجــت بالكلمــة فهــي مصــدر‬


‫وجودها وبها )كان كل شيء( لنها عبارة عن‬
‫أمر‪.‬‬

‫أ‬
‫‪536‬‬

‫وحينما يكون المرء كلمة مــن كلمــات اللــه‬


‫م بالشــياء لنــه يمتلــك‬
‫يتمكــن مــن التحكــ ّ‬
‫الوصف الشامل لهــا لن الفكــر حينمــا يصــف‬
‫شــيئا ً وصــف ا ً دقيقــا ً فــانه ل يصــف الشــيء‬
‫ي وظــواهره وانمــا يصــف الكلمــة البــدء‬
‫الماد ّ‬
‫التي ابتدأ بها الشــيء ولــذلك فالكلمــة البــدء‬
‫قادرة على إحداث تغيير في المادة‪ .‬سأوضــح‬
‫هذه النقطة بمثال‪:‬‬
‫لــو اســتطاع إنســان ان يصــف لــك وصــفا ً‬
‫شامل ً آل ً‬
‫ة معينة فانه ل يصف فــي الواقــع ال‬
‫المعرفة التي فيها‪ ،‬وقد يحتاج لهــذا الوصــف‬
‫عشرات الكتب من العلوم المتراكمة في تلك‬
‫اللة ليكون وصفه )شــام ً‬
‫ل( بــالمعنى الــدقيق‬
‫رياضيا ً وفيزيائيا ً وماديا ً فكرة وتصميمًا‪...‬الخ‪.‬‬
‫وإذن فهــو ل يصــف اللــة فقــط وانمــا يصــف‬
‫م والصانع وصفا ً معرفيــا ً فيمــا يتعلــق‬
‫المصم ّ‬
‫بصنعهم اللة ‪ -‬ومــن الطــبيعي إذن ان تمكــن‬
‫هذا النسان من إجراء أية تعديلت على اللــة‬

‫أ‬
‫‪537‬‬

‫صــنعها ‪-‬‬
‫يرغب فيها لفهمه الدقيق لمبــادىء ُ‬
‫فهو ل يغ ّير القوانين نفســها وانمــا يســتعمل‬
‫بعضها مع بعض ويلغي اثر بعضها بأثر البعض‬
‫ليتوصل إلى مراده‪.‬‬

‫هــذا فــي اللــة القائمــة علــى اســتغلل‬


‫ظواهر الطبيعة فكيف يكون التأثير إذا نفذت‬
‫المعرفة إلى جوهر الطبيعة؟‬

‫ل يحتاج المرء إلــى آلــة مــن هــذا النــوع أو‬


‫غيره لنه يستعمل القانون الطبيعي نفسه ل‬
‫كظاهرة يعــرف حســابها الرياضــي فقــط بــل‬
‫كظاهرة يعرف أسبابها وكيفية عملها‪.‬‬

‫نحن الن نعرف الجاذبية أنهــا قــوة معينــة‬


‫تشد الجسام بعضها لبعض وتستطيع قياسها‬
‫وقياس ما يطرأ عليها من تغيرات مــع الكتلــة‬
‫والمسافة لكننا ل نعلم ما هــي وكيــف تعمــل‬
‫ولمـــاذا ظهـــرت هـــذه القـــوة ولمـــاذا تشـــد‬
‫الجسام بهذه العلقة الرياضــية ل غيرهــا ول‬
‫ندري كــذلك لمــاذا ل يكــون العكــس مثل ً كــأن‬
‫أ‬
‫‪538‬‬

‫تــزداد مــع زيــادة المســافة وتقــل مــع زيــادة‬


‫الكتلة‪ ...‬إلى عشرات السئلة الخرى التي ل‬
‫إجابة عليها‪.‬‬

‫فــإذا أردت ان تصــنع آلــة تطيــر فــي الجــو‬


‫فعليــك إذن ان تحســب حســابك للتخلــص مــن‬
‫هذه القوة بقوة مضادة في التجــاه مســاوية‬
‫في المقدار وهذا عادة ما نفعله عنــد صــناعة‬
‫الطــائرات والصــواريخ وكــل اللت المتحركــة‬
‫فل نحتــاج إلــى إجابــات عــن الســئلة المــارة‬
‫آنف ًا‪.‬‬

‫اما الولي فــانه يمتلــك الجابــات عــن تلــك‬


‫السئلة ولذلك فهو ل يحتاج إلى قوة مجابهة‬
‫للجاذبية للتخلص منها‪ .‬انه يتخلص منها ذاتهــا‬
‫بطريقته الخاصة لنــه يعلــم مــا هــي بالضــبط‬
‫ولذلك فهو ل يحتاج إلى أية اللت معقدة‪.‬‬

‫فكلما ازدادت المعرفة بالشياء كلما أمكن‬


‫د‬
‫التحكــم بهــا والســيطرة عليهــا فهنــاك حــ ّ‬
‫فاصــل بيــن الظــواهر والحقــائق ‪ -‬وكــل مــا‬
‫أ‬
‫‪539‬‬

‫صــد الظــواهر دون‬ ‫توصــلنا اليــه اليــوم هــو ر َ‬


‫النفاذ إلــى الحقــائق وهــو أمــر َيعلمــه جيــدا ً‬
‫علماء الطبيعــة ‪ -‬بيــد انهــم يــرون ان اكتمــال‬
‫معرفة الظواهر سيؤدي إلى فتح أبواب معينة‬
‫لمعرفة حقيقة للشياء وهذا هو الوهم الــذي‬
‫اعتقد انهم وقعوا فيه‪.‬‬

‫فالنظام الطبيعي قــاس مــن هــذه الناحيــة‬


‫قسوة شديدة ول تسمح الطبيعــة لحــد بفتــح‬
‫أبوابها ا ل ّ بالمفتاح الخاص بها والمحدد سلفا ً‬
‫مـــن قبـــل الصـــانع ‪ -‬فالحـــد الفاصـــل بيـــن‬

‫الظواهر والحقائق ل يمكن اختراقه ال ّ بعلــم ٍ‬


‫من نوع آخر هــو علــم الحقــائق الــذي يمتلكــه‬
‫الولي باعتباره هو الكلمة الــتي صــدرت عنهــا‬
‫الشياء فهو ســابق عليهــا‪ ،‬وان الــدخول مــن‬
‫غير البواب الخاصة محفوف بمخاطر عظيمة‬
‫متعب‪.‬‬
‫علوة على انه عمل بطيء و ُ‬
‫دد فــــي الحــــروف وارتفــــاع‬
‫إذن فالتعــــ ّ‬
‫دد‬
‫احتمالت تألف أوصاف منها هو بســبب تعــ ّ‬
‫أ‬
‫‪540‬‬

‫الموجــودات فكلمــا تمــت معرفــة المزيــد مــن‬


‫مفردات الســم العظــم كلمــا دل ذلــك علــى‬
‫ن‬
‫معرفة المزيد من الموجودات ‪ -‬لننا ذكرنا ا ّ‬
‫هــذه الصــفات اللهيــة انمــا تصــف علقتــه‬
‫سبحانه بالمخلوقات ول تصف ذاته مثل قــدير‬
‫فهنــاك مقــدور عليــه وعليــم فهنــاك معلــوم‬
‫ولطيف فهناك ملطوف به‪...‬الخ فمن المحال‬
‫إيجاد وصــف لــذاته أو لحقيقتــه منفــردةً عــن‬
‫العالم لنه ل أحد يعلــم شــيئا ً عــن ذاتــه بهــذا‬
‫النفراد فالواصف نفسه جزءّ من العالم‪ .‬كما‬
‫ل توجد حروف أو ألفاظ لها دللة علــى اســم‬
‫اللـــه الحقيقـــي المنفـــرد عـــن العـــالم لن‬
‫اللفاظ والصوات هي الخرى جزء مــن هــذه‬
‫المخلوقات وهي مادية الصورة فــي النهايــة‪.‬‬
‫لذلك ل أحد يعلم اسمه الحقيقي سواه‪.‬‬

‫ف هــذا الســم عــن الخلــق‬


‫خ ِ‬
‫م يُ ْ‬
‫فهو إذن ل ْ‬
‫والملئكة ‪-‬بل الخلــق فــي الصــل غيــر قــادر‬
‫على معرفة هذا السم لنــه خــارج قــدراتهم‪،‬‬

‫أ‬
‫‪541‬‬

‫ومن ناحية أخرى فان كــل اســم مــن أســماءه‬


‫صــفة‪ ،‬وكــل مخلــوق يســتطيع‬
‫المعروفــة هــو ِ‬
‫معرفــة هــذا الوصــف فــانه يكــون اقــوى مــن‬
‫الكائنات المرتبطة بهذا الوصف وحينما نصــل‬
‫إلــى الوصــف الكمــل والتــام للــه أي اســمه‬
‫الحقيقــي فــان الوصــف ســيكون هــذه المــرة‬
‫أقوى مــن حــامله لن الحامــل جــزء مــن تلــك‬
‫الموجودات التي يشملها الوصف ‪-‬فل تــذعن‬
‫له ليراها لنــه لــن يكــون موجــودا ً فــي نفــس‬
‫لحظـــة تعرفـــه علـــى الســـم المحجـــوب لن‬
‫السم سّيحيُله إلى العــدم والفنــاء‪ ،‬لن هــذه‬
‫العمليــة هــي محاولــة لدخــال اللنهــائي فــي‬
‫المحدود فل بد مــن زوال الحــدود أو المطلــق‬
‫في المعدود فيزول العــدد أو بــأي تعــبير آخــر‬
‫تشاء‪.‬‬

‫إذن فالسم المحجوب‪) ،‬وهــذا هــو التعــبير‬


‫حجــب عــن‬
‫المذكور عنــه فــي المــأثور(‪ ،‬إنمــا ُ‬
‫ب عنهــا مــن حيــث‬
‫الموجــودات لنــه محجــو ّ‬

‫أ‬
‫‪542‬‬

‫طبيعتها وطبيعته فهو يؤدي إلى فناءها قبــل‬


‫حصول التعرف عليــه ‪ -‬فهــي إذن ل تســتطيع‬
‫جــاب مــن نــوع آخــر ل‬
‫التعرف عليــه ‪ -‬فهنــا ح َ‬
‫ل تخيّله مثل الحاجز ونحوه بل هو حجاب‬
‫تحاو ْ‬
‫اللوهيــة وهــو ل نهــائي ول تعــرف لــه حــدود‬
‫محــال( محــض‪ ..‬وقــد صــدرت‬
‫لنه عبارة عن ) ُ‬
‫حجــب‬
‫حجــب الخــرى ومنهــا ُ‬
‫عنــه جميــع ال ُ‬
‫الصفات نفسها ومنهــا ذلــك الحــاجز الســميك‬
‫بين العلم الظاهري والعلم الحقيقــي والــذي‬
‫ل يمكن اختراقه ال بســلح مــن نفــس النــوع‬
‫أي بالمعرفة اللهية‪.‬‬

‫ان )المحــال( هــو وحــدة مــن شــؤون اللــه‬


‫جــب فيمكــن خرقهــا بالمعرفــة‬
‫واما بقيــة الح ُ‬
‫الــتي يؤتيهــا اللــه لكلمــاته‪ .‬بيــد ان مجمــوع‬
‫الحجب كلها هو في المحدود والمعــدود لنهــا‬
‫مرتبطة بــالموجودات و)المحــال( هــو الوحيــد‬
‫المطلــــق واللنهــــائي والــــذي ل تســــتطيع‬

‫أ‬
‫‪543‬‬

‫الموجــودات كلهــا ولــو اجتمعــت ان تــتزحزح‬


‫داخل هذا النطاق اللنهائي من المحال‪.‬‬

‫لذلك فل مبالغة مهما بالغت بوصف كلمات‬


‫اللــه مــا دامــت تظــ ّ‬
‫ل متعلقــة بــالموجودات‬
‫ومادام وراءها اللنهائي‪.‬‬

‫قال المام علي عليه السلم‪:‬‬

‫"اجعلونا مَربوُبين وقولوا فينا ما شئتم"‪.‬‬

‫ما كفّر‬ ‫إذن فليس ثمة غل ّّ‬


‫و في الكلمات فا ّ‬
‫و‪.‬‬
‫ع للغل ّ‬
‫ما إيمان وليس هناك موض ّ‬
‫وا ّ‬
‫و في غير الكلمات أو يحدث‬ ‫انما يحدث الغل ّ‬
‫في الــدين عموم ـا ً وتشــريعاته أو يحــدث فــي‬
‫الشـــخاص الصـــالحين مـــن اتبـــاعهم‪ ..‬امـــا‬
‫العارفين بأحرف السم العظم كلها مــا عــدا‬
‫المحجوب فهــؤلء لهــم ســيطرة وتحكــم فــي‬
‫جميع الموجودات فهنا وبصدد تقييمهم يمكن‬
‫ان نلحظ خطين‪::‬‬

‫أ‬
‫‪544‬‬

‫خط الكفر والذي هو باتجاهين‪ :‬اتجاه ينكر‬


‫ان تكون لهم هذه الخصــائص والميــزات فهــو‬
‫شبيه بخــط إبليــس فــي إنكــاره أفضــلية آدم‪.‬‬
‫واتجاه من الكفــر معــاكس للول تمام ـا ً وهــو‬
‫القــرار بفضــلهم هــذا بمعــزا عــن اللنهــائي‬
‫والمطلق بحيث يكونون بــديل ً عنــه أو معــه أو‬
‫مثله أو عنه بالولدة وما شابه‪.‬‬

‫فهــذا التجــاه ليــس غلــوا ً وانمــا هــو كفــر‬


‫محض لنه انعكاس آخر للنا فبدل ً مــن ادعــاء‬
‫النا هذه الميــزات لــذاته يــدعّيها )بــالتعويض(‬
‫)النا( آخر من بنــي النســان‪ .‬ان لــدينا مثــال‬
‫واضح على ذلك هو ادعاء بنــوة المســيح عليــه‬
‫السلم لله فقد انتفع من هذه المقولة جميع‬
‫مــن يرغــب بــالكفر كالفلســفة ذوي التجــاه‬
‫الذاتي فــي المثاليــة‪ ..‬فمــادام المســيح )أبــن‬
‫الله( ومادام هو )الرب( أو هو والرب واحد أو‬
‫أحـــد ثلثـــة فـــي واحـــد بحســـب التجاهـــات‬
‫المختلفة )للتثليــث( فليكــن لكــل إنســان منــا‬

‫أ‬
‫‪545‬‬

‫حصته من هذه الربوّبية التي ترادف اللوهيــة‬


‫في العتباط اللغوي‪ .‬ان الخط الفاصــل بيــن‬
‫اليمــان والكفــر شــفاف ودقيــق‪ .‬فلــو قــال‬
‫المــرء ان المســيح عليــه الســلم يســتطيع ان‬
‫يلغــي المجــرة ويطفــئ الشــموس ويوقــف‬
‫الفلك )بإذن اللــه( فلــن يكفــر مــادام هنــاك‬
‫عبارة مثل )بإذن الله( ولــو قــال المــرء فلن‬
‫من الناس وليس المسيح يسافر بمعــزل عــن‬
‫إذن الله وارادته فــانه يكفــر مــادامت العبــارة‬
‫تجعل الفعل غير خاضع للمطلق بــالرغم مــن‬
‫دخوله ماديا ً في حدود الموجودات‪.‬‬

‫إن الــذين يحــاولون اســتغلل التوحيــد مــن‬


‫ناحيـــة أخـــرى لتكفيـــر النـــاس إذا تمســـكوا‬
‫هم من الدّ أعـــداء‬
‫بفضائل ومزايا كلمات الله ُ‬
‫التوحيــد وإذن فنحــن بصــدد اتجاهــات كــثيرة‬
‫التوحيد الحقيقي فيها نادر للغاية‪ ،‬لن جميــع‬
‫هــذه التجاهــات هــي فــي الواقــع ظهــورات‬
‫مختلفة )للنا( مقابــل اللــه‪ ،‬ومــن المؤكــد ان‬

‫أ‬
‫‪546‬‬

‫بعضها وهو أخطرها ذلك التجاه الذي يحاول‬


‫الوصــول إلــى تحقيــق النــا مــن خلل افكــار‬
‫ي عــن النــا‬
‫ومقولت ظاهرها فقط هو التخل ّ‬
‫والبحث عن التوحيد وجوهرها هو الشرك‪.‬‬

‫لنلحــظ علقــة المعرفــة بالســيطرة علــى‬


‫الموجودات من خلل التأمل بالطريقــة الــتي‬
‫جلب بها آصف عرش ملكة سبأ المذكورة في‬
‫القرآن‪.‬‬

‫أ‬
‫‪547‬‬

‫طريق آصف لجلب العرش‬ ‫‪41‬‬

‫نحصل علــى اســتنتاج صــحيح مــن العبــارات‬


‫القرآنية التي اختلــف بشــأنها أهــل التفســير‬
‫فهي في الحل القصدي للغة اكثر وضوحا ً من‬
‫تلــك الــتي لــم يختلفــوا بشــأنها‪ .‬لقــد طلــب‬
‫ســليمان عليــه الســلم شخصــا ً يــأتي بعــرش‬
‫الملكة من سبأ إلى فلسطين قبل وصولها‪:‬‬

‫] قال يا أيها المل أيكــم يــأتيني بعرشــها‬


‫قبــل ان يــأتوني مســلمين‪.‬قــال عفريــت مــن‬
‫الجن أنا آتيك بــه قبــل ان تقــوم مــن مقامــك‬
‫ي امين‪.‬قال الــذي عنــده علــم‬
‫واني عليه لقو ّ‬
‫مــن الكتــاب أنــا آتيــك بــه قبــل ان يرتــد إليــك‬
‫طرفك فلما رآه مستقرا ً عنده قــال هــذا مــن‬
‫[‬ ‫ي ‪38-40/27 ..‬‬
‫فضل رب ّ‬

‫أ‬
‫‪548‬‬

‫ض مفــاده أنــه‬
‫لقد تقدم عفريت الجان بعر ٍ‬
‫يــأتي بــالعرش قبــل ان يقــوم ســليمان عليــه‬
‫السلم من مقامه‪.‬‬

‫جبــه بشــيء اذ لــم تعجّبــه‬


‫ويبــدو انــه لــم ي ْ‬
‫طريقتــه البطيئة فــي النقــل‪ ،‬لــذلك تقــدم‬
‫ض آخر‪.‬‬
‫)الذي عنده علم من الكتاب( بعر ٍ‬
‫ي‬
‫قــال عفريــت الجــان"وانــي عليــه لقــو ّ‬
‫أميــن" فالمفســرون أخطــأوا حينمــا اعتقــدوا‬
‫ه ونجــابته وعــدم‬
‫مح لسليمان عــن عفت ـ ِ‬
‫انه يل ّ‬
‫تحرشه بالملكة‪.‬‬

‫فهــذا الموضــوع بعيــد عــن أفكــار الحضــور‬


‫يومئذ‪ :‬او ً‬
‫ل‪ :‬لنه أمين وقوي علــى العــرش ل‬
‫على الملكة كما في النص‪ .‬وثانيًا‪ :‬ان الملكــة‬
‫مع حاشيتها كانت في الطريــق إلــى ســليمان‬
‫عليه السلم بل وقريبه من الوصــول‪ ،‬وثالث ـًا‪:‬‬
‫لن للجــان طبيعــة مختلفــة عــن النــس فــاذا‬
‫افترضنا امكانيــة اتصــال جنســي بينهمــا فــان‬
‫المتطــوع لعمــل ل يصــّرح بمثــل هــذا المــر‪،‬‬
‫أ‬
‫‪549‬‬

‫فكأنما فسدت المملكــة كلهــا وعجــز ســليمان‬


‫عن ايجاد شخص أمين في مملكته وهو تأويل‬
‫فاسد من جميع الوجوه‪.‬‬

‫واذا افترضـــنا حســـن النوايـــا لـــدى أهـــل‬


‫التفسير فيقال ان الذي دعاهم لهذا التأويــل‬
‫ســـَرع فـــي الكـــون‬
‫هـــو جهلهـــم بحقيقـــه ال ُ‬
‫وعلقتها بالمادة‪.‬‬

‫فإذا لم يمنع الجان إيمــانه لنــه مــن اتبــاع‬


‫سليمان فالمؤكد انــه يهــاب ســليمان ويخــاف‬
‫سطوته شأنه شــأن اكــثر المســخرين لخــدمته‬
‫الــذين وصــفهم القــرآن‪":‬كــل بنــاءّ وغــواص"‬
‫و"آخريـــن مقرني ّـــن بالصـــفاد" لـــم يختلـــف‬
‫المفسرون حول عبــارة الجــان انمــا اختلفــوا‬
‫في عبارة الذي عنده علــم مــن الكتــاب ومــن‬
‫هنــا نحــاول معرفــة هــذه العبــارة فتنكشــف‬
‫عبارة الجان بعد ذلك‪.‬‬

‫عبارة الذي عنده علم من الكتــاب )آصــف(‬


‫هي‪":‬أنا آتيك به قبل ان يرتد اليك طرفك"‪.‬‬
‫أ‬
‫‪550‬‬

‫قالوا‪ :‬الط ْرف هو العين وقيل هــو الجفــن‬


‫العلوي وقيل هو البصــر‪ .‬واســتعملت عنــدهم‬
‫لهذه المعاني‪ .‬والشكال عندهم هو في لفظ‬
‫)إليــك( فحينمــا يكــون الطــرف هــو العيــن أو‬
‫الجفـــن ســـتكون )اليـــك( زائدة لن العيـــن‬
‫وجفنهـــا فـــي رأس المخـــاطب‪ .‬لـــذلك قـــال‬
‫آخرون هو الشعاع الخــارج مــن العيــن والــذي‬
‫يسقط على الشيء فُيرى‪ .‬وهذا حســب علــم‬
‫البصـــريات الســـابق لن المـــر هـــو العكـــس‬
‫فـــالعين تســـتقبل الشـــعاع المنعكـــس عـــن‬
‫الشياء وليست هي التي تصدر الشــعاع ومــع‬
‫ذلك فالمر كله ينكشف هنــا لن هــذا الشــرح‬
‫والــذي اختــاره )الطوســي( فــي التبيــان هــو‬
‫مفتاح تفسير العبارة علمي ًا‪.‬‬

‫ان الشعاع مستمر بالنعكاس عــن الشــياء‬


‫المجاورة في مجلــس ســليمان عليــه الســلم‬
‫وعينــه تســتقبل هــذا الشــعاع ويــرى الشــياء‬
‫فماذا يقصد آصف بعبارته؟‬

‫أ‬
‫‪551‬‬

‫ول كلمه إلى معادلة علمية رياضية‪:‬‬


‫سنح ّ‬
‫إذا كــان الشــعاع سيســقط كــل مــرة فــي‬
‫اللحظــة )ن( ويعجبــك ان تــرى الشــيء الــذي‬
‫عينك مفتوحــة بمــواجهته فــي اللحظــة )ن ‪+‬‬
‫ن( فاني اجلب لك عرش الملكة في اللحظة‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ن( ‪ -‬ك َ‬
‫)ن ‪َ +‬‬
‫حيــث ك ثــابت يمثــل قــدرته فــي النقــل‪.‬‬
‫وأول شيء ندركه من العبارة القرآنيــة ان ك‬
‫ل يمكن ان يكون اقل من واحــد مطلق ـا ً لنــه‬
‫قال )قبل ان يرتد(‪.‬‬

‫لنه إذا كان يساوي واحدا ً فالناتج ن ‪َ +‬‬


‫ن‬
‫ن = ن‪ ،‬أي انه يأتيه به مــع ارتــداد الطــرف‬ ‫‪َ -‬‬
‫مطابق ا ً في الزمن تمام ًا‪ .‬لكنه قــال‪) :‬قبــل(‪،‬‬
‫وهذا يعني أن ك هو اكثر من واحد‪.‬‬

‫لــذلك ســنفترض انــه يســاوي الواحــد‪ ،‬ثــم‬


‫نلحظ الناتج عند التعويض ومن ثم نقــول ان‬

‫أ‬
‫‪552‬‬

‫ســرعته اكــبر مــن هــذا الناتــج كمــا قــال هــو‬


‫)قبل( ول نعلم بكم من الزمان قبل‪.‬‬

‫صــنا مــن المشــكلة الولــى فلنلحــظ‬ ‫تخل ّ‬


‫المشكلة الخرى‪ .‬ان قوله )يرتــد( عــام أيضــا ً‬
‫دد عــن أي شــيء يرتــد وكــم بعــده‬
‫فهو لم يح ّ‬
‫عن عين سليمان لنقوم بمقارنة ســرعته مــع‬
‫سرعة الرتداد والتي هي سرعة الضوء‪ .‬كلما‬
‫كان الشــيء أقــرب إلــى ســليمان كلمــا ازداد‬
‫الفارق بالسرع وكلما كان أبعد عــن ســليمان‬
‫كلما قل هذا الفارق‪.‬‬

