Académique Documents
Professionnel Documents
Culture Documents
الحُصري
من مشاهير كتب الدب ،ويضم البضاعة الدبية الشرقية الثانية ،بعد البضاعة الشرقية الولى التي اشتمل عليها كتاب العقد الفريد وهو كتاب
يتصرف الناظر فيه من نثره إلى شعره
بسم ال الرحمن الرحيم
الحمد لّ الذي اختصّ النسانَ بفضيلةِ البيانِ ،وصلّى الّ على محمدٍ خاتمِ النبيين ،المرسل بالنور المبين ،والكتابِ المستبين ،الذي تحدّى ا ْلخَلْقَ
أن يأتُوا بمثله فعجزوا عنه ،وأقرّوا ب َفضْلِه ،وعلى آله وسلّم تسليمًا كثيراً.
ل بِفَحْواهُ على سُتدِ ّ
ت فيه قطعةً كاملةً من البلغات؛ في الشعر والخبر ،والفصول والفقَرِ ،ممّا حَسُنَ لفظُهُ ومعناه ،وا ْ وبعد؛ فهذا كتابٌ اختر ُ
شيّاً ،ول ساقطاً سُوقيّاً ،بل كان جميع ما فيه ،من ألفاظه ومعانيه ،كما قال البحتري الخفيف: َمغْزَاهُ ،ولم يكن شارداً حُو ِ
ك أمْرُ ٌؤ أنّ ُه نِظَـا ُم فَـرِيدِ في نظام من البلغةِ ما شَ
جّنبْنَ ظُ ْلمَةَ التّـعْـقِـيدِ
وتَ َ س َت ْعمَلَ الكلمِ اختياراًن مُ ْ
حُزْ َ
ن به غايةَ المُرادِ البَـعِـيدِ َ وَ َر ِكبْنَ اللفظَ القريب فأدرك
صفْوَان ،ونظائرهما؛ إذ كانت هذه أجملَ لفظاً، صعَ َة بن صُوحَان ،وخالد بن َ صعْ َ ولم أذهب في هذا الختيار إلى مطولت الخبار ،كأحاديث َ
وأسهلَ حفظاً.
وهو كتابٌ يتصرَف الناظ ُر فيه من نثره إلى شعرهِ ،ومطبوعهِ إلى مصنوعهِ ،ومحاورتهِ إلى مفاخرته ،و ُمنَاقَلَته إلى مُسَاجَلَته ،وخطابه المبهت
طرِب،جدّهِ المعجب إلى هَزْلِهِ المُ ْ سكِت ،وتشبيهاته المُصيبة إلى اختراعاته الغريبة ،وأوصافه الباهرة إلى أمثاله السائرة ،و ِ إلى جوابه المُ ْ
جزْلِهِ الرائع إلى رقيقه البارع. وَ
ت بعضَه ت بعضَه مُسَلْسَلً ،وترك ُ ت فيما جمعت عن ترتيب البيوت ،وعن إبعاد الشكل عن شكله ،وإفراد الشيء من ِمثْلِه؛ فجعل ُ ع ُوقد نز ْ
شكْلَ بنظائره، ش َيتَي التصنيف؛ وقد يَعزُ المعنى ،فأُلحقُ ال ّ ط َرفَي التأليف ،واشتمل على حا ِ مُرْسَلً؛ ليحصل مُحَرَر النّ ْقدُِ ،م َقدَر السرْد؛ وقد أخذ بِ َ
وأعلق الول بآخره ،وتبقى منه بقية أفرّقها في سائره؛ ليسَل َم من التطويل الممل ،والتقصير المخلّ ،وتظهر في التجميع إفادةُ الجتماع؛ وفي
سهْل أنْفَى للكَلَل ،وأ ْبعَ َد من حزْن إلى َ جدّ إلى هَزْل ،ومن َ التفريق َلذَاذَة المتاع ،فيكمل منه ما يُونِقُ القلوبَ والسماع؛ إذ كان الخروجُ من ِ
المَلل؛ وقد قال إسماعيل بن القاسم هو أبو العتاهية :البسيط:
ل من حالٍ إلى حـالِ ل التنق ُ
إَ ل ُيصْلِحُ النفسَ إذ كانت مُدَابرةً
وكان السببُ الذي دعاني إلى تأليفه ،ونَدبني إلى تصنيفه ،ما رأيته من رغبة أبي الفضل العباس بن سليمان -أطال ال ُمدَته ،وأدام نعمته! -في
الدب ،وإنفاق عمره في الطلب وماله في الكتب؛ وأنّ اجتهادَه في ذلك حمله على أن ارتحلَ إلى المشرق بسببها ،وأغمضَ في طلبها ،باذلً في
ذلك ماله ،مستعذبًا فيه تعبَهُ ،إلى أن أورد من كلمِ بلغاء عصره ،وفصحاء دهره ،طرائف طريفة ،وغرائب غريبة ،وسألني أن أجمعَ له من
مُخْتارها كتابًا ي ْكتَفي به عن جملتها ،وأضيف إلى ذلك من كلم المتقدّمين ما قارَبه وقارَنه ،وشابهه وماثله؛ فسارعتُ إلى مراده ،وأعنته على
ت له هذا الكتاب ،ليستغني به عن جميع كتبِ الداب ،إذ كان موشَحًا من بدائع البديع ،وللئ الميكالي ،وشهيّ الخوارزمي، اجتهاده ،وألَف ُ
وغرائب الصاحب ،ونفيس قابُوس ،وشذور أبي منصور بكل ٍم يمتزجُ بأجزاء النفس لطافةً ،وبالهواء رقّة ،وبالماء عذوبة.
وليس لي في تأليفه من الفتخار ،أكث ُر من حُسْن الختيار؛ واختيارُ المرء قطعة من عقله ،تدلّ على تخلُفه أو فَضْلِه؛ ول شك -إن شاء ال -في
ل ِمنْ سرّ ،ول جال ِفكْرٌ ،في أفض َ استجادة ما استجدت ،واستحسانِ ما أَوْرَدت؛ إذ كان معلوماً أنه ما انجذبت نفسٌ ،ول اجتمع حِسن ،ول مال ِ
ل من صفاء السبك ونقاء السّلك ،وصحة الدّيباجة، ل ل يُدفع ،وأبرزه يَخْتا ُ معنًى لطيفٍ ،ظهر في لفظِ شريف؛ فكَسَاه من حسن الموقع ،قبو ً
وكثرة المائية ،في أجمل حُلّة ،وأجلى حلية الكامل:
َأرَجاً ،ويؤكل بالضمير ويُشْ َربُ يستنبط الروحَ اللطيف نسيمـهُ
وقد رغبتُ في التجافي عن المشهور ،في جميع المذكور ،من السلوب الذي ذهبتُ إليه ،والنحو الذي عوّلت عليه؛ لن أوّل ما يقرع الذان،
ظتْه العقولُ لكثرة استمراره؛ فوجدت ذلك يتعذّر ول يتيسر ،ويمتنع ول يتّسع؛ جتْه النفوسُ لطول تكراره ،ولفَ َ َأدْعى إلى الستحسان ،ممَا مَ ّ
عمّا أهانه الستعمال ،وَأذَاله البتذال، عرِض إلّ َ ويُوجب ترك ما نَدر إذا اشتهر؛ وهذا يوجب في التصنيف دَخَلً ،ويكسب التأليف خَلل؛ فلم أُ ْ
عذُوبَةِ مورِد ،وسهولة َمقْصِد، حسَن لفظه؛ من بارع عبارة ،وناصع استعارة ،و ُ ستَ ْحفْظِهِ ،ما ظهر من مُ ْ والمعنى إذا استدعى القلوبَ إلى ِ
وحسن تفصِيل ،وإصابة تمثيل؛ وتَطابُق َأنْحاء ،وتَجَانُس أجزاء ،وتمكّن ترتيب ،ولطافة تهذيب ،مع صحَة طبع وجوده إيضاح ،يثقفه تثقيفَ
خلِقه عَ ْودُه علَى المستعيد :الكامل: القِداح ،ويصوره أفضلَ تصوير ،ويقدّره أ ْكمَل تقدير؛ فهو مشرق في جوانب السمع ،ل يُ ْ
سنُه إن كُرّرا حْ وَهوَ المضاعفُ ُ شيّعُ بالمسامع إن مَضَى وَهْوَ المُ َ
ت قد استدركتُ على كثير ممن سبقني إلى مثل ما ج َريْتُ إليه ،واقتصرت في هذا الكتاب عليهِ ،لمُلَح أَوْرَدتها كنَوَافثِ السحْرِ؛ و ِفقَر وإن كن ُ
نظمتها كال ِغنَى بعد ال َفقْر ،من ألفاظ أهلِ العصر ،في محلول النثر ،ومعقود الشعر؛ وفيهم من أدركتهُ ب ُعمْري ،أو لحقه أَهْلُ دهري؛ ولهم من
لطائف البتداع ،وتوليدات الختراع ،أبكار لم تَ ْفتَرِعْها السماع ،يَصبو إليها القلبُ والطّرْف ،ويَ ْقطُر منها ماءٌ المَلَحة والظّرفِ ،وتمتزجُ
بأجزاء النفس ،وتسترجع نافِرَ الُنس ،تخلََلتْ تضاعيفَه ،ووشّحتْ تأليفه ،وطرّزت ديباجه ،ورصّعت تاجه ،ونَظمت عقوده ،ورقمت بُرودَه؛
ض من الكلم مُونقٍ ،ورَ ْونَق من الحكم مشرِق الطويل: شفّ ،في رو ٍ فنوْرُها يَ ِرفّ ،ونُورُها ي ِ
ص َعدُ
إذا ما استشفّته العيون مُ َ صفا ونَفى عنه ال َقذَى فكأنـهُ
فهو كما قلت السريع:
جرِي مَعَ الرُوح كما تجري يَ ْ بديع نثرٍ رقّ حـتّـى غَـدا
ديباجةٌ ليسَت منَ الشّـعـر جهِهِمِنْ ُمذْهَبِ الوَشْي على وَ ْ
1
تَرُود في رَ ْونَقها النـضْـرِ كزهرةِ الدنيا وقد أقـبـلـت
ختَال في أردية الـفَـجْـرِ يْ أو كالنسيم الغَضّ غِبّ الْحَـيا
ولعل في كثير مما تركتُ ،ما هو أجودُ من قليل مما أدركت؛ إذ كان اقتصارًا من كلّ على َبعْض ،ومن َفيْضٍ على بَرْض ،ولكني اجتهدتُ في
اختيار ما وجدتُ؛ وقد تدخلُ اللفظةُ في شفاعة اللفظات ،ويمرُ البيت في خِلَل البيات ،وتعرض الحكايةُ في عرض الحكايات ،يت ّم بها المعنى
ض عنه بطَرْفِ ستَجاد ،ويبعث عليها فَرْط الضرورة إليها في إصلح خَلَل؛ فمهما تَرَه من ذلك في هذا الختيار ،فل تعْرِ ْ المراد ،وليست ممّا يُ ْ
النكار؛ وما أقلّ ذلك في جميع المسالك الجارية في هذا الكتاب ،الموسوم بزهر الداب ،وثمر اللباب ،لكني أردت أنْ أُشارك من يخرج من
ضيق الغترار ،إلى فسحة العتذار الكامل:
شعْرِه مفْـتُـونيَأْتيك وَهْوَ ب ِ ويسيئ بالحسان ظنّاً ،ل كمن
ل المؤيد والمسدّد ،وهو حسبنا ونعم الوكيل. وا ّ
ن من البيان لَسِحْراً". "إ ّ
عمْرُو بن الهتم؛ فقال ن بن بَدْر و َ
ل عليهما -قالَ :و َفدَ إلى رسول الّ صلى ال عليه وسلم ال ّزبْ ِرقَا ُ ل بن عبّاس -رضوان ا ّ روى عن عبد ا ّ
عمْراً.
الزبرقان :يا رسولَ ال ،أنا سيّد تميم ،والمطاعُ فيهم ،والمجابٌ منهم ،آخذُ لهم بحقّهم ،وأمنعهم من الظلم ،وهذا يعلم ذلك -يعني َ
جلْ يا رسولَ الّ؛ إنه مانعٌ لِحَوْزته ،مُطَاعٌ في عشيرته ،شديد العَارِضة فيهم. عمْرو :أ َ فقال َ
ضيّق العَطَن زمر فقال الزبرقانَ :أمَا إنه والّ قد علم أكث َر ِممّا قال ،ولكنه حسدني شَرفي! فقال عمرو :أما لئن قال ما قال؛ فوالّ ما علمته إلّ َ
حمَقَ الب ،لئيمَ الخالِ ،حديثَ ال ِغنَى. المروءة ،أَ ْ
فرأى الكراهَةَ في وَجْه رسول ال صلى ال عليه وسلم لمّا اختلفَ قولُه ،فقال :يا رسول الّ ،رضيتُ فقلتّ أحسنَ ما علمت ،وغضبتُ فقلت
ص َدقْتُ في الثانية!
أقْبحَ ما علمت ،وما كذبت في الُولى ،ولقد َ
ح ْكمَة .ويروى لَحُكما ،والول أصحّ. فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم :إن من البيان لسحراً ،وإن من الشعر ل ِ
س لبيانهما؛ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم: والذي روى أهل الثبَت ،من هذا الحديث أنَه َقدِم رجلن من أهْل المشرق فخطبا؛ فعجب النا ُ
ن من بعض البيان لسحرا. ن من البيان لسحْرا ،أو إ ّ إّ
سنَان بن خالد ابن ِمنْقَر ابن عُبيد بن الحارث ،والحارث هو :مُقَاعس بن عمرو بن كعب سنَان بن سُمي بن ِ عمْرو بن ِ عمْرو بن الهتم هوَ : وَ
ابن سعد بن زيد مناة بن تميم .وسُمي سِنان الهتم ،لن قيس بن عاصم ا ْلمِنقَري سيدَ أهلِ ال َوبَرِ ضربه بقوسه فهتَم فاه .هذا قولُ أبي محمد عبد
الّ بن مسلم ابن قتيبة .وقال غيره :بل ُهتِ َم فُوه يوم الكُلب الثاني ،وهو يومٌ كان لبني تميم على أهل اليمن .وكان عمرو يلقب ال ُمكَحّلَ لجماله،
ش ْيبَة .وكان يقال :الخطابة ت بلغةٍ في الجاهلية والسلم .وعبد ال بن عمرو بن الهتم هو جدّ خالد ابن صَ ْفوَان وشَبيب بن َ ل بي ِ وبنو الهتم أه ُ
ل منشَرَة عند الملوك تأخذُ منه ما شاءت .وهو القائل الطويل: عمْرو ،وكان شعره حُلَ ً في آل َ
سرُوقُ لصالح أخلقِ الرجالِ َ ذريني فإن البخلَ يا أمّ مالـكٍ
ولكنّ أَخلقَ الرجالِ تضـيقُ ت بلد بأهلها لعمْ ُركِ ما ضاق ْ
حصَين بن بَدْر بن امرئ القيس بن الحارث بن َبهَدَلَ َة بن عوف بن كعب بن سعيد .وسمي الزّبرقان لجماله؛ والزبرقان :القمر والزبرقان :اسمه ُ
ق عمامتَه ،أي يصفَرها في الحرب. قبل تمامه وقيل :لنه كان يُزَب ِر ُ
وكانوا يسمّون الكلم الغريب السَحر الحلل ،ويقولون :اللفظ الجميل من إحدى النّفثَاتِ في العُقَد.
ل بلد؛ فتقدّم إليه َو ْفدُ أهلِ الحجاز ،فأشْرَأب منهم ل عنهَ ،قدِمَ عليه ُوفُودُ أهلِ ك ّستُخِْلفَ عم ُر بن عبد العزيز ،رضي ا ّ وذكر بعضُ الرُواة أنه لما ا ْ
غلمٌ للكلم ،فقال عمر :يا غلم ،ليتكل ْم مَنْ هو أَسَن منك! فقال الغلم :يا أمير المؤمنين ،إنّما المرءُ بأَصغريه ،قلبهِ ولسانِهِ ،فإذا َمنَح الُّ عبدَه
لساناً لفظاً ،وقلباً حافظاً ،فقد أجاد له الختيار؛ ولو أن المور بالسن لكان هاهنا مَنْ هو أحق بمجلسك منك.
فقال عمر :صدقت ،تكلّم؛ فهذا السحْرُ الحلل! فقال :يا أمير المؤمنين ،نحن وفد التهنئة ل َو ْفدُ ا ْلمَ ْرزِئة ،ولم تُ ْق ِدمْنا إليك رغبةٌ ول رهبة؛ لنا قد
أمِنا في أيامك ما خِفْنا ،وأدركْنا ما طلبنا! فسأل عمر عَنْ سِنّ الغلم ،فقيل :عشر سنين.
وقد روي أن محمد بن كعب القرظي كان حاضراً ،فنظر َوجْه عمر قد تهلَل عند ثَناء الغلم عليه؛ فقال :يا أمير المؤمنين؛ ل يغلبَنَ جهلُ القوم
خدَعهم الثناءُ ،وغرهم الشكر ،فزلّت أقدامُهم ،فهوَوا في النار .أعاذك ال أن تكون منهم ،وألحقك بسَالِف هذه بك معرفتَك بنفسك؛ فإنّ قوماً َ
ف عليه ،وقال :اللهم ل تُخِْلنَا من واعظ! وقد رُوي أنّ عمرَ قال للغلم :عِظْني ،فقال هذا الكلم ،وفيه زيادة يسيرهّ المة؛ فبكى عمر حتى خِي َ
ونقص .وأخذ قولَ عمرّ :هذا السحر الحلل أبو تمام فقال يعاتب أبا سعيد محمد بن يوسف الطائي الوافر:
عقَالَ
جعَلْتَ ال َمنْ َع منكَ لها ِ
َ ت يَدَاها إذا ما الحاج ُة ان َب َعثَ ْ
وتأنفُ أَنْ أُهـان وأَن أذَال ك تَأبـى فأين قصائدٌ لي في َ
ولم أرَ قبلها سِحْراً حَـلَل جتَلِيه
ل ل ُم ْهي السّحر الحل ُ
وكتب أبو الفضل بن العميد إلى بعض إخوانِه جواباً عن كتاب وردَ إليه فأحمده:
حكَى
ش ِفيَتْ نفسي بوفوده ،ونَشَرتُه ف َل فداك ،من كتابك ،بل نعمتك التامة ،و ُمنّتك العامة؛ فقرَت عيني بوروده ،و ُ صلَ ما وص ْلتَني به ،جعلني ا ّوَ َ
حكَمك؛ فوجدته قد تحمّل من نسيمَ الرياض غِب المطر ،وتنفسَ النوارِ في السّحر ،وتََأمَلْتُ م ْف َتتَحه ،وما اشتمل عليه من لطائف كَلِمك ،وبدائع ِ
سمُوط ذر خصصتَني عمَرَ قلبي ،وغلب ِفكْري ،و َبهَر ُلبّي؛ فبقيتُ ل أدري :أ ُ جدّاً وه ْزلً ،ملَ عيني ،و َل منكِ ، فنون الب ّر عنك ،وضروب ال َفضْ ِ
ضرّجت حياءً ضمّنته؛ أم نجوماً طلعت بها ،أم عقود جوهر منَحْتنِيها؟ كما ل أدري َأ ِبكْراً َزفَ ْفتَها فيه ،أم روضةً جهزتها منْه؛ ول أدري أخدوداً ُ
طوَى عليه نَفْسًا ل ترى الحَظّ إلَ ما ا ْقتَنته منه ،ول ل ب َتتَبع ما انْ َ
جدّك أبلغ وألطف ،أم هَزْلك أرفع وأظرف؛ وأنا أ َوكَ ُ عشا ًء أودعته؛ ول أدري أ ِ
ل بمثْلِهِِ ،ممّا يَصْدر عن َيدِك ،ويَ ِر ُد من عندك ،وأعْطِيه نظرًا ل يملُه ،وطَرْفًا ل َتعُد الفضل إل فيما أخذتْه عنه ،وأ َمتّع بتأمّله عينًا ل تَقَرُ إ ّ
صدْري بقراءته ،ولئن جتِه ،وأمزج قريحتي برقّته ،وأشْرَح َ حتَذِيه ،وأمتعِ خلقي برَ ْونَقِه ،وأُغذي نفسي ببَهْ َ يطرِف دونه ،وأجعله مِثالً أ ْرتَسمه وأ ْ
حرِ الحلل. ت به من الس ْ كنت عن تحصيل ما ق ْلتَه عاجزاً ،وفي تعديد ما ذكرته متخلفاً؛ لقد عرفت أنه ما سمع ُ
وقال بعض المحدثين يمدح كاتباً الكامل:
2
عجْلَنَ في َرفَلنِهِ وَوَجِـيفـ ِه َ وإذا جَرَى قلم له في مُـهْـرَقٍ
بنَفيِسِ جَوْهَرِ لفظِهِ وشـريفـه ظمَتْ مراشفُه قلئد نُظّـمـت نَ َ
عن ذهنِ مصقولِ الذكا ِء مَشُوفهِ بِدْعًا من السّحْرِ الحلل تولَـدَتْ
جعِلَتْ وتحـفةَ قـادم لَلِـيفـهِ ُ َمثَلً لضاربهِ وزادَ مُـسَـافـر
سهْلً ،كأنّما بينه وبين القلوب نَسَب ،أو سمْحاً َ صفَ رجل رجلً فقال :كان وال َ حفَة قادم قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي ،و َ وعلى ذكر قوله وت ْ
حفَة قادم ،وواسِطَةُ عِقْد.
بينه وبين الحياةِ س َببٌ ،إنما هو عيادة مريض ،وتُ ْ
ت من
ت من لساني أ ْكثَر ِممّا ملكْ َ
وأخذ بعضُ بني العباس رجلً طالبياً ،فه ّم بعقوبته ،فقال الطالبي :والَِ لول أَنْ أفسد دينْي بفْساد دنياك لملكْ َ
جنْدل.ن أيسره ل َيثْقُبُ الْخَردَل ،ويحط الْ َ سَوْطك ،والّ إن كلمي لَفَوْقَ الشعر ،ودون السحْر؛ وإ ّ
وقال علي بن العباس ،يَصِفُ حديثَ امرأةٍ الكامل:
ن قتلَ المسلم المـتـحـرَزِ لم يَجْ ِ حرُ الحللُ لَـوَ أنـه وحديثها الس ْ
ث أنّهـا لـم تُـوجِـز ودّ المحدَ ُ إن طال لم يُملَلْ ،وإنْ هي أَوْجزَتْ
للمطمئنّ ،وعقلَةُ المسـتـوفِـز شَرَك العقولِ ،ونزه ٌة ما ِمثْلُـهـا
ألَمّ في بيته الخر بقول الطائي الطويل:
وليس لها في الحُسْنِ شكْل ول تِرْبُ ب لغيداءَ أصـبـحـتْ كَوَاعِبُ َأتْرا ٍ
يَروح و َيغْدُو في خَفَارَتهِ الْـحُـب لها منظَر َق ْيدَ النـواظِـر لـم يَزَلْ
وأول من استثار هذا المعنى امرؤ القيس بن حجر الكندي في قوله الطويل:
ب ُمنْجَ ِر ٍد َقيْدِ الوَابدِ هَـ ْيكَـلِ وقد أغتدِي والطيرُ في ُو ُكنَاتها
وكالت عُلَية بنت المهدي مجزوء الكامل:
لِ الغْيدِ الحُ ْل ِو الدّللِ شرَبْ على ذكر الغَزَا اِ ْ
غلّ؟ ألبابِ الرجالِ يا ُ شرَبْ عليه وقُلْ لـه اِ ْ
حسَان ،وعَِلقَتْ بغلم اسمه رشأ وفيه تقول مجزوء الكامل: وكانت عَليّةُ لطيف َة المعنى ،رقيقَةَ الشعرِ ،حسنةَ مجاري الكلم ،ولها ألحانٌ ِ
صَبًا كئيبًا ُم ْتعَـبـا أضحى الفؤا ُد بزينبا
و َك َتمْت أمراً معجبا ستْرَةً
جعَلْتُ َزيْنبَ ُ فَ َ
قولها :بزينب تريد برشأ.
ل لئن ذكَ ْرتِه لقتلنك! فدخل عليها يوماً فنُميَ المر إلى أخيها الرشيد ،فأبعده ،وقيل :قتَله ،وعَِلقَت بعده بغلم اسمه طَلّ ،فقال لها الرشيد :وا ّ
ل فما نهى عنه أمير المؤمنين ،فضحك ،وقال :ول كلّ هذا ،وهي القائلة الكامل: غفْلة وهي تقرأ :فإن لم يصبها واب ٌ على حين َ
صبًّا ذاهل حتى ابتُليتُ فص ْرتُ َ ت قبلَـك عـاذل يا عاذِلي ،قد كن ُ
شغْلً شـاغِـل فإذا تحكَم صار ُ الحب أول ما يكـون مَـجَـانة
يَرْضى القتيلُ ول يُرضّي القاتل أَ ْرضَى َف َيغْضَبُ قاتلي فتعجبـوا
وهي القائلة الرمل:
سمُجْ أنصف المعشوق فيه لَ َ وُضع الحبٌ على ا ْلجَوْرِ ،فلو
لك خير مِنْ كثي ٍر قد مـ ِزجْ صرْفاً خالصـاً وقليلُ الحب ِ
حسِنُ تأليفَ ا ْلحُجَـجْ عاشق يُ ْ ستَحْسَنُ في َنعْتٍ الهوى ليس يُ ْ
وكأنها ذهبت في الول إلى قول العباس بن الحناف الطويل:
تُروّع بالهِجران فيه وبالـعَـتْـبِ حسَنُ أيام الهـوى يومُـك الـذي وأ ْ
فأين حلَوَاتُ الرسائل والكُـتْـب؟ إذا لم يكن في الحب سخْطٌ ول رضا
وقد زاد النميري في هذا فقال الخفيف:
وشفائي في قيله ْم َبعْـدَ قـالٍ راحتي في مقـالة الـعُـذّال
ل بِخمسِ خصال حب لصب ،إ ّ ل يَطيبُ الهوى ول يحسْنُ ال
وعِتابِ ،وهِجْـرَةٍ ،وتـقـال عذْل نصـيحٍ، بسماع الذَى ،و َ
وقال بعض المحدثين الكامل:
فتطا َردِي لي في الوصال قليل لول اطّراد الصيد لم تَـكُ لـذّة
من لذةٍ حتى يُصِيبَ غـلـيل هذا الشراب أخُو الحياة ومالـهُ
وقال آخر الطويل:
فإنّ الذى ِممّن تُحِـبّ سُـرورُ ب يَصْلى بالذى من حبيبهِ دع الص ّ
ن ذَرُورُ إذا مـا تـل آثـارهُـ َ عيْنِ ذئبهـا غُبارُ قطِيع الشاء في َ
وأنشد الصمعي لجميل بن معمر العذري :البسيط:
طمَـعُ عواضُ أليأس أو يَ ْرتَاحه ال ّ خيْرَ في الحب وقفاً ل تحـركـهُ ل َ
ك مـا آتـي ومـا أ َدعُ لكنتُ َأمْلِـ ُ صبْرُها أو عندها جَزَعِي لو كان لي َ
كادت له شعْبةَ من ُمهْجَتي تـقـعُ سمِها داعٍ لـيحـزنـنْـي إذا دعا با ْ
وهذا البيت كقول علي بن العباس الرومي :الكامل:
3
فكفاهُ ُم بالوَجْـدِ والشـوا ِ
ق ن ملمةَ الـعـشـاقِ ل ت ْكثِرَ ّ
فإذا تضاعَفَ كان غير مُطَاقِ عفِ إن البل َء يطاقُ غي َر مُضا َ
كالريح تُغرِي النار بالحراق ل تُطْفئَنّ جَوى بِـلَـوم؛ إنـهُ
شدَ في شعرٍ رُوِي لبي نواس ،ورواه قوم لعنان جارية الناطفي ،وهو :الكامل: ت عليّة الخر بيتٌ أ ْن ِ ويشبه بَيْ َ
لم يَحْلُ إلَ بالعـتـابِ وصـالُ حلو العـتـاب يهـيجُـ ُه الدلل
مَنْ كان يصرف وجهه التعْـذَالُ لم َيهْوَ قطُ ولم يُسَـ ّم بـعـاشـق
ما لم يكن غدْر ول اسـتـبـدالُ وجميعُ أسبابِ الـغـرام يسـيرة
ولها من البدر المنـي ِر مِـثَـالُ تصف القضيبَ على الكثيب َقنَاتُها
حسناء سار بحسنهـا المـثـالُ ع مَـلَحةٍ ولرُب لبـس ٍة قِـنـا َ
نُوراً فماءُ شبـابـهـا يَخْـتَـال كَسَتِ الْحَداثةُ ظَ ْرفَها وجمالـهـا
شمس يمُدّ بـهـا إلـيك هِـلَلُ س فوق بَـنـانِـهـا وكأنها والكأْ ُ
وتكلّمت بلسانـهـا الْـجـرْيال حتى إذا ما استأنست بحـديثـهـا
أفعالها وجرى بـهـنّ الْـفَـالُ قلنا لها :إن صدّقت أقـوالَـهَـا
حَضَرَ النصيحُ وغابَتِ الـعـذالُ قولي فليس تَرَاك عينُ نـمـيمة
سِرّ لـدى أبـوابـه َأقْـفــال وضميرُ ما اشتملتْ عليه ضلوعُنا
وقد أخذ أبو الطيب المتنبي معنى قيد الوابد ،فقال يصف كلباً :الرجز:
حتْفُ التّتْفُـلِ وعقلةُ الظبي و َ َنيْلُ المُنى وحكْم نفسِ المُرسِلِ
ط فِصا َد الكْـحَـلِ عَلّمَ بقرَا َ كأنّه من علمه بالـمَـقْـتـل
وقال في بني حمدان :الكامل:
متواضعينَ على عظيم الشأنِ متصعلكيِنَ عَلَى كَثاف ُة مُلكهم
4
إلى هذا ينظر قولُ الخرِ وإن لم يكن منه :الطويل:
جفُوني دائمُ الـعـبَـراتِ و َدمْعُ ُ أقول لصحابي وهُم يعذِلُونـنـي
جفُوفَ لَهاتي خروجي من الدنياُ ، بذكر ُمنَى نفسي فبلُـوا ،إذا دَنـا
ف نساءً :الكامل: وقال سديف مولى بني هاشم يص ُ
درا يفصل لُؤلـؤاً مـكـنـونـاً ن تخالهـن نَـوَاظـمـاً وإذا نَطقْ َ
ل بات َمعِـينـا أو أقحوان ال َرمْ ِ وإذا ابتسمْنَ فإنـهـنَ غـمـامة
و َفضَ ْل َنهُنَ مَحَاجِراً وجُـفُـونـا حدَقِ ال َمهَا وإذا طَ َرفْنَ طرفن عن َ
َوخُصُورهن لطـافةً ولُـدُونـا وكأنَ أجيادَ الظـبـاء تَـمُـدّهـا
وَلهُنَ أمرضُ ما رأيتُ عـيونـا ت العيونُ َمحَاجِـراً وأصحّ ما رأ ِ
َي ْنهَضَ بالعَقَدات مـن َيبْـرِينـا وكأنّهن إذا نَهـضْـنَ لـحـاجةٍ
وقال الطائي :الكامل:
عذُوبَتِ ِه َيمُ ّر بِـثَـغْـرِهـا جنَى ُ ِل َ ك َمنْطِ َقهَا فـتـعْـلَـمُ أنـهُتُعطي َ
خصْرِها ف قُوَةً من َ أوْهى وأضع َ حبْلَ وصالها ِلمُحـبـهـا وأظُن َ
ل أنه قََلبَه فقال :الكامل:
أخذه أبو القاسم بنُ هانئ ،فقال يمدح جعفر بن علي ،إ ّ
من أجل ذا نجد الثغور عذابـا ب ثـنَـائهِ ب الفواهَ طِـي ُ طيّ َ
قد َ
بالزاب ،أو رفع النجوم قبـابـا ضرَبَ السماءَ سُـرَادِقـاً وكأَنما َ
والمسك ترباً والرياض جنابـا ت الدّرَ َرضْرَاضًا بها طئْ ُأرضاً و ِ
وقال الطائي :الكامل:
تصف الفراق ومقلة ينبوعـا بَسَطَتْ إليك بنانةً أُسْـرُوعـا
ن دُمُوعا من ِرقّة الشكْوَى تكو ُ كادتْ لعرِفان النّوى ألفاظُهـا
ومن جيد هذا المعنى وقديمه قول النابغهّ الذبياني :الكامل:
ع َبدَ الله ،صَرُورة مُ َتعَـبـدِ َ شمَطَ رَاهبٍ، ت لَ ْ
لو أنها عَ َرضَ ْ
ولخالَهُ رُشداً وإن لـم يَرْشُـدِ لرنَا للهجتها وطِيب حدِيثـهـا
نَظَرَ السليمِ إلى وجوه العُـ َودِ نَظَرَتْ إليك بحاجةٍ لم تَقْضِهـا
ومن مشهور الكلم قولُ الخر :الطويل:
ض تُطْوى لي و َيدْنُو بَعيدُها أرى الر َ س ْعدَى بأَ ْرضِهـا وكنتُ إذا ما زُ ْرتُ ُ
إذا ما انقضتْ أحدوثَةٌ لو تُعـيدُهـا مِنَ الْخَفرات البيضِ ود جلـيسُـهـا
وتُرمى بل جُزم علي حُـقُـودهـا تَحَلَلُ أحْقادي ،إذا مـا لـقـيتُـهـا
وقال بشار :مجزوء الكامل:
قِطَعُ الرّياض ُكسِينَ زَ ْهرَا وكأن َرجْـعَ حـدِيثـهـا
س َق ْتكَ بالعينين خَـمْـرَا كَ َ حَوْراءُ إنْ نظـرتْ إلـي
وتكون للحكـمـاء ذكْـرا ي مـعـادَهُ
تنسي الـغَـ ِو َ
ق ِمنْكَ فطرَا ب صفا وواف َ وكأنـهـا بـردُ الـشـرا
ث فيه سحـرَا ت يَنْ ُف ُ
هَارُو ُ وكأن تحـتَ لِـسـانـهـا
ه ثِيا َبهَا ذهبـاً وعـطـرا وتخال ما جمعتْ عـلـي
ل كُثيًر بن عبد الرحمن :الطويل: وسمع بشارٌ قو َ
إذا غَمزُوها بالكف تلينُ خيْ ُزرَانَةٍ َألَ إنما ليلَى عَصَا َ
ل قال
جنَها مع ذكر العصا ،ه ّ
فقال :قاتل ال أبا صخْر! يزعم أنها عَصًا ويعتذر بأنها خيزُرانَة ،ولو قال :عصا مخّ ،أو عصا ُزبْد؛ لكان قد هَ ّ
كما قلت :الوافر:
كأن حديثها َثمَرُ الْجنـانِ ودَعْجَاء المَحاجر من َم َعدً
خيْزُرَانِ عظَامها من َ كأنّ ِ إذا قامت لحاجتها تثـنـتْ
وبعد قول كثيّر :أل إنما ليلى عصا خيزرانة :الطويل:
عليك شجًى في الصدْ ِر حين تبينُ َتمَتعْ بها ما ساعَ َفتْـكَ ،ول يَكُـن
لخ َر من خُلنـهـا سَـتَـلِـينُ وإنْ هي أعطتك اللّيان فـإنـهـا
ن يمـينُ فليس لمخضُوبِ البنـا ِ ي عهدَها ت ل ينْقُضُ النأ ُ وإن حلَفَ ْ
وقال البحتري :الطويل:
تعجبَ رَائي الدُرّ حُسْنًا ولقِطُهْ ولمّا التَ َقيْنا واللّوى مَوْعد لـنـا
ومن لؤلؤ عند الحديث تُساقطُهْ فمن لؤلؤ تجنيه عندَ ابتسامـهـا
وقال المتنبي :الطويل:
بغير وَلي كان نائِلُها ال َوسْـمـي أ ُم ْنعِمَةٌ بالعَ ْودَةِ الظبـيةُ الـتـي
5
ج ِد من باردِ الظلْم
تَ َرشَفْتُ حَرَ الوَ ْ سحْرَة فكـأنـنـي
ت فَاهَا ُ
تَرشفْ ُ
سمُها الدُ َريُ في النثر والنظمِو َمبْ ِ فتاة تسَاوَى عِ ْقدُها وكـلمُـهـا
عاد الحديثُ الول -قال أبو القاسم عبدُ الرحمن بن إسحاقَ الزجاجي :حدّثنا يوسف بن يعقوب قال :أخبرني جدَي قراءة عليه ،عن أبي داود،
حكْماً ،وإن من البيان
ن من الشعر َل ُ عن محمد بن عبيد ال ،عن أبي إسحاق ،عن البَرَاء يرفعه إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ،قال" :إ َ
سحْراً" قال أبو القاسم :هكذا روينا الخبر ،وراجعت فيه الشيخ ،فقال :نعم ،هو" :إن من الشعر لحُكماً" -بضم الحاء وتسكين الكاف ،قال: لِ
حكْم للمحْكوم عليه؛ إصَابةً للمعنى ،وقصداً للصواب ،وفي هذا يقول ل فيه كلزوم ال ُ
ووجهُه عندي إذا روي هكذا :إن من الشعر ما يلزم المقو َ
أبو تمام :الطويل:
بُغاةُ العُلى من أينَ تُؤْتى المكارمُ سنّها الشع ُر ما دَرَى
ولَوْل سبيل َ
ويُ ْرضَى بما يَ ْقضِي به وهو ظالم يُرَى حكم ًة ما فيه وهو فكـاهة
انتهى كلم أبي القاسم.
وقد وجدنا في الشعر أبياتًا يُجْرَى على رسمها ،و ُيمْضَى على حكمها؛ فقد كان بنو َأنْف الناقة إذا َذكَر أح ٌد عند أحد منهم أنف الناقة -فضلً عن
أن ينسبهم إليه -اشتدّ غضبُهم عليه؛ فما هو إلّ أن قال الحطيئة يمدحهم :البسيط:
سبُـون أبـا والَطْيبين إذا ما يُنْ َ حصًى سِيري ُأمَامَ فإنّ الكثرينَ َ
شَدوا ال ِعنَاج وشدّوا فَ ْوقَه الكَرَبا عقْداً لجـارهِـمُ قو ُم إذا عَقدوا َ
ومن يُسَوي بَِأنْف الناقةِ الذنبَـا ف والذْنابُ غيرهُمُ قوم همُ الن ُ
ل به. فصار أحدُهم إذا سئل عن انتسابه لم َيبْدأ إ ّ
وأنفُ الناقة :هو جعفر بن قريع بن عوف بن كعب بن زيد مناة بن تميم.
ل بن كعب جدّهم إنما سمّي العجلن لتعجيله ال ِقرَى للضيّفَان؛ وذلك وكان بنو العَجْلَن يَفْخَرون بهذا السم ،ويتشرّفون بهذا الوَسْم ،إذ كان عبدُ ا ّ
عبْداً له ،وقال له :اعْجَل عليهم ،ففعل العبدُ ،فأعتقه لعجلته ،فقال القوم :ما ينْبغي أن يسمَى إلّ أن حيًا من طيء نزلوا به ،فبعث إليهم بقرَاهم َ
العجلن؛ فسمّي بذلك ،فكان شرفاً لهم ،حتى قال النجاشي ،واسمه قيس بن عمرو بن حرن بن الحارث بن كعب يهجوهم :الطويل:
َهجِين ورهْطُ الواهِن المـتـذلّـل أولئكَ أخوالُ اللَـعِـينِ وأسـرةُ ال
خذِ القَعبَ واحلب أيها العبد واعْجلِ ُ وما سُمي العجْـلن إلَ لـقـولـهِ
فصار الرجل منهم إذا سئل عن نسبه قال :كعبي ،ويكنى عن العجلن.
ل عنه ،وقالوا :هَجَانا ،قال :وما قال وزعمت الرواة أنّ بني العجلن استعدَوْا على النجاشي -لما قال هذا الشعر -عُمر بن الخطاب ،رضي ا ّ
فيكم؟ فأنشدوه قوله :الطويل:
فعادَى بني ال َعجْلَن رهط ابنِ م ْقبِلِ إذا اللَـهُ عـادىَ أهـلَ لـؤم و ِرقّةٍ
ن ال ل ُيعَادي مسلماً ،قالوا :فقد قال :الطويل: فقال :إ ّ
خ ْردَلِحبّة َ ول يَظِْلمُون الناس َ قُبـيلة ل َيغْـدِرون بِــذِمّةٍ
فقال :وددت أن آل الخطاب كانوا كذلك! قالوا :فقد قال :الطويل:
ف بن كعب بن نهشلِ ل من عَ ْو ِ وتأك ُ َتعَافُ الكِلَبُ الضا ِريَات لحو َمهُـمْ
فقال :كفى ضَياعًا مَن تأكل الكلبُ لحمه! قالوا :فقد قال :الطويل:
ل َمنْهَلصدَر الوُرَادُ عَن ك ّ إذا َ ول يَ ِردُون الماءَ إلَ عـشـيةً
فقال :ذلك أصفى للماء ،وأقل للزّحام! قالوا :فقد قال :الطويل:
جلِخذِ ال َقعْبَ واحْلُب أيها العبدُ واعْ َ ُ وما سُميَ العَجْـلنَ إلّ لـقـولـه
ل عنه ،أعلَم بما في هذا الشعر ،ولكنه دَرَأَ الحدودَ بالشبهات. فقال :سيّد القوم خَا ِدمُهم! وكان عمر ،رضي ا ّ
صعْصَعة من القوم ،أحدُ جمرات العرب وأشرف بيوت قيس بن عيلن بن مضر .وجمرات العرب ثلثة؛ وإنما وهؤلء بنو نمير بن عامر بن َ
سمّوا بذلك؛ لْنهم ُمتَوافرون في أنفسهم ،لم ُيدْخِلوا معهم غيرهم؛ والتجمير في كلم العرب :التجميع ،وهم :بنو نمير بن عامر ،وبنو الحارث ُ
بن كعب ،وبنو ضبة بن أد .فطفئت جمرتان ،وهما بنو ضبة؛ لنها حالفت الرباب ،وبنو الحارث؛ لنها حالفت مَذْحِج ،وبقيت نمير لم تحالف؛
سبِه ،وافتخارًا بمنصبه ،حتى قال جرير بن فهي على َكثْرتها و َم َنعَتِها .وكان الرجل منهم إذا قيل له :ممَن أ ْنتَ؟ قال :نميري كما ترى! إدللً بنَ َ
عطية بن ا ْلخَطَفي لعُبيْد بن حُصيْن الراعي أحد بني نمير بن عامر :الوافر:
ت ول كِلَبـا فل َكعْبًا بََلغْ َ ك من ُن َميْرٍ ف إ ّن َ
فغُضّ الطّرْ َ
كعب وكلب :ابنا ربيعة بن عامر بن صعصعة؛ فصار الرجل منهم إذا قيل له :ممن أنت؟ يقول :عامري ،ويكنى عن نمير.
حدّوا النظر إليها ،فقال منهم قائل :والّ إنها لَ َرشْحَاء ،فقالت :يا بني نمير ،والّ ما امتثلتم فيَ واحد ًة من ومرَت امرأة بقوم من بني نمير ،فأ َ
ن َيغُضّوا مِنْ َأبْصَارَهِمْ" ول قول الشاعر: اثنتين ،ل قول الّ عز وجلّ" :قُلْ لِ ْلمُؤمني َ
ك من نُمير ف إ ّن َطرْ َ َفغُضَ ال َ
ض من لجامها ،فقال :إنها مكتوبة، ت بغلة شريك ،فقال له يزيد :غُ ّ وسايَرَ شريك بن عبد ال النميري يزيدَ بن عُمر بن هبَيرة الفَزاريَ ،فبَرَ َز ْ
ض من لجامها بقول جرير: أصلح ال المير! فضحك ،وقال :ما ذهبت حيث أردت ،وإنما عرّض بقوله :غُ َ
فغُضّ الطّرْف إنك من نمير
َفعَرَض له شريكٌ بقول ابن دَارَة :البسيط:
سيَارِ
صكَ واكْ ُت ْبهَا بأَ ْ على قَلُو ِ ت بِـهِ ن فَزَا ِريّاً خَ ْلوْ َل تَأمَن َ
ن البل ،ولذلك قال الفرزدق ليزيد بن عبد الملك َلمَا ولي عمر بن هبيرة العراق :الوافر: ن بإ ْتيَا ِ
وبنو فزارة يُ ْرمَوْ َ
6
ستَ بالطّبعِ الحريصِ أمينٌ لَ ْ ت مَـرءٌ أمي َر المؤمنين لنْ َ
فَزَارياً أحذَ َيدِ القَـمِـيصِ أَوَّليْتَ الـعـراقَ ورَافِـ َديْهِ
ي قَلُوص
ليأمَنَه على وَ ِركَ ْ ك َقبَْلهَا رَاعِي مخَاض ولم ي ُ
وعَلّم قومَهُ َأكْلَ الخبـيصِ تَ َف ْيهَقَ بالعراق أبو المثنّـى
الرافدان :دجلة والفرات.
ش ْعرِه :الوافر: وقال بعض النميريين يجيبُ جريراً عن ِ
تزل في الحرب تلتهب التهابا نميرٌ جمرةُ العرب التي لـم
خسْفِ بـابـا فتحت عليهمُ لِلْ َ ب بهـا كُـلـيبـاً س ّوإني إذ أ ُ
سمَعْ لشاعرهم جَوَابـا ولم يَ ْ ولول أن يقال هَجَا نـمـيراً
وكيف يُشَاتِمُ الناسُ الكِـلبـا رغبْنا عن هجاء بني كلـيبٍ
فما نفع نميراً ،ول ضرّ جريراً ،بل كان كما قال الفرزدق :الكامل:
أم بُلْتَ حيث تَنَاطَح البَحْرَانِ ما ض ّر تَغلِبَ وائل أَ َهجَ ْو َتهَا
وقال أبو جعفر محمد بن منذر مولى بني صبير بن يربوع في هجائه لثقيف :الوافر:
كما وضع الهجا ُء بني نميرِ ضعَةً ِهجَائي وسوف يزيدكم َ
وسمع الراعي منشداً ينشد :الطويل:
بقافيةٍ أَنفاذُهَا تَ ْقطُـر الـدّمـا عوَى من غير شيء َر َم ْيتُهُ وَعاوٍ َ
صمَمـا قَرَى ِه ْندُوَانيّ إذا هزّ َ خَرُوج بَأفْواهِ الرّوَاةِ كـأنـهـا
ل من يلومني أن يغلبني مثل هذا! وقد بنى الشعرُ لقوم بيوتاً شريفة ،وهدم لخرين أ ْبنِية فارتاع له ،وقال :لمن هذا؟ قيل :لجرير ،قال :لعن ا ّ
منيفة:
غرَر في أوج ٍه ومَـوَاسِـمُ له ُ سرِي فتغتدي وما هو إلّ القول يَ ْ
عمْرو بن العلء ورجل يقول :إنما الشعر كالمِيسَم .فقال :وكيف يكون ذلك كذلك؟ والميسم قال أبو عبيدة معمر بن المثنى التميمي :سمعت أبا َ
شعْ ُر َيبْقَى على البناء بعد الباء ،ما بقيت الرض والسماء! وإلى هذا نحا الطائي في قوله: يذهب بذهاب الجلد و َيدْرُس مع طولِ العهد ،وال َ
الطويل:
هو الـوَسْـ ُم ل مـا كـان فـي الـــشّـــعْـــر والـــجِـــلْـــدِ وأنــي رأيتُ الـــوَسْـــ َم فـــي خُـــلُـــق الـــفـــتـــى
وقال عمر ،رحمة ال عليه :تعلّموا الشعر؛ فإن فيه محاسِنً تُبتغى ،ومساوئ تُتقى.
وقال أبو تمام :الكامل:
ب فَـرِيدا مثلَ النظام إذا أصـا َ إنّ القوافِيَ والمساعيَ لم تَـ َزلْ
في الشعر كان قلئداً وعقـودا هِيَ جوهر نثر فإنْ ألـفْـتَـهُ
يدعونَ هذا سُـؤدداً مـجْـدُودا من أجل ذلكَ كانت العرب الُلى
جعِلَت لها مِ َررُ القصيدِ قـيودا ُ ل إذا وتنِ ُد عنـدهُـمُ الـعُـلَ إ ّ
وقال علي بن الرومي :الطويل:
تُبـقّـيْهِ أرواحٌ لـه عَـطِــراتُ أرى الشعر يحيي الناسَ والمجدَ بالذي
وما الناسُ إلَ أَعْـظُـ ٌم نَـخِـرَاتُ ل معـاهـدٌ وما المجدُ لول الشعْرُ إ َ
بعض ما قاله الرسول الكريم
جرِ ،العظيم القَدر ،الذي هو رجعت إلى ما قطعت ،مِما هو أحق وأولى ،وأَجلُ وأَعلى ،وهو كلم رسول ال ،صلى ال عليه وسلم ،الكريم النْ ْ
النهايةُ في البيان ،والغاية في البرهان،
المشتمل على جَوامع الكلم ،وبدائع الحِكم ،وقد قال رسول الّ صلى ال عليه وسلم" :أنا َأ ْفصَح العربَ ،ب ْيدَ أنّي من قريش ،واستُرضعت
ض كلمه بأَوْلى من بعض بالختيار ،ول أَحق بالتقديم واليثار؛ ولكني أُورد ما تيسر منه في أول هذا في سعد بن بكر!" وليس بع ُ
الكتاب استفتاحاً ،و َت َيمُناً بذلك واستنجاحاً.
وهذه شذو ٌر من قوله صلى ال عليه وسلم ،الصريح الفصيح ،العزيز الوَجيز ،المتضمن بقليل من المباني كثيرَ المعاني :قوله للنصار:
"إنكم لَتقلّون عند الطمع ،و َت ْكثُرون عند الفَزَع".
وقوله عليه الصلة والسلم" :المسلمون تتكافُأ دماؤهم ،ويَسْعى بذمتهم أدْناهم ،وهم يَد على مَن سِوَاهم" .الناس كإبل مائ ٌة ل تج ُد فيها
س معادن ،خيارُهم في الجاهلية ص ْيدِ في جَوْفِ الفرَا" -قاله لبي سُفْيان صخر بن حرب" .-النا ُ خضْرَاء ال ّدمَنِ"" .كل ال َ راحلة"" .إياكم و َ
خيارُهم في السلم إذا َف َقهُوا"" .المؤمن للمُؤْمن كالبنيان يَش ُد بعضُه بعضاً"" .أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتُم"" .المتشبع بما لم
ط كلبس ثوبَيْ زورٍ"" .المرأة كالضلع إن رُمتَ قوامها كسَرْتها ،وإن دَاري َتهَا استمتعت بها"" .اليدُ العليا خير من اليد السفلى"" .مَطل ُيعْ َ
ش ْعبَةٌ من اليمان ،مثلُ أبي بكر كالقَطْر ،أينما وق َع َنفَع"" .ل تجعلوني في أَعْجَاز كتبكم كقَدح ل مع الجماعة"" .الحياءُ ُ الغنيَ ظُلم"" .يد ا ّ
صدَقة والمرض والمصيبة والفاقة"" .جنة الرجل دارُه"" .الناس نيام فإذا ماتوا انتبهُوا". الراكب"" .أربعة من كنوز الجنة :كتمان ال ّ
ل ُميَسرٌ لما خُلِقَ له". سعُوهم بأخلقكم"" .ما قلّ وكفى خي ٌر ِممّا كثر وألهى" ".ك ّ سعُوا الناسَ بأموالكم ،فَ َ "كفى بالسلمة داءً"" .إنكم لن تَ َ
حنْثٌ أو َم ْندَمة"َ " .دعْ ما يَريبك إلى ما ل يريبك"ُ" .انْصُرْ أَخاكَ ظالماً كان أو مظلوماً"" .احترسوا من الناس بِسُوءِ الظّنّ". "اليمين ِ
"الند ُم تَوْبة"" .انتِظارُ الفرج عبادة"" .نعم صَ ْومَعة الرجل بيتُهُ"" .المستشير مُعان والمستشار مؤتمن"" .المر ُء كثير بأخيه"" .إنّ للقلوب
ل مَنْ في الدنيا ضيف ،وما في يديه عاريةٌ، جنّةُ الغايةُ"" .ك ّ صَدأ كصدإ الحديد وجِلؤُها الستغفار"" .اليوم الرهان وغَداً السباق ،وا ْل َ
والضيف مُرْتحِل ،والعاريّة مؤدَاة".
7
ومن جوامع كَِلمِه ،عليه الصلة والسلم ،ما رواه أهلُ الصحيح عن علَقمة بن وقّاص الليثي عن عمر بن الخطاب ،رضي الّ عنه قال:
ئ ما نَوَى ،فمن كانت ِهجْ َرتُه إلى الّ ورسوله سمعتُ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم ،يقول" :إنما العمال بالنيّات وإنما لكل امر ً
ج َرتُه إلى الِّ ورسوله ،ومن كانَت هِجرتُه إلى دُنْيا يُصِيبها أو امرأة يتزوجها ،فهجْ َرتُهُ إلى ما هاجر إليه". فهِ ْ
قال أبو القاسم حمزة بن محمد الكناني :سمعتُ أهلَ العلم يقولون :هذا الحديث ثُلُثُ السلمِ ،والثلث الثاني ما رواه النعمان بن بشير أنّ
ل بيّن ،والحرام بيّن ،وبينهما أمورٌ مشتبهات ،فمن تركها كان أ ْوفَى لدينه وعِرْضِه ،ومن رسول الّ صلى ال عليه وسلم قال" :الحلَ ُ
ل مَحارمه".حمًى ،أل وإنّ حمى ا ّ واقعها كان كالراتع حول الحمَى ،أَل وإنَ لكل ملك ِ
لمِ المرْء
حسْنِ إسْ َقال :والثلث الثالث ما رواه مالك عن ابن شهاب عن علي بن حسين أن رسولَ الّ صلى ال عليه وسلم قال" :مِنْ ُ
ل َي ْعنِيه".
تَ ْركُهُ ما َ
ب عليه ،و َندَب حسان بن ثابت إليه ،وقال" :إن ال ليؤيّده بروحِ ال ُقدُس ما نافَحَ عن وقد سمع رسول ال صلى ال عليه وسلم ،الشعْرَ وأثا َ
نبيّه".
ث بن عبد المطلب إلى النبي ،صلى ال عليه وسلم ،شَقّ ن بنِ الحار ِ
ولما انتهى شعرُ أبي سفيا َ
صفَة الحرب، حسِنُ ِ شدَه فقال :أنتَ شاعرٌ كريم ،ثم دعا كعبَ بن مالك فاستنشده فأنشده ،فقال :أنت تُ ْ عليه فدعا عبدَ ال بن رَوَاحة فاستنشدهُ فَأنْ َ
ل في معد؛ ولو أن ثم دعا بحسّان بن ثابت فقال :أجِبْ عني ،فَأخْرج لسانه فضرب به أ ْرنَبته؛ ثم قال :والذي بعثك بالحق ما ُأحِب أن لي به مِقْ َو ً
لسانًا فَرى الشعَر لفرَاه .ثم سأل رسول الّ صلى ال عليه وسلم ،أن يَمسَ من أبي سفيان ،فقال :وكيف ،وبيني وبينه الرّحِم التي قد علمت؟
جبَير بن
شعْر ُة من العجين! فقال :اذهبْ إلى أبي بكر ،وكان أعلمَ الناس بأَنساب قريش ،وسائر العرب ،وعنه أخذ ُ سلّ ال ّ فقال :أَسُلّك منه كما تُ َ
مُطعْمِ علم النسب ،فمضى حسانُ إليه فذكر له معايبَهُ ،فقال حسّان بن ثابت :الطويل،
بنو بنت مخزوم ووَاِلدُك العـبـد ج ِد مِـنْ آل هـاشـم سنَامَ الَم ْ
وإنّ َ
عجَائِزَك المَجْـدُ كرامٌ ،ولم َيقْربْ َ ومَن وَلدَتْ أبناء زُهْرَ َة مـنـهُـمُ
وَلكِـنْ لَـئيمٌ ل يقـوم لـه زنـدٌ ت َكعَبّـاسٍ ول كـابْـنِ ُأمّـه س َولَ ْ
سمْرا ُء مغمو ٌز إذا بلغَ الجَـهْـدُ وَ وإن امرًأ كـانـت سُـمَـيّةُ أمّـه
كما نِيطَ خَ ْلفَ الراكب القدَحُ ال َف ْردُ وأنت زني ٌم نِيط فـي آل هـاشـم
ب عنه ابنُ أبي قُحافة يعني ببني بنت مخزوم عبدَ ال وأبا طالبٍ والزبي َر بني عبد المطلب بن فلما بلغ هذا الشعر أبا سفيان قال :هذا كلمٌ لم َيغِ ْ
هاشم بن عبد مناف ،أ ُمهُمْ فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم ،وأخواتهم بَرّة وأميمة والبيضاء ،وهي أم حكيم ،والبيضاء جدَة
عثمان بن عفان أم أمه.
وقوله :ومن ولدت أبناء زهرة منهم كرام يعني أميمة وصفية أم الزبير بن العوام ،أمُها هَالَ ُة بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة.
وقوله :ولستَ كعباس ول كابْنِ أمه أمّ العباس :نتيلة امرأة من ال ّنمِر ابن قاسط ،وأخوه لمه ضِرَار بن عبد المطلب.
وقوله :وإن امرأ كانت سمية أمه سمية أم أبي سفيان ،وسمراء .أم أبيه ،وليس هذا موضع إطناب في رفع النساب.
عتَبَ على بعض ولد الحارث فقال له مُعرَضًا بما قال حسان :السريع، وكان عبدُ العلى بن عبد الرحمن الموي َ
مفتخِراً بال َقدَح الـفَـردِ إخالُ بالعـمّ وبـالـجَـدّ
فإنها َأدْعَى إلى المَـجْـدِ الهَج بحسّان وأشـعـارهِ
ولم تقيموا سُورةَ الحمـدِ ل ْزدِ لم تؤمنوا لول سيوفُ ا َ
فتوعّدوه ،فخافهم ،فقال :الطويل
وإن كان ثوبي حَشْ ُو ثنْييهِ مُجرُم عفْواً عفا ال عنكُـم بني هاشمَ ،
جمْعٌ وما ضمّ ا ْلحَطِيمُ وزم َزمُ وَ حرَمُ الرحمن والبيتُ والصّفا لكمْ َ
فأحل ُمكُمْ منها أجلُ وأعـظـمُ فإن قلتُ ُم بادَهْتنـا بـعـظـيمة
ح َنيْنٍ ،وكان ممسكًا َبغْلَته حين فرّ الناس ،وهو أحد الذين ثبتوا ،وهم وأسلم أبو سفيان -رحمه الّ! -وشهد مع النبي ،صلى ال عليه وسلم ،يوم ُ
-على ما ذكره أبو محمدٍ عب ُد الملك بنُ هشام -أبو بكر ،وعمر ،وعلي ،والعباس ،وأبو سفيان ابن الحارث ،وابنه الفضلَ ،وربيعة بن الحارث،
وأُسامة بن زيد ،وأيمنُ ابنُ أم أيمن بن عبيدة قتل يومئذ ،وبعضُ الناس يعدُ فيهم ُقثَمَ بن العباس ،ول َي ُعدّ أبا سفيان ،وكان أبو سفيان من أشعر
قريش ،وهو القائل :الوافر،
بَأنّا نَحْنُ أَج َودُهُمْ حصَانَـا لَقَد ْعَلمَتْ قرَيش غيْ َر َفخْرٍ
سنَانَاوَأمْضاهم إذا طعنوا ِ وََأ ْكثَرُهُ ْم دُرُوعاً سا ِبغَـات
وَأبْ َينُهم إذا نطقُوا لسـانـا وَأدفعهم عن الضرّاء عنهم
ويروى أن ابن سيرين قال :بينما رسول ال صلى ال عليه وسلم ،في سَفرِه قد شنق ناقته بزمامها حتى وضعت رَأسها عند مقدمة الرَحل إذ
ك :أحد بنا! فقال كَعب :الوافر، قال :يا كعبُ ابن مال ٍ
خ ْيبَرَ ثم أجممنا السّيوفا َو َ قَضيْنا مِن تِهَامَةَ كلّ حَقّ
قواط ُعهُن :دَوْساً أَو ثَقيفَا نخيّرُهَا وَلو نَطَقَت لقالَت
ن دوْساً أسلمت فَرَقًا من كلمة كعب هذه ،وقالوا :اذهبوا فخذوا فقال عليه السلم" :والذي نفسي بيده لهي أشدّ عليهم من رَشق النبْل!" ويقال :إ َ
لنفسكم المان من قبل أن ينزل بكم ما نزل بغيركم!.
8
وقتَلَ النبي صلى ال عليه وسلم ،النضر بن الحارث ،وكان ممن أُسِ َر يوم بدر ،وكان شديد العداوة لً ولرسوله ،و َقتَله علي بن أبي طالب،
شدَتهُ :الكامل رضي ال عنه ،صَبراً ،فعرضت للنبي صلى ال عليه وسلم ،أختُه قتيلة بنت الحارث -وفي بعض الروايات أن قتيلة َأ َتتْهُ فأنْ َ
ت م َوفّـقُ صبْحِ غادِيةٍ وََأنْ َ مِن ُ ل مَـظـنةٌ يا راكِبـاً إن الثَـيْ َ
ب ُتعْنِق ما إن تزالُ بها النَجَائ ُ أَبلِغ نجها مَيتـًا بِـأَن تَـحـيّة
خنُـقخرَى تَ ْ جادت بواكِفِها وَأُ ْ عبْرَةً مـسـفـوحةً منَي إليه و َ
ت ل يَنطِـقُ إن كان يسمع ميّ ٌ هل يسمعنّي النَضرُ إنْ ناديتـه
لَِ أرحامٌ هنـاك تَـشَـقّـق ف بني أبيه َتنُوشُـه ظلتْ سيُو ُ
ن موثق رَسْفَ المقيّد وَهْوَ عَا ٍ قَسْرًا يُقادُ إلى المنيّة ُمتْعَـبـاً
ل ُمعْرِقُ في قومِها والفَحْلُ فح ٌ صنْو كـريمة أمحمد ،ها َأنْتَ ِ
حنَقُ من الفتى وهو ال َمغِيظُ المُ ْ ما كانَ ضَرّك لو َمنَنتَ وربّما
عتْق ُيعْـتَـقُ وأحقهم إن كان ِ ت َقرَابَةً ب مَن َقتَلْ َ فالنضرُ أقر ُ
بأع ّز ما يُغلى به مَنْ ُينْـفِـقُ ل فِديِةِ فَـلْـيُفْـ َديَن
أو كنت قاب َ
فذُكر أنّ رسول الّ صلى ال عليه وسلم ،رق لها ودمعت عيناه ،وقال لبي بكر" :لو كنتُ سمعتُ شعرَها ما قتلته".
والنضر هذا هو النضر بن الحارث بن عَلقمة بن كَلَدة بن عبد مناف بن عبد الدار.
قال الزبير بن بكار :وسمعت بعضَ أهلِ العلم يغمز في أبيات قتيلة بنت الحارث ويقول :إنّها مصنوعة.
بعض ما قاله أبو بكر الصديق
طبْتَسجّى بثَوْبٍ ،فكشَف عنه الثوبَ وقال :بأبي َأنْتَ وأمي! ِ ودخل أبو بكر الصديق رضوان ال عليه ،على النبي عليه الصلة والسلم وهو مُ َ
صصْت حتى صرت حيًّا وميّتا ،وانقطع لموتك ما لم ينقطع لموتِ أح ٍد من النبياء من النبوّة ،فعظمْتَ عن الصفة ،وجَلْلَت عن البكاء ،وخَ َ َ
جدْنا لموتك بالنفوس ،ولول أنك نهيت عن البُكاء لنْ َف ْدنَا عليك ماءَ ن موتك كان اختياراً منك ل ُ مَسْلَة ،وعَممْتَ حتى صِرْنا فيك سَواء .ولول أ َ
ن ول َيبْرَحان .اللهم فأَبلغه عنّا السلم ،اذكُ ْرنَا يا محمد عند ربّك ،ولنكن من بالك، الشؤون .فأمّا ما ل نستطيع نفيَه عنّا فكمد وإدْناف يتحالفَا ِ
ت من السكينة لم نُقمْ لما خَلفْتَ من الوحشة ،الله ّم أبلغ نبيّك عنّا وأحفظه فينا ،ثم خرج. فلول ما خلّفْ َ
ل عنه :لول أن موتك كان اختيارًا منك إ ّنمَا يريد قولَ النبي صلى ال عليه وسلم" :لم يُ ْقبَض نبيّ حتى يَرى مقعده من الجنة ثم قوله رضي ا ّ
خيّر ،فقلت :ل يختارنا إذَن ،وقلت: خيّر" قالت عائشة رضي الّ عنها :فسمعتُهُ وقد شخص بصرُه وهو يقول" :في الرفيق العلى" فعلمت أنه ُ يُ َ
هو الذي كان يحدثنا .وهو صحيح.
وكان أبو بكر ،لمّا تُوفِي رسول الّ صلى ال عليه وسلم ،في أرضه بالسنح ،فتواترت إليه الرسلُ ،فأتى وقد ذُهِلَ الناس ،فكانوا كالخرس،
ل بعد التغير ،،وخَلَطَ آخرون فلثُوا ،الكلم بغير صمَت آخرون فما تكلّموا إ َ وتفرقت أحوالهم ،واضطربت أمورُهم ،فكذّب بعضهم بموته ،و َ
َبيَان ،وحقّ لهم ذلك للرزيّة العظمى ،والمصيبة الكبرى ،التي هي بيضة العُقْر ،ويتيمةُ الدهر ،ومدى المصائب ،ومنتهى النوائب ،فكل مصيبةٍ
بعدها جَلَل عندها ،ولذلك قال ،صلى ال عليه وسلمِ" :ل ُتعَزّ المسلمين في مصائبهم المصيبةُ بي".
ل عنه ،ممن كذّب بموته ،وقال :ما مات ،وليرجعنّه الّ ،فليقطعنّ َأيْدِيَ المنافقين وأرجلَهم ،يتمنّون لرسول وكان عمر بن الخطاب ،رضي ا ّ
ع َد موسى ،وهو يأتيكم. الّ ،صلى ال عليه وسلم ،الموتَ؛ وإنما واعده ربّه كما وا َ
ل عنه ،فكان ممن ُأخْرِس ،فجعل ل يكلّم أحداً ،فيُؤخَذ بيده ويُجَا ُء به فينقاد. وأما عثمان ،رضي ا ّ
ل عنه ،فُلبِطَ بالرْضِ ،فقعد ولم يَبرَح البيت حتى دخل أبو بكر ،وهو في ذلك جَلْد العقل والمقالة ،فأكبّ عليه ،وكشف عن وأمّا علي ،رضي ا ّ
سكَراتهم ،قامغمَراتهم ،وعظيم َ وَجْهه ومسَحه ،وقبّل جبينه ،وبكى بكا ًء شديداً ،وقال الكلمَ الذي قدّمته .ولمّا خرج إلى الناس وهم في شديد َ
ن سيدنا محمداً عبده حدَهُ ل شريكَ له ،وأشهدُ أ ّ جلُها الصلةُ على النبي ،صلى ال عليه وسلم ،قال فيها :أشهدُ أنْ ل إلهَ إلّ الّ َو ْ فخطب خطبة ُ
ق المبين .في كلم ورسوله ،وأشهد أن الكتاب كما نزل وأن الدينَ كما شرع ،وأنّ الحديث كما حدث ،وأن القول كما قال ،وأن الّ هو الح ّ
ق ل يموت ،وإن ال قد تقدّم إليكما في أمره، ن محمدًا قد مات ،ومن كان يعبدُ الّ فإن ال ح ّ ن كان يعبد محمداً فإ ّ طويل ،ثم قال :أيها الناسُ؛ مَ ْ
جزَعاً ،وإن الّ قد اختار لنبيهِ ما عنده على ما عندكم ،وقبضه إلى ثوابه ،وخلّف فيكم كتابه ،وسن َة نبيّه ،فمن أخذ بهما عَرفَ ،ومن فل تَدَعُوه َ
ت نبيّكمْ ،ويَ ْف ِتنَنكُ ْم عن دينكُم؛ فعاجلوه بالذي تعجزونه، ن بمَو ِ شغَلنّكمُ الشيطا ُ
فرّق بينهما أنكر؛ "يا أَيهَا اّلذِين آ َمنُوا كُونوا قَوَامِينَ با ْلقِسْطِ" ،ول يَ ْ
ول تستنظروه فيلحق بكم.
فلمّا فرغ من خطبته قال :يا عمر ،بلغني أنك تقول ما مات نبيّ الّ ،أَما علمت أنه قال في يوم كذا وكذا ،وفي يوم كذا وكذا :قال ال تبارك
ل َقبْل؛ لما نزل بنا ،أشهد أنّ الكتابَ كما نزل ،وأن الحديثَ ك ميّت وإنّه ْم مَيتُونَ"؟ .فقال عمر :وال لكأني لم أسمعْ بها في كتاب ا ّ وتعالى" :إ ّن َ
ي ل يموت ،وإنّا ل وإنّا إليه راجعون! ثم جلس إلى جنب أبي بكر رحمه الّ. كما حدّث ،وأنّ ال ح ٌ
قالت عائشة ،رضوان ال عليها :لما ُقبِض رسول ال صلى ال عليه وسلم ،نجم النفاق ،وارتدّت العرب ،وكان المسلمون كالغنم الشا ِردَة ،في
ت إذا نظرتُ إلى عمر ل ذهب بحظّه ورشده ،وغنائه ،وكن ُ الليلة الماطرة ،فحمل أبي ما لو حملته الجبال لهَاضها ،فوال إن اختلفوا في معظم إ ّ
عدّ للمور أقرانها. حدِهِ ،قد أ َ
علمتُ أنه إنما خِلقَ للسلم ،فكان والّ أحوذيًّا نسيجَ وَ ْ
وحدث أبو بكر بن دريد عن عبد الول بن يزيد قال :حدّثني رجل في مجلس يزيد بن هارون بالبصرة قال :لما تُوفي رسول ال صلى ال عليه
وسلم ،دُفِن ورجع المهاجرون والنصار إلى رحالهم ،ورجعت فاطمة إلى بيتها؛ فاجتمع إليها نساؤها ،فقالت :الكامل:
شمسُ النهار ،وَأظْلَم العصرانِ اغبرّ آفاقُ السمـاءِ ،وكُـوّرَتْ
أسفًا عليه كثيرةُ الرجَـفَـان ض من بعد النبي كـئيبةٌ فالر ُ
وليبكه مُضَـ ٌر وكـل َيمَـانِ غ ْربُـهـا شرْقُ البلد و َ فَل َيبْكِهِ َ
ستَار والَركـانِ والبيتُ ذو ال ْ وليبكه الطور المعظـم جَـوُهُ
صلَى عليك منزّلُ الفُـرقـان يا خاتم الرسل المبارك ضوءُهُ
9
سبُون ،واغفرْ ل عنه -إذا ُأثْني عليه يقول :اللهم أنت أَعَلَمُ بي من نفسي ،وأنا أعلم بنفسي منهم ،فاجع ْلنِي خيراً مما يحْ َ وكان أبو بكر َ -رضِي ا ّ
خذْني بما يقولون. ي برحمتك ما ل يعلمون ،ول تؤا ِ لَ
وقال رحمه ال في بعض خطبه :إنكم في َمهَل ،من ورائه أجل ،فبادروا في مهَل آجالكم ،قبل أن تنقطع آمالكم ،فتردكم إلى سوء أعمالكم.
سدُ وذكر أبو بكر الملوكَ فقال :إن الملك إذا مَلك زَهّدهُ ال في ماله ورغبه في مالِ غيره ،وأَشرب قلبه الشفاق؛ فهو يسخط على الكثير ،ويحْ ُ
سبَهُ فأشدّ حسابه وأقلّ عفوه. ضحَا ظلُه حا َ ضبَ عمره ،و َ جذِلُ الظاهر ،حَزِين الباطن ،حتى إذا َوجَبتْ نفسُهُ ،ونَ َ على القليلَ ،
ل من البحرين ،فساوى فيه بين الناس ،فغضبت النصار ،وقالوا له :فَضَ ْلنَا! فقال أبو بكر :صدقتُم ،إن أردتُمْ أن وذكر أنه وصل إلى أبي بكر ما ٌ
ي أبو بكر المنبر ،فحمِدَ أفضلكم صار ما عمل ُتمُوه للدنيا ،وإن صبرتم كان ذلك ل عزَ وجل! فقالوا :وال ما عملنا إلّ ل تعالى ،وانصرفوا؛ َفرَق َ
ال ،وأثنى عليه ،وصلّى على النبي ،صلى ال عليه وسلم؛ ثم قال :يا معشر النصار ،إن شئتم أن تقولوا :إنا آ َويْناكم في ظِلَلِنا ،وشاطرناكم في
حصِيه العدد ،وإن طال به المد ،فنحن وأنتم كما قال طُفَيل ال َغنَوي :الطويل: أموالنا ،ونصرناكم بأنفسنا لقلتم ،وإنَ لكم من الفضل ما ل يُ ْ
بنا َنعْلُنا في الواطئين فـزَلَـتِ جزى ال عنا جعفراً حينَ أزَْلقَتْ
ن منّا َلمَـلّـتِ
تُلَقي الذي يَ ْلقَوْ َ أبوا أن يملُونا ولـو أن أمـنـا
ظلل بيوتٍ أدفأتْ وأظـلّـتِ هُمُ أسكنونَا في ظلل بيوتـهـم
ن ممّا بعده ،وأش ّد ممّا قبله .ليست مع العزاء مصيبة ،ول مع ل عنه :صنائعُ المعروف تقي مصارعَ السوء .الموت أهو ُ فِقَر من كلمه رضي ا ّ
ن عليه :ال َبغْي ،والنكث ،والمكر .إن ال قَرَنَ وَعْده بوعيد؛ ليكون العبد راغباً وراهباً. ن كن فيه ك ّ الجزع فائدة .ثلث مَ ْ
سعْيك ،فلقد كنت للدنيا مذلً بإدبارك ل عنه ،وقفت عائشة على قبره ،فقالت :نَضّرَ الَُ وَج َهكَ يا أبتِ ،وشكر لك صالحَ َ ولما توفي ،رضي ا ّ
عنها ،وللخرة مُعزّا بإقبالك عليها ،ولئن كان أجَلّ الحوادث بعد رسول الّ ،صلى ال عليه وسلم ،رزؤُك ،وأعظم المصائب بعده فقدك ،إن
ن العوض منك ،وأنا أستنجز موعودَ الّ تعالى بالصبر فيك ،وأستقضيه بالستغفار لك ،أما لئن كانوا كتاب الّ َل َي ِعدُ بحسن الصبر عنك حس َ
جفَتْ جوانبه؛ فعليك سلم ال توديعَ غير قاليةٍ لحياتك ،ول زارية على صدْعهُ ،ور َ ش ْعبُ ُه وتفاقم َ
قاموا بأمر الدنيا فلقد قمتَ بأمر الدين لمّا وَهى َ
القضاء فيك.
ق دينَ وقال أبو بكر لبلل لما قُتل أمية بن خلف وقد كان يَسُومُه سوء العذاب بمكة فيخرجه إلى ال ّرمْضاء ،فيلقي عليه الصخرة العظيمة ليفار َ
ل من ذلك :الوافر: السلم فيعصمه ا ّ
فقد أدركْت ،ثأرك يا بـللُ هَنئياً زادك الرحمـنُ خـيراً
شكَ السَل الطوالُ غداة تنو ُ جدْتَ ول جبـانـاً فل نِكْسا وُ ِ
تخلِط أنْتَ ما هابَ الرّجال إذا هاب الرّجال ثبتّ حتـى
ف َمتْ َنيْهِ الصّقَالُجَلَ أطرا َ على مضض الكُلُوم بمشرفيّ
بعض ما قاله عمر بن الخطاب
ل عنه! -إلى ابنه عبد الّ :أمّا بعد ،فإنه مَن اتّقى الَ َوقَاهُ ،ومن توكّل عليه كَفَاهُ ،ومن شكر له زادهُ ،ومنْ وكتب عم ُر بن الخطاب -رضي ا ّ
ج َر لمن ل خشيةَ له ،ول جديد لمن ل خلَقَ لهُ. جعَلِ التقوى عماد قلبك ،وجلء بصرك ،فإنه ل عمل لمن ل نيّة له ،ول أ ْ أقرَضهُ جَزَاهُ؛ فا ْ
ع َرفَني بك! آمنتَ إذ كفروا ،ووفيتَ ي بن حاتم؛ فقال :ما أ ْ ي بن حاتم على عمَر ،فسلّم وعمرُ مشغول ،فقال :يا أمي َر المؤمنين ،أنا عد ّ ودخل عد ّ
ت إذ أ ْدبَرُوا! وقال رجل لعمر :مَن السيد؟ قال :الجواد حين يُسْأَل ،الحليم حين يُسْتجهَل ،الكريم المجالسةِ غدَرُوا ،وعرفتَ إذ أنكروا ،وأقبل َ إذ َ
خلُقِ ِلمَنْ جاوره. لمن جالَسه ،الحسَن الْ ُ
ل ل ين َفدُ أُوله ،وأمل شغْ ٌ
خصَالٍ :فَ ْق ٌر ل يُدْرَك غناه ،وهَم ل ينقضي َمدَاه ،و ُ ت الدنيا همّ رجل قطُ إلّ لزم قلبَه أربعُ ِ ل عنه :ما كان ِ وقال رضي ا ّ
ل يبلُغ مُنتهاهُ.
ل عنه فصول قصار من كلمه رضي ا ّ
ت به رع ّيتُهُ. من كتم سرّه كان الْخِيارُ في يده ،أشقى الوُلة من شقيَ ْ
ل من الطمع.أعقلُ الناس أعذرُهم للناس .ما الخمر صرْفاً بَأذْهَب لعقولِ الرجا ِ
ف المين ،وخيانةَ ضعْ َ
ك تَلَفا ،مُرْ ذوي القرابات أن يتزَاوَرُوا ،ول يتجاوَروا .قلّما أدْبر شيء فأقبل ،أشكو إلى الّ َ ضَحبّك كَلَفا ،ول ُبغْ ُ ل يكن ُ
القوي ،تكثّرُوا من العيال فإنكم ل تدرون بمن تُرْزَقون .لو أن الشكر والصبر َبعِيرانِ ما باليت أيّهما أركب .من ل يعرفُ الشرّ كان أجدر أن
يقع فيه.
عمَ َر بن الخطاب ،فقال :كان عالمًا برعيّته ،عادلً في قضيّته ،عاريًا من ال ِكبْر، وقال معاوية بن أبي سفيان لصعصعة بن صُوحَانَ :صِفْ لي ُ
سهْلَ الحِجَاب ،مَصُونَ الباب ،متحرّيا للصواب ،رفيقاً بالضعيف ،غير مُحابٍ للقريب ،ول جافٍ للغريب. قبولً للعُذرَ ،
ج فلمّا كان بضجنان قال :ل إله إلّ الّ العليّ العظيم ،ال ُمعْطِي مَن شاء ما شاء ،كنتُ في هذا ل عنه ،ح َ وروى أن عم َر بن الخطاب ،رضي ا ّ
الوادي في مِدْرَعة صوف أرْعى إبل الخطّاب ،وكان فظًّا يُ ْتعِبني إذا عملت ،ويَضربني إذا قصرت ،وقد أمسيت الليلة ليس بيني وبين الّ أحد،
ثم تمثّل :البسيط:
يبقى الله ويُودي المالُ والولدُ ل شيء ِممَاِ ترى َتبْقَى بشاشتُـهُ
والْخُ ْل َد قد حاولت عادٌ فما خَلدُوا لم تغن عن هُرمُز يوماً خزائنهُ
ن والنس فيما بينها تَـ ِردُ والج ُ ول سليمان إذْ تجرِي الرياحُ لهُ
من كل صَ ْوبٍ إليها وافِد يَفـد أين الملوك التي كانت نوافلُهـا
ل بدَ من وِ ْردِهِ يوماً كما َورَدوا حوضُ هنالك مورو ٌد بل كـدر
وقال عمر بن الخطاب رضي ال عنه فتح مكة :الطويل:
ن قبل ذلـك حـائدِ على كل دي ٍ ألم تر أن الَّ أظـهـر دِينَـهُ
تدَاعَوْا إلى أم ٍر من الغي فاسدِ وأمكنه من أهل مكة بعـدمـا
مسوَم ًة بين الزبـير وخـالـد غداةَ أجَالَ الخيلَ في عَرَصاتها
10
وأمْسى عدَاه مِنْ قتيل وشـارِد ع ّز نَصْرُهُ فأمسى رسولُ ال قد َ
يريد الزبير بن العوام حَوَارِيّ رسولِ الّ صلى ال عليه وسلم ،وخاِلدَ ابن الوليد سيفَ ال تعالى في الرض.
ش ْعبَة ،قالت عاتِكة بنت زيد بن عمرو ابن نفَيل زوجته ترثيه :الخفيف: ولما قتله أبو لُ ُؤلُؤَة غلمُ المغيرةِ بن ُ
ل تملي على المين النجِـيب عيْنُ جُودي ِبعَبْـرَ ٍة ونَـحِـيبِ َ
لَم يوم الهـياج والـتـثـويبِ ج َعتْني المنونُ بالفارسِ ا ْلمُـع فَ
ر وغيثُ المحروم والمحروبِ صمَةُ الناس والمعينُ على الدَه ع ْ
ن كأسَ شعَـوبِ قد سقته المنُو ُ قل لهْلِ الضراءِ والبُؤس موتوا
وقالت أيضاً ترثيه :الطويل:
ب مُـنِـيبِ
بأبيضَ تالٍ لِلْـكِـتـا ِ وفَجـعـنـي فـيْرُوز ل دَرّ درُه
أخي ثقة في النـائبـات نـجـيبِ رؤوف على الدنى غليظ على العِدَا
سريع إلى الخيرات غير قَطـوبِ ل فِعـلُـه ل ل يكذب القو َ متى ما يَقُ ْ
ل بن أبي بكر ،فأصابه وعاتكة هذه ،هي أخت سعيد بن زيد ،أحدِ العشرة الذين شهد لهم النبي ،صلى ال عليه وسلم ،بالجنّة ،وكانت تحت عبد ا ّ
ل عنه ،ف ُقتِل عنها ،فتزوجها الزبير ابن العوام ف ُقتِلَ عنها ،فكان علي ،رضي ال عنه سهْمٌ في غَزوَة الطائف فمات منه ،فتزوجها عمر ،رضي ا ّ
يقول :من أحبّ الشهادة الحاضرة فليتزوج بعاتِكة!
ومن كلم عثمان بن عفان
ل عنه:
رضي ا ّ
ج منكم إلى إمام قَوّال ،قاله ل ال بعد عُسْ ٍر يسراً ،وبعد عِي بياناً ،وأنتم إلى إمام فعَال ،أحو ُ ما يَ َزعُ الَُ بالسُلْطانِ ،أكثَ ُر مما يزعُ بالقرآن .سيجع ُ
في أول خلفته وقد صعد المنبر وأُ ْرتِج عليه.
ن كان ل َيدْفع عنه نفسه، ي مَ ْسيْلُ ال ُزبَى ،وجاوز الحزامُ الط ْب َييْنِ ،وطمع ف َ ل عنه ،وهو مَحْصُور :أمّا بعد ،فقد بَلغ ال ّ وكتب إلى علي ،رضي ا ّ
ولم يعجزك كلئيم ،ولم يغْلِبْك كمغَلّب؛ فأَقبِلْ إليّ ،معي كنت أو علي ،على أيّ أم َريْك أحببت الطويل:
وإلّ فَأدْ ِركْني ولَمـا أُمـزّقِ ل فكُنْ أنت آكِلي ت مأكْو ً فإن كن ُ
ل عنه؛ وحذّاق أحل النظر يدفعون هذا، وهذا البيت للممزّق العبدي ،وبه سمي الممزّق ،واسمه شأس ،وإنما تمثّل به عثمان ،رضي ا ّ
ويستشهدون على فساده بأحاديث تُناقِضه ليس هذا موضعها.
ل عنه ،أتقَى ل أن يَسعى في أمره عليّ ،وعليّ أتقى لّ أن يسعى في أم ِر عثمان ،وهذا من قوله عليه السلم: قالوا :وكان عثمان ،رضي ا ّ
أشقَى الناس مَن قتله نبي أو قَتل نبيّاً.
ومن كلم عثمان ،رضي ال عنه وأكرم نزله ،وقد تنكر له الناس :أمر هؤلء القوم رعاع عير ،تطأطأت لهم تطأطأ الدلء ،وتلددت لهم تلدد
سنَه ،وأبلغت الراتع مسعاته ،فتفرقوا عليّ فرقًا ثلثاً، المضطر ،رأيتهم ألحف إخواناً ،وأوهمني الباطل لهم شيطاناً .أجررت المرسون رَ َ
ت في فتنة ُزيّنَت شي قلبه ،فأنا منهم بين ألسُنِ ِلدَاد ،وقلوب فصامتٌ صمته أنفذ من صَولِ غيره ،وشاهد أعطاني شاهده ومنعني غائبه ،ومتها ِف ّ
شداد ،عذيري ال منهم ،أل ينهى عالم جاهلً ،ول ينذر حليم سفيهاً؟ والّ حسبي وحسبهما يوم ل ينطقون ،ول يؤذن لهم فيعتذرون.
سئل الحكم بن هشام فقال :كان والّ خيار الخيرة ،أمير البررة ،قتيل الفجرة ،منصور النصرة ،مخذول الخذلة ،مقتول القتلة.
ونظيرُ البيت الذي أنشده قولُ صخر الجعد :الطويل:
فإنّ منايا القوم أكْرم من بعضِ ل فكن أنت آكلي فإن كنت مأكو ً
قال المتوكل :أتيت بأسارى ،فسمعت امرأة منهم تقول :الوافر:
سمُو الليث أخرجه العريفُ َ سمَا إلـينـا أمير المؤمنين َ
وإن ن ْقتَلْ فقاتِلُنـا شـريفُ ن نَسَْل ْم فعونَ الّ نرجـو فإ ْ
وقد ذكر بعض أهل العلم أنه ل يُعرف لعثمان شعر ،وأنشد له بعضهم :الطويل:
وإنْ عـضـهَـا حَـتـى يضـ ّر بـهـا الـفَـقْــرُ س ُيغْـنـي الـنـفـسَ حـتـى يكُـفّـهـا غنَى النفـ ِ ِ
ل سيتبعها يُسْرُ ت بباقيةٍ إ ّ صبِرْ لها إن َتتَا َبعَ ْ سرَ ٌة فا ْوما عُ ْ
وقول عثمان ،رضي ال عنه فيما روى :ولم يغلبك كمغلّب من قول امرئ القيس :الطويل:
ضعيفٍ ولم َيغْلِبك ِمثْل مغَلّبِ فإنكَ لم يَفخَرْ عليك كفاخـر
وقال أبو تمام وذكر الخمر :الكامل:
ضعَفاءَِقتَلَتْ ،كذَلك ُقدْرَةُ ال ّ ت فُرصة وضعيفةٌ فإذا أصابَ ْ
من كلم عليّ بن أبي طالب
ل عنه
رضي ا ّ
ي منهال المَل ،ويقولُ في الدنيا بقول الزاهدين ،ويعملُ فيها بعمل الراغبين ،إنْ أُعط َ ل َتكُن ممن يَ ْرجُو الخرة بغير عمل ،ويؤخّر التوبةَ لطو ِ
لم يشبع ،وإن ُمنِح لم يَقنع ،يعجز عن شُكرِ ما أوتي ،ويبتغي الزيادة فيما بَقِيَ ،ينْهى ول يَنتهي ،ويأمر بما ل يَأْتي ،يحبّ الصالحين ول يعمل
ن لهِياُ ،يعْجَب ظلّ نادماً ،وإن صحَ َأمِ َ ت لكثرة ذنوبه ،ويقيمُ على ما يكرهُ الموت له ،إن سقم َ ض المسيئين وهو منهم؛ يكره المو َ أعمالهم ،ويبغِ َ
ن له ،ول َيعْمَل من العمل ط إذا ابتلي ،تغِلبُه نفسُهُ على ما يظن ،ول يَغلبُهَا على ما يستيقن ،ول َيثِقُ من الرزق بما ضمِ َ بنفسه إذا عُوفي ،ويَ ْقنَ ُ
بما فُرِض عليه ،إن استغنى بَطِر وفُتن ،وإن افتقر َقنِطَ وحَزِن ،فهو من الذّنب والنعمة موقَر ،يبتغي الزيادة ول يَشكر ،ويتكلّف من الناس ما لم
يُؤْمر ،ويضيع من نفسه ما هو أكثر ،و ُيبَالغ إذا سأل ،ويقصر إذا عمل ،يخشى الموتَ ،ول يبادِر الفَوْتَ ،يستكثر من معصية غيره ما يستقلّ
أكثره من نفسه؛ ويستكثرُ من طاعته ما يستقلّه من غيره ،فهو على الناس طاعِن ،ولنفسه مداهن ،الَلغْوُ مع الغنياء أحَب إليه من الذكر مع
الفقراء ،يحكم على غيرِه لنفسه ،ول يحكمُ عليها لغيره ،وهو يُطَاع و َيعْصِي ،ويستوفي ول يُوفي.
11
سئِلْت عن
ل عنه ،عن مسألة فدخَلَ مبادراً ،ثم خرج في حذاء ورداء ،وهو يتبسّم ،فقيل له :يا أمير المؤمنين ،إنك كنت إذا ُ سئِل ،رضي ا ّ
وُ
مسألة كنت فيها كالسّكة المُحْماة! فقال :إني كنت حاقنًا ول رَأيَ لحاقن ،ثم أنشأ يقول :المتقارب:
كشفتُ حقا ِئقَها بالـنّـظَـرْ ت تصـ ّديْنَ لـي
إذا المشكل ُ
عمْيَاءُ ل تجتليها الذكـر ب َ وإن برقَتْ في مَخِيل الصوا
وضعت عليها صَحيحَ الفكَرْ مقنعةً بـأُمـور الـغـيوب
أو كالحسام اليَماني ال ّذكَـرْ لسانًا كَشِ ْقشِـقَةِ الرحـبـيّ
أمرّ عليها بواهـي الـدرر وقلبًا إذا استنطقته الـعـيون
12
خطِ ،وأقدر على أن تغيّر ما كرهت ،وأعلم بما تقدر ،ل ُتغْلَب ومن دُعائه ،رضي الّ عنه في حروبه :اللهمَ َأنْتَ أَرْضى للرضا ،وأسْخَط للسُ ْ
على باطل ،ول تعجز عن حق ،وما أنت بغافل عمّا يعمل الظالمون.
وقال علي رضي الّ عنه :الطويل:
ضيْنُ تـقـدّمـاإذا قيل َق ّدمْها حُ َ ِلمَنْ رايةٌ سَوْدا ُء يَخْفق ظِـلُـهـا
حياضُ المنايا تقطُر الموتَ والدّما فيوردها في الصّف حتى تردّهـا
لدى الروعِ قوماً ما أعزّ وأكْرَما جزى ال قوماً قاتلوا في لقائهـم
إذا كان أصواتُ الرجال َت َغ ْمغُمـا وأطيب أخْباراً وأفْـضَـلَ شِـيمةً
صفّين.
ن المنذر بن الحارث بن وعلة الرقاشي ،وكان صاحب را َيتِه يومَ ِ حضين الذي ذكره هو :أبو ساسَان الحضينُ ب ُ
ويروى عنه أنه قال بعد وفاة فاطمة رضي ال عنها :الطويل:
حبُها حتى المماتِ عليلُ وصا ِ ي كثـيرةًأرى عِلَلَ الدنيا عل ّ
وإن الذي دُون المماتِ قليل لكل اجتماع من خليلين فُ ْرقَةٌ
ل يدومَ خَـلـيلُ
دليل على أ َ ن افتقادي فاطماً بعد أحمدٍ وإ ْ
ولما قتَل عمرو بن عبد ُودّ سقط فانكش َفتْ عَوْرَته ،فتنحَى عنه وقال :الكامل"
ت فاستمعوا من الكذابن عبد حين شَد أليّةوحل ْف ُ آلى اب ُ
أسَـدَان يضْـطَــرِبـــان كـــل ضِـــرَابِ ل بِفر ول يملل فالتقى أّ
13
ثياب بدا للمشتـرين عَـوَارُهـا تدا َفعَها الحياءُ حتـى كـأنـهـا
صغَارُهَا
بسودِ حصًى خَفَتْ عليه ِ ت قَـذْف حـاذف قذفنا بها َلمّا نأ ْ
ل عنترة بن شداد العبسي الكامل:
ل عنه وعففت عن أثوابه قو َ ويشبه قول علي رضي ا ّ
إن كنتِ جاهل ًة بما لم َتعْلَمي هلّ سألتِ الخيلَ يا ا ْبنَةَ ماِلكٍ
14
وهذا لو تكلفه متكلّف فتي المنثور دون الموزون لما كان له هذا القتدار مع هذا الختصار.
ش معجبةً بشعر زُ َهيْر ،وقال النبي صلى ال عليه وسلم :إنَا قد سمعْنا كلمَ الخطباء والبلغاء ،وكل َم ابن أبي سلمى ،فما سمعْنا مثلَ وكانت قري ٌ
كلمه من أحد؛ فجعلوا ابنَ أبي سُ ْلمَى نهايةً في التجويد ،كما ترى.
و ُذكِرَ أن عم َر بن الخطاب ،رضي ال عنه قال :إن من أشعر شعرائكم زُهَيراً ،كان ل يُعاظل بين الكلم ،ول يتبع حُوشيهُ ،ول يمدح الرجلَ إل
بما يكون في الرجال.
وأخذ معنى قولِ زُهَير:
سعى بعدهم قوم لكي يدركوهم
ح بن إسماعيل الثّقَفي ،فقال لبي العباس عبد ال بن محمد بن علي السفاح :المسرح طُ َريْ ُ
ج ِهدُوايَ ْألُوا فما قَارَبوا و َقدْ َ س ما بلغْتَ ولَم َقدْ طَلبَ النا ُ
خ َمدُوالحَ له ْم ِمنْكَ بارقٌ َ فهم مُلوك ما لم يَرَ ْوكَ ،فإن
جنَة الصَ ِردُ قُ ْر ِقفَ تحت الد ُ عدَ ٌة لديكَ كـمـا تعروهُمُ رِ ْ
ل كَسَاكَهُ الصّمـدُ لًلكن ج َ ل خوفَ ظُلم ول قِلَى خُلُق
يفقدْ من العالمين مفتـقـدُ ما يُبقك الَُ للنـام فَـمـا
وقال معاوية رحمه الّ :المروءةُ :احتمال الجريرة ،.وإصلحُ أمر العشيرة؛ والنبلُ :الحلم عند الغضب ،والعفوُ عند المقدرة.
ل مَنْ ظَلَم مَنْ هُو دُونَهُ .أولى الناس بالعَفْوِ ج ْنبِه حق ُمضَيع .أ ْنقَصُ الناسِ عَقْ ً ت تبذيراً قطُ إلّ وإلى َ فِقَر من كلمه رضي ال عنه :ما رأي ُ
أقدرُهم على العقوبة .التسلُط على المماليك مِنْ لُ ْؤمِ المقدرة وسوء المملكة.
حسُنَ أ َدبُ رجل إلّ ساء أدبُ غِلْمانه. وقال يحيى بن خالد :ما َ
ن أمْلِك ،وما غضبِي على مَنْ ل َأمْلِك؟ ضبِي على مَ ْ غ َح ما في يدك أسْلَم من طلب ما في أيدي الناسَ . وقال معاوية :صل ُ
ي معاويةُ رحمه ال واستُخْلِف يزيدُ ابنه اجتمع الناسُ على بابه ،ولم يقدروا على الجمع بين تهنئة وتعزية ،حنى أتى عبدُ ال بن همام ولما تُ ُوفّ َ
جرَك ال على الرزية ،وبارك لك في العطية ،وأعانك على الرعيّة ،فقد رُزئتَ عظيماً ،وُأعْطِيتَ السّلولي ،فدخل عليه فقال :يا أمير المؤمنين ،آ َ
حتَ خِلفة ال؛ ففارقتَ جليلً ،وَوُ ِهبْتَ جزيلً؛ إذْ شكُرِ الّ على ما أُعطيت ،واصبرْ له على ما رُزِيت؛ فقد فقدتَ خليفة ال ،و ُمنِ ْ جسيماً ،فا ْ
ل ذَ ْنبَه؛ وولَيت الرياسة ،فأُعطيت السياسة؛ فأوردك الّ موا ِردَ السرور ،ووفقك لصالح المور ،وأنشده :البسيط قضى مُعاوِيةُ نَحْبه ،فغفر ا ّ
حبَاء الذِي بالمُ ْلكِ أصْفاكا شكُرْ ِوا ْ صبْرْ ،يَزيدُ ،فقد فارقْتَ ذا ثـقة ا ِ
كما رُزِئتَ ول عُ ْقبَى كعُقْباكـا ل رُ ْزءَ أَصبَح في القوام َنعْلَمه
فَأنْتَ ترْعا ُهمُ واللّـ ُه يَرْعـاكـا حتَ واليَ أمرِ الناسِ كلهـم أصْب ْ
إذا نُعيتَ ول نسم ْع ب َمنْـعَـاكـا وفي معاويةَ الباقِي لنا خَـلـفٌ
ي بعد أبيه شهوراً ،ثم انخلع عن المر ،فقال لقائل :البسيط: يريد أبا ليلى معاوية بن يزيد ،ووَل َ
ك بعد أبي ليلى لمن غلبا والمل ُ
ن فتَحَ الباب في الجمع بين تهنئة وتعزية عبدُ ال بن همام ،فَوَلجه الناس ،ومن جيّد ما قيل في ذلك قصيدةُ أبي تمام الطائي يمدح الواثقَ وأول مَ ْ
ويرثي المعتصم ،يقول فيها :الكامل:
قدَرٌ فما زالتِ هِضابُ شمـامِ ت ُقدْسَ أزالها حتْ هضبا ُ إن أَصْب َ
َدفَعَ اللهُ لنا عن الـصّـمـام أو يُفْتقدْ ذو النون في ال َهيْجَا فقد
سمَى غَـاربٍ وسـنـام رُحْنا بأ ْ أو كنت منا غاربا غدوا فـقـد
وال َقسْمُ ليس كسائرِ القـسـام تلك الرزيّة ل رزية مثـلـهـا
وهذا المعنى كثير.
وكان معاوية ،رحمه ال ،قد تركَ قولَ الشعرِ في آخر عمره ،فنظر يوماً إلى جاريةٍ في داره ذات خَلْق رائع ،فدعاها فوجدها بِكراً فافترعها،
وأنشأ يقول :الوافر:
وفيّ عَلَى تحمّليَ اعتراضُ سئمت غوايتي فَأرَحْتُ حِلمي
ذواتُ الذَلّ والْحَدق المِراضُ عتْـنـي
على أني أجيب إذا دَ َ
فِقرُ لجماعة الصحابة والتابعين
رضي الّ عنهم
ابن عباس :الرخصة من ال صدقة ،فل تردُوا صدقته .لكل داخل هيبة فابدأُوه بالتحية ،ولكل طاعم حشمة فابدأُوه باليمين.
ابن مسعود رحمه الّ :الدنيا كلها همومٌ ،فما كان منها في سرور فهو ربح.
عمرو بن العاص :مَن كثر إخوانه َكثُر غُرَماؤه .وقال :أكْ ِرمُوا سفهاءَكم ،فإنهم يكفونكم العارَ والنار.
شمَة .في كل شيء سَرَف إلَ في المعروف. المغيرة بن شعبة :العيشُ في بقاء الْحِ ْ
ق في دخول ابنته بُورَانَ على المأمون أموالً عظيمة -فقيل له :ل خيرَ في السرف .قال :ل سَرَف في هذا كقول الحسن بن سهل -وقد َأنْفَ َ
الخيرَ .ف َردّ اللَفْظَ واستوفى المعنى.
مُعاذ بن جبل :الدَين َهدْم الدَينِ.
ي ولي ًة بعُشْر ودَه قبلها. زياد :اِرضَ من أخيك إذا وُلّ َ
مصعب بن الزبير :التوَاضع من مصايد الشرف.
ن َد ِمكَ.سمِعَ كلماتٍ! وقيل له :مَن السيد؟ قال :الذي إذا َأ ْقبَل هابوه ،وإذا أَدبَر عَابُوه .وله :سِرُك مِ ْ الحنف بن قيس :من لم يصبِرْ على كلمة َ
15
عدَت هفواته. سرّع إلى الناس بما َيكْرَهون قالوا فيه ما ل َيعْلَمون .وله :الكامل مَنْ ُ وله :مَنْ تَ َ
وقال يزيد بن محمد المهلبي :الطويل:
كَفَى المرء ُنبْلً أن ُت َعدّ َمعَايبُهْ سجَاياه كلُها من ذا الذي تُرضَى َ
ن كلّفك إجللَه ،ومنعك مَالَه. حيُونَ من طول ما ل تستحيون؟ ابنُ آدمَ راحِل إلى الخرة كل يوم مرحلة .ما َأنْصَفَك مَ ْ س َت ْ
الحسن البصري :ألَ تَ ْ
بدن ل يشتكي مثل مَال لَ يزكى .إن امرأ ليس بينه وبين آدَمَ أبٌ حي ل ُمعْرِق في الموتى.
قال الطائيّ :الطويل:
إلى آدم أو هل ُتعَ ُد ابنَ سالمِ؟ تأمَلْ رويداً هل َتعُدّنّ سالمـاً
وقال أبو نواس :الطويل:
وذو نسبٍ في الهالكين عريقِ وما الناسُ إلَ هالكٌ وتبنُ هالكٍ
له عن عدوّ في ثيابِ صديقِ إذا ا ْمتَحَنَ الدنيا لبيب تكشّفَـتْ
عدَت هذا البيت؛ وهو مأخوذ من قول مُزَاحم العقَيلي :الطويل: وكان المأمون يقول :لو قيل للدنيا :صِفي نفسك ما َ
سهُمِ أعداءً وهُنّ صـديقُ بَأ ْ ضيْنَ الهوى ثم ار َتمَينَ قلو َبنَا قَ َ
عمر بن عبد العزيز رحمه الّ :ما الجزع مما ل بد منه؟ وما الطمع فيما ل يرجى؟ ل تكن ممن يلعن إبليس في العلنية ويواليه في السر.
ستَحْيي من الحقّ إذا عرفتُهُ َألّ أرجعَ إليه. الشعبي :إني ل ْ
بعض ما قاله أهل البيت
قطعة من كلم لبني علي بن أبي طالب أهْلِ البيتِ رضي الّ عنهم :أهلِ الفضل والحسان ،وتلوة القرآن ،ونبعة اليمان ،وصُوَامِ شهر
ل نورَ الشمس والبدر، ح قلئ َد الدُر ،و ُيخْجِ ُ حفَظُ على وَجْهِ الدهر ،ويَ ْفضَ ُ رمضان ولهم كلم يعرض في حَلْي ال َبيَانِ ،و ُينْقَش في فصّ الزمان ،ويُ ْ
حجْر العلم:ول َم ل يطأون ذُيولَ البلغة ،ويَجرُون فضولَ البراعة ،وأبوهم الرسولُ ،وُأمّهم البتول ،وكلّهم قد غُذي بدَرّ الحُكم ،و ُربّيَ في ِ
الكامل:
شرٌ بالَحْ َوذِيةِ مُؤدَمُأو مُبْ َ حجَى ما منهُمُ إلَ ُمرَبى بال ِ
آخر :المتقارب:
سبِ الصْ َرحِ الوْضَح إلى النّ َ َنمَتْهُ العَرانين مِـنْ هـاشِـمٍ
و َمغْ ِرسُها في ذُرَى البْطَـحِ إلى َن ْبعَة فرْعُها في السمـاء
وهم كما قال مسلم بن بلل العبدي -وقد قيل له :خطب جعفرُ بن سليمان خطبةً لم يرَ أحسن منها ،فل يُدرى أوَجهه أحسن أم خطبته؛ فقال:
أولئك قوم بنور الخلفة يُشْرِقون ،وبلسان النبوّة ينطقون ،وفيهم يقول القائل :الكامل:
ج ْدتُه منهمْ علـى أمـيالِ َلوَ َ جدٍ َقبَْلهُمْ ف مَ ْ
جدُ عَ ْر ُن يُو َ لو كا َ
كَرَمًا يَقيكَ موَاقفَ التّسْـآلِ ن بيوتِهِمْ إن جئ َتهُم أبْصَرْت بي َ
متوقّد في الشّيبِ والطفـالِ نو ُر النبوّة والمكارم فـيهـمُ
ن دونه .فقال :معاوية وابنُه ،وسعيد ل سعيد بن المسيب :مَنْ أبلغُ الناس؟ فقال :رسولُ ال صلى ال عليه وسلم .فقال السائل :إنما أعني مَ ْ سئِ َ
وُ
عنَيت من ي وابنه ،وعباس وابنه؟ فقال :إنما َ ت من عل ّ ن ابنَ الزبير لحسَنُ الكلم ،ولكن ليس على كلمه ملح .فقال له رجل :فأين أن َ وابنه ،وإ َ
حكّامُ السلم. تقا َربَتْ أشكالُهم ،وتدانَتْ أحوالُهم ،وكانوا كسهَامِ الجَعبَةِ ،وبنو هاشم أعلمُ النامِ ،و ُ
فصل لبي عثمان عمرو بن بَحْرٍ الجاحِظِ
في ذكر قريش ،وبني هاشم
ف كَ َرمُ قريش وسخاؤها ،وكيف عقولها ودهَاؤُها ،وكيف رَأُيها وذكاؤها ،وكيفَ سياستها وتدبيرُها ،وكيف إيجازُها وتحبيرها، قد علم الناسُ كي َ
صبْرُها عند اللقاء ،وثباتها في اللْواء ،وكيف وفاؤُها إذا استحْسِن وكيف رجاحةُ أحلمها إذا خفّ الحليم ،وحدّةُ أذهانها إذا كَل الحديد ،وكيفَ َ
صدِ ،وكيف إقرارُها بالحق ،وصفها عليه ،وكيف ث غدٍ وقلّة صدودِها عن جهة القَ ْ ف ذِكرها لحادي ِ حبّ المالَ ،وكي َ ال َغدْرُ ،وكيفَ جُودُها إذا ُ
وصفُها له ،ودعاؤها إليه ،وكيف سماحة أخلقها ،وصونُهَا لعراقها ،وكيف وصلوا قديمَهم بحديثهم ،وطريفَهم بتليدِهم ،وكيف أشبه علنيتَهم
سرّهم ،وقولَهم ِفعْلُهم .وهل سلمةَ صدرِ أحدهم إلَ على قدر ُب ْعدِ غورِه؟ وهل غفلته إلَ في وزن صدق ظنّه ،وهل ظنّه إل كيقين غيره؟ وقال
عمر :إنك ل تنتفع بعقله حتى تنتفع بظنّه.
حجَر :المنسرح: قال أوس بن َ
س ِمعَان َقدْ رَأى وقّد َ ن كأ ْ ال ْلمَعي الذي يَظنّ لك الظّ
وقال آخر :المتقارب:
حدّثُ بالغائبِ فصيح يُ َ مليح نجيح أخُو مازنٍ
وقال بلعاء بن قيس :الطويل:
ت مَقَادِرُه ش ْ إذَا طاش ظَن ا ْلمَرء طا َ وََأبْغي صَوَابَ الرًأي أعْـلَـمُ أنـهُ
بل قد علم الناس كيف جمالُها وقَوامُها ،وكيف نماؤُها وبهاؤها ،وكيف سَروها ونَجابتُها ،وكيف بيانُها وجَهارتها ،وكيف تفكيرها وبدَاهتها،
ح وبنو هاشم سرّها ولبها ،وموضع غاية الدين والدنيا منها ،وبنو هاشم مِلح الرض ،وزينة الدنيا، فالعرَب كال َبدَن وقريشٌ روحها ،وقريش رو ٌ
عنْصُرِ شريف ،والطينة البيضاء ،والمغْرسُ المبارك، وحلى العالم ،والسنام الضخم ،والكاهل العظم ،ولُبابُ كل جوهر كريم ،وسِرُ كل ُ
والنّصاب الوثيق ،و َمعْدن الفهْم ،وينبوع العلْم ،وثهْلن ذو الهضاب في الْحِلم ،والسيفُ ا ْلحُسام في العَزْم ،مع الناة والْحزْم ،والصفح عن
خفَى
الجرم ،والقصد عند المعرفة ،والعفو بعد المقدرة ،وهم النْفُ المقدّم ،والسّنام الكرم ،وكالماء الذي ل ينجسه شيء ،وكالشمس التي ل تَ ْ
حيْرَان ،والبارد للظمآن ،ومنهم الثّقلن ،والشهيدان ،والطيبان ،والسبطان ،وأسد ال ،وذو بكل مكان ،وكالذّهب ل ُيعْرَفُ بالنقصان ،وكالنجم لل ً
سيّد الوادي ،وساقي الحَجِيج ،وحَلِيم البطحَاء ،والبَحْر ،والحبر ،والنصار أنصارهم ،والمهاجرون مَنْ هاجر إليهم أو حيْن ،وذو قَ ْر َنيْها ،و َ الْجَنا َ
ش ِهدَ لهم ،ول خيرَ إلّ لهم معهم ،والصدّيق مَنْ صدقهم ،والفاروق من فَرّق بين الحقّ والباطل فيهم ،والحواريُ حواريّهم ،وذو الشهادتين لن َ
16
أو فيهم أو معهم ،أو يُضاف إليهم ،وكيف ل يكونُون كذلك ومنهم رسولُ رب العالمين ،إمامُ الولين والخرين ،ونجيبُ المرسلين ،وخاتَ ُم
النبيين ،الذي لم يت ّم لنبي ُنبَوّة إلَ بعد التصديق به ،والبشارة بمجيئه ،الذي عم برسالته ما بين الخافِقين ،وأظهره ال على الدين كلّه ولَو كَرِهَ
المُشْ ِركُون؟.
ب مَسِيرٍ لك في غيرِ طاعة ال! قال :أمّا مَسِيري إلى أبيك فليس من ذلك! قال الحسن بن علي ،عليهما السلم ،لحبيب بن مسلمة الْف ْهرِي :رُ ّ
قال :بلى! أطعت فلناً على دنيا يسيرة ،ولعمري لئن كان قام بّك في دنياك لقد قعد بك في دينك ،فلو أنك إذْ فعلتَ شرّا قَلتَ خيراً كنت كمن قال
سبُونَ".
علَى قُلو ِبهِمْ ما كانوا يَكْ ِ
ل بَل رَانَ َب عليهِمْ" ولكنك كما قال" :كَ َ لّ أن َيتُو َ
خرَ سَيئاً عسى ا ُ عمَلً صالحاً وآ َ ال عزّ وجلّ" :خََلطُوا َ
ل كثيراً فقيل له :أ ُتعْطِي شاعرًا َيعْصِي الرّحْمن، وكان الحسن عليه السلم جواداً ،كريماً ،ل يردّ سائلً؛ ول يَقْطَع نائلً ،وأعْطى شاعراً ما ً
ن من ابتغاءِ الخيرِ اتقاءَ الشرّ. عرْضَك ،وإ ّ ت به ِ خيْرَ ما بَذلْتَ من مالك ما َو َقيْ َ ويطيع الشيطان ،ويقول ال ُب ْهتَانَ؟ فقال :إنّ َ
خفْتُ أن يقولَ :لست ابن ل ثوابَه ،فليمَ على ذلك ،فقال :أتَرَاني ِ ل ذلك عن الحسين ،رضي ال عنه ،وقيل :إنّ شاعرًا مدحه فأجْزَ َ وقد روى مث ُ
خفْتُ أن يقول :لست كرسول الّ ،صلى ال عليه فاطمة الزهراء بنت رسول ال ،صلى ال عليه وسلم ،ول ابن علي بن أبي طالب! ولكني ِ
ل يا ْبنَ ل عنه ،ويبقى مُخَلّداً في الكتب ،محفوظاً على ألسنة الرُواة .فقال الشاعر :أنت وا ّ حمَ َ
صدّقَ ،ويُ ْ
وسلم ،ول كعليّ ،رضي ال عنه؛ فيُ َ
رسول ال ،صلى ال عليه وسلم ،أعرفُ بالمدح والذ ّم مني.
ع ْينَاهولما تُوفّي الحسن أدخله َقبْرَه الحسينُ ومحمدُ بن الحنفيّة وعبدُ ال بن عباس رضي ال عنهم ،ثم وقف محمدٌ على قبره وقد اغْرَ ْو َرقَتْ َ
س ٌد تض َمنَه كَ َفنُك، سدُ ،ج َح تض ّمنَه َب َد ُنكَ؛ ولنعم الج َعزَتْ حياتك ،لقد َهدَتْ وفا ُتكَ ،ولَنعْمَ الرُوحُ ،رُو ٌ ح َمكَ الُّ أبا محمد! فلئن َ بالدموع ،وقال :رَ ِ
جدّك النبيّ المُصْطَفى، خلَفُ أَهْلِ التقى؟ َ ح ُدكَ ،وكيف ل تكون كذلك وأنت سليلُ الهدى ،وخا ِمسُ أصحابِ الكِسَاء ،و َ ن تضمّنه لَ ْ ولنعْمَ الكَفَنُ ،كَفَ ٌ
جرِ السلم ،ورضعت غذَ ْتكَ َأكُفّ الحقّ ،وَ ُربّيت في حِ ْ وأبوك عليّ المرتضَى ،وُأمُك فاطمةُ الزهراء ،وعمّك جعفر الطيار في جنّة المَأْوى ،و َ
شبَابِ أهل الجنة ،فعليكَ لنْفُس غيرَ طَيبةٍ لفراقك؛ إنها غيرُ شاكّةٍ أنْ قد خِيرَ لَك ،وإنك وأَخاك لَسَيدَا َ طبْتَ حيًّا وميتاً؛ فلئن كانت ا َ ثَدْيَ اليمان ،ف ِ
يا أبا محمد منا السلم.
حمََلتْ إلى هذا القبر وَلياً وقام رجلٌ من ولد أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب على َقبْرِهِ ،فقال :إن أقدامَكم قد َنقَلَت ،وإنّ أعناقكم قد َ
س به سادةُ أهل الجنة من ُأمّته، ي ال بمقدمه ،و ُتفَتحُ أبوابُ السماء لروحه ،وتبتهجُ الحورُ العِين بلقائه ،ويَأنَ ُ ل ُيبَشَ َر نب ّ
من أولياء ا ّ
ب المصيب ُة به. س ُ
حتَ َ
ل عليه ،وعنده ت ْ حجَا والدين فَ ْقدُه ،رحمة ا ّ ويوحِش أهلَ ال ِ
ألفاظ لهل العصر في
ذكر المصيبة بأبناء النبوّة
قد نُعيَ سليل من سُللة النبوة ،وفَ ْرعٌ من شجرة الرسالة ،وعُض ٌو من أعضاء الرسول ،وجز ٌء من أجزاء الوصِيَ وال َبتُول .كتبت وليتني
صدَاره ،ومخبر أنّ شمس الكرم وَاجِبة ،والمآثر مودّعة ،وبقايا ما كتبت وأنا ناعِي الفضل من أقطاره ،وداعي المجدِ إلى شَق ثوبِهِ و ِ
ت يمينُ الدَهْر ،وفُقئت عينُ ن منخذِلٌ واجم ،وللتقوى دَ ْمعَان هامٍ وساجم .كتابي وقد شلّ ْ ل المامة منقطعة ،والدي َ النبوَة مرتفعة ،وآما َ
ج َددَ المصائب ،واستعادَ خسِفَ قمر المعالي ،وتجدَدَ في بيت الرسالة رُزْء َ سفَت شمسُ المساعي ،و ُ صرَ باعُ الفضْل ،وكُ ِ المجد ،وقَ ُ
ت َبيْتَ الرسالة ،وغضت النوائب؛ كل هذا لف ْق ِد من حَط الكرمُ ب َر ْبعِه ،ثم أدرج في بُ ْردِه ،وامتزج المج ُد به ،فدفِنَ ب َد ْفنِه ،إنها لمصيبةٌ عم ْ
جتَه والمجدُ َي ْندُب َبهْجَته ،ومهابط طرْف المامة ،وتحيفت جانبَ ال َوحْي المنزَل ،وذكَرت بموت النبي المرسل .كتبت والده ُر ينعي مه َ َ
ث قضاء الّ استأثر ب َف ْرعِ الوَحْي والرسالة تُحْني ظهورَها أَسفا ،ومآقي المامة والوصية والرسالة ُتذْري دموعَها لهفاً؛ وذلك أن حاد َ
النبوة ،وعنصر الدين والمروءة.
عود إلى بعض ما قاله أهل البيت
س بينَهما بال ّنمَائِم ،فكتب إليه محم ُد بنُ الحنفية :أمّا بعد ،فإن أبي وأباك عليُ بن أبي ووقع بينَ الحسنِ ومحمد بن الحنفية لِحاء ،ومشَى النا ُ
طالب؛ ل تفضُلني فيه ول أفضُلك ،وأُمي امرأ ٌة من بني حَنيفة ،وُأمّك فاطمةُ الزّهراء بنتُ رسولِ ال صلى ال عليه وسلم ،فلو مُِلئَتْ
ض بمثل أُمي لكانت أمُك خيراً منها؛ فإذا قرأتَ كتابي هذا فا ْقدَمْ حتى تترضاني ،فإنك أحق بالفضل مني. الر ُ
وخطب الحسين بنُ عليً ،رضوان ال عليهما ،غداةَ اليوم الذي استُش ِهدَ فيه ،فحمدَ ال تعالى وأثنى عليه؛ ثم قال :يا عبادَ الِّ ،اتقُوا الََ،
حذَر؛ فإنّ الدنيا لو َب ِقيَتْ على أحد أو بقي عليها أحد لكانت النبياءُ أحق بالبقاء ،وأوْلى بالرَضاء ،وأ ْرضَى وكونوا من الدنيا على َ
ل تَلْعة ،ودا ُر قُلْعة؛ فتزوّدوا فإنّ ضمَحِلٌ ،وسرورُها ُمكْ َفهِرٌَ ،منْزِ ُ خلَق الدنيا للفناء ،فجديدُهَا بالٍ ،ونعيمُها مُ ْ ل تعالى َ بالقضاء؛ غيرَ أنّ ا ّ
خيرَ الزادِ التقوى ،واتَقُوا الَ لعلكم تُفْلِحون.
ن من أُمور الناس وقريش ،فكتب إليه :إنّ الحسين بنَ علي أعتْقَ جاريةً له ن بالمدينة يكتبُ إليه بما يكو ُ عيْ ٌ
وكان لمعاوية بن أبي سفيان َ
ب معاويةُ إلى الحسين :مِنْ أمير المؤمنين معاوية إلى الحسين بن عليّ .أمَا بعد ،فإنه بلغني أنك تز َوجْتَ جاري َتكَ ،وتركْتَ وتزوّجها؛ فكت َ
ظرْتَ ،ول لِوََل ِدكَ انتقَيتَ. سكَ ن َ صهْر ،فل لنَ ْف ِ جبُهُ للولد ،وتمجد به في ال ّ ستَنْ ُ
أكْفاءَك من قريش ،ممَنْ ت ْ
س فَوْقَ رسول ن قُرَيش ،فلي َ
ت أكْفائي مِ ْسيْن بن علي :أمَا بعد ،فقد بلغني كتابُك ،و َت ْعيِي ُركَ إياي بأني تز َوجْتُ مولتي ،وترك ُ فكتب إليه الحُ َ
ك يميني ،خرجَتْ عن يدي بأمرٍ التمستُ فيه ثوابَ ال تعالى ،ثم ارتجعتُها على ال من َتهًى في شرَف ،ول غاية في نسب؛ وإنما كانت مِ ْل َ
سن ِة نبيه ،صلى ال عليه وسلم ،وقد رفع الَُ بالسلم الخسيسة ،ووضع عنّا به النقيصةَ؛ فل لَ ْومَ على امرئ مسلم إلَ في أمرِ مأثم ،وإنما
اللومُ َلوْمُ الجاهلية.
خ َر عليك الحسين! قال :ل ،ولكنها ألسن ُة بني هاشم الحِداد التي تَ ْفلِقُ الصَخْرَ، شدَ ما فَ َفلمّا قرأ معاوية كتابَهُ َنبَذهُ إلى يزيد فقرأه ،وقال :لَ َ
و َتغْرِفُ من البحر! والحسين -رضي الّ عنه! -هو القائل :الوافر:
س َكيْنَةُ وَالرّبابُ
حلّ بها ُتَ ُ ك إنّني لُحِب دَاراً َل ْعمْ ُر َ
عتَابُ
عنْدِي ِ وليس للئمٍ ِ ُأحِبهما وَأبْذُل كل مَالـي
17
سكينة :ابنته ،والرباب :أمُها ،وهي بنت امرئ القيس بن الجرول الكلبية.
ل بن أبي ربيعة المخزومي كذبًا عليها: وفي سُكينة يقول عمر بن عبد ا ّ
جرِي على الخ َديْنِ والْجِلْبابِ تْ ع ذَوَارِفٌ س َك ْينَةُ والدمـو ُ قالت ُ
صّيدِي وطِلبـي فيما أطال تَ َ ليتَ ال ُمغِيرِيَ الذي لَمْ أجْـزه
إذ ل نُلَمُ علَى هوًى وتصابي كانت تردُ لنا ا ْل ُمنَـى أيّامـنـا
يُرْمى الحشا بنوا ِفذِ النّشـابِ ت َفبِتُ كأنـمـا ت مَا قال ْ خُب ْر ُ
ظمَأ َو َف ْقدِ شَـرَابِ
ِمنّي عَلى َ س َكيْنَ ،مَا ماءُ الفُرَاتِ وَطِيبُهُ أَ ُ
ترعى النساءُ أمانةَ الـغُـيّاب بألذَ منكِ ،وإن نأيتُ ،وقلَـمَـا
عذَابـي طلْتِ َ داءَ الفؤادِ فقد أ َ ي بِـهِ
ن َتبْذُلِي لي نَائلً أشفـ ِ إْ
بيني وبينهمُ عُرَى السـبـابِ ت فيكِ أقاربي وتقطعتْ صيْ ُوع َ
سعَفتِني بِـثـوابِ منهم ،ول أ ْ ل ُممَتّـعـاًفتركتني ل بِالوصا ِ
جرَةٍ لَِلمْعِ سَـرَابِ في حرّ ها ِ ق فَضْلَةَ مائِهِ فقعدتُ كال ُمهْرِي ِ
جمَ َع بينها وبينَ عائشةَ بنت طلحة بن عبيد الّ؛ فلّما ُقتِل مصعب وكانت سكينة من أجمل نساء زمانها وأعقلهن ،وكان مصعب بن الزبير قد َ
قالت سكينة :الطويل:
حرَاما ل بالسيوفِ َ يَرَى الموتَ إ َ فإن تَ ْقتُلُو ُه َت ْقتُلُوا الماجِـد الـذي
حمَامـا إلى القومِ حتى أ ْو َردُوهُ ِ ن مَنِـيّةَ َوقَبَلكَ ما خَاضَ الحسي ُ
س يعرفونَ جُملةَ الحالِ في فضل الستبانة ،وجملة الحال في فضل التبيين ،لعربوا عن كل ما وقال علي بن الحسين رحمه ال :لو كانَ النا ُ
ك ذلك كان ل يعدمهم في اليام يتلَجْلَجُ في صدورهم ،ولَ َوجَدوا من بَ ْردِ اليقين ما يغنيهم عن المنازعة إلى كل حال سوى حالهم ،على أنّ إدرا َ
ف بسوء ب التثبّت ،ومصرو ٍ القليل ِة العدّةٍ ،والفكرةِ القصيرة المدَةِ ،ولكنهم من بين مغمورٍ بالجهلِ ،ومفتونٍ بالعُجْبِ ،ومعدُولٍ بالهَوى عن با ِ
العادَة عن فَضْلِ التعلم.
ن به المغالبة ،والمغالبة من أ ْمتَن أسباب القطيعة. حلّ العقدةَ الوثيقة ،وأقلّ ما فيه أن تكو َ سدُ الصداق َة القديمة ،ويَ ُ ل عنه :المِرَا ُء يُ ْف ِ وقال رضي ا ّ
ومن دعائه :اللهمّ ارْزقنْي خوفَ الوعيد ،وسرورَ رجاء الموعود ،حتى ل أرْجُو إل ما رَجَيت ،ول أخاف إلّ ما خَوَفت.
حجَر فلم يقدر ،فنُصِب له مِنبَرٌ فجلس عليه؛ فبينا هو كذلك إذْ َأ ْقبَلَ عليُ وحجَ هشام بن عبد الملك ،أو الوليد أخوه ،فطافَ بالبيتِ وأرادَ استلمَ الْ َ
بن الحسين بن علي بن أبي طالب ،رضي ال عنه ،في إزارِ و ِردَاء ،وكان أحسنَ الناس وَجْهاً ،وأعطرهم رائحة ،وأكثرَهم خشوعاً ،وبين عينيه
ل من أهل الشام :مَن ستَلم الحجرَ ،فتنحّى له الناسُ هيبة وإجللً ،فغاظ ذلك هشاماً؛ فقال رج ٌ سَجادة ،كأنها رُكبة عنز ،وطاف بالبيت ،وأتى ل َي ْ
الّذي أكرمه الناس هذا الكرام ،وأعظموه هذا العظام؟ فقال هشام :ل أعْرفه ،لئل َيعْظُمَ في صدور أهل الشام؛ فقال الفرزدق وكان حاضراً:
البسيط:
هذا النقيّ التقيُ الطاهرُ العَـلَـمُ هذا ابنُ خير عبادِ ال كـلـهِـمُ
والبيتُ يعرفُه والحل والـحَـرَمُ هذا الذي َتعْرِفُ البَطْحَاءُ وطأتُـه
إلى مكارم هذا ينتهي الـكـ َرمُ ش قـال قـائلُـهـا: إذا رأتْه قري ٌ
رُكنُ الحطيم إذا ما جاء يستـلـم سكُهُ عِـرْفـانَ راحـتـهِ يكادُ ُيمْ ِ
شمَـمُ في كفّ أَرْوَع في عِرنيِنه َ في كفّه خيزرانٌ رِيحُهُ عَـبِـق
فما يُكلَـمَ إلّ حـين يَبـتَـسِـم يُغضِي حَيا ًء و ُيغْضَى من مها َبتِـه
ت عناصِرُه والخِيم والـشّـيَم طاب ْ ل َنبْـعَـتُـهُ مُشتقّة من رسول ا ّ
عن َنيْلها عَرَبُ السلمِ والعَجَـمُ ُينْمَى إلى ذِرْوة العزّ التي قصُرت
18
كالشمس َينْجَاب عن إشراقها القَتـم َينْجَابُ نو ُر الهدى عن نُورِ غُـرّتـهِ
حُلْو الشمائل تَحْلُـو عـنـده نَـعَـمُ ل أثقال أقـوام إذا اقـتـرحـوا حمَا ُ
بجدّه أنبياءُ الـلّـه قـد خُـتِـمـوا هذا ابنُ فاطمةٍ إن كنتَ جـاهِـلَـهُ
جرى بذَاك له في لَوْحـهِ الـقَـلَـمُ الُّ فـضّـلـه قِـدْمـاً وشـرّفـهُ
لمَـمُل أمّـتـه دانَـتْ لـه ا ُ و َفضْ ُ ل النـبـياء لـهُ ن فَضْـ ُ مَنْ جدُ ُه دا َ
عنها الغيابةُ والمـلقُ والـظُـلـمُ عمَ البريّة بالحسان فانـقـشـعـتْ َ
ستَوكفان ول َيعْرُوهـمـا الـعـدُم تْ كِلْتا يديه غِياث عَـ َم نـفـعُـهُـمَـا
تزينه الثنتان الـحِـلْـمُ والـكَـرَمُ سهْلُ الخليقة ل تُـخْـشَـى بـوادِرُهُ َ
رَحْبُ الفناء أَرِيب حـين يعـتـزم عدَ ميمـون بـغُـ ّرتِـه ل يُخِْلفُ الوَ ْ
لول التشهّـد كـانـت لء ُه نَـعَـمُ ل فـي تَـشَـهّـدِهِ ما قال ل قـطُ إ َ
كُفْر ،وقُ ْر ُبهُم منْجًى ومُـعْـتَـصَـمُ ن َمعْشَر حبهم دِينٌ ،وبغـضُـهـم مِ ْ
ستَرَب به الحـسـانُ والـنّـعَـمُ ويُ ْ ستَدفَعُ السوءُ والبَلْـوى بـحـبّـهـمُ يْ
في كل بَدْء ومختومٌ بـه الْـكَـلِـمُ مقدَ ٌم بعـد ذِكـرِ الـلّـه ذكـرهُـمُ
أو قيل مَن خيرُ أَهْلِ الرض قيل همُ عدّ أهل التقَى كانـوا أ ِئمّـتَـهُـمْ إن ُ
ول يُدانـيهـ ُم قـومٌ وإنْ كـرُمـوا ل يستطيعُ جَوَا ٌد بـعْـدَ غـايتـهـم
سدُ الشّرَى والبأْس ُمحْـتَـدِم الُسْد أُ ْ ث إذا مـا أَ ْزمَة أَ َزمَـت همُ الـغُـيو ُ
خِيمٌ كري ٌم وأيدٍ بـالـنّـدى هُـضُـمُ ن يَحلّ الذّمُ سـاحَـتَـهـم يَ ْأبَى لهم أَ ْ
سيّان ذلك إن أثْـرَوْا وإن عَـدِمـوا ِ ل َينْقُصُ العس ْر بَسطًا من أكـفّـهـمُ
لولـيّةِ هـذا أوْ لَـ ُه نِــعـــم أيّ الخلئق لَيسَت فـي ِرقَـابـهـمُ
ن من بيت هـذا نـالـه الُمـم فالدي ُ مَنْ يعرفِ اللّـه يَعـرِفْ أولـيتـه
وقد روي أن الحزين َجـم ع وال َ
ت َرك أن من ف
ُ تعر ْب ر الع ه
ِ وليس قولـكَ مـن هـذا بـضـائِ ِر
ل بن عبد الملك بن مروان وهو أمير على مصر فأنشده قصيدة منها :البسيط: الكناني َوفَد على عبد ا ّ
حجّابُ والْـخَـدَمُ وقد تعرّضتِ الْ ُ ت عليه في الْجُموع ضحًى لما وقف ُ
في كفه خيزران - ...والبيت وضَجّةُ القومِ عند الباب تَ ْزدَحِـمُ حَي ْيتُهُ بسـلم وهـو مُـ ْرتَـفـقٌ
الذي يليه.
ل بن العباس بن عبد المطلب ،وهو الذي يقول فيه الخطل :الكامل: ويقال :إنها لداود بن سلم في ُقثَم بن العباس بن عبيد ا ّ
َهرّت عواذله هَرِيرَ الكـلُـبِ ولقد غدوتُ على التّجَار بُمسمِـح
ت تَرَا ِئبُه بمـا ًء مُـذهَـبِ سحَ ْ مُ ِ لَذ ،يُقبله الـنـعـيم ،كـأنـمـا
ب عيونُ ال َزبْـرَبِ ل مُ ْرتَ َق ٍمن ك ّ لبّاسِ أ ْردِيةِ الملـوكِ ،تَـرُوقُـه
ويقال :بل قالها في علي بن نَظر الهجان إلى ال َفنِيق المُصعَبِ ستُـو ِر إذا بَـدَا ن مِنْ خََللِ ال َُينْظُرْ َ
الحسين الَلعِينُ المِنقري ،وسمي اللعين ،لنّ عمر سمعه يُنشد شعراً والناس يُصَلُونَ ،فقال :مَن هذا اللعين؟ فعلق به هذا السم و ْليَقُلْه مَن
شاء ،فقد أحسن ما شاء وأجاد وزاد.
وقال ذو الرمة في بلل بن أبي بُرْدة بن أبي موسى الشعري :الطويل:
كأنهم الـكِـرْوانُ عَـايَنّ بـازيا مِنَ آل أبي موسى تَرَى الناسَ حَوْله
ل تَـنَـاجِـيَا
ول ينبسون القـوْلَ إ ّ ل َتبَـسُـمـاً حكَ إ ّ فما يعرفون الضّ ْ
عليهِ ،ولكِنْ َه ْيبَة هـي مَـاهِـيَا ش منه يرهبون ،ول ا ْلخَنا وما ال ُفحْ َ
يُوازِنُ أدناهُ الجبـال الـروّاسـيا سمَعُ قـولُ فتى السّنََ ،كهْلُ الْحِلم ،يُ ْ
ومن أجود ما للمحدَثين في ذلك قول أبي عبادة البحتري في الفتح ابن خاقان :الطويل:
رجالٌ عن الباب الذي أنا دَاخِلُـهْ ولمّا حضْرنا سـدّ َة الذْنِ ُأخّـ َرتْ
ل بَدْرالتّـم حـين أقـابـلُـه أقابِ ُ ت مِنْ قُ ْربٍ إلى ذي مَهابةٍ ض ْي ُ
فأفْ َ
سَرَابيلُ ُه عنهُ وطالتْ حَـمـائِلُـهْ بَدَا لي محمودَ السجيّةِ شُـمَـرَتْ
أنابيبُه واهتزَ للطعن عـامِـلُـه ي ثُ ِقفَتْكما انتصب ال ُرمْحُ الر َديْن ّ
ت مـنـازِلُـه س َتهَلّـ ْ
وتَمّ سَناهُ وا ْ وكالبدرِ وا َفتْـهُ لِـتَـمّ سُـعُـودُه
تُنازِعُني القولَ الذي أنا قـائلُـه فسلّمتُ فاعتاقَت جَنـانِـيَ هَـ ْيبَة
َل َديْه لَضْحى حاتمٌ وهو عـاذِلُـهْ إلى مُسرِفٍ في الجود لو أنَ حاتماً
س ْتنِـي مَـخَـايَلـهْ
ي ببشْرٍ آن َ إل َ فلما تأمَلتُ الطَـلقَةَ وانْـثَـنَـى
جميل مُحَياهُ سِبـاطٍ أنـامِـلُـهْ دَنَوتُ فقبلْتُ النّدى من يَدِ امـرئ
شمَـائِلـهْ ورفتْ كما رَق النَسِيمُ َ ل ما تصفُو المدام خِلَلُهُ ت ِمثْ َ
صفَ ْ
19
ووقعت حرب بالجزيرة بين بني تَغْلِب ،فتولَى الصلح بينهم الفتح بن خاقان فقال البحتري فيما تعلّق بعضه بذكر الهيبة :الطويل:
ديا َركُ ُم أ ْمسَتْ ولـيس لـهـا أهْـلُ ي بـأنْ أرى بني َتغْلِبٍ أعْـزِزْ عـلـ ّ
سنْجا َر َيهْمي بها الـوَبـلُ مرابعُ من ِ ت دِمْنة من ساكِنيهـا وأَ ْوحَـشَـتْ خََل ْ
ت فيما بينهـ ْم قِـسْـمَةٌ عَـذل وللمو ِ إذا ما التَقَوْا يومَ ال َهيَاج تـحـاجَـزُوا
و ِمثْلٌ من القوام زَاحِـفـ ُه مِـثْـلُ لقَـى كَـفـيّهُ ي مـن الحـياء َ كَفـ ٌ
خ ل بليدٌ في الطـعـان ول وَغـلُ أٌ ح انـتـهـى لـهُ إذا ما أخ جَرَ الرما َ
عِتاق ،وأنسابٌ بهـا يُدْ َركُ الـتّـبْـلُ طهُم البِيضُ ال َرقَـاقُ ،وضُـمَـر تحو ُ
ب كما تَرْغو المُخَزَمةُ البُـزْلُ وضَ ْر ٍ طعْـنٍ َيكُـب الـذَارِعـين دِرَاكُـهُ بَ
عَِل ْمتُمْ ،وللجَانِينَ في ِمثْلِها الـثـكـل تَجَافَى أمي ُر المؤمنـين عَـنِ الـتـي
َيدَ الغيْثِ عند الرْض أجدَبَها المحْـلُ وكانت يدُ الفتح بنِ خاقانَ عـنـدكُـمْ
لذَلّ ول عَـقْـلُ فل قَ َو ٌد يُعـطَـى ا َ ق ِدمَـا ُؤكُـمْ طلّتْ بالـعُـقُـو ِ ولولهُ ُ
سمَهِ الر َقمُ الـصًـلّ سقَاهُم بِأوحَى ُ تلفَيْتَ يا فـتْـحُ الراقِـ َم بَـعْـدَمـا
وقد أش َرفُوا أن يستتمّهُـمُ الـقـتـلُ و َهبْتَ له ْم بالسّلْم باقي نـفـوسـهـمْ
ك عـنـدهُـ ْم قَـبْـلُ تقدّ َم مِن نُعمـا َ أتاك وفودُ الشكْـ ِر يُثْـنُـونَ بـالّـذِي
ضمَتهُمْ إلى بابكَ الـسّـبـلُ من اليوم َ فلم أ َر يوْمـاً كـان أكـثـرَ سُـؤدداً
جلُستُورَ وهم عُ ْ خُطا ُهمْ ،وقد جازُوا ال ّ ترا َءوْك مِنْ أقصى السّماط فقصـروا
على يَ ِد بَسّـام سَـجِـيتُـهُ الـبَـذْلُ صدْرَ السلم تهـافـتـوا وَلمّا َقضَوْا َ
جللةُ طَلْقِ الوَجهِ جانِـبُـه سَـهْـلُ طبَ ٍة قَطَـعَـتْـهُـمُ إذا شرَعُوا في خُ ْ
ت أنـهُـ ُم قُـبْـلُ ومالوا بلَحْظ خلْـ َ ن مَـهَـابَة إذا نكّسوا أبصارَهُـ ْم مِـ ْ
سَديداً ،ورَأْياً مثل ما انتضيَ النّصْـلُ طرْفًا حديداً ،و َمنْـطِـقـاً نصبْتَ لهمْ َ
كريمُ ،وأبْرا غِلَها قوُلكَ الـفَـصـلُ وسَلّتْ سَخيمات الصدو ِر فَعـالُـكَ ال
ن ُبعْ ٍد منه ،واجتمعَ الشّـمْـلُ على حي ِ شعْبُ الذي كـان بـينَـهُـمْ بكَ ا ْلتَأَمَ ال ّ
قِرَاكَ ،فل ضغْنَ لـديهـمْ ول ذخـلُ فما بَرِحوا حتى تعاطَـتْ أكـفّـهُـمْ
عَطاءَ كريمِ مـا تـكـاءدَ ُه بُـخْـلُ ب َتصْفُو ذيولُهـا جرُوا ذيولَ العَصْ ِ وَ
س نائِلُـكَ الَـجْـزلُ كما عمهُ ْم بالمْ ِ ن غنم بـنِـسْـبَةٍ ع ّمهُمْ عمرو ب ُ وما َ
ضلُ فمنك بها ال ّنعْمى جَ َرتْ وَلكَ ا ْلفَ ْ غبْطَةٍ في اصطلحهمْ فمهما رَأوْا مِنْ ِ
عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل بن قاسط.
وللطائيين أبي تمام والبحتري في ذلك أشعا ٌر كثير ٌة مختارة ،منها قول البحتري يحذّر عاقبة الحرب :الوافر:
ل فيها والْحُـروبِ؟ عن الزلزا ِ َأمَا لربيعة الفَـرَس انـتـهـاء
على تلك الضغائنِ والـنـدُوبِ وكانـوا رَفـعُـوا أيّام سـلـم
َت َبيّنَ فيه تَفْـرِيطُ الـطـبـيبِ إذَا ما الجُرْحُ رَمّ على فَـسـادَ
خطُوبِ ت يكشِفُ عن ُ وخَطْبٌ با َ رَ ِزيّةُ هالِـكٍ جَـلَـبَـتْ َرزَايا
يُصَغ ُر فيه تَشْقـيقُ الـجـيوب جيْبُ ثـمّ يجـيءُ َأمْـرٌ يُشقّ ال َ
إذا هي ناحَ َرتْ ُأفُقَ الجَـنـوبِ ن بَـ ْرقَـعِـيدٍ
و َقبْرٍ عـن أيَامِـ ِ
عهَادًا من مُرَاقِ دم صـبـيب ِ يُسَحّ تـرَابُـ ُه أبـداً عـلـيهـا
يَ ُردّ شريدَ حِلْمهما الـعـزِيبِ؟ ي مِـنْ َرشِـيدٍ لبْنَيْ عَـدِ ّ فهل ِ
ع ْقبَـا ُه تُـوبـيمن الكل الذي ُ أخافُ عليهما إمرا َر مَـرْعًـى
على الدّاعي إليها والمُـجِـيب وأَعَْلمُ أَنّ حَ ْربَـهُـمَـا خَـبَـال
ِب ُبعْدِ الهَمّ والصّـدرِ الـرَحِـيبِ لعل أبا المُـعَـمّـ ِر يَتّـلـيهـا
عطيّة ُم ْكثِ ٍر فـيهـا مُـطِـيبِ فكم من سُؤْد ٍد قد بات ُيعْـطـي
مشي ٍر بالنصـيحةِ أ ْو مُـهِـيبِ أ َه ْيثَمُ يا ابنَ عبدِ الـلـه ،دَعْـوَى
ن من الـذّنـوب ب إذا َقدُمْ َذنو ِ ب قو ِمكَ إنَ حِفْـظَ ال س ذنو َ تَنا َ
سهْمِ المُصيبِ إلى الرامي من ال َ فَلَلسهْمُ الـسـدِيدُ أحَـب غِـبّـاً
إلى إخلصِ وُد بني حَـبـيبِ صرَ بني عُـبَـ ْيدٍ ت نَ ْمتى أح َرزْ َ
على أ ْيدِي العشيرةِ والقُـلـوبِ ب تـغـلـبـي حتَ أغلَ َ صبَ ْ
فقد أ ْ
يناسب قولَهُ :الوافر:
إذا ما الجرْحُ رَمَ على فَسادٍ
قولُ أبي الطيب المتنبي لعليّ بن إبراهيم التنوخي أحد بني القصيص :الوافر:
تُقَلبـهُـن أفـئدَةٌ أعـادِي فل تغ ُر ْركَ أَلْسِـن ٌة مَـوَالِ
20
َبكَى منه ،ويَ ْروَى وهو صادِ وكُنْ كالموْت ل يَ ْرثِي ِلبَـاكِ
إذا كانَ البناءُ عَلَى فَـسَـادِ فإن ا ْلجُ ْرحَ ينغِ ُر بعد حِـينٍ
وفى هذه القصيدة:
ك مِنْ رُقادِ سيُو ُف َط ِبعَتْ ُ
َو َقدْ ُ كأن الهام في الهَيجَا عُـيُون
خطُرْنَ إلَ في فـؤَادِ فَما يَ ْ صغْتَ السِن َة مِنْ ُهمُوم َو َقدْ ُ
خفِي :الكامل:ن هذين ينظِرُ إلى قولِ مسلم بن الوَليد من طَ ْرفٍ َ ل مِ ْ
كأنَ البيتَ الوَ َ
س ِه ْم كانُوا بَني جِـبـريلَ مِنْ بأْ ِ ن مَـنِـيةً وَلَوْ أَن قَوْمًا يَخْلُقُـو َ
ف مَقِـيلَ جمَ للسيو ِ جعَلُوا الجما ِ َ قوْم إذَا احمَرَ الهجيرُ من الوَغَى
وإنما أخذه أبو الطيب من قول منصور النميري ،وذكر سيفاً :الكامل:
َيعْلُو الرجالَ بأ ْرجُوَانٍ ناقِـعِ ذَكَرٌ ،برَ ْونَقِهِ الدّماءُ ،كأنـمـا
مِلْح تَب ّددَ مـنْ وراءِ الـدّارع شفْ َر َتيْهِ كأنهـا وتَرَى مَسَاقِطَ َ
ِبدَمِ الرَجالِ عَلَى الدِيمِ النَاقِعِ وترا ُه مُعتـمّـاً إذا جَـ ًردْتَـهُ
خدَرُ ال ُمدَامَة أو ُنعَاش الهاجعِ َ جمَةِ الفتَـى وكأن وقعتَ ُه بِجمْ ُ
أردت هذا البيت ،وقول النميري :الكامل:
َوتَرَاه ُم ْع َتمًّا إذَا جَ َر ْدتَهُ
يشير إلى قول أبي الطيب ،وذكر سيفاً :الكامل:
غ ْمدِهِ وكأنما هُ َو ُمغْ َمدُ مِنْ ِ َيبِسَ النّجِيعُ عََليْهِ َفهْ َو مُجرد
وبنو عبيد ،وبنو حبيب - ت بَحْر مُ ْز ِبدُلجَرَى من ال ُمهَجَا ِ سقَـ ْيتَـهُ
رَيانُ لو قَذفَ الذي أ ْ
اللذان ذكرهما البحتري -هم :بنو عبيد ابن الحارث بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب ،وحبيب بن الهجرس ابن تيم بن سعد
جشَم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب ،وفيهم حبيب بن حرقة بن تغلب بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب ،فل بن ُ
أدري أيهما أراد! وقال البحتري :الطويل:
مَصَاي ُفهَا منها ،وأقْ َوتْ ربُوعها عفَـتْ َأسِيتُ لخْوَالي ربيعةَ أنْ َ
شتّى جمي ُعهَـا ووَحْشًا َمغَانِيها ،و َ ِبكُرْهِيَ أنْ بانَتْ خَل ًء دِيارُهَـا
ل نَجِيعُـهـا لخْرَى ما يُطَ ّ دِماء ُ ج َم َعتْـهُـمُ إذا افترقوا من وَقعَة َ
ت دون الثأْرِ وَهْوَ ضَجِيعُها إذا با َ َتذُمّ الفتاةُ الرُود شِيمةَ َبعْـلِـهَـا
كلبية أعْيا الرجالَ خُضُوعُهـا ش ْعبٍ جاهـلـي وعِـزّة حَميّةُ َ
ق دروعهـا بأحَفَادِها حتى تَضِي َ وفرسان هيجا ًء تَجيشُ صدورْهم
عليها بأي ٍد ما تكادُ تُطِـيعُـهـا ل من ِوتْرٍ أعَزّ نفـوسِـهـا ُل َقتّ ُ
ت دموعُهَا تذكّرَتِ القُ ْربَى ففاض ْ حتَ َربَتْ يومًا ففاضَت دماؤُها إذا ا ْ
شواجرَ أَرْحا ٍم مَلوم قَطوعـهـا جرُ أَرْماحٍ تقطَع بـينـهـا شوا ِ
وقال أبو تمام الطائي: ك َفتْحٌ يوم ذاك شفِيعهـا ومول َ لّ مَوْلى حياتِـهـا ت أمينَ ا ِ فكن َ
البسيط:
ل ابنةِ الـرقَـمِ حيّ الراقِم دُؤلو َ ك ل تجلُـبـنّ إلـى ل بَني مال ٍ مَه ً
لو كان ينفخُ َقيْن الحيّ في َفحَـمِ لم يَأُْلكُ ْم مَالكٌ صَفْحًا ومـغـفـ َرةً
والنار قد تُ ْنتَضَى من ناضِرِ السلم َأخْ َرجْتموه ِبكُرْهٍ مـن سَـجِـ ّيتِـهِ
لجَمِلم يُخْرَج الليثُ لم يخرج من ا َ جمْرِ العقوقِ ،ولـو أوطأتموهُ على َ
حَصائِدَ المر َه َفيْنِ السيفِ والقَلَـمِ لول مناشدةُ القُ ْربَـى لـغـادَرَكـم
وقال أيضاً :الكامل: مِنَ القطيعة يَرْعَى واديَ النّـقـمِ ظهْرًا إنهُ جَـمَـلٌ ل تجعلوا ال َبغْيَ َ
21
سنّةِ والقَنا تتـحَـطّـمُ َهدَفُ ال ِ غنْمٍ؛ إنكـممهلً بني عمرو بن ُ
شرّ بـالحـوذيّةِ مـ َؤدَمُ أو مُب َ ما منكمّ إل مرَدى بالـحِـجَـى
اب بن سعدٍ سَهمكم ل يُسـهـم عمرو بن كلثوم بن مالك بن عت
جُشَم بن بكرٍ كفها وال ِمعْـصَـم خلِقت ربيعةَ من لدن خُلِقـت يَداً
وتسيح غنم في البلد فتغـنـم تغزو فتغلب تغلبّ مثل اسمهـا
إن جَلّ خَطبٌ أو تُدوفع مَغـرَم وستذكرون غداً صنائعَ مـالـكٍ
ما لي َأرَىَ أطوَادَكُم تتـهـدّمُ؟ ما لي رأيت ثَرَاكمَا بِـبَـسـالَة
حمُ التي ل ترحَـمَ؟ ما هذه الرّ ِ ما هذِهِ القُربَى التي ل تصطفى
أعيَت عَوائِدهَا وجـرح أقـدم سدُ القرابة للـقـرابة قـرحةٌ حَ َ
تَهفُو ول أحْلَمهَا تـتـقـسـمَ تلْكم قريشٌ لم تـكـن آبـاؤهـا
حنَاؤهمُ تتـضـرمُ شْغدَتْ َ فيهم َ حتى إذا بعِثَ ال َنبِيّ مـحـمـدٌ
إلّ وهُم مـنـه ألـب وأحْـزَم عَزَبتْ عقوُلهُمُ ،وما مِنْ معْشَـرٍ
ح َمدَ منهـم ورأوا رسولَ الّ أ ْ لما أقام ال َوحْي بين ظهـورهـم
طوْق بنومالك هو :ابن َ ن بِـه تـتـقَـدّمُ
ألّ تؤخّر مَـ ْ ومن الحزامة لو تكونُ حَـزَامة
ش َم بن بكر بن وائل
ل بن عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتاب بن سعد بن زهير بن جُ َ مالك بن عتاب بن ُز َف َر بن مرَة بن شريح ابن عبد ا ّ
عبِل يهجوهُ :البسيط:
بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب ،وفيه يقول دِ ْ
22
رجع إلى ما انقطع
ع َبدْتَهُ؟ فقالَ :لمْ َأكُنْ لَعْبد مَنْ لم أَره ،قال :فكيف رأيتَه؟ ل عنه :هل رأيت الّ حين َ قال أعرابي لبي جعفر محمد بن علي بن الحسين ،رضي ا ّ
شبّه بالناس ،معروف باليات ،منعوتٌ بالعلماتِ، ب بحقائق اليمان ،ل يُدرَك بالحواسَ ،ول يُ َ قال :لم تره البصارُ بمشاهدة العِيان ،ورََأتْهُ القلو ُ
ل يجوزُ في القضيّات ،ذلك الُّ الذي ل إله إلّ هو .فقال العرابي :الّ أعلم حيثُ يجعلُ رسالته.
قال الجاحظ :قال محمد بن علي :صلح شأنِ الدنيا بحذافيرها في كلمتين؛ لنّ صلحَ شأن جميع الناس في التعايش والتعاشر وهو مِلء ِمكْيَال؛
ثلثاه فطنة ،وثلثه َتغَافل.
ن النسان ل يتغافلُ عن شيءً إلّ وقد عرفه وفطن له ،قال قال الحافظ :لم يجعل لغير الفِطْنة نصيبًا من الخير ،ول حظّاً من الصلح؛ ل ّ
الطائي :الكامل:
لكنّ سّي َد قَ ْومِهِ ال ُمتَغَابي ي بسيّد في قَ ْومِهِ ليس الغب ُ
وقال ابن الرومي لبي محمد بن وهب بن عبيد الّ بن سليمان :الطويل:
حظَا وإن حدّدوا زُرقاً إليك جَوَا ِ تظلّ إذا نامت عيونُ ذوي العمى
ظ ُهمْ يقظان بل متياقـظـا وتوقِ ُ سنَانَ ،بل متواسِنا، َتغَاضى لهم وَ ْ
ن بني هاشم عبارةً ،وأجملهم شَا َرةً. ل عنه ،دَيّناً ،شجاعاً ،ناسكاً ،من َأحْسَ ِ وأبو جعفر هذا هو الباقر ،وكان أخوه زيد بن علي ،رضي ا ّ
شبَا
حدّ من َ ظبَةِ السيف وأ َ وكانت ملوك بني أمية تكتُب إلى صاحب العراق أن امنَعْ أهلَ الكوفة من حضور زيد بن علي؛ فإنّ له لساناً أقْطع من ُ
ع ْقدَة.
سنّة ،وأبلغ من السحر والكهانَة ،ومن كل َنفْثٍ في ُ ال ِ
حصَر والّ ل ْلمُماراة أسرعُ في َهدْمِ ا ْل ِعيّ وقيل لزيد بن علي :الصمتُ خيرٌ أم الكلم؟ فقال :قبّح الّ المساكنة ،ما أفسدها للبيان ،وأجلبها للعِيّ والْ َ
من النار في يَبَس العَ ْرفَج ،ومن السيل إلى الْحدور.
وقال له هشام بن عبد الملك :بلغني أنك ترومُ الخلفة وأنت ل تصلُحُ لها؛ لنك ابنُ أمَة؟ قال زيد :فقد كان إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلم
ث َتكْره! فلمّا خرج من ابنَ أمة ،وإسحاق ابنَ حُرَة؛ فأخرج الّ من صُلب إسماعيل خيرَ ولد آدم! فقال له :قُمْ! فقال :إذاً والّ ل تراني إلّ حي ُ
حدٌ ،وكان زيد كثيراً ما ينشد :السريع: ن هذا الكلم منك أ َ ل ذلَ ،فقال له سالم مولى هشام :ل يسمع ّ الدار قال :ما أحبّ أحَد الحياةَ قط إ ّ
كذاك من َيكْرَهُ حرّ ا ْلجِـلَد شرّده الخـوفُ وأزْرَى بِـهِ
ف مَـ ْروٍ حِـدَادْ تَنكُبُه أطرا ُ منخرق الخفّين يشكو الوجَى
ح ْتمٌ في رقاب العبادْ والموتُ َ قد كان في الموت لـه رَاحَة
وقد رُوِيت هذه البيات لمحمد بن عبد ال بن الحسن بن الحسين ،وقد رُوِيت لخيه موسى.
قال عبد الرحمن بن يحيى بن سعيد :حدّثني رجل من بني هاشم قال :كنّا عند محمد بن علي بن الحسين ،وأخوه زيد جالس ،فدخل رجل من
ف من نوادر الشعر ،فكيف قال النصاري لخيه؟ فأنشده :المتقارب: أهل الكوفة فقال له محمد بن عليّ :إنك لتَروي طرائ َ
ف قُوَاهُ ن ول بِضَعي ٍ بِوا ٍ لَعمْرك ما إنْ أبو مالـكٍ
ُيعَادي أخاه إذا ما َنهَـاهُ ول بـألـدَ لَـ ُه نَـازغ
كريم الطبائع حلو نَثَـاهُ ولكنّه غـي ُر مِـخـلفةٍ
ت إليه كَفَاهُ
ومهما وكَ ْل َ ت مِطوَاعةً سدْ َ س ْدتَهُ ُ
وإن ُ
ل أن تكون قتيل أهل العراق! وكانت بين جعفر بن الحسن بن الحسين بن ص َفتُك يا أخي ،وأُعِيذُك ا ّ ف زيد ،فقال :هذه ِ فوضع محمد يده على َكتِ ِ
ل يحفظ على س عليهما ليسمعُوا محاوَ َرتَهما؛ فكان الرج ُ علي وبين زيد ،رضوان ال عليهم ،منازعة في وصيّة ،فكانا إذَا َتنَازعا انثالَ النا ُ
صاحبه اللّفظة من كلم جعفر ،ويحفظُ الخرُ اللفظةَ من كلم زيد .فإذا انفصل وتفرَق الناس عنهما قال هذا لصاحبه :قال في موضع كذا وكذا،
وقال الخر :قال في موضع كذا وكذا؛ فيكتبون ما قال ،ثم يتعلّمُونه كما يتعلّم الواجب من الفَرض ،والناد ُر من الشعر ،والسائ ُر من المثل! وكانا
أعجوب َة دَهْرِهِما وأُحدُوثَة عصرهما.
شبّة بن عقال ،وكلّف آل أبي طالب البراءة من زيد ،وقام خطباؤهم بذلك؛ جثّته بال ُكنَاسة وبعثَ برَأسه مع َ ف بنُ عُمر وصلب ُ ولما قْتل زيداً يوس ُ
ن قام عبدُ ال بن الحسن بن الحسين بن علي ،رحمة ال عليه ،فأوْجَز في كلمه ثم جَلَس ،وقام عبدُ ال بن معاوية بن عبد ال بن ل مَ ْ
فكان أو َ
طبِ الناس ،فقيل لعبد ال بن جعفر بن أبي طالب فأطْنب -وكان شاعراً خطيباً لسِناً ناسباً -فانصرف الناسُ وهم يقولون :ابن الطيار مِنْ أَخْ َ
الحسن في ذلك ،فقال :لو شئت أن أقولَ لقلت ،ولكن لم يكن مقامَ سرور ،وإنما كان مقا ُم مُصيبة.
ي بُنَيّ! إني مؤدّ حقّ ال في ل لبنهِ محمد أو إبراهيم :أ ْ جيْن على أبي جعفر المنصور ،وهو القائ ُ ل هذا هو :أبو محمد وإبراهيم الخار َ وعبدُ ا ّ
س َتعِنْ على الكلم بطول الفكْر فيِ المواطن التي َتدْعُوك فيها تأديبك ،فأدَ إليَ حقّ الّ في الستماع مني؛ أي بنيّ! كُفَ الذى ،وار ُفضِ ال َبذَى وا ْ
حذَر مشورة ض ّر فيها الْخَطأُ ،ول يَنْف ُع فيها الصّوابُ ،واحذَرْ مشورةَ الجاهِلِ ،وإن كان نَاصِحاً ،كما تَ ْ نفسُك إلى الكلم ،فإن للقول ساعات يَ ُ
ت هواك يَقْظان ،فإياك أن تستب ّد برأيك؛ ك بمَشُورته؛ واعلمْ يا بني أنّ رأيك إذا احتجْتَ إليه وج ْدتَه نائماً ،ووجد َ العاقِل إذا كان غَاشّا؛ لنه يُ ْردِي َ
ل ِفعْلً إلَ وَأنْتَ على يقين أنّ عاقبَته ل تُ ْردِيك ،وأن نتيجتَه ل تَجْني عليك. فإنه حينئذ هَواك؛ ول تفَع ْ
وهو القائل :إياك ومُعاداة الرجال فإنك لن تعدَم َمكْر حليمٍ ،أو مُعاداة لئيم.
ل تعالى ،فإن الَّ تعالى جعل لمن اتّقاه المخرج من حيث َيكْرَه ،والرزق من حيث ل يحتسب. وكتب إلى صديق له :أُوصيك بتقوى ا ّ
وعبدُ الّ هو القائل :الكامل:
صيْدُهُنّ حرامُ كظباء مكّة َ أنُسٌ حرائرُ ما َه َممْنَ بريبةٍ
ويصدّهن عن الْخَنا السلمُ ن من لِينِ الحديث دوانيا سبْ َ
يُحْ َ
صبْوَة، ش أنّك أطولُها َ قال :وهذا كما روي أن عبد الملك بن مروان استقبل عمر بن عبد ال بن أبي ربيعة المخزومي ،فقال له :قد عَِلمَتْ قري ٌ
وأ ْبعَدُها تَوْبةَ ،ويْحَك! أمَا لكَ في نساء قريش ما َيكْفِيك من نساء بني عبد مناف؟ ألست القائل :الطويل:
ولي نظر ،لول التحـرُجُ ،عـارمُ ب من مِـنًـى حصّ ِ نظرتُ إليها بالمُ َ
َبدَتْ لك خلف السّجفِ أم أنْتَ حالم؟ صبْح أم مصابـيحُ راهـبٍ فقلتُ :أ ُ
23
أبوها ،وإما عبد شمسٍ ،وهـاشـم بعيدةُ َمهْوَى ال ُقرْطِ ،إمَا لـنَـوْفـلِ
ن َبعْ َد هذا:فقال :يا أمير المؤمنين ،فإ ّ
صدَرنَ وهُن المسلمات الكرائم َ طلبْنَ الهوى حتى إذا ما وجدنَهُ
فاستحيا منه عبدُ الملك ،وقضى حوائجه ووصله.
وقال آخر في هذا المعنى :الطويل:
فهنّ حَوالٍ في الصفات عَوَاطِلُ ل مِنْ محـاسـنِ أوْجُـهٍ َتعَطلْنً إ ّ
بعفّ الكلم بـاخِـلَت بَـوَاذل كَوَاسٍ عَوَارٍ صامتات نـواطـقٌ
وشِيبَ بحقَ القو ِل منهنّ بَاطِـلُ جبْنَ تـسـتُـراً بَرَزْنَ عفافاً واحت َ
حشَاء حِيدٌ نـواكـلُ وهنّ عن الف ْ فذو الحلم مرتاد وذو الجهل طامعٌ
وقال ال ُعدَيل بن ال َفرْخِ فيما يتطرف طرفًا من هذا المعنى :الكامل:
ن عيَش غافلِ حتى لبسنَ زما َ لعبَ النعي ُم بهن في أطللـه
ن فهُنَ غيْرُ عَوَاطِل طلْ َ
فإذا عَ ِ حسَنَ ما ترى يأخذن زينتهنّ أ ْ
حدَقَ المَها وأخذن َنبْل القاتل َ ن خدودهنّ أَ َر ْي َننِـي وإذا خَبأ َ
إل الصبا وعلمن أين مقاتلي يرميننا ل يستَتـرن بِـجـنة
ويجر باطلهن ذيل الباطـل يلبسن أردية الشباب لهلهـا
ل بن الحسن رَجل بما يَكرَهَ ،فقال فيما أنشده ثعلب :الطويل: وتعرض لعبد ا ّ
أنَ أهجُوها لما هَجَتني مُحَا ِربُ سفَاهة رأيهـا ظنّت سَفاها من َ أَ
ي عن ذاك المقام لراغب ونفس َ فل وأبيها إنني بـعـشـيرتـي
ف بابن البعير ،وقبلهما: وأنشد هذين البيتين أبو العباس المبرد لرجل لم يسمّه في رجل ُيعْرَ ُ
سنَامّ ول في ذروَة المجد غَارِب َ يقولون أبناء البَعير ومـا لَـهُـم
وسايَرَ عبد ال بن الحسن أبا العباس السفاح بظهر مدينة النبار وهو يَنظُر إلى بنا ًء قد بناه أبو العباس ويدور به ،فأنشد عبدُ الّ :الوافر:
بناء نَ ْفعُه لبني ُبقَـيلَـهْ ألم تَرَ جَوْشَناً لما تبنّـى
حدُث كلّ َليْلَه وأم ُر ال يَ ْ عمْ َر نُوحٍ ن ُيعَمّر ُيؤمّلُ أ ْ
وكان أبو العباس له ُمكْرِماً ،ولحقّه معظّماً؛ فتبسم مغضَباً ،وقال :لو عَِل ْمنَا لشترطنا حقّ المُسَايرة! فقال عبدُ الّ :بوادِرُ الخواطر ،وأغفال
خذْ في غير هذا.ل مَنْ أقَال ،وأوْلَى مَنْ صَفح ،قال :صدقت؛ ُ المسانح؛ والّ ما قلتُها عن رَ ِويّة ،ول عارَضَني فيها فكرة وأنتَ أج ّ
جبِه؛ فوُضع بين يديه ،فقال :رحمك ال أبا القاسم ،فقد ولما قتل المنصو ُر ابنَه محمدًا -وكان عبدُ الّ في السجن -بعث برأسه إليه مع الربيع حا ِ
خشَوْنَ َربّهمْ َويَخَافُونً سُوءَ ا ْلحِسَابِ"! ثم ن يُوصلَ ،ويَ ْ لَ بِهِ أ ْ
ت من "الَذين يُوفُونَ ِب َع ْهدِ الِّ َولَ َينْ ُقضُونَ المِيثَاقَ ،وَاَلذِين يَصِلُونَ مَا أمَر ا ُ كن َ
تمثّل :الطويل:
ويكفيه سوءاتِ المورِ اجتنابها س ْيفُه
حمِيه من الذلّ َ فتى كان يَ ْ
ك قد مضَى من بُؤْسنا مدة ،ومن نعيمك مثلها؛ والموعدُ ل تعالى! قال الربيع :فما رأيت المنصور قطّ ثم التفتَ إلى الربيع فقال له :قل لصاحب ِ
أكثَر انكساراً منه حين أبلغتُه الرسالة.
أخذ العباس بن الحنف هذا المعنى ،وقيل :عُمارة بن عقيل بن بلل بن جرير ،فقال :الطويل:
بنظرة عين عن هوى النفس تُحجَب حظِي حالي وحـالـك مـرّة فإن تَلْ َ
ك يُحـسَـبُ يم ُر بيوم من نعـيمـ ِ ل يوم مَ َر مِنْ ب ْؤسِ عيشتـي تَجِد ك ّ
ولما قتل المنصو ُر محمدَ بن عيد ال اعترضته امرأة معها صبيان ،فقالت :يا أمي َر المؤمنين ،أنا امرأ ُة محمد بن عبد الّ ،وهذان ابنَاه ،أي َت َمهُما
صعّرلهما خدّك ،أوْ ينأى عنهما ِر ْفدُك؛ ولتَعطِفْك عليهما شَوَا ِبكُ النسب، سيفك ،وأضرَعَهمَا خوفُك ،فناشدتك الََ ،يا أمير المؤمنين ،أن ت َ
وأَوَاصِر الرّحم ،فالتفتَ إلى الربيع ،فقال :اَ ْر ُددْ عليهما ضياع أبيهما ،ثم قال :كذا وال أحب أن تكونَ نساءُ بني هاشم.
وكان أهلُ المدينة لما ظهر محمد أَجْمعوا على حربِ المنصور ،ونصر محمد؛ فلما ظفر المنصور أحضر جعفر بن محمد بن علي بن الحسين
جمّر نَخلَهم .فقال له جعفر :يا أميرَ ث إليهم من ُيغَوّر عيونهم ،وي َ الصادق ،فقال له :قد رأيتَ إطباقَ أهلِ المدينة على حَرْبي ،وقد رأيتُ أن أَبع َ
ل من نَسل الذين يَعفونَ ن يوسف قَدَ َر فغَفَر؛ فا ْق َتدِ بأيّهم شئت ،وقد جعلك ا ّ ب ابتُلِي فصبرَ ،وإ َ ن أيو َ طيَ فشكر ،وإ ّ المؤمنين ،إن سليمانَ أُع ِ
ويَصفَحون ،فقال أبو جعفر :إنّ أحدًا ل يُعلّمُنا ا ْلحِلمَ ،ول يعرَفنَا العلم ،وإنما قلتُ َه َممْت ،ولم ترني فعلت ،وإنك لتعل ُم أن قدرتي عليهم تم َنعُني
من الساءة إليهم.
ظمْ بنعمةٍ في مصيبة جَلبَتْ أجراً وأَفظ ْع بمصيب ٍة في نعمةٍ أكسبت كُفراً. وعزى جعف ُر بن محمد رجلً ،فقال :أَعْ ِ
هذا كقول الطائي :البسيط:
و َي ْبتَلي ال َبعْض القَوْ ِم بال ّنعَـمِ قد يُنعِمُ ال بالبَلْوى وإن عظمتْ
وكان جعف ُر بن محمد يقولُ :إني لُملِقُ أحياناً فأُتاجر ال بالصدقة فيُرْبحني.
ل عنه :من تخلَق بالخلق الجميل وله خُلق سوء أصِيل فتخلُقُه ل محالَة زائل ،وهو إلى خُلقه الَوّل آيل ،كطَلْي الذهب على وقال جعفر ،رضي ا ّ
النحاس ينْسَحِق وتظهر صفرَته للناس.
هذا كقول العرجي :البسيط:
ومن خلئقه القصـارُ والـمَـلـق يا أيّها المتحـلّـي غـيرَ شـيمـتِـه
ق يأتِـي دُونـه الْـخـلـق إنّ التخل َ ض بِهِ
ارجعُ إلى خلقك المعروف وأر َ
24
ن مَنعَ الواخر يقطعُ لسانَختَها لتحسن َربّها وحِفظَها؛ ل ّ ي من يدٍ سبقَت مني إليه ُأتْبعها أ ْ وكان يقول :ما توسّل إليّ أحد بوسيلة هي أقرب إل ّ
الوائل.
س مذ صارت إليه الخلفة إل الخشن ،ول يأكل إل الجَشِب .فقال :يا َويْحَه! مع ما ُمكّن له وقيل لجعفر رحمه الّ :إنّ أبا جعفر المنصور ل يلب ُ
جبِيَ إليه من الخراج! قالوا :إنما يَفْعل ذلك بُخلً وجمعاً للمال .فقال :الحمد ل الذي حَرَمه من دُنياه ما ترك له من دينه .انتهى. من السلطان ،و ُ
قال :ومن دعاء جعفر رضي ال عنه :الله ّم إنك بما أنت أهلٌ له من العفو أوْلى بما أنا أهْل له من العقوبة.
ل بن معاوية بن عبد ال ،بن جعفر عالماً ،ناسِباً ،وكان خطيبًا مُفَوّها ،وشاعرًا مُجيداً ،وكتب إلى بعض إخوانه: وكان عبد ا ّ
خبْرَة؛ ثم أع َق ْبتَني جفاء عن غير جَرِيرة؛ طفٍ عن غير ِ أما بعدُ ،فقد عاقَني الشك في َأمْرِك عن عزيمة الرّأي فيك ،وذلك أنك ابتدَأتَني بِلُ ْ
خرُك عن وفَا ِئكَ؛ فل أنا في غير الرجاء مجمعٌ لك اطّراحاً ،ول أنا في غد وانتظاره منك على ثقةٍ؛ سنِي آ ِ ط َمعَني أوّلك في إخائك ،وأَيَأ َ فأَ ْ
فسبحان من لو شاء كشف بإيضاح الشكّ في أمرك عن عزيمة الرأي فيك؛ فاج َت َمعْنَا على ائتلف ،أو افترقنا على اختلف ،والسلم.
وهو القائل :الطويل:
فكشفه التمحيصُ حتى بَـدَا لـيا ت ُفضَيلً كأن شيئًا مُلـفّـعـا رأي ُ
فإن عَرَضَت أيقنتُ أنْ ل أخالـيا فأنت أخي ما لم تكن ليَ حـاجةٌ
ونحن إذا ُم ْتنَـا أشـدُ تـغَـانـيَا كلنا غنيّ عـن أخـيه حـياتَـه
بلو ُتكَ في الحاجاتِ إلَ تـمـاديا فل زا َد ما بيني وبي َنكَ بـعـدمـا
كما أن عين السخط تُبلي المساوِيا ب كلـيلةٌ عيْ ٍ فعين الرضا عن كل َ
والقائل أيضاً :الكامل:
ب نتكِلُيوماً على الحْسَا ِ سنَا وإنْ أحسَا ُبنَا كَ ُرمَـتْ لْ
ل مَا َفعَلوا
ل ِمثْ َ
َت ْبنِي ونَفَع ُ نبْنِي كما كانَتْ أوَائِلُـنـا
وهذا كقول عامر بن الطفيل ،قال أبو الحسن علي بن سليمان الخفش :أنشدني محمد الحسن بن الحرون لعامر بن الطفيل :الطويل:
أراكَ صَحيحًا كالسليم المـعـذّبِ تقول ابنةُ ال َعمْرِيَ :ما لك َب ْعدَ مـا
من الثّ ْأرِ في حَييْ ُزبَيد وأ ْرحَـبِ فقلتُ لهاَ :همّي الذي َتعْرفـينـهُ
مر ّك ُبهُمْ في الحيّ خير مركـب إن أغْزُ زُبيداً أغْز قومـاً أَعِـزّة
شِفاءٌ وخيرُ الثأرِ لـلـمـتـَأوّب خثْعم فـدمـاؤهـم حيّيْ َ وإن أغْزُ َ
بَأجْ َردَ طاو كالعَسِيب المُـشَـذّب فما أدْ َركَ الَ ْوتَا َر ِمثْلُ مـحـقّـق
ف ِدلَصٍ كالغدير ال ُمثَـوّبَ وزَغْ ٍ ي وأبـيض بَـاتـرٍ سمَرَ خَطّـ ّ
وأَ ْ
وفي الس ّر منها والصّريح المهذّب ن سيدِ عـامـر وإني وإن كنت اب َ
أبى الّ أن أسمـو بـأم ول أب فما سوّدتني عـامـر عـن وراثةٍ
أذَاها ،وأرمي مَنْ رماها بمنكب ولكنني أحمي حماهـا ،وأتّـقـي
ل في نعمته ،وبارك في فَوَاضِله ،وجميل نوافِلِه؛ ونسألُ ال -الذي قسم لكم ما تحبّون من وقْال أيضًا يهنّئ بعضَ الهاشميين بإملك :زاد ا ّ
السرور -أن يجنَبكم ما تكرهون من المحذور ،ويجعل ما أحدثه لكم زيناً ،ومتاعاً حسناً ،ورشداً ثابتاً ،ويجعل سبيلَ ما أصبحت عليه ،تماماً
حسْن موافقةِ الهْلِ ،أَلفَ الُّ ذلك بالصلح ،وتمَمه بالنجاح ،و َمدَ لك في ثروة العدد ،وطِيب الولد، شمْل ،و ُ سمَوْت إليه؛ من اجتماع ال ّ لصالح ما َ
حسْنِ السلمةِ في الحال ،وقُرَة العين ،وصلح ذات ال َبيْن. مع الزيادة في المال ،و ُ
ل عليه ،فقال :الوافر:
ن بن زيد بن الحسين بن علي بن أبي طالب رحمة ا ّ وهجا أبو عاصم محمد بن حمزة السلمي المدني الحس َ
ومهما قال فالحسن الجميلُ له حق وليس علـيه حَـقّ
عليه لغيره وهو الرسـولُ ل يَرَى حقوقاً وقد كان الرسو ُ
فلما ولي الحسن المدينة أتاه متنكّراً في زي العراب ،فقال :الوافر:
صفّينَ القبـورُ وتشهد لي ب ِ ن بن ز ْيدٍ ستأتي مِدحتي الحس َ
أبو حَسَن ُتعَادِيها الدهـور قبورٌ لم تزل مُذْ غاب عنها
يلو ُذ مُجِيرُها حُميَ المُجير قبور لو بأحمـدَ أو عـلـيً
جدِيرُ وأنت برفْع مَنْ رفعا َ ضعْهُضعَا َف َ هما أبوَاك مَنْ و َ
حيّاك ال! وبسط له رداءَه ،وأجلسه عليه ،وأمر له بعشرة آلف درهم. فقال :من أنت؟ قال :أنا السلمي .قالُ :ادْنُ َ
سلْم مولى بني تَيمْ أن يصله ،فلما مدح داودُ جعفرَ بن سليمان بن علي -وكان بينه وبين الحسن بن زيد وكان الحسن بن زيد قد عَوَد داود بن َ
تباعدٌ -أغضبه ذاك ،وقدم الحسن من حج أو عمرة ،فدخل عليه داود بن سلم مهنئاً ،فقال :أنتَ القائل في جعفر بن سليمان بن علي :الطويل:
وكان المنى في جعف ٍر أن يؤمّرَا وكنّا حديثًا قبل تأمير جـعـفـرٍ
إذا ما خطا عن منبر أ َم منبـرا حوى المنبرين الطاهرين كليهما
خيّرَ في أنسابهـم فـتـخـيّرا فُ صفّـوا أمـامُـه كأن بني حَوّاءَ ُ
ل فِداك ،فكنتم خيرة اختياره! وأنا القائل :الطويل: فقال داود :نعم ،جعلني ا ّ
بعفوٍ عن الجاني وإن كان ُمعْذِرا ت ُم ْنعِماً جدْ َ لعمري لئن عاقبتَ أو ُ
وأكرم فخراً إن فخرت وعُنصرا لنتَ بما َق ّدمْت أولـى بـمـدحةٍ
ويدعو علياً ذا المعالي وجعفـرا هو الغرّة الزهراء من فرع هاشم
طفّ الزكي المُطَهـرَا عمَك بِال َ وَ وزيد الندى والسبط سبط محمـد
25
ل عنه تـأخّـرا إذا ما نفاه ال ُعزْ ُ وما نال منها جعفر غير مجلـس
يرون به عزّاً عليكم ومظـهـرا بحقّكم نالوا ذُراها وأصـبـحـوا
فعادله الحسن بن زيد إلى ما كان عليه ،ولم يزل يصله ويحسنُ إليه إلى أن مات.
وقوله :وإن كان ُم ْعذِراً؛ لن جعفراً أعطاه على أبياته الثلثة ألفَ دينار.
ت كمن باع لك دينه رجاء مدحك ،أو ولما ولي الحسن بن زيد المدينة دخل عليه إبراهيمُ بن علي بن هَ ْرمَة ،فقال له الحسن :يا إبراهيم ،لس ُ
جنّبني المقابح ،وإنّ من حقَه عليَ ألَ أُغضِي على تقصير في ل تعالى بولدة نبيه ،صلى ال عليه وسلم ،الممادح ،و َ خوف ذمك ،فقد رزقَني ا ّ
ن لضربنَك حدّاً للخمرِ ،وحداً للسكر؛ ولزيدَنَ لموضع حُرمتكَ بي ،فليكن تركك لها لّ ،عزّ وجلّ، ت بكَ سكرا َ حقّ وجب؛ وأنا أقسم لئن أتي ُ
عهَا للناس فتوكل إليهم .فنهض ابن هرمة ،وهو يقول :الوافر: ُتعَنْ عليه ،ول َتدَ ْ
وأدَبـنـي بـآدابِ الـكـرامِ نهاني ابن الرسولِ عن المُـدامِ
ف النـامِ لخوفِ ال ل خـو ِ وقال لي اصطبر عنها ودَعْهـا
ب تمكَنَ في عظـامـي لها حُ ّ وكيف تصبري عنها وحـبـي
وطيب العيش في خبث الحرام خبْثـاً
أرى طيفَ الخيال عََليّ ُ
وكان إبراهيم منهوماً في الخمر ،وجلده خَيثَم بن عِرَاك صاحبُ شُرطة المدينة لرباح بن عبد الّ الحارثي في ولية أبي العباس.
ولما وفد على أبي جعفر المنصور ومدحه استحسن شعره ووصله ،وقال له :سَل حاجتك ،قال :تكتب لي إلى عامل المدينة ألَ َيحُدني إذا أُتيَ
بي سكران ،فقال أبو جعفر :هذا حد من حدود ال تعالى ل يجوز أن أعطله ،قال :فاحتك لي يا أمير المؤمنين! فكتب إلى عامل المدينةَ :منْ أتاك
بابن هرمة سكران فاجلده مائة ،واجلد ابن هرمة ثمانين.
ل بن علي بن أبي طالب :الطويل: س َككِ المدينة ،فيقولون :مَن يشتري مائة بثمانين؟! وقال موسى بن عبد ا ّ شرَط يمرّون به مطروحاً في ِ فكان ال ُ
ى الدَهرِعتْبي عل َ ت منه طال َ تكَرّهْ ُ إذا أنا لم أ ْقبَلْ من الدهـر كـل مـا
وليس إلى المخلوق شي ٌء من المرِ إلى الّ كل المر في الخلق كلهـم
وأسلمني طولُ البلءَ إلى الصبـرِ ت مَسّ الضر حتى ألِـفْـتُـهُ تعود ُ
ق به صـدري وإن كنت أحياناً يضي ُ ووسَع صدري للذى النسُ بـالذى
لسُرْعَةِ لطف ال من حيث ل أدري وصيّرني يَأسِي من النـاس راجـياً
وموسى بن عبد الّ هو القائل :مجزوء الوافر:
فكلّ جديدهـا خَـلَـقُ تولت بـهـجة الـدنـيا
فما أدري بمَـنْ أثـق وخان الناس كـلُـهُـم
سدَت دونها الط ُرقُ تِ ُ رأيت معالـمَ الـخـيرا
ول دِينٌ ول خُـلُــقُ فل حسَب ول نـسَـب
م في شيء وإن صدقوا فلست مصَـدَقَ القـوا
عذَرْت هؤلء الفساقَ في صَبرِهم؛ ق بِحرْفٍ واحد؛ فقال الربيعَ : وكان المنصور حبسَهُ لخروجِ ِه عليه مع َأخَوَيهِ ،ثم ضربه أَلْفَ سَوْطٍ ،فما نط َ
ل هذا الفتى الذي نشأ في النعمة والدّعة؟ فقال :الكامل: فما بَا ُ
جَلَداً وصَبرًا قسوة السلطان إنّي من القو ِم الذين يَزِيدُهُمْ
وولدت هند بنت أبي عبيدة بن عبد الّ بن زَمعة موسى ،ولها ستون سنة ،ول يعلم امرأة ولدت بنت ستين سنة إلّ قرشيّة.