‫سنختار إذن مسافة معقولة فالذي يجلــس‬


‫في مجلــس فغالب ـا ً مــا يقــع نظــره علــى مــن‬
‫يقــابله مــن الشــخاص والشــياء ومتوســط‬
‫النظر فــي مثــل هــذه الحــوال وبخاصــة فــي‬
‫الجتماعات هو ثلثة أمتار‪.‬‬

‫ولما كان البعد عــن اليمــن ‪ -‬وتحديــدا ً ســبأ‬


‫عاصـــمة الملكـــة هـــو بحـــدود ) ‪ (3000‬كـــم‬
‫فــالمعنى هــو ان آصــف يــأتي بــالعرش مــن‬
‫أ‬
‫‪553‬‬

‫اليمـــن )‪ 3000‬كـــم( قبـــل وصـــول الشـــعاع‬


‫)الضـــــــــــــوء( مـــــــــــــن مســـــــــــــافة‬
‫)‪ 3‬م( إلى عين سليمان‪.‬‬

‫إذن فهو ينقله بأسرع من الضوء‪ .‬ويمكننــا‬


‫حساب كم مرة أسرع من الضوء إذا افترضــنا‬
‫ه المســافة بنفــس زمــن‬
‫كما مّر انه ينقله هذ ِ‬
‫الرتداد ل قبله‪.‬‬

‫سرعة الضوء = ‪ 300.000‬كم‪/‬ثانية‬

‫كم‬
‫‪3×01‬‬ ‫‪8‬‬
‫‪ 300000‬كم‬
‫‪3‬‬ ‫‪3‬م‬
‫مــ ّرة‬ ‫= ‪810‬‬ ‫=‬

‫إذن فهو ينقله بسرعة تفوق سرعة الضوء‬


‫بمائة مليون م ـّره عنــد التســاوي ولكنــه قــال‬
‫)قبل( وإذن فهو ينقله أسرع من هذا التقدير‬
‫بكثير‪.‬‬

‫أما إذا افترضنا ان الرتــداد عــن أي شــيء‬


‫ح فليكــن مثل ً ارتــداد‬
‫بل تحديــد وهــو الصــ ّ‬
‫أ‬
‫‪554‬‬

‫الشعاع عن يد سليمان عليه السلم نفســه إذ‬


‫أعجبــه ان ينظــر إلــى يــده ففــي هــذه الحالــة‬
‫ترتفع سرعة الجلب ارتفاعا ً آخر لعدة إضعاف‬
‫قد تصــل إلــى آلفــي مليــون مــرة أســرع مــن‬
‫الضوء‪.‬‬

‫سرعة نقل الجّان‬

‫لنفـــرض أن قيـــام ســـليمان سيســـتغرق‬


‫ثانيتين فقط فالجّان ينقل العــرش قبــل هــذا‬
‫الزمن‪":‬قبل ان تقوم من مقامك"‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫والضوء يسير في ثانيتين مسافة هي ‪× 6‬‬
‫‪ 10‬كم‬

‫ومسافة النقــل هــي ‪ 3000‬كــم‪ ،‬إذن فهــو‬


‫ينقله اقل من سرعة الضوء بعدد من المــرات‬
‫يمكن حسابه كما يلي‪:‬‬

‫‪6× 10 8‬‬
‫‪3×01 3‬‬
‫= ‪3× 10 3‬‬

‫أ‬
‫‪555‬‬

‫إذن فهــو ينقــل العــرش بســرعة اقــل مــن‬


‫ســرعة الضــوء بمــأتي ألــف مــرة أو بســرعة‬
‫‪ 1500‬كم‪/‬ثانية‪.‬‬

‫والفارق بين السرعتين هــو حاصــل ضــرب‬


‫مئة مليــــون وخمســــين الفــــا ً ويســــاوي‪:‬‬
‫‪ 1210 × 15‬أي خمســة عشــر ألــف مليــار‬
‫مّرة‪.‬‬

‫ان هذا الفارق المهول هــو بيــن اســرع مــا‬


‫يمكن من نقل الجان مــع اقــل مــا يمكــن مــن‬
‫ل‬
‫نقل آصــف بحســب مــا تــدل عليــه عبــارة ك ـ ٍ‬
‫منهما‪.‬‬

‫مــن المؤكــد ان عفريــت الجــان قــد طأطــأ‬


‫رأســه خجل ً بعــد ان رأى عــر َ‬
‫ض آصــف وقــد‬
‫تحقق‪.‬‬

‫إذن فطريقة آصف في النقل مختلفة عــن‬


‫طريقة الجان‪ ،‬أنها بسرع غير مادية ل علقــة‬
‫لها بقوانين الحركة‪.‬‬

‫أ‬
‫‪556‬‬

‫اما طريقة الجان فهي طريقة مادية‪ ،‬ولما‬


‫كــانت الكتلــة تــزداد مــع الســرعة فــان نقــل‬
‫العرش بهذه السرعة العالية ‪ 1500‬كــم‪/‬ثانيــة‬
‫يجعله عرضة للصابة أو الصطدام أو الكســر‪،‬‬
‫وهذا هو السبب الذي جعله يؤكد قــائ ً‬
‫ل"وانــي‬
‫ي أمين"‪.‬‬
‫عليه لقو ّ‬
‫ج لمثل تلــك العبــارة لن‬
‫اما آصف فلم يحت ْ‬
‫اسلوبه في النقل مختلف‪ ،‬فهو ينقله باســرع‬
‫من الضوء بمأة م ـّرة ومثــل هــذه الســرعة ل‬
‫علقة لها بقوانين الحركة التي نعرفها‪.‬‬

‫لقد أكد العلماء حديثا ً على وجود سرع في‬


‫الكون تلئم مساحته الشاسعة فالضوء يحتــاج‬
‫إلى مليون ســنة للحركــة مــن نجــم إلــى نجــم‬
‫آخر داخــل المج ـّرة‪ ،‬لكنهــم يعلمــون أيض ـا ً ان‬
‫هذا شيء نظري فقط فليس لــدينا مــا نــدرك‬
‫به هذه السرع‪.‬‬

‫أن آصــف لــم ينتظــر مــن ســليمان عليــه‬


‫الســلم إجابــة عــن العــرض الــذي قــدمه‪ .‬ان‬
‫أ‬
‫‪557‬‬

‫الموقف ل يحتاج إلى انتظار إجابة‪ ،‬فمن هــو‬


‫السرع في النقل هو الفــائز‪ ..‬هــذا يعنــي ان‬
‫الجان هو الخر لم ينتظر إجابة فقد بدأ فورا ً‬
‫بالنقل وحينما قــال العبــارة وبــدأ العمــل لــم‬
‫يكن قد قطع عشر مسافة الذهاب حــتى كــان‬
‫آصــف قــد جلــب العــرش فعل ً وحينمــا وصــل‬
‫اليمن بعد ثلثي الثانية لم يجد العرش فقفــل‬
‫راجعًا‪.‬‬

‫ولــذلك فليــس هنــاك زمــن إضــافي لــذكر‬


‫إجابة أو محاورة فــإذا انتهــى آصــف مــن ذكــر‬
‫عبــاراته ولــم يــأتي بــالعرش يكــون قــد اخ ـ ّ‬
‫ل‬
‫بالوعــد الــذي قطعــه فجــاء الســياق القرآنــي‬
‫معّبرا ً عن ذلك بقوله‪:‬‬

‫]‪...‬أنا آتيك به قبل ان يرتد اليــك طرفــك‬


‫ما رآه مستقرا ً عنــده قــال هــذا مــن فضــل‬
‫فل ّ‬
‫ي‪‬‬
‫رب ّ‬

‫أ‬
‫‪558‬‬

‫لن هذا ما حــدث بالفعــل فقــد تــم النقــل‬


‫خلل نفس العبارة ومن المؤكد ان آصــف لــم‬
‫يتحرك من موضــعه‪ ،‬فلــم يــره ســليمان عليــه‬
‫السلم هابطا ً خلل نزوله على الرض محــدثا ً‬
‫صوت ا ً بل )مستقرا ً عنده( وهــي العبــارة الــتي‬
‫تفيد ان النقــل ليــس مادي ـا ً اول ً ول يســتغرق‬
‫زمنا ً مذكورا ً ثانيًا‪.‬‬

‫ان طريقــة الجــان ماديــة وحســب قــوانين‬


‫الحركة فان بلوغ الســرعة قريب ـا ً مــن ســرعة‬
‫الضوء يجعل الكتلة بملييــن الطنــان فتقــوم‬
‫بتدمير الموضــع وتجعــل العــرش نفســه هبــاءً‬
‫منثورا ً وهذا هو التحديد الذي يزعج الجان من‬
‫ان يزيد من السرعة ولذلك اضطر إلــى تأكيــد‬
‫عــاملين عامــل القــوة لزيــادة الكتلــة وعامــل‬
‫المان لحتمال الته ّ‬
‫شم‪:‬‬

‫ي أمين"‪.‬‬
‫"وأني عليه لقو ّ‬

‫أ‬
‫‪559‬‬

‫ان غايتنا من هذا الشرح هــو التأكيــد علــى‬


‫ان آصف لم يتلفظ بالسم العظم بأية هيئة‪،‬‬
‫فلم يكن لديه الوقت الكافي لذلك‪.‬‬

‫ومن هنا نعلم ان تأثير السم العظــم هــو‬


‫بمعرفته المتعلقة بالموجودات وليس بمعرفة‬
‫ألفاظه‪.‬‬

‫من هو آصــف؟ ان القــرآن يشــير إلــى انــه‬


‫صاحب معرفــة لكنهــا ليســت معرفــة إنســانية‬
‫آتية من التجربة‪ ،‬انها معرفة إلهية‪:‬‬

‫م من الكتاب"‪.‬‬
‫"قال الذي عنده عل ّ‬
‫م‬
‫ان عند آصــف علــم )مــن الكتــاب(‪ ،‬ل عل ـ َ‬
‫الكتـــاب كلـــه‪ ،‬وعليـــه فبإمكاننـــا ان نـــدرك‬
‫القدرات التي يمتلكها من عنده علــم الكتــاب‬
‫كله‪ ،‬اعنــي كلمــات الشــجرة المباركــة والــتي‬
‫اولهــا فــي التكــوين وآخرهــا فــي الظهــور‬
‫مشكاة النور اللهي )محمد( رسول الله‪.‬‬

‫أ‬
‫‪560‬‬

‫السم العظم والرسول العظم‬ ‫‪42‬‬

‫ان هــذه التســميات متلئمــة مــع بعضــها‬


‫فقولهم محمد صــلى اللــه عليــه وآلــه وســلم‬
‫اشـــرف الكائنـــات أو ســـيد الكائنـــات ملئم‬
‫و والرفعــة فهــو‬
‫للموصوف اذ الشرف هو العل ّ‬
‫أعلى الموجــودات فهــو إذن أقــوى منهــا‪ ،‬لن‬
‫)النا( عنده بلــغ درجــة النعــدام فلــم يقــترب‬
‫بهذا القرار من الحقيقة بل كــان هــو نفســه‬
‫حقيقــة وبالتــالي يرتفــع علــى الموجــودات‬
‫م بهــا لن‬ ‫ويمتلك القدرة التامة علــى التحكــ ّ‬
‫م محكــوم باللوهيــة أص ـل ً فالــذين‬ ‫هذا التحك ـ ّ‬
‫ون من أهمية الكلمات بحجة الــدفاع عــن‬
‫يقلل ّ‬
‫الوحدانية هم مثل إبليس الذي رفض السجود‬
‫لدم بحجة انه ل يسجد لغير الله‪.‬‬

‫ان إلهيئة الكبر للسم العظم هي معرفة‬


‫ة تجعــل المــرء أعلــى مــن بــاقي‬
‫اللــه معرفــ ً‬
‫الموجــودات مــن خلل القــرار بفنــاء النــا‪،‬‬
‫والفائز بهذه المعرفة هو فــي النهايــة أقــوى‬
‫أ‬
‫‪561‬‬

‫الموجـــودات ‪ -‬لننـــا قلنـــا ان الفـــرق بيـــن‬


‫المحدود واللمحدود هو فرق ل محدود أيضــًا‪،‬‬
‫فــإذا كــان القــوى فــي الوجــود هــو الكــثر‬
‫خضــوع ا ً للــه فــان مقــولت المتحــذلقين عــن‬
‫ء‪.‬‬
‫و في الكلمات تذهب هبا ً‬
‫الغل ّ‬
‫ان النبي صلى الله عليــه وآلــه وســلم هــو‬
‫)كلمة الله( التي جعلها العليا بقوله‪:‬‬

‫] وجعــل كلمــة الــذين كفــروا الســفلى‬


‫وكلمة الله هي العليا ‪‬‬

‫وهي اليــة الــتي تتحــدث عنــه حينمــا كــان‬


‫ثاني اثنين بمفردهما في الغار‪.‬‬

‫وإذا كان المســيح عليــه الســلم كلمــة مــن‬


‫الله وبمقدوره أحياء الموتى فان النبي صلى‬
‫اللــه عليــه وآلــه وســلم كــان بمقــدوره أحيــاء‬
‫المــوتى المتحركيــن علــى الرض وتحريــك أو‬
‫أحياء الجمادات‪ ،‬وهو سنلحظه قريبًا‪.‬‬

‫أ‬
‫‪562‬‬

‫فالشياء تتحرك وفق أرادته إذ كــان لــديك‬


‫تحليل دقيق لبعض الحوادث وهو أمر لم يتأت‬
‫لحد قبله قط‪.‬‬

‫ان أحياء الكلمــة فــي القلــب اكــثر صــعوبة‬


‫من أحياء الجسد الميت‪ ،‬ومع ذلك فقد برهــن‬
‫علــى ذلــك عملي ـا ً حينمــا قــام بــأمر اكــبر هــو‬
‫إخراج الكلم من الجماد‪.‬‬

‫فحينما طلــب زعمــاء المل مــن قريــش ان‬


‫يريهــم آيــة بمعــزل عــن قــومهم جــاءوه ليل ً‬
‫وطلبــوا ان يكــون ذلــك ســرا ً بينهــم وبينــه‪،‬‬
‫فتشاوروا في اقتراح آيــة مــن اليــات اعظــم‬
‫مما جاء بــه موســى والمســيح عليــه الســلم‪،‬‬
‫ولــذلك اقــترحوا عليــه ان يحــي الكلمــة فــي‬
‫الجماد‪.‬‬

‫لقد عملوا بكل ما تفتقت به عقــولهم بعــد‬


‫مشاورات اخرى مع اليهود‪ ،‬وكــان هــؤلء هــم‬
‫المل مــن قريــش ل امكــر منهــم فــي العــرب‬
‫يومئذ‪.‬‬
‫أ‬
‫‪563‬‬

‫خرجــوا إلــى جبــل مــن جبــال مكــة والنــبي‬


‫صــلى اللــه عليــه وآلــه وســلم معهــم يرافقــه‬
‫)المام علي( الذي ذكر الحادثة في ما بعد‪.‬‬

‫قالوا‪ :‬قل لهذا الجبــل يشــهد لــك بالوليــة‬


‫والنبوة والرسالة! لقــد أجــاب الجبــل بلســان‬
‫ي صــلى اللــه عليــه‬
‫ما سأله النب ّ‬ ‫عربي مبين ع ّ‬
‫وآله وسلم مقرا ً له بما أراد‪.‬‬

‫وحينما زعموا ان ّــه بــث بيــن صــخور الجبــل‬


‫اتبــاعه فــي تلــك الليلــة المقمــرة ليقومــوا‬
‫بالجابة بدل ً عن الجبل أمر الجبل ان يســقط‬
‫من أحجاره وان تخرج الكلمات مــن كــل حجــر‬
‫هل عليهم عمليــة‬
‫على انفراد من اجل ان يس ّ‬
‫التفتيش عن الرجــال المزعــومين‪ ،‬بيــد انهــم‬
‫وجــدوا الصــخور كــانت صــلدة جــدا ً ول يمكــن‬
‫كسرها للعثور على الرجــال فــي داخلهــا وان‬
‫تهاويها من الجبل كان شديدا ً ومدعاة للــذعر‬
‫كما لو كان الجبل يتمزق من داخله‪.‬‬

‫أ‬
‫‪564‬‬

‫لقد اقترحوا ذلــك لنهــم يــدركون ان مثــل‬


‫هذا الطلب اكثر صــعوبة مــن أحيــاء ميــت لن‬
‫ل متجسدا ً بصورة الحي لكونه كان‬
‫الميت يظ ّ‬
‫حيا ً يوم ا ً ما ويغلــب علــى الذهــان ان للميــت‬
‫شبحا ً أو روحا ً أو نفسا ً لــذلك اقــترحوا إحلل‬
‫الحياة في الجماد‪.‬‬

‫وحينما فشلت محاولتهم ظنوا ومرة أخرى‬


‫ان أبعد شيء عن النطق والكلم هــو النبــات‪،‬‬
‫لن الجمــاد وان لــم ينطــق مــن قبــل ال انــه‬
‫يظل مجهول ً ل نعرف ماهيت ُ‬
‫ه‪ ،‬فهنــاك أحجــار‬
‫تســـتعمل لتحريـــك الرواح أو جلـــب الخيـــر‬
‫والشــر عنــد بعــض الكهنــة والعرافّيــن‪ ،‬امــا‬
‫النبــات فــانه يؤكــل مــن النــاس والحيــوان‬
‫ويدخل المعدة والكــرش وتحــرق جــذوعه فــي‬
‫النار وفي كل ذلك ل ينطق أبدًا‪.‬‬

‫لــذلك اقــترحوا ان يــأمر شــجرة عظيمــة‬


‫باســقة فــي داره يأمرهــا ان تــذهب وتعــود‬
‫وتنشطر إلــى نصــفين يــذهب أحــدهما ويــأتي‬
‫أ‬
‫‪565‬‬

‫الخــر ثــم طلبــوا ان ينطبــق النصــف علــى‬


‫النصف الخر وتعود كما كانت وحينمــا وجــدوا‬
‫ان الكلمة تخرج وتدخل وتروح وتــأتي مذعنــة‬
‫لــه طائعــة فــي كــل ذلــك ثــم تنطــق الشــجرة‬
‫فتشــهد لــه بــالنبوة والرســالة فــي الجمــاد‬
‫والنبات على حد سواء اكتفــوا بترويــج فكــرة‬
‫السحر كســبا ً للــوقت الــذي يحتــاجونه للبحــث‬
‫عن اختبار جديد تكون فيه المــادة أقــوى مــن‬
‫الكلمة‪.‬‬

‫وكــل ذلــك منهــم انمــا هــو غبــاء منقطــع‬


‫النظيــر لن المــادة مــا كــانت ولــن تكــون ال‬
‫وليدة الكلمة جارية في ناموســها مذعنــة لهــا‬
‫فلن تكون اقوى منها بأي حال من الحوال‪.‬‬

‫هذا قسم من نص الواقعة‪:‬‬

‫] ‪ ...‬اا ااا اااا اااا ااا اااا ااا ا‬


‫ااا ا اا اا ا ا اااا ا ااا ااا اا اا اا‬
‫اااااا ااااا اااااا ااااا ااااااا اا ا‬

‫أ‬
‫‪566‬‬

‫اااا اااا ااااااا ااااا ااااا ااا ا اا ا‬


‫ا ا اااا ااا ااا اا ا ا اا اا ااا ا ا اااا‬
‫ااااا ا اااااا ا اا ااا ااا ا اا ااا ااا‬
‫ااا اااا ا اااااا ااااااا ااا اااا ااا ااا‬
‫اا اا ااا ا ا اا ااا ا ااا ا ااا ا ااااا اا‬
‫ااااا اااااا اااااا ااا اااا ااا ا ا اا‬
‫اااا اااا اااا ااااا ااااااا ااا ااااا‬
‫ااا اااا ااااا ااا اااا اااا اااا ااا ا‬
‫اا ااااا اا اا ا اا ا ا اااا ‪-‬اا ا اا‬
‫ااا ااااا ااااااا ااااا‬
‫اااااااا اا‪- -‬اا ا‬
‫اا ااا ااااا ا ا ااا اااا ا ااا ا اا ااا‬
‫اا اااا ااا اا اااا‬
‫ا اااا ااا ا ااااا ا اااا ا‬
‫ااااا اااا ااا اااا اااا ااا ا اا اااا ‪-‬‬
‫ااا ااااا‬
‫اا اا‪ -‬ا ا ااااا اا ا ا اااا ا‬
‫‪-‬ااا ااا اا ا‬
‫اا ا ااااا ااا ااااا ااا اااا اااا اااا‬
‫ا‬
‫اا ا ااااا ااااا‪ :‬اا ااا ااا ااااا اا ااااا‬
‫ا ا اا اااا اا ااا ااا ااا ا ا ا ااا ا ا ااا‬
‫ااا ا اا ااا ااااااا ا اااااا ااااااا ا‬

‫أ‬
‫‪567‬‬

‫اا ااا اا‬


‫اا اا ااا ا ااااا ا‪:‬ا ا ا ا اا ااا اا ا‬
‫ااا اا اا‬
‫ااا اا ا ا‬
‫ااا ااا اااا اااا اااا ا‬
‫اا اا‬
‫اا ا ا ااا… ‪ ‬النص من آخــر الخطبــة ‪/192‬‬
‫نهج البلغة‪.‬‬

‫] وإن يــروا آيــ ً‬


‫ة ُيعرضــوا ويقولــوا ســحّر‬
‫مستمر ‪ 2/54‬‬

‫أ‬
‫‪568‬‬

‫معجــــَزة‬
‫ســـحُر وال ُ‬
‫ال ِ‬ ‫‪43‬‬

‫ســـحُر بـــالكفر فـــي الـــتراكيب‬


‫ارتبـــط ال ِ‬
‫القرآنية ارتباطا ً مستمرا ً )بالقتران المتصل(‬
‫وفق منهجنــا‪ ،‬فــي حيــن لــم يــرد لــه أي ذكــر‬
‫مقــترن بالشــرك مطلق ـًا‪ .‬ان ســبب ذلــك هــو‬
‫وضوح الفرق بين السحر والمعجزة بحيــث ان‬
‫الذي يرى المعجزة ويزعم انها سحر ل ُيخطئ‬
‫خطئا ً عقليا ً وانما يصدر الرفض والدعاء مــن‬
‫ه المسبقة‪.‬‬
‫ه وبارادت ِ‬
‫قلب ِ‬
‫إذن فالمزاعم القائلة بعدم وضــوح الفــرق‬
‫بيــن الســحر والمعجــزة مزاعــم كاذبــة‪ ،‬وهــذه‬
‫ل السحرة دوما ً والى‬
‫مة‪ ،‬فقد استغ ّ‬
‫مسألة ها ّ‬
‫هــذه اللحظــة مثــل هــذه الصــفة فــي النــاس‬
‫فحاولوا التيان بأفعال يزعمــون انهــا معــاجز‬
‫هبــت لهــم فــي الــوقت الــذي‬
‫أو )كرامــات( و ُ‬
‫كانوا يجّرون فيه الناس إلى عبــادة الســحرة‪.‬‬

‫أ‬
‫‪569‬‬

‫مجمــع‬
‫فالســاحر كــافر فــي النــص النبــوي ال ُ‬
‫عليه‪ ،‬وهذا هو السبب الذي جعل النــص يؤكــد‬
‫على صفة الساحر لنه يحاكي النص القرآني‪.‬‬

‫ح المــر‪.‬‬
‫وبعد ان عرفنا الكــافر فقــد توض ـ ّ‬
‫لننا قلنا ان الكافر ليــس هــو المنكــر لوجــود‬
‫الله انمــا الكــافر هــو الــذي يظهــر لــديه النــا‬
‫مقابل الله‪.‬‬

‫فالمر معكوس على هذا النحو لن الكــافر‬


‫يستخدم قوة الله ليقابل بهــا قــوة اللــه‪ ،‬انــه‬
‫الكــافر القــوي الكفــر أكــثر اعتقــادا ً وارســخ‬
‫إيمان ا ً بتلك القوى من المؤمن الضعيف‪ ،‬لنها‬
‫وسيلة للكفر‪ ،‬فالكفر ليــس اعتقــاد انمــا هــو‬
‫اختيار وسلوك‪ ،‬ال ترى ان )الكافر حقًا( فــي‬
‫القرآن هو ذلــك المعتقــد بجميــع العتقــادات‬
‫مة إل ّ انه كفَر ببعضها فقط؟‬
‫الها ّ‬
‫]‪ ...‬ويريدون ان يفرقوا بين الله ورســله‬
‫ويقولون نؤمن ببعض ونكفُر ببعض ويريــدون‬

‫أ‬
‫‪570‬‬

‫ان يتخــــذوا بيــــن ذلــــك ســــبيل ً أولئك هــــم‬


‫الكافرون حقا ً ‪ 15/4‬‬

‫ولمــا كــان الســح ُر يســتخدم جميــع القــوى‬


‫الممكنــة فــي محاولــة لتســخيرها وتحقيــق‬
‫أهدافه الخاصــة فــي )النــا( فــان الكــافر هــو‬
‫الوحيد القادر على ان يكون ســاحرًا‪..‬ليمــانه‬
‫بتلك القوى ومعرفته بها ولذلك فهو يتوســل‬
‫لتســخير تلــك القــوى بأســماء اللــه وصــفاته‬
‫وجبروته‪.‬‬

‫وحينمــا يــأتي رســول معيــن بمعجــزة مــا‪،‬‬


‫يرفض الكافر تلك المعجزة ويحاول تفسيرها‬
‫بالســحر ل لكــونه اخطــأ فــي الحســابات بــل‬
‫العكــس تمامــا ً فهــو يعلــم جيــدا ً هــذا الفــرق‬
‫الكبير بيــن الســحر والمعجــزة فيكــون رفضــه‬
‫للمعجزة صادرا ً عن إرادة واعية لها وتخطيــط‬
‫مسبق‪.‬‬

‫أ‬
‫‪571‬‬

‫لهذا السبب لم ينكر المعجزة ويزعــم انهــا‬


‫ســحر ال ّ الكــافر‪ ،‬فلــم يفعــل ذلــك المشــرك‬
‫لحظ الموارد القرآنية‪:‬‬
‫] فقــال الــذين كفــروا منهــم ان هــذا ال ّ‬
‫سحّر مبين ‪ 110/5‬‬

‫] وقال الذين كفروا للحق ل ّ‬


‫ما جــاءهم ان‬
‫هذا ال ّ سحّر مبين ‪ 43/34‬‬

‫] وقال الذين كفروا للحق ل ّ‬


‫ما جاءهم هذا‬
‫سحّر مبين ‪ 7/46‬‬

‫دد‬
‫لكن النص القرآني في أحــد المــوارد حــ ّ‬
‫هذا المقــول بالكــافرين فقــط‪ ،‬وذلــك حينمــا‬
‫ة من اليات‪:‬‬
‫يروا اي ً‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫] ولــو نزلنــا عليــك كتابــا فــي قرطــا ٍ‬
‫س‬
‫فَلم ُ‬
‫ســــــــــــوهُ بأيــــــــــــديهم لقــــــــــــال‬
‫الذين كفروا ان هذا ال ّ سحّر مبين ‪ 7/6‬‬

‫كــذلك حينمــا يريهــم آيــة تــدل علــى احيــاء‬


‫الموتى‪:‬‬

‫أ‬
‫‪572‬‬

‫] ‪ ...‬ولئن قلــت انكــم مبعوثــون مــن بعــد‬


‫المـــــــــــــــــــــــوت ليقـــــــــــــــــــــــولن‬
‫الذين كفروا ان هذا ال ّ سحّر مبين ‪ 7/11‬‬

‫ملحظة‪ :‬انتبــه إلــى تطــابق أرقــام اليــات‬


‫للموضوع الواحد!‬

‫معلوم انه ل يقول لهم انهم مبعوثون مــن‬


‫بعد الموت مجرد قول فقد عزّزه بدليل مادي‬
‫شاخص هو أحياء مــوتى بالفعــل لــذلك قــالوا‬
‫هذا سحّر مبين‪.‬‬

‫ولقد فعلوا الشيء نفسه مع موسى عليــه‬


‫الســلم إذ جمعــوا الســحرة‪ ،‬والــذين آمنــوا‬
‫بموســى عليــه الســلم فعلــوا الشــيء نفســه‬
‫حينما بعث عيسى عليه السلم فأحيا الموتى‬
‫فقال تعالى مخاطب ا ً المسيح عليه السلم‪:‬‬

‫ت‬ ‫ف ْ‬
‫فــ ُ‬ ‫ج المــوتى بــإذني وإذ ك َ‬
‫]‪ ...‬وإذ تخر ُ‬
‫عن َ‬
‫ك إذ جئتهــم بالبّينــات فقــال‬ ‫بني إسرائي َ‬
‫ل َ‬

‫أ‬
‫‪573‬‬

‫الذين كفروا منهــم ان هــذا ال ّ ســحّر مــبين ‪‬‬


‫‪110/5‬‬

‫والشيء نفســه يتكــرر مــرة ثالثــة ورابعــة‪،‬‬


‫فالذين آمنوا بالمســيح عليــه الســلم بعضــهم‬
‫مد صــلى اللــه عليــه وآلــه وســلم‬ ‫فكفروا بمح ّ‬
‫حينما جاءهم بالبّينات مصــدقا ً لمــا بيــن يــديه‬
‫من التوراة والنجيل‪.‬‬

‫وة والرسالة يحــاول‬ ‫ى للنب ّ‬


‫معلوم ان المدع ّ‬
‫الســتقلل فينكشــف منــذ البدايــة امــا الــذي‬
‫يطابق فعله وقوله وكل ما جاء به من ســبقه‬
‫من الرسل ويشهد لهم مجددا ً بمعجزاته علــى‬
‫عيا ً‬
‫صــحة معجزاتهــم ل يمكــن ان يكــون مــد ّ‬
‫وكاذب ًا‪ .‬ان سبب هذا السلوك عند الناس انمــا‬
‫هو )النا( ورغبتــه فــي تضــييق النتمــاء إلــى‬
‫أدنــى حــدّ ممكــن‪ ،‬ويســتخدم الخــالق هــذه‬
‫المســألة بالــذات لبتلئهــم وغربلتهــم فكمــا‬
‫اخرج بالمسيح اكثر بني إسرائيل من اليمان‬
‫فــانه يخــرج اكــثر النصــارى بــابتلئهم بمحمــد‬
‫أ‬
‫‪574‬‬

‫صلى الله عليه وآله وسلم‪ ،‬ثــم يخــرج أكثريــة‬


‫من آمن بمحمد صلى اللــه عليــه وآلــه وســلم‬
‫بابتلئهم بكلمات الشجرة ‪ ..‬بــل ويجعــل آخــر‬
‫الكلمــات مــدعاة للنكــار والتكــذيب اكــثر مــن‬
‫سواها‪ -‬ذلــك لن الجن ّــة تــدخلها القليــة‪ ،‬امــا‬
‫ِ‬
‫س أجمعين(‪.‬‬
‫ة والنا ِ‬
‫جهنم )فيملها من الجن ِ‬
‫فــأن قلــت‪ :‬كيــف آمــن ســحرة فرعــون‬
‫بموسى وهرون عليه الســلم إذ كــان الســحر‬
‫والكفر صنوان ومصدرهما القلب؟‬

‫الحق ان في هــذه القصــة تفاصــيل أخــرى‬


‫يجهلها الغلبية‪ .‬فقد يمــارس المــرء عمل ً مــا‬
‫وتطلق عليه صفة ذلك العمل ومع ذلــك فهــو‬
‫غير مقتنع به رافض له في قلبه‪.‬‬

‫لقد كان السحرة في مصــر مكرهيــن علــى‬


‫مثل هذا العمل فعل ً فقد قالوا لفرعــون بعــد‬
‫دهم بالصلب وقطع اليدي والرجل‪:‬‬
‫ان هد ّ‬

‫أ‬
‫‪575‬‬

‫] أنــا آمنــا بربنــا ليغفــر لنــا خطايانــا ومــا‬


‫حر ‪ 73/20‬‬
‫س ْ‬
‫أكرهتنا عليه من ال ِ‬
‫وهناك سؤال آخر‪ :‬ما هو السبب الذي دعــا‬
‫فرعــون علــى إكراههــم علــى الســحر فــان‬
‫الــدلئل تشــير إلــى ان الســحرة كــانوا كــثرة‬
‫بالفعل قبل مجيء موسى؟ هنا تكمن الجابة‬
‫علـــى كافـــة التفاصـــيل الخـــرى المتعلقـــة‬
‫بالسحر‪.‬‬

‫لقد كان رواج السحر قضية مرتبطة بادعاء‬


‫اللوهيــة للفراعنــة‪ ،‬فكــانت الحاجــة تقضــي‬
‫بظهور سحرة يساندون الفرعــون فــي تأكيــد‬
‫هذه الدعوى وتقديم المساعدة له في تسخير‬
‫القوى الخفية‪ ،‬إذ ل بد له مــن ان يفعــل ولــو‬
‫بالمناسبات أشياء تدلل على ربــوبيته تنطلــي‬
‫علــى عمــوم الشــعب‪ ،‬وإذن فقــد تــم افتتــاح‬
‫مراكز للســحر فــي كــل البلد والترويــج لهــذا‬
‫العمل بحيث ان أكابر الســحرة يكونــون علــى‬
‫مقربــة مــن الفرعــون للســتعانة بهــم عنــد‬
‫أ‬
‫‪576‬‬

‫الحاجــة‪ .‬ان هــذا يعنــي ان اكــثر مــن يفهــم‬


‫أكذوبة الفرعون هم السحرة‪ ،‬بيد انهم كــانوا‬
‫مكرهين أمام سطوته وتجّبــره‪ ،‬ولــذلك كــانوا‬
‫هــم الفئة الوحيــدة الــتي آمنــت بموســى مــن‬
‫غير بني إسرائيل‪.‬‬

‫لقد كان فرعون هو زعيــم الســحرة ‪ -‬ذلــك‬


‫صورها‪:‬‬
‫الذي ظهرت عنده )النا( باجلى ُ‬
‫] فحشر فنادى فقال أنا ربكــم العلــى ‪..‬‬
‫[‬ ‫‪24/79‬‬

‫] أم أنا خيّر من هذا الــذي هــو َ‬


‫مهيــن ول‬
‫يكاد مبين ‪ 52/43‬‬

‫] وقــال فرعــون يــا أيهــا المل مــا علم ـ ُ‬


‫ت‬
‫ه غيري ‪ 38/28‬‬
‫لكم من إل ٍ‬
‫ما هو الفرق بين السحر والمعجزة؟‬

‫ان لفظ )المعجزة( لم يرد فــي القــرآن أو‬


‫الكتب المنزلة‪ .‬ان هذا اللفظ مدعاة لللتباس‬
‫الشــديد‪ .‬لن كــل فعــل مــن اختصاصــي هــو‬

‫أ‬
‫‪577‬‬

‫معجّز بالنسبة لك إذا لم يكــن مــن اختصاصــك‬


‫ح أيضًا‪.‬‬
‫والعكس صحي ّ‬
‫ان هذا الكتاب الذي اقوم بتأليفه مثل ً هـــو‬
‫ص أمي‪ .‬بل هــو معجــزة‬ ‫معجزة بالنسبة لشخ ٍ‬
‫بالنسبة لشخص يابــاني بــارع بصــناعة العقــل‬
‫اللكـــتروني ‪ .‬فمـــتى يمكنـــه تعلـــم العربيـــة‬
‫ودراســة الكتــب المنزلــة حــتى يمكنــه كتابــة‬
‫مؤلف كهذا‪ .‬وما يفعله هو معجّز بالنسبة لــي‬
‫إذ ل قدرة لــي علــى صــناعة عقــل إلكــتروني‬
‫كما يفعله ذلك المختــص‪ .‬كــل من ّــا عــاجز عــن‬
‫غير اختصاصه وقدراته‪ .‬إذن فسوف نســـتبدل‬
‫لفظ معجز بلفظ آخر اكــثر ملئمــة للموضــوع‬
‫وبعدا ً عن اللتباس‪ ،‬اللفظ القرآني )آية(‪.‬‬

‫فالسحر يختلف عن الية‪ ،‬لنه في الواقــع‬


‫ل يختلف عن المعجزة ما دام كل عمل خــاص‬
‫هو عمل يعجز عن القيام به غير المختص‪.‬‬

‫ان الية تعني ان العمل من فعل الله وهو‬


‫خارج عن ظواهر القوانين الــتي نعرفهــا عــن‬
‫أ‬
‫‪578‬‬

‫الشياء ويقع هذا الفعل علــى يــد الــولي‪ .‬ان‬


‫الفعــل هنــا فيــه نفــاذ إلــى جــوهر القــانون‬
‫الطــبيعي‪ .‬بينمــا الســحر مثلــه مثــل أي عمــل‬
‫اختصاصـــي آخـــر مرتبـــط بظـــاهر القـــانون‬
‫الطبيعي فقط‪.‬‬

‫ان هذا التفريــق هــام جــدّا‪ ،‬وهنــاك ثمانيــة‬


‫اوجه أو اكثر من الختلف الشديد بين السحر‬
‫والية وهي عناصر داخليــة فــي موضــوع كــل‬
‫منهما وهذه العناصــر هــي‪ :‬المكــان‪ ،‬الزمــان‪،‬‬
‫الموضوع‪ ،‬النتقال‪ ،‬السرعة‪ ،‬القــوة‪ ،‬التــأثير‪،‬‬
‫والمناسبة‪ ،‬والمان‪ ،‬والوقت‪.‬‬

‫وسأشرح هــذه العناصــر باختصــار شــديد ل‬


‫سع فيه‪:‬‬
‫يغني عن قيامكم بالتو ّ‬
‫دد الســاحر بمكــان معيــن‪ ،‬بخلف‬
‫‍أ‪ -‬المكان‪ :‬يتح ّ‬
‫الــولي الــذي يمكنــه ان يــأتي باليــة فــي أي‬
‫دد الســاحر بالمكــان هــو بســبب‬
‫مكان‪ .‬ان تح ـ ّ‬
‫احتياجه إلى أدوات خاصة بعمله مثل أي عمل‬
‫آخــر إضــافة إلــى مــا يفرضــه الموضــوع مــن‬
‫أ‬
‫‪579‬‬

‫تحديد مكاني مسبق‪ .‬رأينا ان النبي صلى الله‬


‫عليه وآله وسلم سار مع المل من قريش ولم‬
‫يخبروه بنوع الية حتى يعلم المكــان مســبقًا‪،‬‬
‫بل ذهب معهم إلى الجبل وهناك اقــترحوا ان‬
‫يشهد له الجبل بالرسالة‪.‬‬

‫دد الساحر بالزمــان أيض ـًا‪ .‬فهــو‬


‫‍ب‪ -‬الزمان‪ :‬يتح ّ‬
‫الــذي يقــوم بتحديــد زمــان الفعــل لتحقيــق‬
‫المطلوب‪ .‬انه يقول لك تأتيني في وقت كــذا‬
‫من يوم كذا‪ .‬بينما الولي ل يحدد زمانا ً معينــا ً‬
‫دد له زمن الية‪ .‬مثال‬
‫بل الطالب هو الذي يح ّ‬
‫مهــا النــبي صــلى اللــه عليــه‬
‫الشجرة الــتي كل ّ‬
‫وآله وسلم يصلح لذلك إذ انهم اقــترحوا ذلــك‬
‫دد فرعــون زمــن‬
‫فجأة خلل العودة‪ .‬كــذلك ح ـ ّ‬
‫اللقاء بين موسى والسحرة‪ .‬بينما المفــروض‬
‫ي‬
‫حصـــول العكـــس لن موســـى هـــو المـــدع ّ‬
‫دوا عليه بأن ما يفعله هو‬ ‫بالدعوة الجديدة ور ّ‬
‫ســحر فيفــترض ان يقــوم هــو بتحديــد زمــن‬
‫اللقاء‪.‬‬

‫أ‬
‫‪580‬‬

‫دد زمــن اللقــاء‬


‫فان قلت فأنه هو الــذي ح ـ ّ‬
‫لقوله تعالى‪:‬‬

‫]‌‪ ...‬فلنأتينــك بســحر مثلــه فاجعــل بيننــا‬


‫وبينــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــك‬
‫ت مكانــا ً ُ‬
‫ســوى ‪‬‬ ‫موعــدا ً ل نخلفــه نحــن وأنــ َ‬
‫‪58/20‬‬

‫‍فقال موسى ‪ ..‬قال موعدكم يوم الزينة‬


‫ضحى ‪ 59/20‬‬
‫س ُ‬
‫حشر النا ُ‬
‫وان ي ُ‬
‫دد الزمــن ‪ -‬يــوم الزينــة ‪-‬‬
‫‍نعم هو الــذي ح ـ ّ‬
‫لكن التأجيل كان من مطالبهم‪:‬‬

‫ن‬ ‫ه وأخاه وأرس ْ‬


‫ل فــي المــدائ ِ‬ ‫] قالوا أر ْ‬
‫ج ِ‬
‫[‬ ‫حاشرين‪ .‬يأتوك بك ـ ّ‬
‫ل ســحاّر عليــم‪111- ..‬‬
‫‪112/7‬‬

‫إذن فهــم الــذين طلبــوا الــوقت الضــافي‬


‫حتى يأتي السحرة ويقوموا باتمــام اعمــالهم‬
‫وتدريباتهم وجمــع أدواتهــم الخاصــة والقيــام‬

‫أ‬
‫‪581‬‬

‫دد )يوم الزينــة(‬


‫ما موسى فح ّ‬
‫بتجارب أولية‪ ،‬ا ّ‬
‫‪ -‬ضمن فترة التأجيل التي طلبوها‪.‬‬

‫دد الساحر بموضــوع معي ّــن‪ ،‬ول‬


‫ج‪ -‬الموضوع‪ :‬يتح ّ‬
‫‍ ‍‬
‫يحدث مثل ذلك للــولي‪ ،‬فاليــات غيــر محــددة‬
‫بموضوع‪ ،‬وانما تتم اكثر الحيان وفق طلبات‬
‫غريبــة يطلبهــا النــاس‪ .‬ومثــال ذلــك الســئلة‬
‫المتنوعة جدا ً والمطــالب المختلفــة المقدمــة‬
‫للمسيح عليه الســلم‪ .‬واقــتراح )ثمــود( علــى‬
‫صالح عليــه الســلم ان يخــرج لهــم ناقــة مــن‬
‫الجبل‪ .‬اقتراحات عديدة لبني اســرائيل علــى‬
‫موسى عليه السلم‪ .‬اقتراحات مماثلة للعرب‬
‫على النبي صــلى اللــه عليــه وآلــه وســلم ول‬
‫يستطيع الساحر تلبيــة أي مطلــب‪ .‬انــه محــدد‬
‫بموضوع واحد يجيد فعله وبحدود معينة داخل‬
‫ذلك الموضوع في القوة والزمان والمكان‪.‬‬
‫د‪ -‬النتقال‪ :‬يرسل الولي نائبا ً عنه ‪ -‬رسول ً ثانيا ً‬
‫‍‬
‫وبمقدوره نقل قدراته إلــى النــائب‪ .‬والنــائب‬
‫يســتطيع نقــل قــدراته إلــى غيــره وهــو أمــر‬
‫أ‬
‫‪582‬‬

‫دده طبيعة الموضوع والغاية والزمن ولكــن‬


‫تح ّ‬
‫الساحر يستحيل عليه نقل قدراته إلى غيــره‪.‬‬
‫م غيــره طــرائق الســحر‬
‫يستطيع فقط ان يعل ّ‬
‫انــه مثــل رجــل يعــرف ســياقة الســيارة‪ ،‬فل‬
‫يستطيع نقل هذه القدرة إلــى آخــر ل يعــرف‬
‫مــه الســياقة‬
‫سياقة السيارة‪ .‬يســتطيع ان يعل ّ‬
‫ويدّربه عليها‪.‬‬

‫نلحــظ خاصــية النتقــال فــي رســل المســيح‬


‫عليه السلم كما نلحظها في الولي وعلقته‬
‫بالنبي صــلى اللــه عليــه وآلــه وســلم‪ .‬فحيــث‬
‫يعجز الصــحابة عــن فعــل كــان ُيرســل الــولي‬
‫ليقوم به بالنيابة عنــه‪ ،‬مــع ان تلــك القــدرات‬
‫موجودة لدى الــولي‪ ،‬لــذلك فأنهــا تظهــر فــي‬
‫الرجــال العــاديين جــدا ً ‪ -‬ومثــل هــذه الوقــائع‬
‫كانت كثيرة جدَا‪ ،‬فظهورها عند العــاديين هــو‬
‫ة النتقال لن اليــة قــدرة كامنــة فهــي‬
‫بخاص ٍ‬
‫غيــر متعلقــة بالقــانون الطــبيعي ولــذلك ل‬
‫مها‪.‬‬
‫يحتاج المتلقي إلى ان يتعل ّ‬

‫أ‬
‫‪583‬‬

‫ه‪ -‬السرعة‪ :‬لحظنا موضــوع الســرعة فــي قصــة‬


‫‍‬
‫جلب العرش‪.‬‬

‫‍ان الفوارق بين جلب آصــف وجلــب الجــان‬


‫هو من جملة الفوارق بين السحر والية‪.‬‬

‫‍ان السحر مرتبط بتحريــك القــوى الخــرى‬


‫ومنهـــا الجـــان ولـــذلك فقـــدراته هـــي دالـــة‬
‫لقدراتهم‪.‬‬

‫‍لحظنا أيضا ً أن نقل الجان نقــل مــادي علــى‬


‫قوانين الحركة لكّنه بسرعة‪ .‬اما ســرعة نقــل‬
‫الولي فهي من الســرع النافــذة إلــى حقيقــة‬
‫القانون الطبيعي‪.‬‬
‫‍وكما رأيت فان الفارق كان هائ ً‬
‫ل‪.‬‬

‫و‪ -‬القوة‪ :‬قوة الساحر محدودة‪ .‬انها قوة هشــه‬


‫‍‬
‫عرضــة للتوقــف والتضــاؤل‪ ،‬بينمــا قــوة آيــة‬
‫و ُ‬
‫الولي قوة جبارة ل يوقفها شيء ول تجابهها‬
‫قوة اخرى‪.‬‬

‫أ‬
‫‪584‬‬

‫قوة الية خارجة مــن جــوهر القــانون‪ .‬وقــوة‬


‫عة‪.‬‬
‫السحر ظاهرية خدا ّ‬
‫‍لقد ظهر مثل هذا الفارق بجلء في قصــة‬
‫ق مــا فــي يمينــك‬ ‫موسى مع الســحرة‪  ،‬وأل ـ ِ‬
‫ر ول‬‫ن ما صنعوا كي ـدُ ســاح ٍ‬ ‫ف ما صنعوا‪ ،‬إ ّ‬ ‫تل ْ َ‬
‫ق ُ‬
‫ح الساحُر حيث أتى ‪ 69/20‬‬
‫يفل ُ‬
‫ز‪ -‬التأثير‪ :‬ل يستطيع الساحر التأثير على جميــع‬
‫‍‬
‫السحرة‪ ،‬فهناك دوم ا ً استثناء مــن المجموعــة‬
‫المتعرضة للســحر‪ .‬بينمــا اليــة الــتي يفعلهــا‬
‫الولي عامة في تأثيرها على المجموعة كلها‪.‬‬
‫هذا يظهر جليا ً في مراكز السحر التي تــدعي‬
‫صــنع المعجــزات )كالتكايــا( وغيرهــا أو عنــد‬
‫السحرة المتجولّين‪ ،‬اذ يلقوا دوما ً أشخاصا ً ل‬
‫يتأثرون بإعمالهم الســحّرية‪ ،‬وســبب ذلــك ان‬
‫اكــثر تلــك العمــال مرتبطــة بكفــرة وســحرة‬
‫الجــان فثمــة تعــاون مشــترك بيــن الطرفيــن‬
‫ويستعين السحرة بقــوى الجــان فــإذا صــادف‬
‫وجــود مــؤمن فــان قــوته اليمانيــة أكــبر مــن‬
‫أ‬
‫‪585‬‬