ل ابن الحسين ،وقاتلهُ الحسين بن إسماعيل هناك ،قد جرّد رجلً للقتل، اجتاز علي بن محمد العَلَوي بالجسر بحِدثان َقتْلِ عمر بن يحيى بن عبد ا ّ
فلما رأت أمّ الرجل عليّاً سأَلتْه أن يشفَع فيه ،فقال عليّ إلى الحسين فأنشده :الوافر:
ستَلِينُك بالـكـلمِ وجئتُك أ ْ قتلتَ أب ّر مَن َركِبَ المطايا
حدّ الْحُـسـامِ وفيما بيننا َ وعز عليَ أن ألـقـاكَ إلّ
قَوَادِمهُ يرفّ على الكامِ ولكنّ الجناحَ إذا أُصِيبـت
ج ُتكَ؟ قال :العف ُو عن ابنِ هذه المرأة! فتركه. فقال له :وما حا َ
س بن الحسين عن رجلٍ ،فقال لجليسه :أطرب من البل على الحدَاء ،ومن الثمل على ال ِغنَاء. سئِل العبا ُ وُ
ل فقال :ما ا ْلحِمام على الَحْرَار ،وطول السّقَم في السفَار ،وعِظَم الدّينِ على القتار ،بأش ّد من لقائه. وذكر العباس رج ً
ت أن َيتَ َزيّدَ عندك حاضراً ،أفتأذنُ لي يا أمير س بن الحسين للمأمون :يا أمير المؤمنين ،إن لساني َينْطَلِق بمدْحِك غائباً ،وقد أحبب ُ وقال العبا ُ
ل فتُحسِنَ ،وتَحضُر فتزبّن ،وتغيب فتُؤَ َتمَن ،فقال :ما بعدَ هذا كلمٌ يا أميرَ المؤمنين! أفتأذن المؤمنين في الكلم؟ فقال له :قل؛ فوال إنك لتقو ُ
بالسكوت؟ قال :إذا شئت.
جبَال.ل بين ِرمَال ،وماء يتغلغل بين ال ِ ت كلمَه إل بثعبان ينها ُ شّبهْ ُ
ل بليغًا فقال :ما َوذكر رج ً
وسمِ َع المنتجع بن نبهان كل َم العباس بن الحسين ،فقال :هذا كل ٌم يدلّ سائره على غابره ،وأولُه على آخره.
شدُك الشعرَ حلْماً وأناة ،ولم أسمع َلحْناً وَل إحالة؛ يح َدثُكَ الحديثَ على مَطَاوِيه ،ويُن ِ وسأل المأمونُ العباسَ بن الحسين عن رجل؟ فقال :رَأيتُ له ِ
على مَدارجه.
شعَرِ الهاشميين؛ وهو ُيعَد في طبقة وكان المأمون يقول :مَنْ أراد أن يسمعَ لَهوًا بل حَرج فليسمعْ كلمَ العباسِ ،والعباس بن الحسين من أ ْ
إبراهيم ابن المهدي ،وهو القائل :الوافر:
سبَ ْينَك بالعيون وبالـشـعـور َ أتاحَ لك الهوى بِيضٌ حِـسَـانٌ
وأوْلى لو نظرت إلى الخصورِ نظرت إلى النحور فكدت تَقضِي
وهو القائل أيضاً :مجزوء الكامل:
26
بِيضٌ نواعمُ في الخـدورِ صا َدتْك من بعض القصور
ن منـهـنّ حُـورِ ك بأعيُ ٍ حُور تحور إلـى صـبَـا
جنَى الرّضاب من الخمور َ وكأنمـا بـثـغـورهـنّ
د بماء رمان الـصّـدور ص ُبغْنَ تُـفّـاح الـخـدويَ ْ
ل بن العباس بن عبد ل عنه ،وأم عبيد الّ جدّة بنت عبيدِ ا ّ س بن الحسين بن عبيد ال بن العباس بن علي بن أبي طالب ،رضي ا ّ وهو :العبا ُ
المطلب ع ّم محمد بن علي أبي الخلفاء.
طنْفِسة ومعه عليها
سبِه وأدبه .قال أبو دلف :دخلتُ على الرشيد وهو في طارمة على ِ وكان الرشيدُ والمأمون يقرّبانِ العباسَ غايةَ التقريب؛ ِلنَ َ
خرَاب َيبَابَ ،أخْ َربَها الَكراد والعراب .فقال قائل :هذا خبَرُ أرْضك؟ فقلت :يا أمير المؤمنينَ ، شيخٌ جميلُ المنظر؛ فقال لي الرشيد :يا قاسم ،ما َ
آفةُ الجبل ،وهو أفسده ،فقلت :أنا أُصْلحه ،قال الرشيد :وكيف ذلك؟ قلت :أفْسَدتُهُ وأنت عليَ وأُصلِحُه وأنتَ معي! قال الشيخُ :إن همته لترمي به
ف ذلك الوقت صغيرَ السنّ. من وراء سنّ ِه مَ ْرمًى بعيداً؛ فسألت عن الشيخ فقيل :العباس بن الحسين ،وكان أبو دُلَ َ
ل عنه ،محمدَ بن الرشي ِد المينَ بالمدينة وموسى على َبغْلَة ،فقال للفضل بن الربيع :عَاتِبْ هذا ،فقال له ولقي موسى بن جعفرٍ ،رضي ا ّ
سبِق ،وإن طلبت عليها تلحق ،فقال :لست أحتاج أن أطْلُب ،ول إلى الفضلُ :كيف لقيتَ أمير المؤمنين على هذه الدابة التي إن طَلَبتَ عليها لم تَ ْ
أن أُطلب؛ ولكنها دابةٌ تنحط عن خيَلَء الخيلِ ،وترتفع عن ذِلة ال َعيْر ،وخيرُ المورِ أوسطُها.
ن بن سهل ،فقال :إنا لم ن ْأ ِتكَ ُمعَزّين؛ بل جئنَاك ُم ْقتَدِين؛ فالحمدُ ل الذي جعل حياتكم للناس أُصيب علي بن موسى بمصيبة ،فصار إليه الحس ُ
رَحمَة ،ومصائبَكم لهم قدوة.
عهْدَه ،وعقد له الخلفة بعده ،ونزع السّواد عن بني العباس ،وأمرهم بلباس الخضرة، وكان علي بن موسى الرضا ،رحمه ال ،قد ولّه المأمون َ
ن فيه تبرّكا به ،وكان الرشيد قد مات بطوس فدفن هناك؛ ولذلك ومات علي بن موسى في حياةِ المأمون بطُوس ،فشق المأمونُ قبر الرشيد و ُدفِ َ
قال دِعْبل بن علي الخزاعي :البسيط:
إن كنت تربع من دِين علـى وَطـر اِ ْربَعْ بطوسٍ على َقبْر الزكّي بـهـا
على الزكيّ بقرب الرجْسِ من ضَ َررِ ما ينفع الرّجس من قُرْب الزكّي ،ول
له يداه فـخُـذْ مـن ذاك أو فَــذَرِ هيهات كل امرئ رَهْن بما كسـبـت
وقبر شرّهم ،هـذا مـن الـعِـبَـرِ خيْرُ الناس كلـهـم قبران في طُوسَ :
وكان دعبل مداحاً لهلِ البيت ،كثير التعصُب لهم ،والغلوّ فيهم .وله المرثية المشهورة ،وهي من جيد شعره ،وأولها :الطويل:
ي ُمقْفرُ العَرَصـاتِ َومَنزِلُ وَحْ ٍ ت مـن تِـلَوةٍ مَدَارِس آياتِ عَفَ ْ
وبالبيت والتّعرِيفِ وا ْلجَـمَـراتِ ف من مِنـى خيْ ِ للِ رسولِ ال بال َ
وحمزة والسَجّاد ذي الثفـنَـات دِيَارُ علي والحسينِ وجَـعْـفَـر
ع ْهدُها بالصوْمِ والصلَـوَاتِ متى َ قِفَا نَسْأَل الدارَ التي خص أهلُهـا
أفانينَ في الفاق مفْـتَـرِقـات شطّتْ بهم غُ ْربَةُ النَوَى وأينَ الُلى َ
وأهْجُرُ فيهم ُأسْرَتي وثِـقَـاتِـي حبّهـم ب قَصِيَ الدا ِر من أجل ُ ح ّأُ ِ
وهي طويلة.
ل بعد أن أعْطَاه المان ،وكان قد هجاه وهجَا أباه ،فقال :يا دعبل ،من الحضيض الوهد! فقال :يا أمير ن بغداد أحْضَر دِعْب ً ولما دخل المأمو ُ
جرْماً مني! أراد المأمون قول دعبل يهجوه :الكامل: المؤمنين ،قد عفوت عمن هو أشدّ ُ
ك بِمَـقْـعَـدِ
قتلَتْ أخَاك وش َر َف ْت َ إنّي من القوم الذين سـيوفُـهُـمْ
واستنقذوك من ا ْلحَضِيضِ الَوْ َهدِ شادُوا بذكرك بعد طولِ خُمولِـه
يفتخِرُ عليه ب َقتْلِ طاهر بن الحسين بن مصعب ذي اليمينين أخاه محمداً ،وطاهر مولى لخُزاعة ،فاستنشده هذه القصيدة التائية ،فاستعفاه ،فقال:
س عليك ،وقد رويتُها ،وإنما أحببت أن أسمعَها منك ،فأنشدها دعبل؛ فلما انتهى إلى قوله :الطويل: ل بأْ َ
غدُو دائمَ الحسَـرَاتِ أروح وأ ْ ألَم تَر أني مذ ثلثـين حِـجّةً
وأيد َيهُم من فيئهم صَـفـرات أرى فَيئهم في غيرهم مُتقسّماً
أ ُكفّا عن الوتار مُنْقَبـضـاتِ إذا وُتروا مدّوا إلى أهل ِوتْرهم
وآل زياد غلَظُ القَـصَـراتِ وآلُ رسول ال نُحْفٌ جسومهم
وبنت رسول الّ في الفَلَواتِ بناتُ زيادٍ في القصو ِر مَصْونَةٌ
بكى المأمون ،وجدّد له المان ،وأَحْسَن له الصّلة.
والشيء يستدعي ما قرَع بابه ،وجذبَ أَ ْهدَابَه ،قال سليمان بن قتيبة :الطويل:
فلم أرَها عَهدِي بها يوم حُلّـت مررت على أبيات آل محـمـدٍ
ت من أهلها قد تخلتِ ح ْ وإن أصب َ فل يبعد الّ الديارَ وأهـلَـهـا
ظمَت تلك الرزايا وجلّـت أل ع ُ وكانوا رجاءً ثـم عـادوا رَزِيةً
أذلّ رقابَ المسلمـين فَـذَلـتِ وإن قتيل الطَفّ من آلِ هـاشـم
ويشبه قوله :وكانوا رجاء ثم عادوا رزية قولَ امرأ ٍة من العرب مرَت بالجسر بجثّة جعفر بن يحيى البرمكي َمصْلوباً؛ فقالت :لئن أصبحت
نهاية في البلء ،لقد كنت غايَةَ في الرجاء.
ألفاظ لهل العصر في أوصاف الشراف
لها في هذا الموضع مَوْقع
27
سبٌ شَادخ. جدٌ بَاذِخ ،وحَ َ ف العنصر الكريم ،ومعدن الشرف الصميم .أَصلٌ راسخ ،وفرع شامِخ ،ومَ ْ فلن من شرَ ِ
عرْق كريمِ،
س َن ْبعَتُه في محلّ الفضل .أَصلٌ شريف ،و ِ غرَ َ جدِ ،و َ
حتَه في قرارةِ المَ ْ
طرَفين ،شريف الجا ِنبَين ،قد ركّبَ ال دَو َ فلن كريم ال َ
ف نَسبُ أسلفه .نسبٌ فخم ،وشرفٌ ضخم .يستوفي شرفَ الرومة بكرم البوّة و َمغْرِس عظيم ،ومغْرز صميم .المجد لسانُ أوصافه ،والشر ُ
والمومةْ ،وشرف الخؤُولة والعمومة .ما َأ َتتْه المحاسِنُ عن كللة ،ول ظَفر بالهدى عن ضللة ،بل تناول المجدَ كابراً عن كابر ،وأخذ الفخْرَ
عن أسِ َرةٍ ومنابر :الكامل:
كالرمح أُنبوبا على أُنوبِ ف تَنفل كابراً عن كابر شر ٌ
ج َرتُه من َثدْي الرسالة ،وتهدّلت أغصانُه عن َن ْبعَة المامة ،وتبحبَحَت أطْرافُه في عَرصَةِ الشّرفِ ستَقى عِ ْرقَه من َمنْبع النبوّة ،ورضعتْ ش َ اْ
س ْمعِه ،مختار من أ ْكرَم المناسب ،منتَخَب من ضبْعه ،وشقّ ال َوحْيُ عن بصره و َ والسيادة ،وتفقّأت بيضته عن سللةِ الطهارة ،قد جذَبَ القرآن ب َ
شرَف العناصر ،مرْتضًى من أعلى المحاتد ،مُ ْؤثَر من أعظم العشائر ،قد وَرِث الشرفَ جامعاً عن جَامِع ،وشهد له نداءُ الصوامع ،هو من أْ
طرْفها ،ومن الرسالة في مهِبْطِ وَحيها ،ومن المامة في موقف عزَها ،ينزع إلى المحا ِمدِ بنفس سوَاد َ مُضر في سُوَيداء قَ ْلبِها ،ومن هاشم في َ
ط ْبعُه ،وهو الطّيب أصلُه وفَرعُه ،الزّاكي بذره وزَرْعُه، وعِرْق ،ويحن إلى المكارم بوراثة وخلق؛ يتناسب أصلُه وفَرْعُه ،ويتناصف نَخرُه و َ
ب َفرْعًا مشيداً لصله. شبْله ،ويكون النجي ُ ع ْرقِه ،وتلوح مخايل الليثِ في ِ يجمع إلى عز النصاب ،مَ ِزيّةَ الداب ،ل غَزو أن يجريَ الجوادُ على ِ
له معِ نباهة شَ َرفِهِ ،نزاهة سََلفِه ،ومع كرم أرومته وحَزْمه ،مزيةُ أدبه وعلمه ،لن تخلف ثمرة غرْس ا ْرتِيدَ لها من المنابت أزْكاها ،ومن
المغارس أطْيبها وأغذاها وأنماها ،قد جمع شرفَ الخلق ،إلى شرفِ العراق ،وكرمَ الداب ،إلى كرم النساب؛ له في المجد أول وآخِر،
ث وقديمٌ؛ ل غَرْوَ أنْ يغمر فضلُه ،وهو نَجْلُ الصّيد الكارم ،أو يغزر علمه وهو َفيْضُ البحور وفي الكرم تليدٌ وطَارِف ،وفي الفضل حدي ٌ
عتْ أغصانُها ،وبرد سمَق فَرْعها ،وطاب عُودُها ،واعتدل عمودُها ،وتفيّأتْ ظِللُها ،وتهدَلَتْ ثمارُها ،وتفرَ َ الخضارم ،دَوْحَةٌ رسب عِ ْرقُها ،و َ
جبَاهَها ،وتَ ْلثِمُ النجومُ أرضَه بأفواهِها وشِفاهِها. جدٌ يلحظ الجوْزَاء من عَال ،ويطولُ النج َم كل مَطَال .شَرَفٌ تضع له الفلكُ خدودَها و ِ مَقيلُها .مَ ْ
جدُهل إليه تُشِير .محله شاهق ،ومَ ْ ف به أنيق .ولسانُ الثناء ب َفضْله نَطوق .فََلكُ المجدِ عليه َيدُور ،ويدُ العُ َ نسبُ المجدِ به عَرِيق ،وَرَ ْوضُ الشر ِ
بَاسِق.
بدء الكتاب
ف عليه ،ورأيتُ أن أبتدئ مقدّمات ط َ قد تتمَ ما استفتحت به التأليف ،وجعلته مقدمة التصنيف ،مع ما اقترن به ،وانْضَافَ إليه ،والتف به ،وانْعَ َ
البلغات بغُرَر التحاميد وأوْصافها ،وما يتعلّق بأثنائها وأطرافها.
وقد قال سهل بن هارون في أول كتابٍ عمله :يجب على كلّ مبتدئ مقالةً أن يبتدئَ بحمدِ الّ قبل استفتاحها ،كما بُدئ بالنعمة قبل استحقاقها.
ح ْمدُ ال خيرُ ما ا ْبتُدِئ به القول وختُم ،واف ُتتِح ق فمه ،وافتتح به كَلِمه ،حمدُ الَِ جل ثناؤُه ،وتقدّست أسماؤُهَ . ولهل العصر :أولَى ما َفغَر به الناط ُ
ب و ُتمَمَ.
به الخطا ُ
ب بظهير ،جل عن موقع تحصيل أدوات البشر ،ولَطُف عن وقال أبو العباس عبد ال بن المعتز بال :إن الّ ،جلّ ثناؤه ،ل يُمثل بنظير ،ول ُيغْلَ ُ
حصَى نعماؤه وتكافأ آلؤه؟ عَجَز أقْصى الشك ِر عن أدَاء نعمته ،وتضاءل ح َمدُ إلَ بتوفيق منه يَ ْقتَضِي حمداً ،فمتى تُ ْ ألحاظ خطرات ال ِفكَر ،ل يُ ْ
سعَ ِة ُقدْرَته؛ قَدر َف َقدَر ،وحكَم فأحكم؛ وجعل الدّين جامعاً لشمْل عباده ،والشرائع مَنَاراً على سبيل طاعته؛ َي ْت َبعُها أهل اليقين به، ما خلق في ِ
ويَحِيدُ عنها أهلُ الشك فيه.
أخذ أبو العباس قولَه :ول يحمد إلَ بتوفيق منه يقتضي حمدًا من قول محمود بن الحسن الوراق :الطويل:
شكْـرُ عليّ له في ِمثْلها يَجبُ ال ُ لّ ِنعْـمَةً شكْري نعمةَ ا ِ إذا كان ُ
وإن طالت اليام واتَصَلَ العمرُ شكْرِ إلّ بفضـلـهِ فكيف بلوغُ ال ّ
جرُوإن َمسَ بالضّراء أعقَبها الَ ْ إذا عمّ بالسّرّاء عَمَ سـرورهـا
حرُ تَضِيقُ بها الوهامُ والبَرُ وا ْلبَ ْ ل له فـيه نِـعْـمَةٌ فما منهما إ َ
وإنما أخذه محمود من قول أبي العتاهية :الخفيف:
دَ على الحمد والمزيدُ لَـ َديْه لَ فَهوَ ألهمني الحـم أحمد ا ِ
ت عليهِ صِرْتُ في غيره بكي ُ ت فيه فلـمّـا ن َب َكيْ ُ
كم زما ٍ
وقد اضطربت الروايةُ في هذين البيتين وقائلهما ،وهذا البيت الثاني كثير ،قال إبراهيم بن العباس :البسيط:
شكُوهَا إذا ت َقضّت ونحنُ اليوْ َم نَ ْ كذاك أيامُنا ل شك َننْـدُبـهـا
وآخر :الطويل:
ل بكيتُ على أمـسِ فأفْقدُهُ إ ّ وما مرّ يوم أرتجي فيه راحة
ومحمود هو القائل أيضاً :الكامل:
هذا محالٌ في القياس بـديعُ ت تُظْهرُ حبهُ َتعْصِي اللهَ وأنْ َ
ب مُطِيعُ إنّ المحب لمن أحَ ّ ط ْعتَـهُلو كان حبّك صادقاً ل َ
حكَم المتق َدمِين ،فيحلّي بها نظامَه ،و ُيزَين بها كلمَه ،وهو القائل :الكامل: وكان كثيراً ما ينقلُ أخبارَ الماضين ،و ِ
ت ذَاكَ له على عِ ْلمِي وشكرْ ُ إني وَ َهبْتُ لظالمي ظُلْمـي
جهْلِهِ حِـلْـمِـيَلمّا أبان ب َ ورأيتـه أسْـدَى إلــيَ يداً
َفضْل فعادَ مُضاعَفَ الْجُرْم ج َعتْ إساءتُ ُه عليهَ ،ولِـي رَ َ
وأنا المسيءُ إليه في الزعْمِ فكأنما الحْسَـانُ كـان لـهُ
حتى َر َثيْتُ له من الظـلـم ما زال يَظِْلمُني وأرحـمـهُ
وهو القائل :الطويل:
خيْ ٍر تزيدْتُ في الشَـرَ خيْراً إلى َ وَ أراني إذا ما ازددتُ مـالً وثـروَةً
28
شكْرِ للـه بـالـكُـفْـ ِر
أقو ُم مقامَ ال ّ شكْر ال إنْ كـنـت إنـمـا فكيف ب ُ
يقولُ الذي يدري من المر مَا أدْري بأي اعْـتِـذَارٍ أوْ بـأيةِ حُـــجّة
فإنَ اطّراحَ ال ُعذْرِ خي ٌر من العُـذْرِ إذا كان وَجْهُ ا ْلعُـذْرِ لـيس بـبـينٍ
في البلغة
شّ
ك ق بين ال َ صيْقَل العقولَ ،ومُجَلي الشبهة ،وموجب الحجة ،والحاكم عند اختصام الظنون ،والمفرّ ُ ولبن المعتز :البيان تَرْجُمانُ القلوب ،وَ َ
ق بأنصاره ،وخَلَ ربْعُ واليقين ،وهو من سلطان الرُسُل الذي ا ْنقَاد به المصعَب ،واستقام الصْيد ،وبهت الكافر ،وسَلَم الممتنع ،حتى أَشِب الح ّ
عمّاره ،وخيرُ البيان ما كان مصرَحًا عن المعنى؛ ليُسْرعَ إلى الفهم تلقّيه ،وموجَزاً ليخفّ على اللفظ تعاطيه. ل من ُ الباط ِ
عجْز المتعاطين ،وَوَهن المتكلّفين ،وتحيّر الكذابين، وفَضل القرآن على سائر الكلم معروف غيرُ مجهول ،وظاهر غيرُ خفي؛ يشهدُ بذلك َ
ظلَم الضلل ،ولسانُ الصّدق النافي للكذب ،ونذيرّ وهو المبلّغ الذي ل يُمل ،والجديد الذي ل يَخْلُق ،والحقّ الصادع ،والنورُ الساطع ،والماحِي ل ُ
قدّ َمتْه الرحمة قبل الهلك ،ونَاعِي الدنيا المنقولة ،و َبشِيرُ الخرةِ المخلَدة ،ومِفْتاح الخير ،ودليل الجنة ،إنْ أ ْوجَزَ كان كافياً ،وإنْ أكثر كان
سهْلٌ على الفهم، ن بيّن فشافياًَ ، مُ َذكّراً ،وإن أ ْومَأ كان مُقنِعاً ،وإن أطال كان مُفهِماً ،وإن أمر فَناصحاً ،وإن حكم َفعَا ِدلً ،وإن أخبر فصادقاً ،وإ ْ
جوْهَر حكَم ،و َ
ج تستضي ُء به القلوب ،حُل ٌو إذا تذ ّوقَتْه العقول ،بَحْرُ العلوم ،وديوانُ الْ ِ سرَا ٌ
خذَ ،بعيدُ المرامِ ، صعْبٌ على المتعاطي ،قريب المَ ْأ َ َ
ل عليه وعلى آله الطيبين ،فخصمَ الكلم ،ونُزْهَة المتوسّمين ،ورَوْح قلوب المؤمنين ،نزل به الرُوح المِينُ على محمد خاتم النبيين ،صلى ا ّ
خدّ الكفر.
الباطل ،وصَدع بالحق ،وتألف من النفرة ،وأنْ َقذَ من الهَلَكة ،فوصل ال له النصر ،وأضرع به َ
جمَ َع مع ذلك سهولةَ قال علي بن عيسى الرماني :البلغةُ ما حُطّ التكلّف عنه ،وبُني على التبيين ،وكانت الفائدةُ أغْلب عليه من القافية ،بأَنْ َ
حسْنُ البتداءَ كحُسْن النتهاء ،وحسن الوَصل ،كحُسْنِ القطع ،في المخرج ،مع ُقرْبِ المتناوَل؛ وعذوبةَ اللفظ ،مع رشاقَةِ المعنى؛ وأن يكون ُ
ن فيه المعنى والسمع ،وكانت ك ّل كلمة قد وقَعتْ في حقّها ،وإلى جَنب أُختها ،حتى ل يقالَ :لو كان كذا في موضع كذا لكان أولى! وحتى ل يكو َ
س َبهَاءَ الحكمة ،ونورَ المعرفة ،وشرفَ المعنى ،وجَزالة اللّفظ ،وكانت حلوتُه في الصدر وجللته في لفظٌ مختلف ،ول معنى مُستَكرَه ،ثم أُلب َ
النفس تفتّقُ الفهم ،وتنثر دقائقَ الحكم ،وكان ظاهرَ النفع ،شريفَ القَصْد ،معتدلَ الوَزْنِ ،جميل المذهَبِ ،كريمَ المطلب ،فصيحاً في معناه ،بيناً
عجَ َز عن معَارَضته جمي ُع النام. ل هذه الشروط قد حواها القرآن ،ولذلك َ في فَحْواه؛ وك ّ
ألفاظ لهل العصر في ذكر القرآن
جتُه الكبرى ،ومحجّته الوسطَى ،وهو الواضح سبيلُه ،الراشدُ القرآن حبل الّ الممدود ،وعَهده المعهود ،وظلُه العميم ،وصرَاطه المستقيم ،وح ّ
ل وعهْده، دليلُه ،الذي سَنِ استضاءَ بمصابيحه أبْصَر ونَجَا ،ومَنْ أعرض عنه ضَلّ وهَوَى؛ فضائل القرآن ل تُسْتقصى في ألفِ قرن ،حجّة ا ّ
ووعيدُه ووعده ،به يعلمُ الجاهلُ ،ويعملُ العامِلُ ،ويتنبّه الساهي ،ويتذكّر اللهي ،بَشِيرُ الثواب ،و َنذِيرُ العقابِ ،وشفاءُ الصدور ،وجَلءُ المورِ؛
من فضائله أنه يُقْ َرُأ دائماً ،ويُكتَبُ ،و ُيمْلَى ،ول يَملّ .ما أهْون الدنيا على مَنْ جعل القرآن إمامه ،وتصوّر الموتَ أمامه ،طوبى لمن جعل القرآن
ن ترتيله. مصباح قلبه ،ومفتاح ُلبّه .من حقّ القرآن حِ ْفظُ ترتيبه ،وحسْ ُ
ستَخْرِجة لها من ح ِييَة لها من مَ ْوتِ الجهالة ،ومُ ْ حيْرَة ،ومُ ْ سكْرَةِ ا ْل َسنَة الغفْلةَ ،و ُمنْقذَة للبصائر من َ قال بعض الحكماء :الحكمة مُوقِظَةٌ للقلوب من ِ
سمِيرٌ في حدَة ،و َ حذٌ للذهان الكليلة ،ونورٌ في الظلمة ،وُأ ْنسٌ في ال َوحْشَةِ ،وصاحبٌ في الوَ ْ شَ ضيقِ الضَللَة؛ والعل ُم دواء للقلوب العليلة ،ومِ ْ
صلَةٌ في المجلس ،ومادّةٌ للعقل وتَلْقيحٌ للفهم ،ونَافٍ للعِيّ المُزْرِي بأهْلِ الحْسَابِ ،المقصّرِ بذوي اللباب؛ أنطق الّ سبحانه أهله خلْوةِ ،وو ْالْ َ
ف به الوضيعَ ،وأع ّز به الذليلَ ،وس ّودَ ل بين الشبهات :شَرّ َ بالبيان الذي جعله صف ًة لكلمه في تنزيله ،وأيدَ به رُسُلهُ إيضاحاً للمشكلت ،وفصْ ً
ختَ ِرمُه الدهور ،يتج َددُ على البتذال ،ويَ ْزكُو على به المَسُود ،من تحلَى بغيره فهو معطّلُ ،ومن تَعَطّل منه فهو مغفّل ،ل ُتبْلِيه اليام ،ول تَ ْ
شكْرُ.
ن به على عبادِه الحمدُ وال ّ النفاق؛ لّ على ما م ّ
غيّك .قال السائل: شدِك ،وعواقبَ َ عدَلَ بك عنِ النار ،وبصَرَك مَوَاقع رُ ْ رجع إلى البلغةقيل لعمرو بن عبيد :ما البلغة؟ قال :ما بلَغك الجنَة ،وَ َ
س َتمِع ،ومن لم يُحسِنْ الستماعَ لم يُحْسِن القولَ ،قال :ليس هذا أُريد ،قال :قال النبي، ن أن يَ ْليس هذا أُريد ،قال :من لم يُحسِن أن يسكُتَ لم يُحْسِ ْ
عقْله ،قال السائل :ليس هذا أريد، صلى ال عليه وسلم" :إنّا معش َر النبياء فينا َبكْءٌ" أي قِلَةُ كلم؛ وكانوا يكرهون أن يزيد منطقُ الرجل على َ
ص ْمتِ ،قال :ليس هذا أُريد ،قال عمرو :يا قال :كانوا يخافون من ِفتْنَة القولِ ومن سقطَاتِ الكلم ما ل يخافون من فِتنَةِ السكوت ،وسقَطَاتِ ال َ
هذا ،فكأَنك تري ُد تَحْبير اللفظ في حسن الفهام ،قال :نعم ،قال :إنَك إن أردتَ تقريرَ حُجّةِ الِّ عزّ وجلّ في عقول المكلّفين ،وتخفيف المؤونة عن
المستمعين ،وتَزْيين تلك المعاني في قلوب المُريدين ،باللفاظ المستحسنة في الذان ،المقبولة في الذهان ،رغبةً في شرْعة إجابتهم ،ونَ ْفيِ
جبْت من الّ جزيلَ الثواب ،فقيل صلَ الخطابِ ،واستو َ الشواغلِ عن قلوبهم ،بالموعِظَة الحسنة على الكتاب والسنة -كنت قد أُوتيت الحكمةَ وفَ ْ
جتَرِئ عليه هذه ت عن ذلك أبا حفص الشمري ،فقال :ومن َي ْ عمْرو هذا الصبر؟ قال :سأل ُ صبَرَ له َلعبد الكريم بن روح الغِفاري :مَنْ هذا اَلذِي َ
الجرأة إلَ حفص بن سالم.
ل من تكلّم على المخلوق ،واعتزلَ مجلسَ الحسن البصري ،وهو أول المعتزلة. وعمرو بن عبيد بن باب هو رئيسُ المعتزلة في َوقْته ،وهو أ َو ُ
شتَرِ نفسَك منه ببعضها؛ ودخل عمرو بن عبيد على أبي جعفر المنصور ،فقال :عِظْني ،فقال :يا أميرَ المؤمنين ،إنَ الّ أعطاكَ الدنيا بأسْرِها ،فا ْ
ف َفعَلَ َر ُبكَ ِبعَادِ إ َرمَ ذاتِ العِمادِ؟ قال :فبكى المنصور حتى بَل ح ٍد قبلَك ما وصل إليك ،أَل ْم تَ َر َكيْ َ يا أمي َر المؤمنين ،إن هذا المرَ لو كان باقياً ل َ
طيْلَساناً ،فقال :يُ ْرفَ ُع هذا الطيلسان عني! فرُفع ،فقال أبو جعفر :ل ثوبه .ثم قال :حاجتَك يا أبا عثمان! وكان المنصور َلمّا دخل عليه طرَح عليه َ
ت إليك ،ول َبدَتْ لي حاجة إلَ سأل ُتكَ ،ولكن ل ُتعْطِني حتى أسألك ،ول تَدْعُني حتى آتيك، تَ َدعْ إتياننا؛ قال :نعم ،ل يضمُني وإياك بلد إلّ دخل ُ
قال :إذًا ل تأتينا أبداً.
وقد رُوي مثل هذا لبن السماك مع الرشيد.
وقوله :لو كان هذا المر باقيًا لح ٍد قبلَك ما وصل إليك كقول ابن الرومي :الطويل:
عيْنِ البصيرِ غِطاؤها إذا زال عن َ لعمرُك ما الـدّنـيا بـدارِ إقـامةٍ
سبَاب ال َفنَـاء بـقـاؤهـا؟ يُنال بأ ْ وكيف بقاءُ الناسِ فيهـا وإنـمـا
جعَلْ فوق شكره شكراً. ووعظ شبيب بن شبة المنصور ،فقال :يا أمير المؤمنين ،إن الّ لم يجعل فوقك أحداً ،فل تَ ْ
ودخل عمرو بن عبيد على المنصور وعنده المهدي فقال له :هذا ابنُ أخيك المهدي ،وليُ عهد المسلمين ،فقال :س َم ْيتَه اسماً لم يستحقّ حمله،
ويفضي إليكَ المر وأنت عنه مشغول.
29
غنِنِي بالفتقا ِر إليك ،ول تُفْقرْني بالستغناء عنك. وكان عمرو بن عبيد يقول :اللهمَ أ ْ
ظهِرِ الحق َيتْ َب ْعكَ أهلُه.عنَي بأصْحَابك :قال :يا أميرَ المؤمنين ،أ ْ وقال له المنصور :يا أبا عثمان ،أ ِ
شهَد ُه دونَ
ن تكلَم لم َي َكدْ يُطيل؛ وكان يقول :ل خيرَ في المتكلّم إذا كان كلمُه لمن يَ ْ وقال عمر الشمري :كان عمرو بن عبيد ل يكادُ يتكلَم ،وإ ْ
قائله ،وإذا طال الكلمُ عرضَتْ للمتكلّم أسبابُ التكلف ،ول خيرَ في شيء يَأْتيك به التكلف
ل الهند؟ قال بهلة :عندنا في ذلك صحيفة قال معمر بن الشعث :قلت ل َبهْلَةَ الهندي أيام اجتلَبَ يحيى بن خالدٍ أطباءَ الهند :ما البلغةُ عند أه ِ
ف معانيها .قال ابنُ الشعث :فلقيت بتلك ق من نفسي بالقيام بخصائصها ،ولطي ِ ج هذه الصناعَةَ ،فَأثِ َ مكتوبة ،ولكنني ل أحسِن ترجمتَها ،ولم أُعال ْ
الصحيفة التراجمة فإذا فيها :أولُ البلغة اجتماعُ آلة البلغة ،وذلك أن يكونَ الخطيب رابطَ الجأش ،ساكنَ الجوارحِ ،قليل اللَحْظِ ،متخير اللفظ،
ل يكلم سي َد المَة بكلم المة ،ول الملوكَ بكلم السّوقة ،ويكون في قُوَا ُه فَضْلُ التصرف في كل طبقة ،ول يدقّق المعاني كلّ التدقيق ،ول يُنقحُ
اللفاظ كل التنقيح ،ول يصفيها كل التصفية ،ول يهذّبها غاي َة التهذيب ،ول يفعل ذلك حتى يصادفَ حكيماً ،أو فيلسوفاً عليماً ،ومن قد تعوّد
ف فُضُول الكلم ،وإسقاطَ مشتركات اللفاظ ،وقد نظر في صناعة المنطق على جهة الصناعة والمبالغة ،ل على جهة التصفّح حذْ َ
َ
والعتراض ،ووجه التظرّف والستظراف.
جرِي في وجو ٍه كثيرة ،فمنها ما ن تَ ْل ابن المقفع إذ قال :البلغةُ اسمٌ لمعا ٍ قال إسحاق بن حسان بن قوهي :لم يفسّر أحد البلغة تفسي َر عبد ا ّ
يكونُ في الستماع ،ومنها ما يكونُ في السكوت ،ومنها ما يكون في الشارة ،ومنها ما يكونُ في الحديث ،ومنها ما يكونُ في الحتجاج ،ومنها
خطَباً ،ومنها ما يكون رسائلَ ،فغاي ُة هذه ما يكون شعراً ،ومنها ما يكون ابتداءً ،ومنها ما يكونُ جواباً ،ومنها ما يكون سَجْعاً ،ومنها ما يكون ُ
ي فيها والشارة إلى المعنى؛ واليجازُ هو البلغة ،فأمّا الخطب فيما بين السّماطين ،وفي إصلح ذات البين ،فالكثارُ في غير البواب الوَحْ ُ
صدْرَه عرفتَ صدْ ِر كلمِك دليلٌ على حاجتك ،كما أَنّ خيرَ أبياتِ الشعر البيتُ الذي إذا سمعتَ َ خَطَل ،والطالةُ في غير إملل ،ولكن ِليَكن في َ
صدْرٌ يدل على عجُزِهِ ن من ذلك َ قافيته كأنه يقول فرّق بين صدر خطبة النكاح وخطبة العيد وخطبة الصلح وخطبة التّوَاهُب ،حتى يكونَ لكل فَ ّ
صدْت ،والغرض الذي إليه نزعْت. فإنه ل خيرَ في كلم ل يدلُ على معناك ،ول يشيرُ إلى َمغْزاك ،وإلى العمود الذي إليه َق َ
فقيل له :فإنْ ملّ المستمعُ الطالة التي ذكرت أنها أحق بذلك الموضع؟ قال :إذا أعطيت كل مقام حقه ،وقمتَ بالذي يجب من سياسة الكلم،
ضيَان بشيء؛ فأمّا الجا ِهلُ فلستَ منه وليس منك، ق ذلك ،فل تهتم لما فاتك من رضا الحاسد والعدو؛ فإنهما ل يَ ْر َ ت مَنْ يعرف حقو َ وأرضي َ
ورضا جميع الناس شي ٌء ل ُينَال.
الطالة واليجاز
وقد مدحوا الطالة في مكانها ،كما مدحوا اليجازَ في مكانه .قال أبو داود ابن جرير في خطباء إياد :الكامل:
َوحْيَ المَلحظِ خِيفَة الرقبـاء يَ ْرمُونَ بالخطب الطوال ،وتارةً
قال أبو وَجْزة السعدي يصف كلم رجل :الكامل:
ثَبتٌ ،إذا طَالَ النّضَالُُ ،مصِيبُ ل كلمِه ،وكـثـيرُهُ َيكْفي قلي ُ
وأنشد أبو العباس محمد بن يزيد المبرَد ولم يسمّ قائلَه ،وهو مولّد ولم ينقصه توليدُه من حظّ القديم شيئاً :المتقارب:
م لَ ْم َيعْيَ يوماً ولم َيهْـذُرِ طبِيبٌ بداء ُفنُـون الـكـل َ
َقضَى للمُطِيل على ال ُمنْزر خطْـبَةٍ طنَبَ في ُ فإنْ هو َأ ْ
قَضى لل ُمقِلّ على ال ُمكْثِـرِ وإن هو أَ ْوجَزَ في خُطـبَةٍ
وقال آخر يصف خطيباً :الكامل:
عدّةِ َألْسُنِ الخطباءِ بجميع ِ فإذا تكلّم خِ ْلتَ ُه متكلّـمـا
قد كان عُّلمَ ُه مِنَ السماءِ فكأن آدم كان علّمه الّذي
وكان أبو داود يقول :تلخيص المعاني رِفق ،والستعانة بالغريب عَجْز ،والتشدق في العراب نقْصٌ ،والنظرُ في عيون الناس عِيّ ،ومسّ
ج عما ُبنِي عليه الكلم إسهاب. اللحية هُلك ،والخرو ُ
ل بالعيّ :الطويل: وقال بعضهم يهجو رج ً
سحَ ِة ع ُثنُونٍ و َفتْل الصابع ومَ ْ مَلِي ٌء ِب ُبهْرٍ والتفاتٍ وسعـلةٍ
ظهِر ما غَمض من الحجة ،ويصور الباطلَ في صورة الحقّ ،و ُي ْفهِمك الحاج َة من غيرِ إعادة ول ل بليغاً فقال :كان يُ ْ ووصف العتابي رج ً
جزِ ،ودلئل سمَع ،و َفهِمت! وما أشبهَ ذلك .وهذا من َأمَاراتِ ا ْلعَ ْ س ِتعَانة؟ قال :يقول عند مقاطع كلمه يا هناة ،وا ْ استعانة .قيل له :وما ال ْ
الحصَرِ! وإنما ينقط ُع عليه كلمه فيحاولُ وصْلَه بهذا ،فيكون أش َد لنْقطَاعِه.
طبْع ،وعمودها الدربة ،وجَناحَاها رِوَاية الكلم ،وحَ ْليُها العراب ،وبهاؤُهَا تخيرُ اللفظ؛ والمحبةُ مقرونة خطَابة ال ّ وكان أبو داود يقول :رَأسُ ال َ
بقلة الس ِتكْراه.
وقال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ :قال بعض جها ِبذَةِ اللفاظ ،ونفاد المعاني :المعاني القائمةُ في صدور الناس ،المختلجة في نفوسهم،
والمتصورة في أذهانهم ،المتصلة بخواطرهم ،والحادثة عن فكرهم ،مستورة خفية ،وبعيدة وحشية ،ومحجوبة مكنونة ،وموجودة في معنى
ف النسانُ ضميرَ صاحبه ،ول حاجةَ أخيه وخليطِهِ ،ول معنى شريكه والمعاون له على أمره ،وعلى ما ل يبلغه من حاجات معدومة ،ل يعر ُ
ل بغيره ،وإنما يحيي تلك المعاني ِذكْرهم لها ،وإخبارهم عنها ،واستعمالهم إياها. نفسه إ ّ
وهذه الخصالُ هي التي تقرّبها من الفهم ،وتجليها للعقل ،وتجعل الخفيّ منها ظاهراً ،والغائب شاهداً ،والبعيدَ قريباً .وهي التي تلخص الملتبس،
وتحل المنعقد ،وتجعل المهمل مقَيداً ،والمقيّد مطلقاً ،والمجهول معروفاً ،وال َوحْشِي مألوفاً ،والغفل موسوماً ،والموسوم معلوماً؛ وعلى قدْرِ
حسْنِ الختصار ،ودقة المدْخَلِ ،يكون ظهورُ المعنى .وكلما كانت الدللة أوضَحَ وأفصَحَ ،وكانت الشارة ح الدللة ،وصواب الشارة ،و ُ وضو ِ
َأ ْبيَن وأنور ،كانت أنفع وأنجع في البيان .والدللةُ الظاهرة على المعنى الخفي هو البيان الذي سمعت ال ي ْمدَحه ،ويَدْعُو إليه ،ويحث عليه؛ بذلك
نطق القرآن ،وبذلك تفاخرت العرب ،وتفاضلت أصناف العجم.
حجُبَ دون الضمير ،حتى يُ ْفضِيَ السامعُ إلى حقيقته ،ويهجم على محصوله، والبيان :اسمٌ لكل شيء كَشَفَ لك عن قناع المعنى ،و َهتَك لك الْ ُ
كائناً ما كان ذلك البيان ،ومن أي جنس كان ذلك الدليل؛ لن مدار المر والغاية التي إليها يجري القائْلُ والسامع إنما هو الفهم والفهام؛ فبأيّ
30
ت عن المعنى فذلك هو البيان في ذلك الموضع. شيء بَلغْتَ الفهامَ وأوضح َ
حكْمَ المعاني خلفُ حكم اللفاظ؛ لَنّ المعاني مبسوطة إلى غير غاية ،وأسماء المعاني محصورة معدودة، ظكَ الَُ! -أن ُ ثم اعْلَمْ -حَ ِف َ
ومحصلة محدودَة.
صنَافِ الدللت على المعاني من لفظٍ أو غيره خمسةُ أشياء ل تنقص ول تزيد :أولها اللَفظ ،ثم الشارة ،ثم العُقد ،ثم الخطّ ،ثم الحال وجميعُ أ ْ
ص ُر عن تلك الدللت. التي تسمى نُصبة .والنّصبَة هي الحالُ الدالة التي تقوم مقام تلك الصناف ،ول تَقْ ُ
عيَان المعاني في ولكل واحد ِة من هذه الدلئل الخمسة صور ٌة بائن ٌة من صورةِ صاحبتها ،وحِ ْليَةٌ مخالفة لِحِليَةِ أختها؛ وهي التي تكشف لك عن أَ ْ
الجملة ،وعن حقائقها في التفسير ،وعن أجناسها وَأقْدَارِها ،وعن خاصّها وعامّها ،وعن طبقاتها في السار والضارّ ،وعما يكون منها َلغْواً
َبهْرَجاً ،وساقطًا مُطّرَحاً.
وفي نحو قول أبي عثمان :إنَ المعاني غير مقصورة ول محصورة يقول أبو تمام الطائي لبي دُلَفَ القاسِمِ بن عيسى العجْلِيَ الطويل:
ك منه في العصو ِر الذّوَاهِبِ ضَ حيَا ُ
ِ ولو كان َي ْفنَى الشعرُ َأفْنته ما قَ َرتْ
ت بَـسَـحَـائِبِ ع ِقبَ ْ
سحائبُ منه أُ ْ ل إذا انـجـلَـتْ ولكنه َفيْضُ العقو ِ
كما أشار إلى قول أوْس بن حَجر السدي :الطويل:
وجهديَ في حبل العشيرة أحطِبُ أقول بما صَبتْ عليّ غمامـتـي
ظ َينْهَىل محمودة ،أداةٌ يظهر بها البيان ،وشاهد يخبر عن الضمير؛ وحاكمٌ يفصل الخطاب ،وواع ٌ وقال بعضُ البلغاء :في اللسان عشرُ خصا ٍ
شكَر به الحسان ،و ُمعَز تذهب به الحْزان، ب يُ ْعن القبيح ،وناطق يردُ الجواب ،وشافع ُتدْرَك به الحاجة ،وواصف تعرف به الشياء ،و ُمعْرِ ٌ
ب الضغينةَ ،ومونق يلهي السماع. وحا ِمدٌ يذه ُ
وقال أبو العباس بن المعتز :لحظةُ القلب أسرع خطر ًة من لحظة العين ،وأبعدُ مَجالً ،وهي الغائصة في أعماق أ ْودِيةِ الفكر ،والمتأملة لوجوه
العواقب ،والجامعةُ بين ما غاب وحَضَر ،والميزانُ الشاهدُ على ما نَفَع وضَرّ ،والقلبُ كال ُممْلِي للكلم على اللسان إذا نطق ،واليد إذا كتبت،
شيَ الكلم في قلبه ،ثم يُبديها بألفاظ كَوَاسٍ في أحسن زينة ،والجاهلُ يستعجلُ بإظهار المعاني قبل العناية بتزيين والعاقل يكسو المعاني وَ ْ
َمعَارضها ،واستكمال محاسنها.
ستَعان عليه وقيل لجعفر بن يحيى البرمكي :ما البيان؟ قال :أن يكونَ الس ُم يحيط بمعناك ،و َيكْشِف عن َمغْزَاكَ ،ويخرجه من الشركة ،ول يُ ْ
غ ِنيّاً عن التأويل.
بالفكر ،ويكون سليمًا من التكلُفِ ،بعيداً من الصّنعة ،بَرِيئًا من التعقيدَ ،
جمَع في كلمه وبلغته ال َه ّذ والتمهل ،والجزالة والحلوةَ ،وكان يُفهم وذكر سهل بن هارون -وقيل ُثمَامة بن أشرس -جعف َر بن يحيى فقال :قد َ
ستَغني مستغنٍ عن الشارة بمنطقه لستغنى عنها جعفر .كما استغنى عن العادة فإنه ل يتَحبّسُ ول إفهامًا ُيغْنيه عن العادة للكلم .ولو كان يَ ْ
يتوقف في منطِقه ول يتلَجْلَجُ ،ول يتسعّل ،ول يترقّب لفظًا قد استدعاه من ُبعْد ،ول يتلّمس معنًى قد عصاه بعد طلبه له.
وقيل لبشّار بن بُرْدِ :بمَ فقْتَ أهل عمرك ،وسبقتَ أهْلَ عصرك ،في حسن معاني الشعر ،وتهذيب ألفاظه؟ فقال :لني لم أقبل كل ما تُو ِردُهُ علي
ط ْبعِي ،ويبعثه فكري ،ونظرت إلى مغارس الفطن ،ومعادن الحقائق ،ولطائف التشبيهات ،فسِ ْرتُ إليها بفهمٍ جيد، قريحتي ،و ُينَاجيني به َ
ت من متكلَفها ،ول وال ما ملك قيادي قَطُ العجابُ بشيء مما سبْرَها ،وانتقيت حُرها ،وكشفتُ عن حقائقها ،واحترز ُ وغريزة قوية ،فأحكمت َ
آتي به.
وكان بشا ُر بن برد خطيباً ،شاعراً ،راجزاً ،سجاعاً ،صاحب منثور ومزدوج ،ويلقب بالمرعّث لقوله :مجزوء الخفيف:
ساحر الطّرْفِ والنظَرْ ظبْـي مُـرعَـثٍ مَنْ لِ َ
قلت أو يغلب القَـدَرْ قال لي لن تنـالـنـي
وليس هذا موضع استقصاء ذكره ،واختيار شعره ،وسأستقبل ذلك إن شاء الّ.
خذِهِ ،ووجوه اقتضابه، شعْرَ ،وكنتُ أ ْرجِ ُع فيه إلى طبْعٍ ،ولم أكُنْ أقِف على تسهِيل مَ ْأ َ حدَاثَتي أرُومُ ال ّ وقال الوليد بن عبيد البحتريُ :كنْتُ في َ
صفْرٌ
عبَادة؛ تخير الوقاتَ وأنت قليلُ الهمومِ ، حتى قصدْتُ أبا تمام ،وانقطعت فيه إليه ،واتكَلْتُ في تعريفه عليه؛ فكان أول ما قال لي :يا أبا ُ
حفْظِه في َو ْقتِ السّحَر؛ وذلك أن النّ ْفسَ قد أخذَتْ حظها من ت أن يقصد النسانُ لتأْلِيفِ شيءً أو ِ من الغموم ،واعلم أن العادةَ جرت في الوقا َ
الراحة ،وقِسْطَها من النوم ،وإن أردتَ التشبيب فاجعل اللفظ رشيقاً ،والمعنى رقيقاً ،وأ ْكثِر فيه من بيان الصّبابة ،وتوجّع الكآَبة ،وقلق الشواق،
ضدِ المعاني ،واحذر المجهولَ ن معالمه ،وشَرّفْ مقامه؛ ونَ ّ شهِر مناقبَه ،وأظهر مناسبه ،وأبِ ْ ت في مديح سيّد ذي أيادٍ فأ ْ ولَوْعَة الفراق ،فإذا أخذ َ
ح نفسَك ،ول ش ْعرَك باللفاظ الرديئة ،ولتكن كأنك خيّاط يقطع الثيابَ على مقادير الجساد .وإذا عارضك الضجَرُ فأَر ْ منها ،وإيّاك أن تَشين ِ
ن تعتبر شعرَك تعمل شعرك إلّ وأنْتَ فارغُ القلبِ ،واجعل شهو َتكَ لقولِ الشعر الذريعةَ إلى حسن نظمه؛ فإن الشهوة ِنعْ َم المعين ،وجملةُ الحال أ ْ
بما سلف من شعر الماضين ،فما استحسن العلماءُ فاقصده ،وما تركوه فاجتنبه ،ترشد إن شاء الّ.
قال :فأعملت نفسي فيما قال فوقفت على السياسة.
ن يَحُوك الكلمَ على حسب الماني ،ويخيط اللفاظ على قدُود المعاني. وقالوا :البليغ مَ ْ
جمّ الذهانُ ،وتنقطع ل فقال :فيه تَ ُ ولذكر الطائي الليل ذكر بعض أهل العصر -وهو أبو علي محمد بن الحسن ابن المظفّر الحاتمي -اللي َ
ضوَأ في مذاهب الفكر ،وأَخْفى لعمل البر ،وأعون على الشغال ،ويصحّ النظر ،وتؤلّف الحكمة ،وتدرّ الخواطرَ ،ويتسع مَجَالُ القلب ،والليل أَ ْ
ح لتلوة الذكر ،ومُدبّرُو المور يختارون الليلَ على النهار ،فيما لم تصف فيه الناة لرياضة التدبيرِ وسياسة التقدير ،في َدفْع سرّ ،وأص ّ صدَقة ال َّ
ظمِ الكلم ،وتقريبه من الملّم ،وإمضاء المهمّ ،وإنشاء الكتب ،وتصحيح المعاني ،وتقويم المباني ،وإظهار ا ْلحُجَج ،وإيضاح ال َمنْهَج ،وإصابة نَ ْ
الفهام.
وقال بعض رؤساء الكتاب :ليس ال ِكتَابُ في كل وقتٍ على غير نسخة لم تُحَرَر بصواب؛ لنه ليس أحدٌ أولى بالناة وبالرويّة من كاتب َيعْرِض
عفْوَ القريحة ول يستكرهها ،ويعمل على أن جميعَ الناس أعداء له ،عارفون عقله ،وينش ُر بلغته؛ فينبغي له أن يعمل النسخ ويرويها ،ويقبل َ
بكتابه ،منتقدون عليه ،متفرغون إليه.
صفَت النَفس ،فليعد النظر ،وليكن فَ ًرحُه بإحسانه، جدّة تعجب ،فإذا سكنت القريحة ،وعدل التأمل ،و َ ن لبتداء الكلم فتنةً تروق ،و ِ وقال آخر :إ ّ
مساويًا لغمَه بإساءته؛ فقد قالت الخوارج لعبد ال بن وهب الراسي :نبايعك الساعة فقد رأينا ذلك ،فقال :دَعُوا الرأي حتى يبلغ أناته ،فإنه ل خيرَ
في الرأي الفَطير ،والكلم القضيب.
31
وقال معاوية بن أبي سفيان ،رحمه ال ،لعبد ال بن جعفر :ما عندك في كذا وكذا .فقال :أريد أن ًأصْقُلَ عقلي بنَ ْومَة القائلة ،ثم أروح فأقول بعدُ
ما عندي.
قال الشاعر :البسيط:
ن مضمارُ حتى يغيّره بالوَزْ ِ إن الحديث َتغُر القومَ جَلْ َوتُهُ
أو يستم ّر به عِيّ وإ ْكثَـارُ فعند ذلك تستكفي بلغتـهُ
وقالوا :كل ُمجْرٍ با ْلخَلء يُسَرُ ،وقال أبو الطيب المتنبي :الخفيف:
حدَه والنّزال طلَبَ الطعْنَ َو َْ وإذا ما خَلَ الْجَبانُ بَأرْضٍ
حمُ في صدري ،فيقف قلمي ليتخير. ف كثيراً ،فقيل له في ذلك ،فقال :إن الكلم يَ ْزدَ ِ وكان قلم بن المقفع يَق ُ
طبَ مضطرّ ،ومن يَ ِر ُد عليه كتابك فليس يعلم أَأسْرعْتً فيه أم ب يُتصفح أكثر ممّا يتصفح الخطاب؛ لنَ الكاتب متخير ،والمخا ِ وقالوا :الكِتا ُ
أبطأت؛ وإنما ينظر أأخطأتَ أم أَصبتَ؛ فإبطاؤك غيرُ قادح في إصابتك ،كما إن إسراعك غير ُمغَط على غَلَطِك.
ووصف بعضُ الكتّاب النسخ فقال :ينبغي أن يصحَبها الفكر إلى استقرارها ،ثم تُستبرأ بإعادة النظر فيها بعد اختيارها ،ويوسّع بين سُطُورِها،
حرْفاً حرفاً إلى آخرها. ثم تحرر على ثق ٍة بصحتها ،وتُتأمل بعد التحرير َ
ن ل تَعتب ُر ذلك؛ ثقة أنه ل ُيغْلَط فيه ،حتى َفطِنَ فقد كتب المأمون مُصْحفاً اجتمع عليه؛ فكان أوله :بسم ال الرحيم ،فأغفلوا الرحمن؛ لن العي َ
المأمون له.
وقال محمد بن عبد الملك الزيات للحسن بن وهب :حرر هذه النسخة وبكَر بها ،فتصبح الحسن فقال له :لم تصبحت؟ قال :حتى تصفحت! وقال
أحمد بن إسماعيل بَطاحَة :كان بعض العلماء الغبياء ينظر في نسخ ِه بعد نفوذ ُكتُبه ،فقال بعض الكتاب :السريع:
مُستَلَبُ اللُب غَوِيُ الشباب عذّبه الهَجْر أشدَ العذابْ
به وقـد مُـكّـن مـنـه الــتّـــصَـــابْ يؤمل الصبر وأنى لَهُ
إصـلحَـهـا بـعـد نـفـوذِ الـكــتـــابْ كنـاظـرٍ فـي نـسـخـهٍ يبــتـــغـــي
أوصاف بليغة في البلغات
على ألسنة أقوام من أهل الصناعات
قال بعضُ من ولَد عقائل هذا المنثور ،وألَف فواصل هذه الشذور :تجمَع قوم من أهل الصناعات ،فوصفوا بلغاتِهم ،من طريق صناعاتهم:
فقال الجوهري :أحسنُ الكلم نِظاماً ما ثقبته يَد الفكرة ،ونظمته الفِطْنة ،و ُوصِل جَوْ َه ُر معانيه في سُموط ألفاظه ،فاحتملته نحورُ الرواة.
شقِه ،وسطعت رائحة عبَقه ،فتعلّقت به ال ُروَاة ،وتعطَرت به السّراة. ع ْنبَر ألفاظه بمسْك َمعَانيه ،ففاح نسي ُم نَ َ وقال العطار :أطيبُ الكلمِ ما عُجِنَ َ
خبَث الطناب ،فبرز بروزَ البريز ،في معنى وَجيز. ح َميْتَه بكِير الفِكر ،وس َب ْكتَه بمشَاعِل النّظر ،وخلّصته من َ وقال الصائغ :خيرُ الكلم ما َأ ْ
ع ُي َبهْرِجُه.
وقال الصيرفي :خيرُ الكلم ما َن َقدَتْهُ يدُ البصيرة ،وجلَته عين الروية ،ووز ْنتَه ب ِمعْيار الفصاحة ،فل نظر يُ َزيّفه ،ول سما َ
وقال الحداد :أحسن الكلم ما نصبت عليه مِنْفَخة القريحة ،وأشعلْتَ عليه نارَ البصيرة ،ثم أخرجتَه من فحم الفحام ،ورقّقته بفطّيس الفهام.
ش ْرتَه بمنشار التدبير ،فصار باباً لبيت البيان ،وعارِضة لسَقفِ اللسان. ت نَجْ َر معناه بقدُوم التقدير ،ونَ َ وقال النجار :خيرُ الكلم ما أحكم َ
وقال النجاد :أحسنُ الكلم ما لطُفت َرفَارِف ألفاظه ،وحسُنت مَطارح معانيه ،فتنزّهت في َزرَابيّ محاسنه عيونُ الناظرين ،وأصاخت لنمارِق
َبهْجَتهِ آذان السامعين.
وقال الماتح :أ ْبيَن الكلم ما علقتْ َوذَمُ ألفاظه ببكرة معانيه ،ثم أرسلته في قَلِيب الفطَن فمتحت به سقاء يكشِفُ الشبهات ،واستنبطت به معنى
يروي من ظمإ المشكلت.
سدُه اللفظ،
جَ ج ْيبُه المعرفة ،وكُفَاه الوجازة ،ودَخَارِيصه الفهام ،ودُرُوزُه الحلوة ،ولبس َ وقال الخياط :البلغة قميص؛ فجُربانه البيان ،و َ
وروحُه المعنى.
ب الداب، صقَلتْه َيدُ الروِي ِة من ُكمُود الشكالَ ،فرَاعَ كواعِ َ وقال الصباغ :أحسن الكلم ما لم تنْضَ بهجة إيجازه ،ولم تكشف صبغة إعجازه ،قد َ
وألَف عَذَارَى ال ْلبَابِ.
سدَى معانيه ،فخرج مُفوّفًا مُنيراً ،وموشّى محبراً. وقال الحائِك :أحسنُ الكلم ما اتّصَلت لُحمة ألفاظه ب َ
وقال البزار :أحسن الكلم ما صدقَ رقم ألْفاظه ،وحسن نَشْ ُر معانيه فلم يس َتعْجِم عنك نَشر ،ولم يستبهم عليك طَيّ.
ل بعد الرياضة ،وكان كال ُمهْرِ الذي أطمع أوَل رياضته في تمام حدّ التّخْليع ،إلى منزلة التّ ْقرِيب إ ّ وقال الرائض :خيرُ الكلم ما لم يخرج عن َ
ثَقافته.
وقال الجمَال :البليغُ من أخذَ بخِطام كلمه ،فأناخَه في َمبْرك المعنى ،ثم جعل الختصار له عِقَالً ،واليجاز له مَجالً ،فلم يَندّ عن الذان ،ولم
يشذّ عن الذهان.
وقال المخنّث :خيرُ الكلم ما تكسرَت أطرافُه ،وتثنّت أعطافه ،وكان لفظه حُلّة ،ومعناه حِلْية.
عذُوبَتُه ،وفي الفكارِ ِرقَته، صفَاه رَاوُوق ال َفهْمِ ،وضمّته ِدنَان الحكمة ،فتمشّت في المفاصل ُ ختْه مَرَاجِلُ العلم ،و َ وقال الخمّار :أبلغُ الكلم ما ط َب َ
حدّته.وفي العقول ِ
جرَعِهِ. غبَاوَةَ الشكّ ،ورفعت ِرقَته فظاظةَ الجهل ،فطاب حِسا ُء فطنته ،وعذُب مَصّ ُ حتْ ألفاظُه َ وقال الفقاعي :خيرُ الكلم ما رَوّ َ
سقَمَ الشُبهة استطلقت طبيعةُ الغباوة؛ فشُفِي من سوء التفهّم ،وأورث صحة التوهم. وقال الطبيب :خيرُ الكلم ما إذا باشر دواءُ بيانه َ
عيْنَ اللكنة بميلِ البلغة ،واجْلُ رمَصَ الغَفْلة بِمرْ َودِ اليقظة. حلْ َ وقال الكحّال :كما أن الرمَد قذى البصارِ ،فكذا الشبهة َقذَى البصائر ،فاكْ َ
ثم قال :أجمعوا كلّهم على أن أبلغ الكلم ما إذا أشرقت شمْسُه ،انكشف َلبْسه ،وإذا صدقت أنواؤه اخضرّت أحماؤه.
فِقرٌ في وصف البلغة لغير واحد
قال أعرابي :البلغةُ التقرّب من البعيد ،والتباعد من الكُلْفَة ،والدللة بقليل على كثير.
قال عبد الحميد بن يحيى :البلغة تقريرُ المعنى في الفهام ،من َأقْرَب وجوه الكلم.
ابن المعتز :البلغةُ البلوغ إلى المعنى ولم يطل سَفَر الكلم.
سهل بن هارون :البيان ترجمان العقول ،وروْض القلوب ،وقال :العقل رائدُ الروح ،والعلم رائدُ العقل ،والبيان تَرجمان العلم.
32
إبراهيم ين المام :يكفي من البلغة أل يُ ْؤتَى السامع من سوء إفهام الناطق ،ول يؤتَى الناطق من سوء فهم السامع.
العتّابي :البلغة م ُد الكلم بمعانيه إذا قَصر ،وحُسن التأليف إذا طال.
خطَل. عجْز ،وإطناب في غير َ أعرابي :البلغة إيجاز في غير َ
ي الكبر ،وعليك بما ل البلغة؛ فإن ذلك العِ ُ ي الكلم :إياك وتتبع الوحشي طمعاً في نَيْ ِ شَ
وكتب إبراهيم بن المهدي إلى كاتب له ورآَه يتبع وَحْ ِ
سهل مع تجنبك ألفاظ السفل.
ل فقال :أخذ بزمام الكلم ،فقاده أسهل َمقَاد ،وساقه أجمل مَسَاق؛ فاسترجع به القلوبَ النافرة، وقال الصولي :وصف يحيى بن خالد َرجُ ً
واستصرف به البصار الطامحة.
وسمع أعرابي كلمَ الحسن البصري رحمه ال ،فقال :وال إنه لفصيح إذا نطق ،نصيح إذا وَعَظ.
ب ينابيع اللسان؛ إذا حاور سدَد سهمَ الصواب إلى غرض المعنى ،ل يكلم عذْ َقال الجاحظ :ينبغي للكاتب أن يكون رقيقَ حَوَاشي الكلمَ ،
الخاصة بكلم العامة ،ول العامة بكلم الخاصة.
وقال أبو العباس المبرد :قال الحسن بن سهل لسالم الحراري :ما المنزلة التي إذا نزل بها الكاتب كان كاتباً في قوله وفعله واستحقاقه؟ قال :أن
سيَرِها وأيامها، حتَنكاً بالتجربة ،عارفاً بحلل الكتاب وحرامه ،وبالدهور في تصرّفها وأحكامها ،وبالملوك في ِ يكون مطبوعاً على المعرفة ،مُ ْ
وأجناس الخط ،وبادية القلم ،مع تشاكل اللفظ وقرب المأخذ .قال الحسن :فليس في الدنيا إذاً كاتب.
وقيل لليوناني :ما البلغة؟ قال :تصحيح القسام ،واختيار الكلم.
وقيل للرومي :ما البلغة؟ قال :حسنُ القتضاب عند ال َبدَاهة ،والغزارة يومَ الطالة.
وقيل للهندي :ما البلغة؟ قال :وضوح الدللة ،وانتهاز الفرصة ،وحُسْن الشارة.
وقيل للفارسي :ما البَلَغة؟ قالَ :معْرِفة الفَصْل من الوصل.
وقال علي بن عيسى ال ُرمّاني :البلغةُ إيصال المعنى إلى القَ ْلبِ في أحسن صورة من اللفظ.
ومن كلم أهل العصر
في صفة البلغة والبلغاء
ل مَجازه ،وكثر إعجازه ،وتناسبَتْ صدوره وأعجازه. ن إيجازه ،وق ّ قال علي بن عيسى الرماني :أبلغ الكلم ما حَسُ َ
س ِمعَه ،ويُوئس مضيّعه. أبلغ الكلم ما يُ ْؤنِس مُ ْ
البليغ من يجتني من اللفاظ أنوارَها ،ومن المعاني ثمارها.
ن يبلغ أمد المراد بألفاظ أعْيان ،ومعان َأفْراد ،من حيث ل سنَانه ،أو ُيبْسِط رهان القول و َميْدَانه ،بل هي أ ْ ليست البلغةُ أن يُطال عِنانُ القلم أو ِ
تَ َزيّدٌ على الحاجة ،ول إخْلَل ُيفْضِي إلى الفاقة.
ل ببصائر البيان. سلَك إ ّالبلغة ميدان ل يُ ْقطَع إل بسوابق الذهان ،ول يُ ْ
فلن يعبث بالكلم ،ويقوده بأَلين زمام ،حتى كأنّ اللفاظ تتحاسدُ في التسابق إلى خواطره ،والمعاني تتغايَرُ في النْ ِثيَال على أنامِله.
هذا كقول أبي تمام الطائي :البسيط:
ت قوافيهِ ستَ ْق َتتِـلُ حتى ظنن ُ سهِرْتُ لَهُ
تغَايَرَ الشع ُر فيه إذ َ
صدْره ،وحسن الصواب بين صيْرَفيّ المنطق .البيان أصغر صفاته ،والبلغة عفوُ خطراته .كأنما أوحى بالتوفيق إلى َ فلن مشرفي المشرق ،و َ
طبْعه وفكره.
َ
فلن يح ّز مَفَاصِل الكلم ،ويسبق فيها إلى دَرك المرام ،كأَنما جمع الكلم حولَه حتى انتقى منه وانتخَب ،وتناول منه ما طَلَب ،وترك بعد ذلك
أذْنابًَا ل رؤوساً ،وأَجْساداً ل نفوساً.
طنِب فل ُيمِلّ ،ل فلن أخذ بأزمّة القول يقودُها كيف أراد ،ويَجْذبُها خلّ ،وي ُ طبْع ،ويقنع بما خفّ على السمع ،ويُوجِز فل ي ِ فلن يَ ْرضَى بعَفْو ال ّ
أنَى شاء؟ فل تعصيه بين الصّعب والذّلُول ،ول تسلمه عند الحُزونة والسّهول ،كلمه يشتدّ مرّة حتى تقول الصخْر الملس ،ويَلين تارةً حتى
تقولَ الماء أو أَسْلَس ،يقول فيَصُول ،و ُيجِيب فيصيب ،و َي ْكتُب فيطبّقُ المَ ْفصِل ،أو ُينَسّقُ الدرّ المفَصّلَ ،ويَ ِر ُد مشارعَ الكلمِ وهي صَا ِفيَة لم
حدّ َقطْعاً ،والماء أو أَسلَس جَرياً ،والفلك أو أقْوَم َهدْياً؛ هو ممن يسهلُ الكلم طرُهُ البَرْقُ أو أسرَع لمعاً ،والسيْفُ أو أ َ تُطرَق ،وجامَة لم تُ َرنّق ،خا ِ
ج ْريِه ،لسانُه يَفلِق الصّخور، شرَع العميق بيسيرِ َ س ْعيِه ،ويستَ ْنبِطُ المَ ْ
ط ْبعِه ،فيتناول المَ ْرمَى البعيدَ بقريب َ حمُ المعاني على َ على لفظه ،وتتزا َ
جمَة،
عْ حبْسة ،ول ترتهنه ُل ْكنَة ،ول تتمشّى في خطابه رنة ،ول تتحيّف بيانه ُ صمَ ،خَطيب ل تنالُه ُ سمِع الصم ،ويستنزل العُ ْ ويغيض البحور ،ويُ ْ
ول تعترض لسانه عُقْدة.
صفَا خرقه ،قد أحسن شعْر حَلَقه ،أَوْ على الصّخْر فَلَقه ،أو على الجمر أحرقه ،أو على ال َ فلن رقيق الَسَلَة ،عذب العذَبَة لو ُوضِع لسانُه على ال ّ
السّفارة ،واستوفى العبارة ،وأدى اللفاظ ،واستغرق الغراض ،وأصاب شواكِلَ المراد ،وطبّق مفَاصِلَ الشَداد ،وبسط لسانَ الخطابِ ،ومدّ
أطناب الطناب ،وطلب ال َمدَ في السهاب ،قالَ حتى قال الكلمُ :لو أُعفيت! وكتَب حتى قالت القلمُ :قد أحفيت ،قد ا َتسَع له مَشْ َرعُ الطناب،
حنْفَر في الكلم سَ
ل مَجال ،إذا ا ْ وانفرج له مَسْلَك السهاب ،أرسل لسانَه في َميْدانِهِ ،وأرخى له من عنانه ،قال وأطال ،وجَالَ في بَسْطِ الكلم ك ّ
ظ كغمزات اللْحَاظ ،ومَعان كأنها فكّ عَانٍ! طَفَح آذِيه ،وسَال أ ِتيّه ،وانثال عليه الكلم كانثِيَال الغمام ،واستجاب له الخِطاب كصَوْب الرَباب .ألفا ٌ
ت كتشكَي العُشاق يوم الفراق. ن كما تنفّست السْحَار ،ألفاظ قد استعارت حلوةَ العِتابِ بين الحباب ،واستلنَ ْ ألفاظ كما نوّرت الشجار ،و َمعَا ٍ
كلمٌ قريب شاسِع ومُطمع مانِع ،كالشمس تَقرب ضياءً ،وتبعد علءً ،أو كالماء يَرْخُص موجوداً ،ويغلو مفقوداً .كل ٌم ل تمجه الَذان ،ول تُبليه
شرَى مسموعة ،أو أزاهير الرياض مجموعه ،ومعان كأنْفَاس الرياحَ ،ت ْعبَقُ بال َريْحَان والراح. الزمان ،كالبُ ْ
سهْلُ متسلسل ،كالمدام بماء الغمام ،يقرب إذنه على الفهام. كلم َ
حرَار ،وبُرْد الشباب في خلع العِذار. كلم كبَرْد الشّراب على الكبادِ ال ِ
سهْل النواحي. س المتون ،رقَيقُ الحواشيَ ، كلم كثيرُ العيونِ ،سَِل ُ
حبَر ،والمثال وال ِعبَر ،والنعيم الحاضر ،والشباب النّاضِرِ. كلم هو السّحْرُ الحللُ ،والماء الزّلل ،والبُرُود وال ِ
عقَد السحر. خدَع الدهر ،و ُ سبْكاً ونحتاً ،ألفاظ هي ُ نظرت منه إلى صورةِ الطرف بَحْتاً ،وصورة البلغة َ
ي من الكَلَف. سهّل ا ْلحُزون ،ويعطل الدرّ المخزون .كل ٌم بعيد من الكُلَف ،نق ّ كلم يسرّ المحزون ،ويُ َ
33
عنِي الفه ُم بتهذيبها .ألفاظ حسبتها من رِقتها كلم كما تنفّس السّحَر عن نسيمه ،وتبسّم الذُ ّر عن نظيمه ،ألفاظ تأنّقَ الخاطر في تَذْهِيبها ،ومعَانٍ ُ
منسوخة في صحيفة الصّبا ،وظننتها من سلستها مكتوبةً في نَحْر الهوى.
سمْعُ الشيخ العقيم. كلم كالبُشْرى بالولد الكريم ،قُرعَ به َ
سيْن أو أدنى ،ثم سما وعل حتى صار بالمنزل العْلى .رقيق المزاج ،حُلْو كلم قرُب حتى أطْمع ،و َبعُد حتى امتنعَ ،وقرُب حتى صار قابَ قوْ َ
ب به صَخْر ،أو أُطْفئَ ن كلماً ُأذِي َ شبْك ،مقبول الَلفْظ .قرأت لفظاً جلياً ،حَوى معنًى خفيّا ،وكلماً قريباًَ ،رمَى غرضًا بعيداً .لو أ ّ السماع ،نقيُ ال َ
جمْر ،أو عُوفي به مريض ،أو جُبر به َمهِيض لكان كلمَه الذي يقودُ سامعيه إلى السجود ،ويجري في القلوب كجَرْي الماء في ا ْلعُود .ألفاظه به َ
أنوار ،ومعانيه ثمار .كلمُه أنْسُ المقيم الحاضر ،وزادُ الراحل المسافر .كلمُه يُصغِي إليه المقبور ،وينتفض له العُصفور ،كل ٌم يقضي حق
شرِحُ الصدر. حسْنِ والحسان ،كل ٌم منه يجتني الدر ،وبه ُيعْ َقدُ السحْر ،وعنده ُيعْتِب الدهر ،وله يَنْ َ البيان ،ويملك ِرقّ الْ ُ
ومن ألفاظهم
في وصف النظم والنثر والشعر والشعراء
نثر كنثر الورد ،نَظْمٌ كنظمِ العِقد .نثر كالسحر أو َأدَقّ ،ونظمٌ كالماء أو أرقّ .رسالة كال َروْضَة النيقة ،وقصيدة كالمخدرة الرشيقة .رسالة َتقْطُر
ق نواحيه ج بماء الرَاح لطفاً .نثره سِحْرُ البيان ،ونَظْمه قِطَعُ الْجُمان .نثرٌ كما تفتح الزهَر ،ونظم كما تنفّس السَحَر .نثر تر ّ ظَرْفاً ،وقصيدة تمز ُ
غرَر ضحَك عن ُ خدّها .رسالة تَ ْ خرِيدة تو َردَتْ أسرارُ َ حدَاق و ْردِها ،ونظم كالْ َ ظمٌ تروقُ ألفاظه ومعانيه .نثر كالحديقة تفتّحت َأ ْ وحَوَاشِيه ،ونَ ْ
شعْرك .كلم كما هَبَ حبَر ودرَر .لم تَرْضَ في بِرك ،بأخوات النّثرة من نثرك ،حتى وصلتها ببنات الشّعرى من ِ وزَهَر ،وقصيدة تنطوي على ِ
شعْر في نفسه شاعر ،تُوسم به المواسم والمشاعر .كلم أنْسَى حلوة نَسيمُ السحر ،على صفحات الزهر ،ولذَ طعمُ الكَرَى بعد ب ْرحِ السَهر .و ِ
شعْر من حلّةِ الشباب مسروق ،ومن طِينة الوِصال َمخْلُوق .قصيدة ،في فنها فرِيدة ،هي عروس الولد بحلوته ،وطلوَةَ الربيع بطلوته ،و ِ
ق فيه ماء الطبع ،ويرتفع له حجابُ القَلْب والسمع .شعر ل مزية العجاز َأخْطََأتْه؛ ول فضيلة كُسْ َوتُها القوافي ،وحِ ْل َيتُها المعاني .شِع ٌر يترقْرَ ُ
شعْرٌ
ظتُه لما لحظته .أبياتٌ لو جُعلت خلعاً على الزمان لتحَلَى بها مُكاثراً ،وتجلَى فيها مُفَاخراًِ . حفِ ْ
اليجاز تخطته شعرٌ رَ َو ْيتُه لما رأَيتْه ،و َ
غشًي من ب لفظه بعيدُ المرامُ ،ممَرّ النظام ،قويّ السْر ،صافي البَحْر .نظ ٌم قد ألبِس من البداوة َفصَاحَتها ،و ُ رَاقَني ،حتى شاقني ،فإنه مع قُ ْر ِ
ى بالفكار ،و َنقْل يتَناوَلُ بالسماع والبصار ،ونَقْلُ عبِيد وَلبِيد ،وإن شئتَ حَبيب والوليد قصيدتُه رَوْضَة تجتن َ سجَاحتها فإن شئت قلت َ الحضارة َ
جمَان ،ورَوْض كالجنَان ،وأمنِ الفؤاد ،وطيبِ ب من فاكهة الطعام .نظم كنظم الْ ُ العلم والدب ،أَل ُذ من نَقْل المأكْل والمشرب ،وفاكهةُ الكلم ،أطي ُ
الرُقاد .قصيدةٌ لم أَرَ غيرها بكْراً ،استوفَتْ أقسامَ ا ْلحُنكة ،واس َتكْملَتْ أحْكا َم الدّ ْربَة؛ فعليها ر ْونَق الشباب ،ولها قُوَةُ المُذْكيَات الصلب ،روح
سبْكه بالذّهب الشعرِ ،وتاجُ الدهر ،ومقدمة عساكر السحر .كل بيت شعر خي ٌر من بيت ِتبْر .شعر يُحكم له بالعجاز وال ّتبْريز ،ويشبه في صفاء َ
البريز .شعر تَأتِلفُ القلوب على دُ َررِه ائتلفاً ،وتصير الذان له أصدافاً .لّ دره ما أحْلى شعره! وأنقى دُرَه ،وأعْلى قدره ،وأعجب أمْره! قد
ن السبك ،مُحْكم حسَ ُ
ع فيما يصنعَ ، أخذ برِقاب القوافي ،ومَلك رِقّ المعاني ،فَضْله بُرْهان حق ،وشعره لِسَان صدق .فلن يُغرب بما يَجْلِب ،و ُيبْ ِد ُ
خذٌ في عيون الفضل بأَوْفى شعْرِهُ ،متَنافس في سحره .هو ضارِب في ِقدَاح الشعر بأَعْلى السهام ،آ ِ ال َرصْف ،بديع ال َوصْفِ ،مرغوب في ِ
طبْعٌ غير طَبع، شعَاره أشعارُه ،ودأبه آدابه ،هو ممن َيبْ َتدِ ُه فيبتدع ،طبعه ُيمْلي عليه ،ما ل ُيمَل الستماع إليهَ .قرِيحة غير قَرِيحة ،و َ القسامِ ،
ل ل ُيبْلي عبِيد لديه من العَبيد ،والفرزدقُ عنده أقل من فرزدقة خَمير ،وجري ُر يُقَاد إليه بجَرير ،قد نسجَ حُلَ ً وخِيم غيرُ وخيم ،لبيد عنده بَليد ،و َ
ك ناحيتي الش ْرقِ والغرب .أشعار قد وردَتِ ظمُه قد نظم حاشيتي البَرّ والبَحْر ،وأَدر َ حسْناّ عَلى تر ُددِ ال ْزمَان .نَ ْجدّتها الجديدان ،ول تزداد إل ُ
س ْر بِزَاد ،وطا َرتْ في الفاق ،ولم َتمْشِ على ساق .شعرُه أسيَر من المثال ،وأسْرَى من المياه ،وركِبت الفواه ،وسارت في البلد ،ولم تَ ِ
ت هبوب الريح ،وطبقت تخُومَ الرض ،وانتظمت الشرق إلى الخيال ،سار مسيرَ الرياح ،وطار بغير جَناح .أشعارُه سارت مَسِيرَ الشمس ،وهبً ْ
جدِ ،فعلمت كيف يتكسّر الزّهر الغرب .قد كادت اليامُ تنشدها ،والليالي َتحْفَظُها ،والجنّ تدرسها ،والطير تتغنّى بها .أبيات أسْفَر عنها طَبع المَ ْ
ل ِفكْره ،ووقف كيف شاء عند عَالي َأمْره .شعرٌ خ ْدمَته بكما ِ
حسَن ِشعْر قد أَ ْعلى صفحات الحدائق ،وكيف يغرس الدرّ في رياض ال َمهَارقِ .
ُيعَلَق في َك ْعبَةِ المجد ،ويتوّج به مَفْرِقُ الدهر .جاءت القصيدة ومعها عِزّة المُلك ،وعليها رواءُ الصدق ،وفيها سِيماء العلم ،وعندها لِسَانُ المجد،
س ِمعَتْ بشبهه .شعر يكتب في غُرّة شعْ ِر أن ينتج ما ل عين وقعَت على مثله ول أذن َ ض بَحْرُ العلم على لسانِ ال َ صيَال الحقّ ،ل غر َو إذا فا َ ولها ِ
ج ْبهَة الشمس والبدر. غرّة الدهر ،ويشرح في َ ت بشبهه .شعر يكتب في ُ س ِمعَ ْج ْبهَة الشمس والبدر.عَت على مثله ول أذن َ الدهر ،ويشرح في َ
وهذه جملة من فصول أهل العصر
تليق بهذا الموضع
كتب أبو الفضل بن العميد إلى أبي محمد خلد الرامهرمزي القاضي.
ضفْت وصل كتابُك الذي وصلت جَناحَه بفنونِ صلتك وتفقُدك ،وضروبِ برك وتعهّدك؛ فارتَحْتُ لكلّ ما أوَْليْت ،وابتهَجْتُ بجميع ما أ ْهدَيت ،وأ َ
ب منه ،وقد شكْري ،وتأمَلْتُ النظم فملكني العُجْب به ،و َبهَ َرنِي التعجّ ِ إحسانَك في كل فصل إلى نظائره التي وكلت بها ذِكري ،ووقفت عليها ُ
ُرمْتُ أن أجْري على العادة في تشبيهه بمستَحْسنِ من زهر جَني ،وحُلَل وحُلي ،وشذور الفرائد ،في نحُور الخرائد :الخفيف:
ض وقد رُحنَ في الخطوط السُودِ غدَوْنَ في الحلل البـي والعذارى َ
ك من إحسانه ،ويلهمك مِنْ بر إخوا ِنكِ ما تتمم به صنيعَك ل يزيدك من فضله ،ول يُخْلي َ ع ْدلَ ،ول أرْضى ما عددتُهُ له مثلً؛ وا ّ فلم أره لشيء َ
لديهم ،ويُرَب معه إحسانك إليهم.
خ الدولتين كيف ا ْلكََلفُ بسادتي من أهل ميكال -أيدهم ال! - وكتب أبو القاسم إسماعيل بن عباد الصاحب إلى أبي سعيد الشبيبي :قد رأى شي ُ
ح أنْطِقُ فيه بلسان ال ّزمَان ،حتى إن ِذكْرهم إذا ظ يمليه عليَ المَلَوان ،و َمدْ ٍ ضمِره على ال ُبعْد ،وإيثار أُظهره على تراخي المزار ،وتقري ٍ بين ود أُ ْ
ضلُها باهِر ،وشرفُها على شرف النماء صدْرِي ،فتلك عصبةُ خير فَ ْ س ْمعِي انفرج له َ ت له نَفْسي ،وفَضلَهم إذا جرى على َ جَرَى على لساني اهتز ْ
زاهِر ،وشجر ٌة طيبة أصلُها ثابت وفَرْعُها في السماء ناظر ،وال يتمَ ُم أعدادها ،ول يعدمني ِودَادها ،وإذا كان إكباري لهم هذا الكبار فكلّ
ي فلن منتسباً إلى جملتهم ،وحبذا الجملة ،ومُعتزِياً إلى خدمتهم ،و ِن ْعمَت الخدمة ،ففررناه منتسب إلى جنبهم أثِيرٌ لديّ ،كثير في يديّ .وطرأ عل َ
عذْب ،وصلةِ نثرٍ بنظم؛ فإن شاء قال :أنا الوليد ،وإن شاء قال :أنا عبد الحميد؛ ولم أعظِم بمن خرَجته تلك النعمة ونتجته سمْح ،ولَفْظٍ َ طبْعٍ َ
عن َ
عدّة ،إلى أن تذكّر مَعاهدَ رَأى فيها الدَهْرَ جدْوَة؛ وآنسَنا بالمقام مُدة ،أكدتها شوافِع ِ تلك السدَة أن يأخ َذ من كلّ حسنة بعُرْوة ،ويقدح في كل نارٍ ب َ
ن حنينَ الرّكاب ،ورَكبَ عَزِيم الياب. طَلْقاً ،والزمان غُلماً ،والفضلَ رهناً ،والفضال لِزاماً؛ فح ّ
فصل من كتاب كتبه المير أبو الفضل عبيد ال بن أحمد الميكالي إلى أبي القاسم الداوودي جواباً عن كتاب له ورد عليه ،وأبو الفضل رئيس
34
نيسابور وأعمالها في وقتنا هذا ،وسيم ّر من كلمه ونثره ونظامه ما يغني عن التنويه ،و َيكْفِي عن التنبيه ،ويجل عن التشبيه ،ويكون كما قال
جمَعُ إلى تأديب ولده المتاعَ بإيناسه؛ فندَبني أبو الحسن الخفش علي بن سليمان :استهدى إبراهيم بن المدبر أبا العباس محمد بن يزيد جليسًا يَ ْ
لذلك ،وكتب إليه معي :قد أنفذت إليك -أعزَك ال -فلناً ،وجملة أمره أنه كما قال الشاعر :الوافر:
خبُروني شفيعًا عندهمْ أن يَ ْ إذا زُرت الملوك فإن حسبي
وفصل أبي الفضل :وقفتُ على ما أتحفني به الشيخ :من نَظمِه الرائق البديع ،وخَاله المُزْري بزهر الربيع ،مُوشّحًا بغُرَرِ ألفاظه ،التي لو
حتُ طَرْفي منها في رياضٍ جادتْها ت مَوَا ِردَ البحور ،فسرَ ْ ع َذبَ ْ
أعِيرت حِ ْل َيتُها لعطّلَت قلئد النحور ،وأبكارِ معانيه التي لو قُسمت حَلَوتها ل ْ
ت عنها ثغورُ المعالي وال ِهمَم ،ولم أدرِ -وقد حي َرتْني أصنافُها ،وبهرتني سحائبُ العلوم وا ْلحِكم ،وهبّ عليها نسيمُ الفضل والكرَم ،وابتسمَ ْ
ستْراً وحجاباً ،ولم أدْ ِر أد َهتْني لها نَشْوَة راح ،أم ازْدهَتْني نغمةُ ثغورُها وأوصافها ،حتى كستْني اهتزازاً وإعجاباً ،وأنشأت بيني وبين التماسك ِ
س ْمعِي منها غناء َم ْعبَدٍ وغَريض ،وكيفما كان فقد حَوَى رتبة العجاز والبداع ،وأصبح ارتياح ،وانتظم عندي منها عِقد ثَناء وقَريض ،أم قَرَع َ
جتَلي مطالَعه ومناظره ،أو لسانًا َيدْرُس نزهة القلوب والسماع ،فما من جَارِحةٍ إل وهي تودُ لو كانت أذنًا فتلتَقط دررَه وجواهره ،أو عينًا تَ ْ
محاسنَه ومفاخره.
وله فصل من كتاب إلى أبي منصور عبد الملك بن إسماعيل الثعالبي :وصل كتابُ مولي وسيدي ،أبْدَع الكتب هَوَاديَ وأعجازا ،وأبرعها
سبْت ألفاظَه دَرَ السحاب ،أو أصفى قطرًا ودِيمة ،ومعانيه دُرّ السخاب ،بل أوفى قدْراً وقيمة .وتأمّلت البياتَ فوجدتها فائقةَ بلغةً وإعجازاً ،فح ِ
عبِقَة النسيم والعَرف ،فائزة بقدَاح الْحسْن والطرْف ،مالكةً لِزمام القَ ْلبِ والطرْف؛ ول غَرْ َو أن يصدر مثلُها عن ذلك الخاطر، النظْمِ والرّصْفَِ ،
ل ُيمَتعُه بما منحه من هذه الغُرَر والوضاح ،كما أطلق فيه ألسنة الثناء والمتداح. صدَف الدرر والجواهر ،وا ّ وهو َهدَف الفقَر والنوادر ،و َ
حدِه ،وله مصنفات وأبو منصور هذا يعيش إلى وقتنا هذا على طريق التخمين ل على حقيقة اليقين وهو فريدُ دهره ،وقريع عصره ،ونسيجُ وَ ْ
في العلم والدب ،تشهدُ له بأعلى الرتب ،وقد ف ّرقْت ما اخترته منها في هذا الكتاب ،مع ما تعلق بشاكلته من الخطاب؛ منها كتاب سماه سحر
البلغة قال في صدر هذا الكتاب" :أخرجتُ بعضه من غُرَر نجوم الرض ،ونكَت أعيان الفضل ،من بُلَغاء العصر ،في النثر ،وحللت بعضه
من نظم أمراء الشعر ،الذين أوردت مُلَح أشعارهم في كتابي المترجم بيتيمة الدهر ،فلفقْت جميع ذلك وحرّرته ،وسقته ونسَقته ،وأنفقت عليه ما
شبْهُ ت فيه لَذةَ الجِدة ،و َروْنق الحداثة ،وحلوة الطَراوة ،ولم َأ ُ رُزِقته ،وعملته بكد الناظر ،وجهد الخاطر ،و َتعَبِ اليمين ،وعرق الجبين ،وتعمَدْ ُ
بشيء من كلم غير أهل العصر ،إلّ في قلئل وقلئد من ألفاظِ الجاحظ وابن المعتز ،تخلّلت أثناءَه ،وتوشحت تضاعيفه ،ولم أُخْل كلماتِه -
التي هي وسائط الداب ،وصياقل اللباب ،وما تس َت ْمتِعُه أنْفسُ الدباء ،وتلذّ أعين الكتاب -من لفظ صحيح ،أو معنًى صريح ،أو تجنيس أنيس،
ق هذا الكتاب قَرُبَ تنا ُولُه من الكتاب، أو تشبيه بل شَبيةٍ ،أو تمثيل بل مَثيل ول عَديل ،أو استعارة مُختارة ،أو طِباق ،في رَوْنق باق؛ فمن رَافَ َ
إذا وشّوا ديباج َة كلمهم بما يقتبسونه من نُوره ،وسماحة قيادِه لفراد الشعراء إذا رصَعوا عقودَ نظامِهم بما يلتقطونه من شذُوره ،فأمَا
المخاطبات والمحاورات ،فإنها تتبرَج بغرّة من غُرره ،وتتوَج بدرة من درَرِه.
وقد ذكر جملة مَنْ أخرج معظم كتابه من نثرهم ونظمهم ،وهم :الصابيان ،والخالِديان ،وبديع الزمان ،وأبو نصر بن ال َمرْ ُزبَان وعلي بن عبد
العزيز القاضي ،وأبو محمد القاضي ،وأبو القاسم الزعفراني ،وأبو فراس الحمداني ،وابن أبي العلء الصبهاني ،وأبو الطيب المتنبي ،وأبو
الفتح البُستْي ،وأبو الفضل الميكالي ،وشمس المعالي ،والصاحب بن عباد ،وجماعة يكثر بهم التعداد ،قد ذكرهم في كتابه ،فكل ما مرّ أو يمر
من ذكر ألفاظ أهل العصر فمن كتابه نَقَ ْلتُ ،وعليه عَوّلت.
وفي أبي منصور يقول أبو الفتح علي بن محمد البُستي :البسيط:
ستَقرَى البـلد أخ ما مثلُ ُه حين تُ ْ ن بنيسابورَ عـنـد أخ قلبي رهي ٌ
ف تُنتسَخُ من الحِجَا والعُل والطرْ ِ له صحـائف أخْـلَق مـهـذّبة
وأما الذين ذكر أسماءهم في كتابه فسأُظهر من سرائر شعرِهم الرصين ،وأجلو من جواهر نثرهم الثمين ،ما أخذ من البلغة باليمين.
فصل لبي الفضل :وصل كتابُ الشيخ المبشر من خبر سلمته التي هي غُرّة الزمان البهيم ،وعذر الدهر المليم ،بما أشرقت له آفاقُ الفَضْلِ
ع دُرَرُها وجواهرها ،و َمبَار حتُ طَرْفي من محاسن ألفاظه ،في أنْوار تَرُوق أزا ِهرُها ،وقل ِئدَ ترو ُ والكرم ،وتمَت به نفائِسُ اللء والنعم ،فسرَ ْ
يسترق الرّقابَ باطنها وظاهرها.
ل من أخبار سلمتك ،وآثا ِر نعمِ الّ بساحتك ،ما أدى روحَ البَرّ ونسيمه ،وجمع فنونَ وله إلى أبي سعيد بن خلف الهمداني :وصل كتابُك متحم ً
الفضل وتقاسيمه ،ومجدَدًا عندي من عمر مواصلته ،ومعسول كلمه ومحاوَرته ،ما ترك غُصنَ المِقَة غضاً تروق أوْراقه ،ووَجْهَ الثقة طَلْقاً
ق اليام تُحا ِذنِيهِ ،وحويت به من عِلْق مَضنّة قلما يجود الدهر بمثله لبنيه. سرّة كانت عوائ ُ يتهلّل إشراقه ،فكم جنيت عنه من ثمر مَ َ
وله فصل إلى بعض الحكام بجُ َويْن:
صوْبُ الصابة ب فَضلَ المقادة ،ومعنى سنيّ جاده َ وصل كتابُ الحاكم وقد وشّحه بمحاسن ِفقَره ،ونتائج ِفكَره ،من لفظ شهيً أعطته القلو ُ
طرْفي فيما حواه من بدائع وطُرَف ،قد جمعت في الحسن ي اتّفَ َقتْ على العتراف بفضله ألسنةُ الثناء والشهادة ،فسرّحْتُ َ والجادة ،وبِرّ هن ّ
والحسان بين واسطة وطَرَف ،حتى لم تبقَ في البلغة يتيمة إلّ جبرتها وتمّمتها.
وله إلى المير السيد أبيه يهنئه بالقدوم.
كتبت وأنا بمنزلة من ارتدّ إليه شبابُه بعد المشيب ،وارتدى بردَاء مِنَ العمر قَشِيب ،والحمد لّ رب العالمين ،وصل كتابُ مولي مبشّرًا من
ل فيه ورائحَه ،واثقةً صنْع ا ّ
ل و َكنَفه ،بما لم تزل المال تتنسّم روائحه ،وتترقّب غاديَ ُ خبر عَوْده إلى مقرَ عزّه وشَرَفه ،محروساً في حفظ ا ّ
غمْرة الغَماء خروجَ السيف من ال ِغمْدِ ،والبدر بعد السّرَار بأنّ عادةَ الّ الكريمة عنده تُسَايره وتُرافقه ،وتلزم جنابه فل تُفارِقه ،حتى تْخرجَه من َ
شّبهْهُ في إهداء الرّوح حدِيداً ،ولم أُ َ طرْفَ الحسود كليلً وقد كان َ جدِيداً ،وردَ َ
إلى النجلء ،فعددْتُ يوم وُرودِهِ عيداً ،أعاد عهد السّرور َ
والشفاء ،وتلفي الرّوح بعد أن أشْفَى على المكروه كل الشفاء إل بقميص يوسف حين تلقّاه يعقوبُ عليه السلم من البشير ،وألقاه على وجهه
غمّة في النفس إلَ ل بَ َر ْدتُهَا ،ول ُفنظر بعَيْنِ البصير ،فكم أوسعتُه لثماً واستلماً ،والتقطت منه بَرْداً وسلماً ،حتى لم تبق غُلّة في الصدر إ ّ
طَ َردْتها ،ول شريعة من النس إلّ وردْتها.
حجُوله، ف بي عند أول فصل من فصوله ،ويثبّطني عن استيفاء غُرَره و ُ ظمُ العجاب تارة يق ُ ط التعجب مَرّة وعِ َ وله فصل من رسالة :وكان فر ُ
جنَان فوقها مُتطلَع ،حتى إذا جاوزته ويُوهمني أنّ المحاسنَ ما حَ َوتْه قلئدُه ،ونَظمته فرائدُه؛ فليس في قوس إحسان وراءها ِمنْزَع ،ول لقتراح َ
صفَ ،و َيعْلُو على الول مَحَلً ومكاناً ،ويفوقه حسناً حيّر الطّرْف ،و ُيعْجِز الوَ ْت ما يُ َإلى لففه وتَ ْزيِينه ،وأجَ ْلتُ فكري في نكتِه وعُيونه ،رأي ُ
35
حكَم من مطالعه ومَشارقه ،وسلّمت لمعانيه وألفاظه فضيلةَ السَبق والبَرَاعةِ، وإحساناً ،فر َتعْتُ كيف شئتُ في رياضِه وحدَائِقه ،واقتبست نُورَ ال ِ
وتلقيتها بواجبها من النَشرِ والذاعة؛ فإنها جمعت إلى حسْنِ اليجاز درجةَ العجاز ،وإلى فضيلة البداع جللةَ الموقع في القلوب والسماع.
حبَروله من فصل :وصل كتاب الشيخ َفنَشَر عندي من حُلل إفضاله وإكرامه ،ومحاسن خطابه وكلمه ،ما لم أشبّهه إل بأنْوَار النّجُود ،و ِ
البرود ،وقلئد العُقُود.
حرَ الشعر ،و ُر ْقيَةَ الدهر، وذكر أبو منصور الثعالبي المير أبا الفضل في كتاب ألفهُ ،فقال في بعض فصوله :مَنْ أراد أن يسمعَ سِرّ النظم ،وسِ ْ
ويرى صَوْب العَقْل ،وذَوْب الظرْف ،ونتيجة الفَضل؛ فليستنشد ما أسفْر عنه طب ُع مَجْده ،وأ ْثمَرَه عالي فكره ،من مُلَحِ تمتزجُ بالنفوس لنفاستها،
وتشرَب بالقلوب لسلستها :المتقارب:
ق هزَت لَها الغانيات ال ُقدُودا قوافِ إذا ما رَوَاها المشـو
وأضحى لَبيد لديهـا بَـلِـيدا عبِيداً ثياب الـعَـبِـيد كَسَوْنَ َ
س َعدَني بالقتباس من نُوره والغتراف من َبحْرِه ،فشاهدت ثِمارَ المجدِ والسؤود تنَتثِرُ وأيْمُ ال ما مرّ يوم أسعفني فيه الزمانُ بمواجهة َوجْهه ،وأ ْ
ل تذكرت من شمائله ،ورأيت فضائلَ الدهرِ عيالً على فضائله ،وقرأتُ نسخة ال َفضْلِ والكرم من ألْحَاظِه ،وانتهَبْتُ فضائل الفوائد من ألفاظه ،إ َ
ما أنشدنيه ،أدام ال تأييده لبن الرُومي :البسيط:
صبِ
تلك الفضائلُ في لَحمِ ول عَ َ صنْعِ الّ ما ثبتـت لول عجائب ُ
وقول الطائي :الوافر:
طبَاعِ على ما فيكَ من كَ َرمِ ال ّ ت نفسَك لم تَ ِزدْها فلو صورْ َ
وقول كُشاجم :الكامل:
ب يُوَفيه مِـنَ الـعَـيْنِ
عيْ ٍ
َ ما كان أحوج ذا الكمال إلى
وربعت بقول أبي الطيب :الوافر:
ك َبعْضُ دَمِ الغَزَالِ فإن المس َ ت مِنـهُـم فإن تَفُقِ النامَ وَأنْ َ
ثم استعرت فيه بيانَ أبي إسحاق الصابي حيث يقول للصاحب وَرثَهُ ال أعمارها ،كما بلغه في البلغة أنوارها :السريع:
تعوَد العبدُ على المولـى ال حسبي فيك من كلّ ما
غيْرِك الَوْلَى ت بها من َ َأنْ َ ل في نعـمةٍ فل تَزَل ت ْرفُ ُ
سيْل ال َقطْرِ، وقال في فصل منه :وما أنس ل أنسَ أيامي عنده بفيروزاباد ،إحدى قُرَاه برستاق جُوين ،سقاها الّ ما يحكي أخلقَ صاحبها من َ
عشْرَته العِطْرِية ،وآدابه العلوية ،وألفاظِه اللؤلؤية ،مع جلئل ِن َعمِهِ المذكورة ،ودقائق كرمه المشكورة ،وفوائد فإنها كانت -بطَ ْل َعتِه ال َبدْرِية ،و ِ
مجالسه المعمورة ،ومحاسِن أقواله وأفعاله التي َيعْيا بها الواصفون -أنموذجات من الجنّة ،التي وُعِد المتقون ،وإذا تذكرتها في المَرابع التي
طوِي لها ف مطارفهاُ ، ت بدائعَ زخارفها ،ونشرت طرائ َ هي مَرَاتِع النوَاظر ،والمصانع التي هي مطالع العيش الناضر ،والبساتين التي إذا أخذَ ْ
ش َيمِهِ ،وآَثار قَلمه ،وأزها ِر كلمه ،تذكرت سِحراً وسيماً ،وخيرًا عميماً، الديباج ا ْلخُسْرُوَاني ،ونُفي معها ال َوشْي الصّنعاني ،فلم تُشَبه إلّ ب ِ
وارتياحًا مُقيماً ،وروحاً و َريْحانًا ونعيماً.
خ ْدمَته ،ول َزمْتُ في أكثر أوقاتي عَالي مَجْلسه ،وتعطّرت عند حكِي للخوان أني استغرقتُ أربعة أشهر بحضرته ،وتوفّرت على ِ وكثيراً ما أ ْ
ل مَجْداً وشرفًا منْ أحواله .وما طرَفاً من أخلقه؛ ولم أشاهد إ َ حنْثاً فيها إني ما أنكَرت َ ت غنياً عنها لو خفت ِ ركوبه بغُبار مَ ْوكِبه؛ فبال يمينًا كن ُ
غتَابَ غائباً ،أو سبّ حاضِراً ،أو حَرَم سائلً ،أو خيّب آملً ،أو أطاع سلطانَ ال َغضَبِ في الحضَر ،أو تَسلَى بنار الضّجَر في السّفَر ،أو رأيتُه ا ْ
ل ما يتعاطاه ،والمآثمَ إلّ ما يتخطَاه. بطش بَطْشَ المُتجبّر؛ ول وجدت المآثرَ إ ّ
عذْرتها ،ومالِك أ ِزمَتها ،وكأنما يُوحَى إليه في الستئثار وقال في فصل منه يصفه :وأما فنونُ الدب فهو ابن بَجْدتها ،وأخو جملتها ،وأبو ُ
بمحاسنها ،والتفرُد ببدائعها ،ول هو إذا غرس الدُرّ في أرض القراطيس ،وطَرّز بالظلم ِردَاء النهار ،وألقت بِحَارُ خواطره جواهِرَ البلغة
على أنامله ،فهناك ا ْلحُسْنُ ب ُرمّته ،والْحُسْن بكلَيته.
وذكر عمر بن علي المُطَوَعي في كتاب ألّفه في شعر أبي الفضل ومنثوره والشعراء ،فقال :رأيتُ أهل هذه الصناعة قد تشعّبوا على طُرُق،
وانقسموا على ثلث فرق ،فمنهم من اكتسى كلمه شرف الكتساب دون شرف ال ْنتِساب كالمكتسبين من الشعراء بالمدائح ،المترشحين بها
خذِ الجوائز والمنائح ،وهم الكثرون من أهل هذه الصناعة؛ ومنهم من شَرُفت بناتُ فكره عند أهل العقول ،وجلبت لديهم فضائل ال َقبُول، لْ
شرَف قائلها ،ل ِلكَثرة عقائلها ،وكرم واشيها ،ل ل ِرقَة حواشيها ،كالعدد الكثير ،والجمّ الغفير ،من الخلفاء والمراء والجِلّة والوزراء؛ ومنهم لِ َ
ش َيتَيه ،كامرئ القيس ابن حُجْر الكندي في المتقدّمين ،وهو أميرُ الشعراء غير حسْنِ من حا ِ من أخذ بحبل الْجَوْدة من طَ َر َفيْه ،وجمع رداءَ الْ ُ
مُنازع ،وسيّدهم غير مجاذَب ول مدافع ،وعبد ال بن المعتز بال أمير المؤمنين في المولدين ،وهو أشعر أبناء الخلفة الهاشمية ،وأبرع أنشاء
ل كلمه في التشبيه ،عن أن يُمثّل بنظير أو شبيه ،وعَلَت أشعاره في الوصاف ،عن أن تتعاطاه ألسنةُ الوُصّاف؛ الدولة العباسية ،ومَنْ ج ّ
حمْدان فارس البلغة ،ورجل الفصاحة ،ومن حكمت له شعراءُ العصر قاطبةً بالسيادة ،واعترفت لكلمه بالحسان والمير أبي فراس بن َ
ختِم بملك ،يعني أمرأ القيس وأبا فراس؛ وهذه الطائفة أشهر والجادة ،حتى قال أبو القاسم إسماعيل بن عباد الصاحبُ :بدِئ الشعرُ بملك و ُ
خرِ ومواطئ الشرف َقدَما ،وأسبق الشعراء في َميْدان البلغة ،وأرجَحهُم في ميدان البَرَاعة؛ فإنّ الكلمَ الثلثة تقدّما ،وأثبتها في مواطن الفَ ْ
الصادرَ عن العيان والصدور ،أق ُر للعيون وأشفى للصدور ،فشرف القلئد بمن قُلدها ،كما أن شرف العقائل بمن وََلدَها :الوافر:
شعْرِ ما قالَ ال َعبِيدُ
وشَرّ ال ّ ش ْع ِر أكْ َرمُه رِجَالً خيْرُ ال ّ
وَ
وإذا اتفق مَن اجتمعت فيه هذه الشرائط ،وانتظمت عنده هاتيك المحاسن ،كان خليقًا بأن تُخلّد في صحائف القلوبِ أشعارُه ،وتُدوَن في ضمائر
ن بسرعة المجال في المجالس ،وخِفة المدار في المدارس ،كالمير النفوس آثارُه ،وتكتَب على الحداق والعيون أخبارُه ،وجديراً بأن يختص َ
الجليل السيد مولنا :الطويل:
ع َدتْهُ نفـسُـ ُه بـمـزيدِومن وَ َ ن نال السما َء بفضلِهِ أبى الفضل مَ ْ
فينظمهـا مـن تَـوْأَم وفـريدِ تودُ عقودُ الدرّ لو كانَ لـفـظَـهُ
وهذه مقطعات لهل العصر
36
في وصف البلغة
قال أبو الفتح البُسْتي :الطويل:
بأمثالها الصّيدُ الكِرَامُ العاظمُ ت قَلئد لم َيفُـزْ حتُك فالتام ْ مد ْ
وفك ِريَ غَوّاصٌ وشعْرِي ناظم لنك بَحْرٌ والمعـانـي للِـئُ
وقال أيضاً :البسيط:
سمْعَ المرء والبَصَرا في الوقت ُي ْمتِعُ َ ت بـنُـوّارٍ لـه ثـمـرٌ ما إن سمع ُ
ظ ومعنى يشبـه الـدُرَرَا عن كل لف ٍ ب منـك مـبـتـسِـمٌ حتى أتاني كتا ٌ
وكان معناه فـي أثـنـائه ثـمـرا للَئه زَهَـراً فكان لَفْـظـك فـي ْ
لّ من ثم ٍر قد سـابـقَ الـزَهَـرَا ِ تسابقَا فأصابَا ال َقصْـدَ فـي طَـلَـقٍ
وقال أيضاً :البسيط:
غيْ ِر محـدودِ ل بِر ولفظ َ عن ك ّ َلمَا أتاني كتاب منك مبـتـسـمٌ
آثا َركَ البيضَ في أحواليَ السّود حكَتْ معانيه في أثناء أسْطُـرِهِ
كأنه ألم بقول الطائي :الطويل:
ستْها َيدُ المأمولِ حُـلّة خَـائِبِ كَ َ يرى أقبـحَ الشـياء أ ْوبَةَ آمـل
بياضُ العطايا في سَوَادِ المَطَالِبِ ن من نَوْر تُفتّحه الصّـبـا وأحس َ
وقال أبو الفتح البستي في أبي نصر أحمد بن علي الميكالي :الخفيف:
ل َتعْلو بها القـدارُ ر خِصا ً جمع الَ في المير أبي نص
وذكاءً تبـدو لـه السـرارُ صدْرًا فَـضـاءً راحةً برةً و َ
ضحَكن ،والمعاني ثِمارُ هار يَ ْ خَطُهُ روضةٌ وألفاظُـه الز
وقال عمر بن علي المطوعي َي ْمدَح أبا الفضل الميكالي من قصيدة :الكامل:
بكمال سُؤددهِ علـى المـراء وإلى المير ابن المير المعتلي
متقاذفِ ال ْكنَـافِ والرْجـاءِ جنَ َة َم ْهمَهِ وطِئتْ بيَ الوَجْناءُ وَ ْ
فَلَكًا يُدِير كواكِبَ الـعَـلْـيَاء ظ منه في أفق العُلَ كيما ألح َ
كا ْلبَحْ ِر غير عذوبةٍ وصفـاء كا ْل َبدْ ِر غير دَوَامِه متَكـامِـلً
كالرّي َي ْكمُن في زُلل المـاءِ بالفضل ُيكْنى وهو فيه كامـن
صنْعاء ي من َ شَ أ ْهدَى إلينا الو ْ ب يمـينـه ط الكتا َيا من إذا خَ َ
ت عـن يَد بـيضـاءِ إل تحل ْ لم تجر كفُك في البياض مُوقعاً
في النظْم والعطاء إلّ الطائي قَرْم يداه وقَ ْلبُه ما مـنـهـمـا
وقال فيه أيضاً :الطويل:
َينُوبُ عن الماء الزلل لمن يَظْما كل ُم المير النّدْبِ في ثنْي نَظْمهِ
ظمَا إذا لم نرْو يومًا له نَظْمـا ونَ ْ فنرْوى متى نَرْوي بدائ َع نَظْمـه
وكتب إليه أيضاً :الطويل:
كأني قد اس َتمْل ْي ُتهُن من السُـحْـبِ أقول وقد جادت جُفوني بـأ ْدمُـعٍ
كتْبنَ معاناةَ العناء على قـلـبـي وقد علِقتْ بي للـنـزاع نَـوَازعُ
وزادت معاليه ضياء على الشهب إلى سيّد أوفى على الشمسِ قـدرُهُ
وراحتِ ِه تُربي على عَ َددِ الـتـربِ أبي الفضل مَنْ راحت فواضلُ كفّه
كنائله الفياض أو لفظِهِ الـعـذْب ل فيها سحائبـاً سقى الَُ أرضاً ح ّ
ويقدمها بَرْق كصارمه ال َعضْـبِ حدُوها نسيم كـخُـلْـقـهِ ب يَ ْ
سحائ َ
بحضرته تنتابها وهو كالقُـطْـبِ ول زال أفْلَك السعود مُـطِـيفةً
وقال أبو منصور الثعالبي للمير أبي الفضل :الكامل:
37
في شكر نائلك اللطيف المَ ْوقَع ل شيء أسرعُ منه إل خاطري
لجلل ُمهْدِيه الكـريم الر َوعِ ولو أنّني أنصفْتُ في إكرامِـهِ
وجعلت مربطه سَوادَ المَ ْدمَعِ أنظمته حَب القلوب لِـحُـبـه
بُرْد الشباب لجله والبُـرْقـع وخلعت ثم قطعت غير مضيق
وكتب إليه في جواب كتاب ورد عليه :الخفيف:
جتْه رَيا الـحـبـيب الثـيرِ مازَ َ أنسيمُ الـرياض حَـوْلَ الـغـدير
ك أسيرٍ أو يُسْر أمـرٍ عـسـيرِ أم ُورُود البشير بالنجْـح مـن ف
تحت أ ْيكٍ من التصابي نـضـير في مُلء من الـشـبـاب جـديدٍ
دِ؛ فيا حـبّـذا كـتـابُ المـيرِ أم كتاب المير سـيدنـا الـفَـرْ
من سُطورٍ فيها شفاءُ الصـدورِ وثمار الصـدور مـا أجـتـنـيه
وارَ والزهر في رياض السطورِ نم َقتْهـا أنـامـل تَـفْـتـقُ الن
َر مع المن من صروفِ الدهور ج ِمعْنَ في النعـم الـغَ كالمُنى قد ُ
جل باريكَ من لطـيفٍ خـبـير يا أبا الفـضـل وابـنَـهُ وأخـاهُ
ويُعبّرْن عن نـسـيم الـعـبـير ن دَرّ الـمـعـالـي شيَ ٌم يَرتَضعْ َ
ِ
ي مَـشـورِ رِ رُضابُ الحَيا بَأرْ ٍ وسجايا كأنـهـنّ لـدى الـنـش
صادق البشر مُخْجل لـلـبـدورِ ومحيا لدى الـمـلـوك مـحـيّا
فأجابه أبو الفضل بأبياتٍ يقول فيها في صفة أبياته :الخفيف:
تتهادى في حِـلـيَةٍ وشُـذُورِ سمْ ِع ِبكْـرٍ و َهدِيّ ُزفّتْ إلى ال ّ
سكِ في الكافورِ في بياضٍ كالمِ ْ ت مِنْ سَوَادٍ ن بدَ ْعجب الناس أ ْ
مثل نظم العقود َفوْقَ النحـور نُظِمت في بـلغة ومـعـانٍ
ل عيْش نَضِـير للتلقي في ظ ّ كم تذكَرت عندها من عُـهُـودٍ
شمْلَ السـرورِ باجتماع َيضُمّ َ ن عـنّـا ن إذْ ض َ فذممْتُ الزما َ
أ ْلبَس الُنس ذِلَة المهـجـورِ ن بـبـينٍ عنَا الـزمـا ُولئن را َ
في أمانٍ من حادثاتِ الدهـورِ ن يُعيدَ اجتمـاعـاً فعسى الَُ أ ْ
ل أ ْمرٍ عَـسِـيرِ ت و َتيْسير ك ّ إنه قادر عـلـى ردَ مـا فـا
ق إبراهي ُم بن هلل الصابي في الوزير المهلَبي :الكامل: وقال أبو إسحا َ
قد أعجزت كلّ ال َورَى أوصـافُـهُ قل للوزير أبـي مـحـمـدٍ الَـذي
ويَسُوغُ فـي ُأذُنِ الديب سُـلفـهُ لك في المجالس َمنْطِق يَشْفي الْجَوَى
وكـأنـمـا آذانُـنـا أصـدافُــه وكأنَ لفظَك جَوْهَـرٌ مـتـنـخـل
ل بن يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلّب ،وَ َزرَ لحمد بن بُ َويْه الدّيْلمي، والمهلبي هذا هو أبو محمد الحسن بن هارون بن إبراهيم بن عبد ا ّ
عفّائهم؛ وفيه يقول أبو إسحاق الصابي: وكانت وزارته سنة تسع وثلثين وثلثمائة ،وكان أبو محمد من سَرَوات الناس وأدبائهم وأجوادهم وأ ِ
الخفيف:
لَفُ إلّ الخايرَ النساكـا ِنعَم الّ كالوحوش فما تأ
ن لها البر والتّقَى أشرَاكا نَفّرتها آثامُ قـوم وصـيّر
ل اتّصاله بالسلطان سائحاً في البلد ،على طريق الفقْرِ والتصوّف ،قال أبو علي وكان قب َ
الصوفي :كنت معه في بعض أوقاته ،أُماشِيه في إحدى طرقاته ،فضجِر لضيق الحال ،فقال:
الوافر:
فهــــــــذا الـــــــــــــــعـــــــــــــــيشُ
مـــــــــــــــا ل خَـــــــــــــــيْرَ ت ُيبَاعُ فأشتريهِ
أل مو ٌ
فـــــــــــــــيهِ
تصـــــــدّق بـــــــالـــــــــوفـــــــــــــــاةِ
أل رَحِـــــــمَ الـــــــمـــــــهـــــــيمــــــــــن نـــــــــــــــفـــــــــــــــس حـــــــــــــــرّ
عـــــــــــــــلـــــــــــــــى أخـــــــــــــــيهِ
س ّر مَنْ رأى ،وإذا أنا بناشطيات وحراقات َوزَيارب ثم تصرّف بما يُ ْرضِيه الدهر ،وبلغ المهلبي مَبْلغه .قال أبو علي :دخلت البصرة فاجتزت ب ُ
عدَد ،فسألتُِ :لمَنْ هذا؟ فقيل :للورْير المهلبي ،ونعتوا لي صاحبي؛ فوصلتُ إليه حتى رأيته ،فكتبتُ إليه رقعة ،وتوصّلت طيّارات في عُدّة و ُ وَ
حتى دخلتُ فسلّمت ،وجلستُ حتى خل مجلسه ،فدفعتُ إليه الرقعةَ وفيها :الوافر:
مقال ُم َذكّرٍ ما قد نَـسـيه حتِشـامل قُلْ للوزير بل ا ْ أَ
ل مَوْت يُباعُ فَأشْـتَـرِيهِأَ أتذكر إذ تقولُ لضيق عيشي
فنظر إليَ وقال :نعم ،ثم نهض وأنهضني معه إلى مجلس الُنس ،وجعل ُيذَاكِرني ما مَضى ،و َي ْذكُرُ لي كيف ترقَت حالُه ،و ُقدّم الطعام فَطعِمنا،
ت َبغْلَة رائعة بسَرجٍ ثقيل؛ فقال: ث ِبدَر ،ومع الخر تخوتٌ وثياب ،ومع الخر طِيب وبخور ،وأقَبلَ ْ وأقبل ثلثةٌ من الغلمان على رأسِ أحدِهم ثَلَ ُ
يا أبا علي ،تفضّلْ بقبول هذا ،ول تتخلّف عن حاجة َتعْرِضُ لك ،فشكرته وانصرفت ،فلمّا هممْتُ بالخروج من الباب استردّني وأنشدني بديها:
مجزوء الكامل:
38
و َرثَى لطول تحرُقي رَقّ الزمان لفاقتـي
وأجا َر ممّا أتّـقـي وأنالني ما أرتَـجـي
سبّقِ
َر من الذنوب ال ُ فلغفرنّ له الكثـي
فعلَ المشيب بمَفْرِقي إل جنـايَتـه الـتـي
قال بعضُ العلماء :العقول لها صُوَر مثلُ صورِ الجسام ،فإذا َأنْتَ لم تسُلكْ بها سبيلَ الدب حارَتْ وضلَت ،وإن بع ْثتَها في أَ ْودِيتها كلت وملّت،
ق عليه آفةَ العَطَب؛ فإن العقلَ شاهدُك على ت الدب ،وتَوَ ّ جمَام للعلم ،وا ْرتَدْ لعقلك أ ْفضَلَ طبقا ِ س َتبْقِ ِه بال ِشعَاب المعاني والفهم ،وا ْ سُلكْ بعقلك ِ فا ْ
الفَضْل ،وحارسُك من الجهل.
غمُزخيْرُها ،فا ْ واعَْلمْ أن مغارِسَ العقول كمغارس الشجار؛ فإذا طابت بِقَاعُ الرض للشجر زكا ثمرُها ،وإذا كَ ُرمَت النفوسُ للعقول طاب َ
نفسَك بالكرم ،تَسْلَ ْم من الفَةِ والسَقَم.
ن ثمرَ العقول وإن جتَ ِ
خبْثِ ال َمغْرِس؛ فا ْ
س اللئيمة ،بمنزلة الشجرة الكريمة في الرض الذميمة ،ينتفع بثمرها عَلَى ُ واعَلمْ أَنّ العقل الحسن في النف ِ
أتاك من ِلئَام النفس .وقال النبي عليه السلم" :رب حاملِ فقهٍ إلى مَنْ هو أوعى له" .وقيل :رب حامل فقه غير فقيه ،ورب َر ْميَ ٍة من غير رام.
ح ْكمَةُ ضالَ ُة المؤمن ،أينما وجدها أخذها .وسمع الشّعبيُ الحجاجَ ابن يوسف وهو على المنبر يقول :أمّا بعد ،فإنّ ال كتب على الدنيا وقيل :ال ِ
الفنَاءَ ،وعلى الخرة البقاء ،فل فناءَ لما كُتِب عليه البقاء ،ول بَقاء لما كتِب عليه الفناء ،فل يغرنكم شاهد الدنيا عن غائبِ الَخرة ،وأ ْقصِرُوا من
ج من قلب خَرَابٍ! وأخرج ألواحَه فكتب. الملِ ،لقِصَر الجل .فقال :كل ُم حكمة خَرَ َ
وقد روى ذلك عن سفيان الثوري.
ستَطِير!
شرُه مُ ْ سكَر الكبير ،ليومٌ َ وقد سمع إبراهيم بن هشام وهو يَخْطُب على المنبر ويقول :إن يوماً أشاب الصغير ،وأ ْ
وصف الكتب
جمُ كلمَ حمَلُ في ُردْن ،ورَوْضَةٌ تقلّب في حِجر ،ينطق عن الموتى ،و ُيتَرْ ِ ستَان يُ ْقال الجاحظ :الكتاب وعاء مُلئ عِلْماً ،وظرف حُشِي ظَرفاً ،وبُ ْ
الحياء.
وقال :من صنَف كتاباً فقد استهدف؛ فإنْ أحسن فقد استعطف ،وإن أساء فقد استقذف.
ظهَر كفاية ،وأقل جناية ،ول أقل إمللً وقال :ل أعلم جاراً أبرّ ،ول خليطًا أنْصَف ،ول رفيقاً أطوع ،ول ُمعَلماً أخضع ،ول صاحباً أ ْ
صلَفاً وتكلفاً ،ول أبعد من مِرَاء ،ول صرّفا ،ول أقل َ وإبراماً ،ول أقل خلفاً وإجراماً ،ول أقل غِيبةً ،ول أبعد من عضيهِة ،ول أكثر أعجوبة وت َ
شغْب ،ول أزهد في جِدال ،ول أكف عن قتال ،مِنْ كتاب .ول أعلم قريناً أحْسَن مُواتاة ،ول أعجل مكافأة ،ول أحْضر َمعْونة ،ول أقل أترك ل ِ
جتَنى ،ول أسرع إدراكاً في كل أوَانٍ ،ول أوجد في غير أبان، مَؤُونة ،ول شجرة أطولَ عمراً ،ول أجمع أمراً ،ول أطيب ثمرة ،ول أقْرب ُم ْ
مِنْ كتاب .ول أعلم نتاجاً في حداثة سنّه ،وقرب ميلده ،ورِخَص ثمنه ،وإمكان وجوده ،يجمع من التدابير الحسنة ،والعلوم الغريبة ،ومن آثار
العقول الصحيحة ،ومحمود الخبار عن القرون الماضية ،والبلد ال ُمتَراخِية ،والمثال السائرة ،والمم البائدة ما يَجْمع الكتاب.
ودخل الرشيد على المأمون ،وهو َينْظر في كتاب ،فقال :ما هذا؟ فقال :كتاب يَشْحَذ ال ِف ْكرَة ،ويُحسن العِشرة .فقال :الحمدُ لّ الذي رزَقنِي َمنْ
يرى ب َعيْن قلبه أ ْكثَر مما يرى بعين جسمه.
وقيل لبعض العلماء :ما بَلَغ من سرورك بأدبك و ُكتُبك؟ فقال :هي إن خََلوْت لذتي ،وإن اهتممتُ سَلْوَتي ،وإن قلتَ :إنَ زهْرَ البستان ،ونوْر
ح ُذ الذّهن ،ويُحيي القلب ،ويقوَي القريحة ،و ُيعِينُ جلُوانِ البصار ،وي ْمتِعانِ بحسنهما اللحاظ؛ فإنَ بستانَ الكتب َيجْلُو العقل ،و َيشْ َ الجِنان ،يَ ْ
ك بنوادرهَ ،ويُسرُ بغرائبه ،ويفيد ول حُ حشَة ،و ُيضْ ِ ث نتائج العقول ،ويستثِير دفائنَ القلوب ،ويُمتِعُ في ا ْلخَلْوةِ ،ويُ ْؤنِسُ في الوَ ْ الطبيعة ،و َيبْع ُ
يَستفيد ،و ُيعْطي ول يأخذ ،وتَصِلُ لذته إلى القلب ،من غير سآمة تدْ ِركُك ،ول مشقّة َتعْرِض لك.
وقال أبو الطيب المتنبي :الطويل:
نديمٌ ،ول يُ ْفضِي إليه شَـرَابُ وللسّرّمنّي مَوْضِ ٌع ل َينَـالُـهُ
غيْرِ اللقا َء تُـجَـابُفَلَةٌ إلى َ ول ْلخَ ْودِ مني ساعةٌ ،ثم َبيْنَـنـا
ب نَفْسَ ُه فيُصَـاب ُيعَرَضُ ق ْل ٌ وما العشْقُ إل غِرّةٌ وطمَـاعَة
غيْ ُر َبنَاني للرّخَاخِ ِركَـابُ وَ غيْرُ فؤادي لِ ْلغَوانـي َرمِـيّةٌ وَ
فليس لنا إل بهـن لِـعـاب تَر ْكنَا لطرافِ ال َقنَا كلّ لَـذّةٍ
ن مّنْ ُه ِكعَابُ ت فيه ّ صفَ ْ
قد انقَ َ طعْنِ فَ ْوقَ سَوَابـحٍ نُص ّرفُه لل ّ
وخَيرُ جَلِيسٍ في الزّمان ِكتَابُ أَعَز مكانٍ في الدّنا سَرْجُ سابحٍ
فِقر في الكتب
إنفاق الفضّة على كُتب الداب ،يُخلفك عليه ذَهَبَ اللباب .إنّ هذه الداب شَوَارد ،فاجعلُوا الكتبَ لها أ ِزمّة .كتاب الرجل عُنوان عقله ،ولسانُ
فضله.
ط يُحْرز ما تحته. سطْراً من كتاب قد خطّ عليه فقد خان كاتِبه؛ لن الخ ّ ابن المعتز :مَن قرأ َ
صدَاف الحِكم ،تنشقّ عن جواهر الكلم. بزرجمهر :الكتبُ أ ْ
شكْله يؤمن من إشكاله. ط يمنع من استعجامه ،و َ بعض الكتاب :إعجام الخ ّ
كأن هذا الكاتب نَحَا إلى قول أبي تمام :الطويل:
لديهِ ،ومشكولً إذا كان مُـشـكِـلَ ب معجَماً ترى الحادثَ المستعجمَ الخط ِ
جمَة ،كالبرود المعَلَمة. ما كُتب قرَ ،وما حُفِظ فرّ .الخطوط المع َ
وقال ابن المعتز يصف كتاباً :الوافر:
وحا َكتْه الناملُ أيَ حَـ ْوكِ وذي نكَت موشّى نمقّـتْـهُ
كأن سطورَه أغصانُ شَ ْوكِ بشكل يَ ْرفَع الشكال عنـه
جملة من ألفاظ أهل العصر في صفة الكتب
39
وتهاديها ،وما يتعلّق بأسمائها ومعانيها
ن ُيهْدى إليها غيرُ الكتب ،التي ل يترفّع عنها كبير ،ول َي ْمتَنع منها خطير ،وقد فكّرت فيما أنفذت به مقيماً للرّسْم في حضرة مولي تَجَلّ عن أ ْ
جدْ إلّ ال ّرقّ الذي سبق ملْكه له ،والمال الذي َمنَحه وخَوّله ،فعدَلْتُ إلى الدَب الذي َتنْفُقُ سوقُه جملة الخدَم ،وحافِظاً للسم في غمارِ ا ْلحَشم ،فلم أ ِ
بباب سيّدنا ول تكْسد ،وتهب ريحُه بجانبه ول تَ ْركُد ،وأنفذت كتابي هذا راجياً أن أشَرّف بقبوله ،ويوقّع إليّ بحصوله؛ ولمَا وجب على ذوي
الختصاص لسيدنا إهداء ما جرت العادةُ بتسابق الولياء إلى الجتهاد في إهدائه ،وجب العدولُ في إقامة رسم الخدمة إلى اتباع ما صدر عنه
جتَنى. ب يُ ْ ل عند ذوي اللباب قيمتُه ،وتحلو ثمرتُه :وهو علْ ٌم يُ ْقتَنى ،وأد ٌ من الرخصة فيما تسهُلُ كلفته ،وتج ّ
طبَاطَبا العَلَوي :الكامل: قال أبو الحسن ابن َ
سنَهُ ونظامَـهُ حْمنكَ استفدْنا ُ ل تُنكِرَنْ إ ْهدَا َءنَا لك َمنْطِقـاً
حيَ ُه وكـلمَـهُ َيتْلُو عليه وَ ْ ل مَن فالُّ عزّ وجل يشكر ِفعْ َ
ن هديةً قيمتُها ألف ألف درهم ،وكتب :الطويل: وأهدى أحمد بن يوسف إلى المأمون في يوم ِمهْرجا ٍ
جلّت فضائلُهْ عظُمَ المَوْلَى و َ وإنْ َ ق َفهْ َو ل بدّ فاعلُـهْ على العَ ْبدِ ح ّ
غنًى وَهْوَ قابِلُهْ وإن كان عنه ذا ِ ألَ ْم تَرَنا ُنهْدي إلى الَ مـا لـهُ
وقال أبو الفتح البستي :البسيط:
علومك الغُرّ أو آدابك النتفـا ل تُنكِرنّ إذا أهديت نحوك مِن
برسم خدمته من بَاغه التّحفا فقيمُ الباغِ قد ُيهْدِي لمالـكـهِ
وكتب أبو إسحاق الصابي إلى عضد الدولة في هذا المعنى :العبيد تُلطِف ول تكاثر الموالي في هَداياها ،والموالي تَ ْقبَل الميسور منها قبولً هو
محسوبٌ في عطاياها .ولما كان -أدام ال تعالى عزّه !-مبرزاً على ملوك الرض في الخطر الذي قَصَروا عنه شديداً ،والسعي الذي وقفوا
منه بعيداً ،والداب التي عجزوا عن استعلمها فَضْلً عن علْمها ،والدوات التي نكِلوا عن استفهامها فضلً عن ف ْهمِها ،وجب أن ُيعْدَلَ عن
اختياراتهم ما تَحْظَى به الجسو ُم البهيمية ،إلى اختيارِه فيما تخطَى به النفوسُ العليّة ،وعما َينْفُق في سوقهم العامية ،إلى ما َينْفُق في سوقه
ق منه بالغُبار :وقد حملت إلى خِزانة الخاصية ،إفراداً ل ُرتْ َبتِه العُلْيا ،وغايته القصْوى ،وتمييزًا له عمن ل يجْري معه في هذا المضمار ،ول يتعل ُ
شرَفاً له وزائداً في إحسانِه إليه
ض ذلك عليه مُ َ عرْ ِ -عمرها ال! -شيئًا من الدفاتر وآلة النجوم ،فإنْ رآى مولنا أن يتطوَل على عبده بالذن في َ
َفعَلَ إنْ شاء ال تعالى.
وأهدى أبو الطيب المتنبي إلى أبي الفضل بن العميد في يوم نوروز قصيدة مدحه فيها ،يقول في آخرها :الخفيف:
عبَادُهْ دي إلى ربها الرئيسِ ِ َكثُرَ ال ِفكْ ُر كيف ُن ْهدِي كما ته
ل َف ِمنْه هِـبـاتُـهُ وقـيادُهْ والَذي عندَنا من المالِ وا ْلخَي
كُل ُمهْ ٍر َميْدَانُـ ُه إنْـشَـادُهْ ن مِـهَـاراً
فبعثنا بأ ْربَـعـي َ
سبِقُ الجـيادَ جِـيَادُه ط تَ ْمَ ْربِ ٌ ن قَلْبًا نَـمـاهـا
فا ْر َتبِطْها فإ َ
وفي هذه الكلمة يقولُ وقد احتفل فيها ،واجتهد في تجويد ألفاظها ومعانيها ،فعقّب عليه أبو الفضل في مواضع وقف عليها فقال :الخفيف:
ل َقبُولٌ سَوَا ُد عـينـي مـدادُهْ؟ هل لُعذرِي إلى الهُمام أبي الفض
مكْرُمـاتُ الـمُـعِـلَةِ عُـوَادُهْ أنا من شـدة الـحـياء عـلـيْلٌ
عن عُلَهُ حتى ثناه انـتـقـادُهْ ت فـيه ما كفاني تَقْصيرُ ما قُلْـ ُ
ل ،وهذَا الَذي آتـاهُ اعْـتـيادُهْ ما َتعَ َودْتُ أن أرى كأبي الفـض
أن يكونَ الكل ُم مِـمّـا أفـادُهْ غَم َرتْني فـوائد شـاءَ مـنـهـا
فاشتهى أن يكونَ ِمنْهـا فـؤادُهْ س ِم ْعنَا بمن أحَبّ الـعـطـايا ما َ
وقد كان مدحه بقصيدته التي أولها :الكامل:
وبُكاكَ إن لم يجر َد ْم ُعكَ أوْ جَرَى صبَرْت أم لم تَصْـبِـرَا بادٍ هواكَ َ
وفيها معانٍ مخترعة ،وأبيات مبتدعة ،يقول فيها :الكامل:
جاَلسْتُ َرسْطاليسَ والسكنـدرا ب أنّي َبعْـدهـا مَنْ مُبلغُ العرا ِ
ن قَرَى ن َينْحَرُ ال ِبدَرَ النضَار لم ْ مَ ْ حرَ عِشارِها فأضافنـي ت نَ ْومَلل ُ
ُم َتمَلكًا مُتبـديًا مُـتـحَـضـرا س ُكتْبِـهِ وسمعْتُ بطْلِيموسَ دا ِر َ
ردّ اللهُ نفوسَهم والعْـصُـرَا ورأيت كلّ الفاضلين كـأنـمـا
وأتى فذلك إ ْذ أتـيت مُـؤخّـرا نُسِقوا لنا نسق الحساب مقـدَمـاً
وفيها يقول:
س ال ْكبَـرا ودَعاكَ خاِلقُك الرئي َ فدعاك حُسَدك الرئيسَ وأمسكُوا
ي منْ أ ْبصَرا س َمعَ ْ
ل مِ ْط يمْ ُ كالخ ّ خََلفَتْ صفا ُتكَ في العيون كلمَهُ
أخذه من قول الطائي يصف قصائده :الطويل:
و َي ْدنُو إليها ذو الحجا وَهْوَ شاسعُ س ْمعِـه ب يَرَاها مَنْ يراها بِ َ بقُ ْر ٍ
نموذج في وصف الكتب
كتاب َكتَبَ لي أمانًا من الدّهر ،وهنّاني في أيام العمر .كتاب أوجب من العتداد فوق العداد ،وأودع بياض الوداد سواد الفؤاد .كتاب النظر فيه
نعيم مقيم ،والظف ُر به فتح عظيم .كتاب ارتحت لعيانه ،واهتززت لعُنوانه .كتاب هو من الكتب ال َميَامين ،التي تأْتي من قبل اليمين .كتاب عددته
ل متوقع .كتابٌ لو قُرئ غرَره .كتابٌ هو أنفس طالع ،وأكرم متطلع ،وأحْسن واقع ،وأج ّ من حجول العُمرِ وغُرَره ،واعتَدَدته من فُرَص العيش و ُ
على الحجار ِة لنْفجرَت ،أو على الكواكب لنتثَرت .كتاب كِدتُ ُأبْليه طيًّا ونشراً ،وقبّلته ألفاً ،و َيدَ حامله عشراً .كتاب نسيتُ لحسنه الرَوْضَ
40
ط من ك ّ
ل ل عن لسانك .أنا ألتق ُ ق به لسانُ الفَض ِ ب أمَْليْته هِزّة المجدِ على بنانكَ ،ونط َ والزّهر؛ وغفرتُ للزمان ما تقدّم من ذنبه وما تأخر .كتا ٌ
خفّاً ،وإذا تأمّلت من كلمك حرْفاً ،وجدتُ على قلبي ِ ف تُديرُه أنامُلك تُحفة ،وآخُذ من كل سطرٍ تتجشّمُ تخطيطَه نزهة .إذا قرأت من خطك َ حَر ٍ
لفظاً ،ازددت من ُأنْسي حظاً .كتاب كتبَ لي أمانًا من الزمان ،وتوقيعٌ وق َع ِمنّي مَ ْوقِعَ الماء من العطشان .كتاب هو َتعِلّةُ المسافر ،وُأنْسَةُ
صفْ ٌو بل كدَر.سهَر ،و َ سمَ ٌر بل َ
المستوحش ،وزبدة الوصال ،وعُقْلة المستوفز .كتاب هو رُقية القلب السليم ،وغرة العيش البهيم ،كتاب هو َ
كتاب تمتّعت منه بالنعيم البيض ،والعيش الخضر ،واستلمته استلم الحجر السود ،ووكلتُ طرفي من سُطُورِهِ بوشْي مُهلّل ،وتاج ُمكَلّل،
ح ْكمَةٌ بالغهٌ، غ ْيمُها نِعمةٌ سابغَة ،وغيْثها ِ سحَابة من لفظكَ ، ت سمعي من محاسنه من أنساني سماعَ الغاني من مطربات الغواني .نشأت َ وأَ ْودَعْ ُ
ي من السماء ،اهتزازًا لمطلعه، سبَتْ .كتابٌ حسبته ساقطاً إل ّ جدْبِ؛ فاهتزت وَ َربَتْ ،واكتست ما اكت َ سقَتْ رَوْضة القلب ،وقد أجهدتها َيدُ الْ َ
ف به المسير ،وقميص ضتُ ُه كما يَفضُ الرّحيق المختوم .كتاب كالمشتري شَرُ َ ن موقعه ،تناولتُه كما يُتناول الكتابُ المرقومُ ،وفض ْ وابتهاجاً بحسْ ِ
عدْنٍ ،وفي شرح النفس و َبسْطِ النس برد الكباد والقلوب ،وقميص يوسف يوسفَ جاء به البشير .كتاب هو من الحسن ،رَوضة حَزن ،بل جَنةُ َ
ن الدنيا مجموعةً في ورقه ،ومباهج الحلى والحلل محصورة في طبقه .كتابّ ألص ْقتُه بالقَلْبِ والكبد، ي محاس َ في أجفان يعقوب .قد أهديت إل ّ
جنِيّاً ،والماء مريّا ،والعيش هنيّاً ،والسحر بابليّاً .كتاب مَطلعهُ أ ِهلّة العياد ،وموقعه موقع َنيْل ك ذكياً ،والزهرُ َ سُ وشممته شمّ الولد .و َردَ منك الم ْ
لخِر منه الوّل .كتاب منتقض الطراف، المراد .كتاب وجدته قصيرَ العمر ،كليالي الوصال بعد الهجْر ،لم أبدأ به حتى استكمل ،وقارَبَ ا َ
منقطع الكتاف ،أبتَرُ الجوارح ،مضطرب الجوانح ،كتاب كأنه توقيع متحرَز ،أو تعريض مُتبرز .كاد يلتقي طَرَفاهُ ،ويتقارب مُفْتتحه ومُنتهاهُ.
صغَراً ،واجتمعت حاشيتاه قِصراً .ما أظنني ابتد ْأتُهُ حتى ختمته ،ول استفتحته حتى أتممته ،ول لمحته حتى استوفيته ،ول كتاب التقَتْ طرفاه ِ
نشرته حتى طويته ،وأحسبنْي لو لم أجوّد ضبطه ،ولم أُلْزم يَديّ حفظَهُ ،لطار حتى يختلط بالجوّ ،فل أَرَى منه إلّ هبا ًء منثوراً ،وهواءً منشوراً.
كتاب حسبته يطي ُر من يدي لخفّته ،ويلطف عن حِسّي لقلّته ،وعجبتُ كيف لم تحمله الرياحُ قبل وصوله إليّ ،وكيف لم يختلط بالهواء عند
ص القتصارُ أجنحته ،فلم يَدَع له قوادم وَل خوَافِي ،وأخذ الختصار جثّته ،فلم يبق ألفاظاً ول معاني .طل َع كتا ُبكَ كإيماء وصوله لديّ .كتاب ق ّ
ي َبكَفّ. بطَرْفٍ ،أو وَحْ ٍ
جزْءاً فيه أخبار َمعْبد بخط حماد بن إسحاق الموصلي ،وكان وعدني ل بن المعتز :استعرت من علي بن يحيى المنجم ُ وقال أبو العباس عبد ا ّ
ت بقولك جُزْءاً الجزء الذي ل يتجزّأ فقد أصبت ،وإن كنت أردتَ جُزْءاً به ،فبعث إليّ بستّ ورقات لِطَاف ،فرددتها وكتبت إليه :إن كنت أرد َ
حلْت :وقد ر َددْته عليك بعد أن طار اللّحْظ عََليْهِ طيرة. فيه فائدة للقارئ ،و ُم ْتعَةٌ للسامع ،فقد أ َ
ع ْندَك منجا ًة فما أصنْع؟ فأجابني :إذا كان السّفر ِ
في محادثة الجليس
ل علمت أنه مبتورُ عمْرِي ل أراك فيه إ ّ سهْل بعد أن تأخّر عنه أياماً ،فقال :ما َينْ َقضِي يوم من ُ وقال أبو العباس :دخل رجلٌ على الحسن بن َ
القَدرِ ،منحوس الحظَ ،م ْغبُون اليام.
س به ُبغْ َيتَها ،وتستوفي منه فقال الحسن :هذا لنّك توصل إليّ بحضورك سُروراً ل أجده عند غيرك ،وأتنَسّم من أرواح عِشْرَتك ما تجدُ الحوا ّ
لذتها ،فنفسُك تألف مني مثل ما آلفُهُ منك.
وكان يقال :محادثة الرَجال تَلْقيح اللباب.
وقال ابن الرومي :مجزوء الكامل:
خبِـيثُ
فكأنّ أطيبَها َ ت مَآرِبـي س ِئمْ ُ
ولقد َ
حدِيثُسمِ ِه أبداً َ
ِمثْلُ ا ْ إلَ الحديثَ؛ فـإنـهُ
ب بك ،وَلُوع إليك ،مغمورُ القلب بشكرك ،واللسانِ ب ِذكْرك، قال مخارق :لقيني أبُو إسحاق إسماعيلُ بن القاسم قبل نسكه ،فقال :أنا وال صَ ّ
ع ُد به نَفْسِي من الجتماع معك ،ومن قضاء الوَطَر منك؛ فما عندك؟ أنا ال ِفدَاء لك! ت اليامُ على ما أ ِ متشوّف إلى رؤيتك ومفاوضتك ،وقد طال ِ
ن هو منك بهذا الموضع وفي هذا المحل إلَ النقياد إلى أمرك ،والسمعُ والطاعةُ ل ِفدَاك! ما يكونُ عند مَ ْ وتزورني أم أزورك؟ قلت :جعلني ا ّ
ق إليك ،والشّغف بك ،دون ل فيما عندي من الشو ِ ت به من القول يق ّ لك ،ولول أن أسيء الدبَ في أمرٍ بدَأت فيه بالفضل لقلت :إن كثيرَ ما ابتدأ َ
عنَاني إلى ما أ َردْت ،و ُقدْني كيف شئت ،تجدني كما قال القائل :البسيط: ت لك به المنّة عليّ ،وأنا بين يديك ،فأثْنِ ِ ل مني ،فوجبَ ْ ما حرَك هذا القو ُ
شمْته جِشما جّ صبّ فما َ والقلبُ َ ش َتهِيه فإني اليوم فاعـلُـهُ ما ت ْ
وذكر سهل بن هارون رجلً ،فقال :لم أر أحسن منه فَهماً لجليل ،ول تفهما لدقيق ،أشار إليه أبو تمام فقال :الوافر:
تعرَضَه صَفوح من مَلولِ وكنت أعَز عِزّا من قنـوع
به فَقرٌ إلى ذِهنٍ جـلـيلِ ل من معنًى دقيقٍ فصرت أذ ّ
ي بحديثه ،وإشارته إلي بِطَرفه؛ لقد وقال سعيد بن مسلم للمأمون :لو لم أشكُر الَ تعالى إلّ على حسن ما أبلني من أمير المؤمنين من قصدِهِ إل َ
ج ُد عندك من حسْن الفهام إذا حَدثت كان في ذلك أعظمُ الرفعة ،وأرف ُع ما تُوجِبه الحرمة .فقال :يفعل أمير المؤمنين ذلك؛ لن أمير المؤمنين يَ ِ
ف عند مقاطع كلمي، حدٍ ممن مضى ،ول يظن أنه يجده عند أحد ممن بَقِي ،فإنك لتستَقصِي حديثي ،وتَق ُ وحسن الفهم إذا حُدثت ما ل يجدُه عند أ َ
خبِر بما كنتُ أغفلته منه. وتُ ْ
وقال المتوكل لبي العيناء :ما تحسنُ؟ فال :أفهَمُ وأُفهِم.
ضرَب الموسيقى :أفهمت؟ قال :نعم ،قال :بل لم تفهم ،لني ل أرى عليك سرور الفهم! وقد قيل :مَنْ نظر إلى وقال بعض الحكماء لتلميذه ،وقد َ
الربيع وأنواره ،والروض وأصبْاغه ،ولم يبتهج كان عديمَ حِسّ ،أو سقيم نفس.
ومرّ أبو تمام بأيرشهر من أرض فارس ،فسمع جارية تغني بالفارسية ،فَشَاقَه شجيّ الصوت ،فقال :الوافر:
ولم تصممهُ ،ل يصممْ صداها! س ِمعَةٍ تروقُ السمعَ حسنـاً ومُ ْ
فل ْو يسطيعُ حاسدُها فَـدَاهـا لوت أوتارها فشجتْ وشاقـت
ت كبدي فلم أجْهل شداهـا َورَ ْ ولم أفْهم معانـيهـا ،ولـكـن
يُحَب الغـانـياتِ ول يراهـا فكنت كأنني أعمى مـعَـنّـى
قال أبو الفضلى أحمدُ بن أبي طاهر :قلت لبي تمام :أخذت هذا المعنى من أحد؟ قال :نعم ،أخذتُه من قول بشار بن برد :البسيط:
41
ل العـينِ أحـيانـا
ق قب َ
والذن تعْشَ ُ يا قو ِم أذْني لبعض الحيّ عـاشـق ٌة
لذْنُ كا ْل َعيْنِ تُوفي القلبَ ما كانـا
اُ ن ل تَرى تهذْي؟ فقلت لهم: قالوا :بم ْ
وقال بشار أيضاً في هذا المعنى :البسيط:
حبّها َأثَرُ:
ضحَى به من ُ
قَلبي فأ ْ قالت عَقِيل بن كعب إذ تعلقَـهـا
إن الفؤادَ يرى ما ل يَرَى البَصَر أنّى ولم تَرَها َتهْدي! فق ْلتُ لهـم:
وقال :الطويل:
قلو ُبهُ ُم فيها مـخـالِـفَةّ قـلـبـي عبْـدَة مـعـشـرٌ
يُزهّدني في حُبّ َ
ب ل بالعين يبْصِرُ ذو الـلُـ ِ
ب فبا ْلقَ ْل ِ فقلت :دعُوا قلبي وما اختارَ وارتضى
ل من القـلـ ِ
ب ول تسمع الذْنانِ إ َ وما تبْصِرُ العينان في موضع الهوى
وقد قال أبو يعقوب الخريمي في هذا المعنى ،وكان قد أعورَ ثم عمي ،وقيل :إنها للخليل بن أحمد :الكامل.
يا للرجال لصبْوة العمـيانِ غدَاة لقيتهـا؟
قالت أتهزأ بي َ
سيّانُِأذْني وعيني في الهوى ِ فأجبتها :نفسي فداؤك إنـمـا
وقريب من هذا قول الحكم بن قنبر إنْ لم يكن منه :البسيط:
غيّبتَ عن بَصَـرِي يَرْعاك قلبي وإن ُ إن ُكنْتَ لَست معي فالذكر منك معـي
وناظرُ القلب ل يَخلو من الـنـظـر ن تَـهـوَى وتـفـقـده العين ُتبْصِر مَ ْ
وقـال آخـر :الـــطـــويل:
ت عن عيْني فما غِبتَ عن قلبي غبْ َ
لئن ِ أما والّذي لو شاءَ لم يخْلُق الهَوَى
أُناجيك من ق ْربٍ وإنْ لم تكن قربـي عيْنُ الوَهْمِ حـتـى كـأنـنـي ترِينيكَ َ
وقال أبو عثمان سعيد بن الحسن الناجم :الطويل:
فما هو عن عين الضمير بغـائبِ لئن كانَ عن عينيّ أحمـدُ غـائبـاً
ولم تتخَطّفْهـا أكـفّ الـنـوائبِ له صورةٌ في القلب لم يُ ْقصِها النوى
وضاقت بقلبي في نَوا ُه مَذَاهـبـي إذا ساءني منه شُـحُـوطُ مـزاره
حّلتُهُ بين الحَـشَـا والـتّـرَائب مَ َ عطفتُ على شَخْصٍ له غير نـازحٍ
وذكر أبو عبيدة كيسان مسْتمليه في بعض المر ،فقال :ما َفهِمَ ،ولو فهم لوَ ِهمَ .وكان كيسان يوصف بالبَلدة والغفلةّ.
قال الجاحظ :كان يكتبُ غيرَ ما يسمع ،ويستقني غير ما يكتب ،ويقرأ غيرَ ما يستقني ،ويُملي غير ما يقرأ ،أمليت عليه يوماً :مجزوء الوافر:
بمعتمر أبا عمـرِ عجبتُ لمعشرٍ عدلوا
فكتب أبا بشر ،وقرأ أبا حفص ،واستقنى أبا زيد.
جمَع له بالَه ،ويُصغِي إلى حديثه ،ويكتم عليه سِ ًرهُ ،ويبسط له عذره. قال أبو عباد :للمحدث على جليسه ،السامع لحديثه ،أن يَ ْ
وقال :ينبغي للمحدث إذا أنكر عين السامِعِ أن يستَفهمه عن َمعْنى حديثه ،فإن وجده قد أخْلَص له الستماع أتمّ له الحديث ،وإن كان لهيًا عنه
حرمهُ حُسْنَ القبال عليه ،ونَفْعَ المؤانسة له ،وعرفه بسوء الستماع والتقصير في حق المحدث.
وقال :نَشَاطُ المحدّث على َقدْر فهم المستمع.
حدّجُوك بأسماعهم ،ولحظوك بأبصارهم ،فإذا رأيت منهم فتوراً فأمسك. ل بن مسعود -رضي ال عنه! -يقول :حدّثِ الناسَ ما َ وكان عبد ا ّ
وقال أبو الفتح البستي :الوافر:
وحفظي والبلغة والبـيانِ إذا أحَسَست في لَفظي فتوراً
على مقدار إيقاعِ الزّمـانِ فل تَ ْرتَبْ بفهمي إنّ َرقْصي
ت من القلب وقعت في القلب ،وإذا خرجت من اللسان لم تُجاوز الذان. وقال عامر بن عبد قيس :الكلمةُ إذا خرج ْ
وقال الحسن -وقد سمع متكلّمًا َيعِظُ فلم تَقَ ْع موْعِظته من قَ ْلبِهِ ولم يرق لها :-يا هذا ،إن بقلبك لشرّاً ،أو بقلبي! وقال محمد بن صبيح المعروف
ل أنك تكرره ،قال :إنما أكرره ليفهمه مَنْ لم يكن َفهِمه ،قالت :إلى أن عظُ الناس به؟ قالت :هو حَسَن ،إ ّ بابن السماك لجاريته - :كيف ترين ما أ ِ
سمْع الذكي. يفهمه البطيء يَثْقُل على َ
جدّه ،لعدته. ض من بهائه ،وأُريق من مائه ،وُأخْلِق من ِ وأستعيد ابنُ عباس حديثاً فقْال :لول أني أخافُ أن أغُ َ
وقال أبو تمام الطائي يصف قصائده :الوافر:
مكرَمةً عَنِ ال َم ْعنَى المعادِ مُنزهةً عن السرق الم ّؤدّى
أخذه البحتري فقال :مجزوء الكامل:
ر َر فيه واللفظَ المُ َر َددْ ل ُي ْعمِلُ اللفظَ المـك
والطالة ممْلولة كما يمَلّ التكرير.
ت عليهن؛ فأما الشهرجانية فضربُ وقد قال الحسن بن سهل :الداب عشرة؛ فثلثة شهرجانية ،وثلثة أنُوشروانية ،وثلثة عربية ،وواحدة أ ْربَ ْ
العْود ،ولعب الشطْرنج ،ولعب الصّوَالج .وأما النوشروانية فالطّب ،والهندسة ،والفروسية .وأما العربية فالشعْر ،والنّسب ،وأيام الناس .وأما
س بينهم في المجالس. الواحدة التي أ ْربَتْ عليهنّ ،فمقطعات الحديث ،والسمر ،وما يتلقّاه النا ُ
وكان يُقال :خُذ من العلوم نتفها ،ومن الداب طُرَفها.
وكان يقال :مقطعَات الدب ،قُراضاتُ الذهب.
وحضَر بشا ُر بن بُ ْردٍ مجلساً فقال :ل تجعلوا مَجلِسنا غِناء كلَه ،ول شعرًا كله ،ول سَمرًا كله ،ولكن انتهبوه ا ْنتِهاباً.
42
وقال الحسن رحمه ال :حادثُوا هذه القلوبَ فإنها سريع ُة ال ّدبُور ،وا ْقدَعُوا هذه النفس فإنها طُلعة؛ وإنكم إل تَزَعُوها تنزعْ بكم إلى شَر غاية.
وقال أزدشير بن بابك :إن للذهان كَللً ،وللقلوب مللً ،ففرّقوا بين الحكمتين يكن ذلك استجماماً.
ف به على ما يُصِْلحُه من فساده، ح لمَعاشه ،و ِفكْ ٌر يق ُ ويروى في حكمة آل داود :ل ينبغي للعاقل أن يُخْلي نفس ُه من أربع؛ عدّة ِل َمعَادِهِ ،وصل ٌ
ولذة في غير مُحَرم يستعينُ به على الحالت الثلث.
وما أحسن ما قال أبو الفتح بن كشاجم :الرمل:
لَ ذِلَتِ الطـلَـبْ وكفَاه ا ُ جبِي ممّن تَنَا َهتْ حـالُـهُ عَ َ
بين حاَليْن نَـعـيم وأدَبْ؟ شطْرَيْ عمرِه كيف ل يَ ْقسِم َ
من غذاء وشراب منتخَـبْ ساعة ُيمِتع فيها نَـفْـسَـهُ
حين يشتاقُ إلى اللّعب ُلعَبْ و ُدنُو من ُدمًـى هُـنَ لَـهُ
فحديث ونشـيد وكُـتُـبْ ل مِنْ ذا حَـظـه فإذا ما نَا َ
فإذا ما غسَقَ الليل انتْصبْ مرة جِـد ،وأخـرى راحة
ل ليلً ما َوجَـبْ وقضى َ فقضى الدنيا نَهاراً حقّـهـا
شدْ و ُيصِبْ دَهْرَ ُه يَس َعدْ و َيرْ ُ تلك أقسا ٌم متى يَ ْعمَلْ بـهـا
وقال أبو العباس محمد بن يزيد :قسّمَ كسرى أيامه فقالَ :يصْلُح يَوْمُ الريح للنوم ،ويوم ال َغيْم للصيد ،ويومُ المَطَر للشرب واللَهو ،ويوم الشمس
لقضاء الحوائج.
قال الحسين ابن خَالَويْه :ما كان أعرفهم بسياسة دُنْياهم ،يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهُمْ عن الخرة هم غافلون ،ولكن نبيّنا ،صلى ال عليه
جزْء ل ،وجزءٌ لهله ،وجزءٌ لنفسه ،ثم جُزءٌ جزأه بينه وبَينَ الناس؛ فكان يستعين بالخاصّة على العامة، وسلم ،قَدْ جَزأ نهاره ثلثة أجزاءَُ :
ل تعالى يَوْمَ الفَزَع الكبر.
ن ل يستطيع إبلغَها آمنهُ ا ُ وكان يقول :أبْلِغوني حاج َة من ل يستطيعُ إبلغي؛ فإنه من أبلغَ ذا سلطان حاج َة مَ ْ
رجع إلى البلغة
وقال شبيب بن شيبة :إن ابتُلِيت بمقام ل بدَ لك فيه من الطالة فقدم إحكام البلوغ في طلب السلمة من الخَطَلِ ،قبل التقدّم من إحكام البلوغ في
ن تَ ْعدِل بالسلمة شيئاً ،فقليلٌ كافٍ خَي ٌر لك من كثير غير شاف. شَ َرفِ التّجْويد؛ ثم إياك أ ْ
وكان جعفر بن يحيى يقول لكتابه :إن استَطعْتم أن يكون كلمُكم كلُه مثل التوقيع فافعلوا.
وقال ثمامة بن أشرس :لم أرَ قط أنطَق من جعفر بن يحيى بن خالد ،وكان صاحبَ إيجازٍ.
ل بنوكان أبو وائلة إياس بن معاوية -على تقدمه في البلغة ،وفضْلِ عقله وعلمه -بالكثار َمعِيباً ،وإلى التطويل َمنْسوباً ،وقال له عبد ا ّ
ل َكثْرة كلمك .قال :أفتسمعون صواباً أم سمَع .وقيل له :ما فيك عيبٌ إ ّ ت ل نتفق ،أنْتَ ل تشتهي أن تسكت ،وأنا ل أشتهي أن أ ْ شبرمة :أنا وأنْ َ
خطأ؟ قالوا :بل صواباً ،قال :فالزيادةُ في الخير خير.
قال الجاحظ :وليس كما قال ،بل للكلم غاية ،ولنشاط السامعين نهاية ،وما فَضَل عن مقدار الحتمال ،ودعا إلى الستثقال والكَلَل؛ فذلك هو
الفِضَال وال َهذَر وا ْلخَطل والسْهاب الذي س ِمعْتُ الخطبا ِء يَعيبونه.
حدِيد ،ولني عيَيّ ،قال وذكر الصمعي أن ابن هبيرة لمّا أراد إياساً على القضاء قال :إني والّ ل أصلح له ،قال :وكيف ذلك؟ قال :لنّي دميم َ
س بك.ل الدّمامة فإني ل أريد أن أُحا ِ ت عما تريد؛ وأما ا ّ ي فقد عبّرْ َ حدّة فإن السوْط يُ َقوَمك؛ وأما العِ ّ ابنُ هبيرة :أما ال ِ
ب بالكثار ،ولكنه أراد المدافعة عن نَفْسه والحديث ذو شجون. ولم يصفه أحد بالعيّ ،وإنما كان ُيعَا ُ
ت لبعض القيَان فعشقني على السماع ،فلمّا رأتْني استقبحتني ،فقلت :الطويل: قال أبو العيناء ،ذُكِ ْر ُ
وقالت :قبيحٌ أحْوَلٌ ما له جسمُ وشاطر ٍة لمّا رَأتني تنـكّـ َرتْ
ي ول فَـدْمُ ب ل عي ّ أديبّ أري ٌ فإن تُنْكري مني احوِللً فإنني
فاتصل بها الشعر ،فكتبَتْ إلي :إنّا لم نرد أن نُولَيك ديوانَ الزمام! وكان عم ُر بن عبد العزيز رحمه ال تعالى كتب إلى عدي بن أرطاة :إن ِقبَلك
حدَهما قضاءَ البَصْرَة؛ فأحضرهما ،فقال بكر :والِّ ما أحْسن القضاء؛ فإن جَليْن من مزينة -يعني بكر بن عبد الّ ،وإياس بن معاوية -فَوَلّ أ َ رَ ُ
ل تَوْليتي ،وإن كنتُ كاذبًا فذلك أوجْبُ لِتركي ،فقال إياس :إنكم َوقَ ْف ُتمُوه على شَفِير جهنّم ،فا ْفتَدى منها َبيَمينٍ يكفرها، كنتُ صادقًا فما تَحِ ّ
ق بها ،فولّه. ل تعالى منها ،فقال له عديّ :أما إذ اهتديت لها فأ ْنتَ أح ّ ويستَغفِرُ ا ّ
خفَض ل عليه إياسٌ بالكلم ،فقال له القاضيَ : شيْخاً ،فصا َ ودخل إيَاس الشام وهو غلم صغيرٌ ،فقدّم خَصْماً له إلى بعض القضاة ،وكان ا ْلخَصْمُ َ
ق بحجتي؟ قال :ما أراك تقولُ حقاً ،قال :ل إله إل الّ! فدخل القاضي ن يَنطِ ُق أ ْكبَر منه ،قال :اسكت! قال :فمَ ْ عليك ،فإنه شَيخ كبير ،قال :الح ّ
على عبد الملك فأخبره؛ فقال :اقْضِ حاجتَه الساعَةَ وأخْرجه من الشام ل يُفْسِد أهلَها! وقال أحمد بن الطيب السّ َرخْسِي تلميذ يعقوب بن إسحاق
ن له، ل من حديثٍ إلى حديث ،وكنّا في صَحْ ٍ ل إليه أن يتحدّث ،فأخذ يحدّثني ،ويتنق ُ الكندي :كنتُ يومًا عند العباس بن خالد ،وكان ممن حبّب ا ّ
ن الدبِ في حُسْنِ الستماع ،وذكرت قول ضجَر ،ومللت حُسْ َ ل َفيْئاً؛ فلمّا أ ْكثَر وأ ْ
فلما بلغتنا الشمس انتقلنا إلى موضع آخر ،حتى صار الظ ّ
ي فيه ،فكيف أراك وأنْتَ المتكلم؟ فقال :إنّ ت ممّا ل كُلْفَة عل َ عيِي ُ الوزاعي :إن حسنَ الستماع قوة للمحدث ،قلت له :إذا كنتُ وأنا أسمع قد َ
الكلم يحَللُ الفضولَ اللَزجة الغليظة التي تعرض في الّلهَوَاتِ وأصْل اللسان ومنابِت السنان ،فو َثبْتُ وقلت :ل أراني معك اليوم إلَ إيَارج
الفَيقرا ،فأنت تتغَرغَر بي! فاجتَهد في أن أجِلسَ فلم أفعَل.
قال أحمد بن الطيب :كنا مرَة عند بعض إخواننا ،فتكلّم وأعجبَه من نفسه البيان ،و ِمنّا حسنُ الستماع ،حتى أفْرَط ،فعرض لبعض مَن حضَر
مَلل ،فقال :إذا بارك ال في الشيء لم َيفْنَ ،وقد جعل ال تعالى في حديث أخينا البركة! ولعبد ال بن سالم الخياط في رجل كثير الكلم:
المنسرح:
يزيدُ عند السكون والحَرَكةْ لي صاحبٌ في حديثه البركة
لردها بالحروف مُشتَبـكة لو قال لَ في قليل أحرُفهـا
ومن طرائف التطويل ما أنشأه البديع ،وسيم ّر من كلمه ما هو آنَق من زَهر الربيع.
في الظرف والمُلح والمزاح
43
قال الصمعي :بالعلم وصَلنا ،وبالملَح نِلنَا ،وقال الصمعي أيضاً :أنشدت محمد بن عمران قاضي المدينة ،وكان أعقَل من رأيْتُه :السريع:
نزلتُ في الخانِ على نَفسِي ل عن َمنْـزِلـي يا أيّها السائ ُ
ل يقبل الرّهن ول ينسِـي يغدو عليَ الْخُبزُ من خابـزٍ
حتى لقد أوجعني ضِرسي ل مِن كِيْسِي ومن كسْرتي آكُ ُ
ف ُتعْجِبهم المُلَح.
شبِ ُه مثلَك ،وإنما يَرْوِي مثل هذا الحداثُ؛ فقال :اك ُتبْها فالشرا ُ فقال :اكتب لي هذه البيات ،فقلت :أصلحك الّ! هذا ل يُ ْ
وقد قال أبو الدَرداء رحمه ال تعالى :إني لستَجِمّ نفْسي ببعض الباطل ،ليكونَ أقْوَى لها على الحق.
وقال ابن مسعود رحمه ال :القلوب تمل كما تمل البدان ،فاطلبوا لها طَرَائِفَ الحكمة.
ل ليحدّثني بالحديث من الفقه فيُمليه عليَ ،ويذكر الخب َر من المُلَح فأستعيدُه فل يفعل ،ويقول :ل جشُون :لقد كنّا بالمدينة وإن الرج َ وقال ابن الما ِ
أعطيك مُلَحِي ،وأ َهبُك ظَرْفي وأدبي.
ل قميصٌ واحدة فأ ْدفَعه إلى صاحبها ،وأس َتكْسِي الّ عزّ وجلّ. سمَع بالكلمة المَليحة وما لي إ ّ جشُون :إني ل ْ وقال ابن الما ِ
خلُ عليّ في صناعتي، ن هذا يَدْ ُشعَبَ الطم َع عند بعض الوُلة ،ويقول :أصْلَح الَُ المير! إ ّ ي ُينَازع أ ْوقال الزبير بن بكار؛ رُؤي الغاضر ّ
ب مشاركتي في بِضاعتي ،وهيْأتُه هيأةُ قاض ،والمير يضحك ،وكانا جميعًا فرسَيْ رهان ورضيعَيْ لِبان في َبيَانهما؛ إلّ أنّ الغاضري ويطل ُ
شعَب. كان ل يتخلَق بالطمَ ِع تَخُلقَ أ ْ
ن بن زيد فقال :جُعلت ِفدَاك! إني عصيت الَّ ورسوله ،قال :بئس ما ص َنعْت! وكيف ذلك .قال :لنّ رسولَ ال وأتى الغاضري يوماً الحس َ
ح قومٌ ولَوا أمرَهم امرأة" ،وأنا أطعتُ امرأتي ،فاشتريتُ غلماً فهرب. صلى ال عليه وسلم قال" :ل يُفْلِ ُ
ض عليك الخصلتين ،قال :ل، ت فثمَنُ الغلم ،قال :بأبي أنتَ! ِقفْ عند هذه ول تتجاوَزها! قال :أعْ ِر ُ قال الحسن :فاخترْ واحدةً من ثلث :إن شئ َ
حَسْبي هذه.
وقد رُوِي نحوُ هذا عن أشعب ،أنه قال له بعض إخوانه :لو صرتَ إليّ العشيّة نتفرج؟ قال :أخاف أن يجيء ثقيل ،قلت :ليس معنا ثالث ،فمضى
معي ،فلفا صلّينا الظهر ودعوتُ بالطعام ،فإذا بداق يدق البابَ ،قال :ترى أنْ قد صِرْنا إلى ما نكره ،قلت له :إنه صديق ،وفية عشرُ خصال إن
كرِهْتَ واحد ًة منهن لم آذَنْ له ،قال :هَاتِ ،قلت :أولها أنه ل يأكل ول يَشرب ،فقال :التسعُ لك! قل له يدخل! ورأى سفيان الثوْري الغاضريّ
ف فيه حتى َلقِي الّ عزّ جمَ الغاضري ،وما زَال ذاك ُيعْرَ ُ س ُر فيه ال ُمبِطلون؟ فو َحكُ الناسَ؛ فقال :يا شيخُ ،أوَ ما علمتَ أن لّ يومًا يَخْ َ ضِ وهو يُ ْ
وجل.
وأشعب الطمِع هو أشعب بن جُبير ،مولى عبد الّ بن الزبير ،وكان أحْلَى الناسِ ،قال الزبير بن أبي بكر :كان أهلُ المدينة يقولون :تغيرَ كل
خبْز أبي الغيث ،ومِشية بَرّة؛ وكان أبو الغيث يعالج الخُبز بالمدينة ،وبرّة بنت سعيد بن السود كانت مِنْ أجمَلِ النساء ل مُلَح أشعب ،و ُ شيء إ ّ
شعَبُ قد نشأ في حِجْر عائشة بنت عثمان -رحمها ال! -مع أبي الزناد قال ب به المثلُ في الطّمع ،وكان أ ْ وأحسنهنّ مِشيَةً ،وأشعب يضر ُ
أشعب :فلم يزَلْ يعلو وأنحط حتى بلغنا الغاية.
وقال أشعب :أسلمتني أمي إلى بَزّاز ،فسألتني بعد سنة ،أين بلَغت؟ فقلت :في نصف العمل ،قالت :وكيف؟ .قلت :تعلمت النَشْر وبقي الطَي،
ت ل تفلح. قالت :أن َ
ك به ،قال :ا ْذكُري أنك سألتني وم َن ْعتُك! وقيل له :كم كان أصحابُ رسول الّ صلى ال عليه وسلم يوم وسألتْه صديقةٌ له خاتماً ،فقالت :أذكُ ُر َ
خيْرٍ ،رحمه ال تعالى! وقيل لشعب :أرأيتَ أطمع منك؟ قال: غزَا ومات على َ بَدْر؟ !قال :ثلثمائة عشر درهماً! ثم تنسَك في آخر عمره ،و َ
نعم ،كلبة آل فلن ،رأتْ رجلين َيمْضُغان عِلْكاً ،فتبعَ ْتهُما فَرْسخين تظنّ أنهما يأكلن شيئاً.
وأهدى رجلٌ من ولد عامر بن لؤي إلى إسماعيل العرج قالوذجة وأشعَبُ حاضر ،فقال :كُلْ يا أشعب ،فأكل منها؛ فقال :كيف تَراها .فقال:
عمِلَت قبل أن يُوحِيَ ربك إلى النحْل أي :ليس فيها حَلَوة. عليه الطلق إن لم تكن ُ
ن بن هانئ على يحي بن خالد فقال :أنشدني بعض ما ُقلْتَ ،فأنشده :الكامل وروى أبو هفان قال :دخل أبو نُواس الحس ُ
حكَى ويَزيد في علمي حِكايَةُ مَنْ َ إني أنا الرجلُ الحكيمُ بطَـبـعِـه
كيما أحدث مَنْ أُحب فيضْحَكـا أتتبعُ الظرفاء أكتـبُ عـنـهـم
ل َقدْحةٍ ،فقال ارتجالً في معنى قول يحيى :الكامل فقال له يحيى بن خالد :،إن أول زَندك ليُوري بأوَ ِ
حكَا
ل َقدْ َ
ستَوْ َريْتَ سهَ َ
إنه َز ْن ٌد إذا ا ْ أمـا و َزنْـدُ أبـي عـلـــي
جدّك للسماح و َمنْحَكـا قد صاغَ َ إن اللهَ ِلعِـلْـمِـ ِه بـعـبـاده
ل َمدْحَـكـا
من أهْلها و َتعَافُ إ َ تَأْبى الصنائ َع همَتي و َقرِيحـتـي
سرَعَهم جواباً ،وأكثرهم حياءً، ووصف أبو عبد ال الجماز أبا نواس فقال :كان أظْرفَ النّاس منطقاً ،وأغْزَرهم أدباً ،وأقدَرهم على الكلم ،وأ ْ
سنُونَ ال َوجْه ،قائِم النف ،حسن العينين وكان أبيضَ اللَونِ ،جميل الوَجْهِ ،مليح النغمة والشارة ،ملتفّ العْضاء ،بين الطويلِ والقصير ،مَ ْ
عذْب اللفاظ ،حُلْوَ الشمائل ،كثيرَ النوادر ،وأَعْلَمَ الناس جيّدَ البيانَ ، ضحَك ،حُلْو الصورة ،لَطيفَ الكَفّ والطراف؛ وكان فصيحَ اللسانَ ، والمَ ْ
كيف تكلمت العربُ ،رَاويةً للشعار ،علمة بالخبار ،كأن كلَمه شعرٌ موزون.
شرَاعة كأنها كَرَبة نَخْل؛ فقال الجماز :فلو كانت أطرافه جمَازُ في حديثه ،وكان أقبح الناسِ وجهاً ،وكانت يدُ أبي َ وأقبل أبو شراعة العبسي ،وال َ
شتُمه.ف يَ ْ
سنُه؛ فغَضِب أبو شراعة وانصر َ على أبي شراعة لتمَ حُ ْ
لفَةِ أبي بكر ،رضي ح ْميَر ،ناَلهُمْ سِباء في خِ َ والجماز هو :أبو عبد ال محمد بن عمرو بن حماد بن عطاء بن ياسر ،وكانوا يَزْعمون أنهم من ِ
ل عنه ،وهم مَوَالِيه ،وسَلْم الخاسر عمّه ،وكان الجماز من أحْلَى الناسِ حكاية ،وأكثرِهم نادرة. ا ّ
حمْله إليه ،فلما دخل ُأ ْفحِم ،فقال له المتوكل :تكلمْ فإنّي قال بعض جلسا ِء المتوكّل :كُنّا ن ْكثِر عند المتوكل ِذكْرَ الجماز حتى اشتَاقه ،فكتبَ في َ
حيْضَتين يا أمي َر المؤمنين؟ فقال له الفتح :قد كلّمتُ أمي َر المؤمنين يُولَيك على القرود والكلب! قال :أفلستَ حيْضَةٍ أو ب َ ستَبرئكَ ،فقال :ب َ أُريدُ أن أ ْ
سامِعاً مطيعاً.؟ فضحك المتوكل وأمر له بعَشْرَةِ آلف درهم.
خلْفِ الباب ،فلّما خلُ بيتَه أكثر من ثلثةٍ لضيقه؛ فدعا ثلثةً ،فجاءه ستّة ،وقَرَعوا الباب ،ووقفوا على رِجل رِجل فَعدَ أرجُلَهم من َ وكان ل يُدْ ِ
44
ت ناساً ولم أدعُ كَراكِي. حصلوا عنده ،قال :اخرجُوا عني ،فإنما دعو ُ
وقال الطائي في عمرو بن طوق التغلبي :الكامل
جدٌ لمن لـم يَلْـعَـبِ سجحٌ ول ِ الْجِد ّشي َمتُـه ،وفـيه فـكَـاهَة
طبِ صهْباء ِما لم تق َ ل خيرَ في ال َ شَرِس ،ويتبع ذاك لينُ خَـلِـيقة
وقال في الحسن بن وَهْب :الكامل:
في ظلّه بالخندريس السَلْـسَـلِ لِّ أيامٌ خـطَـبْـنـا لِـينَـهـا
ل خيرَ في المعلول غيرَ معلـلِ بمدام ٍة نَغَمُ السماع خـفـيرُهـا
بازٍ ،ويغفلُ وهو غي ُر ُمغَـفـل يخشى عليها وهو يَجْلُو مُقلـتَـيْ
خَشِنُ الوقا ِر كأنَه في محـفـلِ ش َتهْفُـو خـلئقُـه ،ول ل طائ ٌ
ش مَنْ لم يهْزِلِ عيْ ُ ُينْضَى و ُيهْ َزلُ َ فكِه يجمُ الجـدّ أحـيانـاً ،وقـد
وقال فيه :الكامل:
تُؤْ ٌم َف ِبكْر في النّظَـا ِم وثَـيبُ ولقد رأيتكَ والـكـلمُ للـئٌ
سهِبُ وابن المقفعِ في اليتيم ِة يُ ْ ظ يَخْطُـبُ وكأن قُسّا في عُكا ٍ
ن َينْـسِـبُ وكثِيرَ عزَ َة يَوْم َبيْ ٍ وكأن َليْلَى الخيلـية تَـنْـدُبُ
طوْرًا َف ُي ْبكِي سامِعي ِه ويُطْرِبُ َ َيكْسُو الوقارَ ويستخف موقـراً
وقال أبو الفتح البستي :الطويل:
بِرَاح ،وعلّلْهُ بشي ًء مِنَ المَـ ْزحِ طبْ َعكَ ال َم ْكدُود بالـهـمَ رَاحةً أ ِفدْ َ
بمقدا ِر ما ُنعْطِي الطعا َم من المِلْحِ ح فَـلْـ َيكُـنْ
ن إذا أعط ْيتَه المَ ْز َ لكِ ْ
وما زال الشراف يمزَحون ويسمحون بما ل يَ ْقدَحُ في أديانهم ،ول يغضّ في مُرُوءَا ِتهِم.
سمْحَة".وقال النبي صلى ال عليه وسلم" :بعثت بالحنيفية ال ّ
وقال" :إني لمْ َزحُ ول أقُول إل حقاً".
جمِياً.عَ سكُوا نُسكاً أ ْ ن إنشادَ الشعر ،فقال :لقد نَ َ
وقيل لسعيد بن المسيب :إنّ قوماً من أهل العراق ل يَرَوْ َ
وقيل لبن سيرين :إنّ قوماً يزعمون أن إنشادَ الشعر ينقض الوضوء ،فأنشد :الطويل
ستِه لستقرَتِ ضيَت رَشح آ ْ ولو رَ ِ لقد أصبحَتْ عِرْس الفرزدق نَاشِزاً
وقام يصَلي! وقيل :بل أنشد :البسيط
ش ْهرِ الصَوم في الطَولِ عُرقوبُها ِمثْلُ َ عجُوزاً جِئتُ أَخـطـبـهـا أ ْنبِئْتُ أن َ
ما قيل في النسيب والغزل
شتَهي النسيب؟ .فقال :أما من يؤمن بال واليوم الخر فل. وقيل لبي السائب المخزومي :أترى أحداً ل يَ ْ
شدُ
ل بن عروة الزبيري قال :كان عُروَة بن ُأذَينة نازلً في دار أبي بالعقيق ،فسمعتُه ُينْ ِ وروى مصعب بن عبد الّ الزبيري عن عروة بن عبيد ا ّ
لنفسه :الكامل
خُلِ َقتْ هواك كما خُِلقْتَ َهوًى لها ت فؤادَك مَـلّـهـا عمَ ْ إنَ التي زَ َ
أبْدى ِلصَاحِبه الصبّابَ َة كُـلّـهـا لكُمَـا ت بهاَ ،وكِ َ فيك الذي زعمَ ْ
ظلّـهَـا ت إذَنْ ل َ حيَ ْضِ يوماً وقد َ وَل َعمْرُها لو كان حبُك فَـوقَـهـا
شَفَع الضميرُ إلى الفؤاد فَسَلّهـا جدْت لها وَسَاوِسَ سَـلـوَة فإذا و َ
بَِلبَـاق ٍة فَـَأ َدقّـهَـا وَأجـلَـهـا بيضاء بَاكَرَها النّعيمُ فصَاغَـهـا
45
َفمَنْ لِنارٍ على الحْشاء تتقِـدْ؟ ت ِببَ ْردِ الماءَ ظا ِهرَهُ َهبْني بَ َردْ ُ
وقد رُوِي هذان البيتان لغيره.
ومرّت به سكينةُ بنتُ الحسين بن عليّ بن أبي طالب -رضي الّ عنهم! -فقالت له :أنْتَ الذي تزعم أنّك غيرُ عاشق ،وأنت تقول :البسيط:
س َتتِـرِ
ستْرَ فا ْ قد كنتَ عندي تُحِبّ ال ّ ت بـه سرَي فَـبُـحْـ ُ قالتْ وأَب َثثْ ُتهَا ِ
غَطّي هواكِ وما ألْقَى على بَصَري ت ُتبْصِ ُر مَنْ حَولي؟ فقلت لهـا س َأل ْ
والّ ما خرج هذا من قَلْبِ سليم.