‫قدرات الجان المنحرفين ولذلك ل يحدث مثل‬


‫هذا التأثير‪ .‬ان اليات الــتي يفعلهــا الــولي ل‬
‫يستثنى أحد من تأثيرها‪.‬‬

‫ح‪ -‬المناسبة‪ :‬يقــوم الســحرة بافتعــال الموضــوع‬


‫الــذي ُيحســنون العمــل بــه بمناســبة وبغيــر‬
‫مناسبة‪.‬‬

‫مثال ذلك جماعات من أهــل اللحــى والســبحة‬


‫عصا والخاتم وبعض المســتلزمات الخاصــة‬
‫وال َ‬
‫بالصلة والتي يتظــاهرون بهــا للضــحك علــى‬
‫العامــة ليصــدقوا انهــم مــن العآبــدين الــذين‬
‫آتاهم الله كرامات خاصة وبهــم ‪ -‬يقــوم مثــل‬
‫هؤلء بادعاء ان الجــان متلب ّــس فــي المريــض‬
‫ه وغباءه فــانه ل يفــرق بيــن المــراض‬
‫ولجهل ِ‬
‫العضوية والنفسية لذلك فل تتناسب الــدعوى‬
‫مــع الموضــوع فــي اغلــب الحيــان‪ .‬ولهــذا‬
‫السبب يضطرون للقيام بتمثيل بعــض الدوار‬
‫بالتفاق مع )مرضــى( مزيفييــن يــدخلون مــع‬
‫)المراجعين( ‪ -‬وتظهر معجزاتهم بصفة خاصة‬
‫أ‬
‫‪586‬‬

‫مــع هــؤلء المزيفييــن مقابــل أجــور يــدفعها‬


‫الساحر لهم ‪ -‬على أمل ان العملية تجلــب لــه‬
‫وض الخسارة فيما بعد‪.‬‬
‫زبائن اكثر فيع ّ‬
‫بينمـــا ل يقـــوم الـــولي بتشـــخيص المـــرض‬
‫مطلقــًا‪ .‬انمــا يقــوم بإعطــاء العلج الفــوري‬
‫بحيث ل يعلم المستفيد كيف حصلت النتــائج‪،‬‬
‫ويتم ذلــك بغيــر مقــدمات ول صــراخ ول نــداء‬
‫على ملوك الجان وغيرهم‪ .‬بل قد يأتي الولي‬
‫في المنام خلل الرؤيا ويشفي المرض ويجد‬
‫نفســه معــافى بالفعــل حينمــا يســتيقظ ول‬
‫يفعل الولي شيئا ً غير ان يخبُره بأنه قــد جــاء‬
‫وقد استجاب للطلب بــل ل يخــبره خلل ذلــك‬
‫من هو تحديدًا‪.‬‬

‫ان الولي يعمل الية للدللــة ورحمــة بــالخلق‬


‫مــا‬
‫لنــه مرتبــط بــالله انــه يعمــل بغيــر أجــر أ ّ‬
‫الساحر فانه ينتظر الجور وهو حينما يحــاول‬
‫التشّبه بــالولي فــانه عبثـا ً يحــاول إذ ينكشــف‬

‫أ‬
‫‪587‬‬

‫بســرعة فليســت لــه قــدرة علــى الســتمرار‬


‫بالتمثيل للنهاية‪.‬‬

‫تظهر المناسبة في الفرق بيــن آيــات اللــه‬


‫نفســها حينمــا يختارهــا هــو وحينمــا يختارهــا‬
‫غيره‪.‬‬

‫هو يختار إنزال كتب فيها هــدى ونــور وفكــر!‬


‫اما الخلق الغبياء فانهم يختارون خروج ناقة‬
‫من جبل ‪ ..‬أو ان يعطــي الرســول قصــرا ً مــن‬
‫ذهب أو جنة من نخيل وأعناب ‪!...‬‬

‫ط‪ -‬المان‪ :‬لقد لحظنــا مثــل هــذا الفــارق فــي‬


‫‍‬
‫عنصــر المــان فــي قصــة جلــب العــرش‪ ،‬بيــن‬
‫طريقة آصف وطريقة الجان الــذي أكــد علــى‬
‫هذا العنصر بقوله‪:‬‬

‫ي أمين‪"..‬‬
‫"واني عليه لقو ّ‬
‫وبصــورة عامــة فــان )انقلب( ســحر الســاحر‬
‫علــى المســتفيد نفســه هــو مــن المعلومــات‬
‫الشائعة جدا ً عند الناس‪.‬‬

‫أ‬
‫‪588‬‬

‫فالساحر ل يستطيع تأمين عنصر المان فــي‬


‫أفعــاله لخطــاءه الكــثيرة الــتي يرتكبهــا عنــد‬
‫تسخير القوى غير المنظــورة علوة علــى ان‬
‫هذه القوى تســتغله أســتغل ل ً بشــعا ً وترهقــه‬
‫إرهاق ا ً فهي تأخذ منه أكثر مما تقــدم لــه مــن‬
‫المعونات‪.‬‬

‫ذلك لن الساحر والقــوى مجموعــة واحــدة‬


‫مــن الكفــرة‪ .‬فهــم فــي الواقــع أعــداء قــال‬
‫تعالى‪:‬‬

‫] تحسبهم جميعا ً وقلوبهم شتى ‪‬‬

‫أما إرهاقهم فقد ذكره الله تعالى أيضا ً علــى‬


‫لسان الجن أنفسهم‪:‬‬

‫]وانــه كــان رجــا ّ‬


‫ل مــن النــس يعــوذون‬
‫ل من الجن فزادوهم َرهق ًا‪ .‬وانهم ظّنوا‬ ‫برجا ٍ‬
‫ن يبعث الله أحدا ‪. 6- 7/72‬‬‫ن لَ ْ‬
‫كما ظننتم أ ْ‬
‫ي‪ -‬الــوقت‪ :‬ل يحتــاج الــولي إلــى وقــت لظهــار‬
‫‍‬
‫الية‪.‬‬

‫أ‬
‫‪589‬‬

‫بينمــا يحتــاج الســاحر إضــافة إلــى تحديــده‬


‫الزمان إلى عامــل الــوقت لجــراء المقــدمات‬
‫والمخاطبــات لحظنــا ان الجــان لــم يســتطع‬
‫ة‬
‫جلب العرش رغم انه يقــوم بالعمــل مباشــر ً‬
‫في وقت أسرع من الولي‪.‬‬

‫وعندما يقوم النســان بمخاطبــة الجــان فــانه‬


‫يحتـــاج إلـــى وقـــت أطـــول للتحضـــيرات لن‬
‫العملية ستكون بمرحلتين‪ .‬وهنا تظهر فوارق‬
‫مضاعفة في السرعة‪.‬‬

‫أ‬
‫‪590‬‬

‫ظهور النا عند الصوفية والقسس‬ ‫‪44‬‬

‫لم نكن ننحو منحى صوفيا ً في ما ّ‬


‫مــد مــن‬
‫أبحاث بل العكــس مــن ذلــك فنحــن نريــد مــن‬
‫جملة ما نريــده إظهــار تجــاوز الصــوفية علــى‬
‫الوحدانية‪ ،‬واستغللها مقولت الكتب المنزلة‬
‫لتأسيس )وثنية مقنعة( متلبسة بلباس ديني‪.‬‬

‫لقــد ربطنــا بيــن المعرفــة وبيــن اللغــة‪،‬‬


‫ومعرفــــة اللغــــة الحقيقيــــة هــــي معرفــــة‬
‫المســميات )الموجــودات( فــالولي مــن هــذه‬
‫الناحيــة عكــس الصــوفي‪ ،‬لن الــولي يتحــرك‬
‫لمعرفة الموجودات بينما الصوفي قــابع فــي‬
‫موضعه‪.‬‬

‫وهنا ملحظة فالتصوف تعــبير متغّيــر فــي‬


‫ن ل يصــدق عليــه هــذا‬
‫م ْ‬
‫الزمنة ومن الوائل َ‬
‫الوصف وبالجملــة فانــا ذكرنــا ان )المجموعــة‬
‫الفرديــة( مبثوثــة فــي جميــع التجاهــات فل‬
‫ينـــدرج‪ .‬الحـــالت الفرديـــة ‪ -‬انمـــا نقصـــد‬

‫أ‬
‫‪591‬‬

‫بالتصوف عموم هذا التياّر والذي ظهرت عنــد‬


‫طرائق الصوفية وأصحاب التكايا‪ ،‬والذي تميز‬
‫باستعمال الحيل والطرق الملتوية ومحاولت‬
‫لتشويه التوحيد ومن ثم الجهاز عليه‪.‬‬

‫دده الحالـــة‬
‫ان الوليـــة هـــي موقـــف تحـــ ّ‬
‫والظــرف‪ .‬امــا التصــوف فهــو موقــف مســبق‬
‫وهو سلبي من الحياة دوما ً مع حســن النوايــا‬
‫ومدمر للحياة مع سوءها‪.‬‬

‫من هنا اصبح اكثر الناس قربا ً من الله هو‬


‫القــدر علــى اتخــاذ الموقــف المناســب فــي‬
‫الظــرف المناســب‪ ،‬فــالولي يجــوع ويشــبع‬
‫ويقاتل ويبكي من خشية الله و ُيعطي ويمنـــع‬
‫دده‬
‫ويهاجم ويهرب من العــدو بحســب مــا يح ـ ّ‬
‫الظرف ‪ -‬انه دوما ً يتخذ القرار المناسب الذي‬
‫يكون فيه ربح واضح لقضيته قضية التوحيد‪.‬‬

‫لــذلك فــالقرب إلــى اللــه هــو المنصــور‬


‫عب صلى الله عليه وآله وسلم‪.‬‬
‫بالر ْ‬

‫أ‬
‫‪592‬‬

‫ان الفرق بيــن الصــوفي والــولي كــالفرق‬


‫بين رجلين يريد كل منهما الوصول إلى بقعة‬
‫مباركة عبر نهــر‪ .‬فــالولي يبحــث عــن مضــيق‬
‫ويتعلــم النجــارة والتجســير ويقطــع الخشــب‬
‫دد مــن الجهــة‬
‫وهو يطلب في عين الوقت الم َ‬
‫الخرى راغبا ً إليهم في مساعدته في العبور‪.‬‬

‫اما الصوفي فانه يجلس على تلــك الضــفة‬


‫بخضوع واســتكانة ويصــرخ صــرخات اســتغاثة‪،‬‬
‫ويضــرب علــى وجهــه ويقســم علــى الجهــة‬
‫ه ويحطــم‬
‫ضــة‪ ،‬يرمــي بهــدوم ِ‬
‫باليمــان المغل ّ‬
‫هندامه ليبرهن لهم ان هــذه الجهــة ل تعجبــه‬
‫وانه يريد العبور‪.‬‬

‫ان الخدم في الجهــة الخــرى لــن يحملــوه‬


‫أبدًا‪ ،‬وكل ما يفعلونه إذا استمر فــي صــراخه‬
‫هو ان يقذفوا أليــه بكســر مــن الخــبز ليــذوق‬
‫خــبز البقعــة المباركــة مــن اجــل ان ل يشــعر‬
‫باحباط يدفعه للعودة إلى الوراء فيصــبح مــن‬
‫اكثر عشاق الضفة الولى حبا ً لها‪.‬‬
‫أ‬
‫‪593‬‬

‫الخدم هناك يرون فيه شخصا ً قاصر العقل‬


‫لن الجهة التي يزعم انها ل تعجبه فيهــا كــل‬
‫مســــتلزمات العبــــور ولــــذلك فهــــو مثــــار‬
‫لستهزاءهم‪ .‬اما قاطع الخشب الراكــس فــي‬
‫الطين فهو مثار اهتمامهم‪ ،‬وهم يقدمون لــه‬
‫باستمرار الرشادات وعيونهم مفتوحــة علــى‬
‫مــا يفعلــه‪ ،‬لنــه هــو وحــده الشــخص الجــدير‬
‫بالعبور‪ ،‬وحينما يصل إلى الضفة الخرى فلن‬
‫يستجدي هناك العطف من الخدم بل يــأمرهم‬
‫فينفذون وحسب القــانون المعمــول بــه فــي‬
‫المملكة‪.‬‬

‫ومــن هنــا فــالقرب إلــى اللــه هــو الصــح‬


‫والدق فــي اتخــاذ الموقــف المناســب فــي‬
‫الزمن المناسب‪.‬‬

‫ان الصــوفي ل يعــي مــا يفعــل امــا الــولي‬


‫فانه يعي ما يفعل ومعلوم ان العمل بل وعي‬
‫اوطأ درجــة مــن العمــل بــوعي بــل حــتى مــن‬
‫الوعي المنفرد بل عمل وهو ما نعلمه جميعــا ً‬

‫أ‬
‫‪594‬‬

‫في خلل حياتنا العادية‪ ،‬فالذي وضــع دراســة‬


‫رصينة لمشروع لم ين ّ‬
‫فذ هو أعلى درجة ممن‬
‫نفــذ مشــروعا ً لــم يــدرس لن الخيــر نفــذ‬
‫مشروعا ً ل معنى له فهدر الموال والطاقات‬
‫وكان حقا ً علــى القضــاء ان يعــاقبه بــدل ً مــن‬
‫مكافأته‪.‬‬

‫ومن هنا نعلم ان الصوفي يستحق العقاب‬


‫لنــه فــي أحســن أحــواله يرفــض اســتعمال‬
‫المســتلزمات الموجــودة للمعرفــة زاعمــا ً ان‬
‫المعرفة تأتيه عن طريق الكشف وما أكذبه إذ‬
‫يدعي ذلــك فــأنه وعلــى مــدى أكــثر مــن ألــف‬
‫ة‬
‫سنة لم يقدم أحــد منهــم أيــة حلــول لمعضــل ٍ‬
‫فكرية أو عقائدية أو لغوية أو فلسفية بحيــث‬
‫تظهر فيها تلك الحقائق الكشــفية المزعومــة‬
‫ول تترك مجال ً للمناقشة‪.‬‬

‫والفرق بينهما أيض ـا ً كــالفرق بيــن رجليــن‬


‫يريد كل منهما الوصــول إلــى مــا وراء الجبــل‬
‫حيــث البقعــة المســتنيرة ومــا بينهــم وبيــن‬
‫أ‬
‫‪595‬‬

‫البقعة ظلم حالك‪ .‬فالصوفي ينادي من وراء‬


‫هــوا شــعاعا ً يســير فيــه‬
‫الجبــل طالب ـا ً ان يوج ّ‬
‫ليصل إليهم‪.‬‬

‫اما العارف فــانه يتلمــس الشــوك والقتــاد‬


‫ويقتــل الفعــى المخبــأة والعقــرب ويجمــع‬
‫الحطب ويوقد وينير طريقــه يفعــل ذلــك كلــه‬
‫مــرة واحــدة وهــو ينــادي أيضــا ً إلــى مــا وراء‬
‫الجبل سائ ً‬
‫ل‪ :‬هــل أنــا علــى الطريــق الصــحيح‬
‫أرجو ان تخبروني إذا ضللت الطريق‪.‬‬

‫فلمــاذا ترســل البقعــة شــعاعا ً للصــوفي‬


‫وحده وهي ترى العارف يحتطب ويوقد وينيــر‬
‫طريقه؟‬

‫هــم فــي العــادة ل يفعلــون ذلــك لنهــم‬


‫تعمــدوا وضــع العراقيــل مــن أجــل ال ّ يصــل‬
‫إليهم ا ل ّ عشاق الموضع المستنير والراغــبين‬
‫حقا ً فــي الوصــول إلــى هنــاك واذا كــان ثمــة‬
‫شعاع يرسل فــالولى بــه العــارف المحتطــب‬

‫أ‬
‫‪596‬‬

‫دد الظلم جاهـــدًا‪ ،‬ل القـــابع فـــي‬ ‫الـــذي يبـــ ّ‬


‫ة مستنجدًا‪.‬‬ ‫الظلم ِ‬
‫لذلك كان العارف وليا ً ولــم يكــن الصــوفي‬
‫كذلك‪.‬‬

‫الولية إذن موقف الوعي بالشــياء والــذي‬


‫هو مجاهدة في الفكر فــي حيــن ان التصــوف‬
‫دد يفرضــه المتصــوف علــى نفســه‬
‫موقف مح ّ‬
‫فيه مجاهدة مستمرة بقالب واحد للجسد‪.‬‬

‫لقد ظن هؤلء ان هناك عداوة بين النفس‬


‫والجســــد أو العقــــل والبــــدن أو الــــوعي‬
‫والمــادة ‪ ..‬فهــم إذن مــن أبنــاء المثاليــة أو‬
‫المادية ولو إنتموا إلى الدين ‪ -‬لذلك اعتقــدوا‬
‫انهــم إذا قتلــوا الجســد بعثــوا العقــل وإذا مــا‬
‫حاولوا تدمير المادة نما الــوعي متخــذين مــن‬
‫بعـــض ســـلوك الوليـــاء أمثلـــة لـــم يحســـنوا‬
‫تفسيرها ول فهمها‪.‬‬

‫أ‬
‫‪597‬‬

‫لن الحقيقــــة هــــي أن هــــذه الطــــراف‬


‫متعاونة ل متعاديــة إذ مــن المحــال ان يفتــت‬
‫الخــالق الحكيــم مــا خلــق وأبــدع بمثــل هــذا‬
‫التفــتيت الــذي ل يــدل فــي النهايــة ال علــى‬
‫وجود شريك له تعالى عما يشركون‪.‬‬

‫لذلك كانت نتائج تفكيرهم معكوسة بخلف‬


‫مــــا أرادوا‪ .‬ان محاصــــرة الجســــد بــــالجوع‬
‫والحرمان تحدث خلل ً في العقل‪ .‬لقد أكد أحد‬
‫النصوص )ان من لم يأكل لحما ً أربعيــن يومــا ً‬
‫خ ُلقــه(‪ ،‬وذلــك للرتبــاط الوثيــق‬
‫ساء خلقــه و ُ‬
‫بيــن المــادة والــوعي أو الــروح والجســد أو‬
‫العقل والبدن‪ .‬نعم هناك نصــوص تحــث علــى‬
‫ى للصــوفي تلــك القــدرة علــى‬
‫هد ولكن أن ّ‬
‫الُز َ‬
‫جمع النصوص المتغايرة على هذا النحــو وهــو‬
‫ينظر للشياء من بعد واحد؟؟‬

‫وهكذا حاصروا الجسد وحرموه من الطعام‬


‫دوا علــى )الربعيــن ليلــة مــن حرمــانه‬
‫بل وأك ّ‬
‫من كل ما يخرج من ذي روح( كاللحم واللبــن‬
‫أ‬
‫‪598‬‬

‫والــبيض والحليــب وكــل مــا هــو ناتــج مــن‬


‫الكائنــات الحيوانيــة كمــا لــو كــانوا يحــاربون‬
‫النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ما قــاله‬
‫حرفيا ً ويقلبون مقالته‪.‬‬

‫لـــذلك كـــانوا أشـــبه الخلـــق بالمجـــاذيف‬


‫والمجـــانين‪ ،‬فقـــد تراجـــع العقـــل عنـــدهم‬
‫ة لتدخل الموجــودات والكائنــات‬
‫وجعلهم عرض ً‬
‫الــتي ل تتــدخل فــي شــؤون النســان عــادة ‪-‬‬
‫فاصبحوا تحت رحمة شرار الجــان يســتمتعون‬
‫بالســـخرية منهـــم والضـــحك مـــن عقـــولهم‬
‫بإظهارهم على معلومات حسبوا لجهلهم انها‬
‫مـــن علـــم الغيـــب ومـــن عـــوالم الســـماء ‪-‬‬
‫معلومات هي عبارة عن ترهــات ل تســمن ول‬
‫تغني عن الجوع ‪ -‬وصار الجــان ل يقــدم لهــم‬
‫هـــذه المعلومـــات حـــتى يرهقهـــم بـــالرقص‬
‫والدوران والصراخ والجوع ول يستجيب لجــزء‬
‫مـــن مطـــالبهم حـــتى يراهــم غـــارقين فـــي‬
‫ددين بل قوة تدور أعينهم كالــذي‬
‫اللوعي مم ّ‬

‫أ‬
‫‪599‬‬

‫)يخشـــى عليهـــم مـــن المـــوت( أو )كالـــذي‬


‫اســتهوته الشــياطين حيــران( ولــن يعطــوهم‬
‫شيئ ا ً مقابل ذلــك حــتى يحملهــم علــى الكفــر‬
‫الصريح وعدم الكتفاء بالشارة والتلميح‪.‬‬

‫وهكـــذا حــدث التطــور التــاريخي لحركــة‬


‫التصــوف حيــث ابتــدأت بالُزهــد فــي الــدنيا‬
‫وانتقلت إلى الُزهــد بكــل مــا فــي الــدنيا مــن‬
‫وسائل لبلــوغ الخــرة ثــم اســتقرت فــي آخــر‬
‫مراحلها عنــد الُزهــد بالعقــل نفســه بأعتبــاره‬
‫بقي معطل ً ول شــغل لــه وبهــذا تحولــوا إلــى‬
‫مسوخ إنسانية‪.‬‬

‫لقــد كــان الُزهــد لكــل مــا فــي الحيــاة هــو‬


‫خلف مقولة المام علي عليه السلم والــذي‬
‫يزعمــون انهــم يرجعــون اليــه فــي طرائقهــم‬
‫حيث قال‪:‬‬

‫ة الخرة"‬
‫غ ُ‬
‫"الدنيا ُبل ْ‬

‫وقال أيضا ً ‪:‬‬

‫أ‬
‫‪600‬‬

‫"الدنيا تحرز الخرة" الخطبة ‪.156 /‬‬

‫وفي رسائل شرعية كــثيرة أوضــح الشــرع‬


‫الحقــوق الخاصــة ومنهــا حــق النفــس وحــق‬
‫البدن بل في بعض الرســائل أوضــحوا حقــوق‬
‫كــل عضــو مــن أعضــاء البــدن‪ .‬لقــد شــعر‬
‫المتصـــوفة بهـــذا الخلـــل فحـــاولوا ترقيعـــه‬
‫بمقــولت وســلوكيات أظهــرت المزيــد مــن‬
‫تخبطهــم ول عقلنيتهــم‪ :‬كزعمهــم الوصــول‬
‫إلى مراحل من الكشف والحب توحــدوا فيهــا‬
‫مع الله!‬

‫وكان ذلك يمثل ظهورا ً واضح ا ً )للنا( الذي‬


‫ظل مختفي ا ً حقبة طويلة على لسان وســلوك‬
‫المتــأخرين منهــم الــذين لــم ُيحســنوا إخفــاء‬
‫أفكــارهم كــالوائل أو انهــم أوجــدوا الزمــن‬
‫الملئم للعلن عـــن عقيـــدتهم فـــي نهايـــة‬
‫ه‬
‫ح ب ّـ ُ‬
‫ب ُ‬
‫المطــاف‪ .‬فقــد قــال الحلج‪ :‬لــي حــبي ّ‬
‫وســط الحشــا ان يشــاء يمشــي علــى رمشــي‬
‫ه روحي وروحي روحه ان يشأ شئت‬
‫مشا روح ُ‬
‫أ‬
‫‪601‬‬

‫ب(‬
‫ن شــئت يشــأ يقصــد بهــذا الحــبيب )الــر ّ‬
‫وإ ْ‬
‫تعالى ذكره‪ .‬فقرن مشيئة الرب بمشيئته هــو‬
‫بحيــث إذا شــاء الحلج شــاء الــرب وإذا شــاء‬
‫الرب شاء الحلج ل فرق!!‬

‫عاء اللوهيــة ورفــض‬


‫ة لد ّ‬
‫يمثل ذلك محاول ً‬
‫العبودية لله من خلل حيلة أسمها )الحب(‪.‬‬

‫ذلك لننا نجد في الحــب العــادي جــدا ً بيــن‬


‫النــاس بيــن المــرأة والرجــل مثل ً ان الفعــال‬
‫منه والــذي يبلــغ درجــة الهيــام والعشــق إنمــا‬
‫يتميز بالتضحية واليثار وذوبان ذات العاشـــق‬
‫في ذات المعشوق بحيث يلغي نفســه مقابــل‬
‫المحبوب‪.‬‬

‫ونحــن نلحــظ ذلــك بوضــوح علــى مســتوى‬


‫مي‬
‫الشــعر القــديم والحــديث الفصــيح والعــا ّ‬
‫على حدّ سواء فكم من عاشق تمنى ان يكون‬
‫خادم ا ً في بيت المحبوب وكم منهم تمنــى ان‬
‫يكــون عبــدا ً لــه يــأمرهُ وينهــاه فيلتــذ بطاعــة‬
‫المحبوب وتنفيذ أوامره! بل تمنى بعضهم ان‬
‫أ‬
‫‪602‬‬