شدْتُه :الكامل: لحْوًص فأنْ َ وروى الزّبير عن رجل لم يسمّه ،قال :قال لي أبو السائب :أنشدني لِ َ
ل امرئ بوصاِلكُمْ صَب : حبْ َ قالت وقلت :تحرّحِي َوصِلي َ
الـغـدرُ شـيءٌ لــيس مـــن ضَـــرْبـــي ن َبعْلي؟ فقلت لها: ب إذَ ْ صَاحِ ْ
عِرْس الـخـلـيل وجَــارةُ الْـــجَـــنْـــبِ شيئان ل أدْنُــو لـــ َوصْـــلِـــهـــمـــا
والـجـــارُ أوصـــانـــي بـــه َربّـــي أمّـا الـخـلـيلُ فـلـســتُ فـــاجِـــعَـــهُ
بعـضَ الـحـديث مَـطـيكـم صَــحْـــبِـــي عُوَجـا كــذا نَـــ ْذكَـــرْ لـــغـــانـــيةٍ
ت بــدَأت بـــالـــ ّذنْـــبِ؟ نُذنِـبْ ،بَـك أنْـ ِ ونَـقُـلْ لـهـا :فـــيمَ الـــصّـــدُودُ ولـــم
مِنـا بِـدارِ الــسَـــهْـــلِ والـــرُحْـــبِ إن تُـقْـبِـلـي نُـقْـبِـل ونُــنْـــزِلُـــكـــم
وتُـصَـدعـي مُـتَـــلئِمَ الـــشَـــعْـــبِ أو تَـهْـجُـرِي تـكـدرْ مـعــيشـــتُـــنـــا
فقال :هذا والّ المحب حقاً ،ل الذي يَقُول :الوافر:
ي مُنفَسحاً عريضا وجدت وَرَا َ وكنت إذا حبيبٌ رامَ هَجْـرِي
صحِبك ال ،ول وسَع عليك! وخرج أبو حازم يومًا يَ ْرمِي الجمار ،فإذا هو بامرأة حَاسِر قد َفتَنتِ الناسَ بحُسنِ وجهها، ثم قال :اذْهَب ،فل َ
شغَ ْلتِهم عن مَناسكهم ،فاتقي ال واس َتتَري؛ فإنّ ال ،عزَ وجل ،يقول في شعَرٍ حرام ،وقد فتنتِ الناسَ و َ وأله ْتهُمْ بجمالها ،فقال لها :يا هذه ،إنك بمَ ْ
جيُوبهن"؛ فقالت :إني من اللتي قيل فيهنّ :الطويل: خمُرِهِنّ عَلَى ُ كتابه العزيز" :وَ ْليَضْ ِربْنَ ب ُ
ختْ على المتنين بُرْدًا مهلهل وأرْ َ ت كِساء ا ْلخَزّ عن حُر وَجْهها ط ْأما َ
ولكن ل َيقْتلْنَ البريء المُـغَـفّـل ن يَ ْبغِين حِسـبةً من اللءِ لم يحججْ َ
ل تعالى بالنار! فجعل أبو حازم ل يعذبها ا ّ ل لهذه الصورة الحسنة أ ّ الشعر للحارث بن خالد المخزومي ،فقال أبو حازم لصحابه :تعالوا َن ْدعُ ا ّ
يَدْعُو وأصحابه يُؤ َمنُون ،فبلغ ذلك الشعبي ،فقال :ما أَ َرقّكم يا أهلَ الحجاز وأظرفكم! أما وال لو كان من قُرَى العراق لقال اعزبي عليك َل ْعنَة
الّ! وكان أبو حازم من فضلء التابعين ،وله مقامات جميلة من الملوك ،وكل ٌم محفوظ يدلّ على فضله وعقله ،وهو القائل :كل عمل تكْرَ ُه من
ت أن يكون معك غداً فقدمه اليوم .وكان يقول :إنما بيني وبين الملوك يوم واحد، أجله الموتَ فاتركه ،ول يضرك متى متَ .وكان يقول :ما أحبب َ
غدٍ على َوجَل؛ وإنما هو اليوم ،فما عسى أن يكون اليوم. أما أمس فل يجدون لذّته ،وأنا وإياهم من َ
وقال أبو العتاهية :البسيط:
وإنما نحْنُ فيها بـين يومَـيْنِ سبُهاحتى متى نحن في اليام نَحْ َ
لعلّه أجْلَبُ اليومين لـلـحَـيْنِ يومٌ تولَى ،ويومٌ نحن نـأمُـلُـه
وروى الزبير بن أبي بكر قال :قدمت امرأة من ُهذَيل المدينَة ،وكانت جميلةً ،ومعها ابن لها صغير ،وهي أيّم ،فخطبَها الناسُ وأكثروا ،فقال
ع ْتبَةَ بن مسعود :الطويل: ل بن ُ فيها عبيد ال بن عبد ا ّ
ن بعـيدُ قَريبٌ ول في العالمي َ حّبكِ حبًا ل يحبّك مـثـلَـهُ أِ
ب عليك شديدُ جدْتِ ولم يصعُ ْ َل ُ أحبّك حبّاً لو علمت ببعَضـهِ
شهيدي أبو بكر َفذَاكَ شهـيدُ وح ّبكِ يا أمّ العلء مُتـيّمـي
عرْوَةُ ما َألْقَى بكم وسعـيدُ وُ جدِي القاس ُم بن محمدٍ ويعلم وَ ْ
وخارج ٌة ُيبْدي لـنـا ويُعـيدُ ن كلّـه ويعلم ما ُأخْفي سليما ُ
ف وتلـيدُ ب عندي طار ٌ فَلَلحُ ّ خبَري متى تسألي عما أقول فت ْ
فقال له سعيد بن المسيّب :قد َأمِنَ أن تسألنا ،ولو سأَلتْنا ما شهدْنا لك بزور.
حدَ الفقهاء السبعة الذين انتهى إليهم عل ُم المدينة ،وقد ذكرهم عبيد الّ في هذه البيات؛ وهم :أبو بكر بن عبد الرحمن بن وكان عبيد ال أ َ
الحارث بن هشام ابن المغيرة المخزومي .والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ،وعروة بن الزبير ابن العوام ،وسعيد بن المسيب بن حزن،
وسليمان بن يسار ،وخارجة بن زيد ابن ثابت النصاري.
وقيل لعبيد الّ :أتقول الشعر على شَ َر ِفكَ؟ فقال :ل بُدَ للمصدور أن َينْفُث؛ وعبيد الّ هو القائل :الوافر:
هَوَاكِ فَلِيمَ والتأمَ ال ُفطُـورُ ت فيه ب ثم ذَرَ ْر ِشقَقْتِ القل َ َ
َفبَادِيهِ مع الَخَافـي يَسـيرُ ع ْثمَةَ في فُؤادِي َتغَ ْلغَلَ حُبّ َ
ول حُزْنٌ ولم يبلغْ سرورُ َتغَ ْلغَلَ حيث لم يبلُغ شرابٌ
أخذه سَلْم بن عمرو الخاسر فقال :الطويل:
ل َمفْصِلِ خمْرِ في ك ّ فدَب دَبيبَ ال َ سقتني بعينَيْها الهوى وس َقيْتُـهـا
وقال أبو نُوَاس :الوافر:
لترداد اسمها فيهـا ُألَمُ أحِب اللومَ فيها ليس إل
ل ل َتغَ ْلغَُلهَا ال ُمدَام
مَداخِ َ و َيدْخُل حبها في كل قَلبٍ
46
ومنه قول المتنبي :الطويل:
شرَابُ نَديمٌ ،ول يُ ْفضِي إليه َ وللسّ ّر منّي موضِ ٌع ل َينَالُهُ
وقال بعض المحدثين :الكامل:
حتى حللت بحيثُ حَل شرابي ما زلت تغويني وتطلبُ خُلّتي
ما هكذا الحْبابُ للحْـبَـابِ ثم انصرفت بغير جزْمٍ كان لي
ت من قول أبي محمد ابن أبي أمية :الطويل:
أخذ أبو نُواس ،قوله :أحب اللوم فيها ...البي َ
ل أمينٌ ،والنساءُ شـهـود رسو ٌ س ُكنْت زينَـهُ وحدّثني عن َمجْلِ ٍ
ك من بيْنِ الحـديث أُريدُ وَذكْر ِ فقلت له ُردّ الحديث الذي مضى
كأني بطيء الفهم عنه بَـعِـيدُ أناشدُ ُه بـالـلّـهِ إلّ أَعَـ ْدتَـهُ
وقول أبي نواس في البيت الول كقوله :الوافر:
س ِميَةِ الحـبـيبِ
فممزوجًا بتَ ْ إذا غَا َديْتني بصَـبُـوحِ لَـوْم
عليكِ ،إذا فع ْلتِ ،من الذنوبِ عدُ الـلَـوْمَ فـيهـا فإني ل أُ ِ
47
حِجَابًا من ال َقسّيّ والحـبـرا ٍ
ت ن دونهـا فأبرزن لما قمن يحجب َ
به زينبٌ في نسوةٍ عَـطِـرَاتِ شتْ ن نعمان إذ م َ تَضَوّع طيبًا بَط ُ
خرُجْن شطر الليل ُم ْعتَجِراتويَ ْ ف البنَان من التقَـى يُخَبئن أطرا َ
ل مما يلذّ استماعه ،ثم قال :الطويل: فقَال سعيد :هذا وا ّ
وأبدت بَنانَ الكَفّ للـجَـمَـراتِ س َعتْ جَيبَ درعها وليست كأُخْرى و ّ
على مِثلِ بَد ٍر لَحَ في الظلمَـاتِ ت بَيان المسك وَحفًا ُمرَجـلً وغاَل ْ
ح مِـن عَـرَفـاتِ برؤيتها مَنْ را َ جمْع فأفتَـنَـتْ وقامت تَرَاءَى بين َ
ل بن نميِر الثقفي يقوله في زينب بنت يوسف أخت الحجاج؛ وطلبه الحجاج قال :فكانوا يرون أن الشعرَ الثاني له ،والولى لمحمد بن عبد ا ّ
ل المير إلّ:حتى ظَفر به فقال :أنت القائل ما قلت؟ قال :وهل قلت أصلح ا ّ
شطْر الليل مُعتَجِراتِ ويخرجن َ يخبّئن أطرافَ البَنان من التقـى
قال له :كم ُك ْنتُم إذ تقول:
ولما رأت َركْبَ النميري أعْرَضت
قال :وال ما كنت إلّ أنا وصاحب لي عَلَى حمّار هَزيل! فضحك وعفا عنه .وهو القائل :الوافر:
بنِي الزّيّ الجميل من الثاثِ ج ْتكَ الظّعائِنُ يوم بَـاتُـوا أهَا َ
ح ِتثَـاثحثّ إذا َرنَتْ أي ا ْ تَ ُ ن قَـوّ ظَعائن أسَْلكَت في بَطْ ِ
ِنعَاجًا تَ ْرتَعي بَقْلَ البِـراث كأنٌ على الهوادج يَوْمَ بانـوا
كما سجع النّوَادِب بالمَراثي حمَا ُم إذا تـغـنـى يهيّجك ا ْل َ
سيَة جَرّاحة ،كم راقد في طوَاحة طرّاحة ،آ ِ عدُ الدنيا إلى خََلفِ ،وبقاؤها إلى تَلَفِ ،و َبعْدَ عَطائِها المنع ،وبعد أمانها الفَجْعَ ، وقال ابن المعتز :وَ ْ
سكُن َرمْسَه ،وينقطع عن أمله ،ويُشْرِف على عمله ،وقد َرجَح الموتُ ظلّها قد أيقظته ،ووافق بها قد خَانَته ،حتى يلفظَ نفسَه ،ويودعّ دنياه ،وي ْ
ط من رَماد تحت صفائح أنْضاد؛ وقد أسلمه خّ ل َبهْجَته ،وقطع نظامَ صورته ،وصار ك ً ض قُوَى حَركاته ،وطَمس البلَى جما َ بحياته ،ونق َ
ت فيه ا ْلجَنادل ،ما زال مضطرباً في أمَلِه ،حتى استقرّ في أجَله ،ومحت اليا ُم ِذكْرَه، ش ْ
الحباب ،وافترش التُرَاب ،في بيت نجرتْه ال َمعَا ِولُ ،و ُفرِ َ
ظ َف ْقدَه.
واعتادتِ الَ ْلحَا ُ
وكتب وهو معتقل إلى أستاذه أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب يتشوّقه :الرجز:
بماء مزْنٍ بار ٍد مُـصَـفّـقِ ما وَجدُ صَادٍ بالحبال مُوثَـقِ
ف دَجن مطبِقِ جادت به أخل ُ بالرّيح لم يَكدُر ولـم يُ َرنَـقِ
مَادَ عليها كالزّجاج الزرقِ بصخر ٍة إن تَرَ شَمساً تبـرق
ل كوَجْدي بك ،لكن أتّقـي إّ صَرِيحُ غَيثٍ خالصٍ لم يُمذَق
وصَيرَفيًّا ناقداً للمـنـطِـقِ يا فاتحًا لكل باب مُـغْـلَـقِ
إنّا على البعاد والـتـفـرّقِ ل هذا َبهْرج لم ينـفـقِ إنْ قا َ
لنلتقي بالذكر إن لم نَلـتَـقِ
ل بقاءك ،أو َد هذه البيات مما أمليْتُه عليك من قول جميل :الطويل: فأجابه :أخذتَ ،أطال ا ّ
على الماء ،يخشين العصيَ حَواني وما صادِياتٌ حُمـنَ يومـاً ولـيلةً
ن من بَردِ الحياض دَوَانـي ول ه ّ كواعبُ لم يَصدُرْن عنه لِـوجْـهَةٍ
فهنّ لصواتِ السّـقـاة رَوَانـي ت دونـهُ يَرَينَ حَبابَ الماء والمـو ُ
إليكِ ،ولكنّ الـعـدوّ عـرانـي بأكثـرَ مـنـي غُـلّةً وَصـبـابةً
خذْتَ آخرَهَا من قول رُ ْؤبَة بن العجاج :الرجز: وأ َ
ع ْيتَني ستَرْ َأخوك والرّاعي إذا ا ْ إني وإن لم تَرَنـي فـإنّـنـي
أراك بالوُد وإنْ لَ ْم تَـرَنـي
قال :فاستخفني في ذلك ونسب إليَ سوءَ الدب.
ن المعتز في المنصب العالي من الشعر والنثر ،وفي النهاية في إشراق ديباجَةِ البيان ،والغاية من رقَةِ حاشية اللسان. لبُ وكان أبو العباس عبدُ ا ّ
وكان كما قال ابن المرزبان :إذا انصرف من بديع الشعر إلى رقيقِ النّثر أتى بحلل السحر ،وليس بعد ذي الرّمة أكثرُ افتناناً وأكب ُر تصرّفا
ت من شعره ونثره في جملة هذا الكتاب؛ لئلّ أخرج عما تقدم به الشرط في البسط ،وآتي جمْلة ما اختر ُ وإحساناً في التشبيه منه .وإنما فرقتُ ُ
ههنا ببعض ما أختاره له ،قال :الوافر:
وضوءُ الصبح متهَمُ الطّلوع و ِف ْتيَانٍ سَرَوْا والـلـيلُ داجٍ
على أكتافهم صدَأ الـدّروعِ ن بُزا َتهُمْ أُمـراءُ جـيش كأ ّ
وقال أيضاً :الكامل:
حتى تبلّى ِمثْلَ َو ْقفِ الـعـاجِ في ليل ٍة أكَل المحاقُ هِللَـهـا
عُرْيان يَمْشِي في الدّجَا بِسرَاجِ والصبحُ َيتْلُو المشتَري فكأنّـهُ
وقال أيضًا يصف فرساً :الكامل:
عجَاجَ َة قَسطَلِ ع َقدَتْ سنا ِبكُه َ
َ غدَوْتُ على طمِر سابحٍ ولقد َ
لول الفتاة مساوِكًا من إسْحِلِ متلثم لُجُمَ الحديد يَلُـوكُـهـا
48
متبختر َيمْشِي بك ّم مُسْـبَـلِ ومحجل غير اليمين كـأنَـه
وقال :مجزوء الرمل أو الرجز:
مُسَـوم َيعْـبُـو ِ
ب غ َتدِي بِـقَـارحقد أ ْ
كال َقدَح المكـبـوب ينفي ا ْلحَصى بحافرٍ
في موضع التقطيبِ قد ضحكت غُ َرتُـهُ
وقال أيضاً :الكامل:
ف كلَوْنِ الصبح حين وَفـدْطرْ ٌ
ِ ولقد وطئتُ الغيثَ يحمـلـنـي
أخرى عليه إذا جَرى بـأشـدّ خمَاع أطْرَافِ الصّوار فمـا الْ
صدف المعشَق ذو الدّلل وصدْ يمشي فيعرض في العِنان كمـا
أطلقتهُ فإذا حبـسـت جـمـدْ ب إذا فكـأنـه مَـــوْج يذو ُ
وقال أيضًا يصف سيفاً :الطويل:
ك ِدمَـاء
فما يُنتضَى إلَ لس ْف ِ ولي صار ٌم فيه المنايا كَوامِن
بقي ُة غيْمٍ رَق دُونَ سَـمَـاء ق َمتْنيْه الف ِرنْد كأنهُ ترى فَوْ َ
وقال يَصِف ناراً :الطويل:
كأنَ سيوفًا بين عيدانها تُجْـلـى مُشهَرة ل يحجب النخلُ ضوءَها
كما شقّت الشقراء عن َمتْنها جُل يفرج أغصان الوقود اضطرامُها
وقال بعض أهل العصر ،وهو السّريّ الموصليّ :المنسرح:
ك فيه السرو ُر من كـثَـ ِ
ب حُ ضَ
يَ ْ يوم رذاذ ُممَـسّـك الـحـجُـب
على شموسِ البهاء والحـسـبِ ومجلـسٍ أُسْـبـلِـت سـتـائرهُ
في ح ْل ِيهَا أو هممن بالـخـبَـبِ وقد جرت خيلُ راحنـا خَـبَـبـاً
ُي ْغنِيك عن كل منظَـرٍ عَـجَـبِ والتهبت نا ُرنَا فـمـنـظَـرُهـا
على ذَرَاها مَطَا ِردُ الـلّـهَـب إذا ارتمت بالشرار فـاطّـردت
تطيرُ عنها قـرَاضَةُ الـذهـب رأيتَ ياقـوتةَ مـشــبـــكةً
فيه رياضُ الـجـمـالِ والدبِ فانهض إلى المجلس الذي ابتسمت
وقال بعض أهل العصر ،وهو أبو الفرج الببغا :الخفيف:
في كوانينه حياةَ النّفُو ِ
س فَحَمًا َقدّمَ الغلمُ فأَهْـدَى
فغدا وهو ُمذْهَبُ البنوسِ غيْرَ محلّى ن كال َبنُوسِ َ كا َ
عرُوسِ صّبغَاتِ َستْ ُه مُ َ
فكَ َ لقي النارَ في ثيابِ حِـدَادٍ
وقال أبو الفضل الميكالي :المتقارب:
عيْنِظرُها كلّ َ ق مَنْ َ
وقد را َ كأن الشّرارَ على نـارِنـا
فإمَا هَوَى ففُتات اللُجَـيْنِ سُحال ُة ِتبْـرٍ إذا مـا عـل
وقال ابن المعتز يصف سحابة :الوافر:
َتهَادى فوق أعناقِ الرّيا ِ
ح ومُوقَرة بثِقل الماءَ جاءَتْ
و َهطْلً مثل أفواهِ ا ْلجِرَاحِ فباتَتْ ليَلهَا سَحـاً و َوبْـلً
خِلَل نجومها عند الصباحِ كأَن سماءَها لما تجـلَـتْ
تفَتح بينـه نَـوْ ُر القـاحِ ض َبنَ ْفسَج خَضِل ثراهُ ريا ُ
وقال :البسيط:
خذِم
صمْصَامَةٍ َ
بصارم ذكرٍ َ غمْرَتهـا ولُجّةٍ للمنايا خُضتُ َ
ش ْهبَةٍ كاختلط الصبْح بالظلم
بُ صبَغَ ا ْلخِيلنُ دُ ْه َمتَـهُ
وقارحٍ َ
وقال :الطويل:
ق لمَـاعٍ وأبـيضَ صـار ِم
بأزر َ خضْت ظلمَـه وليل ككُحْل ال َعيْنِ ُ
تصافحُ رضراضَ الحصى بمنَاسم ومَضْبورةِ العضادِ ح ْرفٍ كأنهـا
وقال يصف حيّة :البسيط:
لوقدّها السيف لم يعلق بـه بـلَـلُ َنعَتّ رقطاء ل تَحيا لَـدِيغَـتُـهَـا
ع قـدّهُ بَـطَـلُ
كأَنـهـا كُـ ّم دِ ْر ٍ تلقى إذا انسلخت في الرض جلدتها
وقال أيضاً :الطويل:
شبَا حَظّي ،وقلـبـًا مـشـيعَـا
ي ُفلّ َ عضْبـًا مُـهَـنّـداً سأَ َر منّي الدَهرُ َ
وأَ ْ
سعَى
غيْبِ الدهر من حيث ما َ سرائر َ ورأيا كمـرآة الـصـنَـاع أرى بِـهِ
49
أخذه من قول المنصور لبنه المهدي :ل ُتبْرِمنّ أمراً حتى تفكّر فيه؛ فإن ِفكْره العاقل مرآته ،تريه قبحه وحسنه.
حمًى من العقل ل يطي ُر به الجهل ،وكنت لَ يا أمير المؤمنين ،وغفر لكَ! فقد كان لك ِ حمَك ا ُولما ُدفِن المنصور وقف الربيعُ على قبره فقالَ :ر ِ
ترى باطنَ المر بمرآ ٍة من الرأي ،كما ترى ظاهره .ثم التفت إلى يحيى بن محمد أخي المنصور فقال :هذا كما قال أبو دهبَل الجمحي :الكامل:
إن النساء بمثلِه عُـقْـمُ عُقمَ النسا ُء فما يَلِدنَ شَبيهَهُ
وبعده:
سِيان منه ال َوفْرُ والـعـدمُ ل ب َنعَمْ ،بِلَ متبـاعِـدٌ متهل ٌ
سقْمُ
ضمِناً ،وليس بجسمه ُ َ نزْرُ الكلم من الحياء تخالُه
أخذ البيت الخير من قول ليلى الخيلية :الكامل:
ن مظْلـومـا إن ظالمًا يوماً وإ ْ ن الدّهرَ آل مُـطَـرّف ل تقْ َربَ َ
ن نُـجُـومـا وأسنة زرق ُيخَل َ ل بيوتـهـم قوم رِباطُ الخيل حَوْ َ
وسطَ البيوت من الحياء سقيما وممزَق عنهُ القميص تَخَـالَـهُ
يوم الهياج على الخميس زعيما حتى إذا ُرفِع الـلـواءُ رأيتـهُ
وقال :البسيط:
صبَة العنَاق واللمَـمِ وطول أنْ ِ يُشَتهون ملوكا في تجـلـتـهـمْ
راحُوا كأًنه ُم مَرْضى من الكرمِ ك يَجرِي في َمفَارقهم إذا بَدَا المس ُ
وقال أبو علي الحاتمي :وما أحسن أبياتاً أنشدها أبو عمر المطرز غلم ثعلب يعترض في أثنائها هذا المعنى :الطويل:
وخُرْساً عن الفَحْشا ِء عند التهاتُرِ صمّاً عن الْخَـنـا تخاُلهُم للحلم ُ
وعند الحروب كالليوث ا ْلخَوَادرِ لقَوْا حياء وعِـفّة ومَرضَى إذا َ
بهم وًَل ُه ْم ذَلتْ رِقابُ العشـائر لهم عزُ إنصافٍ وذلّ تـواضـع
وليس بهم إلّ اتقاءُ المَـعـايرِ كأن بهم وَصماً يخافـون عـارهُ
وأنشد :الطويل:
عيْبَ لسانِ
أحلم عا ِد ل يَخَافُ جَليسهُم وإن نَطَقَ العوْراء َ
وإن حــدَثـــوا أدَوْا بـــحُـــســـن بـــيانِ خشَ سوءُ استماعهم حدّثوا لم يُ ْ إذا ُ
وقال ابن المعتز :الطويل:
طفِ الخصر مَياسِ دقيق ال َمعَانِي مُخْ َ وعا ِقدِ زُنارٍ علـى غُـصُـن السِ
ب َفمَ الْكاسِ ك عن َثغْرِ ا ْلحَبا ِ حَفأَضْ َ سقاني عُقاراً صَب فيها مِزَاجـهـا
وقال :الكامل:
حدَاثه ،كُونـي بـل فَـجْـرِ أْ يا ليل ًة نَسِيَ الـزمـانُ بـهـا
فيها الصبّا بمواقع القَـطْـرِ فاح المساء ببدرهـا ،وَوَشَـتْ
ت من الدَهْرِ ط ْ في حيث ما سق َ ثم انقضت والقَلْب يَ ْتبَـعُـهـا
وقال :الكامل:
ل يملكون لِسلْوة قَلْبـاً يا رُب إخوانٍ صحبتهمُ
حبّـاأجسامهم فتعانقت ُ لو تستطيع قلوبُهم نَفَ َرتْ
هذا كقول ابن الرومي :الطويل:
إليه ،وهل َبعْد ال ِعنَاق تَدَاني؟ س بَ ْعدُ َمشُـوقَةٌ
أعانقه والنف ُ
فيشتد ما ألقى من الهَيمـان وألثم فاه كي تَزُولَ حَرَارَتي
51
ولم ُينْفِق أح ٌد من خلفاء بني العباس في البناء ما َأنْ َفقَه المتوكل؛ وذلك أنه أنفق في أبنيته ثلثمائة ألف ألف ،وفي أبنيته يقول علي بن الجهم:
المتقارب:
خطَارِها ك َتبْني على َقدْرِ أ ْ َ وما زِلتُ أسمَع أنّ الملـو
ل ُيقْضى عليها بآثـارهـا وأعلمُ أنَ عقـولَ الـرجـا
حسِر من بُعْد أقْطَارِهـا فتَ ْ ن تسافر فيها العُـيون صُحو ٌ
سرَارهـا م تُفضِي إليها بأ ْ وقبّة مَلْك كـأنّ الـنـجـو
سنَا نَارِهـا أضاء الحِجازَ َ إذا أُو ِقدَت نَارُها بالعـراق
كساها الرّياض بأنْوَارِهـا لها شُرُفات كأنّ الـربـيع
لِفصْح النصارى وإفطارها خرَجْـنَ فهنّ كمصطحباتٍ َ
بعُونِ النساءَ وأبْكارِهـا نظمن القسِيَ كنظم الحلى
عقْد ُزنّارهـاومُصلحة َ شعْرَهافمن بين عاقصةٍ َ
وللبحتري فيها شعر كثير منه :الوافر:
ت التـمـامـا مصانعها وأكمل ِ أرى المتوكِّليّة قـد تـعـالَـتْ
ضئْنَ للساري الظّلمـا َي َكدْنَ يُ ِ قُصورٌ كالكواكـب لمِـعَـاتٌ
حوْذانِ ُينْشَرُ والخُزَامى جنَى ال ََ ض ِمثْلُ بُ ْردِ ال َوشْـي فـيه ورو ٌ
جنَى الزّ ْهرِ الفُرادَى والتؤامـا َ ب من فنون النوْرِ فـيهـا غرائ ُ
عليه الغيم ينسجمُ انسـجـامـا حكُها الضّحى طوراً وطَوراً تُضَا ِ
ت لهـا غَـمـامـا بِ َريّقِهِ لكن َ ولو لم يستهـل لـهـا غَـمـامٌ
وقال أيضاً :الكامل:
ِل َيتِمّ إلّ للـخـلـيفةِ جَـعْـفَـرِ قد تمّ حُسْنُ الجعفريّ ولـم يكـن
حضَـرِ في خير مبْدًى للَنا ِم ومَ ْ ملكٌ تبـوّأَ خَـيْرَ دارٍ أُنـشِـئت
ب بعَـنْـبَـرِ سكٌ يُشَا ُوترابُها ِم ْ ش ِرفَةٍ حَصاها لُؤلـؤ أفي رأس مُ ْ
ومضيئةٌ والليلُ ليس ِبمُـقْـمِـرِ ضرّةٌ والغيثُ ليس بسَـاكـب مُخْ َ
ظلّ الغمام الصيّب المستعـبـر ِ ت ب ُمنْخَرقِ الرياح ،وجاورتْ رفع ْ
وبعده:
ضيْبَرضوَى أو شواهقُ َ أعلمُ رَ ْ ت ُبنْـيانـًا كـأنّ زُهـاءَه و َر َفعْ َ
ن منه إلى بياضِ المشتري َينْظُرْ َ ظ العيونِ كأنـمـا حِ عالٍ على لَ ْ
شُرفاتُ ُه قِطَعَ السحابِ ال ُممْطِـر ملت جوانِبُهُ الفضاءَ ،وعا َنقَـتْ
من لُجّة ُفرِشت ورَوْضٍ أَخْضَر حتَـه فـفِـنـاؤه وتسيلُ دجلةُ ت ْ
أعطافُهُ في سَائحِ متـفـجّـرِ ح فتنـثـنـي شج ٌر تُلَعِبُهُ الريا ُ
أخذ أبو بكر الصنبوري قولَ البحتري في صفة البركة فقال يصف موضعاً :المتقارب:
بَطِيءُ ال ّرقُوء إذا ما سَ َفكْ سقى حلباً سافِك دَمـعـهُ
وساحاتُه بينهنّ الـبِـ َركْ طهُن الـرياض مَيادينُه بس ُ
شبَـكْ درُوعًا مُضَاعَفةً أو َ ترى الريح َتنْسِج من مـائه
ن بها فد سبـك جيْ ِ
وماء اللُ َ كأن الزجاجَ عليهـا ُأذِيب
مكانَ الطيو ِر يَطِيرُ السمكْ هي الجوّ من رقَة غير أن
فمفترق النّظم أو مشتبِـك ظمَ الزهر نظم النجوم وقد نُ ِ
حبُـكْ ودبجَ وجهَ السماء ال ُ كما درَج الما َء مَر الصبـا
و َنقْشَ عَصائبها والتكَـكْ ُيبَاهِين أعل َم ُقمْصِ القيان
وأخذ قوله:
جوَانبها إذا النجُوم ترا َءتْ في َ
فقال :الطويل:
بدجله في تشرين في الطولِ والعرْضِ ولما تعالى الـبـد ُر وامـتـدّ ضـوؤُه
سنَا بَـعْـضِ وبعضُ نجوم الليل يَ ْقفُو َ وقد قابل الماء المـفـضّـض نـورُه
ك مِنْ ظاهِرِ الرضِ يرى باطن الفل ِ تّوهم ذو الـعـين الـبـصـيرة أنـه
ولهل العصر في هذا النجْوم كلم كثير :قال المير أبو الفضل الميكالي ،يصف بركة وقع عليها شعاع الشمس فألقته على َمهْو مطل عليها
يقول :البسيط:
نورًا من الشمس في حافاتها سطعَا أما ترى البركة الغرّاء قد َلبِـسَـتْ
ك في دَسْـتِـه ارتـفَـعَـا كأن ُه مل ٌ وال َمهْو من فوقها يُ ْلهِيك مـنـظَـرُه
ج مُلْـتَـمِـعـا أعلى سماواته فارت َ والماء من تحته ألقى الشعاع علـى
52
سعَى كفّ الكمي إلى ضَرْبِ الكميَ َ ل تُـقـلـبـه ف مصقـو ً كأنه السي ُ
وقال علي بن محمد اليادي يمدح المعز ويصف دار البحر بالمنصورية :الطويل:
على النجم واشتدَ الرواق المـروّقُ جدُ واستولت البُنـي ولما استطال المَ ْ
ف مُونِقُ لها منظ ٌر يُزْهى به الطّرْ ُ بنى قبةً للملـك فـي َوسْـطِ جَـنّة
ي نُطّـقُ َفخُضْرٌ ،وأمّا طيرها َفهْ َ بمعشوقة الساحات ،أمَا عِراصُهـا
ترى البحر في أرجائه وهو ُمتْأق ص ٍر ذي قصُو ٍر كـأنـمـا تحف بقَ ْ
تَخُب بقصريهَا العيون وتُـعْـنِـقُ له بركةٌ للمـاء مِـلْء فَـضَـائِه
حُسَامٌ جَلَه الْ َقيْنُ بالرض مُلصَقُ ل َينْصَب فـيهـا كـأنـهُ جدْو ٌ
لها َ
كما قام في فَيض الفرات الخَوَ ْرنَقُ لها مَجلس قد قام في وَسْط مائِهـا
صفَتْ أرجاؤه فهـو أزرقُ زجاج َ كأنّ صفاءَ الماء فيها وحُـسْـنـهُ
رأيتَ وجوهَ الزنج بالنار تُـحْـرَقُ إذا بث فيها الليلُ أشْخاص نَجْـمِـه
ف ِرنْد على تاج المُـعـزّ وروْنـقُ وإن صافحتْها الشمس لحَتْ كأنهـا
عذَارَى عليهنَ المُلءُ الممَنْـطَـقُ َ كأن شُرافات المَقاصر حـولـهـا
صحَان الم َرقَرقُ صحْ َ كما ذاب آلُ ال َ يذوب الجفاء الج ْعدُ عن َوجْهِ مائهـا
وقال عبد الكريم بن إبراهيم :البسيط:
والشمس كالدّنِف المعشوقِ في الُفق ت بـينـهـم ح ُ صدْق رُ ْ ب فتيان ِ يا ر ّ
تروح الغُصُن الممْطُور في الوَرق حسْرى شمائلـهـا مَرْضَى أصائلها َ
ع ْقدَ مرجان مـن الـنَـزَقِ تقلّدت ِ معاطياً ش ْمسَ إبـريق إذا مُـزجَـت
كأنما َنفْسُه صِيغَتْ مـن الْـحَـدَق عن ماحِل طافحٍ بالماء مُـعْـتـلِـج
فالماء ما َبيْنَ محبوس و ُمنْـطَـلـق ضمُهُ الرَيحُ أحـيانـاً ،وتـفَـ ْرقُـهُ تَ ُ
وأبيض تحت َقيْظِيّ الضحَـى يَقَـق مِنْ أخضر ناضر والطّل يلـحـقـه
ق فؤادِ العاشق القـلِـقِ خفْ َ
للزجر َ تهزهُ الريح أحيانـًا فـيمـنَـحُـهـا
ت مِنْ لؤلـؤ نَـسَـق مَناطقاً رُصعَ ْ كأنّ حافاتِـ ِه نُـطّـقـن مـن َزبَـد
حسناء مَجْلُوّةُ اللبـات والـعُـنُـقٍ كأن َقبّتـه مـن سُـنْـدُسِ نـمـط
حسبته فرسـاً دهـاء فـي بَـلـق إذا تبلَـج فَـجْـرٌ فـوق زُ ْرقَـتِـه
ق من مَـائِهِ شـرقِ فلح في شار ٍ أو لزَ َورْداً جَرَى في َمتْنِـ ِه ذَهَـب
لفُـقِل ُي َمدّدُ أطنـابـاً عـلـى ا ُلي ٌ عشيّة كملت حُسـنـاً وسـاعـدَهـا
ت من كَرمٍ وافٍ ومن خُلُـقِ ما شئ َ تجلى بغُرّةِ وَضاح الـجَـبِـين لـه
ألفاظ لهل العصر في وصف الماء
وما يتصل به
سبْحَ النضْناض، ماء كالزّجاج الزرق ،غدير كعين الشمس ،مَوَارِد كالمَبَارِد ،وماء كلسان الشمعة ،في صفا ِء ال َد ْمعَة ،يسبح في الرّضْرَاضَ ،
س الدّرْعلسِلَ الفضّة ،ماء إذا صافحته رَاحة الريح ،لب َ ستْه َيدُ النسيم حكى سَ َ
سنّور ،صاف كقضيب البلور ،ماء إذا م ّ ماء أزرق كعين ال ّ
كالمسيح ،كأنّ ال َغدِي َر بترابِ الماء رداء مُصندل ،بركة كأنها مرآة السماء ،بركة مَفْرُوزةٌ بالخضرة ،كأنّها مِرآة مجلوّة ،على ديباجة خضراء،
ت عليه أنفاسُ الرياح الغرائب ماء زرق حِمامُه ،طامية أرجاؤه، بركة ماء كأنها مِرآةُ الصّناعِ ،غدير ترقرقت فيه دموعُ السحائب ،وتواترَ ْ
صبَاؤه ،ماء كأنما يفقده مَنْ يَشْهده ،يتسَ ْلسَلُ كالزرافين ،ويرضع أولد الرّياحين ،انحلّ عقدُ السماء، َيبُوحُ بأسْرَاره صفاؤه ،وتلوحُ في قراره حَ ْ
ش ْريَانُ الغَمامِ،
خيْطُ السماء ،وانقطع ِ سعَد السحابُ جفونَ العُشَاق ،وأكُفّ الجواد ،وانحلّ َ ووَهَى عقد النْوَاء ،انحلّ سلكُ القطر عن دُرّ البَحْر ،أ ْ
ضلُوعه ،سحابة تحدو من سحابة يتجلّى عليها ماءُ البحر ،وتفضُ علينا عقو َد الدّر ،سحابٌ حكى المحبّ في انسكاب دموعِه ،والتهاب النا ِر بين ُ
ل المطارَ أمواجاً ،والمواجَ أفواجاً ،تحللت عقد السماء بالدّيمة الهَطْلء ،غيث أجشّ يروي الغيوم جمالً ،وتمدّ من المطار حِبالً ،سحابة ترس ُ
ك من حُ ضَ
ب والكام ،ويُحيي النبات والسّوَام ،غيث كغزارة فضِلكَ ،وسلسة طبعك ،وسلمة عقدك ،وصفاء ُودّكَ ،وبْل كالنبل ،سحابهٌ ي ْ الهِضَا َ
ف أنينها ،ديمة رَوّت أديمَ الثرى ،ونبهت عيونَ النوْرِ من ا ْلكَرى، سوَادها الرض ،سحابة ل تجف جفونُها ول يَخ ّ بُكائها الرَوْض ،و َتخْضَر من َ
ل معها على البيوت بالثبُوت ،وعلى حتْ كَأفْوَاه الجراح ،مطر كأفْواه القِرَب ،ووَحل إلى الركب ،أ ْندِية مَنّ ا ّ عنَاق الرياح ،وسَ َ سحابة ركبت أ ْ
جنّة.حدِرُ انحداراً ،ويحمل أحجاراً وأشجاراً ،كأن به جِنة ،أو في أحشائه أ ِ ل يَنْ َ
السقوف بال ُوقُوف ،أقْبل السّي ُ
وبعض ما م ّر من هذه اللفاظ محلول نظام ما تقدّم إنشاده.
ولهم في مقدمات المطر
سرَادق الغَيم ،ولبس الج ّو مُطْ َرفَ ُه الدكَنَ ،باحت الريحُ بَأسْرارِ الّندَى، لبست السماءُ جلبَابها ،وسحبت السحائِبُ أذيالها ،قد احتجبت الشمسُ في ُ
شرَ النسيم بالندى ،واستعدت الرضُ للقطر ،هبّت وضربت خيمَة الغمام ،ورشّ جيش النسيم ،وابتلّ جناحُ الهواء ،واغرورقت مُقْلة السماء ،وبَ َ
ستُور على النجوم. شمائل الجنائِب ،لتأليف شمل السحائب .تألّفت أشتاتُ الغيوم ،وأسبلت ال ّ
وفي الرعد والبرق
عدُ
عدِ ،ونبض عِرْق البَرْقِ ،سحابة ارتجزت رَوَاعدها ،وأذهبت ببروقها مطاردها ،نطقَ لسانُ الرعد ،وخفق قَ ْلبُ البرق ،فالر ْ قام خطيبُ الرّ ْ
ق عن قهقهة الرعد ،زأرت أسْد الرعد ،ولمعت سيوف البَ ْرقِ ،رعدت سيوفُ الغمائم ،وبَ َر َقتْ ،وانحلّت ق ذو َلهَبٍ ،ابتسم البَ ْر ُ خبٍ ،والبَرْ ُ ذو صَ َ
عَزَاليُ السماء فطبقتَ ،هدَرت رَوَاعِدها ،وقربت أبَاعدها ،وصدقت مَوَاعدها ،كأن البرق قلب مَشُوق ،بين التهاب وخُفُوق.
ويتصل بهذه النحاء
53
ما حكاه عمر بن علي المطوعي قال :رأى المير السيد أبو الفضل عبيد الّ بن أحمد -أدام ال عزّه! -أيام مُقامِهِ بجُ َويْن أن يطالع قري ًة من
صحِية، قرى ضيَاعه تدعى نجاب على سبيل التنزّه والتفرّج ،فكنت في جملة مَن استصحبه إليها من أصحابه ،واتفق أنّا وصلنا والسماء مُ ْ
والجوّ صاف لم يطرز ثوبه بعلم الغمام ،والفق ًفيْرُوزَج لم يعبق به كافور السحاب؛ فوقع الختيار على ظل شجرة باسقة الفروع ،متّسقة
الورق والغصون ،قد سترت ما حواَليْها من الرْض طولً وعرضاً ،فنزلنا تحتها مستظلّين بسَماوَةِ أ ْفنَانِها ،مس َتتِرينَ من وَهَج الشمس بستارة
ت بعد ما عدَت وأبرقت ،وأظلمَ ْ شدَة والمحاورة؛ فما شعرنا بالسَماء إلَ وقد أرْ َ أغصانها ،وأخذنا نتجاذبُ أذيال المذاكرة ،ونتسالب أ ْهدَاب المُنا َ
عيْثاً ،وهَمّ
طرٍ كَأفْوَاه القِرَب فأَجادت ،وحكت أنامل الجْوَاد ومدامع العشاق ،بل أ ْوفَتْ عليها وزادت ،حتى كاد غيثها يعود َ أشرقت ،ثم جادت بمَ َ
َوبْلها أن يستحيل َويْلً ،فصبرنا على أذاها ،وقلنا :سَحَابة صيفٍ عما قليل تَ َقشّع ،فإذا نحن بها قد أمطرتنا بَرَدًا كالثغُورِ ،لكنها من ثغور العَذَاب،
ل قد بلغ ل من الثغورِ العِذَاب ،فأَيقنَا بالبَلَء ،وسلَمنَا لسباب القضاء؛ فما مرت إل ساعة من النهار ،حتى سمعنا خَرِيرَ النهار ،ورأينا السيْ َ
سيْل بأفنيتها ،وعائذين من القطر بأبنيتها ،وأثوابنا قد صَندل حصْن القرية لئِذين من ال َ غمَرَ القِيعان والرُبى؛ فبادرنا إلى ِ ال ُزبَى ،والماء قد َ
كافوريها ماءُ ال َوبْل ،وغلَف طِرازيها طينُ ال َوحْل ،ونحن نحمدُ ال تَعالى على سلمة البدان ،وإن فقدنا بياضَ الكمام والردان ،ونشكره على
سلمةِ النفس والرواح ،شُكرَ التاجر على بقاء رأسِ المال إذا فجِع بالرباح؛ ف ِبتْنا تلك الليلة في سما ًء تكِفُ ول تكف ،وتبكي علينا إلى
ل الغمام ،رأينا صوابَ الرأي أن نوسِع ف بِوَالي الصحو عَامِ ُ الصباح بأدمعٍ َهوَام ،وأربعة سِجام؛ فلما سُلّ سيفُ الصبح من غِمد الظلم ،وصُ ِر َ
غبَا َر ذلك
ضنَا ُل عنها فَرْضاً؛ فما ِز ْلنَا نطوي الصحارى أرضًا فأرضاً ،إلى أن وافينا المستقر ركضَاً؛ فلمّا َنفَ ْ القامة بها َرفْضاً ،ونتخذ الرتحا َ
المسير ،الذي جمعنا في ِربْقَةِ السير ،وأفض ْينَا إلى ساحةِ التيسير ،بعد ما أُص ْبنَا بالمر العسير ،وتذاكَرْنا ما لقينا من التعب والمشقة ،في قطع
ذلك الطريق وَطَي تلك الشقة ،أخذ المير السيد -أطال ال بقاءه! -القلم فعلق هذه البيات ارتجالً :المتقارب
بغيثِ على أفْق ِه مُسْـبِـل ده ْتنَا السماء غداة السحَـاب
كَرن ِة ثَكلى ولم تـثـكـل فَجَـاء بـرَعْـدٍ لـه رَنة
فعاد َوبَالً على ال ُممْـحِـل وثنى ب ًوبْـل عَـدا طَـورَه
على خطرٍ هائل ُمعْضِـل ن أذَاه وأشرف أصْحابُنَا مِـ ْ
وآوٍ إلى َنفَـق مُـهْـمَـل َفمِنْ ل ِئذٍ بِفِنـاءِ الـجِـدَار
خ ُمعْوِلِ هناك ،ومن صار ٍ ومن مستجير ُينَادي :الغريقَ
جدِ لم يهمـل ِب َدمْعٍ من ال َو ْ سمَاءُ السقوف وجادَتْ علينا َ
يَبيساً من الرض لم ُيبْلَـل حرَامًا لهـا أن تَـرَى كأن َ
فَأدْب َر كُلَ عن المُـقْـبِـل وأقبَـلً سـيْلٌ لـه رَوْعةٌ
حمِلِ وما يَلْق من صخر ٍة يَ ْ يُقلّعُ مـا شـاء مـن دَوْحَةٍ
حبْلَى ولم تـحـبـل أَجنّةَ ُ كأنَ بـَأحْـشـائِه إذ بَــدَا
جهَـل ومن ُمعْلَم عادَ كال َم ْ فمنْ عامـرٍ ردّة غـامـراً
فقد وجب الشكْرُ للمُ ْفضِلِ كفـانـا بـلـ ّيتَـه ربّـنـا
فإنّا رجعنا إلى المـنـزلِ فَقُلْ للسماء ارعُدي وابْرُقي
غمْدِ الظلم من قول أبي الفتح البستي :الرمل: أخذ المطوعي قوله :فلما سُلّ سيفُ الصبحِ من ِ
نُو َر ثَـغْـر أو مـدام أو نـدامِ رُب لـيل أغـمـد النـوار إلّ
غ ْمدِ الظلمِ سُل سيف الصبحِ مِنْ َ قد نعمـنـا بـدَيَاجـيه إلـى أن
54
أحشاؤها عنه شجاعاً يضطربْ تحسبه طوراً إذا ما انصـدعَـتْ
ق مَالَ جُـلّـهُ حـين َوثْـبْ
أبْلَ ُ وتـارة تـحـسـبـه كـأنـه
ل مفصولة من الـذهـبْ سلس ُ وتـارةً تـحـسـبـه كـأنـه
وقال الطائي :الرجز:
صار على رغم الدُجى َنهَارا يا سهمُ للبَرْقِ الذي استطـارا
آض لنا ماء وكـان نـارا
وينشد أصحاب المعاني :البسيط:
والنار تلفحُ عيداناً فتحترقُ نا ٌر تج َددُ للعينين نضرتُهـا
حوِ ،ويذمّه في المطر :الخفيف: وقال ابنُ المعتز يمدح الشُرْب في الصَ ْ
عيْر والشَرْب تحتها في خرابِ َ أنا ل أشتهي سماءً كبطـن الْ
وجدارٍ ملقًـى وتَـل تُـراب ل مـاء سقْفٍ قد صار مُنخ َ بين َ
ن وإيقاعُ ُه بـغَـيْرِ صـوابِ وبيوت يوقّـع الـ َوكْـف فـيه
هِ سما ًء مَصقولةِ الجِـلْـبَـابِ إنما أشتهي الصّبوحَ علـى وَج
ض َندٍ جديدِ الشَبـابِ فوق رَوْ ٍ ونَسيم منَ الصبـا يتـمـشّـى
رٌ جََلتْـه حـدا ِئدُ الـضـرَاب وكأنّ الشمس المضـيئة دِينـا
طلَعتْ في ملءَة من شَـرابِ َ في غدَاة وكأسها مثلُ شـمـسٍ
َفهْيَ صَفْراء في قميص حَباب خلُـوقٍ ضمّخت ب َ أو عروس قد ُ
ب َتنَدَي ال ْوتَارِ والمـضـراب عذْر لـلـعـودِ فـيهوغناء ل ُ
ن ومَسْحِ القدام في كل بَـابِ ضرِ الطـي ونَقاء البساط من وَ َ
جاتنا في مجيئهم والـذّهـاب ونشاط الغلمان إن عرضَتْ حا
ضّ بأيدي الخلّن والصحابِ وجفاف الريحان والنرّجس الغ
وا بضغث ندى أنوف الكلب ل تندَى أنوفُهم كـلـمـا حُـي
من عَطاء ا ْل ُم َه ْيمِنِ الـوَهَـابِ ذاك يومٌ أراه غنْمـاً وحـظـاً
صنَ ْوبَري :المتقارب: وقال ال ّ
وصبغ حَياً مثل صبغ الحيَا أنيس ظباءً بوحش الظـبـا
صَفاء الهوَى وصفاء الهوا ويوم تكلله الشـمـس مـن
وشمسِ الجنَانِ وشمسِ السَما س الدَنان وشمس القِـيانِ شمْ ِبَ
شبِيهٌ بالبيات التي كتبها َثعْلب إلى أبي العباس بن المعتز لجميل قول الخر :الطويل: وَ
صلْصَل عن الوِرْد حتى جَ ْوفُها يت َ ج ُد مِلْواح من ال ِهيْمِ خُلَـيَتْوما وَ ْ
أقاطي ُع أنْعام ُتعَـل وتَـنْـهَـلُ صيّ وحَوْلهـا تحوُم و َتغْشاها العِ ِ
إلى ال ِورْد إلّ أنني أتجمَلُ بأكثر ِمنَي لوعةً وصبابةً
وقال أبو حيّة النميري :الطويل:
ن ل سبيلَ إلى الـوِ ْردِ لعيني ولكِ ْ كفى حَزَنًا أنّي أرَى الما َء ُمعْرَضاً
س كلّهم عِـنْـدي بكفّ أعزّ النا ِ وما كنت أخْشَى أن تكون منيّتـي
طنِه ،فلقال ابنُ المقفّع :كان لي أخ أعظم الناس في عيني ،وكان رَأس ما عظمه في عيني صِغر الدنيا في عينه ،وكان خارجاً من سلطان بَ ْ
ن فَرْجه ،فل تدعوه إليه مؤنة ،ول يتسخفّ له رأيًا ول بدناً ،وكان ل يتأثر عند سلْطا ِ
يشتهي ما ل يجد ،ول ُيكْثِر إذا وجد ،وكان خارجاً من ُ
ِنعْمَةٍ ،ول يستكينُ عند مصيبة .وكان خارجًا من سُلْطانِ لسانه ،فل يتكلَ ُم بما ل يعلم ،ول يُماري فيما علم ،وكان خارجاً من سُلْطانِ الجهالة ،فل
ضعَفاً ،فإذا جد الجدّ ،فهو اللَيثُ عادياً .وكان ل ل بَزَ القائلين ،وكان ضعيفاً مست ْيتقدَم أبداً إل على ثقة بمنفعة ،وكان أكثر دَهره صامتاً ،فإذا قا َ
عدُول .وكان ل يلومُ أحدًا فيما يكونُ العُذْرُ في مثله يدخل في دَعْوَى ،ول يُشا ِركُ في مِرَاء ،ول ُيدْلي بحُجة حتى يَرَى قاضيًا فَهما ،وشهوداً ُ
عذْرُه.
حتى يعلَم ما ُ
شكُو وجعه إل عند مَنْ يرجو عنده البُرْء ،ول يستشيرُ صاحباً إل أنْ يرجوَ منه النصيحة .وكان ل يتبرَم ول يتسخط ،ول يتشكّى ول وكان ل يَ ْ
ص نفسه بشيء دون إخوانه من اهتمامه وحيلته وقوتِه .فعليك بهذه الخلق إن يتشهّى ،ول ينتقم من العدو ،ول َيغْفُل عن الولي ،ول يَخُ ّ
أطقتها ،ولَنْ تطيق ،ولكن أخذ القليل خير من ترك الجميع.
وعلى ذكر قوله :وإن قال بَرّ القائلين قال ابن كناسة -واسمه محمد بن عبد ال ،ويكنى أبا يحيى -في إبراهيم بن أدهم الزاهد :الطويل:
ن أدْهَما وقد كان يَرْضَى دون ذاك اب ُ رأ ْيتُك ل تَ ْرضَى بما دونه الـرضـا
لَ فيها مُـعَـظّـمـا وكان لمْرِ ا ِ وكان يَرى الد ْنيَا صغيراً عظيمُـهـا
وإنْ قال بَز القائلين فـأفْـحَـمـا وأكْثرُ ما تلْقَاهُ في الناس صـامِـتـاً
وتلقى به البأْساءُ عيسى بن مريمـا يُشِيعُ ال ِغنَى في الناس إن مَسّهُ الغِنى
ب الدّماكما اجتنب الجاني الدم الطال َ أَهان الهوى حتى تجنّبـه الـهـوى
ألفاظ لهل العصر في ذكر التقى والزهد
55
عذْب المَشْرب ،عَفّ المَطْلَب ،نَقيّ الساحة من المآثم ،بَرِيء الذمة من الجرائم ،إذا رضي لم يَ ُقلْ غيرَ الصدق ،وإذا سخِط لم يتجاوَ ْز فلن َ
خدَعها ،وأقبل على اكتساب ِنعَم س أمّارة بالخير ،بعيدةٍ من الشر ،مدلولة على سبيل البِر؛ اعْرَض عن ِزبْرجِ الدنيا و ُ جا ِنبَ الحق ،يرجعُ إلى نف ٍ
ط ْرفَه عن متاعها وزَهْرتها ،وأعرض عَنهَا وقد تعرَضتْ له بزينتها ،وص َد عنها ف كَفَه عن زُخْرف الدنيا و َنضْرَتها ،وغَضّ َ الخرة و ُمنَعِها .كَ َ
وقد تصدّت له في حِلْيتها.
طبَع ،نَقيّ الصحيفة ،عَلي عن الفضيحة ،عَف الزار ،طاهر من الَوْزَار ،قد عاد فلنٌ ليس ممن يَقِف في ظل الطمع ،فيُسِف إلى حَضيض ال ّ
لصلح المعاد ،وإعداد الزاد.
ل مختارة ،وكان مُحْجِماً عن قول الشعر ،وقيل له :لم وكان ابن المقفع من أشراف فارس ،وهو من حكماء زمانه ،وله مصنّفات كثيرة ،ورسائ ُ
ل تقولُ الشعر؟ فقال :الذي أرضاه ل َيجِيئني ،والذي يجيءُ ل أَرْضاه.
أخذ هذا بعضُهم فقال :الطويل:
حكَمان مُ ْإليَ ،ويَأْبى منه ما كا َ أبى الشع ُر إل أن يَفـيءَ َردِيهُ
ولم أكُ من فرْسانه كنت مُ ْفحَما جدْ حَ ْوكَ َوشْـيِهٍ
فيا ليتني إذْ لم أ ِ
وكان ظريفاً في دينه ،وذكر أنه م ّر ببيت النار فقال :الكامل:
حذَرَ ال ِعدَا وبه الفؤا ُد مُ َوكّـلُ
َ ت عاتكةَ الّـذي أتـعـزلُ يا بي َ
ل ْميَلُ
قَسَمًا إليك مع الصدود َ أصبحتُ أمنحُك الصدودَ ،وإنني
56
صدٍ .فلن َمعْجُون من طِينَةِ الحسد وال ُمنَافَسَة ،مضروبٌ في قالب الضَيق والمناقشة .قد وكلَ بي سدَة ،وكمنت أفاعِيهم بكل مَ ْر َ دَبت عقارِبُ الح َ
حقْد .الحاسدُ يَعمَى عن محاسن الصُبح ،بعين تُدْ ِركُ حقائقَ ال ُقبْحِ. لَحظًا ينتضِلُ بأَسهُمِ الحسد .فلن جَس ٌد كلُه حسد ،وعقد كلُه ِ
كتب محمد بن حماد ُيعَرض في حاجة له ببيتي شعر إلى الواثق يقول :الطويل:
وقلت لها كُفي عن الطلب المُ ْزرِي ت دَواعي النفسِ عن طلبِ المُنى جذب َ
مَدار رحًى بالرزق دائبة تَـجْـرِي فإن أميرَ المـؤمـنـين بـكـفـهِ
ت هنيئاً.
خذْ ما طلَب َ سعَةِ فَضلي عليك ،ف ُ جذْبك نفسَك عن امتهانها بالمسألةِ دعاني إلى صَ ْونِك بِ َ فوقع تحتهاَ :
قال علي بن عبيدة :أتيت الحسن بن سَهل بفم الصلح؛ فأقَمتُ ببابه ثلثة أشهر ل أحظَى منه بطائل ،فكتبت إليه :الطويل:
بذاك يدٌ عـــنـــدي ول قَـــدَم بَـــعْـــــدُ مَدَحْـتُ ابـن ســهـــل ذا اليادي ومـــا لـــهُ
جدُ
وما َذنْبُه ،والناس إلّ أقلّهم عيالٌ له ،إن كان لم َيكُ لي َ
له فـيّ رَأيٌ عـادَ لـي ذلــك الـــحـــمـــد سأحمده للناس حتى إذا بَدَا
صبْ ٌر ومال ،فقلت للواسطة :تؤدّي عني؟ قال :نعم .قلت :تقول له :لو كان لي مال حتَاج إلى ثلث خِلل :عقل و َ فكتب إليَ :باب السلطان يَ ْ
عقْل لستدللت به على النزاهة عن ِرفْدك! فأمر لي بثلثين ألف درهم. ل ببابك ،أو َ لغْناني عن الطلب إليك ،أو صبْرٌ لصبرت عن الذ َ
ب تتدارك وقال علي بن عبيدة الريحاني يوماً ،وقد رأى جارية َيهْوَاها :لول البُقيا على الضمائر َلُبحْنا بما تُجِنه السرائر ،لكن نِيران ا ْلحُ ّ
ح مَصَارعِ العلن .وقد قال محمد بن يزيد الموي: بالخفاء ،ول تُعاجَل بالبداء؛ فإن دوامَها مع إغلق أبواب ال ِكتْمان ،وزوالَها في َفتْ ِ
مجزوء الخفيف:
ح بالدّمع مدمعـا فِ ُ ل وحُبيك ل ُأصَـا
ح وإن كان مُوجَعا ستَرَا
من بكى حبّه ا ْ
لنْسَ لِباسُ العِرض ،وتُحْفة ي بن عبيدة :اجعَل أنْسَك آخ َر ما َتبْذُل من ُودّك ،وصن السترسال منك ،حتى تجد له مستحقاً ،فإن ا ُ ومن كلم عل ّ
ت له منك. جدّته إلَ لمن يعرف َقدْرَ ما بذل َ حبَاء الكفاء ،وشِعار الخاصَة ،فل تُخلق ِ الثقة ،و ِ
ل مُؤَانَستك لي ،لب َقيْت عليك من العناء، عرِف لها مُثيراً من مظانها إ ّ ت من البتهاج أجِد حِسَها عند رؤيتك في نفسي ل أ ْ وقال :لول حركا ٌ
حتِمال الخسران بالوَحدة منك. وخففت عنك مؤونة اللقاء ،لكني أجد من الزيادة بك عندي أكْثر من َقدْرِ راحتك في تأخرك عني ،فأضيق عن ا ْ
ل عند من ُأحِب دوامه لي؛ ورد طَ ْرفِ الشوق باطناً ستَخِف التّجَافي مع شدَة الشوقِ ،لتبقى جدَة الحا ِ طلُوع المللة بكَرّ اللقاء أَ ْ وقال :لِوجلي من ُ
أيْسَر من مُعاناةِ الجفاء مع الود ظاهراً.
وقال بعض المحدثين :البسيط:
صَبّ إليكم من الشواق فـي تَـ َرحِ كم استَراحَ إلىِ صـبـر فـلـم يُ َرحِ
لو يُرزَق الوصل لم يَقْدر على ال َفرَحِ ن فُـ ْرقَـتـكـم تركتم قَ ْلبَه من حُـزْ ِ
وقال أعرابي :الطويل:
ضبُ ت عليك الهَوا ِ وذات الغَضَى :جادَ ْ ل قُلْ لدا ٍر َبيْنَ أكْـثِـبَةِ الْـحِـمَـى
أَ
دموع ،أضاعت ما حفظتُ ،سَواكِـبُ ك ل آتـيك إلّ تـتـابَـعَــتْ أجِـد َ
وطاوَعَني فيها الهَوَى والْـحـبـائِبُ ديار تنسمْتُ ال ُمنَى نَـحْـوَ َأرْضِـهـا
ل مَنْ أَ ْهوَى ول الظن كاذِب على وَص ِ ي ل الهجرانُ محْـتَـكِـمٌ بـهـا ليال َ
آداب الجلوس
ب بين يدي أحمد بن أبي دُواد في مجلس الحكم في عقار بناحية السَواد ،فأ ْربَى عليه إبراهيمُ تنازع إبراهي ُم بن المهدي وابن بختيشوع الطبي ُ
ت عليه صَ ْوتَاً ،ول ن أنكَ رفعْ َ ن أبي دُوَاد ،فقال :يا إبراهيم ،إذا نازعتَ في مجلس الحكم بحضرتنا امرءًا فل أعلم ّ وأغْلَظَ له ،فأحفظ ذلك اب َ
صدُك أمَماً ،وريحُك ساكنة ،وكلمُك مع َت ِدلً ،مع وفاء مجالس الخليفة حقَوقها من ال ّتعْظيم ،والتوقير ،والستكانة ،والتوجّه ت بيد ،وليكن َق ْ شرْ َ
أَ َ
ل يعصمك من خَطَل القول عجَلة َتهَبُ َريْثاَ ،وا ُ ل لمذهبك في مَحْتدِك ،وعظيم خَطرك ،ول تعجَلن ،فرُبّ َ شكَل بك ،وأَشمَ ُ إلى الواجب؛ فإن ذلك أَ ْ
والعمل ،ويتَ ّم نعمتَه عليك كما أتّمها على أبويك من قبل ،إن ربك حكيم عليم.
ت عائداً لما َيثْلِ ُم مُرُوءَتي عندك ،وُيسْقطني من عينك ،ويخرجني ضتَ على رشاد؛ ولس ُ سدَاد ،وخضَ ْ فقال إبراهيم :أصْلَحك ال تعالى :أ َمرْتَ ب َ
من مقدارِ الواجب إلى العتذار ،فها أنا معتذر إليك من هذه البادرة اعتذا َر مُ ِقرّ بذنبه ،م ْعتَرِف بجُ ْرمِه ،ول يزال الغضبُ يستفزني بمواده،
ت ذلك يكون وأفياً بأَرْش الجناية فيردني مثُلكَ بحلمه ،وتلك عادةُ الّ عندك وعندنا منك؛ وقد جعلتُ حقي من هذا العقار لبن بختيشوع ،فلي َ
لَ و ِنعْمَ ال َوكِيلُ".
سبُنا ا ُ عليه؛ ولم َيتْلفْ مال أفادَ موعظةً؛ و"ح ْ
ض فيها على اللفة والطاعة ،وحذرهم جمَعَ ملوكَ الطوائف ،وتم له مُلْكه ،جمع الناسَ فخطبهم خطبة ح ّ لفا استوثق َأمْرُ أردشير بن بابك و َ
المعصية ومفارقَة الجماعة ،وصف الناسَ أربعة صفوف؛ فخزُوا له سُجَداً ،وتكلّم متكلّمهم فقال :ل زلت أيها الملك محبوّا من الّ تعالى بعزّ
حسْن المزيد ،ول زلت تتَابَعُ لديك المكرمات ،وتَشفع إليك الذمَامات حتى تبلغَ الغاية التي النصر ،ودَرَك المل ،ودوام العافية ،وتمام النّعمة ،و ُ
يِؤمَنُ زوالها ،وتصل إلى دار القرار التي أعدَها ال تعالى لنظرائك من أهْل الزّلفى عنده والمكانة منه ،ول زال ملكك وسلطانك باقيين بقاءَ
ق علينا من الشمسِ والقمر ،زا ِئدَيْن زيادة النجوم وال ْنهَار ،حتى تستوي أقْطَارُ الرض كلّها في علو َقدْرِك عليها ،ونفا ِذ أمْرِك فيها ،فقد أشْرَ َ
ل بك اليدي بعد ضياء نورك ما عمنا عمومَ ضياء الصبح ،ووصل إلينا من عظيم رأفتك ما اتصل بأَن ُفسِنا اتصال النسيم؛ فأصبحت قد جمع ا ُ
ك بوصف ،ول يُح ُد ب َنعْت. ك الذي ل يُدْر ُ ب بعد توقد نيرانها ،ففضُل َ افتراقها ،وأَلف القلو َ
فقال أردشير :طوبَى للممدوح إذا كان للمدح مستَحِقاً ،وللداعي إذا كان للجابة أهلً.
حلَب العصور ،وجرّب الدهور ،أي الكنوزِ أعْظمُ قدراً؟ قال :العلم الذي خفّ محمله ،فثقُلَتْ مفارقته، وقيل لردشير :أيها الملك الرفيع الذي َ
س به الْخَسيس ،ول يمكن حاسدك عليه جمَال ،وفي الوَحدَة أنيس ،يرأ ُ ق عليه؛ فهو في المل َ ي مكانه ،فأُمنَ من السّرَ ِ و َكثُرَتْ مرافقته ،وخَف َ
57
انتقاله عنك .قيل له :فالمال؟ قال :ليس كذلك .مَحمْلُه ثقِيل ،والهمّ به طَويل؛ إن كنت في مَل شغلك ال ِفكْ ُر فيه ،وإن كنت في خَلْوَة أتعبتك
حراسته.
سير الملوك وأخبارهم
ت فيما معهم من ديواني، جعَلُ اختلفهم إليّ ،فتكون المؤامرا ُ قال الجاحظ :حدّثني الفضل بن سهل قال :كانت رسلُ الملوك إذا جاءت بالهدايا ُي ْ
سيْفَه، ل ملك الروم عن سيرة ملكهم ،فقالَ :بذَلَ عُرفَه ،وج ّردَ َ سيَر ملوكهم ،وأخبار عظمائهم ،فسألتُ رسو َ ل منهم عن ِ فكنت أسًألُ رَجُلً رج ً
حزْن النكال ،الرجاءُ والخوف معقودان في يده. سهْلُ النّوالَ ، فاجتمعت عليه القلوبُ ركبةً ورهبةً ،ل ينظر جُنده ،ول يُحْرج رعيته؛ َ
ح ْكمُه؟ فقال :يردُ الظّلم ،وي ْردَع الظالم ،ويعْطِي كل ذي حق حقه؛ فالرعية اثنان :راضِ ،ومغتبط. قلت :فكيف ُ
قلت :فكيف هي َبتُهم له؟ قال :يتَصور في القلوب ،ف ُتغْضِي له العيون.
ل ملك الحبشة إلى إصْغائي إليه ،وإقبالي عليه ،فسأل الترجمان :ما الذي يقولُه الروميّ؟ قال :يَذكُرُ ملكهم ،ويصِفُ سيرتَه؛ قال :فنظر رسو ُ
فتكلم مع الترجمان بشيء ،فقال لي الترجمان :إنه يقول :إن مِلكَهم ذو أناة عند القُدرة ،وذو حلم عند الغضبِ ،وذو سَطْوة عند المغالبة ،وذو
سعَهم ت نكالً ،وَ ِ ل ِن ْعمَته ،وخوفهم عسف ِن ْقمَته؛ فهم يتراءونه رَأيَ الهلل خيالً ،ويخافونه مخافةَ المو ِ جتِرَام ،قد كسا رعيّته جمي َ عقوب ٍة عند ال ْ
طوَته ،فل تَم َت ِهنْهُ مَ ْزحَة ،ول تؤمنه غَفلة؛ إذا أعطى أوسع ،وإذا عاقب أوجع؛ فالناس اثنان :راجٍ وخائف ،فل الراجي خائِبُ عتْهم سَ ْعدْلُه ،ورَد َ َ
المل ،ول الخائف بعيد الجل .قلت :فكيف هيبتهم له؟ قال :ل ترفعُ إليه العيون أجفانَها ،ول تتبِعُهُ البصارُ إنسا َنهَا ،كأن رعيتَه قَطاً رفرفت
عليها صقور صوائد.
فحدثْتُ المأمون بهذين الحديثين فقال :كم قيمتُهما عندك؟ قلت :ألفا درهم .قال :يا فضل؛ إن قيمتهما عندي أ ْكثَرُ من الخلفة ،أما عرفت قول
حسِنُ أن يصف أحداً من خلفاء الّ الراشدين ئ ما يحسن .أفتع ِرفُ أحداً من الخطباء البُلَغاء يُ ْ ل امر ً ل وجهه :قيمةُ ك ّ علي بن أبي طالب ،كرَم ا ّ
المهديين بهذه الصّفة؟ قلت :ل .قال :فقد أمَرْت لهما بعشرين ألف دينار ،واجعل الْعذْر مادة بيني وبينهما في الجائزة على المعوز؛ فلول حقوقُ
السلم وأهله لرأ ْيتُ إعطاءهما ما في بيتِ مال الخاصة والعامة دون ما يستحقانِه.
ت لملكهم ،قال :أصابتنا ت عند الفَضْل بن سهل ،وعنده رسولُ ملك الخزَرِ ،وهو يحدَثنا عن ُأخْ ٍ وقال الجاحظ :حدثني حميد بن عطاء قال :كن ُ
ف الفاتِ؛ ففَزع الناسُ إلى الملك ،فلم يدرِ ما يُجِيبُهم به ،فقالت أخته :أيها الملك ،إن الخوفَ ل سنَة احتدم شِوَاظُها علينا بحر المصائب ،وصنو ِ َ
ت إليك رعيتُك بفضل جرُهُ عن استفسادها ،وقد َفزِعَ ْ عيّته ،وزا ِ ستِصْلَح رَ ِ خلُقُ جديدهُ ،وسبب ل يمتهن عزيزه ،وهو دالّ المَِلكِ على ا ْ خُلُق ل ي ْ
جزِ عن اللتجاء إلى مَنْ ل تزيدُه الساءَة إلى خلقه عِزاً ،ول يَنقُصه العَ ْودُ بالحسان إليهم مُلْكاً ،وما أحد أ ْولَى بحفظ الوصية من الموصي، العَ ْ
حسْنِ الرعاية من الراعي .ولم تزل في نعمة لم تغبرها نِ ْقمَة ،وفي رِضاً لم يكدره سُخْط ،إلى أن جَرَى ال َقدَرُ ول بركوب الدللة من الدال ،ول بِ ُ
ع ْذ بِه من فظيع النقم ،فمتى َتنْسَهُشكْرِ النعم ،و ُحذَر ،فسلب الموهوب ،والواهب هو السالب؛ ف ُعدْ إليه ب ُ بما عَمي عنه البصر ،وذُهِل عنه الْ َ
يَنسَك ،ول تجعلن الحياء من التذلل للمع ّز المذِل سترًا بيْنك وبين رعيتك ،فتستحق مذمومَ العاقبة؛ ولكن ُمرْهُم ونفسك بصرف القلوب إلى
شكْرِ له؛ فإن الملك ربما عاقب عَبده ليرجعه عن سَيئ فِعل إلى صالح عمل ،أو القرار له ب ُكنْهِ القدرة ،وبتذلل اللْسُن في الدعاء بمَحْضِ ال ُ
شكْ ٍر ل ُيحْرِز به فَضْلَ أجْر.
َل ْيبَعثه على دائبِ ُ
فأمرها الملك أن تقو َم فيهم فتنذرهم بهذا الكلم ،ففعلت ،فرجع القومُ وقد علم ال منهم قبولَ الوَعْظِ في المر والنهي؛ فحال عليهم الْحَول وما
منهم مفتقد نِعمةٍ كان سُِلبَها ،وتواترت عليهم الزيادات بجميل الصنع؛ فاعترف لها الملك بالفضل ،فقلدها المُلْك؛ فاجتمعت الرعية لها على
الطاعة في المكروه والمحبوب.
قال :وهذا وهم أعداء ال تعالى ،وضرائر نِعمته ،ومستوجبو نِ ْقمَته ،أعادَ لهم بالشكر ما أرادوا ،وأعطاهم بالقرار له ب ُكنْه قدرته ما تمنوا،
فكيف بمن يج َمعُه على الشكر نورانِ اثنان :قرآن منزل ،ونبي مرسل ،لو صدقت النياتُ ،واجتمعت على الفتقار إليه الطلبات؛ لكنهم أنكروا ما
عرفوا ،وجهلوا ما علموا ،فا ْنقَلبَ جدُهم هَزلً ،وسكوتُهم خَبلً.
قطعة صادرة من أقوال الملوك
دالة على فضل كرمهم وبعد هممهم
ط عن مرتبته ،ول ينقص من صِلَته؛ فإن الملوك تؤدب بالهجران ،ول تعاقِب غضِب كسرى أنو شروان على بعض مَرَازبته ،فقال :يُحَ ُ
ح ْرمَان. بال ِ
واصطنع أنو شروان رجلً فقيل له :إنه ل قديمَ له .قال :اصطناعُنا إياه شرفه.
جهْل ل ف من أن يكون في الرض َ قال معاوية ،رضي ال عنه :نحن الزمان ،من َر َفعْناهُ ارتفع ،ومن وضعْناه اتضع .وكان يقول :إني لن ُ
سعُها جُودي. سعُهُ عفوي ،وحاجة ل يَ َ بلي َ سعُهُ حِ ْلمِي ،و َذنْ ٌيَ
عبد الملك بن مروان -أفضل الناس مَن تَوَاضَعَ عن رفعة ،وعَفا عن ُقدْرَة؛ وأنْصَف عن قُوة.
زياد -استشفعوا ِلمَن وراءكم؛ فليس كل أحدٍ يصلُ إلى السلطان ،ول كل من وصل إليه يَقدِرُ على كلمه.
ت لمن يشتري المماليك بماله ،كيف ل يشتري الحرار بمعروفه! وقد روى هذا لبن المبارك .وقال لبنيه :يا بني ،أحسن ثيابكم المهلب -عَجب ُ
ما كان على غيركم.
قال أبو تمام الطائي يَستهدِي فَرواً ،وعرض بقول المهلب :الطويل:
من الشُكر يعلو مُصعِداً ويصوبُ؟ ت مُهدِيه بمثـل شـكـيره فهل أن َ
بها كان أوْصَى في الثياب المهلّبُ فأنت العليمُ الـطّـبّ أيّ وصـيّة
ل من ينجُو منه. يزيد بن المهلب -است ْكثِرُوا من الحمد؛ فإنّ الذمّ ق ّ
السفاح -ما أ ْقبَح بنا أن تكون الدنيا لنا وأولياؤُنا خالُون من أثرها.
ب الدنيا لتُملك ،فإذا مُلكت فلتوهب .وقال :إنما يتكثّر بالذهب والفضة من يَقلَن عنده. المأمون -إنما تُطَْل ُ
الحسن بن سهل -الطراف َمنَازِل الشراف؛ يتناولون ما يزيدون بال ُقدْرَة ،وينتابهم من يريدهم بالحاجَةِ .وتعرض له رجل فقال له :من أنت؟
ي يوم كذا وكذا .فقال :مرحبًا بمن توسَل إلينا بنا. قال :أنا الذي أحسنتَ إل ّ
ن بن سهل ،فنظر إليه ولما أراد المعتصم أنْ يشرف أشناس التركي بعقب َفتْح الخزمية أمر أصحابَ المراتب بالترجّل إليه ،فترحل إليه الحس ُ
حاجبُه يَمشي ويتعثّر في مشيه ،فبكى ،فقال :ما يبكيك؟ إن الملوك شرّفتنا وشرفت بنا.
58
ومن كلم أهل العصر
شمَكير -مَن أ ْق َعدَتْ ُه نكاية اليام أقامته إغاثة الكرام؛ ومن ألبسه الليلُ ثوب ظلماته نزعَه النهار عنه بضِيائه. للمير شمس المعالي قابوس بن َو ْ
سعْي في الخطب الجليل. وله :ابتناءُ المناقب باحتمال المتاعب ،وإحرازُ الذكر الجميل بال ّ
الصاحب بن عباد :المتقارب:
لمَمْ؟ وَأمْرُك ُممْتثَل في ا ُ ع َرتْك الهمـومُوقائلةٍ :لِمْ َ
فإنَ الهمو َم بِقدرِ ال ِهمَـمْ فقلت :ذَرِيني لما أشتكي
أبو الطيب المتنبي :البسيط:
يَخْلُو من الهَمَ أخْل ُه ْم من الْفطَنِ أَفاضِلُ الناس أغْرَاضٌ ِلذَا الزمَنِ
أبو الفتح البستي :الرمل:
غمَـمْمن ُهمُوم َت ْعتَرِيهِ و ُ صاحبُ السلطان ل بُدَ له
حمْ
ل من َب ْعدِ قُ َ ُقحَم الهْوا ِ سيَرى واَلذِي يَركَبُ بحْراً َ
ومن كلم الملوك الجاري مجرى المثال
أردشير -إذا رغبت الملوكُ عن العَدْلِ رغبت الرعيةُ عن الطاعة.
أفريدون -اليام صحائفُ آجالِكم ،فخّلدُوها أحْسَن أعمالِكم.
ل تعظيمك لمؤدّبك أكثر من تعظيمك لبيك؟ قال :لنَ أبي سبَبُ حياتي الفانية ومؤدّبي سببُ حياتي الباقية. ل للسكندر :ما با ُ وقي َ
ل من فَتق ودخل محمد بن زياد مؤدّب الواثق على الواثق ،فأظهر إكرامه ،وأكثر إعظامَه ،فقيل له :مَنْ هذا أيا أمير المؤمنين؟ قال هذا أو ُ
لساني بِ ِذكْرِ الَِ ،وأدْناني من رحمة الّ.
وأُشِير على السكندر بتبييت الفرس ،فقال :ل أجعل غلبتي سَرِقة .وقيل له :لو تزوّجت بنت دارا؟ فقال :ل تغلُبني امرأةٌ غلبتُ أباها.
سطْحَ بيته بما يَ ْقتَلِعه من قواعد بُنْيانه. أنوشروان -الملك إذا كثر مالُه مما يأخذ من رعيته كان كمن يعمر َ
ن فوقك يطعك مَن دونك. أبرويز -أطِ ْع مَ ْ
سدَة كان العف ُو معْجَزة ،والصبرُ حَسن إلّ حزْماً ،والعفو ُذلً .وكان يقول :إذا كان الحلم مَفْ َ السفاح -إن من أدنَى الناس ووضعائهم من عدَ البخل َ
ل عند إمكان الفرصة. على ما أوقع بالدّين ،وأوْهَى السلطان؛ والناةُ محمودة إ ّ
وقد قال ابن المعتز :الكامل:
ف وتَـنَـدّمِ شجِي بطُول تََلهُ ِ تُ ْ غصّة ت فعادَتْ ُ كم فرص ٍة ذَهَب ْ
ولما عزم المنصور على ال َفتْك بأبي مسلم فزع من ذلك عيسى بن موسى ،فكتب إليه :الطويل:
ن تتعجّلَ فإن فسادَ الرَأي أَ ْ إذا كنت ذَا رَأي فكن ذا َتدَبرِ
فأجابه المنصور :الطويل:
فإنَ فسادَ الرأي أن تـتـردَدا ت ذَا رأي فكن ذا عزيمةٍ إذا كن َ
غدَا
وبادِرْهُ ُم أن يملكوا مِثْلها َ ول ُتمْهِل العداء يومًا بغُـدْوة
وهذا في موضعه كقول المام علي ،كرّم ال وجهه :من فكَر في العواقب لم يشجع.
وقال سعد بن ناشب فأفرط :الطويل:
تُرَاثُ كري ٍم ل يَخَافُ العواقـبـا عليكم بداري فاهدموها؛ فإنـهـا
وكبَ عن ِذكْرِ العواقب جانـبـا إذا هَمّ ألقى بين عينيه عَـ ْزمَـهُ
سيْفِ صاحبا ولم يَرْضَ إلّ قائمَ ال َ شرْ في رأيه غي َر نفسِـهِ ستَ ِ
ولم يَ ْ
ي قضاءُ الّ ما كان جالِـبـا عل ّ سأغسل عنيّ العارَ بالسيف جالباً
يميني بإدْرَاكِ الذي ُكنْتُ طالِبـا صغُرُ في عيني تِلدِي إذا انثنتْ ويَ ْ
سعْد من مَ َردَةِ العرب وشياطين النس ،وفيه يقول الشاعر :الطويل: وكان َ
شيْطانُهُ عند الهِلَ ِة يُصْـ َرعُ؟ وَ س ْعدُ بن ناشبٍ وكيف يُفيقُ الدهرَ َ
جعْدِي إلى عبد ال بن علي يسأله حفظَ حرمه ،فقال له :الحقّ لنا في َد ِمكَ ،وعلينا في حُ ْرمِك. كتب مروان بنُ محمد ال َ
وقال الرشيد لسماعيل بن صبيح :إياك والدالة فإنها تفسد حرمة ،ومنها أتي البرامكة.
وقال المأمون :الملوك تَح َتمِلُ كلّ شيء إل ثلثاً :إ ْفشَاءَ السر ،والقدح في الملك ،والتعرّض للحُرَم.
المعتصم :إذا نُصِر الهوى بطل الرَأي.
ب من لذة التَشَفي؛ وذلك أن لذةَ ال َعفْ ِو يلحقها حَمد العاقبة ،ولذّة التشفّي يلحقها ذم الندم. طيَ ُالمنتصر َ -لذّةُ العَفْوِ أَ ْ
ل قد عَ َقدَ لولده
شهَ ُر من أن يُذكَرَ ،ولكني ُأ ْلمِعُ منه بالسير :كان المتوكّ ُ والمنتصر يقول عن تجربة ،لنه قتل أباه المتوكل ،والمْرُ في ذلك أَ ْ
ت تتمنى موتي ،وتنتظر وَقتي! خ َويْهِ ،وكان يسميه المُنتظِر ،ويقول له :أن َ المنتصر والمعتزّ والمؤيد ولي َة العهد ،ثم تغيّر على المنتصر دون أَ َ
ن من شوال سنة سبع وأربعين ومائتين كان ويأم ُر الندماء أن يعبثوا به ،إلى أن أوْغَر صدْره ،وأقلّ صبره؛ فلما كانت ليلة الربعاء لثلثِ خَلْو َ
المتوكّل يَشْرَب مع ال َفتْحِ في قصره المعروف بالجعفري ،ومعه جماعة من الندماء والمغنيّن ،وكأن المنتصر معهم ،فلما انصرمت ثلثُ
سعُني ساعةً حتى أشكو إليك ما يمرّ بي؟ قال :بلى ،وجعل يماطله ويطاوله ،وغَلّق بُغا الشرابي ت من الليل قال لزرَافَة التركي :أل تَ َ ساعا ٍ
ب عليه، ل باب الماء ،ومنه دخل الذين قتلوه ،فأوّل مَنْ ضربه باغر التركي ضربة قطع بها حبل عاتقه ،وتلقاه ال َفتْح بنفسه فأكَ ّ ب كلّها إ ّالبوا َ
ف ُقتِل جميعاً ،وبويع المنتصر من ساعته ،وكانت مدّة المنتصر في الخلفة مدة شيرويه ابن كسرى -حين قتل أباه -ستة أشهر.
وقال إبراهيم بن أحمد السدي يرثي المتوكّل :الخفيف:
ي ومِـــزْهَـــ ٍر ومُــــــدَامِ بين نـــا ٍ هكـذا فَـلْـتَـكُـنْ مَـنـــايا الـــكِـــرامِ
59
كأس لـذاتـه وكـــأس الـــحِـــمـــام بين كـأســين أرْ َوتَـــاه جـــمـــيعـــًا
ح ْتفُه في المنامِ
يَقظٌ في السرور حتى أتاه قدر الَُ َ
ن وبـالـمُـرهَـفـات مَـوتُ الـــكـــرام َ والمنايَا مَراتب يتفاضل
بصـنـــوفِ الوْجـــاع والســـقَـــام لم يزرْ نـفـسـه رســولُ الـــمـــنـــايا
في سُـتُـور الـدّجَـى بـحـدّ الـحــسَـــام هابَـه مُـعْـــلـــنـــاً فـــدَب إلـــيه
أخذ هذا المعنى عبد الكريم بن إبراهيم التيمي ،فقال يرثي عيسى بن خلف ،صاحب خراج المغرب ،وكان قد تناول دوا ًء فمات بسببه :الطويل:
لها مِن ثنايا شاهِق ُمتَطـلـعـا منايا س َددْتَ الطرْقَ عنها ولْم تَدع
طمَعـا ج ْد فيك مَ ْ عليك ولما لم تَ ِ فلماّ رأت سُورَ المهابة دونـهـا
توَاجه موفور الجَللَةِ أروَعـا ترقّت بأسبابٍ لِطَافٍ ولم تـكـد
على حينِ لم تَحذَر لداء تَ َوقُعـا فجاءتك في سِرَ الدواء خَـفِـيّةً
ش كيداً فترجعا ول مثلها لم تخْ َ سهْمهـا فلم أر ما ل َ ُيتّقى مثل َ
ض َريْن ليلة َقتْله .فاختفى أحدُهما في طيّ الباب ،والخر في وقد رثاه البحتري ويزيد المهلبي بمرثيتين من أَجودِ ما قيل في معناهما ،وكانا حا ِ
قناة الشاذَرْوَان؛ فمن قصيدة البحتري :الطويل:
وقُوّض بادي الجعفريّ وحاضرهْ جعَـفَـ ِريّ وُأنْـسـه َتغَيّرَ حسنُ ال ْ
فآضت سوا ًء دُورُه ومـقـابـرُه ل عنه سـاكـنـو ُه فُـجَـاءةً حمَ َ
تَ
وإذ ذُعِـرَتْ أطـلؤه وجـآذِرْه س ْربُـهُ ولم أرَ مثل القَصرِ إذ رِيعَ ِ
ستَـا ُرهُ وسـتـائرُهْ على عجَل َأ ْ ح فيه بالرّحيل َف ُهتّـكَـتْ وإذْ صِي َ
وقد كان قبلَ اليوم ُيبْـهَـجُ زائرُهْ لسَـى جدَ لـنـا ا َ إذا نحن زُرْناه أ َ
َتنُوبُ وناهِي الدهر فيهم وآمـ ُرهْ فأين عميدُ الناسِ فـي كـل نَـ ْوبَةٍ
وأولى لمن ي ْغتَالُه لو يجَـاهِـ ُرهْ تَخَفّى ل ُه مُغتَالُـهُ تـحـتَ غِـرّةٍ
حمْرٌ أظافِـرُهْ يَجُودُ بها والموتُ ُ صريع تقاضاه السيوفُ حُـشـاشةً
دماً بدم يجري على الرض مائِرُهْ ح بَعـ َدكَ أو أَرى حَرام عليّ الرا ُ
َمدَى الدهر والموتورُ بالدم وَاتِرُهْ ل يُ ْرتَجى أن يَطْلُبَ الدمَ طالبٌ وه َ
ول حمّلت ذاك الدعا َء َمنَـابـرهْ فل ملّيَ الباقي تُرَاثَ الذي مضى
ن أذهلته المصائبُ عن تخوّف العواقب. ح مَ ْ وهي طويلةٌ ،وكان أبو العباس ثعلب يقول فيها :ما قيلت هاشمية أحسن منها ،وقد صرّح فيها تصري َ
وقد كان البحتري يرتاح في كثير من شعره إلى ذكره وذكر الفتح بن خاقان ،فمن ذلك قوله لبعض من يمدحه :الطويل:
على فاق ٍة ذاك النّدى والتطـوُلُ ن منكَ ،ونالـنـي تداركَني الحسا ُ
لدفْ ِع الذى عني ول المتـوكّـل ح يُ ْرتَجَى ودا َفعْتَ عني حين ل ال َفتْ ُ
وقال :الطويل:
وبين قتيل فـي الـدمـاء مـضَـرَج ح بـين مُـوَسّـدٍ مضى جعفرٌ والفَـتْـ ُ
ثَوَى منهما في التربِ أ ْوسِي وخَزْرَجي؟ ب أنْصاراً على الدهـر بـعـدمـا أأطُْل ُ
وقال في غلم له :الطويل:
ودَهْ ٌر تَوَلّـى بـالحـبّ ِة يُقْـبِـلُ جعَةِ الوصل يوصَلُ س من رَ ْ عسى آي ٌ
وحالَ التّعـادي دونـه والـتـزيلُ أياً سكناً فاتَ الفـراقَ بـنـفـسـه
ولم يخترمْ نفسي الحِمامُ ال ُمعَجّـلُ؟ أتعجبُ لّما يَغُلْ جِسْمي الـضّـنـا
شفْعاً لـه الـمـتـوكّـل وفارقني َ فَ َقبَْلكَ بانَ ال َفتْحُ مـنّـي مـودّعـاً
ت يَفْـعَـلُ ول َفعَلَ الوجدُ الذي خِ ْل ُ فما بَلَ َغ الدّمع الذي كنتُ أرتـجـي
وقال أبو خالد يزيد بن محمد المهلبي في قصيدة أولها :البسيط:
ع ْينَاي مفت َقدُ ن فَقدَتْ َ ول َكمَ ْ جدَ إلَ أراه دُونَ ما أجدُ ل وَ ْ
يقول فيها:
سدُ لَ كما هَوَى من عضاهِ الزُبية ا َ ل َي ْب َعدَنْ هالك كانـت مَـنِـيّتـهُ
ل أتتْه المنايا والقنَا قُـصُـدُ؟ هَ جاءت مَنِيتُـهُ والـعـينُ هـادِية
لم يَحمِ ِه مُ ْلكُه لمّا انْقَضى المَـدُ فخ َر فوق سرير الملك ُمنْـجَـدِلً
إذ ل يهزُ إلى الجاني علـيك َيدُ ضيْمًا بعد ليلتـهـم ل يدفع الناسُ َ
صمَـدُ وليس فوقك إلّ الواحدُ ال َ ن ل دونَـه أحـدٌ عَلتْك أسياف مَ ْ
وإن ر َث ْيتُ فإن الشع َر مُـطَـ ِردُ إذا بكيتُ فإن الدم َع مُنـهَـمِـلٌ
ت َقبْلك أقوا ٌم فمـا فُـقِـدُوا وما َ إنَا فَ َقدْناكَ حتى ل اصطبارَ لـنـا
فعل َمتْني الليالي كيف أ ْقتَـصِـدُ قد كنتُ أُشرِفُ في مالي فتُخِْلفُـهُ
وقال فيها يذكر التراك ،ويحضّ على اصطناع العرب:
ضعْتم وضيعت ُم مَنْ كان يُعتَقدُ ِ حفَاظَ لهـم لما اعتقدتم أُناساً ل ِ
60
حمتكم الذَادة المنسوبة الحُشُـدُ ولو جعلتم على الحرا ِر نعمَتكُم
والدينُ والمجدُ والرحامُ والبلـ ُد قوم همُ الصلُ والسما ُء تجمعكم
سدُوا على الهوَان وإنْ أكرمتهم فَ َ إن العبي َد إذا أذللتهم صـلـحُـوا
وقال أبو حية النميري :الطويل:
نَؤوم الضحى في مَأتمٍ أي مـأْتـمِ َر َمتْهُ فتاة مـن ربـيعة عـامـرٍ
صحيحاً وإلَ تقتُليهِ فـألْـمِـمِـي فقلن لها في السر :نفْـدِيك ل يَرُح
بأحسَن موصولَين كف ومعصـم فأَ ْلقَت قِناعًا دونه الشمسُ واتّقَـتْ
وعينيه منها السحرَ قالت لـه نَـمِ ت فـي فـؤاده وقالت فلمّا أفرَغـ ْ
ج من الليل مُـظْـلِـمِ تَرَوَح أم دا ٍ فأصبح ل َيدْرِي أفي طلعة الضحى
أخذ قوله :فألقت قناعًا دونه الشمس من قول النابغة الذبياني :الكامل:
كالشمس يومَ طلوعِها بالس ُعدِ قامت تَرَاءى بين سَجفَي كِـلَةٍ
فَتناولته واتقـتْـنـا بـالـيدِ سقَطَ النَصِيفُ ولم تُرِد إسقاطَه َ
وقال أبو حية يرثي سلمة بن عياش :الطويل:
به الليل والبِيض القِلَص النجـائبُ كأنَ أبا حفص فتى البَأس لـم يُجَـبْ
كراماً وتخطوه الخطوبُ الـنـوائبُ إلى الغاية القُصوَى ،ولم تهد فـتـيةً
ضعَتْ عنها ا ْلعَلَيا المشاجـب إذا ُو ِ ق العيِسِ حتى كـأنـهـا و ُي ْعمِلُ عتَا َ
سوى ال والعَضْبِ السُرَيجْي صاحب بعيد مثاني الهـم ُيمْـسِـي ومـالُـه
فتى في جسيمات المكـارم راغـبُ يَرُومُ جسيمات العُـل فـينـالـهـا
تَوَاتَرُ أفواجـاً إلـيه الـمـواكـب فإن يمسِ وَحْشًا بابُـه فَـلـربُـمـا
هِلل َبدَا وانجاب عنه الـسـحـائبُ يحيون بـسـامـاً كـأنّ جـبـينـهُ
ضمّنَ الـلَـحْـدَ غـائبُ ولكنه من ُ وما غائب مَنْ غـاب يُرجَـى إيابـهُ
وزعم الصولي أن أبا حية إنما قالها في محمد بن سليمان بن علي بن عبيد ال بن العباس .وكان أبو حية جَيد الطبع ،مألوفَ الكلم ،رقيق
حواشي الشعر.
سئِلَ الصمعي عن قيس بن الملوح المجنون ،فقال :لم يكن مجنوناً ،وإنما كانت به لُوثة كلوثة أبي حَية ،وهو القائل :الطويل: وُ
عشية أحجارِ الكِنـاسِ َرمِـيمُ ل بيني وبينـهـا ستْرُ ا ّ
رمتني و ِ
ل يهـيمُ ض ِمنْتُ لـكـم أل يَزَا َ
َ رميمُ التي قالت لجارات بيتهـا:
ولكنّ عهدي بالنـضـار قـديم ب يوم رمتْني رمـيتـهـا أل رُ ّ
ط َدمِي شخصٌ عليَ كـريم أشَا َ فيا عجبًا من قـاتـلِ لـي أودّهُ
لمدنَف أحْناءِ الضلوع سَـقـيم يرى الناسُ أني قد سَلَ ْوتُ ،وإنني
وأنشدني إسحاق بن إبراهيم المَوصلي في مثله ،ولم يسَمّ قائله :الطويل:
مُعا ِودَتي أيامُهنّ الـصـوالـح لدْم كالَرام والزّه ُر كال ّدمَى هل ا ُ
ف من حسنهن ورامـحُ لها سائ ٌ زمانَ سِلحي بينهنّ شبـيبـتـي
ش ْيبِي ولو سَالَتْ بهن الباطـحُ ِل َ فأقسمْنَ ل يسقينني قَطْ َر مُـزنَةٍ
وقال هارون بن علي بن يحيى المنجّم :مجزوء الكامل:
نّ إلى انصرام وا ْنقِضَـابِ الـغـانـيات عـهــودُهُ
ةَ بالـخـديعة والـكِـذابِ شبْنَ له الـمـودّ مَنْ شابَ ِ
كَ في الشبيبة غيرُ خابـي فا ْنعَ ْم بـهـنّ و َزنْـدُ سِـنّ
وغصُونه الخُضر الرّطابِ ما ُدمْتَ في رَوْق الصّـبَـا
عذَا َركَ في التصابي واخْلَع ِ فافْخَـرْ بـأيام الـصّـبـا
ت تعذر بالشـبـابِ ما دُم َ ب نـصـيبـهُ وَاعْطِ الشبا َ
وقال أشجع بن عمرو السلمي :الطويل:
وغصنا ُه يهتَزّانِ في عُوده الرّطْبِ ي ل أُعْطي الشبابَ نصيبـهُ وما ل َ
فأسرعتُ باللذات في ذلك ال ّنهْـبِ رأيتُ الليالي ينتهبن شـبـيبـتـي
فقد جُزن سَلمي وانتهين إلى حَرْبي فإنّ بنات الدّهر يخلـسـنَ لـذّتـي
على الرأس أمثال الفتيل من العَطْب وقد حوّلَت حالي الليالي وأسرَجـت
إذا كان ذا حالين يَصبُو ول يُصبـي ومَوْت الفتى خيرٌ له مـن حـياتـه
وقال آخر :مجزوء الكامل:
تحب وأن يحبك مَن تُحبه ما الــعَـــيش إل أن
61
فِقَ ّر تتصل بهذه البيات ،وفي وصف الشباب
ل ذيولَ الهوى ،و َركَضَ في ميدان التصابي ،وجنى ثمرات الملهي .هو في أطاع الشبابَ وغِرّته ،وأجاب الصبا وش َرتَهُ ،جرّ إزارَ الصبا ،وأذَا َ
إقتبال شبَابه ،وحداثة أترابه ،و َر ْيعَان عمره ،وعُنفوان أمره .هو في إبان شبابه واعتداله وريعان إقباله واقْتباله .بعثَه على ذَلك أشَر الصبا ،ولينَ
حدَاثة ،فَتي السن ،رطيب الغصنِ ،عمره في إقباله ،ونشاطُه في استقباله ،وشبابُه في اقتباله ،وماؤه بحاله. شرْخُ الشبيبة ،وسكر ال َ الغصنِ ،و َ
فلنّ في حكم الطفال ،الذين لم يَعضّوا على نَوَاجِذ الرجال .هو في عنفَوان شبيبةٍ تُخاف سقطاتُها وهَفواتُها ،ول يُؤمن جَيحاتها ونَزواتُها .هو
في سكرَى الشباب والشراب ،وبين نزوات الشبان ،ونزغَات الشيطان .شبابُه أَعمَى عن الرشد ،أصمّ عن العَذل ،قد لبّى دَاعِيَ هَواه ،وانغمس
جرِبة ،جامحٌ في عِذار غفْلٌ من سِمةِ التّ ْ صبَا .فلن ُ صبَاه .قد هَجَم بسكْرِ الحداثَة على سكرات الحوادث ،يَجْرِي إلى الصّبا جَ ْريَ ال َ في ُلجّةِ ِ
عذَاره ومِقوَده ،وأ ْلقَى إلى البطالة باعَه و َيدَه .هو بين صعْبُ المراس على لجام العظَة .هو مِنْ سلطان الصّبا في النّ ْوبَة الولى .قد خلع ِ الغَفْلَةَ ،
خمَار ال َغدَاة وسكر العَشِي ل يعرف الصّحو ،ول يفارق اللهو .فلن ل يفيق ،ول يذكر التوفيق .هو بين غرَرِ الشباب ،وغُرَر الحباب. ُ
ويتعلّق بهذه اللفاظ ألفاظ لهم
في نجابة الشباب وترشحهم للمعالي
شيْبة .هو بين شباب قد جمع نَضَارة الشباب إلى ُأبّهة المشيب ،وهو على حدوث ميلدِه وقُرْب إسناده شيخ َقدْرٍ وَ َهيْبَة ،وإن لم يكن شيخَ سِنّ و َ
مُقْتبل ،وعقل م ْك َتمِل ،قد لبس بُ ْردَ شبابه على عَقْل كهلَ ،ورَأي جزلَ ،و َمنْطِق فصل .للدهر فيه مقاصد ،ولليام فيه مَواعد ،أرى له عي فصل
ض ٍر وفتح .قد استكَمل قوّة الفَضل ،ولم يتكامَل له سِنّ ال َكهْلِ .ما زالت َمخَايِلُه ن اليام وَدائَع الحظوظ والًقسامَ ،تبَاشِي َر نجح ،ومَخايلَ ن ْ ضما ِ
عيَان الرجال ،التي ل تدرك إلَ مع الكمال ح فيه! قد سما إلى مراتب أ ْ وليداً وناشئاً ،وشمائله صغِيراً ويافعاً ،نواطِق بالحسن عنه وضوامِنَ النج ِ
والكتهال .ح ِمدَت عزائمه ،قبل أن حُلَت تمائمه؛ وشهِدت مكرماته ،قبل أن تدرجَ ِلذَاته.
وقال البحتري :البسيط:
في السن وانظر إلى المجد الذي شَادَا ل تنظرن إلى العباس مـن صـغـر
صعَـادافي العين أذهبها في الجوَ إ ْ إن النجوم نجومَ الفقِ أصـغـرهـا
وقال آخر :الوافر:
ولم يقسَم على قَدرِ السنينا رأيت العقل لم يكن انتهاباً
حوى الباءُ أنصب َة البنينا فلو أن السنين تقسَمـتـه
وقال الفضل بن جعفر الكاتب :الطويل:
به ُر ْتبَةَ ال َكهْلِ المؤهَل للمَـجْـدِ فإن خلّفته السن فالعَقـلُ بـالـغ
صبِياً وعيسى كلَم الناسَ في المهْدِ حكْم قبـلـه فقد كان يحْيَ أُوتِيَ الْ ُ
عمَر حتى التقى بابن مناذر فاستنشده شعره ،فأنشده أبو حية :الطويل: وكان أبو حيّة كثير الرواية عن الفرزدق ،و ُ
لبِسْنَ البِلى مِما َلبِسْنَ اللّيالـيا ي من أجل الحبيب ال َمغَانيا ألَ حَ ّ
تقاضاه شي ٌء ل يملّ التقَاضيا إذا ما تَقَاضى المرءَ يومٌ وليلة
ن ُيبْقِينَ باقياسَوِيَ ا ْل َعصَا لو كُ َ حَنتكَ الليالي بعدما كنت مـرةً
فقال ابن مناذر :أوَ شع ٌر هذا؟ فقال أبو حيّة :ما في شعري عيب ،غير أنك تسمعه.
وفي هذه القصيدة يقول أبو حيّة :الطويل:
وتكَديرَها الشرْبَ الذي كان صافيا ولما أبـتْ إلّ الـتّـوا َء بِـ ُودَهـا
وكيف يعاف ال َرنْقَ من كان صَادِيا؟ ق مِنْ هَوَاهـا مُـكَـدّ ٍر شربتُ ب َرنْ ٍ
وقد قال عَمرُو بن قَميئةَ في معنى قول أبي حية :الكامل:
فألنها الصبـاحُ والمْـسـاءُ كانت َقنَاتي ل تَلِينُ لـغـامـزٍ
لمَةُ داءُليُصِحنِي فـإذا الـسـ َ ودعوتُ ربي في السلمة جاهداً
وقال النّمر بن تولب :الطويل:
فكيف يرى طولَ السلمة ي ْفعَلُ؟ يَ َودُ الفتى طولَ السلمة والبَـقـا
ينوءُ إذا رَامَ القـيام ويُحْـمَـلُ يعود الفتى من َب ْعدِ حُسنٍ وصحةٍ
وقد روي في الحديث الشريف" :كفى بالسلمة داءً".
حمَيد بن ثور في قوله :الطويل: وقد أحسن ُ
وحَسْبكَ دا ًء أن تَصح وتَسْلَمـا صحَةٍ أرَى بَصَرِي قد رَابَني بعد ِ
إذا طلبا أن يدركا ما تـيمّـمـا ولن يَلبَثَ العصْران يوم ولـيلةٌ
حمَيد ،ومن أجوَد ما فيها :الطويل:
وهذان البيتان من قصيدة طويلة ،وهي أجود شعر ُ
دَعَتْ ساقَ حُر تَرحَ ًة وتَرنُـمَـا حمَـامَةٌومَا هاجَ هذا الشوقَ إلّ َ
طعَـمَـا مولّه ًة تَبغي له الدَه َر م ْ تَروح عليه وَالهاً ثـم تَـغْـتَـدِي
وتَبكي عليه إنْ َزقَا وتَـ َرنّـمـا تؤمل منه مُ ْؤنِسـًا لنْـفـرَادِهـا
إذ هُ َو َمدَ الجيد منهُ لِيطْـعَـمـا كأنَ على إشراقه نورَ خـمـرةٍ
جثَمـا لها مَعهُ في ساحةِ الحي م ْ فلمَا ا ْكتَسَى الريشَ السُحامَ ولم تَجِد
به الريح صِرْفاً أيّ وجه َت َيمّمـا ن تَذَءّبـتْ تنحّتْ قريباً فوقَ غُص ٍ
لها وَلَداً إلّ رِماماً وأعْـظُـمـا سفّ فلـم َي َدعْ فأهوى لها صَقْ ٌر مُ ِ
62
لنائحةٍ في نَوْحِها مُـتَـلـوَمـا حيّا ولم تَدعْ فأ ْو َفتْ على غُصْنٍ ضُ َ
فصيحاً ولم تَ ْفغَ ْر ب َمنْطِقها فـمـا جبْتُ لها أنى يكونُ غِـنـاؤهـا عَ ِ
جمَـا
ول عَرَبيّا شاقَهُ صَوتُ أعْ َ ت ِمثْلِهـافلم أر مِثلِي شاقَهُ صَوْ ُ
ومن خبيث الهجاء قولُه في هذه القصيدة يخاطب رجلين بعثهما :الطويل:
خ ْثعَـمـا
ن َنهْداً و َ
وجاوزتما الح ّييْ ِ وقول إذا جاوزتُما أَ ْرضَ عـامـرٍ
جمَا
حَ أبوْا أن يريقوا في الهَزاهِ ِز مِ ْ تريعان مِنْ جَرْ ِم بـنِ َزيّانَ أنـهـم
وما ُهجِيت جَرْم بأش َد من هذا ،يريد أنهم لذلتهم لم َيتِروا أحداً فيطالبهم ِبذَحْل.
ل من يَ ْفنَى ببقائه ،ويَسْقَم بسلمَتِه ،ويُؤتى من مَأمنه. وقال الصمعي :قيل لبعض الصالحين :كيف حالُك؛ قال :كيف حا ُ
وقال محمود الوراق :الطويل:
علـــى ثـــقةٍ أنّ الـــبـــقـــا َء بَـــقَـــــاءُ يُحِـب الـفـتـى طــولَ الـــبـــقـــاء كـــأنـــهُ
إذا ما طوى يوماً طوى اليو ُم َبعْضَهويَطْويه إنْ جَن المساء مَساءُ
وأنـى عـلـى نَـقْـــصِ الـــحـــياة نـــمـــاءُ؟ حيَاته زيادته في الجسم نقصُ َ
ول لـهـمـا بَـعْـــدَ الـــجـــمـــيع بـــقـــاءُ جديدان ل يَبْـقَـى الـجــمـــيعُ عـــلـــيهـــمـــا
وقال المتنبي :الطويل:
ن قُـوّتـي ضَـعْـفُ ي مِـ ْوقُوةُ عِشقٍ وَ ْه َ ي نَـقْـصُ زِيادتـــي زيادةُ شَـيْبٍ وَهْـ َ
وبيت محمود الخير كقول البحتري :الوافر:
َأنَـهْـب مـا تُـصَـرّف أم جُـبـــارُ؟ أناةً أيها الفَلك المُدارُ
كمـا تُـبْـلـي فـيد َركُ مِـنْـكَ ثـــارُ ل مـا تـفْـنـي وتَـبْـلَـى ستَ ْفنَـى مـثـ َ
َ
و َي ْدمُـرُ فـي تَـصَـرّفـه الــدّمـــارُ ت إذا تـنـــاهَـــتْ تُنـابُ الـنـائبـا ُ
مطـاياهُـمْ رَواحٌ وابْـــتِـــكـــار ومـا أهْـلُ الـمـنـازِلِ غَـيْر َركْـــبٍ
ويقول فيها:
ن َرجّيها وأعمـا ٌر قِـصـارُ لنا في الدَهر آمـال طـوالٌ
ن به ْم فساروا لقد طَ َردَ الزما ُ أما وأبي بني حار بْنِ كعـبٍ
ل منهم والنـهـارُ ونالَ اللي ُ أصاب الدَهْرُ دولةَ آلِ وَهْبٍ
تقاضاهُ ْم فَ َردُوا ما استعاروا أعارَهُم رداءَ العِز حـتـى
64
الموجودة في أكثر السودان في أوساط الشفاه ،وأيضاً فإن السود مهجو بخبث العَرَق ،فنفى هذه الصفات المذمومة الموجودة في أكثر السودان
عنها ،فقال :المنسرح:
فُلْحِ الشَفاهِ الخبائثِ الْـعَـرَقِ س الكُفّ ول ال لَيسَت من ال ُعبْ ِ
ثم عاج بخاطره على وصف هذه السوداء بأضداد تلك الصفات المذمومة ،فقال :المنسرح:
فرَاء أَو لِينِ جيدِ الدلَـق سمّورة تخيرها الْ في لِينِ َ
ومن بديع مدح السوداء قوله :المنسرح:
صبغة حَب القلوب والْحَـدَقِ أكسبها الحبّ أنها صُـبِـغـت
شقْنَ أيما عَـشَـقِ أبصار َيعْ َ فانصرفت نحوها الضمائِرُ والْ
حدَق.
فأخبر أن القلوب إنما أحبتها بالمجانسة التي بينها وبين حَب القلوب من السواد ،وكذلك الْ َ
ومن جيّد تشبيهات أبي نواس وقد نبه نديماً للصبوح فأخبر عن حاله وقال :البسيط:
جَلَ التبسُم عن غُر الثنـياتِ ح كما فقام والليل يَجْلُوهُ الصبا ُ
ولعلي بن العباس عليه التقدم بقوله :المنسرح:
من ثغرها كاللَلئ النّسق يفتَ ّر ذاك السوا ُد عن يَقق
ليل َتعَرَى دُجاه عن فَلَقِ حكُهـا ضِ ح يُ ْ كأنها والمزا ُ
ل هذا الكلم على ذاك أن هذا قدَمَ لمعناه في التشبيه مقدمة أيّ َدتْه ،ووطََأتْ له الَذان ،وأصغت الفهام إلى الستحسان ،وهي قوله: وفض ُ
يَفَت ّر ذاك السوادُ عن يقق
وفي هذه السوداء يقول ،وقد سأله أبو الفضل الهاشمي أن يستغرقَ صفات محاسنها الظاهرة والباطنة ،فقال :المنسرح:
من قلب صبّ وصدرِ ذي حَنق لها حِرٌ يسـتـعـير َوقْـدَتـه
ما ألهبتْ في حشاه من حُـرَق كأنـمـا حـرُه لِـخَـابــرِهِ
تَ ْزدَاد ضيقاً ُأنْشُوطةُ الـوَهَـق يَزْداد ضيقاً على المِراس كمَـا
ثم فكَ َر فيما فكَ َر فيه النابغة ،وقد أمره النعمانُ بوصف المتجرّدة ،فوصف ما يجوز ذكره من ظاهر محاسنها ،ثم كره أن يذكر من فضائلها ما ل
يسوغ بمثله أن يذكر منها ،فرد الخبار عن تلك الفضائل إلى صاحبها ،وهو الملك ،فقال :الكامل:
عذْب إذا قبّلته قلتَ أ ْز َددِ زعمَ الهُمام بأن فاها باردٌ
ي بن العباس هذا ،فقال بعد ما سأله أن يستغرقَ في وصف فضائلها الظاهرة والباطنة :المنسرح: فاحتذى عل ّ
خَ ّز الماديح ل مِنْ الْـخِـرَقِ خذْها أبا الفضل كسو ًة لك مِـنْ ُ
ْهمِ ولم نَخْـتَـبِـرْ ولـم نَـذُقِ وصفت فيها التي َهوِيتَ على الْو
ظبْـيَةِ الـبُـرَقِ منكَ إلينا عن َ إلّ بأخبارك الـتـي َوقَـعَـتْ
ل عنْ مـخـبـر يقَـقِ ذُرَاكَ إ َ حاشا لسوداء َمنْظَرٍ سَـكَـنَـتْ
ف المعنى وإيضاحه ،ما زادَ ب معرِفتُه عن أكثرِ الناس ،ولو آثرَ النابغةُ تركَ الختصار ،وه َم بكَشْ ِ وهذا المعنى أومأ إليه النابغة إيماءً خفيّا تذه ُ
على هذا الكشف الذي كشفه ابن الرومي.
وأصحابه المعاني ينشدون للفرزدق :الطويل:
عليه ولم أ ْبعَث عليه البَوَاكِـيَا ح قد رُزئتُ فلم أنح جفْنِ سِلَ ٍ
وِ
سَأتْـه لـيَالـيا
لَو أن المنايا أنْ َ طنِه مِنْ دَارِم ذو حَفِيظةٍ وفي بَ ْ
ومعناه عندهم أنه رثى امرأة توفَيت حاملً ،فقال علي بن العباس وقد وصف هذه المرأة السوداء :المنسرح:
كالسيف يفري مُضَاعَفَ الحلَقِ أخِلقْ بها أن تقومَ عـن َذكَـرٍ
أسْ َودُ والحق غير ُمخْـتَـلـقِ ف أكْـثـرهـا إنّ جفونَ السيو ِ
فْهذه زيادةٌ بيّنة ،وعبارة واضحة ،لم تحتج إلى تفاسير أصحاب المعاني ،وقال ممّا لم ينشده المتنبي :المنسرح:
مؤتَزَ ٍر مُعجب ومنتـطـقِ غُصْن من البَنُوس ُركَبَ في
ومن دواجي ذُرَاه في ورَقِ يهتز من ناهديه في ثـمـرٍ
وهذا معنى قد بلغ قائلُه من الجادة ،فوق الرادة ،وامتثل أبو الفضل الهاشمي ما أشار به ابن الرومي ،فأولدها ،فأنجبت.
وفي معنى قول الفرزدق قال الطائي وأحسن وذكر وََل َديْنِ تَوَْأ َميْنِ ماتا لعبد ال ابن طاهر :الكامل:
لبِـلرُزأيْن هاجَا لَوْع ًة وبَ َ ي نهارٍ واحدٍ إن تُرْزَ في طَ َرفَ ْ
إل إذا ما كان وَهْمـًا بـازِل فالثّقل ليس مضاعفاً لمطِـيةٍ
لو أُمهلتْ حتى تكون شمائل لهفي على تلك المشاهد منهما
حُكماً ،وتلك الريحيّة نـائل َلغَدا سكونُهما حِجًى ،وصباهُما
ن سيكون بدرًا كاملَ أيقنْتَ أ ْ إن الهللَ إذا رأيت نـمـاءَهُ
وعلى ذكر التوأمين ألفاظ
لهل العصر في التهنئة بتوأمين
سعْد ،وشِهاباَ عِزّ ،وكَ ْوكَبا مَجْد ،فتأهلت بهما رُبوع حتَانِ في وطن ،وانتظمت مَوهِبتان في قَرَن ،طلع في أفق الكمال نجمَا َ تيسرت مِن َ
خبَ ُر الموهبة المشفوعة بمِثْلها ،وال َن ْعمَة المقرونة ف المكارم ،واستشرقَتْ إليهما صدور السرّةِ والمنَابر .بلغني َ المحاسن ،ووُطّئت لهما أكنا ُ
جبُه ا ْزدِوَاج البُشْرى ،واقترانُ غادِيةٍ ِبعِدْلها في الفارسين المقبلين ،رضيعي العز والرفعة ،وقَريني المجد والمنعة ،فشملني من الغتباط ما يُو ِ
65
خرَى.بأُ ْ
والشي ُء ُي ْذكَر بما قارب ناحي ًة من أنْحائه ،وجاذبَ حاشي َة من رِدائه.
في الهجاء
وقال بعض أهل العصر يهجو رجلً وضمّن قول النابغة :الكامل:
سمَائه غدَاةَ غِب َ كالقحوان َ
وأزاحه عن بابه؛ فجاءَ مليحاً في الطبع ،مقبولً في السمع :الكامل:
ج ْلمَدِ رَطْبَ العِجَانِ وكفه كالْ َ عهْدِي بِهِ يا سائلي عن جعفرَ ،
جَفّتْ أعاليه وأسْفَلُـه نَـدِيَ غدَاة غِب سمـائِهِ لقْحُوان َ كا ُ
ومن مستحسن ما روي في هذا التضمين قول الخر وضمّن بيتًا لمهلهل ابن ربيعة :الوافر:
عمّا فيه من كَرَم وخِـيرِ وَ َ وسائلةٍ عن الحَسَن بن وهبٍ
أراه كثيرَ إرخاء الستـورِ فقلت هو المهذّب ،غيرَ أني
سيْنٌ حين يخلو بالسُـرور حُ َ وأكثر ما يغـنَـيه فَـتـاهُ
ل البيض تُقْرَع بالذُكورِ صَلي َ جرٍ ن بِحُ ْ سمِ َع مَ ْ
فلول الريح أُ ْ
وهذا البيت لمهلهل ممّا يعدُونه من أول كذب العرب ،وكانت قبل ذلك ل تكذب في أشعارها ،وكان بين الموضع الذي كانت فيه هذه الواقعة
صبَة باليمامة مساف ٌة بعيدة ،فأخرجَه هذا الشاعر بقوة ُمنّته ،ونفاذِ فِطنته ،إلى معنىً آخر مستظرف في بابه. حجْر وهي قَ َ وهي بالجزيرة وبين ُ
وهذا المذهبُ أحسَن مَذاهب التضمين .ومن مليح ما في هذا الباب تضمينات الحمدوني في طيلسان أحمد بن حرب المهلبي ،وسيأتي ما أختارَه
من ذلك في غير هذا الموضع.
??رجع إلى ما قيل في الثغر
وقد جاء في صفةِ الثغور والفواه والرّيق شع ٌر كثير .قال جميل :الطويل:
تُرِيك نَ ِقيّا واضِحَ الثغر أشْـنَـبـا تمنيْتُ منها نظرةً وهـي واقِـفٌ
هزي ُم الذّرى َتمْرِي له الريحُ َهيْدَبا كأن عَرِيضًا من فَضيض غمـامةٍ
ج ُم من بعد الهدو تَصَـوَبـا إذا الن ْ يُصَفّقُ بالمسك الذكيَ رُضـابـهُ
وقال :الكامل:
والنجْمُ وَهْناً قد َبدَا ِلتَـغَـ ُورِ وكأن طارقَها على عَلَلِ الكرى
برُضابِ مسكٍ في ذكيَ العنبرِ ح مُدامةٍ معـلـولةٍ ستَافُ ري َ يَ ْ
وقال عمر بن عبد ال بن أبي ربيعة المخزومي :الطويل:
نَقي الثنايا ذو غُرُوب مُؤشَرُ ك منها مُفَلج سَِيمُج َذكِيَ المِ ْ
ن ُمنَوّرُ حَصَى بَ َردٍ أو أُقحوا ٌ ف إذا تَ ْفتَرُ عنه كـأنـه يَرِ ّ
وقال الهذلي :الوافر:
ب قَذاها كلون الصّرْف ُمنْجا ٌ صهْبَاءُ صافيةٌ لـضـبّ وما َ
أحلته برَضراضٍ عُراهـا طفَ ٍة مِن مـاء مُـزْن تُشَخ بنُ ْ
سنَةٍ كَراها إذا ما طار عن ِ طعْ ِم فيها شرَعاً من َ ب مَ ْطيَ َبأ ْ
وقال آخر :البسيط:
كالدُرّ ل كَسَس فيه ول ثَـعَـلُ وشق عنها قِناع الخز عـن بَـ َردٍ
طَل من الدَجْنِ سقاطُ الّندَى هَطِل ت يَضْـ ِربُـه كأنه أقْحـوانٌ بـا َ
شنّـه جَـبَـلُ شُجت بماء سماء َ صرْفًا كميتَ اللَوْنِ صافـية كأن ِ
أو اعتراها سُباتُ النَوم والكسـلُ سنَةً ت من نومها ِ فوُها إذا ما َقضَ ْ
وقال الخر :الوافر:
ت آ ِنسَةٌ كسولُ قطيع الصَو ِ هِجانُ اللَوْنِ واضِحَةُ المحيا
فُرات الريقِ ليس به فلولُ تَبسمُ عن أغَرّ له غُـرُوبٌ
تُشَجُ به شآمـيةٌ شـمـولُ صبِيبَ غادية لصـبّ كأنَ َ
مُحَلقَةً وأ ْردَفهـا رَعِـيلُ على فيها إذا الجَوْزاء عاَلتْ
وقال ابن المعتز :المديد:
قد بَدا الصبحُ لنا واستبانـا يا نديميَ أشربا واسقِـيانـا
واتركا الدَهْر فما شاءَ كانا واقتل همّي بصرفٍ عقارٍ
فإذا دامَ على المَرْء هانـا إن للمكـروه لَـذْعةَ شَـرّ
طاب للعطشان وِرداً وحَانا وامزجا كأسي بريقةِ أ ْلمَـى
ناصح الريق إذا الرّيق خَانَا من ف ٍم قد غُرِس الدّ ُر فـيهِ
وقال ابن الرومي :السريع:
يمجـه بـين ثَـنـاياكـا يا ُربّ ريقٍ بات َبدْ ُر الدّجى
والما ُء يُ ْروِيك و َينْهـاكـا يروي ول ينهاك عن شربِهِ
66
ل بن طاهر :الكامل: ل بن عبد ا ّ وقال عبيد ا ّ
أخْشَى عُقُوب َة مَـالِـكِ المـلكِ ك قُلت لي: وإذا سأَل ُتكِ رَشْفَ ري ِق ِ
ن أكُونَ خليفة الـمـسـوَاكِ من أ ْ ماذا عليك؟ جُعلت قبلك في الثرى!
صَب بحبـك دون عُـودِ أراكِ؟ أيجو ُز عنـدك أن يكـون مُـتَـيّمٌ
وهذا المعنى يجاوُز الحصاء ،ويفوتُ الستقصاء؛ وكلّه مأخوذ من قول امرئ القيس :المتقارب:
طرْوريحَ الخُزَامَى ونَشْرَ القُ ُ كأنّ ال ُمدَامَ وصَوْبَ الغـمـام
إذا طرَبَ الطائرُ ال ُمسْتحِـرْ ُيعَـل بـه بَـ ْردُ أنْـيابـهـا
فجمع ما فرَقوه ،وأخذه الجعفري فقصّر عنه :المتقارب:
سلْ وريحَ الخُزَامى وذوْبَ العَ َ كأن المُدامَ وصَوْبَ الغـمـامِ
ع َتدَلْ
سطَ السماء ا ْ جمُ وَ ْ
إذا النّ ْ ُيعَـل بـه بَـ ْردُ أنـيابـهـا
ويلحق بهذه المعاني من شعرِ أهل العصر قولُ أبي علي محمد بن الحسين بن المظفر الحاتمي -وذكر خمراً :الكامل:
ن تَ َقنّعَ بالمـلحةِ واعـتَـجَـر ِفتَ ٌ مِنْ كفّ ساقٍ أ ْهيَفٍ حَـرَكـاتُـه
يُوحي إليّ أن ارتقبهم واصْطَبـرْ ناولته كأسِي وكسـرُ جُـفـونِـهِ
تهْوى إلـى أفـراد دُ ّر ذِي أشَـرْ فثنـى لـهـا َأقْـل َم دُرّ رَخْـصَةٍ
ل من قمرْ كالشمس َتغْرُب في هِل ٍ ت من كأْسِ ِه فـي ثَـغـرِهِ فتحدّرَ ْ
وأهدى أبو الفتح كشاجم لبعض القيان مِسْواكاً وكتب إليها :الرمل:
واضحاً كاللؤلؤ الرّطْبِ أغَـرّ قد بعثْنَاهُ لكـي تَـجْـلُـو بِـهِ
سقَى في السحَرْ كان من ريقِك يُ ْ ب منه العَرْفُ حَتى خِلْـتُـهُ طا َ
حَظّه منكِ لثْـنَـى وشَـكَـرْ وَأما والـلّـه لـو يَعـلَـ ُم مَـا
بَر ُد أنيا ِبكِ فـي كـلّ سَـحَـرْ ليتني المهدَى فيَروِي عَطَـشِـي
أملح الشعر وأرقّه
وكان ذُكرَ بحضرة ابن أبي عتيق شعر عمر بن أبي ربيعة والحارث بن خالد المخزوميين ،فقال رجل من وَلد خالد بن العاص بن هشام بن
ش ْع ِر ابنِ أبي ربيعة لَوْطةٌ بالقلب ،وعَلَق بالنفسِ ،ودَرْك للحاجَة حبُنا الحارث أشعر ،فقال ابنُ أبي عتيقَ :دعْ قولَك يَا بْنَ أخي ،فلِ ِ المغيرةّ :صا ِ
ف معناه،خ ْذ عنّي ما أصِفُ لك :أشعَرُ قريش مَنْ َر ّ ش ْعرِ الحارث ،وما عُصِي الُّ بشعرٍ قطّ أكثر مما عُصِي بشعر ابن أبي ربيعة ،ف ُ ليس ل ِ
عرَب عن صاحبه ،فقال الذي من ولد خالد بن العاص :صاحبُنا الذي سهُل مَخْرَجه ،وتعطّفَتْ حواشيه ،وأنارت معانيه ،وأ ْ ولَطُف مَدْخَله ،و َ
يقول :الكامل:
عند الجِمار تَؤودها العُقْلُ إني وما نَحرُوا غَدا َة ِمنَى
سُفْلً وأصبح سُفلها يَعْلُو لو ُبدّلَتْ أعْلى منازلـهـا
فيرده القواءُ والمَـحـل فيكادُ َيعْرِفها الخبيرُ بهـا
مني الضلوعُ لهلها َقبْلُ لعرفت مغناها بما اح َتمَلتْ
ستُرْ على صاحبك ،ول تشاهد المحاضر بمثل هذا ،أما تطَير الحارثُ عليها حين قََلبَ َر ْبعَها فجعل عالِيه فقال ابنُ أبي عتيق :يا ابن أخي ،ا ْ
ل مصاحبةً إذ يقول: حسَنَ الناسِ للرّبع مخاطبةً وأجم َ ن أبي ربيعة كان أ ْ سافلَه؟ ما بقي إلَ أن يسألَ الّ حجار ًة من سجيل وعذاباً أليماً .اب ُ
الخفيف:
67
شغَفُ النفسِ
ويعرفه َ تَنكّرُهُ ا ْل َعيْنُ من حادِ ٍ
ث
وفد أخذه طريح بن إسماعيل الثقفي ،فقال :الكامل:
خبِـرستَ ْ خبَاراً على مُ ْ لترد أ ْ خبِ ُر ال ّدمَنَ القِفار ولم تكنْستَ ْتَ ْ
ف مُنكِـرِ َمغْنى أحبته وط ْر ٍ ت تحكم بين ق ْلبٍ عارفٍ فَظَلْل َ
وقال الحسن بن وهبٍ ،إشارة إلى هذا المعنى :المنسرح:
ن تُبْصـرُهُ فما تكا ُد العيو ُ جدّتهِ
أبَْليْتَ جِسمي من بعدِ ِ
َتعْرفُ ُه العينُ ثم تنـكـ ُرهُ كأنه رَسمُ منزلٍ خَـلـق
وقال يحيى بن منصور الذهلي :الطويل:
ف من سُعاد و َمرْبـعِ تذكُر طي ِ ل انبَرى لـهُ أما يستفيقُ القلب إ ّ
ي َت ْدمَعِل عين َ متى تعرف الطل َ أُخادع مِنْ عِ ْرفَانِ ِه العـينَ؛ إنـهُ
وقال آخر :مجزوء الوافر:
ف لِمْ ل تعرف الدَارَا هي الدارُ التي تَعـرِ
كَ أعلمـاً وآثـارَا ترى منها لحـبـاب
وتبدي العينُ إنكـارَا عرْفانـاًفيبدي القلبُ ِ
ل قوله بهذا المعنى ،وأنا أنشد البيات كلّها ِلمَلَحتها؛ إذ كان الغرض في هذا التصرف هو إرادة الفادة :الطويل: وقال أبو نُوَاس ،وتعلّق أو ُ
ض به عيني ويَلْفظُـهُ وَهْـمِـي تَغ ّ ل ل أَرَى مثلي امتَرَى اليومَ في رَسمِ َأ َ
فظني كَلَ ظن وعِلمي كَلَ عِـلْـمِ صوَرُ الشيا ًء بـينـي وبـينـه أتت ُ
وساقية بين المرَاهـق والْـحُـلْـمِ ب بحديثٍ من حبيبٍ مـسـاعـدٍ فطِ ْ
عهْدٍ بـالفَـاقَ ِة مِـنْ سُـقْـم قَرِيبَة َ ف تحسـب أنـهـا ضعيفة كرَ الطَرْ ِ
تفوّقي الصهباءَ من حَلَـبِ الـكَـرْمِ ف وتَـالِـدٍ يفوّق مَالـي مـن طَـرِي ِ
و َتعْلَم قوسي حِين أنزع مَن أرْمـي ث ُي ْبتَـغَـىوإني لتي ال َوصْلَ من حي ُ
ورَوَى أبو هفان قال :كان أبو عبد الّ محمد بن زياد العرابي يطعن على أبي نواس ،و َيعِيبُ ش ْعرَه ،ويضعفه ،ويستلينه ،فجمعه مع َبعْضِ
ن من هذا؟ وأنشده :ضعيفة كرّ خ ل يَعْ ِرفُه ،فقال له صاحبُ أبي نواس :أتعرفُ -أع ّزكَ الّ! -أحْسَ َ رُوَاةِ شعر أبي نواس مجلسٌ والشي ُ
الطّرْفِ ...البيات ،فقال :ل والّ ،فَِلمَنْ هو؟ قال :للذي يقول :الكامل:
عفّى عليه بكٌا عليك طًـوِيلُ َ سمُ الكَرَى بين الجفون مُحِيلُ رَ ْ
ط بينهـنّ قَـتِـيلُ حتى تشحَ َ يا ناظراً ما أقَْلعَتْ لحظـاتُـه
جوَد منه لقديم ول لمحدَث! فقال :ل أُخْبرك أو تكتبه؛ فكتبه ،وكتب الول ،فقال :للذي س ِمعْتُ أ ْ
فطربَ الشيخُ ،وقالَ :ويْحك! لمنْ هذا؟ فوال ما َ
يقول :البسيط:
كَأْس الكَرَى فانتَشَى المَسْقيّ والساقي َركْب تَسَاقَوْا على الكوار بـينـهـمُ
ق بـأعـنـاقِ على المناكب لم تُخْلَـ ْ كأن ،أرْؤُسهمْ والنـ ْومُ وَاضِـعُـهـا
حتى أناخُوا إليكم َقبْـلَ إشـراقـي عقْـداً لـرَاحِـلَة ساروا فلم يقطعوا َ
ل مُـشْـتَـاقِ حمَلَتْ أوصـا َ مشتاقةٍ َ مِنْ كل جائلةِ الطَـرْفـين نـاجـيةً
فقال :لمن هذا؟ وكتبه .فقال :للذي تَ ُذمّه ،و َتعِيب شعره ،أبي علي الحكمي! قال :ا ْكتُم عليّ ،فوال ل أعود لذلك أبداً.
شرْباً :الطويل: أخذ قولَه :كَأَنَ أ ْرؤُسهم والنوم واضعها أبو العباس بن المعتز ،فقال يصف َ
ظِباءٌ بأَعْلى ال َر ْق َم َتيْنِ قـيامُ كأن أبارِيقَ اللُجَـيْن لـديهـمُ
من اللّين لم يُخْلَقْ َلهُن عِظَامُ وقد شربوا حتى كأن رُؤوسهم
البيت الول من هذين من قول علقمة بن عبدة :والبسيط:
ن مَـلْـثُـومُ سبَا ال َكتّا ِ
مُ َفدَمٌ ب َ ظبْيٌ على شَرفٍ كأنّ إبريقَهم َ
أراد بسبائب ،فحذف .وقد أحسن مسلم بن الوليد في قوله :الكامل:
وحكى المديرُ بمُ َقَلتَيْهِ غَزَال إبْرِي ُقنَا سَلَبَ الغزالةَ جِيدَهـا
ويُديرها من كَفّه جِـ ْريَال صبَابةٍ
يَسْقيك باللحاظ كأسَ َ
وأنشد الحارث بن خالد أبياتَهُ :الكامل:
......................... غدَا َة ِمنًى
حرُوا َ إني وما نَ َ
لعبد ال بن عمر ،فلما بلغ إلى قوله :الكامل:
ع لهْلِها َقبْلُ مِني الضلو ُ ت مَغناها بمَا احتملتْ لع َرفْ ُ
خيْرَ في شي ًء يُفْسده إن شاء ال. قال له ابن عمر :قلْ إن شاء ال ،قال :إذاً تفسد الشعر يا أبا عبد الرحمن ،فقال :ل َ
وكان الحارث بن خالد أحدَ المجيدين في التشبيب ،ولم يكن يعتقد شيئًا من ذلك ،وإنما يقولُه تظرفاً وتخلّعا ،وكان أكثر شعره في عائشة بنت
ي أني كنت معتقداً ِلمَا أقول فيها ،وهو القائل: ب بن الزبير قيل له :لو خطبتَها! قال :إني لكْرَه أن يتوهَم الناسُ عل َ ص َع ُ
طَ ْلحَة ،فلما ُقتِلَ عنها مُ ْ
البسيط:
بنا الصبابَةُ حتى مسّنا الشًـفَـقُ عمْرانَ ما زَاَلتْ وما بَ ِرحَتْ يا أمّ ِ
68
كما يتوقُ إلى َمنْجَاتِهِ الـغَـ ِر ُ
ق ي يلقـيَكـم ب تاقَ إليكم كـ ْ القل ُ
ظهْر الحية الفَـرِقُ كما يمسُ ب َ تُوفيك شيئًا قليلً وهـي خـائفة
أخذ هذا الطائيُ فحسّنه فقال :الكامل:
ل يكنْ ما ًء قَـرَاحـًا يُمـذَقِ إّ تَأبى على التصْـرِيدِ إلَ نَـائِلً
سكِ التي لم تُ ْفتَق من فَأْرة المِ ْ نزرًا كما استكرَهْتَ عاب َر نفحةٍ
ت أدْلَجَتْ ولم يعلم ،فكتب إليها: حجّت عائشةُ بنْتُ طلحة ،فوجه إليها يستأذنها في الزيارة ،فقالت :نحن حَرام ،فأخّر ذلك حتى نحلّ ،فلمّا أحَل ْ وَ
الكامل:
غدُها إنّ المنيةَ عاجلٌ َ سدَداًما ضر ُكمْ لو قُ ْلتُمُ َ
حدُهالسنا على اليام نَجْ َ ولها علينا ِنعْمةٌ سلَفـتْ
ت بذلك عندنا َيدُهـا َتمَ ْ ب ِنعْمَتها لو َت ّممَتْ أسبا َ
بالنار تَحْرِق ُه وي ْعُبدُهـا إني وإياها كمفـتَـتِـنٍ
ل بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ،رضي ال عنه! وكان من أفاضل زَمانِهِ عِلْماً وعَفافاً ،وكان ن أبي عتيق هذا هو عبد ا ّ واب ُ
ستَحسن إن شاء ال. أحْلَى الناس فكَاهةً ،وأظرفهم مزاحاً ،وله أخبار مستظرفة سيم ُر منها ما يُ ْ
ت فداكِ؟ قالت :في جعِلْ ُروى الزبير بن أبي بكر أنه دخل على عائشة -يعني بنت طلحة ،رضي ال عنهما! -وهي لما بها؛ فقال :كيف أنتُ ،
الموت ،قال :فل إذاً ،إنما ظننت في المر ُفسْحَة ،فضحكت ،وقالت :ما َت َدعُ مَزْحك بحَالٍ.
وفيه يقول عمر بن أبي ربيعة القرشي :المديد:
بفلةٍ ُه ْم لديهـا خُـشُـوعُ ليْت شعري هل أقولنْ لركب
حان من نَجْمِ الثريا طلـوعُ ستَـقِـلُـوا
سُتمُ فا ْ طَالَما عرّ ْ
وحديثُ النفس ِمنّـي يَرُوعُ عنّـي إنّ َهمّي قد َنفَى النومَ َ
ل الدمـوعُ ت ممّا يقو ُ فجرَ ْ قال لي فيها عَتيقٌ مـقـالً
فأجاب القلبُ :ل أستطـيع قال ليَ :و َدعْ سليمى ودَعْها
وابكِ لي ممّا تُجِنّ الضّلوعُ ل تَُل ْمنِي في اشتياقي إليهـا
قال أبو العباس محمد بن يزيد :قوله :حان من نجم الثريا طلوع كناية ،وإنما يريد الثريا بنت علي بن عبد الّ بن الحارث بن أميّة الصغر،
وكانت موصوفةً بالجمال ،وتزوّجها سهيل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري ،فنقلها إلى مصر ،وفي ذلك يقول عمر ،وضرب لهما المثل
بالنجمين :الخفيف:
ف يَ ْلتَقيَانِ؟
عمْ َركَ الََ ،كي َ َ سهَـيْلً أيها المُنكِحُ الثريا ُ
ل َيمَانِـي وسهيلٌ إذا استَقَ ّ هي شامية إذا ما استقلَـتْ
فمات سُهيل عنها ،أو طلَقها ،فخرجت إلى الوليد بن عبد الملك وهو خليفة دمشق تَطْلب في دَين عليها ،فبينما هي عند أ ّم البنين ابنة عبد العزيز
عمَر بن أبي ربيعة ب في َديْنٍ ارتكبها ،فأقبل الوليد عليها ،فقال :أتروِين من شعرِ ُ ن هذِه عندكِ؟ قالت :الثريا ،جاءتك تطل ُ إذ دخل الوليدُ فقال :مَ ْ
شيئاً؟ قالت :نعم ،أما إنه رحمه ال كان عفيفاً ،عفيف الشعر ،أروي له قوله :الخفيف:
ن َرجْعَ السلمِ أوْ لو أجَابَـا سمِ بالبُلييْنِ لو بي ما عَلَى الرَ ْ
ئف أمْسى من النِيس َيبَابـا فإلى قَصْ ِر ذِي العُشَيرة بالصا
شبَابَا ش نعمةً و َ ظاهري العي ِ حيَ صِـدْقٍ وبما قد َأرَى به َ
حسَابَا ت عند الهوى ال ْ حافظا ٍ جوَارياً ،خَـفـرَاتٍ، وحِساناًَ ،
َبعْنَ ،ي ْنعَقْنَ بال ِبهَامِ ،الظرَابـا ل ُي َكثّرْنَ بالـحـديث ول يت
ت من شعر عمر؟ قالت :ل ،قال :فإنّي لما عرَضْت لها بعمر فلما خل الوليد بأ ّم البنين قال :لّ درُ الثريا؛ أتدرين ما أرادَتْ بإنشادها ما أنشدَ ْ
عرّضت بأن أمي أعرابية؛ وأمّ الوليد َولّدة ابنةُ العباس بن جزء بن الحارث بن زُهير العبسي ،وهي أمُ سليمان ،ول تُعلم امرأة ولدت خليفتين
سبِية من خَرشَنة ،ولدت موسى الهادي وهارون الرشيد ابني محمد المهدي ،وشاهسفرم بنت فيروز في السلم غيرها ،وغير الخيزُرَان ،وهي َ
بن يزدجر بن شهريار بن كِسْرى أبروير؛ فإنها ولدت للوليد بن عبد الملك يزي َد بن الوليدِ الناقصَ وإبراهي َم بن الوليد المخلوع؛ جلس في
الخلفة َبعْد أخيه يزيد مدةً يسيرة ،ثم جاء مروان بن محمد بن مروان آخر ملوك بني أمية فخلعه و ُولّي بعده.
شبِيه بقول الثريّا في باب التعريض أنه دخَلتْ عَزّةُ على عبد الملك بن مروان ،فقال لها :أنْتِ ع َزةُ كثير؟ قالت :أنا أمّ بكر الضمْرِية ،قال لها: وَ
يا عزّةُ؟ هل تروين من شعر كثيّر شيئاً؟ قالت :ما أعرفه ،ولكن سمعت الرواة ينشدون له :الطويل:
ل ُم َعنّى غَرِيمُهـا عزّة ممطو ٌ وَ قَضَى كل ذي َديْنٍ فوفى غريمَهُ
قال :فتروين قوله :الطويلِ:
ومَنْ ذا الذي يا ع ّز ل يَتغيّر؟ ت َبعْدَها وقد زعمتْ أني َتغَيرْ ُ
خبَرُ
خبَرْ بسرّك مُ ْ ع ِهدْتِ ولم يُ ْ
َ تغيّر حالي والخليقة كـالـذي
قالت :ما سمعت هذا ،ولكن سمعتُهم ينشدون :الطويل:
من الصّم لو َتمْشِي بها العُصْمُ زَلَتِ كأنّي أُنادي صَخْ َرةً حين أعرضَـتْ
ل مَـلَـتِ ن مَل منها ذلك الوص َ فم ْ ل بَـخـيلةً غَضُوبًا فما تَـلْـقَـاك إ َ
ل بن أبي ربيعة ،واسمُ أبي ن أبي ربيعة في شعره من عتيق ،أو أبي عتيق ،فإنما هو ابنُ أبي عتيق ،وكان عم ُر بن عبد ا ّ ل ما َذكَر اب ُ
قال :وكُ ّ
ل بن عمر بن مخزوم ،ويكنى أبا الخطاب ،أمّه أم ولد سبيّة من حضرموت ،ويقال من حمير ،ومن ثم أتاه ربيعة حذيفة ،ابن المغيرة بن عبد ا ّ
شقٌ يماني ،ودَل حجازي .قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي :الخفيف: الغَزَل؛ لنه يقال :عِ ْ
69
ظبْي من الظّباء الجوازي مع َ ل تَـلّ عـزاز إن قلبي بالـتـ ّ
ظرْفِ العراق دَلّ الحِجازِ
مَعَ َ شَادِنٍ لم يَرَ الـعِـراقَ وفـيه
وقال الطائي وذكر نفسه :الكامل:
منه العراق ،ورفَقته المشرِقُ سهّلَتْ ت ِمنْه الحجازُ ،و َ قد ثَقّفَ ْ
وهجرت الثريا غمَر ،فقال :الخفيف:
ختَ ال ّربَـاب؟ حبّ ال َقتُولَ أ ْ أتُ ِ قال لي صاحبي ل َيعْلَم ما بـي:
ت بَ ْردَ الشّـرابِ ء إذا ما فَقَد َ جدِك بالما جدِي بها ك َو ْ قلتُ :وَ ْ
ُمهْجتي؟ ما لقاتلي من َمتَابِ أَزْ َهقَتْ ُأ ّم نَ ْوفَل إذ دعَـتْـهـا
َبيْنَ خمسي كواعبٍ أَتـراب أبرزوها مثلَ المهاة تَـهَـادَى
في أَديم الخ َديْن ماءُ الشبـاب وهي مكنونةٌ تحدّر مـنـهـا
عدَد ال َرمْل والحَصَى والتُراب َ حبّها؟ فلتُ :بَـهْـراً ثم قالوا :تُ ِ
ولما بلغ ابنَ أبي عتيق قولُه:
ضِ ْقتُ ذرعاً بهجرها والكِتاب مَنْ رسولي إلى الثريّا؟ فإنـي
قال :إياي أراد ،وبي َهتَف ونَوّه ،ل جَ َر َم ل ذُقْتُ طعاماً أو أشخص إليها ،وأصلح بينهما؛ قال مولى لبني تميم :فنهض ونهضتُ معه ،ثم خرج
إلى السوق إلى الضمرتين ،فأَتى قومًا من بني الديل بن َبكْرٍ َيكْرونَ النجائب ،فقال :بكم نكرُونَني راحلتين إلى مكة؟ قالوا :بكذا وكذا درهماً،
ستَوضِعوا شيئاً ،فقال ابن أبي عتيق :ويحك! إن ال ِمكَاس لَيس من أخلق الناس .ثم ركب واحدةً وركبتُ أخْرَى ،وأجدّ فقلت لبعض التجار :ا ْ
ل بين عمر والثريّا! فقدمنا مكة وأتى بابَ حبْلَ الوصل أن يتقَضّبا .وما أملح الدنيا إذا تمَ الوص ُ
ق بنفسك ،فقال :ويحك! أُبادر َ السير ،فقلت :ارف ْ
ت ذَرْعاً بهجرها والكِتابِ .فلمَه عمر،
الثريا ،فقالت :وال ما كنتَ لنا زَوَارا ،فقال :أجل ،ولكن جئتُ برسالة ،يقول لك ابن عمك عمر :ضِق ُ
شكَر. فقال ابن أبي عتيق :إنما رأيتك مبادرًا تَ ْلتَمِسُ رسولً ،فخفَفت في حاجتك ،فإنما كان ثوابي أن ُأ ْ
ن أبي عتيق وقال :تشبّب ووصف ابن أبي عتيق لعمر امرأ ًة من قومه ،وذكر جمالً رائعاً ،وعقلً فائقاً ،فرآها عمر ،فشّبب بها ،فغضِب اب ُ
بامرأة من قومي؟ فقال عمر :الخفيف:
ق ما قد كَفَـانـي إنّ بي يا عتي ُ ل تَُلمْني عتيقُ حَسْبي الَذي بـي
لَى عِظامي مكنونُهُ وبـرانـي ضمَرًا من الحبّ قد أبْ إن بي مُ ْ
ل تَلُمني فأنْتَ َزيّنتهَـا لـي.
فقال ابن أبي عتيق:
ت ِمثْلُ الشيطانِ للنسانِ أنْ َ
ب الكعبة قلت. فقال عمر :هكذا و َر ّ
شيْطَانك وربّ ال َقبْر ربما ألمّ بي! وحَجتْ رملة بنت عبد ال بن خلف أخت طلحة الطلحات ،فقال عمر فيها :الخفيف: فقال ابن أبي عتيق :إن َ
مُ ْقصَداً يوم فارَقَ الظاعنينـا أصبح القلبُ في الحبال رَهِيناً
شكٍ من بينكم :نَولّينـا قبلَ َو ْ ولقد قلـت يو َم مـكةَ سِـراً
لو تُوَاتينَ عاشقاً محـزونـا أنتِ أهوى العباد ُقرْبًا و ُبعْـداً
ن يَحينا ج جهاراً ولم يَخَفْ أ ْ قاده الحينُ يوم سرْنا إلى الح
ومَهًا نُجلَ النواظر عِـينَـا فإذا نعجة تراعي نِـعَـاجـا
وبوجه يضيء للناظـرينـا س َبتْني بـمـقـلة وبِـجِـيدٍ فَ َ
أ ُمبِد سؤاَلكَ العالَـمِـينـا؟ صدَتْ وقالت قلتُ من أنتم؟ ف َ
70
ل يستـقـلّ ويظْـلَـ ُعف بَا ٍ
بأكْس ِ سعْيَ الجودِ خَ ْلفَ سريره ولم أنس َ
وإن كان تكبيرَ المُصَلّين أ ْربَـعُ خمْسًا عليه مَعـاً لـنَـا وتكبيرهُ َ
بأنّ النَدَى في أهْـلِـه يتـشَـيّع لَ َقبْلَـهـا وما كنتُ أدري يَعلَمُ ا ُ
جمَـعُ ت مُ َ
قريشٌ قريش يوم ما َ غدَوْا في زَوايا نعشِه وكـأنَـمَـا َ
غبْشان :الوافر: وقال الشاعر في أمر قصيّ وأبي ُ
ن بني فهرٍ خزاعَهْ وأظْلَ ُم مِ ْ ن قُصَـيً ظلَ ُم مِ ْ
غبْشَانَ أ ْ أبو ُ
خكُ ْم إذْ كانَ باعَهْشيْ َ
ولوموا َ صيّا في شِـرَاهُ فل تَلْحَوْا قُ َ
وكان عمر أسود الثنيتين.
قال مولى ابن أبي عتيق بلل :أتيتُ الثريّا مسلماً عليها ،فقالت :أنشدني لعمر ،فأنشدتها :الخفيف:
حبَال رَهِيناً صبَح القلبُ في الْ ِ أ ْ
عنَانه ،ولعرفنّه نفسه! فمررت فيها حتى انتهيت إلى قوله :الخفيف: ن من ِفقالت الثريّا :إي والّ ،لئن سلِمت له لردّن من شَأوه ،ولثني ّ
أ ُمبِد سؤَالكَ العاَلمِـينـا؟ ت مَن أنت ُم فَصدّتْ وقالت قُلْ ُ
فقالت :أو قد أجابته بهذا؟ أي وقت؟ فلما انتهيت إلى قوله :الخفيف:
وترى أننا عرفناك بالنّعتِ
قالت :جاءت النّوْكا ُء بآخِر ما عندها من مَ ْوقِف واحد.
وسأله أخوه الحارث -وهو المعروف بال ُقبَاع ،وكان من أفاضل أهْل دهره -أن يترك الشعر ،ورغب إليه في ذلك ،ووعظه ،فقال :أمّا ما دمتُ
بمكة فل أقدِرُ ،ولكني أخرج إلى اليمن ،فخرج؛ فلما سار إلى هناك لم تَدَعْهُ نفسُه وتَركَ الشعر ،فقال :البسيط:
إذا نزلْنا بِسِيفِ البحر مـن عَـدَنِ ن أمّةِ الوهابِ منزلُـنـا هيهات مِ ْ
إل التذكر أو حظ مـن الـحَـزَنِ واحتلّ أهُلكَ أجياداً ،ولـيس لـنـا
وموقفي ،وكِلنا ثَـ ّم ذُو شـجَـنِ خيْف موقفَهـا بل ما نسيت غداة الْ َ
سنَنِ والدمعُ منها على الخدّين ذُو َ وقولها للثـريّا وهـي مـطـرقةٌ
ماذا أردتَ بطُولِ ال ُمكْثِ في اليمن بالّ قولي له في غير مَـعْـتـبةٍ
ج من ثَـمـنِ ت بترك الح ّ فما أخذ َ ت بها إن كنت حاولت ُدنْيا أو ظفِرْ َ
فلمّا بلغ الشعرُ الحارثَ قال :قد علمنا أنه ل يَفي.
ن بن عيينة عن ابن جريج قال :لزمَني دَين مرّ ًة فضاقَتْ ساحتي وبلدي بي ،فتوجهت إلى َمعْن بن زائدة باليمن ،فقال :ما أ ْقدَمك وروى سفيا ُ
حبُوراً ،قال :فأقمت عنده ،ثم رأيتُ الناس يرحَلُون إلى هذه البلدة :قلت :ديْن طردني عن وطني ،قال :يُقْضَى دَ ْي ُنكَ ،وتُردّ إلى وطنك محبوّا مَ ْ
ت باب َمعْن ،فقلت للحاجب :است ْأذِنْ لي على المير ،فلمّا دخلت عليه الحجّ ،فحننت إلى مكة ،وذكرت قول ابن أبي ربيعة ،وذكر البيات ...فأتي ُ
ستَ ْو ِدعُ ال المير وأستحفظه عليه .قال :وما هاج هذا ِمنْك؟ فقلت :رأيت خروجَ الناس إلى الحجّ ،وذكرت قولَ قال :إنّ لك لحادثَ خَبر! قلت :أ ْ
ت وحنينك ،وإن كنتُ بفراقك ضَنينا ،وسي ْت َبعُك ما تحتاجُ إليه؛ فسِ ْر مُصَاحَبا ،قال :فس ْرتُ إلى رَحْلي ،فأتبعني عمر ،فحننت إلى مكّة ،فقالَ :أنْ َ
بمالٍ وثياب ومَطَايا ودوابّ ،وسرت إلى مكّ َة من ًفوْري.
وكان عمر -على غَزَله ،وما يذكره في شعره -عفيفاً .حدّث المغيرة بن عبد الرحمن عن أبيه قال :دخلت مع أبي مكةَ ،فجاءه عمر ،فسلّم
شعْرِي فتمت ّد في يده ،يُ ْرسِلها فترجع ،فيقول :واشباباه! فمّال لي :يا ابن أخي ،قد خذُ بخصلة من َ عليه ،وأنا غلم شابّ وعليّ جبّة ،فجعل يَ ْأ ُ
سمعتَ قولي :قُلت لها وقالت لي؛ وكل مملوك لي حرّ إن كنت قط كشفت عن فرج حَرَام! قال :فقمت وفي نَ ْفسِي من يمينه شيء؛ فسألتُ عن
رَقيقه ،فقيل لي :أما في هذا الحول فسبعون.
ويستحسن قول عمر في المساعدة :الوافر:
ت ومستمِعًا مُطِيعا إذا نظ َر ْ عيْنَ النّصْح منهُ خلّ كنتُ َ وِ
وقلتُ له :أرى أمراً شنيعا عنْـهـا
أطاف ِب َغيّةٍ َف َن َهيْتُ َ
أبى وعَصَى أت ْينَاها جميعا جهْدي ،فلمّـا أ َردْتُ رَشادَه ُ
وهذا مأخوذ من قول دريد بن الصّمة الجُشَمي :الطويل:
شدَ إلَ ضُحَا ال َغدِ فلم يستبينوا ال ُر ْ َأمَ ْر ُتهُ ْم أمْرِي ب ُم ْنعَرَج الـلَـوى
سَرَا ُتهُمُ في الفارسي المـسـ ّردِ ي مُـدَجـجٍ فقلت لهم؛ ظُنوا بألفَ ْ
غيْ ُر مُـهْـتَـدي
غوايتهم وأنني َ فلما عصوني كنتُ منهم وقد أرى
شدْ غَزِيةُ أرْشُـدِ غَ َويْتُ ،وإن تَ ْر ُ ل من غَ ِزيّةَ إنْ غَـ َوتْ وما أنا إ ّ
ومن جيد شعره :الطويل:
ي ل أرعـاكِ حـين أغِـيب وإن َ صدُق في الهَوَى يقولون إني لستُ أ ْ
له أ ْنفُس من َمعْشَـرٍ وقُـلُـوبُ طتْ فما بال ط ْرفِي عف عمّا تَسَاقَ َ
حجًى ممن يقـال لـبـيب سَفَاه ِ عشي َة ل يستنكرُ الـقـو ُم أن يَرَوْا
َب َعيْنِ الصّبا كَسْلَى القيام لَـعُـوبُ ول فتنةً من ناسكٍ أ ْومَضـتْ لـه
ب وقد زيدَت عـلـيه ذُنُـوبُ فآ َ ح يَ ْرجُو أن تُـحَـط ذُنُـوبـه تروّ َ
على العين منّي والفـؤادِ رقـيبُ لنِي ،ولكِنَ لِ ْلهَـوى سكُ أسْ َ وما النّ ْ
71
شنَع لمرك ،فقال :إني ونظر عم ُر بن أبي ربيعة إلى فتَى من قريش يكلّم امرأة في الطواف ،فعاب ذلك عليه ،فذكر أنها ابن ُة عمه ،فقال :ذلك أ ْ
عمَ ُر عمَه،
خطبتُها إلى عمي ،وإنه زعم أنه ل يزوجني حتى أصد َقهَا أربعمائة دينار ،وأنا غيرُ قادر على ذلك ،وذكر مِنْ حاله وحبّه لها؛ فأتى ُ
عمَ ُر عنه المَهر.
فكلّمه في أمرها ،فقال :إنه ُممْلَقٌ ،فزوَجه ،وساق ُ
ل يقول بيتاً إلّ أعتق رقبة ،فانصرف إلى منزله يحدّث نفسَه ،فجعلت جاريته تكلّمه ول يجيبُها؛ فقالت :إن لك وكان عمر حين أسنّ حَلَف أ َ
لشأنا ،وأراك تريدُ أن تقولَ شعراً ،فقال :الوافر:
ت قد أقْص ْرتُ حِينا ت و ُكنْ ُ
ط ِربْ ُ
َ تقول وليدتي لـمّـا رأتْـنِـي
وهاجَ لكَ الهوى دا ًء َدفِـينـا ت أمْـراً حدَثْـ َ
أراكَ اليو َم قد أ ْ
إذا ما شئتَ فار ْقتَ القَـرِينـا ت أنك ذُو عَـزَاءً وكنتَ زعم َ
فشاقَك أمْ لقيتَ لها خَـدِينـا؟ لعمرك هل رأيتَ لها سـمـيّا
كبعْضِ زَماننا إ ْذ َتعْلَـمِـينـا خ مُـحِـب فقلتُ :شكا إلـي أ ٌ
فذكّر َبعْضَ ما كنّا نَـسِـينـا ي ما يَلْقَى بـهـنـدٍ
فقصَ عل َ
72
وقلْنَ :امرُؤ باغ َأكَلّ وأَوْضَعـا تباَلهْنَ بالعِرْفان َلمّـا رأينـنـي
صبَعـا س ذِراعا كلّما قِسْنَ إ ْ يَقي ُ وقَ ّربْنَ أسبابَ الهـوى لـمـتـيّمٍ
أخِ ْفتَ علينا أن ُنغَرَ و ُنخْـدَعـا؟ فلمّا تنازعْنَ الحاديثَ ُقلْـن لـي
إليكَ ،وَبينَا له المرَ أجـمـعـا فبالمس أ ْرسَ ْلنَا بذلـك خـالـداً
على مل منَا خَرَجْنا له مَـعـا ق مَـوْعـدٍ فما جئتنا إلَ على َو ْف ِ
سهْل المحلة مُمرِعا َدمِيثَ الرُبى َ عيُونٍ ومنـظـراً رأينا خل ًء من ُ
فحقّ له في اليوم أن يتمـتّـعَـا ل كـرائمٍ وقلن :كريمٌ نال َوصْـ َ
وقوله :وجوه زهاها الحسن أن تتقنّعا يقول :هذه الوجو ُه ُمدِلَة بجمالها فل تختمر ،فتستر شيئاً عن الناظرين إليها .وقد أشار إلى هذا المعنى
الشماخ بن ضِرَارٍ يصف ناقته :الطويل:
ُب َعيْد الشباب حاولت أن تُـعَـذّرَا ن ذِرَاعَـيْهـا ذراع مُـــدِلَةٍ كأ َ
غنْمٍ أو َلقِيط بن َي ْعمُـرا س بن َ فِرا َ من البيض أعطافا إذا اتّصلت دعَتْ
أطارت من الحسن ال َردَاء المحبّرا بها شَرَق من زعفران وعَـنـبـر
في معانٍ أخرى
ل ل تستُر وجهها ،فلمّا دخلت على مُصْعب بن الزبير قال لها في ذلك ،فقالت :إن ال تعالى وسَمني قال :وكانت عائشة بنت طلحة بن عبيد ا ّ
بميسَم جمال ،فأحببتُ أن يراه الناس ،وال ما بي وَصمة أسْتتر لها.
وقال علي بن العباس الرومي يصف قينة :المنسرح:
جهُها إلى السترِ ضوَى َو ْ ول انْ َ لم َي ْعتَصِ ْم عودُهـا بـزامـرةٍ
وقد ردّد معنى قوله :لم يعتصم عودها بزامرة فقال :يصف بَرعَة الكبيرة :السريع:
ش ْمعَهْ؟ هل تحوجُ الشمسُ إلى َ غَتتْ فلم تحوجْ إلـى زامِـر
فألبستها حُسنـهـا خِـلْـعَـهْ شمْس الضـحـى كأنما غنّت ل َ
شكْوَى سبقـت َدمْـعَـهْ رقّة َ كأنما َرنّة مـسـمـوعـهـا
كأنها قد أطلعـت طـلـعـهْ ُتهْدِي إلى قلبك ما يشـتـهـي
والحسنُ والحسانُ في بُ ْقعَـهْ يجتمع الظرفُ لجـلّسِـهـا
فبعض تطفيل ال َفتَى رفْـعَـهْ طَفل على من حصلت عنـدَهُ
فلن يُعابَ الحر بالنّـجْـعَـه ربيع غيثٍ فانتجِـعْ رَ ْوضَـهُ
وكان ابن الرومي ل يزال معتمّا ،وكان يغضب إذا سُئل عن ذلك ،وسأله بعضُ الرؤساء :لِ َم َت ْعتَمّ؟ فقال بديها :المنسرح:
ك ُم ْعتَجِراعَنيَ ِلمْ ل أرَا َ يا أيها السائلي لُخبـرَهُ
ستِرَا
ن مَا ُ تعريفُهُ السائلي َ أستر شيئاً لو كان يمكنني
وقد بيًن العلة التي أوجبت اهتمامه في قوله :الطويل:
سفَعْ من القَرَ يوماً والْحَرُو ِر إذَا َ ي بُـرْهَةً تعممت إحصاناً لِرأسـ َ
وأودى بها بعد الطالة والفَـ َرعْ فلما دَهى طولُ التعمم لِـمـتَـى
ي من الصَلعْ لتستر ما جَ َزتْ عل َ عزمت على ُلبْسِ العمامة حـيلةً
جعلت إليه من جنايته الـفـ َزعْ فيا لك من جانٍ علـيَ جِـنـايةً
ن نَفعْ جبْ بأَ ْ عمْد وأع ِ دَوَائي على َ وأعجب شيء كان دائي جعلتـه
وهذا كقوله ،وإن لم يكن في معناه ،وقد رأيت من ينسبه إلى كشاجم :الوافر:
ن ألمتَـا بـي طوالِ ُع شيبتي ِ ع ْتنِيطربتُ إلى ا ْل ِمرَاةِ فرَوَ َ
حبّا للتصابي إلى ال ِمقْرَاضِ ُ ش ْيبَة فَ َفزِعتُ منـهـا فأمّا َ
شهَد بالبَراء ِة من خِضَابي لتَ ْ حتُ عنهـا شيْبَة فصفَ ْ
وأما َ
شبَابي ت ب ِه الدَليل على َ أقمْ ُ ب بالدَليل على مَشيبي ج ْفأع ِ
وهو القائل في صفة رجل أصلع :السريع:
إلى َمدًى يقصرُ عن ميلهِ يجذب من نقرتـه طُـ َرةً
ف من َليْلِهِ
خذَ نهار الصيْ ِ
َأ ْ خذُ مـن رأسِـهِ جهُه يَ ْأ ُ
فو ْ
وقال أعرابي :الرجز:
ج ْبهَةً إلى ال َقفَا
فصار رَأسِي َ صفْصَ َفاً
قد ترك الدَهْرُ صَفَاتِي َ
كأنه قد كان َربْعًا فَـعَـفَـا
قال أعرابيّ لسليمان بن عبد الملك :إني أكلّمك يا أمي َر المؤمنين بكلم فاحتمله ،فإنّ وراءَه إن قبِلتَه ما تحبّه ،قال :هاته يا أعرابي ،فنحن نَجُودُ
جيْباً .قال :فإني سأُطْلِقُ لساني بما خَرِست عنه غيْبته ،ول نرجُو نصيحته ،وأنت المأمون غيباً ،الناصح َ بسعَةِ الحتمال على مَنْ ل نأْمن َ
اللسن ،تأديةً لحقّ ال تعالى؛ إنه قد اكتنفك رِجَالٌ أساءوا الختيارَ لنفسهم؛ وابتاعوا دُ ْنيَاك بدينهم ،ورضاكَ بسَخَطِ ربّهم ،وخافوك في ال ولم
لّ عليه؛ فإنهم لم يَأْلُوا المان َة تضييعاً ،والمة كسفاً وخَسْفاً ،وأنت سلْم للدنيا ،فل ت ْأ َمنْهم على ما ائتمنك ا ُ ل فيك ،فهم حرب للخرة ،وَ َ يخافوا ا ّ
غبَنًا مَنْ باع آخِ َرتَه بدُ ْنيَا
مسؤول عما اجترموا ،وليسوا مسؤولين عمّا اجترمْت؛ فل تُصلِحْ دنياهم بفساد آخرتك؛ فإن أعظَم الناسِ عند الّ َ
73
غيره.
سيْفُك ،قال :أجل يا أمير المؤمنين ،لك ل عليك. فقال سليمان :أما أنت يا أعرابي ،فقد سللت لسانك وهو َ
وروى العتبي عن أبيه عن مولى لعمرو بن حريث قال :شخصت إلى سليمان بن عبد الملك ،فقيل لي :إنك تَ ِردُ على أفصح العرب ،وسيسألك
ظ ْر ما تجيبه ،فقلت :ما عندي من الجواب إلّ ما عند العامّة ،فقيل لي :ما ذلك بمُ ْقنِع عنده ،فلقيني أعرابي فقلت :هل لكَ في عن المطر ،فانْ ُ
ن هذا المطر ب َم كنت تُجيبه؟ قال :أو َيعْيَا بهذا أحد؟ ص عليهما ،فما شَأنُك؟ فقلت :لو سألك سائل عَ ْ درهمين .فقال :إنّي والّ محتاج إليهما ،حري ٌ
ضبُعِ؟ت منها ال ُغدُر ،وأتتك في مثل وِجَار ال ّ قلت :نعم ،سَائُِلكَ! قالَ :أ َت ْعيَا أن تقول :أصابتنا سماءٌ ،عَمد لها الثّرى ،واتصَل بها العُرَى ،وقَامَ ْ
ف بين يديه ،وقد سلّمت عليه فكتبتُ الكلمَ ،وأعطيتُه درهمين :فكان هِجّيرَايَ على الرَاحلة ،فإذا نزلت أ ْقبَلت عليه وأمثل نفسي كأني واق ٌ
عذْرته. حدَى عينيه ،وقال :إني لَسمَع كلماً ما أنت بأبي ُ بالخلفة وهو يَسْأَلني عن المطر! فلمّا انتهيتُ إليه سألني فاقتصَصْت الكلمَ ،فكَسَر إ ْ
صلَتي.قلت :صدقت! وحياتك يا أمير المؤمنين اشتريته بدرهمين! فاستغرب ضَحِكاً ،ثم أحْسَنَ ِ
وقال أعرابي يمدح رجلً :الطويل:
سكُـوبُ ن ل َينْدَى السّحابُ َ َندٍ حي َ جدَا
شجَاعٌ مع الْ َ حَليمٌ مع التقْوَىُ ،
لمات خُفـاتـاً أو لـكـادَ يذوبُ ويَجْلو أموراً لو تَصيّفْـنَ غـيرهُ
به لقلوبِ العـالَـمـينَ وَجـيبُ شديد َمنَاطِ ا ْلقَلْبِ في الموقف الذي
ل أدِيب غيْر تأديبِ الـرّجـا ِ ومن َ غيْر التخلّق مـاجِـدٌ فتًى هو مِنْ َ
وقال بعض المحدّثين يمدح :الطويل:
ويَجْعل دون ال ُعذْر فضل التّـكَـرّمِ جعَلُ المعروفَ قبـل سُـؤَالِـهِ فتًى يَ ْ
تُصبْ ومتى تطلب به ال ُغنْم َتغْـنَـمِ صدْ به فَضْـل حـظـهِ أغ ّر متى تَ ْق ِ
ل من عَ ْقدِ العُرى كل مُـبْـرَمِ وينح ّ ص ِدعُ الـصَـفـاعلى رأيه ينض ّم مُنْ َ
حسَام المـصـمّـمِ وخَطْ َرةُ رام كالْ ُ له عَزْمة أغنى من الجيش في الوَغَى
جملة من كلم بديع الزمان الهمداني
أبي الفضل أحمد بن الحسين
ض المكاسر ،أنِيق الجواهر ،يكادُ الهواء يسرقه ُلطْفاً ،والهوى يعْشَقَه ظَرْفاً. ق َمعْناه ،وكلم غَ ّ سمَاه ،ولفظ طاب َ وهذا اسمٌ وافق مُ َ
ولمّا رأى أبا بكر محمد بن الحسن بن دريد الزدي أغْرب بأربعين حديثاً ،وذكر أنه استنبطها من ينابيع صدره ،واستنخبها من معادِن ِفكْرِه،
وأبداها للَبصار والبَصائر ،وأهداها للفكارِ والضمائر ،في معارض أعجمية ،وألفاظ حُوشِية ،فجاء أكثرُ ما أظْهر َت ْنبُو عن قبوله الطباعُ ،ول
ج َبهَا السماعُ ،وتوسَع فيها؛ إذ صرَف ألفاظَها ومعانيها ،في وجوه مختلفة ،وضروس متصرّفة ،عارضها لربعمائة مقامة في حُترفعُ له ُ
ال ُكدْيَة ،تذوب ظَرْفاً ،وتقطر حُسْناً ،ل مناسبةَ بين المقامتين لفظًا ول معنى ،وعطف مُسَاجلتها ،وو َقفَ مناقلتها ،بين رجلين سمَى أحدهما عيسى
حكُ الحزين ،وتحرّك ال َرصِينَ ،يتطلع منها كل بن هشام والخرَ أبا الفتح السكندري ،وجعلهما يتهاديان الدّر ،ويتنافثان السحر ،في معانٍ ُتضْ ِ
ف منها على كلّ لطيفة ،وربما أفرد أحَدهما بالحكاية ،وخصَ أحدهما بالرواية؛ وسأذكر منها ما ل يُخِل طولُه بالشرط المعقود، طريفة ،ويُوقِ ُ
ول ينافي حصولُه الغرضَ المقصود.
عزَ ال المير! -وبودي أن أكُونَه ،فأسعد به دُونَه ،ولكن الحريصَ محروم ،لو بلغ الرزق كتب إلى أبي نصر أحمد بن علي الميكالي :كتابي -أ َ
فاه ،لوله َقفَاه .فرَق ال بين اليام ،تفريقَها بين الكِرام ،وألهمها أن تورد بعقل ،وتُصدر بتمييز ،وما ذلك على ال بعزيز ،وأنا في مفاتحة
حرُ وإن لم أره ،فقد سمعتُ خبرَه ،ومن رأى مِنَ السيف أثره ،فقد عاين أكثرَه ،والليث المير ،بين ثقة تعِد ،وَي ٍد تَ ْرتَعِد ،ولم ل يكونُ ذلك .والب ْ
شهَد به الدفاتر ،والخبرُ ف فَضْل وأدب ،و ُبعْد همة وصِيت ،فمعلوم تَ ْ وإن لم ألْقَه ،فلم أجهل خلقه ،وما وراء ذلك من تالِد أصْل وحَسَب ،وطار ِ
ن أيْسَر المتواتر ،وتنطق به الشعارُ ،كما تصدق به الثارُ ،والعين أقل الحواس إدراكاً ،والذن أكثرها استمساكاً ،وإن بعدت الدار فل ضَير؛ إ ّ
البعدين بُ ْعدُ الدارين ،وخيرَ القربين قُ ْربُ القلبين.
وكتب إليه في سنة ثلث وثمانين وثلثمائة :المير الفاضل ،والشيخ الرئيس ،رفيع ُمنَاطِ الهمة ،بعيد منال الحرمة ،وفسيح مجال الفضل،
خرَقِ الجود ،رطيب مكْسِ ِر العود :المجتث: ب مُنْ َرَحِي ُ
والشعـ َر َييْن قَـرِيضـا فلو نَظَـمْـتُ الـثـريا
وشعب َرضْوَى عَرُوضا وكاهل الرض ضربـا
وللـهـواء نـقـيضـا صغْتُ لـلـدر ضـدا و ُ
سُودَ النـوائب بِـيضَـا جلَـوْتُ عـلـيهِ بل لو َ
لخمصيه حَضِـيضـا أو ادّعـيت الـثـــريا
يوم العطاء مَـغِـيضَـا والبحر عـنـد لُـهَـاهُ
ح أنَى سلك، ل في ذمّة ال ُقصُور ،وجانب التقصير ،فكيف وأنا قاعدُ الحالة فيُ المدح ،قاصِرُ اللة عن الشَرْح؟ ولكني أقول :الثناء ُمنْج ٌ لما كنت إ ّ
صبْها وابل فَطَلّ ،و َبذْلُ صدَاء فماء ،وإن لم يكن خمر فَخَل ،وإن لم يُ ِ والسخيّ جوده بما ملك ،وإن لم تكن غُرّةٌ لئحة َفَلمْحَ ٌة دالّة ،وإن لم يكن َ
الموجود غاية الجود ،وبعض الجهد آخر المجهود ،وماش خير من ل ش ،ووجود ما قلّ خي ٌر من عدم ما جَلّ .وقليل في الجيب خير من كثير
في ال َغيْبِ ،وجهد المقلّ خي ٌر من عذر المخل ،وحمار أيْس خير من فرسِ َليْس ،وكوخ في العِيان خي ٌر من قصر في الوهم .و َذيْتَ خير من ليت،
خيْ ٌر من أن تقف ،ومن لم يجد الجميم رعى وما كان أجود من لوْ كان ،وقد قيل :عصفور في الكف أجو ُد من كُرْكي في الجو ،ولنْ تقطف َ
ل نعماه! -ل ينظر في قوافي صنيعته إلى َركَاكة ألفاظها، الهشيم ،ومن لم يحسن صهيلً نَهق ،ومن لم يجد ماء تيمّمَ؛ والمير الرئيس -أدام ا ّ
صبَة جرجان ،ووطئت عَتبة خراسان ،ما زففتها إلَ إليه، و ُبعْدِ أغراضها ،ولكن إلى كثرة جذرها ،وثقل مهرها ،وقِلّة كفئها ،وإنني منذ فارقت قَ َ
ب سمعه، ل عليه ،هذا على تمرغي في أعطاف المحن ،وضرورتي إلى أبناء الزمن ،وإن كان المير الرئيس يرفعُ لكل لفظٍ حجا َ ول وقَ ْفتُها إ ّ
ويُفْسِحُ لكلّ شعر فِناء طبعه ،فهاك من النثر ما ترى ،ومن النظم ما يترى :مجزوء الرمل:
فَج ِر قد كـادَ يلـوحُ س فعَرْفُ الْ أدْهِقِ الكا َ
74
صبُـوحُ ولذي الرأي َ فهو للنـاس صـبـاحٌ
حَلْبة اللَهو جَـمُـوحُ والذي يمرح بي فـي
لهـا عَـ ْرفٌ يفـوحُ فاسقنيهـا والمـانِـيّ
راً بها سوف تَـبُـوحُ إنّ لـليام أســـرا
صادقُ الحِـسّ وروح ل يغـ َرنّـك جـسـمٌ
جال َنغْـدُو ونـروح إنما نـحـن إلـى ال
ح وهذا الـروح ريح ويْك هذا العمر تبـري
جسم إذ أنتَ طـرِيح بينما أ ْنتَ صحـيح الْ
فظه الدّيك الـذّبـيح فاسقنيها مثـل مـا يل
سنِـيح رِ بيَ ال ِقدْحُ ال ّ قبل أن يضرب في الده
صغَى نصـيحُ ولمنْ َأ ْ إنما الـدّهـرُ غَـرُورٌ
ظِ لوَاعـي ِه فَـصِـيحُ ولسان الدّهر بـالْـوَع
م منّـا تَـسْـتَـبِـيح نستبيح الـدّهـرَ واليا
لُ المـنـايا ل تـريح نحـن لهـون وآجـا
س من الناس مُـرِيحُ ُ يا غلمُ الك ْأسَ فـالـيأ
فسنا وَهْـ َو مـبـيح ضاع ما نحميه من أن
ل بالـمـرء قـبـيح وقنوعاً فمـقـام الـذّ
ئك شِـقّ وسَـطـيحُ أنا يا دهـر بـأبـنـا
شحِـيحُ ل على ُكفْءً َ وبأبكـار الـقـوافـي
ُد لعِـلَتـي مُـزِيح يا بني ميكال والـجـو
فضل فيكمْ لفـسـيحُ شرفًا إن مـجـال الْ
ك الـمـديح دوح يَأْتي َ سنَا الـمـم وعلى قدر َ
فع والطّرْف الطمُوح فهناك الـشـرف الَر
صبِـيحُ خلْق ال ّ هر وال َ والنّدى والخُُلقُ الـطـا
رف فـيه ويطــيح مرتَقَى مجدٍ يحار الط
ثل والخُلْقُ السَـجِـيحُ أيهَذا الـكـرم الـمـا
عادَه منك المـسـيح كان هذا الجود مـيتـاً
ض البديهة ،ومسارقة القلم ،ومسابقة ال َيدِ للفم ،وجمرات الحدّة ،وثمرات المدّة، عفْو الساعة ،و َفيْ ُ
هذه -أطال ال بقا َء المير! -هديّة الوقت ،و َ
سمْع ،ومجاذبة الجنان للبيان ،والشعر إذا لم تقدّمه روّية ،ولم تنضجه نيّة ،لم يفتح له السمع بابه ،ولم طبْع لل ّ ومجاراة الخاطر للناظر ،ومباراة ال ّ
يرفع له القلب حجابه ،وإذا لبس المير هذه على علّتها رجوت أن يكون بعدها ما هو أفتن وأحسن وأرصن ،فرأيه أيّده الّ في الوقوف عليها
موفقاً إن شاء ال.
وله إليه معاتبة :الطويل:
لقد سرّني أنّي خَطَ ْرتُ بباِلكَ ن نِلْتني بمسَـا َءةٍ َلئِنْ سَاءَني أَ ْ
ي إبعاده وإدْنَائِه ُمتَطَوّل .وهنيئًا له من لّ بقاءهُ إلى آخر الدعاء ،في حَال برّه وجفائه ُمتَفَضل ،وفي يومَ ْ المير الفاضل الشيخ الرئيس ،أطال ا ُ
عرَاضِنا ما يستحلّه ،بلغني أنه -أدام الُّ عِزه! -استزاد صنيعته ،وكنت أظنني مجنيّا عليه ،مُساءً حمَانا ما يُحِلُه ،ومن عُرَانا ما َيحُله ،ومن أ ْ ِ
ضتُه ،أو واجبٍ في خدْمة َرفَ ْ
إليه ،فإذا أنا في قرارة ال ّذنْبِ ،وبمثابة العتْب ،وليت شعري أيّ محظور في العشرة حَضَرْته ،أو مفروض من ال ِ
ل مِيكَالَ
الزيارة أ ْهمَ ْلتُهُ .وهل كنتُ إلَ ضيفًا أهداه بَلدٌ شاسع ،وأدّاه أمل واسع ،وحَداه َفضْلٌ وإن قلّ ،وهدَاهُ رأيٌ وإنْ ضَلّ ،ثم لم يُ ْلقِ إلّ في آ ِ
ح ْرمَة إلّ
ت َمهَانةً ،ول زادت ُ شكْرَه ،ثم ما َبعُدَت صحبةٌ إلّ َدنَ ْ شعْرَه ،ولم يَقفْ إلّ عليهمِ ُ
حبْلَه ،ولم َينْظِم إلّ فيهم ِ حلَه ،ولم يَصِلْ إلَ بهم َ رَ ْ
صدْرَة ،وذلكطرَة ،وعاد قميصُ القيام ُ ل تراجعت َمنْزِلة ،ولم تزل الضعَة بنا حتى صار وابلُ العظام قَ ْ ت ِمنّة إ ّ نقصت صيانة ،ول تضاعَف ْ
التقربُ أ ْزوِرَاراً ،وطويل السلم اختصاراً ،والهتزازُ إيماء ،والعبارة إشارة؛ وحين عاتبته آمل إعتابه ،وكاتبته أ ْنتِظِر جوابه ،وسألته أرجو
عتَب بال ُقنُوت ،فما ازددت إل له ولءً ،وعليه ثناءً؛ ل جَرَم إني اليوم أبيضُ َوجْ ِه العهد ،واضح محجّةِ الوُد ،طويلُ إيجابه ،أجاب بالسكوت ،وأَ ْ
ح ْكمَةِ ال ُعذْر؛ وقد حمَلت فلنًا من الرسالة ما تجافَى عنه القلم؛ والمير الرئيس أطال ال بقاءَه ُينْعِمُ بالصغاء لما يورده موفقاً عنَان القول ،رفيع ِ ِ
إنْ شاء الّ.
ح بين أَنْ أشْرَبها رنقة ول أُسِيغُها ،وألجلج منها مُضْغة ول وله إليه في هذا الباب :أنا في خدمة المير الرئيس -أطال ال بقاءَه! -مترج ٌ
طوِيها على عَرَها ،ول أرتضع أَخلف دَرَها :الوافر: أُجيزها ،وبين أَنْ أَ ْ
ول هِممي تُوَطنُني لَخْفضِ فل نَفْسِي تُطاوعني ِل َرفْض
ل متبرَماً؛ ولستُ وبقي أن أقْرُصَه بأنامل ال َعتْبِ ،وأَحشمَه بأَلحاظ ال َعذْل ،وأعرفه أني ما أطوي مسافَة مزار إلّ متجشّما ،ول أطأُ عَتبة دار إ َ
س َتعْدِياً؛ فإن كان الميرُ الرئيس -أيّده الَُ! -يسرحُ طَرْفة مني في طامح أو طامِع ،ف ْل ُيعِد للفِراس ِة نَظرا: س َتجْدياً ،أو ينْقل قدمَه مُ ْ كمن َيبْسُط يدَهُ مُ ْ
الطويل:
إليك ،ولكنّا بِقُـرْبـاكَ نـنـجـحُ فما الف ْق ُر من أرض العشيرة سَاقَني
75
جدُني كلما استفزّني الشوق إلى تلك المحاسن ،أطِير إليها بجناحين عَجِل ،وأرجع بعَرجا َويْن خَجِل ،ولول أنّ الرضا بذلك ضربٌ من سقوط وأ ِ
صنْتُ مجلسه عن قَلمي ،كما أصُونه عن قَدَمي ،وَلمِ ْلتُ إلى أرْض الدعاء فهو أنْجَع ،وإلى جانبِ ع من أنواع الخدمة ،ل ُ ب نو ٌ الهمة ،وأن العتا َ
الثناء فهو أوْسع ،وسأَفعل لتخف مؤْنتي ،ول تثقل وَطْأتي :المتقارب:
و ُهنْتُ عليك فلم تُعْنَ بي ع َتبْتُ فلم ُتعْـتِـبِإذا ما َ
ل ِعفْتُ الورُودَ ولم أشْ َربِ سلَوْت ،ولو كان ماء الحياة
قطعة من مفردات البيات لهل العصر
في معان شتّى تجري مجرى المثال
أبو فراس الحمداني :الطويل:
سبِ أتتْهُ الرَزايا من وجوهٍ ال َمكَا ِ إذا كان غيرُ الَِ للمَـرْء عُـدَةَ
وله :الطويل:
إذا عَف عن َلذَاتِه وَهوَ قادِرُ عَفَافكَ عي ،إنما عِفَةُ الفَتى
وقال المتنبي :الخفيف:
حُجة لجِئ إليها اللئام كل حِلْم أتى ب َغيْرِ اقتِدارِ
وله :الخفيف:
َت ِعبَتْ في مرادِها الجْسَامُ س كِبـاراً وإذا كانتِ النفُو ُ
وله :الكامل:
ي كامِل َفهْيَ الشَهادَةُ لي بأن ّ وإذا أ َت ْتكَ َم َذمّتي من ناقص
وله :البسيط:
ق دَفيناً جَ ْودَةُ الكَفَنِ؟ وهل تَرُو ُ ن بِ ّزتِـهِ حسْ ُ ن مَضِيماً ُ جبَ ّ
ل ُيعْ ِ
وله :الخفيف:
غتِصاباً لم يَ ْل َتمِسْهُ سُـؤال وا ْ من أطاقَ ال ِتمَاسَ شيءً غِلباً
وله :الكامل:
ذا عِفَ ٍة فـلِـعِـلَ ٍة ل يَظْـلِـمُ جدْن تَ ِ شيَمِ النفوسِ ،فإ ْ والظلْم من ِ
وله :البسيط:
حسُودُ أني بما أنا بَاك ِمنْه مَ ْ جبُهُ
ت من الدنيا وأَعْ َ ماذا لقي ُ
وله :البسيط:
ما قَاتَه ،وفُضولُ ا ْلعَيْشِ أشغالُ جتُهُ
عمْره الثاني ،وحا َ ذِكْرُ الْفتى ُ
والمتنبي ا ْكثَرُ المحدَثين ا ْفتِناناً وإحساناً في الغراب بهذا البابِ؛ والستقصاء يخرج عن شرط الكتاب.