‫يكون حاجة من حاجياتهم أو شيئ ا ً معلقا ً فــي‬


‫ثيــابه أو كلبــا ً عنــد بــاب دار ِ‬
‫ه ليكحــل عينيــه‬
‫برؤيته!؟ أنني لم أجد بين العشاق مــن دفعــه‬
‫الحب ليزعم انه ان شاء فالمحبوب يشــاء لن‬
‫في مثل هــذا الوصــف ظهــور النانيــة بخلف‬
‫الغاية التي يقصدها الشاعر أو الواصف‪.‬‬

‫ان أمامك الكثير مــن أدب الدبــاء ورســائل‬


‫العشاق لتتأكد من ذلك‪ .‬لقد وجدنا هذا النــوع‬
‫مــن الحــب النــاني المريــض عنــد المتصــوفة‬
‫فقط ومع من؟ مع الله!!‬

‫ان النبيــاء والرســل لــم يــدعوا شــيئا ً كهــذا‬


‫الــذي ادعــاه المتصــوفة المرضــى بحــب النــا‬
‫والذاتية – ولو فعلوا حاشاهم لشركوا‪.‬‬

‫قال تعالى‪:‬‬

‫]ان الــــذين يســــتكبرون عــــن عبــــادتي‬


‫سيدخلون جهنم واخرين ‪ 60/4‬‬

‫أ‬
‫‪603‬‬

‫وقــد نفــى ان تكــون المشــيئة النســانية‬


‫فــاعله بمفردهــا فضــل ً عــن ان تكــون ســببا ً‬
‫لمشيئة الرب‪ ،‬بل ل يشاء النسان ال ّ ما شــاء‬
‫الرب قبل ذلك‪:‬‬

‫]ومـــا تشـــائون ال ان يشـــاء اللـــه ر ّ‬


‫ب‬
‫العالمين ‪ 29/82‬‬

‫ان )ما( هنا نافيــة كمــا هــو معلــوم و )ال(‬


‫اســــتثنائية حاصــــرة فالمشــــيئة النســــانية‬
‫محصــورة بمشــيئة الــرب ومنتفيــة مــن غيــر‬
‫مشيئة الرب‪.‬‬

‫ان مثــل هــذا الحــب هــو حــب المرضــى ل‬


‫السوياء‪ ،‬وقد رأينــا مجنون ـا ً فــي هــذا العصــر‬
‫)طبخ محبوبته واكلها مــن شــدة الحــب(‪ .‬كمــا‬
‫ذكرته بعض الصحف‪ ،‬فهــذا الشــخص لــم يكــن‬
‫في الواقع عاشق ا ً لتلك الفتــاة بقــدر مــا هــو‬
‫ب ذاتـــه‪ ،‬فلمـــا وجـــدها ل تعيـــره‬
‫مغـــرم بحـــ ّ‬

‫أ‬
‫‪604‬‬

‫ن أكلهــا ‪ ..‬فهــو حاقــد‬


‫إهتمامها انتقم منها با ْ‬
‫أناني ل عاشق متفاني‪.‬‬

‫لذلك نبرر افعال المتصوفة بقصور العقــل‬


‫والمــرض والجنــون وهــي نقــائض ل بــد مــن‬
‫ظهورهــا بســبب تجويــع الجســد والمعاملــة‬
‫القاســية مــع النفــس والتمثيــل مــع اســتعداد‬
‫للصابة‪ ،‬اما الوائل منهــم واصــحاب التنظيــر‬
‫فهم يمثلــون تيــار الوثنيــة الجديــدة والشــرك‬
‫)الــديني( الــذي يريــدون اعــادته تحــت غطــاء‬
‫اليمان الراسخ والكشف والمحبة ‪.‬‬

‫سوف نعرض الن نتفــا ً مــن مقــولت أحــد‬


‫قادتهم )ابن عربــي(‪ ،‬نقــارن نظريــاته بشــأن‬
‫التوحيد مع اقــوال )الــولي( الــذي يزعــم ابــن‬
‫عربي انه يرجع اليه في طريقته‪:‬‬

‫زعـــم ابـــن عربـــي ان الفكـــر والنظـــر ل‬


‫ى ان‬
‫يوصـــلن المـــرء الـــى المعرفـــة‪ .‬وادعـــ ّ‬
‫المعرفة يمكــن الحصــول عليهــا مــن الكشــف‬
‫م ان النبي صــلى اللــه عليــه‬
‫فقط‪ .‬ولذلك زع ّ‬
‫أ‬
‫‪605‬‬

‫وآلــه وســلم أملــى عليــه مــا جــاء فــي كتــابه‬


‫)فصوص الحكم(‪ ،‬وقــد ذكــرت فقــرات تتعلــق‬
‫بهـــذا الكتـــاب وســـبب اهتمـــام المستشـــرق‬
‫)نيكلســون( بــه فــي كتابنــا الســابق )النظــام‬
‫القرآني(‪.‬‬

‫لقد تناســى ابــن عربــي ان الفكــر والنظــر‬


‫هما المحركان لفيض المعرفة وما مــن كــائن‬
‫انعم الله عليه بالمعرفــة ال وكــان قبــل ذلــك‬
‫جدا ً في التفكّر والنظر‪ ،‬وهــو‬ ‫مفكرا ً ناظرًا‪ُ ،‬‬
‫م ّ‬
‫أم ـّر عــام وصــفة ثــابته لكــل الوليــاء الــذين‬
‫وصفهم تعالى بهذه الصفة فقال‪:‬‬

‫]ويتفكرون فــي خلــق الســموات والرض‬


‫ر ّبنا ما خلقت هذا باطل ً سبحانك ‪ 191/3‬‬

‫دد القــرآن علــى التفك ـّر والتــذكّر‬


‫وقــد ش ـ ّ‬
‫بحيث ان هذه اللفاظ كررت في القرآن اكثر‬
‫من اي لفظ آخــر باســتثناء لفــظ الجللــة‪ .‬ان‬
‫اختياره لهذا الموضوع ومحاولته إفراغــه مــن‬

‫أ‬
‫‪606‬‬

‫محتواه ومن ثــم مهــاجمته لســم اللــه تعــالى‬


‫ومحاولته ربــط التشــبيه والتنزيــه فــي فكــرة‬
‫واحدة واعتباره تعالى متصف ا ً بهمــا مع ـا ً انمــا‬
‫تدل على مكر الرجل وحلول باعه في تخريب‬
‫ق أحــد‬
‫ع دُ بح ٍ‬
‫القيم والباس المور ببعضها‪ ،‬في ُ ّ‬
‫ة‬
‫قادة هذا التجاه وأحد المؤسســين للمدرســ ِ‬
‫الوثنيــة الجديــدة الــتي تخ ـّرج فيهــا متكلمــون‬
‫دهم المة مــن‬
‫ومتصوفة وفلسفة وشعراء تع ّ‬
‫مفاخرهـــا‪ .‬لقـــد حـــاول أبـــن عربـــي خـــداع‬
‫الجمـــاهير بمقـــولته متغـــافل ً عـــن اليـــات‬
‫العديدة في الكتــب المنزلــة الــتي تحــث علــى‬
‫التفكير والنظــر وتأكيــدها المســتمر علــى ان‬
‫فيوض المعرفة هي دوما ً )لقوم ٍ يتفكــرون( و‬
‫كرون(‪ ،‬وانكارهــا‬‫)قــوم يعقلــون( و )قــوم يــذ ّ‬
‫المستمر على من يغفل عن التف ّ‬
‫كر والنظر‪:‬‬

‫"افل تعقلون"‪" ،‬افل تذكرون" ‪ ...‬الخ‪.‬‬

‫أ‬
‫‪607‬‬

‫ن‬
‫فـــانظر مـــدى كـــذبهم واحتيـــالهم‪ ،‬فـــا ّ‬
‫العاشق يقبع في مكانه ويزعم ان المعشــوق‬
‫يأتيه لبد ان يأتيه!‬
‫ي عاشق أناني هو ذاك؟ انما العاشق حقا ً‬
‫ا ّ‬
‫هــو الــذي ل يهجــع فــي الليــالي هــو الــدائم‬
‫التفكر والنظر في الطرق الــتي توصــله الــى‬
‫المحبــوب‪ ،‬هــو الــذي يحــاول خــداع الحــرس‬
‫والواشين وأهل النميمــة‪ ،‬هــو الــذي يبلــغ بــه‬
‫الحب ان يحارب هؤلء جميع ا ً علن ـًا‪ ،‬هــو الــذي‬
‫يتذل ّ‬
‫ل للمحبوب بــل ولخــدم المحبــوب ولهــل‬
‫المحبــوب ولحبــاء المحبــوب كــي يصــل الــى‬
‫رضاه ويفوز بلقياه‪.‬‬

‫اما ان يكون هو والمحبــوب واحــدا ً ويملــي‬


‫عليه شروطه فهــو شــيء لــم نســمع بــه فــي‬
‫عالم الحب قبل هؤلء‪.‬‬

‫حــاول أبــن عربــي اســتغلل صــفة العــداد‬


‫وعلقتها بالواحد للوصول الى تحقيق مرامــه‬
‫من )اتحاد الحق والخلق( ‪ -‬حسب تعبيره‪.‬‬
‫أ‬
‫‪608‬‬

‫فزعم ان العداد تتألف كلهــا مــن الواحــد‪،‬‬


‫لنك لو قلت عشرة فهي عشرة آحاد وكـــذلك‬
‫كل رقم آخر فانه يتألف من مكررات الواحــد‪،‬‬
‫وهذا يعني حسب رأيه ان الله والشياء واحد‪،‬‬
‫فهو واحد مثــل واحــد العــداد والشــياء مثــل‬
‫العداد فهو هي‪ ،‬وهي هو!!‬

‫الحــق ان هــذه الفكــرة ليســت مــن امهــات‬


‫افكاره‪ ،‬انما هي فكرة قديمة جاءت من اثينــا‬
‫فقد كشف الرياضيون مثــل فيثــاغورس تلــك‬
‫العلقة مع الواحد وقد استغلت كما يبــدو لــي‬
‫بصور شتى فليس ببعيد ان يكون تطوّر وجود‬
‫وســطاء فــي الخلــق بيــن الوجــود والعــدم‬
‫كــالهيولي مــن انعكاســات الســاليب الــتي‬
‫حاولت استغلل هذه العلقة‪.‬‬

‫ساكشف الن عن خطأ علمــي خطيــر فــي‬


‫هــذه المســألة يجعــل المــر علــى عكــس مــا‬
‫ارادوا منه تمام ًا‪.‬‬

‫أ‬
‫‪609‬‬

‫ي عــدد بل وحــدات ل معنــى لــه وهــو‬


‫ان أ ّ‬
‫مجهــول القيمــة‪ .‬انــه ل يصــلح لشــيء مــن‬
‫العلقات الحقيقيــة‪ ،‬انــه يصــلح فقــط لتعليــم‬
‫الرياضيات والحساب‪.‬‬

‫وكذلك فكل عدد ل قيمة له بغيــر وحــدات‪.‬‬


‫لنــك لــو قلــت عشــرة فل معنــى محــدد لهــا‬
‫ولذلك فل قيمة لهــا‪ .‬ولــو قلــت عشــرة اقلم‬
‫دور تحــددت القيمــة وتمــت معرفــة المعــدود‬
‫إجما ً‬
‫ل‪.‬‬

‫ان هــذا الســلوك هــو نفســه فــي جميــع‬


‫الرقام باستثناء الواحد‪ .‬فهو وحــده الــذي اذا‬
‫عرف ـا ً بــال التعريــف كــان‬
‫ذكر بدون وحــدات م ّ‬
‫معروفا ً وهو الله‪.‬‬

‫وســـبب ذلـــك ان الكـــثرة تســـبب التنـــوع‬


‫وتحدث اللتباس لن لكل شــيء اجــزاء ولكــل‬
‫شيء مثيل فل بد من تحديد الوحدات الخاصة‬
‫بكل رقم‪ .‬اما الواحد المعّرف هكذا فل مثيـــل‬
‫لــه ول اجــزاء فيــه وغيــر متغيــر فل يشــير ال‬
‫أ‬
‫‪610‬‬

‫حديــة ‪ -‬باعتبارهــا‬
‫الى الواحد المخصوص بالوا ّ‬
‫صفة ل عددًا‪.‬‬

‫ان المخادعة تكمن في العلقة بين الواحد‬


‫والعداد‪ .‬فالواحد موجود فــي العــداد ولكــن‬
‫ليست موجودة فيه وهذا هو مركز المخادعــة‪.‬‬
‫وشرحه كالتي‪:‬‬

‫فلــو قلــت اثنــان‪ :‬فــان هنــاك واحــد مكــرر‬


‫مرتين تش ّ‬
‫كل منه الثنــان‪ .‬ولكــن ل تســتطيع‬
‫ان تقول هناك أثنين في الواحد‪.‬‬

‫هذه المخادعــة لزال زعمــاء وقســس فــي‬


‫الغرب يتشبثون بها للبرهنة على وجود ثلثــة‬
‫وهم في الحقيقة واحد للبرهنة على القانيم‬
‫الثلثـــة‪ :‬الب‪ ،‬والبـــن‪ ،‬والـــروح القـــدس ‪-‬‬
‫اتحدوا في إله واحد!!‬

‫ان الثلثــة ثلثــة آحــاد بينمــا الواحــد واحــد‬


‫دومًا‪ .‬لو ص ّ‬
‫ح هذا المنطــق المريــض لمــا كــان‬
‫هناك اي ســبب لرهاقنــا بدراســة الرياضــيات‬

‫أ‬
‫‪611‬‬

‫والمعادلت اذ ل يبقى شيء منها على أصــله‬


‫مطلق ًا‪.‬‬

‫ح هذا المنطق ‪ -‬والــذي هــو مرفــوض‬


‫لو ص ّ‬
‫مــن قبــل المــدعّين انفســهم خلل شــراءهم‬
‫حاجياتهم العتيادية لتقاتــل النــاس وفســدت‬
‫السموات والرض ومن فيهن‪.‬‬

‫سيقول لــك البــائع‪ :‬صــحيح انــك أعطيتنــي‬


‫مئة دينارولكن سيدنا الصوفي وكــذلك ســيدنا‬
‫القس وكذلك سيدنا الحاخام قــد قــالوا يجــوز‬
‫ان تكــون المئة دينــارا ً واحــدا ً والواحــد مئة‪،‬‬
‫وسوف افــترض انــك اعطيتنــي دينــارا ً واحــدا ً‬
‫فهات الباقي والبــالغ تســعة وتســعين دينــارا ً‬
‫وبسرعة من فضلك!‬

‫عندئذ ستكون مضطرا ً لرفع )يدك( وضــرب‬


‫البائع على رأسه لعنا ً من عل ّ‬
‫مه أصول الــبيع‬
‫والشراء‪.‬‬

‫أ‬
‫‪612‬‬

‫ده‬
‫ويوم القيامة سيكشف الخالق عــن تفــر ّ‬
‫بــالوجود والعــزة والجــبروت والبدّيــة بايســر‬
‫السبل والطــرق وسيفضــح أمــر الــذين ارادوا‬
‫ان ُيدخلوا انواتهم مع ذاته عن طريق اولياءه‬
‫حينما يروا المسيح عليــه الســلم جاثي ـا ً علــى‬
‫ركبتيه باكيا ً متعذرا ً والرب يسأله‪:‬‬

‫س‬ ‫ّ‬ ‫]يا عيســى بــن مريــم أأنــت ُ‬


‫ت للن ـا ِ‬
‫قل ـ َ‬
‫ن الله؟؟ ‪‬‬‫دو َ‬‫ي إلهين من ُ‬ ‫ذوني وأم ّ‬ ‫إتخ ّ‬

‫فيجيــب المســيح عليــه الســلم ودمــوعه‬


‫جارية على خدّيه مذعورًا‪:‬‬

‫]سبحانك ما يكون لي أ ْ‬
‫ن اقــول مــا ليــس‬
‫م مــا‬‫عل ـ ُ‬
‫متــه ت َ‬
‫عل ِ‬
‫ه فقــد َ‬
‫قلت ُ‬‫ت ُ‬
‫ن كن ُ‬
‫ق‪ ،‬إ ْ‬
‫لي بح ٍ‬
‫ت‬‫م ما في نفســك انــك ان ـ َ‬ ‫في نفسي ول أعل ُ‬
‫ت لهم ال ّ مــا أمرتنــي ب ـ ِ‬
‫ه‬ ‫م الغيوب‪ .‬ما قل ُ‬‫عل ّ ُ‬
‫ت شــهيدا ً مــا‬
‫ن اعبدوا الله رّبي ور ّبكــم وكن ـ ُ‬ ‫أ ْ‬
‫ت الرقيــب‬
‫ت أنــ َ‬ ‫ما توفيتني ّ‬
‫كنــ َ‬ ‫مت فيهم فل ّ‬
‫د ُ‬

‫أ‬
‫‪613‬‬

‫ء شــهيد ‪ 116-‬‬
‫ت علــى كــل شــي ٍ‬
‫عليهم وأن ـ َ‬
‫‪117 /5‬‬

‫ســم القــرآن المســيح عليــه الســلم‬


‫لــم ي ُ ّ‬
‫مطلقا ً ال ويذكر انه )ابن مّريم( بما في ذلــك‬
‫الخطابـــات الموجهـــة لمريـــم عليـــه الســـلم‬
‫ة!‬
‫مباشر ً‬

‫لمــاذا؟ لنــه يريــد إبــراز هــذه المهزلــة ‪-‬‬


‫المهزلة القائلة ان المسيح ابن الله!‬

‫لن القـــائلين يقولـــون ايضـــا ً هـــو )ابـــن‬


‫مريم(! ولما كان الروح القدس قــد حــ ّ‬
‫ل فــي‬
‫مريم فان مريم زوجة الله وفي عيــن الــوقت‬
‫هي اخته ومن ثم ل تعلم الفــرق بيــن الــروح‬
‫القدس وبين مريم‪ ،‬المذكر والمــؤنث انــدمجا‬
‫في واحد والبن مع الب مــع الــروح انــدمجوا‬
‫في واحد!!‬

‫لم تكن الغاية من الفكرة تقديس المســيح‬


‫عليه السلم انها مثل اي فكرة تحاول إدخــال‬

‫أ‬
‫‪614‬‬

‫ي وســيلة‬
‫النســان الــى مصــاف اللوهيــة بــا ّ‬
‫ممكنة‪ ،‬ولذلك فان أشد الناس عداوةً للنبيــاء‬
‫والرسل عليه السلم هم اؤلئك الذين افــتروا‬
‫على لسانهم مقولة ابليس )انا( الــتي جــاءوا‬
‫لمحاربتها ‪ -‬فسواء ظهرت على لسان القائل‬
‫او ظهــرت علــى لســان أنســان غيــره فــالمر‬
‫واحد لن التطور التاريخي يفضي الــى تــأليه‬
‫الذات فيما بعد ‪ -‬وهو مــا حــدث فــي الســلم‬
‫حيث قالوا يظهر الله في صورة النسان فتم‬
‫تعميم هذه الصورة على الجميــع بــدل ً مــن ان‬
‫تكــون مقصــورة علــى المســيح عليــه الســلم‬
‫وأمثاله من الولياء ‪ -‬لن غاية القــائلين هــي‬
‫هنــا‪ ..‬ليــس غــايتهم تقــديس المســيح عليــه‬
‫السلم بل أستعماله جسرا ً للتوصل الى تأليه‬
‫أنفســهم لشــدة انــانيتهم ورفضــهم القــرار‬
‫بالعبودية‪.‬‬

‫وقد ظهر أثر ذلــك فــي االفكــر الفلســفي‬


‫الغربي المتأخر فتم تعميم فكــرة )الكوجيتــو(‬

‫أ‬
‫‪615‬‬

‫الــديكارتي "انــا أفكــر اذن انــا موجــود " الــى‬


‫فكرة "انــا الوجــود" ومــن ثــم الــى )أنــا اللــه(‬
‫على يد سبيســنوزا وهوســرل وبقيــة أصــحاب‬
‫)النا المتعالي(‪ .‬يقول أبن عربي‪:‬‬

‫ق ظهــورا ً فهــو‬
‫"فــان للحــق فــي كــل خلــ ٍ‬
‫الظاهر في كل مفهوم وهو الباطن عــن كــل‬
‫فهم‪ ،‬ال ّ عن فهم من قال‪ :‬ان العالم صــورته‬
‫وهويته‪."..‬‬

‫اذن ل يفهم الله ال ّ ذلك القائل ان العــالم‬


‫هو صورة الله وهويته! والنتيجة ان العالم اذا‬
‫فنى فنى معه الله!‬

‫والنتيجة أيضا ً انــه لــم يكــن ثمــة الــه قبــل‬


‫وجود الكون والعالم!‬

‫أي إله صعلوك هذا الذي يعبدهُ أبــن عربــي‬


‫وأمثـــاله انـــي ل أعبـــد مـــا يعبـــدون ول هـــم‬
‫ه هذه هي كــل‬
‫عابدون ما أعبد‪ ..‬أني أكفر بإل ٍ‬
‫صفاته أنه متغير وفان‪.‬‬

‫أ‬
‫‪616‬‬

‫في )كولوسي( يقول‪:‬‬

‫"المسيح هو صورة الله غير منظور"!‬

‫ال تلحظ معي ان هذه الجملــة المتناقضــة‬


‫فــي داخلهــا فــي محاولــة عقيمــة لجعــل غيــر‬
‫المنظور منظورا ً في عين الوقت!؟‬

‫اي شيء يبقى مــن المنطــق حينمــا نفقــد‬


‫مبدأنا الوحيد الذي نشعر من خلله بأنسانيتنا‬
‫‪ -‬مبدأ عدم التنــاقض‪ .‬انــه فــي نفــس الجملــة‬
‫يقول ان الله غير منظور وله صورة! من أين‬
‫جاءت الصورة اذن اذا لم يكن منظورًا؟‬

‫لقــد قــال )هربــت مــاركوز(‪ ،‬رغــم كــونه‬


‫شيوعي ا ً كلمة حق أفضل ممــا قالهــا القســس‬
‫الــذين يريــدون ان يرتبطــوا بالمســيح عليــه‬
‫الســلم بصــفته إلهــا ً فيأخــذ حصــتهم مــن‬
‫اللوهية‪ :‬لقد قال ان الكثير من الناس الذين‬
‫نعتقـــد انهـــم يمثلـــون العـــدل والنصـــاف‬
‫ة أستبدادية‪ .‬أن هــذا حــق وهــل‬
‫يستعملون لغ ً‬

‫أ‬
‫‪617‬‬

‫هنـــاك أســـتبداد أكـــثر مـــن حشـــر فكرتيـــن‬


‫متناقضتين في عبارة واحدة؟‬

‫كانوا يعملون من الجهتين لغاية واحدة أما‬


‫ي يدعي انه إله علــى نحــو‬ ‫ان يربط نفسه بول ّ‬
‫مـــا أو يقـــوم بتنزيـــل اللـــه ليكـــون صـــورةً‬
‫ة‪ :‬تــارةً إنســانا ً أو فــي صــورةَ أنســان‬
‫مفهوم ً‬
‫وتــارةً فــي صــورة العــالم وتــارةً فــي جميــع‬
‫الذوات!!‬

‫لن يكون الله بحسب ما يريدون لذلك قال‬


‫للنبي صلى الله عليه وآله وسلم‪:‬‬

‫]قــل يــا أيهــا الكــافرون ل اعبــد مــا‬


‫تعبـــدون ‪ ،‬لن الـــذي يعبـــدونه ل صـــلة لـــه‬
‫باللوهية مــا دام فاني ـا ً مرتبط ـا ً بــالموجودات‬
‫الفانية‪.‬‬

‫فالواحد منفصل دوم ا ً عن الكثرة ول حدود‬


‫لما ينتجه ويخلقه من موجودات فالمليون هو‬
‫مليــون واحــد والعشــرة بلييــن هــي عشــرة‬

‫أ‬
‫‪618‬‬

‫بليين واحدة والنتيجة ان كل )كثرة( محدودة‬


‫ما عدا الواحد فــانه يســتبطن اللنهائيــة فهــو‬
‫الوحيد اللنهائي فل يمكن القــول ان الكــثرة‬
‫مهما بلغت هــي صــورة الواحــد‪ ،‬ان فــي هــذا‬
‫جناية على المنطق الرياضي نفسه ومواجهــة‬
‫مع الواحد الحد‪.‬‬