وقّال السري الموصلي :البسيط:
صرِمٌ والعيشُ منْ َقرِضُ والدهر مُنْ َ خذُوا من العيشِ فالعمار فـائتةٌ ُ
وله :الوافر:
أَن ُم مِن النّسيمِ على الرّياضِ فإنك كلّما استُودِعْتَ سِـرّا
وقال أبو إسحاق الصابي :البسيط:
وليس يُرْجَى التقاءُ اللبّ والذهبِ الضب والنّون قد يُرْجَى التقاؤُهما
وقال ابن نباتة :الكامل:
عَ َو ُز الدّرَاهـمِ آفةُ الجْـوَادِ مثَل خََلعْتُ على الزمان رِداءَهُ
وله :الكامل:
ب الثناء طبيعةُ النسانِ ح ّ يهوى الثنا َء مبرّ ٌز و ُمقَصّرٌ
وقال أبو الحسن السّلمي :الوافر:
رََأ ْينَا ا ْلعَفْ َو من َثمَ ِر الذُنوبِ تبسَطنا على اللّذات لـمَـا
وقال ابن لنكك البصري :الطويل:
ولو قد صَفَتْ كانَتْ كأحلمِ نائمِ وماذا أُرجي من حَياةٍ تكـدّرَتْ
وقال أبو طالب المأموني :الكامل:
ل بدَ أن تسـتَـلـهُ القـدارُ لي في ضَمير الدهر س ّر كامِن
وقال أبو الفضل بن العميد :الكامل:
يَطْرَا عليه وصَ ْقلُهُ التذكـيرُ صدَأ كا ْلحُسام لعارِضٍ الرأي يَ ْ
وقال أبو الفتح :الطويل:
عبْد الهُون بـالْـهُـونِ را ِدعُ وتقويم َ طرْتم والعَصَا َزجْ ُر مَنْ عَصَى بطِرْتم ف ِ
وله :المتقارب:
فليس له بعدها مُ ْقتَرحْ إذا بلغ المرء آمـالـهُ
وقال الصاحب إسماعيل بن عباد :مجزوء الرمل:
ل ٌة نَـزُورُ
دِ َلمِـقْـ َ إن أُمّ الصقر في الودْ
76
وله :مخلع البسيط:
شهَد الجنازَهْ إنْ مات لم نَ ْ ضنَـامن لم َيعُدْنا إذا مَرِ ْ
وله :الرجز:
حفْظَ الشكر للحسان حفَظْهُ ِ
فا ْ حفْظُ اللسانِ راحةُ النـسـانِ ِ
وقال إسماعيل الناشئ :الطويل:
ت ثِقَاتُ الناسِ حتى التجارب فخان ْ وكنتُ أرَى أنّ التجـاربَ عُـدّةٌ
وقال أبو الفتح البستي :السريع:
خلُو من ا ْل َعيْثِ ث ل يَ ْ فالغي ُ ل تَ ْرجُ شيئاً خالصًا نَ ْفعُـه
وله :الطويل:
حسْنِ الصبر جُبة لبِس ول مثل ُ ولم أر مثل الشكر جَنة غـارسٍ
وله :الطويل:
ُيغَيره ريحاً ولونًا و َمطْعمـا وطول مُقام الماء في مستقرّهِ
وله :الخفيف:
ب َقنَاتِي بعدما عَ َوجَ المَشِي ُ ما استقامت َقنَاةُ رأييَ إل
وقال أبو الفضل الميكالي :الطويل:
يدَ الدهر إلّ حين َتضْرِبه جَ ْلدَا هو الشوك ل ُيعْطيك واف َر منةٍ
وله :السريع:
غدَا أقْوَم من قِـدْحِ وإن َ ذو الفضل ل يسلَم من َقدْح
وقال شمس المعالي :البسيط:
وليس ُيكْسَفُ إلَ الشمسُ والقمرُ وفي السماء نجومٌ ما لهـا عَـ َددٌ
هذا مأخوذ من قْول الطائي :البسيط:
ن بـالـ ًرتَـمِ جدٍ فلم يعـبـأْ َ عيدانَ ن ْ إن الرياحَ إذا ما استعصفت َقصَفَـتْ
والشمسُ والبَدْرُ منها الدهر في الرَقم ش و َنعْش ل كُسـوفَ لـهـا ت نع ٍ بنا ُ
وقال أبو الحسن علي بن عبد العزيز القاضي :البسيط:
عيْشٍ على غَرَرِ والموتُ أَطيَب من َ ح من َوصْل على حَـذَرٍ الهجر أَرْ َو ُ
وقال أبو بكر الخوارزمي :الخفيف:
َفيَا رُب حَي ٍة فـي رِياضِ ل تغرّنك هذه الوجه ا ْلغُرّ
قال أبو العيناء :كان عيسى بن فَرْخان شاه يَتِيهُ عليَ في وليته ال ِوزَارَة ،فلمَا صُرِف ر َهبَتي ،فلقيني فسلّم عليّ فَأحْفَى ،فقلت لغلمي :مَنْ هذا؟
ك دُونَ لَفْظك ،فالحمدُ ل على ما آلَتْ إليه حالُك، ظَل لقد كنْتُ أ ْقنَع بإيمائك دون بَيا ِنكَ ،وبلَحْ ِ
قال :أبو موسى؛ فدنوتُ منه وقلت :أعزّك ال ،وا ّ
ف عنك، ت محاسنها بالنصرا ِ ت فيك النعمة ،فلقد أصابت فيك الن ْقمَةُ ،ولئن كانت الدنيا َأ ْبدَتْ مقابِحَها بالقبال عليك ،لقد أظهرَ ْ خطَأَ ْ
فلئن كانت أ ْ
شكَرْتَ حقّ ال ُم ْنعِم ،فقيل له :يا أبا عبد ال، حمْلَ النعم ،وما َ ل المنّة إذ أَغْنانا عن ال َكذِب عليك ،ونزّ َهنَا عن قول الزو ِر فيك ،فقد والّ ًأسَ ْأتَ َ و ِ
خلْ َقتِه.
لقد بالغت في السب ،فما كان الذنب؟ قال :سألته حاجةً أقل من قيمتهِ ،فردَ عنها بأ ْقبَحَ من ِ
ي بنُ العباس الرومي لبي الصقر إسماعيل بن بلبل لمّا نكبه الموفق بن أحمد وأَلمَ في بعض قوله بقول أبي العيناء :الكامل: وقال عل ّ
س ِدكْو َبكَت بشجْو عين ذي حَ َ ل يومُك عِبرةَ لِـغـدكْ ل زا َ
سنَـدِكبك ِهمّة لجأَتْ إلى َ فلئن ن ِكبْتَ لطالما نـكـبَـتْ
إلّ ِليَوْم فَت في عَـضُـدك لو تسجد اليام ما سـجـدتْ
ما كان أ ْقبَحَ حس َنهَـا بِـيَدك يا ِن ْعمَةً وّلتْ غَضَـا َرتُـهـا
غدَتْ حَراً على َكبِـدك َلمَا َ ت بَرْداً على كَبـدي غدَ ْ فلقد َ
لما اسْتبانَ النقص في عَددِك ورأيْت ُنعْمـى الـلـهِ زائدةً
لو أنها صُبتْ على كـتَـدك ولقد تمنّتْ كـلّ صـاعـقة
جسَـدِك إل بقاء الرّوح في َ لَ ْم َيبْقَ لي ممّا بَرَى جسـدي
ج كثيرة لما نكب ،منها قوله :السريع: وله فيه أَهَا ٍ
صرِيعًا َبعْدَ تحـلـيقِ خَرَ َ خفّضْ أبا الصّقر فكَمْ طائرٍ َ
77
وأقحوان منـير الـلـون رَيان ونرجس بات سَارِي الطّل يَضْ ِربُه
فهن فاكـهة شـتـى و َريْحـان ألّفن من كل شيِء طيبٍ حسـنٍ
لكنها حين تبلُو الطعْمَ خُطـبَـان ق إذا عاينْتَ ظاهرَهـا صدْ ٍ
ثمار ِ
والغانيات كما شُبهْنَ بـسـتَـان ع ْهدٍ لمعـتـقـدٍول يَ ُدمْنَ على َ
َويَكتَسِي ثم يُ ْلفَى وهـو عُـريان يَميلُ طورًا بحمل ثـم يعـ ُدمُـه
وهي أكثر من مائتي بيت ،مرَ له فيها إحسان كثير ،فأنشدها أبا الصقر ،فلما سمع قوله:
كل لعمري ولكِن منـه شَـيْبـانُ ش ْيبَان قلت لهم قالوا أبو الصقر من َ
ل تسمع ما بعده: ن هذا من أحسن المدح؛ أ َ قال :هجاني ،قيل له :إ ٌ
عدْنـان كما عََلتْ برسول الَِ َ شرَفٍ ل بابن ذُرًى َ ب قد عَ َ وكم أ ِ
قال :أنا بشيِبان ل شيبان بي .فقيل له فقد قال:
بها المبالغ أعراقٌ وأغْـصـانُ ولم أقَصر بشَيبَان التي بلـغـت
ت منه و ْلدَانُ رَوْع إذا الروع شا َب ْ لّ شيبان قـوم ل يشـوبُـهُـم
ل ل أثيبه على هذا الشعر ،وقد هجاني. فقال :ل وا ّ
ل بن عبد الّ بن طاهر ،وقد ذكروا قصيدة ابن الرومي هذه النونية ،فقال :هذه دارُ قال أبو بكر محمد بن يحيى الصولي :كنت يومًا عند عبيد ا ّ
البطيخ ،فاقرأوا تشبيهاتها تعلَموا ذلك! فضحك جميع من حضر.
وفي هذه القصيدة يقول من المختار في النسيب:
سوءًا ،وقد يفعل السْوَاءَ إحـسـانُ يا رُب حُسّانة منهّن قـد فـعـلـت
صمِي الرّمايا وهي مِرْنان كالقَوْس تُ ْ حبّ وتلفى الدهرَ شاكِـيةً تُشْكي المُ ِ
ف فيها قوس البندق :الطويل: ص ُ وهذا كقوله في قصيدة يَ ِ
جعَان كان مُو َ جدَر بالعوال مَ ْ وأَ ْ لها َرنّة أَ ْولَى بها من تصـيبـهُ
يقول فيها:
ج مَ ْفتُونٌ وُفـتـانوزَهْوها ،ل ّ ل تَ ْلحَياني وإيّاها على ضَرَعي
ومُلّكت فلها بالمُلْك طُـغْـيَانُ ق مَسَـكَـنةٌإني ملكت فبي للرّ ّ
عبْرتي وفمٌ ما عِشتُ ظمآنُ من َ جنَةٌ َريّا بمشْ َربِهـا لي ُم ْذ نَأَتْ َو ْ
وفيها في مدح بني شيبان:
ش ْهبَانُ طبِ ُ غَ ْوثٌ ،وآراؤُهم في الخَ ْ قوم سماحتهم غيثٌ ،ونَـجْـ َدتُـهُـمْ
كالُسد ألبسـهـا الجـامَ خَـفّـان تَلْقَاهُمُ ورِماحُ الـخَـطّ حَـوْلَـهُـمُ
سبُل العلياء ما صَـانـوا مِنهنّ في ُ صانوا النفوس عن ال َفحْشاء وابتذلـوا
يَوْمًا ب ُنعْمى ،ولو منُوا لما مَـانَـوا المنعمون وما منّـوا عـلـى َأحَـدٍ
يقول فيها في أبي الصقر:
عن المفاداة تَ ْقصِي ٌر ونُقْـصَـانُ ن فيه عن مِقْدار فِـ ْد َيتِـه يَ ْفدِيه مَ ْ
حبِير الشعر أكْفـان وما لهم من َ قوم كأنهُ ُم مَوْتـى إذا مُـدِحُـوا
وإن سألت َيدَيْ ِه فهـ َو نَـشْـوانُ صاحي الطباع إذا سالت هَواجسُه
حكِم َفهْو صاحٍ وَهْو سكْرانُ ستَ ْ
مُ ْ صحْوَ ُه كـرم يُصْحِيه ذِهن َو َي ْأبَى َ
طرّا وهو إنـسـانُ كأنه الناس ُ ل ذي بَـصَـرٍ فرد جميعٌ يَرَاه ك ُ
وهذا كقول أبي الطيب :الكامل:
سهُمْ والعْصرَا َردّ اللهُ نفو َ ن كأنّمـاولَقيتُ كلّ الفاضلِي َ
ت مُؤخّرَا
وأتى َفذَِلكَ إذْ أتي َ ب مُقدَما
نُسِقوا لنا نَسَقَ الحِسا ِ
وقد تقدّم.
وقال :الطويل:
ن ذَهَبَ الوردُ فإنك ماءُ الوَردِ إ ْ سيّا ُر بْن مكْرم ا ْنقَضَى
ن يكُ َ فإ ْ
ح ٌد فَردُ
ج ّمعَتْ وا ِوأَلْف إذا ما ُ مَضَى وبَنوه وا ْنفَ َردْتَ بفَضلهمْ
وقال البحتري :الطويل:
لدى المجد ،حتى عُدّ أ ْلفٌ بواحدِ ل تـفـاوتـاً
ولم أ َر أ ْمثَال الرجا ِ
ومدحَه وعاتبه بقصائد كثيرة فما أنجحت ،فمن ذلك قوله في قصيدة طويلة يمدحه :البسيط:
ما راد في مثلها طَرْف ول سَرَحـا جهِه رَوْضَةٌ للحسـن مـونِـقَة مي وَ ْ
سفَـحـا طبِ لو َر ْقرَقتَه َ كاللؤلؤ الرَ ْ طَلّ الحياء علـيهـا سـاقـط أبـداً
ل يرى بعدها بُـؤسـًا ول تَـرَحـا أَ ل بـغُـرَتـهِأنا الزعيم لمـكـحـو ٍ
فإنما دخلوا البـابَ الّـذِي فَـتـحـا ل ومن كَـرَم مهما أتى الناس من طَوْ ٍ
فالموت إن جدّ ،والمعروف إن مَزَحا ُيعْطِي المزاحَ ويعطي الجدّ حقّهمـا
78
ظيْنِ ما اقْـتَـرَحـا فأَعْطَياه من الح َ عطَاردَ والـمـرَيخ مَـوْلـده وافى ُ
ولم يقُلْها لمن يس َت ْمنِحُ الـمِـنَـحَـا إن قال :ل ،قالها لـلمـريه بـهـا
نُبلً ،وناهيك من كَفّ بما اتشَـحـا في كَف ِه قلـم نـاهـيك مـن قـلـمٍ
ل ما مَـحـا ووحَـى فما المقاديرُ إ َ َيمْحُو و ُيثْبتُ أرْزَاقَ الـعـبـا ِد بـهِ
جرِيه في أي أنحاءِ البـلدِ نَـحـا يُ ْ كأنما القـلـمُ الـعُـلْـوي فـي َيدِهِ
ل تُبْـدِي ول قَـلَـحـا َقهْقِه فل َنغَ ً لمَا تبَس َم عنك المَـجْـدُ قـلـتَ لـهُ
ل ُمنْفَسـحـا وقد وجدت بها في القوْ ِ أُثني عليك بنعماك التي عًـظُـمَـتْ
أنْتَ المـحـيا بـرياه إذا نَـفَـحـا جنَاني َتكْـسُـهُ زَهَـراً أمط ْر ِبذَاك َ
أنشدتها على متوالي الختيار ،وكذلك أجري في كثير من الشعار.
وقال يعاتبه ويستبطئه :الطويل:
حسْرى قد أبت أن تَسَرّحـا حَبائسَ َ عَقيدَ الندَى ،أطـلِـق مَـدائِحٍ جَـمّةً
يُرى لكَ أهجَى ما يُرى لك أمدحـا وكُنت مَتى تنشد مديحاً ظـلـمـتـه
ض تَصَـوَحـا سَحائبُها أو كان رَوْ ٌ عذَ ْرتُك لو كانت سما ٌء تَقَـشَـعَـتْ َ
ضهَا مُلْق كلكِـلَ جُـنَـحـا وعَا ِر ُ ولكنها سُـقـيا حُـ ِرمْـت رَوِيهـا
سرَحا وقد عاد منها السهْلُ والحَزْن مَ ْ ت مَريعَـهَـا وأكْلَء َمعْروفٍ حَ َرمْ َ
فلمَا أردْنَ الوِ ْردَ أَ ْل َفيْنَ ضَحْضَـحَـا ضتَ لورادي وبَحْـ ُركَ زاخِـرٌ عَرَ ْ
ن تَـوَضـحـا سرَابٌ بال ِمتَـا ِ
لقُلتَُ : فلو لم ت ِردْ أذْواد غَـيْرِي غِـمَـارَه
وإن كان غيري واجداً فيه مَسْبحـا فيا لك بحْراً لم أج ْد فيه مَـشْـربـاً
حضَحـا ت به بَحْ َر الندَى فتَضَ ْ صَ َربْ ُ مديحي عصا مُوسى ،وذلك أنـنـي
إذا اطّردَ المِ ْقيَاسُ أنْ يتـسـمّـحـا سأمْدح بعضَ الباخـلـين لـعَـلّـه
أ َي ْبعَثُ لي منـه جـداوِلَ سُـيحـا؟ ت به الصفَا ض َربْ ُ شعْرِي إن َ فيا َليْتَ ِ
سفَـحـا وشَقتْ عيوناً في الحجارة ُ ت ثَرَى الرض يابسـاً كتِ ْلكَ التي أبْدَ ْ
إذا مََلكَ الحرا َر ِمثُْلكَ أسْـجَـحـا مَلكْتَ فَأسْجِحْ يا أبا الصـقْـرِ إنـهُ
وما ضرع إلى أحد هذه الضرَاعة ،ول في طوْقه هذا الحتمال؛ وهذه البيات الخيرة إنما ولّد أكثرها من قول أبي تمام الطائي لمحمد بن عبد
الملك الزيات :الطويل:
ض ْرعُ حافلُ ت الدَرَ وال ّ ولكن حَرمْ ُ عذَرْتُ لقَاحَهـا شوْل َ فلو حا َردَتْ َ
لنا ظَمأ بَرْحٌ وأنتـمْ مـنـاهـلُ أكابَرنا عطفاً علـينـا؛ فـإنـنـا
وفيه يقول :السريع:
مات مستجير بكـم عـائِذِ هذا مقامي يا بَـنـي وائل
وعضه بالنابِ والنـاجِـذِ أنْشَبَ فيه الدهر أظفـارَه
لذَ بكُ ْم منه مـع الـلئذِ فأنْصِفوا منه أخَا حُـ ْرمَةٍ
يَخْرج مِنْ حكمكم النافـذِ فما أرى الدهر على جَوْرهِ
وقال أيضاً :المنسرح:
أنـصــارُ أمـــوالـــه ولَـــ ْم يَهـــنِ يا أيّهـا الـســـيدُ الـــذي وَهَـــنَـــتْ
قوَة والَـبَـاقِــلـــيَ والـــلـــسِـــنِ فأصْـبَـحَـت فـي َيدِ الـضّـعـــيف وذي ال
غيري على أنني مؤمّلُك الْقدم سا ِئلْ بذاك وامتحِنِ
محـرومـهـا عـنـك غَـيْر مـضـطـغــنِ مادح عشرين حجة َكمَلً
ه عـلـــيه أجَـــلّ مـــؤتَـــمـــن فضـلـك أو عـدلـك الـذي ائتـمــن الـــل
فلـتـعـطـنـي حـقّ حـصـه الـفـطِــنِ إن كُـنـت فـي الـشـعـر نـاقـداً فـطـنــا
فلـتـعـطـنـي حـق حـصـه الـ ّزمِـــنِ وإن أكُـن فـيه سـاقــطـــاً زمـــنـــاً
جدْوَا ُه بـين الـصـحـيح والــضّـــمِـــن َ سم بِـيَ ديوانـــك الـــذي عـــدلـــت
اس فــإن لـــم أ ِزنْـــكَ لـــم أشِـــنِ كثر بشخـصـي مَـنِ اسـتـطـعـت مـن الـن
ود لـقـاءٌ بــجـــانـــبٍ خَـــشِـــنِ ما حَـق مـن لنَ صـــدره لَـــكَ بـــالْ
وقال أبو العباس الرومي لرجل مدحه في كلمة :الوافر:
ص فيه أن يُلقَـى َيدِق الشخ ُ ي دونك كـل قَـفـرٍ أبعْدَ لِقا َ
ضرَبَ الظلمُ له رِواقـا وقد َ وإعمالي إليك به الـمـطـايا
أعانق واسط الكُور اعتناقَـا و َر ْفضِي النومَ إلّ أن ترانـي
أشوقاً كان ذَلـك َأمْ سـياقـا تسوق بنا الحُداةُ فليس تَـدْرِي
َلدَيك ول أذوق لـهـا ذواقـا شكْرَى أصادف دِرَةَ المعروف َ
يقول فيها:
79
ن َيعْلُو إذا ما استَ ْفرَهَ الس ْبتَ الرَقاقا
غَدا َيعْلُو الجيادَ وكا َ
حَفـاءُ الـكَـدّ أنْـعَـلَـــهـــا طِـــراقـــا أعِنتها الشُسُوعُ فإنْ عَراها
أرانـي الـلَـهُ صُـبْـحَـتَـهـا الـطّـــلقـــا فزُوَج بَـعْـ َد قَـفْـ ٍر مـنــه نُـــعْـــمـــى
أبو العيناء
قال أبو القاسم عليّ بن حمزة بن شمردل :حدثني أبي قال :سأَلتُ أبا ال َع ْينَاء عن نسبه ،فقال :أَنا محم ُد بن القاسم بن خلد بن ياسر بن سليمان،
ع َتقَه ،فولؤُنا لبني هَاشم؛ وكان أبو صلُ قومي من بني حنيفة من أ ْهلِ اليمامة ،ولَحِقهم سِباءٌ في أيام المنصور؛ فلمّا صار ياسر في َق ْيدِهِ أ ْ وأ ْ
ط َبتَه؛ فدعا عليه وعلى ولده بال َعمَى ،فكلّ جدَه الكبر لقيَ علي بن أبي طالب -رضي الّ عنه! -فأَسا َء مُخا َ العيناء ضَريرَ البَصرَ؛ ويقال :إن َ
ن كلمي ،وقال لي: من عمي منهم صحيحُ النسب! قال الصولي :حدّثني أبو العيناء ،قال :لما ُأدْخِلْتُ على المتوكلِ فدعوتُ له وكلّمته استحس َ
ن فيك شرّا! فقلتُ :يا أميرَ المؤمنين ،إن يكن الش ُر ِذكْرَ المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته فقد َزكّى ال تعالى وذم ،فقال في التزكية: بلغني أ ّ
خيْ ِر ُم ْع َتدٍ َأثِيمٍ" .وقال الشاعر :الطويل: " ِنعْمَ ا ْل َعبْ ُد إنّهُ أَوَابٌ" ،وقال في الذمَّ " :همَا ٍز مَشّا ًء بنَمي ٍم َ ،منّاع لل َ
جبْسَ اللئي َم المذمّما ولم أذُممِ ال ِ إذا أنا لم أ ْمدَحْ على الخير أهْلَهُ
وشقّ ليَ الَُ المسامَع والفَما؟ ففيمَ عَ َر ْفتُ الخيرَ والشرَ باسْمهِ
ي ،فقلتُ :يا لّ عبدَك عن ذلك! فقال لي :بلغني أنك رَافِض ٌ طبْ ٍع ل بتمييز ،فقد صَانَ ا ُ وإن كان الشرّ كفعل العَقْرَب التي تَلْسَعُ السّنيَ والدنيَ ب َ
صمَعي ،وليس يَخْلو القومُ أن يكونوا أرادُوا الدين أمي َر المؤمنين ،وكيف أكونُ رافضيّا وبلدي البصْرَة و َمنْشَئي في مَسْجِد جامِعها ،وأستاذِي الَ ْ
أو الدنْيا؛ فإن كانوا أرادوا الدَين فقد أجمع الناس على تقديم مَنْ َأخّروا ،وتأخير من قدموا ،وإن كانوا أرادوا الدنيا فأَنتَ وآباؤك أمراءُ المؤمنين،
ل معك. ل دِينَ إلّ بك ،ول د ْنيَا إ ّ
قال :كيف ترى دَارِي هذه؟ قال :قلت :رأيت الناس بَنَوْا دُورهم في الدنيا ،وأنت بنيتَ الدنيا في دارك.
فقال لي :ما تقول في عبيد ال بن يحيى؟ قلتِ :نعْمَ ال َعبْد ل ولك ،مقَسَم بين طاعته وخدمتك ،يؤثِر ِرضَاك على كل فائدةٍ ،وما عاد بصلحِ
ملكك على كل لذّة.
قال :فما تَقول في صاحب البريد ميمون بن إبراهيم؟ -وكان قد علم أني واج ٌد عليه بتقصير وقَ َع منه في َأمْرِي -فقلت :يا أمي َر المؤمنين ،يدٌ
ت تضرط؛ وهو مثل اليهوديّ سرق نصف جزْيتَه ،فلَه ،إقدامٌ بما أَدى ،وإحجام بما أبْقَى ،إساءتُه طبيعة ،وإحسانه تكلّف! قال :قد تَسْرِق واس ٌ
ل بما لي في هذا المجلس من الشرَفِ ،ولكني محجوب ،والمحجوب تختلف عليه أَ َردْتك لمجالستي ،قلت :ل أطيق ذاك ،وما أقول ذلك جه ً
جهُك غضبان ،ومتى لم أُميز بين هذين هلكت، جهُك راضٍ أو بكلم راضٍ ووَ ْ الشارة ،ويَخْفَى عليه اليماء ،ويجوز أن يتكلّم بكلم غَضْبان ووَ ْ
قال :صدقت ،ولكن تلزمنا ،قلت :لزومَ الفَ ْرضِ الواجبِ اللزم ،فوصَلنِي بعشرة آلف درهم.
ولبي العيناء مع المتوكل مجالس أدْخَلَ الروَاة بَعْضها في َبعْضِ ،وسأُورد مستظرفها إن شاء الّ :قال له المتوكل يوماً :يا أبا العَيناء ،ل تُكثِر
ل عن الوقيعة فيهم ،قال :ذلك أشَد لحيفك في أهل العافية! وقال له يوماً :هل رأيتَ طالبياً حسنَ شغْ ًالوقيعةَ في الناس ،قال :إن لي في بصَرِي لَ ُ
ال َوجْهِ قطّ؟ فقال :يا أمير المؤمنين ،أرأيت أحداً قطّ سأَل ضريرًا عن هذا؟ قال :لم تكن ضريرًا فيما تقدّم ،وإنما سألتُك عما سلف ،قال :نعم،
جدُك كنت قوَادًا عليه! فقال أبو العيناء :وفرغت جدُه كان مؤاجراً ،و َت ِ رأيت منهم ببغداد منذ ثلثين سنة فتًى ما رأيت أجمل منه ،قال المتوكّل :تَ ِ
لهذا يا أمير المؤمنين ،أتراني أ َدعُ مَوَاليّ على َكثْ َرتِهم ،وأقُودُ على الغرَباء؟ قال :اسكتْ يا مَأْبون؟ قال :مَوْلَى قوم منهم! قال المتوكل :أردتُ أن
شتَفى لهم مني. أشتفي به منهم فا ْ
سرَعهم جواباً ،وأبلغهم خطاباً. وكان أبو العيناء أحذ الناسِ خاطراً ،وأحْضَرَهم نادرة ،وأ ْ
شهْوَته ،وكان أصحابه يتسخّفون ويستخفّون بحضْرَته ،وكان يُهاتِرُ الجلساء، والمتوكلُ أوّل من أظه َر من خلفاء بني العباس النهماكَ على َ
جدَال.ويفاخِر الرؤساء ،وهو مع ذلك من قلوب الناس مُحبّب ،وإليهم ُمقَرَب؛ إ ْذ أماتَ ما أحياهُ الواثق من إظهار العتزالِ ،وإقامة سوق ال ِ
قال محمد بن مكرم الكاتب :مَنْ زعم أن عبدَ الحميد أكتَبُ من أبي العيناء إذا أحسّ بكرم ،أو شرع في طمع ،فَقَد ظلم.
عبْدٍ وأمَةِ ،وقد أعْطِي بخادم عقَار وأثَاثٍ و َ كتب إلى أبي عبيد ال بن سليمان وقد نكبه وأبا ُه المعتمدُ ،وهما يُطالَبان بمال يبيعان له ما َيمْلكانِه من َ
أَسْوَد لعبيد ال خمسون يناراً :قد علمت -أصْلَحك الُ! -أنّ الكريمَ المنكوب أجْرَأ على الحرار من اللئيم الموفور؛ لن اللئيم يزيدُ مع ال ّن ْعمَةِ
حنَةِ إلَ كرماً ،هذا م ّتكِلٌ على رازقه ،وهذا يُسيء الظنّ بخالقه ،وعبدك إلى مِلك كافور فقيرٌ ،وثمنه على ما اتّصلَ لُؤْماً ،والكريم ل يزي ُد مع المِ ْ
بي يَسير؛ لنه بخدمته السلطان يعرّفني الرؤساء والخوان؛ ولست بواج ٍد ذلك في غيره من الغلمان؛ فإنْ سمحت به فتِلك عَادَتُك ،وإن أمرت
ك مادَتي ،أدام ال دَوَْلتَك ،واستقبل بالنعمة ن ْك َبتَك .فَأمَر لَ ُه به. خ ِذ ثمنه فَماُل َ
بأَ ْ
ل يقول :من ذهب َبصَرُه قلّت حيلته ،قال :ما أَغْفَلك عن أبي ال َعيْناء! وكتب أبو العيناء إلى عبيد ال بن سليمان :أنا - وسمع ابن مكرم رج ً
ل بعد ل تعالى! -ووََلدِي وعيالي َزرْع من زَرعك ،إن سقيتَه راعَ وزَكا ،وإن ج َف ْوتَه َذبُل وَذوَى؛ وقد مسّني ِم ْنكَ جَفاءٌ بعد بر ،وإغفا ٌ أعزك ا ّ
ل ُكنْتُ بهم لعباً ،ولهم مجرساً ،ولِّ درُ أبي السود في قوله :الرمل: سدّ ،ولعبت بي ظنونُ رجا ٍ شمِت حا ِ تعاهُد ،حتى تكلم عدو ،و َ
وشديد عادةٌ مُنتزَعًـهْ ل ُتهِني بعد إذ كْ َر ْمتَني
ع ِهدْتَ ،و َميْلي إليك كما علمت ،وليس من أ ْنسَأنَاه أ ْهمًلْناه ،ول من أخ ْرنَاه تركْناه ،مع فوقع في رقعته :أنَا -أَسعدك ال! -على الحال التي َ
شهْرَين؛ لتريح غلتك ،وتعرفني اقتطاع الشغل لنا ،واقتسام زماننا ،وكان من ح َقكَ علينا أن تذكرَنا بنفسك ،وتعلمنا أمْرَك؛ وقد وقعت لك برزْقِ َ
طلِقَ لك باقيَ أرزاقك ،إنْ شاء ال ،والسلم. مبلغَ استحقاقك ،لُ ْ
وكان إذا خرج من داره يقول :اللهم إنّي أعو ُذ بك من الركبِ وال ُركُب ،والجر والخَشب ،والزوَايا والقِرَب.
ن مع قطعة من خطابه وجوابه :دخل على أبي الصقر بعدما تأخّ َر عنه ،فقال :ما أخ َركَ عنا؟ قال :سُرِق حماري ،قال :وكيف شرِق؟ قال :لم أ ُك ْ
ت ذِلَة المُكارِي ،و ِمنّة العَوَاري. غيْرِهِ؟ قالَ :قعَدَ بي عن الشراء ِقلّة يساري ،وكره ُ اللصّ فأخبرك! قال :فلِمَ لم تأتِنا على َ
حمَاره ،فضرب بيديه على ُأ ُذنَي الحمار ،وقال :يا فَتى ،قُلْ للحمارِ الذي فَ ْوقَك يقول :الطّريق! ودخل على إبراهيم وزحمه رجل بالجسر على ِ
بن المدبر ،وعنده الفَضْل بن اليزيدي ،وهو يُلقى على ابنه مسائل من النحو ،فقال :في أي باب هذا؟ قال :في باب الفاعل والمفعول به ،قال :هذا
بابي وباب الوالدة حفظها الّ! فغضب ال َفضْل وانصرف؛ وكان البحتري حاضرًا فكتب بعد ذلك بقصيدته إلى إبراهيم بن المدبر التي أولها:
الخفيف:
َأ ْوقَدَتْ لوْعتي وهَاجَت غَليلي ذَكّ َر ْتنِيكَ َروْحَة للـشَـمُـولِ
80
ءَ وظل للعيش فيها ظَـلـيلِ أي شيءً أَ ْلهَاكَ عن س ّر من را
وفيها يقول:
وهو مستكرَه كثير الفُضُـو ِ
ل ث فَضْـل ا ْقتِصاراً على أحادي ِ
ل مُعادَ المِخْراق نزر القَبولِ ِ ت مُنكسف البـا صطَ َفيْ َفعلمَ ا ْ
ن َتعَفّي الطُلُولِ بِ الغَوَاني وم ْ جدْه َأخْلَقَ من شَـيْ إن تَزُرْه تَ ِ
حذِ والتّطْـفـيلِ ح ادّلجا للشَ ْ صبْ مُسْرِجاً ملجِماً وما َمتَعَ ال ُ
ض ْعفَى ال ُعقُولِ لٍ قليلو التمييز َ غيْ َر أن المعلمين علـى حَـا َ
ن متينِ الشعار والمجهـول مِ ْ س معـنـى فإذا ما تَذاكرَه النّا ُ
غ ْيبَه للسّؤال والـمـسـؤول َ قال :هذا لَنا ونحن كشـفْـنـا
مرُ أم ألقحوا بأير الخَـلِـيل ضرب الصمعيّ فيهم أم الح
ل مِنْ وَاِلدَيْهِ وا ْلمَفْـعُـولِعِ جُلّ ما عنده التردّد في الـفـا
وعَزّى بَعْضَ المراءِ ،فقال :أيّها المير ،كان العزا ُء لك ل بِك ،والفناءُ لنا ل لك ،وإذا كنتَ البقيّة فالرزيّ ُة عطيّة ،والتعزية َتهْنية.
ب بِقيعَةٍ ن بني إسرائيل ونزل َذبْحُ البقرة ما ذُبحَ غيره! قيل :فأَخوه عمر؟ قال :كسَرا ٍ وسئل أبو العيناء عرْ مالك بن طَوْق ،فقال :لو كان في َزمَ ِ
ظمْآنُ ماءً حتى إذا جاءَه لم يَجدْه شيئاً. سبُه ال ّ
يَحْ َ
وكان موسى بن عبد الملك قد اغتال نجاح بن سلمة في شراب شَرِبه عنده ،فقال المتوكّل بعد ذلك لبي العيناء :ما تقول في نجاح بن سلمة؟
ل بن يحيى ابن خاقان ،فقال :أيّها الوزير ،أ َردْتَ ل تعالى :فو َكزَه موسَى َفقَضى عليه! فاتّصَل ذلك بموسى ،فلقي الوزير عُبيد ا ّ قال :ما قال ا ّ
عدَاوتِه لي؛ فعاتب عبيدُ الّ أبا العيناء في ذلك ،فقال :وال ما اس َت ْعذَبتُ جدْ إلى ذلك سبيلً إلّ بإدخال أبي العيناء إلى أمير المؤمنين مع َ قتلي فلم تَ ِ
الوقيع َة فيه حتى ذَ َممْتُ سريرته لك؛ فَأمْسَك عنه.
غ ْيبَتُك ،فقال :قد والّ اش َت ْق ُتكَ!
خيْرُها رُؤُيتك وشرّها َ ت بعدُ؟ قال :في أحوالٍ مختلفةَ ، ثم دخل َبعْ َد ذلك أبو ال َعيْناء على المتوكل فقال :كيف كن َ
ع ْبدَه دعاه. شتَاقُ ال َعبْد؛ لنه يتعذّر عليه لقاءُ موله ،وأما السيّد فمتى أراد َ قال :إنما يَ ْ
ن أبي دُوَاد ،قال المتوكّل :تأتي إلى رجل رفضته فتنسبه إلى السخاء؟ قال :إنّ الصدقَ يا أميرَ سخَى مَنْ رأيت؟ قال :اب ُ وقال له المتوكل :مَنْ أَ ْ
المؤمنين ليس في موضعٍ من المواضع َأنْفَق منه في مجلسك؛ وإنّ الناس يغلطون فيمن َينْسبونَه إلى الجود؛ لنّ سخاء البرامكة منسوب إلى
سهْل منسوب إلى المأمون ،وجودُ ابن أبي دواد منسوبٌ إلى المعتصم؛ فإذا نَسَب الناسُ ال َفتْحَ وعبيد ال الرشيد ،وسخاءَ الفضل والحسن ابنْي َ
ت من ل من رأيت؟ قال :موسى بن عبد الملك ،قال :وما رأي َ سخَاؤُك يا أَمير المؤمنين ،قال :صدقت؛ فمن أبخ ُ ابني يحيى إلى السخاء فذلك َ
ت فيه عندي مرتين ،وما أحبّ لك بُخْله؟ قال :رأيته يخدم القريب كما يخدم البعيد ،و َي ْع َتذِر من الحسان كما يعتذِرُ من الساءة ،فقال له :قد َو َق ْع َ
ذلك؛ فألْقَ ُه واعتذر إليه ،ول يعلم أنّي وجهت بك ،قال :يا أمير المؤمنين ،من يستكتمني بحضرة ألف؟ قال :لن تخاف ،قال :على الحتراس من
الخوف.
فصار إلى موسى فاعتذَر كلّ واحد منهما إلى صاحبه ،وافترقا عن صلح؛ فلقيه بعد ذلك بالجعفري ،فقال :يا أبا عبد الّ ،قد اصطلحنا ،فما لك
ل كما ُكنّا. ل َتأْتينا؟ قال :أتريد أن تقتلَني كما قتلت َنفْساً بالِمس؟ فقال موسى :ما أرانا إ ّ
ج ٌد عليك ،قال :ولن تَرْضَى عنك اليهودُ ول النصارى حتى تتبع ملّتهم! قال :إن جماعة من وقال له المتوكل :إبراهيم بن نوح النصراني وَا ِ
الكتاب يلومونك! فقال :الطويل:
فل زال غَضْباناً عليّ ِلئَامهـا عنّي كِرَامُ عشيرتي ضيَتْ َ إذا ر ِ
عبْداً له ل يَ ْرضَاني عبداً له. قال المتوكل له :أكان أبوك في البلغة ِمثَْلكَ؟ قال :لو رأى أمير المؤمنين أني لرأى َ
وقيل لبي العيناء :إن المتوكل قال :لول أنه ضرير البصر لنَادَ ْمتُه ،فقال :إن أعفاني من رُؤية الهلّة ،وقراءة َنقْشِ الفصوص ،فأنا أصْلُح
للمنادمة.
ب من ُبكُوره ،فقال :أراك تشاركني في الفعل و ُتفْ ِردُني بالتعجب! ووقف به رجل من العامّة ج ُ ولقيه رجل من إخوانه في السّحَر ،فجعل ُيعْ َ
ت هذا النَسْل إلَ قد انقطع! ودخل ل بقاك! وبقيت في الدنيا ،ما ظنن ُ س به ،فقال :مَنْ هذا؟ قال :رجل من بني آدم! قال :مرحبًا بك ،أطال ا ّ فأحَ ً
غنْمٌ ،وحِرْمانك على عبيد ال بن سليمان فقال :اقْرُب منّي يا أبا عبد ال ،فقال :أعزّ ال الوزير ،تقريبُ الولياء ،وحِرْمانُ العداء ،قال :تقريبُك ُ
ح مِنْ حالك إن شاء الّ. صلِ ُ
ظُلْم؛ وأنا ناظرٌ في أمرك نظرًا يُ ْ
حتَجْ إليك ،وأنشده :الطويل: وقال له يوماً :اعذرني فإنّي مشغول ،فقال له :إذا فرغت من شغلك لم نَ ْ
شغْلُ تُناطُ بك المالُ ما اتّصَلَ ال ُ شغْل عنّا؛ فإنًـمـا فل تَ ْع َتذِرْ بال ُ
شكْرك مَنْ ل يَصْلُح ل ُعذْرِك. ثم قال :يا سيّدي ،قد عذرتك ،فإنه ل يَصْلُحُ ل ُ
جفَاء! وقال له مرّة :نحن في العطلة مَرْحُومُون ،وفي الوزارة محرومون ،وفي وأقبل إليه يومًا فقال :مِن أين يا أبا عبدِ ال؟ قال :من مَطَارح ال َ
س بما كسبَتْ رهِينة. القيامةِ كل َنفْ ٍ
صلّي ،قال :لكل جديدٍ لذةٌ! وكان صاعدٌ نصرانيًا َقبْلَ الوزارة. ل يُ َوسار يوماً إلى باب صاعد بن مخلد ،فقيل :هو مشغو ٌ
ص َر من همَته طولُ س قد كتبنا لك إلى إبراهيم بن المدبّر؟ فقال :كتبتَ إلى رجل قد ق َ ل بن سليمان ،فشكا إليه حالَه ،فقال :أَليْ َ ودخل إلى عميد ا ّ
ن الدّهْرِ ،فأخفقته في طَِلبَتي! قال :أنْتَ اخترته؟ قال :وما علي -أعزّ ال الوزير! -في ذلك :قد اختار موسى الفقْر ،وذُل السْر ،ومعانا ُة مِحَ ِ
قومه سَبعِينَ رجلً ،فما كان منهم رَشيد ،واختار النبيّ ،صلى ال عليه وسلم ابنَ أبي سَرحٍ كاتباً ،فرجع إلى المشركين مرتداً ،واختار علي بن
أبي طالب أبا موسى حاكماً فحكَ َم عليه!
هروب إبراهيم بن المدبر من السجن
وكان إبراهيم بن المدبر أسَ َرهُ صاحبُ الزّنج بالبصرَة وحبَسه؛ فاحتال حتى نقب السجن و َهرَب ،فلذلك ذكر أبو العيناء ذُلّ السْر ،وكان قد
ضُرِب في وجهه ضَ ْربَ ًة بَقِي أثرها إلى أن مات؛ ولذلك قال البحتري :الكامل:
والخيل َت ْكبُو في العَجاجِ الكابي سمَـهـا شهَ َر المنازِل وَ ْ ومبِينَةٍ َ
81
أنّ الوُجو َه تُصانُ بـالحْـسـاب كانت بوجهك دون عرضك إذ رأَوْا
صرَ السارَ على الفرار بِعـابِ نَ َ ولئن أُسِ ْرتَ فما السارُ على امرئ
عيْنَ الرقيب و َقسْـوَةَ الـبـوَابِ َ نامَ المضلل عن سُراكَ ولم َتخَـفْ
جبَانُ :أتيتَ غَـيْر صَـواب يَقلِ ال َ خبِـ ْر بـهـا ل مَتى تُ ْ فَ َر ِك ْبتَها هَ ْو ً
ل بُ ْردِ ال ْرقَمِ المُـنْـسـاب
في مِثْ ِ ك مُصْـلَـتـاً ع ُهمْ إلّ استرا ُق َ ما را َ
تَصِلي التَلفُتَ خَشـيَةَ الـطُـلّب حمِي أُغَيِلمَةً وطائشةُ الخُـطـى تَ ْ
حتى أضفْتَ إلـيه يَ ْومَ ضِـراب ك بـاهـراً قد كان يوم ندى بِطَوْل َ
عطِيتَ فـي الخْـلقِ والدابِ أُ ْ ذِكْ ٌر من البأس استعذْتَ إلى الَـذي
لولكَ ما ُك ِتبَتْ على الـكُـتّـابِ ت بِفَضْـلـهـا ت انْ َف َردْ َ
ووحيدة أنْ َ
أخبار صاحب الزنج
قال أبو بكر الصولي :حدثني محمد بن أبي الزهر ،وقد ذاك ْرتُه خبرَ علي صاحب الزنج ،قال :ادّعى أنه علي بن محمد بن أحمد بن عيسى بن
زيد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب ،رضي الّ عنهم ،فنظرت مولده ومولد محمد ابن أحمد الذي ادعاه فكان بينهما ثلث سنين؛
وكان لمحمد بن أحمد ولدٌ اسمه علي ،مات بعد هذا المدعي اسمَه ونسبَه بزمَانٍ .ثم رجع عن هذا النسب فادَعى أنه علي بن محمد بن عبد
الرحيم بن رحيب بن يحيى المقتول بخرَاسان ابن زيد بن علي.
قال أبو عبيدة محمد بن علي بن حمزة :ولم يكن ليحيى وَلَد يقال له رحيب ول غيره؛ لنّه قُتل ابنَ ثماني عشرة سنَةَ ول َوَلدَ له.
ي بن عبد الرحمن بن رحيب :هو ابن عم أبي لحاً علي بن محمد بن عبد الرحمن بن رحيب ،ورحيب رجل من قال بشر بن محمد بن السّ ِر ّ
العجم من أهل وَرتين من ضياع الريّ ،وهو القائل لبني العباس :الطويل:
عقُودها حتَيْها ُتضمنها من را َ بني عمّنا إنّا وأنتـم أنـامـلٌ
ونحن قديماً أصلُها وعمودُها بني عمّنا ولَيتُم الترك أمْرَنـا
شهُودُها ونحن لديها في البلدِ ُ ك تقسم َف ْيئَنا عجْم التر ِ فما بالُ ُ
عيْشِ أو ُيبَاد عميدُهـا فبُ ْلغَةُ َ فأُقسِم ل ذقْتُ القَراح وإن أذقْ
وقال أيضاً :الخفيف:
دَ وما قد حَ َوتْ ُه مِنْ كلّ عـاصِ َلهْفَ نفسي على قصو ٍر ببغـدا
ورجالٍ على المعاصي حِراصِ وخُمورٍ هُناك تُشْرَبُ جَـهْـراً
ل بين تِ ْلكَ العـراصِ خيْ َ
ُأ ْقحِم ا ْل َ ت بابْنِ الفواطمِ الزُهْرِ إنْ لم لس ُ
وله في هذا المعنى شع ٌر كثير قد ناقضَه البغداديون ،وكانت مدّته حين نَجَم إلى أن قتل أرْبع عشرةَ سنةً ،وجملة مَن قتل ألفُ ألفٍ وخمسمائة
ألف.
رجع إلى أخبار أبي العيناء
ك كالبكاء ،وتودّد كالعزاء ،ونوادر ك َندْب الموتى! وكان يُهاتر ابن مكرم كثيراً ،وكتب إليه ابنُ مكرم يوماً: حٌ وذكر أبو العيناء رجلً ،فقال :ضَ ِ
قد ا ْب َتعْتُ لك غلمًا من بني ناشر ،ثم من بني نَاعِظ ،ثم من بني نهد .فكتب إليه :فأتنا بما َت ِع ُدنَا إن ُكنْتَ من الصادقين.
ووُلد لبي العيناء ولد ،فأتى ابنُ مكرم فسل ّم عليه ،ووضع حجرًا بين يديه وانصرف ،فأحس به ،فقال :مَن وضع هذا؟ فقيل :ابن مكرم؟ قال:
لعنه ال! إنما عرَض بقول النبي صلى ال عليه وسلم :الولَد للفراش وللعاهر الحجر.
حكَ! وقال لبن مكرم ،وقد قدم من سفر :ما لك لم تُهدِ إلينا هديةً؟ قال :لم آتِ بشيء ،وإنما قدمت في خُف .قال :لو قدمت في خفّ لخَلّفتَ رُو َ
وأتى إلى باب إبراهيم بن رياح ،فحجب ،فقال :إذا شغل بكأس يمناه وبحر يسراه ،وانتسب إلى أبٍ ل يعرف أباه ،ول يَحْفِل بحِجاب مَنْ أتاه.
وقدم إليه أبو عيسى بن المتوكل سِكباحةْ ،فجعل ل تق ُع يده إلّ على عظم؛ فقال :جعلت ِفدَاك! هذه قِدر أو قبر؟ ودعا ضريرًا ليعشيه ،فلما َيدَعْ
ل أكله ،فقال :يا هذا ،دعوتك رحم ًة فتَرَكتني رحمة. شيئاً إ ّ
ألفاظ لهل العصر في صفات الطعام
ومقدّماته ،وموائده ،وآلته
طغَام .الكريم ل يَحظُر ،تقديمَ ل مع الخوان .البخلُ بالطعام ،من أخلق ال ّ ح ْم َد ال .ل يَطِيبُ حضور الخِوان ،إ ّ افرش طعامَك اسمَ الّ ،وألحُفهُ َ
ما يَحضُر .قد قامت خطباءُ القدور .قدورٌ أبكار ،بخواتِم النّارِ .قدْر طار عَ ْرفُها ،وطاب غَ ْرفُها .دَ ْهمَاء تهدِر كال َفنِيق ،وتَفُوح كالمِسكِ ال َفتِيقِ.
طرِيفة .مائدة تشتمل على بدائع المأكولت ،وغرائب مائدة كدَارَة البَدر ،تباعد بين أنفاس الجلّس .مائدة مثلُ عروس .مائدة لطيفة ،محفوف ٌة بكل َ
الطيّبات .مائدةٌ كأنما عملها صنّاع صنعاءَ ،تجمع بين أنوار الربيع ،و ِثمَارِ الخريف.
ل أكرمُ الخَلْق وألَمهم -يريد الملئكَةَ حضُ ُر مائدتَه إ ّ ل فقال :ل يَ ْ وقال الجماز :جاءنا فلن بمائد ٍة كأنّها َزمَنُ البرامكة على العُفَاة! وذَمّ آخر رج ً
وال ّذبَاب.
وقال ابن الحجاج لرجل دعاه وأخًر الطعام :السريع:
فاقرَأ عليهمْ سورةَ المائِدَهْ قد جُنَ أصحابك من جُوعِهمْ
ولبعض أهل العصر يذم رجلً :الوافر:
ض مثل مِ ْندِيل الخِوَان وعِر ٌ ن ل يِلِ ّم بـه ضـيوفٌ خوَا ٌ
جدْي كأنما ُندِف على حمَلَ . حمَلُ ،إذا حلًت الشمس ال َ طيَبُ ما يكون الْ َ ل ذهبي الدَثارِ ،فضَيُ الشعار .أ ْ حمَ ٌرغْفَانٌ كالبدور الممنطقة بالنّجومَ .
س ْكبَاجة تفتقُ الشهوة ،واسفيذباجة ُتغَذي القَرِم ،وطَباهِجَة َيتَ َفكّه بها، جَبينه القَزِ .زيْربَاجة ،هي للمائدة دِيباجة ،تَشفِي السّقام ،ولونها لونُ السقيمِ .
ف الديوك ،وقَِليّة كالعود المُطرَى .مغمومة تفرج غَمّ الجائع .هريس ٌة نَفِيسة ،كأنها خيوط طبَاهِجَة من شرط الملوك ،كأَعْرَا ِ وخَبيص يختم بخيرَ .
82
طيَا ِهجَة
قَ ّز مشتبكة ،كأَنَ المُرّي عليها عُصَارَةُ المسك على سبيكة ال ِفضَة .أرزة مَلبونة ،في السكر مدفونة .شِواء رشراش ،وفالوذج رَجْرَاجَ .
تغذى ،وفالوذجة تعزى ،واسفيذباجة تصفع قَفا الجوع .ول فِراشَ للنبيذ ،كالحمَل الحنِيذ .دجاجةٌ سميطة ،لها من الفضة جسم ،ومن الذهب
قشرة .دجاجة دِينارية ثمناً ولوناً.
وهذا محلول من قول علي بن العباس الرومي يصف طعامًا أكله عند أبي بكر الباقطاني :الكامل:
ثمناً ولَوْناً زَفـهـا لَـك حَـ ْزوَرُ وَسَـمِـيطةٍ صـفـرا َء دينـارية
وغلت فكاد إهَابُهـا يتـفـطّـر عظمت فكادَتْ أن تـكـونَ إِ َوزّةً
فأتى لباب اللَوز فيها الـسـكـرُ طفقت تجودُ بـذَوْبـهـا جَـ ْوذَابَة
فكأن ِتبْراً عن لـجَـيْن ُيقْـشَـرُ ظَ ْلنَا نقشّر جِ ْلدَها عن لحـمـهـا
ض بمثل ذاك تُـصَـدّرُ مثل الرّيا ِ وت َق َدمَـتْـهَـا قـبـل ذَاك ثَـرَائِدٌ
بالبيض منها مُلْـبَـس ومُـ َدثَـرُ ن مـزخـرفٌ ومرقّقات كلُـهُـ ّ
ترضَى اللهَا ُة بها ويَرْضَى الحنجَر ف َبعْ َد ذاك لـطـائفٌ ت قطائِ ُ وأت ْ
دمع العيان مِنَ الدّهان يُعَـصـرُ ضحك الوجوه من الطبرزد فوقها
لزَاذَ ،وأنا ب َبغْداذَ ،وليس َمعِي عَقْد ،عَلَى نَقْد ،فخرجتُ أَنتهِزُ محالة ،حتى أحَلَني الكَرْخَ؛ فإذا ش َتهَيْتُ ا َ
قال البديع :حدّثني عيسى بن هشام قال :ا ْ
ن نَزلْتَ؟ ومتى ن أقبلْتَ؟ وأي َج ْهدِ حمارَه ،ويُطَ َرفُ با ْلعَ ْقدِ إزارَه؛ فقلت :ظَفرْنا والّ بصَيدٍ ،وحَياكَ الُّ أبا َزيْد! مِنْ أيْ َ حدُو با ْل َ
ي يَ ْ
أنا بسَوَادِ ّ
ع َبيْد! فقلتُ :نعمَ ،لعَنَ الُّ الشيطانَ ،وأ ْب َعدَ النسيانَ ،أنْسَاني طول ال َع ْهدِ ِبكَ، وا َفيْتْ ،فهَلُمَ إلى البيتْ .فقال السوادي :لستُ بأبي زيد ،وإنما أبو ُ
جنّتِه ،فقُ ْلتُ :إنّا لَِ ،ول قوة إلَ بالّ،
صيّرَه الَُ إلى َ ب َب ْعدِي .قَالَ :قد َنبَتَ المَرْعى على ِد ْمنَتِه ،وأرجو أن يُ َ َكيْفَ أبوك ،أشَاب َك َع ْهدِي ،أم شا َ
جمْعه .وقال :نَشَد ُتكَ بالّ ل م ّز ْقتَه ،فقلت :فهلّم صدَار أريد تمزيقه ،وأُحاول تخريقه ،فقبض السواديّ على خَصرِي ب ُ ومددت يدَ البِدار ،إلى ال ّ
عطَفَته عطفة النّهم ،وطمِع ،ولم حمَةُ القَرَم ،و َ إلى البيت نُصِبْ غداء ،أو إلى السوق نشتري شِوَاء؛ والسوقُ أقرب ،وطعامه أطيب ،فاستفزّته ُ
يعلم أنه وقع ،ثم أتيت شَوّاءً يتقاطرُ شِوَاؤه عرقَاً ،ويتسايل جُوذابه مر َقاً فقلت :أبرز لبي زيد من هذا الشّواء ،ثم زِن له من تلك الحَلواء ،واختر
من تلك الطباق ونضد علي أوراق الرقاق ،وشيئًَا من ماء السمّاق ،ليأكلَه أبو زيد هنياً .فأنحى الشًوّاء بساطُوره ،على زُبدَة تنورِه ،فجعلها
كالكحل سَحقاً ،وكالطين دَقاً ،ثم جلس وجلست ،ول نبَس ول نبست ،حتى استوفيناه ،وقلت لصاحب الحلواء :زِن لبي زيد من اللوزِينَج
رطلين ،فإنه أجرى في الحلوق ،وأسرَى في العروق ،وليكن ليليَ العُمر ،يوميّ النشر ،رقيق القشر ،كثيف الحَشو ،لؤلؤيّ الدهن كَوكبي اللون،
يذوب كالصّمغ ،قبل المضغ ،ليأكله أبو زيد هنيّا .فوزنه ،ثم قعد وقعدت ،وجردَ وجرَدت ،واستوفيناه ،ثم قلت :يا أبا زيد ،ما أحوجنا إلى ماء
يَشَعشَع بالثلج ،ليقمَع هذه الصّارة ،ويَفثَأ هذه اللقم الحارة؛ أجلس أبا زيد حتى آتيك بسقاء ،يحيِينا بشَربَة من ماء ،ثم خرجت ،وجلست بحيث
أراه ول يراني ،أنظر ما يَصنع به .فلّما أبطأتُ عليه قام السّوَادي إلى حماره ،فاعتلق الشَوَاء بإزاره ،وقال :أين ثمن ما أكلتَ؟ قال :ما أكلته إلَ
ي يبكي ويمسح دموعه بأردانه، ل أكلت ثلثاً وتسعين! فجعل السواد ّ ضيفاً! قال الشواء :هاك وآك متى دعوناك؟ زِن يا أخا القحبة عشرين ،وإ َ
ويحُلّ عقدَة بأَسنانه ،ويقول :كم قلت لذلك القرَيد ،أنا أبو عبيد ،وهو يقول :أنت أبو زيد!؟ فأنشدت :مجزوء الكامل:
ل تَقعدَنّ بذُلّ حـالـه اعمَل لرزقك كل آلَـه
فالمرء يَعج ُز ل المَحَاله وانهض بكـلّ عـزيمة
ي بن يحيى بن أبي منصور المنجم :الرجز: ومن مليح ما قيل في القطائف قول عل ّ
سكّر الماذِيّ حَشوَ المـوزِ وال ُ ف قَد حُشيَتْ بـالـلّـوْزِ قطائِ ٌ
سرِرت لما و َقعَت في حَوزيَ ي دهن الـجَـوز يسبح في آذِ َ
سرور عَباس بقـرب فَـوزِ
ومن ألفاظ أهل العصر في الحلواء :فالوذج بلبَاب البُرّ ،ولعَاب النّخل ،كأنَ اللوز فيه كواكب دُر ،في سماء عَقيق.
ولم يقل أحد في صفة اللوزِينَج أَحسن من قول ابن الرومي :السريع:
إذا بدا أعجَبَ أو عـجًـبـا ط َئنّي مِنك لـوزِينـج ل يُخ ِ
لسهّل الطّيبُ له مَذهَـبـا لو شاء أن يَذهَبَ في صَخرَة
ل أبَت زلفَاه أن يحجَـبـا إّ لم تَغلِق الشهوَةَ أبـوابـهـا
دَوراً ترَى الذهنَ له لولبـا يَدور بالنّفحَة فـي جـامِـه
ع َد مستعـذَبـامستَحسَن سا َ عاوَن فيه مَنظَر مَخـبَـرَا
أرَقُ جِلداً عن نَسِيمِ الصبـا مَستكثف الحَشوِ ولـكـنـه
حبّبـا
من نقطة القَطرِ إذا َ كأنمـا قـدّت جَـلبـيبـه
شارَك في الجنِحَة الجُندبـا ل مـن ِرقّة خـرشـائِه يخا ُ
ثَغر لكان الواضحَ الشنَبَـا لو أنّه صُوّرَ مـن خَـبـ ِزهِ
أن يجعلَ الكفَ لها مَركَبـا ل بيضاء يَ َودّ الفـتَـى من ك ّ
83
ول إذا الضرْسُ عَله نَـبَـا فل إذا العَـيْنُ رَأَتـه نَـبَـتْ
َوجَه تلقا َءكُمُ الـمـطْـلَـبـا ل من وامِـق ل تُنكِروا الدل َ
ل بن بشر المرثدي ،ويهنيه بابن ولده ،وأولها: هذه البيات يقولها في قصيدة طويلة يمدح فيها أبا العباس أحمد بن محمد ابن عبد ا ّ
َأقْسمتُ بالِّ َل َقدْ َأنْجبا شمسّ وبدر وََلدَا كَ ْوكَبا
قال أبو عثمان سعيد بن محمد الناجم :دخلت على أبي الحسن وهو يعمل هذه القصيدة ،فقّلت :لو َتفَاءَلْتَ فيها لبي العباس بسبعة من الولد؛ لن
أبا العباس منكوساً سابعٌ ،لجاء المعنى ظريفاً ،فقال :السريع:
ك ْنيَته ،ل زاجِرًا ثَـعْـلَـبـا وقد تفـاءَلـتُ لـه زاجِـراً
إذا بدا َمقْلوبُهـا أعْـجَـبـا إنّي تـأمّـلْـتُ لـه كُـنْـيَةً
ل َكذّب الـلـ ُه ول ،خـيبـا س أبـا سـابـع يَصُوغُها العكْ ُ
ت مَ ْرقَبا ِمثْلَ الصّقور استْش َر َف ْ بل ذاكَ فألٌ ضامِـنٌ سَـبْـعَة
وذاك ف ْألٌ لم َي ُعدْ َمعْـطَـبـا ب فتًى مَـاجِـدٍ يأتون من صلْ ِ
فلننتظـرهُـمْ سِـتةً غُـيبـا وقد أتـانـا مـنـهـمُ واحِـد
يجعلها اللَـهُ لـه تُـرْتـبـا في مُدةٍ َت ْغمُـرهـا نِـعْـمةٌ
ضوَى ومن َك ْبكَبـا أجَلّ من رَ ْ حتى نراهُ جالسـًا بـينـهُـمْ
بين نجو ٍم سبعَ ٍة فاحْـتَـبـى ض من نُورهِ كالبدر وَافَى الر َ
فإنها من بَعضِ مـا بَـ ّوبَـا شكَرِ النّـاجِـ ُم عـن هـذِهِ و ْليُ ْ
سدَى وما سَـبـبـا شكُر ما أ ْ أْ حمْـتُ أخ لـم أزَلْ سدَى وأ ْل َ َ
وكان ابنُ الرومي منهوماً في المآَكل ،وهي التي قتََلتْهُ ،وكان ُمعْجَبًا بالسمك ،فوعده أبو العباس المرثدي أن يبعثَ إليه كل يوم بوظيفة ل
سبْتٍ ،ثم قطعه ،فقال :الخفيف: َتنْقَطِع ،فبعث إليه يومَ َ
أخلَفَ الزائرونَ منتظريهـمْ ما لِحيتا ِننَا جَفَـتْـنَـا وأنَـى
ظ عليه ما يَكفِيهِـمْ حفَا ِ
من ِ جاء في السبت زَورُهُمْ فأتينا
فكَأنّا اليهودُ أو نَحْـكِـيهـمْ وجعلناه يوم عـيد عـظـيمٍ
خطُون مَن يُرْضيهمْ ِر فَلِ ْم يُسْ ِ ص َممِينَ على الهَج وأراهُ ْم مُ َ
س ِبتُون ل تـأْتـيهـمْ يوم ل يَ ْ سبْتنا وما أتتْنـا وكـانُـوا قد َ
فاتصل ذلك بالناجم ،فكتب إلى الرومي :المتقارب:
ضلِ رُجْحانَهُ حمَدُ في الفَ ْ ل َن ْ ُ ن ل تـزا ت مَـ ْأبا حسنٍ ،أ ْن َ
وقد قلَلَ اللَـهُ إحـسـانَـهُ فكم تُحْسِنُ الظن بالمرثـدي
عدَ الْوَعْـدَ إخـوانَـهُ إذا وَ َ ألم َتدْرِ أنَ الفتى كالسَـرَاب
َفقُل في طِلبك حيتـانَـهُ ب يَفُوتُ الطلوبَ فبَحْرُ السرا ِ
شعْره ،فقالوا :إن كان ما ُتنْشِدنا
وخرج ابنُ الرومي إلى بعض المتنزهات وقصدوا كَرْماً رازِقيّا ،فشربوا هناك عامَة يومهم ،وكانوا يتهمونه في ِ
لكَ فقُلْ في هذا شيئاً ،فقال :ل تَرِيموا حتى أقول فيه ،وأنشدهم لوقته :الرجز:
كأنه مَـخـازِنُ الـبـلُـورٍ ورازقي مُخْطَفِ الخـصُـورِ
وفي العالي ماء وَرْد خوري ضمّنت مِسْكاً إلى الشطور قد ُ
له مَذاق العَسَل الـمَـشُـورِ بل فَـريد وبـل شُـــذُورِ
ون ْكهَة المِسْك مع الكـافـورِ وبَ ْر ُد مَمنَ الخَصِر المقْـروِر
باكَ ْرتُه والطيْرُ في ال ُوكُـورِ ورقة الماء على الـصـدورِ
أملُ للعَـيْنِ مـن الـبُـدورِ بِف ْتيَ ٍة من وََلدِ الـمـنـصـورِ
قبل ارتفاع الشمس للـذّرورِ خ ْيمَة الـنـاطـور حتى أ َتيْنا َ
ب ل المقهـورِ بطاعةِ الرّاغ ِ فانحَطّ كالطّاوِي من الصقـور
حتى أتانا بِـضُـروع حـورِ عبْد الحََلبِ المشطـورِ والحرُ َ
والطَلّ مثل اللؤلؤ المنـثـورِ عسَلِ محـصـورِ مملوء ٍة من َ
بين حِفافَي جَدوَل مَسـجـورِ ثمّ جلَسْنا جِلْسَة المـحـبـورِ
أو مثل متن المُنصل المشهورِ أبيض مثل المُهرق المنشـورِ
سمَاطَي شَج ٍر مَسطـورِ بَين ِ ب مثل الحيّةِ المـذعـورِ َينْسَا ُ
فنِيلَت الوطار فـي سُـرُورِ ناهيك للعقود مـن ظُـهـورِ
َتعِلَة من يَومِنا المـنـظـورِ وكل ما يُقضَى مِـنَ الُمـورِ
و ُمتْع ٌة منَ ُمتَعِ الـغُـرورِ
ألفاظ تناسب هذا النحو لهل العصر
في صفات الفواكه والثمار
84
ب كمخازن البلّور ،وضروبِ النُور ،وأوعيةِ السرور .أمّهات الرحيق ،في عنَ ٌ
كَرْم نُسْلِفه الماء القَرَاح ،و َيقْضِينا ُأمَهات الرّاح .عنقود كالثريّا ،و ِ
صرَر الياقوت الحمر .سَفرجل شهْدة بالعقيق م َقنّعة ،بال ِعقْيان مُ َقمّعةُ .رمَان كأنه ُ سلِفه الماء ،ويقضينا العسل .رُطَب كأنها ُ مخازن العَقِيق .نَخْل نُ ْ
خجِل،صفَ العاشق ال َوجِل ،والمعشوق الْ َ ح ،يجمع وَ ْ ح نَفّا ٌ
جمَع طيباً ،ومنظراً حسناً عجيباً ،كأنه زِئبر الخزّ الغبر ،على الديباج الصفر .تفّا ٌ يَ ْ
طعْمُ الكرّ ،رسولُ المحب ،وشبيه الحبيب .تِين كأنه سُفر مضمومة على عَسَل .مشمش كأنه الشّهد في َبيَادِق الذهب. له نسي ُم العبير ،و َ
ما قيل في وصف الليل والصيد واللهو
قال بعضُ الرواة :أنشدت أعرابيًا قولَ جرير بن عطية بن الْخَطَفي:
حيْرَانا؟أمْ طال حتى حسبت النجمَ َ ل ل تَسْـرِي كـواكـبُـهُ أبدل اللي ُ
ل من مثله؛ ولكني أنشدك في ضدّه من قولي ،وأنشدني :الوافر: فقال :هذا حسَنٌ في معناه ،وأعوذ با ّ
وقصّر طولَه وَصْلُ الحبيبِ وليل ثـم يُقَـصَـ ْرهُ رُقـادٌ
تناوَلَنا جَنـا ُه مـن قـريبِ حتّـى نَعيمُ الحبّ أوْرق فيه َ
عدّ الذنوبِ على شكْوَى ول َ بمجلس لذّةٍ لم نَـقْـ َو فـيه
ت العيونُ عن القُلوبِ جمَ ِ فتَ ْر َ بَخِلْنا أن نقطّعـه بـلَـفْـظٍ
فقلت له :زدني فما رأيت أظرفَ منك شعراً؛ فقال :أمّا هذا الباب فحسبك ،ولكن أنشدك من غيره :الوافر:
ح ْب ُتهُمُ وَشِيمَتيَ الـوفـاءُ صَ ِ ل قـوم وكنت إذا عَلِقْت حبا َ
وأجتنب الساءَة إن أساءوا ن محسنوهُمْ ن حين يُحْسِ ُ فأحسِ ُ
مشيئتهمْ وأتركُ مـا أشـاء أشاء سوى مشيئته ْم فـآتـي
قال الصمعي :قرأت على أبي مُحْذر خلف بن حيّان الحمر شعرَ جرير ،فلمّا بلغت إلى قوله :الطويل:
ي باطِـلُـهْ إليّ صباهُ غالبٌ ل َ ويوم كإبهامِ القَطا ِة مـحـبّـب
حرُومةٌ وحبَـائِلُـهْ كمن نَبْلُ ُه مَ ْ رُ ِزقْنا به الصّيد العزيزَ ولم نكن
تغيّب واشيه وأقْصرَ عـاذِلُـهْ خيْرُه قـبـل شـرّهِ فيا لك يومٌ َ
فقال خلفَ :ويْحَه! فما ينفعه خيرٌ يؤول إلى شرّ؟ فقلت له :كذا قرأته على أبي عمرو بن العلء ،فقال لي :وكذا قال جَرير ،وما كان أبو عمرو
ب أن يكونَ؟ قال :الجْوَد أن يقولَ :خيرُ ُه دون شرّه ،فا ْروِه كذلك ،فقد كانت الروا ُة قديمًا ُتصْلِحُ أشعارَ ليقرئك إلّ ما سمعَ ،قلت :فكيف كان يَج ُ
ل كذا. ل ل أرويه بعدها إ َ الوائل ،فقلت :وا ّ
ومن أجود ما قيل في ِقصَر الليل قول إبراهيم بن العباس :الرجز:
ت فيها بَدْرَها بـبَـدْرِي قابل ُ وليلةٍ من اللـيالـي الـغُـرّ
حتى تَقَضّت وهي ِبكْ ُر الدَهْرِ لم َتكُ غير شفَـق وفَـجْـرِ
وقال محمد بن أحمد الصبهاني فيما يتعلّق بهذا المعنى وإن كان في ذكر النهار :الخفيف:
عدُوّ؟ عيْني َ طرْفِ َ ورُقادي ل َ كيف يُرْجَى لمقلتـيّ هُـدُو
لم يَزَلْ للسرو ِر فيه نمُـو ت منه بِـيَوْم ن َن ِعمْ ُبأبي مَ ْ
فكأنَ العَشِي فـيه غُـدُوُ يوم ل ْه ٍو قَدِ ا ْلتَقَى طرفـاهُ
ولبَدْرِ السَماء منـي ُدنُـوُ شخْصِ الرقيب فيه ثناءٌ إذ ل َ
وقال ابن المعتز :السريع:
مفتضَح البدْرِ عليل النسيمْ يا رب ليل سَحَر كـلّـه
فيه فنهديه ِلحَر الهُمـومْ س بَرد النّـدَى ط النفا ُ تلتق ُ
سكْر الندِيمْ ل بِ ُ
في ضوئه إ َ ح لمَا بدا ل أعرفُ الصبا َ
ولذّة الرَاح ثيابَ النعـيمْ ت فيه بالتذاذ الهـوى لبس ُ
وصف منبج
أخذ قوله :سَحَر كله من قول عبد الملك بن صالح بن علي ،وقد قال له الرشيد لما دخل منبج :أهَذا منزلك؟ قال :هو لك ،ولي بك يا أميْرَ
المؤمنين ،قال :كيف بناؤه؟ قال :دون منازل أهْلي ،وفوق منازل الناس ،قال :وكيف ذلك و َقدْرُك فوق أقدارهم؟ قال :ذلك خُلق أمي ِر المؤمنين
عذْبَة الماء ،قليلة الدْوَاء ،قال :فكيف َليْلُها؟ قال :سحر كله؟ وأخذ هذا ب َمنْبج؟ قالَ :حذْوَهُ ،قال :فكيف طِي ُ أتأسَى به ،وَأقْفُو أَثره ،وأخذوا َ
الطائي فقال :الكامل:
بك ،والليالي كلُها أسحارُ أيامنا مصقولة أطرافهـا
ولهل العصر ،قال أبو علي محمد بن الحسين بن المظفر الحاتمي :البسيط:
كعارضِ البَرْقِ في ُأفْق الدُجَا بَرَقا يا رب ليل سُرور خِلْته قِـصَـراً
وكادَ يسبق منه ًفجْرُه الشَـفَـقـا قد كَـادَ يعـثـر أولَه بـآخــرهِ
طبَاق وا ْفتَرَقـا ن ِمنْهُ على ال ْ جَ ْفنَا ِ ف اتـفـق الْ كأنَما ط َرفَاه طَـرْ ٌ
ألفاظ في هذا المعنى لهل العصر
ليلة من حسنات الدهر ،هواؤها صحيح ،ونسيمُها عليل ،ليلة كبُ ْردِ الشباب ،وبَ ْردِ الشراب .ليلة من ليالي الشباب ،فِضيَة الديم ،مِس ِكيّة النسيم.
ليلة هي ل ْمعَةُ العمر ،وغُرةُ الدهر .ليلة ِمسْكيّة الديم ،كافورية النجوم .ليلة َرقَد الدّهر عنها ،وطلعت سعودُها ،وغابت عُذالُها .ليلة كالمسك
خبَرُها .ليلة هي باكورةُ ال ُعمْر ،و ِبكْرُ الدهر :ليلة ظلماتها أنوار ،وطِوال أوقاتها ِقصَار. منظَرُها و َم ْ
الفضل بن سهل
85
كان سبب اتصال سعيد بن هُ َريْم بذي الرياستين الفَضلِ -وسمي ذا الرياستين؛ لنه جمع بين رياسة القلم ورياسة التدبير للَمأمون -أنه دخل
خرُ الَبد ،والبِ ُر غنيمة الحازم ،والتفريط مصيبةُ أخي القدرة ،وإنا لم نَصُنْ وجوهَنا عن عليه يوماً ،فقال :الَجَل آفَةُ المل ،والمعروف ذُ ْ
ض ْعنَا أنْ ُفسَنا من تأميلك.
ضعْنا من إحسانك بحيث و َ سؤالك ،فصُنْ وجهك عن ردّنا ،و َ
فأمر أن ُي ْكتَب كلمُه ،وسماه سعيداً الناطق ،ووصله المأمون فخص به.
سيَ نصيبه منه ،ليس كتابي إذا كتبتُ ن نَ ِن يَضع نفسَه عنده ،ويا ذَاكِرَ مَ ْ ظ مَ ْ فلحقته في بعض الوقات جَفْوَة من الفضل ،فكتب إليه :يا حاف َ
حسَن إليه. استبطاءً ،وما إمساكي إذا أمسكتُ استغناء ،فكتبت مذكّرًا ل مستقصرًا ِفعْلَك .فوصله وأَ ْ
وقد رُوِي بعضُ هذا الكلم المنسوب إلى سعيد بن هريم لبي حفص الكرماني مع ذِي الرّياستين.
ويقول أبو محمد عبد الّ بن أيوب التميمي :الطويل:
صنَائِعُ ظمُوا لِلَفضْل إلَ َ عُوإنْ َ ل بَلْدة ل َعمْ ُركَ ما الَشْرَافُ في ك ّ
إذا ما َبدَا ،وال َفضْلُ لٍَِ خاشـعُ تَرَى عُظَماءَ الناس لِ ْلفَضْل خُشَعاً
وكلّ جليل عنده مُـتَـواضِـعُ تَوَاضَ َع لمّا زاده الـلَـهُ رِفـعةً
وقال إبراهيم بن العباس :مجزوء المتقارب:
عنْهَا ال َمثَلْ تقاصرَ َ سهْل يد لفضل بن َ
وظاهِرُها لل ُقبَـلْ طنُها لـلـنـدى فبا ِ
لجَـلْ وسَطْ َوتُها لِ َ طتُها لِ ْلغِـنَـىوبَسْ َ
أخذه ابنُ الرومي فقال لبراهيم بن المدبر :الكامل:
والمر ُء بينهما يموتُ هزيل ت بين ضَرَاع ٍة وتَجمل صبَحْ ُ أ ْ
ظهْرُها التقبيل َبذْلَ النوالِ و َ طنُـهـا ي يداً تع ّو َد بَ ْ فامددْ إل ّ
ل بن عبد ال بن طاهر ،وزاد في هذا المعنى تشبيهاً ظريفاً :الطويل: وقال يمدح عبيد ا ّ
لها راح ٌة فيها الحطيمُ و َزمْزَمُ ظهْرِ الكفّ وَهّاب بَطْنها مقبّل َ
عيْنٌ من العُرْف عَيلَمُ وباطنها َ فظا ِهرُها للناسِ ُركْنٌ م َقبّـلٌ
صفَاءَ الغريزة ،وجَودَة النّحيزة ،فهو كما قال أبو الطيب :الخفيف: وكان ذو الرياستين يَ ْقبَلُ صوابَ القائلين بما في قوَته من َ
ي بَزّازِ
يضع الثوبَ في َيدَ ْ شدُ القَرِيض لَـ َديْهِ مَلك ُمنْ ِ
طنَاعِك ،قال :فأسلم على وكانت مخايل فَضلِه ،ودلئل عَقله ،ظهرت ليحيى بن خالد وهو على دِين المجوسية ،فقال لهَ :أسْلِم أجِد السبيلَ إلى اصْ ِ
ج ْنبَته ،إلى أنْ ُرقّي إلى ُرتْبته. يَدِ المأمون ،ولم يزل في َ
ن من أدلّ جمَل الثناء ،فأمر بإحضاره ،فلمّا رآه ُأفْحِمَ؛ فنَظَرَ الرشيد إلى يحيى كالمستفهم؛ فقال :يا أمي َر المؤمنين ،إ ّ وذكره يحيى عند الرشيد فأ ْ
سنْت ،ولئن كان هذا شيئاً اعتراك حَدليل على فَرَاهَةِ المملوك أن تمْلك ه ْيبَةُ موله لسانَه وقلبَه ،فقال الرشيد :لئن كنت سكتّ لكي تقولَ هذا فقد أ ْ
عند ا ْلحَصَر لقد أجدْتَ؛ وزاد في إكرامه وتقريبه ،وجعل ل يسأله بعد ذلك عن شيء إلّ أجابه بأ ْفصَحِ لسان ،وأجود بَيانِ.
ل حكمته ،قولُه :مَن تركَ حقّا فقد غبن قال سهل بنُ هارون :وممّا حُفظ من كلم ذي الرياستين ممّا رأينا تَخْلِيدَه في الكتب ،ليُ ْؤ َت ّم به ،و ُي ْنتَفَعَ بمقْوَ ِ
جدْ لِماغنْماً ،ومَن أتَى فَضلً فقد أوْجَب شكراً ،ومن أحْسَن توكّل لم يعدم مِنَ الّ صنْعاً ،ومَن ترك ل شيئاً لم يَ ِ حظًا ،ومَن ْقضَى حقّا فقد أحْ َرزَ ُ
ق له دَرَكًا عاد ما أدرك من ذلك له مُوبقاً؛ وذلك حمْداً عا َد ذلك على مُ ْلتَمِسِه ذمّا ،ومن طلب بخلف الح ّ س بمعصية الَِ َ ك فَقْداً ،ومَنِ التم َ تَر َ
أَوْجَب الفَلح للمحسنين ،وجعل سوءَ العاقبة للمسيئين المقصَرينَ.
ووقّع في رَقعَة ساعٍ :نحن نرى قبولَ السعاية شَرّا منها ،لنّ السّعاية دللةٌ ،والقبول إجازة ،وليس مَن دَل على شيءٍ وأخبر به كمن قبِلَه
سعَا َيتِه صَادِقاً لكان في صدقه آثماً؛ إذ لم يحفظ الحرمة ،ولم يستر العورَة. وأجازهُ؛ فاتّقوا الساعِي ،فإنهُ لو كان في ِ
والشي ُء يُقرَنُ مع جِنسِه :كتب محمد بن علي إلى محمد بن يحيى بن خالد ،وكان والياً على أرمينية للرشيد :إن قوماً صاروا إلى سبيل النّصح
عفَت ودَرَسَت ،يرجع منها إلى السلطان مَال عظيم ،وإني وقفتُ عن المطالبةِ حتى أَع ِرفَ رأيَك. ضيَاعاً بأرمينية قْد َ فذكروا ِ
سنَة السّعاةِ في أيامنا كَلِيلة خاسئة؛ فإذا قَرَأْتَ سدَة ،وأ ْل ِ حمْد الّ في أيامنا كا ِ فكتب إليه :قرأتُ هذه الرقع َة المذمومة ،و َف ِه ْمتُها ،وشوقُ السعاية ب َ
خذْهم بما في ديوانِك؛ فإنا لم نولّك الناحية ،لِتتبعَ الرسوم العافية ،ول لحياء العْلم الداثرة ،وجنّبني حمِل الناسَ على قانونك ،و ُ كتابي هذا فا ْ
وتجنب بيتَ جريرٍ يخاطبُ الفرزدق :الوافر:
ت بِخً ْزيَ ٍة وتَ َركْتَ عَارَا رَحَ ْل َ وكنتَ إذا حَلَ ْلتَ بدا ِر قـوْم
جرِ أمورَك على ما يكسب الدّعاء لنا ل علينا ،واعلم أنها مدّة تنتهي ،وأيا ٌم تَنْقَضي ،فإمَا ذِكْرٌ جميلٌ ،وإما خِ ْزيٌ طَوِيل. وأ ْ
وقال رجلٌ للمَهدي :عندي نصيح ٌة يا أمير المؤمنين ،فقالِ :لمَنْ نَصيحتك هذه؟ لنا ،أمْ لِعامَةِ المسلمين ،أم لنفسك؟ قال :لك يا أمير المؤمنين،
عدُوًا فل نعاقب لك غيْظك ،أَوْ َ شفِي َ س َد نعمة ،فل نَ ْ سعَايته ،ول تخلو من أن تكونَ حا ِ ل ممّن َقبِل ِ قال :ليس الساعي بأعظم عور ًة ول أقبَحَ حا ً
عدوَك؛ ثم أقبل على الناس فقال :ل َينْصَحْ لنا نَاصِح إلّ بما فيه ل رضاً ،وللمسلمين صَلَح ،فإنما لنا البدانُ وليس لنا القلوبُ؛ ومن اس َتتَر عنّا
ح أبْل َغ منه بالعقوبة ،والسلمة مع العفو أكْثر منها مع عثْرَته؛ فإني أرى التأديبَ بالصفْ ِ لم نكشفه ،ومن بادَانا طلبْنا تَوْبته ،ومن أخطأ أقَ ْلنَا َ
ل ل يَ ْنعَطِف إذا اس ُتعْطِفَ ،ول يعفو إذا َقدَر ،ول يغفر إذا ظفر ،ول يَ ْرحَ ُم إذا استُرحم. المُعاجَلة ،والقلوب ل تبقى لِوا ٍ
ووقّع ذو الرياستين إلى تميم بن خزيمة :المور بتمامها ،والعمال بخَوَاتمها ،والصنائعُ باستدامتها ،وإلى الغاية يَجْرِي الجواد؛ فهناك كش َفتِ
شكّ؛ فحمد السابق ،وذم الساقط. خبْ َر ُة قِناعَ ال ّ
الْ ِ
وذو الرياستين هوِ القائل :البسيط:
فحوّلي رَحْلَها عنّا إلـى نَـعَـم ت بها أنضيتِ أحرف ل ممَا َلفَظْ ِ
خفّة ا ْلكَلِمإن كنتِ حاولت فيها ِ صيّريها إليها منك منـعـمةً أو َ
س من قَرْن إلى َقدَمِ يا أَحْسَن النا ِ ضنَا قـياسَـكُـمُ ستُم علينا فعا َر ْ قِ ْ
س َبنِي ابنًا ِمثَْلكَ؟
ولما قتل ذُو الرياستين دخَل المأمون على أمّه فقال :ل تَجْزَعِي فإني ا ْبنُك بعد ابنك .فقالت :أفل َأبْكي على ابنٍ أَك َ
86
في وصف الخيل
صفَ.ووصف ابن ال ِقرّية فرساً أَ ْهدَاه الحجاجُ إلى عبد الملك بن مروان فقال :حَسَنُ ال َقدَ ،أسِيلُ الخَد ،يسبق الطّ ْرفَ ،ويستَغرِقُ الوَ ْ
صعْداء ،ويجا ٍوزُ الظّباءَ في وأهدى عبد ال بن طاهر إلى المأمون فرساً وكتب إليه :قد بعثتُ إلى أمير المؤمنين بفرسٍ يلحق الرانب في ال ّ
الستواء ،ويسبق في الْحَدور جَ ْريَ الماء ،فهو كما قال تأبّط شرّا :الطويل:
شدَهِ الـمُـتَـدا ِركِب ُمنْخَرِقٍ من َ سبِقُ َو ْفدَ الرّيح من حيث يَنتحِي ويَ ْ
صبِ ،يُشيرُ بُأذُنيه ،و َي ْندِسُ برجْلِيه ،كأنه شتَرِ لي فرساً جَيدَ ال َقمِيص ،حسَنَ الفُصوص ،وثيق القَصَبِ ،نقيَ العَ َ وقال رجل لبعض النخاسين :ا ْ
حدُور. سيْلٌ في َ موجٌ في لُجة ،أو َ
جمع محمد بن الحسينَ ،ه َذيْنِ الكلمين وزاد فقال يصف فرساً :هو حَسَنُ القميص ،جَيد الفصوص ،وثيق القَصَب ،نقيُ ال َعصَبُ ،يبْصِ ُر بأذنيه،
حدُور ،يناهبُ المشي قبل أن ُيبْعث ،ويلحق الرانب في الصعداء ،ويجا ِوزُ َويَتنوّع بيديه؛ و ُيدَاخِل برجْلَيه ،كأنه موجٌ في لجة ،أو سيلٌ في َ
صفَن،
حدُور جَ ْريً الماء ،إنْ عُطِف جَارَ ،وإن أرسِل طار ،وإنْ كلّف السير َأ ْمعَن وسار ،وإن حُبس َ جواري الظباء في الستواء ،ويسبِق في ال َ
وإن استوقف فطن ،وإنْ رعَى أبنَ ،فهو كما قال تأبّط شرّا ،وذكر البيت.
وأول هذه البيات :الطويل:
صدْقِ شَمس بن مالكِ به لبْنِ عمّ ال َ وإني َل ُم ْهدٍ من ثَنـائي فَـقَـاصِـد
كما هز عِطْفي بالهِجانِ الوَا ِركِ أه ُز به في َندْوَةِ الحيّ عِـطْـفَـهُ
كثيرُ الهوَى شَت النَوَى والمسَالِك شكَي ِللْـمُـلَـم يُصـيبُـهُ قليل الت َ
جَحِيشًا و َيعْرَوْرِي ظُهورَ المهالِك يظَل ِبمَوْما ٍة و ُيمْسِـي بِـغَـيرِهـا
ق مِنْ شَـدّه الـمـتـدارك ب ُمنْخَرِ ٍ سبِقُ َو ْفدَ الرّيح من حيث ينتحـي ويَ ْ
ن فـاتِـكِ شيْحَا ِله كالئٌ من قلب َ إذا خاط عينيه كرَى النوم لـم يَزًل
إلى سَلّ ٍة من صارم الغَرْب باتِـك إذا طََلعَتْ أُولى العد ًو فَـنَـفْـرُهُ
حدَ أخلقَ صـا ِئكِ إلى ضربة من َ ويجعل عـينـيه ربَـيئة قـلـبـه
نواجذُ أَفواهِ المنايا الـضّـوَاحِـكِ ن َتهَـلَـلـت إذا هَزَهُ في عظم قِرْ ٍ
بحيث ا ْهتَدَتْ أمُ النجوم الشَوابِـك يرى الوحشة النس النيس ويهتدي
خيْل مِصْر ،فعُرِضت عليه ،وعنده عقبة بن سنان بن يزيد الحارثي ،فقال له وأهدى عمرو بن العاص إلى معاوية ثلثين فرساً من سَوابِق َ
خيّلة بكل طنَبَ في َوصْفها ،فقال :أراها يا أميرَ المؤمنين على ما وصف ،وإنها لمُ َ عمْرًا قد َأ ْ
معاوية :كيف تَرَى هدايانا يا أَبا سعيد؟ فإن أخَاك َ
خير؛ إنها لسَا ِميَةُ العُيون ،لحقة البطون ،مصغية الذانَ ،قبّاء السنان ،ضِخَام الرّكبات ،مشرفات الحجبات ،رِحَاب المَناخِرِ ،صِلب الحوافر،
غنًى ،وبفتيانك إليها ن ِبنَا عنها ِطلَبت لَحِقتَ .قال له معاوية :اصرفها إلى رَحْلك؛ فإ ّ وقعُها تحليل ،ورفعها تعليل ،فهذه إن طلِبت سبقت ،وان َ
حاجة.
وقال النابغة الجعديّ :الطويل:
إذا ما التقَينَا أن تَحِي َد وتَنفرَا خيْلَـنَـا
س ل ُنعَ ّودُ َ وإنا أنَا ٌ
من الطعن حتى نحسب الجَونَ َأشْقَرا ونُنكر يوم الرَ ْوعِ ألـوانَ خَـيْلِـنـا
ستَنكَر أن تـعَـقـرا صِحَاحاً ،ول مُ ْ ن نَـ ُردّهَـا فليس بمعروفٍ لـنَـا أ ْ
وقال بعض العرب :الكامل:
ظفَهِ ال َقوَائِم هَـيْكـلِ
بسليم أَوْ ِ ش ِهدْتُ الخيلَ يوم طرادها ولقد َ
ل َم أركبه إذا لم أنـزلِ؟ وعَ َ فدعَوا :نزالِ! فكنت أوّل نازلٍ
ووصف أعرابي فرساً فقال :لما أرسلت الخيل جَاءوا بشيطان في َأشْطَان ،فأرسلوه ،فلمع َلمْعَ البَرْقِ ،واستهل استهللَ ال َودْقِ ،فكان َأ ْقرَبهم إليه
الذي يق ُع عينه من ُبعْ ٍد عليه.
ل فقال :عنده فرسٌ طويل ال ِعذَار ،أمِينُ العِثَار؛ فكنت إذا رأيته عليه ظننته بَازِياً على مَرْبأ ،عليه ُرمْحٌ طويل يقص ُر به وذكر أعرابي رج ً
الجال.
وقال بعض المحدثِينَ في هذا التطابق :الوافر:
تبُشرُ ُهمْ بأعما ٍر ِقصَارِ لَقينا ُهمْ بأَرْماح طـوالٍ
ووصف أعرابي خيلً لبني يربوع فقال :خرجَتْ علينا خيل من مستطير نَقْعٍ ،كأن َهوَادِيهَا أعْلم؟ وآذانَها أقلم ،وفرسانها أُسود آجام.
ولما أنشد العمّاني الرشيد يصف فرساً :الرجز:
قادِمَةً أو قَلَمًا مُحَرفا ن أ ْذنَيْ ِه إذا تَشَ ّوفَـا
كأ ً
ولحن ،ففهم ذَلك أ ْكثَرَ من حضر؛ فقال الرشيد :اجعل مكان كأَن يَخَال ،فعِجبوا لسُرْعَة َتهَدَيه.
وللطائيين في هذا النوع أشعار كثيرة منعني من اختبارها كثرةُ اشتهارها ،وسأنشد بعض ذلك ،قال أبو تمام :الكامل:
ف به وتَلَـهْـوُق ن مِنْ صَلَ ٍ مل ُ ختَالُ في أَشْـطَـانِـه ب يَ ْ
ما مُ ْقرَ ٌ
شعْرٍ وخلـق َأخْـلَـقِ عرٍ ُ وأَشَا ِ بحَوافرِ حُفرٍ وصَلْـتٍ أَصـلـتٍ
ط ذاك الَوْلـق من صحةٍ إفـرا ُ حتَ العجاج ،وإنـمـا ذو أولقٍ ت ْ
ستَـبْـرَق من س ْندُس بُرْداً ومن إ ْ صافي الديم كأنما ألـبـسـتـهُ
صهْوتيهِ العينُ لم تتعـلّـقِ في َ إمْلِيس ٌة إملـيدةٌ لـو عُـلّـقـت
مبيضّ شَطْرٍ كابيضاض ال ُمهْرَقِ مُسْ َودُ شَطْ ٍر مثل ما اسْ َودَ الدجى
وقال أبو عبادة :الكامل:
87
ت عنه على أغ َر مُحَجـل ح ُقد رُ ْ ن البهيم مُحَـجّـل وأغَرّ في الزمَ ِ
يوم اللقاء على ُمعِـ ّم مُـخْـولِ وَافي الضْلوع يَشُد عَ ْقدَ حِزامـه
ب انتِصَابَ الجـدَلِ صيدًا ويَنتصِ ُ يهوي كما هَوَتِ العُقابُ إذا رََأتْ
ق عليه مُـوَصَـلِ ن من وَر ٍ تُ َريَا ِ متوحّش بدقـيقـتـين كـأنـمـا
عَرْض على السنَن البعيد الطْوَل كالرائح النَشْوان أ ْكثَـ ُر مَـشـيهِ
من نَشْـوَةٍ أو جِـنة أو َأفْـكَـل ويظن َر ْيعَان الشـبـاب يَرُوعُـه
ت َم ْعبَدَ في الثـقـيلِ الوَل نغما ِ هَزج الصهيل كأنّ في َنبَـراتِـهِ
جهِهِ المتـهـلـلِ والبَدْرُ غُرةُ وَ ْ جوْزاء فـي أرْسَـاغِـه تتوَهمُ الْ َ
بصفا َء نُ ْقبَته مَـدَا ِوكُ صَـ ْيقَـلِ صافي الديم كأنَما عُـنِـيَتْ لـه
مهما تلحِظْها بَلحْـظٍ يخْـجَـل سيَ الخدودَ نَـوَاعِـمـاً وكأنما كُ ِ
ص ْهبَاءُ للبَرَدانِ أو قُـطْـ َربّـلِ َ صبْـغَـهـا وكأنما نَ َفضْتُ عليه ِ
نَظَرَ المُحب إلى الحبيبِ المُقْبـلِ مََلكَ العيون؛ فإن َبدَا أعْـطَـينـهُ
س أدهم يسميه غراباً :الكامل: وقال إسحاق بنُ خلف النهرواني لبي دُلَف ،وكان له فر ٌ
شكَا إليك لَهُ الفـمُ لو يستطيعُ َ كم كم تجرَعه المنونُ ويسلـمُ
خَط ينمّقه الْحُسامُ المِـخْـذَمُ من كل منبت شعرة من جِ ْلدِهِ
حتى يَفُوتَ الريحَ وهو مقدَمُ جرْيهِ ما ُتدْ ِركُ الرواح أ ْدنَى َ
ضرّجه الدَمُ واللون أدْهَمُ حين َ طرَافُ السِنة أشْقراً ج َعتْه أَ ْ
رَ َ
وكأنَه ِبعُرَى المجرَة مُ ْلجَـمُ وكأنما عقد النجُو َم بِطَـ ْرفِـهِ
وقال أبو الطيب :الطويل:
شهْبُ في صُوَر الدُهْمِ ط َعنَهمْ وال ُوأ ْ ق قَ ْومِـهـا ج َفتْني كأني لَسْت أنْطَ َ َ
وقال أبو الفتح كشاجم :الرجز:
إذ لح في السّرْج المحلّى الدْهَمُ ح ليْل مظلـم صبْ ِ
قد راح تحت ال ّ
ليُخَص بالـديبـاج إل الكْـ َرمُ ديباجُ أَلْوانِ الجـيادِ ،ولـم يكـن
وكذا الظل ُم تنِيرُ فـيه النـجـمُ جيْنُ على سَوا ِد أدِيمـه حكَ الل َ ضِ َ
وكأنما هُوَ بالـثـريا مُـلـجَـمُ فكأنه ببنات نـعْـشٍ مـلـبـب
قلت :هذا من قول ابن المعتز :الطويل:
ونَجْم الدُجَى تحت المغارب يَ ْركُض َألَ فاسقياني والظـل ُم مُـقَـوّض
تَفتّح نَوْرٍ أو لِجـا ٌم مـفـضـض كأنّ الثريا فـي أواخـرِ لَـيلِـهـا
وقال أبو الفتح :الكامل:
في ُه وبين يقينهِ الـمِـضْـمـارُ مَنْ شَك في فضلِ ال ُكمَيْت فبينـه
أخبَارُه إذ ُتبْـتَـلـى الخـبـارُ في منظَ ٍر مستحسَنٍ محـمـودة
ض ُر فيه فـنَـار ستُدرَ الْحُ ْ فإذا أ ْ ماء تَـ َدفّـق طَـاعَةً وسَـلَسَة
لتُـدِيرَه فـكـأنّـه بِـركَــارُ ت به عـلـى نَـاوَ ْردِه وإذا عَطَ ْف َ
أَ ْهدَى الْخَلوق لجلـدِه عَـطّـار وصف الخَلوقَ أَديِمه فكَـأنـمـا
ي من ال ِعتَاق قِصَارُ والرُسْغ ،وه َ لدَةُ نحْـرِهِ وعِـذَارِه ت قِ َقص َر ْ
وكأنما للضـبـع فـيه وِجـارُ ع مُـشْـ ِرفٌ وكأنما هاديه جِـذ ٌ
طرْفك خَلْفَه فـتـحـارُ ويَرُودُ َ سنْبـكٍ يَ ِردُ الضحَاضِحَ غير ثاني ُ
حَا َكتْه من َأشْكالِـهـا الطْـيَارُ لو لم تكن للخيل نسبة خَـلْـقـهِ
وقال ابن المعتز :الطويل:
ط ُذبّـــل
أنـابـيبُ سُـمـ ٌر مـن قَـنَـا الــخَـــ ّ وخَـيْل طَـواهـا الـقَـ ْودُ حـتـى كــأنّـــهـــا
ت بها أيدٍ سِرَاعّ وأرْجُلُ سيَاطنافطارَ ْ صببْنا عليها ظالمين ِ
ن ابن المعتز أشار إلى قول أعرابي مولد :الطويل: شوٍ جرى في بيت ،وكأ ّ قولُهُ :ظالمين من َأبْدَع حَ ْ
إذا هـاج شَـ ْوقِـي مـن مـعـــاهـــدهـــا ذِكـــر وعَـ ْودٍ قـلـيل الـــذنـــب عـــا َودْتُ ضـــربَـــه
سبّبتْلك الضّ ْربَ ،فاصبر إنّ عادتَك الصّبر فقلت له :ذَلفا ُء ويْحَك! َ
قال ابن المعتز :الوافر:
كقدْح النّبع في الرّيش اللُؤامِ أراجعتي ِفدَاك بأعـ َوجِـيّ
بغُ ّرتِ ِه دَياجِـيرَ الـظّـلم لمِ أغ ّر يَجْـلُـو
بأدهمَ كالظّ َ
جوّ ال َغمَام صُعودَ البَ ْرقِ في َ صعَـدْنَ فـيه تَرَى أحْجَاله يَ ْ
وقال أيضاً :الرجز:
ل مَدَاكِ الطّيبِ ق ِمثْ ِ
في ُأفُ ٍ صبْحُ كالمَشيبِ غتَدي وال ّ قد أَ ْ
88
ذي أُذن كخُوصَةِ العَسي ِ
ب بقارح مـسَـوّم َيعْـبُـو ِ
ب
سبِقُ شأَوَ النظرِ الرّحيب
يَ ْ أو أسةٍ أ ْوفَتْ على قَضِيب
ومن رُجوع لحظة المُرِيبِ سرَع من ماءً إلى َتصْوِيب أَ ْ
وقال :المديد:
شدَ ِرحَـا ِ
ل نحو إسْرَاجٍ و َ رُب َركْب عرّسوا ثم َهبّوا
عجَالِتَ ْأكُلُ الرْضَ بَأ ْيدٍ ِ عدَوْنـا بـأعِـنة خـيل وَ
كبدورٍ في ُوجُـوهٍ لـيال زينتها غررّ ضَاحِـكـاتّ
وقال علي بن محمد الياديَ :الكامل:
جهَهُ ال َبدْرُ
ومَشَى فقبّل َو ْ مسحَ الظلم بعرفه يدَهُ
وقال الناشئ أبو العباس عبد ال بن محمد :الكامل:
شرِ ساقه شهب تسيل على نَوَا ِ ح من لِـيطَةٍ أحْوَى عليه مَسائ ٌ
أَثنَاؤُها مشدودةٌ بِنـطَـاقـهِ فكأَنه مُتَـلـفـع قـبـطِـية
صبْح في إشراقه و َبيَاضه كال ُ لمِـهِ فَسَوادُه كالَليْل في إظـ َ
عيْنٌ على أعْـرَاقِـهِ أخْلَقه َ صافي الدِيم كريمةٌ أنسَابـهُ
ل بن أحمد بن ميكال ،وقد زاره الميرُ في داره: كتب أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي إلى المير أبي الفضل عبد ا ّ
الكامل:
ج ّدكَ بالخـلـود كَـفِـيل وعلوّ َ جدُك للسّـمَـاك رَسِـيل ل زال مَ ْ
أهلُ العُلَ لزمانهـم تَـحْـجِـيلَ يا غُرَةَ الزمنِ البـهـيم إذا غَـدَا
ي مِنَ الجَمـال ظـلـيل ظِلّ عل َ يا زائرًا مَدّت سَحَـائبُ طَـوْلـه
ظمْنَ لمفْرقـي إكْـلِـيلَ حتى انت َ وأتت بصَ ْوبِ جواه ٍر من لَفْظِـه
يس َتعْجِلُ التسبيحَ والـتـهـلـيل ل نُـورُهُ بأبي وغَـيْر أبـي هِـل ٌ
حوْتُ رسومَه تَـقْـبِـيل نَقْشًا مَ َ نقشت حوا ِفرُ طِرفِه في عَرصَتي
ن ل تَرَى التـكْـحِـيلَ بعيون عِي ٍ ت مَس َقطَ خَطوه ولو استطعت فرَش ُ
ت بين َيدَيْ هَوا ُه قَـتـيل وخَرَ ْر ُ ونثرتُ رُوحي بعدما مََلكَـت يَدِي
وقال أبو القاسم بن هانئ يصف خيل المعزّ :الطويل:
عتْ هَامَ الكُماةِ السنَا ِبكُ إذا فَرَ َ له المُ ْقرَبات الْجُ ْر ُد ُي ْنعِلُها دمـاً
ك فيها ذائبَ ال ّتبْرِ سابِـكُ س ِب ُ
ويَ ْ ب مَاءه يُرِيق عليها اللؤلؤُ ال َرطْ ُ
ُأمّ َرتْ عليها بالشموس ال َمدَا ِوكُ صقيلت أجْسامِ البرُوق كأنمـا
وقال يصف فرساً لجعفر بن علي بن حمدون :الطويل:
ل ماءُ ا ْلحُسن فيه غريقُ إذا جا َ ل مَصْقُولَ النواحي كـأنـه تهلَ َ
كما شِيبَ بالمسكِ الفتيق خَلوقُ ب بِ ُك ْمتَةٍ مِنَ ال ُبهْم وَ ْردُ اللون شِي َ
سبَجٌ منه وذَابَ عَقِـيق جَرَى َ فلو مِي َز منه كبنُ لون بـذاتـه
وقال في قصيدة يمدح بها أبا الفرج الشيباني :الكامل:
وأم َدكُ ْم فَلَقُ الصَباح المسـفِـرِ ل ِد بعَـنْـبَـرِ َفتَقَتْ لكم رِيحُ الجِ َ
خضَرِ بالنص ِر من وَرَق الحديد ال ْ وجنيتمُ ثمـرَ الـوقـائع يانـعـاً
ف المَشْرَفية والعديد الكْـثَـرِ س ْمهَرِية والـسـيو أبني العوالي ال َ
تحت السَوابغِ تبعٌ في حـمـيَرِ مَنْ منكم الملكُ المطـاعُ كـأنَـهُ
خُزْراً إلى لحظ السنان الخْـزَر القائدَ الخيل العِـتـاق شـوازبـاً
قُب الياطل دامِـيات النْـسُـرِ شعْثَ النَوَاصِي حَسْـرَ ًة آذانُـهـا ُ
صعَـرِ فيَطَأنَ في خد العزيز ال ْ عفَرِ الـثـرى تنبَو سناب ُكهُن عن َ
وخَلوقهم عََلقُ النَجيع الحـمـر في فتية صدَأُ الحديدِ عَـبِـيرُهُـمْ
مما عليه من القَنا المتـكَـسـر ل يأكلُ السرحانُ شِلْوَ عقـيرهـم
وقال في قصيدة يمدح بها إبراهيم بن جعفر بن علي :الكامل:
صهواته والحسن والتطهـيمُ فخرٌ لِطْرفٍ أعوجي أنْتَ في
مَلك تَدينُ له الملوكُ عَظـيمُ ُيبْدِي لعزَك نَخْوَةً ،فكـأنّـهُ
صرِيمُ جنّة والصباحِ َ بين الدُ ُ هادٍ على الخيلِ العِتاق ،كأنَهُ
تحت الدُجَى ولطَرْفه َتنْجِـيمُ س َم َعيْه عيافَةٌ سامي القَذال بمِ ْ
وحَشاً أقب ،وكَ ْلكَل ملمـومُ أذُن مُؤَللةٌ ،وقلب أصْـمَـع
ش من أنْفَاسِه َمهْـزُومُ والجي ُ صهَواته ُمتَزَلْ ِزلٌ فالطّ ْودُ من َ
وصفَا فقُ ْلنَا ما عـلـيه أديمُ ن فَضَل عنها لونُه ق العيو َ
خَ َر َ
89
ض مَرْكومُ عنْه عارِ ٌ ب َ وانْجا َ ت علـيه مُـ ْزنَةج َمدَ ْفكأنما َ
ت عليه نُـجـومُ وكأنما كُسِ َف ْ ت عليه بَـوارِقٌ وكأنما نُحِ َر ْ
حمُـومُ ق سَراته ،وكأنه اليَ ْ ك ابنُ المنذِرِ النعمانُ فو وكأن َ
وقال علي بن محمد اليادي يصف فرس أبي عبد الّ جعفر بن أبي القاسم القائم :الكامل:
عدَ ر ْكنُه من ركْـنِـهِ َقصْ ٌر تبا َ وأقب من لَحْق الجـيادِ ،كـأنـه
سمْرِ صفَا المسيل و ُد ْكنِهِ غدَتْ ب ُ وَ ب فِـضّةٍ ت قوائمهُ عصـائ َ س َْلبِ َ
حتَبس الظل ُم بمتْـنِـهِ حُسناً ،أو ا ْ وكأنما انفجرَ الصَباحُ بـوجـهـهِ
ض ْغنِه ورضا القلوب إذا اصطليْنَ ب ِ شخْـصـه َق ْيدُ العيون إذا بصرْنَ ب َ
بَازٍ تروح به الْجَنوب لـ َوكْـنِـهِ سيْطِر بالـراكـبـينَ ،كـأنّـهُ ُمتَ َ
بكمال خِ ْلقَـتِـه و ِدقّة حُـسـنِـهِ يستوقف اللحَظَاتِ في خَطَـراتِـه
غ بدائعًا مـن لـحـنِـه حا ٍد يَصُو ُ حُلْوُ الصَهيل تخال في لَـهَـواتِـه
ف كـاهِـلِـ ِه و ِدقّ ُة أ ْذنِـه إشـرا ُ متجبّر ُي ْنبِـي بـعِـتْـق نِـجـارهِ
وشهامةٍ طمحت به عن قِـ ْرنِـه ت بـه عـن نِـدهِ ذو نَخْوَةٍ شمخـ ْ
سهْل البلدِ وحَـزْنـه جارٍ على َ وكـأنـهُ فـلـكٌ إذا حـركـتَـهُ
حمْلَ النسيم لوابل مـن مُـزْنـه َ قد راح يحمِلُ جعف َر بن محـمـدٍ
وما أحسن ما قال أبو الطيب المتنبي :الطويل:
ن َتغْـرُبُ أُراقِبُ فيه الشّمسَ أيا َ ويوم كَلَوْنِ العاشقينَ كَـمَـنـتـه
ق بين عينيه كَ ْوكَـب ل با ٍ مِنَ اللي ِ عيْني إلى ُأ ْذنَـي أغـرَ كـأنـهُ وَ
تجيءُ على صدْرٍ رحيب وتذْهَبُ له فَضْلةٌ عن جسمِه في إهَـابـه
طغَى ،وأرْخيه مِرارًًا في ْلعَـبُ فيَ ْ عنَـانَـهُ ت به الظ ْلمَاءَُ ،أدْني ِ شقَقْ ُ
ل عنه ِمثْلَـه حـينَ أ ْركَـبُ وأنْزِ ُ ص َرعُ أي الوَحْش َقفّـ ْيتُـه بـهِ وأ ْ
ن ل يُجَرّبُ عيْنِ مَ ْ وإنْ َكثُ َرتْ في َ وما الخيلُ إلّ كالصَـدَيقِ قـلـيلة
وأعْضائها فالْحُسنُ عنك مُغـيبُ حسْنِ شِياتِـهـا إذا لم تُشَا ِهدْ غيْرَ ُ
وينخرط في سِلْك هذا المعنى مقامة من مقامات السكندري في الكُدْية ،ممّا أنشأه بديعُ الزمان وأمله في شهور سنة خمس وثمانين وثلثمائة.
ض عليه فَرسٌ :الطويل: قال البديع :حدّثنا عيسى بن هشام قال :حضرْنا مجلسَ سيف الدولة يومًا وقد عُرِ َ
متى ما تَرَق العين فيه تَسهّل
ل المير! رأيْتُ صلَح ا ّ خ َدمِه :أ ْ
ع ْندَه؛ فقال أحد َ ج ْهدَه ،وبذل ما ِ ظتْهُ الجماعة؛ فقال سيف الدولة :أيكم أحْسَنَ صفته ،جعلته صِلَته؛ فكلّ جَهد َ فلحَ َ
حضَاره. ف البصا ُر عليه ،يُسَلَي الناس ،ويشفي الياس ،ولو أمر المي ُر بإحضاره ،لفضَلَهم ب ِ ل يَطأُ الفَصاحَة ب َنعْلَيْه ،وتَق ُ بالمْس رج ً
ي به ،ث ّم ُقرّب واستُدْني ،وهو في ل دُعِ َ فقال سيفُ الدولة :علي به في هيئته ،فصار الخدمُ في طلبه ،فجاءوا للوقت به ،ولم ُيعْلِموه ليّ حا ٍ
ن قد أكل الدهرُ عليهما وشرب ،وحين حضر السّماط ،لثمَ البساطَ ،ووقف .فقال سيف الدولة :بل َغتْنا عنك عارِضة ،فأعرِضْها في هذا طمْ َريْ ِ
ِ
غيُوبهِ؟ فقال :ار َكبْه ،فركبه وأَجْراه ،ثم قال :أصلح الُّ ف عيوبه و ُ الفرس وصِفْه .فقال :أصلح ال المير! كيف به قبْلَ ركوبه و ُوثُوبه ،وكَشْ ِ
خمْس ،ضيق القَلْبِ، الميرَ! هو طويل الُذنين ،قليل الثنين ،واسع ا ْلمَراثِ ،لين الثلث ،غَليظَ الكرُع ،غامض الربع ،شَديد النّفس ،لطيف ا ْل َ
سمْع ،غليظ السَبع ،رقيق اللسان ،عريض الثمان ،شديد الضّلع ،قصير التّسع ،واسع السحْر ،بعيد العَشْر ،يأخذ بالسابح، رقيق الست ،حديد ال َ
ك عن قَارح ،يحز َوجْ َه الكديد ،بمداقّ الحديد ،يُحْضِر كالبَحر إذا ماجَ ،والسيل إذا هاج. حُ ق بالرّامح ،ويَطلُع بلئِح ،ويَضْ َ ويُطلِ ُ
ق بهذا فقال سيفُ الدولة :لك الفرس مُباركًا فيه .فقال :ل زِلت تأخذُ النفاس ،و َت ْمنَحُ الفراس ،ثم انصرف ،وتبعتُه ،وقلت :لك عليَ ما يلي ُ
الفرس من خِلعَة إن فسرْتَ ما وصفْتَ ،فقال :سَلْ عما أحببت.
فقلت :ما معنى قولك :بَعيدُ العَشْر؟ فقال :بَعيد النظر ،والْخَطْو ،وأعالي الْجَن َبيْن ،وما بين ال َو ْق َبيْنِ والْجَاعِرتَين ،وما بين الغُرَا َبيْنِ ،والمنخرين،
وما بين الرُجلين ،وما بين النقبة والصفاق ،وبعيد القامة في السباق.
طرَة ،قصير العَسيبَ ،قصِير القضيب ،قصير ض فُوك! فما معنى قولك :قصير التسْع؟ قال :هاك :قصير الشّعرة ،قصير الُ ْ فقلت :ل فُ ّ
س َغيْن ،قصير النسَا ،قصير الطهْر ،قصير الوَظيفِ. العَضُدين ،قصير الرُ ْ
فقلت :ل أنت! فما معنى قولك :عريض الثمان؟ قال :عريض الْجَبهة ،عريض الصهْوَة ،عريض الكتف ،عريض الْجنْب ،عريض الورك،
عريض العَصَب ،عريض البَلْدة ،عريض صَفْحة العنق.
خ َذيْنِ،
فقلت :أحسنت ،فما معنى قولك :غليظ السبع؟ قال :غليظ الذراع ،غليظ المحْ ِزمِ ،غليظ ال ُعكْوَة ،غليظ الشوَى ،غليظ الرُسْغِ ،غليظُ الفَ ِ
حبَالِ.
غليظ الْ ِ
حفَلة ،رقيق الديم ،رقيق أَعْلَى الُذنين ،رقيق فقلت :ل درك! فما معنى قولك :رقيق الست؟ فقال :رقيق الجَفْن ،رقيق السَالِفة ،رقيق الجَ ْ
ضيْن. الغَر َ
جبّة ،لطيف العُجَايَة ،لطيف الر ْكبَة. جدْتَ ،فما معنى قولك :لطيف الخمس؟ قال :لطيف الزور ،لطيف النسْر ،لطيف ال ُ فقلت :أ َ
جيْن ،غامض الشّظَى. حجَا َ
فقلت :حياك ال! فما معنى قولك :غامِض الربع؟ قال :غامض أعالي ال َكتِ َفيْن ،غامض المَ ْر ِف َقيْن ،غامض ال ِ
غتَيْنِ ،لَين العُرْفِ ،لين العِنان.قلت :فما معنى قولك :لَين الثلث؟ قال :لين المَ ْردَ َ
قلت :فما معنى قولك :قليل ال ْثنَين؟ قال :قيل لَحم الوجه ،قليل لحم ال َمتْنَين.
ت هذا العلم؟ قال :من الثغور الموية ،وبلد السكندرية. قلت :فمن أين َنبَا ُ
ك لهذا البَذْلِ؟! فأنشأ يقول :المجتث: فقلت له :أنت مع هذا الفضلُ ،تعَرضُ وجه َ
90
فالدهر جِد سَخي ِ
ف جدّاساخِفْ زمانك ِ
خيْرٍ ورِيفِ عشْ ب َ وِ دَعِ الحميةَ نِـسْـياً
يَجئ لنا بِرَغِـيفِ ل لعبـدك هَـذا وقُ ْ
سقط عنا تفسيره في لين الثلث ،وأكث ُر هذا التفسير يحتاجُ إلى تفسير ،ولم يُ ِردْ بما أورد إفْهام العَوامّ ،والبلغة لمحة دالة ،وبلغة النثر أخت
بلغة الشعر؛ وقد قال البحتري :المنسرح:
طبُهُ وليس بالهَذر طُولتْ خُ َ والشعْرُ َلمْح يخفي إشارتُهُ
وسأقول في شرحه بكلم وجيز زيادة في الفادة :ال َوقْبان :نُقْرتان فوق العينين .والجاعِرتان من الفرس :موضع الرّقمتين من الحمار ،وهما
سرّة حيث ينقب ضرْبه ب َذنَبه إذا حرَكه .والغرابان :الناتئان من أعلى الوركين ،وفكر النقبة هنا ،وهو الذي ُيعْرف بالمنْ َقبِ ،وهو من ال ُ منتهى َ
البيطار .والصَفاق :الخاصرة ،وقد قيل :جلد البطن كفه صفاق ،والذي أراده الخاصرة .وأراد ِب ُبعْد القامة في السباق امتدادَهُ إذا جَرَى مع
الرض .والُطرَة هنا :طرف البْهر ،وهي طِفطفة غلِيظة .والبهر :عِرْق يستبطن الظّهر ،فيتّصل بالقلب ،وقيل :هو الكحل .والعسيب :عظم
الذنب .والرّسْغ من الفرس :موضع القيد .والنّسَا :عرق مستبطن الفخذين ،وقصَره محمود في جرْي الفرس ،ولكنه ل يسمح بالمشي .والوظيف
لكل ذي أربع :ما فوق الرُسْغ إلى الساق .والصَهوة :الظهر .والبَلْدة :ما بين عينيه .وال ُعكْوَة :مغرز الذّنب .والشّوى :الطراف .والحبال :حبل
ن من الفرس :ما انحدر من قَصَبة النف من جانبيها .والزور: حفَلة من ذوات الحافر :كالشفة من النسان .والغُرْضَا ْ العاتق والظهْر .والجَ ْ
عصَب الصدر .والنّسْر في الحافر :لحمة يابسة أَسفَله يشبهها الشعراء بالنّوى .والجبّة :التي فيها الحوشب ،والحَوْشب :حشو الحافر .والعُجَايةَ :
في قوائم الفرس والبعير مركب فيه فصوص من عظام كأمثال ال ِكعَاب تكون عند الرّسغ .والحِجَاجان :العظمان المُطِيفان بالعين .والشّظَى:
عظم لصق بالذراع .والمتنان :جانبا الظهر؛ وسقط عنّا تفسير الثلث من نفس المقامة.
ما قيل في المواعد
ت منك منذ ت بك ُمنْذُ عرفتُك ،ول إلى خيرٍ وصل ُ قال الجاحظ :قال أبو القاسم بن معن المسعودي لعيسى بن موسى :أيها المير ،ما انتفع ُ
ت دون ذلك عدْت ،وعاودت ما ابتَدَأْت؟ فقال :حاَل ْ حبْتُك ،فقال :ولم؟ ألم أُكَلمْ لك أميرَ المؤمنين في كذا وكذا؟ قال :بلى! فهل استنجزتَ ما و ِ صَِ
حبْهن من َربْضتِه ،إنَ الوعدَ إذا لم يص َ ن نبهْتَ الهمّ من َر ْق َدتِه ،وأث ْرتَ الحُزْ َ أمورٌ قاطعة ،وأحوال عاذرة .قال :أيها المير ،فما ِز ْدتَني على أ ْ
عدْه َقضَاءَها .قال :فقلت: ح فيه .وكلّم منصو ُر بن زيادٍ يحيى بن خالدٍ في حاجةٍ لرجل ،فقالِ : ظ ل َم ْعنَى له ،وجس ٍم ل رو َ إنجازٌ يحقّقُه كان كلف ٍ
ف موضِعَ الصّنائع من القلوب ،إنّ الحاج َة إذا لم يتقدمها مَوْعد ل من ل يعر ُ أصلحك الّ! وما َيدْعُوك إلى العِدَة مع وجود القدرة؟ فقال :هذا قو ُ
جدَ رائِحته؛ وتمطَق به ،وتطعَمه ثم طعَام؛ وليس من فَاجأ ُه طعا ٌم كمن َو َ عدَ تطعُم والنجاز َ يُنتظر به نُجْحُها لم تتجاذَب النفس سرورها؛ إن الوَ ْ
حلّ. ف مَ َن مَوْقع ،ولُطْ ُ حسْ ُ
ختَ ْم بالوَعد؛ ليكونَ بها عند المصطنع ُ طعِمه؛ ف َدعِ الحاجَة تُ َْ
ل بن مُصْعب الزبيري معرَضاً بقول مضرس السدي :الطويل: ي عيسى بن دَأْب جَارِيةً ،ثم وهبها له ،فأنشده عبد ا ّ ووعد المهد ُ
ن قِدمًا بين أي ٍد تبادرُه وإن كَا َ ن مِنْ صالحٍ أَن َتنَالَهُ فل تيأسَ ْ
ل فلنة ،لجاريةٍ أخرى؛ فقال عبد ال بن مصعب :الرجز: فضَحك المهدي ،وقال :ادفعوا إلى عبد ا ّ
أراح من مَطْل وطُول َكدّه خيْرُ الناس قبل وَعدِهِ أنجز َ
فقال ابن دأب :ما قلت شيئاً ،هل قلت :الرجز:
ب ُي ْنهَزُ ف َكنَه ٍ خيْرَ في العُرْ ِ ل َ حَلَوَةُ الفضل بوعْـدٍ ُينْـجَـزُ
فقال المهدي :مجزوء الكامل:
ضمَانُ
ن إذا تَ َقدّمه َ ُ عدُ أحْسنُ ما يكو الوَ ْ
وقد قال أبو قابوس النصراني يمدح يحيى بن خالد :البسيط:
عليه ،يَأتي اَلذِي لم يَأتـه أحَـدُ لّ ِنعْـمَـتَـه حيَى ،أتمّ ا ُ رأيتُ ي ْ
إلى الرَجال ،ول َينْسَى الذي يعِدُ َينْسَى الّذي كان من معروفه أَبداً
وقال أبي الطيب المتنبي :المنسرح:
ن نُحُورِ الكُما ِة لَ ا ْلحُلُمُ طعْ ُ
َ قَوْ ٌم بُلوغُ الغُل ِم عنـدَهُـمُ
صغَرٌ عَاذرٌ ول هَـ َرمُ ل ِ كَأَنما يُوَلدُ النّدى مَـعَـهُـمْ
وإنْ تَوََلوْا صنيعَةً َك َتمُـوا إذا تَوَالَوا عداوَ ًة كَشَـفـوا
أ َنهُ ُم أ ْنعَموا وما عَلِـمـوا عتِدادَهُـمُ ن من َف ْقدِكَ ا ْ تظُ ّ
ودخل أبو عليّ البصير على الفضل بن يحيى ،فأنشده :الرمل:
وبدا َيمْزَح بالهَجْـرِ فـجـد صفَ الص ّد لمَنْ أَهَوَى فصدْ وُ ِ
وهو ل يعدِلُهُ عِنـدي أحَـدْ؟ عنّـي وَجْـهَـهُ ما لَ ُه يعدل َ
سدْيطلب الغروّة في خِيسِ ال َ ل تُريدوا غِرّة ال َفضْل ،ومـنْ
ح منَـا مـا فَـسَـدْ َوبِ ِه نُصْلِ ُ ملكٌ َن ْدفَ ُع ما نَـخْـشَـى بِـهِ
وإذا ما أ ْنجَزَ الفضـلُ وَعَـدْ ُينْجِزُ النـاسُ إذا مـا وَعـدُوا
وقال ابن الرومي في هذا المعنى :البسيط:
ق الميعادَ بالصّـفـدِ سبِ ُلكنها تَ ْ ت بـادِرَةٌ له مواعدُ بالـخَـيْرَا ِ
ضيّع َبعْدَ اليومِ حق غَـدِ ول يُ َ ُيعْطِيكَ في اليوم حق اليوم مبتدئاً
في البرّ والنعام
جهِل طريقته التي و َقعَتْ به على النَعمة كان ِبعُرْضِ ب َمدْخَله في الكرامة ،و َ ن بن عبد الملك فقال :أيها الناسُ ،مَنْ لم يعلم أبْوَا َ خطب سليما ُ
ب بفادح خُسْران. رُجوعٍ إلى دارِ هَوَان ،وانقل ٍ
91
شيْئاً
جبُه ،فقال :يا أمي َر المؤمنين ،كنّا كما قال الّ تعالىَ " .هلْ أتى عَلَى النْسَانِ حِين مِنَ الدَهْرِ لَ ْم َيكُنْ َفقام إليه أبو وائلة السدوسي ،وهو حا ِ
مَذكُوراً" ،ثم صِرْنا كما قال زُهير :الوافر:
بإحسانٍ فليس لها مُزيلُ يَدُ المَِلكِ الجليل تناوَل ْتهُمْ
ورَبي بالجزاء له كَفِيلُ جمَعَ في يَ َديْه
لنَ الخيرَ َأ ْ
فقال سليمان :هذه وال المعرِفةُ ب َقدْرِ النَعمة ،والعل ُم بما يَجب للمنعم.
ب بني العباس ،قاعداً على الرض ،فقال الحاجبُ :ارتفِعْ يا أَبا المعلّى إلى ورؤي يونس بن المختار في دار المأمون ،ومرت َبتُه في أَعلَى مراتِ ِ
ل يَفي بها ،فلِم ل أكرِمها عن القعود عنها إلى أن يتهيأ لي الشكر عليها؟ فبلغ مَرتبَ ِتكَ ،قال :قد رفعني الّ إليها بأمير المؤمنين ،وليس لي عم ٌ
الكلمُ المأمونَ؛ فقال :هذا وال غايةُ الشكر ،وبمثله تدر ال َنعَم.
ل تباعُداً .فقال :يا هذا ،إني َأصُون تقريبَه إياي وقال رجل للمعلى بن أيوب ،وقد َرفَعه المعتصمُ إلى مرتبَة أَهْل بيته :ما يزيدُك التقريبُ إ ّ
ح ْرمَتي عنده بقلّةِ الشك ِر على نعمته. بتباعدي منه؛ لئلَ تفسد ُ
ب عليك! قال :يا ولما استعانَ المنصو ُر بالحارث بن حسان قال له :يا حارث ،إني قد مكنتك من حُسْنِ رَأيي فيك ،فاحفَظْ ُه بتركِ إغفال ما يج ُ
ل ِمثْلِها ،وانقطع رجاؤُه من الزيادة س من َنيْ ِ ل النعمة ،وََلهَا عَن الحال التي أصارَتهُ إليها ،استصحبَ اليأ َ غفَل سببَ حُلو ِ أمي َر المؤمنين ،مَنْ أَ ْ
فيها ،فقال أبو جعفر :مَن كانت عنده هذه المعرفة دامَت النعمةُ له ،وبقي الحسانُ إليه.
لَ منذ ولّيت الخلفةَ بشيءً عظُم موقُعه عندي ،بعد جميل عافيةِ ال ،هو ل بن طاهر عند قدومه من مصر :ما سرَني ا ُ ولما قال المأمونُ لعبد ا ّ
أكثر من سروري بقدومك ،فقال عبدُ الّ :إيذَنْ لي يا أمي َر المؤمنين ،في تفريق َأمْوالي من طَا ِرفٍ وتالد .قال :ولم؟ قال :شكراً على هذه الكلمة؛
ل ببعض ل قَصّر بي الحياءُ عن النظرِ إلى أمير المؤمنين ،فقال المأمون لمَنْ حضر من أهل بيته وقوَاده :ما شيءٌ من الخلفة يَفِي لعبد ا ّ وإ َ
شكره.
وقال أبو نواس :الكامل:
شكْرِيه و ُمعْتَرفـا عن ضعف ُ قد قلتُ للعبـاس مـعـتـذراً
ضعُفَا ت قُوى شكري فقد َ َأوْهَ ْ أنتَ امرؤٌ جَلَ ْل َتنِـي نِـعَـمـاً
تَ ْلقَاك بالتّصريح منكـشـفـا فإَل ْيكَ منـي الـيوم تَـقْـدِمةً
حتى أقو َم بشكر مَا سَـلَـفـا ل تُـسْـدِيَنَ إلـي عــارِفةً
عارضه الناشئ واعترض معناه ،فقال :الكامل:
حتى أقومَ بشُكرِ ما سََلفَـا إنْ َأنْتَ لم تُحْـدِثْ إلـيَ يداً
صرِفا ت بالْحِرْمان مُنْ َ جعْ ُ
ور َ ظ مِنكَ بـنـائل أبـداً لم َأحْ َ
وقال ابن الرومي :الخفيف:
ع ْنهَا الجزاءُ تَ أمورًا يَضيقُ َ ن نعـو َد أنَـكَ أَوْلَـي عاقَنا أ ْ
ما ِل ِمعْشارِها َل َديْنـا كِـفـاءُ غمَرتْنا مِ ْنكَ اليادي اللّواتـي َ
ثُ َم قد َردَنا إلَـيْك الـحـياءُ َفنَهانا عنك الـحـياءُ طَـوِيلً
ن بَرَزْتَ الجفـاءُ وَلمَا حقّ إ ْ ن قَ ُربْتَ التـنـائي وَلمَا حقّ إ ْ
و َقدِيماً أريحَـتِ النـضـاءُ شكْرٍ أُريحـتْ غيْرَ أنا أنْضاءُ ُ َ
ألفاظ لهل العصر
في العجز عن الشكر لتكاثر النعام والبرّ
شأْوٌ
ش ْكرُه َ
عندي من بره ما ملك العتذار بأَ ِز َمتِه ،وقبض أَلسِنةَ أمراء الكلم وأئمته .عندي له مبارّ أعجزني شكرها ،كما أعوزني حَصْرهاُ .
عجْماً ،والفُصحاء ُبكْماً .قد زحمني من مكارِمه ما يُحصَ ُر عنه لفَى التفريطَ في حقَه بإفراطي .إحسانُه يُعيد العربَ ُ بعيدٌ ل تبلغه أشْوَاطي ،ول أت َ
المبين ،ويصحبه العي وبئس القَرين.
وقال أعرابي :الطويل:
شكْرِي للشكو ِر مَزِيد وما فَوْقَ ُ شكْ ِر بِرّهِ جزِ عن ُ رهنت َيدِي بالعَ ْ
ولكنً ما ل يُسَتـطـاعُ شَـدِيدُ ولو كان شيئاً يستطاعُ استط ْعتُـهُ
ت نعمتي ،ولم تشكر معروفي ،فقال :يا عدُ فرائِصُه؛ فلمّا مثل بين يديه قال المأمونُ :كَفَ ْر َ وقال يحيى بن أكثم :كنتُ عند المأمونِ ،فأتى برجل تُرْ َ
لّ بك عليّ ،فنظر إليّ المأمون ،وقال متمثلً :الطويل: جنْبِ ما أنعم ا ُ أمير المؤمنين ،وأين يقعُ شكري في َ
لرفعةِ َقدْر أو علـ ّو مَـكـانِ جدٌ ولو كان يَسْتغني عن الشكر مَا ِ
فقال :اشكروا لي أيّها الثقَـلَن لما أمر الَُ العبـادَ بـشـكـرهِ
ثم التفت إلى الرجل فقال :هلّ قلت كما قال أصرم بن حميد :البسيط:
ل ثنا ًء فيك مشـتَـغِـلُ كُلّي بك ّ ملكت حمدِي حتى إنَني رَجُـلٌ
فحُرّ ُشكري ،لما خَو ْلتَني ،خَوَل خُوّلت شكري لما خَوّلت من ِنعَمٍ
وقال أبو الفتح البستي :الطويل:
جزُ
وأقوَى الوَرَى عن ش ْك ِر بِرّك عا ِ شكْ ِر بِرَك قـوّتـي عجَ َزتْ عن ُ لئن َ
لفلكِ ما أوليتِـنـيهـا مَـراكِـزُ فإنّ ثنائي واعتقـادي وطـاقـتـي
وقال أبو القاسم الزعفراني :الخفيف:
ليس ُينْبي عن ُكنْهِ ما في فؤادي لي لسانٌ كأنـه لـي مُـعَـادِي
92
ت َقدْرَ ودادِي
صف قلبي عَ َر ْف ُ حكم الَُ لي عـلـيه فـلـو أن
وقال إسماعيل بن القاسم ،أبو العتاهية ،يمدحُ عُمر بن العلء :الكامل:
حبَـالت من المير ِ لمّا عَلِ ْق ُ إني َأ ِمنْتُ من الزمان و َريْبـهِ
حرَ الوجُو ِه ِنعَـال لحذَوْا له ُ س من إجللِـه لو يستطيعُ النا ُ
عمر ،ولو يومًا تَزُولُ لـزال ما كان هذا الجودُ حتى كنت يا
سبَاسِباً ورِمـال قط َعتْ إليك َ ك لنّـهَـاإنَ المطايا تشتكـي َ
صدَرْنَ ثِقال ن بنا َ وإذا صدرْ َ فإذا و َردْنَ بنا وَ َردْن مُـخِـفَةً
وهي قصيدة سهلةُ الطبع ،سلسلة النظام ،قريبة المتناول.
خدُم المالَ ،ما وصلنا إلى بعض ن عمر بن العلء وصلَه عليها بسبعين ألف درهم ،فحسدته الشعراء ،وقالوا :لنا بباب المير أعَوا ٌم نَ ْ وروي أ ّ
هذا ا فاتصل ذلك به ،فأمر بإحضارهم ،فقال :بلغني الذي ُق ْلتُم؛ وإنّ أحدكم يأتي فيمدحني بالقصيدة يشبّب فيها فل يَصِلُ إلى المدح حتى تذهب
لذّة حلوته ،ورائقُ طلوته؛ وإنّ أبا العتاهية أتى فشبّب بأبياتٍ يسيرة ،ثم قال :إنّ المطايا تشتكيك؛ لنّها ...وأنشد البيات .وكان أبو العتاهية
لمّا مدحه بهذا الشعر تأَخر عنه برّه قليلً ،فكتب إليه يستبطِئه :الطويل:
فنحن لها نَ ْبغِي التمائمَ والنُشَـر عمَرْ أصابت علينا جودَك العينُ يا ُ
حجَرْ ويا ربّ عين صُ ْلبَ ٍة تَفِْلقُ الْ َ عيْنٌ في سخائك صُلـبةٌ أصابتك َ
فإن لم تُ ِفقْ منها ر َق ْينَاكَ بالسُوَرْ سنَرْقيكَ بالَشعارِ حتى تّملّـهـا َ
وقال :البسيط:
صحْبي وجُـلسـي ح ُتكَ في َ إني َمدَ ْ يا ابنَ العَلء ويا ابْنَ القَرْم مـرداس
ستَحْيي مِـنَ الـنـاسِ فيما أَقول فأَ ْ ل تُـكَـذّبـنـي أُثني عليك ولي حـا ٌ
طأْطأْتُ من سُوء حالي عندها رَاسي َ ك من صَـفَـدٍ حتى إذا قيل :ما أوْل َ
ستَحْي منه.
فأمر حاجبه أن يدفع إليه المال ،وقال :ل ُتدْخِلْه عَلَيَ ،فإني أَ ْ
ل يتغنّى من القصيدة التي مرَت منها البيات في عمر بن العلء آنفاً :الكامل: وذكر بعضُ الرواة أنّ المهدي خرج متصيداً ،فسمِعَ رج ً
حدٍ سِـوَاهُ جَـمَـال عيني على أ َ يا مَنْ تف َردَ بالجمال فمـا تَـرَى
وض َربْتُ في شِعرِي لك المثَال أكثرتُ في قولي عليك من ال ُرقَى
ل نـخـــوَ ًة ودَللَ وأبـيت إ َ فأبـيتَ إل جـفـوة وقَـطِـيعة
للَ؟ت قَتلي في الكتاب حَ َ جدْ ِ أوَ َ بالِّ قولي إنْ سألتك واصْـدُقـي
وجعلتني للعالـمـين نـكَـالَ؟ أ ْم لَ ،ففِيمَ جَفَوتني وظَلمْتـنـي
قد لمني و َنهَـى وعَـدَ َوقَـالَ سمَـ ُع قـولـه كم لئم لو كنت أ ْ
ي به ،فجاءه ،فقالِ :لمَنْ هذا الشعر؟ قال :لسماعيل ابن القاسم أبي العتاهية ،قال :لمن يقوله؟ قال :ل ُعتْبة جارية المهدي ،قال: فقال المهدي :عََل َ
كَ َذبْتَ ،لو كانَتْ جاريتي لوَ َه ْبتُها له ،وكانت عُتبة لرَيطة بنت أبي العباس السفاح ،وكان أبو العتاهية فد بلغ من أمرها كل مبلغ ،وكل ذلك فيما
زعم الروا ُة تصنع ،وتخلق ،ليُذكَر بذلك.
أبو العتاهية
قال يزيد بن حوراء المغني :كلمني أبو العتاهية أَن أكلمَ المهدي في عتبة؛ فقلت :إن الكلم ل يمكنني ،ولكن قل شعرًا أغنيه إياه ،فقال :البسيط:
ي يَكفِيهـا الُ والقائ ُم المهدِ ُ نفسي بشيء من الدنيا ُمعَلقَة
فيها احتقارُك للدنيا وما فيها س منها ثم يط ِمعُني إني ليأ ُ
خبَرَ أبي العتاهية ،فقال :ننظرُ في أمره ،فأخبرت بذلك أبا العتاهية؛ فمكث أشهراً ،ثم فعملت فيه َلحْنًا وغ َن ْيتُه المهدي؛ فقالِ :لمَنْ هذا؟ فأخبرته َ
حدَثَ خبر؟ فقلت :ل ،فقال :غَنه بهذا الشعر :الخفيف: أتاني فقال :هل َ
93
وقد نُقِلت هذه الحكاية على غير هذا الوجه ،وال أعلم بالحقّ في ذلك.
وضرب المهدي أبا العتاهية مائة سوط لقوله :الطويل:
عدْوَى ظبْي الخليفة مِنْ َ ومالي على َ ظبْياً للـخـلـيفة صـادَنـي ألَ إنَ َ
وقال :أبي يتمرَسُ ،ولحرمي َي َتعَرَضُ ،و ِبنِسَائي َيعْبث؟ ونَفَاهُ إلى الكوفة.
وفي ضربه يقول أبو دهمان :المنسرح:
ضرْبهمْ إذا عشقوا عُشاق من َ لول اَلذِي أحدَث الخليفةُ لـل
كنيّ امرْ ٌؤ قد ثنانِيَ الفَـرَقُ لبُحْتُ باسمِ الـذي أحِـب ول
وكان أبو العتاهية بالكوفة ،لمَا نفي ،يَ ْذكُرُ عُتبة ،ويكنّي باسمها ،فمن ذلك قوله :مجزوء الرمل:
بأَبـي أنْـت وأمّـي ستُ أسمـي قُلْ لمن ل ْ
بحْت من أ ْكبَرِ َهمّـي بأبي أنْت لـقـد أص
حمِـي إذْ أذاب الحب َل ْ ولقد قلـت لهْـلـي
فاكتَفُوا منّي بعلمـي: وأرَادُوا لي طـبـيبـاً
س ْقمِي
قى فإنَ الحبّ ُ جهَلُ مـا ألْ من يكن يَ ْ
سمِي دَ ،وفي الكوفةِ جِ ْ إنَ رُوحِي لبـبـغـدا
وقوله :البسيط:
ت إذا مـــا ذِكْـــرُه خَـــطَـــرا ل بَـــكَـــيْ ُإَ أَمـسـى بـبـغـدادَ ظَـبْــيٌ لَـــسْـــتُ َأ ْذكُـــ ُرهُ
ن أو َذكَـــرا عن الـحـبـيب بـــكـــى أوْ حَـــ َ إن الـمـحـب إذا شـــطَـــتْ مـــنـــازِلُـــهُ
حتـى أضـا َء عـمـودُ الـصُـبْـح فـانْـفَـــجَـــرا يَا رب لَـــيْلـــى طـــويل بِـــتّ أ ْرقُـــبـــهُ
ت البَـــرا أن الـمـضَـاجِـ َع مِـمّـا تُــنْـــبِـــ ُ ل مُـذْ عـــرفـــتـــكُـــمْ ما كـنـتُ أحـسِـب إ َ
ي إذا ما نَ ْومُ ُه نَفَرا
ن يَوْمِ الحِسَابِ عَلَىعَيْنِ الشّجِ ّ ل مِ ْوَالَليْلُ أطْوَ ُ
ولمَا قدمت عُتبة ب َبغْداد قدِم معها أبو العتاهية ،وتلطَف حتى اتّصَل بالرشيد في خلفة أبيه المهدي؛ وتمكّن منه ،وبلغ المهديّ خبرُه ،فأحضره؛
فقال :يا بائس ،أنت مستقتل ،وسأَله عن حاله؛ فأنشده قصيدته التي يقول فيها :مجزوء الكامل:
بِر في المناسبِ والعَـديدِ أنْتَ ال ُمقَـابِـلُ والـمُـدَا
لبُـوّة والـجُـدُودِ لةِ وا ُ َبيْنَ ال ُعمُـومَةِ والـخُـؤو
جدِ المَشِيدِ كَ فأ ْنتَ في المَ ْ فَإذَا ا ْن َتمَـيْتَ إلـى أبِـي
ن يَزِيدِل ِبَأكْـرَ َم مِـ ْ
خا ٌ ل فَـمـا وإذا انتمَى خَـا ٌ
يريد يزيد بن منصورة وكانت أم المهديّ أم موسى بنت منصور الحميري ،وأنشده :المديد:
سامعاتٌ َلكَ فِيمَنْ عَصَاكا عَِلمَ العَالَم أنّ الـمـنَـايا
ف منه َقنَاكـا
ت تَرْعُ ُ
جعَ ْ
رَ َ ج ْهتَها نـحْـوَ طَـاغٍ فإذا و ّ
في سماحٍ قص َرتْ عن َندَاكا ك يَومـاً وَلَوَ أنّ الريحَ با َرتْـ َ
وأنشده :المتقارب:
إَليْهِ تُـجَـرّ ُر أذْيالَـهـا لفَ ُة مُـنْـقـادَةً
أتتْهُ الخِ َ
ولم َيكُ َيصْلُحُ إلّ لَـهَـا ك تَصْـلُـحُ إلّ لـهُ فلم َت ُ
لزُلزِلَت الرضُ زِلْزالَها ولو رامَها أحـدٌ غـيرهُ
َلمَا َقبِل الَُ أعمالَـهـا طعْه بناتُ القلوبِ ولو لم تُ ِ
ضرْبٍ وجيع؛ لقدامك على ما نُهيت عنه ،وأعطيناك ثلثين ألف درهم جائزةً على مَدحِك لنا .وإن شئتَ فقال له المهدي :إن شئت أدَبناك ب َ
عَفَونا عنك فقط.
فقال :بل يضِيف أمير المؤمنين إلى كريم عفوه جميلَ معروفه؛ ومكرُمتان أكث ُر من واحدة ،وأمير المؤمنين أولى من شَفع نعمَته وأت ّم كرمه.
فأمر له بثلثين ألف درهم وعَفا عنه.
ولمَا قدم الرشيد ال َرقّة أظهر أبو العتاهية الزهد والتصوَف وترك الغَزل ،فأمره الرشيد أن يتغزّل ،فأبى ،فحبسه ،فغنّى بقوله :الطويل:
حتْمِ
حتْمًا من ال َ تكونُ على القدار َ خَلِيليَ ما لي ل تزال مَضَـرَتـي
فهذا مقام المستجير من الظـلـمِ ل ما قد ظلمتَـنـي كفاك بحقّ ا َ
سمِيَ جْ ل مُس ِعدٌ حتى أنوحَ على ِ َأ َ َألَ في سبيل الّ جسمي وقُوتـي
فأمر بإحضاره وقال :بالمس َينْهاك أمير المؤمنين المهدي عن الغَزل فتأبى إلّ لجاجًا ومَحْكا؛ واليوم آمرك بالقول فتأبَى جُرْأة عليّ وإقداماً،
جدّة ،وبي حَراك وقُوَة ،وأنا اليوم شيخ ضعيف ل يحسن ت ُيذْهبنَ السيئات ،كنتُ أقول الغزلَ ولي شبابٌ و ِ
فقال :يا أمير المؤمنين ،إن الحسنا ِ
بمثلي تَصابٍ؛ فردَه إلى حبسه؛ فكتب إليه :الطويل:
يَرُوح عليَ الغَ ّم منك و َيبْـكُـرُ أنا اليوم لي ،والحمدُ لّ ،أشْهـرٌ
وما كنت تُوليني ،لعلَك َتذْكُـرُ تذكّر ،أمينَ الَِ ،حَقّي وحُ ْرمَتي
ووجهُك من ماءِ البشاشة يقطُرُ ي تُدني منك بالقُرب مجلسي ليال َ
ف الدّهْ ِر َتنْظُرُ؟ إليّ بها من سالِ ِ فمَن لي بالعين التي كنتَ مـرّة
94
فبعث إليه :ل بأس عليك :فقال :الوافر:
سدٌ وأنْت علـيه راسُ له جَ َ ب فيه رُوح كأنّ الخلقَ َر ْك ٌ
وقد وقّعت :ليس عليك باسُ حبْـسَ بـأسٌ أمين الّ إنّ ال َ
فأخرجه.
ت الول من هذين علي بن جبلة وزاد فيه ،فقال لبي غانم الطوسي :السريع: أخذ البي َ
ن تَسْقي من النّـاسِ طعِ ُم مَ ْ
يُ ْ دجلة تَسْقـي وأبـو غـانـمٍ
رَأس ،وأنتَ العينُ في الرَاس والخلْقُ جِسمٌ ،وإمام الـهـدى
عمر بن العلء
وكان عمر بن العلء ممدّحاً ،وفيه يقول بشار بن برد :المتقارب:
عمَـراً ثـ ّم نَـمْفَنبّه لها ُ ظ ْتكَ حُرُوبُ ال ِعدَى إذا أيق َ
خضَم حرٌ ِ وقولُ العشيرة بَ ْ دَعَاني إلى عُمـرٍ جـودُهُ
لمدَح ريحانةً قبل شَـم ولول الذي ذكروا لم أكُنْ
ول يشرب الما َء إل بـدَم فتًى ل يَبيتُ علـى دِمـنَةٍ
أخذ هذا البيت أبو سعيد المخزومي ،فقال :البسيط:
جمْ ِر ُم ْكتَـحِـلِ بالليل مش َتمِل بال َ وما يُرِيدون ،لول الجبن ،من َرجُل
ول يبيتُ له جارٌ عـلـى وَجَـلِ ل من قلِـيبِ دم ل يضربُ الماء إ َ
وقال أبو الطـيب :الـطـويل:
جنُوبَ العَلئِق إذا الهامُ لم تَ ْرفَعْ ُ ضمَ الحَب خيْلُهُ ل تَق َ تعوَدَ أ َ
ن تحتَ الشَقـائِقِ ن الدَ ِم كال ّريْحَا ِ مِ َ ول تَرِد الغُـدْران إل ومَـاؤُهـا
وقال أبو القاسم بن هانئ :الكامل:
أشِباً ،ويَوْماً بالَسنة أ ْكهَـبـا مَنْ لَ ْم يَرَ ال َم ْيدَان َل ْم يَ َر َمعْرَكاً
وفَوَارسًا َتعْدو صوالِجها الظبا وكتائبًا تُ ْردِي غَوَا ِربُها العِـدَى
95
ف َمهِـينِ ق من ضعِي ٍ َ ن مَنْ خَلَقَ ا ْلخَـلسبحا َ
إلـى قَـرَار مـكـينِ فصَاغَـ ُه مـن قَـرَارٍ
ن العيونِ ب دو َ حجْ ِفي الْ ُ يَحُـولُ شـيئاً فـشـيئاً
مخلوق ٌة مِنْ سُـكُـونِ حتى بَـدَتْ حـركـات
حوَارا ،أجا َبتْك اعتباراً.
ج ْبكَ ِجنَى ثما َركِ ،فإنْ لم تُ ِ وقال الفضل بن عيسى الرَقاشي :سَلِ الرض مَنْ غَرس أشْجا َركِ ،وشَق أنها َركِ ،و َ
سرْحَة ،فقال :أتدرِي ما تقول هذه السّرْحة أيها الملك؟ قال :وما تقول؟ قال: ن بن المنذرِ تحت َ ي بن زيد ،وقد نزل النعما ُ وهذا شبيهٌ بقول عد ّ
تقول :الرمل:
خمْرَ بالماءِ الزُللِ يشربون الْ َ ب قد أنَاخُوا حَوْلَنـا رُبً َركْ ٍ
ل َب ْعدَ حالِ
وكذَاك الدّهْرُ حا ً ضحَوْا َلعِبَ الدّهر بهـم ثم أ ْ
عكَفَ الدَهْ ُر بهم فثَوَوْا .فتكدّرَ حالُ النُعمان وما كان فيه من لذةٍ. ويروى َ
ألفاظ لهل العصر في الشكر بدللة الحال
حدْتُ ما أ ْولَنيه ،كَ َفرْتُ ما جَق مَقَالِه .إن َ صدْ ِ
شهِدَتْ شوا ِهدُ حاله ،على ِ ب ل ْثنَت الحقائِبُ ،وَل َ
لو سكت الشّاك ُر لنَطَقَت المآثِرُ .لو صَمتَ المُخَاطِ ُ
أعْطَانيه ،نطقتْ آثارُ أياديه عليّ ،ولمعت أعلمُ عَوَارِفه لديَ.
شكْرِه على نعمِه التي ألبسه جمالَها ،وأسحَبه أفْيالَها ،ما لو لم يتحدّث به ناشرًا ومُثنياً، ن فتعاطى من ُ ولبي الفضل الميكالي من رسالة :وردَ فل ٌ
ومعِيدًا و ُمبْدياً ،لَثنَت به حَالُه ،وش َهدَتْ به رِحَاله ،حتى لقد امتلت بذكرِه المحافلُ ،وسارت بحبره الر ْكبَان والقوافل ،وصارت اللسِنةُ على
حدَ الكثار والسهاب ،نهايتُه الشكر والثناء لساناً ،والجماعة على النّشْرِ والدعاءَ أنصاراً وأعواناً ،على أنه وإن بالغَ في هذا الباب ،وجاوزَ َ
القصو ُر دون واجبه ،والسقوطُ عن أدنى درجاته ومَرَاتبه.
شهْداً.جنَاه المرءُ من خيره شكراً أجناه من بِرّه َ حلُ الشكر ،إن أ ْ ومما يقترن لهم بهذا المعنى من ِذكْرِ الشكر :قال أبو الفتح البستي :الح ّر نَ ْ
ن النيّةِ ،ولسانُ الطَوَية ،وشاهدُ الخلصِ ،وعنوان الختصاص .الشكرُ نسيمُ النّعَمِ ،وهو السببُ إلى الزيادة ،والطريقُ إلى غيره :الشكر ترجما ُ
السعادة .الشك ُر ق ْيدُ ال َن ْعمَة ،ومفتاح المزيد ،وثَمنُ الجنةِ .مَنْ شك َر قليلً ،استحقّ جزيلً .ش ْكرُ الموْلَى ،هو الوْلى .الشكر َقيْد النّعم وشِكالها،
وعِقالُها ،وهو شبيه بال َوحْشِ التي ل تقيم مع اليحاش ،ول تَريم مع اليناس .مَ ْوقِعُ الشك ِر من النعمة مَ ْوقِعُ ال ِقرَى من الضيفِ ،إنْ وجده لم يَرِم،
شكْرُهُ شكرُ سمْع الكريم أثْمر الزيادةَ ،وحفظَ العادة .الشك ُر تعرّض للمزيد السائغ ،والنّعم السَوابغُ . س إذا أُودِع َ وإن فَقَدهُ لم يُقِم .الشكر غر ٌ
سبِل .أثنى عليه ثناء لسان الزهَر ،على راحة المطر. السير لمن أط ْلقَه ،والمملوك لمن أعتْقَه .أ ْثنَى عليه ثناء الرَوْضِ ال ُممْحِل ،على ال َغيْثِ المُ ْ
عنَانن الثناء والدعاء ،وبلغ عنان الشكْرِ َ أْثنى عليه ثناء العطشان الوارد ،على الزُللِ الباردِ .شكْرُه شكر الرض للدّيم ،وزُ َهيْر لهَرِم .بَسَطَ لسا َ
ط أبْواعه ،ويلذ ذكره وسماعُه .شُكر ملَ القلبَ شكْرًا تَشِيع أنواعُه ،و َتنَبس ُ ح له المكارم ،وتهتز له المواسم .لشكُرَنه ُ شكَره شكرًا ترتا ُ السماءَ .
عمِدته ،ومذَ أرْوِقته .شكْر كأنفاسِ الحبابِ ،أو أنفاس السحارِ ،أو حسَان لل غَسانَ .أَطال عِنان الشكْرِ ،وفسح مجالَه ،ورفع أ ْ واللسانَ ،كشكر َ
أنفاس الرّياض غِب القِطَار.
من أخبار ُنصَيب وشعره
ب قولِ نصيب :الطويل: رجع إلى ما انقطع :كان سب ُ
َفعَاجُوا فَأ ْثنَوا بالَذي أنْتَ أ ْهلُه
أنه كان مع الفرزدق عند سليمان بن عبد الملك ،فقال سليمان بن عبد الملك :يا فرزدق ،مَنْ أشعر الناس؟ قال :أنا يا أمير المؤمنين ،قال :لماذا؟
قال :بقولي :الطويل:
جذْبها بالعصـائبِ لها تِرَ ًة من َ ب عندهُم و َركْبٍ كأَنَ الريحَ تطلُ ُ
شعَب الكْوارِ ذاتِ الحقائِبِ إلى ُ سرَتْ نكباءُ وَ ْهيَ تلفهـمْ س َروْا و َ
ت أيديهُمُ نارُ غالـبِ خصِرَ ْ وقد َ إذا آنسُوا ناراً يقولون :لَيتَـهـا،
صعَ َة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان ابن مجاشع -فأَعرض عنه سليمان كالمغضَب؛ لنه إنما أراد أن صعْ َ يريد أباه -وهو غالب بن َ
صيْبٌ يقول: يُنشِدَ مدحًا فيه؛ ففهم نُصَيب مراده ،فقال :يا أمير المؤمنين ،قد قلتُ أبياتاً على هذا الروي ليست بدونها ،فقال :هَاتِها؛ فأنشأ نُ َ
الطويل:
َقفَا ذاتِ َأوْشالٍ ومـ ْولَك قَـا ِربُ أقولُ لركْبٍ قافلـين لَـقِـيتـهُـمْ
لمعروف ِه مـن آل َودّانَ طـالـبُ فقد أخبروني عن سليمـان أنـنـي
ت عليكَ الحـقـائِبُ ولو سكتوا أثنَ ْ فعاجوا فَأثْنوا بالَذي أنْـتَ أهـلُـهُ
ف به من طالبي العُرْف راكِبُ يُطِي ُ فقالوا :تر ْكنَـاهُ وفـي كـل لَـيْلَةٍ
كفعلِك أو للفعل مـنـكَ يقـا ِربُ ولو كان فَ ْوقَ الناس حي فِعـالـه
سِوَاك عن المستشفعين المطالِـبُ ن تـعـذّ َرتْ شبْهُ ،ولـكِـ ْ ل ُقلْنا :له ِ
96
سبَق إليه. قال أبو العباس محمد بن يزيد :وهذا بابٌ في المدح حسن متجاوز ُمبْتدع لم يُ ْ
قول نصيب :من أهْل ودّان .قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي :ذكر محمد ابن كناسة والزبيدي أن نصَيبًا من أهل ودّان ،وكان عبْداً لرجل من
ب شديدَ السواد ،وهو القائل :الطويل: بني كنانة هو وأهل بيته ،وزعم أبو هفان أنه عبد لعبد العزيز بن مروان ،وكان نصي ٌ
ض بنَائقُهْ
كُسيتُ ولم أمِْلكْ سَواداً ،وتح َتهُقميصٌ من القُوهيّ بي ٌ
لكـالـمِـسْـك ل يَسْـلُـو عـن الـمـســـك ذائِقُـــهْ فما ض ّر أثْوابي سَوادي ،وإنَني
وقال سُحَيم عبد بني الحسحاس :البسيط:
عند الفَخار َمقَامَ الصْل والوَرِقِ شعَارُ عبد بني الحسْحاس ُقمْنَ لهُ أْ
أو أسْ َودَ اللّونِ إني أ ْبيَضُ الخُلُقِ ت عبْداً فنفسي حُرّ ٌة كَرَمـاً إن كن ُ
وقال أبو الطيب المتنبي لكافور الخشيدي :الخفيف:
خيْ ٌر من ابْيضاضِ القَباءِ خلق َ إنَما الجِ ْلدُ مَ ْلبَسٌ وابيِضاضُ ال
ن من سواديَ ،فقال :ما أحسن ما تلطّفت لهنّ! وأمر له بصلة. وقال نصيب لبعض ملوك بني أمية :إن لي بنات نفَضْت عليه ّ
ب بن أ ْوسٍ ،لمّا مدح أبا جعفر محمد بن عبد الملك الزيات بقصيدته التي أولها :الطويل: وكان أبو تمام حبي ُ
ونذك َر بعضَ الفضل منك وتفضل ل وتَـفْـعـل َلهَان علينا أنْ نقـو َ
وهي من أحسن شعره ،وفج له على ظهرها :الطويل:
ُيغَالي إذا ما ضَنّ بالشي ِء بائعُهْ سهْلً ،وإنمـا سمْحَ البيع َرأيتك َ
فيوشك أنْ تبقى عليه بَضَائعُـهْ فأما إذا هانتْ بضـائعُ بَـيْعـهِ
ح مَشَارعـه ن تُبا َ
ويفسد منه أَ ْ هو الماء إن أجْممتَهُ طابَ وِ ْردُهُ
ج عليه واعتذرَ إليه في مدحه لغيره؛ فقال في بعض ذلك :البسيط: فأجابه بقصيدة طويلة ،واحت ّ
فما يُصَاب دَمٌ منهـا ول سَـلَـبُ غرّتـهـا صنْتُ ُ أمّا القوافي فقد ح ّ
وكانَ منكَ عليها العَطْف والحدَبُ ل مِنَ الكـفـاء أ ّيمَـهـا َمنَعْت إ ّ
ولم يكن لكَ في إظهارهـا أرَبُ ت عن الكفاء أيمَـهـا عضَلْ َ ولو َ
على المَوالي ولم تحفل بها العَرَبُ كانت بناتِ نصيبٍ حين ضَن بهـا
وقد قيل إن أبا تمام أجابه بقوله :الطويل:
أُسامح في َب ْيعِي له من أبـايعُـهْ حتُ شاعراً أبا جعفر ،إن كنتُ أصب ْ
ل من عادَت عليك مَنافعُـهْ تسَاه ُ فقد كنتَ قبلي شاعراً تاجـرًا بـهِ
ص به بعد اللّـذَاذة كَـارِعُـهْ َيغَ ُ فصِ ْرتَ وزيراً والوزارة مَكـرع
ت عليه مَطَالِـعُـهْ سدّ ْفعادَ وقد ُ وكم من وزير قد رأينا مسَلّـطـاً
ل مَـقَـاطـعُـهْ ولِّ سيفٌ ل تق ّ ل قَوْسٌ ل تطيش سِهـامُـهـا و َ
قال أبو بكر محمد بن يحيى الصولي :ويقال إن هذه البيات متحولة لحبيب .وليس مثل أبي جعفر في جلل ِة َقدْره واصطناعه لحبيب ُيعَامَل
جهْلُ حبيب أن يقابل مأموله ومن يَ ْرتَجي جليلَ الفائدة منه بهذه البيات. بمثل هذا الجواب ،ول َينْتَهي َ
وقد قيل :بل قالها ،ولم ينشدها أحداً؛ وإنما ظهرت بعد موته.
وكان ابنُ الزيات كما قال شاعراً ،ومدح الحسن بن سهل في وزارته للمأمون؛ وأعطاه عشرة آلف درهم ،فقال :البسيط:
لَكن ِلتُ ْلبِسني التّحْجِـيلَ والـغُـ َررَا لم أ ْمتَدِحكَ رجاءَ المـالِ أطْـلُـبـه
صدَراعرِفَ ال َ ل أقربُ الوِردَ حتى أ ْ ل أنّـنـي رَجُـلٌ ما كـان ذلـك إ ّ
ل البيع -البيات قولَ أبي تمام قصيدته المشهورةَ في ابن سهْ َقال الصولي :وكان السببُ الذي أوْجد أبا جعفر على أبي تمام حتى قال :لقد رأيتك َ
أبي دوَاد التي أولها :الوافر:
ورُوّيَ حاضر منـه وبـادِ سبَلُ العِهادِ ع ْهدَ الحمى َ سقَى َ َ
خيْر العَتاد رأيت الدمعَ عِنْ َ ي الدمعِ لمـات به ُركِ ّ ح ُنَزَ ْ
يقول فيها في مدحه:
وأهلُ الهَضب منها والنّجَـادِ ظمُ الثافي مـن نَـزَارٍ هُمُ عِ َ
ل مـكـرم ٍة وآدِ و َم ْنبِتُ كـ ّ س كل معْضَلةٍ وخَطْـبٍ ُمعَرَ ُ
فإنهم َبنُو المـجـد الـتَـلدِ إذا حدَثُ القبائلِ ساجَلُـوهـم
جِلد تحت قَسْطَلةِ الجِـلد ت بـيضٌ تُفرج عنهم الغمرا ِ
ط َردٍ وبنـو طِـرادِ معاقل مِ ْ وحشو حوادِث اليام منـهـم
تمشّتْ في الوغى وحُلُومُ عادِ لهم جهلُ السباع إذا المـنـايا
محاسنُ أحم َد بن أبـي دُوادِ لقد أنْسَتْ سُلوّي كـل دهـرٍ
رضيعاً للسواري والغَـوادِي متى تحْلُلْ به تحلُلْ جَـنـابـا
هَداك لِقبْلَةِ المعروفِ هـادِ وما اشتبهت سبيلُ المَجـدِ إلَ
جدْواك راحِلَتي وزادي ومِنْ َ وما سافرتُ في الَفـاق إلّ
وإن َقلِقَتْ ركابي في البلدِ مقيمُ الظنّ عندك والمـانـي
ف به عنده من هجاء مضر: وهذه النكَت التي أحْقَدت أبا جعفر ،وأعتبته على أبي تمام ،وفي هذه القصيدة يقول معتذراً إليه في الذي ُقرِ َ
97
عقاربُـ ُه بـداهـيةٍ نـآد أتاني عائر النباء تَسْـري
ج ُر به على شَ ْوكِ ال َقتَـادِ يُ َ ب مـنـهُخبَرا كأنَ القل َ َنثَا َ
خبَب الجـوادِ شكِيتي َإليكَ َ ت من مُضَرٍ وخَبتْ بأني نِلْ ُ
ى مِني ِبنَـادِ ول نَادى الَذ َ وما َربْع القطيعةِ لي ب َربْعٍ
وقَلْبي رائحٌ برِضاكَ غادِ؟ صدٍ لساني وأين يجوز عن قَ ْ
ِلسَانُ المرء من خَدمِ الفُؤَادِ حكَماء قالَتْ:ومما كانتِ ال ُ
ومأدومَ المعاني بالـسّـدادِ ت معسولَ القوافي و ِقدْما كن ُ
ابن أبي دُوَاد
وكان ابن أبي دُوَاد غالياً في التعصُب لياد وإلحاقها بنزار ،على مذهب نُسَاب ال َعدْنانيين .قال :وكل من بالعراق من إياد دخلوا في النَخَع،
ن كان بالشام فهم على نسبهم في نزار ،وابن أبي دُوَاد يرمى بالدعوة؛ والتكثيرُ من أخباره يُخْ ِرجُ إلى ما أخَافَ ُه من تَطْويلِ وإليهم ُينْسَبون؛ ومَ ْ
التصرُف ،في مملول التكلُفِ.
وكان ابن أبي داود عالمًا بضروبِ العِلم والدب ،متصرّفا في صناعة الجِدال ،على مذهبِ أهل العتزال ،وكانت العداوة بينه وبين ابن الزيات
بينة ،والنفاسة في الرياسة بينهما متمكَنة ،وقال له بعض الشعراء :الوافر:
ب من ُهذَيلِ فكل أبي ذؤي ٍ أكلّ أبـي دُوا ٍد مـن إيادِ
ل دَخِيل.قال مسلم :ما تاه إلَ وضيع ،ول فاخر إل سقيط ،ول تعصَب إ ّ
عمِيّ ،قال أبو اليقظان :وهم وقال مدني لرجل :ممن أنت؟ فقال :من قريش ،والحمد ل ،قال :بأبي أنت! التحميد هاهنا ريبة! واسم أبي دُوَاد دُ ْ
من قبيلة يقالُ لها بنو زهرة أخوة بني جدان ،وقد ذكرهُ الطائي في قوله :الكامل:
ن من شيبانَ طَ ْودُ حديدِ والرك ُ والغيث من زهْرٍ سحابةُ رَأفةٍ
جدَتِه عليه. ث إليه من مَ ْو ِ شفَع له عند ابن أبي دُوَاد فيما ينساقُ الحدي ُ ذكر شيبان؛ لن خالدَ بن يزيد الشيباني َ
قال محمود الوراق :كنتُ جالساً بطَرفِ الْجِسْر مع أصحاب لي ،فمرَ بنا أبو تمام ،فجلس إلينا ،فقال له رجل منّا :يا أبا تمّام ،أيّ رجل أ ْنتَ لو
ت مُضَر بالنبي، لم تكن من ال َيمَن؟ قال :ما أحب أني بغير الموضع الذي اختاره الَُ ليَ ،فمِفَن تحِب أن أكونَ؟ قال :من مُضَر ،قال :إنما شَ ُر َف ْ
صلى ال عليه وسلم ،ولول ذلك ما قيسوا بملوكنا وأذْوائنا ،وفينا َكذَا ،ومنا كذا -يَفْخَر؛ وذكر أشياءَ عاب بها مُضَر ،و ُنمِي الخبرُ إلى ابن أبي
ن َيدْخُلَ عَليّ ،فقال يعتذر إليه بقصيدة أولها :الخفيف: دُوَاد وزِي َد فيه ،فقال :ما ُأحِب أ ْ
في طلوع التْها ِم والنجادِ سعَادِس ِعدَتْ غُرْبةُ النوَى ب ُ َ
يقول فيها:
ط َعتْ فيَ وَهْيَ غيرُ حِـدَادِ قَ َ سيُوفـاً بعد أن أصْلَت الوُشاةُ ُ
لم يكن فرضه لغيرِ السـدادِ َفنَفى عنكَ زُخْرف القولِ سَمعٌ
دونَ عُورِ الكلمِ بـالسْـدادِ ضربَ الحِلْمُ والوقارُ عـلـيه
وحـيا أ ْزمَةٍ وحـــيّة وَادِ ملتك الحْـسـابُ أيّ حـياةٍ
من مُقَاسا ِة َمغْرَمٍ أ ْو نِـجَـادِ ق ُم ْعتَـق مـن الـرقّ إلَ عات ٌ
كلُحوب الـمـوا ِر ِد العـدادِ للحَمالتِ والـحـمـائلِ فـيهِ
فما َرضِي عنه حتى تشفع إليه بخالد بن يزيد بن مزْيد الشيباني ،فقال في قصيدة :الكامل:
عمُوا ،وليس لقوله بطَـريدِ زَ َ سرَى طريداً للحياء مِنَ التـي أْ
َقمَرُ القبائل خـالِـدُ بـن يزيدِ كنتَ الربيعَ ،أمـامَـهَ ووراءَه
لو ق ْد نفضت تَهائمي ونجودِي وغداً تَبيّن ما براءة ساحـتـي
لم يُرْ َم فيه إلـيك بـالقـلـيدِ ب مُـلِــمَةِي بـا ِللـه درُك أ ُ
تلك الشهودُ علي وهْي شُهودي لما أظلَتني غَمامُك أصبْـحَـتْ
يو ٌم بِزَعمهـم كـيوم عَـبـيدِ ن سيكونُ لي من بعد ما ظنُوا بأ ْ
عبِيد بن البرص السدي ،وكان النعمان بن المنذر لقيه يوم بُؤْسِه فقتله. يريد َ
وكان ابن أبي دُوَاد كريماً فصيحاً جَ ْزلً .قال أبو العيناء :كنا عند ابن أبي دُواد ومعنا محمود الورّاق وجماعة من أهل الدب والعلم؛ فجاءه
رسول إيتاخ فقال :إن الحاجب أبا منصور يقرأُ على القاضي السلم ،ويقول :القاضي يتَعنَى ويَجيء في الوقات؛ وقد تفاقم الم ُر بينه وبين
صدِه القاضي ،وما أحِب أن يتعنى إلي لهذا السبب؛ إذ كنت ل أصِل إلى مكافأته. كاتب أمير المؤمنين ،يريد ابن الزيات ،فصار يضرُنا عند قَ ْ
فقال :أجيبوه عن رسالته ،فلم َندْر ما نقول ،ونظر بعضُنا إلى بعض فقال :أمَا عندكم جواب؟ قلنا :القاضي -أعزّه الّ ،أعل ُم بجوابه منّا ،فقال
ل له :ما أتيتك متكثرًا بك من قلة ،ول متعززًا بك من ذِلَة ،ول طالبًا منك ُرتْبة ،ول شاكياً إليك كُ ْربَة ،ولكنّك للرسول :اقرَأْ عليه السلم ،وق ْ
جوَابِه.
رجلٌ ساعدَك َزمَان ،وح َركَك سلطان ،ول علم يُؤلف ،ول أصل ُيعْرَف؛ فإن جِئتك فبسلطانك ،وإن تركتك فلنفسك! فعَجبْنا من َ
خالد بن عبد الّ القسْري
حمَد طاعتَه ،وأثْنى عليه خيراً ،فلمّا كان صعد خال ُد بن عبد الّ القسري المنبر يو َم جمعة ،فخطب وهو إذْ ذاك أمي ٌر على مكة ،فذكر الحجّاج فأ ْ
شتْم الحجّاج و ِذكْ ِر عيوبهِ ،وإظهار البراءة منه ،وصعد المنبر ،فحمد الّ في الجمعة الثانية وردَ عليه كتابُ سليمان بن عبد الملك يأمرُه فيه بِ َ
ظهِر من طاعة ال ما كانت الملئكة ترَى له بذلك فضلً ،وكان ال تعالى قد علم وأثنى عليه ،ثم قال :إن إبليس كان مَلَكًا من الملئكة ،وكان يُ ْ
ظهِر من ج كان يُ ْ ي عن الملئكة ،فلّما أراد ال فضيحتَه ابتله بالسجود لدم ،فظهر لهم ما كان يُخْفيه عنهم فلعنوه؛ وإن الحجا َ خفِ َ
غشّه ما َمن ِ
ي عنّا ،فلما أراد ال خفِ َ
خبْثه على ما َ طاعة أمير المؤمنين ما كنّا نرى له بذلك فضلً ،وكان ال عزّ وجلّ ،أطْلَعَ أميرَ المؤمنين من غِلَه و ُ
فضيحتَه أجرى ذلك على يدي أمير المؤمنين ،فا ْل َعنُوه ،لعنهُ ال .ثم نزل.
98
أبو تمام والفشين
خرّميَ بلءً حمده له؛ فلما ل قُوَاد المعتصم ،وأبْلَى في أمر بابك ال ُ وكان أبو تمام قد مدح الفشين التركي ،واسمه خيذر بن كَاوُس ،وكان من أج ّ
ب إليه من سوء السيرة ،و ُقبْح السريرة ،وأنه يخْطب درجة بابك ،ويريد التحصن بموضع يَخْلَع فيه يدَه عن الطاعة، س َخطَ المعتصمُ عليه ِلمَا نُ ِ سَ ِ
وأظْهر القاضي أحمد بن أبي دُواد عليه أنه على غير السلم ،قال أبو تمام معتذرًا للمعتصم من تقديمه واجتبائه ،ولنفسه من مدحه وإطرائه:
الكامل:
ليكونَ في السلم عا ُم فِجَـارِ ما كان لول فحشُ غدرة حـيدرٍ
خيْ ِر بادٍ في النـام وقـارِ من َ هذا الرسول وكان صفوةَ ربّـهِ
وهم أش ُد أذًى من الـكُـفـارِ ص من أهل النفاق عصابةً قد خ َ
سَرْح لعمر الّ غـيرَ خـيار ن بني أبـي واختار من سعدٍ َلعِي َ
رفَعت له سترًا من السـتـار سوَرِ التي حتى استضاءَ بشعلةِ ال ُ
صدْق بصيرة ،ول لصحة سريرة ،فقال: ثم ذكر في هذه القصيدة أنّ قتل الفشين لبابك لم يكن ب ِ
عن كَربلءَ بَأ ْثقَل الوزار والهاشمون المستقلة ظُعنهم
في دينهِ المختارُ بالمختـارِ فشفاهم المختا ُر منهُ ولم يكن
أهل النفاق
غيْ َر ما يُسِرّون ،حتى أَطلع ال نبيّه عليه السلم على أخبارهم ،ونَشَرَ له مَطْوِفي أسرارهم. أما من ُذكِر من أهل النفاق ،فقد كانوا يظهرون َ
وأما ابنُ أبي سَرْح فهو عبدُ ال بن سعد بن أبي سَرْح بن الحسام بن الحارث بن حبيب بن خزيمة بن نصر بن مالك بن حِسْل بن عامر بن لؤيٌ،
ب موضِعَ الغفورِ الرحيم العزيزِ الحكيم ،وأشباه ذلك؛ فأطْلَع الَُ عليه النبيّ عليه السلم، أسلم قبل ال َفتْح ،واستكتبه النبيّ عليه السلم؛ فكان يكت ُ
ل ِمثْلَ ما َأنْزَلَ الَُ" .فأَ ْهدَر النبي ،صلى ال عليه وسلم ،يوم الفتح َدمَه ،فهرب من مكة، فهرب إلى مكة مرتداً؛ وأُنزل فيه" :ومَنْ قالَ سأ ْنزِ ُ
ل عنه؛ فأمَنه رسولُ ال ،صلى ال عليه وسلم ،وهو أخو عثمان من الرَضاعة ،وأسلم فحسُنَ إسلمُه ،وولّي مصر فاستَأمن له عثمانُ رضي ا ّ
حصِر عثمان ،ومات بقيسارية الشام ،ولم يدخل في شيء من الفتَن الحجازية في ذلك الوقت. سنة أربع وعشرين ،فأقام عليها إلى أنْ ُ
وأما المختارُ الذي ذكره فهو المختار بن أبي عُبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير ابن عوف بن عَفدة بن عروة بن عَوف بن قَسي وهو ثقيف؛
وكانت لبيه في السلم آَثارٌ جميلة ،وأختُ المختار صفية بنت أبي عبيد زوجُ ابن عمر ،والمختار هو كذاب ثقيف الذي جاء فيه الحديث،
ص َنعُها ،وألفاظ يبتدعها ،ويزعم أنها تنزل وكان يَزْعُم أنه يُوحَى إليه في قتَلَةِ الحسين؛ فقتلهم بكل موضع ،وقتل عبيد ال بن زياد ،وله أسْجاع يَ ْ
عليه ،وتُوحَى إليه.
شيَاطِينَ َليُوحِي َبعْضُهم إلى َبعْضٍ" .وأخبارُه كثيرة ليس وقيل للحنف بن قيس :إنّ المختارَ يزعم أنه يُوحَى إليه! فقال :صدق ،وتل" :وَإنّ ال َ
هذا موضعها.
سيْدٍ لم َيدْرِ الناس كيف يقولون له ،فدخل عبدُ ال بن الهتم عليه ،فقال :الحمد لّ الذي نظر لنا أيها المير عليك ،ولم لما هُزم أمية بن خالد بن ُأ َ
ن معك .فصدر الناسُ عن كلمه. ج ْهدِك ،إلَ أن الّ علم حاجةَ أهل السلم إليك ،فأبقاك لهم بخذلن مَ ْ ينظرْ لك علينا ،فقد تعرَضت للشهادة ب َ
ويتعلّق بهذه المقامة
فصل في غرائب التكاتب
ظعْهُ
ستَفْ ِسرِرْت بذلك ،ولم أ ْ عكَ إلى منزلك؛ ف ُ عمَله :بلغني ،أعزّك ال ،ا ْنصِرافك عن عملك ،ورجو ُ كتب حمدون بن َنهْران إلى عامل عُزِل عن َ
ف وتُرِد العتزالَ لكان ل عنه؛ ووال لو لم تختَر النصرا َ عزْ ٌ
ل تتولَه ،أو يضعَك َ ن يرفعَك عم ٌ ن قدرَك أجلّ وأعْلى من أ ْ جزَع له؛ لعلمي بأَ ّ وأ ْ
طفِ تدبيرك ،وثُقوبِ َروِيتك ،وحُسْنِ تأتيك ،ما تُزِيل به السببَ الداعي إلى عَزْلك ،والباعثَ على صَ ْرفِك؛ ونحن إلى أن نهنئك بهذه الحال في لُ ْ
ت النصرافَ فأوتيته ،وأح َببْتَ العتزالَ فأُعْطِيته ،فبارك الَُ لك في ُمنْقَلَبك ،وهنّاكَ النع َم بدَوامها ،ورزقك أوْلى بنا من أن نعزيك؛ إذ أردْ َ
الشُكرَ الموجِب لها الزائ َد فيها.
وكتب ابن مكرم إلى نصراني أسْلَم:
لَ فيك ،حتى أمَا بعد ،فالحمدُ ل الذي وفقك لشكره ،وعرّفك هدايتَه ،وطهر من الرتياب قلبَك ،وما زالت مَخَايِلُك ممثلةً لنا حقيقةَ ما وهب ا ُ
ت إليه ،مُشْفِقين مما كنتَ عليه ،حتى إذا كاد إشفاقُنا أن صرْ ًكأنّك لم تزل بالسلم مَوْسُوماً ،وإن كنت على غيره مُقيماً ،وكنا مؤملين لما ِ
ن يؤتيك في الدنيا س تع ّد منْكَ؛ فأسأل الَ الذي أضاءَ لك سبيلَ رُشدِك أن يوفقَك لصالح العمل ،وأ ْ يَس َتعْلي رجاءنا أتت السعادةُ بما لم تَزَل النف ُ
حسنةً وفي الخرة حسنةً ،ويَ ِقيَك عذابَ النار.
حلّه الشرع ،ويكرهه الدباء؛ وكثير ممن يغلبُ على ن عملُه ،وقد يقع من ذلك فيما ي ِ ق ما يُستْحَسن تَ ْركُه ،ويستهجَ ُ ض الكتاب :من الح ّ قال بع ُ
طبعه هذا المعنى يراه سم َو نَفْس ،وعلوَ همة ،حتى رأينا من ل يحضر تزويج كريمتِهِ ،ويولّي أمرَها غير نفسه ،ورأينا من يُجَاوِ َز ذلك إلى أل
ح مستنكحاً ،وزاد به العلوُ إلى تَ ْركِ ما ذكره أوْلى ،وكنّا عرفنَا حال إنسان تزوجَتْ ُأمّه ،فعظُ َم لذلك همُه ،وانفرد عن أ ِودّائه ،وتوارَى عن يُنكِ َ
سكَة في تحامي خطابه فيما اجتنب ن به منهم الم ْ ص ِد من ظ ّأصفيائه؛ حيا ًء من لقّائهم ،وكُرْهًا لتهنئتهم له أو عَزائهم ،واضطرته ال َوحْشَة إلى قَ ْ
خيّل ذلك المقصودُ أنه إنما لجأَ إليه ليسلّيه؛ فأَفاض معه فيما قدَر أنه قصد له من المعنى الذي جعله وحيداً لجله خُلنَه ،وفارق بسببه إخوانه ،وت َ
خوف المفاوضة.