‫بينما يقول المام علي عليه السلم‪:‬‬

‫"الحمــد للــه الــدال علــى وجــوده بخلقــه‬


‫وبمحدث خلقه على أزليته وباشتباههم علـــى‬
‫ان ل شبه له‪ ،‬ل تستلمه المشــاعر ول تحجبــه‬
‫د‬
‫الســواتر لفــتراق الصــانع والمصــنوع والحــا ّ‬
‫ب والمربــوب الحــد بل تأويــل‬
‫والمحدود والــر ّ‬
‫عدد‪ (...‬نهج البلغة ‪ -‬الخطبة ) ‪.(152‬‬
‫َ‬
‫كــأن المــام يقــرأ فــي كتــاب مفتــوح مــا‬
‫سيقوله الناس من بعده‪ ،‬وما يدعيه المدعون‬
‫بالرتباط به وما يــذكرونه مــن تأويــل للواحــد‬
‫فأكد انه واحد بل تأويل عدد‪ ،‬لنــك اذا جعلــت‬
‫للواحــد وحــدات معينــة فقــد أصــبح واحــدا ً‬
‫أ‬
‫‪619‬‬

‫موصـــوف ا ً فيكـــون واحـــدا ً مـــن الموجـــودات‬


‫المتكثرة مثل نجم واحد فتمر واحد أمــا اللــه‬
‫فهو واحد بل عدد اي ليــس هــو الواحــد الــذي‬
‫في العداد بل الواحد المتصف بالواحدية‪.‬‬

‫بينما يقول أبن عربي عكس ذلك تمامًا‪:‬‬

‫د"‪.‬‬
‫"أعلم أن الحق محدود بكل ح ّ‬
‫يستعمل أبن عربــي لفــظ الحــق ويريــد بــه‬
‫الله في محاولة للتستر وراء اللفاظ‪.‬‬

‫لحــظ معــي قائمــة بفقــرات مــن خطــب‬


‫المام علي عليــه الســلم بخصــوص الواحديــة‬
‫فقط‪:‬‬
‫ل حــال ْ‬
‫‪" -1‬الحمــد للــه الــذي لــم تســبق لــه حــا ّ‬
‫فيكون اول ً قبل ان يكون آخرا ً ويكون ظاهرا ً‬
‫ه‬
‫ة غير ُ‬ ‫قبل ام يكون باطنا ً ك ّ‬
‫ل مسمى بالوحد ِ‬
‫قليل ‪ "...‬نهج البلغة ‪ /‬الخطبة ‪.65 /‬‬

‫ذلك لن الغير يحمل وحدات معينة فهو قليــل‬


‫حتم ًا! اذ الوجــود مهمــا تعــاظم ومهمــا بلغــت‬

‫أ‬
‫‪620‬‬

‫اجزاءه فل يصل الى ما يكمن في الواحد مــن‬


‫ل نهائيـــة واطلق‪ ..‬وتلـــك مســـألة رياضـــية‬
‫محضة‪ ..‬ولذلك ليس للواحد بل عدد اجزاء ول‬
‫احوال مختلفة ول صفات متباينــة! وهــو أمــّر‬
‫واضح للغاية ل ينكره ال من لديه غاية اخـــرى‬
‫غير معرفة الله‪.‬‬

‫فه‪ ،‬ول حقيقته أصــاب مــن‬ ‫ده من كي ّ‬‫وح ّ‬


‫‪" -2‬ما َ‬
‫مدهُ مــن‬
‫صـ َ‬ ‫مثّله ول أي ّاه عنى من شــب ّ‬
‫هه‪ ،‬ول َ‬
‫ه مصنوع‬
‫مه كل معروف بنفس ِ‬
‫أشار إليه وتوه ّ‬
‫وكل قائم في سواه معلول " الخطبة ‪.186 /‬‬

‫اذن فالمســيح عليــه الســلم معــروف بنفســه‬


‫فهو مصنوع وقائم فــي مســتوى نفســه لنــه‬
‫يأكل ويشرب ويمرض ويموت فهو معلول!‬

‫وكـــذلك كـــل موجـــود معلـــول آخـــر فهـــو‬


‫مصنوع‪.‬‬

‫ان صـــفة اللـــه واحـــدة هـــي انـــه ل يمكـــن‬


‫معرفته‪ .‬كل كائن يمكن معرفته يتساوى فــي‬

‫أ‬
‫‪621‬‬

‫ي منهمــا هــو اللــه‬


‫النتيجة مع العارف بــه فــا ّ‬
‫واي منهما هو المألوه؟ وأيهما الــرب وايهمــا‬
‫المربوب؟ ان هذا يكشف لنا بطريقة ل لبــس‬
‫فيها عن )النا( التي هي وراء ذلــك كّلــه‪ .‬لــم‬
‫يلتبــس علــى النــاس المــر بــل هــم الــذين‬
‫يريــدون مشــاركة اللــه فــي صــفاته يــدفعهم‬
‫ابليس لذلك دفعًا‪ .‬اما ابن عربــي فيزعــم انــه‬
‫يمكنه معرفته!‬

‫قال‪:‬‬

‫"‪ ...‬فانه ل يعلم حدّ هُ ال بحدّ كل صورة وهــذا‬


‫هه فقد قيـــده‪،‬‬
‫محال وكذلك من شبهه وما نز ّ‬
‫ومن جمع في معرفته بين التشــبيه والتنزيــه‬
‫ه مجمل ً ل‬
‫بالوصفين على الجمال فقد عرفـــ ّ‬
‫حكــم‪ -‬نــص ‪-3‬‬
‫علــى التفصــيل‪ ."...‬فصــوص ال ِ‬
‫‪.68‬‬

‫وتل شعرًا‪:‬‬

‫وان قلــــــت‬ ‫فان قلــت‬

‫أ‬
‫‪622‬‬

‫بالتشــبيه كنــت‬ ‫بالتنزيه كنت‬


‫ددا ً‬
‫محـــــــــــــــ ّ‬ ‫مقيـــــــــــدا ً‬

‫وكنــت امام ـا ً‬ ‫وان قلــت‬


‫فـــي المعـــارف‬ ‫بـــــــالمرين‬
‫ســــــــــــــــيدا‬ ‫كنـــت ســـددا‬

‫ه َبل( و عبدة الصنام عمومــا ً‬


‫لقد جمع عبدة ) ُ‬
‫بين المرين فقد جمعوا بين صورته في هبل‬
‫والصنام وبين هيئته اللمحدودة في السماء‪.‬‬
‫عوا إلوهية المسيح عليه‬
‫وأني لسأل الذين اد ّ‬
‫السلم نفس السؤال‪ :‬ما الفرق بينكــم وبيــن‬
‫عبدة الصنام فــأن الصــنم هــو الخــر )صــورة‬
‫الله غير المنظور(؟‬

‫بــل الصــنم أعلــى مرتبــة مــن النســان فــي‬


‫ي تغيـّر‬
‫الرمزي ّــة! لن االحجــر ل يطــرأ عليــه ا ّ‬
‫ملحوظ‪ ،‬وهو ل يحتاج الى طعام وشــراب ول‬

‫أ‬
‫‪623‬‬

‫يموت ول يمرض واذا زرعت في ترابــه زرعــا ً‬


‫خرجــت منــه اصــناف الحيــاة والكائنــات‪ ..‬ان‬
‫عبـــدة الصـــنام أكـــثر عقلنيـــة ووعيـــا ً فـــي‬
‫اختيارهم الرمز للمطلق‪!..‬‬

‫لقد شعر أبن عربي وهــو الــذكي البــارع فــي‬


‫التلبس ‪ -‬شعر بهذه العلقة فاوقع نفسه في‬
‫ورطــة أخــرى وكشــف قنــاعه وتعــّرى حينمــا‬
‫القى باللئمة على نوح عليه السلم واعتــبره‬
‫هو المسبب في نفورهم من دعــوته‪ ،‬اذ زعــم‬
‫انــه دعــاهم بــالتنزيه مــّرة وبالتشــبيه أخــرى‬
‫فاستفزهم )فاستغشوا ثيابهم( ولو جمع لهم‬
‫بين المرين ودعاهم بالدعوتين لجابوه!‬

‫كشــف ابــن عربــي قنــاعه وظهــر المســتور‬


‫وجعل لنفسه مرتبة وعلم ا ً اكبر مما لدى شيخ‬
‫النبيين والمرسلين‪ ،‬قال‪:‬‬

‫" فليس كمثله شيء يجمع بيــن المريــن فــي‬


‫واحــد فلــو ان نوحــا ً اتــى بمثــل هــذه اليــة‬
‫لجابوه فانه شبه ونزهّ في آيــة واحــدة ونــوح‬
‫أ‬
‫‪624‬‬

‫ل( من حيث عقولهم ونهارا ً مــن‬


‫دعا قومه )لي ً‬
‫حيــث ظــاهر صــورهم ولكنــه لــم يجمــع فــي‬
‫الــدعوة مثــل )ليــس كمثلــه شــيء( فنفــرت‬
‫بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا ‪."..‬‬

‫ان الشيء الوحيد الذي قاله ابــن عربــي فــي‬


‫نصوص حجارته الصلدة يمثل جانب الصدق هو‬
‫هــذه العبــارة اذا اســتثنينا منهــا اليــة الــتي‬
‫حاول استغللها‪.‬‬

‫ذلك لن نوح عليه السلم لو دعاهم بالتشــبيه‬


‫والتنزيه في آن واحد كما يقــترح ابــن عربــي‬
‫لمــا عصــوه فعل ً ‪ -‬لنــه لــن يــأ ِ‬
‫ت بجديــد فهــم‬
‫يعبــدون الصــنام الــتي هــي رمــوز للــه فهــي‬
‫تشــبيه لمــا هــو من ـّزه عنــدهم علــى نحــو مــن‬
‫انحاء المنطق الملتوي‪.‬‬

‫ح لهــم‬
‫ولكنــي ل اعلــم مــا الــذي ســيقوله نــو ّ‬
‫ل دعوة جديدة؟ اللهم ال ّ ان يقترح‬
‫والذي يمث ّ‬
‫صنما ً سادسا ً ُيضيفه الــى اصــنامهم الخمســة‬
‫ومع ذلك فان نجاحه بالمهمة هو أم ـّر عســير!‬
‫أ‬
‫‪625‬‬

‫لن لكل فرقــه منهــم صــنمها الخــاص‪ .‬وبكــل‬


‫الحوال فان دعوة نوح عليه الســلم ســتكون‬
‫زائدة وعديمة الفائدة‪.‬‬

‫وهكــذا تظهــر الصــنيمة الجديــدة رغــم انــف‬


‫عي وتجرهّ )النا( إليها شاء أو أبى‪.‬‬
‫المد ّ‬
‫امــا زعمــه ان اليــة فيهــا كــ ّ‬
‫ل مــن التشــبيه‬
‫والتنزيه فهي مغالطة من مغالطات الحمقى‪.‬‬

‫ي لكثر الناس فهم ا ً لمراده ممن قرأ هذه‬


‫وان ّ‬
‫الفكار‪ .‬انه يقصد ان الية تثبت وجود )مثله(‬
‫ولكنهــا تنفــي وجــود شــبيه لهــذا المثــل مــن‬
‫خلل تركيبهــا ودخــول كــاف التشــبيه علــى‬
‫مثله‪.‬‬

‫ومــا اغفلــه اذ لــم ينظــر ان المنفــي هــو‬


‫عر ّ‬
‫فــة‪ ،‬ولمــا كــانت كــل‬ ‫م َ‬
‫)شــيء( نكــرة غيــر ُ‬
‫الموجودات أشــياء وكــل مــا ســوف يوجــد هــو‬
‫ه كمــا‬
‫ف وجــود شــبيه لمثل ـ ِ‬
‫أشياء فانه لــم ين ـ ِ‬
‫ه‪ .‬وانمــا أدخــل‬
‫ء مثل ِ‬
‫توهم بل نفى وجود شي ٍ‬

‫أ‬
‫‪626‬‬

‫ه لبعاد التشبيه مرحلة‬


‫كاف التشبيه على مثل ِ‬
‫اخــرى غيــر نفــي المثليــة وهــي نفــي شــبه‬
‫المثليه‪ .‬وقد ذكرنا في النظام القرآني تخبط‬
‫عامة المفسرين بخصــوص المثــال القرآنيــة‪،‬‬
‫فهــم يزعمــون مثل ً ان قــوله تعــالى ‪‬مثــل‬
‫وا التوراة كمثل الحمار ‪ ‬هو مثــل‬
‫الذين حمل ّ‬
‫شــبه فيــه اليهــود بالحمــار‪ .‬زعمــه الجرجــاني‬
‫وكل من جاء بعده‪.‬‬

‫وا التوراة مثل‬


‫بينما الية تقول ان للذين حمل ّ‬
‫وللحمار مثــل وان التشــابه هــو بيــن المثليــن‬
‫فقــط‪ ،‬لن النســان ل يشــبه الحمــار مــن اي‬
‫وجــه والبــاري اعظــم واعلــم مــن ان يعقــد‬
‫ة‪ .‬وعلى‬
‫مشابهه بين الحمار والنسان مباشر ً‬
‫ذلك فان صيغ التشــبيه فــي القــرآن مختلفــة‬
‫جدا ً يتوجب ملحظة جميع الفاظها‪.‬‬

‫‪ -3‬قول المام علــي عليــه الســلم‪" :‬الحمــد للــه‬


‫الــذي ل يبلــغ مــدحته القــائلون ول ُيحصــى‬
‫ه المجتهــدون‪،‬‬
‫حق ـ ّ‬
‫ون ول يــؤدي ً‬
‫نعماءهُ العــاد ّ‬
‫أ‬
‫‪627‬‬

‫غــوص‬‫ه ُبعــد الهمــم ول ينــاله َ‬


‫درك ُ‬
‫الــذي ل يــ ُ‬
‫ت‬
‫محدود ول نع ّ‬ ‫ه ح دّ َ‬
‫طن الذي ليس لصفت ِ‬ ‫ف َ‬
‫ال ِ‬
‫موجــود‪ ،‬ول وقــت معــدود ول اج ـ ّ‬
‫ل ممــدود‪...‬‬
‫الخ" ‪/‬الخطبة رقم ‪.1 /‬‬

‫تلحظ ان العبارات كلها تؤكد علــى العجــز‬


‫وره ولـــو‬
‫عـــن معرفـــة اللـــه أو امكانيـــة تصـــ ّ‬
‫د‬
‫بالوهام والخيالت وعدم امكانية وصفه بحــ ّ‬
‫أو وقت او اجل لنه خارج المكان والزمان‪..‬‬

‫‪ -4‬قـــوله عليـــه الســـلم أيضـــًا‪ .." :‬ا ّ‬


‫ول الـــدّين‬
‫معرفته‪ ،‬وكمال معرفته التصديق بــه‪ ،‬وكمــال‬
‫التصديق به توحيده‪ ،‬وكمــال توحيــده الخلص‬
‫له‪ ،‬وكمــال الخلص لــه نفــي الصــفات عنــه‪،‬‬
‫ة أنها غيُر الموصوف وشهادة‬
‫لشهادة كل صف ٍ‬
‫ه غير الصفة فمن وصــف اللــه‬
‫ل موصوف أن ُ‬
‫ك ِ‬
‫ه فقد ثّناه‪ ،‬ومــن‬
‫سبحانه فقد قرنه ومن قرن َ ُ‬
‫ثناهّ فقد ج ـّزأه ومــن جــزأ هّ فقــد جهلــه ومــن‬
‫جهله فقد اشــار إليــه‪ ،‬ومــن اشــار اليــه فقــد‬
‫م فقد‬
‫ه‪ ،‬ومن قال في َ‬
‫ع دّ ُ‬
‫ح دّ هُ فقد َ‬
‫ه‪ ،‬ومن َ‬
‫ح دّ ُ‬
‫َ‬
‫أ‬
‫‪628‬‬

‫م فقد اخلى منه‪ ،‬كائن ل‬


‫عل ً‬
‫منه ومن قال ً‬
‫ض ّ‬
‫ء ل‬
‫عن حدث موجود ل عن عدم مع كل شي ٍ‬
‫ة‪ ،‬فاعــ ّ‬
‫ل ل‬ ‫ة‪ ،‬وغيُر ك ّ‬
‫ل شيء ل بمزايل ٍ‬ ‫بمقارن ٍ‬
‫بمعنــى الحركــات واللــة‪ ،‬بصــبّر اذ ل منظــور‬
‫إليــه مــن خلقــه متوح ـدّ اذ ل ســكن يســتأنس‬
‫به‪ "...‬من الخطبة ‪ 1 /‬وموضوعها خلق العالم‪.‬‬

‫‪ -5‬قــوله عليــه الســلم‪ ..." :‬ل تــدركه العيــون‬


‫ه القلوب بحقائق‬
‫بمشاهدة العيان ولكن تدرك ُ‬
‫اليمان قريب من الشياء غيــر ملمــس بعيــد‬
‫عنهــا غيــر مبــاين‪ ،‬متكّلــم ل بر ّ‬
‫ويــه‪ ،‬مريــدّ ل‬
‫صـــف‬
‫ة‪ ،‬صـــانع ل يجـــارحه لطيـــف ل يو ُ‬
‫بهمـــ ِ‬
‫صــف بالجفــاء‪ ،‬بصــيّر ل‬‫بالخفــاء‪ ،‬كــبيّر ل يو ُ‬
‫ة تعنــو‬ ‫م ل يوصــف بالر ّ‬
‫قــ ِ‬ ‫صف بحاسة‪ ،‬رحي ّ‬ ‫يو ُ‬
‫ه‪."..‬‬
‫الوجوه لعظمت ِ‬
‫من هو المسيح عليه السلم؟‬

‫ى الضــطراب بشــأن االمســيح عليــه‬


‫لقــد اد ّ‬
‫الســلم الــى أضــطراب فــي الفكــر الــديني‬
‫عموم ًا‪.‬‬
‫أ‬
‫‪629‬‬

‫ملــل‬‫وحــدث تبــادل لهــذه الفكــار بيــن ال ِ‬


‫ت ســـابقا ً ان تهمـــة قتـــل‬
‫الثلثـــة‪ .‬لقـــد قلـــ ُ‬
‫المسيح عليه السلم ثابته على كهنة اليهود ‪-‬‬
‫لنهــم قتلــوا مــن يشــبه المســيح فهــو علــى‬
‫اعتقــادهم المســيح نفســه‪ .‬اذن فهــم ليســوا‬
‫ابريــاء مــن القتــل ‪ -‬فــالقرآن لــم يقــل انهــم‬
‫ش ّبه َلهم(‪.‬‬
‫ابرياء من القتل بل قال ) ُ‬

‫اليهود قالوا انهم قتلوهّ لدعائه اللوهية‪:‬‬

‫وا يســوع‬ ‫"وفــي ليلــة عيــد الفصــح علقــ ّ‬


‫الناصــري وســار المنــادي لمــدة اربعيــن يوم ـا ً‬
‫يعلن كل يوم انه سُيرجم لنه مــارس الســحر‬
‫وضّلل اسرائيل‪."..‬‬

‫وقال مكدويل نقل ً عن التلمود‪:‬‬


‫"وهل تظن ان يسوع الناصري كــان محق ـا ً‬
‫فــي دفــاعه عــن نفســه لقــد كــان مخادعــا ً‬
‫وشريعة الله تنهى عن الرأفة بالمخادعين"‪.‬‬

‫أ‬
‫‪630‬‬

‫عون حينمــا يؤكــدون‬


‫اذن فالنصــارى مخــدو ُ‬
‫عــى ذلــك‬
‫ان المســيح هــو ابــن اللــه وانــه اد ّ‬
‫ه‬
‫بالفعل لنهم يعطــون الم ب ّــرر الفعلــي لقتل ـ ِ‬
‫م يصـــدقون اليهـــود‬
‫لليهـــود وبالتـــالي فـــانه ّ‬
‫ويكذّبون المسيح‪ ..‬اليست تلك مأســاة اخــرى‬
‫ومحنة اعظم على المسيح من الصلب؟‬

‫يحــاول مكــدويل فــي كتــاب )ثقــتي فــي‬


‫الســيد المســيح( تجميــع الدّلــة علــى الوهيــة‬
‫المسيح بما في ذلك ان المسيح نفسه ادعــى‬
‫اللوهية فهــو اذن يوافــق اليهــود علــى أصــل‬
‫التهمة‪ ،‬كل ما في المر ان مكــدويل يــرى ان‬
‫وه ظلمــا ً‬
‫المسيح هو فعل ً إله واذن فقد صــلب ُ‬
‫عدوانًا!‬
‫و ُ‬
‫ويعلم مكدويل جيــدا ً انــه فــي هــذه الحالــة‬
‫وان لــم يكــن إلهــا ً فهــو اذن امــا كــذا ّ‬
‫ب أو‬
‫مجنون‪.‬‬

‫وبالفعــل حصــر نفســه فــي الحتمــالت‬


‫الثلثة ويحاول ان يبرهن انه ليس بكــذاب ول‬
‫أ‬
‫‪631‬‬

‫مجنون وبالتالي فهو إله؟ لماذا؟ لن المسيح‬


‫عليه السلم نفسه قال انه إله على رأيه‪.‬‬

‫ولكن الدعوى لللوهية خرجت مــن القتلــة‬


‫صـــدق القتلـــة ويحصـــر‬
‫انفســـهم فلمـــاذا ي ّ‬
‫الحتمالت بهذه الثلثة فقط؟‬

‫ان مكدويل يشارك القتلة في الكذب علــى‬


‫المسيح حيث يحاول الدفاع عنه فتعــال معــي‬
‫لنقرأ بوعي وأنتباه‪.‬‬

‫تحت عنوان )المسيح يعلن الوهيته( ص ‪13‬‬


‫‪ -‬الفقرة ‪ 2 /‬قال‪:‬‬

‫ان المسيح عليه السلم اعلن الوهيته فــي‬


‫بعض احاديثه‪ ،‬فتناول اليهود حجارة ليرجمــوه‬
‫بها فسألهم‪:‬‬

‫"اعمال ً كثيرة حسنة اريتكم مــن عنــد أبــي‬


‫بسبب أي عمل منها ترجمونني؟"‬

‫ولنسأل هــل فــي تلــك العبــارة شــيء مــن‬


‫ادعاء اللوهية؟ لنه لــم يقــل مــن عنــدي بــل‬

‫أ‬
‫‪632‬‬

‫من عند )أبي(‪ .‬والله ل يحتــاج الــى أب ياخــذ‬


‫قوة اعماله من عنده؟!‬

‫اذا كان المسيــح إلها ً ولــه أب هــو الخــــر‬


‫اله فمن هــو والـــد الب اللــه الثــالث ومــن‬
‫هو الرابــع‪ ....‬الخ‪.‬‬

‫فقال اليهود‪:‬‬

‫"لسنا نرجمك لجل عمل حسن بل لجل‬


‫تجديف فانك وانت انسان تجعل نفسك إلهًا"‬
‫يوحنا‪33 -10/31 /‬‬

‫يعتقد مكدويل ان هذه العبارة من النجيل‬


‫تثبت ان المسيح إله ولكن العبــارة مــن قــول‬
‫العداء والخصوم فهم الذين قالوا تجعل مــن‬
‫نفسك إله ا ً وليس المسيح!‬

‫قال في الفقرة )ب(‪:‬‬

‫"فاجابهم المسيح‪ :‬أبي يعمل حتى الن وانا‬


‫أعمل‪ .‬فمــن أجــل هــذا كــان اليهــود يطلبــون‬
‫اكثر ان يقتلوه لنه لم ينقــض الســبت فقــط‬

‫أ‬
‫‪633‬‬

‫بــل قــال أيضــا ً ان اللــه أبــوه معــادل ً نفســه‬


‫بالله"‪.‬‬

‫قال مكدويل‪:‬‬

‫"كان اليهود ويقولــون عــن اللــه انــه )أب(‬


‫لكنهم كانوا يضــيفون اليهــا )فــي الســموات(‬
‫ولكن يسوع هنــا يقولهــا ببســاطة معــبرا ً عــن‬
‫الصلة القوية والمســاواة الكاملــة بينــه وبيــن‬
‫الله وادراك اليهود قصده فارادوا قتله‪!"..‬‬

‫ان مكــدويل يصــدق اليهــود فــي اتهــامهم‬


‫المســيح! مــن ايــن يــدري انــه يســاوي نفســه‬
‫بالله مساواة كاملــة فقــوله ابــي يعمــل حــتى‬
‫الن وانـــا اعمـــل ل يـــدل علـــى المســـاواة‬
‫المزعومــة‪ .‬هــل يــدافع عــن اليهــود ام عــن‬
‫المسيح؟؟‬