طبْه أحْظَى ،وفي نفسه أوْفى ،وعلى قلبه أخفّ ،وفي ثم مضت اليامُ واختلف الحال ،ورجع إلى العِشرَة وأبناء المودَة؛ فكان عنده من لم يخا ِ
حتِدُه وطالَ سؤدده -حالٌ من اللف والرغبة تحسن المساوي ،ثم ل من طاب َم ْ نفسه أشفت ،و َنقَم على ذلك الصديق وعَتب؛ إ ْذ لكل من الناس -إ ّ
حال من المَلَلِ والزَهادة تقبحُ المحاسن؛ واعتذر المتكلَف من التسلية بما لم يلزمه ،ولم يُ ِردْه صفيه ،فإنه فعل ما أوجبته الخوّة ،وحقوق الخلطة،
وأسبابُ العشرة ،وانبساط المفاوَضة؛ ودبَت عقارب الظنون والوشاية ،إلى أن خرجَا بالمُلحاةِ إلى ال ُمعَاداة؛ فلمّا وقع بعضُ الناس بينهما من
معا َودَة الحسنى ،ومراجعة الوْلى؛ جاه َر هذا الماقِتُ ب َف ْرعِ سِنَ السَفِ على تخيل النهى والوقار من الممقوت ،وظاهر الممقوت بتقريع
الماقت ،بتزويج أمّه ،الذي تجشّم من كلمِه فيه فضَلً ،وتكلّف من خطابه عليه ما من حَسْرة خَلَ؛ فأفضى الم ُر بينهما إلى ال ْوتَار ،وطلب
الثأر.
جدْ
فإن اضطر إلى القول في هذا المعنى أحدٌ بأَمرٍ قاهر من السلطان ،أو حوادثِ الزمان ،أو تطا ُرحِ الخوان ،فليقل وليكتُبْ ما مثّلنا إن لم يَ ِ
99
ل عليك وإحسانِ تبصيره إياك -حق أهْل الدّين ،وخلوصِ اليقين ،فكما ل تتبع الشهوة في محظوَر تُبيحه ،فكذا ل تتبَ ُع عنه بدّا :أنت -بِفَضْلِ ا ّ
لنَفَة في مُباح تحظره؛ وقد اتّصل بنا ما اختاره الُّ والقّضاء لذات الحق عليك ،المنسوب ِة -بعد نسبك إليها -إليك ،ممّا كرهه إباؤك الدنيوي لك اَ
ل الديني له ولها ،فنحن نعزيك عن فائت محبوبك ،ونهنئك في الخيرة في اختيارِ ال َقدَر لك ،ونسألُ ال أن يجعلها أبدًا معك ضيَه الحل ُ
ولها ،ورَ ِ
فيما رضيت و َكرِهْتَ ،وأبيت وأتيْتَ.
فهذا ،ونحوه أصْ َوبُ وأسلم ،إن اضطررت إليه ،وتركهُ أحْسن وأحزم ،إن ملكت رأيك فيه؛ والتلطف للكتابة عمّا يُستهْجن ول يستحسن التواجه
به من أحْسنِ الشياء وأَسدها.
جدَع بما شرع من الحلل أنْفَ ال َغيْرَة ،و َمنَع حيْرة ،وهدانا لسَترِ العَورَة ،و َ ستْرَ اَل َ
وكتب أبو الفضل بن العميد في بابه :الحمدُ لّ الذي كشف عنًا ِ
ح ِميّةِ الجاهلية .ثم عرّض للجزيل من الحر من استسلم لمواقع ل المهات ،كما منع من وَأ ِد البنات ،استِنزالً للنفوس البيّة ،عن َ عضْ ِ
من َ
ل بلئِه؛ وهناك ال ،الذي شرح للتقوى صَدرك ،ووسع في البَلْوى صبرَك ،ما ألهمك من قضائه؛ وعوض جزيلَ الثواب لمنْ صبر على ناز ِ
حدَه ما تجرّعتَه من التسليم بمشيئته ،والرضا بقضيته ،ووفّقك له من قضاء الواجب في أَحد أبويك ،ومن عظم حقه عليك؛ وجعل الّ تعالى َ
ل عليه أجرك ،ويجزل به ذُخرك؛ و َقرَن بالحاضر من ام ِتعَاضك لِفعْلها المنتظَ َر من ارتماضِك لدَفنِها، ظ ْمتَه من أَسفٍ ،معدوداً يعظم ا ُ أَنفٍ ،وك َ
سرَة فرشِها أعواد َنعْشِها؛ وجعل ما ُي ْنعِ ُم به عليك من بعدها من نعمة ُمعَرّى من نِقمة ،وما يوليك بعد َقبْضها من منحة مبرًأ من وعوّضك من أ ِ
حنَةٍ.
مِ ْ
ألفاظ لهل العصر في التهاني بالبنات
هنأ الّ سيدي ِو ْردَ الكريمة عليه ،وثمّر بها أعداد النسل الطيّب لديه؛ وجعَلَها مُؤْذِنةً بأخوة برَرَةَ ،يعْمُرون أ ْندِية ال َفضْل ،و َيغْبُرون بقيّة الدّهْرِ.
غرّتها وأنْبتها نباتاً حسناً ،وما كان من َت َغيّرِك بعد اتّضَاحِ الخبَر ،وإنكارك ما اختاره الُّ لك في سابقِ ال َقدَر، خبَر المولودة ،كرّم ال ُ اتصل بي َ
ن يَشَا ُء ال ُذكُورَ" .ومات أنهن أقربُ من القلوب ،وأنّ ال تعالى بدأ بهن في الترتيب ،فقال جلى من قائل" :يَهَبُ ِلمَنْ يشاءُ إناثًا و َيهَبُ ِلمَ ْ وقد علم َ
سمّاه هبة فهو بالشكر أوْلَى ،وبحُسْنِ التقبل أحرَى .أهلً وسهلً بعقيلة النساء ،وأُ ّم البناء ،وجالبة الصهار ،وأولد الطهار ،والمبشّرة بأخوة
يتناسقون ،ونُجَباء يتلحقون :الوافر:
َلفُضَّلتِ النَسَاءُ على الرّجَالِ ل هـذِي فَلَوْ كانَ النّسَا ُء َك ِمثْ ِ
ل الت ْذكِيرُ َفخْرٌ لِلـهـلَلِ
وَ عيْبٌ شمْس َ سمِ ال ّ فما الت ْأنِيثُ ل ْ
وال يعر ُفكَ البركةَ في مَطْلعها ،والسعادةَ في موقعها ،فأدَرع اغتباطاً ،واستأنِف نشاطاً .الدنيا مؤنثة ،والرجال يخدمونها .والنا ُر مؤنثة،
والذكور َي ْعبُدونها .والرض مؤّنثة ،ومنها خُلِقت البرية ،وفيها كثرت الذريّة .والسما ُء مؤنثة ،وقد حُلّيت بالكواكب ،وزينت بالنجوم الثواقب.
عدَف النام .والجنّة مؤنّثة ،وبها وُ ِ س مؤنثة ،وهي قوام البدان ،ومِلَك الحيوان .والحيا ُة مؤنثة ،ولولها لم تتصرّف الَجسامُ ول عُرِ َ والنف ُ
ش ْكرَ ما أُعطيت ،وأطَالَ الُّ بقاءك ما عُرِفَ النَسْل والوَلد ،وما بقي ال َعصْرُ المتقون ،وفيها َينْعَم المرسلون؛ فهنأك الّ ما أُوليت ،وأوْزَعك ُ
والبد؛ إنه فعّال لما يشاء.
مديح النساء
خنَاق ،وأكث ُر ما ُيمْدح به الرجال ذ ّم لهنَّ ،ووَصْمٌ عليهنّ ،قال ابن الرومي :البسيط: والتصرّف في النساء ضيّقُ النطاق ،شديدُ ال ِ
إلى المسيئات طولَ الدَهْرِ تَحنْاَنُ ت ِبنَـا ،ولـنـا ما للحِسان مسيئا ٍ
إنا نسينا ،وفي النسوان نَـسـيانُ ن بعَهدٍ قُلـن :مـعـذرةً فإن َيبُحْ َ
حنَاه ،بل للذكـر ُذكْـرَانُ ول ُمنِ ْ ل نُلزَم الذكْرَ ،إنا َل ْم نُـسَـ َم بـه
جودٌ وبـأس وأحـلمٌ وأذْهـان فَضْلُ الرجالِ علينا أنّ شيمتـهـم
وهل يكون مع النقصان رُجحَانُ؟ وأن منهم وفـاءً ل نـقـوم لـه
وقال أبو الطيب المتنبي :الطويلَ:
طعَمُ ض تَ ْوقَوْلته لي :بَ ْعدَنا ال ُغمْ َ بنَفْسي الخيالُ الزائِرِي َبعْدَ هَجعَةٍ
َلقُلْنا أبو حَفْصٍ عََليْنا المسَـلَـمُ ع ْندَهُ
سَلم فلول البخْلُ والخَوْف ِ
أل ترى أَن الجود ،والوفاء بالعهود ،والشجاعة والفطَن ،وما جرى في هذا السنن ،من فضائل الرجال ،لو مُدِح النسا ُء به لكان نَقْصًا عليهن،
وذمًّا لهنَ؟ ولمديح النساء أبواب تفرقت في الكتاب :أنشد رجل زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور :مجزوء الكامل:
طُوبَى لزائرك المثَابِ أزُبيدةُ ابنةُ جَـعْـفَـرٍ
100
وآخرُ منهم جازع ظَهر تَضرُع فريقان منهم سَالك بطن نَخـلَةٍ
ولهْوٍ إذا التفَ الحجيج بمجمع فلم أر دارًا مثلها دَار غِـبـطة
وأكثرَ جَاراً ظاعنـاً لـم يُ َودَع أقلّ مقيماً رَاضِيًا بـمـكـانِـهِ
بمَضْربه أوْتـادهُ لـم تُـنـزع فأصبح ل تلقى خباءً عَهـدْتـهُ
فبانُوا وخلّوا عن مَنازِل بَلقـع فشاقُوك لما وجّهوا كل وجـهةٍ
ودخل كثير على عزّة يوماً ،فقالت :ما ينبغي أن نَأذَن لك في الجلوس ،فقال :ولم ذلك؟ قالت :لني رأيت الحوص أَلينَ جانباً عند الغواني منك
في شعره ،وأضرعَ خدّا للنساء ،وأنه الذي يقول :البسيط:
أ ْكثَ ْرتَ لو كان ُي ْغنِي عنك إكثارُ يا أيها اللئمي فيها لِصْ ِرمَهـا
ل القَلْبُ سَالٍ ول في حبها عارُ ت بها شيْ َ ت مُطاعًا إذ َو َ أكثِر فلسْ َ
ويعجبني قولُه :الطويل:
ث أدُورُ بأَبيا ِتكُ ْم مـا دُ ْرتُ حَـيْ ُ جعْفَـرٍ أدُورُ ولَ ْولَ أنْ أرَى ُأمّ َ
إذَا لم يُز ْر ل بـدّ أنْ سَـيزُورُ وما كنتُ زوّاراً ،ولكنّ ذا الهوى
وإني إلى معروفِها لَـفَـقـيرُ لقد َم َنعَتْ معروفَها أمُ جَعـفـرٍ
ويعجبني قوله :البسيط:
ب عنها كان لي َت َبعَـا ولو صحا القَلْ ُ ت أتـبَـعُـهُ كم من دني لها قد كنـ ُ
أ ْو يصنع الحبّ بي فوق الذي صنَعا ل أستطيع نُزوعًا عن مَحـبّـتِـهـا
ق نَـزَعَـا حتى إذا قلتُ هذا صاد ٌ أدْعُو إلى َهجْرِها قلبي َفيْتبـعـنـي
شهَى إلى المرء من دُنياه ما مُنعَـا أْ ب أن منَعتْ، وزادني رغبةً في الح ّ
وقوله :الطويل:
فكُنْ حجَراً من يابس الصّخْر جَ ْلمَدا إذا أنت لم َتعْشَق ولم َتدْرِ ما الهـوى
وإن لم فيه ذو الشّـنـانِ وفَـنَـدا وما ال َعيْش إلّ ما تَل ّد وتَـشْـتَـهِـي
ب المبَ ّردَا كما يشتهي الصّادِي الشرا َ وإني لهْوَاها وأَهـوى لـقـاءَهـا
فَأبْـلَـى ،ومـا يزدادُ إلّ تـجـدُدا علقة حبّ لجّ في سنن الـصّـبـا
هذان البيتان ألحقهما العُتبي وغيره بشعر الحوص ،وأنشدها أبو بكر بن دريد لعرابي ،فقال كثير :قد وال أجادَ فما استقبحت من قولي؟ قالت:
قولك :الطويل:
ن مِني هيبة ل تجهُمـا ظهَر َوأ ْ ن مَجْلسي جئْت أجْلَلْ َ وكنت إذا ما ِ
ل تبسُمـا قديماً ،فل يضحكْنَ إ ّ ع َرفْنهـا ن منّي غير ًة قد َ يُحَاذِرْ َ
صمَـا عيْنٍ أو يقّلبْنَ ِمعْ َ خرِ َبمؤْ ِ تراهنّ إلّ أن يخالِسْنَ نـظـرةً
رَجيعَة قول بعد أن يتَفهّـمـا ل مَـحُـوَرَة كواظِ َم ل َينْطِقن إ َ
أسر الرضَا في نَفْسِه وتَح ّرمَـا وكن إذا ما قُلْـنَ شـيئاً يسـرّهُ
وقولك :الطويل:
ص َعبٌ ثم َنهْرُبُ هِجانٌ ،وأني مُ ْ لَ أنك بَـكْـرَةٌ َو ِددْتُ َو َبيْتِ ا ِ
على حُسْنها جَ ْربَا ُء ُتعْدِي وأجْ َربُ ن يَرَنـا يَقُـلْ كِلَنا به عُ ّر فَـمَـ ْ
ن نُطْلَـبُ فل هو يَرْعَانا ول نَحْ ُ ل كثـير مـغَـفَـل نكون لذِي ما ٍ
ى ونُضْـ َربُ علينا فما ننفك نُؤْذ َ إذا ما و َردْنا منهلً صاح أهْـلُـه
َويْحك! لقد أردتَ بي الشقاءَ ،أفما وجدت أمنية أوْطَأ من هذه؟ فخرج خَجلً.
صخْر الهذلي :الطويل: وقد تمنّى بمثل هذه الُمنية الفرزدق .وأغرب من هذا قول أبي َ
على َرمَثٍ في البحر ليس لنا َوفْرُ َتمَنَيتُ من حُبـي عُـلَـيةَ أنّـنـا
ضرُ ومِنْ دوننا الهوال واللُجَج الخُ ْ ك مَـ ْوجَـهُ على دائ ٍم ل يعبر الفلـ ُ
ن نَخْشَى نميمتَه البَحْـرُ و ُيغْرِق مَ ْ فنقضيَ همّ النفسِ في غير ِرقْـبةٍ
وقيل :المل رفيق مُ ْؤنِس؛ إن لم يُبلغك فقد ألهاكَ.
وقال مسلم بن الوليد :الطويل:
وأكثرُ ما تَلْقَى الماني كَوَاذِبا وأكثرُ أفعال الليالـي إسـاءةٌ
وقال آخر :الطويل:
وإل فقد عِشْنا بها زمنـاً رَغْـدَا مُنى إن تكُن حَقاً تكن أحْسنَ ال ُمنَى
ظمَإ بَـرْدا سقتني بها َليْلَى على َ ي من َليْلَى حِسَانٌ كـأنـمـا أمان ّ
وقال آَخر :الطويل:
فل أسأل الدنيا ول أستـزيدُهـا ت عن الدنيا ال ُمنَى غير حبّها َر َفعْ ُ
وقيل لعرابي :ما أمتع لذّات الدنيا؟ فقال :ممازحةُ المحبّ ،ومحادثةُ الصديق ،وأماني تقطَع بها أيامك ،وأنشد :مجزوء الخفيف:
ت بِهْ
حيِي ِ
وامْطُلِي ما َ علَلِينـي بـمَـوْعـدٍ
101
ك بنَجْوَى تطلـبـهْ ودَعِيني أفـو ُز مـن
ن بخطَي فينتـبِـهْ فعسى يعثر الـ ّزمَـا
كثير عزة
حمَقَ الناس. جمْعة الخزاعي -ويعرف بعزّة ،على حدَةِ خاطرِه ،وجَ ْودَةِ شعره -أ ْ وكان كثير بن عبد الرحمن بن أبي ُ
دخل عليه نفرٌ من قريش وهو عليل يهزأون به ،قال بعضهم :فقلت له :كيف تجدُك؟ قال :بخير ،هل سمعتُم الناسَ يقولون شيئاً .فقلت :نعم،
ضعْفًا منذ أيام. جدُ في عيني اليمنى َ ت ذلك إني ل ِ
سمعتُهم يقولون :إنك الدجّال .فقال :وال لئن قل َ
شعْب باليمن في أربعين من أصحابه ،ول بدَ جعَة ،ويقول بإمامة محمد بن الحنفية ،والروافض يزعمون أنه دخل في ِ وكان رافضيًا َيدِين بالرّ ْ
من ظهوره ،وفي ذلك يقول :الوافر:
ُولَةَ الْحَقّ أ ْر َبعَةٌ سَـوَاءُ ن قُـرَيشٍ ن الئمة مِ ْ ألَ إ َ
سبَاطُ َل ْيسَ بهمْ خَفَاءُ هم ال ْ ن بَـنِـيهِ
عَليٌ والثلثَ ُة مِـ ْ
سبْطٌ غَيبتْـ ُه كَـربَـلءُ َو ِ ن وبِـر ط إيمَـا ٍ سبْط سِب ُفَ ِ
ل يَ ْق ُدمُها اللَـواءخيْ َ
يَقُودَ ا ْل َ ط ل َيذُوق ا ْلمَوْتَ حتى وَسِب ٌ
عسَل ومَاء ع ْندَهُ َ برَضوَى ِ ب ل يُرَى عنهم زَمانـاً َتغَيّ َ
وكان خلفا ُء بني أمية يعلمون ذلك منه ،ويَ ْلبَسُونه عليه.
دخل يومًا على عبد الملك بن مروان فقال :نشدتك بحقّ علي بن أبي طالب ،هل رأيت أعْشَق منك؟ فقال :يا أمير المؤمنين ،لو سألتَني بحقّك
حبَائِلَه ،فقلت له :ما أَجْلَسك هاهنا؟ قال :أهلكني وأهلي الجوع ،فنصبت لخبرتُك ،نعم ،بينما أنا أسيرُ في بعض الفَلَوات إذا أنا برجل قد نَصَب َ
جعَلُ لي منه جزءًا؟ قال :نعم ،فبينما نحن كذلك صبْنا صيدا ،أت ْ ت معك َفأَ َ حبَائلي لُصِيبَ لهم ولنفسي ما يكفينا سحابة يَوْمنا ،قلت :أرأيتَ إن أقم ُ َ
جنَا ُمبْتدِرِين ،فأسرع إليها فحلها وأطلقها؛ فقلت :ما حملك على هذا؟ قال :دخلتني لها ِرقَةٌ لشبهها بَليْلَى ،وأنشأ يقول: ت ظبيةٌ ،فخر ْ إذْ و َق َع ْ
الطويل:
لك الـيوم مـن وَحْـــشِـــيّةٍ لَـــصَـــدِيقُ أيا شِـبْـهَ لَـيْلَـى ل تُـرَاعِـي فــإنَـــنـــي
أقول وقد أطل ْقتُها من وَثاقهالنْتَ لليلى ما حَييت طليقُ
وروى الكلبي وابن دَاب أنه لمّا حَلَها قال :الخفيف:
ت مني فـي ِذمَة وأَمـانِ أنْ ِ اذهبي في كِلءة الرّحْـمـنِ
حمَام في الغصانِ ما َت َغنّى ال َ ل تخافي بأن تُهاجي بسـوءً
102
فلم يس َتغْنِ بالعِظَم الـبـعـي ُر ظ َم البعي ُر بـغـير لُـب وقد عَ ُ
فل عُرْف لـديه ول نـكـيرُ ُينَوّخُ ثم يُضْ َربُ بالـهَـراوَى
جنْبِ الصغير صرَعُه على الْ َ وي ْ يُقَ ّودُه الصبـيُ بـكـلّ أرْضٍ
ولكنْ َزيْنهُمْ حَـسَـبٌ وخِـيرُ فما عِظَمُ الرجال لهـم بـ َزيْنٍ
عنَانه ،وأَوْسع جَنانه؛ إني لحسبه كما وصف نفسه. فقال :قاتله الّ! ما أطْوَلَ لسانَه ،وأمدّ ِ
في الطول والقصَر
وأنشد أحمد بن عبيد الّ الشاعر قديم :الطويل:
ل ذاك عَـذولُ ولم يغتمرني َقبْـ َ ت بليل تَـلُـومُـنـي وعاذلةٍ هبّ ْ
وتُ ْزرِي بمَنْ يا ابْنَ الكرام تَعولُ؟ س ُممْلِقـاً تقول :اتئدْ ل َيدْعُك النا ُ
ك يَقُـولُ وطارقُ ليل عـنـد ذا َ ي كـريمةٌ ت نفس علـ ّ فقلتُ :أبَ ْ
كريمٌ على حين الكرامُ قـلـيلُ عمْ َركِ الّ أنـنـي ألم تعلمي يا َ
ن يُقالَ بـخـيلُ سَخِي ،وأخْزَى أ ْ وأني ل أخْزَى إذا قيل ُممْـلِـق
عنْصُرِ الحساب كيف يَؤُولُ إلى ُ س الغويةَ وانظرِي فل َت ْتبَعي النف َ
له َقصَبٌ جُوفُ العِظـام أسـيلُ ول َتذْهَبْن عيناكِ في كل شَ ْرمَـحٍ
به ،حين يشتدّ الـزمـانُ ،بَـدِيلُ عسى أن َت َمنَى عرسُه أنني لهـا
بعارفةٍ حـتـى يقـال طـويلُ إذا كنتُ في القوم الطوال فطُ ْل ُتهُمْ
إذا لم تَزِنْ حُسْن الجُسوم عقـولُ حسْنِ الجسوم وطولها ول خيرَ في ُ
تموت إذا لم تُحـ ِيهِـنّ أصـول فكائنْ رأينا مـن فـروع طـويلة
له بال ِفعَال الصالحـاتِ وَصـول فإلّ َيكُنْ جسمي طويلً فإنـنـي
جهُـهُ فـجـمـيلُ فحُلوٌ ،وأماّ َو ْ ولم أرَ كالمعروفِ :أمّا مَـذاقُـه
وقال ابن الرومي :الخفيف:
رَاجح الوَزِن عند وَزنِ الرجال ونَصِيفٍ من الرجال نـحـيفٍ
ر فلم تُغنِهِم جسوم الـبِـغَـالِ في أُناسٍ أوتوا حلومَ العَصافي
أخذه من قول حسان بن ثابت؟ وقال له بنو الديان الحارثيون :قد كنّا نحن نَطول بأجسامنا على العرب حتى قلت :البسيط:
إنَ الرجال ذوو قـ َد وتَـذْكـير دَعوا التّخاجؤَ وامشوا مشيَةً سجحاً
جِسمُ البغالِ وأحْلَمُ العَصـافـيرِ ل ومن عِظمٍ ل بأسَ بالقو ِم من طو ٍ
فتركتنا ل نرى أجسامَنا شيئاً.
ب تمدح الطول ،وتثني عليه ،وقال عنترة بن شداد :الكامل: والعر ُ
حذَى ِنعَالَ السبْت لَيس بتَوْأمِ يُ ْ ن ِثيَابَه في سَـرحَة بَطَلٌ كأ ّ
قوله :ليس بتوأم يريد ليس ممن زوحم في الرّحم فضعف ،كما قال الشعبي ،وقد دخل على عبد الملك بن مروان ،فجعل ينظُرُ إليه ،وكان
الشعبي قد وُلد توأمًا مع أخيه ،فكان نحيفاً ،فقال :يا أمير المؤمنين ،إني زُوحمت في الرحم ،وقال :الطويل:
ِنهَالً ،وأسبابُ المنايا نِهالـهـا ولمّا التقى الصفّانِ واختلف ال َقنَا
وأنّ أعزاء الرجال طِوالُـهـا تبين لـي أنّ الـقـمـاء َة ذِلّة
وقال أبو نواس :الطويل:
سنَى بَرْقِ غادٍ أو ضجيجُ رِعَـادِ َ وكنّا إذا ما الحائنُ الْـجَـدّ غـرّهُ
ل نجادِ بماضي الظبَى يَزْهاه طو ُ ت َردّى له الفضلُ بن يحيى بن خالدٍ
قَميص مَحُوكٌ من قنـاً وجِـيَادٍ ن كـأنـهُ أمام خمـيس أرجـوا ٍ
ومن هذا البيت أخذ أبو الطيب المتنبي قوله :المتقارب:
وَلكِنهُ بالقَنا مخمَل ومَلموَمة زرد ثَوبهَا
رجع إلى كثير عزة
ن يتبسًم ،فقال :لول أنّ سرورك ل يت ّم بأن تَسلَم وأسقم لدعوت الَ أن ودخل كثير على عبد العزيز بن مروان وهو عَليل ،وأهلُه يتمنون أ ْ
يصرف ما بك إلي ،ولكني أسألُ ال أيها المير العافيةَ لك ولي في كنَفك؛ فضحك وأمر له بمال فخرج وهو يقول :الكامل:
ن بـالـعُـوَادِليت التشكّي كا َ ونعودُ سيدنـا وسـّيدَ غـيرنـا
بالمصطَفى من طارِفي وتِلَدي ل فِـدْيةٌ لـفـديتـهُ لو كان تُ ْقبَ ُ
طرِيه
حفْصة شِعرَ جرير والفرزدق وكثير ،فذهب إلى تقديم كثير ،وجعل يُ ْ قال محمد بن سلم الجمحي :قال أبي :ذاكرتُ مروان بن أبي َ
ويقول :هو أمدحهم للخلفاء ،فقلت :أمِنْ جودة مدحه للخلفاء قوله لعبد الملك بن مروان :الطويلَ:
ت كـمـولـهـا ثمانون ألفًا قد تَوافَ ْ ف دونهُ ترى ابنَ أبي العاصي وقد صُ ّ
إذا أمكَنـتـه شَـدّة ل يُقـيلـهـا؟ يقلّـب عـينَـي حـية بـمـفَـازَةٍ
فقال هذا للخليفة ودونه ثمانون ألفاً ،وجعله يقلّب عيني حية.
وقوله :الطويل:
غَزَا كامناتِ الودّ مني فنالها وإنَ أمي َر المؤمنين هو الذي
103
صدْره.
زعم أن أمير المؤمنين استعطفَه حتى غَزَا كامناتِ َ
وقوله لعبد العزيز بن مروان :الوافر:
ضبَابيج من َمكَامنها ِ خرِ ُوت ُ ضغْني ك تَسُل ِ وما زالَتْ رُقا َ
حيّة تحت الحجـابِ أجابَك َ ويَرْقيني لك الحاوون حتـى
سكَته.زعم أن عبد العزيز تَرَضّاه ،واحتال له ورقَاه ،حتى أجابه؛ أ َكذَا تُمدَح الملوك؟ فأ ْ
فصول قصار
خدَعك ،وعند الحقائق تَدَعك .إذا كان من كان له من َنفْسِه واعظ ،كان من ال عليه حافظ .العبد ح ٌر إذا َقنَع ،والحُ ُر عب ٌد إذا طمع .الماني تَ ْ
حتَه .تج َرعْ خصِيماً .تعزَ عن الشيء إذا ُم ِن ْعتَه ،بقلة ما يصحبك إذا مُن ْ الطمعُ هلكاً ،كان اليأسُ إدراكاً .ليس ُيعَدٌ حكيماً ،من لم يكن لنفسه َ
صبْرُ عن محارِم الّ ،أيْسر من الصبر على عذاب الّ. مَضَض الصبر تطفئ نار الضر .الحكمة حفظُ ما كلفت ،وتَ ْركُ ما كفيت .ال ّ
شذور لهل الصّرّ في معانٍ شتّى
شمَكير شمس المعالي في أثناء رَسائِله :ب َزنْد الشفيع تُورِي نار النجاح ،ومن كفّ المفيض يُنتظر فوز القِداح، قطعة من كلم المير قابوس بن َو ْ
شيَم .وبالقوادم الوسائل أقدام ذوي الحاجات ،والشفاعات مفاتيحُ الطِلبَات .العفو عن المجرم من مُوجبات الكرم ،و َقبُول المعذرة من محاسن ال َ
والخوافي قُ َوةُ النجاح ،وبالسنّة والعًوَالي عمل الرماح .الدنيا دار تغرير وخداع ،وملتقى ساعة لوداع ،والناس ُمتَصرّفون بين كلّ وِرد وصدَر،
عنَاء ،وإذا كان ل يكون ،وآّخر الحياء فناء والجزع على الموات َ وصائرون خبَرًا بعد أثر .غايةُ كل متحرك إلى سكون ،ونهاية كل متكون َأ َ
حبَاء ،فأبْشر بوشْك النقضاء، صفْوُه من غير كدر معدوم .إذا سمح الدهر با ْل ِ ذلك كذلك ،فِلمَ التهالك على الهالك؟ حشْوُ الدهر أحزان وهموم ،و َ
وإذا أعار ،فاحسبه قد أغار .الدهر طعمان؛ حلو ومر ،واليام ضربان؛ عُسْر ويسر .لكل شيء غاية ومنتهى ،وانقطاع وإن بلغ المدى .تَ ْركُ
الجواب ،داعيةُ الرتياب ،والحاجة إلى القتضاء ،كسوف في وجه الرجاء .هم المنتظر للجواب ثقيل ،والمدى فيه وَإن كان قصيراً طويل.
النجيب إذا جرى لم يشق غباره ،وإذا سرى لم تلحق آثاره .ومن أيْنَ للضباب صَوْب السحاب ،وللغراب هُ ِويّ العقاب ،وهيهات أن يكتسب
الرض لطافة الهواء ،ويصير البدر كالشمس في الضياء.
شمس المعالي ابن وشمكير
ل كتابه ،وآخرُ دعوى ساكني وقد ترجم عن شمس المعالي أبو منصور الثعالبي في كتاب ألفه له؛ قال في أوله :أما على أثر حَمدِ ال الذي هو أو ُ
دَار ثَوابه ،والصلةِ على خيرته من بريتِه ،وعلى الصَفْو ِة من ذريته ،فإن خيرَ الكلم ما شغل بخِدمَة مَن جمع الُ له عِزَةَ المُ ْلكِ إلى بَسْطَةِ
ل من ك العصر ،ومدبّرِي الرضِ ووُلة المر ،بخصائص من ال َعدْلِ ،وجلئ َ جعَلَه مميّزاً على ملو ِ العلم ،ونورَ الحكمة إلى نفوذِ الحكم ،و َ
سنّة القلم، سيَرِ النام ،تَحْرُسها أ ِ الفضل ،ودقائقَ من الكرَمِ المَحْضِ ،ل يدخلُ أيسرُها تحت العادات ،ول ُيدْرَك أقلُها بالعبارات؛ ومحاسنُ ِ
وتدرسها ألسنةُ الليالي واليام ،وهذه صفة تُغني عن تشبيه الموصوف لختصاصه بمعناها ،واستحقاقه إياها ،واستئثاره على جميع الملوك بها،
س المعالي ،خالص ًة وعليه مقصورة ،وبه لئقة ،وعن غيره نَافِرة؛ إذ هو ِ -ب ُمعَاينة الثار ،وشهادة ولعِلْم سامعها ببديهة السّماع أنها للميرِ ،شم ِ
غرّة الدنيا ،ومفزَع الوَرَى ،وحسنَةُ العالم ،ون ْكتَةُ الفَلكِ الخيار ،وإجماع الولياء ،واتفَاقِ العداء -كافلُ المجد ،وكافي الخَلق ،وواحدُ الدهر ،و ُ
عنَة الفضل؛ وأدام حُسْنَ النظر للعباد والبلد، الدائر؛ فبلّغه ال أقصى نهاي ِة العمر ،كما بلّغه أقصى غايةِ الفخر؛ وملكه أ ِزمَة المر ،كلّما ملّكه أ ِ
س ْعدِ ،وزاد دوَلتَهُ شبابًا ونموّا ،كما زادهُ في الشرف عُلوّا ،حتى بإدامة أيامه التي هي أعيا ُد الدّهْرِ ،ومواسم اليُمن والمْنِ ،ومطالع الخير وال ّ
طعَه أجل. غذَا َء نفسه ،ويترامَى به القبالُ إلى حيث ل يبلُغه أمل ،ول يَق َ س ْمعِهِ ،والمسارّ ِ تكون السعاداتُ َو ْف َد بابه ،والبشائر ِقرَى َ
نَحَا في قوله :وهذه صفة تُغني عن الموصوف إلى قول أبي الطيب يَرْثي أُختَ سيف الدولة :البسيط:
كناي ًة بهمَا عن أشْرَفِ النَسَـبِ خيْرِ أبِ خ يا بنْتَ َ خيْرِ أ ٍ
ختَ َ يا أ ْ
سمَاكِ لِ ْل َعرَبِك فَ َقدْ َ
ن دعَا ِ ومَ ْ ي مُـؤَثـثةً سمَ ْك أن تُ ْ ل قَدْ َر ِ
أج ُ
ومن شمس المعالي يقول المير أبو الفضل الميكالي :الرجز:
فمن عَصَى قابوسَ لقى بوسا شمْسَ العُلَ قابوساً صيَنْ َل َتعْ ِ
وله يقولُ بديعُ الزمان في قصيدة نظمها في تضاعيف رسال ٍة موشحة :الخفيف:
وتعـدّاك سـيّء القـتـراحِ إن مَنْ كنت من مُناه بـمَـرْأَى
ل يُعيد رِيشَ جـنـاحِـي و َقبُو ٍ بين بِشْ ٍر يَ ُردّ غـائِضَ جـاهـي
ت بُرْد النـجـاحِ س به وادرَع ُ ت مَـشْـرَعة الُن وبساطِ و َردْ ُ
في نظام من ال ُنهَى وتَـصـاحِ فاقْض أوْطَاراً التَقتْ وال َمعَالـي
ر الليالي يَ ْومَا نَـدى وكِـفَـاحِ ملك دُونَه تـقـطّـعُ أبـصـا
م رِوَاقـاً و َردّ وفْـدَ الــريَاح ملك لو يشا ُء مَد علـى الـنّـج
حسْنِ ذات الوِشَاحِ ه وطوراً في ُ تارةً في خُشونَةِ الدّهْرِ تَـلْـقـا
لك عُجبًا به وفَـرْطَ ا ْرتِـيَاحِ ملك كلّمـا بَـدَا نـقـفُ الف
طرْقِ المزاحِ غيْرُ ُطرُقُ الجدّ َ ُ هكذا هكذا تكونُ الـمـعـالـي
وهي طويلةٌ ،كتبتها على طريق الختيار.
لَ بقاء المير السيد شمس المعالي ،وأدام سلطانه َ -ت ِعدُني هذا رقعة لبديع الزمان إلى شمس المعالي ،وقد ورد حضرته :لم تَزَلِ المالُ -أطال ا ُ
ف صنوفها ،بين حُلْوٍ استرقَني ،ومرّ استخفني ،وشرّ صار إليّ ،وخيرٍ صِ ْرتُ إليه ،وأنا في اليوم ،واليا ُم تمطُلني بأَلسنةِ صروفِها ،على اختل ِ
سدَتُهشرِقاً للمشرق القصى ،وطورًا َمغْرِباً للمغرب ،ول مطمح إل حضرته الرفيعةْ ،و ُ خلل هذه الحوال أذْ َرعُ الفاقَ فأكون طورًا مَ ْ
شمْت هَوْلَ المريعة ،ول وسيلة إلّ المنزع الشّاسع ،والمل الواسع؛ وقد صرت -أطال الُّ بقاء المير مولنا -بين أنياب النوائب ،وتج ّ
حضْرَة البهيّة أو كِدتُ ،وبلغت الُمنية الموارد ،وركبت أ ْكتَافَ المكاره ،ورضعْتُ أخْلَفَ العوائق ،ومسحت أطْراف المراحل ،حتى حضرت ال َ
ط من عنان الفَضل ،بتمكين خادِمه من المجلس يَلْقَاه ب َقدَمه ،والبساط ي ْل ِثمُه بفمه ،تَفضّله، سِأو ِزدْت ،وللمير السيد في الصغاء إلى المجد ،والبَ ْ
فلهُ الرأي العالي إن شاء ال.
104
وله إلى بعض الرؤساء وقد وعد بحضور مجلسه بالغداة وأمره أنْ يزف إليه ما أنشأه ،فبعث به وكتب إليه :مَ ْرحَباً بسلمِ الشيخ سيّدي ومولي
ع َدتُه الجميلةُ بالحضو ِر غدا فانتظرتها؛ ودعوتُ ال أن يَطْوي ساعاتِ ب بِطَ ْل َعتِه؛ وقد وصَلت تح ّيتُه فشكرتها ،و ِ لَ بقاه ،ول كالمَ ْرحَ ِ أطال ا ُ
ك الدّوَار ،ويَ ْرفَع البركة من سيره ،ويجهز الحركة إلى دوره؛ ويُسِرّني بو ْفدِ الظلم وقد النهار ،ويزجّ الشمسَ في ال َمغَار ،و ُيقَرَب مسافَة الفَل ِ
نزل ،ثم لم يَ ْلبَثْ إل ريثما َرحَل؛ وقد بعثتُ بما طلب سمعاً لمره وطاعة ،والنسخة أسقمُ من أجْفان ال َغضْبان ،والشيخ سيدي -أدام الُّ عزه -
يُ ْركِضُ قلمه في إصلحها ،وحبّذا هو في غدٍ ،وقد طلع كالصبح إذا سطع ،والبرق إذا لمع :الكامل:
إن كان إلمامُ الحبةِ في غدِ ل بـهِيا مرحباً ب َغدٍ ويا أه ً
وله إلى أبي الطيب سهل بن محمد يسأله أن يصله بأبي إبراهيم إسماعيل بن أحمد:
ب غيره حرَفت ،أو للنجح بابٌ سواه لَوَلجت ،أو للفضل خاط ٌ ف لنْصَ َرفْت ،أو للمل مُنحَرَف إلى سواه نْ َ لو كان للكرم عن جَنابِ الشيخ ُمنْصَ َر ٌ
سمَته ،ويجذب العل َء بهمته ،ويُسعِدُ لزوجت ،ولكِن أبى ال أنْ يعقدَ إلّ عليه الخنصر ،أو يتحلى إل بفواضله الدهر ،ول يزال كذا يتسِم المج ُد بِ ِ
الدينَ بنظره ،والدنيا بجماله ،وغلمُه أنا لو استعار الدهر لسانا ،واتّخذ الريح تَرجُمانا ،ليُشِيع إنعامَه حقّ الشاعة ،ل َقصُرَت به َيدُ الستطاعة،
فليس إل أن يلبس مكارمه صافيةً سابغة ،و َي ِردَ مشارِعَه صافيةً سائغة ،ويحيل الجزاء على يد قصور ،والشكر على لسان قَصِير؛ ثم إنَ
ل من حَلْي المجدِ صَدرُها ،كبر َمهْرُها ،وَعَز كفؤها ،ولم أجد لها إل واحداً أخْضَر الجلدة حرُها ،ولم َيعْطَ ْ حاجاتي ،إذا لم َيعْ َر من قلئدِ المجدِ ن ْ
لّ مُهجَته ،وأَسوقها منظومة من الصدْرِ في بيت العرب ،أو ماجدًا يملُ الدَلْو إلى عقد الكَرَب .وهذه حاجة أنا أزفها إلى الشيخ المام حرَص ا ُ
إلى العجزِ ،كما يساقُ الماءُ إلى الرض الجُرُز؛ وأنا من مفتًتح اليوم إلى مخ َتتِمه ،ومن قَرْنِ النهار إلى َقدَمِهِ ،قاعد كالكُ ْركِي ،أو الديك الهنْدِي،
لدْحِي ،يمرّ بي أولو الحلى والحلل ،ويجتاز ذوو الخَيل والخَول ،ومَا أنا والنظر إلى ما ل يَليني ،والسؤال عما ل يَعنِيني ،واليوم ،لما في هذا ا ُ
عيْنَ كمالِه ،عن جماله ،فقلت لمن حضر :مَنْ هذا؟ فأخذوا ب يَصْرِفُ َافتضضنا عُذرة الصباح ،ملتُ جفوني من مَنظَرٍ ما أحْ َوجَه إلى عَي ٍ
يحركون الرؤوسَ استظرافاً لحالي ،ويتغامزون تعجباً من سؤالي ،وقالوا :هذا الشيخُ الفاضلُ أبو إبراهيمَ إسماعيلُ بن أحمد ،فقلت :حَرَسَ الُ
خ ْدمَته ،وأنى مَأتى معرفته؟ قالوا :إن الشيخ المام -أدام ال تأييده -يضربُ في مَودته بال ِقدْحِ غبْطته؛ فكيف الوصولُ إلى ِ مُهجَته ،وأدام ِ
ال ُمعَلَى ،ويَأخُذ في معرفته بالحظ العلى ،فإن رأى الشيخ -أطال ال بقاه -أن تُجعَل عنايتُه حَرْفَ الصلة ،وتفضّله لَمَ المع ِرفَةَ ،فعَلَ ،إن شاء
ال.
البرامكة
قال الرشيد ليحيى بن خالد :يا أبتِ ،إني أردتُ أن أجعل الخاتم الذي في يد الفَضل إلى جعفر ،وقد احتشمت منه فاك ِفنِيه.
فكتب إليه يحيى :قد أمر أمي ُر المؤمنين -أَعلَى ال أمره -أن يحول الخاتم من يمينك إلى شمالك.
ت عني نعمةٌ صارت إليه ،ول غَرَبت عني رتبة فأجاب الفضل :قد سَمعتُ ما قاله أمير المؤمنين في أخي ،وقد اطلعت على أمره ،وما انقَلبَ ْ
ت عليه.طلعَ ْ
فقال جعفر :ل أخي! ما َأنْ َفسَ نفسه ،وأَبيَن دلئل الفضل عليه ،وأقوى ُمنَة العَقْل فيه ،وَأوْسع في البلغة ذَرْعَه ،وأَ ْرحَبَ بها جنابه .يُوجب على
حمِلُ بكرمه فوق طاقته. نفسه ما يجب له ،ويَ ْ
و ُذكِر جعفرُ بن يحيى في مجلس ثُمامَة بن أشرس فقال :ما رأيت أحدًا من خَلْق ال كان أبْسَطَ لساناً ،ول أَ ْلحَن بحجّة ،ول أقدر على كلم ،بنَظْمٍ
حشْ ِو من الكلم ،ول يُعِيدُ لفظاً ول ل كلمه بِ َ حَسَنٍ ،وألفاظٍ عذبة ،و َمنْطق فصيح ،من جعفر بن يحيى ،كان ل يتوقف ،ول يتحبس ،ول َيصِ ُ
ل كان أكثر منه ،ول يمُرُ بذهنه شيء خ َر ما فيه؛ وكان ل يرى شيئاً إل حكاه ،ول َيحْكي شيئاً إ ّ ج من فنّ إلى غيره ،حتى يبلغ آ ِ معنى ،ول يَخْر ُ
إلّ حفظه ،وكان إذا شاء أضحك الثكْلَى ،وَأذْهَل الزاهد ،وخشَن قَلْبَ العابد.
قلت :فكيف كانت معرفته؟ قال :كان من أعلم الناس بالخبر الباهر ،والشعر النادر ،والمثل السائر ،والفصاحة التامة ،واللسان البسيط.
جوْهَراً ،لكان كل َم ُهمَا ،والمنتقى من قال سهل بن هارون ،وذكر يحيى بن خالد وابنه جعفراً ،فقال :لو كان الكلم مُتصوَرًا دُرّاً ،ويُلْقيه المنطق َ
ل عليهما ،ول ن مقصورةً إ ّ ل فيهما ،ولم تكُ ْ س َت ْكمَلْ إ ّ
ت طبقة المتكلمين في أيامهما ،وهم يَرَوْن البلغة لم تُ ْ غبَرت معهما ،وأد َركْ ُ ألفاظهما .ولقد َ
عتْقَ منظرٍ ،وجود َة مَخْبرٍ ،وسهولَةَ لفظِ ،وجزالة منطق ،ونزاهة نفس ،وكمال خصال؛ حتى لو فاخرت ل لهما .وإنهما للُبابُ الكرمِ ، انقادت إ ّ
الدنيا بقليل أيامهما ،والمأثو ِر من خصائصها جميعَ أيا ِم مَنْ سواهما من لدُنْ آدم إلى أن ُينْفَخَ في الصور ،ويبْعث أهل القبور -حاشا أنبياء الّ
ل عليهما ،ولقد كنا -مع تهذيب أخلقهما ،و َمعْسُول َمذَاقهما ،وسنا الكرام ،وسَلَفِ عباده الصالحين -لما باهت إلّ بهما ،ول عَوَلت في الفخر إ ّ
إشراقهما ،وكمالِ الخي ِر فيهما -في محاسن المأمونِ كالن ْقطَة في البحر ،والخَردَلِ في القَفْرِ.
ووقع جعفرُ بن يحيى لرجو اعتذر عنده من ذنب :قد قدمَتْ طاعَتك ،وظهرت نصيحتك ،ول تغلب سيئة حسنتين.
خيْطُ ا ْلحِكمةُ ،ينْظَ ُم فيه منثورُها ،ويفصل فيه شذُورُها. و َوقَع -وقد قرأ كتابًا فاستحسن خطّه :-الخطُ َ
واختصم رجلن بحضرته ،فقال لحدهما :أنت خِليّ ،وهذا شَجِي؛ فكلمك يجْرِي على بَ ْردِ العافية ،وجوابُه يَجْرِي على حَ ّر المصيبة.
ودخل مروان بن أبي حفصة على جعفر بن يحيى فأنشده :الطويل:
جعْفَرُسبّاقُ الضامِيم َ أبو الفضل َ اب ُر فما تَرْجُو الْجِيادُ لـحَـاقـهُ
أشار بما عنه الخلف ُة تَـصْـدُرُ وزي ٌر إذا ناب الخـلفةَ حـادِثٌ
شدَهُ :الوافر:ن بن زائدة ،فأنْ َ فقال جعفر :أنشدني مرثيتك في َمعْ ِ
مقـامـــاً مـــا نُـــرِيدُ بـــه زَوال أقَـمْـنَـا بـالـيمـامة أو نَــســـينـــا
وقـد ذهـب الـنَـوَالُ فـــل نَـــوَال؟ ب بـعـد مَــعْـــنٍ وقـلـنـا :أينَ نـذهـ ُ
عيَال
س كلُهم ل َم ْعنٍإلى أن زار حُ ْف َرتَهُ ِ وكان النا ُ
حتى فرغ من القصيدة ،وجعفر يُ ْرسِل دموعه على خدّيه ،فقال :هل أثابك على هذه المرثية أح ٌد من أهْ ِل بيته وولده؟ قال :ل ،قال :فلو كان معن
ن أنه ل يَرْضَى لك بذلك ،وقد أمرنا لك عن َمعْن -رحمه ال حيّا ،ثم سمعَها منك ،كم كان يُثنيك عليها؟ قال :أربعمائة دينار ،قال :فإنَما كنّا نظ ّ
ل ذلك؛ فا ْقبِض من الخازن ألفاً وستمائة دينار قبل أن تخرج ،فقال مروان -يذكر جعفراً وما سمح به عن -بالضّعف مما ظننته ،و ِزدْناك مث َ
معن :-الوافر:
لنا فيما تَجُودُ به سِـجَـال ت مُكافِئاً عن جُو ِد َمعْنٍ ح َ
نَفَ ْ
105
لنادِبهِ ولم تُ ِردِ المِـطَـال فعجلْتَ العطية يا ابْنَ يحيى
ت نَـوَالبَأجْ َودِ راح ٍة َبذَل ْ صدَى معْنٍ جَوَادٌ فكافأ عن َ
ن يُنـال
بناءً في المكارمِ لَ ْ َبنَى لك خالدٌ وأبوك يحـيى
تجو ُد به يداه يُفـيد مَـال كأن البرمكيّ لكـل مـالٍ
أخذ هذا من قول زهير :الطويل:
ك ُتعْطِيه اَلذِي أنْتَ سائِلُهْ
كأن َ جئْتَه ُمتَـهَـلَـلً
تَرَاه إذَا ما ِ
وهذا البيت لزهير من قصيدة يقول فيها:
ص ِم يكادُ يغِلبُ الحقّ باطـلُـهْ وخَ ْ َوذِي ِن ْعمَةٍ َت ّممْتها وشـكـرتـهـا
إذا ما أضَلّ القائلين مَفَـاصِـلُـهُ ف من الحق صائبٍ ت بمعرو ٍ دفع ُ
ب فما يُ ْلمِ ْم به فهو قـائِلُـهْ مُصي ٌ سبُ أنـه وذي خطل في القول يَحْ َ
ت عنهُ وهو بادٍ مَقاتِلُـهُ وأعرض ُ عبَ ْأتُ له حلماً ،وأكرمـت غـيرهُ َ
ب نَـوافِـلُـهْ
على ُمعْتَفي ِه ما ُتغِ ّ وأبـيضَ فـيّاض يَدَاهُ غَـمـامَةٌ
ُقعُوداً َل َديْهِ بالصَـريمِ عَـواذِلُـه غدَوْتُ عـلـيه غَـدْوَ ًة فـرأ ْيتُـهُ َ
ن مَخـاتـلـهْ ن أي َ
وأعْيا فما يَدْرِي َ طوْراً ،وطَـوْرًا يَلُـمْـنَـهُ يُ َفدّينَهُ َ
جمُوح على المرِ الذي هو فاعلُهْ َ فأعْرَضْنَ عنه عن كـريم مُـ َرزّإ
108
ما علم ،واستفاد ما لم يعلم.
ن دونك من الجهال ،واذكُرْ ابن المعتز :المتواضعُ في طلب العلم أكثرهم عِلْماً ،كما أن المكان المنخفضَ أكثر البقاع ماء .إذا علمت فل َتذْكُ ْر مَ ْ
ب عدمه.مَنْ فوقَك من العلماء .النا ُر ل يُن ِقصُها ما أخذَ منها ،ولكن ُينْقِصُها َألّ تجد حطباً ،كذلك العل ُم ل يُ ْفنِيه القتباس منه ،وفَ ْقدُ الحاملين له سب ُ
مات خَزَنة الموال وهم أحياء ،وعاش خُزانُ العلم وهم أموات .مثَلُ عِلم ل ينفع ككنز ل ينفَق منه .أزْ َهدُ الناس في عالم جيرانُه.
وقيل للصلْتِ بن عطاء ،وكان مقدماً عند البرامكة :كيف غَلَبت عليهم وعندهم مَنْ هو آدبُ منك؟ قال :ليس للقُرَباء طَرافة الغُرَباء ،وكنت أمرأَ
بعيدَ الدار ،نائي المَزار ،غريبَ السم ،قليلَ الجرم ،كثير ال ْلتِواء ،شحيحاً بالملء؛ فرغَبهم فيَ رغبتي عنهم ،وزهَدني فيهم رغبتُهم في.
ن ل يعلم لسقط الختلَف .إذا ازدحمَ الجوابُ خَفِي الصواب .الغلط تحت اللَغط .خَرقُ علم ل َي ْعبُر معك الوادي ،ل يعمر بك النادي .لو سكت مَ ْ
خرْق .المحجوج بكل شيء ينطق. الجماع ُ
استعارات فقهية تليق بهذا المكان
دخل أبو تمام الطائي على أحمد بن أبي دُوَاد في مجلس حكمه ،وأنشده أبياتًا يس َتمْطِ ُر نائِله ،وينشر فضائله ،فقال :سيأتيك ثوابُها يا أبا تمام ،ثم
جتَمِعْ فإنك مفترق ،ثم أنشده :المنسرح: ظ ذلك أبا تمام ،فقال :احضرْ ،أيّدك الّ ،فإنك غائب ،وا ْ اشتغل بتوقيعات في يده؛ فأحْ َف َ
ك ما نَ ْرتَجي من الصّ َفدِ وتَ ْر ُ ل ِمدْحَـتِـنـا حرَاماً قبو ُ إنّ َ
ل يَدًا بـ َيدِ
صّرْف حـرام إ َ كما الدنانير والدراهمُ في ال
حبَائه ،وتعجيلِ عطائه. فأمر بتوفير ِ
ولمّا ولي طاهر بن عبد الّ بن طاهر خراسان دخل الشعراء يهنئونه ،وفيهم تمام بن أبي تمام فأنشده :السريع:
ما من جزيل الملك أعطاكا َهنَاك رَبّ الناس هـنَـاكـا
والبأسِ والنعامِ عَـيْنـاكـا حجَى قرّت بما أعطِيت يا ذَا ال ِ
وأوْرَقَ العودُ بـجَـدْوَاكـا ض ِبمَا نِلْـتَـهُأشرقتِ الر ُ
فاستضعف الجماعةُ شعره ،وقالوا :يا بُع َد ما بينه وبين أبيه! فقال طاهر لبعض الشعراء :أجبه ،فقال:
إنّ الذي أمّلْتَ أخطاكـا حياك ربّ الناس حـيّاكـا
ولو رأى مَدْحاً لسـاكـا ل فيه مـا زانـهُ ت قو ً فقل َ
مثل الذي أعطيتَ أعْطاكا ت بها مـدحةً فهاك إن شئ َ
ل بينهما صنجًا من الدراهم ،حتى يحلّ لي ولك! فضحك وقال :إل يكن معه شع ُر أبيه، شعْرَ بالشعر رِباً ،فاجع ْ فقال تمام :أعز الّ المير ،وإنَ ال ّ
ل -يريد عبد ال فمعه ظرف أبيه؛ أعطوه ثلثة آلف درهم! فقال عبد ال بن إسحاق :لو لم يعط إلّ لقول أبيه في المير أبي العباس -رحمه ا ّ
بن طاهر :البسيط:
منا السّرَى وخُطَا ال َمهْرِيةِ القُـودِ صحْبي وقد أخذَتْ يقولُ في قَ ْومَسٍ َ
فقلتُ :كلّ ،ولكن مطلعَ الجـودِ أمطلع الشمس تبغي أن تَ ُؤمّ بنـا؟
فقال :ويعطى بهذا ثلثة آلف.
ولية طاهر بن عبد ال بن طاهر خراسان
ب ولية طاهر خراسان بعد أبيه ما حدّث به أبو العيناء قال :كنّا عند أحمد بن أبي دواد ،فجاء الخبر أنّ الكتبَ وردت على الواثق من وكان سب ُ
س ْلكِخراسان بوفاة عبد ال بن طاهر ،وأن الواثق ُيعَزّى عنه ،وأنه قد ولّي مكانه خراسان إسحاق ابن إبراهيم ،وكان عدوّا له لنخراطِه في ِ
ابن الزيات؛ فلبس ثيابَه ومضى ،وقال :ل تبرحوا حتى أعودَ إليكم ،فلبث قليلً ،ثم عاد إلينا فحدّثنا أنه دخل على الواثق فعزّاه عن عبد الّ
ل ما عندك في هذا .قلت :أمر ل أمير المؤمنين ول نذمّه .قال :ق ْ وجلس ،قال :فقال لي الواثق :قد وَلّينا إسحاق خراسان ،فما عندك؟ قلت :وفق ا ّ
ل مَن بها صنائعهُم، ن منذ ثلثين سنة في يد طاهر وابنه ،وك ّ ل فيه .قالَ :لتَ ْفعَلنّ .فقلت :يا أمير المؤمنين ،خراسا ُ قد أُمضِي ،فما عسيت أن أقو َ
صنَائع ،وسيقولون :أما كان فينا مُصْطَنع؟ وكان يجب ف عبدُ ال عش َر بنين أكثرهم رجال ،وجميعُ جيش خراسان لهم عبيد أو مَوَالٍ أو َ وقد خَلّ َ
عذْ ٍر فينا؛ ويقدم خراسانَ إسحاقُ وهو رجل غريب ل استبدل منّا بعد ُ
أن يجرّبنا أمي ُر المؤمنين ،فإن َو َفيْنا بما كان يَفي به أبونا وج ّدنَا ،وإ ّ
فينافسه هؤلء ،ويتعصّب أهلُها لهم؛ فينتقض ما ُأبْرِمَ ،ويفسد ما أُصلح.
قال :صدقت يا أبا عبد الّ ،والرأي ما قلت ،اكتبوا بعهد طاهر بن عبد الّ على خراسان .فكتبت كتبُ طاهر ،وحُرِقت كتب إسحاق ،فخرجت
الزنج تطيرُ بها ،ثم لقيني إسحاق داخلً ،فقلت :يا أبا الحسن ،ل عدمت عداوة رجل أزال عنك ولية خراسان بكلمة.
ومدح ابن الرومي أبا العباس بن ثوابة ،فعارضه أخوه أبو الحسن بقصيدة يمدح أخاه بها ،فقال ابن الرومي :المتقارب:
إذا صورَةُ الحق لم ُتمْسَخِ أَليْسَ ا ْلقَوافي بَنَاتِ ا ْلفَتى
حَرا ٌم نِكاحُ بنـاتِ الخِ فل تَـقـبَـلَـنّ أَمـادِيهُ
ولما أنشد أبو تمام قصيدته في المعتصم:
السيف أصدق أنباء من الكتب
حسْنُ إصغائك إليها من قال له :لقد جَلَ ْوتَ عروسك يا أبا تمام فأحسنت جلءَها .قال :يا أمير المؤمنين ،وال لو كانت من الحورِ العين لكان ُ
أ ْوفَى ُمهُورِها.
وقال المير أبو الفضل الميكالي :الوافر:
يَصِيدُ بَلحْظِ ِه قَلبَ الكَـمـي أقول لشَادِنَ في الحُسْنِ أضْحَى
فأدّ زكاةَ منظرك الـبَـهـيّ ملكت الحسنَ أجمعَ في قـوام
بريق من مُقَبلِك الـشَـهِـي وذلك أن تجودَ لمُـسْـتَـهـام
فعندي ل زكاةَ على الصَبـيّ فقال :أبو حنـيفة لـي إمـامٌ
109
وربما أنشد هذه البيات على قافية أخرى فقال :الوافر:
يصيد بلحظِ ِه قَلْبَ الجـلـيدِ أقول لشَادنِ في الحسن فَـ ْردٍ
فل َت ْمنَع وجوباً عن وجُـودِ ملكتَ الحسن أجمعَ في قـوام
ب َرشْفِ ُرضَابك العذْبِ البَرودِ وذلك أنْ تجودَ لمـسـتـهـام
فعندي ل زَكاة على الولـيدِ فقال :أبو حنـيفة لـي إمـام
وقال :الطويل:
يُحَج من البيت العتـيق ويُقـصَـدُ بنَفْسِي غَزال صار للحُسْنِ قـبـلةً
ش َهدُ
سعْي يَ ْ وأحْ َرمْتُ بالخلص وال َ دعاني الهوى فيه فلبّـيتُ طـائعـاً
وقلبي عليْه بالصـبـابة مُـفـ ِردُ فطرفيَ بالتسهيد والـ َدمْـعِ قـارِنٌ
وقال أبو الفتح كشاجم :البسيط:
والهَجْرُ في غفلة من ذلك الخبـرِ َفدَيْتُ زائرةً في الـعـيد واصِـلةً
والخالُ في خدّها ُيغْني عن الحجَرِ فلم يزل خذُها ُركْناً أطـوف بِـه
وينضاف إلى هذا النظم قطعة من رسالة طويلة كتبها بديع الزمان إلى أبي نصر بن المرزبان :كتابي ،أطال ال بقاء الشيخ وأنا سالم ،والحمد
ل رب العالمين ،كيف تقلبُ الشيخ في درع العافية ،وأحوالُه بتلك الناحية؛ فإني ببعده مُنغصُ شِرْعة العيش ،مقصوص أجنحة النس .ورد
ت إليه بعد انزعاجي لتأخُره؛ وقد كان رَسَمَ أن أعرفه سببَ خروجي كتابه المشتملُ من خبر سلمته ،على ما أرغب إلى ال في إدامَته ،وسكن ُ
ت من ذلك السلطان حضرتَه ،التي هي َك ْعبَةُ المحتاج، من جرجان ،ووُقوعي بخُراسان ،وسببَ غضبِ السلطان؟ وقد كانت القصة أني لما ورد ُ
خيْفِ ،وجدت بها نُدَماء من َنبَات
ل كعبة الحجاج ،ومستقرُ الكرم ،ل مَشعَر الحرم ،و ِقبْلة الصلَتِ ،ل قبلة الصلة ،و ُمنَى الضّيف ،ل ِمنَى ال َ
صنْعه ،وحسن دفعه؛ العام ،اجتمعوا قيضَةَ كلب على تلفيق خطب ،أزعجني عن ذلك ال ِفنَاء ،وأِشرف بي على ال َفنَاء ،لول ما تدارك الّ بجميل ُ
غيّروا رأيَ السلطان ،وأشار علي إخواني ،بمفارقةِ مكاني ،وبقيت ل أعلم أيمنةً أضرِب أم ول أعلم كيف احتالوا ،ول ما الَذي قالوا؛ وبالجملة َ
شآمة ،ونَجْدا أقصد أم تهامة :الطويل:
ي دلـيلُ
لكان لِحَجـاجٍ عـلـ َ ولو كنت في سَلْمى أجد وشِعابِها
صفْوُه ،وملك إذا سَخِط لم يُنتظر عفوه ،وليس بين حوُه ،وماء إذا تغيّر لم يُشرب َ وقد علم الشيخ أن ذلك السلطان سماءٌ إذا تغيم لم يُرْجع صَ ْ
سخْطِ ِه مجاز ،كما ليس بين الحياة والموت معه حِجاز؛ فهو سيدٌ غضَبه والسيف فَرْجة ،وليس من وراء ُ رضاه والسخط عَوْجَة ،كما ليس بين َ
خفِيّ ،ول يُرْضِيه العذر الجلي؛ وتكفيه الجناية وهي إرجاف ،ثم ل تشفيه العقوبة وهي إجحاف ،حتى إنه ليرى الذنب وهو ُيغْضبه الْجُرم الْ َ
صبْح؛ وهو ذو أذنين يسمع بهذهِ القول وهو بهتان ،ويحجب عن هذه العذر وله أضيق من ظلّ الرمح ،و َي ْعمَى عن العذر وهو أبين من عمود ال ُ
برهان؛ وذو يدين يبسط إحداهما إلى السفك والسفح ،ويقبض الخرى عن العفو والصفح؛ وذو عينين يفتح إحداهما إلى الجرم ،ويغمض
الخرى عن الحلم ،فمزحه بين ال َقدّ والقَطْع ،وجدّه بين السيف والنّطْع ،ومراده بين الظهور والكمون ،وأمره بين الكاف والنون؛ ثم ل يعرف
من العقاب ،غير ضرب الرقاب ،ول يهتدي من التأنيب إلَ لزالة النعم ،ول يعلم من التأديب غير إراقة الدم ،ول يحتمل ال َهنَة على حجم الذرة،
ودقة الشعرة ،ول يحلم عن الهَفْوَة ،كوزن الهَبْوَة ،ول ُيغْضي عن السقطة ،كجرم النقطة؛ ثم إن النقم بين لفظه وقلمه ،والرض تحت يده
حبْسه وإطلقه ،كما أنّ الجسام بين حله ووَثاقِه؛ فنظرتُ فإذا أنا بين جُودَين؛ وقدمه ،ل يلقاه الولي إلَ بفمه ،ول العدو إلَ بدمه؛ والرواح بين َ
جنَازة ،وبين طريقين؛ إما الغُرْبة ،وإمَا التربة ،وبين فِرا َقيْنِ؛ إمّا إما أن أجودَ ببأسي ،وإمّا أن أجود برأسي ،وبين ُركُوَبين؛ إما المفازة ،وإمّا ال ِ
عنَاق الرجال ،فاخترتُ السماح بالوَطَن ،على السماح بالبَدَن؛ أن أُفارق أَرْضي ،أو أُفارق عرضي ،وبين راحلتين؛ إمّا ظهور الجِمال ،وإمَا أَ ْ
وأنشدت :الطويل:
فل رَأيَ للمحمول إل ركوبُها إذا لم يكُنْ إل المنية مَ ْركَـبٌ
وََل َد ما ذكر من كعبة المحتاج ،ل كعبة ا ْلحُجّاج ،من قول أبي تمام :الكامل:
حجُ ال َغنِيَ ،وتِلكمُ لِ ْل ُمعْدِم بيتان حجهُما النامُ؛ فهذه
أبو عليّ البصير
ج ُز عن مَسَابّك؛ ولكنّا نكونُ خيراً وشتم بعضُ الطالبيين أبا عليّ الفضلَ بن جعفر البصيرَ ،فقال أبو عليّ :وال ما َن ْعيَا عن جوابك ،ول نَعْ ِ
ح ْلمُنا عنك. ضعْتَ؛ فاشكُرْ توفيرَنا ما وفّرْنا منك ،ول َيغُرّنك بالجهل علينا ِ سبِك منك ،ونحفظ منه ما َأ َ ِلنَ َ
شكْرِ ما تقدّم من إحسانك شاغلٌ من استبطاء ما وسأل أبو علي البصير بعض الرؤساء حاجةً ولقيه؛ فاعتذر إليه من تأخرها؛ فقال أبو عليّ :في ُ
تأخر منه.
حدُ مَنْ جمع له حظُ البلغة في الموزون والمنثور ،وهو القائلُ :الطويل: وأبو عليً أ َ
فأض َرمَ نيرانَ الهَوى النّظَرُ الخَلْسُ ألمَت بنا يَوْمَ الـرحـيل اخـتـلسَةً
كما تتأتّى حين َت ْعتَدِل الـشـمـسُ ت قليلً وهـي تُـرعَـدُ خِـيفةً تأب ْ
سمَع لي حِـسُ ستُ حتى ليس يُ ْ وَأنْبَ ْ صمْتي بما أنا مُـضْـمِـرٌ فخاطبها َ
ت دونها كَشْحاً على يَأسها النفسُ طوَ ْ وولَت كما ولّى الشـبـاب لِـطِـيّة
وقال يصف بلغةَ الفتح بن خاقان وشعره :الطويل:
ف تـــأ َودَا
ض مَـتْــنَـــيْه الـــثـــقـــا ُ إذا عَـ َ سمِـعـنـا بـأشـعـار الـمـلـوكِ؛ فـكـــلُـــهـــا َ
شعُر ال َفتْحُ أوْحَدا
سوى ما رأينا لمْرِئ القيس؛ إننانراه متى لم يَ ْ
ونـحــســـبـــه إن رام أكْـــدَى وأصْـــلَـــدا سمَعُ القولَ صامتاً أقام زمانًا يَ ْ
110
وسـار فـأضـحــى قـــد أغـــار وأنـــجَـــدَا فلـمـا امـتـطـاه راكــبـــًا ذل صـــعـــبُـــه
والفتح بن خاقان يقول :الطويل:
متى يستَطِع منهـا الـزيادةَ يَ ْز َددِ خمْرِ ،والـفـتـى وإني وإياها لكالْ َ
فكيف احتراسِي مِنْ هوًى متجددِ؟ جدِي بقُرْبها إذا از َددْتُ منها زاد َو ْ
وكتب إلى أبي الحسن عبيد ال بن يحيى :وإن أميرَ المؤمنين لمَا استْخلَصك لنفسه ،وائتمنك على رعيته؛ فنطق بلسانك ،وأخذَ وأعطى بيدك،
وأ ْو َردَ وأصدْرَ عن رأيك ،وكان تفويضُه إليك بعد امتحانه إياك ،وتَسلِيطه الحقّ على الهوى فيك ،وبعد أن مثل بينك وبين الذين سمَوا لم ْرتَبتك،
ت له هيب ًة وتعظيماً ،ول تسليطاً وجرَوْا إلى غايتك ،فأسقطهم مَضَاؤُك ،وخَفُوا في ميزانك ،ولم يزدك -أكرمك ال -رفعة وتشريفاً إل ازدد َ
وتمكيناً ،إل ِزدْتَ نفسك عن الدنيا عُزوفاً وتنزيهاً ،ول تقريباً واختصاصاً ،إل ازددتَ بالعامة رأفةً وعليها حدَبا ،ل يخرجك فَرطُ النصح له عن
النظر لرعيته ،ول إيثار حقه عن الخذ بحقّها عنده ،ول القيا ُم بما هو له عن تضمين ما هو عليه ،ول يشغلك ُمعَاناةُ كبار المور عن تفقُد
جئُ ما كان الحَ ْزمُ في إرجائه، شدُ في إمضائه ،وتُرْ ِ ح منها عن النظر في عواقبها ،تمْضي ما كان الرّ َ جدّ في صلح ما َيصْلُ ُ صغارِها ،ول ا ْل ِ
وتبذُلُ ما كان الفضلُ في َبذْله ،وتمنعُ ما كانت المصلحةُ في مَ ْنعِه ،وتَلِين في غير تكبر ،و َتخُص في خير مَيل ،وتعمُ في غير تصنّع ،ل يَشْقَى
س َعدُ بك المبطلُ وإن كان وليّا؛ فالسلطان يعت ّد لك من الغَناء والكِفاية ،والذّبّ والحياطة ،والنُصح والمانة، بك المحق وإن كان عدواً ،ول يَ ْ
ط منهم غمِ َ ل من َوالعِفة والنزاهة ،والنصب فيما أدَى إلى الراحة ،بما يراك معه -حيث انتهى إحسانُه إليك -مستوجباً للزيادة ،وكافةُ الرعية -إ ّ
ال َنعْمة ُ -م ْثنُونَ عليك بحُسْنِ السيرة ،و ُيمْنِ النقيبة ،و َي ُعدُونَ من مآثرك أنك لم ُتدْحِض لحدٍ حُجة؛ ولم تدفع حقاً لش ْبهَة؛ وهذا يسي ٌر من كثير ،لو
ف دون الغاية منه. صدُنا الوقو َ قصدنا لتفصيله ،لنْ َفدْنا الزمان قبل تحصيله ،ثم كان قَ ْ
شكْ ِر إنعامك ،وإفرادي إياك بالتأميل دونَ غيرك، خذِ بحظّي من لقائك ،وتعريفك ما أنا عليه عن ُ وله إلى عبيد ال بن يحيى :يقطعني عن ال ْ
خ ْدمَة ول الملزمة ،ول قويّا على المغَادَاةِ والمُرَاوَحة؛ فَلَ ت معتاداً لل ِتخلفي عن منزلة الخاصة ،ورغبتي عن الحلول محل العامة ،وأني لسْ ُ
ن تتطوَل بتجديد ذكري ،والصغاء إلى مَنْ يحضك على يم َنعْك ارتفاعُ َقدْرك ،وعلو أمرك ،وما تعانيه من جلئل الحوال الشاغلة ،من أ ْ
حسْنِ الصنيعة عندي. وَصْلي وبري ،ويرغَبك في إسداء ُ
ن افتقا ٍر منهم إليك ،أن ُيعِيذهم من َف ْقدِك ،ول يُعيدهم إلى المكاره التي وله إليه آخِ َر فصل من كتاب :وأنا أسألُ ال الذي رَحِم العبادَ بك ،على حي ِ
استنقذتهم منها بيدك.
السفر
طرَ ،وتَدُع مَجْرى السيول؟ فقال :أخرجني من مصر حَق مُضَاع، ولقي رجلٌ رجلً خارجًا من ِمصْر يريد المغْرِب ،فقال :يا أخي ،أتتَبعُ القَ ْ
وشُكى مُطَاع ،وإقتار الكريم ،وحركة اللئيم ،وتغير الصديق ،بين السعة والضيق ،والهربُ إلى النز ِر بالعز ،خير من طلب ال َوفْ ِر بذلُ العَجزِ.
ي تنفق بها فيه؛ عليك بحُسن الشمائل ل بلدًا ل َيعْ ِرفُك أهلُه ،فتمسّك بوصيت َ خُوأوصى بعضُ الحكماء صديقاً له ،وقد أرادَ سفراً ،فقال :إنك تد ُ
فإنها تدكُ على الحرية ،ونَقَاء -الطراف فإنها تشهد بالمُلوكية؛ ونظافة البِزة فإنها تنبئ عن النَشء في النعمة؛ وطيب الرائحة فإنها تظهرُ
ن َقدْرِك ،والزمِ الحياءَ والنفَة؛ فإنك إن المروءة ،والدب الجميل فإنه يكسب المحبة ،ول َيكُن عقلُك دون دينك ،وقولُك دون ِفعْلك ،ولباسُك دو َ
ت عن الغلبة ،لم يتقد ْمكَ نظيرٌ في مرتبة. استحييت من الغضاضة اجتنبتْ الخساسة ،وإن أنِ ْف َ
شهْ َو ِتكَ رَشادَك ،وليكُنْ عقلُك وزيرَك الذي يَدْعُوك قال الصمعي :سمعتُ أعرابيًا يُوصِي آخرَ أراد سفراً ،فقال :آثر بعملك َمعَادَك ،ول َتدَع لِ َ
حبِس هواك عن الفواحش ،وأطْلِقه في المكارم؛ فإنك تب ّر بذلك سلَفك ،وتَشِيد به شرفَك. إلى الهدى ،ويجنّبك من الرَدى ،وا ْ
س بجميل وأوصت أعرابية ابنَها في سفر ،فقالت :يا بني ،إنك تجاورُ الغرباء ،و َترْحَلُ عن الصدقاء ،ولعلك ل تَ ْلقَى غيرَ العداء؛ فخالِط النا َ
البِشْر ،واتّقِ الَّ في العَلَنية والسرّ.
عمَلْ بها في سفري ،فقال: حكْمتك أ ْ وقال بعضُ الملوك لحكيم وقد أراد سفراً :قِفْني على أشياء من ِ
ب رعيتك ،ما لم تُحْ ِرجْهم بالشدّة عليهم ،أو ك قدرتك ،وأنا ضامن لك قلو َ شدّتك ،وعفوَك ماِل َ
ل تأنيك أمام عَجََلتِك ،وحِ ْلمَك رسولَ ِ اجع ْ
ُتبْطِرْهم بالحسان إليهم.
س أ ْمنَحك وصيتي ،وبالّ توفيقك ،قال أبان: وقال أبان بن تغلب :شهدت أعرابيةً لُوصِي ولداً لها أراد سفراً وهي تقول :أي بني ،اجل ْ
ع الضغينة ،وتفرَق بين المحبّين ،وإياك فوقفت مستمعًا لكلمها ،مستحسناً لوصيتها ،فإذا هي تقول :أي بني ،إياك وال ّنمِيمة ،فإنها تَزْ َر ُ
ل كََل َمتْه ،حتى يَهيَ ما اشتدَ
ل َيثْبُتَ الغَرضُ على كثرة السهام؛ وقلَما اعتَوَرَتِ السهامُ غَرَضاً إ َ ب فتُتخذ غَرَضاً ،وخليقٌ أ َ والتعرض للعيو ِ
ل بمالك؛ وإذا هززت فاهزز كريمًا يَلِنْ ِل َمهَزتك؛ ول َتهْزُز اللئيم فإنه صخر ٌة ل يتفجّرُ ماؤها، من قُوَته؛ وإياك والجودَ بدينك ،والبخ َ
ب نفسه؛ ومن كانت مودته ت من غيرك فاجتنبه؛ فإن المر َء ل يرى عيْ َ ومثّل بنفسك مثال ما استحسنتَ من غيرك فاعمل به ،وما استقبح َ
ف منه ذلك فعلُهُ ،كان صديقه منه على ِمثْل الريح من تصرفها. بشره ،وخَالَ َ
جبَك كلمُ العرب يا حَضَري؟ قلت :نعم! ثم أمسكت ،فدنوتُ منها ،فقلت لها :بال يا أعرابية ،إل ما ِزدْته في الوصية؛ قالت :أو قد أعْ َ
س بينهم ،ومَنْ جمع ا ْلحِلْمَ والسخاءَ فقد أجادَ الحُلّة َريْطَتها وسِ ْربَالها. ل به النا ُقالت :الغَد ُر أقبح ما تعام َ
فقر في مدح السفر
أبو القاسم بن عباد الصاحب :الخبر المنقول أنَ المقبوضَ غريباً شهيد .وفي الحديث :سافروا َتغْنَموا .السفرُ أحدُ أسباب العيش التي بها
قِوامه ،وعليها نِظَامه .إن ال لم يجمَ ْع منافعَ الدنيا في الرض؛ بل فرّقها وأحوجَ بعضها إلى بعض .المساف ُر يسمع العجائب ،و َيكْسبُ
حكْمته ،وتدعوكُ إلى شكر نعمته .ليس بينك وبين بلدٍ نَسب؛ فخيرُ البلد التجاربَ ،ويَجْلِبُ المكاسب .السفا ُر مما تَزِيدك علماً بقدرة الّ و ِ
ت عنه نفسك .ربما أسفر السفر حشْ أهلَك إذا كان في إيحاشهم ُأنْسُك ،وا ْهجُرْ وطنَك إذا نبَ ْ سفِر عن أخلق الرجال .أو ِ ما حملك .السف ُر يُ ْ
عن الظفَر ،وتعذر في الوطن قضاءُ الوطَر ،وأنشد :البسيط
وهذا كقول الطائي :الطويل ر
ُ السف هو ٍ
ف ْ
س َ
خ على ُ
م َا قمُ ال ِ
ل بَ ك تَ ْرتَادُ الغِنَى سفراً
ليس ارتحاُل َ
أخذه المتنبي فقال :البسيط نَبتْ بي وفيها سا ِكنُوها هِي ال َقفْرُ وما القفْ ُر بالبيدِ الفضاءَ ،بكِ الَتي
نقيض ذلك في ذمّ السفر ل تُفا ِر َقهُمْ فالرَاحِلونَ هُـمُأَ حلْتَ عن قوم وقد قَدرُوا إذا تَرَ َ
111
والغربة
في الحديث إن المسافرَ وماله لعَلَى ،قلت :إلّ ما وَقى ال؛ أي على هلك .شيئان ل يعرفهما إل من ا ْبتُلِي بهما :السفرُ الشاسع ،والبنا ُء
ل مَنبتُ المنايا .إذا كنتَ في غير بلدك فل الواسع .السفرُ والسقَمُ والقتال ثلث متقاربة؛ فالسفرُ سفينة الذى ،والسقَمُ حَريقُ الجسد ،والقتا ُ
ش ْربَه؛ فهو ذَا ٍو ل ُي ْثمِر ،وذابلٌ ل ينضر.
س نصيبك من الذل .الغربةُ كرْبة .النّقلة ُمثْلة .الغريب كالغرسِ الذي زايل أرْضَه ،وفَقَد ِ تَن َ
سبُعٍ َفرِيسة ،ولكل رام رَمية؛ وأنشد :الوافر
الغريب كال َوحْشِ النائي عن وطنه؛ فهو لكل َ
وقال أبو الفتح البُسْتي: منْ العيش الموسع في اغترابِ لَقربُ الدار في القتـار خَـيْرٌ
البسيط
ومنعه بين أهليه وأصحـابـه ل يعدم المرء شيئًا يستعينُ بـه
العزل بعد المؤانسة كالليثِ يحقر ُلما غاب عن غابِهْ ت مهـابـتـهُومن نأى عنهمُ قلّ ْ
عزْلِه إيّاه عن الدواوين :لم يُنكِر أمي ُر المؤمنين حالي في قُرْب المؤانسة وخصوص الخلطة ،وحالي كتب أبو عبيد ال إلى المهدي بعد َ
عنده َقبْلَ ذلك في قيامي بواجب خِدمَته ،التي أدنتني من نعِمته ،فلم أبدّل -أعز الّ أمي َر المؤمنين -حال التبعيد ،ويقرّب في محل
القصاء ،وما يعلمُ الّ مني فيما قلت إلّ ما علمه أمي ُر المؤمنين ،فإن رأى أكرمه الّ أن يُعَارِض قولي بعلمه بدءًا وعاقبةً فعل إن شاء
الّ.
فلمّا قرأ كتابه شهد بتصديقه قلبُه ،فقال :ظلمنا أبا عبيد الّ ،فيردّ إلى حاله ،و ُيعْلَم ما تجدّد له من حُسْنِ رأيي فيه.
حجَب عنه الفضلُ بن الربيع لسبب تألَ َم قلبُه منه كتب إليه :يا أمير المؤمنين ،لم ُينْسِني التقريبُ حالي أيامَ التبعيد ،ول ن أن يُ ْ ولما أمر المأمو ُ
أغفلتني المُؤانسة عن شكر البتداء ،فعلى أيّ الحالين أبعد من أمير المؤمنين ،ويَلْحَقُني ذمُ التقصيرِ في واجب خدمته؟ وأمي ُر المؤمنين أعْدلُ
صدْق فيما وَصْفت؛ فإن رأى أمي ُر المؤمنين أل يكتم شهادتي فَعل إن شاء الّ. شهودي على ال َ
عبْدين؟ قال :ل ،يا أمير المؤمنين .قال :فِلمَ لَمْ وقال أبو جعفر المنصور لبي مسلم حين أ ْزمَع َقتْله :هل كنتَ قبل قيامك بدولتنا جائ َز المْرِ على َ
عنَان الطمأنينة؟ قال :قد َتعْرِض حالَيْ عُسرتك ومَهانتك على أيامنا ،وتعرِف لنا ما َيعْرِفُ غيرُك من إجللنا وإعظامنا ،حتى ل ينازعك الحين ِ
خلَفٌ
ف عليك ،وفي الّ َ ب فيك ،ول مأسو َ ن صنيعتي ،قال :فل مرغو َ حسْ ِ
كان ذلك يا أميرَ المؤمنين ،ولكنَ الزمانَ وإساءتَه قََلبَا ما كان من ُ
منك! وأَمر بقتله.
جملة من شعر أبي الفتح
كشاجم في الوصاف
قال يصف أجزاء من القرآن :الخفيف
ت أنْسًا بـهـذهِ الجـزاء ُتبْ ُ مَنْ َيتُبْ خشيةَ العقابِ فإنـي
ك وما خِ ْلتُني مِنَ الـقـرَاء َبعَثَتني على القراءة والـنُـس
من قدود وصيغَةٍ واسـتـواء حين جاءت تَرُوقني باعتـدال
جم ذاتَ النوار والضـواء ش َبهَت ليَ السبـعةَ الن سبعة أ ْ
غشَـاء ن غِشاءً أحبب به من ِ كُسيت من أديمِها الحالِك اللَـو
ت العَذارى ولبْسَةَ الخطبـاءِ شبَابِ ولَـمَـاشبِهاً صبغة ال ّ مُ ْ
َفتَا َهتْ بـحِـلْـية بـيضـاء ن بـالـضـدّ ورأت أنها تحس ُ
نورُ حق يَجْلُو دُجَى الظلمـاءَ فهي مسودّة الظهور ،وفيهـا
ط تخيرنّ من مُسُوك الظبـاء مطبقات على صحائفَ كالرّي
شَاكِرات صـنـيع َة النْـواء وكأنّ الخطوط فـيهـا رياض
عبِيرٌ رشَشْتهُ فـي مُـلء دَ َ وكأنّ البياض والنّقَطَ الـسّـو
طع فيها كواكب في سمـاءِ وكأن العشورَ والذّهب الـسـا
لٍ ومقروءةٌ علـى أنـحـاءِ وهي مشكول ٌة بعـدّةِ أشـكـا
وإذا شئت كان فيها الكِسَـائي فإذا شئتَ كان حمزةُ فـيهـا
ضعَاف والثنـاء بين تلك ال ْ خضْرة في خللِ حُمرٍ وصفْر ُ
على جـلـد ِبَـضَةٍ عَـذْراء ب مـن الـذرّ مثل ما أثَر الدّبي ُ
ه ذي المـكـرُمـات واللء ضمّنت مُحكَم الكتابِ كتاب الل ُ
صبَحِي ومَسـائي ن مُ ْ ن فيه ّآَ فحقيقٌ عليّ أنْ أتلـوَ الـقـر
وقال يصفُ التخت الذي يُضْرَب عليه حساب الهند :الرجز
حفٍ سُطُورها حِسابُ في صُ ُ وقـلـ ٍم مِـدادُهُ تـــرَابُ
من غير أن يُسَوّد الكـتـابُ حوُ والضرابُ َيكْثُر فيها المَ ْ
وليس إعجـامٌ ول إعـرابُ حتى يبينَ الحقّ والصـواب
ك ول ارتـيابُ فيه ول شـ َ
وقال يصف برْكارًا استهداه :المنسرح:
فيه يَدًَا قَـيْنةِ العـاجـيبـا ص َنعَتْ جدْ لي ببركارك الذي َ ُ
112
عيَبـا
ماشِينَ من جانبٍ ول ِ ملتئم الشُعبتَـيْن مـعـتـدلٌ
ورُكبا بالعقولِ تـركـيبـا شخصان في شكْل واحدٍ ُقدَرا
ب ل يزالُ مصحوبـا بصاح ٍ أشبه شيئين في اشتكالهـمـا
نواظر الناقـدين تَـغْـييبـا ق مسمارُهُ وغُـيّب عـن أُوثِ َ
في قالب العتدال مَصْبوبـا ن يجتَلِيه يحـسـبُـهُ ن مَ ْ ف َعيْ ُ
ضَ َم مُحِب إليه محـبـوبـا حكِمًا لهمـاقد ضَ َم قُطْ َريْه مُ ْ
ن تَـقْـلِـيبـا
ما زَاده بالبَنا ِ حرْصًا عليه مُبصِـره يزداد ِ
لم تَـألُـهُ رِق ًة وتـهـذيبـا ذو ُمقْلَة بصَ َرتْ ُه مَـذهـبـه
بها يزالُ الصوابُ مطلوبـا ينظ ُر فيها إلى الصواب فمـا
113
وإنما أخذه ابن الرومي من قول بعض الشعراء يذكر كاتباً :السريع
بقافهِ والـلم والـمـيمِ خرَس ذُو منطق ْ
في فعل ِه مِثلُ القـالـيمِ يسَ ،ولكـنـه
وهذا البيت الخير مقلوب م ق منَ الـرَيمِ كإبرةِ الرَوْ ِ س و ُمسْـودُهرّأ ِ
الرقاع العاملي ،وقد وصف قًرْنَ ريم ،وشبّهه بقلم عليه مداد ،وذكر ظبية :الكامل
وقلب المعنى إذا تمكن الشاع ب منَ الدَوَا ِة مِدَادَهَا قلمٌ أصا َ نَ كأنَ إب َرةَ رَ ْوقِه
جرَى السرقةِ. جرِي مَ ْيَ ْ
تكثيرَ الشعراء من تشبيه أوراك النسوان بالرَملِ والكُثبان ،قال الشاعر :الطويل
تأ َزرْنَ دُون ال ْزرِ َرمْـــــــــــلَتِ عـــــــــــــــالـــــــــــــــ نـــضـــيرَاتِ الــــــوجـــــــوه كـــــــأنـــــــمـــــــا
ن دون الــــمَـــــــنَـــــــافِـــــ
إذا الـــرُســـحُ لـــم يصـــبـــر َ ـشَـــوى ل تـــحـــتـــشـــي غـــير خَـــلـــقــــــهـــــــا
ت بِـــــــأيدِي الـــــــنـــــــوَاسِـــــــ
قِصَـــار وإنْ طـــالَـــــــ ْ ـرُوط الــــخـــــــ ّز مَـــــــلى كـــــــأنـــــــهـــــــا
عنى متداوَل متناقَل في الجاهلية والسلم ،فأغرب ذو الرمة في قلبه وأحسن ،فقال يصف رمل :الطويل
وقـــد جـــلَـــلَـــتـــهُ الـــمـــظـــلـــمـــاتُ الْـــخَـــنــــــادِسُ وْرَاكِ العذارى قط ْعتُه
خدَام من المَجَال؛ قال خالد بن يزيد بن معاوية ،وذكر رملة بنت الزبير بن العوام :الطويل ضمُورَ ال َكشْح ،وجولن الوُشُح ،وصمُوت القُلْب والخلخال ،وامتناع ال ِ دحهم ُ
ل ول قُلْبـا لِرملَةَ خلخالً يجو ُ لخيلُ النساءَ ،ول أرَى
وقال النابغة :الطويل: ومن أجلها أحببتُ أخوالها كَلْبا العوّام طُرّا لحبّـهـا
وقال الطائي :الطويل: صمُوتانِ من ملءً وقلّة منطقِ حجَْل ْيهَا وإن قلتَ أوسعا ِ
ن تـلـك ذَوَابِـلُ َقنَا الخـط إلَ أ َ شِ إلَ أنَ هَاتَـا أوانِـسٌ
وقال ابن أبي زرعة الدمشقي ل
ُ ِـخ الخل عليها جالت ً
ا ُح
ش و
ُ لها َت ر صيّ
ف لو أن الخلخيلَ ُ
وقال أبو تمام :الكامل: فَلما ال َتقَينا صَغر الخبَر الخبرُ خبَا َر َقبْلَ لِـقـائه
ال ْ
قلبه البحتري فقال :المنسرح وكمينُه المخفي عليه كمينُ نَ له فَضَل لحينه
وقال أبو تمام :الكامل: طبُهْ
س أنه عَ َسبُ النا ُ
ما يَح ِ لمر ُء أن يُنجـيَهُ
قلبه البحتري فقال :الطويل غيْرَ الصيدِ سنَى فما َتصْطَادُ َوَ ْ غدَت ب إذا َ رمِي القلو َ
وقال أبو تمام :الخفيف: فوارس يصطاد الفوارسَ صِيدُها أخشَى على دا ِر أ ْمنِهـا
114
ق مثل بَيتِ ال َرضَة
كل عِ ْر ٍ فإذَا غَنت ترى في حَلقـهـا
فقلبَهُ ابن المعتز فقال يصف أرَضة أكلت له كتاباً :الرجز
مثل العروق ل ترَى فيها خََللْ َتثْني أنابيبَ لها فيهـا سـبـل
وهذا كثير ُي ْكتَفى منه باليسير.
ما ل ينقلب من المعاني
ومن المعاني ما ل ينقلب :أل تَرَى أنك تقول :نام القوم حتى كأنهم موتى ،ول يحسن أن تقول :ماتوا حتى كأنهم نيام؛ وقد أخذ على أبي نواس
قوله يصف داراً وقف بها :السريع:
بين َيدَي تفنيده مُطرِقُ كأنها إذ خَرستْ جارم
قالوا :إنما يجب أن يشبه الجارم إذا عذلوه فسكت وانقطعت حجتُه بالدار الخالية التي ل تُجِيب.
وأخذوا عليه قوله :البسيط:
ن َقصَارِ معصفرات على أرسَا ِ كأن نيراننا في جنبِ حصنهـمُ
وقد تبعه أبو تمام الطائي فقال في الفشين لما أحرق :الكامل:
صطَلى سرَ الزنادِ الوَارِي حتى ا ْ ما زالَ سرُ الكُفْر بينَ ضُلُوعِـه
لَهب كما عصفرتَ شِـق إزارِ نا ٌر يساورُ جسمَه من حـرهـا
أركانَهُ َهدْمًا بـغـي ِر غـبَـارِ شعَل يهدّم لفـحـهـا طارت له ُ
ل فَـقَـارِ
وفعَلْنَ فاقرة بـكُـ ّ ل مجمَع َمفْـصِـل ن منه ك ّفصّلْ َ
مَيتاً ،ويدخُلها مـع الـكـفـارِ صلّى لها حيّاً ،وكان وقُـودهـا
يومَ القيامة جلُ أهْـلِ الـنّـارِ وكذاك أهلُ النارِ في الدنيا هـم
أردت البيت الثاني ،قالوا :وإنما تشبه الثيابُ المعصفرة بالنار؛ فهذا وما أشبهه ل يتوازنُ انعكاسه ،وتتضادّ قضاياه؛ وإنما يصح القلْب فيما
يتحقّق تضادّه أو يتقارب.
قطعة من شعر أهل العصر في ذكر النجوم
قال أبو الفتح البستي :البسيط:
حمَلِ
أقْوَى من المشتري في أوَلِ ال َ ض مِن أملي أني أرى عملي قد غ ّ
كأنني أسْتدرّ الحـظ مـن زُحَـلِ وأنني راحِـل عـمّـا أُحـاوِلـه
وقال :البسيط
فاحكم على مُ ْلكِه بال َويْلِ والحَربِ إذا غدا ملكٌ بالّلهْ ِو مـشـتـغـلً
لمّا غدا برج نجمِ الّلهْو والطّرَبِ؟ ألم تر الشمس في الميزان هابطةً
وقال :الوافر
و ُت ْبعِدُ حين تحتقدُ احتـقـادا وقد ُتدْني الملوكُ لدى ِرضَاها
سلُبُ ما أفَـادا وفي التربيع يَ ْ كما المرَيخ في التثليث ُيعْطي
وقـال :الـمـتـقـارب
تمدَحت فَلْيمتحن من يُحـبْ أل فثقوا بي فإني كما
ول بُ ْرجُ قلبيَ بالمنقـلـبْ فما كوكبي راجعاً في الوفاء
وقال :المتقارب
حهُمُ بـالـظـفَـرْ وفازت قِدا ُ لئن كـسَـفُـونـا بـل عـلّة
كما َيكْسِفُ الشمسَ جِرمُ ال َقمَر فقد َيكْسِفُ المر َء مَـنْ دونـه
وقال :الرمل:
ما فـيهِ بـزيغٍ وخَـلَــلْ شَ َرفُ الوَغْد بوغد مـثـلـهِ
شرفُ المرّيخ في بيت زُحَلْ ق فيما قُـلْـتُـه
ودليل الصد ِ
وقال :الكامل:
حتى أخَل بطاعةِ النـصـحـاءِ قل للذي غَرّتهُ عِـزّ ُة مُـلْـكِـه
وكذاك أوْجُ الشمسِ في الجوزاء ك بعلمهم وبـرأيهـم شرفُ الملو ِ
وقال :المتقارب:
فساد الماكن ،والشر ُيعْـدِي وقد يفسدُ المرء بعد الصلح
س ْعدِ غيْر َ إذا كان في موضعٍ َ كما السّعد يَقبل طبع النحوس
وقال :الرجز:
من َبعْدِ طولِ العهد بالمواردِ ما أنْسُ ظمآنٍ بمـا ًء بـاردِ
جدِمن سيدٍ َمحْضِ النّجار ما ِ إلّ كُأنْسِي بـكـتـابٍ وارد
كأنما استمله من عُطـارِد
وقال :الكامل:
لرياسةٍ ،وتصاغرُوَا وتخادَموا يا معش َر الكتاب ل تتعرضوا
115
إلّ عطارد حين صُـوَر آدمُ إن الكواكب كُن في أشرافها
وقال :المتقارب:
له الْخُلق الشرفُ الظرفُ دعانـي إلـى بـيتـه سـيّد
بعذر هو الظرف الطرفُ ت بيتي ولطَـفْـتُـهُ فل َزمْ ُ
عطار َد في بيتـه أشـرفُ جمِي ،ول شـكّ أن عُطَا ِردُ نَ ْ
وقال :البسيط:
وصِ ْرتُ بعد ثَوَاء رَهْنَ أسفـارِ ت مِـنْ دارٍ إلـى دارِ لئن تنقلْـ ُ
شمْسُ في كل بُرْج ذاتُ أنوار وال َ فالحر حرٌ عزيزُ النفس حيث ثَوَى
وقال :الطويل:
وللدهر حكم للجمـيع صَـدُوعُ لئن صدع الدهرُ المشتتُ شملنـا
وللشمس من بعد الغروب طلوع فللنَجْ ِم من بعد الرجوع استقـامةٌ
وقال لمحبوس :الطويل:
تضي ُء به الَفاقُ للبدر والشمـسِ ت ومن بعد الكسوف تـبـلّـج س َ حُب ْ
ضيَق الحبْسِ فأول كون المرء في أ ْ فل تعتقدْ للحبس غـمـاً و َوحْـشَة
وقال أيضاً :الكامل:
حاشاك أن تنقادَ للمـريخِ يا من تولى المشتري تدبيرَهُ
وقال :الكامل:
ما ك ّل تدبير البروج بضـائِرِ ن من كل شيء مُفْزعٍ ل تفزعَ ْ
وقال يرثي أبا القاسم الصاحب :الطويل:
كذاك كسوفُ البدر عند تمامِهِ فَ َقدْناهُ لما تمَ واعتمَ بـالـعُـلَ
وقال أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد بن درست لبي الفضل الميكالي :الوافر:
فَوَج ُهكَ عِندَنا البَدرُ المُقـيمُ إذا ما غاب وَجْهُ البَدْرِ عنـا
فوجهك نج ُم سعدٍ مستقـيمُ جعَت نُجومُ السع ِد يَوماً فإن َر َ
وقال مسكويه الخالدي :البسيط:
فضيلة الشمس ليست في منازلها ل يعجبنكَ حسنُ القصر تنـزلـه
ما زاد ذلك شيئاً في فضائلـهـا لو زيدت الشمسُ في أبراجها مائةً
وقال أبو بكر الخوارزمي :الطويل:
لزاماً ،وإن أعسَرت زُرْتَ لماما رأيتك إن أيسرْتَ خيمتَ عندنـا
أغَب ،وإن زاد الضياء أقـامـا فما أنت إل البدر :إن قل ضوؤه
وهذا كقول إبراهيم بن العباس الصولي في محمد بن عبد الملك الزيات :الرمل:
وأبٌ بـرٌ إذا مـا قـدرا سدٌ ضَا ٍر إذا مانَـعْـتَـهُ أَ
يعرف الدنى إذا ما افتقرا يعرف البعد إن أثرى ،ول
وقال ابن المعتز :الطويل:
بناهُ إلهٌ غالبُ الـعـز قـاهـ ُرهْ إذا ما أراد الحاسدون انـهـدامَـه
تزينهـمُ أخـلقُـهُ ومـَآثِـرُه؟ وماذا يريد الحاسدون من امـرئً
ول تهتدي يَوْماً إليهم مَـفَـاقِـرُهْ إذا ما هو استغنى اهتدى لفتقارهمْ
ف ُردَ عليهم َوبْـلـه ومَـوَاطِـ ُرهْ وكانوا كَرَام كوكبا بـبـصـاقِـهِ
وهذا البيت كما قال بعض العرب في إحدى الروايات :الطويل:
بريًا ومِنْ جالِ الط ِويَ َرمَاني رَماني بأمر كنتُ منه وَوَالدي
الجُول والجَال :الناحية ،والطوي :البئر؛ يريد رماني بما عاد عليه ،والرواية المشهورة :من أجل الطّوِي ،فعلى هذا تسقط المناسبة بينه وبين
قول ابن المعتز.
من أخبار الصمعي
ضنَا في ذكر أبي سعيدجتَني ثمارَها ،ونَجتَلي أنوارَها ،إلى أن أفَ ْ ض من المذاكرة نَ ْقال بعضُ الرواة :كنّا مع أبي نصر رَاوية الصمعي في ريا ٍ
عبد الملك بن قرَيب الصمعي؛ فقال :رحم الَُ الصمعي! إنه لمَعدِنُ حِكم ،وبَحرُ عِلْم ،غي َر أنه لم نر قط مثلَ أعرابي وقف بنا فسلم ،فقال :أيكم
الصمعي؟ فقال :أنا ذاك ،فقال :أتأذنون بالجلوس؟ فأذِنا له ،وعجبنا من حُسن أدبه مع جفاء أدب العراب.
قال :يا أصمعي ،أنتَ الذي يزعمُ هؤلء النَفر أنك أثقبهُم معرفة بالشعر والعربية ،وحكايات العراب؟ قال الصمعي :فيهم مَنْ هو أعلم مني،
ومَنْ هُ َو دوني ،قال :تنشدونني من بعض شعر أهل الحضر حتى أقيسَهُ على شعر أصحابنا؟ فأنشده شعراً لرجل امتدح به مسلمة بن عبدَ الملك:
الطويل:
وليث إذا ما الحربُ طارَ عُقابُها أمَسلمَ ،أنتَ البحرُ إن جاءَ واردٌ
ب يعب عُبابهـا حوادثُ من حر ٍ ي إن غدَت وأنت كسيف اله ْندُوَانِ ّ
ول غاية إلّ إلـيك مَـَآبُـهـا وما خُلِقت ُأكْرومَةٌ في امرئٍ له
116
بها ،وعلى كفيك يَجرِي حِسابُها ن عـلـيهـا مُـ َوكّـلٌ كأنك ديّا ٌ
أخا ثقة يرجَى لديه ثـوابُـهَـا إليك رح ْلنَا العِيسَ إذ لم نجد لهـا
قال :فتبسّم العرابي ،وهزّ رأسه ،فظننا أن ذلك لستحِسانه الشعر ،ثم قال :يا أصمعيّ ،هذا شع ٌر مهَلهل خَلَق النسج ،خطْؤه أكثر من صوابه،
يغطي عيوبَه حسن الرَوِيّ ،ورواية المنشد؛ يشبّهون الملك إذا امتُدح بالسد ،والسد أبْخَر شَتيم المَنظَر ،وربما طرده شِ ْر ِذمَة من إما ِئنَا،
صعْبٌ على مَن رَكبه ،مُرّ على من شربه ،وبالسيف وربما خان في الحقيقة ،و َنبَا عند وتلعَب به صبياننا ،ويشبّهونه بالبحر ،والبحرُ َ
ي من حيّنا! قال الصمعي :وماذا قال صاحبكم؟ فأنشده :البسيط: الضّريبة! أل أنشدتني كما قال صب ّ
لم ُيعْزَ إكرامها إلّ إلى الـهـولِ إذا سألت ال َورَى عن كل مكـرمة
فالنّيل يشك ُر منه كثْـرَةَ الـنّـيْلِ ل نَـائِلـهُ فتًى جَوادٌ أذابَ الـمـا َ
في كرّهِ عند لفّ الخيل بالخـيلِ ت يكره أن يلقـى مَـنِـيّتـهُ المو ُ
أو زاحم الصّمّ أ ْلجَاها إلى المـيْل س أبقى الشمسَ كاسِفة وزاحم الشم َ
جرَى من الـسّـيْلِ وعند أعدائه أ ْ أمضَى من النجم إن نا َبتْـه نـائبةٌ
ب الـذيْلِ ول تراه إليها سـاحـ َ ل يستريح إلى الدنيا وزينـتـهـا
كما يقصّر عن أفعاله قَـوْلـي! صرُ المج ُد عنه في مكـارمِـهِ يق َ
قال أبو نصر :فَأ ْبهَتَنا وال ما سمعنا من قوله ،قال :فتأنّى العرابي ،ثم قال للصمعي :أل تنشدني شعراً ترتاحُ إليه النفس ،ويسكن إليه القلب؟
فأنشده لبن الرّقاع العاملي :الطويل:
مؤشّرَة يَسْبي المُعانِق طِيبُهـا وناعمة تجْلُـو بـعـود أراكةٍ
ت بعد الرّقاد غُروبُها إذا ارتشِفَ ْ كأنّ بها خمرًا بماءِ غـمـامةٍ
ث كان حبيبُها ل نفس حي ُ ُمنَى ك ّ ج ٍد تَحِـنّ ،وإنـمـا أراك إلى نَ ْ
فتبسَم العرابي وقال :يا أصمعي ،ما هذا بدون الول ،ول فوقه ،أل أنشدتني كما قلت؟ قال الصمعي :وما قلت؟ جعلت فداك! فأنشده :الطويل:
ي عن كلّ الورَى فارغٌ بِـكْـرُ فقلب َ تَعلّ ْقتُها بِكراً ،وعُـلّـقْـت حـبّـهـا
حجِبَ البَـدْرُ وتكفيك ضوءَ البدر إن ُ جبَتْ لم يكفكِ البدرُ ضـوءَهـا إذا احت َ
صبْرُ؟حسُن ال ّ جميلً ،وهل في مثلها يَ ْ وما الصب ُر عنها ،إن صبرتَ ،وجدتُه
س ُبكَ الخـمـرُ ووالّ ما من ريقها حَ ْ وحسبُك من خمر يفـوتُـك ريقُـهـا
لكان لمسَ الذر في جِلْـدِهـا أثْـرُ ولو أن جلد الذر لمَـسَ جِـلْـدَهـا
سنِها لصفـا الـبَـدْرُ وتفضله في حُ ْ ضدّا جـمـالُـهـا ولو لم يكُنْ لل َبدْرِ ِ
قال أبو نصر :قال لنا الصمعي :اكتبوا ما سمعتم ولو بأطرافِ ال ُمدَى في رِقاق الكباد! قال :وأقا َم عندنا شهراً ،فجمَع له الصمعيّ خمسمائة
دينار ،وكان يتعاهدنا في ا ْلحِين بعد الْحِين ،حتى مات الصمعي وتفرّق أصحابنا!
فِقَرٌ من كلم العراب
في ضروب مختلفة
قال الجاحظ :ليس في الرض كلمٌ هو أ ْمتَع ،ول أنْفَع ،ول آنقُ ،ول ألذّ في السماع ،ول أشد اتّصال بالعقول السليمة ،ول أ ْفتَق لِلسان ،ول
أجود تقويماً للبيان ،من طُولِ استماع حديث العراب العقلءِ الفصحاءَ.
قال ابنُ المقفع ،وقد جرى ذِكْرُ الشعرِ وفضيلته :أي حكمة تكون أبلغ ،أو أحسن ،أو أغرب ،أو أعجب ،من غلم بدوي لم ير رِيفاً ،ولم يشبع
س بالجانِ؛ فإذا قال الشعر وصف ش من الكلم ،ويَفْزَع من البشر ،ويَأوِي إلى القَفْرِ واليرابيع والظَباء ،وقد خالط الغِيلَن ،وأن َ من طعام؛ يستوح ُ
ما لم يَرَه ،ولم يغذ به ،ولم يعرفه ،ثم يذكر محاسن الخلق ومساويها ،ويمدح ويهجو ،ويذمّ ويعاتب ،ويشبب ويقول ما يُكتب عنه ،ويروى له،
ويبقى عليه.
وقال بعض العراب :الطويل:
وإني بأطراف ال َقنَا للَـعـوبُ وإني لهدَى بالوانس كالدُمـى
ولُـوثَة أعـرابـيتـي لدِيبُ عنْجُهيتي وإني على ما كان من ُ
كأن الدب غريب من العراب ،فافتخر بما عنده منه.
وقال الطائي في فطنتهم ،يستعطف مالك بن طَوْق على قومه بني تغلب :الكامل:
طنَةِ العرابِ وتباعدوا عن ف ْ غ َذتْهُمُخصْرِ اللطيف َ ل رِقة ال َ
كرَم النفـوس وقـلّة الَدابِ فإذا كَشَ ْف ُتهُمُ وجدْت لـديهـمُ
ووصف أعرابي رجلً فقال :هو أطه ُر من الماء ،وأرق طباعاً من الهواء ،وأمضى من السيل ،وأهدى من النجم.
ستَمرَأ ظُلْمه.
ووصف أعرابيّ رجلً فقال :ذاك وال من ينفع سِلمه ،ويتَواصَفُ حِلمه ،ول يُ ْ
ش من أقلمهم. وقال أعرابي :جلستُ إلى قوم من أهل بغداد فما رأيتُ أرجَح من أحلمهم ،ول أطيً َ
وذكر أعرابي من بني كلب رجلً فقال :كان وال الفه ُم منه ذا أذنين ،والجواب ذا لِسَانين ،ولم أرَ أحداً أرتقَ لخَللِ رَأي ،ول أبعد مسافة روية،
ومَرادَ طَ ْرفٍ منه؛ إنما كان يرمي بهمّته حيث أشار إليه الكرم ،وما زال يتحسى مرارة أخلق الخوان ،ويسقيهم عذوبةَ أخلقه.
ت له ،فما ُتعْ َقدُ إل على وُده ،ول تنطق إلّ بحمده. ل فقال :وال لكأن القلوب واللسُن ريِض ْ وذكر أعرابي رج ً
ب بمثل المشاوَرة ،ول اكتُسِبت البغضا ُء بمثل الكبر. وقال أعرابي :أقبحُ أعمال المقتدرين النتقامُ ،وما استنبط الصوا ُ
ن الدنيا دارُ مفر ،والَخرة دار مقَر؛ فخذوا من مفركم لمقَركم ،ول تهتكوا أستاركم قال الصمعي :وخطَبنا أعرابي بالبادية ،فقال :أيها الناس ،إ ّ
عند من ل تخفى عليه أسرارُكم.
117
قال المعافر بن نعيم :وقفتُ أنا ومعبد بن طوق العنبري على مجلس لبني العنبري ،وأنا على ناقة وهو على حمار ،فقاموا فبدأوني فَسَلموا علي؛
ثم انكفَأوا على معبد ،فقبض يده عنهم؛ وقال :ل ،ول كَرَامة! بدأتم بالصغير قبل الكبير ،وبالمولَى قبل العربي ،وبالمُفْحَم قبل الشاعر ،فأسكت
القومُ ،فانبرى إليه غلم ،فقال :بدَأنا بالكاتب قبل الُمي ،وبالمهاجر قبل العْرابي ،وبراكب الراحلة قبل راكب الحمار.
غنَوْا.
ن بذلوا أ ْ جدْب ،إنْ قاتلوا أبْلَوْا ،وإ ْ ووصف أعرابي قومَه فقال :ليوثُ حَرْب ،وغُيوث َ
ت بينهم السهام ،وإذا تصافَحُوا بالسيوف َفغَر َفمَه الْحِمامُ. سفَ َر ْووصف أعرابي قومًا فقال :إذا اصطفُوا َ
عيَابُ الود بيني وبينه بعد امتلئها ،واكفهّرت وجوهٌ كانت بمائها. وُسئل أعرابي عن صديق له ،فقال :صَفِرت ِ
ل والنهار وقال الصمعي :وسمعت أعرابيًا يقول :إن المال قَطَعتْ أعناقَ الرجال ،كالسراب غَ َر مَنْ رآه ،وأخلف من رَجاه ،ومَنْ كان اللي ُ
مَطِيته أسرعا السير والبلوغ به :البسيط:
ل يوم مضى ُيدْني من الجَل وك ّ طعُـهـا والمرءُ يفرح باليام يق َ
وذكر أعرابي مصيبة ناَلتْه ،فقال :إنها ،وال ،مصيبة جعلت سُودَ الرؤوس بيضاً ،وبيضَ الوجوه سوداً ،وهونت المصائب ،وشَيبت الذوائب.
وهذا كقول عبد ال بن الزَبير السدي :الوافر:
س َمدْنَ له سُـمُـودا بمقدارٍ َ ن نِسْوَةَ آل حَرْبٍ ح ْدثَا ُ
َرمَى ال ِ
ورد وجو َههُن البيضَ سُودا فرد شعورهنَ السُود بيضـاً
صكَانِ الخـدُودا و َرمْلَة إذ تَ ُ وإنكُ لو رأيت بكاءَ هِـنْـدٍ
أصابَ الدهرُ واحدَها الفقيدا ت بُكا َء ُمعْـوِلةٍ حَـزين َبكَي َ
ل ابن الرومي :الخفيف: ونظي ُر هذا التطابق بين السواد والبياض ،وإن لم يكن من هذا المعنى ،قو ُ
عند بيضِ الوجوه سُودِ القرونِ يا بياضَ المَشِيبِ سَ ّودْتَ وَجْهي
عن عِياني وعن عِيان العيونِ فلعمري لخفينَـك جَـهْـدِي
حك في رَأسِ آسفٍ محزون ولعمري لمنعنـك أن تَـض
ج ِهكَ المَـلْـعُـونِوسوادٌ لوَ ْ بسوادِ فيه ابيضَاضٌ لوجهـي
سأل أعرابيان رجلً ،فحرمهما ،فقال أحدُهما لصاحبه :نزلتَ وال بوا ٍد غير ممطور ،وأتيتَ رجلً بك غير مسرور ،فلم تّدرك ما سألت ،ول
عدَم. نِلْتَ ما أمّلْت؛ فارتحِل بندم ،أو أَقمْ على َ
غفَلنا ولم َيغْفُلِ الده ُر عنّا ،فلم نتعظ بغيرنا حتى وُعِظ غيرُنا بنا ،فقد أدركتِ السعاد ُة من تَنبه ،وأدركت قال الصمعي :وسمعتُ أعرابياً يقولَ :
الشقاوة من غفَل ،وكَفى بالتجربة واعظاً.
وقال أعرابي لرجل :أشكر للمنعم عليك ،وأنْعم على الشاكر لك ،تستَوْجب من ربك زيادته ،ومن أخيك ُمنَاصحته.
حكِم السبب ،من أيّ أقطاره أتيته تُثْني عليه بكرم فعال ،وحُسْن مقال. ستَ ْ
ل فقال :ذلك وال فَسيح الدب ،مُ ْ ومدح أعرابي رج ً
غيْ َر منتقل عنه ،ولو صدق رجلٌ نفسه وذمّ أعرابي رجلً فقال :أفسد آخِرتَه بصلح ُدنْياه ،ففارقَ ما أصْلح غيرَ راجعِ إليه ،وقدم على ما أفسد َ
ما َكذَبتهّ ،ولو ألقى زمامه أوْطأه رَاحِلتَهُ.
وقال أعرابي :خرجت حين انحدرَتْ أيدي النجوم ،وشالَتْ أرجلها ،فما زلّت أصدع الليلَ حتى انصدَع الفجر.
وقال أعرابي :الرجز:
بالسّوْطِ في دَ ْيمُومة كالتّرس ت َذمِيلَ الـعَـنْـسِ
وقد َتعَاَللْ ُ
شمْسِ عرّج الليلُ بُرُوجَ ال َ إذ َ
ومن مليح الستعارة في نحو هذا قولُ الحسن بن وهب :شربت البارحة على وَجْهِ الجوزاء؛ فلما انتبه ال َفجْ ُر ِنمْت ،فما عقلت حتى َلحَفَني
شمْسِ.
َقمِيصُ ال َ
حنْثَ ،وتَقْضي الحاجة. سخِط الشيطان ،وتُذْهِب ال ِ وقال أعرابي لصاحبه في شيء ذكره :قل إن شاء ال ،فإنها تُ ْرضِي الربّ ،وتُ ْ
ب يوم كتَنّور الطاهي ،رقّاص بالحمامة ،قد رميتُ ت بينهما :أما وال ل ُر ً وروى العتبيُ عن أبيه قال :سمعت أعرابيَاً يقول لخيه في معاتبة جرَ ْ
سمُومِه ،أح َتمِلُ منه ما أكره لما أحبّ. نَفْسي في أجِيج َ
قال أبو العباس محمد بن يِزيد :وأحسب العتبي صنع هذا الكلم ،وأخذه من قول بَشَار :الطويل:
جزْل حتى تَضرّما وأوقَدنَ فيه الْ َ ويوم َكتَنورِ الماء سَـجَـرنَـه
ض َمنْخَرها دَمَا وبالعيس حتى بَ ّ سمُومـه رميتُ بنفسي في أجيج َ
أخذ هذا المعنى بعضُ أصحاب أبي العباس ثعلب فقال يهجو المبرد :الطويل:
على أنه منه أحَرّ وأوقـدُ ج ْرتُهويوم كتنّور الطّهاة سَ َ
فما زلت في ألفاظِهِ أتب َردُ ظللت به عند المبرّد جالِساً
غذَ ْوتُك رضيعاً، جعَة فقالت :والّ يا بنيّ لقد َ قال الصمعي :حجت أعرابيةٌ ومعها ابنٌ لها ،فأصيبت به ،فلمّا ُدفِن قامت على قبره ،وهي مُو َ
ت بعد النّضارة والغَضَارة ورونق الحياة والتنسّم في طِيب روائحها، وفقدتُك سريعاً ،وكأنه لم يكن بين الحالين مدةٌ ألت ُذ بعيشك فيها ،فأصبح َ
ت الدنيا عليك أذيال الفناء ،وأسكنتك دارَ البِلَى ،ورمتني بعدك حبَ ِ
جرُزاً؛ أي بني! لقد سَ َ تحت أطباق الثرَى جَسداً هامداً ،و ُرفَاتاً سحيقاً ،وصعيداً ُ
نكْبَةُ ال ّردَى ،أي بني ،لقد أسفر لي وج ُه الدنيا عن صباح دَاجٍ ظلمُه.
عدْتني ب ومنك العدل ،ومن خَ ْلقِك الجَوْر ،و َه ْبتَه لي قُرَةَ عين فلم ُت َمتّعني به كثيراً ،بل سَلَبتنِيه َوشِيكاً؛ ثم أمرتني بالصبر ،وَوَ َ ثم قالت :أي ر ّ
سدْتُه الثّرَى؛ اللهم ارحم غربته ،وآنِس عتُه ال ّردْم ،وو َ عدَك ،ورضيت قضاءك ،فرحم ال من ترحّم على من استودَ ْ عليه الجر ،فصدقت وَ ْ
وحشَته ،وأسترْ عَوْرَته ،يوم ُتكْشَف ال َهنَات والسوءات.
فلما أرادت الرجوعَ إلى أهلها وقفت على قبره ،فقالت! أي بني ،إني قد تز ّودْت لسفري ،فليت شعري ما زادُك ل ُب ْعدِ طريقك ،ويوم َمعَادِك؟ اللهم
عنِيك في أحْشَائي جنيناً؛ وأثكلَ الوالدات! ما أمض حرار َة قلوبهنّ ،وَأقْلَق عتُك مَن استودَ َ ي عنه .ثم قالت :استودَ ْ إني أسألُك له الرضا برضائ ِ
ن من الحزان. ن من السرور ،وأقربه ّ ل ليلهن ،وأقص َر نهارهن ،وأقلّ أنسهنّ ،وأشدّ وحشتهن ،وأبعده ّ مضْاجِعهن ،وأطو َ
118
ت كل مَنْ سمِعها .وحمدت ال عزّ وجلّ واسترجعَتْ وصلت ركعات عند َقبْره وانطلقت. لم تزلْ تقولُ هذا ونحوه حتى أبك ْ
وأنشد المُفضلُ الضبيُ لمرأ ٍة من العرب ترثي ابناً لها :الكامل:
عمْرِو عمْرو يا أسَفي على َ يا َ يا عمرُو مالي عنك من صبرِ
ض ْعتَ في القبرِ؟ ك ّفنْت يوم وُ ِ ل يا عـمـرو ،وأيَ فـتـىً
وعلى غَضَارة وجهه النضْرِ أحْثوا الترابَ على مَفَـارقـهِ
وبدا ُمنِيرَ الوجه كـالـبـدر ب بـهِ حين استوى وعَل الشبا ُ
ورأوا شمائل سَـيّد غَـمْـرِ ورجا أقاربُـه مـنـافَـعـهُ
غدَا مع الغادِينَ في السفـر وَ وأهمَه هَـمَـي فـسـاوَرَهُ
مَ َرطَى ا ْلجِراء شَديدةُ السْر تغدُو به شَـقـراء سـامـية
ب مُقْلتـي صَـقْـرِ ج يقل ُ فَلِ ٌ جنَان به ،ويقـدمـهـا ثبت ال َ
غذُوه وفي العُسْرِ في اليُسْر أ ْ ربـيتُـه دَهْـراً أفـتَـقُـهُ
فيه ق َبيْلَ تلحُـقِ الـثـغـر ل أمكـنـنـي حتى إذا التأمي ُ
غبْـرِ في الرض بين َتنَائِفٍ ُ ت من شغفي أُنـقـلـهُ وجعل ُ
وأُحِلُه في الم ْهمَهِ الـقَـفْـرِ ن بـهِ أدَع المَزارعَ والحصو َ
من ُقتْر مَ ْومَاةِ إلـى قُـتْـرِ ما ز ْلتُ أُصْـعِـده وأُحْـدِرُهُ
ت بـه ول أدْري حيث انتـويْ ُ هربًا به والمَ ْوتُ يطـلـبُـه
سَوقَ المُعيز تُسَاق للعَـتْـرِ ت به لمَـصْـرَعِـه حتى د َفعْ ُ
غفَى مطلع الفجـر ورمى فأ ْ ما كان إلَ أن َهجَـعْـتُ لـه
س يُسَاوِر منه كالسُـكْـرِ رم ٌ ورمى الكَرَى رَأسي ومال به
وذُعِ ْرتُ منـه أيّمـا ذُعْـرِ إذ راعني صوت هببـت بـه
قد كدَحت في الوَجْه وال َنحْرِ وإذا مـنـيتُـه تـســاوِرُه
ش به من الـصَـدْرِ مما يَجِي ُ وإذا له عَـلَـقٌ وحَـشْـرَجة
كالثوبِ عند الطيّ والنـشْـرِ ت يَ ْقبِضُه و َيبْـسُـطـه والمو ُ
من قبل ذلك حاضرَ النصْـر صرَه وكُـنْـتُ لـه فدَعَا لنْ ُ
بين الوريد و َم ْدفَعِ السـحْـرِ ت عنه وهـي زَاهِـقة فعجز ُ
جَلَت مصيبتُه عـن الـقَـدْرِ ت بـه فمَضى وأي فتى فُجعْ ُ
ت من َوفْـرِ مالي وما جمّع َ لو قيل تَفـدِيه بـذلـتُ لـه
آثرتُه بالشّطْ ِر من عُـمْـرِي عمُـري أو كنت مقتدراً على ُ
و َرمَى عليّ وقد رأى فَ ْقرِي ت ذا فَقْرٍ لـه ،فَـعَـدا قد كن ُ
بابْنـي وشـد بـأزْرِه أزْري لو شاء َربّي كان متـعـنـي
كنّا إليك ،صفائحُ الصَـخْـر ت عليك ُبنَي ،أحـوج مـا بُنيَ ْ
ن بـالثْـر ضيْتُ فنحـ ُ إمَا مَ َ ل يبعدنكَ اللـه يا عـمـري
ل بد سالكها علـى سَـفْـرِ هذي سبيلُ النـاس كـلـهـم
يتوقعون وهم علـى ذُعْـرِ أوَ ل تراهـم فـي ديارهـم
قَسراً؛ فقد ذَلُوا على القَسْـرِ ت يُورِدهم مـواردهـم والمو ُ
وقال أعرابي يمدح رجلً :الطويل:
ج َيتَـطَـ َوحُ بأعلى سنا َميْ فالـ ٍ يمُ ُد نِـجـادَ الـسـيف كـأنـه
ويُوري كريماتِ الندى حين يقدحُ ت مَنْ هـو نـائم ويُدلجُ في حاجا ِ
ق يَ ْلمَـحُ ل َبدَا في جانب الفْ ِ هل ً إذا اعتمّ بالبُ ْردِ اليماني حسبـتـه
ح مَنْ يتـمـدَحُ وَيقصُر عنه َمدْ ُ يزيدُ على َفضْل الرجال فضـيلة
وأنشد ابنُ أبي طاهر لعرابي :الطويل:
َهتُوفُ البواكي والديارُ البَلقِـعُ وقبليَ أبكىَ كل من كان ذا هوى
ل منها ال َمدَامِـعُ خضَ ّ نَوَائح ما تَ ْ وهن على الطلل من كلّ جانبٍ
120
ل أرى لي خلفَ ُه مُستقـيمـا نَالَني بالـمَـلم فـيهـا إمـام
لست إل على الحديث نديمـا فاصرِفاها إلى سِوَايَ؛ فـإنـي
أن أراها وأن أشم النسـيمـا جُل حظي منها إذا هي دارت
َق َعدِي يُ َزيًن الـتـحـكـيمـا فكأنـي ومـا أزينُ مـنـهـا
ل يُقيمـا ب فأوصى المُطِيقَ أ ّ حمْلِهِ السلح إلى الحر كَل عَنْ َ
سبَقْ إلى هذا المعنى. ال َقعَ ِديّة :فرقة من الخوارج ،يَأمرون بالخروج ول يخرجون؛ وزعم المبرد أنه لم يُ ْ
وقال :الكامل:
ع َقدَ الحِذارُ بطَ ْرفِها طَرْفي
َ عيْن الخليف ِة بـي مُـوَكـلة َ
دِينَ الضمير له على حَ ْرفِ صحَتْ عَلَنيتي لـه ،وأرى َ
إني عليك لخائف خُلْـفـي ك تَ ْركَهـا عِـدَةً
عدْ ُت َ
ولئن وَ َ
حتْفِحي الحيا ِة مُشَارِفِ ال َ سلبوا قِناعَ الدن عن رَمـق
كتنفُس الريْحانِ في النْفِ فْتنفسَتْ في البيت إذ مُ ِزجَتْ
أخذْ قوله :ولئن وعدتك تركها عدة الحسنُ بن علي بن وكيع فقال :البسيط:
عدَتي بالزورِ وال َكذِبِ ش َهدْ على ِ فا ْ عدْتُك في تركِ الصَبا عِـدَةً متى وَ َ
وأقبل الصبحُ في جيش له لَجِـبِ أمَا تَرى الليل قد ولَت عَسـاكِـرُهُ
ل دائمُ الطلب في الجو َركْضاً هِل ٌ وجدَ في أثر الجوزْاء يطلُـبُـهـا
أدناه من كُرَ ٍة صيغَتْ من الذهب كصولَجانِ ُلجَين في يدَيْ مـلـك
كالنار لكنها نَـار بـل لَـهَـبِ طبِحْ صفراءَ صـافـيةً صَ فقُم بنا نَ ْ
حبَبِج من ال َ صُفْرٍ على رأسها تا ٌ س كَرْم تختالُ فـي حُـلَـل عرو ُ
وقال أبو الفضل الميكالي في اقتران الهلل بالزهرة :الرجز:
تحت هلل لونُه يَحكِي الَلهَبْ حتْ لنـا أما ترى الزُهر َة قد ل َ
وافَى عليها صَولَجانٌ من ذَهَبْ ككُرة من فِـض ٍة مَـجـلـوة
وعلى قول أبي نواس :الكامل:
دِينَ الضمير له على حَ ْرفِ صَحت عَلنيتي لـه ،وأرى
كتب أبو العباس بن المعتز إلى أبي الطيب القاسم بن محمد النميري :السريع:
ليس تجنيك من الـظـرفِ يا أيها الجافي ويستجـفـي
يُ ْؤمِنُ بالّ علـى حَـرْفِ إنّك في الشوقِ إلينا كـمَـنْ
صحْفِ غير أساطيرك في ال ُ ك مـن ودّنـا حوْتَ آثـا َر َ مَ َ
121
فكانت إلى قلبي ألـذ وأطَـيبـا سقاهُ ْم ومَنانِي بعـ ْينَـيْهِ مُـنْـيَ ًة
قال الحسين بن الضحاك الخليع :أنشدت أبا نواس قولي :المنسرح:
سكِ كْرِيه شابَ المُجُونَ بالنّ ُ وشاطريَ اللسانِ مختلق التّ
ت فيه:
فلما بلغْ ُ
ض أنْجُم الفََلكِ ع في بعْ ِ َيكْ َر ُ ب كَأسِ ِه قَـمَـر كأنما نُصْ َ
ق به منك؛ ولكن سترى لمن يُرْوَى! ثم أنشد بعد أيام: نَعرَ َنعْرَ ًة منكرةً ،فقلت :ما لكَ ،فقد رعتني؟ قال :هذا المعنى أنا أح ّ
ج من الليل كوكبا يُ ْقبّلُ في دا ٍ إذا عبّ فيها شاربُ القوم خِ ْلتَهُ
ن أنه يُرْوى لك معنى مليح وأنا في الحياة؟ وقال ابن الرومي فكان أحسن منهما :الكامل: فقلت :هذه مطالبة يا أبا علي! فقال :أتظ ّ
حتى تجاو َز ُمنْيَةَ النّفْـسِ سنُـهُ
ت مَحَا ِ ومهفهف َكمُلَ ْ
ح ْبسِ وتَضِجّ في يده من ال َ صبُو الكؤوس إلى مَرَاشِفِه تَ ْ
منه وبين أنامِل خَـمْـسِ أبص ْرتُها والكأسُ بين فـمٍ
قمرٌ يقتل عَارِضَ الشمسِ فكأنهّا وكـأن شَـارِبـهـا
وقال أبو الفتح كشاجم :الخفيف:
طرَفٍ َزرَهُ على الرض زَرا مُ ْ وسحاب يجرُ في الرض ذَيْلَـيْ
د بطيءٌ يكسو المسامِعَ َوقْـرا بَ ْرقُه َلمْـحةٌ ،ولـكـن لـه رَع
ضحَك سِـرا جهْرًا ويَ ْ وا ُه َيبْكي َ كخَلِـي مـنـافـق لِـلّـذي يه
سحَ َرتْني وليس ُتحْسِنُ سِـحْـرا قد سقتني المُدام فـيهـا فـتـاةٌ
ل بَـدْرا شمْسًا تُقـبـ ُ حَ أرَتني َ فإذَا ما رأيتُهـا تـشـربُ الـرا
بشار بن برد
وإنما احتذَى أبو نواس في هذه الشعار التي وصف فيها تَرْك الشراب وطاعته لمْ ِر المين مثالَ بشار بن بُرْد ،وصبّ على قالبه؛ وذاك أن
بشاراً لما قال :الكامل:
قَول تُغَلظُهُ وإن جَـرَحـا ل يُ ْؤيَسَنكَ مـن مـخـبـأةِ
جمَحَا ب يُمكِنُ بعدما َ والصع ُ عُسرُ النساء إلى مُـياسـرة
بلغ ذلك المهدي فغاظه؛ وقال :يحرض النساء على الفجور ،ويسهل السبيل إليه! فقال له خال ُه يزيد بن منصور الحميري :يا أمير المؤمنين ،قد
صبُو إلى مثل قوله :الرمل: فتن النساء بشعره ،وأي امرأة ل تَ ْ
هل ُيجِيد النعتَ مكفوفُ النظَر؟ طمَ ُة من َنعْتِـي لـهـا ت فَ ْ
جبَ ْعَ ِ
غصْنٍ وكـثـيبٍ وقَـمَـرْ بين ُ ِبنْتُ عَشرٍ وثـلث قـسـمَـتْ
مازَها التاجر من بـين الـدُرَرْ درّة بَـحْـرِي ٌة مـكـنـــونة
خطَر من وَلُوعِ الكف ركابِ ال َ ت الدمعَ وقالـت :ويلَـتـي أذْرَ ِ
ووِشاحِي حله حتى انـتـثَـرْ أمَـتـي بـددَ هـذا لُـعـبَـي
علنا في خَلْو ٍة نَقْضِي الوَطَـرْ َفدَعـينـي مـعـه يا أمـتـي
ن مُسْـتَـعِـرْ واعتراها كجنو ٍ أ ْقبَلَتْ في خَلْوَة تـضـربـهـا
ل قَـطَـرْ َدمْعُ عين غَسلَ الكُحْ َ بِأَبي والـلـهِ مـا أحـسـنَـه
طعْمُ السهَـر وسَلُوني اليومَ ما َ أيها النّـوَامُ هـبـوا َويْحَـكُـم
فأمره المهدي أل يتغزل ،فقال أشعاراً في ذلك ،منها :مجزوء الكامل:
من وجه جارية فدَيتُـه يا منظراً حسنـاً رأيْتُـه
ثَوْبَ الشباب وقد طو ْيتُه لمعتْ إلي تَسُـومـنـي
ت ول نَ َو ْيتُه غمَز ُ ما إن َ والـلـهِ رب مـحـمـدٍ
عَرض البلءُ وما ابتغ ْيتُهْ ت عنكِ ،وربـمـا سكْ ُأمْ َ
وإذا أبى شـيئًا أبـ ْيتُـه إن الخـلـيفة قـد أبـى
غدَوتُ ،وأين بيتهْ ب إذا َ ويَشُوقني بيتُ الحـبـي
فصبَرت عنه وما قََل ْيتُـهْ قام الـخـلـيف ُة دونَــهُ
مُ عن النساء فما عص ْيتُه ونهانيَ المَِلكُ الـهُـمـا
عهْـداً ،ول رأياً رأيْتُـه َ بل قد وفيتُ ولـم ُأضِـع
وقال أيضاً :المنسرح:
أعطيتُ ضَيماً عليَ في شجَـن وال لول رِضَا الخـلـيفةِ مـا
مِزْهر في ظل َمجْلسٍ حَسَـنِ ت بين ال َندْمان والرّاح وال ش ُ قد عِ ْ
صنْعَ الموفَق الـلَـقِـن نفسيَُ ، ثم نهاني المهديُ فانـصـرفَـتْ
وقال :السريع:
بين الحمَيا والجَوَاري ال ِعذَابْ أفنيتُ عمري وتَقَضى الشبابْ
122
طبْتُ لحـب وطَـا ْ
ب وربما ِ فالن شفعتُ إمـام الـهُـدَى
ت أمير المؤمنين المُجَابْ صو ُ لهوتُ حتى رَاعَـنـي دَاعـياً
ونَام عُذالي وماتَ العِـتَـاب لَبيكَ لبيك! َهجَرتُ الصّـبـا
وربما ذلًتْ لهـن الـ َرقَـابْ أبصرت رُشدِي وتركتُ ال ُمنَى
في كلمة طويلة يقول فيها:
ل مَسَاك السَحَـابْسيْ ِ
سبَقْتَ بال َ
َ يا حامد الـقـول ،ولـم يَبـلُـه
ما جاءه من خطإ أوْ صَـوَابْ الفعلُ أَوْلَى بثـنـاء الـفـتـى
يثْني على الل ْقحَةِ ما في الحِلَبْ دعْ قولَ وَاءً وانتظر فـعـلـه
ورَاحَ في آلِ الرسول الغِضَابْ ي فـي جُـنْـدِهِإذا غدا المهـد ّ
كالظّلْم َيجْرِي في الثنايا ال ِعذَابْ بدَا لك المعروف في وجـهِـه
ومن شعر بشار في الغزل :الخفيف:
واسقياني من ريق بيضاءَ رُودِ صبّـا شَـرَابـي أيها الساقيان ُ
ب َثغْ ٍر بَـرُودِ
شَ ْربَ ٌة من رُضَا ِ إن دائي الصّدى ،وإنّ شفـائي
َزفَراتٌ يأكُلْنَ قَ ْلبَ الـجَـلِـيدِ عندها الصبرُ عن لقائي ،وعندي
وحديثٌ كالوَشْي وَشْي البُـرُودِ ولها َمبْسِ ٌم كـغُـ ّر القـاحـي
ب ونالت زيادةَ المـسـتـزيد نزلَت في السواد من حبّة القـل
123
وكان بشار أرقّ المحدَثين ديباجةَ كلم ،وسُمي أبا المحدثين؛ لنه َفتَقَ لهم أكمام المعاني ،ونهَج لهم سبيل البديع ،فاتَبعوه؛ وكان ابن الرومي
يُقَدمه ،ويزع ُم أنه أشع ُر من تقدّم وتأخر.
وهو يتعلّق في شعره بولء عَقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ،ويفتخرُ بالمضرية .قال له المهدي :فيمن َتعْتَزِي؟ قال :أمَا اللسان
فعربيّ ،أما الصل فكما قلت في شعري! قال :وما قلت؟ فأنشده :المتقارب:
يقولون مَنْ ذا و َكنْتُ العَـلـمْ ت قـومـاً لـهـمْ إحـنة
ونبئْ ُ
ل َيعْ ِرفَني أنا إلْـفُ الـكَـرَمْ أل أيها السـائلـي جَـاهِـلً
جمْ
فُرُوعي وأصلي قُريشُ العَ َ نمَتْ في المكارمِ بي عامـر
وأُصْبي الفتاة فل َت ْعتَـصِـمْ وإني لُغني مَقامَ الـفـتـى
البيت الول من هذه البيات ينظرُ إلى قول جميل :الطويل:
يقولون مَنْ هذا وقد عَرَفوني إذا ما رأوني طالعًا من ثنـيّة
وفي هذه القصيدة يقول بشار :المتقارب:
ب في وجهها لك إذ تبتسم ك ماءُ الشبا وبيضاءَ يضح ُ
صنَمْ
ن بَحَوْرا َء ِمثْلِ ال َ
أطَفْ َ دُوا ُر العذَارى إذا زُ ْرنَهـا
124
حدَث ال ُمنْسَدّ
ح باب الْ َ
مفتا َ حيّيتَ أبا المِـلَـدّ
اسَْلمْ و ُ
125
قال يحيى بن أكثم :أراد المأمون أن يزوج ابنته من الرضا فقال :يا يحيى تكلّم ،فأجل ْلتُه أن أقولَ :أنكحت ،فقلت :يا أمير المؤمنين ،أنت الحاكم
الكبر ،والمام العظم ،وأ ْنتَ أوْلى بالكلم ،فقال :الحمدُ لّ الذي تصاغرت المور بمشيئته ،ول إلهَ إل هو إقرارًا بربوبيته ،وصلّى ال على
محمد عند ذكره.
حكْماً ،وأنزله وحياً؛ ليكونَ سببَ المناسبة؛ ألَ وإني قد زوجت ابنة المأمون من عليّ بن موسى، ضيَه ُ
أمّا بعد ،فإن ال قد جعل النكاح دِيناً ،و َر ِ
وأمهرتها أ ْر َب َعمِائَةِ درهمٍ ،اقتدا ًء بسنةِ رسول ال ،صلى ال عليه وسلم ،وانتهاء إلى ما دَرَج إليه السلفُ ،والحمدُ ل ربّ العالمين.
قال الصمعي :كانوا يستحبّون من الخاطب إلى الرجل حُرمته الطالة ،لتدل على الرغبة ،ومن المخطوب إليه اليجاز ،ليدلّ على الجابة.
وخطب رجل من بني أمية إلى عمر بن عبد العزيز أخته ،فأطال؛ فقال عمر :الحمدُ ل في الكبرياء ،وصلّى ال على محمد خاتم النبياء؛ أما
عتْك إلينا ،والرغبة منّا فيك أجابَتْ ،وقد زوّجناك على كتاب ال :إمساكٌ بمعروف ،أو تسريحٌ بإحسان. بعد ،فإن الرغب َة منك دَ َ
وخطب رجل إلى قوم فأتى بمن تَخْطُب له ،فاستفتح بحمد ال وأطال ،وصلّى على النبي عليه السلم وأطال ،ثم ذكر البَدء وخلْقَ السماوات
والرض ،واقتص ذِكر القرون حتى ضَجِر مَنْ حضر ،والتفت إلى الخاطب ،فقال :ما اس ُمكَ أعزّك ال؟ فقال :وال قد أنسيت اسمي من طول
ع َقدُوا في مجلس آخر. خطبتك ،وهي طالقٌ إن لزوجتها بهذه الخطبة؛ فضحك القوم ،و َ
فقر في الكتاب والقلم والسيف والخطّ
ق ل يتكلم ،به يشخص المشتاقُ ،إذا أقعده الفراق ،والقلم وقال ابن المعتز :الكتاب وَالِجُ البواب ،جريءٌ على الحجاب ،مُ ْفهِم ل يَ ْفهَم ،وناط ٌ
ضهَا مُظْلِم ،وسوادها مُضِيء ،وكأنه يقبلمجهزٌ لجيوش الكلم ،يخدم الرادة ،ل يمل الستزادة ،ويسكتُ واقفاً ،و َينْطِقُ سائراً ،على أرض بيا ُ
بِسَاط سلطان أو يفتح نُوَار بستان.
وهذا كقوله في القاسم بن عبيد ال ،قال الصولي :لما عُرض القاسم بن عبيد ال ليخلف أباه :قال ابن المعتز :الخفيف:
ري بما شاء قاسـم ويسـيرُ قلـم مـا أراهُ أم فـلـك يَج
سًا كما قتل البساطَ شكـورُ خاش ٌع في ي َديْه يَ ْلثِ ُم قِـرْطـا
وكبير الفعال وَهْوَ صغـيرُ ل نَحِـيفٌ ولَطِيفُ المعنى جَلي ٌ
ش تَضُ ّم تلك السُطُورُفٍ وعي ٍ كم منايا وكم عطايا وكم حت
ط فيهن أم تَصْـويرُري أخ ٌ نقشت بالدُجا نهاراً فـمـا أدْ
ل ويَصِـير له ينمى إلى العُ َ عبَـيْدِ ال
ن أبوه ِمثْلُ ُ هكذا مَ ْ
فهناك الوزيرُ وهْوَ الوَزِيرُ ت ِمنّة الله عـلـيْ ِه ظمَ ْ عَ ُ
وقال بعض البلغاء :صورةُ الخطّ في البصار سواد ،وفي البصائر َبيَاض.
وقال أبو الطيب المتنبي :الطويل:
ل النثْـرُ وهذا الكلمُ النَظْمُ والنّائ ُ دَعاني إليكَ العلمُ والحِ ْلمُ والحِجَى
حبْرُ ض مِنْ نورِها ال ِ ت يَ ْبيَ ُ
إذا ُك ِتبَ ْ شعْ ٍر تكَادُ بُـيوتـهُ ت مِنْ ِ وما قُ ْل ُ
وقال ابن المعتز في عبيد ال بن سليمان بن وهب :الطويل:
بمختلسات الظن يسمعُ أو يرى عليمٌ بأعْقَاب المور ،كـأنـه
يُفتَح نَوْراً أو يُنَظمُ جـوهـرا ت يمينـهُ خلْ َإذا أخذ القرطاس ِ
ل بل غَرَر ،وأنت تقتلُ على خَطَر .فقال صاحب السيف :القلمُ خا ِدمُ السيف ،إن تَمَ فاخرَ صاحبُ سيفٍ صاحبَ قلم ،فقال صاحب القلم :أنا أقت ُ
مرادُه وإلَ فإلى السيف مَعاده؛ أما سمعت قول أبي تمام :البسيط:
في حده الح ُد َبيْنَ الجِد واللَـعـبِ السيفُ أصدَقُ إنبا َء من الـكـتُـبِ
ُمتُونِهنَ جَـلَءُ الـشًـكّ والـ َريَبِ بِيضُ الصفائح ل سُودُ الصحائفِ في
وقال أبو الطيب :البسيط:
ضنَتْ أخْفافُها بـدَمِ إلى مَن احتَ َ حكُ إبلي كُلما نظرَتْ ضِما زِ ْلتُ أُ ْ
ول أشا ِه ُد فيها عِفةَ الـصَـنَـمِ أسِيرُها َبيْنَ اصنام أشـاهِـدهـا
المجد للسيف ليسَ المَجدُ لِلقَلِـم جعْتُ وأقلمِي قوائِلُ لي حتى رَ َ
ف كـالـخَـدم فإنما نَحنُ للسيا ِ ب بـهأكتُب بنا أبدًا بعدَ الكِـتَـا ِ
هذا مقلوبٌ من قول علي بن العباس النوبختي ،وقد رواه أبو القاسم الزجاجي لبن الرومي ،وإنما وهم لتّفاق السمين :البسيط:
ب ودانَـــتْ خـــوفـــه المـــمُ له الــرقـــا ُ إن يَخْـدُمِ الـقـلـم الـسـيف الـذي خــضـــعَـــتْ
فالموتُ والموت ل شيء ُيغَالبه ما زال َي ْتبَع ما َيجْرِي به القلم
خدَم
ل للقلم م ْذ بُ ِريَتْأنّ السيوفَ لها مذْ أرهِفت َ بذا قَضَى ا َ
وقال ابن الرومي :المتقارب:
ن قَـلـمِ الـكـاتِـبِفم ْبأخْوَ َ سيْف الكَـمِـي َل َعمْ ُركَ ما السيْفُ َ
ظ َهرْتَ علـى سِـرّهِ الْـغَـائِبِ َ لَهُ شـاهـد إنْ تـأمَـلْـتَـــهُ
ن ِمثْلِـه رَهْـبَةُ الـرّاهِـبِ فمِ ْ أدا ُة الـمـنـيّةِ فـي جـانـبـيه
حدّ الـمـنِـيةِ فـي جَـانِـبِ وَ سنَانُ الـمـنـية فـي جـانِـبِ ِ
ف كالمُرْهَفِ ا ْلقَاضِبِ؟ وفي ال ّردْ ِ صدْرِ ِه كـالـسـنَـانِ ألم تَرَ في َ
وقال أبو الفتح البستي :الطويل:
وعدّوه ممّا ُيكْسِبُ المجدَ والكرمْ إذا أقسم البطالُ يوماً بسيفـهـم
126
مدَى الدّهرِ أنّ الَ أ ْقسَم بالقَلَـمْ كفى قََل ُم الكتاب مَجْـداً ورفـع ًة
وقد قيل :صريرُ القلم ،أشدّ من صليل الحُسام.
قال الصولي :أنشدني طلحة بن عبيد :الكامل:
حمِلْنَ شَخْتا مُرْهَفابأنامل يَ ْ ق َكفّهُ وإذا أمرَ على المهارِ ِ
وموصلً ومشتتًا ومُؤلفـا متقاصرًا ُمتَطا ِولً ومفصلً
وقِلَعَها قِلَعاً هناِلكَ ُرجَفا ترك العُداة رَواجفاً أحشاؤُها
يستنزل ال ْروَى إليه تلطفا كالحيّة ال ّرقْـشَـاء إلّ أنـه
فيعود سيفاً صارِماً ومثقّفا يرمي به قلمًا يمجّ لُعـابـه
وقال محمود بن أحمد الصبهاني :السريع:
ت منَ المـ ِر عن كل ما شئ َ س ُينْبـيك بـإطْـرَاقِـهِ
أخر ُ
ُي ْبدِي بها السـرّ ومـا َيدْرِي يُذْرِي على قِرْطاس ِه َدمْـعَةً
عبْـرَة تـجْـرِينفَت عليه َ كعاشق أخْفَـى هـواه وقـد
عُرْيانَ يكسُو الناس أو ُيعْرِي ُتبْصِرُه في كـلّ أحـوالـهِ
أطلَق أقواماً مـن السْـرِ يُرَى أسيراً فـي دوَاةٍ وقـد
يَ ْرشُقُ أقواماً ومـا َيبْـرِي أخرق لو لم َتبْرِه لـم َيكُـنْ
127
قال الصولي :وقد روي هذا لغير أحمد ،ولعل أحمد استعاره؛ فأعجب المأمون ذلك منه ،وشكره غسان بن عبّاد له ،وتأكّدت الحا ُل بينهما.
وكان أحم َد بن يوسف بن القاسم بن صبيح ،مولى عِجْل بن لجيم ،عَاليَ الطبقة في البلغة ،ولم يكن في زمانه أكْتب منه ،وله شعرٌ جيد مرتفع
عن أشعار الكتّاب ،ووزر للمأمون بعد أحمد بن أبي خالد ،وكان أول ما ارتفع به أحمد أن المخلوعَ محمد بن الرشيد لمّا قتِل أمر طاهر بن
الحسين ال ُكتّاب أن يكتبوا إلى المأمون؛ فأطالوا ،فقال طاهر :أريد أخصر من هذا ،فوُصِفَ له أحمد بن يوسف وموضعه من البلغة ،فأحضره
حمَة ،فقد فرّق بينهما حك ُم الكتاب في الولية والخدمة ،بمفارقته لذلك ،فكتب :أمَا بعد ،فإنْ كان المخلوع قَسي َم أمير المؤمنين في النّسَب واللّ ْ
غيْرُ
عمَلٌ َ س مِنْ أهْلِك إنّه َ عِصمة الدين ،وخروجه عن المْرِ الجامع للمسلمين؛ لقول الّ عزّ وجلّ فيما اقتص علينا من نبإ نوح وابنه" :إنّه لي َ
صالحٍ" ،ول طاعة لح ٍد في معصية ال ،ول قطيعةَ ما كانت القطيعةُ في ذاتِ الّ؛ وكتابي إلى أمير المؤمنين وقد أنجز الُّ له ما كان ينتظ ُر من
ع ْهدَه ،ونَ َقضَ عَقدَه ،حتى َر ّد به الُ ْلفَ َة بعد فُ ْر َقتِها ،وجَمع به ختَر َ
سابقِ وَغدِه ،والحمد لّ الراجع إلى أمير المؤمنين معلوم حقّه ،الكائد له فيمن َ
شتَاتِها ،وأضاء به أعْلم الدين بعد درُوسِها؛ وقد بعثتُ إليك بالدنيا وهي رَأسُ المخلوع ،وبالخرة وهي البُ ْردَةُ والقَضيب؛ والحمدُ ل المة بعد َ
الخ ِذ لمير المؤمنين حقَه ،الراجع إليه تُرَاثَ آبائه الراشدين.
صفُ أحمد للمأمون ويحثه عليه ،فأمره المأمون بإحضاره ،فلمّا وقف بين يديه قال :الحمدُ لّ يا أميرَ وكان أحمد بن أبي خالد كثيرًا ما يَ ِ
ك من تيسير كلّ عسيرٍ حاولك عليه سمِه ،وع َر َف َ المؤمنين الذي استخصّك فيما استحفظَك من دينه ،وقلدَك من خلفته ،بسوابغ نعَمه ،وفضائل قِ َ
خرَاه ،وأنَاحمْداً نامياً زائداً ل َينْقَطِعُ أُوله ،ول َينْقَضِي أُ ْ حبَاك به من مواردِ أمورِه بنُجْح مصادرهاَ ، متمرّد ،حتى ذلّ لك ما جعله تكملة لما َ
أسأَلُ ال يا أميرَ المؤمنين من إتمام بلئه لديك ،و ِم َننِه عليك ،وكفا َيتِه ما ولّك واسترعاك ،وتحصين ما حا َز لك ،والتمكين من بل ِد عدوّك ،مما
عدَهُ؛ إنه سميع حمَى الشّ ْركِ ،ويجمع لك ُمتَباين الُ ْلفَة ،و ُينْجِز بكَ في أهل العِنادِ والضللة وَ ْ يمن ُع به َبيْضَةَ السلم ،و ُيعِز بك أهْلَه ،و ُيبِيحُ بك ِ
الدعاء ،فعّال لما يشاء.
فقال المأمون :أحسنتَ ،بُورك عليك ناطقاً وساكتاً! ثم قال بعد أن بَله واختبره :يا عجباً لحمد بن يوسف! كيف استطاع أن ي ْكتُم نَفْسَه؟ وكتب
جمَعاً ببابك الوُفود ،يرجون نائَلكَ العَتيد ،فمنهم من َيمُتُ بحُرْمة، جدْوَاكَ ،
جدِي لزوار على بابه :إن داعِي َندَاك ،و ُمنَادِي َ إلى المأمون يستَ ْ
جحَفَ بهم المقام؛ فإن رأى أميرُ المؤمنين أن َينْعَشهم بسِيبِه ،ويحقق ظ َنهُم بطَوْلهَ ،فعَلَ. خ ْدمَة ،وقد أَ ْ ومنهم من ُيدْلي بسالفِ ِ
فوقعَ المأمون في عرض كتابه :الخي ُر متبع ،وأموال الملوك مَظَان لطلب الحاجات؛ فاكتُب أسماءَهم ،وبيّنْ مرتبةَ كل واحد منهم ،ليصيرَ إليه
على قَدرِ استحقاقه؛ ول تكدرَن معروفنا بالمَطْلِ والحجاب؛ فقد قال الشاعر :الوافر:
كإلصاق به طرف الهَوَانِ طرْداً لحُـرّ ن تَرَى َ فإنك لَ ْ
بمثل ال ُودّ أو بَذلِ اللسَـانِ ب مودَ ُة ذِي َوفَـاءً ولم ُتجْلَ ْ
حتَذِي عليه؛ فبت مغموماً ،فأتاني آتٍ جدْ مثالً أ ْ قال أحمد بن يوسف :أمرني المأمون أن كتب في زيادة قناديل شهر رمضان؛ فأعْيا علي ،ولم أ ِ
في النوم فقال :اكتب :فإنَ فيها إضاءة للمتهجدين ،ونفياً لمكان الريب ،وأنْسَا للسابِلة ،وتنزيهاً لبيوت ال من َوحْشَةِ الظلم ،فأخبرت بذلك
المأمون ،فاستظرفه ،وأمر أن تمضي ال ُكتُب عليه.
وأهدى إلى المأمون في يوم نوروز طبقَ جَزع عليه ميلِ من ذَهب ،فيه اسمه منقوش ،وكتب إليه :هذا يوم جَرَت فيه العادةُ ،بإلطاف العبيد
السادة ،وقد بعثتُ إلى أمير المؤمنين طبق جزع فيه ميل.
فلمّا قرأ المأمون الرقعة قال :أجاءت هدي ُة أحمد بن يوسف؟ قالوا :نعم ،قال :هي في داري أ ًم داري فيها؟ فلمّا رفع المنديل استظرف الهدية
واسترجح مُهدِيها.
ت هديةَ من ل يَحتَشِم إلى من ل َي ْغ َتنِم. ل إليك ،فأ ْهدَيْ ُ وأهدى إلى إبراهيم بن المهدي هدية وكتب إليه :الثق ُة بك قد سهلت السبي َ
ي نِ ْقمَة ،وأنزل فيكم وكتب إلى بني سعيد بن سلم :لول أن ال ،عز وجلّ ،ختم نبوته بمحمد ،صلى ال عليه وسلم ،وكتبَه بالقرآن ،لنزَل فيكم نب َ
سفْل ،ومساويهم فَضَائحُ المم ،وألسنتُهم معقولة بالعِيّ ،وأيديهم معقودة بالبخْل، غدْر؛ وما عَسيت أن أقولَ في قومٍ محاسنهم مساوي ال ُ قرآن َ
وهم كما قال الشاعر :البسيط:
ول َتبِيد مَخَازِيهم وإن بَادُوا ل يكبرون وإن طَاَلتْ حياتهُمُ
وغنّى ُمغَن بحضرة أحمد بن يوسف ولم يكن مُحسناً ،فلم ُينْصِتوا له ،وتحدَثوا مع غِنائه ،فغضب المغنّي ،فقال أحمد بن يوسف :أنت ،عافاك
ال ،تحمَل السماع ثقلً ،والقلوب مَلَل ،والعْيُن َقبَاحة ،والنف نتَانة ،ثم تقولُ :اسمعوا مني ،وأنصِتوا إلي! هذا إذا كانت أفهامُنا مُ ْقفَلة ،وآذاننا
ص ِدئِة ،فإمّا رضيت بالعَفْو منا ،وإل قمت مذمومًا عنّا. َ
ألفاظ لهل العصر في ذم المغنين
ضرْبه .من عجائب غِنائه أنه يُورِد الشتاء ب ول يُطْرِب .إذا غنى عَنى ،وإذا أدَى آذى .يميت الطّرَب ،ويحيي ال ُكرَب .ض ْربُه يُوجِب َ يترنَم ف ُي ْتعِ ُ
في الصيف .ما رؤي قطّ في دارٍ مرتين ،وحضر جحظة مجلساً فيه علي بن بسام ،فتفرق القومُ المخادّ ،فقال جحظة :فما لي لم تعطوني مخدّة؟
فقال علي بن بسام :غنّ فالمخاد كلّها إليك تصير! وفيه يقول ابن بسام :السريع:
أنت ،وبيتِ الَ ،أهجانا يا مَنْ هَجَوْناه َف َغنّـانـا
أو مرَ مجنون فزنانـا سِيان إن غنّى لنا جحظةٌ
حمْل! وكان خالد يُستَبرد ،فبعث بعضُ الظرفاء غلمه يشتري له خمسة أرطال ثلج ،فأتاه بخالدٍ وقال :يا مولي ،طلبت خمسة أرطال ،وهذا ِ
حضْرة محموم ،فقال :ويحك! دَعْنا نعرق! وقال بعض المحدثين في قريس المغني :المتقارب: وتغنى ب َ
ُيعِينُ على البَ ْلغَمِ الهائجِ ألَ فاسقني قدحاً وافـراً
فنحنُ على شرف الفالجِ أكلنا قَرِيساً وغَنى قريس
ولقي أبو العباس المبرد بردَ الخيار المغنّي في يوم ثَلْج بالجسر ،فقال :أنت المبّرد وأنا برد الخيار ،واليوم كما تَرى ،اعبُر بنا ل يهلك الناس
بالفالج بسببنا.
وقال ابن عباد الصاحب في مغن يعرف بابن عذاب :مخلع البسيط:
ل مَن يَعيهِ يعقله ك ّ أقول قولً بل احتشام
فإنني منه في أبـيه ب إذا تغنّـى ابن عذا ٍ
128
رجع إلى أحمد بن يوسف
ومن شعر أحمد بن يوسف :مخلع البسيط:
شاَعـا تَرجَ َم دَمعِي بِ ِه فَ َ ضمِيرُ وَجدٍ بقَلبِ صَـب
ي به فَـذاعـا ضيّع سِرَ ً فصار َدمْعي لِسانَ وَخدِي
ما كان سِرّي كذا مضاعا لول دموعي وفَرط حُبي
وقال :المنسرح:
بِ ّر كهادٍ يخوضُ في الظَلمِ وعامل بالفجو ِر يَأمُر بـال
سقَمِ
وَهْو يُدَاوي من ذلك ال َ أو كطبيب قد شفّه سَـقَـم
طهّرْ أوْل فل تَلُـمِ ثَ ْو َبكَ َ س غير متّعظٍ يا واعظَ النا ِ
وقال :الطويل:
حرْبٌ وأبصارنا سَلْمُ سنُنا َ فألْ ُ إذا ما التقينا والعيون نواظرٌ
وقال في الحزن :الطويل:
عليه سرورُ العالَمين حَـرَامُ كثير همومِ القلبِ حتى كأنمـا
فأخبر ما يلقي وليس كـلمُ سبَل دَ ْمعَهُ ضنَاك! أ ْ إذا قيلَ ما أ ْ
وقال :الطويل:
سنَنَ ال ِكبْرِ لير َدعَ عَنْ سلطانِهِ ُ كريم له نفس يَلينُ بلِـينـهـا
دعاه إلى تسكينها عظم ال َقدْرِ ظ َم َقدْرهـا إذا ذكّ َرتْه نفسه عَ ْ
عدّل َزيْغها ،وأقام أوَدها ،صيانةً لمعروفِه ،ونصرةً لرأيه؛ فإن أول ووقّع في كتاب رجل يحثه على استتمام صنائعه عنده :مستتمّ الصنيع ِة من َ
المعروف مستخفّ ،وآخره مس َتثْقَل ،يكاد أول الصنيعة يكون للهوى ،وآخرها للرّأي ،ولذلك قيل :رَبّ الصنيعة أشدّ من ابتدائها.
وكان أبو العتاهية له صديقاً قبل ارتفاع حالِه ،فأحس منه في حين وزارته تغيراً ،فكتب إليه :الطويل:
ن بالنّظَرِ الشزْرِ ت تَرَى الخوا َ فصر َ ت من سورةِ ال َفقْـرِ ت إذا استغنيْ َ أمنْ َ
تتَايُهـه دونَ الخـلّء بـالـ َوفْـرِ ف يُهـينـهُ أبا جعفـر إن الـشـري َ
فإن عنائي بالتجمّـل والـصَـبْـرِ ن تِهْتَ يوماً بالذي نِلْتَ من غنـى فإ ْ
ى أبو بكر يموت بن ورو َ ر
ِ ْـق َـف ال من عليه َى ش ْ
خ ُ
ي ِنى
غ ال وأن َـى ن ِـ
غ الـ له َى ج ْ
ر ُ
ي ر
َ الفق ّ
ن أ تر ألم
المزرع عن خاله الجاحظ قال :حجب أحمد بن يوسف أبا العتاهية ،ثم عاد ،فقيل :هو نائم ،فكتب إليه :الطويل:
ث ُت ْبغَى المكارِمُ صرِف وجهي حي ُ سأ ْ ت بعد اليوم إنـي لـظـالـمٌ لئن عد ُ
وقال :الخفيف: صفُك محجوب ونِصْـفُـك نـائمُ ونِ ْ متى يظفر الغادي إلـيك بـحـاجةٍ
يا أبو جعفر أخي وخَـلِـيلـي في عداد الموتى وفي ساكني الدن
عيْش ظلـيلِ شِ مقيماً في ظِل َ ميت مات وهو في ورق العَـي
وخاصم أحمدُ بن يوسف ِـيل م َـ
ج و ٍ
ح صال ّ
ل ك عن مات لم يمت ميتةَ الـوَفـاةِ ،ولَـكِـنْ
س َتمْلي من عينيك ما يَلْقَاني به،
صغَا المأمون إليه على أحمد ،ففطن لذلك ،فقال :يا أميرَ المؤمنين ،إنه يَ ْ ل بين يدي المأمون ،وكان َ رج ً
ي من بلوغ أملي ،ولذّة إجابتك أمتَعُ عندي من لذة ظفري؛ وقد تركتُ له ما نازعني جنّه له ،وبلوغُ إرادتك أحب إل ّ ويس َتبِينُ بحركته ما تُ ِ
فيه ،وسلَمتُ له ما طالبني به ،فاستحسن ذلك المأمون.
ومن كلم أحمد بن يوسف :مجالسةُ ال ُبغَضَاء ُتثِيرُ الهمومَ ،وتَجْلِبُ الغموم ،وتُؤْلم القَ ْلبَ ،وتقدح في النّشاط ،وتَطْوي النبساط.
ألفاظ لهل العصر في صفات الثقلء
ت اليمين إلى ذات الشمال. حرَكةِ؛ قد خرج عن حد العتدال ،وذهب مِن ذا ِ جمْلة ،باردُ السكونِ وال َفلن ثقيل الطّ ْلعَة ،بَغيضُ التفصيل وال ُ
حمََلتْهُ؟ وكيف احتاجت إلى الجبال بعد ما يحكي ثقل الحديث المعَاد ،و َيمْشي في القلوب والكباد ،ول أدْرِي كيف لم تحمل المانةَ أرضٌ َ
أقّلتْه؟ كأن وجهَه أيامُ المصائب ،وليالي النوائب ،وكأنما قُرّ به ف ْقدُ الحبائب ،وسوء العواقب .وكأنما وصلُه عدمُ الحياة ،وموتُ الفجأة،
ح كالجبال ،كأنه ثقل الدينِ ،على وَج ِع العين .هو ثقيلُ السكون، جسْ ٍم كالخيال ،ورو ٍ وكأنما هَجره قوة المنّة ،وريحُ الجنة .يا عجبي من ِ
ل البركة .هو بين ا ْلجَفن والعين َقذَاة ،وبين الخمص والنّعلِ حصاة .ما هو إل غداةُ الفراق ،وكتابُ بغيضُ الح َركَة ،كثيرُ الشؤم ،قلي ُ
ج بل غلّة، خرَا ٍ
الطلق ،وموتُ الحبيب ،وطلوعُ الرقيب .ما هو إل أربعاء ل تَدُور في صفَر ،والكابوسُ في َوقْتِ السحَر ،وأثْقَل من َ
جمَع للعيوب من بغلة أبي دُلمة ،وحمار طيّار ،وطيلسان ابْن حَرْب ،وأير أبي حكيمة، ودَوَا ًء بل عِلَة ،وأ ْبغَض من مثل غير سائر ،وأ ْ
وأنشد :الطويل:
وأنشد :الخفيف: ض ثا ِنيَهْوقال :إلَهي زِيدَتِ الر ُ مشى فدعا من ثقلِهِ الحوتُ ربّهُ
إليه َلحْظًا مُقْلَة الرَامِـقِ مش َتمِل بال ُبغْض ل َتنْثَنـي
وقال الحمدوني :المتقارب: شقِأ ْثقَل من وَاشٍ على عا ِ يظل في مجلسنا قـاعـداً
وعِلْمي بأنَك ل تصدقُ سألتك بالِّ إل صدقْتَ
وكتب أبو عبد الرحمن حمَـقُ وإل فأنت إذاً أ ْ أتبغضُ نفسَك من ثقلها
العطوي إلى بعض إخوانه :الطويل:
129
سمْعَ لـبـي ِ
ب مَلت بعذْرٍ منك َ ت فلم أصل إذا أنت لم تُرْسِل وجئ َ
ول صاحباً إل بوجهٍ قـطـوبِ أتيتك مشتاقاً فلـم أرَ حـاجـبـاً
وكان أبو عبيدة معمر بن طلوعُ رَقيبٍ أو نهوضُ حبـيبِ كأني غري ٌم مُ ْقتَضٍ ،أو كأنـنـي
سمَي جليسُنا زنباعاً.
المثنى يستثقلُ جليساً اسمه زنباع ،فقال له رجل يوماً :ما الزنبعة في كلم العرب؟ قال :التثاقلُ ،ولذلك ُ
وقد كَثر الناس في الثقلء ،وأنا أستحسن قول جحظة ،وإن كان غيره قد تقدمه في مثله :السريع:
حمُولْيا وقفة التّوْديع بين ال ُ يا لفظةَ ال ّنعْي بمَوْتِ الخليلْ
ال َمنْزِل يا َوجْهَ العَذولِ الثقيل يا شـربةَ الـيا َرجِ يا أُجـرة
أقفَر منٍ بعد النيس ا ْلحُلُولْ يا طلعة النعْش ويا مـنـزلً
ت بالـرَحـيلْ يا نعمة قد آ َذنَ ْ غضْبةِ يا نهضة المحبوب عن َ
للوعد مملوءا بعذرٍ طـويلْ يا كتاباً جاء من مُـخْـلِـفٍ
مستودعٍ فيها عزي ُز الثكُـولْ يا بُكرة الثكْلَى إلى حُـفْـرةٍ
ت عند الصيلْ بصَ ْرفِه ال َقيْنا ِ ظ مستَـعْـجِـلً يا وثبةَ الحاف ِ
على أخي سُقْ ٍم بماءِ البقـول ويا طبيباً قـد أتـى بـاكـراً
ليس إلى إخراجها من سبيل يا شوكةً في قـدم رخْـصَةٍ
سعْر عند ال ُمعِيل ويا صُعود ال ّ يا عِشْ َرةَ المجذوم في رَحْلـه
ونكسَ ًة من بعد بُ ْرءِ العلـيل يا َردّة الحاجب عن قَـسْـوةٍ
جحْظَة هذا هو أبو الحسن أحمد بن جعفر بن موسى بن يحيى بن خالد بن برمك ،وقال أبو الحسن علي بن محمد بن مُقْلة الوزيرُ :سألتُ وَ
ن نكّسُوه أتانا آلة للمراكب البحرية ،فقلت :عَلَقٌ ،إذا نكَس صارَ جحْظَة مَنْ لقبه بهذا اللقب؟ فقال :ابنُ المعتز ،لقيني يوماً ،فقال لي :ما حيوان إ ْ َ
قِلْعاً ،قال :أحسنت يا جحظة؛ فلزمني هذا اللقب ،وكان ناتئ العينين جدّا ،قبيحَ الوجه ،ولذلك قال ابن الرومي :الكامل:
ن فِـيل شِـطْـ َرنْـجٍ ومـن سـرطــان مِ ْ نبـئت جَـحْـظَة يسـتـعـيرُ جُـحـوظَـهُ
يا رحمتي لمُنادميهتحمَلواألمَ العيونِ للذّ ِة الذان
ل أنه كان ثقيلَ اليد في الضرب؛ وكان حُلْوَ النادرة ،كثير الحكاية ،صالح الشعْرِ ،ول تزال وكان طيبَ الغناء ،ممتدَ النفَس ،حسنَ المسموع؛ إ ّ
تندر له البيات الجيدة ،وهو القائل :الكامل:
وهجرت بعدك عامداً أصحابي طيَب لذتي وشـرابـي جانبت أ ْ
جدْ بجوابِ في حُسْنِ لفظك لم تَ ُ فإذا كتبتُ لكي أنزّه نـاظـري
عذَابي ونُحُولَ جسمي وامتدادَ َ إن كنت تنكر ذِلَتي وتذلّـلـي
للناظرين بكَـثْـرة الثـوابِ فانظر إلى َبدَنيِ الذي موّهتُـه
وقال :مجزوء الكامل:
طعَهْ
ت قَ ْجزْ ما عِش ُ لم أستَ ِ وإذا جفانـي صـاحِـبٌ
ج ْمعَه
رِ أزورها في كُلّ ُ وتركتُه ِمثْـلَ الـقُـبُـو
وقال :البسيط:
يَ ْلقَوْن بالْجَحدِ والكُفْرَان إحساني ضاقت عليَ وجوهُ الرأي في نَفَر
فما أُقابل إنساناً بـإنـسـانـي ف تصعيداً ومنحـدراً أقلَب الط ْر َ
وقال :المتقارب:
فما لي صديقٌ وما لي عمادُ لقد مات إخواني الصالحون
وإن أقبل الليل ولى الرقـاد إذا أقبل الصبحُ وَلَى السرور
وقال يهجو رجلً :الكامل:
خوفاً على نفسي مِنَ المأكولِ جرْتُ طعامه ل تعذلوني إن هَ َ
ت ُقتِلت بالمقتـولِ ومتى َقتَلْ ُ ت قتلتُه من بُخْـلِـه فمتى أ َكلْ ُ
ل إبراهيم ابن المهدي ،فصرت إليه ،فرأيتُ رجلً أسْودَ على فُرُش فد غاص فيها، ومن حكاياته ما حدّثني خالد الكاتبُ قال :جاءني يوماً رسو ُ
فاستجلسني وقال :أنشدني من شعرك ،فأنشدته :الطويل:
من الشمس والبد ِر المنير على الرضِ ت منه عيني منظَ َريْنِ كـمـا رأتْ رأ ْ
130
ت بعضهُنً إلى بـعـ ِ
ض خدودٌ أضِيفَ ْ عشـيّة حـيّانـي بـوَرْد كـأنـــهُ
صدّ عن مقلتي غمضـي دموعيَ لما َ ونازعني كـأْسـاً كـأنّ حـبَـابَـهـا
كفعْل نسيم الريح بالغُصُـنِ الـغـضّ ح فـي حَـرَكـاتِـهِ وراح و ِفعْلُ الرا ِ
فزحف حتى صار في ثلثي الفراش ،وقال :يا فتى ،شبهوا الخدودَ بالوَ ْردِ ،وأنت شبهْتَ الورد بالخدودِ ،زدْني فأنشدته :مجزوء الكامل:
ك فلم أجدْها تَقْـبَـلُ عاتبتُ نفسي في هوا
ك فلم أطِ ْع من َيعْذُلُ ت داعيَها إلـي وأطع ُ
جهِك َت ْمثُلُ ه لحُسنِ َو ْ ل والذي جعل ال ُوجُو
جمَلُ ك من التّصَابي أ ْ ل قلتُ إنّ الصبرَ عن
فزحف حتى انحدر عن الفرش ثم قال لي :زدْني ،فأنشدته :الرمل:
والضّنى إن لم تَصلني وَاصلي حبّيك سَريعًا قـاتـلـي عِش ف ُ
سقْ ُم بجسـ ٍم نـاحـلِ فيك وال ّ ظَفرَ الحبّ بـقَـلَـب َدنِـفٍ
ترَكاني كالقضـيب الـذّابـل فهما بين اكتـئابٍ وضَـنًـى
فبكائي لـبـكـاء الـعـاذِل وبكى العاذِلُ لي مـن رحـمة
ي نصفها. فنَعر طربَاً وقال :يَلبَق؛ كم معك لنفقتنا؟ قال .ثمانمائة وخمسون ديناراً .قال :أقسمها بيني وبين خالد ،فدفع إل َ
وأنشد جحظة أو غيره ولم يسمّ قائله :البسيط:
حدَثان الدهر والبدُ أفناهم َ ل يبعد الّ إخواناً لنا سلفوا
حدُول يَوؤوب إلينا ِم ْنهُمُ أ َ نمِدّهمْ كل يو ٍم من بقيّتنـا
ما قيل في السكّين
وكان أحمد بن يوسف جالسًا بين يدي المأمون ،فسأل المأمون عن السكّين فناوله أحمد السكين ،وقد أمسك بنِصَابها ،وأشار إليه بالحدّ ،فنظر
خذِي النّصاب؛ وإشارتي إليه بالحدّ؛ وإنما تفاءلت بذلك أن يكونَ له الحدّ على إليه المأمون نظر مُنكِر؛ فقال :لعل أمي َر المؤمنين أنكر عليّ أ ْ
أعدائه ،فعجب المأمون من سرْعَ ِة فطنته ،ولطيف جوابه.
صدْرُه،
عرُضَ َ سنُها ما َ
شعِثت ،وأحْ َ صقُلُها إذا َنبَتْ ،ويطْلِقُها إذا وقفت ،ويلمّها إذا َ وقال بعض الكتاب :السكين مسّ القلم يشحذها إذا كلّت ،ويَ ْ
حدّه ،ولم يفصل على القبضة نِصَابُه. وأُرْ ِهفَ َ
وقال أبو الفتح كشاجم يرثي سكيناً سرقت له :البسيط:
ما يستحثُونَ من أخذِ السـكـاكـينِ يا قاتـل الـلّـه كـتـابَ الـدواوين
ف مَسْـنُـونِ في ذات ح ّد كحدّ السي ِ لقد دهاني لطيفٌ مـنـهـمُ خَـتِـلٌ
ب مَـفْـتُـون منها دوا ُة فتًى بال ُكتْـ ِ عمْرانٍ بمـوقـعـهـا ت بعد ُ فأ َقفْرَ ْ
كانت على جائرِ القلم تُـعْـدِينـي تبكي على مُديَةٍ أودى الزمان بـهـا
نحتاً وتسْخِطها بَرْيًا فـتُـرْضـينـي كانت تقدّمُ أقلمـي وتَـنْـحَـتُـهـا
ينوب للعين من نَ ْورِ الـبـسـاتـين وأضحك الطرس والقرطاس عن حَلل
خ ّردِ الـعِـين عادت كبعض خدودِ الْ ُ فإن قَشَرت بها سودا َء من صُحـفـي
محسَنات بأصنـاف الـتّـحـاسـين ج ْزعُ النصاب لطيفات شَـعَـائرُهـا
قال الله لها سبحـانـه :كُـونـي هيفاء مُرْهَـفَةٌ بـيضـاء مُـذْهَـبة
وكان في ذِلَةٍ منـهـا وفـي هُـونِ لكن مقطيَ أمسى شـامـتـاً جَـ ِذلً
عمّـنْ ل ُيدَانـينـي جَاهي لصَ ْونِيهِ َ فَصِين حتى يُضاهي في صـيانـتـه
جدٍ عِوَضًا مـنـهـا يُسـلـينـي بوا ِ ولستُ عنها بسَـالٍ مـا حَـيِيتُ ،ول
منها فدينـاه بـالـدنـيا وبـالـدين ت بِـهِ
ولو يَر ُد فِـدَاء مـا فَـجِـعـ ُ
ألفاظ لهل العصر في صفات السكاكين
ن المنية تبرق صدْرِ ،مُخْطَفة الخصْر ،يجولُ عليها فِرند ال ِعتْق ،ويموج فيها ماء الْجَوهر؛ كأ ّ سكّين كأنّ القدرَ سائقُها ،أو الجَل سابقها ،مُرْ َهفَة ال َ
ص ْبغَها ،وحَبّ القلوب كستهْ لباسها .أخذ لها حديدها حدَق نفضَت عليه ِ من حدها ،والجل يَلْمع من متنها ،رَكبَتْ في نِصَاب آبنوس ،كأنَ ال َ
سنَا نَار ،ذات غِرار ماضٍ، ت نَهار ،أو مجمر أ ْبدَى َ الناصح بخط من الروم ،وضرب لها نصابها الحالِك بسهم من الزنج ،فكأنها ليل من تح ِ
ت بنابِ الُفعوان. ت اتَقَ ْ
ط ْوذبَاب قاض .سكيِن ذات ِمنْسَر بازِيّ ،وجَوْهر هوائي ،و ِنصَاب زنجي ،إن أُرضِيت أولت َمتْناً كالدهان؛ وان ُأسْخِ َ
عدَاء ،وتنف ُع نَفْعَ الصدقاء .هي أ ْمضَى من القَضَاء ،وأنْ َفذُ من ال َقدَر المتَاح ،وأقْطَ ُع من ن من التلَقْ ،وأقْطَع من الفراقْ ،تفعل ِفعْلَ ال ْ سكين أحْسَ ُ
خبَر ،وتملَكتْ عِنان القلب والبصر ،ولم يُحْوجهَا عتْقُ ا ْلجَوهَر حسْن المنظر ،وكَرَمَ الم ْ ظبَةِ السيف الحُسام ،وألمع من البَ ْرقِ في الغَمام .جمعت ُ ُ
إلى إمهاء الحجر.
الستدعاء إلى المؤانسة والمنادمة
صلُ فصولَه بتشوقك ،فيذهِب ِذكْرُك مَلَلَ السامر ،و َنعْسَة الساهر .فقال القاسم :مثلك ذكر سمَ ٍر نَ ِ
قال محمد بن أنس للقاسم بن صبيح :ما زِلنا في َ
ضتُم.
صديقه فأطراه ،واعتذر إليه فأرضاه ،ولو كنتم آ َذنُتمُوني كنت أحدكم ،مسروراً بما به سُررتم ،مفيضًا فيما فيه أفَ ْ
قال بعض الظرفاء :شَرْطُ المنادمة قِلّة الخلف ،والمعامل ُة بالنصاف ،والمسامحة في الشراب ،والتغافل عن ردّ الجواب ،وإدمان الرضا،
ستْر ال َعيْبِ ،وحفظ الغيب. واطّرَاح ما َمضَى ،وإسقاط التحيات ،واجتناب اقتراح الصوات ،وأكل ما حضر ،وإحضار ما تيسر ،و َ
وقد أحسن أبو عبد الرحمن العطوي في قوله :الوافر:
131
فأوّلها التـزين بـالـ َوقَـا ِر حقوقُ الكأس والنّدْمانِ خمس
ن ذِمارِ حمَتِ السماحة مِ ْ فكَمْ َ وثانيها مسامَحَةُ الـنَـدَامَـى
برية مَح ْتدِاً ،ت ْركُ الفَـخَـارِ خيْرِ الْ ت ابنَ َ وثالثها ،وإن كن َ
سوى حقّ القرابة والجـوارِ ورابعها وللـنـدْمـان حـق
ذي حدّثته ثَ ْوبَ اختـصـارِ إذا حدَثته فاكْسُ الحـديث ال
غَاني والحاديثِ القِـصـار ث النبيذُ بمثل حسن ال ح َ فما ُ
على كرم الطبيعةِ والنَجـار وخامس ٌة يدكُ بهـا أخـوهـا
ن الذنْب فيه لِلْـعُـقَـارِ
فإ ّ حديث المس ننساه جمـيعـاً
عنْـدَ الـعِـثـار
له بإقالة ِ ومن حكَمتَ كاسَك فيه فاحْكمْ
وقال حسان بن ثابت :الوافر:
إذا ما كان َمغْثٌ أو لِحَاء نُوََليْها الملمةَ إنْ أَل ْمنَـا
سكْرِه عُرَف ما جرى ،فلبِس ت منه الكأس أقبل يعتز عليه بتعليمه إياه ،وأساء مُخاطبته ،فلما أفاق من ُ وشرب اليزيدي عند المأمون فلما أخذَ ْ
أكفانه ،ووقف بين يديَ المأمون فأنشده :الطويل:
ولو لم يكن ذنبٌ لما عُرِف الـعـفـوُ أنا المذنبُ الخطَاءُ والـعـفـوُ واسـعٌ
سكْرُ والصّحو كَرِ ْهتَ وما إن يستوي ال ّ ت منّيَ الكاسُ بـعـضَ مـا َثمِلْتُ فأ ْبدَ ْ
وفي مجلسٍ ما إنْ يجوز به اللَـغْـوُ ول سيما إن كنـتُ عـنـد خـلـيفةٍ
وإل يكن عَفْوٌ فقد قَصُر الْـخَـطْـوُ فإن َتعْفُ عني أُلْفِ خَطويَ واسـعـاً
فقال المأمون :ل تثريبَ عليك ،فالنبيذ بساط يُطوَى بما عليه.
ت أن النبيذ بِساط
وشرب كورَان المغني عند الشريف الرضي ،فافتقد رِداءَه ،وزعم أنه سرق .فقال له الشريف :ويحك! مَنْ تتهم منا؟ أما علم َ
يطوى بما عليه؟ قال :انشروا هذا البساط حتى أخذَ ردائي واطوَوه إلى يوم القيامة.