‫في الفقرة ) ‪:(1‬‬

‫قال‪ :‬ان المسيح اجاب على ســؤال رئيــس‬


‫الكهنة بثلث اجابات‪:‬‬

‫أ‬
‫‪634‬‬

‫‪ -1‬انه ابن المبارك‪.‬‬

‫ه‪.‬‬
‫‪ -2‬انه يجلس على يمين القو ّ‬
‫‪ -3‬انــه ابــن النســان الــذي ســيأتي فــي ســحاب‬
‫السماء‪.‬‬

‫يزعم مكدويل انهم ادركوا مــن الجابــات انــه‬


‫سيا( فسألوا هل انت ابن‬
‫يشير الى كونه )الم ّ‬
‫الله؟‬

‫لكن المسيح قال انه ابــن النســان فــي اكــثر‬


‫من موضع ‪ -‬واذا كان هو ابن الله فقــد أصــبح‬
‫النسان هــو اللــه واللــه هــو النســان‪ ..‬فهــل‬
‫ضــح لــك‬
‫تلحــظ ظهــور )النــا( ام تريــد أن او ّ‬
‫المر أكثر من ذلك؟‬

‫ل أحد يدافع عن المسيح عليه الســلم‪ .‬ان‬


‫جميع هؤلء يقومــون بصــلب المســيح مجــددا ً‬
‫كل يوم!‬

‫لم يكن لدى اليهود اية تهمــة ضــد المســيح‬


‫ى انه ابن الله‪.‬‬
‫سوى قولهم انه ادع ّ‬

‫أ‬
‫‪635‬‬

‫فقد راجعوا )بيلطس( عدة مرات وهــو يكــرر‬


‫"أنــي ل أجــدُ فيــه ســببا ً لتهــا ّ‬
‫مه"‪ ،‬واليهــود‬
‫يقولون‪:‬‬

‫"لنا شريعة وبحســب هــذه الشــريعة يجــب ان‬


‫يموت لنه جعل نفسه ابن الله" يوحنا ‪.19/4‬‬

‫هل كانوا كــاذبين فــي معنــى قــولهم بحســب‬


‫الشريعه؟ كل ّ فالنصــارى يؤمنــون أو يفــترض‬
‫ان يؤمنوا بالعهد القديم وما تؤكــده الشــريعة‬
‫عن وحدانية الله‪.‬‬

‫كانوا كاذبين فــي الجــزء الخيــر لن المســيح‬


‫عليه السلم لــم يجعــل نفســه ابــن اللــه ولــم‬
‫يأت )لينقض الناموس( حسب تعبيره بل جــاء‬
‫ليتمم الناموس!‬

‫لقــد قــال انــه ابــن النســان وكــان يكــرر‬


‫القول ابي الذي في السماء بخلف ما يقــوله‬
‫مكدويل‪.‬‬

‫أ‬
‫‪636‬‬

‫"انا الذي قال لكم الحق الذي سمعه من‬


‫الله" يوحنا ‪8/40‬‬

‫ترى لو كــان هــو اللــه فلمــاذا يســمع مــن‬


‫الله؟‬

‫"ان الذي ارسلني هو معي‪ ،‬لم يتركني وحدي‬


‫لني اعمل دائما ً أبدا ً ما ُيرضيه" يوحنا‪.8/29 /‬‬

‫ال تلحظ نبرة العبودية والذل امــام اللــه؟ ال‬


‫تراه يريد إرضاء الرب ذلك لنه انســان ربــاني‬
‫ل رب وكائن إلهي ل إله فهل عجزت العقول‬
‫عن تفسير معجزات المسيح واقواله؟‬

‫لمــاذا ل يكــون ال أحــد ثلثــة كمــا زعــم‬


‫مكدويل‪ :‬إله او مجنون او شيطان؟‬

‫لمــاذا ل يكــون عبــدا ً مخلص ـا ً للــه‪ ،‬كلم ـ ً‬


‫ة مــن‬
‫كلمــاته النورانيــة آتــاه قــدرات علــى تحريــك‬
‫الموجــودات والســيطرة عليهــا واللــه يــؤتي‬
‫ء قدير؟‬
‫ملكه من يشاء والله على كل شي ٍ‬

‫أ‬
‫‪637‬‬

‫ان المســيح عليــه الســلم لــم يقصــر تلــك‬


‫العمال التي يعملها على نفسه!‬

‫بــل قــال بامكانيــة ان يعملهــا غيــره‪ ،‬بــل‬


‫يعمل ما هو اعظم منها‪:‬‬

‫"من آمن بي يعمــل هــو ايض ـا ً العمــال الــتي‬


‫أعملهــا أنــا‪ .‬بــل يعمــل أعظــم منهــا " يوحنــا‬
‫‪.14/12‬‬

‫ذلك لنه لو كان إله ـا ً فل يمكــن ان يعمــل اي‬


‫انسان يؤمن به اعظم مما يعمله الله؟ يحدث‬
‫ذلك فقط حينمــا يكــون يســوع انســانا ً مؤمن ـا ً‬
‫بالله ومن يــؤمن بــه يحتمــل ان يكــون اعظــم‬
‫ايمانا ً منه وعندئ ٍ‬
‫ذ فقط يعمــل اعمــال ً اعظــم‬
‫من يسوع! لن الذي يؤمن بصدقه انما يــؤمن‬
‫بالله المطلق – واللــه هــو الــذي يعطــي قــوة‬
‫ي أحد كيفما شاء لذلك كان النـــبي‬
‫العمال ل ّ‬
‫محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو المــؤمن‬
‫صدق لمــا جــاء بــه فجــاء مــن‬
‫والشاهد له والم ّ‬

‫أ‬
‫‪638‬‬

‫العمــال اعظــم ممــا جــاء بــه المســيح عليــه‬


‫السلم‪.‬‬

‫ان مكدويل يكذب على المسيح عليــه الســلم‬


‫حينما يأتي بفقرات من اقوال غيره ليجعلهــا‬
‫دلي ل ً على نطق المسيح عليه السلم بها وهو‬
‫منها براء بحسب الناجيل وذلك كله برغم ان‬
‫الناجيل ل تتضمن كلم المسيح عليه الســلم‬
‫ب‬
‫وحــــده ول كلم اللــــه بــــل كلم الكتــــا ّ‬
‫والمؤلفين الذين صــاغوها علــى شــكل قصــة‬
‫تضمنت فقرات من كلمه عليه السلم‪.‬‬

‫ومعلــوم ان المانــة التاريخيــة امــام المســيح‬


‫عليه السلم تــوجب التحقــق مــن النــص علــى‬
‫مستويين‪:‬‬

‫الول‪ :‬دقــــة الوصــــف والعبــــارات الشــــارحة‬


‫للحداث لنها ليست مــن كلم المســيح عليــه‬
‫الســلم فيجــب ان تخضــع للنقــد والتحليــل‬
‫والمقارنة‪.‬‬

‫أ‬
‫‪639‬‬

‫الثاني‪ :‬النص المذكور على انه من كلم المسيح‬


‫عليه السلم اذ يمكن ان ينقلوه بالمعنى دون‬
‫اللفاظ وقد برهّنا على نحو واضح فــي حّلنــا‬
‫ي تغ ّير في اللفظ ولــو مــع‬
‫القصدي للغة ان ا ّ‬
‫حسن النوايا سيغير المعنى‪ .‬وعليــه فيتــوجب‬
‫اخضاع نص المسيح عليه الســلم نفســه الــى‬
‫الدراسة لنه منقول عبر افواه غيره‪.‬‬

‫الوحيد الــذي ل يمكــن مناقشــته هــو المســيح‬


‫عليه السلم! وكل ما عداه ل تجــوز مناقشــته‬
‫فقط بل هي واجبة ليكون المــرء بــريئا ً امــام‬
‫المسيح عليه السلم نفسه‪.‬‬

‫هو الذي قال انهــم ســيكذبون عليــه ويــدعون‬


‫اشياء لم يأت بها ولم يقْلهــا‪ ..‬المســيح عليــه‬
‫الســـلم هـــو الـــذي يحـــذرنا ويحملنـــا علـــى‬
‫الدراسة‪:‬‬

‫"انظـــروا ل تظلـــوا فـــان كـــثيرين ســـيأتون‬


‫بأسمي قائلين أني انا هو والزمان قــد قــرب‬
‫فل تذهبوا وراءهم" ‪/9‬اصحاح ‪ - 21‬لوقا‪.‬‬
‫أ‬
‫‪640‬‬

‫ماذا تعنــي عبــارة )انــي انــا هــو(‪ .‬انهــا عنــد‬


‫جميــع الــذين قــالوا بالوهيــة المســيح تعنــي‬
‫)اني انا هــو اللــه( اذ اعتمــدوا هــذه العبــارة‬
‫المكررة في النجيل للبرهنة على اللوهية‪.‬‬

‫ولكن في النص المار في انجيل لوقــا ينســب‬


‫المســيح عليــه الســلم هــذه العبــارة للــذين‬
‫يكذبون عليه‪.‬‬

‫قد يقال انه يقصد الذين يأتون بأسمه مدعين‬


‫انهــم المســيح عليــه الســلم فل علقــة لهــا‬
‫بالعبارة المذكورة في مواضــع الخــرى‪ .‬لكــن‬
‫هذا ل يصح مطلقا ً من حيــث اللغــة ونظامهــا‪.‬‬
‫لنـــه يفـــترض ان يقـــول فـــي هـــذه الحالـــة‬
‫م أنا(‪.‬‬
‫)سيأتون بأسمي قائلين انه ّ‬
‫اذ ل معنى لوجود الفراد في انــي وتصــبح‬
‫)هو( زائدة ل محالة‪.‬‬

‫أ‬
‫‪641‬‬

‫لنضع مقولة القــائلين بيــن قوســين‪ :‬فــان‬


‫كــثيرين ســيأتون بأســمي قــائلين‪" :‬إنــي انــا‬
‫هو"‪.‬‬

‫اي قائلين‪ :‬اني انا هو الله‪.‬‬

‫يدل على ذلك انهــم يــأتون بأســمه ل مــدعّين‬


‫إسمه‪ .‬بمعنى انهم يأتون دعاة للمسيح عليـــه‬
‫ون انهم المسيح!!‬
‫السلم وليسوا يدع ّ‬
‫اذن فالذين يدعون للمسيح وبأسمه يبشــرون‬
‫ويقولــون انــه هــو اللــه )ل تــذهب وراءهــم(‬
‫وحسب ما قال المسيح!‬

‫لنه قال‪) :‬ل تذهبوا وراءهم(‪.‬‬

‫يزعم مكدويل ان المسيح تقّبل العبادة‪.‬‬

‫حل بمكــدويل يــوم يــاتي المســيح عليــه‬


‫ماذا ي ّ‬
‫الســلم مــن الســماء ويقــول لــه كــذبت يــا‬
‫مكدويل فاني لم اتقبل العبادة‪.‬‬

‫لن المسيح قال‪:‬‬

‫أ‬
‫‪642‬‬

‫"للرب إلهك تسجد وإي ّاه وحده تعبد ُ‬


‫ه"‪4/10 .‬‬
‫متى‪.‬‬

‫وقال‪:‬‬

‫"للرب إلهك تسجد وإيّاه وحده تعبد ُ‬


‫ه"‪4/8 .‬‬
‫لوقا‪.‬‬

‫لماذا ل نخضع العبارة للتحليل؟‬

‫انه يقول للرب إلهك تسجد‪ .‬وليــس فــي هــذا‬


‫اي دليل على ان السجود ل يكون ال للرب‪.‬‬

‫بينمــا هــو يقــول وايــاه وحــده تعبــد‪ :‬وهــذا‬


‫يعني انه ل تجوز العبادة ال لله‪.‬‬

‫وعليه فالساجد غير العابد‪ .‬الساجد يحــترم‬


‫المسجود له والعابد طائع متابع مذعن‪.‬‬

‫وحينما يتشبث البعض بســجود البــرص ‪/‬مــتى‬


‫‪ 8/2‬للمســيح وســجود المولــود اعمــى‪ ،‬يوحنــا‬
‫‪ 9/35‬فان قولهم بتقبل المسيح عليه السلم‬
‫صــدي‬
‫للعبادة هو من إضافاتهم‪ .‬في الحل الق ّ‬
‫للغة فرقنا بيــن المفــردات وابطلنــا الــترادف‬

‫أ‬
‫‪643‬‬

‫الذي استغلته الفئات لتمرير مؤامراتهــا علــى‬


‫الدين‪.‬‬

‫لقد حدث الشــيء نفســه فــي الســلم‪ .‬فقــد‬


‫عجبــوا مــن ســجود الملئكــة لدم محــاولين‬
‫تفسير المر لنه عندهم ل تجوز العبادة لغير‬
‫الله‪ .‬بينما القصة نفسها تــبرهن ان الســجود‬
‫شيء والعبادة شيء آخر‪.‬‬

‫فقـــول مكـــدويل ‪ :/17 /‬وقـــد قبـــل المســـيح‬


‫الســـجود والعبـــادة يجـــب تصـــحيحها‪ :‬قبـــل‬
‫الســجود فقــط ولــم يقبــل العبــادة لزالــة‬
‫التناقض مع قوله المسيح‪:‬‬

‫"للرب إلهك تسجد واي ّاه هو وحده تعبد"‬

‫وهي عبارة محكمة ودقيقة ذكرت نفســـها بل‬


‫تغيير في الناجيل‪.‬‬

‫في الفقرة ) ‪ (4‬العنوان الذي وضعه مكــدويل‬


‫هو‪ :‬آخرون يؤكدون الوهيته! ونحن ل نناقش‬
‫كل ما ورد فيها لن الخــرون ل يملــون علــى‬

‫أ‬
‫‪644‬‬

‫المســيح عليــه الســلم وليــس لكلمهــم ايــة‬


‫قيمة‪ ،‬بالنسبة لمن يريد متابعة المسيح‪.‬‬

‫اما قوله فــي الفقــرة )د( مــن )‪ (3‬انــه تقب ّــل‬


‫العبادة من توما بعد قيامته اذ سجد لــه قــائل ً‬
‫)ربــي وإلهــي( يوحنــا ‪ ، 20/‬ففيــه مغالطــة‬
‫نفسيه واضحة‪.‬‬

‫من اين يعلم اي أحد ان توما يقصد المســيح؟‬


‫ي الدار فجــأة وقلــت‬
‫ترى لو دخل مكدويل عل ّ‬
‫ن مكــدويل ســيرجع‬‫مندهشـًا‪ :‬يــا إلهــي! فاض ـ ّ‬
‫الى موطنه مبشرا ً انه وجد فــي العــراق رجل ً‬
‫يدعوا مكدويل إلهًا!‬

‫ومع وجود التعاطف بين )ربي وإلهــي( يكــون‬


‫هذا التحليل صحيح ا ً مأة بالمأة بحيث ان كاتب‬
‫النجيل نفسه يعلم حقيقته‪.‬‬

‫ي ويقصد المسيح‪ .‬بينما‬ ‫لن توما انما قال رب ّ‬


‫ل يقصد بالهي ال الله‪ .‬كما لو قلت مندهشــا ً‬
‫لرؤية اخي‪) :‬اخي يا إلهي(‪) ..‬أخــي‪..‬إلهــي(‪..‬‬

‫أ‬
‫‪645‬‬

‫فالمتكلم خلل الكلم يختلف في صيغته عــن‬


‫المكتــوب والكــاتب نقــل العبــارة كمــا هــي‬
‫فيتوجب تخيل الحال وباي نبرة حصل الكلم‪.‬‬

‫ومرة اخرى فان الرب يطلــق علــى النســان‪:‬‬


‫رب الدار‪ ،‬رب السرة وأطلقــه القــرآن علــى‬
‫الملك على لسان يوسف عليه السلم‪:‬‬

‫]اذكرني عند رّبك ‪ ‬اي عند الملك‪.‬‬

‫بينما اللــه واحــد‪ .‬ولــذلك حصــل التــدّرج فــي‬


‫التعويذة القرآنية‬

‫]قل أعوذ برب الناس‪ .‬ملك الناس‪ .‬إله الناس‬


‫‪‬‬

‫فلمــا قــال إلــه النــاس لــم يبــق شــيء فــوقه‬


‫وذ به‪.‬‬
‫فانتهى ذكر المع ّ‬
‫لذلك فقول مكــدويل ان )يســوع المســيح هــو‬
‫رب لمجد الله الب( ‪/‬فيلــبي ‪ - 9:2‬يــدل علــى‬
‫انه إله هو خلط اعتباطي بين الرب والله‪.‬‬

‫أ‬
‫‪646‬‬

‫ب‪،‬‬
‫انــا اقــول ان المســيح عليــه الســلم ر ّ‬
‫ومــن احســن الربــاب لكنــي اكفــر بالــذين‬
‫يقولون أنه إله‪..‬‬

‫لن الله واحد والرباب كــثيرون‪ .‬والعتبــاط‬


‫اللغوي لم ينتبه الى الفرق في القــرآن رغــم‬
‫دقته ووضوحه فكيف ينتبه الى ما هــو اســبق‬
‫من القرآن؟ ومن يدري لعل العتباط اللغوي‬
‫يقصــد أص ـل ً خلــط المــور والباســها ببعضــها‬
‫وخاصة بعــد ان اطلعنــا علــى تحــذير المســيح‬
‫عليه السلم منهم وتحذير القرآن‪.‬‬

‫يضع مكدويل قائمة اخــرى بالصــفات الــواردة‬


‫للمسيح عليه السلم والــتي يزعــم انهــا تــدل‬
‫على اللوهية!‬

‫ونحـــن سنســـتعرض هـــذه الصـــفات بســـرعة‬


‫لنــبرهن انهــا صــفات كلمــات إلهيــة وليســت‬
‫صفات إله‪.‬‬

‫أ‬
‫‪647‬‬

‫‪ -1‬الخالق‪ :‬يوحنا ‪1/3‬‬

‫ليس الخلق مقصورا ً على الله‪ ،‬بيد ان الله‬


‫خــالق كــل شــيء بمــا فــي ذلــك الخــالقين‬
‫الخرين‪.‬‬

‫]تبارك الله احسن الخالقين ‪‬‬

‫وقــد ورد ذكــر المســيح عليــه الســلم فــي‬


‫القرآن انه يخلق‪ .‬ومع ذلك فهو انسان ل إله‪.‬‬

‫ن النسان ل يرضــى ان يتصــف بصــفات‬


‫كأ ّ‬
‫إلهيــة بــل يريــد المشــاركة فــي اللوهيــة‪..‬‬
‫وهيهــات يكــون ذلــك فــان اوليــاء اللــه اشــد‬
‫خضوعا ً لله مما يزعمه المستكبرون‪.‬‬

‫‪ -2‬المخّلص‪ :‬يوحنا ‪4/42‬‬

‫ل علقة لهذه الصفة باللوهية‪ ،‬انه يستمد‬


‫قوة الخلص من الله بما اعطاه الله من قــوة‬
‫وعلم ومعرفة والله يؤتي ملكه من يشاء‪.‬‬

‫أ‬
‫‪648‬‬

‫‪ -3‬مقيم الموتى‪ :‬يوحنا ‪5/21‬‬

‫ليــس ذلــك مقصــو ًرا علــى المســيح عليــه‬


‫الســلم‪ .‬ان جميــع كلمــات اللــه لهــم هــذه‬
‫القدرات انما يظهرون منها ما يلئم ازمــانهم‬
‫وحاجة النــاس‪ .‬ذكرهــا القــرآن ومــع ذلــك لــم‬
‫يكن إلها ً بل عبدا ً انعم عليه فجعله آيــة يخلــق‬
‫وُيحي الموتى‪.‬‬

‫‪ -4‬الكائن )أنا هو(‪ :‬يوحنا ‪8/58‬‬

‫ناقشنا عبارة )اني أنا هو( قبل قليل‪.‬‬

‫ن ‪:‬‬
‫‪ -5‬الديا ّ‬
‫ن‬
‫لقد قال المام علي عليه السلم‪ :‬انا ديا ّ‬
‫يــوم الــدين ومــع ذلــك فهــو مقــّر بالعبوديــة‬
‫واقراره بها معلوم فــي الملــل الثلثــة لكــثرة‬
‫ما ورد عنه من الــدعوات والمناجــاة والتعّبــد‪.‬‬
‫ن هو الذي يدين الخلئق بالطاعة له بمــا‬
‫الديا ّ‬
‫آتــاه اللــه مــن الملــك والملكــوت‪ .‬ول علقــة‬
‫لذلك بكونه إلهًا‪.‬‬

‫أ‬
‫‪649‬‬

‫هناك الكثير من السماء المشتركة بيــن‬


‫اللــه وعبــاده تقــول فلن رحيــم واللــه رحيــم‬
‫وفلن قوي والله قوي‪ ...‬الخ‪.‬‬

‫عي فلن انه اصبح إلها ً ويخــرج لنــا‬


‫فهل يد ّ‬
‫قائمة مثل قائمة جوش مكدويل؟‬

‫‪ -6‬النور‪ :‬يوحنا ‪:8/12‬‬

‫لحظنــا علقــة الكلمــات النورانيــة بنــور‬


‫الشجرة االمباركة ونور اللــه فــي طيــات هــذا‬
‫الكتاب‪ .‬هناك فرق كبير فحينمــا يكــون المــرء‬
‫نور الله فهو شيء وان يكــون هــو اللــه فهــو‬
‫شيء آخر‪.‬‬

‫اذا انكر أحد ان المسيح نور الله فقد كفــر‬


‫واذا زعم انه هو الله فقد كفر‪ .‬هذا ما يؤكده‬
‫القرآن فاين هذا من مزاعم العتباط اللغوي‬
‫‍الذي يجعله ابن النسان وابن الله وهو اللــه‬
‫في آن واحد؟‬

‫أ‬
‫‪650‬‬

‫‪ -7‬غافر الخطية‪ :‬مرقس ‪10 -7 -2 /‬‬

‫معلــوم ان الــولي لــه قــدرة علــى مغفــرة‬


‫الخطايا‪.‬‬

‫لن ذلــك مــن القــدرات الممنوحــة لــه مــن‬


‫الله‪ .‬الحساب والعقاب والثواب كل ذلــك مــن‬
‫مــل‬
‫م يتح ّ‬
‫شــؤون اوليــاء اللــه‪ ،‬فالمســيح إمــا ّ‬
‫خطايا مثل اي امام أو رسول من اللــه ولهــذا‬
‫فهم دقيق ل يمكــن ايضــاحه هنــا ولكنــه بكــل‬
‫حال ليس متعلقا ً بصفة اللوهية‪.‬‬

‫‪ -8‬تعبده الملئكة‪ :‬عبرانيين ‪6 -1/‬‬

‫ح فــي تفســير هــذا‬


‫مرة اخرى يكذب الشرا ّ‬
‫النـــص المـــأخوذ عـــن رســـاالة بـــولس الـــى‬
‫العبرانيين لن النص هو كالتي‪:‬‬

‫]فمن من الملئكة قال الله له يوما ً انـــت‬


‫ابني وانا اليــوم والــدك ‪ ..‬ويقــول أيض ـا ً عنــد‬
‫ادخاله البكــر الــى العــالم وليســجد لــه جميــع‬
‫ملئكة الله ‪‬‬

‫أ‬
‫‪651‬‬

‫فــــالنص يقــــول ان الملئكــــة يســــجدون‬


‫والشارح مكدويل يقول )يعبدون( ‍ ان اضــافة‬
‫عبارات أو تغيير النص بالفاظ غير الفاظه هو‬
‫جريمة بحق المسيح عليه السلم‪.‬‬

‫‪ -9‬خالق الملئكة‪ 1/16 :‬كولوسي‬

‫ان هذا التعبير من الشارح‪ .‬وحتى لــو كــان‬


‫من بولس فل يثبت به احتجــاج مطلقــًا‪ .‬لننــا‬
‫اذا اعتقدنا بصــحة كــل مــا يصــدر عــن بــولس‬
‫مثلما يصدر عن المسيح عليــه الســلم نفســه‬
‫بل فرق ساوينا بين بولس والمسيح‪.‬‬

‫ان غاية العتباط اللغوي تكمن هنا‪ .‬ولهــذا‬


‫المر مشابهة كبيرة في ما فعلــه اليهــود مــن‬
‫تأليه لعلماءهم وقادتهم وما فعله المسلمون‬
‫من تصويب كل ما ورد عن الصحابة‪.‬‬