جدَار ،كاتب العباس بن أحمد بن طولون ،ينقل أخبارَ أبي حفص عمر بن أيوب ،كاتب أحمد بن طولون ،على الشراب وكان أبو جعفر أحمد بن َ
إلى العباس ،فصار إليه أبو حفص فقال :يا أبا جعفر ،إنما مجلس المدام مجلس حرمة ،وداعية أنس ،ومسرح لبانة ،و َمذَاد هَمّ ،ومَرتع لهو،
ومعهد سرور ،وإنما توسطته عند من ل يتهم غَيبَه ،ول يخشى عتبه ،وقد أتصل بي ما تنهيه إلى أميرنا أبي الفضل أعز ال أمره ،من أخبار
مجالستي ،فل تفعَل ،وأنشده :الخفيف:
قولَ ساعٍ بالنصحِ لو سمعوه ولقد قلت لـلخـلّء يومـاً
للمودات بينهم وضَـعُـوهُ س المدَام بِـسـاطٌ إنما مَجِل ُ
من نعيمٍ ولـذّة رفـعـوه فإذا ما انتهوا إلى ما أرادوا
حافظٌ ،ما أتوه أن يمنعـوهُ وهمُ أحْرياء ،إنْ كان منهـم
فاعتذر ابن جدار وحلف ما فعل ،وقام من مجلسه.
وأنشد أبو حفص :الكامل:
فأنْسِت بعدَ ِودَادِهِ بفـراقِـهِ ت منه سجيّة كم من أخٍ أ ْوجَس ُ
فتركتُه مستمتعاً بخـلَقـهِ لم أحمد اليام منه خـلـيقَةَ
عوّل أبو حفص في أكثر كلمه على َنقْل كلم أبي العباس الناشئ في الشراب ،والبيات التي أنشد أولً له.
سكْرِ ،على ظهور الخمر ،وطوي بساطُ الشراب ،على ما فيه من خطإ أو صواب .متابعة العُقار، حمِلَتْ أ ْوزَارُ ال ُ أبو القاسم الصاحب :قدماً ُ
تعذر في خَلْع ال ِعذَار ،و ُتغْني عن العتذار .متابعة الرطال ،تبطل سورة البطال ،و َت َدعُ الشيوخ كالطفال.
كتب إسحاق بن إبراهيم الموصلي إلى بعض الجِلّة يستدعيه :ي ْومُنا يوم َليّنٌ الحواشي ،وَطِيءُ النواحي؛ وسماؤنا قد أقبلت ،ورعدت بالخير
وبَ َرقَتْ ،وأنت ُقطْب السرور ،ونظام المور؛ فل تف ِردْنا فنقلّ ،ول تنفرد عنا فنذلّ.
وكتب بعض أهل العصر -وهو السّرِي الموصلي -إلى أخ له يستدعيه إلى مؤانسته :الطويل:
وبِشرك ما هبّت رِياح ،مَوَاهِـب خِلَلك ،ما اختل الصديق ،سحَـائِبُ
جرِ خِل وصاحِـبُ إذا رَاعَها بالهَ ْ ح تُؤثِر وَصلَـهـا وأنت شقيق الرُو ِ
ثما َر مَـلَ ٍه كـلـهـنّ أطَـايبُ ف نجتَني ونحن خلل ال َقصْفِ ولعَ ْز ِ
بزَ ْهرٍ كما زانَتْ سما ًء كَـوَاكِـبُ وعندي لك الرّيحان زِين بِسَـاطُـهُ
مُص ْندَلةً تختالُ فيها الـكَـوَاعِـب جيْشٌ كما انجـرَت ذيولُ غَـلئِل وَ
مُ َفنّدة عن جانبيهـا الْـجَـنـائِب وقد أطلِقَت فيه الشمائِل ،وانثـنَـتْ
حياتهم أن تستلـذ الـمـشـارِبُ وحافظة ماءَ الـحـياةِ لـفِـتـيَةٍ
يلَفُ بها أ ْفوَاهُـه والَـسـبـائِبُ نُسَ ْربِلُها أخفَى اللـبـاس ،وإنـمـا
تشاكله في لـونـه وتُـنـاسِـبُ جدِ لـم تـزل سدٍ مثل الزّبرْ َ على جَ َ
تَص ّوبَه في أحشائهـا وَهْـ َو ذَائِبُ جيْن سبـائكـاً إذا استودعت حُرّ اللُ َ
جرِي ول هو ذاهِـب من النّد ل يَ ْ وشوق رؤوس القوم غَي ٌم معـلًـق
أناملُ بيضٌ للطـبـول تـلَعِـب خمْرُ الـكـؤوس ورَعْـدُهُ بوارقُهُ َ
رَغَى جانب منه وأ ْومَضَ جانـبُ ول عائق يثْني عِنا َنكَ عَـنْ هـوًى
132
ب يو ٍم بـادَرتْـهُ الـنـوَائب
ويا رُ ّ ف من القَـذَى فبادِرْ؛ فإن اليوم صا ٍ
وقال ابن المعتز :المنسرح:
تَدمَى عـلـيه أ ْودَاج إبـرِيقِ ل شَيْء يسلي همَي سوَى َقدَحٍ
عدُ تصـفـيقِ ق ابتسامٍ ورَ ْ بَرْ ُ في غيْ ِم َندّ يُزجِي سَـحـائبَـهُ
وقال الحسن بن محمدٍ الكاتب يصف طبلً :البسيط:
سدِ
جَ تُلْهى بشيءً له رَأْسان في َ يا حّبذَا يومنا نَ ْلهُو بـمُـلْـهِـيَةٍ
شدّة الشدّ مقرونَانِ في صَ َفدِ من ِ شدّ هذا إلى هذا كأنـهـمـا قد َ
بكل طاقتها لطمـاً بـل حَـرَد خدّيهِ إذا ضـ َربَـتْ نَظَل نلطم َ
ضغَيْ أسَـد ج من ما ِ كأنه خار ٌ ض ِربُه
ت منه حين تَ ْ فتسمعُ الصو َ
ومن ألفاظهم في الستدعاء
غنَاؤه ل طاب أو َتعِيَه أذنَاك ،فأمَا خدودُ نارنجه فقد احمرَت خَجَلً س قد أبت رَاحه أن تصفوَ لنا أو تتناولَها ُيمْناك ،وأقسم ِ نحن في مجِل ٍ
لبطائك ،وعيون نَرْجِسه قد حدقَت َت ْأمِيلً للقائك ،فبحياتي عليك إل تعجلت ،وما تمهلت.
جدَتُه ،وإذ قد غابت شمس السماء عنّا ،فل بد أن تدنُوَ الرض منّا .أنت من ينتظم به شمْل ب قد أخَلقَت ِ نحن بغيبتك كعِقد تغيبَتْ وَاسِطتَه ،وشبا ٍ
سهْمِ ،واطلع علينا طلوعَ النجم .ثِبْ إلينا وثوبَ الغزال ،واطلُعْ علينا طلوعَ الهِلل ،في غرّة طيَرانَ ال ّ الطرَب ،وبلقائه يبلغُ كل أرَب .طِر إلينا َ
ت أن تحضرنا لتتصِل الواسِطة شوّال .كنْ إلينا أسرعَ من السهم إلى ممرّه ،والماء إلى مقره .جش ْم إلينا قدمك ،واخلَع علينا كَرمَك ،وإن رأي َ
بالعِقد ،ونَحْصل بقُ ْربُك في جَنةِ ا ْلخُ ْلدِ ،وتُسْهم لنا في قربِك الذي هو قوت النفس ،ومادةُ النْس.
ولهم في استدعاء الشراب
قد تألّف لي شَمل إخوانٍ كان يفترق لعَوَز المشروب ،واعتدنا فضلَك المعهود ،وو َردْنا بَحْرَك المورود ،وأنا ومَن سامحني الدهرُ بزيارته من
ف بنا اختيارُك من النشاط والفتور ،ويَرتَضِيه لنا إيثارك من الهم والسرور ،والمرُ في ذلك إليك ،والعتمادُ إخواني وأوليائك وقوفُ بحيث يق ُ
عمَرَ أوْطانَت أن تكِلَني إلى أولى الظنيْن بك فعلت .ألطف المنَن مَوقعاً ،وأجَلُها في النفوس موضعاً ،ما َ جمْعِ ش ْملِ السمرَةِ عليك ،فإن رأي َ في َ
سمْط الثريا ،فإن لم تحفظ علينا النظام بإهداء ل المودةِ والُلفة .قد انتظمتُ في رُفقَةٍ لي في ِ شمْ َ
المس ًرةِ ،وطرد عوارض الهمَ والفكرة ،وجمع َ
ال ُمدَام عُذنا كبنات َنعْش ،والسلم .فرأيك في إرواء غلّتنا بما ينقعها ،والطَول على جماعتنا بما يجمعها.
ولهم في الكتابة عن الشراب
ط لتناول ما يستمد البِشر ،ويشرح الَصدْر ،قد استمطر سحابةَ النس ،واستدرّ حلُوبة السرور ،و َقدَح زَن َد اللهو ،فهو يَمْرِي دِما َء العناقيد، قد نَشِ َ
ق الدَنان ،و َينْظم ع ْقدَ النَ ْدمَان. ويَفْصِد عرو َ
كتب الحسن بن سهل إلى الحسن بن وهب وقد اصطبح في يوم دجْنٍ لم يمطر :أما ترى تكافؤ هذا الطمع واليَأس في يومنا هذا بقرْب المطر
وبعده ،كأنه قول كثير :الطويل:
ت مما بيننا وتَـخَـلّـت تَخَلي ُ وإني َو َتهْيامي بعزة بعـدمـا
َتبَوَأ منها للمَقيل اضمحلـتِ لكالمرتَجِي ظل الغمامةِ ،كلّما
ت أمنيتي إلَ في لقائك ،فليت حِجاب النأي هتك بيني وبينك! رقعَتي هذه وقد دارت زجاجاتٌ أوقعَتْ بعقلي ولم َتتَحيّفه ،وبعثَت نشاطاً وما أصبحَ ْ
حركني للكتاب؛ فرأيك في إمطاري سروراً بسار خَبرك؛ إذ حُرِمت السرور بمَطَر هذا اليوم ،موفّقا إن شاء ال.
ن بن وهب :وصل كتاب المير أيّده الّ و َفمِي طاعِم ويدي عامِلة ،ولذلك تأخرّ الجواب قليلً ،وقد رأيت تكافؤ إحسان هذا اليوم وكتب الحس ُ
ق به دماً؛ لنه إذا أشمس حكى حُس َنكَ وضياءك ،وإن أمطر حكى جودك وسخاءك ،وإن غام أشبه ظِلَك وإساءته ،وما استوجب ذنباً استح ّ
ل المير عني نعمة من نعم الّ ،عز وجل ،أُعفَي بها آثارَ الزمان السيئ عندي! وأنا كما يحِب المير صرف الُ الحوادث عنه، وفِناءَك ،وسؤا ُ
وعَن حَظي منه.
وذم رجل رجلً فقال :دعواته ولئم ،وأ ْقدَاحه مَحَاجم ،وكؤوسُه محابر ،ونوادره بوادر.
ل ذِكرُه في وسط الطعامِ لشيءٍ خطر ببالي من ِنعَم ال ن من النبيذيين ،فسمعني وأنا أحمدُ ال ج ّ وقال أبو الفتح كشاجم :كان عندي بعض المجّا ِ
التي ل تُحْصَى ،فنهض وقال :أُعْطِي الّ عهداً إن عاودْتُ! وما معنى التحميد هنا؟ كأنك ُتعِْلمُنا أنا قد شبعنا .ثم مال إلى الدواة والقرطاس،
وكتب ارتجالً :الوافر:
وَلكِنْ ليس في أولَى الطعام ح ْم ُد ال يَحْسُنُ كلّ وقـتٍ وَ
وتأمرُهم بإسراع الـقِـيَام ف فـيهِ
شمُ الضيا َ لنك تُحْ ِ
وذلك ليس من خُُلقِ الكِرَامِ شبْـعٍشبِعُوا ب َ
وتؤذِنهم ،وما َ
وكتب المَرِيمي إلى بعض إخوانه وقد ترك النبيذ :البسيط:
ن بِرّ وإحـسـانِ نُسْكًا فما تُبْتَ عَ ْ ش َربُها
ت تُبْتَ عن الصهبا ِء تَ ْ ن كُن َ
إْ
ل ما تاب إخوانـي فيما فعلت فق ْ عذَلواتُب راشداً ،واسقِنا منها ،وإن َ
وقال بعض النبيذيين ،وقد ترك الشرب :الوافر:
ت مكانَها الماءَ ال َقرَاحـا أ َقمْ ُ تحامَوْني لتَ ْركِي شُرْب راح
ت أكثَرَهم ِمرَاحَـا إذَا ما كُن ُ وما ان َفرَدوا بها دُوني ِلفَضلٍ
وأطرفهُم وأظرَفهم ،مزاحا وأرفعهم على وتر وصَنـجٍ
صيَاحا وإن صاحَوا عَلَوتهم ِ إذا شقّوا الجيوبَ شَققت جَيبِي
فِقر للنبيذيين
133
ف من النبيذ ،ما للعقَارِ وال َوقَارِ .إنما العيش في الطيش ،الراح ترياق سمَ الهَمّ .النبيذ ستر فانظر مع مَن تهتكه .اشرب ما جمِشَت الدنيا بأَط َر َ
النبيذ ما استبشعته ،فإذا استطَبتَه فدَعه .لول أنّ المخمور يعلم قصَته لقدم وصيته .الصاحِي بين السكارى كالحي بين الموتى؛ يضحك من
عَقلِهم ،ويَأكل من نَقلهم .أحمق ما يكون السكرَان إذا تعاقل .التبذل على النبيذ ظَرف ،والوقار عليه سخف ،حد السكران أن تَغرب الهموم،
ويظهر السرّ المكتوم.
وقال الحسن بن وهب لرجل رآه يعبس عند الشراب :ما أنصَفتها ،تَضحك في وجهك ،وتَعبس في وَجهها.
وقال الطائي :الطويل:
ُي َعبّس تعبيسَ المقدّمِ للِقَتـل إذا ذاقها ،وَهيَ الحياة ،رأيتَه
وقد أحسن الشيخ صدر الدين حيث قال :البسيط:
فعند بَسْطِ المَوالي يحفظ الدب سمُ لي وأن ُأقَطَب وَجْهي حينَ َتبْ ِ
ف فيذهب إلى الرأس. س يُبعَثُ إلى الْجَو ِ ل النبيذَ ،فقيل له :لم تركتَه ،وهو رسولُ السرورِ إلى القلب؟ قال :ولكنه رسولُ بأ ٍ وترك رج ٌ
وقيل لبعضهم :ما أصبّك بالخمر! فقال :إنها تُسْرج في يَدِي بنورها ،وفي قلبي بسرورها ،كأنّ الناشئ نظر إلى هذا الكلم فقال :الكامل:
فكأنها من دونها فـي الـرّاحِ ف كؤُوسُهـا ح إذا عَلتِ الك ّ را ٌ
ضحْضَاحِ سبَحنَ في َ من نورِها يَ ْ ت ممّا حـولـهـا وكأنما الكَاسَا ُ
طَلع المسا ُء بغُرّةِ الصـبـاحِ غسَق الظلم ضِياؤُها لو بُثّ في َ
ت بلذتهـا إلـى الرواح وسَرَ ْ ضتْ على الجسام ناصعَ لَ ْونَها نف َ
البيت الول كقول البحتري :الكامل:
ف قائم ٌة بغـيرِ إنـاء في الك َ يخفي الزجاجةَ ضوءَها ،فكَأنها
وللناشئ في هذا المعنى :الكامل:
ونَذل أكنافَ الـدجـا لـضـيائهـا ومُدامة يخفى النـهـار لـنـورهـا
فكأنهـا جـعـلـت إنـاءَ إنـائهـا صبت فأحدق نورها بـزجـاجـهـا
متقاصرَ الرجَاء عـن أرْجـائهـا وترىَ إذا صبت بَدَت في كـأسـهـا
جهَـا مـن مَـائهـا تَمتَاز عند مِزا ِ ن مُ ِزجَـتْ لـرقةِ لـونِـهـا وتكادُ إ ْ
في ضوئها ،كاللَيلِ ،في أضْـوائهـا ستْ بها صفراء تُضْحِي الشمسُ ،إن قِي َ
َكدِر الدِيمة عند حُسْن صـفـائهـا وإذا تصـفـحْـتَ الـهـواءَ رأيتـهُ
تودِي بـه اليام مِـن أجْـزَائهــا تَزدَاد مِن كرمِ الطبـاعِ بـقَـدرِ مـا
ن دَائهـا من سقمهـا ،ودَوَائهـا مِـ ْ ل شيء أعجَب من تَـوَلُـدِ بُـرئِهـا
وقال :الكامل:
فيها من الوْصاف من قُـ ْربِ ت بما إن رمتَ وصفَ الراجِ فأ ِ
في كَأسِها بالبـاردِ الـعَـذْبِ هي ماء ياقوتٍ ،وإن مُزِجَـتْ
كللتَه بالـلـؤلـؤ الـ َرطْـبِ فكأنهـا وحـبَـابُـهـا ذهَـبٌ
ولهل العصر :الدنيا معشوقةٌ رِيقُها الراح .أخذ هذا المعنى من قول ابن الرومي في صاعد بن مخلد :الطويل:
وهل رِي ُقهَا إلَ الرحيقُ الموَ َردُ؟ فتًى هاجرَ الدنيا وحرَم رِيقَـهـا
أبَاحته منها مَ ْرشَفـًا ل يُصَـرّد طمِعت في عَطْفِهِ ووصالِه ولو َ
الخمرُ أشبهُ شيء بالدنيا؛ لجتماع اللذات والمرارة فيها .الخمر مصباحُ السرور ،ولكنها مفتاح الشرور .لكل شيء سر ،وسرُ الراحِ السرور .ل
ل مع النديم الُصَافي. يطيبُ ال ُمدَام الصافي ،إ ّ
ومن ألفاظهم في صفات
مجالس النس وآلت اللهو وذكر الخمر
شمَائِلك
مَجْلِس رَاحُه ياقوت ،ونَوْره ورد ،ونَارنْجُه ذَهَبٌ ،ونرجِسه دينار ودرهم ،يحملهما زبرجَد .عندنا ُأتْرُج كأنه من خَ ْلقِك خُلِق ،ومن َ
لنْسِ خافقةٌ ،وأَلْسُن
ت فيه الوتار تتجاوب ،والقداح تتناوب .أعلمُ ا ُ خذَ ْ
سُرِق ،ونَارَنج ككُرَاتِ من سفَن ذهّبت ،أو ثدي أبكار خلّقت .مجلس أَ َ
ت تَدور ،وبروقِ رَاح ،وشموس أ ْقدَاح .قد نشأت غَمامة الندّ ،على بساط ال َو ْردِ .مجلس قد تفتحت فيه الملهي ناطقة .ونحن بين بدور ،وكاسا ٍ
ن العيدان ،وقامَت خطبا ُء الوتار ،وهبت رياحُ القداح ،وطَلعَتْ عيونُ النرْجِس ،وفاحت مَجامِير الُترُج ،وفتقت فَارَات النّارَنج ،ونطقت ألسُ ُ
ت عيو ُنهَا ،فجعلت في قدر من الرض ،وتخيّرت فصوصها ،فنُقِلَت كواكبُ ال ًندْمان ،وامتدَتْ سماء الّندّ .مجلس مَنْ رآه حسب الجنَان قد اصْطَ َف ْ
لنْس أعلمه .قد َهبّت للنْس ريح بَرْقها الراح ،وسحابها القداح ،ورعودها الوتار، لنْس والَلهْوِ .قد فضّ الَلهْوُ ختامه ،ونشر ا ُ إلى مجلس ا ُ
ورياضها القمار .قد فرغنا للهو والده ُر عنّا في شغل.
جُل هذا من قولِ بعض أهل العصر :الرمل:
ودم قد طُل أثناء طَـلَـلْ كم جوًى مثّله رَسْم مَـثَـل
لعب البين بربّات الكِلَـلْ وللٍ كلل الـخـدّ بـهـا
لو تجافَى الدّهْرُ عنا وغَ َفلْ حبذا عيشُ الليالي باللّـوى
شغُلْ ت ال ْقدَا ُر عنَا في ُ باتَ ِ إذ َفرَغْنا فيه للّهـو وقـد
خ ِمدَ بالماء اش َتعَـلْ
كلّما أُ ْ وأدَ ْرنَا ذهباً فـي لَـهـبٍ
طيْناها .قد امتطينا غوا ِربَ السرور لنْسِ ،وجرينا في َم ْيدَانِ اللهو .عمدنا إلى أ ْقدَاحِ اللهو فأجَ ْلنَاها ،ولمراكبِ السرور فامت َ قد اقتَعدنا غاربَ ا ُ
حكِي نارَ إبراهيم في اللَون والبَ ْردِ ،ولستُ أدري أشقيق أم عقيق ،أم رحيق أم حريق .راحٌ كأن الدُيوكَ بالقداح .مُدَامة تُورِد ريحَ الو ْردِ ،و َت ْ
134
صبت أحداقَها فيها .راح كأنما اشتقت من الروح والراحة.
قال ابن الرومي :الكامل:
سمِ الراحِ َيدْعُونَهَا في الرَاحِ با ْ واللـه مـا نَـدْرِي ليةِ عِـلَة
ح نَديمها المُرْتـاحِ؟ أمْ لرْتيَا ِ ألِرِيحهَا أمْ روحها تحْتً الحَشَى
راحٌ كالنار والنُورِ والنوْرِ ،أَصفَى من البَلور ،ومن َدمْع المهجور .روح نور لها من الكَأْس جسم ،كأنها شمس في غِللة سَراب .شراب أكادُ
ب من إسعافِ الزمان بلقائك .مُدَامة قد سبك الده ُر ِتبْرَها فصَفا .كأسٌ كأنها نورٌ طيَ ُ
ي فيك ،وَأ ْ
لَ عند ً
أَقولُ :هو َأصْفَى من مودَتي لك ،ومِنْ نعم ا ِ
ضمير ُه نَارٌ .راح كياقوتة في دُرةَ ،أصْفَى من ماء السماء ،و َدمْعِ العاشقة ال َمرْهاء ،أحسن من الدنيا المُ ْقبِلة ،والنعم المكملة .أَحْسن من العافية
ق من دموع العشاق، صبّ .أر ّ
شكْوَى َ عهْدِ الصَبا .أرق من دَفع محب ،و َ طيَب من الحياة في السرور .أرقّ من نسيمِ الصبا ،و َ في ال َبدَن ،وأَ ْ
س كأنها مخروطة من فِلْقَة البَدْرِ .كأسها مِلْء جنَةِ الشمس ،في كَأ ٍ ج نَارُ الرَاح بنُورِ الماء .راح كأنها معصورة من َو ْ مَرَتها لَوْعَةُ الفراق .مُزِ َ
خدّه معصورة ،وملحَةُ اليدِ ،وريحها ملء البَلَد ،تصب على الليل ثَوْبَ النهار ،كأنها في الكأس معنى دقيق في ذِهْنٍ لطيف .كأنّ الراح من َ
خدّهِ ُتعْصَر وقال عبد السلم بن رَغْبان الملقب بديك الجن الشاعر المشهور :الطويل: الصور ِة عليها مقصورة .وهذا من قول الطائي كأنها من َ
خدَه فَأدَارَهـا
تَناوَلها من َ ظبْي كأنما ن كَفَ َ معتّقه مِ ْ
ت فيهم الكُؤُوس ،ونالَتْ عنهم سَ ْورَةُ الخَندَريس. تمشَت الصهباءُ في عِظامهم ،وتَ َرقَت إلى ها ِمهِمْ ،وماسَتْ في أعْطافِهم ،ومالَتْ بَأطْرَافهم .سا َر ْ
شربت عقولَهم ،وملكت قلوبَهم.
وقال أبو نُوَاس ،وهو أستاذ الناس في هذا الشأن :الكامل:
فاجعلْ صفاتك لبنَةِ الكَـرْمِ ل بَلَغَةُ الـفَـدْمِ
صفَةُ الطلو ِِ
َأ َفذُو العِيان كثابتِ العـلْـمِ؟ تصفُ الطلولَ على السماع بها
ل من غَلَطٍ ومن وَهْـمِ لم تَخْ ُ صفْتَ الشي َء متّبـعـا وإذا وَ َ
وقال :الكامل:
135
سبُك الذهَ ْ
ب تربع ماء الدرّ في ُ جنَباتـهـاكأنَ اطرادَ الماءَ في َ
ل بحنَاء الزجاج ِة مختَضِبْ
غزا ٌ ل قد شابَ رَأسُهُ سقاني بها ،والَليْ ُ
وقال أبو عدي الكاتب :الطويل:
لغاتٌ ،ول جِسْم يباشره َلمْـسُ وليس لها حدّ ُتحِيطُ بـ َوصْـفِـهِ
فلم َيبْقَ منه غي ُر ما تَذكُرُ النفْسُ ض مـاضـياً ولكنه كالبرقِ أَ ْومَ َ
وقال ابن المعتز :الطويل:
عقَارًا كمثل النارِ حمرا َء قَـ ْرقَـفـا ُ أل فاس ِقنِيهَا قد مشى الصبح في الدُجَى
َتدَفـقُ ياقـوتـًا ودُرًا مُـجـوَفــا فناولني كـأسـاً أضـاءت بَـنَـانـهُ
سنَاهَا بارقا قـد تـكَـشـفـا وخِلْت َ ولمّا أريناها الـمـزاج تـسـعَـرت
ظ مُـ ْدنَـفـاطرْفًا فاسقَ الَلحْ ِ
يقلّب َ ظبْيٌ من النـس شـادِنٌ يطوف بها َ
بتسليم عـينـيهِ إذا مـا تـخـوفـا عليم بأسرار الـمـحـبـين حـاذق
جوَى الماني وأَلطَـفـا بأطيَب من نَ ْ فظل ُينَاجـينـي ُيقَـلّـب طَـ ْرفَـهُ
وقال :الطويل:
ن لذّاتي وأين تكلـمـي؟ وقل :أي َ أَل عُجْ على دار السرور فسـلّـمِ
سواكِ ،وإنْ لم تعلمي ذاك فاعلمي ت بالعين بعـدك لـذة حلَ ْ
وقل :ما َ
ل دُرّ مـنـظـم
إذا مُزِجت ،إكلي ُ وصفرا َء من صبغ المِزَاج برأسها،
136
طبُ ،فكيف نَشَاطُ الستاذ سيدي المتزاج بولئه كما التقَت الصَهباءُ والبارد ال َعذْبُ ،ومن البتهاج ل َمزَاره كما اهت ّز تحت البارح ال ُغصُنُ الرَ ْ
خرَاسان ،بل عتبتي نيسابور وجرجان؟ وكيف اهتزازه لضيف :الكامل: لصديق طرأ إليه ممَا بين قَصبتي العراق و ُ
ت عليه مُغيرَةُ العْرَابِ َبكَرَ ْ خلَق الثْوَابِ رثّ الشمائل مُ ْ
ي إنعامه ،بإنفاذ غُلَمه ،إلى مستقري ،لُفضي إليه بما عندي -إن شاء ال .- وهو -أيّده ال! -ول ُ
صدْرِه ،وصديق شطْرِه ،وقيام دَفَع في َ ف نَظَر ب َ طرْ ٍجنَانا سوءَ العِشرة من باكورة فنّه ،من َ ل َدنّه ،وأ ْ ي من أوَ ِ ع ْينُه سقانا الدّ ْردِ ّ
فلمّا أخذتنا َ
استهان ب َقدْرِه ،وضيف استخفّ بأمره؛ لكنّا أقطعناه جانب أخلقه ،وولَيناه خُطَة نفاقه؛ فواصلناه إذ جَانَب ،وقا َر ْبنَاه إذ جاذب ،وشَرِبنَاه على
خشُونته ،و َردَدْنا المر في ذلك إلى زيّ استغثّه ،ولباس استرثّه ،وكاتبناه نستمدّ وِداده ،ونستلِينُ قيادَه ،ونُقي ُم منْآدَه ،بما كُدُورته ،ولَبسْناه على ُ
هذه نسخته.
ضرِب إليه آبَاط القلّة ،في أطمار الغُرْبة ،فأعمل في ُرتْ َبتِه أعمالَ المصارفة ،وفي لّ يطيل بقاءه ،أزْرَى بضيفه أن وجده يَ ْ الستاذ أبو بكر ،وا ُ
طرِ الكفّ ،و َدفْعٍ في صدر القيام عن التمام ،ومَضْغٍ للكلم ،وتكلُفٍ لردّ الهتزاز إليه أصناف المضايقة ،من إيماء بنِصْفِ الطرْف ،وإشارة بشَ ْ
ت مع هذه عذْراً؛ فإن المرءَ بالمال وثياب الجمال ،ولس ُ ضنْته نكراً ،وتأبطته شرّا ،ولم آلهُ ُ صعَراً ،واحتملته وزراً ،واحت َ السلم؛ وقد قبلت ترتيبه َ
ن بوادِينا ثاغية صباح ،ورَاغية َروَاح ،وناساً صفّ النعال ،فلو صدَقتُه العتَاب ،وناقشته الحساب ،لقلت :إ ّ الحال وفي السمال ،أتقزّز من َ
يجرّون المَطارِف ،ول يمنعون المعارف :الطويل:
وأنْ ِديَة يَنتابُها القَوْلُ وال ِفعْـلُ حسَان وجوهُهمْ وفيهمْ مقاماتٌ ِ
فلو طوّحت بأبي بكر -أيدَه الُّ -إليهم مطارحُ الغُرَبة ،لوجد منزلَ البشْرِ رحيباً ،ومحطّ الرَحْل قريباً ،ووَجه المُضِيف خصيباً؛ فرأي الُستاذ
شهْد ،موفقٌ إن شاء ال. أبي بكر ،أيّده الّ ،في الوقوف على هذا العتاب الذي معناه وُد ،والمرَ الذي َيتْلُوه َ
عتَابه ،وصرفت فأجاب بما نسخته :وصلتْ ُر ْقعَةُ سيدي ورئيسي أطال ال بقاه إلى آخر الس ْكبَاج ،وعَرَفت ما تضمّنه من خَشِنِ خطابه ،ومُؤْلم ِ
ذلك منه إلى الضجْرةِ التي ل يخلو منها مَنْ مسّه عُسر أو َنبَا به دهر؛ والحمد ل الذي جعلني موضعَ ُأنْسِه ،ومظنّةَ مشتكى ما في نفسه ،أما ما
شكاه سيدي ورئيسي مِنْ مضايقتي إياه في القيام ،فقد وفيته حقّه -أيدَه الُّ -سلماً وقياماً ،على َقدْ ِر ما قدَرْت عليه ،ووصلت إليه ،ولم أ ْرفَعْ
عليه إلّ السيد أبا البركات العلوي أدام ال عزّه ،وما كنتُ لرفع أحداً على مَنْ أبوه الرسول ،وأمهُ ال َبتُول ،وشاهداه التوراة والنجيل ،وناصراه
التأويل والتنزيل ،والبشير به جبريل ميكائيل؛ فأما القوم الذين صدر عنهم سيدي فكما وصفَ :حسن عشرة ،وسداد طريقة ،جمال تفصيل
وجملة ،ولقد جا َو ْرتُهم فأحمدت المَراد ،ونلت المرَاد :الطويل:
فما عهد نجدٍ عندنـا بـذمـيمِ فإن كنت قد فارقت نجداً وأهلَه
ل يعلم نيّتي للحرار كافة ،ولسيدي من بينهم خاصة؛ فإن أعانني الدهرُ على ما في نفسي بلغتُ له ما في النية ،وجاوزْتُ به مسافةَ ال َقدْر وا ّ
عنَاني عن طريق الختيار ،بيد الضطرار :الطويل: والمنية ،وإن قطع علي طريقَ عزْمي بالمعارضة ،وسوء المناقضة ،صرفتُ ِ
غدِيرُها إذا لم تكدر كان صفواً َ فما النفسُ إلّ نطفة بـقَـرارة
ج ْبنَا عَتبا ،وا ْقتَر ْفنَا ذنْبا؛ فأما أن يسلفنا العَربَدة فنحن نَصُونُ ُه عن ذلك ،ونَصُونُ أنفسنا عن احتماله ،ولست ب سيدي إذا استو َ وبعد ،فحبذا عتا ُ
حمِينَ".س َتغْفِرْ لنا ذنُو َبنَا إنا كُنا خاطِئينَ" ،ولكن أسأله أن يقول" :ل َتثْرِيبَ عََليْكمُ اليو َم َيغْفِرُ الَُ َلكُمْ وهُوَ أَ ْرحَمُ الرا ِ أسومه أن يقول" :أ ْ
ن العذْر َر ِمدَة تركناه بِعُرَه ،وطوَينَاهُ عَلَى غَره ،وعمدنا إلى ذكره فسحَوْناه ،ومن صحيفتنا مَحَوْناه ،وصِرْنا إلى اسمه فحين وَ َردَ الجواب وعي ُ
فأخذناه ونبذناه ،وتنك ْبنَا خطته ،وتجنبنا حِطّته ،فل طرنا إليه ،ول صِرنا به ،ومضى على ذلك السبوع ،ودبّت اليام ،ودرَجت الليالي،
ع ذِكْرَهُ ،ول نودعُ الصدورَ حَديثَه؛ وجعل هذا الفاضل يستزيد ،ويستعيد ،بألفاظ تقطعها وتطاولَتِ المُدة ،وتصرم الشهرُ ،وصِرْنا ل ُنعِيرُ السما َ
السماع من لسانه ،وتؤديها إليٌ ،وكلمات تحفظها اللسنة من فمه ،و ُتعِيدها علي؛ فكاتبناه بما هذه نسخته :أنا أ ِر ُد من الستاذ سيدي -أطال الّ
ت في الدب دَعِي النسب، ن كن ُ بقاه -شِرعَة وُده وإن لم تَصفُ ،وأل َبسُ خلعة بره وإن لم تَضْفُ ،وقَصارَاي أن أكيله صاعًا عن مد؛ فإني وإ ْ
ط مُنصِفاً في الوداد، ضيق المضْطَرب ،سيئ المنقلَب ،أمتُ إلى عشرة أهله بنيِقَة ،وأنزع إلى خدمَة أصحابه بطريقة ،ولكن بقي أن يكون الخلي ُ
عدْت عاد ،وسيدي -أبقاه ال -ناقشني في القبول أولً ،وصا َرمَني في القبال آخراً؛ فأما حديثُ الستقبال ،وأمرُ النزال إذا زرْت زَارَ ،وإنْ ُ
ل بينة ،وفروض الودّ متعيّنة ،وأ ْرضُ العشرة ليّنة ،وطرقها هينة، والنزال ،فنِطَاقُ الطمع ضيق عنه ،غيرُ متسع لتوقعه منه ،وبعد فكلفة الفَض ِ
حلْ َو من ثمرها؛ فقد علم الّ أن شوقي إليه قد شرَة ،وذاق ال ُ فلمَ اختار قَعود التعالي مركباً ،وصعودَ التغالي َمذْهَبا؛ وهل ذاد الطير عن شجر العِ ْ
قدّ الفؤا َد بَرْحاً إلى برح ،ونكَأَه قَرْحاً إلى قرح ،ولكنها مِرّة مُرة ،و َنفْسٌ حرّه ،لم ُتقَد إل بالعظام ،ولم تُلْقَ إلّ بالجْلَلِ والكرام ،وإذا استعفاني
من معاتبته ،فأعْفَى نفسه من كُلَفِ الفَضْلِ يتجشّمها ،فليس إلَ غصص الشوق أتجَرَعُها ،وحُلل الصبْر أتدرَعها ،ولم أعره من نفسي ،وأنا لو
ل عليه :الطويل:طرْت إل إليه ،ول وقعت إ ّ أُعِ ْرتُ جناحَيْ طائر لما ِ
وإنْ لمني فيك السها وال َفرَا ِقدُ شمْسَ النهار وبَـدْرَهُ أحبك يا َ
وليس لنّ العيشَ عندك بـا ِردُ وذاك لنّ الفضلَ عندك باهـر
خدَمه ،وجَشِم لليجاب قدمه ،وطَلَع علينا مع الفجر طلوعُه ،ونظمتنا حاشيتا دار المير أبي الطيب؛ فلمّا وردت عليه الرّقعة حشَد تلميذَه و َ
جدُ في العشرة و ُنغَوَر ،وقصدناه شاكرين لمّا أتاه ،وانتظرْنا عاد َة بره ،وتوقعْنا مادَةَ فضله؛ فكان خُلبا فقلْنا :الن تُشْرِق الحشمةُ وتنور ،ونن ِ
ش ْمنَاه ،وآل و َر ْدنَاه ،وصرفنا في تأخّره وتأخّرنا عنه إلى ما قاله ابن المعتز :الرجز:
لنلْتقِي بالذكْرِ إنْ لم نَ ْلتَقِ إنا على البعاد والتفـ ُرقِ
وأنشدنا قول ابن عصرنا :الوافر:
حبّك من بـعـيدِ ولكني أُ ِ أُحبك في البتول وفي أبيها
وبقينا نَ ْلتَقي خيالً ،ونقنع بالذكر وصالً ،حتى جعلت عواصفه تهُب ،وعقاربه َتدِب.
والمجلس طويل جداً.
قلت :إن كنتُ خرجتُ لطولِ هذا الكلم عن ضبط الشرط ،فلعلي أسامَح فيه لفضله ،وعدم مثله ،وهو وإن كان في باب التصال ،فهو بتقدير
النفصال ،لقيامِ كل رسال ِة بذاتها ،وانفرادها بصفاتها.
ن بن محمد يصفُ ما جرى بينه وبين الخوارزمي :ما ألوم هذا الفاضل على بساط شَرّ طواه ،وموقد حَرْبٍ اجتواه، وكتب إلى رئيس هَرَا َة عدنا َ
137
ولكني ألُومُه على ما نواه؛ ثم لم يتبع هواه ،ورامَه ،ثم لم يبلغ آثَامه ،وأقولُ :قد ضرب فأيْنَ اليجَاع؟ وأنْذَر فأين اليقاع؟ وهذه بَوارِقه ،فأيْنَ
صواعقه؟ وذلك وعيدُه ،فأين عديده؟ وتلك بنودُه ،فأين جنودُه؟ وأنشد :الكامل:
هذي معاهده فأين عهودُهُ؟
ن كان قصد هذا ظهِرَ عَوارَه ،وإن طارَ طَوارَه ،وإ ْ عدَه ،لو أمطر بعده! الله َم ل كُفْرانَ ،ولعن الَُ الشيطان ،فإنه أشفق لغريب أن يُ ْ وما أهْول رَ ْ
سدَ أن ف بفضله من حيث أبْقَى عليَ ،وَأوْهم الناس أنه هاب البَحْر أن يخوضه ،وال َ جحَ َصدَ فقد أساء إلى نفسه من حيث أحْسَنَ إليّ ،وأَ ْ القَ ْ
يَرُوضَه ،وشجّعني على لقائه ،بعدما بَرَعني بإيمائه ،فبينما كنت أُنشد :الخفيف:
إنَ جنْبي على الفراش لناب
إذ أنشدت :الخفيف:
طاب َليْلِي وطاب فيه شَرَابِي
وبينما أنا أقول :الخفيف:
ما لقلبي كأنه ليس مني
إذْ قلت :الخفيف:
أين مَنْ كان موعِداً لي بأني
فلو أن هذا الفاضلَ قضى حقنا بالزيارة عند قدومِنا أو الستزارة ،لكان في الضرب أحسن ،وفي طريق المعاشرة أذهب ،ل ،ولكنه وعدَ
ل له إن كنت ندمت على النضال ،فل جدِي إليه ،واعْرِض شوقي عليه ،وق ْ بالمُباراة أولً ،وهددنا بالمسائل ثانياً ،وأخلف بالتخلف ثالثاً؛ فأبْلِغْ َو ْ
ث الوداد ،وإن لم تلْقَنا في باب المكاشرة ،فأْتنا من بابِ المعاشرة. تندَمْ على الفضال ،فإن طَوَيتنا حيث الجهاد ،فانشُرْنا حي ُ
عدَاتٍ أشمّ لها النف ،ل ذهابًا بتلك الفواضل عنها ،لكن وله إلى المام أبي الطيب سهل بن محمد :قد كان الشيخُ َي ِعدُني عن هذه الحضرة ِ
ضرَة ماجَتْ إليّ أمواجُ الشرف منها ،وخلص إليّ نسيمُ الكَرَم عنها ،وأتْحَفني على استحال ًة من هذا الزمان أن يجودَ بها؛ فحين أسر ْفتُ على الْحَ ْ
ت بحمد الّ محفوفاً بأعيانِ الكتّاب ،وعيونِ الرجال ،حتى شا َفهْتُ رسم الجلل بمركوب شامخ ،ومركب ذهبٍ سابغ ،وجنيبِ شرف زائد؛ وسر ُ
لّ مكانه ،فاهتزّ اهتزازاً فات ض ْبعَيّ عن أرْضِ الخدمة ،إلى جوارِ وليّ النعمة ،حرس ا ُ بِسَاطَ العز ،مستقبَلَ مَِلكَ الشرق أدام ال عُلُوَه ،فجذب ب َ
ت من يُمْناه ِم ْفتَاح الرزاق ،وفتاح الفاق ،ولحقت منه بقاب العُقاب ،وخاطبني بمخَاطبات سمَة الكرام ،وتجاوز اسْمَ العظامِ إلى القيام ،فقبل ُ ِ
شدْتُ بها ضالَةَ الكِرام ،وهلمّ جرّا إلى ما تبعها من جميل النزال ،وسَنيّ الجْزَال. نَ َ
سعُه الخاتم ،ول يَسعُه العالَم ،ويهتز عند المكارم كالغُصن ،ويثبت عند الشدائد كال ُركْن ،وسلطانٍ يحلم وطرأت من الشيخ العميد على شَخْصِ ي َ
حتِه ،وعند السياسةْ خشِنٌ كشَفْرته ،وملك يَأْتي الكر َم نيّة ،والفضلَ سجيّة ،ويفعل صفْ َف ُمغْمداً ،ويغضب مجرداً ،فهو عند الكرم َليّنٌ ك َ حِ ْلمَ السي ِ
عيْن الكمال ب فيه ،فيصرف َ عيْ َنل َ سيْفُه و َقنَاتُه ،ع ْيبُه أ ْ
الش ّر كُلْفَة أو خطيّة ،فهو ضَرُور بآلته ،نَفُوع بذاته ،عطارد قََلمُه ودَوَاتُه ،والمرّيخ َ
عن معاليه.
سمّي إنساناً ،وحسنًا قد مُلِئ إحساناً ،وأسداً قد لقَبَ سلطاناً ،وبَحْرًا قد أمسكَ عيَاناً ،وجبلً قد ُ وصادفت من الشيخ الموفق ،أيده ال ،مَلكًا يُشا َهدُ ِ
غنَاه أ ْوفَر من َقسْمه، سمِي من ِ عِنانا ،وحطَطْتُ رَحْلِي بفناء المير الفاضل أبي جعفر أدام ال عِزّه ،فوجدت حكمي في ماله أ ْن َفذَ من حكمه ،وقَ ْ
ع من يَده ،وإن قصدت أنْ ُأفْ ِردَ لكل مدحاً ،وأعبر الجملة شرحاً ،أطَلْت ،فهلم جرّا سمِه ،و َيدِي إلى خزانته أسْ َر َ سمِي في ذات يده مقدّماً على ا ْ وا ْ
إلى ما افتتحت الكتاب لجله.
جمْر الضجَر ،ويتأوه من خُمار الخجل ،ويتعثرُ في َأذْيالِ الكَلَل ،ويذكر أنّ جنْبِ الحردِ ،ويتقلّى على َ ورد للخوارزمي كتاب يتقلّب فيه على َ
صدَقُ ،وحَلْبة الخاصة قد علمت لينا كان الفَلْج ،فقلت :است البائن أعلم ،والخوارزمي أعْرَف ،والخبار المتظاهرة أعدل ،والَثار الظاهرة ،أ ْ
عدْنا ،وله عندي إذا ما شاءَ ،كل مَا شَاء! حمَد ،ومتى استزاد ِزدْنا ،وإن عادت العقرب ُ حكَم ،وما مضى بيننا أشهد ،والعَ ْو ُد إن نَشِط أ ْ السباق أ ْ
ب عنها ،وقد أعادَ البديع معنى قوله في صدر حكايته مع الخوارزمي ،فقال في رقعة كتبها إلى سعيد صنْتُ الكتا َوهي طويلة فيها هَنات ُ
ي ُمغِيرَةُ السماعيلي ،وقد وقفت به الضرورةُ على تلك الصورة من سلب العرب ماله :كتابي ،بل ُرقْعتي ،أطال ال بقاءَ الشيخ ،وقد بكرت عل َ
العراب ،كمهلهل ،وربيعة بن مُكدَم ،وعتيبة بن الحارث بن هشام ،وأنا أحمد ال ،إلى الشيخ الفاضل ،وأذمُ الدهر؛ فما ترك لي من ِفضَةٍ إلَ
س َبدٍ إل استبدّ به ،ول ض ْيعَة إلّ أضاعها ،ول مال إلّ مال إليه ،ول َ ب إل ذَهب به ،ول عِلْق إل عَلَقه ،ول عَقَار إلّ عَقَرَه ،ول َ فضها ،ول ذه ِ
خلْعة إلّ خلعها ،وأنا داخل نيسابور ول حِلْية إل الجلدة، ل بَزّها ،ول عارية إل ارتجعها ،ول َودِيعة إلّ انتزعها ،ول ِ َلبَد إل َلبَد فيه ،ول بِزّة إ َ
شرَة ،والّ وليّ الخلف يعجّله ،والفرج يسهّلة ،وهو حَسْبي ونعمْ الوكيل. ول بُ ْردَ إل الق ْ
وليس البديع بأبي عذرة هذا الخطاب ،وسترى نظير هذا المعنى في هذا الكتاب.
ومن إنشائه في مقامات أبي الفتح السكندري
سبْحا ،وأنا أهيم بالوطن ،فل الليل َيثْنيني جنِيبَة ،يَسْبحانِ َ ل نَجيبة ،وقائداً َت في بعض بلد بني فَزارة مرتح ً قال :حدّثني عيسى بن هشام قال :كن ُ
ل بها ض بَطْنَ الليل ،بحوافر الخيلِ ،فبينما أنا في ليلةٍ يض ّ خبِط ورقَ النّهار ،بعصا التسيار ،وأخو ُ بوعيده ،ول ال ُبعْد يُدْنيني بِبيدِه ،وظَلِ ْلتُ أ ْ
سبَحُ ول سانح إلّ السبع ،ول بارح إل الضّبع ،إذ عنّ لي راكب تامّ اللت ،يطوي منشور الفَلوات ،فأخذني الغَطَاط ،ول ُيبْصر بها الوَطْوَاط ،أ ْ
خرْطُ ال َقتَاد ،وخَصْم ضخم ،وحمية أ ْزدِية، ضكَ ل أُ ّم لك! فدونك شَرْطُ الحِداد ،و َ عزَلَ من شاكي السلح ،لكني تجلَدت فقلت :أر َ منه ما يأخذُ ال ْ
وأنا سِلْم إن شئت ،وحَ ْربٌ إن أردت ،من أنت؟ قال :سلماً أصبت ،قلت :خيراً أجبت ،قلت :فمن أنت؟ قال :نصيح إن شاورت ،فصيح إنْ
خدُمه لسان، حاوَرْت ،ودون اسمي لِثام ،ل ُتمِيطه العلم .قلت :فما الطُعمة؟ قال :أجُوت جُيوبَ البلد ،حتى أقع على جَ ْفنَة جَوَاد ،ولي فؤاد يَ ْ
جنِيبته ،كابن حُرّة طلع إلي بالمس ،طُلوع الشمس ،وغرب عني بغُروبها؛ وبيان يَرْقمه َبنَان ،وقصارَايَ كريمٌ ينفض إليّ حقيبته ،ويخفف لي َ
ب الكعبة أخاذ ،له في عنْها أقرَبُ منها ،وأومأ إلى ما كان يَلْبسه ،فقلت :شحاذ ور َ لكنه غاب ولم َيغِبْ تذكارُه ،وودّع وشيّعتْني آثارُه ،ول ينبئك َ
صنْعة نَفَاذ ،بل هو فيها أستاذ ،ول ب ّد أن تَرْشَح له وتَسِخَ عليه ،وقلت له :يا فتى ،قد أجليت عبارتك ،فأَين شعرُك من كلمك؟ فقال :وأين ال َ
كلمي من شعري! ثم استمدّ غريزته ،ورفع عقيرته ،بصوت مل الوادي ،وأنشأ يقول :الطويل:
س تمسُ الرْض لكن كل َولَ خمْ ٌوَ وأ َروَع أهداه ليَ اللـيلُ والـفَـلَ
ن مُعمّا في السوابق مُـخْـول فكا َ ضتُ على نارِ المكارمِ عُـودَهُ عَرَ ْ
138
وسَاهَ ْلتُه في بِـرّه فـتـسـهَـل وخادَعْتُه عن ماله فـخَـدَعْـتُـه
139
ظرْف ،والتقصير عنه نَدامة .أوكد أسباب القطيعة المِرَاء ب بالمهابة ،وتُو ِرثُ الضغينة .الفراط في المُزاح مُجون ،والقتصاد فيه َ المَزَاحة تَذْهَ ُ
والمُزاح.
ح ْقدٍ عليه.
ف به أَو ِ
ابن المعتز -من َكثُر مُزاحُه لم يَخْلُ من استخفا ٍ
قال أيوب بن ال ِقرّية :الناس ثلثة :عاقل ،وأحمق ،وفاجر؛ فالعاقل الدَينُ شريعته ،والحلم طبيعته ،والرأيُ الحسنُ سجيته؛ إن سُئل أجاب ،وإن
حمِل على سمِعَ العلم وَعَى ،وإن حدّث روى .وأمّا الحمق فإنْ تكلم عجِل ،وإن حدّث وَهِل ،وإن اس ُتنْزِل عن رأيه نزل ،فإن ُ نطق أصاب ،وإن َ
حدّث لم يفهم،ت به لم يرعَك ،وإن استُكتِم لم يكتُم ،وإن عُلم لم يعلم ،وإن ُ القبيح حَمل .وأمَا الفاجر فإن ائتمنته خانك ،وإن حدثته شَانَك ،وإن وثق َ
وإن فقَه لم يَ ْفقَه.
الطيرة وال ّزجْر
قال أبو حية النميري :الطويل:
سَنيح ،فقال القومُ :مَرّ سَـنـيحُ جَرَى يَوْمَ ُرحْنا عامدين لرضنا
فقلت لهم :جاري إلـي ربـيحُ فهابَ رجال منهمُ فتـغـيفـوا
نَأت نَأْية بالظاعـنـين طَـرِيحُ ب من الدار بعدمـا عُقَابٌ بأعقا ٍ
وطَلْح فنِيَلتْ والمطي طَـلِـيحُ وقالوا :حمامات ،فحُمّ ِلقَـاؤهـا
ُهدَى وبيانٌ بالنـجـاح يَلُـوحُ وقال صحابيُ :هدْهُد فوق بَانةٍ،
ودام لنا حُلوُ الصفـاء صَـرِيحُ ت مواثيقُ بيننـا وقالوا :دمٌ ،دَامَ ْ
من ال َفنَنِ المَمطُور وهو مَرُوحُ َل َعيْناك يو َم البين أسْ َرعُ واكـفـاً
أخي ثقة يَلهُونَ وهو مُـشـيحُ خفْـنَـه
غيُو ٍر يَ َونسوةِ شَحْشاح َ
وهنَ بأبوابِ الخِيام جُـنُـوح: يقلْن ،وما َيدْرِين أنّي سمعـتُـهُ
أتاحَ له حُسْنَ الغِناء مُـتِـيحُ؟ أهذا الذي غنّى بسمراء مَوْهِنـاً
كما أن من حَر السلح جَرِيحُ ن َبعْد َزفْـرَةٍ ن مِ ْ
إذا ما تغنَى أ َ
على ما به من عُنةٍ لـمـلـيحُ وقائلةٍ :يا دَهْـمٌ َويْحَـكِ! إنـهُ
بجِلدِيَ من قول الوُشاة قـروحُ فلو أن قولً يجرحُ الجلدَ قد بـدا
وهذا من غريب الزّجْ ِر مليحُ التفاؤل.
قال أبو العباس محمد بن يزيد :أنشدني أعرابيّ في قصيدة ذي الرمة التي أولها :الطويل:
طرُ ل ُم ْنهَلّ بجَزعا ِئكِ الْقَ ْ ول زَا َ أل يا اسْلَمى يا دَارَميّ عَلَى البِلَى
بيتين لم يروهما الرواة في ديوانه ،وهما:
خضْرُ ضبِ لم َي ْنبُتْ لها وَ َرقٌ ُ من القَ ْ رأيتُ غراباً ساقطًا فوف قَـضْـبةٍ
ضبِ النوى هذي العيافةُ والزّجْرُ لق ْ فقلت :غرابٌ لغترابٍ ،وقَـضْـبَةٌ
وقال آخر :الطويل:
وصاح بذات البين منها غُرَابُها ن بانةٍ غصْ ِ دعا صُ َردٌ يوماً على ُ
غتِرابُهـا فهذا لعمري نَأيُها وا ْ غرْبةٌ؟ فقلت :أتصْرِيدٌ وشَحْطٌ و ُ
جرِ ،وكانت تقتدي بذلك وتجري على حكمه ،حتى ورد ال ّنهْيُ في سنة رسول الّ ،صلى ال عليه وقد أكثرت العرب من ذكر الطَيرَة ،والزّ ْ
عدْوَى ول طِيرَة ،وقد قال الول :الطويل: وسلم ،فقال :ل َ
ول زَاجِراتُ الطيْرِ ما الَُ صانـعُ لعمرك ما تَدْرِي الضوَا ِربُ بالحصى
وقال ضابئ بن الحارث البرجمي :الطويل:
نجاحًا ول عن َريْثـهـنَ يخـيبُ وما عاجلت الطير ،تُدْني مِنَ الفتى
ت الدَهْرِ حـين تـنـوبُ على نائبا ِ ن نـفـسـهُ ول خي َر فيمن ل يوطَ ُ
وللقلب من َمخْشاتِـهـنَ َوجِـيبُ ورب أمو ِر ل تَـضِـيرك ضَـيْرةً
وقال الكميت بن زيد السدي :الطويل:
أصاح غرابٌ أم َتعَرّضَ ثعلبُ ول أنا ممن يَ ْزجُرُ الطي َر همّه
ضبُ أمرّ سَليم القَرْن أم مرَ أعْ َ ول السانحات البارحات عشـية
وقال شاعر قديم :مجزوء الكامل:
ء الخير َتعْقادُ التّمـائمْ ل يمنعنّك مـن بُـغـا
س ول التّيامُنُ بالمقاسِمْ ول التشاؤم بالـعُـطَـا
أغدو على واقٍ وحاتم غدَوت وكنـت ل فلقد َ
من واليامنُ كالشـائمْ فإذا الشـائمُ كــاليا
شرّ على أحـ ٍد بـدائمْ وكـذاك ل خـي ٌر ول
ر الوّليات الـقـدائمْ ط ذِلكَ في ال ّزبُـو قد خ ّ
ولقد أحسن ابن كناسة في رثاء ولده يحيى ،أنشده أبو العباس ثعلب :الطويل:
ولم أدْرِ أنّ الفال فيه يَفِـيلُ تيمّمت فيه الفأل حتى رُزِئتهُ
لَ فيه سبيلُ إلى ردَ أمرِ ا ِ فس ّميْته يَحيَى ليَحيَا؛ فلم يَكن
140
ن َي ْنتِف ريشَه َو َينْعَبُ؛
ب منها نزل بمنزل ،فإذا هو بغُرَاب على شجرة بَا ٍ وروى المدائني قال :خرج كثير من الحجاز يريدُ مصر ،فلما قَرُ َ
سفَ اللون؟ قال :ما علمت إلّ خيراً ،قال :فهل ل من بني َنهْد ،فقال :يا أخا الحجاز ،ما لي أراكَ كا ِ فأسرع الرحيل ،ومضى لوجهه؛ فلقيه رج ٌ
رأيت في طريقك شيئًا أنكَرْته؟ قال :ل وال إل في منزلي هذا ،فإني رأيتُ غرابًا َي ْنتِف رِيشَه على بانة وَي ْنعَبُ .قال :أما إنك تطلب حاج ًة ل
تدركها.
فقدم مصر والناسُ منصرفون من جنازة عزة ،فقال :الطويل:
ُينْـــتّـــفُ أعْـــلـــى رِيشـــه ويطـــايرُهْ رأيتُ غـرابـاً ســـاقـــطـــًا فَـــوْقَ بـــانةٍ
ي للنهديّ :هل أنت زاجره؟ فقلت ولو أني أشاء َزجَ ْر ُتهُبنفس َ
وفـي الـبـان بَـيْنٌ مـن حـبـــيب تـــجـــاورهْ فقال :غراب لغتراب من النوى
وأزجـرَه لـلــطـــير ،ل عَـــز نـــاصِـــرُه فمـــا أعـــيفَ الـــنـــهــــديّ ،ل دَ ّر دَرّه!
ثم أتى قبر عزة فأناخ به ساعة ثم رحل ،وهو يقول :الطويل:
ن تَسفَـحُ عََل ْيكِ سلمُ الِّ وال َعيْ ُ أقول ونِضْويَ واقف عند رأسها
بلدَك فَتلءُ الذراعين صَـيْدحُ ق ل أن تُزيرني فهذا فراق الح ّ
وأنت لعمري اليومَ أَنأَى وأنْزَحُ وقد كنت أبكي من فرا ِقكِ حية
وقال جرير :الكامل:
ن تَـجْـ َزعُ أ َو كُلّما نعبوا ل َبيْ ٍ بَانَ الخليطُ برا َمتَيْن ف َودّعُـوا
في دارِ َز ْينَبَ والحمامُ ال ُوقّع جنَني إن السّوانح بالضّحَى هَي ْ
وقال عوف الراهب خلف هذا :الكامل:
ن كُلهُمُ غرابًا َينْـعَـقُ حوْ َيَلْ َ غلط الذين رأيتهمْ بجـهـالةٍ
ت جميعَهمْ ويفـرّق ش ّ
ممّا يُ ِ ما الذنبُ إلّ للَباعر؛ إنهـا
شتَتُ الشملَ الجميعَ ال ْينُق وتُ َ ب بيُمْن ِه تَ ْدنُو النَوى
إنّ الغرا َ
وقد تبعه في هذا المذهب أبو الشيص فقال :مجزوء الرجز:
د اللّـهِ إلّ البـلُ ما فرق الحباب بَع
ب البينِ َلمّا جهلوا َ والناس يَلْحَوْن غُرا
141
نت لقوم وخـبّـر الـقـرآن خبّر الـلَـه أنّ مـشـأمَةً كـا
قاله ذُو الجلل والفُـرْقـانُ؟ أفَزُورَ الحديثِ تقـبـل أم مـا
َي ْمتَري في النذير يا َوسْـنـانُ أترى من يرى البشيرُ بـشـيرا
رة والنصح مُثمـن مـجـانُ فدع الهزل والتضاحك بالطـي
وقد فرّق حُذاق أهل النظر في المقال ،بين الطيرة والفال ،فقالوا :الطيرة كانت العرب ترجعُ إلى ما تمضيها ،وتجري على تقضيها ،وكان الذي
يهُمُ بهم إذا ما رأى ما يتطير منه رجع عنه؛ وفي ذلك ما يصرف عن الحالة على المقادير الجارية بيد ُممْضيها ،النازلة على حكم قاضيها،
س ُر مهجته؛ وليس هذا موضع تطويل ،في إيراد الدليل.
والفَأْل ل يردّ المريد عمّا يريد إنما يُقَوَي مُنته ،ويَ ُ
وفي جفاء القاسم بن عبيد ال إياه يقول معاتباً :الطويل:
ولم تر قبلي مُعسِراً قط أقْرَضا ضتُك الودَ طـائعـاًألم ترني أقر ْ
فَِل ْم ل تُرِيني َوجْ َه نُعماك أبيضا؟ لعمري لقد صوّرت أبيض مشرقاً
فأشرق فاستشفى شفاء فأفرضا فيا ويح مولك استغاث بمشـربٍ
ت توديعاً ،قضى الّ ما َقضَى ل ْز َمعْ ُ ولول اعتقادي أنك الـخـي ُر كـلـ ُه
عرَضـاصدَ عني وأ ْ لُعْرِض عمّنْ َ وإنـي وإن دارَتْ عـلـــي دوائرٌ
ث وعيّافا إذا الماءُ عَـ ْرمَـضـابخب ٍ وما زلت عَرَافاً إذا الـزاد رانَـنـي
وهذا البيت كقول الخر :الطويل:
إذا كثرت ُورَادُهُ َل ُعيُوفُ وإنيَ للمَاء المخالط لل َقذَى
وفي ابنة المسيبي يقول ابن الرومي يعزّيه :الطويل:
صرْفُ القضاءِ المقـدَرُ َمنَاك بها َ ي بـنـكـبةٍ أخا ثقتي أعْ ِززْ علـ َ
محيدٌ ،وأمرُ الَِ أعلى وأقـهـرُ ح ْكمِ ربّـه صبْتَ ،وما للمرء من ُ ِ
ق َي ْبهَـرُ عليك من السلف والح ّ وقد مات من ل يخلف الدهر مثلَهُ
جدَرُ ووَشك التعزي عن ثمارك أ ْ تعزيت عمّن أثمـرتـك حـياتـهُ
يسير وكرُ الدهر شيخيك أعسَـرُ لن اختيال الدهر في ابنٍ وفي ابنةٍ
ل ل يتـعـذّر وآبائنا ،والـنـسـ ُ تعذر أن نعتاض من أمهـاتـنـا
حبَرُ مضت وهي عند الِّ تحيا وتُ ْ حزْناً على ابـنة جـنةٍ فل تهِلكَنْ ُ
ستَـرُ حدِ الذي هو ا ْ كساها من الل ْ لعل الذي أعطاك ستر حـياتـهـا
صهَرُ بنارِ ذوي الصهار يكوى و ُي ْ فكم من أخي حـرية قـد رأيتـهُ
ول نظراً فالّ للعـبـد أنـظـر فل تتـهـم لـلّـه فـيهـا وليةً
فذو النظر العلى برشدك أبصَر وأنت وإن أبصرت رشدك مـرةً
ومن مليح تعازيه عن ابنَةٍ قوله لعلي بن يحيى :الكامل:
صِفرًا من الصهار ل يخزيكا ن كريمة أودعـتـهـا ل تبعد ّ
من جنّة الفردوس ما يرضيكا ن يكونَ صَداقهـا إني لرجو أ ْ
ق مليكـا كفؤا وضمّنتَ الصّدا َ ل تيأسنّ لها فقد زوّجـتـهـا
في موت البنت
ل بن طاهر :الطويل: ل بن عبد ا ّ وقال عبيد ا ّ
ثلثة أصهار إذا ذكر الصهر لكل أبي بنت يرجّي بقاؤهـا
وقبر يُوَارِيها ،وخيرهما القبرُ ل يَصونُهـا ت يغطيها ،و َبعْ ٌ فبي ٌ
وقال عقيل بن علفَةَ وكان أغير الرب :الرجز:
ألفٌ وعُبدانٌ وذَود عشـرُ وإني وإن سِيق إليّ المهرُ
حبُ أصهاري إليّ القبرُ أَ
ومنه أخذ عبيد الّ ،قال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد :دخل علينا ابن خلف البهراني فأنشدنا :البسيط:
ح ْندِسَ الظلمِ ولم أجُبْ في الليالي ِ ج َزعْ من الـعـدمِ لول ُأ َم ْيمَةُ لم أ ْ
أنَ اليتيمة يَحفُوها ذوو الـرّحـمِ وزادني رغبةً في العيش معرفتي
حمٍ على َوضَمِ فيهتك الستر عن لَ ْ أُحاذِرُ الفقر يومًا أن يُلـمّ بـهـا
حرَمِ ت أكرمُ نزّال على ال ُ والمو ُ تهوى حياتي وأهوى موتها شفقـا
وكانت أميمة بنت أخته ،وكان قد تبنّاها ،ثم غابت غيبة ،فسألناه عنها ،فأنشد :البسيط:
ب مُرْتكـمُ لدى صعي ٍد عليه التُر ُ ت أميمة مغموراً بها الرّجَمُ أمس ْ
حرّى عليك ،و َدمْع العين ُمنْسَجم شقّة النفس ،إن النفسَ والـهةٌ يا ِ
عني الحِمام فيُ ْبدِي وجهَها العُدُم قد كنت أخشى عليها أن يؤخّرها
حرَمُ َت ْهدَا العيونُ إذا ما أ ْودَت ال ُ فالن نمت فل هـ ّم يُؤَ ّرقُـنـي
142
حلُـم
بعد الهدوء ،ول َوجْد ول ُ فالن نمت ،فل ه ٌم يُؤَرقُـنـي
أحيا سروراً وبي ممّا أتى ألـم للموت عندي أيادٍ لست أنكرهـا
من أخبار ابن الرومي
عادَ ذكر ابن الرومي -وكانَ أبو الحسن علي بن سليمان الخفش غلم أبي العباس المبرد في عصر ابن الرومي شابّا مترفاً ،ومليحاً
مستظرَفاً ،وكان يعبث به ،فيأتيه بسَحَر؛ فيقرع الباب ،فيقال له :مَن؟ فيقول :قولوا لبي الحسن مُرّة بن حنظلة ،فيتطيّر لقوله ،ويقيم اليام ل
ج من داره ،وذلك كان سبب هجائه إياه ،فمن أول ما عاتبه به :المنسرح: يخر ُ
ت مَضى إن حسامي متى ضَ َربْ ُ قولوا ِل َنحْـ ِويّنـا أبـي حـسـن
جمْـرِ غَـضـا ي نَضَ ْلتُها ب َ
أ ْرمِ َ ت بـأنْ وإنّ نبلـي إذا هـمـمـ ُ
خفَضـا رفع ول خَ ْفضَ خافضٍ َ ل تحسبنّ الهجاء يحـفـل بـال
حضَضا سعِطُ الس ّم مَن أسبى ال ُ سَأُ ْ ول تَخَل عـودتـي كـبـاديتـي
ل يَنتهي أو يصير لي غَرَضـا أعرف في الشقياء بـي رجـلً
سلم ويخفي في قلبه مَـرَضـا صفْحَةَ الـسـلمة وال يُليح لي َ
ت مـنـه رضـا لّه عليه ،ونِلْـ ُ أضحى مغيظاً عليّ أنْ غضب ال
إن قدّر الَ حَـ ْينَـهُ وقـضـى جدِي عليه موعـظـتـي وليس ت ْ
إنّ القوافي أ َذ ْقنَهُ المَـضَـضـا ي مـعـتـذرا كأنني بالـشـقـ ّ
عهدُ خضاب إذا لـه قـبـضـا ينشدني العـهـد يوم ذلـك والْ
فإنني عارِضٌ ِلمَـنْ عَـرَضـا ل يأمننَ الـسـفـيهُ بَـادِرَتـي
سير وعندي اللّجام إن َركَـضـا عندي له السوط إن تلوّم فـي ال
ح ل شكّ نصحُ من محضَا والصف ُ ت إ ْنبَاضتـي أبـا حـسـن أسمع ُ
يحمل فيمسي فراشه قَضَـضَـا وهو معافى من السـهـاد فـل
إنْ واح ٌد من عُروقِه نَـبـضَـا أقسمت باللّـه ل غـفـرت لـهُ
فاعتذر إليه ،وتشفّع عنده بجماعة من أهل بغداد -وكان الخفش أكثر الناس إخواناً -فقبل عذره ،ومدحه بقصيدته التي يقول فيها :الخفيف:
إن لـلخـفـش الـحـــديثِ لـــفَـــضْـــلَ ذُكِـرَ الخـفـش الـقـديمُ فـــقـــلْـــنـــا:
عدْلوإذا ما حكمت والرومُ قومي في كلم مُعرّب كنتُ َ
ل أرى الـزّور لـلـمُـــحـــابـــاة أهْـــل أنا بين الخصوم فيه غريبٌ
فيلـســوفـــاً ولـــم أســـمَ هِـــرَقـــل ومـتـى قـلـت بـاطـــلً لـــم ألـــقـــب
الخفش القديم هو أبو الخطاب ،وكان أستاذ سيبويه ،وهو من المتقدمين في النحو ،و ُيعْرَف بالخفش الكبير ،وكان في عصر سيبويه أيضاً أبو
الحسن سعيد بن مسعدة ،وهو الخْفش الصغير ،وهو الذي قال :كان سيبويه َيعْرِض ما وَضَع من النحو عليَ ،ويَرى أني أعلَ ُم منه ،وكان في
وقته ذلك أعلم مني.
ل فيها :المنسرح: ثم عاد علي بن سليمان إلى أذاه ،واتصل به أنّ رجلً عرض عليه قصيدة من شعره فطعَن عليها ،فقال قصيدته التي يقو ُ
عبدةَ وال َفحْل من بنـي عَـبَـدهْ ت عبديَ في القريض مـعـا أعتق ُ
زَاغَ عن ال َقصْد أو أبـى سـددَهْ إن أنا لـم أرم بـالسـاءة مَـن
أخفش ما قلتـه فـمـا حَـمِـدَهْ قلت لمن قال لي عرضت على الْ
على مبين العمى إذا انـتـقـدهْ قصرت بالشعر حين تعـرضـه
فغاب عنه عمًى ومـا شَـهِـدَه أنشدته َمنْـطِـقـي لـيشـهـدَه
تَف َه ُم عنه الـكـلبُ والـقِـ َردَهْ ما بلغتْ بي الخطوب رتـبة مـنْ
طير سُليمانُ قـاهـرُ الـمَـرَدهْ ول أنَا المفـهـم الـبـهـائم وال
جهْلً بكلّ مـا اعـتْـقَـدَهْ فتر َ فإن يقل إنني حفظـت فـكـالـد
ح ْمدَ مَـنْ حَـمـده ما سَمع الَُ َ س َذمّـ ُه أبـداًسأُسـمـع الـنـا َ
عبْدة بن الطيب ،وعلقمة بن عبدة الفحل ،وكانا شاعرين مجيدين ،وقال علقمة ابنَ عبَدة لرجل ورأى آخر يعتذرُ إليه وهو معبس في وجهه :إذا َ
اعتذر إليك المعتذر فتلقه بوجه مُشْرِق ،و ِبشْر مطلَق؛ لينبسط المتذلل ،ويؤمّن المتنصّل.
ب عنه.صنْتُ الكتا َ ولبن الرومي في الخفش إفحاش ُ
قال علي بن إبراهيم كاتب مسروق البلخي :كنت بداري جالساً فإذا حجارة سقطَتْ بالقرب مني ،فبادرتُ هارباً ،وأمرتُ الغلم بالصعود إلى
السطْح ،والنظر إلى كل ناحية؛ من أين تأتينا الحجارة ،فقال :امرأ ٌة من دارِ ابن الرومي الشاعر! قد تشوّفتْ وقالت :اتّقوا ال فينا ،واسقونا جَرَة
ن عندنا عطشاً. من ماء ،وإلّ هََلكْنا ،فقد مات مَ ْ
ن تصعدَ إليها وتخاطبها ،ففعَلتْ وبادرتْ بالجرة ،وأ ْتبَ َعتْها شيئاً من المأكول؛ ثم عادت إليّ فقالت: عقْل ومعرفة أ ْ فتقدمتُ إلى امرأة عندنا ذات َ
ح معه، ل يوم ،ويتعوّذُ ثم يصيرُ إلى الباب ،والمِ ْفتَا ُ طيَرة ابن الرومي ،وذلك أنه يَ ْلبَس ثيابَه ك ّ ذكرت المرأةُ أنّ الباب عليها ُمقْفَل من ثلث بسببِ ِ
حدَب يقُعد كل يوم على بابه ،فإذا نظر إليه رجع وخلع فيضعُ عينَه على َثقْبِ في خشب الباب ،فتقعُ عينه على جارٍ له كان نازلً بازائه ،وكان أ ْ
ثيابه ،وقال :ل يفتح أحدٌ البابَ.
ت بخادم كان يعرفه ،فأم ْرتُه بأن يجلس بازائه -وكانت العينُ َتمِيلُ إليه -وتقدّمت إلى بعض أعواني أن يَدْعُوَ الجار ت لحديثها ،وبعث ُفعجب ُ
الحدب؛ فلّما حضر عندي أرسلتُ وراء غلمي؛ لينهض إلى ابن الرومي ،ويس َتدْعيه الحضور؛ فإني لجالس ومعي الحدب إذْ وافى أبو حذيفة
143
عثَر فانقطع شِس ُع َنعْله ،فدخل ب المعتضد ،ودخل ابن الرومي ،فلما تخطى عتبة باب الصَحْن َ الطرَسوسي ومعه بِ ْرذَعة الموسوس صاح ُ
مذعوراً؛ وكان إذا فاجأه الناظر رأى منه منظراً يدل على تغيرِ حالٍ؛ فدخل وهو ل يَرَى جارَه المتطير منه ،فقلت له :يا أبا الحسن ،أيكون
شيءٌ في خروجك أحسن من مخاطبتك للخادم ،ونظرك إلى وجهه الجميل؟ فقال :وقد لحقني ما رَأيت من ال َعثْرَة؛ لني فكرت أنّ به عاهة!
وهي قطع انث َييْه ،قال بِرذَعَة :وشيخُنا يتطير؟ قلت :نعم وُيفْرط ،قال :ومن هو؟ قلت :علي بن العباس ،قال :الشاعر؟ قلت :نعم ،فأقبل عليه
وأنشده :الطويل:
بتَفْرِيق ما بيني وبـين الـحـبـائب ولما رأيت الدهـ َر يُؤذنُ صَـرفُـه
ركوبِ جميلِ الصبْرِ عند النـوائبِ رجعتُ إلى نفسي فوطّنتها عـلـى
فأيامُه مَحفـوفة بـالـمـصـائبِ ح ْكمِها ومَنْ صَحِب الدنيا على جَور ُ
حذِرًا من كا ِمنَاتِ العـواقـب وكُن َ خذْ خُلْسَ ًة من كـل يوم تـعـيشُـه فُ
تطيّرَ جار أو تَـفَـاؤُل صَـاحِـبِ ودعْ عنك ذِكْرَ الفأل والزّجْرِ واطرح
ل قَ ْلبَه بحفظ ما أنشده ،ثم قام أبو حذيفْة وبرذعة معه ،فحلف ابنُ الرومي ل يتطير أبدًا من هذا شغَ َ فبقي ابن الرومي باهتاً ينظرُ إليه ولم أدْرِ أنه َ
ول مِنْ غيره ،وأومأ إلى جاره ،فقلت :وهذا الفكر أيضًا من التطيّر ،فأمسك ،وعجب من جودة الشعر ومعناه ،وحُسن مَأتاهُ ،فقلت له :ليتنا
كتَ ْبنَاه؟ قال :اكتبه فقد حفظته ،وأمله علي.
ومن شدة حذره ،وعظيم تطيّره ،قوله لبي العباس بن ثوابة ،وقد َن َدبَه إلى الخروج إليه وركوب دجلة :الطويل:
طبِ حذِيري شُرُورَ المَحا ِ خيْرُ ،تَ ْ لك الْ َ ل تَ َدعْ
حطْبي ِلنَاري فَ َ حضضْتَ على َ
ك يَزْ َهدْ في الثمار الطَايبِ من الشَ ْو ِ ل مُجْتـنـى ن يَلْقَ ما ل َقيْتُ في كُ ّ ومَ ْ
إليّ ،وأغْرَاني بِ َرفْضِ المَـطَـالِـبِ أذا َقتْنِي السفَا ُر مَا كَـرّهَ الـغـنَـى
ت المناكِب ت اعتِسافَ الرْضِ ذا ِ رَ ِهبْ ُ َومِنْ ن ْكبَ ٍة لَقـيتـهـا يعـد نـكْـبَةٍ
ي من ال ّتغْرِيرِ بعد الـتّـجَـا ِربِ عل ّ س ُر مَطْـلَـبـاً صبْرِي على ال ْقتَار أيْ َ فَ َ
لَقيت منَ البَحْ ِر ابْيضـاضَ الـذّوائبِ ح بـعـدمـا لقِيتُ من البرّ التـبَـارِي َ
حبّ الـمَـجَـادِبِ ت لبغْضيها ب ُ شغِفْ ُُ سُقيتُ على ري بـه ألْـفَ مـطَـرةٍ
جدَ بي كالـمُـلعـبِ ب دَهْرِ َ تلعُ ُ ولم أبْغها ،بل ساقَهـا لـمـكـيدَتـي
برَحلْي أتاهَا بالغُيوثِ الـسـواكـبِ ن يُغيثَ الرضَ حتى إذا رمَـتَ أبى أ ْ
تمايَلَ صاحِـيهـا تـمـايُلَ شـارب ت مَزلَة ضحَ ْ ض من أجْلي فأَ ْ سَقى الر َ
ن لغِـبِ َممِيلَ غريقِ الثوبِ َلهْـفَـا َ ث بـنِـاؤُهُفملـتُ إلـى خَـان مُـ ِر ّ
س َتغْرِقُ اللـيلَ وَاصِـبِ وفي سهَ ٍر يَ ْ فما زِ ْلتُ في جوعٍ وخَـ ْوفٍ وَوَحْـشَةٍ
ضبِ من ال َوكْفِ تحْتَ ال ُمدْجنَاتِ الهَوَا ِ يُؤْرّقني سَـقْـف كـأنـيّ تـحـتـه
144
ودِجْلَ ُة عند اليَ ّم بعضُ المَـذَانِـ ِ
ب ت لي قد يُ ْركَبُ اليَمُ طامِـياً ن قل َ فإ ْ
عذْرٌ ِلهَـائِبِوفي اللجةِ الخضْرَاء ُ ب ِمثْلَهـا فل عُذْ َر فيها لمْرِئً هَا َ
جهْـلُ وَاثِـبِ حتَهُ َ
تَرَاىء بِحلْيم تَ ْ لدِجْلَةَ خِب لَـيْسَ لـلَـيمّ؛ إنـهَـا
ب من مَ ْزحِ الرَياحِ اللَوَاعِبِ ض ُوتَغ َ طمَـئِن قـلـوبُـنـا حتّى تَ ْتَطَامَنُ َ
وما فيه من آذيه الـمـتـراكِـبِ ص مُـتُـونِـه ول ْليَ ّم إ ْنذَا ٌر بـغَـوْ ِ
غرَضِ الكتاب.ت عن َ وهي طويلة ،وفيما مرّ كفاية تنبئ عنه وتدل عليه ،ولو مددت أطناب الختيار لتَتبع هذا النحو من شعره لخرج ُ
في العيافة والزجر
ن ل يفا ِرقُهم ،فاجتمعوا يوماً في موضع أخْ َفوْه عنه ،ووجّهوا إليه ومن مليح العيافة والزجر ما رواه الصُولي ،قال :كان لبي نواس إخْوا ٌ
ل معه ظهرُ قرطاس أبيض ،لم يكتبوا فيه شيئاً ،فخ َزمُوه بزير ،وختموه بقار ،وتقدموا إلى رسولهم ليرميَ كتاب من وراء الباب؛ فلما رآه برسو ٍ
ضعَهم وآثَارَهم ،فأتاهم فأنشدهم :الوافر:
ن ِفعِْلهِم ،فتعرَفَ مو ِ استعلم خ َبرَهُم ،وعلم أنه مِ ْ
يمرُ بسانح الطيرِ الجوَارِي ت كتابَك ْم لمّـا أتـانـي وجد ُ
ظهْرٍ ،ومختومًا بِقَارِ على َ نظرتُ إليه مخزوماً بـزيرٍ
وخِلْتُ القا َر من دَنَ العُقار فقلت :الزير مُلْهية وَلَـهْـو
ل منه باحْـ ِورَار يحيل العق َ ف قُرْطَقيّاً وخِلْت الظ ْهرَ أ ْهيَ َ
فما أخطأت دَارَكـم بـدار فهمْتُ إليكم طَرَباً وشَـوْقـاً
ت من الفلسفة الكبَار؟ ألَسْ ُ جدِي فكيف ترونني وترون وَ ْ
وقال الطائي :الكامل:
لمُ؟
و ْرقَاءُ حين تضعضعَ الظْـ َ ن دَعَتْعيْنك أ ْ أتضعضعتْ عبراتُ َ
ضَحِك ،وإن بكاءَك اسـتـغـرام ل تنشجنٌ لها؛ فـإن بـكـاءهـا
مِنْ حَائهـنَ فـإنـهـنّ حِـمَـامُ ن كَسَـرْتَ عِـيَافةَ هنَ الْحَمامُ وإ ْ
شعْرَه لغلمه :امْض به إلى المَسْجِد الجامع فل تفا ِرقْه حتى وروى يموت ابن المزرع قال :كان أحمدُ بن المدبر إذا مدحه شاع ٌر فلم يَرْضَ ِ
ل الفرادَ المجيدين؛ فجاءه أبو عبد ال الحسين بن عبد السلم المصري المعروف بالجمل، خلَهِ؛ فتحاماه الشعراءُ ،إ ّ يُصلي مائةَ ركعة ،ثم َ
فاستأذنه في النشيد ،فقال :قد عرفت الشَرْط؟ قال :نعم ،وأنشده :الوافر:
ح يُنـتـجَـعُ الـوُلةُ كما بالمَدْ ِ أ َردْنا في أبي حـسَـن مـديحـاً
ومَنْ كفـاه دجـلةُ والـفـراتُ فقلنا :أكَرمُ الـثـقَـلَـيْنِ طُـرّا
جوائزهُ عـلـيهـن الـصّـلةُ فقالوا :يقبل المـدحـات لـكِـن
عيالي! إنما الـشـأْنُ الـ َزكَـاةُ فقلت لهم :وما ُتغْني صَـلَتـي
وعاقتني الهموم الـشـاغـلتُ فأمـا إذْ أبـى إلّ صَـلَتــي
فتصبح لي الصَلةُ هي الصلتُ سرِ الصادِ مـنـهـا فيأمر لي بكَ ْ
فضحك واستظرفه ،وقال :من أين أخذت هذا؟ قال :من قول أبي تمام الطائي :الكامل:
مِنْ حَا ِئهِن فإنهـنّ حِـمَـامُ عيَافةً سرْتَ ِ هُنَ الحمامُ فإن كَ َ
فأحسن صلته.
وقال المير أبو الفضل الميكالي لقوم من أهل مَرو انخلعوا عن طاعته :الكامل:
ليؤم مَروَ على الطريق المَهيَع يا راكباً أضْحَى يَخُب ِب َعنْـسـهِ
ن تَقطـعِ ظلت لها الكبَادُ رَهْ َ أبلِ ْغ بها قَوْمـًا أثـارُوا فِـتْـنَةً
بالغَدرِ والخَلعِ الذميم المفظِـع إذ أقدموا ظُلْماً على سُلْطانـهـم
حرِيمِه المـتـمـنـع لجنَابه و َ وبحل عـقْـدِ لـوائِهِ وإبـاحة
َف ْألً ،له في القوم أسوَأ مَوقِـع أبلغهمُ أني اتخذت لفـعـلـهـم
عن حَل عقدٍ بينهم مُستَجـمِـع أما اللّواءُ وحلّـه فـمـخـبـر
أرواحُ بالقَتل الشد الشْـنَـعِ والخلعُ يخبر أن ستُخلَعُ عنهم ال
أشلؤهم لنُسورِه والضْـبُـع والغدر يُنبئ أن ُتغَادَرَ في الوَغى
بتف ُرقٍ لجميعـهـم وتَـصَـ ّدعِ والفرقتان فشاهدٌ معنـاهـمـا
بذميم بَغيكُم لشرّ الـمَـصْـ َرعِ فتسمّعوا لمقالتـي وتَـأَهَـبُـوا
حتى تحلّ بكم عقوب ُة مُـوجِـع فالَُ ليس بغافل عن أمـرِكـم
جدْب، قال أبو عثمان الجاحظ :سمعت النظام ،وذكر عبد الوهاب الثّقفي ،قال :هو أحْلى من أمْنٍ بعد خوف ،وبُر ًء بعد سَقَم ،ومن خِصْب بعد َ
وغنًى بعد فَقْر ،ومن طاعة المحبوب ،وفرج المكروب ،ومن الوصال الدائم ،والشبابِ الناعِم.
من أخبار الجاحظ
ن أبي دُواد مقيّدا، ل عن ابن أبي دُواد إلى محمد بن عبد الملك الزيات ،فلّما نكِب محمد بن عبد الملك ُأدْخِل الجاحظُ على اب ِ وكان الجاحظ مائ ً
ح منك؛ لفسادِ ستِصلحي لك ،ولكنّ اليام ل تُصْلِ ُ ل مُتناسِيًا للنعمة ،كفوراً للصنّيعة ،معدداً للمساوي ،وما فتني با ْ فقال له أحمد :والّ ما عَْلمُك إ ّ
طوّيتك ،ورداءة دَخِيلتك ،وسوء اختيارك ،و َتغَالُب طباعك.
145
حدُوثة ن يكونَ لك المر عليّ خير من أن يكونَ لي عليك ،ولنْ أُسِيء وتحسن أحسنُ في ال ْ فقال الجاحظ :خفّض عليك ،أصلحك الّ ،فوال ل ْ
ل بك من النتقام مني ،فعفَا عنه. جمَ ُ
ل قدرتِك عليّ أ ْ ن فتسيء ،ولن تعفوَ عني على حا ِ من أن أحس َ
من أخبار عتبة بن أْبي سفْيان
ع ْهدٍ بالفتنة؛ فقال :قد وَلينا هذا عتْبة الناسَ في الموسم سنة إحدى وأربعين ،والناسُ إذ ذاك حديثو َ عتْبة بن أبي سفيان :خطب ُ قال سعد مولى ُ
ب ُم َتمَنف فيه للمحسن الجْرُ ،وللمُسِيء الوِزْر؛ ونحن على سبيل قَصْد ،فل تمدّوا العناقَ إلى غيرنا؛ فإنها تُقْطَع دوننا؛ فر ّ المقام الذي يُضاعَ ُ
حتْفُه في أمنيته؛ فاقبلوا منّا العافية ما قبلْنَاها منكم؛ وأنا أسأل ال أن يُعين كل على كل. أمراً َ
ستُ به ولم ُت ْبعِد ،قال :يا أخاه ،قال :سمعتُ فقلْ ،فقال :وال لنْ تحسنوا وقد أسأْنا خي ٌر من فناداه أعرابي من ناحية المسجد :أيها الخليفة ،فقال :ل ْ
ل من بني عامر بن صعصعة أن تسيئوا وقد أحسنّا ،فإن كان الحسان منكم فما أوْلكم بإتمامه ،وإن كان منا فما أوْلكم بمكافأتنا عليه ،وأنا رج ٌ
شكْر. عيَاله ،ووَطِئه زمانُه ،وبه فقر وفيه أجر ،وعنده ُ ت بالعمومة ويختصُ بالخؤولةَ ،كثُرَ ِ يم ّ
ت لك بغناك ،فليت إسراعي إليك يقوم بإبطائي عنك! ل منك ،وأستعين به عليك ،وقد أمَ ْر ُ فقال له عتبة :أستغفر ا ّ
عود إلى الجاحظ
خبِر باتصالِ ب النبيذ أياماً ،فطلبني محم ُد بن عبد الملك لمؤانسته ،فأُ ْ شرْ ِ
قال الجاحظ :تشاغلت مع الحسن بن وَهْب أخي سليمان بن وهب ب ُ
سرَفِ الهوى، صمَك مِن َ ع َل من سُوء الغَضَب ،و َ شغْلي مع الحسن ابن وهب ،فتنكَر لي ،وتلوّن عليّ؛ فكتبتُ إليه رقعة نسختها :أعاذك ا ّ
ت -أيّدك الّ! -أن أكون عندك من المنسوبين إلى نزقِ خفْ ُصرَف ما أعارَك من القوة إلى حث النصاف ،ورجح في قلبك إيثار الناة ،فقد ِ و َ
سبُلِ الحكماء ،وبعدُ ،فقد قال عبد الرحمن بن حسان بن ثابت :الطويل: السفهاء ،ومُجانبة ُ
جنَى لَسَعيدُ من الناس إلَ ما َ وإن أمرأً أمسى وأصبح سالماً
وقال الخر :السريع:
ذموهُ بالحقّ وبالْباطِـل ومن دعا الناس إلى َذمَهِ
ن ِمنَ ل لنّ دوامَ تغافلك عني شبيه بالهمال ،الذي يُو ِرثُ الغفال ،والعفو المتتابع يؤم ُ فإن كنتُ اجترأتُ عليك -أصلحك ال -فلم أجترئْ إ ّ
ع َييْنة بن حِصْن بن حذيفة لعثمان رحمه ال :عمر كان خيرًا لي منك ،أرْهَبني فأتْقاني ،وأعطاني فأغناني ،فإن كنت ل َتهَبُ المكافأة ،ولذلك قال ُ
ل ذلك لحُسْن عقابي -أيدّك ال! -لخدْمَة فهبْه لياديك عندي؛ فإن النعمةَ تشفع في النقمة ،وإلّ تفع ْل ذلك لذلك فعُدْ إلى حُسْن العادة ،وإلّ فا ْفعَ ْ
ن مَن جعلك َتعْفُو عن المتعمّد ،وتتجافى عن عقاب الحدوثة؛ وإلّ فأتِ ما أ ْنتَ أهلُه من العفو دون ما أنا أهلُه من استحقاق العقوبة ،فسبحا َ
ل منك هجمتَ عليه بالعقوبة .وأعل ْم -أيدك المُصر ،حتى إذا صرت إلى مَنْ َهفْوَته ذِكْر ،و َذنْبه نسيان ،ومن ل يعرف الشكرَ إلّ لك ،والنعامَ إ ّ
ك فطنة ن موت ِذكْري مع انقطاع سببي منك كحيا ِة ذكرك مع اتصال سببي بك ،واعلمْ أنّ ل َ صفْحِك عني ،وأ ٌ شيْنَ غَضبك علي كَ َزيْنِ َ ال! -أنّ َ
عليم ،وغفلة كريم ،والسلم.
من حكم علي بن أبي طالب
عليه الصلة والسلم
سنَح له الرجا ُء أذَلَه الطمع، ضدَاد من خِلَفها؛ فإنْ َ ل عنه :أعْجَبُ ما في النسان قَ ْلبُه ،وله مواد من الحكمة ،وأ ْ ي بن أبي طالب ،رضي ا ّ قال عل ّ
س قتَله السَف ،وإن عرض له الغضب اشت َد به ال َغيْظ ،وإنْ أُسعد بالرضا نِسِي التحفظ ،وإن أتاه ن مَلَكه اليَأْ ُ وإن هاجه الطمَعُ أهلكه الحِرص ،وإ ْ
جزَع ،وإن استفاد مالً أطْغاه ال ِغنَى ،وإن عضتْه فاقة بلغ الخوفُ شغلَه الحذَر ،وإن اتسَع له المن استلبته العِزة ،وإن أصابته مصيبة فَضَحه ال َ
طنَة ،فكل تقصيرٍ مضِرّ ،وكلّ إفراطٍ له قَاتِل. ع قعد به الضعْف ،وإن أفرط في الشبع كَظته البِ ْ به البلء ،وإن جَهد به الجو ُ
البيت الذي أنشده الجاحظ لعبد الرحمن بن حسان في أبيات يقول فيها :الطويل:
فقيرٌ يقولوا :عـاجـز وجَـلِـيدُ متى ما يَرَى الناس الغني وجـاره
ولكِن أحاظ قسـمَـتْ وجُـدُودُ وليس ال ِغنَى والفَقرُ من حيلة الفتى
جنَى لَـسَـعـيدُ من الناسِ إل ما َ وإن امرأ يمسي ويُصبحُ سالـمـاً
والبيت الذي أنشده بعده لمحمد بن حازم الباهلي في أبياتٍ يقول فيها :السريع:
صفْحِي عن الجاهل تعلم مِنْ َ ب َذمَي لمـا ت ل تَرْ َه ُن كن َإْ
خنَى الْـقَـائل فيك لمسموع َ فاخْشَ سكوتي آذِنًا ُمنْصِـتـا
طعِم المأكُول كـالكـل َومُ ْ فسامعُ الشـر شَـرِيك لـه
ع مِن ُمنْحَـدَرٍ سـائل أسْ َر ُ مقالة السوء إلى أهـلـهـا
َذمُوه بالحق وبالـبـاطـلِ ومَنْ دعا الناسَ إلـى ذَمـه
حَربَ أخِي التجربةِ الغَافِـل فل تهِجْ ،إن كُـنْـتَ ذا إ ْربَةٍ
ت به ذا خبَـل خـابِـل هِج َ فإن ذا العقل إذا هِـجـتَـهُ
عليك غِب الضَ َررِ الجـل ُتبْصِرُ في عاجـلِ شًـدّاتِـه
وفي ابن الزيات يقول الجاحظ :المتقارب:
ففللَ منهم شَباةَ الـعَـدَمْ بَدَا حين أثْرى لخـوانـه
ف قبل النـدَمْ فبادرَ بالعر ِ وأبصر كيف انتقالُ الزمانِ
الجاحظ ورجل من البرامكة في مرضه
سعَى إليه خفْت أن يَفْجأَني الصارف ،ويُ ْ ت ثلثين ألف دينار ،فَ ُ قال بعضُ البرامكة :كنتُ أتقلّد السندَ ،فاتصل بي أني صُ ِرفْتُ عنها ،وكنت كسب ُ
حدَرْتُ إلى ص ْغتُه عشرة آلف إهْليَلجَة في كل إهليَلجَة ثلث ُة مثاقيل ،وجعلتها في َرحْلي ،ولم أبعد أن جاء الصارف؛ فركبْتُ البحرَ ،وانْ َ بالمال ،ف ُ
جتْ إليَ عتُه ،فخر َ صرْتُ إليه ،فأفضيتُ إلى بابِ دار لطيف ،فَ َقرَ ْ البصرةِ؛ فخبّرْتُ أنّ بها الجاحظ ،وأنه عليل؛ فأحببت أن أراه قبل وفاته ،ف ِ
سرّ بالنظر إليه ،فأَدت ما قلت ،وكانت المسافة قريبة لصغر ن أنت؟ فقلت :رجل غريب أحَب أن يدخل إلى الشيخ فيُ َ خادمٌ صفراء ،فقالت :مَ ْ
الدهليز والحجرة ،فسمعته يقول :قولي له :وما تصنع بشق مائل ،ولعاب سائل ،ولون حائل؟ فأخيرتني ،فقلت :ل ب ّد من الوصال إليه ،فقال :هذا
146
رجل قد اجتاز بالبَصْرَة ،فسمع بي وبعِلّتي ،فقال :أراه قبل موته؛ لقول :قد رأيت الجاحظ.
فدخلت فسلمت فردَ ردّا جميلً واس َتدْناني ،وقال :مَنْ تكون؟ أعزك الّ! فانتَسَبتُ له ،فقال :رحم الّ أباك وقومك السخياء الجواد ،الكرام
شدَني شيئًا من الشعر ض الزمنة ،ولقد انجبر بهم خلق ،فسقياً لهم ورعياً؛ فدعوت له ،وقلت :أنا أسألُ الشيخ أن ُينْ ِ المجاد ،لقد كانت أيامُهم رَوْ َ
أذكره به ،فأنشدني :الطويل:
شيْتُ على ِرسْلي فكنت المقدَما مَ َ لئن ُقدّمتْ قبلي رِجال فطالـمـا
ض ُمبْرمـا ف ُتبْرِمُ منقوضاً ،وتنق ُ ن هذا الدهرَ تأتي صروفُـه ولك َ
ثم نهضتُ ،فلمّا قاربتُ الدهليز صاحَ بي فقال :يا فتى ،أرأيتَ مفلوجًا ينَ ْفعَه الهليلج؟ فقلت :ل ،قال :فأنا ينفعني الهليلج الذي معك ،فأنْفذْ إليّ
ص ْغتُه ،فأنْ َفذْتُ إليه
خبَري ،حتى كأن بعضَ أحبابي كاتبَه بخبَرِي حين ُ منه ،فقلت :السمع والطاعة ،وخرجت مُفْرط التعجب من وقوعه على َ
مائة إهليلجة.
المقامة الجاحظية
مقامة من إنشاء البديع تتعلق بذكر الجاحظ
قال :حدثنا عيسى بن هشام قال :جمعتني مع ِرفْقَة وَليمةٌ ،وأجبْتُ إليها للحديث المأثور فيها عن رسول ال ،صلى ال عليه وسلم" :لو دُعيت
إلى ُكرَاع لجبْتُ ،ولو أُ ْهدِيَ إليّ ذراع لقبلت" ،فأفْضَى بنا المسيرُ إلى دار قد فُرش بساطُها ،وبُسِطت أنماطها ،و ُمدَ سِماطُها ،وقوم قد أخذوا
صرْنا إليهم وصاروا إلينا ،ثم عكفنا على خِوَان قد مُِلئَتْ حياضُه، الوقت بين آسٍ مخضود ،ووَ ْردٍ منضود ،ودَن َمفْصود ،ونَايَ وعود؛ مح ِ
ل تُسَاف ُر َيدُه على جفَانُه ،واختلفت ألوانُه؛ فمن حالِك بازائه نَاصع ،ومن قانٍ في تلقائه فاقعٌ ،معنا على الطعام رَج ٌ ونوّرَت رِياضُه ،واصطفّت ِ
ضغَةخوَان ،و َتسْف ُر بين اللوان ،وتأخذُ وجوهَ الرُغفان ،و َتفْقَأ عيونَ الجِفَان ،وتَرْعَى َأرْضَ الجيران؛ يَ ْزحَم الل ْقمَة باللقمة ،ويهزِمُ المَ ْ ال ِ
ت ل َي ْنبِس ،ونحن في الحديث نجري معه حتى وقف بنا على ذِكْرِ الجاحظ وخَطَابته ،ووَصف ابن المقفّع وذَرابته، بالمضغة ،وهو مع ذلك ساك ٌ
سنِه،ث الذي فيه كنتم ،فأخذنا في وصف الجاحظ ولَ َ ووافق أول الحديث آخِرَ الخِوَان ،وزُلنا عن ذَلِك المكان ،فقال الرجلُ :أين أنتم من الحدي ِ
سكّان ،ولكل زمان جاحظ ،ولو سنَنه فيما عرفناه؛ فقال :يا قومُ ،لكلّ عمل رجال ،ولكل مقام مَقالٌ ،ولكل دارٍ ُ سنَنه في الفصاحة و ُ حسْنِ َ
وُ
ب ما ل َديْه ،وقلت :أ ِفدْنا و ِزدْنا ،فقال :إنّ حكْتُ إليه ،لجل َ انتقدتم ،لبطَلَ ما اعتقدتُمْ ،فكل كشرَ له عن ناب النكار ،وش َم بأنْفِ الكبار ،وضَ ِ
الجاحظَ في أحدِ شقي البلغة يقطِف ،وفي الخر يَقِف ،والبليغُ من لم يُ َقصّر نظمُه عن نثره ،ولم يُزْ ِر كلمُه بشعرِه ،فهل تروُونَ للجاحظ شعراً
ب العبارات ،قليل الستعارات ،منقادٌ لعريان الكلم يستَعْمله ،نَفو ٌر من ُمعْتاصِهِ رائعاً؟ قلنا :ل ،قال :فهلمّوا إلى كلمه؛ فهو بعيدُ الشارات ،قري ُ
سمَع من الكلم ما يخفّف عن َمنْ َك َبيْك ،وَينمّ ب أن تَ ْيهمله ،فهل سمعتم له بكلمةٍ غير مسموعة ،أو لفظة غير مصنوعة؟ فقلت :ل ،فقال :هل تح ّ
صرِك ما يعين على شكرك ،فأنلته ردائي ،فقال :الطويل: خنْ َ على ما في يَدَيك؟ فقلت :إي وال ،قال :فأطلق لي عن ِ
ب بـه مَـجـدا ت تلك الثيا ُ لقد كسب ْ ل َعمْر الـذي ألْـقَـى إلـيَ ثـيابـهُ
ت نَـ ْردَا ت ِقدْحاً ول نصب ْ فما ضربَ ْ وقد َقمَرَتـهُ راحة الـجـود بِـزّة
ول َت َدعِ اليا َم تَـهْـ ِدمُـنـي هَـداً ن كَسَـانـي ثِـيابَـهُ عدْ نظرًا يا مَ ْ أِ
وإن طلعوا في غُمة طلعـوا و ْردَا سفَرُوا أَسْ َفرُوا ضُحًى وقل للُلى إنْ أ ْ
خيْ ُر الندَى ما سَحَ وابلُـه نَـقْـدَا َف َ حمَ العَ ْليَا وبُلوا لـهَـاتَـهـا صِلُوا رَ ِ
قال عيسى بن هشام :فارتاحت الجماعة إليه ،وانثالت الصّلتُ عليه ،وقلت لما تآنسنا :من أين مطلع هذا البدر؟ فقال :المجتث:
لو ق ّر فيها قَرارِي إسكـنـدريةُ دَارِي
وبالحجا ِز َنهَـارِي َلكِن ليلي بنَـجْـدٍ
ما قالته الملوك
تظلمت رعية أردشير بن بابك إليه في سنة مُجْدبة لعَجْزهم عن الخراجِ ،وسألته أن يخففه عنهم؛ فكتب لهم ما نسخته :من أردشير المزيد
حفَظةُ البيضة ،والكُتاب الذين هم سَاسة المملكة ،وذوي الحرث الذين هم عمرَة البلد ،أما بالبهاء ،ابن الملوك العظماء ،إلى الفقهاء الذين هم َ
ح ْمدَ الصالحين ،وقد وضعنا عن رعيّتنا بفَضْل رأفتنا إتاوَتنا الموظّفة عليهم سنتنا هذه ،ونحن كاتبون مع ذلك نُمليهم َبعْدُ ،فإنا نحمدُ ال تعالى َ
ب عليكم العدوّ ،ول تحتوا الحتكار لئلّ يشملكم القَحْط ،وكونوا للغرباء مُؤْوِين ،لتؤووا غداً في ل َيغْلِ َ ح ْقدَ لئ َ
بوصية تنفعُ الكل :ل تستشعروا ال ِ
سبِ ،ول تعدُوا هذه الدنيا شيئاً فإنها ل ُتبْقي على أحد ،ول تَ ْرفُضُوها مع ذلك؛ فإن حسَنُ للرحم ،وأثبتُ للنَ َ المعاد ،وتزوَجُوا في القرابة فإنه أ ْ
ل بها.
الخرة ل ُتنَالُ إ َ
ن ل َينْفَدان ،وسِرَاجان ل يُطْفآن ،وحُفَتان ل َتبْلَيان؛ مَنْ نالهما نَالَ أسبَاب وقيل لبزر جمهر :أيّ الكتساب أفضل؟ قال :العلمُ والدب كنْزَا ِ
الرشاد وعَرَفَ طريق ال َمعَاد ،وعاش رفيعًا بين ال ِعبَاد.
وقال أنوشروان لبزر جمهر لمّا ظفر به :الحمد ل الذي أظْفَرني بك ،قال له :فكا ِفئْه بما يحبّ كما أعطاك ما تحب .قال :وبم أُكافِئه يا فاسق؟
قال :بالعفو عمَنْ أظفرك به اليوم كما تحبّ أَنْ يعف َو عنك غداً.
ونظي ُر هذا الكلم قد تقدم لعلي ،رضي ال عنه.
ج ْدتَه عليماً ،وإذا خبرته وجدتَه حكيماً ،وإذا أغضب كان حليماً ،وإذا ظفر كان وقيل لكسرى؛ أيُ الملوك أفضل؟ قال :الذي إذا جاوَرْته و َ
شكِي إليه وُجد رحيماً. كريماً ،وإذا استمنح منح جسيماً ،وإذا وعدَ وفى ،وإن كان الوعد عظيماً ،وإذا ُ
من إنشاء الميكالي
كتب المير أبو الفضل الميكالي إلى أبي منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي؛ كتابي وأنا أشكو إليك شَوْقاً لو عالجه العرابي لما
ق فل يحسن جمعاً ،ويخْرق فل ينوي َرقْعاً ،ويُوجِعُ ي لنثنَى على كَ ِبدٍ ذاتِ حُ َرقِ ولَوَاعِج؛ وأذمُ زماناً يف َر ُ صبَا إلى َرمْل عالج ،أو كابَده الخَل ُ َ
حكْ ِم فل يميلُ إلى ب فل يلينُ لستعطاف ،جائر ال ُ ل عليهم بما يَشْفِي الصدور وال ْكبَاد؛ قاسِي القل ِ شمْلِ ذوي الْوِداد ،ثم يبخ ُ القلب بتفريق َ
س َت ْعدِي على صَ ْرفِه وأستَنْجِد ،وأتلَظّى غيظًا عليه وأُنشد :الطويل: إنصاف ،وكم أ ْ
ن عثُـورُ ب َعثْرَة حالٍ والزَما ُ عنَانَه متى وعسى َيثْني الزمانُ ِ
وتحدُث من بعد الُمور أُمور فتُدْرَك آمال وتُقْضَى مـآرِبٌ
147
جرِيها ،و َتنْفُذ كالسهام إلى مَرَاميها؛ فهي تدو ُر بالمكروه عتْب ،ول له على أهْلِه ذَنْب؛ وإنما هي أقدار تَجْري كما شاء مُ ْ وكَلً ،فما على الدهر َ
والمحبوب ،على الحُكم المقدور والمكتوب ،ل على شهوات النفوس وإرادات القلوب؛ وإذا أراد ال تعالى أذن في تقريب البعيد النازح ،وتسهيل
س بلقائِك الخوان كأتمّ ما لم يزل معهوداً ،ويجدّد للمذاكرة والمؤانسة رسومًا وعهوداً ،إنه الملبي به ،والقادِ ُر عليه. الصّعب الجامح ،فيعود الُن ُ
ت عن حضرته -انسها ال! -ساع ًة من دهري ،كما غبْ ُوله إلى أبيه :ولو مََل ْكتُ عِنان اختياري ،وأسعفني ببعض ما أقترحه ال َقدَرُ الجاري ،لما ِ
ت ُبعْدِي عنها وإخلئي لبابها من أيام عمري؛ ولقنت أبدًا ماثِلً بها في زمرة الخدم والعبيد ،جامعًا بها بين حاشيتي العزّ المديد، ل أعد ساعا ِ
والشرف العتيد؛ ل سيما في هذا الوقت وقد أشرقت البلد بنور طلعته التي هي في ظلمة الدَهر صباح ،وع ّز مطالعته التي فيها لصدور ذوي
س من حساده ،والزمان من عدد ساكنيه وعتاده ،إلَ أن الحريص -كما علمه حتِ الشم ُ الشّنإ شجاً ول َز ْندِ المال اقتداح ،ومعاودة ظلَهِ التي أضْ َ
مولنا -مُخلى عن أعذب موارده ،وممنوع بالعوائق عن أكرم مطالعه ومقاصده.
وله يستفتح مكاتبة بعض إخوانه :أنا وإن لم تتقدّم بيني وبينه المكاتبة ،وعادة المساجلة والمفاوضة ،من فرط حِرْصي على افتتاحها وتعاطيها،
واعتراض العوائق دون المرادِ والغرض فيها ،فإن قلبي بودّه َم ْغمُور ،وضميري على مُصَافاته مقصور ،فاعتداده لفضائله التي أصبح فيها
حدِي ال ِعنَان ،وزاحم فيها مَنكِب العَنَان ،واستأثر فيها بالغُرَر والوضاح ،ما أوْفى بها على غُ َرةَ الصباح ،حتى تشاهدَتْ بها ضمائرُ القلوب، أوْ َ
ل َقدْرِها صفقة إسرارِه جمَعُ بالعتداد لها بين شهادةِ قلبه ولسانه ،ومَنْ ينظم في إجل ِ سنَة البعيد والقريب ،اعتدادَ من يَ ْ وتهادَتْ أنباءَها أل ِ
س َتمْلي الوارد والصادِرَ خبرَ سلمته انصياعاً بالود إليه وانقطاعاً. وإعلنه ،فهو يتنسمُ الريح إذا هبّتْ من ناحيته شوقاً ونزاعاً ،ويَ ْ
عفْوها وانثِيالها ،تناولت فيها ال ُمنَى سجَالُها ،واتسَع عندي مَجالها ،وأعيَا شكري َ شذور من كلمه في أثناء رسائل شتى :أياديه التي غمرتني ِ
دانيةَ القطوف ،واجتليت أنوار العيش مأمونة الكسوف ،ليس يكادُ يبرد غليلُ شوقي وحنيني ،أو ترجع نافرة أنسي وسكوني ،أو تَخْلو من
عدُه ،وتعلو على الفراق يَدُه ،فنعاوِد العيشَ طَلْقاً غزيراً ،ونجتني ثمرَ الهتمام والفكرة فيه خواطري وظنوني ،إلّ بالتقا ًء يدنو أمدُه ،و َيقْرُب مَوْ ِ
حضْرَته سمَاكِ أو أرفع .حالي في مفارقة َ جتَلي وجهَ الزمان مُشْرِقًا منيراً .فوائده لها عندي أثرُ الغَمام أو أنفع ،ومحلّ ال ّ ال ُمنَى غَضّاً نضيراً ،ونَ ْ
حالُ بنات الماء قد نَضَب عنها الغَدير ،ونبات الرض أخطأها النَ ْوءُ المِطيرُ .لهفي على دهر الحداثة إذ غُصْنُ شبابي غض وَرِيق ،ونَ ْقلُ
شرابي عضٌ ورِيق .كلمٌ أحلى من ريق النّحل ،وأصْفى من رَيق الوبل .من تسود قبل وقته وآلته ،فقد تعرّض ِلمَ ْقتِه وإذالته .نظمُه له :مجزوء
الرمل:
َر بل َو ْقتِ وآلَـهْ إن مَنْ يلتمس الصد
ت وإذَالـهْكل مَ ْق ٍ ن يُلَـقـى
لحقيق أ ْ
س مهرُها الشكر ،وثوبٌ صَ ْونُه النشر .الخضاب تذكرة ب فِضة لكان الشيبُ له خبثاً .النعمة عرو ٌ الشكلُ للكِتاب ،كالحلي للكِعاب .لو كان الشبا ُ
الشباب .ل تقاسُ المَهاوي بالمَرَاقي ،ول القدام بالتَراقي ،ول البحورُ بالسواقي .كم أبلني من عُرْفٍ جزيل ل يُبلِي الدهرُ جدةَ رِدائه ،وقضاني
من َديْن تأميل ل يَقْضي الشكرُ حقَ نعمائه .الشكر للنعمة نتاج ،والكُفْران لها رِتاج ،وكلما زدت النعمة شكراً ،زادت طيبًا ونَشْراً.
قطعة من شعره في تجنيس القوافي
قال في أبيه :الخفيف:
خذِهِ واقتباسِـهْ ما اهت َد ْينَا ل ْ مبدعاً في شمائل المجدِ خِيماً
وجواد بالعفو في وقت باسه فهو فظ بالمال وقـت نـداه
وقال فيه :الوافر:
ولم تدركه في الجود الندامه إذا ما جادَ بالموال ثـنـى
لريب حوادث قال الندى مه وإن هَجَست خواطِرُه بجمع
وقال فيه :المتقارب:
فزِعْنا إلى سـيدٍ نـابِـه ولما تنازع صَرْفُ الزمان
عنّـابِـه
كش ْفنَا الحوادثَ َ ن نابِـهِ إذا كشّرَ الدهرُ ع ْ
وقيل فيه :السريع:
تغني عن الجيش وتَسريبه ب فـآراؤه إنْ نابنا خَـطْـ ٌ
ب نَجْمًا فهو يسري بهِ لل ّركْ ِ ل بَـدَا نـورهُ
وإن دَجَا لـي ٌ
وقال يفتخر :المتقارب:
شجَاها ِل َعضّة نَفْس شجاها َ وكم حاسد لي ا ْنبَرى فا ْن َثنَـى
وما بَثّ مالً ول رَاشَ جَاها سمُو ل َنيْلِ الـعُـلَومن أينَ يَ ْ
ومنها قوله :الوافر:
جمَالي وعمّا حازَ في الدنيا َ وسائل ٍة تُسَائِلُ عن فعـالـي
ج مَالي سبُل المكارم ل ّ وفي ُ فقلت :إلى المعالي حَن قلبي
فما لي تاركًا ذَا ال ّنهْجَ مَا لي وللعلياء َنهْجٌ مـسـتـقـيمٌ
فَعالي والنّجَارُ فألْجَما لـي إذا أسرجْتُ في فخرٍ سَما بي
وقال في نوع من هذا الجنس :الطويل:
جمَةِ النَسْرِج ْم ُ
من المجد يسري فوق ُ ن يَسْرِ فوقَ الرض يطلبُ غـايةً ومَ ْ
جرِي على نَـجْـرِ فإنّا من العلياء نَ ْ ومن يختلفْ في العالمـين نِـجـارهُ
فبالمال نَشْري رابحَ الحمْدِ والنّشْـر جرْ في المال َيكْسِب ُربْـحَـهُ ومن يت ِ
وعلى نحو هذا الحذو يقول أبو الفتح البستي :الوافر:
شعَار عار لشيء من حُلَى ال ْ أبا العباس ،ل تحسب بـأنـي
148
ل من ذُرَا الحجارِ جَاري ُزلَ ٌ سلْسَالِ المجـاري طبْع ك َ
ولي َ
فلي َز ْندٌ على الدْوَارِ وَارِي إذا ما أكْـبَـتِ الدوار َزنْـداً
وقال أبو الفتح البستي أيضاً :الوافر:
رأيناها ُمبَدَدةَ النّـظَـامِ سقَتْ ُأمُورٌ
سيْفِ الدولة اتّ َ
بَ
فليس كمثلِه سام وحـامِ سمَا وحمى بني سامٍ وحام َ
?ما قيل في الحاجب
قال بعضُ الملوكِ لحاجبه :إنك عيني التي أنْظُ ُر بها ،وجُنتي التي أستنيم إليها؛ وقد وليّتك بأبي ،فما تراكَ صانعًا برعيّتي؟ قال :أنظر إليهم
خدْمتك مواضع استحقاقهم ،وُأرَتبهم حيث جعلهم ترتيبك، بعينك ،وأحملهم على َقدْ ِر منازلهم عندك ،وأضَعهم لك في إبطائهم عن بابك ولزومهم ِ
غكَ عنهم ،وإبلغَهما عنك. ن إبل َ حسِ ُوأُ ْ
ي كفايتك ومعونتك. ت به فعلً؛ والّ ول ّ ت بما عليك قولً ،إن َو َفيْ َ قال :قَد َو َفيْ َ
عبُوسِشفَه ،فل تجعل الستر بيني وبين خواصّي سبباً لضغنهم بِ ُقبْح ر ّدكَ ،و ُ ستْرَ وجهي وكَ ْ قال المهدي للفضل بن الربيع :إني قد وَلَيتُك َ
ن التمكّث. وَجْهك ،وقدم أبناء الدعوة ،فإنهم أوْلَى بالتقديم ،وثَن بالولياء ،واجعل للعامة َوقْتًا إذا دَخلوا أعجَلهُم ضِيقُه عن التلبّث ،وص َرفَهم ع ِ
ن بن سهل :إذا كان الملك محتجِباً عن الرعيّة ،ولم ينزل الوزير نفسه منزل ًة تكون وسائلُ الناس إليه أنفسَهم واستحقاقَهم دون وقال الحس ُ
الشفاعات والحرمات ،حتى يختصّ الفاضلَ دون المفضول ،ويرتّب الناسَ على أقدارهم وأوزانهم ومعرفتهم ،امتزج التدبير ،واختلَت المور،
ت مَرَائِرُهُ ،وشاعت سرائره ،وإنّ ض ْ س فَ ْوضَى ،ووَ َهتْ أسبابُ المُلْك ،وانتقَ َ ولم يميّز بين الصدور والعْجَاز ،والنواصي والذناب ،وكان النا ُ
َأقْ َربَ ما أرجو به صلحَ ما أتوله استماعي من المتنسّمين بأنفسهم ،المتوسّلين بأفهامهم ،المتوصّلين بكفايتهم ،وابتذالُ نفسي لهم ،وصبري
ن ثبتت له دَعْواه أنز ْلتُه تلك المَنْزِلة ،ولم أتَحيّفْه حقه ،ول عليهم ،وتصفحي ما توسلوا به وانتحَلوه من العقول والَداب ،والحِماية والكفاية .فمَ ْ
حقّه.ب أمَلَه من مقدار ما يست ِ صتُه حظه ،ومن قصَر عما ادَعى كانت منزلتُه منزلَة المقصّرين ،ولم أخي ِ نَق ْ
ت إليه وفودُ الذمّ، عمُودُ تدبيره؛ واسترخَت عليه حمائِلُ ا ْلحَزم ،وازدلَ َف ْ حجَاب ،وَهي َ وقاد بعضُ البلغاءِ :إذا أَسدَل الوالي على نفسه ستْر ال ِ
س ّرعَ إليه العائبون بلواذع ألسنتهم و َدبِيب قوارضهم. ل النتشار ،وآفةُ الهمال ،وتَ َ وتولى عنه رشد الرّاجِي ،ونال أمورَه خَلَ ُ
وحُجب سعيد بن عبد الملك عن عبيد الّ بن سليمان فكتب إليه :سِرْتُ إلى بابك -أعزك ال -عندما حدث من أمرك ،فلم يُقْضَ لقاؤك ،وعلمت
أن ثِقَتك بما عندي ،قد َمثّلَثْ لك حالي من السرور بنعمَةِ الَِ عندك ،وأ َر ْتكَ موضعي من العتداد بكل ما خَصَك ووصَل إليك ،فوكلت ال ُعذْر إلى
جبُ عنك ذلك .ثم إنا نأتيك متيمَنين بطَ ْلعَتك ،مشتاقين إلى رؤيتك ،فيحجبنا عنك مُلحظ .وهو كما علمت زَنيم الصنيعة ،لَئيم الطبيعة ،يحْ ُ
ت له يدٌ بيضاء ،أ ْتبَعها يداً سوداء؛ فإن رأيت -أعزك ال -أن تص ِرفَه عن باب مكارمك فعلت ،إن شاء ال. الكِرام ،و َي ْأذَنُ عليك لِلئام ،كلما نجَم ْ
وقال أبو السمط بن أبي حفصة :الطويل:
إلى بابه أَل تُضِيءَ الـكـواكـبُ ن بـنُـورِه فتًى ل ُيبَالي المدْلِجُـو َ
وليس له عن طالب العُرفِ حَاجِبُ له حاجب في كل خَـيْ ٍر يُعِـينـه
أخذْ البيت الول من قول جده مَرْوان بن أبي حفصة الكبر :الطويل:
دُجَى الليل يخبِطْنَ السَريح المُخ َدمَـا إلى المصطفى المهديّ خاضت ركابنا
دليلً به تَسْرِي إذا الليل أظـلَـمـا يكون لها نـور المـامِ مـحـمـد
وقال إدريس بن أبي حفصة ،وذكر إبلً :البسيط:
عنَاقِها حَادي ومِنَ رجَائك في أ ْ لها أمامك نور تَسْتضِيء ُبـه
عن الرُتوعِ وتلهيها عن الزّادِ لها أحاديث من ِذكْراك تَشغَلُها
وأصله قول عمرو بن شأس السدي :الطويل:
كفى لمطايَانا بوجـهِـكَ هَـادِيا ت أمَـامـنـا ن أدلَجْنا وأَن َ إذا نح ُ
وإنْ كُن حَسْرَى ،أَن تكُونَ أماميا أليس يَزيد العِـيسَ خِـفةَ َأذْرع
وقال بعض أهل العصر :الطويل:
جدّ شوق مُطمْعٌ في وصاِلكِ وقد َ طرَيه بالسُـرى وليل َوصَ ْلنَا بين قُ ْ
عرَ المَساِلكِ ق النهْج وَ ْ
عدْن الطري َأَ َ ت علينا من دُجَـاهُ حَـنَـادِس أَ َربّ ْ
149
سفَر منها كل أسودَ حَـالِـ ِ
ك وأَ ْ فناديتُ يا أسماء ،باسمك ،فانْجَلت
ت فينا أكُف المهـالـكِ شبَ ْ
وقد نَ ِ بنا أنت من هادِ َنجَوْنا بـذكـره
وقال القطامي :الطويل: خطِريني بِبالِـكِ وإن كنت لمّا تُ ْ ص َفيْتك الهوى منحتك إخلصي وأَ ْ
عنْه دَياجِرُهْ دُجَى الليل حتى انجابَ َ ذكر ُتكُمُ لَـيْلً فـنـوَر ِذكْـ ُركُـم
وقال القيني :الطويل: سجُر الليلَ سَاجِـره؟ ل ِذكْرَاكم أم ي ْ فو ال ما أدْرِي أَضَ ْو ٌء مُـسَـجّـر
حبُـهْ إذا مات منهم سيدٌ قام صَا ِ وإني من القومِ الـذين هُـمُ هُـم
بَدا كَ ْوكَبٌ تأوي إليه كواكـبُـهْ نجومُ سما ًء كلّما انقضّ كوكـب
وقال الحطيئة :البسيط: ع ثَا ِقبُهْدُجَى الليل حتى نَظم الجَ ْز َ ُهـم أضَا َءتْ لهمْ أحسابُهمْ ووجوه
وقد ردَده في موضع آخر كما أَضاءت نجومُ الَليْلِ للسـارِي نمشي على ضَوْءِ أحْسَابٍ َأضَأْنَ لنا
فقال :الوافر:
وكلم القاسم بن حنبل ال َمدَني مِنَ اليا ِم مُظْلِمةٌ أضاءُوا هُمُ القو ُم الذين إذا ألَمـتْ
من هذا ،حيث يقول :الوافر:
لَو أنك تستضيءُ بهمْ أَضَاءُوا من البيض الوجوه بَنِي سِنـان
و َمكْ ُرمَةٍ دنَتْ لهمُ السـمـاءُ فَلَو أنّ السما َء َدنَتْ لـمَـجْـد
وقال بعض المتقدمين: ُوا ء شا ث
ُ ْ
ي ح
َ العشيرة َمر َ
ك ومن المعلى همُ حازُوا من الشّ َرفِ
الطويل:
كَفَوْا خَابِطَ الظلما ِء فَ ْقدَ المَصَابحِ جنْحِ ليل وجو ُههُم إذا أشر َقتْ في ُ
وقال أبو بديل الوضاح بن فكم ث َم مِنْ آسِي جِراح وجَارح ت مُلـمَة ن نابَ خَطْب أو ألمَ ْ وإ ْ
محمد التيمي في المستعين :الطويل:
فغطى بها ما بين سهلِ وقـردَد ل قد نَشَـر الـدّجَـى وقائلة واللي ُ
ل ِميْرَاثُ النبيّ مـحـمـدِ بهِ ح ّ سقِ الذي أرى بارقًا يَ ْبدُو من الجوْ َ
ل نُورَ ضحَى غدِ رَأ ْينَا بنصفِ اللي ِ أضاءت لهُ الفاقُ حتى كأنـمـا
سُلوكًا من الجَزع الذي لم يسَـرَد ن تَحتـه عذَارَى الحيّ ينظمْ َ فظلّ َ
??ما قيل في الشتياق ِ
د أحمـ ه
ِ وج من فالنور ْ
ن ك
ُ ي
َ ل
ّ وإ تعرفـونـه الذي ُ
ر ْ
د ب
َ ال هو فقلت:
عمَر بن عبد ال بن أبي ربيعة في معنى قول عمرو بن شأس في حثً الشتياق :الطويل: وقال ُ
ب بـالْـقَـو ِم تَـنْـــكُـــصُ تَراهـا عـلـى العْـقَـا ِ خلـيلـيّ ،مـا بـالُ الـمـطـــايا كـــأنـــمـــا
فقد أ ْتعَب الحادي سُراهُنّ ،وانحنىبهنَ فما بَالَوْا عجول مقلّص
ف تَـــشْـــخَـــصُ فأعْـ ُينُـهَـا مـمّـا تـكَـلّــ ُ صبَابَةَطعَت أعناقُهن َ وقد قُ ّ
وقال بعض الرجاز ،وذكر إذا ازدا َد قُـ ْربُ الـدارِ والـبُـــعـــد يَنْـــقُـــصُ يَ ِزدْنَ بـنـا قُــربـــًا فـــيزدادُ شَـــ ْوقُـــنَـــا
إبلً :الرجز:
يريد امرأة يحبّها فيحثه ما لم ُيدْلج الليل َة فيمَنْ َأدْلَجا خدَلـجـا
إن لها لسائقاً َ
يجدُه من الشوق على إجهاد مطاياه بالسوق .كما أنشد إسحاق الموصلي :البسيط:
وليس َينْسَاكُمُ إنْ حَل أو سَارَا صبّ يحث مطايا ُه بذكْـ ِركُـم
حتى يبيعَ ب ُعمْرِ القُرْبِ أعمارا لو يستطيعَ طوَىَ اليام نحوكُمُ
هذا البيت يناسب أبيات أبن ب يُ ْلهِبُ في أحشائِه نَارَا والقر ُ يرجو النجا َة من البلوىَ بقربكُم
أبي ربيعة .يقول :كلما دنا ازدادَ حِرْصاً على اللقاء.
ع ْكبَراء ،فلما قرب من بغداد قال:
وشخَصَ إسحاق الموصلي إلى الواثق بسُ ّر من رأى ،وأهُلُ ُه ببغداد ،فتصيد الواثق وهو معه إلى نواحي ُ
الوافر:
ك منهم قُ ْربُ المَزَارِ جَ وها َ ص ْي ِبيَة الصّغار طربتَ إلى ال َ
إذَا دَنَتِ الديا ُر مـن الـدَيارِ وكلّ مسافر يَزْداد شـوقـاً
حبّ وكان إسحاقُ قال أولً :الوافر: ولحّنه وغناه الواثق ،فاستحسنه وأطربه ،فصرفه إلى بغداد على ما أ َ
إذا دَنتِ الديارُ من الديارِ وكل مسافر يَشْتاقُ يوماً
ضعُوا مكانها ِمثْلَها ل خيرًا منها .فمافعابوا قوله يوماً ،وقالوا :هي لفظة قَلِقة في هذا الموضع ،لم تحلّ بمركزها ،ول لها هنا موقع .قال :ف َ
استطاعوا ذلك ،فغيّرها إلى ما أنشدت أولً.
وقال أبو نواس :الكامل:
بين اشتياق العِيسِ والرّكـبـان أما الدّيار فقلما َلبِـثُـوا بـهـا
150
حتى طَلعْنَ بها على الوْطـانِ ق فوق رِقابها وضعوا سِياطَ الشَوْ ِ
وقال مَخْلَد بن بكار الموصلي :الطويل:
ظمٍ مجـلّـد ولم يبقِ منها غَيرَ عَ ْ ض ٍو أنْ َفدَ الـسَـير نـيهَـاً أقُولُ ِلنِ ْ
حنَانُ الحَمامِ الـمـغَـردِ وشَاقَك تَ ْ خدِي بي ابتلك ال بالشَ ْوقِ والهوَى
ل فَـ ْدفَـدِق ِبيَ المَوْماةَ في ك ّ تَشُ ّ ف دَعْوَةِ عاشـق فمرَت سريعاً خَ ْو َ
فكانت لها سَوْطاً إلى ضحْوَةِ ا ْل َغدِ ت دَعْوَتـي فلما َونَتْ في السير ث َنيْ ُ
وكان مخلد حلو الطبع ،وهو القائل يمدحُ رجلً :الرمل:
فإذا واجَـه نـحـراً أفـل جمُ على صـعْـدَتـه يَطْلُعُ النَ ْ
َأوْ َردُهنّ مُجَاجَاتِ الطـلـى ظ ِمئَتْ أرماحـهُـمْ َمعْشرٌ إن َ
حلَـى عبِ ال ُ ستَنكر للرّ ْحين تَ ْ تَحْسُنُ اللوانُ منهم في الوَغَى
ورِضَـا ُه َيتَـعَـدى الَمـلَ ل ُيدْني الَجـل سُخط عبد ا ّ
وإذا حارَب رَوْضاً َأمْـحَـلَ يُعشب الصّ ْلدَ إذا سـالـمـهُ
وأياديه على الليل انجـلـى مَلِـكٌ لـو نُـشّــرت آلؤه
ت فيه العُلَ طال حتى قَصُ َر ْ حَل بالبَأْس ابنُ عَمرو منـزلً
وتَمشَى في ندَاهُ الْخَـيْزلَـى حطّ رَحْلي فـي ذَرَاه جُـوده
في الخط
لمُه ،واستقامت سطورُه ،وضَاهَى سئِل بعضُ الكتاب عن الخط :متى يستحق أن يوصفَ بالجودة؟ فقال :إذا اعتدلَت أقسامُه ،وطالت أِلفُه و َ
ق قِرْطاسه ،وأظلمت أنْفاسه ،ولم تختلف أجْناسه ،وأسرع إلى العيون تصوُرُه، ت عيونُه ،ولم تشتبه رَاؤه ونونُه ،وأشْ َر َ ح ْحدُورُه ،وتفتّ َ
صعودَه ُ
جلِيله ،وخرج من َنمَطِ الورّاقين ،و َب ُعدَ عن تصنعِ المحررين ،وقام جتْ وُصُوله ،وتناسب دقيقُه و َ وإلى العقول تَ َثمُرُه ،و ُقدّرت فصوله ،وا ْندَمَ َ
لصاحبه مقام النسبة والحليَة ،كان حينئذ كما قال صاحب هذا الوصف في صفة خط :المتقارب:
وسا َورَه القلمُ ال ْرقَـشُ إذا ما تجلّل ِقرْطَـاسـه
ل أنْ َقشُ
كنَ ْقشِ الدنانير ،بَ ْ تَضمّنَ منْ خَطّهِ حُـلّة
خفَش نشاطاً ويقرؤها ال ْ حروف ُتعِي ُد لعين الكَليل
ق من الزجاج ،ووَجْهي عند الناس ق من ِمسْطرة ،وجَاهي أر ّ حبَرة ،وجسمي أد ّ قال أبو هفان :سألت ورَاقاً عن حاله فقال :عيشي أضيق من مِ ْ
شرَابي أحرّ من الحبر ،وسوءُ صبَة ،وطعامي أم ّر من العَفْص؛ و َ ضعَف من قَ َ خفَى من شقّ القلم ،ويَدَاي أ ْ أشدّ سواداً من الحبر بالزّاج ،وحظي أ ْ
صمْغ؛ فقلت له :عبرتَ عن بلء ببلء!. الحال ألزمُ لي من ال َ
وقال الحمدوني :البسيط:
ت مِنْ ِهمَمي عنَانَ شَأْوِي عما رم ُ ِ ن من أدَوَاتِ العِلْ ِم قد ثـنـتـا ثِنتا ِ
ف مِنَ الـقَـلـمِ وقلّم الحظّ تحري ٌ أما الدَواةُ فَأ ْدمَى ج ْرمُها جَـسَـدي
سوَامَ المالِ والـنـعـمِ عنّي َ تَذودُ َ حبَرة
وحَب َرتْ لي صحْف الحرف مِ ْ
لعصمتي نَافِرٌ خِ ْل ّو من العِـصَـمِ والعِ ْل ُم يَعْـلَـمُ أنـي حِـينَ آخـذُهُ
ح ْمدَويه ،وحمدويه جدّه ،وهو
وللحمدوني في الحرفة أشعار مستظرفة؛ وكان مليح الفتنان ،حلو التصرف؛ وهو إسماعيل بن إبراهيم بن َ
صاحب الزنادقة في أيام الرشيد ،والحمدوني القائل :السريع:
ن من نَظّارة الدنـيا فنَحْ ُ مَنْ كان في الدنيا له شَارةٌ
ظ بل َمعْنَـى
كأننا َلفْ ٌ سرَة
نَ ْرمُقها مِن َكثَبٍ ح ْ
وقال :الكامل:
ل تَ ْقنَطوا واستمطِرُوا بـثـيابـي ت إذْ خرجوا لكي يس َتمْطِروا: قد قُ ْل ُ
غَطّى ضياءَ الشمس جو سَحـاب ت بغَسْلِـهـا
ن ه َممْ ُ لو في حَزيرا ٍ
عمَرٌ فيرويه ْم دُعـا ُء مُـجَـابِ
ُ ستَـسْـقـي بـه س يَ ْفكأنها العبا ُ
صنعة الدب
وقال آخر في المعنى الول :البسيط:
عن كل حظ وجاءت حِ ْرفَ ُة الدبِ ح ّر َفنِـي
لما أجدْتُ حروفَ الخط َ
ط القلمِ والـكُـتُـبِ مخيماً سَفَ ُ أقْوَت منازلُ مالي حين وطّنـهـا
وقال يعقوب الخريمي :البسيط:
إل تزيدْت حَرْفاً تحـتـه شُـومُ حرْفاً ُأسَ ّر به
ما ا ْز َددْتُ في أدَبي َ
أنّى توج َه فيها َفهْوَ مَـحْـرُومُ كذاك من يَدّعي حُذقاً بصنعَـتـه
ي بن محمد بن بسام :البسيط: حتْفَ أنفه ،قال عل ّ
ولما قتل المقتدر أبا العباس بن المعتز ،وزعم أنه مات َ
سبِ
ناهيكَ في العلم والَداب والح َ ت بـمَـضْـ َيعَة
ن مَـيْ ٍ
ل دركَ مِ ْ
وإنما أدركَـتـه حـرفة الدب ما فيه لَوّ ول َليْتٌ فـينـقـصـهُ
قال ابن الرومي :الكامل:
151
صمُوا من الشهوات والفتن ع ُِ ت إذْ حُرِمـوا يا ليت أهل البي ِ
فقلوبهم مَرضَى الـحـزنِ لكنهم حُرِموا وما عُصِمـوا
من غيرهم بمَضَاضَة الشجَن وهُمُ أطَبّ على بَـلِـيّتـهـمْ
ن كسب المال بالحظّ، ل ما فيها بعَقْل ول حيلة ،ألَ إ ّ وقال جعفر بن محمد :إن ال وسَع أرزاقَ الحَمقَى ليعتبرَ العقلء ،ويعلموا أن الدنيا ل ُينَا ُ
وحِفظَه بالعقل.
ب لئيم؛ لنَ الشكلَ يصير إلى شَكلِه ،وهو عند اللئام أ ْكثَرُ منه عند الكرام .قال المتنبي -وأخذ هذا المعنى: قال إبراهيم بن سيّار النظام :الذه ُ
الوافر:
وأشبَهنَا بِدنيَانَا الطغَـام جذِب إليهِ شبْهُ الشي ِء ُمنْ َ
وِ
حبَسَ لنفسه بُلْغة ،وفرّق الباقيَ في وكان النظام له نظر بوجوهِ التصرّف ،وكان السلطان يَصِفه بالكثير ،وكان محظوظاً؛ فإذا اجتمع له مال َ
ن يَقِيني
أبواب المعروف؛ فقيل له في ذلك ،فقال :مِنْ حقّ المالِ عليَ أن أطُلبَه من َمعْدنه ،وأصيب به للفُ ْرصَةَ عند أهله؛ ومن حقّي عليه أ ْ
عرْضي بابتذاله ،ول يفعل ذلك إلَ بأن أسمح به؛ أل ترى ذا الغنى؛ ما أدْوَم نَصبه ،وأقلّ راحته ،وأخ ّر من ماله حَظّه، السوء بنفسه ،ويصونَ ِ
وأشد من اليام حذَره ،وأغْرى الدهر بثَ ْلبِه ونَقْصِه ،ثم هو بين سلطان يَرْعاه ،وذوي حقوق يسبّونه وأكفاء ينافسونه ،وولد يريدون فِرَاقَه ،قد
بعث عليه ال ِغنَى من سلطانه العَناء ،ومن أكفائه الحَسَد ،ومن أعدائهِ ال َبغْي ،ومن ذوي الحقوقِ الذمّ ،ومن الولدِ المَلَلَ ،وذو البلغة قِنعَ فدام له
السرور ،ورفض الدنيا فسَلِمَ من المحذور ،ورَضِي بالكفاف فتنكّبته الحقوق.
أدوات الورّاق
قال الصولي :أنشدني محمد بن أحمد بن إسحاق :السريع:
ت ذَا هَـ ّم وذا اخـتِـرَاقِ ظلْ ُ
فَ ج ْفنَيّ والـمـآقـي أدْمى البُكا َ
أ ْدنَى ول أشقَى مـن الـورّاقِ ما إن أرى في الرض والفاقِ
رأيته مـطـيرة الـعُـشّـاقِ إذا أتى في ال ُقمُصِ الخْـلقِ
كفرْحَةِ الجـنـدي بـالرزاق يفـرح بـالقــلم والوراق
وقال بعض الوراقين :المتقارب:
وطول النهار أنَا ألعـبُ ل ل أ ْكتُـبُ إذا كنتَ باللي ِ
شرَبُ وطورًا يبطّلني مَ ْ فطوراً يبطّلني مَـأكَـلٌ
فبيتيَ أوّل مـا يَخْـرب فإنْ دامَ هذا على ما أرى
ق نَحِيزته.
حبْرًا بَرَاقاً ،وجلوداً ِرقَاقاً .وكل امرئ فأمنيته على ما يطابِقُ غريزته ،ويوا ِف ُ وقيل لورّاق :ما تَشتَهي؟ فقال :قلمًا مَشَاقاً ،و ِ
اللذات
شحْم مكروبة، سئِل امرؤ القيس :ما أطيب لذّات الدنيا؟ قال :بيضاء رغبوبة ،بالحسن مكبوبة ،وبال َ ي بن جبلة العكوك :قال الصمعيُ : قال عل ّ
شبُوبة.
ك مَ ْ
سِبالمِ ْ
ب غادية. صوْ ِ
ص ْهبَاء صافية ،تمزُجُها سَاقية ،من َ وسئل العشى عن ذلك ،فقالَ :
ب َبهِي ،ومطعم شهي.وسئل طرفة عن ذلك ،فقال :مركب وَطيّ ،وثَ ْو ٌ
قال العكوك :فحدَثت بهذا أبا دُلَف ،فقال :الخفيف:
جيَادِ واختيال على مُتُونِ ال ِ أطيبُ الطيّبات َقتْلُ العادِي
ب يَأْتي بل مـيعـادِ وحبي ٌ ورَسول يَ ْأبَى بوَعْد حبـيبٍ
وحدَثت بذلك حُميداً الطوسي ،فقال :الطويل:
ع َودِي وجدّك ،لم أحْفلْ متى قام ُ ن مِنْ َلذّةِ الفَـتَـى فلول ثلثٌ ه ّ
كُميْت ،متى ما ُتعْل بالماء ت ْز ِبدِ ت بِـشَـرْبةٍ سبْقُ العَاذل ِ فمنهن َ
كَسِيد الغَضا ذي السَوْرة المتوَ َردِ ف مُحنَبـاً وكَرَي إذا نادى المُضَا ُ
خبَاء المـعَـمّـدِ ب َب ْهكَنَةٍ تحت ال ِ ن مُـعْـجِـبٌ وتقصي ُر يَ ْو ِم الدَجْ ُ
الشعر لطرفة بن العبد.
وحدثت بذلك يزيد بن عبد ال ،فقال :ما أدري ما قالوا ،ولكني أقول :المنسرح:
ن قَ َر عينا ِبعَيْشِه نَ َفعَـهْ
مَ ْ ك بِهِ
ل من الدّهْرِ ما أتا َ فَا ْقبَ ْ
فكان أسدَهم.
والبيت للضبط بن قُرَيع ،أنشده أبو العباس ثعلب ،قال :وبلغني أن هذه البيات قيلت قبل السلم بدَهْرٍ طويل :المنسرح:
ح مَعـهْ ي ل فل َ سُوالصبحُ والمُ ْ لكل ضيق من الُمـور سَـعَـهْ
َيمْلِك شيئًا مـن أمْـرِهِ َوزَعَـهْ ل مَنْ سره مـصـابُـك ل ما با ُ
خدَعَهْ؟ يا قوم ،مَن عاذِري من ال َ أذُود عن حَ ْوضِه و َيدْفـعُـنـي
أ ْقبَل يَلْحَى وغَـيه فَـجَـعـه حتى إذا ما انجلـتْ عَـمـايَتـهُ
جمَـعـهْ ويأكلُ المالَ غيرُ من َ قد يجمعُ المـالَ غـيرُ آكـلـهِ
ويلبسُ الثوبَ غي ُر مَن َقطَعـه ويقطعُ الثـوبَ غـيرُ لبـسـهِ
مَنْ قر عينًا بعيشـه نَـفَـعَـهْ ل من الدّهْرِ مـا أتَـاك بـهِ فا ْقبَ ْ
طعَهْ ن قَ َ حبْلَ ،وأقْصِ القريبَ إ ْ َ صلْ حبالَ البعيد إنْ وَصَـلَ الْ و ِ
152
تَ ْركَعَ يوماً والدهرُ قد َرفَـعـ ْه ول ُتعَادِ الـفـقـيرَ عَـلـكَ أنْ
هذا البيت شبيه بما روي عن عائشة ،رضي ال عنها ،قالت :كان رسول ال ،صلى ال عليه وسلم ،كثيراً ما يستنشدني قول اليهودي :الكامل:
يومًا ف ُتدْ ِركَه العواقب قد نـمـا ارف ْع ضعيفك ل يَحُ ْر بكَ ضعفهُ
ت كمَنْ جَزَى أ ْثنَى عليك بما َفعَلْ َ يجْزِيك ،أو ُيثْنى عليك ،وإن مَن
فأنشده ،فيقول :إني فطِن لها.
وكان الضبط سيد بني سعد ،وكانوا يشتمونه ويؤذونه ،فانتقل إلى حي من العرب فوجدهم يؤذون سادتهم ،فقال :حيثما أوجّه ألق سعداً! فذهبت
مثلً .قال الطائي :الطويل:
سجي ُة نَفْسٍ ،كل غانِيةٍ هِـنـدُ سبَنْ هنداً لها الغَدْرُ وحدها فل تَحْ ِ
وصف المحبرة والقلم
ض الكتاب يصف محبرة :الكامل: قال بع ُ
وإذا بحضْرَته ظِـبـاءٌ ُرتّـعُ ضيْتُ إلى المحدّث آنفـاً ولقد م َ
سمَعُ ُيمْلَى ،وتحفظ ما يقول وتَ ْ ب كل مـا س تكتُ ُ ظبَا ُء النْ ِ وإذا ِ
بيضا َء تحمِلُها عَـلئِقُ أربـعُ حبْ َر من ملـمـومةٍ يتجاذبون ال ِ
ح ويَلْـمَـعُج يَلـو ُفكأنها سبَ ٌ غيّر َلوْنهـا من خالص البَلّور ُ
طمَـعُ فيما ح َوتْهُ عاجلً ،ل يَ ْ ن نكّسوها لم تَسِلْ ،ومليكـهـا إْ
أداه فُوهَا وهي ل تتـمـنَـعُ ومتى أمالوها لِ َرشْفِ رُضابهـا
أبداً ،ويكَت ُم كل ما يُسْـتـودَعُ وكأنها قَلْبـي يَضِـن بـسِـرَه
يجري بميْدَانِ الطّروس فيُسْرعُ َيمْتَاحُها ماضِي الشبَاة مُـذَلـق
حفَاهُ ساعةَ يقـطَـعُ يلقاه برد َ س عنـده لـكِـنّـه لهُ رأ ٌ رِجْ َ
صلِ خريد ٍة يتَصَـنّـع خ توَ ْ شي ٌ حبْ ُر يَخْضِـبُ رأسـهُ وكأنّه وال ِ
وبه إلى الِ الصحائفَ ترفع؟ لِمَ ل أُلحظه بـعَـيْنِ جـللةٍ
وقال أبو الفتح كشاجم :المنسرح:
خلْقِ مرتضى الخلقِ مستَحسَنُ ال َ حبَرة جَادَ لي بـهـا قَـمَـرٌ مِ ْ
ناطَتْ له المكرمات في عنقي جوهرة خَصنـي بـجـوهـرةٍ
أسْ َودُ كالمِسْك جِد منـفَـتِـقِ بيضاء والحِبرُ في قَرَارَاتِـهـا
مُسْ َودُ ما شَابَه مِـنَ الـحَـدَقِ مثل بـياضِ الـعـيون َزيّنـهُ
ظلّه عـلـى الـوَ َرقِ أقل ُمنَا ِ كأنما حِـبـرُهَـا إذا نَـثَـ َرتْ
نُجْل فأَ ْوفَت بِهِ عـلـى يَقَـقِ ن مِنْ مُـقَـل ل مَرَته ال ُعيُو ُ كحْ ٌ
عَونَاً على عِلم أفصح النّطُـقِ خَ ْرسَاء لكنّهـا تـكـون لـنَـا
وقال عبد ال بن أحمد :القلم أ ْمرَهُ ،ما لم يَكتَحِل بإثمِد الدّوَاة.
ل َف ْرعٌ ،والعلمُ أصل ،وإنما بلَغنَا هذهوكتب إبراهيم بن العباس كتاباً فأراد مَحو حرف فلم يجد منديلً ،فمحاه ب ُكمّه فقيل له في ذلك ،فقال :الما ُ
الحال ،واعتقدنا هذه الموال بهذا القلم والمداد ،ثم قال :الوافر:
وأدّاه الضميرُ إلى الـعِـيانِ ضمَرَ حُسْنَ لَفظٍ إذا ما الفكرُ أ ْ
فصيحٌ بال َمقَالِ وبالـلَـسـان ووَشّاه و َنمْـنَـمَـه مـسَـدّ
ك بينها صوَر المعاني حُتَضَا َ ن مـنـوّرات رأيت حُلَى البيا ِ
ألفاظ لهل العصر في أوصاف آلت الكتابة والدويّ والقلم.
ص ْنعَة ،رَشيقة
غيْ ُر الفهام ،ول يمتح بغير أَرشية القلم ،دواة أنيقة ال ّ الدواة من أنفع الدوات ،وهي للكتابة عتَاد ،وللخاطر زنَاد ،غدير ل ي ِردُه َ
ح ْكمَة من أقْطَاره ،وتنشأ سُحُبُ البلغة مِنْ قراره .دواة تداوي مرض عفاتك، حلْية .غدير تفيض ينابيعُ ال ِ الصبغة ،مسكيّة الجلد ،كافُورِية ال ِ
وتدوي قلوب عداتك ،على مرفع يؤذن بدوام رفعتك ،وارتفاع النوائب عن ساحتك ،ومداد كسواد ال َعيْنِ ،وسُ َويْداءِ القلب ،وجناح ال ُغرَاب،
ولعابِ الليل ،وألوانِ دهمِ الخيل .وهذا من قول ابن الرومي :الرجز:
ن دُهْمِ الـخـيلِ كأنه ألوا ُ ص لعَاب الليلِ حبر أبي حَف ٍ
جمَة المحاسن ،بعيدة من المَطَاعِن ،تعاصي الكاسي ،وتمانِع شرْخِ الشباب ،وأقلم َ قال العاصر :مِدادٌ ناسب خافِية الغُرَاب ،واستعار لونَه من َ
الغامِزَ الْقَاسِي .أنابيب ناسبت رِماح الخطّ في أجْناسها ،وشاكلت الذهبَ في ألوانها ،وضاهَت الحديدَ في لمعانها؛ كأنها الميالُ استواءً ،والجالُ
شيّةُ اللّيط ،رائقة التخطيط .قل ٌم معتدل ال ُكعُوب ،طويل مَضاءً ،بطيئة الحَفى ،قوية القُوَى ،ل يُشظيها القَطُ ،ول يتشعّبُ بها الخطُ .أقلم بحرية مَوْ ِ
ضيّة .نعم
النبوب ،باسِقُ الفروع ،رَ ِويً ال َي ْنبُوع ،هو أَوْلَى باليد من ال َبنَانِ ،وَأخْفَى للس ّر من اللّسان .هو للنامل مطيّة ،وعلى الكتابة معونة مَ ْر ِ
ت كان مسجونًا ل يملّ السار ،وإن شئتَ كان جواداً جارياً ل يعرفُ ال ُعدَة القلم :يقلم أظافِرَ الدّهر ،ويملك القاليم بال ّنهْي والمر ،إن أ َردْ َ
حجِ ُم إذا أحجمت ال ّرمَاح. العِثار ،ل ينْبُو إذا َنبَتِ الصّفَاح ،ول يُ ْ
قال أبو الفتح كشاجم ،يصف محبرة ومقلمة وأقلماً وسكيناً :الرجز:
عتَـا ٍد وثَـرَا ًء ونَـشَـبْ ومن َ جسمي من الّلهْو وآلتِ الطـ َربْ
وهمّة طمّاحة إلـى الـ ُرتَـبْ ن تَصْـطَـحِـبْ ومن مُدَام و َمثَا ٍ
معمور ٌة من كـلّ عِـلْـ ِم وأدَبْ س مَصُـونَة مِـنَ الـ ّريَبْ مَجَال ٌ
153
شعْراً وأخبارًا ونحواً يقتـضـبْ ِ ث تَلْـتَـهِـبْ
حرّ الحدي ِ
تكَادُ مِنْ َ
عدِ في قَلْبِ ال ُمحِـبْ
وفقَراً كالوَ ْ ولغ ًة تجمعُ ألْـفَـاظَ الـعـربْ
ي تُنتخَـبْ سبِي من دُ ِو ّ حْأجَلْ ،و َ أو كتأتّي الرزق مِنْ غيرِ طلـبْ
حبْرُ اللَـبّحبَرَة يُزْهَى ِبهَا ال ِ
مْ محـلّـيات بـلُـجَـيْنٍ وذهَـبْ
شنُوفِ الخُ َردِ البيض العُرُب مثل ُ مثقوبة آذَانُها ،وفـي الـثـقُـب
َأسْوَد يَجْري بمعانٍ كالشُـهُـبْ تضمن قطراً لل َكتْـب عـشُـبْ
ي بِسَـبَـ ْ
ب نِيطَتْ إلى يُسْرَى يَدَ ّ ن نَـضَـ ْ
ب ل َتنْضُب الحكمةُ إلَ إ ْ
ت تُصْطَحَـبْ تصحبها ،والخَوا ُ طرَبْ كالقُرْطِ في الجيدِ َتدَلّى فاضْ َ
حمِلْ عَقَـبْ لم َيعْلُها رِيشٌ ولم تَ ْ كأنه يودع َنبْـلً مـن قَـصَـبْ
تَرْمي بها يمنايَ أعْراضَ ال ُكتُبْ حكُ الوْرَاقُ حتى يَنتحِـبْ ل َتضْ َ
و ُمدْية كالعَضْبِ ما مَسَ القَصَبْ ص ْد به السمْتَ ُأصِب رمياً متى أقْ ِ
ن وتَـثِـبْتَسْطُو بها في كل حي ٍ ضبَى على القْلَم من غير س َببْ غَ ْ
فتلك آلتـي ،وآلتـي تُـحَـبّ وإنما ترْضيكَ في ذاك الغَضـبْ
ل سيما ما كان ِمنْـهـا لـلدَبْ ستَحَبّ ت ممّا يُ ْ ظرْفُ في الل ِ وال ّ
من أخبار الخليفة المأمون
ل ذهب به ،ول غلّة إل غَلّها ،ول ضَيعَةً تظلم رجلٌ إلى المأمون من عامل له ،فقال :يا أمير المؤمنين ،ما ترك لي فِضة إلَ فضَها ،ول ذهباً إ ّ
إل أضاعها ،ول عِلْقاً إل عَلِقًه ،ول عَرَضاً إل عَرض له ،ول ماشية إل امْتشّها ،ول جليلً إلَ أجْلَه ،ول دقيقًا إل أ َدقّه ،فعجب من فصاحته
جتَه.
وقضى حا َ
ت في نوبتي ليلةً فخرج متفقّدا مَنْ حَضَر ،فعرفته ولم يعرفني ،فقال: قال عمرو بن سعد بن سلم :كانت علي نوبة أنوبها في حرس المأمون ،فكن ُ
سعَدك ال ،ابن سلم ،سلمك ال .فقال :تكلَؤُنا منذ الليلة .قلت :ال َيكْلَؤُك َقبْلي ،وهو خير حافظاً عمْرو ،عمرك ال ،ابن سعيد ،أ ْ من أنت؟ قلتَ :
وهو أرحم الراحمين.
فقال المأمون :الرجز:
ومَن يَضُ ُر نَفسَه لينْـفَـعًـك سعَى َمعَكْ ق من يَ ْ إن أخاك الح ّ
ل نَ ْفسِهِ ليجـمَـعَـكْ
بَدد شَم َ صدَعَك ن إذا صَرفُ زمان َ ومَ ْ
وصف الروض والزهور
وقال علي بن العباس الرومي :الكامل:
ل تَوَرُدها عليه شَـاهِـدُ خج ً خجِلتْ خُدودُ ال َو ْردِ من تَفْضِيله َ
إل وناحِلُه الفضـيلةَ عَـانِـدُ لم يخجل الوردُ المو َردُ لونـه
بين الرياض طريفه والتّالـدُ للنرجس الفَضْلُ المبين إذا بَدَا
وكان ابنُ الرومي متعصباً للنرجس ،كثير الذمّ للورد ،وكتب إلى أبي الحسن ابن المسيب :الكامل:
س معه ا ْبنَةُ ال ِعنَـبِ في نَرْجِ ِ أدْرِك ثِقَاتكَ إنهـم وَقـعـوا
عجَبِ ب ومن َ ت من عُجْ ٍ سبحْ َ فهُمُ بحالٍ لو بَصُـرْتَ بـهـا
وشرا ُبهُ ْم دُرٌ علـى ذهَـبِ َريْحَا ُنهُمْ ذَهبٌ عـلـى دُرَرٍ
حلَباً على حَـلَـب دَرَ الحيا َ شتْوِية رَضعَـتْ في َروْضَةٍ َ
في ِه بمُطّلَ ٍع ومُـحْـتَـجـب ن فَـحُـ َرتُـهُ
واليو ُم َمدْجُـو ٌ
ضوءاً يلحِظنا بل لَـهَـبِ ظلت تسامرنا وقد بَـعَـثَـت
س َتهْتراً بالنرجس ،وكان يقول :هو ياقوت أصفر ،بين در أبيض ،على زمرد أخضر ،نقله بعض المحدثين فقال: وكان كِسْرى أنو شروان مُ ْ
الطويل:
مركَبة في قائ ٍم مِن َزبَرْجَـدِ س دُرَة وياقوتة صفراء في رأ ِ
نَثي ُر فِرن ٍد قد أطاف ِبعَسْجـدِ كمثل بهي الدر عقد نظامهـا
بقي ُة دَمع فوق خَـدً مـو َردِ جنَباتِـهـا كأن بقايا الطلّ في َ
رجع إلى ابن الرومي :الكامل:
ن هذا طـاردُ زَهَر الربيع وأ َ فَضلُ القضـي ِة أن هـذا قـائد
بتَص ُرمِ الدنـيا ،وهـذا وَاعـدُ شتانَ بين اثنين :هذا مُـوعـدٌ
بحياته ،لـو أن حـيا خـالِـدُ ت به فأمتَعُ صاحبٍ فإذا احتفظ َ
عدُع يُسَا ِ وعلى ال ُمدَامَةِ والسَما ِ ينهى النديمَ عن القبيح بلَحظِـهِ
أبداً؛ فإنك ل مـحـالة واجِـد اطلب بعَقْلك في الملح سَميه
ما في الملَح له سمي واحـد والور ُد إن فتّشت فردٌ في اسمه
حيَا السحابِ كما يربي الوالد بَ هذي النجوم هي التي ربّينهـا
154
شبَهًا بوالده فذاك الـمـاجـد فانْظُرْ إلى الولدين ،مَنْ أدناهما
ورياسةً ،لول القياس الفاسد؟ أين الخدود من العيون نفـاسةً
وقد ناقضه جماع َة من البغداديين وغيرهم في هذا المذهب ،وذهبوا إلى تفضيل الوردِ؛ فما دانَوه وما استطاعوه.
قال أحمد بن يونس الكاتب رادًا عليه :الكامل:
ن فـهـمَـك راقـد دُعِجِ ،تنبه إ ّ شبّه نَ ْرجِسـاً بـنـواظـرٍ ن يُ َ
يا مَ ْ
بين العيون وبينـه مـتَـبـاعـد ح قـياسـهُ، إنّ القياسَ لمن يصـ ّ
فعل َم تَجحَد فَضلَه يا جـاحـد؟ والوردُ أصدقُ للخـدودِ حـكـايةً
تخلـيده ،لـو أنّ حـياً خـالـد عمْرُه مُسْـتَـأهِـلمَلك قصير ُ
ما في المِلح له سمـيّ واحِـد إنْ قلت إنّ الور َد فَرد في اسمـه
والبدر يُشرَك في اسمه وعطَارِد س تُفْ َردُ باسمها والمشتـرَي فالشم ُ
ب كما يُربّي الـوالـد سحَا ِ حيَا ال َ
بَ أو قلت إنّ كواكـبـا ربـينـهـا
جدْوَى هو الزّاكِي النجيبُ الرّاشد َ طبْع أبـيه فـي ال قلنا أحقّهما بِ َ
ولها منـافـعُ جـمة وعَـوَا ِئدُ زُهْرُ النجو ِم تَرُوقُنا بـضِـيائهـا
وله فـضـائلُ جَـمّةٌ وفَـوَائِدُ ق يَرُوقُـنَـاوكذلك الوَ ْردُ النِـي ُ
وبنفحـه أبـداً مـقـيم راكِـدُ وخليفه إن غاب ناب بنَـفْـعِـه
وضَحَت عليه دلئل وشَـواهِـدُ ت تُنكِ ُر ما َذكَرْنا بعـدمـا ن كنْ َإْ
ن فما يَصْ َفرُ إلّ الحـاسِـدَ وافط ْ صفَرّ لونًا منهـمـا انْظُرْ إلى الم ْ
نبذ من النظم والنثر
في صفات النّور والزهر
ي بن الجهم :البسيط: قال عل ّ
حُسنُ الرّياضِ وصوت الطائرِ الغَ ِردِ لم يضحَك الوردُ إل حين أعْـجَـبَـه
حتِ الرّاحُ في أثوابها الـجُـ ُددِ ورا َ بدا فَأ ْبدَتْ لنا الدنيا مـحـاسِـنَـهـا
إلى الترائب والحشـاءِ والْـكَـبـدِ وقابلَته يد المُـشـتَـاقِ تـسْـنِـدهُ
جفْنَ عينيه مِنَ الـسُـهُـدِ أو مانِعاً َ كأن فيه شفـا ًء مـن صَـبَـابـتِـه
وسَـيرُه مِـن َيدٍ مـوصـول ٍة بِـ َيدِ بين الندِيمين والخلَـين مَـصْـرَعُـه
ت فـيه ذِلّة الـحـسـدِ إل تبـينـ َ ما قابلت طَلعَة الرّيحانِ طَلـعـتـه
ب من الوْصابِ وال َك َمدِ تَشفي القلو َ قامَت بحجـتـه ريح مـعَـطَـرَة
ب نـكِـدّ بمسِمع باردٍ أو صَـاحـ َ ل مـن يعَـذّبـه ل عـذبَ الـلَـه إ ّ
وكان أردشير بن بابك يصف الورد ويقول :هو د ّر أبيض ،وياقوتٌ أحمر ،على كراسي زَبرجَد أخضر ،توسطه شذو ٌر من ذَهبٍ أصفر ،له رِقة
الخمر ،ونفحات العِطر ،أخذه محمد بن عبد الّ بن طاهر فقال :البسيط:
ُزمُرّد وسْطَه شَذ ٌر مِنَ الـذّهَـبِ ت يُطِـيفُ بـهـا كأنـهـن يواقـي ٌ
جمْرِ في الّلهَبِ خمْ َر ٍة مَزة كال َ
من َ شرَبْ على َمنْظَرٍ مستظْرَفٍ حَسَن فَا ْ
ي من ظَ ْرفِه وشهوته لما كان عليه، وقال يزيد المهلبي :أحَب المتوكل أن ينادمَه الحسين بن الضحاك ،الخليع البصري ،وأن يَرَى ما بَق ّ
سقِه؛ فسقاه وحيّاه بوَردَة ،وكانت على شفيع أثوابٌ ،فمدّ الحسين يده إلى فأحضره وقد كبر وضعُفَ ،فسقاه حتى سكر ،وقال لخادمه شفيع :ا ْ
جكَ يا حسينُ إلى أدب! وكان المتوكل غمز شفيعاً على العبث خلَوْتَ به! ما أحو َدِرْع شفيع ،فقال المتوكل :أتخمش غُلَمي بحضرتي؟ كيف لو َ
به ،فقال حسين :سيدي ،أريد دواة وقرطاساً؛ فأمر له بهما ،فكتب :الطويل:
ق كالوَ ْردِ من الوَرْد يسعى قي قَرَاطِ َ وكالوردة البيضاء حَـيا بـَأحْـمَـرٍ
بِك ّفيْهِ يستَدعي الخلِيّ إلى الـوَجْـدِ ل تـحـيةٍ عبَـثَـات عـنـد كـ ّ له َ
ت من الـعَـهـدِ تذكرني ما قد نسي ُ تمنّيت أنْ أُسْقى بـكـفّـيه شَـربةً
ع ِد
من الدهر إلّ من حبيب على وَ ْ ل عيشاً لم أنَمْ فـيه لـيلةً
سقَى ا َّ
ثم دفع الرقعةَ إلى شفيع ،وقال :ا ْد َفعْها إلى مولك؛ فلمّا قرأها استملحها ،وقال :لو كان شفيع ممن تَجُوز ِه َبتُه لو َهبْتُه لك ،ولكن بحياتي يا شفيع
ل كنت ساقيهُ بقيّة يومه! وأمر له بمال كثير حمل معه لما انصرف. إّ
قال يزيد المهلبي :فصرتُ إلى الحسين بعد انصرافه من عند المتوكل بأيام ،فقلت :ويحك! أتدري ما صنعت؟ قال :ل أ َدعُ عادتي بشيء ،وقد
قلت بعدك :مجزوء الخفيف:
ن ل يصـرحُ بَ ِة مَـ ْ حبْل رَأى عطفة ال ِ
عنْدي وأمْـلَـحُ كَلُ ِ صغَرُ الساقـيَيْن أَش
أ ْ
نح طَـوْرًا و َيبْـرَح لو تراه كالظبـي يَسْ
ب بـنَـوْ ٍر يُوَشـحُ
ٍ خِ ْلتَ غُصْناً على كثب
قال الصولي :وكأن الول من أبيات الحسن من قول العباس بن الحنف :الكامل:
بيضاء بين شقائقِ النعـمـانِ ب كوَ ْردَةٍ
حمْرِ الثيا ِبيضاء في ُ
155
مثل اهتزا ِز نَوَاعِمِ الغْصَا ِ
ن غ َيدِ الشباب إذا مَشَتْ تهتزّ في َ
قال أبو بكر الصولي :كان عند الخصي الوزير ظبي داجن ربيب في داره ،فعمد إلى نيلوفر فأكله ،فاستملح الغزال وأنسه ،وقال :لو عمل في
ُأنْس هذا الغزال وفعله بالنيلوفر لشتمل العمل على معنًى مليح! فبلغ الخبر أبا عبد ال إبراهيم ابن محمد بن عرفة نفطويه ،فبادر لئلّ يُسبق،
وعمل أبياتاً أولها :الطويل:
ش لدَى أ ْفنَانِها ورَقاً خُضْرا َتنُو ُ ظ ْبيَة غنّاء تَرْعَى ب َروْضَةٍ ج َرتْ َ
في أبيات غير طائلة ،فاستبرد ما أتى ،قال الصولي :فقلت :الطويل:
ل مُـسْـعِـدِ تراه على اللذّات أفْضَ َ ك طـيبُـهُ ونَيلُوفرٍ يحكي لنا المِسْـ َ
تروقُ كثوبِ الراهب المـتـعـبّـدِ قد اجتَنَ خوفَ الحـادثـات بـجُـنَةٍ
على قُضُبٍ مخضرّةِ كال ّزبَـ ْرجَـدِ ت فـي ذَهـبـيّةٍ تُ َركَب كالكـاسَـا ِ
ن بِـخَـد مـوَ َردِ ت عـي ٌ كما ع ِبثَـ ْ وأُلْبس ثوبًا يفضُلُ اللَحْظَ حُـسْـنُـه
تروحُ عليه كـلّ يوم وتَـغْـتَـدي غَذتْهُ أهاضيبُ السـمـاء بـدَرّهـا
ل عنه الحسن في كل مَشـهَـدِ ففضَ َ تلبّـس لـلنْـوارِ ثـوْب سـمـائه
كياقوتةٍ زرقاءَ في رَأسِ عَسْـجَـدِ وفي وسطه منه اصـفـرا ٌر يَزينُـه
حَكى طَرْف من أهْوى وحُسن ال ُمقَّلدِ أطاف به أحْوَى المـدامـع شَـادِنٌ
ولم يس َتعِنْ في أخذه الكاسَ بـالـيَدِ كما أخذ الظمآنُ بـالـفـم كـاسـه
وقال أبو محمد الحسن بن علي بن وكيع :الكامل:
ناهيك من يومٍ أغ َر مُـحـجـلِ جهِه الـمـتـهـلـل يومٌ أتاك بوَ ْ
خِلَعًا َف َبيْنَ ُممَسك ومُـصَـنْـدَلِ خضِرارِ سمـائهِ خلع الغمامُ على ا ْ
بمور ٍد و ُمعَصْفـر ومُـكَـحـل وكسا الرُبى حُلَل تخاَلفَ شكلهـا
ب كاساتِ العيونِ الهطلِ شرْ ِمن ُ ت فيه قـدودُ غـصُـونِـهِ وتمايلَ ْ
ت لعينِ الناظر المـتـأمـلِ فهدَ ْ وعَل على الشجار قَطْرُ سمائهـا
بمنظمٍ من لـؤلـؤ ومُـفَـصّـلِ يَحْكي ِقبَاب ُزمُردٍ قد كُـلـلَـتْ
ك بعين أكْحَـل أقْـبَـلِ يَرْنو إلي َ وأتاك نَوْرُ البَـاقِـل ِء كـأنـمـا
حمْرَ ِة مُـخـجـلِ وتراه مُنتقِباً ب ُ ال َو ْردُ يُخجلُ كـل نـورٍ طـالـع
صنْدَلي وجْهَ الخريدة في الخمارِ ال ّ وحكى بياضُ الطّلْع في كافـورهِ
جتَـلـي في كل أنواع الملبس ت ْ فكأنما الدنيا عَـرُوسٌ أقْـبـلَـتْ
من صنعة البَردَان أو قُطْـرَبـلِ صفَرَة القميص سُلفةً فاشرب ُمعَ ْ
وقال أبو الفتح البستي :الكامل:
م َزجَ السَحابُ ضياءَهُ بظلمِ يومٌ له فَضْلٌ عـلـى اليام
وا ْلغَي ُم يَبْكي مثل طَ ْرفٍ هَامِ ل قَلْبٍ هائمٍ
ق يخفق ِمثْ َ فا ْلبَر ُ
156
وقال في النرجس :المجتث:
يُزْهَى بحسْنٍ وطِيبِ أهْلً بنرجس رَوْضٍ
على قَضِيبٍ رَطيبِ يَ ْرنُو بعَينَـيْ غـزال
يرِينُه للـقـلـوبِ وفيه مَغنًى خـفـيّ
حبِـيبِ ف بِرّ َحُرُو َ سقْتَ ال ن نَ َ
تَصحِيفُه إ ْ
وقال :الطويل:
يقو ُم بعُذْرِ الَلهْوِ عن خالِع ال ُعذْرِ وما ضمَ شملَ الُنس يومًا كن ْرجِسٍ
كقامة ساقٍ في غَلَئلهِ الخُضْـرِ فأحداقه أحداق تِـبْـرٍ ،وسـاقـهُ
وقال البحتري :الطويل:
إلى الحِقْف من َرمْل اللوى المتقاودِ ث أكنافَ اللّوى من محـلّة سقَى الغي ُ َ
حمَرّ من الـنـوْرِ جـاسِـد عليه ِبمْ ْ ول زال مخضر من الروض يانـع
دموع التصابي في خدودِ الخـرائد شقائق يَحمِلـن الـنـدَى فـكـأنـه
صفَـرَة كـالـفَـرَا ِئدِ ت مُ ْ ومن نكَ ٍ ومن لؤلؤ في القحـوان مـنَـظـمٍ
دناني ُر تِـبْـ ٍر مـن تُـؤام وفـا ِردِ جنَى الحوذان في رَونَق الضحى كأن َ
شآبيبُ مجتاز علـيهـا وقـاصـدِ إذا راوحتها مُزنَةّ بَـكَـرَت لـهـا
بكل جديد الماء عَـذْبِ الـمـوارد رِباع تردّت بـالـرياض مَـجُـ ْودَةً
تَليها بتلك البـارقـات الـرّواعِـد كأن يد الفتح بن خاقـانَ أقـبـلـتْ
ستَويه :قال لي البحتري وقد اجتمعنا على حلوة عند المبرد وسََل ْكنَا مسلكًا من المذاكرة :أشعرت أني ل بن جعفر بن دَرَ ْ قال أبو محمد عبد ا ّ
س كلّهم إلى قولي :الطويل: سبقت النا َ
دموعُ التصابي في خُدودِ الخرائدِ ق يحمِلْنَ النّـدَى فـكـأنّـهُ شقائ ُ
تليها بتلك البارقات الـرّواعِـدِ كأن يدَ ال َفتْحِ بن خاقان أقبـلَـتْ
هكذا أنشد ،فاستحسن ذلك المبرد استحساناً أسرف فيه ،وقال :ما سمعت مثل هذه اللفاظ الرّطبة ،والعبارة ال َعذْبة ،لحدٍ تقدّمك ول تأخّر عنك.
سبِق إلى هذا ،بل سبقك سعيد بن
عبَادة ،لم تَ ْ فاعتَ َرتْهُ أَ ْريَحِيةٌ جربها رِداء العُجب؛ فكأنه أعجبني ما ُيعْجب الناس من مراجعة القول؛ فقلت :يا أبا ُ
حميد الكاتب إلى البيت الول بقوله :الكامل:
ثم اجترعنا ُه كسمّ نـاقـعِ عذُبَ الفراقُ لنا ُقبَيل وَداعِنا َ
ط فوق وَ ْر ٍد يانعِ طلّ تساق َ َ وكأنما أثرُ الدموع بخدّهـا
وشركك فيه صديقُنا أبو العباس الناشئ بما أنشدنيه آنفاً :المتقارب:
بكاءُ الحبيب ل ُب ْعدِ الديارْ بكَت للفراق وقد راعَني
جلَنـار طلً على ُ بقية َ ن الدموعَ على خدّها كأ ّ
وما أساء علي بن جريج ،بل أحسن في زيادته عليك بقوله :المنسرح:
ن يُطْفينَ غُلّة الـوَجْـدِ وه َ لو كنتً يوم الوداع شا ِهدَنـا
سفَح من ُمقْلةٍ علـى خـدّ تَ ْ ل دمـوعَ بـاكـيةٍ لم تَـرَ إ ّ
يقطُر من نَرْجِس على وَردِ ط ُر نَـدًىكأن تلك الدموع قَ ْ
وسبقك أبو تمام إلى معنى البيتين معاً بقوله :الكامل:
فكـأنـهـا عـينٌ إلـيه تَـحَـدرُ من كل زاهرةٍ ترقرَق بـالـنَـدَى
عَذراء تـبـدو تـارة وتـخـفـرُ تبدو ويَحجبَها الجـمـي ُم كـأنـهـا
ق المامِ و َهدْيُهُ المـتـنـشّـر خُلُ ُ خَلقٌ أطل مـن الـربـيع كـأنـهُ
ومن الربيع الغَض سَرح في يزهر عدْلِ المام وجُـودِهِ في الرض من َ
أبداً على مَـرَ الـلـيالـي يُذكَـر يُنسي الربـيع ومـا يروض جـودة
حبْ َوتَه ونهض ،فكان آخر عهدي بمؤانسته وغَلُظ ذلك على محمد بن يزيد ،وقدح ذلك في حالي عنده. ق ذلك عليه ،وحلّ َ قال :فش ّ
وقال البحتري يمدح الهيثم بن عثمان الغنوي :الطويل:
شرَوْ َرىَ جِئن في البحر عُوَما جبال َ ألست ترى َمدّ الـفُـراتِ كـأنـهُ
رَأَى شِيمَةً من جارِه فتـعـلـمَـا وما ذاك من عـاداتـه غـير أنـهُ
أوائلَ وَرْد كُنَ بـالمـس نُـ َومَـا غبَش الدّجـى وقد نبه النَوْرُوزُ في َ
ن مُـكَـتّـمَـا يبث حديثًا بينـهـ َ يُفَتحهـا بَـ ْردُ الـنـدى فـكـأنـهُ
ت بُرْداً ُم َنمْـنَـمَـا عليه كما نَشَ ْر َ ومن شجرٍ َردّ الربـيع لِـبَـاسـهُ
وكان قذًى للعين مذ كان محْرمَـا ن بَـشَـاشَةً حلّ فأَبدى لـلـعـيو ِ أَ
وما َيمْنَعُ الوتار أن تـتـرنّـمـاَ فما يمنع الراح التي أنت خِـلّـهـا
حثّون أنْـجُـمَـا وراحُوا بُدوراً يست ِ وما زلت خِلً للندَامى إذا اغْـتَـدَوا
ح ِدثْنَ فيك تكرمـا ن أن يُ ْ طعْ َ
فما اسْ َ ت مِنْ َقبْلِ الكؤوس علـيهِـمُ تك ّرمْ َ
157
وقال آخر :البسيط:
بجنّةٍ فجـرتْ راحـاً و َريْحَـانَـا ح ّيتْك عنا شمال طافَ طـائِفُـهَـا
سِرّا بها وتداعَى الطيرُ إعـلنـا سحَيراً فناجَى الغُصْنُ صاحبَه هبتْ ُ
سمُو بها وتَمسُ الرضَ أحيانـا تَ ْ ق تَغنّى على خُض ٍر مُـهَـدّلةٍ وُرْ ٌ
ط َفيْهِ نَشْوانَـان من هزّةِ عِ ْ والغُصْ َ تخالُ طائرَها نَشوانَ مـن طَـرَبٍ
ولبن المعتز في أرجوزته البستانية التي ذم فيها الصبّوح صفة جامعة ،إذا قال رجز:
ونَشّر المنثور بُرْداً أصْفَـرا أمَا ترى البُسْتان كيف نَـوّرا
واعتنَقَ الورد اعتناق الوامقِ حكَ الوردَ إلى الشقـائق وض َ
خدَم كهـامةِ الـطـاووسِ وُ في َروْضَةٍ كحلية العـروسِ
منظم كقِطَـع الـعِـقْـيَانِ وياسمين في ذُرَى الغصـان
ب نَـدِقد استمد الما َء من تُر ٍ والسرْو مثل قَصبِ ال ّزبَرْجـد
جدْوَلٍ كالبَـرَد الـحـلـيَ وَ علـى رياضٍ وثـرًى نَـدِيَ
حفٌ بيضُ الـوَرَقْ كأنَه مصا ِ ج ْيبْاً و َفتَـقْ
وفَرّج الخشْخَاش َ
تخَالها تجسمـت مِـن نـورِ أو مثل أقداح مِن الـبـلّـور
قد خَجل اليابس من أصحابِه ن من أثـوابـه و َبعْضه عُريا ُ
مثل الدبابيس بأيدي الجـنـد ُتبْصِره عند انتـشـار الـوردِ
ن قد مسه بعض بَـلـل كقط ٍ والسّوْسَن الزار مَنشور الحُلَل
ودَخل الميدان في ضَمـانـه نوَرَ في حاشيتي بُسَـتـانـه
158
قد خفّـفَـتْـه لـقْـوة بـ َوكْـر ن بـازٍ أو جَـنَـان صَـقْـ ِر
جَنا ُ
أو نَ َبتَتْ في ترْبةٍ مـن جـمـرِ ن نَـحْـرِكأنما سحّـت دَمـًا مـ ْ
ف الدّهْرِ
لو كف عنها الدهرُ ص ْر َ أو سُقيَتْ بجَـذوَلٍ مـن خَـمْـر
تَ ْفتَ ّر عن ِمثْلِ اللثاث الْـحُـمْـرِ جاءت كمثل النَهد فوق الـصـدْرِ
ل بعد الهَجْرِ في مثل طعْمِ الوصْ ِ
ولهم في هذا المعنى
جتْهَا أيدي الندى. روضة رفَتْ حَوَاشيها ،وتأنق واشيها .روضة كالعقود المنظّمة ،على البرود المنَم َنمَة .روضة قد رَاضتها كف المطر ،ودب َ
ث آثارها ،وأبدت الرياضُ أزهارها .الرياض كالعرائس في حَليها وزَخَارِفها ،والقيان في وَشْيهِا أخرجتِ الرضُ أسرارَها ،وأظه َرتْ يدُ الغي ِ
غدْرانها ،كأنما احتفلت ل َوفْد ،أو حمْرَائها وصفرائها ،تائهة بعيدانها و ُ حبَراتها و ِريَاطَها ،زَاهية ب َ
ومَطَارِفها ،باسطة زَرابتها وأنماطها ،ناشرة ِ
ت بنوافَجِ المِسكِ أنوارُها، ل الغمام صحراؤها ،وتنا َفجَ ْ هي من حبيب على وَعْد .روضة قد تَضوَعَت بالَرَج الطيبِ أرجاؤها ،وتبًرجَت في ظلَ ِ
خضِك ،وماؤه وتعارضت بغرائب النطْقِ أطيارُها .بستان رقّ نورُه النضيد ،وراق عودُه النضير .بستان عودُه خضر ،ونوره نَضِر ،و ُينْعه َ
خصِر .بستْانٌ أ ْرضُه للبقل والريحان ،وسماؤه للنخل والرمان .بستان أنهارُه مفروزة بالزهار ،وأشجارُه مُوقَ َرةٌ بالثمار .أشجارٌ كأن الحورَ َ
ستْها بُرودَها ،وحلّتها عقودها .الربيعُ شبابُ الزمانِ ،ومقدمة الورد والريحان .زمَنُ الوردِ مَرْموق ،كأنه من الجنَةِ مسروق. أعا َرتْها قُدُودَها ،وك َ
قد ورد كتاب الورد ،بإقباله إلى أهل ال ُودّ ،إذا وَ َردَ ال َورْد ،صدَرَ البرد .مرحباً بإشراف الزهر ،في أطراف الدهر ،وأنشد :الطويل:
خدُ
فقد كان قبل اليوم ليس له َ خدّ َربِيعنا سقى الَُ َورْداً صَار َ
ق كتيجان العقيق على رؤوسِ الزنوج، ظرْفُ الظّرف ،وغذاء الروح ،شقائ ُ عيْنَ النرجس عيْن ،ووَرَقه وَرِق ،النرجس نزهَة الطَرْف ،و َ كأن َ
ضعُفَت فسال دَماؤُها .كأن الشقيقَ جامٌ من عقيق جنَاتِ المورّدة .شقائق كالزنوج تجارحت وسالت دِماؤُهَا ،و َ كأنها أصْداغُ المسك على الو َ
ت قرا َرتُه بمسك أ ْذفَر .الرض زمردة ،والشجار وشْي ،والماء سيوف ،والطيور قيَمانٌ .قد غردت خطباءُ الطيار ،على منابر أحمر ،مُِلئَ ْ
خمْر طرَبِ الشجا ِر ل ِغنَاءِ الطيار .ليس للبلبِل كغناء البلبل ،وَ َ ستَهام .انظر إلى َالنوار والزهار .إذا صدح الْحَمامُ ،صدع الحِمام قَلْبَ الم ْ
بابل.
ولهم فيما يتعلّق بهذا النحو
في وصف أيام الربيع
ب غيومِه رواق ،وأر ِديَة نسيمه ِرقَاق .يوم ُممَسكُ السماءُ ،معَصفَرُ الهواءُ ،م َعنْبَر الرّوْضِ، لبِي ُيوم سماؤُه فَاختيّة ،وأرضه طاوُسيّة .يومٌ جَ َ
لخْضَرِ :الخفيف: ل ْدكَن ،وَأرْضُه كالديباج ا َ ضبَاب ،وانسحب فيه ذَيلُ السحاب .يوم سماؤه كالخز ا َ ص ْندَل الماء .يوم زرّ عليه جَيب ال َ مُ َ
دَ ول ي ْرتَعي الكل بالـنـبـاجِ ن يَ ْرتَعي القلـوب بـبـغـدا شاد ٌ
ض وفي المزن ذِي الحيَا ال ًثجّاجِ أقبَلت والربيعُ يختالُ فـي الـرّوْ
ضرِ الـديبـاجِ مَتْ وأرضٍ كأخْ َ ذو سماءً كأدْكَنِ الخزّ قـد غـي
موعد الكَـدخـداةِ والـهـيلجِ ل مـا يتـمـنّـى فتجلّى عن كـ ّ
نين بـين ال ْرمَـالِ والهْـزاج فظللنا في نُزهَتين وفـي حُـسْ
سرّنا فـي الـزُجـاج عجُو ٍز تَ ُ
وَ ب َفتَا ٍة تسرّنا فـي الـمَـثَـانـي
ثارَها عنـد أَرْجُـل العـلج أخذَت مـن رؤوسِ قـومٍ كـرامٍ
حسَن الشمائل ،مُمتِع المخايل ،سَجسَجُ الهواء ،مونق الرجاءِ .يوم َتبَسم عنه الربيعُ ،وتبرّجَ عنه الروض المريع .يوم كأنّ سماءَه مأتم يوم َ
تتباكى ،وأَرضه عَرُوس تتجلّى .يوم مشهّر الوْصاف ،أغرّ الطراف .يوم يُغْفِي فيه النّوْر ويَنتبِه ،وتُسفِر فيه الشمس و َت ْنتَقِب ،و َت ْعتَنِقُ الغصون
وتَفْترق ،ويوشي الغيم وينسكب .يوم غاب نَحسُه وهَوَى ،وطلع سَعدُه واعتلى ،والزمان ساقطة جمارهُ ،م ْف َعمَةٌ أنهاره ،مُونِقَة أشجارُه ،مغرّدة
خضِلٌ ممطور ،والنّقعُ ساكن محصور .يوم جوُه أطيارُه .نحن في غبّ سماءً ،قد أقلعت بعد الرتِوَاء ،وأقشعت عند الستغناء ،فالنبتُ َ
ن الدَهْرِ.
جنُه عاكف ،وقَطْرُهُ وَاكِف .يو ٌم من أعياد العُمر ،وأَعْيا ِ سيَ .يوم دَ ْطَاروِنيّ ،وأَرْضه طاو ِ
ولهم في تشبيه محاسن الربيع بمحاسن الخوان والسادة:
غيْث مشبّه بكَفّك ،واعتدالُه مُضَاهٍ لخُلقك ،وزَهْرُه مُوا ٍز لنَشرِك ،كأنما استعار حلَله من شيمتك ،وحَ ْليَه من سج ّيتِك ،واقتبس أنوارَه من محاسن َ
طبْعك ،متوشّحا بأنوار لَفْظِك ،متوضَحًا بآثار لسانِك سنَه من َ أيامك ،وأمطارَه من جُودك وإنعامِك .قدم الربيع مُنتسِباً إلى خلقكُ ،م ْكتَسِياً محا ِ
ي بقربك .أنا في بستان كأنّه من شمائلك سرق ،ومن جنِ ُ
و َيدِك .أنا في بُستان أ ْذكَرَني وَ ْردُه المفتح بخلقك ،وجَذوَله السابح بطَبعك ،وزَهرُه ال َ
خُلُقك خلِق ،وقد قابلتني أشجا ّر تَتَمايل فتذكرني تَبريح الحباب ،إذا تداولتهم أيدِيَ الشراب ،وأنهار كأنّها من يدك تَسيل ،ومن راحتيك تَفِيض.
عتَبِك.
أنا على حافةِ حَوض أزرق كصفاء مودَتي لك ،و ِرقّة قولي في َ
وقال ابن عون الكاتب :الخفيف:
تار ربعا من سـائر الربـاعِ جاءنا الصومُ في الربيع فهَل اخ
فوق نخر غطاه فَضل قـنـاَع وكأن الربيعَ في الصوم عِـقـد
وكتب أبو الفتح كشاجم إلى بعض إخوانه يستدعيه إلى زيارته في يوم شك :مجزوء الكامل:
ي وبِشرة مـذ كـان يحـذَر هو يوم شَـــك يا عـــل
كة ومطرَفـه مـعـنـبـر والـجـوّ خَـلّـتـه مـمـس
يص وطَيلَسانُ الرضِ أخضر والمـاء فـضَـيّ الـقَـمِـي
ض قَط َر ندى تَحَـدّر في الرو ِ نَبـتٌ يصَـعــد زَهـــرُة
ن ليومنـا قـوتـًا مُـقَـدّر ولـنـا فـضَـيلت تـكــو
159
ركَ عُمرَها كِسْرَى وقيصـر ومـدامةٌ صــفـــراء أَد
كاسَاتِنـا مـا كـان أكـبَـرْ فانشَط لـنـا لِـنَـحـث مِـن
إن قلت إنّك سـوف تـعْـذَر أو لَ فـإنـكَ جــاهـــلٌ
لَ بركةَ َم ْقدَمِه ،ويمْنَ مُخ َت َتمِه ،وخصك بتقصير وكتب بديع الزمان إلى بعض أهل َهمَذان :كتابي -أطال الّ بقاك -عن شهر رمضان ،عرَفنا ا ُ
ت بر َكتُه -ثقيلٌ حركته ،وإن جل َقدْرُه بعيد قَعره ،وإن عمت رأفته ،طويل مسافته ،وإن حسنت أيامِه ،وإتمامِ صيامِه وقيامِه؛ فهو -وإن عَظمَ ْ
سنَه في
جهُه فليس يَقبَح قَفَاه ،وما أحْ َقّربته ،شديد صحبتُه ،وإن كبرت حرمته كثير حشمته .وإن سرّنا ُمبْتداه فلن يسوءنا منتهاه فإن حَسن و ْ
ظهَر هللَه نحيفاً، ال َقذَال ،وأشبَه إدبَارَه بالقبال ،جعل الَُ قدومَه سببَ ترْحاله ،و َبدْرَه فِدا َء هلله ،وأمدّ فَلكه تحريكاً ،بتقضي ُمدّتِه وَشِيكاً ،وأ ْ
ن يُسْخِطُه.ليزِفَ إلى اللذاتِ زفيفاً ،وعفا الَُ عن مَزح يكرهه ،ومُجو ٍ
عوّل البديع في هذا الكلم على قول أبي الفضل بن العميد في رسالة له في مثل ذلك :أسأَل ال أن يعَ ّرفَني بركته ،ويلقيني الخيرَ في باقي أيامه
حرَكته ،ويعجل نَهضَته ،ويَنقص مساف َة فلكَه ودَائِرتِه ،ويزيل وخاتمته؛ وأًرغب إليه في أن يقربَ على الفََلكِ دوره ،ويقصَره سَيرَه ،ويخَفَف َ
بركةَ الطولِ عن ساعاته ،ويردً عليّ غُ ًرةَ شوال ،فهي أسنَى الغ َررِ عندي ،وأقرُها لعَيني؛ ويطلِ َع بَدرَه ،ويريني اليدِي متطلبة هِلله ببشر،
ويسمعني النعيَ لشهر رمضان ،ويعرض عليّ هلله أَخفَى من السحرِ ،وأَظلَم من الكُفر ،وأَنحَف من مجنونِ بني عامر ،وأَبلَى من أسير
الهَجرِ ،وأستغفر ال جل وجهه مما قلت إن كَرِهه ،وأستَعفيه من توفيقي لما يذمُه ،وأسأله صفحًا ُيفِيضه ،وعَفواً يوسِعه ،إنه يعلم خَا ِئنَةَ العين
وما تخفِي الصدور.
من أخبار المأمون والمين
قال المأمون لطاهر بن الحسين :صِف لي أخلقَ المخلوع .قال :كان واسَع الصدرِ ،ضَيق الدَب ،يبيح من نفسه ما تَأنَفه هِمم الحرار ،ول
صغِي إلى نصيحة ،ول يقبل مَشورة ،يستب ُد برأيه ،ويبَصَر سو َء عاقبتِه ،فل يَردَعُه ذلك عما يَهمُ به .قال :فكيف كانت حروبُه؟ قال :كان يجمعُ يُ ْ
الكتائب بالتبذير ،ويف َرقُها بسوء التدبير .فقال المأمون :لذلك حلّ ما حل به؛ أمَا وال لو ذاق لذاتِ النصائح ،واختار مَشُوراتِ الرجال ،وملَك
نَفسَه عن شهواتها ،لما ظف َر به.
ولما عقد الرشيدُ البيع َة للمين وهو أصغ ُر من المأمون لجل أمَه ُز َبيْدة ،وكلمِ أخيها عيسى بن جعفر ،وقدمه على المأمون ،جعل يرى فَضلَ
عقله فيندَم على ذلك ،فقال :الطويل:
لمْرِ الذي كان أحزَما غُِلبْتُ على ا َ غيْ َر أنّنـي لقد بان وجهُ الرّأي لي َ
تَوزَع حتى صار َنهْباً مقَـسـمـا ع بعدما فكيف يُ َردّ الدرَ في الضَر ِ
وأنْ ُينْ َقضَ الحبْلُ الذي كان أُبرِما أخافُ ا ْلتِوَاءَ الم ِر بعد اسـتـوائهِ
صحْن داره ،وفي يده ُرقْعة قد ل بن الربيع بعد مقتل عبد الرحمن النباري ،قال :فأتيتُه وهو في َ قال أسد بن يزيد بن مزيد :بعث إليّ الفض ُ
غضِب لما نظر فيها ،وهو يقول :ينا ُم نَوْمَ الظّ ِربَان ،وينتبه انتباهَ الذئبِ ،ه َمتُه بَطنُه ،ولذته فَ ْرجُه ،ل يفكر في زوال نعمة ،ول يتروى في
إمضاء رأي ول مكيدة ،قد شمر له عبدُ الَ عن ساقِه ،وفوّق له أسد سهامِه ،يرميه على بعدِ الدار بالحَتفِ النافذ والموت القاصد ،قد عبى له
المنايا على متونِ الخيل ،وناطَ له البَلَءَ في أسِنة الرماح وشِفار السيوف ،ثم تمثّل بشعر البَعيث :الطويل:
إلى أن يرى الصبَاح ل يتلعثمَ يقَارع أتراك ابن خاقانَ لـيلـه
نحيل ،وأضحِي في النعيم أصمم فيصبح في طول الطراد وجِسمه
أمية في الرزق الذي ال يقسم فشتان ما بيني وبين ابن خـالـد
ثم قال :يا أبا الحارث ،أنا وأنت نجري إلى غاية إن قصرنا عنها ذمِمنا ،وإن اجتهدنا في بلوغها انقطعنا ،وإنما نحن شعبة من أصلِ ،إن َقوِي
ضعُفَ ضعفنا؛ إن هذا الرجل قد ألقى بيده إلقاءَ المة الوَكفَاء :يشاور النساء ،ويعتمد على الرؤيا ،وقد أمكَن أهل اللهو والخسَارة مِن قوينا ،وإن َ
طبِه،
ك بهلكه ،ونعطَب بعَ َ ت أن َنهِْل َسَمعِه؛ فهم ُي َمنّونه الظّفَر ،و َي ِعدُونَه عواقب اليام؛ والهلك إليه أسرع من السيل إلى قِيعانِ الرملِ؛ وقد خشِي ُ
شدَة صدْقُ طاعتك ،وفَضل نصيحتك؛ والثاني ُيمْن نَقِيبتك ،و ِ ن فارسها ،وقد فزع إليك في لقاءِ طاهر لمرين؛ أحددهما ِ وأنت فارس العرب واب َ
ط يدك ،غير أن القتصاد رأس النصيحة ،ومفتاح البركة؛ فبادِر ما تريد ،وعَجل النهضة ،فإني أرجو أن يولّيك الَ بأسك؛ وقد أمرني أن أبس َ
شَرف هذا الفَتح ،ويلم بك شَعثَ الخلفة.
لكُ أمرِه الجنود، فقلت له :أنا لطاعتك وطاعة أمير المؤمنين مقدِم ،ولما وَهَن عدو كما مُؤثر؛ غير أن المحارِب ل يف َتتِح أمره بتقصير ،وإنما مِ َ
جدُوا عليه ،ومتى سمت مَن أقدر به النتفاع له بالرضا بدون ما أخذ والجنود ل تكون بل مال ،وقد رفع أمير المؤمنين الرغائبَ إلى قوم لم ي ْ
غيرُه ممن لم يكن عنده غناء ول مَعونة ،لم ينتظم بذلك التدبير ،وأحتاج لصحابي رِزق سنة قَبضاً ،وحمل إلى ألفِ فرس لحمل من ل أرتَضِي
فرسه ،وإلى مال أستظهر به ،ل ُألَم على وَضعِه حيث رَأَيت .فقال :شاوِر أمير المؤمنين؛ فأدخلني عليه ،فلم تَدرْ بيني وبينه كلمتان حتى أمر
بحبسِي.
ويروى أن المين لما أَع َيتْه مكايدُ طاهر قال :الوافر:
تَزُول الراسياتُ وما يزولُ شجَعِ الثقلين نَفْـسـاً بُليت بأَ ْ
يشاهده و َيعَْلمُ مـا يقـول له مع كل ذي بدن رقـيبٌ
إذا ما المْرُ ض ًيعَه الجهولُ فليس بمغفِل أمراً عَـنَـاهُ
وفي الفضل بن الربيع يقول بعض الشعراء :البسيط:
لول رجاءَ أبي العـبـاس لـم يقـم كم مِن مقي ٍم ببغداد عـلـى طَـمَـعٍ
والحِصن إن رهبوا ،والسيف ذو النقم البدر إن نفروا ،والبحر إن رَغِـبـوا
وقال عبد ال بن العباس بن الفضل بن الربيع :ما مدحنا شاعر بشعر أحب إلينا من قول أبي نواس :الكامل:
إن حصَلوا إل أعز قـرِيع ك ثلثة ما منـهـمُ ساد الملو َ
وعلت بعبّاس الكريم فروع ساد الربيع وسا َد فَضل بعـده
160
وال َفضْل فضلٌ والربيع ربيع عباس عباسٌ إذا احتدم الوَغَى
ق فيه المدح ،فقلت :الطويل:
وقيل للعتابي :أمدحت أحداً؟ قال :ل ،وليس لي على ذلك قدرة ،فقيل له :فقد مدحتَ الربيع ،فقال :ذلك ليوم يستح ّ
ل َي ْعمِد ركن الدين لما تَهدّمـا ومعضل ٍة قام الربيع إزاءَهـا
أخا الوحي داعي َربّه فتقدَمَا بمكَة والمنصور رهن كما أتى
إليه وغُولُ الحربِ فاغر ٌة َفمَا غداةَ عداةُ الدين شاحذةُ المدى
مبايعة المهدي
وكان المنصور قد توفَي بمكة وهو حاجٌ في ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة ،فأخذ الربيع للمهدي البيعة على الناس ،وأخذ بتجديدها عن
المنصور على أنه حي ،وأدخل إليه قومًا فرأوْه من بعيد وقد جلّله بثوب ،وأقعد إلى جنبه من يحرك يده وكأنه يومئ بها إليهم ،فلم يشكوا في
حياته؛ فما خالف أحد؛ فشكره المهدي لذلك ،وفي ذلك يقول أبو نواس في مدحه الفضل بن الربيع :مجزوء الرجز:
يوم الرواقِ المحتضرْ أبوك جلى عَن مضَـر
لمّا رأى المر اقمَطَر والحرب تَفرِي وتَـذَر
َكهِزةِ العَضْب الذكَـرْ قامَ كريما فانـتَـصـرْ
وأنت تَقتـاف الثـر ما مس من شيء َهبَر
من ذي خجولٍ وغرر
وقال أيضاً :مجزوء الكامل:
فضل الخميس على العشرِ آلَ الربـيع فَـضـلـتـم
قاس الثًماد إلى البـحـور من قاس غيركـم بـكـمْ
ل من الكثير بني الكَثـير أين القليل بنـو الـقـلـي
ت من الهلَةِ والـبـدورِ أين النـجـوم الـتـالـيا
ة نازلَ الخَطبِ الكـبـير قوم كَـفَـوا أيام مـــك
فة وهيَ شاسعه النّصـير وتدا َركُوا نَصـر الـخـلَ
ه َوتِ الرواسي من ثبِـيرِ لول مـقـامـهـم بـهـا
ومن قول أبي نواس :من قاصر غيركم بكم ...البيت ،أخذ أبو الطيب المتنبي :الطويل:
صدَ البحرَ استقل السوا ِقيَا ومَن قَ َ صدَ كافو ٍر تَـوا ِركَ غـيرهِ قوا ِ
صرِه إل نُرَجّي التّلقـيَا إلى عَ ْ سرَينَا في ظهو ِر خدو ِدنَا فتَى ما َ
أفضل الوقات لمخاطبة الملوك
وقال الفضل بن الربيع :من كلَمَ الملوكَ في الحاجاتَ فيِ غير وَقتِ الكلم لم يَظفر بحاجته ،وضاع كلمُه ،وما أشبههم في ذلك إل بأوقات
ل فيها ،ومن أراد خطابَ الملوك في شيء ف ْليَرْصد الوقت الذي يصلح في مثله ذِكرُ ما أراد ،ويسبّب له شيئًا من الصلوات ل تُقبَل الصلة إ ّ
الحاديث يحسن ِذكْرُه بعَقِبه.
وقال المأمون للفضل بن الربيع لما ظَفِر به :يا فضل ،أكان في حقي عليك ،وحق آبائي ونعمهم عند أبيك وعندك ،أن تَثلِبَني وتسبني ،وتحَ َرضَ
على دمي؟ أتحب أن أفعل بك ما فعلتَه بي؟ فقال :يا أمير المؤمنين ،إن عذرِي يحقِدك إذا كان واضحًا جميلً ،فكيف إذا حفَته العيوب ،وقبّحَته
الذنوب؛ فل يَضِيق عني من عَفوِك ما وسع غيري منك ،فأنت كما قال الشاعر فيك :الطويل:
من العافر لم يعرِف من الناس مجرِما صفوح عن الجرام حـتـى كـأنـه
إذا ما الذى لم َيغْش بالكُر ِه مُسلِـمَـا وليس يَبـالـي أن يكَـون بـه الذَى
والشعر للحسن بن رجاء بن أبي الضحاك.
من أخبار المنصور
قال سعيد بن مسلم بن قتيبة :دعا المنصور بالربيع ،فقال :سلني ما ترِيد ،فقد سكَتَ حتى نطقت ،وخفّفت حتى ثقلت ،وأقلَلتَ حتى أ ْكثَرْت.
ستَقصِر عُمرك ،ول أستصغر فضلك ،ول أَغ َتنِم مالك؛ وإن يومي بفضلك عََليَ أحْسن من فقال :وال -أمير المؤمنين ما أرهب بخَلكَ؛ ول َأ ْ
س َبقَني لذلك أحَد. صحَة لما َ خ ْدمَةِ وال ُمنَا َ
أمسي ،وغَدك في تأميلي أحسن من يومي؛ ولو جاز أن يَشْكرَك مثلي بغير ال ِ
ك هذا المحلّ؛ َفسْلني ما شِئت ،قال :أسألُك أن تقرّب عبدك الفَضل ،وتُؤثره وتحبّه. قال :صدقت ،عِلمي بهذا منك أحَّل َ
قال :يا ربيع ،إنّ الحب ليس بمال يُوهَب ،ول ُرتْبَة ُتبْذَل ،وإنما تؤكّده السباب.
فال :فاجعل لي طريقاً إليه ،بالتفضل عليه.
س َتدْعِي به محبتي ،ثم قال: قال :صدقت ،وقد وصَ ْلتُه بألف ألف درهم ،ولم أصل بها أحَدًا غير عمومتي ،لتعلم مَالَه عنديَ ،فيكون منه ما يَ ْ
ستَر بها عندك عيوبُهُ ،وتَصِير حَسناتٍ ذنوبه. فبكيف سألت له المحبة يا ربيع؟ قال :لنها مفتاحُ كل خير ،و ِمغْلَق كلّ شرّ ،تُ ْ
قال :صدقت وأتيت بما أردت في بابه.
أخذ قوله :خففت حتى ثقلت أبو تمام فقال لمحمد بن عبد الملك الزيات :الطويل:
ي َمعْدِل عدِل بعرض َ إليكَ ،ولم أ ْ على أن إفراطَ الحياء استمالني
يخففُ في الحاجات حتى يُثَقّلَ فثقّلت بالتخفيف عنك ،وبعضهم
من أخبار الرشيد
حكُ المأمون ،فقال :اللهمّ ِزدْ ُه من الخيرات ،وابسُط له من البركاتِ ،حتى يكونَ في كل يوم من ودخل سهل بن هارون على الرشيد ،وهو يُضَا ِ
أيامه مُ ْربِيا على أمْسِه ،م َقصَرًا عن غده.
161
سهْلُ ،من رَوَى من الشعر أحسَنه وأرصنه ،ومن الحديث أفصحَه وأوضَحه ،إذا رام آن يقولَ لم ُيعْجزه القول. فقال له الرشيد :يا َ
فقال سهل بن هارون :يا أمير المؤمنين ،ما ظننت أن أحدًا تقدّمني إلى هذا المعنى.
قال :بل أعْشى َه ْمدَانَ حيث يقول :الوافر:
وأنْتَ اليوم خي ٌر منك أمسِ خيْرَ بني لؤيّ رأيتك أ ْمسِ َ
ع ْبدِ شمسِ كذاك تزيد سادة َ خيْرَ ضعْفاً ت غداً تزيد ال َ وأنْ َ
من نظم الفضل بن الربيع
ومن شعر الفضل بن الربيع ما أنشده الصولي :مجزوء الكامل:
بفنَا ًء م ْعمُور الـنَـوَاحِـي إنّي امـر ٌؤ مـن هـاشـمٍ
وأولي البَسَالة والسّـمـاحِ أهل الهدى وذَوِي التـقَـى
صبَاحِرِم في المَسَاء وفي ال ّ أهل المعـالـم والـمـكـا
فَة والكمالِ برَغْـم لحِـي أهل الـنـبـوةِ والـخِـلَ
صبِرُون على الجِـرَاح ِد ويَ ْ يتألّـمـون مـن الـصـدُو
من أخبار أبي العيناء
غيْ ُر فَارِه ،فكتب إليه :أعلم الوزير ،أعزه الّ ،أن أبا علي محمداً أراد أن َيبَ َرنِي حمَ َل محمد بن عبيد ال بن خاقان أبا العيناء على دَابة زَعم أنها َ َ
عجَفاً؛ وكالعاشق المهجور دَنَفاً ،قد َأ ْذكَرَتِ الرواة فعقني ،وأن يُ ْركِبني فأَ ْرجَلَني ،أمر لي بدابّة َتقِفُ لل ّنبْرَة ،و َت ْعثُر بال َبعْرَة ،كالقضيب اليابس َ
ج َمعُهما في سعَاله ،فلو أَمسَك لترجيت ،ولو َأفْرد لتع ّزيْت ،ولكنه يَ ْ عذرة العذريّ ،والمجنون العامري ،مساعد أعله لسفله ،حُباقه مقرون ب ُ
ك من ِفعْلِه النسوَان ،وتتناغى من أجله الصّبيان؛ فمن صائح حُ ب مُرْشِد ،أو شاعر مُنشِد ،تَضْ َ الطريق المعمور ،والمَجْلِس المشهور ،كأنه خطي ٌ
يَصيحُ :دَاوِه بالطباشير ،ومن قائل يقول :نوّلْه الشعير ،قد حفِظَ الشعار ،ورَوَى الخبار ،ولحق العلماءَ في المْصار ،فلو أعِينَ بنطق؛ لروى
خبَث جعْفيّ ،وعامر الشّعبي؛ وإنما أتيت من كاتبه العور ،الذي إذا اختار لنفسه أطاب وأكثر ،وإن اختار لغيره أ ْ بحقّ وصدق ،عن جابر ال ُ
حسْنه و َفرَاهته ،ما سطَرَه ال َعيْبُ بقُبحه وأنزر؛ فإن رأى الوزير أن يُبدلَني به ،ويُرِيحني منه بمركوب يُضْحِكني كما ضحّك منيَ ،يمْحُو ب ُ
ض ما ُيمْضِيه. سرْجِهِ ولجامه؛ فإن الوزير أكر ُم من أن يَسْلب ما يهديه ،أو َينْقُ َ ودمامته؛ ولست أذك ُر أمْرَ َ
فوجّه عبيد الّ إليه برذونا من براذينه بِسَرْجه ولجامه ،ثم اجتمع مع محمد ابن عبيد ال عند أبيه ،فقال عبيد ال :شكوت دابة محمد ،وقد
أخبرني الن أنه يشتريه منك بمائة دينار ،وما هذا ثمنه ل يُشتكى.
فقال :أعز ال الوزير ،لو لم كذب مستزيداً ،لم انصرف مستفيداً ،وإني وإيّاه لكما قالت امرأة العزيز" .الن حَصحَصَ الحق ،أنَا رَا َودْتُه عن
نَفْسِهِ وإنه َلمِنَ الصادقين" .فضحك عبيدُ ال ،وقال :حجتك الداحضة بمَلَحتك وظَرفك أبلغُ من حجة غيرك البالغة.
حمَل أ ْهدَاه
قطعة من رسالة أجاب بها أبو الخطاب الصابي عن أبي العباس بن سابور إلى الحسين بن صَبرة عن رقعة وردت منه في صفة ً
وصلت ُر ْقعَتكَ ،ففَضَضْتها عن خَط مُشْرق ،ولفظ مُونق ،وعبار ٍة مُصيبة ،ومعاني غريبة ،واتساع في البلغة َيعْجِ ُز عنه عبدُ الحميد في
حبَان في خطابته؛ وتصرف بين جد أمْضى من القَدر ،وهَزْلٍ أرق من نسيم السحَر ،وتقلب في وجوه الخِطاب ،الجامع كتابته ،وقُس وسَ ْ
ن تراه .وحضر فرأيت جمَلً ،فكانَ ال ُمعَيدِيّ الذي تسم ُع به ول أ ْ للصّواب؛ إلَ أن الفعل قَصًرَ عن القول ،لنك ذكرت حَملً ،جعلته بصفتك َ
َكبْشًا ُمتَقَادِمَ الميلد ،من ِنتَاج قَ ْومِ عاد ،قد َأفْنتهُ الدهور ،وتَعا َقبَتْ عليه العصور ،فظننته أحَد الزّوْجين اللذين جعلهما نوع في سفينته ،وحفظَ
ل ضئيلً ،بالياً هزيلً ،باديَ السقام، ت دَمامتُه ،وتقاصرت قَا َمتُه ،وعاد ناح ً جنْسَ الغنم لذرّيته؛ صَغر عن الكبر ،ولَطُف عن القدم ،فبانَ ْ بهما ِ
ل من حلول الحياةِ به ،وتأتي الحرك ِة فيه؛ لنه عَظْم مجلد ،وصوف مُلبد ،ل جبُ العاق ُ عاري العِظام ،جامعًا للمعايب ،مشتملً على المثَالِبَ ،يعْ َ
تجد فوق عظامه سلَبا ،ول تَ ْلقَى يدك منه إل خَشَبا ،لو أل ِقيَ إلى السّبع لَباه ،ولو طرح للذئب لعافَه وقَله ،قد طال للكل فَ ْقدُه ،و َبعُدَ بالمَرعَى
غنَى الدهر ،أو أَذبحه فيكون فيه خصْب الرَحل؛ عهْدُه ،لم ير الْقَت إلَ نائماً ،ول عرف الشعيرَ إل حالماً ،وقد خيّرتني بين أن َأ ْقتَنيه فيكون فيه ِ َ
جمْعي للولد ،وادٌخاري لغًد ،فلم أجِد فيه مستمتعاً للبقاء ،ول َمدْفعاً فمِلتُ إلى استبقائه لما تعرف من محبتي من التوفير ،ورغبتي لل ّتثْمير ،و َ
حمِل ،ول بفتى فَينْسُل ،ول بصحيح فَيرَعى ،ول بسليم ف َيبْقَى؛ فملتُ إلى الثاني من رأييك ،وعولت على الخر من للفناء؛ لنه ليس بأنثى فتً ْ
قَوْلَيك ،وقلت :أذبحه فيكون وظيفة للعيال ،وأقيمه رطبًا مقام قَديدِ الغَزال ،فأنشدني وقد أضرِمت النار ،وحُدت الشفار ،وشمّر الجزّار :البسيط:
حسِب الشحم فيمَن شَحمُه وَرَمُ أنْ ت ْ ت مِـنـك صـا ِدقَةً أعيذهَا نظرا ِ
ت بذي لَحْم ،فأَصلح للكل؛ لن الده َر قد أكل لحمي، وقال :ما الفائدة لك في ذبحي؟ وأنا لم َيبْقَ مني إل نَفَس خافِتٌ ،ومُقْل ّة إنسانها باهت :لس ُ
ف بعْرٍت أديمي ،ول لي صوف يصلُح للغزل؛ لن الحوادث قد حَصّت و َبرِي ،فإن أردتني لل َوقُود فك ّ ول جِلدي يصلح للدّباغ ،لن اليام قد مز َق ْ
أبقى من ناري ،ولن تَفي حرارةُ جمري بريح قتاري ،فلم يبق إل أن تطلبني بذَحْل أو بيني وبينك دَم ،فوجدته صادقاً في مقالته ،ناصحاً في
ضرّ واللواء ،أم من قدرتك عليه جمع إعواز مثله ،أم مَشُورته ،ولم أعلم من أي أ ْمرَيه أعجب؛ أمِن مماطَلَته للدهر بالبقاء ،أم من صبره على ال ّ
ل كبش سمين وحَمل خسَاسة َقدْره؟ ويا ليت شعري إذ كنت -وإليك سوق الغنم ،وأمْرك َينْفُذ في الضأن والمَعز ،وك ّ من تأهيلك الصديق به مع َ
بطين مجلوب إليك ،مقصو ٌر عليك -تقول فيه قولً فله تُ َردّ ،وتريده فل تُصد ،وكانت هديتك هذا الذي كأنه نَاشر من القبور ،أو قائم عند النفخ
ل كلْباً أجرب ،أو قرداً أحدَب. ت ُم ْهدِياً لو أنك رجل من عُرْض ال ُكتّاب ،كأبي وأبي الخطّاب ،ما كنت تهدي إ ّ في الصور ،فما كن ً
من نظم الحمدوني
وقال الحمدوني في شاة سعيد بن أحمد بن خوسنداذ :الكامل:
مكثَتْ زماناً عندكمْ ما تـطـعَـم أسعيدُ ،قد أعطيتـنـي أُضـحـيةً
شدوا عليها كي تموت فيؤلـمُـوا ب بهـا وقـد نِضْوًا تعاقرت الكِل ُ
ل تهزؤوا بي وارحموني ت ْرحَموا ضحِكوا بها قالت لهـم: فإذا المل َ
عنه ،وغنت والمدامعُ تـسـجـم مرت على عَلَف فقامت لـم تَـ ِرمْ
متـأخّـر عـنـه ول مُـتـقَـدم وقف الهوى بي حيث أ ْنتِ فليس لي
وقال أيضاً :البسيط:
162
جاءت وما إن لها بَوْل ول َبعَـ ُر أبا سعيدٍ ،لنا في شا ِتكَ الـعِـبَـ ُر
طَعامُها البيضانِ الشمسُ وال َقمَر وكيف تَ ْبعَرُ شاة عندكم مكَـثَـتْ
ع العين َتنْحَـدرُ:
غنَت له ودمو ُ
َ صرَتْ في نومها عَلَفـاً لو أنها أبْ َ
جهِك النـظـرُ إني ليفتنني من وَ ْ يا مَانعي لذ َة الدنيا بأجمـعـهـا
وقال أيضاً :المنسرح:
لمّا أتتنا قد مسًها الضـررُ عبَـرُ شاةُ سعيدٍ في أ ْمرِها ِ
حَسْبي بما قد لقيت يا عمَرُ ي تغني من سوء حالتها وَهْ َ
قو ٌم فظنّتْ بأنها خُـضُـر مرت بقطف خضر ينشرها
حتى إذا ما تبينَ الخَـبَـرُ ت نحوها لتأكْـلـهـا فأقبلَ ْ
يَأْسا تغنّت وال َدمْعُ ُمنْحَـدِرُ طمَـعِ ن من َ وأبدلتها الظنو ُ
حتى إذا ما تقربوا هجروا كانوا بعيدًا وكنت آمُلُـهـم
وقال :مجزوء الخفيف:
سَلها الضّر والعَجَفْ لسـعـيدٍ شُـــ َو ْيهَةٌ
علَـفْ:رجلً حاملً َ قد تغنَتْ وأبـصـرتْ
بُ ْر ُء ما بي من ال َدنَفْ ن بـكَـفّـه بأبي مَـ ْ
وأتتْه لتَـعْـتَـلِـفْ فأَتاهـا مـطـمّـعـاً
تتغنى مـن السَـفْ: فتولَـى فـأقـبـلـتْ
عذب القلب وانْصَرفْ ليتَه لـم يكـن َوقَـفْ
ت بعضُ تضمينات الحمدوني في هذا الموضع فأَنا أَذكر هنا قطع ًة من شعره في الطيلسان ،وَأنْعطف في غير هذا المرضع إليها قال :وإذ قد جَرَ ْ
خضَر لم يَرْضَه ،قالوأكرٌ عليها؛ وكان أحمد بن حَرْب المهلّبي من ال ُم ْنعِمين عليه ،والمحسنين إليه ،وله فيه مدائح كثيرة ،فوهب له طيلساناً أ ْ
أبو العباس المبرد :فأنشدنا فيه عشر مقطعات ،فاستَحْلَينا مَذْهَبه فيها ،فجعلها فوق الخمسين؛ فطارت كل مَطَار ،وسارت كل مَسَار ،فمنها:
الخفيف:
صدَا مَلّ من صُحبَة الزمان و َ طيْلَساناً يا ابْنَ حرب كَسَ ْوتَني َ
طيْلَسانِك سدَا لَ إلى ضعف َ فحسْبنا نَسْج العناكب قد حَـا
لو بَ َع ْثنَاه َوحْـدَه لَـتَـهَـدّى طال تَرْدادُه إلى ال َر ْفوِ حتـى
وقال فيه أيضاً :البسيط:
تُودي بجسمي كما أَوْلَى ِبكَ ال ّزمَنُ ب قد َه َممْتَ بأنْ ن ابن حر ٍ يا طيلسا َ
قد أوْ َهنَت حيلتي أركا ُنكَ الوُهـنُ ن ملبس يغني ول ثمـن ما فيك مِ ْ
كأنني في يَ َديْهِ الده َر مُ ْرتَـهـنُ فلو تَرَاني َلدَى ال َرفّاء مُ ْر َتبِـطـاً
كأنما ليَ في حـانـوتـه َوطَـنُ أقولُ حين رآني النـاسُ أَلْـ َزمُـهُ
ل قَـمِـنُ فالقحوانة ِمنَا مـنْـزِ ٌ مَنْ كان يسأل عنّا أيْنَ منـزلُـنـا
وقال :مجزوء الكامل:
ُنكَ قو ُم نوع منـه أحْـدَثْ قل لبْنِ حَرْبٍ طـيلـسـا
ل يُورَثْ عمَنْ مضى من قب ُ أ ْفنَى الـقـرونَ ولـم يَ َزلْ
ظ يُحـ َرثْ فكأنه باللـحْـ ِ وإذا العيونُ لَـحَـظْـنَـهَ
فإذا َرفَوْتُ فليس يَلـبَـثْ يُودِي إذا لــم أ ْرفُـــهُ
ه الدَهْرَ أو تت ُركْه يَ ْلهَـثْ حمِـل عـلـي كالكلبِ إن تَ ْ
وقال :الكامل:
ي بكثرةِ الغُـرمِ أرْهَى قِوَا َ قل لبن حرب طيلسا ُنكَ قـد
آثـارُ َرفْـوِ أوائل الُمـم مُتبين فـيه لـمُـبـصِـرِه
حكَمِ في يا شقيق الروح مِن َ وكأنه الخمرُ التي وصفَـتْ
قد صَح ،قال له البلى :ا ْنهَدِم فإذا َر َممْناه فـقـيل لـنـا:
نكس فأسلَمه إلـى سَـقَـم مثل السّقيم بَرَا فـراجَـعـهُ
ومن العناء رِياضةُ الهـرم أنشدت حين طَغى فأَعْجَزني
الخمر التي وُصفت من قول أبي نواس :المديد:
ِنمْتَ عن َليْلـى ولـم أَنـم س من حَـكَـمِ يا شقيقَ النف ِ
بِخِمار الشيْبِ فيْ الرّحـمِ عتَجَرت فاسْقني البِحرَ التي ا ْ
ت مدى الهَرَمِ بعد أن جاز ْ ت انْصَاتَ الشباب لـهـا ُثمّ َ
وهي تِلْو الدّهْر في القِـدَم َفهْي لليوم الـذي بُـزِلَـتْ
ن نـاطـق وفَــم بسـل ٍ عتّقَتْ حتى لو اتّـصـلـتْ ُ
163
ت قِـصَ َة المَـمِ
ثم قصـ ْ لحْتبتْ في القوم مًـاثـلةَ
164
وهذا معنًى كثير.
في المدح
أنشد أحمد بن يحيى ثعلب العرابي :الطويل:
ح دَوَاني وي ْدنُو وأطرافُ الرما ِ ف فَضلَ حَيائه كريم يغض الط ْر َ
حدّاه إنْ خاشَنتهُ خَـشِـنَـان وَ ن متْنـه وكالسيفِ إن لم َينْته لَ َ
وهذا يناسب قول ابن المعتز في بعض جهاته:
كما لن مَتن السيفِ والحدّ قاطِعُ وَيجْ َرحُ أحشائي ب َعيْنٍ مـريضة
وقال الخطل في بني مروان :البسيط:
إذا ألمّتْ بهم مكروهة صَـبَـرُوا صمٌ عن الجَهل ،عن قيل الخنا أنف ُ
وأعْظَمُ الناسِ أحلمًا إذا قَـدَرُوا ستَقَادَ لـهـمْ شمْسُ العداوةِ حتى يُ ْ ُ
ي بن هَ ْرمَة يمدح أبا جعفر المنصور :الطويل: وفال إبراهيم بن عل ّ
طليقٌَ ،ووَجْهٌ في الكريهة باسِـل جهَان ،وَجْهٌ لدى الرضا كريم له َو ْ
و َيعْفو إذا ما أ ْمكَنتهُ المَـقَـاتِـلُ غيْرِ قدرَةٍ ق من َ وليس ب ُمعْطي الح ّ
إذا كرَها فيها عِـقَـاب ونَـائِلُ له لحظات من حِفافـي سـريره
وأم الذي حاولت بالثكْل ثَـاكِـلُ ت آمِـنَةُ الـرَدى فأمّ الذي أمـنْـ َ
وقال الطائي في أبي سعيد محمد بن يوسف :الطويل:
وتقتادُهُ من جَانِـبَـيْهِ فـيتـبـعُ ج ْهتَه انْ َقدْتَ طَوْعَهُ هو السيلُ إن وا َ
وكان عصابة الجرجاني ،واسمه إسماعيل بن محمد ،منقطعاً إلى الحسن بن رجاء متصلً به ،وهو القائل فيه :الكامل:
إل بما تَأتِي بـه النْـبَـاءُ ومحجّبٍ بالنور ليس بمد َركٍ
ويُطيعُه فتطيعُـه الشْـيَاءُ ملك ُيحِب ال فهو يحِـبّـهُ
حرْب فالُخَيلءُ وإذا مشى لل َ يمشي الهُ َو ْينَا للصل ِة يُقِيمُها
يشوي الزمان وما لَهُ إشْوَاءُ ل درك أيما ابـنِ عـزيمةٍ
ثم عتب عليه في بَغضِ المر ،فهجاه هجا ًء قبيحاً؛ فهرب إلى عمان ،ثم اعتذر إليه بقصيدته التي أولها :الكامل:
إل من العَلَق النجِيع النِ ل تخضبَن عَوَالي المُرانِ
وهي أجود شعر قيل في معناه ،وهي التي يقول فيها:
إنّ المنادمةَ الرضاعُ الثّـانـي ِاقْرِ السلم على المير ،وقل له:
حتى استخف بمَوضِعي غِلمَاني شمِي بأنك سَاخـط ما إنْ أتى حَ َ
وملبسي من أعوَنِ العْـوَانِ وغَدت علي مطاعمي ومَشَاربي
فكتب إليه الحسن :الكامل:
مني بحيث الرأسُ والعينانِ أبْلغْ أبا إسحاقَ أنّ محلّـه
ولت ْب ِعدَنَ نَوازغَ الشيطـانِ ل تبعدن بك الديارُ ِلنَـزْغةٍ
إن المحل محلّ كلّ أمـانِ عتَه فَ ْليَفرخ الرّوْع الذي رُوّ ْ
بين جميل وعمر بن أبي ربيعة
اجتمع جميل بن معمر العذري ب ُعمَر بن أبي ربيعة المخزومي ،فأنشده جميل قصيدته التي أولها :الطويل:
ُب َثيْنَةُ أو أ ْبدَتْ لنا جانِبَ البُـخْـل حبْليلَ َق ْد فَ ِرحَ الوَاشُونَ أنْ صَ َر َمتْ َ
ن مَـهْـلِ لقْسِم ما لي عن ُب َثيْنَة مِ ْ ُ يَقُولونََ :مهْلً يا جمـيلُ ،وإنّـنـي
قَتيلً َبكَى مِنْ حُب قَاتِلِ ِه َقبْـلـي؟ شتُما هَـلْ رأيتُـمـا عْي فيما ِ خَلِيل ّ
نقله أبو العتاهية ،فقال :السريع:
جدِ على القاتلِ شدَة ال َو ْ
بكى من ِ يا مَنْ رأى قـبـلـي قـتـيلً
فلمّا أتمها قال لعمر :يا أبا الخطاب ،هل قلت في هذا الرويّ شيئاً؟ قال :نعم ،ثم أنشده :الطويل:
فعرضني يومَ الحِصَابِ إلى قتلي جرى ناصح بالودَ بيني وبينـهـا
ومَ ْوقِفها يومًا بقارِعة الـنـخـل فما أنْسَ م الْشياء ل أنْسَ قولَهـا
كمثل الذي بي حَذوَك ال ّنعْلَ بالنعلِ فلمّا تواقَ ْفنَا عَ َرفْتُ الـذي بـهـا
عدو مكاني أو يرى حاسد فِعلـي ن يَرَىفسَلمْتُ واستأنستُ خِـيفَة أ ْ
وكل يُفدي بـالـمـودَةِ والهـل وأقبلَ أمثالُ الدُمى يكتنِـفْـنَـهـا
غيْ َر ذِي ِر ْقبَة أهلـي
معي فتكلم َ ختْ جانب الستْرِ :إنمـا فقالت وأرْ َ
ولكنّ سرّي ليس يحمِلُه مِثْـلـي فقلتُ لها :ما بي لهم من ترقُـبٍ
فاستخذى ،جميل وصاح :هذا وال الذي طلبَت الشعراء فأخطأته ،فتعلَلُوا بوصف الديار ،ونعت الطلل.
ح نساءَها ،ويص ُ
ف ولما مات عمر بن أبي ربيعة نُعي لمرأة من مولدات مكة ،وكانت بالشام ،فبكت وقالت :مَنْ لباطح مكة؟ ومن َيمْد ُ
محاسنهن ،ويبكي طاعتهن؟! فقيل لها :قد نشأ فتًى من ولد عثمان بن عفان على طريقته ،فقالت :أنشدوني له ،فأنشدوها :الطويل:
165
ول تَ ْق َربَنَا فالتجـنّـبُ أجْـمَـلُ وقد أرسلَت في السر َليْلَى بأَنْ أقِم
عنّا أو َتنَا ُم فـتـغـفـلُ
تكذب َ صلِـنـا لعلّ العيون الرامقات لوَ ْ
فلما كتَمنَا الس ّر عنهمْ تقـوَلُـوا أُناس أمنّاه ْم فبـثّـوا حَـديثـنـا
جمَلُـوا ول حين َهمُوا بالقطيعة أَ ْ فما حفظوا ال َعهْدَ الذي كان بيننـا
فتسلّت وقالت :هذا أجل عِوَضٍ ،وأفضل خَلَف ،فالحمدُ ل الذي خلف على حرمه وأمته مثل هذا.
وقال عروة بن أذينة :أنشدت ابن أبي عتيق للعَرْجي :الطويل:
ول ليلة الضحى ول ليلة الفِطـر فما ليلةٌ عـنـدي وإنْ قـيلَ لَـيلةٌ
يكونُ سواء مثلها لـيلة الـقَـدر بعادلةِ الثنين ،عندي وبـالـحَـرَا
لجارتها :قُومِي سَلِي لي عن ال ِوتْرِ وما َأنْسَ م الَشياء ل أنس قولَهـا
ول َتعْجَلي عنه فإنك فـي أجْـرِ فجاءت تقول الناس في ست عشرة
فقال ابن أبي عتيق :هذه أفْقَه من ابنِ أبي شهاب؛ أشهدكم أنها حرَة من مالي إن أجاز أهلها ذلك.
ي هو عبد ال بن عم َر بن عمرو بن عثمان بن عفان ،وكان ينزل بعَرْج الطائف فنسِب إليه ،وهو القائل :المنسرح: والعَ ْرجِ ُ
أمْ هل ِلهَم الفـؤادِ مـن فَـرجٍ هل في ادكاري الحبيبَ مِنْ حَرَجِ
ن أمَـج يوْم حَلَلْنا بالنّـخْـل مِـ ْ أ ْم كيف أنْسَى مسيرنـا حـرمـا
فأْتِ على غـير ِرقْـب ٍة فَـلِـج ل قـد أذنـت يوم يقولُ الرسـو ُ
أُ ْهدَى إليها بـريحـهـا الَرجِ أ ْقبَلْتُ أهْوي إلـى رِحـالِـهـمُ
وكان محمد بن هشام بن المغيرة بن عبد ال بن مخزوم والياً على مكة -وهو خال هشام بن عبد الملك -بلغه أن العرجيّ هجاه ،فضربه ضرباً
مبرحاً ،وأقامه على أعين الناس ،فجعل يقول :الوافر:
ويَسْأل أهل مكةَ عن مَساقـي سيغضب لي الخليفة بعد رقّي
من البَلْوى تُجَاو ُز نِصْفَ ساقي علي عباءَ ٌة بَـرْقـاء لـيسـت
ولةُ الشعبِ والطُرُقِ العماقِ س َرتِها قُـصَـيٌ و َتغْضَب لي بأُ ْ
فحلف محمد بن هشام أل يخرجه ما دامت له ولية؛ فأقام في السجن سبع سنين حتى مات ،وهو القائل في سجنه :الوافر:
ليوم كريهة وسِـدَا ِد ثَـغْـرِ أضاعوني وأي فتًى أضاعـوا
وقد شُرِعتْ أسنَتهم لنَحْـرِي وخَلَوني ومعترك الـمـنـايا
عمْـرو ولم تك نسبتي في آل َ كأني لم أكن فيهـم وَسِـيطـاً
ل ل مَظِْلمَتي وهَـصْـرِي أَ جرَرُ في الْجَوامِـع كـل يوم أُ َ
شكْـرِي س ُينْجِيني فيعلم َكيْف ُ عسى المِلكُ المجيبُ لمن دعاهُ
وأنجزِي بالضغائن أفلَ ضُرَي فَأَنجزِي بالكرامة أهْـلَ وُدي
جملة من الفصول القصار لبن المعتز
البشر دال على السخاء كما يدلُ النَور على الثمر .إذا اضطررت إلى الكذاب فل تصدقه ،ول تُعِلمْه أنك تكذبُه ،فينتقل عن وُدهِ ،ول ينتقل عن
لقِ الحداثة .كَرَمُ ال، خفَى ضوءُها وإن كانت تحت السحاب كذلك الصبيُ ل تخفى غريزة عَ ْقلِه وإن كان مغموراً بأَخْ َ ط ْبعِه .كما أن الشمس ل يَ ْ َ
ن منصنْعه ،كذلك استصلح الصديق أهو ُ ن من ُ عزّ وجل ،ل َينْقُضُ حِكمته ،ولذلك ل يجعل الجابة في كل دعوة .كما أن جلءَ السيف أهوَ ُ
غيْرِه .إذا استرجع ال مواهبَ الدنيا كانت مواهب الَخرة .لول ظلمةُ الخطا ما أشرق نورُ الصواب .الحوادث ال ُممِضة ُمكْسِبةٌ لحظوظ اكتساب َ
ب مدّخر ،وتطهيرٍ من َذنْبٍ ،وتَنبيه من غَفْلة ،وتعريفٍ ب َقدْرِ النعمة ،و ُمرُوان على ُمقَارَعَةِ الدهر .ومثل هذا الفصل محفوظ جزيلة؛ من صوا ٍ
عن ذي الرياستين ،قاله بعقب عِلّةٍ فأغار عليه ابن المعتز.
س َتدِمْ ما
سبَاب سوءَ الظن ،وا ْوكتب إلى أحمد بن محمد جواباً عن كتاب استزاده فيهَ :،قيّ ْد ِنعْمَتي عندك بما كنت اس َتدْعيتها به ،وذُلت عنها أ ْ
تُحبُ مني بما ُأحِب منك.
لّ ل قَابَلَ إحسا َنكَ مني كفرٌ ،ول تَبعَ إحساني إليك مَنّ ،ولك عندي يدٌ ل َأ ْقبِضُها عن نفعك ،وأُخْرَى ل َأبْسطُها إلى ظُ ْل ِمكَ ،فتجنبْ وكتب إليه :وا ِ
ما يُسْخِطني ،فإني أصون وجهك عن ذُلّ العَتذر.
وكان أحمد بن سعيد يؤدبه فتحمل البلذري على قبيحَةَ أم ابن المعتز بقوم سألوا أن تأذن له أن يدخلَ إلى ابن المعتز وقتًا من النهار ،فأجابت أو
ي ابن المعتز وله ثَلثَ عشرة سنة: ضبَانَ لما بلغني عنها ،فكتب إل َ ن سعيد :فلما اتصل الخبرُ بي جلستُ في منزلي غَ ْ كادَتْ تجيب ،قال اب ُ
البسيط:
ن يَخْفَى ويَنتـعِـلُ عنها يقصّر مَ ْ ن َمكْ ُرمَة خدْ َ
أَصبحتَ يا ابن سعيد ِ
ش َتعِـلُ جتْ نا َر ذِ ْهنِي فهي تَ ْ وأَج َ شيَمـي حكْم ًة قد ه ّدبَتْ ِ سَ ْربَلْتني ِ
ل مُرْتجلُ حفْ ِ
أو حارثاً وهو يوم الْ َ ت قُسّا في خَطَابـتـه شئْ َأكونُ إنْ ِ
ل نعمانَ لما ضاقَتِ الحِـيَلُ أو مِثْ َ ش ْأ ِفكْرَ َز ْيدٍ في فـرائِضِـهِ وإنْ أ َ
أو الكِسائي نَحْـويّا لَـه عِـلَـلُ أو الخليل عَرُوضيّا أخَـا فِـطَـن
ك ِمثْلِ ما عَـ َرفَـتْ آبـائيَ ال َولُ َتعْلُو َبدَاه ُة ذِهْنِي في مراكبـهـا
جذَلُ غ ْمدِه فدرى ما العيشُ وا ْل َ من ِ وفي فمي صارم ما سـلّـهُ أحـد
ت البِـلُ جدّتـهِ مـا أَطـ ِ َيبْقَى ب ِ شكْر طويل ل نـفـادَ لـه عُقباكَ ُ
166
شعْرَه ،وعجب منه. وقس الذي ذكر :هو قس بن ساعدة اليادي ،وقد سَمع النبيُ ،صلى ال عليه وسلمِ ،
خرِه بقصيدته التي أنشدها بحضرة عمرو بن هند التي أولها :الخفيف: وحارث :هو الحارث بن حِلزة اليشكري ،وصف ارتجاله يوم فَ ْ
رُب ثا ِو يمَل منه الثّوَاءُ آذَنتنَا ببينهـا أسْـمـاءُ
وزيد :هو زيد بن ثابت النصاري ،وإليه انتهى علم الفرائض .ونعمان :هو أبو حنيفة النعمان -رضي ال عنه -بن ثابت ،سبق أهْلَ العراق
في الفقْه .والخليل بن أحمد الفُرْهُودي ،ويقال :ال َفرَاهِيدي ،منسوب إلى حيّ في الزد ،اليحمري .والكسائي :علي بن حمزة الكوفي.
من إنشاء ابن العميد
وكتب أبو الفضل محمد بن العميد إلى بعض إخوانِه:
ث ما ينتزع ،ول يبقى فيما يهب إلّ َريْث ح ما يمنح إلّ َر ْي َ خدُوعاً غَرُوراً ،ل يمن ُ غدُوراً ،وزماناً َ لّ فِداك -دهراً خؤوناً َ أنا أشكُو إليك -جعلني ا ُ
خيْرُه ُلمَعاً ثم ينقطع ،ويحلُو ماؤه جُرعاً ثم يَم َتنِعُ .وكانت منه شيمَةٌ مألوفة ،وسجيّةٌ معروفة ،أن يشفع ما يُبْ ِرمُه ب ُقرْبِ انتقاض، ما يَ ْرتَجع ،يبدو َ
صدِه وظلمه ،ونعتدّ من س َتئِمّ ب َق ْ
شكَ انقباض ،وكنّا نَ ْلبَسُه على ما شرط ،وإن خان وقَسَط؛ ونَرْضى على الرغم بحكمه ،ونَ ْ ويهْدي لما يبسطه وَ ْ
غفَلته ،ونستَ ِرقُه من ساعاته. صرْفًا بل مِزَاجٍ ،ونتعلّل بما نختلِسه من َ أسباب المسرّة ألّ يجيء محذورُه مصمتاً بل انفِراج ،ول يَأْتي مكروهُه ِ
سنّة مبتدعة ،وشريع ًة متّبعة ،وأعدّ لكل صالحةٍ من الفساد حالً ،و َقرَن بكلّ خَلّة من المكروه خِلَل .وبيان ذلك - وقد استحدث غيرَ ما عرفناه ُ
ك -أنه كان يَ ْقنَ ُع من معارضته اللفين ،بتفريق ذاتِ ال َبيْن ،فقد أثني َم ْمنُوّا فيك بجميع ما أوغَرَه ،وما أطْويه من البَلْوَى منك أ َكثْرُ ل ِفدَا َ
جعلني ا ّ
مما أنشُرُه ،وأحسبني قد ظََلمْتُ الدهرَ بسوء الثناء عليه ،وألزمته جُرماً لم يكن قدره بما يحيط به ،وقدرته تَ ْرتَقِي إليه ،ولو أنك أعَنته وظاهَ ْرتَه،
وقصدت صرفه وآَ َز ْرتَه ،و ِب ْعتَني بيع الخَلقِ وليس فيمن زَا َد ولكن فيمن نقص ،ثم أعرضت عني إعراضَ غير مراجع ،واطّرحتني اطّراح
ت من جلّ ما عقدت من غير جريمة ،ونكثت ما عهدت من غير جدْني هناك ،وأنْ َفذْ َ غير مُجامل؛ فهلّ وجدت نفسك أهلً للجميل حين لم ت ِ
حتَني طَ ْرحَ ال َقذَاة؟ ولم تَلْفظني من جبْني عن واحدة منهما؛ ما هذا التغَالي بنفسك ،والتّعالي على صديقك؟ ول َم َن َبذْتَني َنبْذَ النواة ،وطرَ ْ جريرة ،فأ ِ
فِيك ،وتمجّني من حلقكِ؟ وأنا الحلل الحُلْو ،والبارد العذب ،كيف ل تُخْطرني ببالك خَطْرة ،وتُصيرني من أشغالك مرة؛ فترسل سلماً إن لم
تتجشّم مكَاتبة ،وتذكرني فيمَنْ َتذْكُر إن لم تكن مخاطبة؟ وأحسب كتابي سيَ ِردُ عليك فتنكره حتى تتثبّت ،ول تجمع بين اسم كاتبه و َتصَوّر
حفْظك ،ولعلّك أيضًا تتعجب من طمعي فيك شخصه حتى تتذكّر؛ فقد صرت عندك ممن َمحَا النسيانُ صورتَه من صدرك ،واسمَه من صحيفةِ ِ
صخْرُ بالماء الزلل ،ويَلين مَنْ هو أقسى منك قلبًا فيعود إلى الوصال ،وآخر ما وقد توليت ،واستمالتي لك وقد أبيت ،ول عجب فقد يتفجر ال َ
ح َمدُ.
حبْسٌ في سبيلك ،ومتى عدت إليه وجدته غضاً طرياً ،فجرّبه في المعاودة فإنه في العود أَ ْ أقوله أن ودي وقْف عليك ،و َ
اجتليت هذا الكلم على اختيار الختصار.
خرُ بالماء الزلل من قول ابن الرومي :مجزوء الرمل: ل قوله فقد يتفجر الص ْ حّ
ن وفي ُبعْدِ المَـنَـالِ يا شبيه البدر في الحس
رة بالمـاء الـزُللِ جدْ فقد تتفجر الصّـخ ُ
عُبدِ المير عضد الدولة بنعمة َيعْلُو مراتبَ النعم مَوْقعُها، لَ تعالى معاشرَ ُ وفي هذه الرسالة في ذكر َفتْح وإن لم يستبق منه المعنى :وقد خصّنا ا ُ
سمِه -أبقاه الّ -فُتح ال َفتْح ،وبشعاره استُنزل النجْع ،وب ُيمْن نقيبته فُرج الكَرْب ،وبسعادة جدّه كُشِف ويفوتُ مقدار المواهب موضعها ،فبا ْ
حمِيت أطرافُ الدولة ،وحُفِظت ل العدو وقُهر ،و ُ خطْب ،وباهتزازه للدولة وحمايته عاد إليها ماؤها ،وراجعها بهاؤُها ،فعز الملك ونُصِر ،وذ ّ ال َ
سدِلَتْ ستورُ الصيانة دون الحرمة؛ ولو جعل المولى -تقدس اسمه -لنعمته إذا تناهت على عبيده جزاءً أكنافُ الملةِ ،واستجد نظام النعمة ،و ُ
حمْده ،لرأيت أل أقتصر في قضاء حقّه على غيْرَ الخلص في شكره ،وقَبل ما في مقابلة المَوْهبة التي يستجدها عند خَلقه غيرَ الغراق في َ َ
صدْ ِر ما أبذل عن هذه النعمة العزيْن؛ الهل والولد ،والنصَرين؛ الساعد والعَضُد ،بل العميدين؛ القلب بعض الملك دون بعض ،ولجعلت في َ
والكبد؛ بل النفس كلها ،والمُهجَة بأسرها.
ما قيل في العتاب
ب بعض إخوانه :الكامل: وقال سعيد بن حميد يعاتِ ُ
ل تـار ًة ويمـيلُ والدهر يَعـدِ ُ أقللْ عتابك فالبـقـاءُ قـلـيل
إل بكَيتُ علـيه حـين يَزُولُ ك من زمن ذَمَمتُ صُروفه لم أ ْب ِ
ل أقـبَـــلـــت تَـــخـــوي ُ
ل ولـكـل حـا ٍ ولـــكُـــلّ نـــائبةٍ ألـــمـــت مُـــدة
إنْ حُـصـلـوا أفـنـاهـم الـتـحـــصـــيل والـمـنـتـمـون إلـى الخــاء جـــمـــاعة
ع بـينـنـــا وتَـــحـــول
يومـاً سـتَـصـد ُ ولـعـل أحـدَاثَ الــمـــنـــيةِ والـــردى
ولـيكـثـرن عـلــي مـــنـــك عَـــوِيل ت لـتـبـكـين بـحـــســـرة فلـئن سـبَـقـ ُ
حبْـلُ الـوفـاء بـحَـبْـلِــه مـــوصـــولَ ن بـمُـخْـلِـصٍ لــك وامـــق ولـتـفـجَـعَـ ّ
ت ول سبقت ليمض َي ْنمَنْ ل يُشَكِالُه لديَ خليل سبَ ْق َ
ولئن َ
ولـيُفْـقَـدنّ جـمـالُـهـا الـــمَـــأْهـــول وليذهبنّ بهاءُ كل مروءةٍ
ضافٍ عـلـيه مـــن الـــوفـــاء دلـــيل وأراك تـكْـلَـفُ بـالــعـــتـــاب و ُودُنـــا
وبَـدَتْ عـلــيه بَـــهْـــجَة وقَـــبـــول ودّ بـدا لــذَوِي الخـــاء جـــمـــالُـــه
فعَـل َم يكـثـر عَـتْــبُـــنَـــا ويَطُـــولُ؟ ل أيامَ الـــحـــياة قـــلـــيلةٌ
ولـــعـــ ّ
وقال أيضاً :الطويل:
ول لك عن سوء الخليقة مَـرْغَـبُ لقد ساءني أنْ ليس لي عنك مَذْهَـبُ
وفي دونه قُ ْربَى لـمـن يتـقـرَبُ أفكـر فـي ود تـقـادم بـينـنـا
وخي ٌر من الودَ السقيمِ الـتـجـنـبُ وأنت سقـيمُ الـودَ رَثّ حِـبـالُـه
167
سنْي ،وتَلقاني كـأنـي مُـ ْذنِـبُ بح ُ تُسِي ُء وتَأبَى أنْ تـعـقَـب بَـعْـدَهُ
مقالةَ أقوام هُـ ُم مـنـك أنْـجَـبُ حذَرُ إن جازيت بالسوء والقِـلَـى وأَ ْ
ن أو يتـعـتَـبُفعاد يُسيء الـظـ َ أساء اختـياراً أو عَـ َرتْـه مَـلَلةٌ
كما خاب رَاجي البرق والبَرْقُ خُلَبُ خبْتُ من الود الذي كـان بـينـنـا فِ
وقال عبيد ال بن عبد ال بن طاهر :الطويل:
وَل ْم ل تملَنَ القطيعةَ والهجْـرَا؟ إلى كم يكونُ الصدُ في كلّ ساعةٍ
ت البين فانتظر الدَهْرَا لتفريقِ ذا ِ رويدك! إنَ الدهرَ فـيه بـقـيّةٌ
آخر :الكامل:
أن الصدُودَ هو الـفِـرَاقُ ال َولُ ولقد علمْت فل تكن متجـنـبـاً
س َتعْجِلُ؟ صَرْف الزمان ،فما لنا نَ ْ ق بـينـهـم حبّة أن يف َر َحَسْب ال ِ
آخر :الطويل:
فمفترق جَاران دارهما العمرُ سعَها قبل بينها ذَرِ النفسَ تأخذ وُ ْ
ويقرب من المعنى قول المتنبي أيضاً :الخفيف:
ل يَحُولُ مَ فحسْنُ الوجوه حا ٌ زَ َودِينا من حُسْن وجهِك ما دَا
يا فإنّ المُقَامَ فيهـا قَـلِـيلُ ص ْلكِ في هذه الدّن وَصِلِينَا نَ ِ
ما يتعلق بالعراب
وقف أعرابي يسألُ ،ف َعبِث به فتى ،فقال :ممن أنت؟ فقال :من بني عامر ابن صعصعة ،فقال :من أيّهم؟ فقال :إن كنت أردت عاطفة القرابة
ت من أعجازهم .فقال الفتى :ما فليكفك هذا المقدار من المعرفة ،فليس مقامي بمقام مُجادَلة ول مفاخرة ،وأنا أقولُ :فإن لم أكن من هاماتهم فلس ُ
ت عن فضيلتك إلّ النقص في حسبك ،فامتعض العرابي لذلك؛ فجعل الفتى َيعْ َتذِر ،ويخلط الهَزْل والدعابة باعتذاره ،وأطَال الكلم ،فقال روي َ
له العرابي :يا هذا ،إنك منذ اليوم آذيتني بمَزْحِك ،وقطعتني عن مسألتي بكلمك واعتذارك ،وإنك لتكشف عن جَهلِك بكلمك ما كان السكوت
سخَط ،وإن اعتذر أفرط ،وإن حدث أسقط ،وإن قدَر تسلّط ،وإن عزم على أمرٍ تورّط ،وإن جلس ستُره من أمركَ ،ويْحك! إنّ الجاهل إن مَزَح أ ْ يَ ْ
مجلس الوقار تبسط ،أعوذُ منك ومن حالٍ اضطرتنيِ إلى احتمال مثلك! وقال إسحاق الموصلي :قال أعرابي لرجل كان يعتمده بالعطية :اسأل
الذي رحمني بك أن يرحمَك بي.
وسأل أعرابي رجلً ،فأعطاه ،فقال :الحمد لّ الذي ساقني إلى الرزق وساقَك إلى الجر.
من إنشاء بديع الزمان الهمذاني
ومن إنشاء البديع من مقامات السكندري:
حلْية الثروة ،ل يهمني إلّ نزهة فكر قال :حدّثنا عيسى بن هشام قال :أ ْفضَتْ بي إلى بَلْخ تجارة البَزّ ،فوردتها وأنا بِ َفرْوَةِ الشباب وبَالِ الفراغ ،و ِ
ح من كلمي .ولمَا حنى التفرقُ بنا ق ْوسَه أو كاد ،دخل إليً س ْمعِي مساف َة مُقامي ،أفص ُ
أستفيدها ،وشَريدة من الكلم أصيدها ،فما استأذن على َ
خدَعَيْنِ ،وطَرْف قد شرب بماء الرّافدين ،وَل ِقيَني من البرّ في السناء ،بما ِز ْدتُه من الشكر والثناء؛ ثم شابّ في زي مِلْء ال َعيْن ،ولحية تَشُوكُ ال ْ
ظعْنا تُرِيد؟ قلت :إي والّ ،فقال :أخصَبَ ال رَائِدَك ،ول أضلّ قائِدَك ،فمتى ع َز ْمتَ؟ فقلت :غدا َة غد ،فقال :الوافر: قال :أ َ
طيْرُ الفِراقِ طيْر ال َوصْلِ ل َ وَ صباح ال ل صبْحُ انطـلقِ
ضيْتَ الوَطَر ،فمتى العَود؟ قلت :القابل؟ قال :طَ َويْتَ الرّيط ،وثنَيْتَ الخيط ،فأين أنت من قال :أين تريد؟ قلت :الوطن ،قال :بُّلغْتَ الوَطن ،وق َ
الكرم؟ قلت :بحيث أردت؟ قال :إذا رجعك ال من هذه الطريق ،فاستَصحِب لي عدُواً في بُردَةِ صديق ،من نِجَار الصّفر ،يدعو إلى الكفر،
ق بوَجهين! فعلمت أنه يلتمس ديناراً ،قلت :لك ذلك نقداً ،ومثله وَغداً ،فأنشأ يقول: ل الذين ،وينافِ ُ ط ِثقَ َ ويرقُص على الظفْر ،كدَارة العين ،يح ُ
مخلع البسيط:
ل زلت للمَكرُمات أهْـل رَ ْأيُك ِممّا خَطَبتُ أعـلـى
طبْتَ أصل وطِئتَ فرعاً و ِ صَُلبْتَ عُوداً و ُفقْتَ جُـوداً
ول أطيق السؤال ثِـقْـلَ حمْـل ل أستطيع العَطاء َ
ت فِعـلً ظنَنْ َ
وطُلْتُ عما َ ظنّـا
ن مُنتهاك َ قصُ ْرتُ عَ ْ
ي الدّهْ ُر ِم ْنكَ ُثكْـلَ
ل َلقَ َ يا رحمة الّ والمعـالـي
قال عيسى بن هشامُ :فنُلتُه الدينار ،وقلت :من أين نبتَ هذا الفَضل؟ قالَ :نمَتني قريش ،و ُمهّد لي الشرفُ في بَطْحائها .فقال بعض من حضر:
ألَسْت أبا الفتح السكندري؟ ألم أرك بالعِراق ،تطوف بالسواقُ ،مكَدّياً بالوراق؟ فأنشأ يقول :مجزوء الرمل:
أخذوا ال ُعمْرَ خَلِيطا إنّ لـلَـهِ عـبـيداً
با و ُيضْحُون نَبيطا فه ُم ُيمْسُون أعـرا
خبْثه ،وإذا سكن َم ْتنُه،
ظهَرَ ُ
لَ بقاءَ الشيخ الجليل ،والما ُء إذا طال ُم ْكثُهَ ، وله إلى أبي نصر الميكالي يشكو إليه خليفته بهَرَاة :كتابي ،أطال ا ُ
سمُج لقاؤه ،إذا طال ثَوَاؤه ،ويثقل ظِلّه ،إذا انتهى َمحَلّه ،وقد حَلبْت أشطر خمسة أشهر بهَرَاة وإن لم تكن دار مثلي ف يَ ْ
تحرَك نتنُه ،كذلك الضي ُ
صدَر عِشْق :الطويل: صدَرَا مَ ْ س َمثَلُ صدق ،وإن َ لول مُقامهُ ،وما كانت تسعني لول ذِمَامُه ،ولي في َبيْتيْ قي ٍ
ل الباطحِ بقول يُحِل العُصمَ سَه َ وَأ ْدنَيْتني حتى إذا ما س َبيْتـنـي
وخلَ ْفتِ ما خلً ْفتِ بين الجوانِـحِ تجا َفيْتِ عني حيث ل ليَ حـيلةّ
نعم .قنصتني ِنعَمُ الشيخ الجليل ،فلما عَِلقَ الجناح ،وقَلِقَ البَرَاح ،طرت مطارَ الريح ،بل مطارَ الرّوح ،وتركتني بين قوم ينقض مَسّهم الطهارَة،
وتُوهِن أكفّهم الحجارة ،وحدثت عن هذا الخليفة ،بل الجِيفة ،أنه قال :قضيت لفلن خمسين حاج َة منذ ورد هذا البلد ،وليس يَقْنع ،فما أصنع؟
فقلت :يا أحمق ،إن استطعت أن تراني محتاجاً ،فاستطع أن أراك محتاجاً إليك .أفً لقولك ولفعلك ،ولدهر أحْوَج إلى مثلك! وأنا أسأل الشيخ
168
ج ْنبِه ،آثارُ ذنبه.
الجليل أن يبيضَ وجهي بكتاب يُسَوّد وجهه ،ويعرّفه َقدْره ،ويمل رعباً صدره ،إلى أن َتبِين على صفحات َ
وله إليه يعاتبه:
قد عرف الشيخ الجليل اتّسامي بعبوديته ،ولو عر ْفتُ ورا َء العبودية مكانًا لبلغته معه ،وأراني كلما قدمت صُحْبة ،رجعت ُرتْبة ،وكلّما طالت
عبْداً حبشياً ،و َيضَع قُرَشِياً ،ولكن أحب أن أقف من مكاني على ُرتْبةِ خدْمة ،قصُرت حِشمة ،ولست ممن يذهب عليه أن للسلطان أنْ يرفع َ ِ
كوكبها ل يغور ،ومنزلةٍ لَوَْلبُها ل َيدُور ،فإذا عرفت َقدْري وخطه ،لم أتخطَه ،ثم إن رأيت محلي وحده ،لم أتعدَه ،إن قدّمني يوماً عليها علمت
ت أنكِر سِنه وفَضْلَه ،ول أجحد بيته وأصله ،ولكن لم أن عنايةً قدمتني ،وإن أخرني عنها علمت أن جناية أخرتني .رُفع عليّ اليوم فلنٌ ولس ُ
تجْرِ العادة بتقدّمه ،ل في اليام الخالية ،ول في هذه اليام العالية؛ وشديدٌ على النسان ما لم يُعود؛ فإن كان حاس ٌد قد هم ،أو كاشح قد نمَ ،أو
ب قد ألمّ ،أو أمرٌ قد رقع وتم ،فالشيخُ الجليلُ أولى من يعرفه ويعرّفنيه ،وإل فما الرأي الذي أوْجَب اصطناعي ،ثم ضياعي ،والسبب الذي ط ٌ خَ ْ
اقتضى َب ْيعِي بعد ابتياعي؟
عود إلى المأمون
ولما رضي المأمون عن إبراهيم بن المهدي أمر به فأدْخِل عليه ،فلما وقف بين يديه قال :وَليُ الثأر محكّم في القصاص ،ومَنْ تَناوَله الغترار
لّ تعالى فوق كل ذي ذنب ،كما جعل كل ذي ذَنْب دونك ،فإن أخذتَ بما مُدَ له من أسباب الرجاء أمِن عادية الدهر من نفسه ،وقد جعلك ا ُ
فبحقَك ،وإن عفوت فبفضلك .ثم قال :المجتث:
وأنت أغـم مـنـهُ ذَنْبي إليك عـظـيم
فاصفحْ بفَضلِك عنه خذْ بحـقّـك ،أ ْو ل فُ
مِنَ الكرام فكـنْـهُ إن لم أكن في فعالي
فقال لي :إني شاورت أبا إسحاقَ والعباس في َقتْلك ،فأشارا به ،قال :فما قلتَ لهما يا أمير المؤمنين؟ قال :قلت لهما :بدأناه بإحسان ،ونحن
نستَأمِره فيه ،فإن غير فال يغير ما به ،قال :أما أن يكونا قد نصحا في عظيم ما جَرَت عليه السياسة فقد فعل وبلغا ما يبلغك ،وهو الرأيُ
جذَل! إذ كان ذَنْبي إلى مَن ل من حيث عوّدك ال .ثم اس َت ْعبَر باكياً ،فقال له المأمون :ما يبكيك؟ قالَ : السديد ،ولكنك أبيت أل تستجلب النصر إ َ
هذه صفته في النعام ،ثم قال :إنه وإن كان قد بلغ جُرْميَ استحلل دمي ،فعِ ْل ُم أمير المؤمنين وفَضلُه بلغاني عفوه ،ولي بعدهما شفاعة القرار
حبّب إليّ العفو حتى خِ ْفتُ ألَ أُوجَر عليه ،أما لو علم الناسُ ما لنا في العفو من اللذّة لتقرّبوا بالذنب ،وحق البوّة بعد الب .فقال :يا إبراهيم ،لقد ُ
ن تنصّلك ولطف توصلك، ق نسبك ما يبلغ الصفح عن جرمك لبلَغك ما أملت حس ُ إلينا بالجنايات ،ل َتثْرِيب عليك يغفر ال لك ،ولو لم يكن في ح ّ
ثم أمر برد ضياعه وأمواله ،فقال :البسيط:
ت دمـي وقبل َردّك مالي قد حَ َقنْ َ ي بـهرددت مالي ولم َتبْخَل علـ ّ
غيْ ِر مـتـهَـمِ مقام شاه ِد عدل َ وقام علمُك بي فاحتجّ عندك لـي
والمال حتى أسلّ ال ّنعْلَ من َقدَمي ك بـهفلو بذلتُ دمي أبغي رضا َ
لو لم تهبْها لكنت اليوم لم تُـلَـم ما كان ذاك سِوَى عاريّة سََلفَـتْ
ج َر عليه أبو تمام الطائي فقال :الكامل: حبّب إليّ العفو حتى خفت ألّ أو َ أخذ معنى قول المأمون :لقد ُ
من لذة وقريحةٍ لم تَـخْـمُـدِ لو يعلمُ العافون كم لكَ في الندى
فكان أبو تمام في هذا كما قال أبو العباس المعتز في القاسم بن عبيد الّ:
فنأخذ معنى قَوْلنا مِنْ فعالِه إذا ما مدحناه استعنَا ب ِفعْلـه
وكان تصويبُ إبراهيم لرأي أبي إسحاق المعتصم والعباس بن المأمون ألطفَ في طلب الرضا و َدفْع المكروه واستمالتهما إلى العاطفة عليه من
الزراء عليهما في رأيهما ،وكان إبراهيم يقول :وال ما عفا عني لرَحمٍ ول لمحبةٍ؛ ولكن قامت له سوقٌ في العفو كَرِه أن يفسدها بي.
ت عنه فل نَظير لك؛َ فأختار لك العفو. وكان المأمون شاور في قتل إبراهيم أحمدَ بن أبي خالد الحول ،فقال :إن قتلتَه فلك نظير؛ وإن عفو َ
بين المأمون وإسحاق بن العباس
وقال المأمون لسحاق بن العباس :ل تحسبني أغفلت أمر ابن المهدي وتأييدك له ،وإيقادَك لِناره.
س بك من أرحامهم؛ وقد قال :والّ يا أمير المؤمنين لَجرام قريش إلى رسول الّ ،صلى ال عليه وسلم ،أعظ ُم من جُرْمي إليك؛ ولرَحمي أم ّ
حمِينَ" .وأنت يا أمير قال لهم كما قال يوسف؛ على نبّينا وعليه الصلة والسلم لخْوته" :ل تَثرِيبَ عليكم اليو َم َيغْفِرُ الُّ َلكُم وَهُوَ أرْحَمُ الرا ِ
ث لهذه المة في الطّوْل ،وممتثل لخلل ال َعفْو والفَضل. حقّ وار ٍ المؤمنين ،أ َ
عفَا عنها السلم ،وجُ ْرمُك جُرمٌ في إسلمك ،وفي دار خلفتك. قال :هيهات! تلك أجرامّ جاهلية َ
غفْرَان الذنب من الكافر .وهذا كتاب ال بيني وبينك إذ يقول" :وسارِعُوا إلى َمغْفر ِة من قال :يا أمير المؤمنين ،فوالّ للمسلم أحق بإقالة ال َعثْرَة و ُ
لّ ُيحِب ر ّبكُمْ وجَنةٍ عَ ْرضُها السماواتُ والرضُ أُعِدّتْ للُمتّقِين ،الذين ُينْفقُونَ في السَرّاء والضرّاء والكاظِمينَ ال َغيْظَ والعافِينَ عن الناسِ وا ُ
حسِنينَ" .والناسُ يا أمي َر المؤمنين ،نسبةٌ دخل فيها المسلم والكافر ،والشريف والمشروف. المُ ْ
ت بك زنادي ،ول بَ ِرحْتُ أرى من أهلك أمثالك. قال :صدقتَ ،و ِريَ ْ
في الستعطاف
وقال رجل لبعض الملوك وقد وقف بين يديه :أسألك بالذي أنت بين يديه غدًا أذَل مني بين يديك اليوم ،وهو على عقابك أ ْقدَ ُر منك على عقابي،
ب إليه من بليّتي. ب إليه من سُ ْقمِي ،وبراءتي أح ّ إلَ ما نظرتَ في أمري نَظَ َر من بُرْئي أح ّ
ل تعالى ألَ تضع مني خَسيسة أنتَ رفعتها ،أو تنقض مني َمرِيرة أنتَ وأراد معاوية عقوبة روح بن زنباع فقال :يا أمير المؤمنين ،أنشدك ا ّ
أبرمتها ،أو تشمت بي عدوّاً أنت كبته ،وحاسدًا بك و َق ْمتُه؛ وأَسألك بالّ إلّ أرْبى حِ ْلمُك على خطئي وصفحك على جهلي.
ل ثنى عقد شيء تيسرا. ل عنه :إذا ا ّ فقال معاوية رضي ا ّ
أشار إلى هذا أبو الطيب المتنبي إذ قال :الطويل:
فأنتَ الذي صَي ْر َتهُمْ لي حُسـدا حسّا ِد عني بكَ ْبتِـهِـمْ سدَ ال ُ
أزِلْ حَ َ
ف يَقْطَعُ ا ْلهَا َم ُم ْغ َمدَاسيْ ٍ
ضَ َربْتُ ب َ شدّ زَندي حُسْنُ رَأيِك في يَدي إذا َ
169
عفو الملوك
حوَان ما بينهما من الساءة .قال :صدقت ،وعفا عتَب المأمون على بعض خاصّته ،فقال :يا أمير المؤمنين ،إن قديم الحرمة وحديث التوبة يَمْ ُ وَ
عنه.
وكان في ملوك فارس ملك عظيم المملكة ،شديدُ النقمة ،فقرب له صاحب المطبخ طعامه ،فنقطت نُقْطةٌ من الطعام على المائدة ،فَزَوى له الملك
جهَه ،وعلم صاحبُ المطبخ أنّه قاتله ،فعمد إلى الصّحْفَة فكفأَها على المائدة ثم ولّى ،فقال له الملك :ما حَملك على ما فعلت ،وقد علمتُ أن وَ ْ
ن يُوجب قتلي ،ويُبيح دَمَ مثلي ،في سنَي جرِ بها تعمّدك ،فما عندك في الثانية؟ قال :استحيتُ للملك أ ْ ت بها يدك ولم يَ ْ سقوطَ النقطة أخطأَ ْ
ت أن َيعْظُم ذَنبي ليَحسُنَ بالملك َقتْلي. ت بها يَدي ،فأَ َردْ ُ
خدْمتي ،في نُقْطة َأخْطأَ ْ حرْمتي ،وقديم اختصاصي و ِ وُ
قال :لئن كان اعتذارك يُنجِيك من القتل ،فليس ُينْجِيك من التأديب ،اجِلدوه مائةَ جَلدة ،واخلعوا عليه خلع الرضَا.
ع فقال: ش ،فأتبعه حتى صَرعه ،وقد انقطع عن أصحابه ،فنزل عن فَرسه يريدُ َذبْحه ،و َبصُرَ برا ٍ وخرج بهرام جور متصيّدا فعنّ له حمار َوحْ ٍ
جهَهُ وقال :تأمُلُ ت منه التفاتة ،فنظر إلى الراعي يقطع جَوْهَر عِذار فرسه ،فحوَل بهرام جور وَ ْ ي فَرسي ،وتشاغل بذبح الحمار ،وحانَ ْ أمْسك عل ّ
عيْب ،وعقوب ُة من ل يستطيع الدفاع عن نفسه سَفَه ،والعفوُ من أفعال الملوك ،وسُرْعَة العقوبة من أفعال العامة. العيبِ َ
خيْلنا ،فقال :نعم ،وقد عزمتُ على أن أنقلع مائةَ فرسخ ،فقال ش ْريَانِك يضطربُ لعقك آذاك تكسيرُنا أرْضك بحوافر َ ثم قال :يا غلم ،ما بال ِ
ل َتمَتْ على قولها ،فرجع بهرام إلى عسكره وقال: بهرام :ل تُرَع؛ فهذا الموضع وما فيه لك ،وكان الراعي خبيثاً ،فقال :إن الملوك إذا قالت قو ً
ق لك من هذه الرض ،فاتّبعه ،فلما بَصُر به الوزير قال :أيها الملك السعيد ،إني لرى جَوْهَر عِذار فرسك مُقَلّعا ،فتبسّم وقال :أخذه اتبعني لُوثَ َ
من ل يردّه ،ورآه من ل ين ّم به ،فمَنْ أخذه صاحبُنا ول نُطالبه به.
ب كما اتّفق موزونًا فقال :المجتث: عيْ ٌنقل ابن الرومي قول بهرام :تأمل العيب َ
مَا في الذي قُلتُ َريْبُ تأمُلُ الْـعَـيْبِ عَـ ْيبُ
دُونَ العَوَا ِقبِ غَـيْبُ وكـلّ خَـيْرٍ وشَــر
فيه مِنَ الصنْعِ جَـ ْيبُ وربّ جلْـبَـابِ هَـم
كم قاد خـيراً سـيَيبُ ل تحْـقِـرنّ سُـ َييْبـاً
أخذ البيت الخير من قول الطائي :مخلع البسيط:
طيْرُ ط ٍر بَدْؤُ ُه مُ َ
كَ ْم مَ َ رب قَليل غدا كثيراً
وقوله :الخفيف:
كم بذي الثْلِ دوح ًة مِنْ قضيبِ صغِيرَ َهمّك وانْظُـر ل تَزِيلَنْ َ
وقد أعاد ابن الرومي قوله :المجتث:
غيْبُدُون ا ْلعَوا ِقبِ َ وكلّ خَـيْرٍ وَشَـر
في قصيدته التي مدح بها أحمد بن محمد بن ثوابة حين ساوره ،وقال :لو أتى لبيد لتعجب منه ،فاستجزله وقال :الطويل:
يَرَى ا ْل َمدْحَ عَارًا َقبْلَ َبذْلِ ال َمثَا ِوبِ ولما دَعَانـي لـلَـمُـثـوبَةِ سَـيد
قَوِي ،وَأعْياني طُلُوع ا ْلمَـعـايِبِ ب كِلهُـمـا غبٌ ورَه ٌ َتنَازَعني رَ ْ
وأخرتُ رِجْلً رَ ْهبَةً لِ ْلمَعاطِـبِ غبَةً فـي رَغِـيبَة فقدَمتُ ِرجْلً رَ ْ
لّ دُونَ ا ْلعَواقِـبِ غيْبِ ا ِ ستَارُ َ وأَ ْ أخاف عَلَى نَفْسِي وأَ ْرجُو مفازَهَـا
ت َب ْعدَ ال َمذَاهِـبِ َومِنْ َأيْنَ وَالغايَا ُ ل مَنْ يُريني غَايَتي قبل مَذهبـي أَ
???رجع إلى إنشاء بديع الزمان
نسخْة رقعة كتبها بديع الزمان إلى أبي علي إسماعيل يعتذرُ إليه :سو ُء الدب من سكر الّندْب ،وسكر الغضب من الكبائر التي تنالُها ال َمغْفِرة،
جرَى فالعُذْ َر أ ُمدّ خطاً ،فإنْ كانحضْرةِ الشيخ ما جَرَى ،وقد أ ْف َنيْت يدي عضّاً ،وأسناني رَضاً ،وإن لم أوف ما َ سعُها ال َم ْعذِرة ،وقد جرى ب َ وتَ َ
غفَر الصاحب؛ وإن كان ميتًا ُينْشَر ،وسببًا ُيذْكَر ،ف ْليَكن العقابُ ما كان، بِساطاً يطوى ،وحديثًا ل يُرْوَى ،فأوْلى مَن عذَرَ اللعب ،وأحْرَى من َ
خ ْدمَة ،إبقاءُ
سطِي من العقاب ،واستَ َفدْت من ردَ الجواب ،ما كفى وأَوْجَعَ ال َقفَا؛ فكان من مُوجب أدب ال ِ إن لم يكن الهجران ،على أني قد أخذت قِ ْ
ت بي ثلثة أحوال ل يَسَْلمُ صاحبها؛ اللعب وسكره ،والخصم وهُجره، ح َدقَ ْ
شتْم ،والغضاء عن الخصْم ،لكني أ ْ الحِشمة لولي النعمة ،باحتمال ال َ
ع ْهدِي
شكِ اللقاء ،و َ خرَقتُه ،وقد منعني الَن فَرْطُ الحياء من َو ْ والدلل والثقة ،وهُنَ اللواتي حملنني على ماء الوَجْ ِه فهَ َر ْقتُه ،وحجابِ الحشمة ف َ
جهْلِه ،وأَ ْوقَحُ من الدهر الذي أحوجني إلى أهله؛ لكن النعم إذا تواَلتْ على َوجْهٍ رفَقت قِشْرَته، ق من العُدم الذي حملني على َ صفَ ُ
بوجهي وهو أ ْ
خ ْدمَته ،فإنْ رأى أن يكتب فَعل ،إن شاء ال. جنَاحي إلى ِ وألَنت بَشَرته؛ وأنا منتظر من الجواب ما يريش َ
وله رقعة إلى أبي علي بن مشكويه أولها :الطويل:
فل ُت ْمهِليهِ أن تَقُولي لهَ :مهْل ويا عزّ إن وَاشٍ وَشى بي عندكم
حزَح ل قريباً ول أهل لقلنا :تَزَ ْ كما لو َوشَى واشٍ بعزةَ عندنـا
بلغني ،أطال الُ بقاءَ الشيخ أن قيضة كلب وا َفتْه بأحاديث لم يُعِرْها الحقّ نورَه ،ول الصدقُ ظهورَه ،وأنه -أدام ال عزه -أذن لها على مَجال
ب ل ينزل كنَفه ول يجدف ،وحديث ل عتَا ٌ أذنه ،وفسح لها فِناء ظنه ،ومعاذ ال أن أقولها ،وأستجيز معقولها؛ بل قد كان بيني وبين الشيخ ِ
يتعدَى النفسَ وضميرها ،ول يعرف الشفة وسَميرها ،وعَ ْربَدة َكعَربدَة أهل الفضل ،ل تتجاو ُز الذلل والدلل ،ووحشة ل يكشفها عتابُ لحظة،
حيّز العدو أشِيم عذْراً ،وأوحش حُراً .وسبحان مَنْ جعلني في َ جحْظة ،فسبحان مَنْ ربّي هذا المرَ حتى صار أمراً ،وتأبط شراً ،وأ ْوجَب ُ كعتاب َ
ي عليه ،ولكن من بُلي من العداء بمثل ما بُليت ،ورُمي من الحسد بما ُرمِيت ،ووقف من عقَته ،وأنَا المسَاء إليه ،والمجن ّ بَا ِرقَته ،وأتخوّف صَا ِ
صفْت ،اعتذر مظلوماً ،وضَحك مشتوماً ،ولو علم الشيخُ عددَ أولد الجدد ،وأبناء التوحّد والوحدة حيث و َقفْت ،واجتمع عليه من المكارِهِ ما و َ
ن مجلسه العدد ،بهذا البلد ،ممن ليس له همّ إلّ في سعاية أو شكاية أو حكاية أو نكاية ،لضنّ ،بعِشْرَة غريب إذا بدر ،وبعيد إذا حضر ،ولصا َ
ن كيد هؤلء القوم أنهم حين صادفوا عمن ل يَصُونُه عما رقى إليه ،و َهبْني قد قلت ما حكى ،أليس الشّاتِ ُم مَنْ أسْمع ،والجاني منْ أبلغ؟ فقد بلغ مِ ْ
من الستاذ نفسًا ل تُستفز ،وجبلً ل يهزّ ،وشَوْا إلى خدمه بما أرّثوا نارهم ،وورد عليّ ما قالوه فما لبثت أن قلت :الطويل:
170
ل نـائبة سـلـمُ فإني لها في ك ّ فإن َتكُ حرب بين قومي وقومها
جمْرة ،وأنّ في أولد الزنا عندنا َكثْرة ،وقُصاراه نا ٌر يَشُبونها ،وعقرب ُي َدبّبُونها ،و َمكِيدة يَطْلُبونها ،ولول ن في كبد العْداء مني َ وليعلم الستاذ أ َ
أن العذْرَ إقرار بما قيل ،وأكره أن أستقيل ،لبسطتُ في العتذار شَاذَرْواناً ،ودخلت في الستقالة َميْداناً ،لكنه أمرٌ لم أضعْ أوله ،فلم أتَدا َركْ
آَخره.
وقد أبى الشيخ أبو محمد -أيّده الّ -إلّ أن يوصَلَ هذا النثر الفاتر بنظم مثله فهاكه يَ ْلعَنُ بعضه بعضاً :السريع:
أنْ أشرب البارد لم أشْـ َربِ مولي إن عدتُ ولم ترضَ لي
صدْ بكفّي حُمةَ العَـقْـربِ و ِ ِا ْمتَطِ خدي وانتعِل نـاظـري
فيك ،ول ُأبْ ِرقُ عن خُـلَـبِ تالّ ما أنْطِـقُ عـن كـاذبٍ
صيَبِ كالصّحو عقْب المَطَرِ ال ّ فالصف ُو بعد الكذب المفتـرَى
فالشوكُ عِند الثمر الـطـيب جتَنِ الغلظة مـن سـيدي إن أ ْ
فالخمر قد يعصب بالـثـيّب أو يفسد الزورُ علـى نَـاقـد
ولعلّ الشيخ أبا محمد -أيده ال -يقوم من العتذار بما قعد عنه القلمُ واللسان؛ فنعم رائد الفضل هو ،والسلم.
فِقَرٌ من كلم سهل بن هرون للمأمون
سهْل بن هرون ،فدخل عليه يوماً ،والناسُ على مَراتبهم ،فتكلّم المأمون بكلم ذَهَب فيه كل مذهب؛ فلما فرغ من كلمه كان المأمون استَثقل َ
أقبل سهلُ بن هرون على الجَمع فقال :ما لكم تسمعون ول تعون ،وتشاهدون ول َتفْ َقهُون ،وتفهمون ول تتعجّبون ،وتتعجّبون ول تُنصفون؟
جمُكم كعبيدكم ،ولكن كيف َيعْرِف الدواء من والّ إنه ليقول ويفعلُ في اليوم القصير ما فعل بنو مروان في الدهر الطويل ،عَ َربُكم كعجمكم ،وعَ َ
ل يشعر بالداء؟ فرجع المأمونُ فيه إلى الرأي الول.
من ترجمة سهل بن هرون ،وأخباره
وكان أبو عمرو سهل بن هرون من أهل مَيسان ،نزل البصرة فنُسِب إليها ،وهو القائل :الكامل:
الطيبون الفرعُ والْـجِـذْمُ يا أهل َميْسان السلم عليكم
ذهبًا وأيدٍ سَحَةٌ هُـضْـمُ أمّا الوجوهُ ففِضّة مُزِجت
ل من كلْب بيَ العِ ْلمُ قد ق ّ أتُريدُ كلْب أن أُناسـبـهـا
فرعُ النجوم كأنه نَـجْـمُ أجعلت بيتاً فـوق رابـية
جعْلَنُ والبـهْـمُبفنائه الْ ِ َكبَيَتِ شَعير وسط مجهـلة
وكان سهل شعوبياً ،والشعوبية ِف ْرقَةٌ تتعصّب على العرب وتنتقصُها ،وكان أبو عبيدة يُرمى بذلك.
وسهل ظريفٌ عالم حسَنُ البيان ،وله كتب ظريفة صنَفها معارضاً للوائل في كتبهم بما ل يستَصْوبه منهم ،حتى قيل له :بزر جمهر السلم
وقال يمدح رجلً :الطويل:
ع إذا ما َمنْعُه كان أحْزَمـا َمنُو ٌ عدوّ تِلدِ المال فيمـا َينُـوبُـهُ
مكارِهَ ما تأْتي من العيش َم ْغنَما ن تَرَى مذلّل نفس قد أبتْ غير أ ْ
وهذا نظير قوله في كتاب َثعْلَة وعُفرة الذي عارض به كليلة ودمنة :اجعلوا أدا َء ما يَجِبُ عليكم من الحقوق مقدمًا قبل الذي تجودون به من
تفضلكم؛ فإن تَقْديم النافلة مع البطاء عن الفريضة مُظاهر على وَهَنِ العقيدة ،وتقصير الروية ،ومُضِرٌ بالتدبير ،مخل بالختيار ،وليس في نفع
محمدتِه عِوَض من فساد المروءة ولروم النقيصة .وكتابه هذا مملوء حكماً وعلماً .وسهل القائلُ :الطويل:
وقد تركا قَلْبي مـحـلَ َة بَـلْـبَـالِ ن قد كَـسَـفـا بـالـي تقسمني َهمَا ِ
سمْطٍ وخلـخَـالِ خدْر ذات ِ رهينةُ ِ عبْـرتـي هما أذرَيا َدمْعي ،ولم تذر َ
سوى أن تحاكي النور في رَأس ذيال ق منها على الـمـدى ول قهوة لم َيبْ َ
لها نَفْسُ معدوم على الزمن الخالـي تحللَ منها جِرمهـا وتـمـاسـكـت
حدَث تبكي له عَينُ أمثـالـي على َ ولكمـا أبـكـي بـعَـيْنِ سـخـينة
وخَفَة حُ ًر ل يَقُـوم لـهـا مـالـي فراق خلـيل ل يقـوم بـه السـى
لفَقْد خليل أو تَـعَـذرِ إفـضـال؟ حتّى متى القلب مُوجَـع فواحسرتي َ
وإلّ لقاء الخل ذي الخُلُقِ العـالـي ضلُ إلّ أنْ تـجـودَ بـنـائل وما الفَ ْ
وهو القائل :البسيط:
ن يراني غنيّا عنه بـالْـيَاس من أ ْ خلُقي
إذا امرؤ ضاق عني لم يَضِق ُ
ما كان مَطَْلبُه َفقْراً إلى الـنـاس غنَى بفضلتـه ل أطلبُ المال كي أ ْ
وأنشد له الجاحظُ يهجو رجلً :البسيط:
س َمكُـوا ت َتعْمُرُ ما شادُوا وما َ فأن َ من كان يَ ْعمُرُ ما شـادَتْ أوائلـهُ
وأنت تَحْوي من الميراث ما تركوا ما كان في الحق أن تحوي فعالهمُ
ضنّجدْتُ على سهل بن هرون في بعض المر ،فهجوته ،فكتب إلي؛ أما بعد ،فالسلمُ على عهدك وداعَ ذي َ وقال محمد بن زياد الزيادي :و َ
ل لنا دَولة من بك ،في غير مَ ْقِليَة لك ،ول سَ ْلوَة عنك ،بل استسلم للبَلْوى في أمرك ،وإقْرَار بالمعجزة في استعطافك ،إلى أوان فيئك ،أو يجعل ا ّ
رجعتك ،والسلم.
وكتب في أسفل الكتاب :المنسرح:
عفوك مَأْوًى للفضل والمِـنَـنِ إن َتعْفُ عن عبدك المسيء ففي
171
فجُد بما تستحق مـن حـسـنِ أتيتُ ما استحـقّ مـن خَـطـإ
من عِظات الحسن البصري
وقال الحسن البصري ،رحمه الّ في يوم فطر وقد رأى الناسَ وهيآتِهم :إن ال تبارك وتعالى جعل رمضان مضماراً لخلْقِه ،يس َتبِقُون فيه
س َر فيه
ق قوم ففازوا ،وتخلف آخرون فخابُوا ،فالعجب من الضاحك اللعب في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ،ويخَ ْ بطاعته إلى َمرْضاته ،فسبَ َ
المبطلون ،أما وال لو كشف الغطاء لشغل محسن بإحسانه ومُسِيء بإساءته.
ن صومهم قد تُقُبل فما ونظر إلى قوم منصرفين من صلة الفِطْر يتدافعون ويتضاحكون ،فقال :ال المستعان! إن كان هؤلء قد تقرر عندهم أ ّ
هذا محل الشاكرين ،وإن علموا أنه لم يتقبّل فما هذا محل الخائبين.
وكان الحسن من الخطباء النّساك الفقهاء الجواد ،ويقال :إنه لم يكن تابعيّ أفضل منه.
حذَراً ،وأقلّهم ن من الحسن وَرَعاً ،وأشدّ الناس َ هذا قول أهل العراق جميعاً ،وأهل الحجاز يقدمون سعيد بن المسيب عليه ،وكان سعيدٌ أحْسَ َ
كلماً .وكان الحسن ل يدع أن يتكلّم بما َهجَس في نفسه ،وجَاش في صدره.
وعلى ذكر الحسن شهرَ رمضان نقول:
ألفاظ لهل العصر
في التهنئة بإقبال شهر رمضان
مع ما يتّصل بها من الدعية
لّ لك من َفضْلِه ،ووفّقك لفَ ْرضِه َونَقلِه .لقّاك الّ ما ترجو ،ورقاك إلى ما تحته لّ تعالى إليكَ سعادةَ إهلله ،وعَرّفك بركة كماله .قسم ا ُ ساق ا ُ
فيما تَتْلوه .جعل الَُ ما أظَلك من هذا الصوم مقروناً بأفضَلِ القبول ،مُ ْؤذِنًا بدَ ْركِ ال ُب ْغيَة ونُجْحِ المأمول ،ول أخْلَك من برّ مرفوع ،ودعاءً
ل تعالى بالقبول صيامَك ،وبعظيم ال َمثُوبة تهجدك وقيامك .عرَفك ال من بركاته ما يُرْبي على عدد الصائمين والقائمين ،ووفقك مسموع .قابَلَ ا ّ
عفَه بمنه لك ،ويجعله وسيلة بقبوله إلى مَرضاته عنك .أعاد الَُ إلى مولي أمثاله ،وتقبل لَ لتحصيل أجْرِ المتهجدين .أَسأل الّْ تعالى أن يضا ِ ا ُ
ل بهذا الشهر ،ووفاه فيه أجزل المَثُوبة والجر ،ووفر حظه من كل ما فيه أعماله ،وأصلح في الدين والدنيا أحواله ،وبلّغه منها آماله .أسعده ا ّ
ظفِر بأبعدها يرتفع من دُعاء الدَاعِين ،وينزل من ثواب العاملين ،وقبل مساعيه وزَكاها ،ورفع درجاته وأعلها ،وبَلغَه من المال ُمنْتهاها ،و َ
وأقصاها.
وقال الحسن :من أخلق المؤمن قو ٌة في دين ،وحَزمٌ في لين ،وحِرص على العلم ،وقناعة في فَقْر ،ورحمة للمَجهود ،وإعطاء في حق ،وبرٌ في
استقامة ،وفقه في يقين ،وكسب في حلل.
ل كذبته. وقال محمد بن سليمان لبي السماك :بلغني عنك شيء ،قال :ل أُباليه ،قال :ولمَ؟ قال :لنه إن كان حقّاً غفرته ،وإن كان باط ً
ص َبيْح المعروف بابن السماك ،خ ْيرُ الخوان أقلّهم مصانعة في النصيحة ،وخيرُ العمال أحلها عاقبة ،وخيرُ الثناء ما كان على وقال محمد بن ُ
أفواه الخيار ،وأشرف السلطان ما لم يخالطه البَطَر ،وأَغْنى الغنياء من لم يكن للحِرْص أسيراً ،وخير الخوان من لم يخاصم ،وخيرُ الخلق
أعونها على الورع ،وإنما يختبر ُودّ الرجال عند الفاقة والحاجة.
ث ُمغِيثٌ ،وبَحْرٌ زَخُور، غيْ ٌ
سهْل الخلق ،كريم الطِباعَ ، ل فقال :إنه بسيط الكفَ ،رحْب الصدْرِ ،موطّأ الكنافَ ، ووصف بعضُ البلغاء رج ً
غيْب ،وجميل سر ،تبهجك طَلَقتهُ، ستَ ْدبِ ُركَ بكرمِ َ عبُوس ،يستقبلك بطَلَقةٍ ،ويحييّك ببشْر ،ويَ ْ ضحُوك السنّ ،بشير ال َوجْهِ ،بادي القبول ،غير َ َ
عبْدٌ لضِيفانه ،غير ملحظ لكِيله ،بَطِينٌ من العقل ،خَميص من الجهل ،راجح الْحِلْم ،ثاقب الرّأي ،طيّب ضحّاكٌ على مائدتهَ ، ويرضيك بِشْرُهَ ،
ل َبذَل ،وإن قال فَعلَ. سئِ َ
ل ملمة ،إن ُ س من كل َمكْرُمة ،عا ٍر من ك ّ الخلق ،محصّن الضريبةِ ،معْطاء غير سائل ،كا ٍ
قال أبو الفتح كشاجم :الطويل:
خمْرِمن الرّيح والصافي الرقيق من ال َ مزاجك ِل ْلمَثْنى من العودِ والـصّـبـا
شحْـر ع ْنبَر ال َ ولو كنت طِيبًا كنت من َ فلو كنت وَرْداً كنت وَرْدًا مُضاعَـفـا
ولو كنت عوداً ما افتقَرتَ إلى َزمْـرٍ ولو كنت َلحْناً كنت تأْلـيف مَـعْـبَـدٍ
وقال أعرابي :الطويل:
جرِ حبّذا مَنْ باعكِ البُ ْر َد من تَ ْ ويا َ أل حَبذا البُ ْردُ الذي تَلْـبَـسِـينـهُ
ولو كنت درّا كنت من دُرّ ٍة ِبكْرِ فلو كنت ماءً كنت ما َء غـمـامةٍ
جرِ ولو كنت نَوْمًا كنت إغفاءةَ الفَ ْ ولو كنت َلهْوًا كنت َتعْلِيلَ سـاعةٍ
ش ْهرِ أو ليلةَ ال َقدْرِ نُحُوس َليَالي ال َ ل كنت َقمْرَاء جُنبـت ولو كنت َليْ ً
حمّن لرّحيم /بِسم الِ الر َ
نبذ من ألفاظ بلغاء أهل العصر
تجري في المدح مجرى المثال ،لحسن استعارتها ،وبراعة تشبيهاتها:
صدْر تَضِيق به الدَهْنَاء ،وتَفْزَع إليه الدَ ْهمَاء ،له في كل مكرمة غُزَه الصباح ،وفي كل حجْرَ الفضل ،له َ فلن مسترضَ ٌع َثدْيَ المجدُ ،م ْفتَرِشٌ ِ
لفْوَا َه بالتسبيح ،ويتَرقْ َرقُ فيها ماءُ الكرم ،وتقرأُ فيها صحيفةَ حُسْن البشر ،تحيا القلوب بلقائه ،قبل أن جنَاح ،له صورة تستنطق ا َ فضيلة قا ِدمَةُ الْ َ
حتَه ،وكفى كدورته .هو غذاءُ الحياة ،ونسيم العشق ،ومادّة ال َفضْل ،آراؤُه سكاكين في ُيمِيتَ ال َفقْ َر بعطائه ،له خُلقٌ لو مُزِج به البحرُ لنفى مُلُو َ
مفاصل ا ْلخُطوب ،له ِهمَةٌ تعزل السماكَ العْزَل ،وتج ّر َذيْلها على المجرّةِ ،هو راجحٌ في موازين ال َعقْل ،سابقٌ في ميادين الفَضْلِ ،يَ ْفتَرع أبكارَ
عيْنالمكارم ،ويَ ْرفَع َمنَارَ المحاسن ،ينابيع الجود تتفجر من أنامله ،وربيعُ السماء يَضْحَك من فَوَاضلِه .هو بيتُ القصيدة ،وأول ا ْلجَرِيدة ،و َ
غرّةحصْنُ المة .هو ُ الكتيبة ،وواسطة القِلَدة ،وإنسانُ الحدَقة ،ودُرّة التاج ،ونقش الفصّ! وهو مِلح الرض ،ودِرْع المِلّة ،ولسان الشريعة ،و ِ
شيَ ٌم تُشَام منها بَوَارِقُ المَجْد ،أرج الزمانُ بفَضْلِه ،وعَقمَ النسا ُء عن التيان بمثلِه. ن من الفَضْلِ ،و ِ الدّهر والزمان ،وناظر اليمان .له أخلقٌ خُلِقْ َ
سمْع ،يرى بأول عيْن ،وكأنَ جسمه َ ن قلبَه َ صبَاح ،كأ َ ل منه مبدو ٌء و ُمعَاد ،مَالُهُ للعُفَاةُ ،مبَاح ،وفعالُه في ظلمة الدهر مِ ْ ل لديه ُم ْعتَاد ،والفضْ ُ الجمي ُ
صدَف ،وياقوتة من يواقيت الحرار ،ل يواقيت الحجار ،طلعتُه للبشاشة عليها رَأْيه آخر المر ،جوهر من جواهر الشرف ل من جواهر ال ّ
ن يَصِل ببرّه ،قد ن من الدّهر .يصل ببشره ،قبل أ ْ ن بَشَرته نشر البِشْر ،ومواجهته أما ٌ سرَوَانيّة ،وفيها للطلقة روضة رَبيعية .وَجْهٌ كأ ّ ديباجة خُ ْ
172
سرّته ،في روضة وغدير ،وجنةٍ وحرير ،وهو بَحْ ٌر من العلم ممدود لحظت من وجهه النوار ،ومن َبنَانِه النوّار .أنا من كرم عشرته ،وطلقَة أ ِ
شجَرة ص الدب مائلً ،ولسانُ العلم قائلًَ . خ ُ بسبعة أبحر ،ويومُه من يوم الدب كعمر سبعة أنْسُر .العلم حَشْ ُو ثيابه ،والدب مِلْء إهَابه .هو شَ ْ
عقْل ،وعروقها سَرْوٌ ،تسقيها سماءُ الحريّةِ ،وتغذّيها أرضُ المروءة .هم ملح الرض إذا فسدت، فَضل عودها أدب ،وأغصانها عِلْم ،وثمرتها َ
ص النام ،وفرسان الكلم ،وفلسفة السلم .فلن غُصْنُ خرِبت ،ومعرض اليام إذا احتشدَتْ؛ وهم جمالُ اليام ،وخوا ّ وعمارةُ الرض إذا َ
حشَةِ إل الدفاتر ،ول جدِه نظير ،قد جمع ا ْلحِفظَ الغزير ،وال َفهْمَ الصحيح ،والدب القويّ القويم ،وما يُ ْؤنِسُه من الوَ ْ ط ْبعِهِ نَضير ،ليس له في مَ ْ َ
حدَةِ إل المحابر .فلن يحل دقائقَ الشكال ،ويُزِيل معترض الشكال .له خلْق كنسيم السْحَار ،على صفحات النوار .كالماء يَصْحَبه في الوَ ْ
صفَاءً ،والمسك ذكاءً .أخلق قد جمعت المروءةُ أطرا َفهَا ،وحرست الحرية أكْنافَها .أخلق تجمع الهواءَ المتفرقة على محبته ،وتؤلّف الراء َ
المتشتّتة على مودتِه .أخلق أعذبُ من ماء الغَمام ،وأحلى من رِيق النّحل ،وأطيب من زمان ال َورْد .أخلق أحسن من الدرّ والعِ ْقيَان ،في نحور
حسَان ،وَأذْكى من حركات الروحِ والرَيحان .فلنٌ يستحطّ القمر بطَ ْرفِه ،ويستنزل النّجم بُلطْفه .هو حُلْوُ ال َمذَاق ،سهل المَسَاغ .أجمل الناس الْ ِ
شرَة ماؤها جدّ ،وهَزْل كحديقة الوَ ْردِ .له عِ ْ جنُوب .ذو جِذ كعُلوّ ال َ ف مع القلوب ،كتص ُرفِ السحاب مع ال َ في جدّ ،وأَحلهم في هَزْل .يتصرَ ُ
ف من نسيم الشمال ،على أديم الزلل ،وألصقُ ط ُ يقطر ،وصَحْوُها من الغَضَارة يمطر .هو َريْحَانة على ال َقدَح ،وذريعة إلى الفَرَح .عشرته أل َ
ت فهو مدرعة راهب ،أو آثرت فهو نخبة شارب. سبْحَة ناسك ،أو أحببت فهو تُفَاحة فاتك ،أو اقترح َ بالقلب ،من علئق الحب .إذا أردت فهو ُ
حيّاه .قد انتشر من طيب أخباره ما زاد على المسك ال َفتِيق، أخباره زكية ،وآثاره ذَكية .أخباره تأتينا كما َوشَى بالمسك َريّاه ،ونَمّ على الصباح مُ َ
شدَخ في جبينها غُزَة الصباح ،وتتهادى أنباءها ُوفُودُ الرياح .فلن أخبارُه آثاره ،وعينه فراره ،قد حصل له وأَ ْوفَى على الزّهْر النِيق .مناقب تَ ْ
من حَميد الذكر ،وجميل النّشْرِ ،ما ل تزال الرواةُ تدرسه ،والتواريخ تحرسه .سألت عن أخباره فكأني حرّكت المسك فتيقاً ،أو صبّحت
خبَر ،قبل الثر ،وبالوصف قبل ال َكشْف .هو الروض أنيقاً .أخباره متضوعة كتضوّع المسك الذقر ،ومُشرقة إشراقَ الفجر النور .أح َببْتُه بال َ
عدّة صدَر .هو لخوانه ُ ع ْهدِه .هو كريم العهد ،صحيح العَقْد ،سليم الصّدر في الود ،حميد الورد فيه وال َ ن ودّه ،ويُحْصف ميثاق َ ممن يثقل ميزا ُ
شرْب الوَفاء ،حافظٌ على الغيب ما يحفظه على اللقاء .هو ممن ل تدومُ تشدّهم وتقويهم ،ونو ٌر يسعى بين أيديهم .هو ركن الخاء ،صَافي ِ
ت قَلْبه ،ول تحوم المُوَاربة على جنبات صدره .هو يَسْري إلى كرم العهد ،في ضياء من الرّشد .عهده نَقْش في صخْر، عرَصا ِ ال ُمدَاهنة في َ
ل من إخوانه العَفْوَ ،كما يوليهم من إحسانه الصّفْو .في ُودّه غِنى للطالب ،وكفاية للراغب ،ومَرَادٌ للصَحْبَ ،وزَادٌ وودّه نَسَب ملن من فخر .يقب ُ
ح معقودٌ في نواصي آرائه ،وال ُيمْنُ معتاد في مذاهب أنحائه .له الرّ ْأيُ للركب .هو في حَيلِ الوفاء حَاطِب ،وعلى فرض الخاء مواظب .النجْ ُ
سهْم أصاب غِرّة الهَدَفِ ،ودهاء كالبحر في ظهَر عوائده ،والتدبيرُ النافذ الذي َتنْجَ ُع َمبَاديه ،وتبهج تَوَاليه .رَأْيٌ كال ّ الثاقب الذي تَخْفَى مَكايده ،وتَ ْ
ف من مبادئ القوالِ ُبعْد الغَوْر وقرْب المغترف ،ل يضعُ رَأيه إل مواضع الصالة ،ول يصرف تدبيره إل على مواقع السداد والصابة .يعر ُ
خوا ِتمَ الفعال ،ومن صدور المور أعجاز ما في الصدور .رُؤْيته رَأْي صَلِيت ،وبديهته قدرٌ مصيب .يسافرُ َرأْيه وهو دَانٍ لم يبرح ،ويسير
ي ويُحيله ،ويجيد الفكر ويجيله ،حتى تدبيره وهو ثَاوٍ لم ينزح .له رأيٌ ل يخطئ شاكِلَةَ الصوابِ ،ول يخشى بادرة ال ِعثَار .فلن يخمّر الرأْ َ
يحصل على لب الصواب ،ومحض الرأي .إذا أذكى سراج الفكر ،أضاء ظلمَ المر ،هو قطب صَواب تَدو ُر به المور ،ومستنبط صلح يردُ
ب مُصَلّما ،والرمح مُقَلّماً .آراؤه سكاكين في مفاصل ط َي يردُ الْخَ ْ إليه التدبير .يرى العواقبَ في مِرْآة عقله ،وبصيرةِ ذكائه وفَضْله .وله رَ ْأ ٌ
ستْرٍ رقيق ،ويطالعه ب َعيْن السّداد والتوفيق .يستنبطُ حقائقَ القلوب ،ويستخرج ودائع الغيوب .قد الخطوب ،كأنه ينظرُ إلى الغيب من وراء ِ
سَ َر ْينَا من مشورته في ضياءٍ ساطع ،ومن رأيه الصائب في حُكم قاطع.مسك فتيقاً ،أو صبّحت الروض أنيقاً .أخباره متضوعة كتضوّع المسك
ع ْهدِه .هو ن ودّه ،ويُحْصف ميثاق َ خبَر ،قبل الثر ،وبالوصف قبل الكَشْف .هو ممن يثقل ميزا ُ الذقر ،ومُشرقة إشراقَ الفجر النور .أح َب ْبتُه بال َ
عدّة تشدّهم وتقويهم ،ونو ٌر يسعى بين أيديهم .هو ركن صدَر .هو لخوانه ُ كريم العهد ،صحيح العَقْد ،سليم الصّدر في الود ،حميد الورد فيه وال َ
ت قَلْبه ،ول تحوم المُوَاربة على عرَصا ِ شرْب الوَفاء ،حافظٌ على الغيب ما يحفظه على اللقاء .هو ممن ل تدومُ ال ُمدَاهنة في َ الخاء ،صَافي ِ
ل من إخوانه العَفْوَ ،كما جنبات صدره .هو يَسْري إلى كرم العهد ،في ضياء من الرّشد .عهده نَقْش في صخْر ،وودّه نَسَب ملن من فخر .يقب ُ
صحْبَ ،وزَادٌ للركب .هو في حَيلِ الوفاء حَاطِب ،وعلى فرض يوليهم من إحسانه الصّفْو .في ُودّه غِنى للطالب ،وكفاية للراغب ،ومَرَادٌ لل َ
ظهَر عوائده ،والتدبيرُ خفَى مَكايده ،وتَ ْ ن معتاد في مذاهب أنحائه .له الرّأْيُ الثاقب الذي تَ ْ ح معقودٌ في نواصي آرائه ،واليُمْ ُ الخاء مواظب .النجْ ُ
سهْم أصاب غِرّة الهَدَفِ ،ودهاء كالبحر في ُبعْد الغَوْر وقرْب المغترف ،ل يضعُ رَأيه إل النافذ الذي َتنْجَ ُع َمبَاديه ،وتبهج تَوَاليه .رَأْيٌ كال ّ
ف من مبادئ القوالِ خواتِ َم الفعال ،ومن صدور المور أعجاز ما مواضع الصالة ،ول يصرف تدبيره إل على مواقع السداد والصابة .يعر ُ
في الصدور .رُؤْيته رَأْي صَلِيت ،وبديهته قدرٌ مصيب .يسافرُ َرأْيه وهو دَانٍ لم يبرح ،ويسير تدبيره وهو ثَاوٍ لم ينزح .له رأيٌ ل يخطئ شاكِلَةَ
ي ويُحيله ،ويجيد الفكر ويجيله ،حتى يحصل على لب الصواب ،ومحض الرأي .إذا أذكى الصوابِ ،ول يخشى بادرة ال ِعثَار .فلن يخمّر الر ْأ َ
سراج الفكر ،أضاء ظلمَ المر ،هو قطب صَواب تَدو ُر به المور ،ومستنبط صلح يردُ إليه التدبير .يرى العواقبَ في مِرْآة عقله ،وبصيرةِ
ستْرٍ رقيق، ب مُصَلّما ،والرمح مُقَلّماً .آراؤه سكاكين في مفاصل الخطوب ،كأنه ينظرُ إلى الغيب من وراء ِ خطْ َي يردُ الْ َذكائه و َفضْله .وله َرأْ ٌ
ويطالعه ب َعيْن السّداد والتوفيق .يستنبطُ حقائقَ القلوب ،ويستخرج ودائع الغيوب .قد سَ َر ْينَا من مشورته في ضياءٍ ساطع ،ومن رأيه الصائب في
حُكم قاطع.
شدَتي،
وقيل لبعض الملوك ،وقد بلغ في القدر ما لم يبلغه أحد من ملوكِ زمانه :ما الذي بلغ بكَ هذه المنزلة؟ قال :عَفْوي عند قدرتي ،وليني عند ِ
و َبذْلي النصاف ولو من نفسي ،وإبقائي في الحب والبغض مكانًا لموضع الستبدال.
ستَوْلينَ عليك بغضه ،واجعلهما ش ْدنِي لَحزم أَمري .قال :ل تملنّ قلبك من محبّةِ الشيء ،ول يَ ْ وقال السكندر لحد الحكماء ،وأراد سفراً :أَر ِ
ت ذلكسمِيرَك التيقّظ ،ول تُ ْقدِم إل بعد المشورة؛ فإنها ِنعْمَ الدليل ،فإذا فعل َ
سمِه ينزع ويرجع ،واجعل وزِيرَك التثبت ،و َ ب كا ْ
قَصْداً؛ فإن القل َ
ملكت قلوب رعيتِك.
وقيل لبعض الحكماء :ما الحزم؟ قال :سوء الظن .قيل :فما الصواب؟ قال :المشورة .قيل :فما الرأْيُ الذي يجمعُ القلوبَ على المودّة؟ قال :كفٌ
بَذُول ،وبشر جميل .قيل :فما الحتياط؟ قال :القتصاد في الحبّ والبغض.
حزْم؟ قال :انتهازُ ال ُفرْصَة .قيل :فما الحلمُ؟ قال :العفوُ عند المقدرة .قيل :فما وسُئل بزرجمهر :ما المروءةُ؟ قال :تَ ْركُ ما ل يعني .قيل :فما ال َ
الشدة؟ قال :ملك الغضب .قيل :فما الخُرْق؟ قال :حب ُمغْرِق؛ وبغض ُمفْرِط.
173
قال معاوية ،رضي ال عنه ،لزياد حين ولّه العراق :يا زياد ،ليكن حبّك وبغضك قَصْداً؛ فإن ال َعثْرة فيهما كامنة ،واجعل للنزوع والرجوع بقيّة
من قلبك ،واحذَرْ صَوْلَة النهماك ،فإنها تؤدي إلى الهلك.
ومن كلم بلغاء أهل العصر
في ذكر السلطان
حتْمٌ على منْ ألقَى ن فَرضٌ َوكِيد ،و َ جنَان .تهب السلطا ِ أبو القاسم الصاحب :مَرْضاة السلطان ،ل تغلو بشيء من الثمان ،ول ِب َبذْلِ الروح وال َ
السمعَ وهو شهيد.
حدَة ،ول يستغني عن ق باصطفاءِ رجاله منه باصطفاء أمواله؛ لنه مع اتساع المر وجَللة القَدر ل يكتَفِي بال َو ْ أبو إسحاق الصابِي :المَلِك أح ّ
جنُوبِ ،كعنايته بفرسِه المركوب. ال َكثْرَة؛ ومثله في ذلك مثل المسافرِ في الطريق البعيد الذي يجب أن تكونَ عنايته بفرسه المَ ْ
حتْه ال َفدَامَة،
فصل للصابي :الملك بمن غلط من أ ْتبَاعِه فاتّعظ أشدّ انتفاعًا منه بمن لم يغلط ولم يتّعظ؛ فالول كالقارح الذي أدّ َبتْه الغُرّة ،وأصل َ
جذَع ال ُم َتهَوّك الذي هو راكب لل ِغرّة وراكن إلى السلمة. والثاني كال َ
وقيل :إن العظم إذا جبر من كَسره عاد صاحبُه أشدّ بطشاً وأقوى أيداً.
أبو بكر الخوارزمي :ل صغي َر مع الولية والعِمالة ،كما ل كبي َر مع العُطلة والبَطَالة؛ وإنما الوليةُ أنثى تصغر وتكبر بواليها ،ومطيّة تحسن
صدْر لمن يليه ،والدّست لمن جلس فيه ،والعمال بالعمّال ،كما أنّ النساء بالرجال. وتقبح بمُ ْمتَطيها ،وال ّ
حزْ ٌم وتدبير ،ومكاشفته غُرور و َتغْرير. ل عثَ َر فيه .قليلُ السلطان كثير ،و ُمدَارَاتُه َ ن وليةَ المرء ثوبُه؛ فإن قصُر عَرِي منه ،وإنْ طَا َ فصل له :إ ّ
أبو الفتح البستي :أجهلُ الناس مَنْ كان على السلطان مُ ِدلّ ،وللخوان ُم ِذلّ.
ل البقاء على ماله ،والشفاقُ على حاشيته وحشمه مثل الشفاق على ديناره عدْ ُ
عمّاله َ
أبو الفضل ابن العميد :البقاءُ على حَشَم السلطان و ُ
ودرهمه.
وله من رسالة طويلة ،جواب لبي شجاع عضد الدولة عن كتاب اقتضاه فيه صدْرَ كتاب ال أبو الحسن الصوفي في نوع من علوم الهيئة:
جدّه ،على ما وهب لنا معاش َر عبيدِه وخدمه خاصة ،بل لرعاياه عامّة ،بل لهل الرض كافة ،من عظيم النعمة أنا أقدم الجابة بحمد ال تعالى َ
ل َمذْخُورة عليه ،حتى صارت إليه ،وساهمناه في بمكانِه ،وجسيم الموهبة بإنفاق أعمارِنا في زمانه ،حتى شار ْكنَاهُ في أَسباب السعادة التي لم تَز ْ
شبَه شيءٍ بزمانه ،وصفات كل زمانٍ منتَسخة من سجايا سُلْطَانه؛ فإن َفضَلَ مواد الفضيلةِ التي لم تَ َزلْ محفوظةً له حتى ا َتصَلَت به؛ فإنّ المرءَ أَ ْ
ب بأحسن زينته ،وكسا َبنِيه والناشئين فيه بشرفِ جَوْهرَهِ، حلْيته ،وتجلى للعيونِ والقلو ِ شاعَ الفضلُ في الزمان وأهله ،وتحلَى الدَهرُ بأفضلِ ِ
وأَورثهم َنيْلَ فضله ،وعزَ العِلم وأهله ،وعرف لمقتبسه َقدْرَه ،وتوجّهت الذهانُ نحوه ،وتعلَقت الخواط ُر به ،وصرفت الفكر فيه ،ونشدت
ن عائدته ،فحرصت عليه ،وصرفَتْ نظرَها إليه ،وأيقنت في شتَاته ،وجمعت َأفْرَادهُ ،ووثِقَتْ نفوسُ الساعين في استفادته بحُسْ ِ ضَوَالّه ،ونظم أَ ْ
بضاعتها بالنَفاق ،وفي تجارتها بالِ ْرفَاق ،فصار ذلك إلى نَمَاء العلوم وزيادتها داعية ،ولتكثير قليلها وإيضاح مجهولها سبباً وعلّةً ،وإلى
انخراط جواهرها المتفرقة في سلوك التصنيف سبيلً ،وإلى تقييد شواردِها بعُقُل التأليف طريقاً .وإن رَذل السلطان ا ّت ِبعَت الرذيلةُ اتباعاً،
ل ِبجِرَانِه، ضيَاعاً ،وبطلت القدارُ والقيم ،وسِلبَت الخطار والهِمم ،وزال العلم والتعلم ،ودَرَس الفهْمُ والتفهم ،وض َربَ الجه ُ وذَهبتِ الفضائلُ َ
ووطئ بمنسمه ،واس َتعْلَى الخمولُ على النباهة ،واستولى الباطلُ على الحقّ ،وصا َر الدبُ وبالً على صاحبه ،والعل ُم نكَالً على حامله.
ن هذه صورتُهَ ،تعْظُ ُم النعمة بمُ ْلكِ سلطانٍ عالمٍ ،كالمير الجليل عضد الدولة ،أَطال الُ وبحسب عظيم المحنة بمن هذه صِ َفتُه ،والبلوى م َع مَ ْ
تعالى بقاءه ،وأدام ُقدْرَته ،الذي أَحله ال عزَ وجل من الفضائل بملتقى طُرُقها ومج َتمَع فرقها ،فهي نَوَا ُد ممن لقت حتى تَصيرَ إليه ،وشوا ِردُ
نوازعُ حيث حلَت حتى تق َع عليه ،تتلفت تلفتَ الرامِقِ ،وتتشوّفُ إليه تشوفَ الصب العاشقِ ،قد ملكها أنّى توجهت وحشة المضاع وحَيرة
المرتاع :الطويل:
لنَسِ المَحلُ فكالوحش يُ ْدنِيها من ا َ فإن تَغشَ قوماً غيره َأ ْو تَزُرْهُـمُ
حتى إذا قابلته أسرعت إليه إسراعَ السيل ينصَب في الحدور ،والطير َينْقَضُ إلى الوكور.
وقال أبو الطيب المتنبي :المنسرح:
عهْداً بها القدَمُ حدَثُ شيءٍ َ َأ ْ ف ب َدمْعكَ ال ِهمَـمُ
حقّ عا ٍ أَ َ
عجَـمُ ب مُلُو ُكهَا َ
عرْ ٌ تُ ْفلِحُ ُ وإنما الناسُ بالملوكِ ،وَمـا
عهُودٌ َلهُـم ول ِذمَـم ول ُ حسَـبٌ ل أدبٌ عندهُمْ ول َ
تُرْعَى ب َع ْبدٍ كأنها غَـنَـمُ طئْتُهـا ُأمَـمٌ
بكل أرضٍ و ِ
وكان يُبْرَى بظُفْرِه ال َقلَـمُ يستَخْشِنُ الخَ َز حين يَ ْلمُسُـهُ
ح بن أبرد ،زائرًا لعبد الواحد بن سليمان ،وهو أميرُ المدينة ،فكان عنده ليلةً في سُماره؛ فقال ن ميادة ،واسمه ال َرّمّا ُ وقال الزبير بن بكارَ :قدِم اب ُ
عبدُ الواحد لصحابه :إني لهم أن أتزوج فا ْبغُوني أيماً ،قال ابن ميادة :أنا -أصلحك ال -أدلُك ،قال :على مَن ،يا أبا بشر ،نَميل؟ قال :قدمت
طرٍ حتى وقفت عليك أيها المير ،فلما قدمت ألفيتُ المسجد وإذا أشبه شي ٍء به وبمن فيه الجنة ومَنْ فيها ،فبينا أنا أمشي إذ قادتني رائحةُ رجلٍ ع ِ
عليه ،فلما وقع بصري عليه استَلهَى حُسْنه ناظري ،فما أقلعت ناظري حتى تكلَم فما زال يتكلَم كأنما يَنثر دُرًا ،ويتلو زَبوراً ،ويدرس إنجيلً،
ت أنه من الحسن بمكانةٍ، خبِرْ ُ ويقرأ فُرْقاناً ،حتى سكت ،فلول معرفتي بالمير ما شككت أنه هو ،ثم خرج من مُصَلّه إلى داره ،فسألت عنه ،فأُ ْ
ت أنْتَ وهو على ولدٍ ساد العبادَ ،وجابَ وأنه للخليفتين ،وأنه قد ناَلتْه ولدَ ٌة من رسول ال صلى ال عليه وسلم ،لها ساطع من غُ ّرتِه؛ فإن اجتمع َ
ذِكْرُه البلد.
فلما قضى ابنُ ميادة كلمه قال عبد الواحد ومَن حضر :ذلك محمد بن عبد ال بن عمرو بن عثمان ،رضي ال تعالى عنه ،لفاطمة بنت الحسين
بن علي ،رضي ال عنهم.
وقال ابن ميادة :الطويل:
ل فهو مُقَسَـمُ
وكل قضاء ا ِ لهم سيرة لم ُيعْطِها الُ غيرَهم
هذا في تقابل نسبه ،وكمال منصبه ،كقول عُ َويْفِ القوافي في طلحة بن عبد ال الزهري :الطويل:
174
ويُدعى ابن عوفٍ للندى فـيجـي ُ
ب ل حين يُدعَون لـلـنـدى يُصَمُ رِجا ٌ
إلى المجد يحْوي المجدَ وَه َو قَرِيبُ وذاك امرؤ من أي عِطفَيه يَلتفِـتْ
وعبد الواحد بن سليمان هذا هو الذي يقول فيه القطامي :البسيط:
طولَ السّفار وأ ْفنَى ِنيّها الرّحـل أقولَ للحَ ْرفِ َلمّا أنْ ش َكتْ أصلً
فقد َيهُونُ على المستنجح العملُ إن ترجعي من أبي عثمان منجِحَةً
عبْدَ الـواحـد الجَـل إذا تخطأ َ أهل المدينة ل يحزنك شأنـهـمُ
ومن قول القطامي :إن ترجعي من أبي عثمان منجحة أخذ الخر قوله :الطويل:
فأنجح لم يثقلْ علـيه عـنـاؤهُ إذا ما َتعَنّى المرءُ في إثر حاجةٍ
وهو عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك بن مروان،قال الكلبي :هو عبد الواحد ابن الحارث بن الحكم بن أبي العاص بن أمية ،والول قول
ابن السكيت.
والقصيدة التي منها هذه البيات من أجْ َودِ قوله ،وفيها يقول ممّا يتمثّل به :البسيط:
عيْنٌ ول حال إل سوف يَنتقلُ َ ش إل ما تَقَ ّر به
عيْ َ شل َ والعي ُ
لمّ المخطئ ال َهبَلُ ش َتهِي و ُ ما يَ ْ س مَنْ يَ ْلقَ خيراً قائلون لهُ والنا ُ
وقد يكونُ مع المستعجل الزَّللُ قد ُيدْ ِركُ المتأني بعضَ حاجتِه
قوله :والناس مَنْ يَلْقَ خيراً قائلون له مأخوذٌ من قول المرقش :الطويل:
ي لئما ن َيغْ َو ل يعدَمْ على الغ ّ ومَ ْ س أ ْمرَهُ ن يَلْقَ خيرًا يحمدُ النا ُ ومَ ْ
ل من ل من َمقَاوِيل العرب ،غير أنّ رج ً وقال عمرو بن سعيد للخطل :أيس ُركَ أن لك بشعرك شعراً؟ قال :ل ،ما يسرُني أن لي بقولي مق َو ً
سدْتُه عليها ،وايم ال ،إنه ل ُمغْدِف القناع ،ضيّق الذراع ،قليل السماع ،قال :ومَنْ هُو؟ قال :القُطامي ،قال :وما هذه البيات؟ قومي قال أبياتاً ح َ
ل من هذه القصيدة :البسيط: ف إب ًفأنشد له يَصِ ُ
عجَا ِز تثكِلُ ول الصدورُ عَلَى الَ ْ يمشين رَهْوًا فل العْجَازُ خاذِلة
ل معـتـدلُ وَالرّيح سَا ِكنَة والظ ّ فهن معترِضات وَالْحَصا َرمِضٌ
مجنُونة أو تَرَى ما ل تَرَى البلُ يتبعن سَاميةَ ال َع ْينَيْنِ تحسـبـهـا
بين اللفظ واللحن
ب إذا تكلمت ،فكيف إذا ترنّمت!. طرِ ُقال أبو العتاهية لمخارق :أنت بنغمِ ألفاظك دون َنغَمِ ألحانك ،تُ ْ
سمُ لو كانَ الكلمُ طعاماً ،لكان غناؤك له إداما. وقال له يوماً :يا حكيم هذه القاليم ،اص ُببْ في هذه الذان من جيدِ تلك اللحان ،فُأقْ ِ
قال إسحاقُ بن إبراهيم الموصلي :دخلتُ على المعتصم يوماً وقد خلَ ،وعنده جاري ٌة ُت َغنّيه ،وكان معجَباً بها ،فلما جلست قال لي :يا أبا إسحاق،
حذْق ،وتختله برِفق ،ول تخرج من حَسَن إل إلى أحسن منه ،وفي حلقها شذو ُر َنغَم أحسنُ كيف تَراها؟ فقلت :يا أمي َر المؤمنين ،أراها تقهره ب ِ
ص َفتَك هذه لو سمعها مَنْ لم يَرَها لفقد ت المل ،و ُمنْسِيات الجل ،والسقم الداخل ،والشغْل الشاغل ،وإن ِ من دوام النعم ،قال :يا إسحاق ،هي غايا ُ
حبَه.
ُلبّه ،و َقضَى نَ ْ
سئِل إسحاق عن المُجِيد من المغنين ،فقال :مَنْ َلطُفَ في اختلسه ،وتمكّن من أنفاسه ،وتفرّع في أجناسه ،يكادُ َيعْ ِرفُ ضمائ َر مُجَالِسِيه، وُ
ع مسمع كلّ واحد منهم بالنحو الذي يُوافِقُ هواه ،ويُطَابِقُ معناه. ت ُمعَاشِرِيه ،يَقْ َر ُ
وشهوا ِ
حدّث عن نفسه فقال :كنت أيام الرشيد عتِه حُسْنَ التصرف في العلوم ،وجَ ْودَةَ الصنعة للشعر ،و َ ح ْذقِه بصنا َ ق بن إبراهيم قد جمع إلى ِ وكان إسحا ُ
شهَيد؛ فتُطَا ِرحُني صوتين ،ثم أَصِير إلى زلزل الضارب فآخذُ منه طريقين ،ثم أُبكّر إلى ُهشَيم ووكيع فأسم ُع منهما ،ثم أنصرف إلى عاتكة بنت ُ
أسير إلى منزلي فأبعث إلى أبي عبيدة والصمعي ،فل يَزَالنِ عندي إلى الظهر ،ثم أذهبُ إلى الخليفة.
ونزل أبوه بالموصل وليس من أهلها فنُسِب إليها ،وهو مولى خزيمة بن خازم التميمي ،وفي ذلك يقول إسحاق :الطويل:
وقام ِبنَصْرِي خَازِمٌ وابنُ خَازِمِ إذا مضرُ الحمراء كانت أَرُومَتِي
َبنَانِي الثريّا قاعداً غَـيْ َر قَـائِمِ ستُ بَأنْفِي شامخًا و َتنَاوَلَـتْ عَطَ ْ
وفيه يقول محمد بن عامر الجرجاني يرثيه :الطويل:
ببغدادَ لمـا صـدّ عَـنْـه عـوائدُهْ على الجدَثِ الشرقيّ عُوجَا فسلـمـا
ت مرمًى ليس يصدر وا ِردُهْ بكَ المو ُ أإسحاق ،ل تبعد ،وإن كان َقدْ َرمَـى
مِن الدين والدنـيا فـإنـك وَاجِـدُهْ ل مُـنْـفـسـاً متى تأتِهِ يوماً تحـاو ُ
حوَاشِيه وطابَتْ مشـاهِـدُه ورفّتْ َ إذا هزل اخضرّتْ فروعُ حَـدِيثـه
ل تـلـينَ شَــدا ِئدُه مخـارجـه أ ّ جدّ كان القولُ جِداً وأقسـمـت وإنْ َ
ي بعد إيقاعه بالخرميّة :الطويل: ومن جيد شعر إسحاق قصيدته في إسحاق بن إبراهيم المصعَب ّ
ف مِنْ أَهْلٍ الصفاء غليلَ ولم يُشْ َ تَقَضّتْ لبـانـاتٌ َوجَـدّ رَحِـيل
ق تَـسِـيلُ وفاضت عيونٌ للفرا ِ و ُمدّت أكفّ للوداع فصافَـحَـتْ
ل بَانَ عنـه خَـلِـيلُ إذا ما خَلِي ٌ عبْـرَةٍ
للّف مِن َفيْضِ َ ول بدّ ل ُ
س ل يُودَى لـهـن قَـتـيلُ أوَانِ ُ فكم مِن دمٍ طُل يوم تحـمّـلـت
جدَى عَلَي عَـوِيلُ وأعولْتُ لو أَ ْ جعَلْتُ الصبرَ شيئاً نسـ ْيتُـهُ غداة َ
هَوًى ِمنْهُ بادٍ ظاهـ ٌر ودَخِـيل س ِمنْهَا نظرةً هَاجَ لي بها ولم أن َ
دَعَاهَا إلى ظلّ ال ِكنَاس مَـقِـيلُ كما نظَرَتْ حَوْرَاءُ في ظلّ سِدرةٍ
175
عتَاق نَمَاهَـا شـدقَـمٌ وجَـدِي ُ
ل ِ فل وَصْلَ إل أن تـلفـاه أَينُـقٌ
طوى البعدَ منها هـز ٌة و َذمِـيلُ إذا قلبت أجفانـهـا بـتَـنُـوفةٍ
فليس له عـنـد المـام عَـدِيلُ ق بـنُـصْـح أمـيرِه تفرَد إسحا ٌ
ب به َيعْلُو الرجـالَ أَصِـيلُ َولُ ٌ يفرج عنه الشك صدْقُ عَـزِيمةٍ
ت عنه العيون صقـيلُ حسامٌ جََل ْ أغرّ نجـيبُ الـوالـدين كـأنـهُ
وجوهكُم للـنـاظـرين دَلِـيلُ ج ِد فيكم إذا بدتْ صعَبٍ ،للمَ ْ بني ُم ْ
ول منكُم عند العطـا ِء بَـخـيلُ جبَانٌ لَدى الوغى كرُمتم فما فيكم َ
ثناءٌ بأَفواهِ الـرجـالِ جَـمِـيلُ حسْنِ الثناء َفرَاقـكـم غَلبتم على ُ
فإن الذي يستكـثـرون قَـلِـيلُ ت فيكُـم إذا استكثر العداء ما قل ُ
وهذا نمط الحذاق الفحول ،وقال :الطويل:
جشَمها زمّـيْلةٌ غَـير صَـا ِر ِم
ِليَ ْ غبْرَاء لـم يكـن ومَدرَجةٍ للريح َ
وتقطَ ُع أنفاسَ الرياحِ النّـواسِـم يَضِلّ بها الساري وإنْ كان هادياً
بعيد ِة ما بين العرى والمَحـازِم جوْزَها بـشَـمِـلّة ت أ ْبرِي َ تعسَفْ ُ
نجومٌ هوَتْ إحدى الليالي العواتِم شرَار المَ ْر ِو من َن ْبذِهـا بِـهِ كأن َ
دياجِيره عنهم رؤوس المعـالـمِ ل فغـيبـتْ ضمّها والس ْفرَ لي ٌ إذا َ
ليهديَهم َقدْحُ الحَصَى بالمَنـاسِـمِ تنادَوْا فصاروا تحت أكنافِ َرحْلِها
وقال :الطويل:
ن تَبِـين الـركـائ ُ
ب ولم يبقَ إل أ ْ ولما رَأيْنَ البَـيْنَ قـد جـدّ جِـدّه
فردّتْ علينا أعـينٌ وحـواجـبُ دنَ ْونَا فسلمنا سلمًا مُـخـالـسـاً
إذا غفلت عنا العيونُ الـرواقـبُ تصدّ بل ُبغْضٍ ونخلـس لـمـحةً
كما ذِيدَ عن وِردِ الحِياض الغَرَائ ُ
ب نذَاد إذا حُمنا لـنـشـفـيَ غـلةً
وما أحسن ما قال أبو العباس الناشئ في هذا المعنى :الطويل:
ن منّا بانقطاع المطـالـبِ وأيقَ ّ ولما رأين البين ُزمّت رِكـابـهُ
فعُجْنَ علينا من صدور الركائبٍ طلبن على الرّكبِ المجدين عِلَةَ
ج ْمنَها بالحـواجـبِ
عَلنا كتُباٌ أ ْ فلما تل َقيْنا كـتـبْـنَ بـأَعْـيُنٍ
حِذار العادي با ْزوِرَارِ المناكبِ فلمّا قرأناهُنّ سِرّا طـو ْينَـهـا
وقال إسحاق :الطويل:
ِلَلمْحَةِ طَ ْرفٍ أو لِكسرَةِ حَاجِـب أل مَنْ لقـلـبٍ ل يزالُ َرمِـيّة
فتُور الخطا عن وَا ِردَات الذوَائبِ خمُر اللتي تساقط لـوثـهـا ولل ُ
وصف الذوائب
وعلى ذكر الذوائب قال ابن المعتز :الطويل:
شَبـيهَةَ خـ ّد ْيهَـا بـغـــيرِ رقـــي ِ
ب س َقتْنِيَ في ليل شبيه بشعرها
َوخَـمْـ َريْنِ مـن راحٍ وخَـدّ ِحـبـــيبِ فأمسيت في ليلين بـالـشَـعْـرِ والـدّجـى
وقال بكر بن النطاح :الكامل:
جثْلٌ َأسْحَـمُ
ب فيه وَهْوَ َوتغي ُ بيضا ُء تسحب من قيام شعرَها
ل عليها مـظـلِـمُ وكأنه لي ٌ فكأنها فيه نهارٌ مـبـصـرٌ
وقال المتنبي :الكامل:
في ليل ًة فَأَ َرتْ لياليَ أَ ْربَـعـا ب من شعْرِها نَشَرَتْ ثلثَ ذوائ ٍ
ت َمعَافأَ َر ْتنِيَ ال َقمَ َريْنِ في وق ٍ ت َقمَرَ السما ِء بوجههـا واستقبلَ ْ
وقال ابن الرومي :المنسرح:
شاه إذا اختال مُسْبلً غُـدُرَهْ وفاحـمٍ واردٍ ُيقَـبّـل مَـمْ
حدِرًا ل يُرَام ُمنْـحَـدَرَهْ
من َ أ ْقبَلَ كالليلِ في مـفـارقـهِ
عفَـرَهْل مَوْطئ َ يَ ْلثَم من ك ّ حتى تناهَى إلى مـواطـئِه
ن حبيبه وَطَرَهْ حتى قضى مِ ْ ق دَنَـا شـغـفـاً شٌكأنهُ عا ِ
بيضاءَ للناظرين مُقْـتَـدِرَهْ ُيغْشي غَوَاشِي قرون ِه َقدَمـاً
غمَام وحاسرٍ حَـسَـرَهْ بعد َ مثل الثريّا إذا بَدَتْ سـحَـراً
أخذه بعض أهل العصر -وهو محمد بن مطران -فقال :الطويل:
كما قد أعارَتهَا العيونَ الـجـآذِرُ ن مَشيهـا ظبَاءٌ أَعارتها الظّبا حُس َ ِ
مواطئ من أقدامهـن الـغـدائرُ ن ذاك المشي قامت فقبّلت فمِنْ حُسْ ِ
وقال مسلم بن الوليد :الطويل:
176
ن دُجَاهَا من قرونك ُينْشَ ُر
كأ ّ أجدّك هل تدرينَ أنْ ُربّ ليل ٍة
جعْفَر
كغُرّ ِة يَحيى حين ُيذْكر َ ت ِبغُـرّةٍ
صبْت لها حتى تجلَ ْ نَ َ
القصيدة والنسان
ل بعضِ أعضائه ببعض؛ فمتى أنفصلَ واحدٌ عن الخر وبَا َينَهُ في صحّة التركيب ،غادر قال الحاتمي :مثلُ القصيدةِ مثلُ النسان في اتّصَا ِ
ق المتقدّمين وأربابَ الصناع ِة من المحدَثين يحترسون في مثل هذا الحال حذّا َ
ن محاسنَه ،و ُتعَفي معاِلمَه؟ وقد وجدت ُ الجسمَ ذا عاهَةٍ تتخوّ ُ
احتراسًا يجنّبهم شوائبَ النقصان ،ويقفُ بهم على محَجّةِ الحسان ،حتى يق َع التّصالُ ،ويُ ْؤمَن النفصال ،وت ْأتِي القصيدةُ في َتنَاسُب صدورها
ص به المحدَثون؛ طبَة الموجَزَة ،ل ينفصلُ جز ٌء منها عن جزء ،وهذا مذهبٌ اخت ّ خ ْ
وأعجازها وانتظام نسيبها بمديحها كالرسالة البليغة ،وال ُ
سمَهُ؛ فأمّا الفحول الوائل، طفِ أفكارِهم ،واعتمادهم البديع وأفانينه في أشعارهم ،وكأنه مذهبٌ سهّلوا حَ ْزنَهُ ،ونهجوا رَ ْ لتوقّد خواطرهم ،ولُ ْ
ف ناقتِه بالعِتق ،والنّجَابة والنجاء،
ن تَلَهُ ْم منَ المخضرمين والسلميين فمذهبُهم المتَعالم عدذ عن كذا إلى كذا و ُقصَارَه كلّ واح ٍد منهم وَصْ ُ ومَ ْ
ض لم يتعمّده إل أن طبعه السليم ،وصِراطه في وأنه امتَطاها؛ فادّرع عليها جِ ْلبَابَ اللّيل؛ وربما اتّفق لحدِهم معنى لطيف يتخلّص به إلى غر ٍ
الشعر المستقيم ،نصبا َمنَارَه وأوقدا باليفاع نارَه؛ فمن أحسن تخلّص شاعر إلى معتمده قولُ النابغة الذبياني :الطويل:
ل ودامـعُ
على النّحْرِ ،منها مستهـ ّ فكَ ْفكَ ْفتُ منّي عَبـ َر ًة فَـ َر َددْتُـهـا
وقلتُ :أَلمّا َأصْحُ والـشـيبُ وَازعُ صبَا
على حينَ عاتبْتُ المشيبَ على ال ّ
مكان الشّغافَِ ،ت ْبتَغِيه الَصاب ُع وقد حالَ هَم ،دونَ ذِلكَ ،شاغِلٌ
أتاني ودوني راكِسٌ فالضّواجعُ وعيدُ أبي قابوسَ في غير ُك ْنهِه
وهذا كلم متناسخ ،تقضي أوائلُه أَواخره ،ول يتميّز منه شيء عن شيء :الطويل:
ك منها المسامِع س َت ّ
وتِلك التي تَ ْ ت اللعن ،أنك ُلمْتَنـي أتاني ،أبي َ
وذلك من تِلْقَاءِ مثـلـك رائعُ مقالة أن قد قلتَ سوف أنالـه
ولو توصَل إلى ذلك بعضُ الشعراء المحدثين الذين واصلوا تفتيش المعاني ،وفتحوا أبواب البديع ،واجتنوْا ثم َر الداب ،وفتَحُوا زَهْرَ الكلم
ف من قليب قَ ْلبِه ،ويستمدّ عفوَ هاجسه.ل َبدَوِي إنما يغتر ُ لكان معجزاً عجباً ،فكيف بجاه ٍ
وقال عليّ بن هارون المنجم عن أبيه :لم يتوصل أحدٌ إلى مدح بمثل قول ابن وهيب :الكامل:
و ُيعِلُني البريقُ وال َقدَحُ ما زال يُ ْلثِ ُمنِي مراشفـهُ
و َبدَا خِلَلَ سوادِهِ وَضَحُ حتى استرد الليل خل َعتَهُ
ن ُيمْتَدحُوَجهُ الخليفة حي َ وبَدا الصباحُ كأن غُرّتهُ
وقال علي بن الجهم :البسيط:
ت ِقنَاعَ الدُجى في كلّ أُخدودِ ألقَ ْ وليلةٍ كحّلتْ بالنّقْس مُقلـتَـهـا
ن دَاوُد سنَا َوجْهِ ابـ ِ لول اقتباس َ قد كاد ُيغْ ِرقُني أمواجُ ظُ ْلمَتهـا
صبَغ الحصَى بمِدَادِ.
قوله :كحلَتْ بالنفْس مقلتها مأخوذ من قول أعرابي :والليل .قد َ
وقد أخذ هذا أبو نواس فقال :الوافر:
ل ُمكْتَـحِـلٌ بـقَـارِ وجَفْنُ اللي ِ صرْتَ إلى حَرِيمي َأبِنْ لي كيف ِ
وقد أخذ هذا أبو تمام فقال :الطويل:
ت من ُه البلدُ بإ ِث ِمدِ قد اكتحلَ ْ جنْحَ ليل كأنـهُ إليك َهتَكنَا ُ
وقد أَخذ لفظَ الَعرابي المتقدم أبو نواس فقال :الرجز:
ح ينفيه عن البـلدِ صبْ ُ
وال ُ وقد أَغتدي والليلُ كالمِـدَادِ
طرد المشيبِ حاِلكَ السّوادِ
وإنما نظرَ في هذا إلى قول العرابي :البسيط:
إلى الغروب :تأمَل نظرةً حارِ ل قد مالَـتْ أواخِـرُه أقول واللي ُ
أم وجْه ُنعْ ِم بَدا لي أم سَنا نَارِ؟ ألمحه من سنَا بَ ْرقٍ رأَى بصري
حجّابٍ وأَسْـتَـارِ فلحَ ما بين ُ ل ُم ْعتَكِـر بل وجْ ُه ُنعْ ٍم بَدا واللي ُ
ومن بديع الخروج قول علي بن الجهم وذكر سحابةَ :الطويل:
شغَلْت بها عيناً طويلً هجوهُـا وساري ٍة تَ ْزدَارُ أرضًا بِجَ ْودِهـا
فتا ٌة تُرجّيها عجوزٌ تقـودهـا صبَا فكـأنـهـا أتتْنا بها ريحُ ال ّ
بأودية ما تستفـيق مُـدُودُهـا ت بغدادَ حتى تفجـرتْ ح ْ فما بَرِ َ
أتاها من الريح الشمال بَرِيدها ولما قضَتْ حق العراق وأهلـه
ت ُبنُودها كأنها جنودُ عبيد ال وََل ْ فَمرّتْ تفوتُ الطـيرَ سَـبْـقـاً
س ّر من رأى عند قتل المتوكل .وقد أخذ هذا التشبيه معكوساً من قول أبي العتاهية: يريد انصراف أصحاب عبيد ال بن خاقان عن الجعفري إلى ُ
الوافر:
َتمُرّ كأنها قِطَعُ السحابِ ورايات يَحُل النص ُر فيها
وقال ديك الجنّ :الخفيف:
ح بجور ،وفي الهوى بمحـالِ وغري ٍر يقضي بحكمين :في الرا
177
حمّل ليناً ،وجِيدُه لـلـغـزا ِ
ل ُ للنّقا ِر ْدفُـه ،ولـلـخُـوط مـا
عَلُ جَـدْوَى َيدَيْك بـالمـوالِ صبّ مـا تَـفْ ت مُقْلَتاه بال ّ َفعَلَ ْ
ومن بارع الخروج قول المتنبي :البسيط:
س هذا الشادِنُ العَـ َربَـا من أين جا َن َ ت ِبنَا َبيْن تِ ْر َب ْيهَا فقـلـت لـهـامرّ ْ
َليْثَ الشَرَى وهو من عِجْلٍ إذا انتسبا فاستضحكتْ ثم قالت كالمغـيث يُرَى
واشتهار شعره ،يمنعني من ذكره.
افتتاح القصائد بالغزل
قال ابن قتيبة :سمعت بعضَ أهل الدب يذكر أن مقصد القصيدة إنما ابتدأ بوصف الديار والدّمَنِ والثار؛ فبكى وشكا ،وخاطَبَ الربع،
ل ذلك سببًا لذكْر أهله الظاعنين ،إذ كانت نازلةُ العمد في الحلول والطعن على خلف ما عليه نازلة ،المَدَرِ؛ لنتقالهم واستوقف الرفيق؛ ليجع َ
من ماء إلى ماء ،وانتجاعهم الكَل ،وتتبّعهم مسا ِقطَ الغيث حيثُ كان؛ ثم وصل ذلك بالنسيب ،فبكى شدَة الوجد ،وألم الصبابة والشوق؛ ل ُيمِيلَ
ب من النفوس ،لئط بالقلوب ،لما جعل ال تعالى في تركيب نحوه القلوب ،و َيصْرِف إليه الوجوه ،ويستدعي إصغاءَ السماع ،لن النسيب قري ٌ
العباد من محبّةِ الغزل ،وإلف النساء ،فليس أحدٌ يخلو من أن يكونَ متعلّقا منه بسبب ،وضارباً فيه بسهم ،حلل أو حرام .فإذا استوثق من
سرَى الليل وحر الهجير ،وإنضاء الراحلة الصغاء إليه ،والستماع له ،عَقّب بإيجاب الحقوق؛ فرحل في شعره ،وشكا النَصَبَ والسهر ،و ُ
والبعير ،فإذا علم أنه قد أوجب على صاحبه حقّ الرجاء وذِمام التأميل ،وقرّر عنده ما ناله من المكارِه في المسير ،بدأ في المديح فبعثه على
المكافأة ،و َفضّله على الشباه ،وصغّر في قدره الجزيلَ ،وهزّه لفعل الجميل؛ فالشاعر المجيد من سلك هذه الساليب ،وعدل بين هذه القسام،
فلم يجعل واحداً أغلب على الشعر ،ولم يطل ف ُيمِلّ السامعين ،ولم يقطع وفي النفوس ظمأ إلى المزيد.
بين أبي تمام والبحتري
ت به من حُلى ستْه من حُلَل الداب ،وتزيّن ْ ويتعلّق بهذه القطعة ما حدّث به الحاتمي عن نفسه ،وإن كانت الحكاية طويلة فهي غيرُ مملولة؛ لما لب َ
س بعضِ الرؤساء ،وكان خبره قد سبق إليّ في عصبيّته ل من مشايخ البصرة ممن يُومَأ إليه في علم الشعر مجل ُ اللباب ،قال :جمعني ورج ً
ت قولً أنحيْتُ فيه على البحتري للبحتري ،وتفضيله إياه على أبي تمام ،ووجدت صاحبَ المجلس مؤثرًا لستماع كلمِنا في هذا المعنى ،فأنشأ ُ
ضنَا في أفانين من التفضل والمماثلة ،غلوتُ في جميعها غلوًا شهده جميع من حتُ زِنادَ الرجل ،فتكلّم وتكّلمْتُ ،وخُ ْ ت فيه ،واقتد ْ إنحاءً أسرفْ ُ
جمّة الوقت ،وأعيان الفضل ،فاضطر إلى أن قال :ما يحسن أبو تمام يبتدئ ،ول يخرج ،ول يختم ،ولو لم يكن للبحتري حضر المجلس ،وكانوا ُ
غضَارة عليه من الفضل إل حسن ابتداءاته ،ولطفُ خروجه ،وسرعة انتهائه ،لوجب أن يقَع التسليم له ،فكيف بأوَابده التي تزدادُ على التكرار َ
وجدة ،ثم أقبل عليّ ،فقال :أين يُذهب بك عن ابتدائه :الكامل:
حتى أضاء القحوان الشنبُ عارضنا ُأصُلً فقلْنا الرّبـربُ
منهنّ ديباجُ الخدودِ المُذهَـبُ واخض ّر مَوْشيّ البرودِ وقد َبدَا
وأنىّ لبي تمام مثل خروجه حيث يقول :الطويل:
سقاكِ الحيَا رَوْحاته وبواكرُهْ أدارَهُمُ الولى بدارة جُلـجـل
فر ّوتْك َريّاه وجَادَك ماطِـرُهْ وجاءك يحكي يوسف بن محمد
وقد كرر هذا وزاد فيه فقال :البسيط:
جدْتَ جو َد بني يَزْدان لم تَزِد لو ُ تنصّب البرقُ مختالً فقلت لـه
ومن ذا الذي لَطُف لن يخرج من وصف روض إلى مدح ،فقال أحسن من أقوله :الطويل:
عدِ تبلُج عيسى حين يَلْفظُ بالوَ ْ صحْبهـاكأنّ سناها بالعشيّ ل َ
وأنّى لبي تمام مثلُ حسن انتهائه حيث يقول :الطويل:
يُسيّر ضَاحِي وَشْيها و ُينَـمـمُ إليك القوافي نازعاتٍ شوارداً
بهاءً وحسنًا أنها لك تُنـظـمُ ومشرقةً في النظم غُرّا يزيدُها
وقوله في هذا المعنى :الطويل:
جمَا هي النجم اقتادتْ مع الليل أن ُ ظمَ قـصَـائدٍ ألست المُوالِي فيك نَ ْ
ضحًى ،وتخالُ الوَشْي فيه ُم َنمْنَما ض فيه مـنـوّرا ثناء تَخَالُ الرو َ
ولقد تقدم البحتري الناسَ كلهم في قوله :الكامل:
سعِهِ لسعى إليك المنبرُ في وُ ْ لو أنّ مشتاقًا تكلّف فوق مـا
شجَى معترضاً في ي ل عَلَى أبي تمام؛ لني كنت كال َ قال أبو علي :وكنت ساكناً إلى أن استتمّ كلمه ،فكأن الجماعة أعجبهم ذلك ،عصبيةً عل ّ
لهوَاتهم ،وأَسرّ كلّ واحد منهم إلى صاحبه سرّا يومئ به إلى استيلء الرجل عليّ؛ فلمّا استت ّم كلمه وبرقت له بارقةُ طمع في تسليمي له ابتدأت
شنَان ،ول يُقْرَع له بالعصا ،ل إلهَ إل ال! استنّت الفصالُ حتى القَرْعَى! هل هذه المعاني إل عُون مُ ْفتَرعة ،قد تقدم فقلت :لست ممن يُ َقعْقَ ُع له بال َ
ض َننَا أصلً فقلنا
أبو تمام إلى سبْك نُضَارها ،وافتضاض أبكارها ،وجرى البحتري على وتيرته في انتزاع أمثالها وأتباعها ،فأمّا قوله :عار ْ
الربوب ،فمن قول أبي جُ َويْرَية العبدي :الكامل:
فكأنما نظرت إلينا الربرب سلّمن نحوي للوداع بمـقـلة
كادت تكلمنا وإن لم تُعـرِب وقرأن بالحدَقِ المِرَاض تحية
وأما قوله في صفة الغيث مخاطباً للدار :وجاءك يحكي يوسف بن محمد ،وقوله في هذا ال َمعْنَى :لوجدت جود بني يزدان لم تزد فمن قول أبي
تمام :الكامل:
َولَهٌ بظَاعِنها وبالـمـتـخـلّـف ولنُؤْيها في القلب نُـؤيٌ شـفـهُ
ن من الحَيا في زُخْرفِ من سومه ّ وكأنما استسقى لهـن مـحـمـد
178
ومن قوله الذي تقدم فيه كلّ أحد لفظاً رشيقًا ومعنى رقيقاً :الوافر:
مستغيثٌ لها الثرَى المكروبُ سمْحةُ القياد سَـكُـوبُ ديمة َ
لسعَى نحوها المكانُ الجديبُ لو س َعتْ بقعة لعْظَا ِم نُعمى
ومن هنا أخذ البحتري :لسعى إليك المنبر :الوافر:
ك وعند السرى وحين تؤوبُ ل بمغْـدا حيّ أه ًأيها الغيثَُ ،
هن قد يشبه النجيبَ النجـيبُ ق تَحْـكـي لبي جعفرٍ خلئ ُ
وَ ْه َو فينا في كلّ وقتٍ غريبُ أنت فينا في ذا الوان غريبٌ
وأما قوله :الطويل:
تبَلّجُ عيسى حين يلفظ بالوَعدِ كأنَ سناها بالعشي لصحبهـا
عبِل بن علي :المتقارب: فإنما نظر فيه إلى قول دِ ْ
بها النّوْر يلمَع في كل فـن و َميْثَاءَ خـضـراءَ زُربِـيّة
تَأوّد كالشاربِ المرجَـحِـنْ ضحوكًا إذا لعبَتْـه الـرياح
بديباج كسرى وعَصْبِ اليمنْ فشبّه صحبي سنا نَـوْرِهـا
أشبهه بجنـاب الـحَـسَـن فقلتَ :بعُدتم ،ولـكـنـنـي
ول الكنز إل اعتقادَ ال ِمنَـنْ فتى ل يرى المال إل العطاءَ
وأما قوله في صفة الغواني :يسَير ضاحي وَشْيها وينمنم وقوله في وصفها :وتخال الوشي فيه منمنمًا فمن قول أبي تمام :الكامل:
من وَشْيها نشْراً لها و َقصِيدا حلوا بها عُ َقدَ النسيب ،و َنمْ َنمُوا
ومن قوله الذي أبدع فيه :الطويل:
ن الثناءَ المـنـخّـلَ إليكَ تحمل َ ووالِ ل أَنفكّ أُهـدِي شـوارداً
وتحسبه عقدًا عليك مفـصّـل ل به بُرْدًا عليك مـحـبّـراً تخا ُ
من المسك مفتوقاً وَأَيس َر مَحْمل ب نـفـحةً أل ّذ من السَلْوَى وأَطي َ
وأقصرَ في قلبِ الجليس وأطْولَ ل قـيْمةً أخف على قلبي وأثـقـ َ
ت مع الليل أنجماً مأخوذ من قول أبي تمام مقصرًا عنه كل تقصير عن استيفاء إحسانه حيث يقول :الطويل: وقول البحتري :هي النجم اقتادَ ْ
ب إل أنـهـنّ سُـعُـودُ
كواك ُ خ تستَمعْ حُرّ القوافِي؛ فإنها أصِ ْ
يلدُ لباسُ البُ ْردِ وهْـو جـديدُ ول تمكن الخلقَ منها فإنمـا
فهذه خصال صاحبك فيما عددتَه من محاسنه التي هتكت بها ستور عَوَاره ،و َنشَرْت مطوي أسرارِه ،حتى استوضحت الجماعة أنّ إحسانَه فيها
عارية مرتجعة ،ووديعة منتزَعة ،فاسمع ما قال أبو تمام في نحو أبياتِك التي أوجبتِ الفضلَ لصاحبك حين قال مبتدئاً :الكامل:
خف الهوَى ،وتفضّت الوطارُ ل أنتَ أنـتَ ،ول الـديارُ ديارُ
عذَابَ الوِ ْردِ فهي بحـارُ زمناً ِ كانت مجاورةُ الطلولِ وأهلهـا
وقوله :الكامل:
ح ْليِه يتكـسـرُ وغدا الثرَى في َ رفّت حَوَاشِي الدهر فهي تمرمَرُ
وقوله :الكامل:
179
وحيث يقول :الكامل:
صبْرِه اللـمـامُ؟ كم حلّ عقدةَ َ دِمَنٌ ألمّ بهـا فـقـال :سـلمُ،
ي ولمُـوا رجلً ،وقد عنفوا عل ّ نحرت ركابُ الركب حتى يعبُرُوا
وحيث يقول :البسيط:
فل تكفّنّ عن شانيك أَ ْو َيكِـفَـا أمّا الرسوم فقد َأ ْذكَرْن ما سلفـا
ن يَقِفـا للدمع بعد مضيّ الحيّ أ ْ ب أن َي ْقنَى السّلو ول ل عذرَ للص ّ
ومن اقتضاباته البعيدة قوله :الطويل:
ل منكَ فتُفضل ونذك َر بعضَ الفض ِ ل وتَـفْـعَـل لهانَ علينا أن نَقُـو َ
وقوله أيضاً مقتضباً الكامل:
حذَارِ فحذا ِر من أَسد العَرِين َ الحقّ َأبْلجُ والسيوفُ عَوارِي
ومما تقدّم فيه كلّ واحدةٍ في حسنِ التخلص إلى المدح قوله :البسيط:
ن ابنِ حَسّان فقد أظلك إحسا ُ إساءةَ الحادثاتِ استنبطي نفقاً
وقوله :الطويل:
تَ َقطّع ما بيني وبين النـوائبِ س لقَتْ بي أبا دُلَفٍ فقد إذا العي ُ
وقوله :البسيط:
محم ُد بنُ أبي مروانَ والـنُـوبُ لم يجتمعْ قطُ في مصرٍ ول طرفٍ
وقوله المنقطع دونه كل قول في هذا المعنى :الكامل:
أقواتَها لـتـصـرّفِ الَحْـرَاس إنّ الذي خلق الخلئق قـاتَـهـا
وبنو الرجاء لهم بنو الـعـبـاسِ ض معروفُ السماء قرًى لها فالر ُ
جبَلُ الملوكِ الراسـي فيهم ،وهم َ القوم ظل الـلـه أسـكـن دينَـهُ
وقوله :الكامل:
مَسْحور ٍة وتنـوفةٍ صـيهـودِ عَامِي وعامُ العِيس بـين َودِيقَةٍ
ت الـعـيد للطير عيداً من بنا ِ حتى أغادِرَ كلّ يوم بـالـفـل
خ بأحمدَ المحـمـود حتى تنا َ هيهات منها روض ٌة محمـودةٌ
َأمْنَ المرُوع ونجدةَ المنْجُـودِ ت بهِ جدَ ْ بمعرّس العرب الذي وَ َ
ومن أبدع ابتدائه قوله :الكامل:
ت عليهم نَضرَ ٌة ونعيم وغدَ ْ سَقى ديارَهمُ أَجشّ هـزيمُ
ما ع ْهدُها عند الديا ِر ذَمـيمُ عهَادُ سحابةٍ ت معاهدَهم ِ جا َد ْ
ثم تخلص إلى المدح فقال وأحسن كل الحسان:
مُرّ وأن أبا الـحـسـين كـريم ل والذي هو عالـمٌ أنّ الـنّـوَى
نفسي على إلفٍ سِوَاك تـحـومُ غدَتْ سنَنِ الوداد ول َ ما زلتُ عن َ
ثم عاد إلى المدح ،فقال:
مجدٌ إلى حيثُ السماك مقيم لمحمدِ بن الهيث ِم بن شـبـابةٍ
ط َر َفيْه فهو أخ له وحَمـيم
َ سبَ ال َندَى من ملتقى ملكٌ إذا نُ ِ
وأبو تمام الذي وصف القوافي بما لم يستطع وصفَها به أحد فقال :الطويل:
عدوُك فاعل ْم أنني غيرُ حَامِـدِ فإنْ أنا لم يحمدكَ عنيَ صاغراً
وتنقادُ في الفاق من غير قائدِ ق من غير سـائقٍ بسياحَ ٍة تنسا ُ
إلى كل أفق واحداً غَي َر وافدِ ل تَرَى لـهـا محبّبة ما إنْ تزا ُ
فتصد ُر إل عن يمينٍ وشاهـدِ مخلقة لمّا تـر ْد أذنَ سَـامـعٍ
والذي قال أيضاً في صفتها :الكامل:
سمْطَانِ فيها اللؤلؤُ المـكـنـونُ ِ ظمِ اللـسـان قِـلَدةٌ ك من نَ ْ جاء ْت َ
حركاتُ أهل الرض وَهْيَ سكُونُ إنسيةٌ وحـشـيةٌ كـثـرَتْ بـهـا
وأجادَها التَخْصِير والـتـلْـسِـين ضرَميّه أرهـفـت ح ِذيَتْ حذَاءَ الحَ ْ َ
حَلْيُ الهُدى ،ونسيجُها مَـوْضُـون حلْيُ قريضـهـا خضِلٌ ،و َ ينبوعُها َ
حَسَبٌ إذا نضَب الكـل ُم مَـعِـينُ صنَعُ الـضـمـير يمـدُهُ حذَاكها َ أَ ْ
نُصّتْ ،ولكن القـوافـيَ عُـونُ أما المعاني فـهـي أبـكـا ٌر إذا
وقد أبدع في وصفها فقال :الكامل:
سبقتْ سوابقها إليكَ جِـيَادي لم ُأبْقِ حلية منطـق إل وقـدْ
أبْقى من الطواق في الجيادِ أبقينَ في أعناقِ جُودِك جَوْهَراً
180
هل يستطيع أحدٌ أن ينسب هذا أو شيئًا منه إلى السّرَق والحتذاء؟ وهل يستطيع مماثلته بشيء من شعر البحتري ،أو أشعار المحدثين في
عصره ومن قبله؟ فعَيّ عن الجواب قصوراً ،وأحجم عن المساجلة تقصيراً ،وحكمت الجماعة لي بال َقهْر ،وعليه بالنصر ،ولم ينصرف عن
المجلس حتى اعترف بتقديم أبي تمام في صنعة البديع واختراع المعاني على جميع المحدَثين .وكان يومًا مشهوداً.
?حول الغناء
وقال ثُمَامة بن أشرس :كنتُ عند المأمون يوماً ،فاستأذن الغلم ل ُعمَيْر المأموني فكرهت ذلك ،ورأى المأمون الكراهية في وجهي ،فقال :يا
ثمامة ،ما بك؟ فقلت :يا أمير المؤمنين ،إذا غنَانا عمير ذكرت مواطن البل ،و ُك ْثبَان الرمل ،وإذا غنتْنا فلنة انبسط أَملي ،وقوي جَذلي،
ت من ياقوتة ،أو
سنَان ،كأنما خلق ْ
صدْري ،وذكرت الجِنان والولدان ،كم بين أن تغنيك جارية غادة كأنها غصن بَان ،ترنو بمقلة وَ ْ وانشرح َ
خرطت من فضة ،بشعر عكاشة العميّ حيث يقول :الكامل:
من فضة قد طُر َفتْ عُنـابـا من كفَ جارية كأن بَنَانَـهَـا
تُلْقى على الكف الشمال حسابا وكأنّ يمناها إذا ضربت بـهـا
وبين أن يغنيك رجل كَث اللحية ،غليظ الصابع ،خشن الكف ،بشعر ورقاء بن زهير حيث يقول :الطويل:
فأقبلْتُ أسعى كا ْلعَجُول أبادرُهْ رأيت زهيراً تحت كَ ْلكَلٍ خالد
ن يحضرك مَنْ تشتهي النظَر إليه ،وبين من ل يقفُ طَرفك عليه؟ فتبسّم المأمون ،وقال :الفرق بينهما واضح ،والمنهج فسيح؛ يا وكم بين أ ْ
ب َق ْينَاته ،فظَلِلْنا في أ ْمتَعِ يوم. غلم ،ل تأذنْ له ،وأحْضَر طي َ
وعكاشة هذا هو عكاشة بن عبد الصمد البصري ،نقيُ الديباجة ،ظريف الشعر ،كان شاعرًا مجيداً .وقد أخذ معنى قوله أبو العباس الناشئ،
وزا َد فيه ،فقال :الكامل:
ب تُلْقي عليك صنـوفـا يدَ حاس ٍ وإذا بصُ ْرتَ بكفها اليُسرَى حكتْ
جمِجُ في الكتاب حروفـا قََل ٌم ُيمَ ْ ب فـي أوتـارِهِ فكأنما المضرَا ُ
في النقْر تنفي بهْرَجاً و ُزيُوفَـا ويجسُه إبهامُهـا فـكـأنـمـا
أخذ هذا البيت من قول أبي شجرة السلمي وذكر ناقته :البسيط:
ج ْهبِـذِ الـوَرِق كما ُتنُوقِد عند الْ ِ تَطيرُ عنها حَصى الظّرّان من بََلدٍ
وأصله قول امرئ القيس :الطويل:
ف يُنت َقدْنَ ب َعبْقَرا
صليلُ ُزيُو ٍ شدّه
كأن صليلَ المَرْ ِو حين تُ ِ
وقال أبو الفتح كشاجم :الكامل:
كان الهوا ُء ُيعِيدُه نطـقـا لو لم تح ّركْه أنـامِـلُـهـا
جَسّ الطبيب لمدنف عِ ْرقَا ستْهُ عالمةً بـحـالـتـهجَ ّ
سمُو إلى الفلك أو أرْقى َأ ْ غنّت فخِ ْلتُ أظنّني طربـاً
ت يسارَها بَرْقـا رعداً وخِلْ ُ وحسبت ُيمْناها تـحـركـه
وأنشد الحاتمي لبي بكر الصولي :الخفيف:
181
مثل اختلفِ العيونِ مذ ثبتا ت ملوِيه فيه فاختلفـتْ دار ْ
على بري ٍد لعاجَ والتـفـتـا لو حركتْه وراء مـنـهـزم
وقال :الطويل:
وصوت المثاني والمثالث عَالي يقولون تُبْ والكأس في كف أغيد
وشاهدت هذا في المنام بَدَالِـي فقلت لهم لو كنت أزمعت تـوبةً
وقال :الكامل:
بالعُودِ حتى شفنـي إطـرابـا أفدي التي كَلِفَ الفؤادُ مِنَ أجْلها
عجِبت إعجـابـا كبرًا بذاك ،وأُ ْ تاهَتْ بجمع صناعتين ،وأظهرتْ
تشدو ،وكنا مثلَـكـم كـتـابـا قالت :فضلتك بالغناء وأنـت ل
نغماً ولم أغْفِل لهنّ حـسـابـا ف ُعنِيت بالوتار حـتـى لـم أدع
قلمي وعاتبها علـيه عـتـابـا وألفتها فأغار ذاك عـلـى يدي
وجعلتُ جانب عَجزه مِضرابـا فجعلت للقرطاس جا ِنبَ صدرِه
وقال :البسيط:
فما يُرَى فيه إل الوهمُ والـشـبَـحُ جاءتْ بعُودٍ كأن الحـبّ أَنـحَـلَـهُ
صوتاً به الشوقُ في الحشاء َينْقَـدحُ فحرّكتْه وغنتْ بـالـثـقـيل لـنـا
فان نأت عنك غاب اللهو والفـ َرحُ بيضاء يحضرُ طيبُ اللهوِ ما حض َرتْ
وكلّ ما تتغنّى فـهـو مـقـتـرَح كل اللباس عليها َمعْـرضٌ حَـسَـنٌ
هذا من قول ابن المعتز :المتقارب:
ن وارتجّ بالطرب المجلسُ وغنت فأَغنتْ عن المسمِعي
ومَعرِضها كل ما تَ ْلبَـسُ محاسِنها نُزْهَة لـلـعـيون
وقال أيضا :الخفيف:
ب مكـدُودِ ناغِم الصوت ُم ْتعَ ٍ أشتَهي في الغناء بُحّةَ حَلْـقٍ
قُ فضاهَى به أَنينَ الـعُـودِ كأنين المحبّ أضعفه الـشَـوْ
أَشتهي الضربَ لزِماً لل َعمُود ل أحِبّ الوتار تعلو كمـا ل
للمبادي موصولةً بالنّـشـيدِ وأحب المجنبَات كـحـبـي
بين حالـين شـدّة وركـودِ كهبوب الصبا توسـط حـالً
وقال :الخفيف:
لفتا ٍة مـوصـولة اليقـاعِ آه من بُحّ ِة بغير انقـطـاع
نعبِ الصوت راحةُ السماعِ جتَنى من أتعبت صوتها وقد ُي ْ
? َف َغدَت تكثر الشّجاجَ وحطّت=طبقاتِ الوتار بعد ارتفاعِ .
صوتَ شكواه شدّةُ الوجاع كأنين المحبّ خفض منـهُ
وقال بعض أَهل العصر ،وهو أبو الحسن بن يونس :الكامل:
فكأنما الصوتانِ صوتُ العـودِ غنّت فأَخفت صوتها في عُودِها
أبداً ،ويتبعُهـا اتـبـاع وَدود غَيدَاء تأم ُر عودَها فيطِيعـهـا
وأرق من نَشْر الثنا المعهـودِ أ ْندَى من النّوَار صُبحاً صَو ُتهَـا
ماءُ الغمام ِة وابنة العُنـقـود فكأنما الصوتان حين تمازَجَـا
وأبو الحسن هذا هو :علي بن عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد العلى ،صاحب عبد ال بن وهب الفقيه ،وكان لبي الحسن في الشعر
مذهب حسن ،وطبع صحيح ،وحَوك مليح ،وكان عالماً بالنجوم وما يتعلق بها من علوم الوائل ،وهو القائل :الطويل:
ب من المُزنِ ال َك َنهْوَرِ هَاملِ بضرْ ٍ سقَى ال أكنافَ اللّوى كلما سقـى
غدَا وَهْوَ حَلْيٌ للرياضِ العَواطِلِ َ إذا نشرت ريح جُمـانَ سـحـابةٍ
ق ليس بين مفاصل ووسواسُ َودْ ٍ جدُ رَعْد ليس بـين جـوانـح به وَ ْ
تلقّاه دُرّ النّور فوقَ الـخـمـائل إذا كان خدّ البرق يلمس نـبـتـهُ
وقال ،وذكر غلماً :الكامل:
ق منه ما َيمُزُ عـلـيه وأَر ّ خدّه يجري النسيمُ على غلئل َ
ستْه فتنة ناظـريْه إلَـيْهِ فك َ ناولتُه المرأة ينظرُ وَجْـهَـهُ
وقال ابن المعتز -وذكر المرآة :الطويل:
وناصَحتِي من دون كل صَديقِ تبيّنني لي كلّما ُرمْت نـظـرةً
بلُجّه ماء وهو غـير غَـرِيقِ يقابلني منك الذي ل عدمْـتُـهُ
وقال أبو الفتح كشاجم يصفُ مرآة أهداها :الخفيف:
راق غير العـشـاء لـلجـفـانِ أخت شمس الصفاء في الحسن والش
182
أُجريت فيه صُـفْـ َرةُ الـعِـقْـيَانِ ذات طَوْق مشـرف مـن لُـجـين
ت مـضـن بـعـد ثَـمـانِ ر لس ّ فهو كالهالة الـمـحـيطة بـالـبـد
ببُـزَا ٍة تَـعْـدُو عـلـى غِــ ْزلَنِ وعلى ظهرهـا فـوارسُ تـلـهـو
ن مُخْبـر بـنـبـيل المـانـي حَسَ ٌ لك فـيهـا إذا تـأمـلـت فـــأل
حاصِـ ٌر نـفـسَـه بـغــير ِأَوَان لم يكن قبلهـا مـن الـمـاء جـرم
ه إلـيهـا ورَجـعــه سِـــيانِ عدّلت عكسها الشـعـاع فـمـبـدا
لح فيهـا فـإنـهـا شَـمْـسَـانِ ن مِـثَـالـك يومـاً
وهي شمـسٌ وإ ْ
ضٍ ففـيهـا تـقـابـل الـنـيران أينما قـابـلـتْ مـثـالَـكُ مـن أر
خائف فـانـثـنـى بـغـير َأمَـان فالقـهـا مـنـك بـالـذي مـا رآه
ومن ألفاظ أهل العصر
في مدح الغناء
لذْن ،ويأخذُ بمجامِع القَلْب ،ويحرك النفوس ،ويرقص غِناؤُه كالغِنَى بعد الفقر ،وهو جَبر للكسر .غِناؤُه يبسط أَسِ َرةَ الوَجهِ ،ويرفعُ حجابَ ا ِ
طعِ ُم الذانَ سروراً ،ويقدح في القلوب نوراً القلوبُ من غنائه على الرؤوس .فلن طبيب القلوب والسماع ،ومحيي مَوات الخواطِرِ والطباع ،يُ ْ
خَطر؛ فكيف الجيوب؟! السكر على صوبِه شهادة.
ضرْبه ل تضطرب .وقيل :السماع ُم ْتعَة السماع، جدْب .نغمة نغمته تطرب ،وضروب َ كل ما يغنّيه مقتَرح .لغنائه في القَ ْلبِ ،موقع ال َقطْر في ال َ
وإدامُ المدام.