‫ومع ذلك فان النــص الــذي ذكــره بــولس ل‬


‫يتضـــمن انـــه خلـــق الملئكـــة‪ .‬بـــل يتضـــمن‬

‫أ‬
‫‪652‬‬

‫السبقية في الخلق على الملئكة وان العالم‬


‫خلق لجله‪.‬‬

‫لنه قال‪) :‬كل شيء خلق به و َله( ‪ 1 -‬قور‬


‫‪ 8/6‬وهو نفس النص في قورنتو‪ .‬بل العنوان‬
‫في الرسائل هو في أعلى الصفحة هكــذا‪2) :‬‬
‫‪ -‬العقيدة‪ :‬أول ّية المسيح( ومعلوم انهــا أوليــة‬
‫سابقة على الموجودات ل أولية ســابقة علــى‬
‫الله لن النص يقــول )خلــق( ببنــاء المجهــول‬
‫وهو هنا المعلوم فثمة خالق خلــق كــل شــيء‬
‫به وله والملئكة من جملة الشياء‪ .‬اذن فهـــو‬
‫متقــدم فــي خلقــه علــى الملئكــة والملئكــة‬
‫ه وبه وليــس هــو خــالق الملئكــة‪..‬‬
‫خلقوا لجل ِ‬
‫لنه الكلمة التي خلق بهــا العــالم لكنــه ليــس‬
‫خــالق العــالم‪ .‬ان الشــراح يقومــون بتخريــب‬
‫مفاهيم النجيل والرسائل عــن قصــد ووعــي‬
‫دوم ًا‪ ،‬لنهم يضعون نتائج ومفاهيم من تلقــاء‬
‫انفسهم فاولية المسيح عليه السلم ل تعنــي‬

‫أ‬
‫‪653‬‬

‫انه خالق الملئكة بينما يضع مكدويل العنــوان‬


‫بصورة )خالق الملئكة‍(ــ ‍‬

‫‪ -10‬العتراف به رب ًّا‪ :‬فيلبي ‪11 -2 /‬‬

‫ناقشنا الفرق بيــن الــرب واللــه فل نعــود‬


‫لذلك‪ .‬فالمسيح عليه السلم رب بيد انه ليس‬
‫ب العلى( وليس هو الله‪.‬‬
‫)الر ّ‬
‫امــا بقيــة القائمــة‪ :‬الراعــي‪ ،‬مجــد اللــه‪،‬‬
‫العريـــس‪ ،‬الصـــخرة‪ ،‬فل دللـــة فيهـــا علـــى‬
‫اللوهية مطلقا ً لنها صــفات عبــد انعــم اللــه‬
‫عليه‪.‬‬

‫ثم قــال مكــدويل فــي ص ‪ - 20‬المســيح ل‬


‫يتغّير ما نصه‪:‬‬

‫" كل ما في العالم وكل ما من في العالم‬


‫يتغي ّــر ال ّ اللــه‪ .‬وهــذا مــا يقــوله الكتــاب عــن‬
‫يسوع‪ .‬عبرانين ‪ 8 :13‬مع ملخي ‪" 6 :3‬‬

‫فلنلحظ ما يقــوله الكتــاب فــي عــبرانيين‬


‫‪8 :13‬‬

‫أ‬
‫‪654‬‬

‫انه يقول‪ :‬اذكــروا مرشــديكم الــذين كلمــوكم‬


‫بكلمة الله انظروا الى نهاية سيرتهم فتمثلوا‬
‫س ـا ً واليــوم والــى‬
‫بايمانهم‪ .‬يسوع هــو هــو أم ْ‬
‫البد ل تساقوا بتعاليم متنوعة وغريبة" ‪- 7/8‬‬
‫‪ - 13‬عبرانيين‪.‬‬

‫بالرغم من ان النص هو رسالة مــن بــولس‬


‫الــى العــبرانيين‪ ،‬فل يمكــن ان تعتبرهــا حجــة‬
‫بشأن موضوع خطيــر كالوهيــة المســيح عليــه‬
‫السلم ‪ -‬بالرغم من ذلك فان مكدويل يحاول‬
‫الستفادة منه بخلف ما فيه‪.‬‬

‫فــالنص ل يــذكر عــدم تغيــر المســيح عليــه‬


‫السلم ‍ ! انمــا يــذكر ضــرورة اللــتزام بصــفة‬
‫ثابتة للمسيح بحيث يمكن كشــف خــداع اولئك‬
‫الـــذين يشـــوهون صـــورته بتعـــاليم متنوعـــة‬
‫وغريبة‪ .‬اذن فهــو يطلــب مــن التبــاع الثبــات‬
‫على المبدأ ويطالب بعــدم تعّيرهــم مــن خلل‬
‫حقيقة واضــحة هــي ان الشخصــية المعينــة ل‬
‫يمكــن ان تتصــف بصــفات متناقضــة فــي آن‬
‫أ‬
‫‪655‬‬

‫واحد مثل شجاع‪ ،‬جبان وقوي‪ ،‬ضعيف‪ ...،‬الــخ‬


‫بخاصة وان الشخصية هنا هي شخصية رسول‬
‫كريم مثل المسيح عليه السلم‪.‬‬

‫ومع ذلك فهناك شــك فــي نســبة الرســالة‬


‫نفسها الى بولس‪.‬‬

‫فقد ذكرت حاشية الكتــاب المقــدس ط ‪11‬‬


‫منشــورات دار المشــرق والــتي كتــب عليهــا‬
‫)اعيد النظر فيها بناءً على أحدث الدراســات(‬
‫علــى الغلف الــداخلي‪ ،‬ذكــرت فــي ص ‪580‬‬
‫)ترتيــب رســائل القــديس بــولس( الرســالة‬
‫الثانيـــة الفقـــرة ‪ ،13‬رســـالة بـــولس الـــى‬
‫طيموثاوس سنة ‪) 67‬موضوع النص( ما يلي‪:‬‬

‫)وتنســب اليــه الرســالة الــى العــبرانيين‬


‫ولكن العلماء يرون ان كاتبهم هو أحد تلميذه‬
‫او أعوانه(‪.‬‬

‫ومع ذلك فالنص يحــذر التبــاع مــن التغّيــر‬


‫ول يريد به عدم تغّير االمسيح مطلق ًا‪.‬‬

‫أ‬
‫‪656‬‬

‫فرضية إلوهية المسيح‬

‫ة مــن خيــاله وجعلهــا‬


‫وضع مكــدويل فرضــي ً‬
‫عنوان الفصل الرابع ص ‪ 31‬وســماها بعنــوان‬
‫كبير هو )الفتراض العظيم(‪.‬‬

‫ويبـــدو ان احـــدا ً لـــم يناقشـــه فـــي هـــذا‬


‫الفتراض وال لما ذكره في كتابه إذ ان مجرد‬
‫التأمل البسيط يفضي الــى كشــف المغالطــة‬
‫الكبرى في هذا الفتراض‪.‬‬

‫ل‪ :‬لو ان اللــه صــار أنســانا ً فكيــف‬


‫سأل أو ً‬
‫يجب ان يكون‪.‬‬

‫قــال وقبــل الجابــة علــى الســؤال يلزمنــا‬


‫الجابة عن سؤال آخــر هــو لمــاذا يصــير اللــه‬
‫أنسانًا؟‬

‫دم ســؤال ً آخ ـَر وكــأنه متأكــد مــن‬


‫أقول‪ :‬ق ـ ّ‬
‫صحة السؤال الول‪ .‬لقــد قــال العلمــاء كافــة‬
‫ان وضع السؤال أهم واصعب من الجواب‪ .‬ان‬

‫أ‬
‫‪657‬‬

‫وضع السؤال هو علم تام بينما تصــح الجابــة‬


‫ولو كانت ناقصة او من جانب دون جانب‪.‬‬

‫ان الســؤال الول هــو نفســه فــي منتهــى‬


‫السخف والتفاهة لن افتراض ان يكــون اللــه‬
‫أنســان ا ً هــو أول خطــوة فــي طريــق التنــاقض‬
‫المضحك ذلك لنــه قبــل قليــل ذكــر ان )اللــه‬
‫غير متغ ّير( وحاول ان يبرهن ان المسيح غير‬
‫متغّير أيضا ً ليصح لديه الستنتاج بالوهيته وها‬
‫هو الن يزعم ان الفتراض بتغّيــر اللــه الــى‬
‫انسان هو افتراض عظيم!!‬

‫غريب جدا ً ان يطبع كتاب كهذا في الغــرب‬


‫المتطور ويترجم الى الشرق المتخلف ‪ -‬لنــه‬
‫يشـــكل علمـــة واضـــحة علـــى اللمنطقيـــة‬
‫والتخلف‪ .‬فــان مثــل هــذا الفــتراض ل يصــح‬
‫فيمــا بيــن الموجــودات نفســها فضــل عــن ان‬
‫يصح فيما بين الموجودات والله بين المحدود‬
‫واللمحدود بيــن الفــاني والحــي بيــن المقي ّــد‬
‫والمطلق‪.‬‬
‫أ‬
‫‪658‬‬

‫كما هو مضــحك القــول ان النســان يصــنع‬


‫طــائرة ويصــنع قطــارا ً ويصــنع الروبــوت ثــم‬
‫يسأل المرء لو ان النسان صار قطارا ً فكيف‬
‫يجــب ان يكــون؟ أو لــو ان الفعــى أصــبحت‬
‫حمارا ً فكيف يجب ان تكــون؟ بــالطبع اذا صــح‬
‫الفــرض فل فــائدة منــه لن الفعــى ســتكون‬
‫حمـــارا ً ولـــن تلحـــظ فيهـــا صـــفة للفعـــى‬
‫والنسان سيكون قطارا ً ولــن تــرى لــه حينئذ‬
‫اي صفة لها علقة بالنســان‪ .‬وكــل ذلــك هــو‬
‫جري ا ً مع الهــراء الــذي فــي الفــرض وال فــانه‬
‫لــن يصــح لنهــم قــالوا )فــرض المحــال ليــس‬
‫بالمحــال(‪ ،‬بمعنــى ان المجنــون قــد يفــترض‬
‫المحــال فهــذا المــر ليــس بالمحــال وليــس‬
‫معناه ان الفرض نفســه يصــح وليــس بمحــال‬
‫لن الناتج عكس الفرض ‪ -‬فان يفترض المــرء‬
‫شيئا ً فهو ليس بمحال ولكن ان يصح المحــال‬
‫فهو محال بالطبع‪.‬‬

‫أ‬
‫‪659‬‬

‫ســنلحظ أيضــا ً انــه بعــد ان افــترض عــدم‬


‫التغّيــر فــي المســيح ناقضــه فــي كتــاب آخــر‬
‫فأثبت مــوته‪ ،‬واالمــوت تغيــر فالكتــاب عبــارة‬
‫عن سلسلة من التناقضات‪.‬‬

‫ثم اجاب على السؤال الخر الغريب‪ :‬لماذا‬


‫يصير الله أنسانًا؟‬

‫فأجاب بقوله‪:‬‬

‫)لنفرض أنــك فلح تحــرث الحقــل وتلحــظ‬


‫عش نمل في طريق المحــراث ولنفــرض انــك‬
‫تحب النمل فتفكــر ان تجــري اليــه لتحــذيرهم‬
‫وتصرخ محذرا ً ولكنهم يســتمرون فــي العمــل‬
‫وتستعمل كل الوســائل بل جــدوى والنمــل ل‬
‫ينتبه‪ .‬لماذا؟ لنك عاجز عن التصال بهم فما‬
‫هي أفضل طريقة لذلك‪ .‬هــي ان تصــير نملــة‬
‫فيفهمون مــا تقــول(‪ .‬مكــدويل ‪.31 /‬هــذا هــو‬
‫الفتراض العظيم!‬

‫أ‬
‫‪660‬‬

‫ونلحـــظ فـــي الفـــتراض سلســـلة مـــن‬


‫الغرائب‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ .‬إن هـــذا التمثيـــل خلف الواقـــع فاطـــالب‬
‫القسيس بمثال غيره لني بالفعل كنت فلحا ً‬
‫واراقــب النمــل فــاذا وضــعت امــام احــدى‬
‫النملت )قشة( ل محراث عظيم اسرعت فــي‬
‫اخبار اخواتها فــاطلب مــن العــالم المســيحي‬
‫ابتكار مثال آخر يتسم بالواقعية‪.‬‬

‫النمل ل ينتبه رغم صراخي وتحذيري‪.‬‬ ‫ثانيًا‪.‬‬


‫لماذا؟ لني عاجز عن التصال به‪ .‬رغــم عــدم‬
‫واقعيته ولكن عند نقله الى ما يمثله فالناتــج‬
‫ان اللــه )عــاجز عــن التصــال بــالخلق( وهــذه‬
‫بمفردهــا ل يقرهــا المســيح اذ يعتــبر قائلهــا‬
‫كافرا ً في جميع الحوال‪.‬‬

‫عدا العجز الذي نسبه هذا الفتراض الى‬ ‫ثالثًا‪.‬‬


‫الله فانه نسب عدم المعرفة أيضًا‪.‬‬

‫أ‬
‫‪661‬‬

‫لقد أصبح اللــه أنســانا ً قبــل تمــام الفــرض‬


‫فهو يغفل وينســى ويقــوم بتجــارب‪ .‬أكتشــف‬
‫ان دعــوة إبراهيــم عليــه الســلم غيــر مجديــة‬
‫ودعوة موسى عليــه الســلم غيــر ذات فــائدة‬
‫فقـــرر ان يكــون أنســانا ً بعــد سلســلة مـــن‬
‫التجارب العقيمة وعدد كبير من الرسل‪!.‬‬

‫تــرى لمــاذا اذن نتمســك بالعهــد القــديم‪،‬‬


‫بوصايا إبراهيم عليه السلم وبشريعة موسى‬
‫عليـــه الســـلم‪ ،‬بصـــاموئيل‪ ،‬عـــزرا‪ ،‬داوود‪،‬‬
‫ســليمان ‪ ...‬الــى آخــر سلســلة النبيــاء عليــه‬
‫السلم؟‬

‫ثم قال‪ :‬لنجاوب علــى الســؤال فــاذا صــار‬


‫الله انسانا ً فانا نتوقع منه ان‪:‬‬

‫‍أ‪ -‬يدخل العالم بطريقة غير عادية‪.‬‬

‫‍ب‪ -‬يكون بل خطّية‪.‬‬

‫ج‪ -‬يجري المعجزات‪.‬‬


‫‍ ‍‬

‫‍د‪ -‬مختلفا ً عما عداه‪.‬‬

‫أ‬
‫‪662‬‬

‫ه‪ -‬يقول أعظم ما يقال‪.‬‬


‫‍ ‍‬

‫‍و‪ -‬يكون تأثيره شامل ً ودائم ًا‪.‬‬

‫‍ز‪ -‬يشبع جوع الناس الروحي‪.‬‬

‫ح‪ -‬يكون له سلطان على الموت‪.‬‬


‫‍ ‍‬

‫لكننا نلحظ ان هذه الصــفات هــي صــفات‬


‫جميع النبياء عليه السلم‪ .‬انها صفات أنسان‬
‫آتاه الله رحمة وعلما ً وجعله آية للناس‪ .‬فـــان‬
‫لبراهيم عليه السلم نفس تلك الصفات ومــا‬
‫هو أكثر منها بل للمســيح عليــه الســلم أكــثر‬
‫ممــا ســطره مكــدويل‪ .‬ألــم يــدخل إبراهيــم‬
‫العالم بطريقة غير عاديــة والملــك كــان يريــد‬
‫قتله؟ ألم يدخل موســى بطريقــة غيــر عاديــة‬
‫حيــث فرعــون كــان يريــد قتلــه فربــاه فــي‬
‫قصره؟‬

‫ألــم تجــري المعجــزات علــى يــد إبراهيــم‬


‫وموسى وسليمان؟‬

‫أ‬
‫‪663‬‬

‫ألم يكونوا مختلفين عما عداهم من الخلق‬


‫وفضلهم ظاهرا ً على الناس؟‬

‫ألم يكونوا مؤثرين تأثيرا ً شامل ً بحيث اننــا‬


‫نذكرهم بأجلل وأعظام مثل المسيح وســواه‬
‫من الرسل؟‬

‫ألم يكن لهم ســلطان علــى المــوت حينمــا‬


‫خرج إبراهيم سالما ً من النار؟‬

‫بيد انهم ماتوا فــي آخــر المطــاف لن كــل‬


‫نفس ذائقة الموت والذي ل يموت هو الواحد‬
‫فقط‪ ،‬فالمسيح عليه السلم من هــذه الجهــة‬
‫يشبههم لنه عند الكاتب قد مــات‪ .‬امــا قــوله‬
‫ان اختياره للموت ل مثيل له فهو خطأ وسوء‬
‫فهم للمور لن قضــية مــوته لــم تثبــت حــتى‬
‫يقول ذلك فهناك امة كاملــة تــؤمن بالمســيح‬
‫عليه السلم وبما جاء به ومع ذلك فهي تـــرى‬
‫انه )ش ُبه لهــم( ومــا قتلــوه ول صــلبوه يقين ـا ً‬
‫كمــا حــدثهم القــرآن ‪ -‬اذ ليــس فــي اختيــار‬
‫المــوت معجــزة فضــل ً عــن يكــون دليل ً عــن‬
‫أ‬
‫‪664‬‬

‫اللوهيــة المتصــفة بالحيــاة البديــة‪ ،‬وانــي‬


‫لسأل الناس كلهم ايتصف من يختــار المــوت‬
‫باللوهية؟ أم انه يثبت العكس يثبــت إنســانية‬
‫الذي يموت؟‬

‫لقــد ادت المقــدمات المتناقضــة والنتــائج‬


‫المتناقضــة الــى اضــطراب عــام فــي الــدين‪.‬‬
‫وفــي الغــرب اعــزو ســبب الفــرار مــن الــدين‬
‫والتشــــكيك فيــــه الــــى شــــروح العلمــــاء‬
‫وتفسيراتهم بصفة خاصة ل غيرها‪.‬‬

‫لقد لحظت مثل هــذا المــر بنفســي اكــثر‬


‫من مرة‪ .‬ففي لقاء مع ماركســي حــائز علــى‬
‫الدكتوراه في الفلسفة الماركسية مــن اصــل‬
‫المــاني التقيتــه فــي احــدى العواصــم جــرى‬
‫نقاش حاد حول وجود اللــه انتهــى الــى جــدل‬
‫عقيم‪.‬‬

‫ولما كان محــاوري يتميــز بــادب بــالغ فقــد‬


‫دعوته مرة اخرى على قدح قهوة وذكــرت لــه‬
‫انــي ابتكــرت لــه طريقــة رياضــية علميــة قــد‬
‫أ‬
‫‪665‬‬

‫تقرب وحهات النظر‪ .‬كــانت خلصــة الطريقــة‬


‫كالتي‪:‬‬

‫سألته هل يخضع الله للتجربة العلمية مثل‬


‫بقيــة الظــواهر فقــال كل‪ .‬لنــه لــو خضــع‬
‫للتجربــة لمــا جــرى بيننــا جــدال أص ـ ً‬
‫ل‪ .‬قلــت‪:‬‬
‫حسنا ً فان نظرية الحتمال تقــول ان وجــوده‬
‫في هذه الحالة يساوي عــدم وجــوده اي ‪%50‬‬
‫الى ‪ %50‬قال‪ :‬نعــم هــذا صــحيح‪ .‬قلــت فانــا‬
‫ارجح وجوده بنسبة ‪ %51‬فقط لذلك اقول ان‬
‫الله موجود‪ .‬امــا انــت فتقــول ليــس موجــودا ً‬
‫ومعنى ذلك ان وجوده يســاوي صــفرا ً فليــس‬
‫من حقك انكار وجود الله لن النكار احتمــال‬
‫صفري ل تصل اليــه مطلق ـا ً مــا دام ل يخضــع‬
‫للتجربة العلمية‪ .‬ان كل ما في العــالم ان لــم‬
‫يرجح وجوده فهو ل يجعله أقل من ‪ %50‬فــي‬
‫جميع الحوال‪.‬‬

‫حملق الرجل في وجهي ثم ابتسم وتلفــت‬


‫وهــز رأســه ثــم ســألني كمــن أكتشــف شــيئًا‪:‬‬
‫أ‬
‫‪666‬‬

‫عمــن تتحــدث يــا صــديقي؟ انــت تتحــدث عــن‬


‫القوة التي خلقت العــالم والــتي ل يمكــن ان‬
‫ترى؟‬

‫م نتحــدث اذن؟ قــال انــا‬


‫قلــت‪ :‬نعــم وفيــ َ‬
‫ب(! في تلــك اللحظــة ادركــت‬
‫اتحدث عن )الر ّ‬
‫ان هناك التبــاس عظيــم بيننــا ‪ -‬عزوتــه للغــة‬
‫ب‬
‫الجنبية الــتي نتحــدث بهــا‪ .‬قلــت ومــن الــر ّ‬
‫وبماذا يختلف عن القوة التي خلقت العــالم؟‬
‫ب هو الذي نزل إلى الرض وصــلبوه‬‫قال‪ :‬الر ّ‬
‫وبقي معلقا ً على الصليب!‬

‫قلت‪ :‬سنعود للرجل الذي صلب فيمــا بعــد‪.‬‬


‫وس خرســتوف( ‪-‬‬
‫أنا ل اتحدث عنه اتعني )أس ُ‬
‫وهو أسم المسيح عليه السلم عنــدهم قــال‪:‬‬
‫نعم قلت فانا ل أتحدث عنه‪ .‬قال وانا أتحــدث‬
‫عنه‪ .‬قلت‪ :‬ما تقــول فــي الكــائن الــذي خلــق‬
‫العالم؟ قال‪ :‬ل بد من كــائن مطلــق المعرفــة‬
‫والقوة خلق العالم فأني أومن بذلك‪ .‬شرحت‬
‫لــه بعــد ذلــك مــا أعرفــه عــن المســيح عليــه‬
‫أ‬
‫‪667‬‬

‫السلم‪ .‬انه رسول الله ‪ -‬أتبــاعه قــالوا صــلب‬


‫ولهم الحق لنهــم رأوا رجل ً كالمســيح تمامــا ً‬
‫يصلب والشبيه هو القائد الذي اراد ان يأخــذه‬
‫‪ -‬خرج المسيح من الباب الخر للبستان ورجع‬
‫القــائد بــوجه المســيح تمامــا ً فــالقوا الجنــود‬
‫عليه القبض وصلب‪ ،‬لقــد كــان فــي ذلــك آيــة‬
‫ومعجزة أخرى‪ .‬ثم عاد المســيح فــرآه التبــاع‬
‫فقــالوا )قــام مــن عــالم المــوات( فهــو عيــد‬
‫القيامة‪ .‬قال‪ :‬فالمسيح أنسان قلت‪ :‬انســان‪.‬‬
‫ب بمعنى ملك مــر‬
‫ب قلت‪ :‬ر ّ‬
‫قال‪ :‬فهو اله ور ّ‬
‫ب اللــه الخــالق‪ .‬انــه ليــس‬
‫ي لكنه ليس الــر ّ‬
‫ب ّ‬
‫مــدي؟‬
‫الله الذي احاورك عنه‪ .‬قــال‪ :‬انــت مح ّ‬
‫قلت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فانا اذن محمــدي ول اعلــم!‬
‫والن لنسأل‪:‬‬

‫من هو سبب ضلل المليين من مثــل هــذا‬


‫الرجـــل؟ مـــن هـــو المســـبب لنفـــورهم مـــن‬
‫الكنيسة وكفرهم بالمســيح؟ ان المســبب هــو‬
‫هذا العتباط الفكــري واللغــوي والخلــط بيــن‬

‫أ‬
‫‪668‬‬

‫المفاهيم الذي يؤسســه القســس مشــغوفين‬


‫بحــب )النــا( الــتي تظهــر مــن خلل نســبة‬
‫اللوهيــة للمســيح عليــه الســلم‪ .‬انــي أوجــه‬
‫نــدائي لكافــة المثقفيــن فــي العــالم لعــادة‬
‫النظــــر بالنصــــوص التوراتيــــة والنجيليــــة‬
‫والقرآنيــة وفــق المفــاهيم الجديــدة للحــل‬
‫القصدي للغة الذي يفرق بين اللفاظ ويبطل‬
‫المترادافات التي سببت أضــطرابا ً عامــا ً فــي‬
‫الفكر والدين والفلسفة‪.‬‬

‫ب‬
‫وسلم على المرسلين والحمد لله ر ّ‬
‫العالمين‬

‫‪Β‬‬

‫أ‬
‫‪669‬‬

‫أ‬

Vous aimerez peut-être aussi