في وصف القلم
أهدى بعضُ الكتّاب إلى أخٍ له أقلمًا وكتب إليه :إنه -أطال الُ بقَاءك! -لما كانت الكتابةُ ِقوَامَ الخلفة ،وقرينة الرياسة ،وعمو َد الممْلَكة،
ف عليك مَحْمله ،وتثقل قيمتُه ،ويكثر نَ ْفعُه؛ فبعثتُ إليك أقلماً خ ُ خطَراً ،أحببتُ أن أتحِفك من آلتّها بما يَ ِ وأعظم المور الجليلة قدْراً ،وأعلها َ
صدَف ،والنوار المحجوبة بالسّدفَ ،ت ْنبُو عن تأثير السنان ،ول عذَاء ،المغذوّ بماء السماء ،كالللي المكنونة في ال ّ من القصب النابت في ال ْ
ي كما قال الكميت :المتقارب: ستْها طباعها جوهراً كالوَشْي المحبر ،وفرند الديباج المنيّر ،فه ِ غمْزُ البَنان ،قد ك َ
يثنيها َ
سمَع للبيض فيها صَرِيرا ن تَ ِْ وبيضٍ رقاقٍ صِحاح المتـو
ن يُعشِي البصـيرا
سنَاهُ ّ
يكاد َ عتَادِ الـمـلـوك
ُمهَنّدة من َ
وكقدح النبل في ثقل أَوزانها ،و ُقضُب الخيزُرَان في اعتدالها ،ووشيجِ الخطّ في اطّرادها ،تَمرُ في القراطيس كالبَرْقِ اللئح ،وتجرِي في
الصحف كالماء السائح ،أَحسن من العِقْيان ،في نحورِ القيَان.
وكتب عبيد ال بن طاهر إلى إسحاق بن إبراهيم من خراسان إلى بغداد يسأله أن يوجهَ إليه بأقلم قصبيّة :أما بعد ،فإنّا على طول الممارسة
لهذه الصناعة التي غلبَتْ على السم ،ولزمت لزوم الوَسْم ،فحلَت محل النساب ،وجرت مَجْرَى اللْقاب -وجدنا القلم القصبية أسرعَ في
غدِ ،وأمرّ في الجلود ،كما أن البَحْرية منها أسلسُ في القَراطيس ،والين في المعاطف ،وأكلّ عن تمزيقها ،والتعلق بما ينبو من شظاياها. الكَوَا ِ
ونحن في بلدِ قليلة القَصب ،رديء ما يوجد بها منه؛ فأحببت أن تتقدَم في اختيار أقلم قصبيِة ،وتتأنّق في انتقائها ِقبَلك ،وطلبها في منابتها ،من
شُطوط النهار ،وأرجاء الكروم ،وأن تتيّم باختيارك منها الشديدة المجسّ ،الصّلبة المعض ،الغليظة الشحوم ،المكتنزة الجوانب ،الضيّقة
الجواف ،الرزينة ال َوزْن ،فإنها أبقى على الكتاب ،وأبعد من الحَفَاء ،وأن تقصدَ بانتقائك منها للرقاق القضبان ،اللطاف المنظر ،المقوّمات
الوَد ،المُلْس العُقد ،ول يكون فيها التواء عوج ول َأمْت؛ وضُمَ الصافيةَ القشور ،الخفية الُبن ،الحسنة الستدارة ،الطويلة النابيب ،البعيدة ما
بين الكعوب ،الكريمة الجواهر ،المعتدلة القوام ،تكادُ أسافلها تهت ّز من أعلها ،لستواء أصولها برؤوسها ،المستكملة يبساً ،القائمة على سوقها،
قد تشرّبت الماءَ في لِحائها ،وانتهت في النّضْجِ منتهاها ،لم تعجل عن تمام مصلحتها ،وإبّانِ ُي ْنعِها ،ولم تؤخّر في اليام المخوفة عاهاتها؛ من
ت بقطعها ذِراعاً ذراعاً ،قَطْعاً رفيقًا تتحرّز معه أن تتشعبَ رؤوسها ،أو تنشق أطرافها، عفَنِ النداء ،فإذا استجمعتْ عندك أمرْ َ خصَر الشتاء ،و َ َ
ج ْهتَها مع من يحتاط في حراستها وحفظِها وإيصالها؛ إذ كان مثلها ثم عبأت منها حزمًا فيما يصونها من الوعية ،وعليها الخيوط الوثيقة ،وو ّ
ف فَضْلَ جوهرها؛ واكتب معه بعدّتِها وأصنافها وأجناسها وصفاتِها ،على الستقصاء ،من غير تأخير ُيتَوانى فيه ،لقلة خطرِها عند من ل يعر ُ
ول إبطاء.
صفَته ،من أجتاس فأجابه ووجه إليه مع النابيب :أتاني كتاب المير -أعزه ال! -بما أمر به ولخصه ،من البعث بما شاكل َن ْعتَه ،وضاهى ِ
سبُلِه آخذاً بها ،فأنْ َفذْتُ إليه حزماً أنشئت بلطيف السّقيا ،وحُسْن العهد والبُقْيا ،لم تعجل ت معالمَ ُ
القلم ،فتيممت بِغيته قاصداً لها ،وانتهج ُ
ت قبل إدراكها؛ فهي مستوي ُة النابيب معتدلتها ،مثقفة الكعوب مقوّمتها؛ ل يُرَى فيها أمْتُ زَوَر ،ول وصم صغر ول بإخراجها ،ول بُودِر ْ
ب ِب ُغيْتَهِ.
عِوَج ،وقد رجوت أن يجدَها المير عند إرادته وحسَ َ
ومن كلم منصور بن عمَار في صفة القلم ،ويقال إنه لسليمان بن الوليد الكاتب :أو ليس من عجائب الِ في خَلقِه ،وإنعامِه على عباده ،تعليمُه
ف مقلوبة ،من ب للعيون بسرائر القلوب ،على لغات مختلفة ،بمعان مفترقة معقودة ،وأحر ٍ ط َ
إياهم الكتابَ المفيد للباقين حكم الماضين ،والمخا ِ
ق مزدرجة ،بل أصواتٍ ألفِ وتاء ،وجيم وباء ،متباينات الصور ،مختلفات الجهات ،لِقَاحها التفكير ،ونتاجها التأليف ،تخرس مفردة ،وتنطِ ُ
ق المدا ُد به ،وأرْهَف جانبيه ليرد ما انتَشر عنه إليه ،وشق في حرّفَ بارِيه قطّته ،ليعل َ ن محدودة ،ول حركات ظاهرة ،بل قلم َ مسموعهّ ،ول ألْسُ ٍ
رأسه ليحتبس الستعداد عليه ،ورفع من شعبيته لتجتمع حواشي تصويره؛ فهنالك روى القلم في شِقه ،وقفف المادة إلى صدره ،فإذا علقتها
العيون ح َكتْها اللسن ،فالقلوب حينئذ رَاعِية ،والذان واعِية ،لكلم سَداه ال َعقْل ،وألحمه اللسان ،وأدّته الَلهَوَات ،ولفظته الشفَاه ،ووعته السماع،
على اختلف أنحاء ،من صفاتٍ وأسماء؛ فتبارك ال أحْسَنُ الخالقين.
حمل من رسالة كتبها بعض أهل العصر ،وهو أبو إسحاق إبراهيم بن عبد ال النجيرمي ،في القلم إلى أبي عمران بن رياح:
خرِجَ الضمير إلى العِيان ،ومستنبطاً ما تُوارِيه ظلَمُ الجَنانِ إلى نُور البيان ،ومُريحَ الفطًنِ العوازب، إنه لما كان القل ُم مطيةَ الفكْر والبيان ،ومُ ْ
وجالبَ ال ِفكَرِ الغرائب ولسان الغائب ،وبز الكاتب ،.مكتّب الكتائب ،ومفرق الجلئب ،وعماد السّلْم ،وزناد الحرب ،ويدَ الحدثَان ،وخليفة
183
حكْمة سبقَتْ في ص ال بها النسان ،وشرّفه بها على سائر أصناف الحيوان ،ومركبًا للة قد تق ّدمَتْ كلّ آلة ،و ِ اللسان ،ورأس الدوات التي خ ّ
حكَمَ الولين ،وحاملها عنا إلى الخرين ،الحافظ ل حكمة ،وقَواماً لهندسة عقلية ،ومصدرًا ل َعقْلِ العاقل ،وجهل الجاهل .الناقل إلينا ِ النسان ك ّ
ن قُصِر ت عميدَهم ،وأقرَا ٌ ح ِمدَه وسجدَ له ،فكان له فرسانٌ خُلِقَ لهم ،و ُكنْ َ علينا َأمْ َر الدنيا والدين ،أول شيء خلقه ال بأمره وسَبحَه ،ومَجّده و َ
ح ْليَة كنت سابقها ومعجزها ،وغاية كنت مَالِكها ومُحْ ِرزَها ،ورمت بي ع ْينَه ،و ِ
عليهم ،وأنت صنديدهم ،وميدان كنت َزيْنه ،ومضمار كنت َ
اليام إلى معدنه الذي كلفت به وعنيت بطلبه ،فانفردت منه بقدح َفذّ أَوْحدَ ،فرْد في منْبته ،قد ساعدت عليه السعود في فلك البروج حولً كاملً،
مُخْتلف يُؤلّفه أركانها وطباعها ،ومتباين أنوائها وأنحائها ،وتؤيده بقواها وجواهرها ،حتى غ َذتْه عِرْقاً في الثرى معرقاً ،وأرضعته ناجماً،
وسقته مكعباً ،وأروته مقصباً ،وأظمأته مكتهلً ،ولوحته مستحصداً ،وجللته بهاءها ،وألقت عليه عنوانها ،وأودعته أعراقها ،وَأَوراقَها
ق بازله ،ورقّت شمائله ،وابتسم من غشائه ،ونادى من لِحَائه ،وتعرى عن خز المصيف ،بانقضاء الخريف ،وانكشف عن وأخْلَقها ،حتى إذا ش ّ
لون البيض المكنون ،والصدف المخزون ،ودر البحار ،وفتات الجمار ،دعا منه نَفَق العَاج بنقبة الديباج ،وقميص الدرر بطراز النساج،
حدِه
فاجتمعت له زينة اليدي البشرية ،إلى اليدي العلوية ،والنسابِ الرضية ،إلى النساب السماوية ،فلما قادته السعادة إليَ ،ورأيته نسيجَ وَ ْ
حدِه في النام ،فآثرتُك به مُ ْؤثِراً للصنيعة؛ عالماً أن زين الجيا ِد فرسانها ،وزين السيوف أَقرانها ،وزين في القلم ،رأيت أولى الناس به نسيجَ وَ ْ
جدِ
سهَا ،فالن أعطيت القوس باريها ،وزناد المكارِم مُوريها ،والصمصَامة مُصلِتها ،والقناة مُعلمها ،وحلَة المَ ْ سهَا ،وزين أَداةٍ ممار ُ بزة لبِ ُ
لبِسها.
وكان النجيرمي جَيدَ الروية والبديهة في نظمه ونثره ،حلو التصريف ،مليح التأليف ،وكان يومًا عند أبي المسك كافور الخشيدي ،فدخل عليه
أبو الفضل بن عياش فقال :أَدام الَ أَيام سيدنا الستاذ -بالخَفْض -فتبسّم كافور إلى أبي إسحاق ،فقال ارتجالً :البسيط:
ص من َه ْيبَةٍ بالريقِ وال َبهَـرِ غ ّ وُ غرْوَ إن َلحَنَ الدَاعِي لسـيّدنـا ل َ
بين البليغ وبين القول بالحـصَـرِ فمثل سيدنا حالـت مـهَـابَـتُـهُ
ن قِلّة البَصَرِ من شدّة الخوف ل مِ ْ ض اليام مـن دَهـشٍ فإذ يكن خفَ َ
والفأل مأثرة عن سيّد الـبـشَـرِ فقد تفاءَلت في هـذا لـسـيدنـا
وأن دولته صـفـوٌ .بـل كـدَرِ ض بـل نَـصَـب خفْـ ٌ
بأن أيامه َ
فأمر له بثلثمائة دينار ،ولبن عياش بمائتين.
وقال حمدان الدمشقي يصف قلماً :الكامل:
ولـه إذا لـم تـجْـرِه إطــراقُـــهُ لليْم بعثته وشَقّ لِسَانِهِ
من حـيث يَجْـرِي سـمّـه تِـ ْريَاقُــهُ كالـحـيةِ الـنّـضْـنَــاضِ إل أَنـــهُ
قال العتابي :سألني الصمعي فقال لي :أي النابيب أَصْلَحُ للكتابة وعليها أَصبر؟ فقلت :ما نشِفَ بالهجير ماؤُه ،وستره عن تلويحِه غشاؤه ،من
التّبرية القشور الدرّية الظهور ،الفضيّة الكسور ،قال :فأي نوع من البَرْي أكتب وأصْوب؟ قلت :البرية المستوية القطّ ،عن يمين سنّها ،بَرية
تأمن معها المجّة عند المطّ ،الهواء في مَشَقها فتيق ،والريح في جوفها خريق ،والمِدَاد في خرطومها رقيق ،قال :فبقي الصمعي شاخصاً إليَ
ضاحكًا ل يُحِي ُر مسألة ول جواباً.
العتابي
ي ممن اجتمع له الخطابة ،والبيان، والعتابي :هو كلثوم بن عمرو بن الحارث التغلبيُ ،ي ْكنَى أبا عمرو ،قال أبو عثمان الجاحظ :كان العتاب ّ
حذْوِه يقول في البديع جميعُ من يتكلف ذلك من شعراء المولدين كنحو منصور النَمري، والشعر الجيد ،والرسائل الفاخرة ،وعلى ألفاظه و َ
حذْو بشَار في البديع ،ولم يكن في المولدين أجودُ بديعًا من بشار وابن هَ ْرمَةَ. ومسلم بن الوليد النصاري ،وأشباههما ،وكان العتابي يَحْتذي َ
عتّاب بن سعد ،ولذلك قال :البسيط: عمْرو بن كلثوم ابن مالك بن َ والعتابي من ولد َ
واجتاح ما أبدَتِ اليامُ من خطري إني امرُ ٌؤ هدم القتار مأثـرتـي
حيّا ربيعةَ والحيا ُء من مـضـرِ أَنا ابنُ عمرو بن كلثـوم يسـوّده
كالقوسِ عطّلها الرامي من الوترِ أرومَةٌ عطّلَتني من مكـارمـهـا
وكان صاحبَ بديهة في المنظوم والمنثور ،حسن العقل وَالتمييز ،وَالعربُ تقول :من تمنّى رجلً حسنَ العَقل ،حسنَ البيانِ ،حسنَ العِلْم ،تمنّى
شيئاً عسيراً .وَقد اجتمع ذلك كله للعتابي.
ل مهمُه أن يكون جمالُه في لباسه وَعطره .إنما ذلك حظُ وَعاتبه يحيى بن خالد على لباسه ،وَكان ل ُيبَالي أي ثوبيه ابتذلَ! فقالَ :أ ْب َعدَ الَُ رج ً
النساء ،وأَهل الهواء ،حتى يرفعه أكبرَاهِ :همّته ،وَلبّه ،وَيعلو به معظماه :لسانُهَُ ،وقَلبه.
ودخل على الرشيد فقال :تكلَم يا عتابيّ! فقال :اليناس قبل البسَاس ،ل ُيمْدَحُ المرء بأول صَوابه ،ول ُيذَمّ بأول خَطئه؛ لنه بين كل زَوّرَه ،أو
حصَرَه. عيّ َ
وذكر أبو هفّان أنّ الرشيد لقيَه بعد َقتْل جعفر بن يحيى وزوال نِعمته ،فقال:
حدَثت َب ْعدُ يا عتابي؟ فأنشده ارتجالً :الطويل: ما َأ ْ
طوَى الده ُر عـنـهـا كـلّ طِـرْف وتَـالِـدِ َ تلوم عنى تَ ْركِ ال ِغنَى باهليّة
منـظـمةً أَجـيادُهـا بـــالـــقـــل ِئدِ رأتْ حولها النسـوان يرفـلـن فـي الـكُـسـا
من المـلـك أو مَـا نَـالَ يحـيى بـن خـالـدِ أَسَـرّك أنـي نِـلْـتُ مـا نـال جـعـفـــرٌ
مغصّـهُـمـا بـالـمُـرْهَـفَـاتِ الـبـوا ِردِ وأنّ أمـير الـمـؤمـنـين أَغَـصّــنِـــي
بمـسـتـودعـاتٍ فـي بـطـونِ الســا ِودِ فإنّ رفـيعـاتِ الـمـعـالِـي مَــشُـــوبة
وكان متحرفاً عن البرامكة ،وفيهم يقول :البسيط:
بصفحة الدين من نجواهُ ُم َندَبُ ك ل تنفـك َأنْـجِـيَةً إنَ البَرَا ِم َ
مضرّج بدم السلم مخ َتضِبُ ج منهم و ُمنْصلُهـم تجرّمتْ حج ٌ
184
عمْرو؟ قيل :نعم ،ف َثنَى رجله ،ودخل إليه ،فأَ ْلفَاه جالساً في َبيْ ِ
ت واجتاز عبد ال بن طاهر بالرقة بمنزل العتّابي ،فقال :أليس هذا منزلَ كلثوم بن َ
كتبه ،فحادَثه وذاكَرَه ،ثم انصرف ،فتحدّث الناسُ في ذلك ،وقالوا :إن المير لم يَقْصِدهُ ،وإنما اجتاز به فأَخْطر ذلك الزيارةَ ،فكتب إليه :الكامل:
ل نباه َة الـذكْـرِ
َب ْعدَ الخمو ِ يا مَنْ أَفـا َدتْـنِـي زِيا َرتُـهُ
ومجاز خَطْرك ليس بالخطر خطْرَة خَطَرتْ قالوا الزيارةُ َ
تس َتنْفد المجهودَ مِنْ شكـري فا ْدفَعْ مقالتـهـم بـثـالـثة
إن الثلث تتـمةُ الـوتـر ل تجعلَـنّ الـ ِوتْـرَ واحـدةً
فبعثته البياتُ إلى أَنْ زَارَه ثلثاً.
سنْدان كِسرى ،فقال له المأمون :سألتك بال يا عتّابي إل وكان يميل إلى المأمون ،فلمّا خرج ا!أمون إلى خُراسان شيعه حتى وصل معه إلى َ
عملتَ على زيارتنا إنْ صار لنا من هذا الَمر شيء ،فلما ولي المأمون الخلفةَ ،ودخل بغداد سنة أربع ومائتين توصّل إليه العتّابي ،فلم يمكنه
ت بحاجب! قال :قد علمت ،ولكنك ذو فضل ،وذو ت أن تُعلِم أميرَ المؤمنين بمكاني! فقالَ :لسْ ُ
الوصول ،فقال للقاضي يحيى بن اكثم :إن رأي َ
الفضل ِمعْوان! فقال :سلكتَ بي غير طريقي! قال :إن ال تعالى ألحقك بجا ٍه ونعمة ،وهما يقيمان عليك بالزيادة إن شكرت ،والتغيير إن كفرت،
وأنا اليوم لك خي ٌر منك لنفسك؛ أدعوك لما فيه زيادة نعمتك ،وأنت تأْبى ذلك؛ ولكلّ شيء زكاة ،وزَكاةُ الجا ِه َبذْل ُه للمستعين ،فدخل يحيى على
المأمون فقال :أجِرْني من لسان العتابي ،فَلهَا عنه ،ولم يأذن له ،فلما طال عليه كتب إليه :الخفيف:
ن ول هكذا عَهدْنـا الخَـاءْ ما على ذلك افترقْنا بِسَـنْـدا
د بها ذو الصفاء إل صفـاءْ لم أكن أحسب الخـلفة يزدا
غدْرِهمْ وتنسى الوفاءْ ر على ً تضرب الناس بالمثّقفة السّـم
يعرّض بقتْله لخيه على غَدره ،ونكثه ِلمَا عقد الرشيد؛ فلما قرأ المأمون البيات أمر أن ُيدْخَل عليه .فلمّا سلّم قال :يا عتابي ،بلغتني وفاد ُتكَ
ت بَلغَتْني وفا ُتكَ فساءتني ،وإني لحريّ بالغ ّم لبُعدِك ،والسرور بقربك! فقال :يا أمير المؤمنين ،لو قسم هذا الكلم على أهلِ فس ّرتْني ،وقد كَان ْ
عدْلً وأَعجزهم شكراً ،وإن رضاك لغاية ال ُمنَى ،لنه ل دينَ إل بك ،إل معك ،قال :سَلْني ،قالَ :يدُك بالعطية أطلق من لساني الرض لوسعهم َ
بالمسألة ،بخمسين ألفاً.
وقال العتابي وودَع جاريةً له :الخفيف:
وشآبيب َدمْعِـك الـمُـهْـرَاقِ ما غَناءُ الـحِـذَارِ والِشـفـاقِ
طلِـيحِ الـمـآقـي ّد ول مُقَْلتَا َ ليس يَقْوَى الفؤادُ منك على الضَ
غ ِن ْمنَا من طول هذا العنـاق ما َ غدرات اليا ِم مـنـتـزِعَـاتٌ
بعد ما قد تـرين كـان تَـلقِ ل أن يكـون تَـلَقٍ إنْ قضَى ا ُ
ت بِـبَـاقِ لستِ تبقين لي ولس ُ هَوّني ما عليك واقْـنَـيْ حَـيَاءً
فالذي أخرتْ سريعُ اللـحـاق أيّنا قدَمَتْ صروفُ الـمـنـايا
صبِرَاتِ المذاق ت من العيشِ ُم ْ ٍ ن بـمُـرّا ويدُ الحادثـات رَهْـ ٌ
وعُـراهـا قـلئدُ العـنـاق غُ ّر مَنْ ظن أن يفوت المـنـايا
ثم صارا لغُـ ْربَةٍ وافـتـراقِ كم صَفييْنِ ُمتّـعَـا بـاتـفـاقٍ
سُودَ أكنافِـه عـلـى الفـاقِ قلت للفرقدين واللـيل مُـلْـقٍ
سهْمِ الـفِـرَاقِ بين شخصيكما ب َ ِابْ َقيَا مَا بقيتمـا سـوف يُرمـى
وصلحٍ من أمـرِه واتّـفـاق غضَارةِ عَـيْش بينما المرءُ في َ
ه إلى فاقةٍ وضـيقِ خِـنَـاقِ شدّة الـزمـان فـأدّت عطفتْ ِ
ن دوامَ البـقـاء لـلـخَـلّق ل يدومُ البقاءُ للـخَـلْـق لَـكِ
وقال في الرشيد :الطويل:
عصا الدين ممنوعًا من البَرْي عودُها إمامٌ له كـفّ تـضُـ ُم بَـنَـانُـهـا
سواءٌ عليها ُق ْربُـهـا وبَـعِـيدُهـا وعينٌ محيطٌ بالـبـريّة طَـ ْرفُـهـا
وقال فيه :الطويل:
ق فهو أمِينُـهـا وَأدَى إليها الح ّ رعى أمة السلم فهو إمامُهـا
ق أبكارِ الخُطوبِ وعُونُها طوَارِ َُ ث تَ ْلتَـقـي حيْ ُ مقي ٌم بمستنّ الفَلَ َ
سعَى به إلى الرشيد فخافه ،فهرب إلى بلد الروم ،وله قصائد ،يعتذِ ُر فيها ،جيدة مختارةٌ ،وهو مشبّه في حسن العتذار وكان منصور النمري َ
بالنابغة الذبياني ،ومن جيّد اعتذاره قوله للرشيد ،ويقال :بل قالها على لسان عيسى بن موسى الهاشمي يخاطب الرشيد :الطويل:
بهيب ِة إمَا غافِرٍ أو ُمعَـاتـبِ ش ْبتُهُ
جعلْتُ رجَاء العفوِ عذراً و ُ
جعـلـتـك حِـصْـنـًا مـن حِـــذَارِ الـــنـــوائبِ وَكـنـتُ إذا مـا خـــفْـــتُ حـــادث نَـــبْـــوة
ت بوا ٍد منك رَحبَ المشار ِ
ب فأَنزلَ بي هجرانُك اليأس بعدما حلل ُ
وآوِي إلــى حـــافـــات أكـــد َر نَـــاضِـــب ب مكانَه
أظل ومَرعَايَ الجدي ُ
تنـــوءُ بـــبـــاق مـــن رجـــائك ثــــائب ولـم يثـن عـن نـفـسـي الـردى غــير أنـــهـــا
ل دون الـــمـــطـــالــــبِ مقـــيّدة المـــا ِ هي الـنـفـسُ مـحـبـوسٌ عـلـــيك رجـــاؤهـــا
يظـل و ُيمْـسِـي مـسـتـلــين الـــجـــوانـــب وتـحـت ثـياب الـصـبـر مـنـــي ابـــن لَـــوْعةٍ
185
فأقْـلَـعْـنَ عـنـه دامـياتِ الـــمـــخـــالـــب فتـى ظـفـرتْ مـنــه الـــلـــيالـــي بـــزَل ٍة
بذلّ ،وأحـرزتُ الـمـنـى بـــالـــمـــواهـــبِ حنَـانَـيْك إنـي لـــم أكُـــنْ بـــعـــتُ عِـــزّة َ
عقـــوبة زلّتـــي وســـوء مَـــنـــاقِــــب فقـد سُـمْـتَـنِـي الـهـجـرانَ حـتـى أ َذقْـتَــنـــي
علـى حَـدّ مـصـقـولِ الـذّنـابـــينِ قـــاضِـــبِ فهـا أنـا مُـقْـصًـى فـي رِضَـــاك ،وقـــابـــضٌ
ل بـين عــينـــي وحـــاجـــبـــي هواك مـثـا ً ومـنـتـزعٌ عـمــا كـــرِهْـــتَ وجـــاعـــلٌ
وفي هذه القصيدة مما يختار أهل الصناعة :الطويل:
غريب الكَرى بين الفجَاج السباسِبِ ش َعثَ مشتاق رمَى في جفـونِـه وأَ ْ
دُجَى الليل حتى مجّ ضوءَ الكوكب ت له ذَيْلَ السُرَى وَهْ َو لبِـسٌ ح ْب ُ
سَ َ
ل الذّرى والـغَـوَارب ُأحِلّ لها أ َك ُ ومن فوقِ أكوار المهَارِي لـبـانة
وطيّ الحشى دونَ الهموم العوازِب وكلّ فتى عاداتُه قَصْـر شَـ ْوقِـه
سمَعْ به ُأذْنُ صاحبِ صُراخاً ،ولم تَ ْ يُسِرّ الهَوَى لم ُي ْبدِه نـعـت فـرقةٍ
بقيةُ هندي الحسام الـمـضـاربِ إذا ادّرع الليل انْجَـلـى وكـأنـه
وعَهدَ الليالي في وجو ٍه مَشَـاحـبِ برَكبٍ ترى كَسْر الكرى في جفونهم
وقال أيضاً :الخفيف:
وذِراعُ ابـــنة الـــفَـــلةِ وســــــادِي لو رأتـنـي بـذي الــمَـــحَـــارَ ِة فَـــرْداً
ق أثّـــرتْ فـــي فُـــؤَادي حمّة الـشــو ِ ُ أُطـفـئ الـحـزنَ بـالـــدمـــوع إذا مـــا
ت له قنَا ُة قيَادي خاشع الطرف قد توشّحنى الضز فلنَ ْ
حُزنَ والـــبـــؤسَ وَافَـــيَا مِـــــيلدِي ب بُؤْسٍ أخا هموم كأنّ ال تِرْ َ
س مـــن الـــنـــائِرَاتِ والحـــقـــادِ وكـأنـي اسـتـشـعـرت مـا لـفـظ الـنـــا
ل بـهَـوْجـاءَ فـوقــهـــا أقْـــتَـــادِي أتــصـــدّى الـــ ّردَى وادّرعُ الـــلـــي
بين سَـ ْرحِـي ومُـنْـحَـــنَـــى أَعْـــوَادِي حَظّ عـينـي مـن الـكـرى خــفـــقـــاتٌ
نَسُ إل بــوحـــدتـــي وانـــفـــرادي أوْحَـشَ الـنـاسُ جـانــبـــيّ فـــمـــا آ
س وأبـرزتُ لـــلـــزمـــان سَـــوَادي قد رددت الـذي بـه أتـــقـــي الـــنـــا
ق شـــآبـــيب مُـــزْنةٍ مِـــرْعَــــادِ فاسـتـهـلَـت عـلـيّ تـمـطـرنـي الـشــو
وقال :الطويل:
غدوت ومرجوعُ السقامِ قريني؟ أمَا راع قَ ْلبَ العامريةِ أنـنـي
وقال :الطويل:
جفُونـي تخلّل مَاءِ الشوق بين ُ أكاتِمُ لَوعاتِ الهَوَى و ُيبِينُـهَـا
لها نظْرة موصولة بحَـنـينِ ومطووفة النسان في كلّ لوعة
بنو وهب :وقال الحسن بن وهب بن سعيد :السريع:
أنّ البكَا للوَجْد تـحـلـيلُ ِا ْبكِ فمِنْ أحسن ما في البكَا
حزن على الخدين محلول وهْو إذا أنت تـأمّـلـتـه
وقد أعرق بنو وَهْب في الكتابة وأنجبوا ،ولهم في هذا الكتاب ما يشهد لهم بما نُسب إليهم ،وفيهم يقول الطائي :الخفيف:
فهـو شِـعْـبـي وشِـعـــبُ كـــلّ أَديبِ ب كـنـتــمْ بـــه آلَ وَهْـــبٍ كلّ شِـعْـ ٍ
إن قلبي لكم لكالكبد الحَرىّ و َقلْبي لغيركم كالقُلُوبِ
وفي هذه القصيدة يقول في مدح سليمان بن وهب:
ب إذا مـــا أتــــــتْ أَبـــــــا أيوبِ ٍ ما عَـلـى الـ ُوسّـج الـرّوَاتِـك مـــن عَـــبْ
م ول عِـ ْرضُـه مـــنـــاخ الـــعُـــيُوبِ ل ل فِـعـــالُـــه مَـــ ْرتَـــعُ الـــذم حُوّ ٌ
غيْرِه بالحبيب ن بُرَحَاء الشوقِ وجدانَ َ واجد بالصديق م ْ
ن منه معنى هذا البيت الخير ،فقال في رسالة لبعض إخوانه :ظَ ْرفُ الصداقة ،أرق من ظرف العلقة ،والنفس بالصديق ،آنس منها خذَ سليما ُ
أَ
بالعشيق.
ق من شعْري. فقال له أبو تمام :كلمك هذا أر ّ
حسَنُ الشعر والبلغة ،جيّد اللسان ،حلو البيان ،وكان يحب بنان جارية محمد بن حمّاد ،وله فيها شعر جيد ،ولها يقول: والحسن بن وهب َ
الطويل:
وبي رِعدةٌ أهتزّ منها وأسكـنُ أقول وقد حاولتُ تقبيلَ كفّـهـا
جبُنُ
ب إل أنني عنك َأ ْ لدَى الجر ِ س كلّهـم شجَعُ النا ِ ليهنئك أنّي أَ ْ
وحضرَتْ مجلسه وبين يديه نار فأم َرتْ بإزالتها ،فقال :الكامل:
ك في إبعـادهـا ت ما معنا ِ فعلمْ ُ بأبي كرِهْتِ النارَ حتى أُبـعِـدتْ
حتِها لـدى إيقـادهـا ب نَفْ َ
وهبو ِ هي ضَرّة لكِ في ا ْل ِتمَاع ضِيائهـا
سيَالها وأَراكِـهـا وعَـرَادِهـا بَ وأَرَى صنيعك في القلوب صنيعَها
186
وضِيائها وصَلحِها وفسـادِهـا شَر َك ْتكِ في كل المور ب ِفعْلـهـا
وإلى هذا ينظر قول المير تميم بن المعزّ :الخفيف:
رَ بطَوْع ،لَكن برَغْم وكُـرْهِ ما هجرتُ المُدامَ والوردَ والبد
لّ مَنْ هِي قتلتني لم أَحكِ وا ِ منعتني من الثلثة مَـنْ لَـوْ
جهِي رُضيائي ولونُ خدّي و َو ْ فالت الوردُ والمدامةُ والـبـد
ش ْبهِـيل ولكن بخلت بي وبِ ِ ل بكلّ شيء فقالـت قلت بخ ً
إنما يقتل المحبّ التشَـهّـي قلت يا ليتني شبي ُهكِ قـالـت
ولمّا مات الحسن بن وهب -وكان موته بالشام -عُزّي عنه أخوه سليمان ،فجاءَ أبو العيناء ،فقال :أنشدني أبو سعيد الصمعي :الطويل:
بحورانَ َأمْسَى أعل َقتْه الحـبـائلُ لعمري ل ِنعْمَ المرءُ من آل جعفـر
وعِلماً أصيلً خالفتْه المجَـاهِـل لقد فقدوا عَزْماً وحزْمـاً وسـؤدداً
فما في حياتي بعد مَ ْوتِك طـائلُ شتَ لم أملل حياتي وإن تمت فإن عِ ْ
فقال سليمان :أحسن ال جزاءك ،ووصل إخاءَك ،إن هذا لمن أحسن الشعر ،وقد تمثّل به قتيبة حين بلغه موتُ الحجاج ،ولكني أقول كما قال
كعب بن سعد الغنَوِي يرثي أخاه أبا المغوار :الطويل:
ول َو َرعُ عند الـلـقـاء هَـيُوبُ ش عند بَـ ْيتِـه أخِي ما أخي ل فاحِ ٌ
حبَى الشيب ،للنفس اللّجُوج غَلُوبُ ُ حليم إذا ما سَوْرة الجهل أطلقَـتْ
جميل المحيّا شـب وهْـو أرِيبُ حبيب إلى الزوار غِشْـيَانُ بـيتِـه
فلم تُنطَق العَوْرَاءُ وهْـ َو قـريبُ إذا ما تراه الرجالُ تـحـفـظُـوا
فانصرف الناس يعجبون من علم سليمان ،وحسن جوابه ،وصحّة تمثله.
عبْس بن بَغيض ،يقولها والبيات التي أنشدها الصمعي للحطيئة ،واسمه جَرْوَل بن أَوْس بن جُ َؤيّة بن مخزوم بن مالك بن غالب .بن قطيفة بن َ
في علقمة بن عُلَثة وفيها يقول :الطويل:
ل قلئلُ وبين ال ِغنَى إلّ ليا ِ فما كان بيني لو لَقِي ُتكَ سالماً
جفَانَا من أجلها الخوان ،أنصفنا ابن أبي دُوَاد بتطوّله ،وكفانا الحاجةَ إليهم بتفضله ،فكنّا قال سليمان بن وهب :لما جار علينا بالنكبة السلطان ،و َ
وإياه كما قال الحطيئة :الكامل:
حمَـدُإذ ل يكادُ أخو جوار يُ ْ حمِدتُـهـمجاورتُ آل مقََلدٍ ف َ
ن يُ ِردِ الزهاد َة يَزْ َهدُ
فينا ،ومَ ْ طنِعْ أيام مَن يُ ِر ِد الصنيعَة َيصْ َ
وله فصل إلى بعض إخوانه :لك أن تعتب ،وشبيهك أن يعذر ،فهَبْ أقل المرين لكثرهما ،وقدم فضلك على حقّك ،ويقينك على شكّك.
جزْلَ اللفاظ ،ليس بالهذرِ في لفظه ،ول المظلم في مقصده؛ معناه إلى القلم أسْرَع من لَ ْفظِه ل بليغاً فقال :كان والقَهِ واسعَ المنطقَ ، ووصف رج ً
سمْع.
إلى ال ّ
وهذا ضد قول محمد بن عبد الملك الزيات في عبيد ال بن يحيى بن خاقان :هو مهزول اللفاظ ،غليظ المعاني ،سخيفُ العقل ،ضعيف العقدة،
واهِي العَزْم ،مأفونُ الرأي.
ألفاظ لهل العصر
في ذمّ ال ِكتَابِ وال ُكتّابِ والنثر والشعر
سعْي ع الكتابة ،قاصِر َ ن من كلمه ،والعِي أبل ُغ من بيانه ،خاطره َي ْنبُو ،وقلمه َي ْكبُو ،ويسهو ويغلط ،ويخطئ ويُسِقط .هو قصير با ِ خرَسُ أحس ُ ال َ
ق بها من الخطابة ،وكُتبه مضطربة اللفاظ ،متفاوتة البعاضِ ،منتشرة الوضاع ،متباينة الغراض .الجلمُ أولى بكفه من القَلم ،والطَاس ألي ُ
ظ َت ْنبُو عنها الذان فتمجّها ،وتنكرها الطباع فتزُجّها .كلم ل يَ ْرفَعُ القرطاس .كل ٌم تنبو عن قبوله الطباع ،وتتجافَى عن استماعه السماع .ألفا ٌ
صدِي الرّيان ،ويصدئ الفهام والذهان .كلم قد تعمّل فيه حتى تبذل ،وتكلّف حتى تعسّف .طبع الطبعُ له حِجاباً ،ول يفتحُ السمعُ له باباً .كلم يُ ْ
سهْم ،ول الفكرة جالت فيه ب ِقدْح .كلم تتعثّرُ ت فيه ب َ سمْع ،ول وصول له مع خلو ذَرْع .كلم ل الرويّة ضربَ ْ جاسٍ ،ولفظ قاسٍ ،ل مساغَ له في َ
س َتعَا ُر من الدياجي ،ومعانٍ في حزونته ،وتتحيّر الفها ُم من وعُورته .كلمات ضعيف ُة التقان ،قليلة العيان ،مضمحلّة على المتحان .ألفاظ تُ ْ
تقدر من الثافي .كلم بمثْلِه يتسلّى الخرس عن كلمه ،ويفرح الصم بصممه ،أثقل من الجندل ،وأم ّر من الحنظل ،هو هذيان المحموم،
غثّ ،ل طائل فيهما ،ول طلوة عليهما .أبيات ليست من محكم الشعر وحكمه ،ول من أحجال الكلم وسوداء الهموم .كلم رثّ ،ومعنًى َ
شعْرة ول سقى صبْغة بغيض الصفة وقد جمع بين إقواء وإيطاء ،وإبطاء وإخطاء .ما قطع في شعره َ وغُرَره .شعر ضعيف الصنعة رديء ال ّ
قطرة .لو شعر بالنقص ما شَعر .ل يميز بين خبيثِ القول وطيّبه ،ول يَفْرِق بين ِبكْرِه و َثيّبه .هو باردُ العبارة ،ثقيل الستعارة .هو من بين
سرْده ،وخطٌ مضطرب الحروف ،متضاعف التضعيف الشعراء منبوذ بالعَرَاء .لم يلبَسْ شعرُه حلّة الطلوة .له شعر ل يطيب دَرْسه ،ول يخفّ َ
صدْر .خطّ منحطّ ،كأنه أرجل البطّ ،وأنامل السرطان ،على الحِيطان .قلمه ل يستجيب بَرْيه ،ومداده ل شحِي ال ّ ط يُ ْقذِي العين ويُ ْ
والتحريف .خ ّ
يساعد جَرْيه .قلمه كالولد العاقّ ،والخ المشاق ،إذا أدَ ْرتَه استطال ،وإذا قوّمته مال ،وإذا بع ْثتَه وقف ،وإذا وقفته انحرف .قلم مائل الشق،
مضطرب المشق ،متفاوت البَرْي ،معدوم الْجَرْي ،محرّف القطّ .قلم لم يُقَلّم ظفره فهو ،يخدش القِرطاس ،وينقش النقاس ،ويأخذ بالنفاس .قلم
جرْيه ،واقتط َع تفاوت َقطّه ،عن تجويد خطه. ب بَ ْريِه ،دون استمرارَ ،
ل ُيبْعث إذا بعثته ،ول يقف إذا وقفته .قد وقف اضطرا ُ
خير الكلم
ق من الهواء ،وأعذب من الماءِ ،مرق من أفواههم مُروقَ السهام من قِسيها، ذكر عُتبة بن أبي سفيان كلمَ العرب فقال :إن للعرب كلماً هو أر ّ
ن فُسّرت بغيرها عطِلتْ ،وإن بدلت بسوَاها من الكلم استصعبَتْ؛ فسهولةُ ألفاظِهم تو ِهمُك أنها ممكنة إذا سمعت، بكلمات مؤتلفات ،إ ْ
ل نوع من معناه ُمبَاينٌ لما وصعوبتها تعلمك أنها مفقودة إذا طُلِبتْ .هم اللطيف فهمهم ،الناف ُع علمهم ،بلغتهم نزلِ القرآن ،وبها يد َركُ البيان ،وك ّ
سواه ،والناسُ إلى قولهم يصيرون ،وبهداهم يأتمّون ،أكثر الناسِ أحلماً ،وأكرمهُم أخلقاً.
187
طمِع الممتنع. وكان يقال :خير الكلم المُ ْ
وأنشد إبراهي ُم بنُ العباس الصّولي لخاله العباس بن الحنف :السريع:
مِنْ ص ّد هذا العاتِب ال ُم ْذنِبِ حلّ بـي إليك أشكو ربّ ما َ
يبذلْ ،وإن عُوتب لم ُي ْعتِـبِ إنْ قال لَمْ يفعل ،وإنْ سِيلَ لم
ل تشربِ الباردَ لم أشـربِ صبّ بعصياني ،ولو قال لي
ثم قال :هذا وال الشعر الحسن المعنى ،السهل اللفظ ،العَذْب المستمع ،الصعب الممتنع ،العزيز النظير ،القليل الشبيه ،البعيد مع ُقرْبه ،الحَزْن
مع سهولته ،فجعل الناس يقولون :هذا الكلم أحسن من الشعر.
وقال أبو العباس الناشئ يصف شعرهُ :الكامل:
في حُسْن صنعته وفي تألـيفـهِ يتحيّر الشعراء إن سمعـوا بـه
ونكولهم في العَجْ ِز عن ترصيفه فكأنه في قُرْبه من َفهْـمِـهـم
جنَى مقطوفِه ؤ َنأَى عن اليدي َ شج ٌر بَدَا لل َعيْنِ حسْنُ نـبـاتِـه
وقرنت ُه بغَـرِيبـه وطـريفـه فإذا قرنت أبـيّه بـمُـطِـيعِـهِ
188
الشعرَ منكم ،فإنما نزا على أمه رجل منا!.
وقال عمارة بن عقيل :أجود الشعر ما كان َأمْلَس المتون ،كثي َر العيون ،ل يمجّه السمع ،ول يستأذِنُ على القلب وأُنشد الجاحظ شعرَ أَبي العتاهية
س المتون ،ليس له عيونٌ ،كأنه وعُمارة تجاذبا كلماً واحداً. فلم يَ ْرضَه ،وقال :هو أمَل ُ
حتِد ،الكثير وقال ابن عقيل :الشع ُر بضاعة من بضائِع العرب ،ودليل مِنْ أدلَة الدب ،وأثارة من أثارات الحسب .ولن يهزّ الشعرُ إل الكريمَ المَ ْ
السؤدد ،الكلِف بذِكْرِ اليومِ وا ْلغَد.
حرّ،جدْ في َمدْحه .فقال :ل وال ،لقد مدَحْته بشعرٍ لو قلت مثلَه في الدهر لما خيف صَ ْرفُه على ُ ومدح بشار المهدي فلم يُعطِه شيئاً ،فقيل له :لم تُ ِ
ولكني ُأ ْكذِبُ في العمل ،فُأ ْكذِبُ في المل.
نظمه الناجم فقال :الوافر:
و َمدْح حين أنشده طـريفُ ل بَـعِـيدولي في أحمدٍ أَم ٌ
لما دارت عليّ لها صروفُ مدائح لو مدَحْت بها الليالـي
قال هشام بن عبد الملك لخالد بن صفوان :صفْ لي جريراً والفرزدق والخطل ،فقال :يا أمير المؤمنين ،أَما أعظمهم فَخْراً ،وأبعدُهم ذكراً،
وأحسنهم عذراً ،وأسيَرُهم َمثَلً ،وأقلّهم غزلً ،وأحلهم عِللً ،البحر الطامي إذا زَخَر ،والحامي إذا ذعر ،والسامي إذا خطر ،الذي إذا هدر
حهُ ْم بيتاً ،وأقلّهم فَوْتاً ،الذي إن هجا وضع ،وإن مدح جال ،وإذا خطر صال ،الفصيح اللسان ،الطويل العنان ،فالفردزق .وأما أحسنهم َنعْتاً ،وأمدَ ُ
َرفَع ،فالخطل .وأما أَغْزَرُهم بحراً ،وأَرقُهم شعراً ،وأكثرهم ذِكراً ،الغر البلق ،الذي إن طَلب لم يُسْبق ،وإن طُلب لم يُلْحَق ،فجرير .وكلُهم
ذكيُ الفؤادِ ،رفيع العماد ،وَارِي الزناد.
قال مسلمة بن عبد الملك ،وكان حاضراً :ما سمعنا يا ابن صفوان في الولين ول في الخرين ،أَشهدُ أنك أحسنهُم وصفاً ،وأَلْي ُنهُم عِطفاً ،وأخفُهم
ل أيها المير -ما علمت -كريمُ الغِراس ،عالمٌ بالناس ،جوادٌ في مقالً ،وأكرمهم فعالً .فقال خالد :أت ّم ال عليك ِنعَمه ،وأجزل لك قِسَمه .أنتَ وا ّ
المَحْلِ ،بسّام عند البَذْلِ ،حليم عند الطيْشِ ،في الذّرْوَة من قريش ،من أشراف عبد شمس ،ويومك خي ٌر من المس.
ت منهم. فضحِك هشام وقال :ما رأيت مثلك يا ابن صفوان لتخلّصك في َمدْح هؤلء ،ووصفهم ،حتى أرضيتهم جميعاً وسَِلمْ َ
حسِن الهجاء ،فقال :يا أمير المؤمنين ،مَنْ قَدر على تشييد البنية ،أمكنه خَرابُ ودخل العجّاج على عبدِ الملك بن مروان فقال له :بلغني أنك ل تُ ْ
ن نَظلم ،قالَ :لكَلِماتُك أحسنُ من شعرك! فما العزُ الذي الخبية ،قال :ما يمنعُك من ذلك؟ قال :إنّ لنا عِزّا يمن ُعنَا من أن نُظْلَم ،وحِلْمًا يمنعنا من أ ْ
يمنعك أن تظلم .قال :الدب البارع ،والفهْم الناصع .قال :فما الحِلمُ الذي يمنعُك من أن تظلم؟ قال :الدب المستطرف ،والطبع التالد ،قال :لقد
جيّ أمي ِر المؤمنين؟. أصبحت حكيماً .قال :وما يمنعني من ذلك وأنا نَ ِ
قال أبو إسحاق :وليس كما قال العجاج ،بل لكثير من الشعراء طباع َتنْبُو عن الهجاء كالطائي وأضْرابه ،وأصحابُ المطبوع أقد ُر عليه من أهل
ت من َيدِ متناولها ،وكانَ واسِع العطن ،كثير الفطن ،قريب القلب من جرَتْ على سجيّةِ قائلها ،وقرب ْ المصنوع ،إذ كان الهجو كالنادرة التي إذا َ
اللسان ،التهبت بنارِ الحسان.
ومما َينْحُو هذا النحو من مقامات أبي الفتح السكندري إنشاء بديع الزمان قال :حدّثنا عيسى بن هشام قال :طرح ْتنِي النوَى مطا ِرحَها ،حتى إذا
ت فيها َيدَ ال ِعمَارة ،وأموالٍ وقفتها على التجارة ،وحانوتٍ جعلته مَثابةُ ،ورُفقة لقْصَى ،فاستظهرْتُ على اليام بضِياعٍ أَجَل ُ طئْتُ جُرْجان ا َ وِ
شيَتي النهار ،والحانوتِ ما بينهما ،فجلسنا يومًا نتذاكرُ الشعر والشعراء ،وتلقانَا شاب قد جلس غير بعيد، اتخذتهم صَحَابة ،وجعلتُ للدار حا ِ
جذَيله ،ولو شئْتُ عذَيقهُ ووافيتم ُ جدَل فينا ذَيله ،قال :أصبتم ُ ُينْصِت وكأنه يفهم ،ويسكت وكأنه ل يعلم ،حتى إذا مال الكل ُم بنا َميْله ،وجَرً ال َ
سمِعُ الصم ،و ُينْزِل العُصم .فقلت :يا فاضلُ ،ادْنُ فقد م ّنيْتَ ،وهات فقد ن يُ ْ
للفظت فأفَضت ،ولو أردت لسردت ،ولجلوت الحقّ في معرض بيا ٍ
عجِبكم. جبْكم ،واستمعوا أُ ْ سلُوني أُ ِ
أثنيت ،فدنا وقالَ :
غتَدى والطيرُ في ُو ُكنَاتها ،ووصف الخيلَ بصفاتها ،ولم يقل قلنا :فما تقول في امرئ القيس؟ قال :هو أول مَن َو َقفَ بالديار وعَرصاتِها ،وا ْ
جدِ القول راغباً ،ففَضل من تفتًقَ لِلْحِيلة لسانُه ،وانتجَعَ للرغبة بنانُه. الشعرَ كاسِباً ،ولم يُ ِ
حنِق ،ويمدح إذا رَغِب ،ويعتذر إذا رَهِب ،فل يرمي إل صائباً. عشِق ،و َيثْلُبُ إذا َ قلنا :وما تقول في النابغة؟ قال :ينسب إذا َ
عتَاق خزائنه. قلنا :فما تقول في طَرَفة؟ قال :هو ماءُ الشعار وطينتها ،وكَنز القوافي ومدينتها ،مات ولم تظهر أَسرارُ دفائنه ،ولم تطلق ِ
قلنا :فما تقول في زهير؟ قال :يُذيب الشعرَ والشعرُ يذيبه ،ويدعو القَوْل والسّحْ ُر يُجِيبه.
سبَق؟ قال :جرير أرقّ شعراً ،وأَغْزَر غزراً ،والفرزدق أمتَنُ صخراً ،وأكثر فخراً ،وجرير أَوجَع قلنا :فما تقول ،في جرير والفرزدق .وأيهما أ ْ
هَجْواً ،وأشرف يوماً ،والفرزدق أكثر رَوْماً ،وأكثر قوماً ،وجرير إذا نَسب أَشْجَى ،وإذا ثَلَب أَرْدى ،وإذا مدح أسنى ،والفرزدق إذا افتخر
أَجْزى ،وإذا وصف أوفى ،وإذا احتقر أزْرى.
صنْعاً،
قلنا :فما تقول في المحدَثين من الشعراء والمتقدّمين منهم؟ قال :المتقدمون أشرفُ لفظاً ،وأكثرُ في المعاني حظاً ،والمتأخرون ألطفُ ُ
وأرق نَسْجاً.
خذْهما في معرض واحد ،أنشد :الرجز: ت من أخبارك ،قالُ : ت من أشعاركِ ،ور َو ْي َ قلنا :فلو أري َ
ض ّر أمْرًا إمْـرَامُ ْلتَحِفاً في ال ُ أمَا تَرَ ْونِي أَتغشـى طِـمْـرا
ملقياً منها صروفاً حُـمْـرا ُمنْطَوياً عَلَى الليالـي غِـمْـرا
عنِينَا بالمـانـي دَهْـرَا فقد ُ شعْـرَى طلُوعُ ال َ أقصى أمانِيَ ُ
وماءُ هذا الوجهِ أغْلَى سِعـرَا وكان هذا الحرُ أعلـى قَـدْرا
ن كِسْـرَى في دَا ِر دَارَا وإوا ِ ضربت للسرْو ِقبَاباً خُـضْـ َراً
ش عندي نُكْرَا عرْفُ ال َعيْ ِ وعاد ُ فانقلبَ الده ُر لبَطْنِ ظَـهْـرا
ثمّ إلى الـيوم هـلـمّ جَـرّا قٍ مِنْ َوفْـ ِريَ إلّ ِذكْـرَا لم ُيبْ ِ
ل بُـصْـرَى خ دُونَ جبا ِ وأفْر ٌ لول عجُوزٌ لي بُسـ ّر مَـنْ را
صبْـرَا قتَلْتُ ،يا سادةُ ،نَفْسِي َ ب الدّهرُ إلـيهـم شـرّا قد جَلَ َ
189
قال عيسى بن هشام :فنُ ْلتُه ما تَاحَ ،وأعرض عنّا فَراحَ ،وجعلتُ أنفيه وأثبته ،وأُنكِره وكأني أعرفهُ ،ثم دلّتني عليه ثناياه ،فقلت :السكندري
خصْرِه ،وقلت :اْلستَ أبا الفتح .ألم تكُنْ فينا وَليداً ،ولبثْتَ فينا من والٍ؛ فلقد كان فارقَنا خِشفاً ،ووافانا جِلْفاً ،ونهضتُ على إثْرِه ،ثم قبضتُ عَلَى َ
عمْرك سنين؟ فأَيُ عجوز لكَ بس ّر مَنْ رأى؟ فضحك وقال :مخلع البسيط: ُ
فل يغ ّرنّـك الـغُـرورُ ويحك هذا الزمـان زُورُ
ق لمن تَزُورُ واسرقْ وطَ ْلبِ ْ غرّق وبَرّق وكلْ وطرّقْ
دُرْ لليالي كـمـا تَـدُورُ ل تلتـزم حـالة ولـكـن
ومن إنشائه مقامة ولدها على لسان عِصْمة وذي الرمة قال :حدّثنا عيسى بن هشام قال :بينا نحن في مجتمع لنا ومعنا يومئذ رجلُ العرب حِفْظاً
صمُه احتقاراً ،حتى ذكر الصَّلتَان خ ْصمِه حِلْماً ،أو أعرض عنه َ صمَة بن َبدْر ال َفزَارِي ،فَأفْضى الكلمُ إلى ذِك ِر مَنْ أعرضَ عن خَ ْ ورِوَاية ع ْ
ال َعبْدِي واللعِين المنقري ،وما كان من احتقار جرير والفرزدق لهما .فقال عصمة :سأحدّثكم بما شاهدته عيني ،ول أحدّثكم عن غيري :بينا أنا
جعْد الّلغَام ،فاجتاز بي رافعاً صَ ْوتَه بالسلم .فقلت :مَنِ الراكبُ ل نجيبة ،وقائداً جَنيبة ،عنّ لي راكب على أ ْورَقَ َ أسيرُ في بلد تميم مرتح ً
حبَ وَادِيك، سبُه ،الشهير نسبه ،السائر منطقه .فقال :رَ ُ ع ْقبَة .فقلت :مرحباً بالكريم حَ َ غيْلن بن ُالجهيرُ الكلمِ ،المحيي بتحيّةٍ السلم؟ فقال :أنا َ
وعز وادِيك ،فمن أنت؟ قلت :عصمة بن بدر الفزاري .فقال :حيّاك ال ،نعم الصديقُ ،والصاحبُ والرفيقُ .وسِرْنا فلما هَجّرنا قال :أل ُنغَوّرُ يا
ت وذاكَ ،فملْنا إلى شجرات ألء كأنهن عذارَى متبرّجات ،قد نَشَرْنَ الغدائر ،وس ّرحْن الضفائر؛ لَثلثٍ عصمة ،فقد صهرتنا الشمسُ؟ فقلت :أنْ َ
متناوحات؛ فحطَطْنا رِحَالنا ،ونِ ْلنَا من الطعام ،وكان ذو الرمة زهيدَ الكل .وزال كل منا إلى ظل أثلة يريد القَائِلَة ،واضطجع ذو الرّمة ،وأردتُ
غبِيطُها مُلْقًى ،وإذا رجلحيَتْ و َضِ ت غير بعيدٍ إلى ناق ٍة كَ ْومَاءَ ، ظهْري الرض ،وعيناي ل يملكهما غُمض ،فنظر ُ أن أصنَ َع صنيعَه ،فوليْتُ َ
عسِيفٌ أو أسيف ،فَلهِيت عنهما ،وما أنا والسؤال عما ل يَ ْعنِيني! ونام ذو الرّمة غِرَاراً ،ثم انتبهَ ،وكان ذلك في أيام ُمهَاجاته قائم يكلؤها كأنه َ
لذلك المرّي .فرفع عقرته ينشد فيه :المتقارب:
صفَ الرَامِسُ ظ به العا ِ أل ّ أمنْ ميّةَ الطلَلُ الـدا ِرسُ
ستَ ْو َقدٌ ما لَه قَـابِـسُومُ ْ فلم َيبْقَ إل شَجيج القَـذَال
ومحتَفَل دَائِرٌ طـامِـسُ ض تَّلثَ َم من جانبَـيْهِ
وجَ ْو ٌ
لنْـسُ والنـس و َميّةُ وا ِ سكْـنُـهُ
وعَهدِي ب ِه وبهِ َ
يغنّي بها العابِرَ الْجَالِـسُ ستأتي امرأَ القيس مأثورةٌ
ظ به داؤه الـنـاجـس أل ّ ألم تر أنّ امرأ القيْس قـد
حجَرُ اليابِسُ؟ وهل يَأْلَمُ ال َ همُ القو ُم ل يَأَلمُون الهِجَاءَ
ول لهمُ في الوَغى فَا ِرسُ فما لهُمُ في الفَلَ رَاكِـبٌ
عسُ فَطَرفُهمُ المط ِرقُ النا ِ إذا طَمحَ الناسُ للمكرمات
فكل نسائهـمُ عَـانِـسُ تعَافُ الكا ِرمُ إصهارَهـم
فلمّا بلغ هذا البيت جعل ذلك النائم يمسح.عينيه ويقول :أذو ال ّر َميْمَة يمنعني النوم بشعرٍ غي ِر مثقف ول سائر؟ فقلت :يا غيلن ،منْ هذا؟ فقال:
الفريزد ،يعني الفرزدق ،وحَمي ذو الرمة :المتقارب:
ق ميّتهُـمْ رَاجِـسُ فلم يَسْ ِ ل ْرذَلُـون وأمَا مُجَاشـعٌ ا َ
حبِسُهم حَـابِـسُ عقَالٌ ،ويَ ْ ِ س َيعْقلُهم عن مَساعِي الكِرَام َ
ض لمثلي بمَقَال مُنتحل .ثم ق هذا وقبيله بالهجاء .فوال ما زاد على أن قال :قبحاً لك يا ذا ال ّر َميْمَة! أتعرِ ُ فقلت :الن يَشْرق فيثُور ،ويعمّ الفرزد ُ
عاد في نَ ْومِه كأن لم يسمَعْ شيئاً ،وسار ذو الرّمة وسِرْت ،وإني لرى فيه انكساراً حتى افترقْنا.
قوله فيما ولد على الفرزدق بمقال مُنتحل ،يريد أن البيتَ الخير منقول من قول جرير :الطويل:
ضتْ في الحديث المجالسُ إذا ما أفا َ خزَى مـجـاشِـعـاً ألم تر أن ال أَ ْ
وما زال محبوساً عن المجد حَابِسُ وما زال معقولً عِقالٌ عن النـدى
عقال :ابن محمد بن سعيد بن ،مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ،وهو جَذ الفرزدق .وحابس :ابن عقال بن
محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم ،وهو أبو القرع بن حابس أحدُ المؤلّفة قلوبهم.
فِقر في الشعر
قيل لبن الزّبعْرى :لم تقصّر أشعارك؟ فقال :لنها أعْلَق بالمسامع ،وأجْوَل في حافِلِ.
لدَة ما أحاط بال ُعنُقِ.وقيل ذلك لعقيل بن عُلّفة في أهاجيه ،فقال :يكفيك من الق َ
خرِج الزهر حتى تستسلف المطر ،وما ظنّك بقوم القتصا ُر محمود إل فيهم ،والكذب مذموم إل منهم .إياكم غيره :لسانُ الشاعر أرض ل تُ ْ
والشاعر فإنه يطلب على الكذب َمثُوبة ،ويقرع جليسه بأدنى َزلّة.
أبو القاسم الصاحب بن عباد :النثر يتطاي ُر كتَطايُر الشّرر ،والنظم يبقى بقاء النّقْش الحَجَر.
خصَة في الدين ،ل يُقدِم عليها إل فقيه. أبو عبيدة :الزّحاف في الشعر كالرُ ْ
وقال أبو فراس الحمداني :مخلع البسيط:
َلمّا رَأَوْا نحوَها نُهوضي تَناهَضَ الناسُ للمعانـي
تَكلُفَ الشعرِ بالعَرُوضِ تكلّفوا المكرمـات كَـذّا
وقد مدح الجاحظ العروض وذمّها ،فقال في مدحها :العروض ميزان ،ومعراض بها يعرَفُ الصحيح من السقيم ،والعليل من السليم ،وعليها
مَدَار الشعر ،وبها يسلم من الَ َودِ والكَسْر .وقال في ذمّه :هو علم مُوَلّد ،وأدب مس َتبْرد ،ومذهب مرفوض ،وكلم مجهول ،يستنكر العقل
بمستفعلن وفعول ،من غير فائدة ول محصول.
ومن مفردات البيات في هذا المعنى قول دعبل :الطويل:
190
جيّده َيبْقَى وإن مـات قَـائِلـهْ
وَ يموتُ ردِيءُ الشع ِر من قبل أهْلِه
البحتري :البسيط:
ش َفيُمتدَحُ خشَى الهِجاءَ ،ول َه ّ يَ ْ عيَا عليّ؛ فـل هَـيّابةٌ فَـرِقٌ أْ
آخر :الوافر:
عداوة من ُيغَلّ عن الهجاء غمّـاو ِممّا يَ ْقتُل الشعراء َ
أحمد بن أبي فَنن :الطويل:
يَلوم على البخلِ اللئامَ ،و َيبْخلُ وإن أحقّ الناس باللؤم شاعرٌ
وهذا كقول علي بن العباس الرومي في أبي الفياض سَوّار بن أبي شراعة ،وكان سوّار شاعرًا مجيداً :الكامل:
ي ِنقَـاضِ نا َقضْتَ في فِعليك أ ّ يا مَنْ صناعته الدعاءُ إلى العُلَ
هو فيه محتاجٌ إلى حَضَـاضِ عجباً لحَضّاضِ الكِرَام على الذي
ل وفيه عنه َتغَاضِ ورَأى الجمي ٍ صفَ المكارِم وهْوَ فيها زا ِهدٌ وَ َ
وأشدّ مع ِتبَة على الـحَـرّاض لم ألْقَ كالشعراء أكثر حارضـاً
لم يأتِها ،ومـرغـبٍ رفّـاضِ كم فيه ُم مـن آمـرٍ بـرشـيدةٍ
ق تَـرَاضِ لم نفترق عنها افترا َ يا حسـرتـي لـمـودّةٍ أدبـيةٍ
ب تتابعَ المِقْـرَاضِ عيَا المشي ُأْ ليس العتابُ بنافعٍ في قـاطـع
ثم قال بعد هذا التبكيت وال ِعتَاب ما منعه أن َيتَوَهَم أنه هجاه :الكامل:
ل أجعلُ العراض كالغراضِ وََلمَا هجو ُتكَ ،بل وعظتُك إنَنـي
آسفْته ،فَ َرمَاك بالمـعـرَاضِ فاك ُففْ سِهامَك عَن أخيك فإنمـا
ت مُنيتَ بالبـرّاض ومتى جهل ُ ف دَهْرِهِ فمتى حلمتُ وجدتَ أحْن َ
أنذرت قبل ال ّرمْي بالنبـاضِ فاعذِر أخاك على الوعيد؛ فإنما
بطرُ الغنى ومذلّة البـعـاضِ واعلم وقيت الجهلَ أن خسـاسةً
ثم هجاه بقوله :البسيط:
كأن ف ّكيْك للغراض مِـقْـراضُ وما تكلمتَ إل قـلـت فـاحـشةً
غرَاض َوفُوَك ق ْوسُك والعراض أ ْ سهَا ٌم منـكَ مُـ ْرسَـلةٌ مهما تقل ف ِ
وابن الرومي هذا كما قال مسلم بنُ الوليد النصاري في الحكم بن قنبر المازني :الخفيف:
حكم فاشتفى بها من هَجَائي ن فـيهِ عَابني من معايبٍ هُ ّ
وكما قال الخر:الطويل:
مُرادٌ لعمري مـا أرادَ قـريبُ عيْبِ نفسه س مِن َ ويأخذ عيبَ النا ِ
ترجمة الحنف بن قيس وأخباره
حدَثَ القوم سناً، وروى عيسى بن دَأب قال :أول ما عرف الحنف بن قيس و ُقدّم أنه وفد على عمر بن الخطاب ،رضي ال عنه ،وكان أ ْ
وأقبحهم منظراً ،فتكلم كل رجل من ال َو ْفدِ بحاجته في خاصته ،والحنف سا ِكتٌ ،فقال له عمر :قل يا فتى! فقام فقال :يا أميرَ المؤمنين ،إن
سبِخ ٍة نَشّاشة ،ماؤُها مِلْح ،وأفنيتها ضيقة ،وإنما العرب نزلتْ بمساكن طيبة ذات ثمار وأنهار عذَاب ،وأكنّة ظليلة ،ومواضع فسيحة ،وإنا نزلنا ب َ
ي المَة فتغرف بجرّتها وإنائها أوشك أن نهلك، حفْر نهر َيغْزر ماؤه ،حتى تأت َ يأتينا الماء في مثل حلق النعامة فإل تدركنا يا أمير المؤمنين ب َ
قال :ثم ماذا؟ قال :تزيد في صَاعِنا ومُدنا ،وتثبت من تلَحق في العطاء من ذُ ّريّتنا .قال :ثم ماذا؟ قال :تخفّف عن ضعيفنا ،وتنصف قوينا،
وتتعاهد ثغورنا ،وتجهّز بعثَنا ،قال :ثم ماذا؟ قال :إلى ها هنا انتهت المطالب ،ووقف الكلم .قال :أنت رئيس َو ْفدِك ،وخطيب مِصرك ،قم عَنْ
موضعك الذي أنت فيه .فأدناه حتى أقعده إلى جانبه ،ثم سأله عن نسبه ،فانتسب له ،فقال :أنت سيدُ تميم ،فبقيت له السيادة إلى أن مات.
وهو الحنف ،واسمُه الضحّاك بن قيس بن معاوية بن حصين بن حصن بن عبادة بن النزال بن مرّة بن عبيد بن مقاعس بن عمرو بن كعب بن
سعد بن زيد مناة بن تميم.
وقال بعض بني تميم :حضرتُ مجلس الحنف وعنده قو ٌم مجتمعون له في أمرٍ لهم ،فحمد ال وأثنى عليه ،ثم قال :إنّ الكر َم َمنْعُ الحرمِ ،ما
أَقربَ النقم َة من أهل ال َبغْي ،ل خيرَ في لذّ ٍة تُعقِب ندماً ،لم يهلك من اقتصد ،ولم يفتقر من زهد ،رب هزْل قد عاد جِداً ،من َأمِن الزمان خانه،
عذْ َر من اعتذر إليكم، صدّقه ال ِفعْل ،احتملوا ِلمَنْ أَدلّ عليكم ،واقبلوا ُ ومن تَعَظّم عليه أهانه ،دَعُوا المِزَاحَ فإنه يُوَرّثُ الضغائن ،وخَيرُ القول ما َ
حبَةن كُفْرا ال ّنعَمِ لؤم ،وصُ ْ
ف منك ،إياكم ومشا َورَة النساء ،واعلم أ ّ ف مِنْ نفسك قبل أن يُنتص َ
جفَاك ،أنص ْ عصَاك ،وصِلْهُ وإن َ أطِعْ أخاك وإن َ
الجاهل شُؤم ،ومن الكرم الوفاء بالذّمم ،ما َأ ْقبَح القطيعةَ بعد الصلةِ ،والجفا َء بعد اللّطَف ،والعداوة بعد ال ُودّ ،ل تكونَنّ على الساءةِ أقوى منك
ع منك إلى ال َبذْل ،واعلَ ْم أن لك من دُنياك ما أصلحت به َمثْوَاك ،فأنفق في حَقّ ،ول تكن خازِنًا لغيرك ،وإذا على الحسان ،ول إلى البُخْل أسر َ
ل َتعْدِل صلةَ العاقل .قال :فما سمعتُ ن قطيعةَ الجاه ِ ق لمن عَرفَه لك ،واعلم أ ّعرِف الح ّكان ال َغدْرُ موجوداً في الناس فالثّقَ ُة بكل أحدٍ عَجْز؛ ا ْ
كلماً أبل َغ منه .فقمت وقد حفظته.
ودخل الحنف على معاوية ،ويزي ُد بين يديه ،وهو ينظرُ إليه إعجاباً ،فقال :يا أبا بَحْر ،ما تقولُ في الوَلدِ؟ فعلم ما أراد ،فقال :يا أميرَ المؤمنين،
هم عمادُ ظهورنا ،وثمرُ قلوبنا ،وقرة أعيننا ،بهم نَصولُ على أعدائنا ،وهم الخلف ِمنّا َبعْدَنا ،فكن لهم أرضًا ذليلة ،وسماءً ظليلة ،إن سألوك
ع ِت ْبهُم ،ول تم َنعْهم ِرفْدِك فيملّوا قُ ْربَك ،ويستثقلوا حياتَك ،ويتمنّوا وَفاتك .فقال :لّ درّك يا أَبا بَحْر ،هُ ْم كما قلت!. فأَعْطِهم ،وإن استعتبوك فأَ ْ
وزعمت الرواة أنها لم تسمع للَحنف إل هذين البيتين :المتقارب:
ت له بَـاذل
َلجُدتُ وكن ُ ل كثير فلو مدّ سَرْوي بما ٍ
إذا لم َيكُنْ مالُها فاضِل فإنّ المروءةَ ل تستطاع
191
وكان ُيبَخّل .وقال لبني تميم :أتزعمون أني بخيل! والّ إني لُشير بالرّأْي قيمتُه عشرةُ آلف درهم! فقالوا :تقويمك لرَأْيك بُخْل .وكان الَحْنفُ
من الفضلء الخطباء النّسّاك ،وبه يُضْرَب المثل في الحِلْم.
سعْد َيعْرض عليهم السلم ،فقال وقد ذُكر للنبي ،صلى ال عليه وسلم ،فاستغفَر له ،فقد بعث النبي ،صلى ال عليه وسلم ،رجلً إلى قومه بني َ
خيْر ،ول أسمعُ إل حسناً .ف ُذكِر للنبي ،صلى ال عليه وسلم ،فقال" :اللهم اغْفر للحنف" .وكان الحنفُ يقول :ما الحنف :إنه يدعوكم إلى َ
شيء أَ ْرجَى عندي مِنْ ذلك.
شدَق ،مائل عمَير :قدم إلينا الحنفُ ،فما رأينا خصل ًة ُتذَمّ في رجل إل رأيناها فيه ،كان أصلع الرّأْسِ ،متراكب السنان ،أ ْ قال عبدُ الملك بن ُ
ال ّذقَنِ ،ناتئ الوجنتين ،باخق العينين ،خفيفَ العارضين ،أحْنف الرّجلين ،وكانت العينُ تقتحمُه َدمَامَةً وقلّة رُواء ،ولكنه إذا تكلّم جَلّى عن نفسِه.
وهو الذي خطب بالبصرة حين اختلفت الحياءُ ،وتنازعت القبائل؛ فقال بعد أن حمد ال وأثنى عليه :يا معشرَ الزد وربيعة ،أنتم إخوانُنا في
ل لَ ْزدُ البَصرة أحب إلينا من تميم الكوفة ،ولزد صهْرِ ،وأكفاؤُنا في النسب ،وجيرانُنا في الدار ،و َيدُنا على ال َعدُوّ ،وا ّ الدين ،وشركاؤنا في ال َ
ب إلينا من تميم الشام ،وفي أموالنا وأحلمنا سعة لنا ولكم. الكوفة أح ّ
حرٍ ،هذات عليه ،وقال الناس :هذا أَبو بَ ْ صغَت القبائلُ إليه ،وانثال ْ وقد قام خطباءُ البصرة في هذا اليوم وتكلّموا وأَسهبوا ،فلمّا قام الحنف أَ ْ
ت عليه من دارِها ،فلمّا رأته ت ترومُ النظر إليه ،فاعتاص ذلك عليها ،فأشر َف ْ ل المهلب ،فذهب ْ خطيب بني تميم ،وحضر ذلك الجمعَ جاريةٌ ل ِ
ت عن فَصلِ الخطاب. ت هذه الخِلْقة ولو افترّ ْ والبصارُ خاشع ٌة لكلمه ،ورأت دمامةَ خَلْقه ،وكثرة آفاتِ جوارِحه ،قالت :فُقدَ ْ
وذكر المدائني أنّ الحنفَ بن قيس َو َفدَ على معاوية ،رضي ال عنه ،مع أهل العراق ،فخرج الذِنُ ،فقال :إنّ أمي َر المؤمنين يعزم عليكم أل
يتكلمَ أحدٌ إل لنفسه .فلمّا وصلوا إليه قال الحنف :لول عَ ْزمَة أمير المؤمنين لخبرته أن دافّة َدفّتْ ،ونازلةً نزَلتْ ،ونابتة نبتَتْ ،كلّهم بهم حاجة
ف أمير المؤمنين وبرّه ،قال :حسبك يا أبا بحر ،فقد كفيت الشا ِهدَ والغائب. إلى معرو ِ
ولما عزم معاوية على البيعة ليزيد كتب إلى زياد أن يوجّه إليه ب َوفْد أهلِ العراق ،فبعث إليه ب َو ْفدِ البصرة والكوفة ،فتكلّمت الخطباءُ في يزيد،
شرَع منها إلى غيرها ،فقام الحنف فحمد ال وأَثنى عليه ،وصلّى على نبيّه، والحنف ساكِتٌ ،فلما فرغوا قال :قل يا أَبا بَحْر ،فإنّ العيونَ إليك أَ ْ
ت َتعَْلمُه ل رضًا فل تشاوِ ْر فيه ن كن َ
صلى ال عليه وسلم ،ثم قال :يا أمي َر المؤمنين ،إنك أعَلمُنا بيزيدَ في ليله ونهاره ،وِإعلنه وإسراره ،فإ ْ
أحداً ،ول تُقِمْ له الخطباءَ والشعراء ،وإن كنتَ تعلم ُب ْعدَه من ال فل تزوّده من الدنيا و َترْحَل أ ْنتَ إلى الخرة ،فإنك تَصير إلى يومٍ يف ّر فيه المرءُ
من أخيه ،وأمّه وأبيه ،وصاحبته وبنيه .قال :فكأنه أفْرغ على معاوية ذنوب ماء بارد .فقال له :اق ُعدْ يا أبا بَحْرة فإن خِيرَة ال تَجْرِي ،وقضاءَ ال
جدَر بأن يُجتمَع عليه منه. جدْ في قريش فتى هو .أَ ْ يمضِي ،وأحكام ال تنفذ ،ل ُمعَقّب لحكمه ،ول رَادّ لقضائه؛ وإن يَزي َد فتًى قد بلَ ْونَاه ،ولم ن ِ
حكِي عن شاهد ،ونحن نتكلَمُ على غائب ،وإذا أراد ال شيئاً كان. فقال :يا أمير المؤمنين ،أنت تَ ْ
قال ابن الرومي :الكامل:
يتعلّ ُم الدَابَ حتـى أحـكـمـا غ َتدَىإن امرأً َرفَض المكاسب وا ْ
ض ونَظما حرّ ما حاكَ القرِي َ من ُ فكسَا وحَلّى كلّ أرْوَع مَـاجـد
ل يُحْـرَمـا ق ملتمـسٍ بـأ ّ لح ّ ثِقةً برعْي الكْرمين حقـوقَـه
قال أبو العباس أحمد بن عبيد ال بن عمَار :ومن نادرِ شعر أبي الحسن في هذا المعنى -قوله ،ووصف إتعاب الشعراء أنْفُسَهم بدُؤوبهم في
جدَى عليهم، صناعتِهم ،وما يتصرّم من أعمارهم ،وأن إلحاحَهم في طلَبِ ما في أيدي من أسلفُوه مديحَهم لو كان رغبة منهم إلى ربهم كان أ ْ
وأقرب من درك ُبغْيتهم ،ونُجْح طَلِبتهم ،ثم انحرف إلى توبيخ من َمدَحه فحرمه بأحسن عبارة ،وأرضى استعارة ،فقال :الكامل:
عند الكِرَام لها قَضَـا ُء ذمَـامِ للناس فيما يكلفـون مَـغَـارِم
إنفاقُ أعماَرٍ وهَجـ ُر مَـنَـامِ ومغارم الشعراء في أشعارهم
لو حُولفت حرست من العدام وجفاء لذاتٍ ورفضُ مكاسـب
حَسَنَ الصنائعِ سابغَ النعـام وتَشَاغُل عن ذكر رب لم يَ َزلْ
جدَى على الـخـدام خدموكم أ ْ من لو بخدمته تشاغل معشـرٌ
إنّ الكرا َم إذًا لغَـيْ ُر كِـرا ِم أفَما لذلك حُـرْمة مـرعـيّة
إياك يا ابن أكـارِم القـوامِ ب ب ِمدْحتي لم أحتَسِبْ فيك الثوا َ
أحداً أحق بـه مـن اليتـام سبَةً لم أكْسُهُ حْلو كان شعرِي ِ
فتنام والشعراءُ غـيرُ نـيامِ ح ثم تـعـافـهُل تقبلنّ المدْ َ
فلهم أشدّ معَـرّة الـعُـرّام واحذَ ْر معرّتهم إذا دنّستـهـم
حكموا لنفسهم على الحكّـام واعَلمْ بأَنه ُم إذا لم يُنصَـفـوا
وعقابهُم َيبْـقَـى مـع اليامِ وجناية العادِي عليهم تن َقضِـي
أبو الطيب المتنبي :الكامل:
وعَداوةُ الشعراء ِبئْسَ المُ ْق َتنَى ومكا ِيدُ السفهاء واقع ٌة بِـهِـمْ
مات الحنف بن قيس بالكوفة ،فمشى مصعب بن الزبير في جنازته بغير رداء ،وقال :اليوم مات سرُ العرب؛ فلما دُفن قامت امرأةٌ على قبره
فقالت :ل دَرّك من مُجَنّ في جَننٍ ،و ُمدْرَج في كَفَن ،نسألُ الذي فجعنا بموتك ،وابتلنا بفَ ْقدِك ،أن يجعلَ سبيلَ الخي ِر سبيلَك ،ودليلَ الرّشد دَليلك،
شرِك؛ فوالّ لقد كنت في المحافل شريفاً ،وعلى الرامل عَطُوفاً ،ولقد كنت في الحي ُمسَوّداً ،وإلى وأن يوسّع لك في قبرك ،ويغفر لك يوم حَ ْ
الخليفة مُوفَداً ،ولقد كانوا لقولك مستَمِعين ،ولرأيك متّبعين؛ ثم أقبلت على الناس فقالت :أل إن أولياء ال في بلدِه ،شهود على عباده ،وإني
حسْنِ الثناء ،وطيب النّثا ،أما والذي كنتَ من أجله في عدّة ،ومن الحياةِ إلى مدّة ،ومن المقدار إلى غاية، صدْقاً ،وهو أهلٌ ل ُ لقائلةٌ حقّا ،ومثنيةٌ ِ
ت سعيداً مفقوداً ،ثم انصرفت وهي تقول :الكامل: ومن الياب إلى نهاية ،الذي رفع عملك ،لما َقضَى أجََلكَ ،لقد عِشت حميدًا مودوداً ،ومُ ّ
192
ب منكَ في ال َقبْـر؟ ماذا تغي َ للـ ِه دَرُك يا أبـا بَـحْـــرِ
ت من عُرْف ومِن ُنكْرِ أصبح َ ل دَرّك أيّ حَـشْـوِ ثـرًى
صبْـرِت قُوَى ال ّ حدَثًا به و َهنَ ْ إنْ كان ده ٌر فيك جرّ لـنـا
ت تَ ُردّ جرائرَ الـدهـرِكا َن ْ فلـكـم َيدٍ أسـديتـهـا ويدٍ
ط أبلغ ول أصدق منه. سئِل عنها ،فإذا هي امرأتُه وابنةُ عقَه .فقال الناس :ما سمعْنا كل َم امرأة ق ّ ثم انصرَفت ف ُ
حنَفَ الرجلين ،فقال له :يا أبا بحر ،بأي شيء بلغتَ قال :وكان الحنفُ قدم الكوفة في أيام مصعب بن الزبير ،فرآه رجلٌ أعو َر دميماً قصيراً أ ْ
في الناس ما أرى؛ فوال ما أنتَ بأشرف قومِك ،ول أجودِهم؟! فقال :يا ابن أخي ،بخلف ما أنت فيه! قال :وما هو؟ قال :تَ ْركِي من أمرك ما ل
عنَاك من أمري ما ل تتركه. يعنيني ،كما َ
ترجمة منصور النمري وأخباره
اجتمع الشعراء بباب المعتصم فبعث إليهم :مَنْ كان منكم يحْسِنُ أن يقول مثل قول منصور النّمري في أمير المؤمنين الرشيد :البسيط:
أحلّك ال منها حيث تجتـمـعُ ف أودية إنّ المكارمَ والمـعـرو َ
ت من القوام متضعُ ومن وضعْ َ إذا ر َفعْتَ امرأً فالَُ رافِـعُـه
فليس بالصلواتِ الخمس ينتفـعُ من لم يكن بأمين الِ معتضمـاً
أو ضاق أمرٌ ذكرناه فيتـسـع إنْ أخلف الغيثُ لم تُخْلِف أناملُه
فليدخل ،فقال محمد بن وهيب :فينا من يقولُ خيرًا منه ،وأنشد :البسيط:
شمس الضحى وأبو إسحاقَ ،والقمر ق الدنيا ببـهـجـتـهـم ثلثةٌ تش ِر ُ
الغيثُ والليثُ والصمصَامة الذكَـرُ يحكي أفاعـيلَـه فـي كـل نـائبةٍ
فأَمر بإدخاله وأحسن صلَته.
أخذ معنى البيت الول من بيتي محمد بن وهيب أبو القاسم محم ُد بن هانئ الندلسي :الكامل:
قَلْبي وطَرْفٌ بابلـيّ َأحْـوَرُ ن من البَرِيةِ كـلّـهـا ال ُمدْنَفا ِ
ج ْعفَرُالشمسُ والقم ُر المنيرُ و َ ت ثـلثةٌ؛ شرِقاتُ النّـيرا ُوالمُ ْ
وبيت أبي القاسم الول مأخوذ من قول ابن الرومي :مجزوء الرمل:
يا عليلً جعل العِلة مِفْتاحاً لسقمي
غير جَـفْـنَـيك وجِـسْـمِــي ليس في الرض عليلٌ
ق منذ ثلث ونحنُ على يَ ْأسٍ منها .فقال له العتابي :وإنّ دواءها منك ومَرّ النمري بالعتابي مغموماً فقال :ما لك ،أعزّك الّ؟ فقال :امرأتي تطل ُ
ب من وجهها ،قل :هارون الرشيد ،فإن الولدَ يخرج! فقال :شكوت إليكَ ما بي ،فأجبتني بهذا؟ فقال :ما أخذت هذا إل من قولك :البسيط: أقر ُ
أو ضاق أمرٌ ذكرناه فيتسـعُ إن أخلف الغيث لم تخلف أنامِله
وأبيات منصور بن سَلمة بن الزبرقان النمري التي ذكرها المعتصم من قصيدة له وهي أحسنُ ما قيل في الشيب أَولها :البسيط:
إذا ذكرتُ شبـابـاً لـيس يُ ْرتَـجَـعُ ما تنـقـضـي حَـسْـرَةٌ ول جَـزَع
ب دَهْـرٍ وأَيامٌ لـهـا خُـ َدعُ خطـو ُ بانَ الشباب وفاتَـتْـنـي بـغـ ّرتِـه
حتى انقضى فإذا الدنـيا لـه تَـبـعُ ما كنتُ أوفي شبابي كُـنْـه غِـ ّرتِـه
في حلبة الخدّ أجْرَاها حشًـى َوجِـعُ ب دمـعـتِـه جبَتْ أن رأتْ أسـرا َ تع ّ
صتِـه فـالـعُـذْر ل يَقـعُ شجَي بغُ َتَ ْ أصبحت لم تطعمي ُثكْلَ الشباب ولـم
عين الكذوب فما في ودّكـم طـمَـع ل ألـحـين فـتـاتـي غـير كـاذبةٍ
إل لهـا نَـبْـوَة عـنـ ُه ومُـ ْرتَـ َدعُ عيْبٍ وإن َومِقَـتْ ب من َ ما واجه الشي َ
س تَـنْـخَـدِع عند الحسان فما للنّفْـ ِ إني لمعتـرف مـا فـيّ مـن أ َربٍ
لول تعزيك أنّ المرَ مـنـقـطِـعُ قد كدت تقضي على فَوْت الشباب أسًى
وذُكر أن الرشيد لما سمع هذا بكى ،وقال :ما خير دنيا ل تخطر فيها ببرد الشباب! وأنشد متمثّل :الوافر:
وقد صار الشبابُ إلى ذهَابِ أَتأمُل رَجعَة الدنيا سَفَـاهـاً
ج ِمعْنَ لنا فنُحْنَ على الشبابِ ُ فليت الباكياتِ بـكـلّ أرض
ج ْودَة شعره ،ولمَا َيمُتّ إليه من النسب من العباس بن عبد المطلب ،رضي ال عنه ،وكانت نثيلة أم العباس وكان الرشيد يقدم منصوراً النمري ب َ
ظهِر من الميل إلى إمَامَة العباس وأهله ،والمنافرة لل علي ،رضي ال عنه ،ويقول :الوافر: من النمر بن قاسط؛ ولمَا كان يُ ْ
عليكمْ بالسّـدَادِ مـن المـورِ بني حسن وقل لبني حُـسَـين
وأحلمـًا َيعِـدْن عِـداة زُورِ أميطوا عنكُم كذِب المـانـي
من الحزاب سَطرٌ في سطورِ تسَمون الـنـبـي أبـًا ويَأْبـى
حدٍ من رِجاِلكُمْ" .وهذا إنما نزل في شأن زيد بن حارثة ،وكان رسولُ ال ،صلى ال عليه وسلم ،تبنّاه، ن محمدٌ أبا أ َ ل ال تعالى" :ما كا َ
يريدُ قو َ
ل بيتَ المال فيأخذ ما أحب. فقال له الرشيد :ما عدوتَ ما في نفسي ،وأمره أن يدخ َ
ظهَرْ إل بعد موته ،وبلغ الرشيد قوله :الكامل: وكان يضمر غير ما يظهر ،ويعتقد الرّفض ،وله في ذلك شعر كثير لم يَ ْ
يتطامَنون مَخافَةَ القَـتْـلِ ن يُحِـبّـهـمُ
ي ومَ ْ
آلُ النب ّ
من ُأمَةِ التوحيد فـي أزْلِ أمِنَ النصارى واليهو ُد ومَن
193
ظبَا الصّوارم والقَنا الذُبْ ِ
ل بُ ل مَصَالت ينصرُونَـهُـمُ إّ
فأمر الرشيد بقتله وكان حينئذ برأس العين ،فمضى الرسولُ فوجده قد مات فقال الرشيد :لقد هممت أن أنبش عظامَه فأحرقها .وكان يُ ْلغِز في
مدحه لهارون ،وإنما يريد قول النبي ،صلى ال عليه وسلم ،لعليّ ،رضوان ال عليه" :أنت مني بمنزلة هارون من موسى" .وقال الجاحظ:
وكان يذهب أولً مذهب الشّراة ،فدخل الكوفة وجلس إلى هشام بن الحكم الرافضي وسمع كلمَه ،فانتقل إلى الرفض ،وأخبرني مَنْ رآه على
قبر الحسين بن علي ،رضي ال عنهما ،ينشد قصيدتَه التي يقول فيها :الوافر:
ول القفاء آثارُ الـنّـصـولِ فما وُجدت على الكتاف منهـم
وفوق حجُورهم َمجْرَى السيولِ ولكنّ الوجـوهَ بـهـا كُـلـومٌ
وفي الحياء أمواتُ العُـقـولِ أرِيق دمُ الحسين ولـم يراعـوا
جرَى دمُه عـل خـدّ أسـيل ك مِنْ جَـبِـينٍ فدتْ نفسي جبي َن َ
مِنَ الحزانِ واللمِ الـطـويل أيخلـو قـلـبُ ذي َورَع ودِينٍ
194
خبّـر صـاحـبخبّرُ أهلٍ أو مُ َ
مُ َ ف يُخبِـرُ مـا رَأى
فل بدّ أن الضي َ
تضيّفتها بين العُـذيب فـراسِـبِ لَمخبرك النباءَ عـن ُأمّ مـنـزل
غيْرِ ذات كواكـبِ
إلى طر ِمسَاء َ تلفّعت في طَلّ وريح تَـلُـفّـنـي
تََل ّفعَتِ الظلماءُ من كل جـانـب حيْ َزبُون تُوقِد النا َر بـعـدمـا
إلى َ
ل وميض النار َيبْـدُو لـراكـب تَخَا ُ تصَلّى بها بَرْد العِشاء ولـم تـكـن
تريح بمحسود من الصـوت لغـب فما راعهـا إل بُـغـا ُم مـطـيّتـي
ومن َرجُل عارِي الشاجع شاحـبِ جنّتْ فنـونـًا مـن ِدلَث مُـنَـاخةٍ فُ
تخزّم بالطراف شوكُ العـقَـارِب سَرَى في حَلِيكِ الليل حتى كـأنـمـا
إليك ،فل تذعَرْ عـلـيّ ركـائبـي تقول وقد قرّبت كُورِي ونـاقـتـي
حقّ عـلـى كـل جـانـب ولكنه َ فسلّمت والتسـلـيمُ لـيسَ يسـرّهـا
كما انحاشَت الفعى مخافةَ ضارِب فردّت سلماً كارهاً ثم أعـرضـتْ
مَنِ الحيّ؟ قالت :معش ٌر من محَارب فلمّا تنازعنَا الحـديثَ سـألـتُـهـا
جيَاعاً ورِيفُ الناس ليس بنَـاضِـبِ ِ من المشتَوين القدّ مـمـا تَـرَاهـم
ي مبيتُ السـوء ضَـرْبةَ لَزب عل ّ فلمّا بَدا حرمانُها الضـيفَ لـم يكـن
يَداها ورِجْلَها حثيثَ الـمـراكِـبِ و ُقمْت إلى َمهْـريّة قـد تـعـ ّودَتْ
ق ليل ِمثْلُ نارِ الحُـبَـاحـبِ لطار ِ ل إنّمـا نـيرانُ قـيسٍ إذا شَـتَـوْا أَ
ومحارب :قبيلة منسوبة إلى الضعف ،وقد ضربت العربُ بها المثل .قال الفرزدق لجرير :الطويل:
من الناس إل منك أو من مُحَاربِ وما استعهدَ القوا ُم مِنْ زوج حُرةٍ
ب ول من محارب. أي يأخذون ال َعهْ َد عليه أنه ليس من كلي ٍ
وقال أبو نواس في قصيدته التي فخر فيها باليمانية وهجا قبائل معد :المنسرح:
من المخازي سِوَى مَحاربِها عيْلنَ ل أريدُ لـهـاوقيسُ َ
وكانت أم عبد الصمد بن المعذل طباخةً ،فكان أحمد يقول إذا بلغه هجاؤه :ما عَسِيتُ أن أقول فيمن أُ ْلفِحَ بين قدر و َتنّور ،ونشأ بين زُق
وطُنبورا؟ وعبد الصمد شاعر أهل البصرة في وقته ،وهو القائل :الطويل:
وهان عليها أن أُهان لتـكـرمـا تكلفُني إذللَ نفسـي لـعِـزّهـا
ب يحيى بن أكثمـا فقلت :سَلِيه َر ّ سلِ المعروف يحيى بن أكثم تقولَ :
قال أبو شُراعة القَيسي :كنتُ في مجلس ،ال ُعتْبي مع عبد الصمد بن المعذل ،فتذاكرنا أشعا َر المولدين في الرقيق ،فقال عبد الصمد :أنا أشعر
الناس فيه وفي غيره ،فقلت :أحذق منك وال بالرقيق الذي يقول ،وهو راشد بن إسحاق أبو حُكيمة الكوفي :الطويل:
ولكـنّـهُ مـمـن يحـبّ غَـرِيبُ ومستوحشٍ لم يمْس في دارِ غُـ ْربَةٍ
ت نَـواهُ والـمَـزا ُر قَـريب فشطَ ْ طَوَاه الهوى واستشعر الوَصل غيرهُ
وإن حَلها شخـصٌ إلـيّ حـبـيبُ سلمٌ على الدارِ التـي ل أزورُهـا
هوًى تَحْسُن الدّنيا بـه وتَـطِـيبُ وإن حَجبتْ عن ناظريّ ستُـورُهـا
ويَسخَنُ طَرْف اللهو حـين َيغِـيب حكُ اللّذات عند حضـوره ضَ هوى تَ ْ
ب قَضِـيبُ إذا اهتزَ من تحتِ الثيا ِ تثنّى به العطافُ حـتـى كـأنـهُ
سمِـه فـأجـيبُ وقد كنت أُدعَى با ْ صمْتي حين يَجْري حـديثـهُ ألم تر َ
وإن لم يَكن للعين فـيه نـصـيبُ سعْي الدهر بيني وبـينـه رضيت ب َ
ق مُـصِـيبُسهْمٌ لِـلْـفـرا ِ
وإياه َ أحاذِر إنْ واصلتـه أن ينـالـنـي
ن مُـرِيبُول شك أني عـنـدهـ ّ أرى دون مَنْ أهوى عيوناً تريبنـي
ولي حين أخلو َزفْـرَة ونَـحِـيبُ أُدارِي جليسي بالتجلّد في الـهـوى
سنّـي والـفـؤادُ كَـئيب فيضحك ِ خبَرُ عـنـه بـالـذي ل أحـبّـه وأُ ْ
ح فـيعـيب فيطمع فينـا كـاشـ ٌ مخاف َة أن َتغْرَى بنا ألسـنُ الـعِـدَا
على حَرَكات العاشـقـين رقـيبُ كأن مجالَ الطّرف في كل نـاظـر
ويصِبين عقلَ المرءَ وهْو لـبـيبُ أرَى خطرات الشوق يبكين ذَا الهوى
فأضحى وثَوْبُ العز منه سَـلِـيبُ وكم قد أذل الحب من مـتـمـنـعٍ
ت فـيه ،عَـجـيب
لمرٌ ،إذا فكر ُ خضُوعَ النفس في طلب الهوى وإن ُ
فلم ينطق بحرف.
ولبي شُراعة يمدح بني رياح :البسيط:
خير المَعاد وأسقى َر ْبعَكم دِيمَا لَ نعمَتـكـم
بني رياح ،أعاد ا ُ
يكادُ ينهلّ من أعطافِه كَرَمـا فكم بِهِ من فَتى حُلْو شمـائلـهُ
195
إلّ تلبسها إخوانهم نِـعـمـا لِ مُذْ خلقـوا
لم يلبسوا نعمةً َ
وفي إبراهيم بن رياح يقول عبد الصمد بن المعذل :الخفيف:
ب منها نسيم وهي حَسرَى إنْ ه ّ قد تركت الرياح يا ابـنَ رياح
ك مَال نِضوٌ وفعـلٌ جَـسـيم لَ نهكتْ ماَلكَ الحقوقُ فأَضْحَـى
وكان عبد الصمد بن ال ُمعَذل متصلً بإبراهيم ونبيه ،وأفاد منهم أموالً جليلة ،واعتقد عقداً نفيسة ،فما شكر ذلك ول أصحبه بما يجب عليه من
الثناء عند ب ْكبَته ،وكان الواثق عزَلَه عن ديوان الضياع ،ودفعه إلى عمر بن فرج الرخجي ،فحبسه فهجاه عبد الصمد.
قال أبو العباس محمد بن يزيد :وكان عبد الصمد شديدَ القدام على رديء السريرة فيما بينه وبين الناس ،خبيث النية ،يرصُد صديقَه بالمكروه،
س عليه ،ويحمل على معرفةٍ ،عجبًا بِظَرْف لِسانِه، سلَم لحد ،وكان مشهوراً في ذلك المر ،يُ ْلبَ ُ تقديرًا أن يعادِيه فيسوءه بأمْ ٍر يعرفه؛ ول يكاد يَ ْ
ب مجلسه ،وأيضاً ل ُقبْح مسَبته ،وشائن معرّته. وطي ِ
قال أبو العيناء :ولما حبس الواثق إبراهيم بن رياح ،وكان لي صديقاً ،صنعتُ له هذا الخبر رجا َء أن ينتهي إلى أمير المؤمنين فينتفع به،
فأخبرني زيدُ بن علي بن الحسين أنه كان عند الواثق حين قرِئ عليه فضَحِك واستظرفه .وقال :ما صنع هذا ُكفَه أبو العيناء إل في سبب
إبراهيم بن رياح ،وأمر بتخليته ،والخبر قال :لقيتُ أعرابياً من بني كلب فقلت له :ما عندك من خَبر هذا العسكر؟ فقال :قتل أرضاً عاِل ُمهَا،
قال :فقلت :فما عندك من خبر الخليفة؟ قال :بَخْبخ بعزه ،وضرب بِجِرانه ،وأخذ الدرهم من مصره ،وأرهف قَلَم كلّ كاتبٍ بجبايته .قلت :فما
جنْدَلة ل تُرَام ،ينتحي بالمدَى لتحزه فيجور ،وتنصب لهُ الحبائل حتى تقول :الن ،ثم عندك في أحمد بن أبي دُواد؟ قال :عُضْلة ل تُطاقُ ،و َ
ضخْم
ضبْرَة الذئب ،ويخرج خروج الضب ،والخليفة يحنو عليه ،والقرآن آخذ بضبعيه .قلت :فما عندك في عمر بن فرج؟ قالَ : يضبر َ
سيّهم ،وأحْرِ له بمثل مصرع من يصرع .قلت :فما عندك في خبر ابن حِضجْر ،غضوب هِ َزبْر ،قد أهدفه القو ُم ل َبغْيهم ،وانتضلوا له عن قِ ِ
الزيّات؟ قال :ذلك رجُلٌ وسع الوَرى شره ،وبطن بالمور خيره .فله في كل يوم صريع ،ل يظهر فيه أثرُ ناب ول مِخلب ،إل بتسديد الرأي.
قلت :فما عندك في خبر إبراهيم بن رياح! قال :ذاك رجل أوْبقَه كَرمُه ،وإن يَفُزْ للكرام قدح ،فأحْ ِر ب َمنْجَاته ،ومعه دعاء ل يخذله ،ورَب ل
يسلمه ،وَفوقه خليفة ل يظلمه .قلت :فما عندك في خبر نجاح بن سلمة؟ قال :لّ درّه من ناقض أوتار ،يتوقّد كأنه شعل ُة نار ،له في ال َفيْنَة بعد
الفينة ،عند الخليفة خلسة كخلسة السارق ،أ ْو كحسوة الطائِر ،يقومُ عنها وَقد أفاد نعماً ،وَأوْقع نقماً .قلت :فما عندك في خبر ابن الوزير؟ قال:
إخاله َكبْش الزنادِقة ،أل ترى أنّ الخليفة إذا أهمله خضِمَ ورَتع ،وإذا أمر بتقصيه أمطر فأ ْمرَع .قلت :فما عندك من خبر الخصيب أحمد؟ قال:
صبْره صبرُها، ذاك أحمق ،أكل أكْلَة َنهِم ،فاختلف اختلف بشم .قلت :فما عندك في خبر المعلى بن أيوب .قال :ذاك رجل قُدّ من صخرة ،ف َ
ومسّه مسّها ،وكل ما فيه بعد فمنها ولها .قلت :فما عندك من خبر أحمد بن إسرائيل؟ قال :كتوم غرور ،وجَلْد صبور ،رجل جِ ْلدُه جلد نمر ،كلما
خرقوا له إهاباً ،أنشأ ال له إهاباً .قلت :فما عندك من خبر الحسن بن وهب؟ قال :ذاك رجل اتّخذ السلطانَ أخاً ،فاتّخذه السلطانُ عبداً ،قال :قلت:
شدّ ما استوفيتَ مسألتك أيها الرجل! ذاك حرمة حبست مع صواحباتها في جريرة محرمة، فما عندك من خبر أخيه سليمان بن وهب؟ قالَ :
صدَر ،هيهات :الخفيف: ليس من القوم في وِ ْردٍ ول َ
وعلى الغانيات جرّ الذيول ُكتِبَ القتلُ والقتالُ علينـا
ن يبعثون. قال :قلت :فما عندك من خبر عبد ال بن يعقوب؟ قال :أمواتٌ غير أحياء ،وما يشعرون أيّا َ
سعَس ،وَأنتشِرُ في الصبح إذا تنفّس. قلت :فأين نزلت فأؤمّك .قال :ما لي منزل تأمّه .أنا أستتِر في الليل إذا عَ ْ
?ابن راشد
ومن مليح شعر راشد بن إسحاق بن راشد ،وهو أبو حُكيمة ،وكان قَوِيّ أسْرِ الشعر :الطويل:
أُجيلُ وجوه الرأي فيك وما أدري تحيرْتُ في أمري وإني لـواقـف
أ َم اقنَعُ بالِعْراض والنظَرِ الشّزْرِ أأعْ ِزمُ عَزْمَ اليأْس فالمـوتُ راحةٌ
ق بين الجوانح والصـدرِ على حُ َر ٍ وإني وإن أعرضت عنك ل ُمنْـطَـوٍ
فألقاك ما بيني وبينك في سِـتْـرِ إذا هاج شوقي مثّلتك ليَ المـنـى
ولكِنْ دعاني اليأسُ فيك إلى الصبر فديتك لم أصبر ولـي فـيك حـيلةٌ
كما صبَر الظمآنُ في البلد القفْـر تصبّرت مغلوباً وإني لـمـوجَـعٌ
وقال :الوافر:
عطَ َفتْك ألسنة العـتـابِ فما َ عتبت عليك في قطع العتـاب
عتْب الضميرِ المستَرابِ على َ وفيما صرت تظهر لي دلـيل
هززْتُ إليك أجنِحَةَ التصابي وما خطرتْ دواعي الشوقِ إلّ
وقال أيضاً :الطويل:
َب َكيْتِ لـمـحـزونِ الـفـؤا ِد كـئيبِ حكْت ولو َتدْرِين ما بِي من الـهـوى ضِ
ول قَـلْـبُـهُ مِـنْ َزفْـرَ ٍة ونـحـيب لمن لم تُ َرحْ عيناه من فَـيْضِ عَـبْـ َرةٍ
غريب الهَـوى بـاكٍ لـكـل غـريبِ لمستأنـس بـالـهـ ّم فـي دارِ وَحْـشَةٍ
ن هـنـاك وطِـيبِ وما كان من حُسْـ ٍ ن فـانـقـضـى أل بأبي العيشُ الذي با َ
ن لـذاتِـه بـنـصـيبِ ونـأخـ ُذ مِـ ْ لياليَ يدعونـا الـصّـبـا فـنـجـيبـهُ
على غَـفْـلَ ٍة مـن كـاشـح ورقـيب نردّدُ مـسـتـور الحـاديث بـينـنـا
ف ُبدّلَ منـهـا مَـشْـهَـدٌ بـمَـغِـيب إلى أن جرى صَ ْرفُ الحوادث في الهوى
وله مذهب استفرغ فيه أكثر شعره ،صُنتُ الكتاب عن ذكره.
أخبار عبد الملك بن صالح
196
حبْسه -فلما َمثَل بين يديه التفت إليه ،وكان يُحدث يحيى بن خالد بن بَرْمك وزيرَه ،فقال دعا الرشيد بعبد الملك بن صالح -وكان معتقلً في َ
متمثّل :الوافر:
عذي َركَ من خليِلكَ من مُرادِ أريد حياتَه ويري ُد قَـتْـلـي
ثم قال :يا عبدَ الملك ،كأني أنظر إلى شُ ْؤبُوبها قد َهمَع ،وإلى عارِضِها قد َلمَع ،وكأني بالوعيد قد أوْرَى ،بل أدْمى ،فأبرز عن بَراج َم بل
سهُلَ لكم الوَعْر ،وصفا لكم ال َكدِر ،وألقَتْ لكم المور أثناءَ أزِمتها ،فنذار لكم نذراً َمعَاصِم ،ورؤوس بل غَلَصم ،فمهلً بني هاشم ،فبي وال َ
قبل حلول داهية خبوط باليد والرجْل ،فقال عبد الملك :أفذّا أتكلم أم تَوْأماً؟ قال :بل َفذّا ،قالِ :اتّق ال يا أمير المؤمنين فيما ولك ،وأحفظْه في
سهُلَت لك الوعور ،وجمعت على خوفك رعاياك الذي استرعاك ،ول تجعل الكفر بموضع الشكر ،والعقاب بمَوْضِع الثواب ،فقد ،والَّ ،
ت لك كما قال أخو بني جعفر بن كلب -يعني لبيداً :-الرمل: ي يََلمْلَمَ ،وكن ُ
ورجائكِ الصدور ،وشددْتُ أوَاخِي ملكك بأوثَقَ من ُر ْكنَ ْ
ن وبَـيَانٍ وجَـدَلْ
بلـسـا ٍ ومقام ضَـيّق فـرّجـتـه
ل عن مثل مقامي وزَحَل زَ ّ لو يقومُ الفـيلُ أو فـيالُـهُ
فأعاده إلى محبسه ،وقال :لقد نظرتُ إلى موضع السيف من عاتقه مراراً ،فيمنعني عن قتله إبقائي على مثله.
حقُود! فقال عبد الملك :أيها الوزير ،إنْ كان وأراد يحيى بن خالد أن يضَ َع من عبد الملك ل ُيرْضِيَ الرشيد ،فقال له :يا عبد الملك ،بلغني أنك َ
ن ِممّا احتجّ به عبد الملك.
شرّ والخير ،إنهما لباقيان في قلبي! فقال الرشيد :تالّ ما رأيتُ أحداً احتجّ للحقد بأحْسَ َ الحقد هو بقاء ال ّ
وقد مدح ابن الرومي الحقد ،وأخذ هذا المعنى من قول عبد الملك ،وزاد فيه ،فقال لعاتب عابه بذلك :الطويل:
ش ّر انتحيْتَ على عرضِي من الخير وال ّ لئن ُكنْتَ في حفظي لمـا أنـا مُـو َدعٌ
خلُق مَحْض
ب امرئ يُزْرِي على ُ ور ّ ع ْبتَـنـي إلّ بـفـضـل إبـانة َلمَا ِ
ب أن تَدان دَيناً ول تقـضـي
بل العي ُ ض بمثلهـا ن تُجْزَى القرو ُ ول عيبَ أ ْ
توفيك ما تسدي من القَرْض بالقرض وخيرُ سحـيّاتِ الـرجـال سـجـيةٌ
من ال َبذْر فيها فهي ناهيك من أرضِ إذا الرض أدّتْ َريْع ما أنـت زارعٌ
لينقض وتراً آخر الدهر ذو نـقـض ولول الحقُودُ المستكنـات لـم يكـنْ
وبعض السجايا ينتمين إلى بـعـض وما ا ْلحِ ْقدُ إل توأم الشكر في الفـتـى
فثَ ّم ترى شكراً على حَسَن القَـرْض فحيث ترى حِقداً عـلـى ذي إسـاءة
وقال يرد على نفسه ،ويذمّ ما مدح ،توسعاً واقتداراً :البسيط:
لقد سََلكْتَ إليه مسلكـاً وَعِـثـا يا مادحَ الحقدِ محتالً له شـبـهـاً
يعودُ ما ل َم منه مـرةً شَـعِـثَـا إن القبيح وإنْ صنّعت ظـاهِـرَهُ
على القلوب ولكن قل ما لبـثَـا كم َزخْرَف القول ذو زُور ولبّسهُ
فلن ترى سببًا منهن منـتـكِـثـا قد أبرم ال أسباب المور مـعـاً
ساء الدفينُ الذي أضحت له جَدثا ح ْقدِ في ضعفي جوانبـهِ يا دافنَ ال ِ
يَرِي الصدورَ إذا ما جمْرُهُ حُرثا الـحـقـدُ دا ٌء دَوِيّ ل دواءَ لـهُ
فإنما يبرئ المصدو َر ما نَـفَـثَـا صفْحٍ أو معـاتـبةٍ ف منه ب َ ش ِ فاست ْ
ول تكن بصغير القول ُمكْتـرِثـا واجعل طلبك بالوتار ما عظمتْ
ح الكبادَ أو فرثـا جرَ َمن مجرم َ فالعفوُ أقربُ للتقـوى وإن جُـرمٌ
حيْاً إلى خير من صلى ومن ُبعِثا وَ يكفيك في العفو أن ال قـرّظـه
صدْره شرثـا حقُوداً َ تلقى أخاك َ شهدت أنك لو أذنبـت سـاءك أن
وأن تصادف منه جانبـًا َدمِـثَـا إذا وسَرّك أن تلقى الذنوب مـعـاً
بسيئ الفعل جداً كان أو عَبـثَـا إني إذا خلط القوام صالـحُـهـمْ
خبَثا
يستخلص الفِضّة البيضاء ل ال َ جعلت قلبي كظرف السبك حينـئذ
خبُثـا
حفْظِ ما طاب من ماءً وما َ بِ ولستُ أجعله كالحوض أمـدحُـه
ت الذي تمثل به الرشيد هو لعمرو بن معد يكرب يقوله لقَيس بن المكشوح المرادي ،وقد تمثّل به علي بن أبي طالب ،رضي ال عنهَ ،لمّا والبي ُ
رأى عبد الرحمن بن مُلْجَم المرادي فقال له :أنت تخضب هذه من هذه ،وأشار إلى لحيته و ُنقْرَته .فقيل له :يا أمي َر المؤمنين ،أل تقتله؟ فقال:
كيف يقتلُ المرءُ قاتلَه؟.
سلَمة بن عبد الملك وبين العباس بن الوليد تباعُد ،فبلغ العباس أن مسلمة ينتقصه ،فكتب إليه يقول :الوافر: وكان بين مَ ْ
عذْلِي؟ و ُتقْصِر عن مُلحَاتي و َ أل تَ ْقنَى الحـيا َء أبـا سـعـيدٍ
وأصلك منتهى فرعي وأصلي ن فَرْعَك حين ُتنْـمَـى فلول أ ّ
ونالتني إذا نَالتْـك نَـبْـلـي وإني إن َرمَ ْيتُك ِهضْتُ عَظمي
شتْمي وأكْلِي ضمُ حشَاك عن َ يَ ُ لقد أنكرتَني إنـكـارَ خـوفٍ
حفْلِـي بنى لك مجدَهَا طلبي و َ ت عنـهـا فكم من سَوْرةٍ أبطأ َ
عَويلي عن مخارجها و َفضْلي و ُمبْهمة عييتَ بهـا فـأبـدى
ِلقَيسٍ حين خالف كـلّ عَـدْل عمْرٍو في القوافي كقول المرء َ
أُريدُ حياتـه ويري ُد قَـتْـلـي عذيري من خليلي مـن مـرادٍ
197
لم يتفق له في القافية كما قال عمرو ،فغيّره.
وعبد الملك هذا هو ابن صالح بن علي ،وكان بليغاً جَهيرًا فاضلً عاقلً.
ل من قُمامة :يا عبدَ
وقال الجاحظ :قال لي عبد الرحمن مؤدب عبد الملك بن صالح :قال لي عبد الملك ،بعد أن خصّني وصيرنِي وزيرًا بد ً
سعِدني على ما يقبح؛ دع عنك كيف المير ،وكيف أصبح المير؟ وكيف أ ْمسَى؟ ف منك بنفسك ول تُ ْ الرحمن ،انظر في وجهي؛ فأنا أعْ َر ُ
واجعل مكانَ التقريظ حُسْنَ الستماع مني ،واعلم أن صوابَ الستماع أحسنُ من صواب القول ،وإذا - -حدّثتك حديثًا فل يفوتنك شيء منه؛
وأ ِرنِي فهمَك في طرفك؛ إني اتخذتك وزيرًا بعد أن كنت ُمعَلّماً ،وجعلتُك جليساً مقرّبا بعد أن كنت مع الصبيان ُمبْعَداً ،ومتى لم تعرف نقصان
جحَان ما صرتَ إليه. ما خرجت منه لم تعرف رُ ْ
ل هذا؟ قال :حاس ُد ِنعْمة، ل فس َد عليك ،فقال له الرشيد :ما يقو ُ شدُ ْد من شكائمه ،وإ ّ وساير الرشيدُ عب َد الملك ،فقال له قائل :طأطئ من إشرافه ،وا ْ
جمْرةُ ك عني ،وباعدَه قُ ْربُك مني ،وأساءه إحسانُك إلي .فقال له الرشيد :انخفض القومُ وعلوتَهم؛ فتو َقدَتْ في قلوبهم َ ونافس رُتبة ،أغضبه ِرضَا َ
ض َرمَها ال بالتزيد عندك فقال الرشيدُ :هذا لك وذاك لهم. التأسف .فقال عبد الملك :أ ْ
ضعَة من النسان تكل بكَلله إذا كل ،وتنفسح بانفساحه إذا ارتجل ،إن الكل َم بعد وصعد المنبر ،فأُرتج عليه فقال :أيّها الناس ،إن اللسان ب ْ
ت مفيدين ،وننطق مُرْشِدين ،وبعد مقامنا مقام ،ووراء أيامِنا ق بعد الظلم ،وإنا ل نسكتُ حَصَراً ،ول ننطقُ َهذَراً؛ بل نسك ُ الفحام كالشرا ِ
أيّام ،بها فَصْل الخِطاب ،ومواقع الصواب ،وسأعودُ فأقول ،إن شاء ال تعالى.
غدْراً بالسلطان ،ووثوباً على
حبْسِه ،فقال :يا عبد الملك ،أكُفرًا بالنّعمةِ ،و َ ت عند الرشيد فدعا بعبد الملك بن صالح من َ وقال الصمعي :كن ُ
المام؟ فقال :يا أمير المؤمنين ،بُ ْؤتُ بأعباءِ الندم ،واستحلل النّدم واستحلل النقم ،وما ذاك إل من قولِ حاسدٍ ،ناشدتك ال والولية ،ومودّة
جنَانك ،بحيث يحفظُ ال لي عليك ،ويأخذ لي منك ،هذا كاتُبك قمامة ينبئ عن القرابة .فقال الرشيد ،:يا عبد الملك ،تَضعُ لي لسانك ،وترفعُ لي َ
ختْر أمير المؤمنين! فقال عبد الملك :وكيف ل يكذِب غِّلكَ ،فالتفت عبدُ الملك إلى قُمامة وكان قائماً ،فقال :أحقّا يا قمامة؟ قال :حقّا ،لقد ُرمْتَ َ
ع قمامة ،هذا ابنُك عبد الرحمن ينبئ عنك بمثل خبر قمامة ،فقال عبد علي يا أمير المؤمنين في غَيبتي من َيبْهَتني في حضرتي .فقال الرشيدَ :د ْ
الملك :إنّ عبد الرحمن مأمور أو عَاقّ؛ فإن كان مأمورًا فهو معذور ،وإن كان عاقاً فما أتوقّع من عقوقِه أكثر.
بين الرشيد والخارجين من السجن
غدُر كاللّجين ،فتكِف على رياضٍ سفُ في ُقيُودِه :ولّيتك دمشق وهي جنّة موثِقة ،تحيط بها ُ وقال الرشيد للحسن بن عمران وقد ُأدْخِل عليه يَوْ ُ
كالزّرابي ،وكانتْ بيوتَ أموال فما برح بها التعدّي ،حتى تركتَها أج َردَ من الصّخْرِ ،وأوحش من القَفْر! فقال :يا أمي َر المؤمنين ،ما قصدت لغير
ن المراغمة بتَرْك العِمارة أوقَعُ بإضرار التوفيق من جهتِه ،ولكني ولّيت أقوامًا ثَ ُقلَ على أعناقهم الحق ،فتفرّغوا في ميدان التعدّي ،ورأوْا أ ْ
جدَة أمير المؤمنين قد أخذتْ لهم بالحظّ الوفر من مساءتي! فقال عبد ال بن مالك :هذا أجزلُ كلم ن مَ ْو ِ
جرَم أ ّالسلطانِ ،وأنوَه بالشنعة؛ فل َ
سُمع لخائف ،وهذا ما كنّا نسمعه عن الحكماء" :أفضل الشياء بديهةُ أمْنٍ وردَتْ في مقامِ خَوْف".
ي النعمةَ بوَجْهِ الرضا منك ،وجزاكَ سبُلَ الكرام ِة بلقائك ،وردّ عل ّ سهّل لي ُ ولما رَضِيَ الرشيدُ عن يزيد بن مَزْيد دَخل عليه فقال :الحمد لّ الذي َ
ق المتثبتين المراقبين ،وفي حَال رضاكَ حقّ المنعمين المتَطَولين؛ فقد جعلك الّ -وله الحمد -تتثبت تحرّجا عند ال في حال سُخْطِك ح ّ
الغضب ،وتتطول ممتنّاً بالنعم ،وتس َتبْقي المعروفَ عند الصنائع تفضّلً بال َعفْو.
في باب الرثاء
وفي يزيد بن مزيد يقول مسلم بن الوليد مرثيته ،وقد رُويت له في يزيد بن أحمد السلمي :الكامل:
خطَـارُص ُر دونهُ ال ْ
خَطَراً تقَا َ ستَسَرّ ضـريحُـه َقبْ ٌر ببَ ْرذَعَةَ أ ْ
ت نُزّاعَها المصـارُ جعَ ْواستَرْ َ س َنفْضَ إقامةٍ نَ َفضَتْ بك الحل ُ
أثنى عليها السـهـلُ والوْعَـا ُر ب كما ذهبتْ غَوَادي مُـ ْزنَ ٍة فاذْهَ ْ
حتى إذا سبق ال ّردَى بك حـارُوا ت بكَ العَ َربُ السبيلَ إلى العُلَ سلكَ ْ
وقال أبو عبد الرحمن محمد بن أبي عطية يرثي أخاه :الكامل:
و َزفَ ْفتَه للمـنـزل الـمـهـجـورِ طتَـه يا نـصـرُ بـالـكـافـور حنّ ْ
َ
فيصوغَ أفـق مـنـازلٍ وقُـبـورِ خصَـالِـه حَـنّـطْـتَـهُ هلّ ببعض ِ
ُتعْزَى إلى التقديسِ والـتـطـهـير واللـه لـو بـنـسـيم أخـلق لـهُ
لتـزوّد بـل عُـدّةً لـنـشـــور حنطت من وطئ الحصى وعَلَ الربى
قد كان خـير مُـجَـاوِر ومُـجـير فاذهب كما ذهب الشـبـابُ فـإنـهُ
عصفت به رِيحـاَ صـبـًا و َدبُـور واذهب كما ذهب الـوفـاء فـإنـه
شرَفاً ولكن نَـفْـثَة الـمـصـدُورِ والـلـه مـا أبّـنْــتُـــه لزيدهُ
ل من العرب كان يعولُ اثني عشر ألفاً ،فلما حُمل على سريره صرّ ،فقال بعضُ من حضر :الطويل: ومات رج ٌ
ولكنه أصلبُ قو ٍم َتقَـصّـف ش ما تسمعونهُ وليس صَرِيرُ النع ِ
ولكنه ذاك الثناءُ المـخـلّـفُ وليس فتيق المسك ما تجدونـهُ
وقال عبد ال بن المعتز في عبيد ال بن سليمان بن وَهْب يرثيه :الخفيف:
عجبي يوم متّ كيف حَـيِيتُ ب بالكُرْه منّي بقيتُ يا ابنَ وَهْ ٍ
ل مِسْك َنعْتِك المـفـتـوتُ إنما طيّب الثناء الذي خلفـت
ت فلقيتُه ولـسـتُ أفـوتُ واختصرت الطريق بعدك للمو
بيدِ الدّهْرِ عُودُه مـنـحـوت كيف َيبْقَى على الحوادث حَيّ
وقال أيضاً :المتقارب:
198
ذكرتُ وما غيّبوا في الكَفَنْ ذكرت ابنَ وَهْبٍ فللّه مـا
ويعلمُ بالظن ما لـم َيكُـنْ تقطـر أقـلمـه مـن دم
وما تحته حَرَكاتُ الفَطِـنْ وظاهر أطرافـه سَـاكـنٌ
وقال :الطويل:
ن منّي بكاهُمـا فلم تحبس العينا ِ ب دُونَـه ذكرت عبيد ال والتـر ُ
ن نَـدَاهُـمـا
يدَاهُ تروّي قبرَه مِ ْ سقَى الغيثُ قبرَهُ وحَاشاه من قولٍ َ
وهذا مأخوذ من قول الطائي :الطويل:
ب ول قَـطْـرُ وإن لم يكُنْ فيه سحـا ٌ خصَهث غيثاً وارَتِ الرضُ شَ ْ سقى الغي ُ
بإسقائها َقبْراً وفي َلحْـدِه الـبَـحْـرُ حتِمالي للسـحـابِ صـنـيعةً وكيف ا ْ
وقال ابن المعتز :الخفيف:
ُيبْقِ في المجدِ والمكارم ِذكْرا لم َتمُتْ أنتَ ،إنما مات مَنْ لم
ظمَأ وقد تضمّن َبحْرا؟كيف يَ ْ لستُ مستسقياً لقبرك غـيثـاً
والبيت الثاني من هذين من بيت الطائي :وقال :البسيط:
ق دَمُـ ْهُأرِيق ماءُ المعالـي إذْ أرِي َ ح َم ْيدٍ أُخلِـقـت ِرمَـمُـهْ
محمدُ بنُ ُ
كالبدر حين انْجَلتْ عن وجهه ظُلمُهْ ف مُـحْـتَـبـياً
رأيته بنِجادِ الـسـي ِ
أيقنت عند انتباهي أنهـا نِـعَـمُـهْ في روضةٍ حفها من حولها زَهَـرٌ
جرِي وقد خ ّددَ الخدَين منسَجمُـهْ: يَ ْ جدٍ ومن حُـرَق ت والدمعُ من َو ْ فقل ُ
فقال لي :لم َيمُتْ من لم يمت كَ َرمُهْ ألم تمت يا سليلَ المجد من زمـنٍ؟
وقال بعض أهل العصر :البسيط:
وموتُه موتُه ل موته الـدّانـي ى ذِكرُه ،ل طولُ م ّدتِه عمْرُ الفت َ
ُ
جمَعْ به لك في الدنيا حَياتـانِ
تُ ْ فأَحي ذكرَك بالحسان تزرعهُ
حمْصي :الطويل: وقال عبد السلم بن رَغبان ال ِ
ك فعه ال َغيْثُ والّليْثُ والبَدْ ُر
َل َقبْ ُر َ سقَى ال َغيْثُ أَرضاً ضمّنتكَ وسَاحَةً َ
ن مَنْ حَوَى ذلك ال َقبْرُ لسُقيا ،ولك ْ ل إذْ أصابتك بالبِلَـى وما هي أَهْ ٌ
أخذ هذا البيت الول ،الراضي فقال يرثي أباهُ المقتدر :الطويل:
لقد ضَ ّم منك الغيثَ والليثَ وال َبدْرا ض ّمنْت في سَاحة البِلَى بنفسي ثرًى ُ
وأسعدني المقدو ُر قاسمْ ُتكَ العمرا ع مشيئتي فلو أنّ عمري كان طو َ
لصيّرْتُ أحشائي لَعْظُمه َقبْـرا ولو أنَ حيّا كان َقبْـراً لـمـيّتٍ
هذا البيت ينظر إلى قول المتنبي :الكامل:
ح ٍد محفورُ
في قَلْبِ كل مو ّ جدَثاً كأن ضريحهُ حتى أتَوْا َ
أخبار قطر الندى
خمَارَ َويْه بن أحمد بن طولون إلى المعتضد كتب معها أبوها إليه يذكر بحُ ْرمَة سلفها بسلفه ،ويذكرُ ما ت ِردُ عليه من لما حُملت قَطْرُ الندى بنت ُ
ت من قَلْبِ المعتضد لما ُزفَت إليه .مبلغاً عظيماً ،وسُرّ بها غاية السرور ،وأمر أبّهة الخلفة ،وجللة الخليفة ،ويسأل إيناسها وبَسْطَها ،فبلغَ ْ
الوزير أبا القاسم عبيد ال بن سليمان بن وهب بالجواب عن الكتاب ،فأراد أن يكتبَه بخطّه ،فسأله أبو الحسين بن ثَوَابَة أن يُؤْثره بذلك ففعل،
حيَاطة عليها ،ورعايةً وغاب أياماً وَأتى بنسخة يقول في فصل منها :وأمّا ال َودِيع ُة فهي بمنزلَةِ شيءٍ انتقل من يمينك إلى شمالك ،عنايةً بها ،و ِ
ف البلغة ،فقال عبيد الّ :ما أقبحَ هذا تفاء ْلتَ لمودتك فيها .ثم أقبل عبيد ال يُعجب من حُسْنِ ما وقع له من هذا ،وقال :تسميتي لها بالوديعة نص ُ
لمرأةٍ ُزفّت إلى صاحبها بالوديعة ،والوديعةُ مستردة .وقولك :ل من يمينك إلى شمالك أقبح؛ لنك جعلت أباها اليمين وأمير المؤمنين الشمالَ،
ت منك؛ لتف ّقدِنا لها ،وأنسِنا بها، ت عنك ،بمنزلة من قربَ ْ ن بعدَ ْ
ولو قلت :وأما الهديةُ فقد حسن موقعها منّا ،وجلّ خطرُها عندنا! وهي وإ ْ
ولسرورها بما وردَتْ عليه ،واغتباطها بما صارت إليه لكان أحسن .فنفذ الكتاب.
ت منه الكأس، ط ُر الندى مع جمالها موصوفةً بفضل العقل ،خل بها المعتضد يوماً للُنس بها في مجلسٍ أفرده لم يحضرْه غيرها ،فأخذَ ْ ت قَ ْ
وكانَ ْ
جدْها ،فاستشاط فنام على فخذها ،فلمّا استثقلَ وضعَتْ رأسَه على وسادة ،وخرجت فجلست في ساحة القصر على باب المجلس ،فاستيقظ فلم يَ ِ
ضعِين رأسي على وسادة! ت إليك مهجتي دون سائر حظاياي ،فت َ غضباً ،ونادى بها فأجابته على قرب ،فقال :ما هذا؟ أَخليتك إكراماً لكِ ،ودفع ُ
ت فيه إليّ ،ولكن فيما أدّبني به أبي أن قال لي :ل تنامي مع الجلوس ،ول ت به عليّ ،وأحسن َ ت قدرَ ما أنعم َ فقالت :يا أمير المؤمنين ،ما جهل ُ
تجلسي بين النيام.
رجع إلى الرثاء
وفي أبي الحسين بن ثوابة يقول ابن المعتز يَرْثيه :الخفيف:
علـــبَ الـــدهـــرُ حِـــيلة القَـــوامِ ليس شـــيءٌ لـــــصـــــــحّة ودَوام
فعـلـى رُوحـــه سَـــلم الـــســـلمِ وتـولّـى أبـو الـحُــســـين حـــمـــيداً
د وصـافـحْـتُـه بــكـــفّ الـــذّمـــام حين عـاقـدْتـه عـلـى الـحِـفْـظ لـلـعَـــه
كاصـطـفــاءِ الرواح لـــلجـــســـامِ واصـطـفـتْـه عـلـى الخـلّ ِء نَـفْـســـي
199
ن الـقَـوافِـي شـعـرًا وبَــحْـــر كَـــلَمِ كَانَ َريْحــانة الـــنّـــدامـــى ومـــيزا
ك ول يستغِيث بالوهام ومكان السهم الذي ل يَرَى الش ّ
ساحر الوحي في القراطيس ل تحبس عنه أعنّة القلم
صبْحاً منقّبا بظلم فإذا ما رأيته خِلْت في خ ّديْه ُ
خُلـــق مــــــن خـــــــلئق اليام صبْرًا ل تجزَعِي إن هذا نفسَُ ،
ما قالته الشعراء في ريعان الشباب
وأنشد أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب لرجل من بني كلب :الطويل:
وفارقَنا إل الحُـشَـاشة بـاطِـلـهْ غيَاطِـلُـهْ سقَى ال دهرًا قد توالَتْ َ
يُطيع هَوى الصابي و ُتعْصَى عواذِلهْ ض مـاجـدٍ خدْني كـلّ أبـي َ لياليَ ِ
ت ذاك الدهر ُتثْـنـي أوإئِلُـهْ أل لي َ وفي دَهْرِنا والعيشُ في ذاك غِـرّة
يمايلـنـا َر ْيعَـانُـه ونُـمَـايُلـهْ بما قد غنينا والصّبا جُـلّ هـمّـنـا
يطاوِلنا فـي غَـيّهِ ونُـطَـاولُـهْ جرّ لنا أذيالَـه الـدهـرُ حِـقْـبَةً وَ
مطيّتنـا فـيه ووَلَـت رَواحـلُـه فَسَقْيًا له من صاحبٍ خذلَـتْ بـنـا
وأهجرُه حتى كـأنـيَ قـاتـلُـهْ صدّ عن البيتِ الذي فيه قـاتـلـي أَ ُ
ف ظبية ووَلدَها :الطويل: ص ُ
هذا البيت يناسب قول ذي الرمة ،إن لم َيكُن في هذا المعنى ،ي ِ
تنخت ونصّتْ جِيدَها بالمنـاظِـر إذا استودَعتْه صفصفاً أو صَرِيمَةً
بكل مَقِيل عن ضِعافٍ فـواتِـرِ ن يَصْرعُه الكَرى حذَاراً على وَسْنا َ ِ
جرِوكم من مُحِب رَ ْهبَة ال َعيْنِ ها ِ وتهجرُه إل اختلسًا نَـهَـارَهَـا
وقال أبو حية النميري :الوافر:
جميلً ما يرا ُد به بَـدِيلُ أما وأبي الشباب لقد أراهُ
وظِلّ أرَاكَةِ الدنيا ظليلُ إذِ اليامُ مقبلةٌ عـلـينـا
وقال علي بن بسام :الوافر:
فما والَهُما فـالـقـرْيتَـينِ بشاطئ نهر قبرك فالمصلّـى
ض اليدينِ وصرف الدهر مقبو ُ معا ِهدُ َلهْوِنا والعـيشُ غَـضّ
وكان ابن بسام هذا -وهو علي بن محمد بن ،منصور بن بسام ،مليح المقطعات ،كثير الهجاء خبيثهُ ،وليس له حظ التطويل ،وهو القائل:
الكامل:
نُطَفُ المياهِ بها سَوادُ الناظِرِ طعْت إليك من َد ْيمُومَةٍ كم قد ق َ
سوداءُ مظلمة كقَ ْلبِ الكافـرِ في ليلةٍ فيها السمـا ُء مُـ ِرذّة
خَفْقَ الفؤاد لموع ٍد مـن زائرِ والبرقُ يخفِقُ من خلل سحابهِ
دمع المودّع إثْر إ ْلفٍ سـائرِ والقَطْ ُر منهمِلٌ يسُـحّ كـأنـهُ
وقال في العباس بن الحسين لما َوزَرَ مكتفي :السريع:
ستقلع الدول َة من أُسّهـا حسِها س من نَ ْ وزارة العبا ِ
في خِلع يخجل من لبْسِها شَبهْته لما بَدَا مُـقْـبِـلً
ثياب مولها على نفسِها جاريةً رَعنَاء قد قـدرَتْ
وقال في علي بن يحيى المنجم يَرْثيه :الكامل:
ولكَ الزيارة من أقلّ الواجبِ قد زرتُ قبرك يا علي مسلّمـاً
فلطالما عني حملتَ نـوائبـي ولو استطعت حملتُ عنك تُرَابهُ
وكان مولعًا بهجاء أبيه ،وفيه يقول وقد ابتنى داراً :الرملي:
سلّط ال عليها الغَرَقـا شدْتَ داراً خِلْتها َمكْرُمةً ِ
وأرانيها صعيداً َزلَقَـا وأرانيك صريعاً وسطها
وقال أبو العباس بن المعتز يهجوه :المجتث:
فشعرُه قد كفَـاهُ من شاء َيهْجُو علياً
ما كان َيهْجُو أباهُ لو أنـه لبــيهِ
من أخبار المأمون ويزيد بن معاوية
وقال المأمون لحمد بن أبي خالد ،وهو يخلف الحسنَ بن سَهل ،وقد أشار إليه برأي استرجَحه :قد اعتل الحسنُ ولزم بيته ،ووكَلَ المرَ إليك،
فأنا إلى راحته وبقائه ،أحوجُ مني إلى إتعابه وفنائه ،وقد رأيتُ أن أستوزرك ،فإن المر له ما دُمْتَ أنت تقوم به ،وقد طالعتُ رأيه في هذا
ل بيني وبين الغاية ما يرجوني له وَليّي، عدَاك .فقال :يا أمير المؤمنين ،أَعفِني من التسمي بالوزارة ،وطالبني بالواجب فيها ،واجع ْ المر ،فما َ
ويخافني له عدُوّي ،فما بعد الغايات إل الفات .فاستحسن كلمه ،وقال :ل بُ ّد من ذلك ،واستوزره.
ورأى المأمونُ خط محمد بن دَاود فقال :يا محمد! إن شار ْكتَنَا في اللفظ ،فقد فارقناك في الخط ،فقال :يا أمير المؤمنين ،إن من أعظم آياتِ
حيَه ،وهو أمي ل يعرف من فنون الخط َفنّا ،ول يقرأ من النبي،صلى اله عليه وسلم ،أنه أدّى عَنِ ال سبحانه وتعالى رسالته ،وحفظ عنه َو ْ
شبَه الكريم في نَقْص الخط ،كما يشرفُ غيرُهم بزيادته؛ وإن أمير المؤمنين أخصّ شرُفون بال َ سائره حَرفاً ،فبقي عمود ذلك في أهله ،فهم يَ ْ
200
الناس برسول ال ،صلى اله عليه وسلم ،والوارثُ لموضعه ،والمتقلّد لمره ونهيه؛ فعلقت به المشابهة الجليلة ،وتنا َهتْ إليه الفضيلة ،فقال
المأمون :يا محمد ،لقد تركتني ل آسَى على .الكتابة ،ولو كنتُ أمياً.
وهذا شبيهٌ بقول سعيد بن المسيب ،وقد قيل له :ما بال قريش أضعفُ العرب شعراً ،وهي أشرفُ العرب بيتاً؟ قال :لنّ كَوْن رسول ال صلى
اله عليه وسلم ،منها قطع مَتن الشعر عنها.
عمْرو بن َمسْعدَةَ يقرأ عليه الرقَاع ،فجاءته عَطْسَةٌ ،فلوَى عنقه فردّها ،فرآه وقال إبراهيم بن الحسن بن سَهل :كنّا في مجلس المأمون و َ
المأمون فقال :يا عمرو ،ل تفعَل فإن ردّ العَطسة وتحويل الوجه بها يُورثان انقطاعاً في العنق .فقال بعض ولد المهدي :ما أحسنها من مولَى
لعبده ،وإمام لرعيته! فقال المأمون :وما في ذلك؟ هذا هشامٌ اضطربت عِمامته فأَهوى البرش الكلبي إلى إصلحها ،فقال هشام :إنّا نتّخِذُ
ت عليه ،ويظلم ،فيما تعدل فيه ،ليس ط ِبعْ َ
ن مما قلته .فتمال عمرو :يا أمير المومنين ،إنّ هشامًا يتكلّف ما ُ الخوان خَ َولً! فالذي قال هشام أحس ُ
له قرابتك من رسول ال ،صلى اله عليه وسلم ،ول قيامك بحقّ ال ،وإنك والملوك لكما قال النابغة الذبياني :الطويل:
ترى كل مَ ْلكٍ دونها يتذبـذبُ ألم تَرَ أنّ ال أعطاك سَـوْ َرةً
إذا طل َعتْ لما يَب ُد منهنّ كوكبُ لنك شمسٌ والملوك كواكـبٌ
أخذ النابغة هذا من قول شاع ٍر قديم من كندة :الطويل:
لعمرو بن هند غَضبَة وهو عاتِـبَ تكادُ َتمِيد الرض بالنـاس إنْ رَأوا
ك كواكـبُ على كل ضوءٍ والملو ُ ت يوم دَجْنٍ فأفضَلتْ هو الشمس وافَ ْ
قار يزيد بن معاوية لجميل بن أوس ،وكان أكرمه واجتباه :لم كرِهْت الفراط في تقديمي ،وتطا َمنْتَ عن الدرجة التي سما بك إليها مكانك مني؟
فقال :أيّد ال سلطانك ،وأعلى مكانك ،إن الذين كانوا قبلنا من أهل العلوم والداب ،والعقول واللباب ،كانوا أطول أعمارًا منّا ،وأكثر للزمان
صحْبة ،وأكثر لليام تجربة ،وقد قال الحكيم :بقدر الثواب عند الرّضا يكون العقاب عند السخط ،وب َقدْر السموّ في الرفعة تكون وَجْبة الرفعة، ُ
سخْطِك والدن ّو ممّا يقرب منه ،فلستُ ول خير فيمن ل يسمع الموعظة ،ول يقبل النصيحة ،وأنا يا أمير المؤمنين ،وإن كنت آمناً من التعرض ل ُ
طعْنِ المُساوِي في الدرجة عندك ،وحقر المشارك لي في المنزلة منك ،وليس من تقديمك قليل ،ول من َتعْظِيمك يسير ،فإن أقل ذلك ن من َ بآمِ ٍ
فيه النباهة ،والفخر ،والثناء ،والذكر ،وحسبي مما بذلته من أموالك استحقاقي عندك لكرامك ،وحسبي من تقديمك خالص رضاك ،وصفاء
ضميرك.
مختار من أقوال الحكماء عند وفاة السكندر
جعِل السكندر في تابوت من ذهبٍ تقدّم إليه أحدُهم فقال :كان الملك يخبأُ الذهب ،وقد صار الن الذهبُ يخبؤه ،وتقدم إليه آخر ،والناسُ لما ُ
يبكون ويجزعون ،فقال :حرّكنا بسكونه ،أخذه أبو العتاهية فقال :الخفيف:
ل فَقْـدُه يوم بـنـتـاجّ صاحبٌ َ ن مـنّـي ي بْنَ ثـابـت بـا َ
يا عل ّ
تِ وح ّركْتَني لهـا وسَـكَـنْـتَـا غصَص المو قد َل َعمْرِي حكيتَ لي ُ
ك يعِظُنا في حياته ،وهو اليومَ أوعظُ منه أمسِ .أخذه أبو العتاهية فقال :الوافر: وتقدّم إليه آخر فقال :كان المِل ُ
ظ منك حيّا وأنتَ اليومَ أوْعَ ُ وكانت في حياتك لي عِظَاتٌ
وتقدّم إليه آخر فقال :قد طاف الرَضينَ وتملّكها ،ثم جُعل منها في أربعة أذرع .ووقف عليه آخر فقال :ما لك ل تُقلّ عضوًا من أعضائك ،وقد
غبُ جلَى .وقال آخر :ما لك ل تر َ ل ملكَ العباد؟ ووقف عليه آخر فقال :انظرْ إلى حلم النائم كيف انقضى ،وإلى ظلّ الغمام كيف ان َ كنت تستق ّ
ب بها عن رحب البلد! وقال آخر :كان الملك غالباً فصار مغلوباً ،وآكلً فصار مأكولً .وقال آخر: بنفسك عن ضيق المكان ،وقد كنت ترغ ُ
ت كثيرًا من الناس لئلّ يموت ،وقد ماتَ الن .وقال آخر :ما كان أقبح إفراطك في التجبّر أمس ،مع شدّة خضوعك اليوم .وقالت ت هذا المي ُأمَا َ
بنت دارا :ما علمت أنّ غالب أبي يُغلَب .وقال رئيس الطباخين :قد نضدت النضائِدُ ،وأُلقيت الوسائد ،ونُصِبت الموائد ،ولستُ أرى عميدَ
المجلس!.
جملة من كلم ابن المعتز
في الفصول القصار في ذكر السلطان
شقَى الناس بالسلطان صاحبه ،كما أنّ أقربَ الشياء إلى النارِ أسرعُها احتراقاً .ل يُدْ ِركُ الغني بالسلطان إل نفس خائفة ،وجِسْ ٌم تعِب ،ودينٌ أْ
متثلم .إن كان البح ُر كثير الماء فإنه بعيدُ ال َمهْوى ،ومَنْ شارك السلطانَ في ع ّز الدنيا شاركه في ذُلّ الخرة .فسادُ الرعية بل ملك كفسادِ الجسم
صبْرِ الغوّاص على ملوحة بَحْرِه .الملك بالدين يبقى، بل رُوح ،إذا زادك السلطان تأنيساً ف ِزدْهُ إجللً .مَنْ صحب السلطانَ صبر على قسْوته ك َ
حتْه المجازاة .ل تلتِبس بالسلطان في وقت اضطرابِ المور عليه؛ فإن البحر ل يكادُ يسلم صاحبه والدينُ بالمُلكِ َيقْوى .من نصح لخدمة نص َ
ل سكونه ،فكيف عند اختلف رياحه ،واضطراب أمواجِه؟. في حا ِ
ومن كلم أهل العصر
وغيرهم في هذا النحو
الوطانُ حيث يعدل السلطان .إذا نطق لسان العدل في دار المارة ،فلها البُشرى بالعز والمارة .آخر بالملك العادل أن يستقل سريرَه في سُرّة
جبَاراً .من غمس يده في مال السلطان فقد سمُوم ،وعلى قوم نَسيم .أخْلِقْ بدم المستخفّ بالجبابرة أن يكون ُ الرض ،ريحُ السلطان على قوم َ
مشى بقدمه على دَمه .الملك خليفةُ ال في عبادِه وبلدِه ،ولن يستقيم أمرُ خلفته مع مخالفته .الملك مَنْ ينشرُ أثواب الفضل ،ويبسطُ أنواعَ
العدل .السلطانُ كالنارِ :إنْ باعدتها بطل َن ْفعُها ،وإن قاربتها عَظُم ضررها .إقبالُ السلطان َتعَب و ِف ْتنَةٌ ،وإعراضُه حسرة ومذلّة .صاحبُ
ن إذا قال لعمّاله :هاتوا ،فقد قال لهم :خذوا ثلثة ل أمان لهم :السلطان ،والبحر، السلطان كراكب السد يهابُه الناسُ وهو لمركبه أهيبُ .السلطا ُ
والزمان .ليكن السلطان عندك كالنار :ل تدنُو منها إل عند الحاجة إليها ،وإن اقتبست منها فعلى حذر .مثل أصحاب السلطان كقوم َرقُوا جبلً ثم
سبْع حَطوم ،فالرتقاء إليه ل ثمرة طيبة ،وكل َ صعْب الذي فيه ك ّ وقعوا منه ،فكان أقربُهم إلى التلف أبعدَهم في المرقى .مثل السلطان كالجبل ال َ
شديد ،والمقام فيه أشدّ .لئن عزّ الملوك في الدنيا بالجور ليذلُن في الخرة بالعدل.
حبِ :الوافر:عبّاد الصا ِلبن َ
حذَرْهُ ورَاقِـبْ من التعظيمِ وا ْ إذا ولّك سـلـطـانٌ فـزده
201
حذُورُ العَواقِ ْ
ب وتربُ البحر مَ ْ فما السلطانُ إل البحرُ عظمـاً
جهِها،
ووصف أحمد بن صالح بن شيران جاري ًة كاتبة فقال :كأَنّ خطها أشكال صورتها ،وكأن مِدَادَها سوادُ شعرها ،وكأن قرطاسها ًأدِيمُ وَ ْ
سكّينها غُنج لحظها وكأن مِقطَعها قلبُ عاشقها. سحْ ُر مقلتها ،وكأن ِ ن قلمَها بعضُ أناملها ،وكأن بنانَها ِ وكأ ّ
وقال بعضُ الكتّاب يصف غلماً كاتباً :الكامل:
ب بِوَ ْردِهِ كبنفسج الروْضِ ال َمشُو ِ انظرْ إلى أث ِر المـداد بـخـدهِ
ن قـدّهِ
شيئاً ،ول أَلفِـاتُـه مِـ ْ ت نُونَاتُهُ من صُـدْغِـه ما أخطأ ْ
شَبهاً أراك فِرْندَها كـفِـرنـدِه ألقَتْ أناملُه عـلـى أقـلمـهِ
وكأنما قِرْطَاسـه مـن خـدّهِ وكأنما أنقاسُـه مـن شَـعـره
طرْف خَفي :الطويل:
وقال أحمد بن أبي سمرة الدارمي فيما ينظر إلى هذا من َ
وسمّ الفاعي ُمبْرِئ عند صدّها ق عند وعدها سَرَابُ الفيافي صاد ٌ
ي َمهَاةٍ َأنْحَس ْتنِي ببُعْـدِهـا
بعين ْ س َعدْ بأيام وَصْلـهـارمتني ولم َأ ْ
صوالج صدغيها بتفّاح خَـدّهـا َفعُلقها قلبي كمـا تـعـلّـقـت
ودمعيَ َلمّا نَظمته كعـقـدهـا فقلبيَ َلمّا أضعفته كخصـرهـا
وأسرعْ من برق تناقضُ وعدها ونيل الثّريّا ممكنٌ عند وصْلـهـا
?من إنشاء بديع الزمان
رقعة كَتبها بديع الزمان إلى ابن العميد يستنجزه :أين تكرّم الشيخ العميد أيّده الُّ على موله؟ وكيف معدله إلى سِوَاه؟ أيقصر في النعمة ،لني
خدَع،قصّرت في الخدمة؟ إذَنْ فقد أساء المعاملةَ ،ولم يحسن المقابلة ،وعثر في أذيال السهْوِ ،ولم ينعش بيدِ العفو ،أم يقول :إن الدهر بيننا ُ
وفيما بعد ُمتّسع ،فقد أزف َرحِيلي ،ول ماء بعد الشط ،ول سطح وراء الخط؛ أم ينتظر سؤالي؟ وإنما سألته ،يوم أمّلته ،واستمنَحتُه ،يوم مدحته،
عفِني؛ أم يظن -أيّده ال تعالى -أني أرد واقتضيته ،يوم أتيته ،وانتجعت سحابه ،بما قرعت بابَه ،وليس كل السؤال أعْطِني ،ول كل الردّ أ ْ
ي مكانًا للنعمة يضعُها ،وأرضًا للمنة صِلَته ،ول ألبَس خلعته؟ وهذه فراسة المؤمن إل أنها باطلة ،ومَخِيلة العارف إل أنها فاسدة؛ أم ليس يجد ف ّ
ل من تجربة دفعة ،والمخاطرة بإنفاذ خلعة ،ليخرج من ظلمة التخمين ،إلى نور اليقين ،وينظر أأشكر أم أكفر؛ أم يتوقع -أيّده يزرعها؟ فل أق ّ
الّ -صاعقة تملكني ،أو بائقة تهلكني ،فلهذا أمَلٌ موفر؛ لن شيخ السوء باق ُم َعمّر؛ أم يقدر -أيّده ال -أني أشكره إذا اصطنع ،وأعذره إذا
منع ،وتالِ لو كنت ينبوع المعاذِير ما حظي منها بجرعة ،فليُرحني بسُرعة.
وكتب أبو القاسم الهمذاني إلى البديع :قد كتبت لسيدي حاجة إن قضاها وأمضاها ،ذاق حلوة العطاء ،وإن أباها وفَل شَباها َلقِي مرارةَ
الستبصاء ،فأي الجودين أخفّ عليه .أجُودٌ بالعِلْق ،أم جودٌ بالعرض؟ ونزول عن الطريف ،أم عن الخلق الشريف؟.
ل أكثر مني كَظْماً ،ولم أرَ فأجابه :جعلت فداك هذا طبيخ ،كله توبيخ ،وثريد ،كله وَعيد ،ولُقم ،إل أنها نِقَم ،ولم أر قِدراً أكث َر منها عظماً ،ول آك ً
ف مطالب ،توافق قضاءَها وترافق شَرْبة أم ّر منها طعماً ،ول شارباً أت ّم مني حلماً ،ما هذه الحاجة؟ ولتكن حاجتك من بعدُ ألينَ جوانب ،وألط َ
ارتضاءَها ،إن شاء ال تعالى.
سمْط الثريّا، وفي مقامات أبي الفتح السكندري من إنشائه ،قال :حدّثنا عيسى بن هشام قال :أحلّني جام َع بخارى يوم ،وقد انتظمت مع ُرفْقةٍ في ِ
ط ْمرَين ،قد أرسل صُوانا ،واستتلى طِفْلً ،عُرْياناً ،يضيق بالضرّ وُسْعه ،ويأخذهُ القُ ّر و َيدَعُه ،ل يملك وحين احتفل الجامعُ بأهله طلع علينا ذو ِ
ن مثله، ق لهذا الض ّر إل مَنْ ل يأم ُعدَة ،ووقف الرجل وقال :ل ينظر لهذا الطفل إل مَنْ رحم طفله ،ول ير ّ غيْرَ القِشرة بُ ْردَة ،ول يلتقي َلحْياه رِ ْ َ
جدُود المفروزة ،وال ْردِية المطروزة ،والدور المنجّدة ،والقصور المشيّدة ،إنكم لن تأمنوا حادثاً ،ولن تعدموا وارثاً ،فبادِرُوا الخيرَ يا أصحاب ال ُ
س ْكبَاج ،وركبنا الهِملج ،ولبسْنا الديباج ،وافترشنا الحشايا بالعشايا ،فما راعنا إل ما أمكن ،وأحسنوا مع الدهر ما أحسنَ ،فقد والّ ط ِعمْناَ ال ّ
ب الدهر ب َغدْرِه ،وانقلب المجنّ لظهره ،فعاد ال ِهمْلج قَطوفاً ،وانقلب الديباج صُوفاً ،وهلمّ جرّا ،إلى ما تشاهدون من حَالي وزيّي؛ فها نحن هبو ُ
نرضع من الدهر َثدْيَ عقيم ،ونركَب من الفقر ظهر بَهيم ،ول نَ ْرنُو إل بعين اليتيمِ ،ول نمدّ إل يد العديم ،فهل من كريم يجلو عنّا غياهب هذه
البؤوس ،ويفلّ شَبا هذه النحُوس؟ .ثم قعد مرتفقاً ،وقال للطفل :أنت وشأنك .فقال :وما عسى أن أقول ،وهذا الكلمُ لو لقي الشعر لحلقه ،أو
غدَه ،وَاقياً بي
ل منكم بالجود يده ،وليذكر َ ضجْه ما قلت لَنيءٌ! قد سمعتم يا قوم ،ما لم تسمعوا قبل اليوم ،فليشغل ك ّ الصخر لفلقَه ،وإنّ قلباً لم ُينْ ِ
ولدَه ،واذكروني أذكركم ،وأعطوني أشكركم!.
قال عيسى بن هشام :فما آنَسني في َوحْدتي إل خاتم ختّمت به خنصره ،فلمّا تناوله أنشأ يقول :مجزوء الكامل:
بقلدَةِ الجوزاءِ حُـسْـنـا وممنْطَقٍ مـن نـفـسـهِ
ب فضمّه شغفاً وحـزنـا كمتيم لَـقِـي الـحـبـي
رتِه علـى اليام خِـ ْدنَـا متـألـفٍ مـن غـير أُس
ن مَنْ أهـداهُ أسْـنَـى لك ّ ي قَـــدْرُهُ
عِلْـق سَـنـ ّ
ت َمعْنَى جدِ لفظًا كن َ
في المَ ْ أقسمت لو كـان الـوَرَى
قال عيسى بن هشام :فتبعته حتى سَ َفرَت الخَلوَة عن وجههِ ،فإذا وال شيخنا السكندري ،وإذا الصبيّ غلم له ،فقلت :المتقارب:
فأَين الكلمُ ،وأين السلم. شبْتَ وشب الغلم أبا الفتح ِ
فقال:
أليفاً إذا نظمتنا الخـيام غريبًا إذا جمعتنا الطريق
فعلمت أنه كره لقائي ،فتركته وانصرفْتُ.
?شعر في وصف فص وخاتم
وقال أبو الفتح كشاجم يصف فصاً :الكامل:
202
فكفى به كمداً لقلبِ الحـاسِـدِ ل بفصّك مَنْ أ َردْت وباهِهِ سَاجِ ْ
ف قاصدِ ضيْ ٍ
وجهي غداة ندًى و َ متألّق فيه الـفِـ ِرنْـد كـأنـهُ
من ماء جوهرِهِ المَعينِ الباردِ علّت ل ْرتَوَتْ ظ ْمأَى منه ُ لو أَنّ َ
فكأنني مخـتّـم بـعُـطـاردِ َبهَر العيونَ إضـاء ًة فـي ِرقّة
وقال بعضُ المحدَثين يصف خاتماً :الخفيف:
فإذا تـمّ صِـيغَ مـن جـوهَـريْنِ ووحِـيدُ الـكِـيان صِـي َغ بـديعـاً
خِلَعًا قد لبسْـن فـوق الـلّـجـين خََلعَتْ خَـجْـلة الـخـدودِ عـلـيهِ
قد كساها من حُسْـنِـه حُـلّـتـين فإذا مـا رأيتَـه فـي بــنـــانٍ
حتى صار مَجرى بُروجه في ال َيدَيْنِ قلت نـجْـمٌ هَـوَى مـن الـجـوّ
وقال البحتري يس َتهْدي المعتزّ فصّا :الطويل:
ي وتُـشْـرِقُ بياقوت ٍة َتبْهَـى عـلـ ّ ختّـمـي شدِين مُ َ فهل أَنتَ يا ابنَ الرا ِ
وَيحْكيه جا ِديّ الرحيقِ المُـعَـتـق ص ْبغِها
يغارُ احمرار الوَ ْردِ مِنْ حُسْنِ ِ
س تَسْـبُـقُ إلى َأ َمدٍ أو كادتِ الشم ُ ت تَـجَـارَتـا س قل ُإذا برزَتْ والشم ُ
جبي َنكَ عنـد الـجُـودِ إذْ يتـألَـقُ إذا التهبت في اللّحْظِ ضاهَى ضياؤها
فيبقى بها ذِكرٌ على الدهر مُخْلِـقُ ب َفخْـ ٍر مُـعَـجّـلٍ س ْربَلُ منها ثو َ أُ َ
وعلى ذكر الخاتم قال أبو الفتح كشاجم :الطويل:
جمْرِ س َرعَ من كَيّ القلوب على ال َ لْ ب مِنَ الهوى عرَضْنَ فعرّضْنَ القلو َ
من ال ّتبْر مختومُ بهن علـى الـدّر س منهـا خـواتِـمٌ كأن الشفاه الّلعْ َ
وقال الناظم:
ويُ ْؤنِسُه مـنـه بـصُـورةِ آدمِ ع ُمنَاجِيه بهارُوتِ لحـظِـهِ يَرو ُ
وفضّاً من الياقوت من فوق خَاتمِ ترى فيه لماً فردةً فـوق َو ْردَةٍ
بين الكلم والصمت
ت و ُنبْله ،فقال :ليس النّجْمُ كالقمر؛ إنك إنما تمدحُ السكوتَ وقال أبو تمام الطائي :تذاك ْرنَا في مجلس سعيد بن عبد العزيز الكلمَ وفضله ،والصم َ
بالكلم ،ول تمدحُ الكلمَ بالسكوت ،وما أنبأ عن شيء فهو أكبرُ منه.
ت أنْفَ َع من الكلم ،ونفعُه ل يكادُ يجاوزُ صاحبَه ،و َنفْعُ الكلم يعتم ويخصّ ،والرواةُ لم تَرْوِ سكوتَ الصامتين، قال الجاحظ :كيف يكونُ الصم ُ
صمْتِ المحمودةُ قليلة ،ومواطنُ الكلم المحمودةُ كثيرةٌ، صمْتِ ،ومواضعُ ال ّ كما روت كلم الناطقين؛ فبالكلم أرسل ال تعالى أنبياءَه ل بال ّ
صمْت يَ ْفسُد البيان .وكان يقال :محادثةُ الرجال تلقيحٌ للبابها. وبِطول ال ّ
حسِن ،وليس مَنْ سكت فأَحسن يتكل ُم فيُحْسِن. ت فيُ ْ
و ُذكِر الصمتُ في مجلس سليمان بن عبد الملك فقال :إن مَنْ تكلم فأَحسن َقدَر أنْ يسك َ
قال بعضُ النسّاك :أسكتتني كلم ُة ابن مسعود عشرين سنة؛ وهي :من كان كلمُه ل يوافِق فعله فإنما يوبّخ نَفْسَه.
الحنين إلى الوطن
عمْرو بن العلء :مما يدلُ على حرية الرجل وكرم غريزته حنينُه إلى أوطانه ،وتشوّقه إلى متقدم إخوانِه ،وبكاؤه على ما مضى من قال أبو َ
َزمَانِه.
ن السدُ إلى غابِهِ. وقالوا :الكريم يحنّ إلى جنابه ،كما يح ّ
عطَنه.وقالوا :يشتاق اللبيبُ إلى وطنه ،كما يشتاق النجيب إلى َ
ألفاظ لهل العصر في ذكر الوطن
صبِر عنه أبداً .هو عشّه الذي فيه دَرجَ ،ومنه خرجَ .مجمع أُسرته ،ومقطع سُ ّرتِه .بلد أنشأته تربتُه ،وغذاه هواؤه، بلد ل تُ ْؤثِر عليه بلداً ،ول تَ ْ
وربّاه نسِيمُه ،وحُلّت عنه التمائِ ُم فيه.
قالوا :وكان الناسُ يتشوّقون إلى أوطانِهم ،ول يفهمون العلّةَ في ذلك ،حتى أوضحها علي بن العباس الرّومي في قصيدةٍ لسليمان بن عبد ال بن
طاهر يستَعدِيه على رجل من التجَار ،يعرف بابن أبي كامل ،أجبَره على َبيْع داره واغتصبه بعض جُدرها ،بقوله :الطويل:
وألّ أرى غيري لهُ الدهر مالِكا ولي وطـنٌ آلـيتُ إل أَبـيعـهُ
ك ِن ْعمَةِ قوم أصبحُوا في ظِللكا ب ونعـمةً شرْخَ الشبا ِ عهِدتُ به َ
مآرِبُ قضّاها الشبابُ هُنالكـا وحبّب أوطانَ الرجال إلـيهـمُ
عهودَ الصبَا فيها فحنّوا لذلكـا إذا ذَكَروا أوطانَهم ذكّـ ْرتُـهُـم
سدٌ إن بانَ غُودِرَ هالكـا لها جَ َ قد أِلفَته النفسُ حـتـى كـأنـهُ
يقول له فيها:
حتِيالِكاجهْدَ ا ْ
جهَدْ فيّ َ فقال ليَ أ ْ وقد عزّني فيها لئيمٌ وسامَـنـي
وما الشعرُ إل ضلّة من ضللِكا وما هُو إل نسجُك الشَعر ضـلّة
بعار على الحرار مِثل سُؤَالِكا بصي ٌر ِبتَسْآل الملوك ،ولم يكـن
لملُ أن أضْحى ُم ِدلّ بمالِـكـا وإني وإن أضْحَى ُمدِلّ بمـالِـه
ط َئنْهُ نقم ٌة من شِمالـكـافل تُخْ ِ صبْني من يمينك ِنعْـمَةٌ فإن لم تُ ِ
نواَلكَ والعَادون مُرّ نكـالِـكـا فكم لقي العافون بَـدْءاً وعـودَةً
203
وقال علي بن عبد الكريم النصيبي :أتاني أبو الحسن بن الرومي بقصيدته هذه ،وقال :أَنصفني ،وقل الحقّ :أيهما أحسن قولي في الوطن أو قول
العرابي :الطويل:
إليّ وسلمى أن يَصُوبَ سحابُها ب بل ِد ال ما بين مَنْـعِـجٍ ح ّ أَ
ض مَسّ جِ ْلدِيً ترَابُها وأوّل أر ٍ بل ٌد بها نيطَتْ عَلَيّ تمـائمـي
ت ذلك. فقلت :بل قولك ،لنه ذكر الوطنَ ومحبّته ،وأنت ذكرتَ العلّة التي أوجب ْ
س ّر من رأى :الكامل: وقال ابنُ الرومي أيضًا يتشوّق إلى بغداد ،وقد طال مقامه ب ُ
وَلبِسْتُ ثوبَ العيشِ وهو جديدُ ت به الشبيبة والصبـا حبْ ُ
بلدٌ ص ِ
ب تَمـيدُ وعليه أغصانُ الشبا ِ فإذا تمثّلَ في الضمير رَأيتُـهُ
وقال أبو العباس :ولما احتفل القائل في هذا المعنى السابق إليه قال:
ب تمائمي بلدٌ بها حَلّ الشبا ُ
وقد تقدّم .وإذا كانت تمائمه قطعت بأبرق العَزّاف ،وكان الترابُ الذي مَسّ جلدَه ترابَ جزيرة سيراف ،وجب أَن يحنّ إليه حنينَ المتأسفين على
غُوطَةِ دمشق ،وقصور مدينة السلم ،ونجف الجزيرة ،ومستشرفِ الخو ْرنَق ،وجَوْسق س ّر مَن رأىَ ،لمّا بعد عنها ،وطال مقامه بغيرها ،كلّ،
سكْرَته ،يغطي على مقدارولكن هذا الرجل علم أن الحنينَ إلى الوطانِ لما ُت َذكّر من معاهد اللّهو فيها ،بحدّة الشباب الذي ذكر أنّ غول َ
فضيلته ،في قوله :الكامل:
إلّ إذا لم يَبْـكِـهـا بـدَمِ ن َيبْكي شبيبـتَـه ح مَ ْل تلْ َ
و ِم ْقدَار ما فيها من ال ّنعَـم سكْرَتها ب الشبيبة غولُ َ عيْ َُ
إلّ أوان الشيبِ والـهَـ َرمِ سنَا نراها حقّ رُؤيتـهـا لَ ْ
حتى ُتغَشّى الرضُ بالظَّلمِ كالشمس ل تبدو فضيلتُهـا
وجدانه إلّ مـع الـعَـدَمِ ولَ ُربّ شـي ٍء ل يبَـيّنـه
أخذها هذا من قول الطائي :السريع:
فارِغَةَ اليدي مِلءَ القـلـوبْ ت وفودُ الرضِ عن قبـره راحَ ْ
ف َف ْقدُ الشمس بعد الغروبْ ُيعْرَ ُ قد علمت مـا رُزئت ،إنـمـا
وأخذ ابنُ الرومي قولَه في صفة الوطن قول بشَار :الطويل:
س ْعدَى فإن العهدَ منك قـريبُ بِ ُ متى تعرفِ الدارَ التي بَانَ أهلها
لديها فمغْنَاهَا لـديك حَـبـيبُ تذكّرك الهواء إذا أنعتَ يافـعٌ
أو من قول بعض العراب :الطويل:
ع ْهدِ الصبا المتـقـادِمِ بشوقي إلى َ ت بلدي فاستهلّت َمدَامِـعـي ذكر ُ
و ُقطّع عني قَبل عقد الـتـمـائم ض بها اخضرّ شاربي ح َننْتُ إلى أر ٍ َ
وأنشد ثعلب من لرجاء بن هارون العكيٍ :الطويل:
ل َع ْهدِ الصّبا فيه وتذكارِ أولِ أَحِنّ إلى وادِي الراكِ صبابةً
نسيمُ حبيب أو لقا ُء مؤمّـل جنَباتِـه كأنّ نسيمَ الريحِ في َ
سهْم ،ل يعارض ك أنه من قول رجاء أخذ ،وبه ألمّ ،وعليه عَوّل؛ لنه في تناولهِ المعنى غريبُ الخذ ،عائِر ال ّ قال أبو بكر الصولي :ولست أش ّ
س أنه َم ْعدِنه الذي انتحته منه. معنى معروفاً إذا أنشد علم النا ُ
وقد اختُلِس معنى قول ابن الرومي :الطويل:
لها جسدٌ إن بانَ غُودِرَ هَالِكا فقد أَلِ َفتْهُ النفْسُ حتى كأنـه
خذَ ولطف في السرقة :السريع: أخذه علي بن ححمد اليادي وقال فأَحسن ال ْ
ذات ليال قد تَوَلّت قِصارْ خبْتَينِ أَشْلء دارْ بالجزْع فال َ
وإنما الناسُ نفوسُ الديارْ بانوا فمَاتت أسفًا بعـدهـم
وقال أعرابي :الطويل:
تصافِحُه أَيدِي الرياحِ الغرائبِ أيا حبّذا نجدٌ وطِـيبُ تـرَابِـهِ
عذَابُ المشاربِ كذلك أترابٌ ِ عكَ الهوى وعهدُ صبًا فيهِ يناز ُ
عذَابُ الثنايا وارداتُ الـذوائبِ ِ ل المنَى منهنّ في كل مطلب تنا ُ
وقال ابن ميّادة يخاطبُ الولي َد بن يزيد :الطويل:
بحرّة ليلى حيث ربّتنـي أهْـلـي أل ليتَ شعري هـل أبـيتـنّ لـيلةً
و ُقطّعنَ عني حين أدْ َركَني عقْلـي بل ٌد بها نِيطَتْ عـلـيّ تـمـائمـي
جمَ ْع إذاً شملي فَأفْشِ عليّ الرزقَ وا ْ ت عن تلك المواطن مانعـي فإن كن َ
وقال سوار بن الصرير ،ورويت لمالك بن الريب :الوافر:
نوائحُها كأَرْوَاحِ الغواني سقى ال اليمامة من بـلدٍ
نَسِي ٌم ل يَرُوعُ الترْب وَاني وجوّا زاهِراً للـريح فـيهِ
بقبّح عندنا حسنَ الزمـانِ به سُ ْقتُ الشباب إلى زمانٍ
وقال :أعرابي :الوافر:
204
بنا َبيْن ال ُمنِيفة فالضّـمـا ِر خدِيس تَ ْ أقول لصاحبي والعي ُ
فما َب ْعدَ العشّيةِ مِنْ عـرارِ شمِيم عَرار نَجْـدٍ تَمتّ ْع مِن َ
وريّا رَ ْوضِه غبّ القِطـار أل يا حبّذا نفحـات نَـجـد
وأنت على زمانِك غيرُ زَارِ وأهلك إذ يحلّ القوم نـجـدا
بأنصافٍ لهـن ول سِـرَارِ شهور َينْ َقضِينَ وما شعرْنـا
وهذا البيت كقول الخر:الطويل:
صرِ
وسَقْيًا ل َعصْرِ العامرية من عَ ْ سقَى الُ أيامًا لنا قد تتـابـعـت
تمرّ الليالي والشهـورُ ول َأدْرِي لياليَ أُعطَيتُ البَطالَة مِـقْـ َودِي
وتخلّفَ سليمان عن نصرة ابن الرومي ،فذاك الذي هاجه على هجائه ،فمن ذلك قوله ،وقد خرج في بعضِ الوجوه فرجع مهزوماً :السريع:
فاجتاح معتز بني المعتَصِمْ جاء سليمانُ بني طـاهـرٍ
طلعته نـائح ٌة تـلـتَـدِمْ كأن بغدادَ وقد أبـصـرتْ
وجه بخيلٌ وقفًا منـهـزِمْ مستقبل .منه وَمستَـدبـر
وقال :المنسرح:
جهِه سيتلـفـهُ شوقٌ إلى و ْ قِرْن سليمانَ قد أضـ ّر بِـه
عدِه ويخلـفـهُ يكذبُ في وَ ْ كم َيعِدُ القِرْنَ باللقـا ِء وكَـمْ
َقفَاه من فَ ْرسَخِ ،فيعـرِفـهُ جهَه ويرى ل يعرف القرْنُ و ْ
خبِرْني أي أصحابي كان أشدّ إقداماً في مُبارزتك ،فقال :ما وقد أخذ هذا المعنى من قول بعض الخوارج ،وقد قال له أبو جعفر المنصورَ :أ ْ
أعرفُ وجوههم ،ولكنني أعرفُ أقفاءهم ،فقل لهم يدبروا أعرّفك.
وفي هذه المنازعة يقول ابن الرومي لمواليه بني هاشم وكان ولؤه لعبيد ال بن عيسى بن جعفر بن المنصور :الطويل:
ِنبَال العِدى عنّي فكنت ْم نِصَالَهـا خ ْذ ُتكُ ُم دِرْعاً عليّ لـتَـدْفَـعُـوا
تَ ِ
خ ْذلَن اليمين شِمالهـا على حين ِ خيْر ناصِر وقد كنتُ أرجو منكم َ
ذِمامًا فكونوا ل عليها ول َلهَـا فإن أنتمُ لم تحفظوا لـمـودّتـي
وخَلّوا ِنبَالي وال ِعدَا ونبـالـهـا ف المعذور عني بمعزل ِقفُوا موق َ
ألفاظ لهل العصر
في وصف المكنة والزمنة
ن الدنيا مجموع ٌة فيها ،ومحصورة في نواحيها .بلدة كأن ترابَها عنبر، عرْضِ الرض .بلد ٌة كأن محاس َ بلدة كأنها صورةُ جنَة الخلد ،منقوشة في َ
جوْهر،حبَةُ ال َمثْوى ،كوكبُها يقظان ،وجَوّها عُريان ،وحَصَاها َ س ْكنَىَ ،ر ْ
وحَصباءها عقيق ،وهواءها نسيم ،وماءها رَحِيق .بلدةٌ معشوقة ال ّ
ونسيمُها ُمعَطّر ،وترابها مِسْك أذفر ،ويومها غداةٌ ،وليلها سَحر ،وطعامها هنيّ ،وشرابها مَ ِريّ .بلدة واسع ُة الرقعة ،طيبة البقعة ،كأنّ محاسن
الدنيا عليها مفروشة ،وصورة الجنة فيها منقوشة ،واسطة البلد وسرّتها ،ووجهها وغرّتها.
ل والبنية .بلد حرّها مؤذٍ ،وماؤها غير مغذ .بلدة وَسخة السماءَ ،رمِدة الهواء، ولهم في ضد ذلك :بلد ُمتَضايِقُ الحدود والفنية ،متراكب المناز ِ
سرْجِين ،وحيطانها نزوز ،وتشرينها تموز ،فكم في شمسها من محترق ،وفي ظلها من خبَارٌ ،وماؤُها طين ،وترابُها ِ جوها غبار ،وأرضها َ
غَرق .بلدة ضيقة الديار ،سيئة الجوار ،حيطانها أخْصَاص ،وبيوتها أقفاص ،وحُشُوشها مسايل ،وطرقها مَزَابل.
ولهم في صفات الحصون والقلع :حصن كأنه على مَ ْرقَب النجم ،يحسر دونه الناظر ،ويقصر عنه العُقابُ الكاسِ ُر يكا ُد مَنْ علَه يغرق في
جتْ أبراجُه بُرُوجَ السماء .قلعة حلّقت بالجو تُناجِي السماء بأسرارها .قلعة َبعُدَ في السماء مُ ْرتَقاها، حوض الغمام .حصن انتطق بالجوزاء ،ونا َ
سمْناً،حتى تساوى ثَرَاها مع ثريّاها .قلعة تتوشح بالغيوم ،وتتَحلّى بالنجوم .قلعة عالية على المرتقى ،صمّاء عن الرقى ،قد جاوزت الجوزاء َ
سمْكاً ،هي متناهية في الحصانة ،موثوقة بالوثاقةِ ،ممتنعة على الطلب والطالب ،منصوبة على أضيق المسالك وأوعر وعزلتِ السماك العْزل َ
شمَاسٍ ،وسئمت المناصب ،لم تزدْها اليامُ إل نبوّ أعطاف ،واستصعاب جوانب وأطراف ،قد ملّ الوُلةُ حِصَارها ،ففارقوها عن طموح منها و ِ
حمًى ل يُرَاغ ،و َمعْقِل ل يُستطاع ،كأَنّ اليام صالحَتها على العفاء من الحوادث والليالي ط ويأسٍ ،فهي ِ الجيوشُ ظلّها ،فغادَ َرتْها بعد قنو ٍ
عاهَدتها على التسليم من القوارع .قلعة تَحْوي من ال َرّ ْفعَ ِة قَدرًا ل تستهان مواقعه ،وتلوي في المنعة جيداً ل تستلن أخادِعه ،ليس للوَهم قبل
القدوم إليها مَسْرَى ،ول للفكْرِ قبل الخَطْو نحوها مَجْرى.
ستْ له الشّعرى العَبور ثوبَ الغيور .قصر ش ُرفَاته بين النّسْر وال َعيّوق ،كأنه يُسَامِي ال َف ْرقَد ،وقد اكت َ ولهم في صفات القصور والدور :قصر كأن ُ
شدَدْن مناطقها ،وتوجّن بالكاليل مفَا ِرقَها. ل مَنيع ،وفي الحسن رَبيع مَرِيع .شُ ُرفَات كالعذارى َ طال َمبْنَاه ،وطاب مَغناه؟ كأنه في الحَصَانة جب ٌ
قَصْرٌ أقرّت له القصورُ بالقُصور ،كأنه سَحَاب في بحو السماء .دار قَ ْورَاء تُوسِع العينَ قُرة ،والنفس مسرّة .كأنّ بانيها استسلف الجنّة فعُجّلت
صرُ عنها القصور ،إن مات صاحبُها مغفوراً له فقد انتقل مِن جنة إلى جنة .دار قد اقترن ال ُيمْن بيمناها ،واليُسْر له .دار تخجل منها الدور ،وتتقا َ
سهْمها، حضَر ،والعيون على سَفَر .دار هي دائرة الميامن ،ودَارَة المحاسن .دارٌ دارَ بالسعد نجمُها ،وفاز بالحسن َ بيُسْراها ،الجسو ُم منها في َ
جنَان ،وضحكت عن ال َعبْقَريّ دار يخدمها الدهر ،ويأويها ال َبدْرُ ،ويكنفها النّصر ،هي مَ ْرتَع النواظر ،ومتنفّس الخواطر .دارٌ قد أخذت أدواتِ ال ِ
الحِسان.
من أدب الميكالي نثراً وشعراً
فصل لبي الفضل الميكالي إلى بعض إخوانه
ن َبهْجَتي وأُنسِي ،وحتى أقبََلتْ وجو ُه الميامن تتهلّل إلي ،وبدَرُ المساعِد ما ابتدأتُ بمخاطبة سيدي حتى سرَتِ المسرّة في نفسي ،وق ِو َيتْ أركا ُ
ظ من الجمال تنثالُ عليّ ،وكيف ل يملكني الجذَل والفرح ،وكيف ل يهزُني النشاطُ والمَرَح ،وقد زف ْفتُ ُودّي إلى كُفْء كريم ،وعرضته لح ّ
ش ِتمَال ،ويُصادف من اهتزازِهِ وإنشائه ،وعمارته وإنمائه، حظَى من ارتياحه له ببُ ْردِ ا ْ حسْنِ قبولٍ وإقبال ،ويَ ْ جسيم ،وأَرجو أَن ي ِردَ منه على ُ
205
وتحصين أطرافه من شوائب الخلل ،وشوائن الوَهن والميل ،وما تستحكم به مَرَائر الوِصَال ،وتؤمن على قُوَاها عَوَادِي النتقاض والنحلل.
ل من عِظَ ِم َقدْرِ النعام والصطناع ،واستغراقه منه ُقوَى الستقلل والضطلع ،فليس عليه في وله :إذا لم يُؤْتَ المرءُ في شكر المنعم إ ّ
عيْبٌ .ولئن ظهر عَجْزِي عن حق هذه النعمة فإني أحِيل بحسن الثناء على من ل عتْب ،ول يلحقه فيه نقيص ٌة ول َ القصور عن ُكنْهِ واجبه َ
صرَفُ الرغبَةُ إل إليه ،وال يُبقِيه لمجدٍ يقيم أعلمَه ،وفَضْل يَ ْقضِي ِذمَامَه، ُيعْجِزه حمله ،ول يؤُوده ثقله ،ول يزكو الشك ُر إل ل َديْه ،ول تُ ْ
ف يَبثّ أقسامه ،ووليّ يوالي إكرامه ،وعد ّو يُدي ُم قمعَه وإرْغَامَه. وعُرْ ٍ
خدْمةحبْوًا ل على القَدم ،ولثرْت فيه خدمة اللسان على ِ وله :ولو وفيت هذه النعمة الجسيمة حقّها لمشيت إلى حضرته -آنسها ال تعالى َ -
القلم ،ولما رضيت له بباعي القصير ،وعبارتي الموسومة بالعجز والقصور ،حتى أَستعير فيه ألسِنةً تحملُ شكرًا وثناءً ،وتوسِ َع نَشْرًا ودعاء،
ن عدم الذن ثَبطني عن مقصودِ الغرض ،وعاقَني عن الواجب المفترض؛ فأقمتُ عذْراً شافياً؛ إل أ ّ ثم ل أكَونُ بلغتُ مبلغاً كافياً ،ول أبليت ُ
عاكفاً على دعاءٍ أر َفعُهُ إلى ال عزَ وجل مبتَهلً ،وأواصله مجتهداً في ليلي ونهاري محتفلً.
ق النعمة بالزيادة نعمة لم تزل العيون إليها مستشرفة ،والقلوب إليها متشوّفة ،واليام بها وَاعِدة ،والقدار فيها مساعدة ،حتى استقرّت وله :أح ّ
في نِصَابها ،وألقتْ عِصيّ اغترابها ،فهي للنماء والزيادة مترشحة ،وبالعز والسعادة متوشحة ،وبالدعية الصالحة مستدامة مرتَهنَة ،وباتفاق
الكلمةِ والهواء عليها مرتبطة محصنة.
ف بين مَوْهوب ف بين مكروه ومحبوب ،وتتصرّ ُ وله فصل من كتاب تعزية بالمير ناصر الدين :أقدارُ ال تعالى في خلقِه لم تَزَلْ تختل ُ
ومسلوب ،غاديَةً أحكامُها مَرّةً بالمصائب والنوائب ،رائحة أقسامها تارةً بالعطايا والرغائب ،ولكنْ أحسنُها في العيونِ أثراً ،وأطيبَها في
جبِر ،وإذا أخذ بيد رد بأخرى ،وإذا وهب بيمنى السماع خبَراً ،وأَحْرَاها بأن َتكْسِبَ القلوبَ عزاءً وتصبّراً ،ما إذا انْطَوَى نُشِر ،وإذا انكسر ُ
ت الكباد ،وأوهنتِ العضاد ،وسودت وجوهَ المكارم والمعالي ،وصورت اليامَ في صُور الليالي، سلبَ بيسرى ،كالمصيبة بفلن التي قرّحَ ِ
ن مُظْلِمةَ
عمَادَه ،والدين وهو يندب جهاده ،حتى إذا كاد اليأسُ يغلبُ الرّجاءَ ،ويردّ الظنو َ حدَادَه ،وال َعدْلَ وهو يبكي ِ وغادرت المج َد وهو يلبَس ِ
ت به الدهماء ،فأسَى به حادِثَ الكَلْم ،وسد بمكانِهِ عظيمَ ضيَ ْ
النواحي والرجاء ،قيّض ال تعالى من المير الجليل مَنِ اجتمعتْ عليه الهواءُ ،ور ِ
ت للدولة المباركة أعواناً وأنصاراً. س قد استبدلتْ بالحيرة قوة وانتصاراً ،وصار ْ الثلْم ،وردّ المال والنفو َ
ومن شعره في تجنيس القوافي ،في معان مختلفة :المتقارب:
سميعاً ول عامِلً أَنت بهْ إذا لم تكُنْ لمقالِ النصيح
مَلهي وإن قُلْت ل أنتَبِهْ يُن ًب ُهكَ الدهرُ من َر ْقدَة إل
وقال :البسيط:
فَلبِس من ثراء المالِ َأوْ عَارِي تفرّق الناسُ في أرزاقهم فِرَقـاً
مَ ْقسُومة بين أوعاث وَأوْعَـارِ كذا المعايش في الدنيا وساكنهـا
وقال :المتقارب:
رضاً بالقضاء ول تحتفـدْ حَوَى ال ِقدّ عمْراً فقلت اعتقدْ
فأقبحْ بمحتقد تحـت قـد فإمّا احتقدت فضاءَ اللـهُ
وقال :الكامل:
مع فضله ونمائه وكمـالِـهِ تمت محاسنه فما يُ ْزرِي بهـا
ل عَوْنَ للرجل الكريم َكمَالِهِ إل قصورُ وجودِه عن جُـودِه
وإن استغاثك واثقًا بك مَالِـهِ ك فَوَاسِهِ جتَدَا َانصُرْ أخاك إذا ا ْ
وقال أيضاً :مخلع البسيط:
ثم تأذّيت بـالـغـداء صدْرَ يومي إذا تغديْتُ َ
أرى غدائي أراغ دائي فقلت إذْ مسّـنـي أذاهُ
وله في هذا الصوغ :مخلع البسيط:
راحتُنا في َأذَى قَفـاهُ ق يُجِيدُ َلقْـمـاً لنا صدي ٌ
ق فَـاهأذى َقفَـاه أذا َ ما ذاق من كسبه ،وَلكنْ
وقال يهجو رجلً :المتقارب:
صدْرِهِ ويَأبى له الضيقُ في َ يوسّـع فـي بَـيْتِــهِ
خفْضَ في قَدرِهِ كما رَضِيَ الْ َ صبَ في قِـدْرِهِ خطَ النَ ْ فتَى سَ ِ
خبْزَ من خِـدْرِه ول ُيبْرزُ ال ُ يخـدّر أوصـالً أضـيافِـهِ
وقال في غير هذا المذهب يصفُ كتاباً ورد عليه :المديد:
كللٍ زانـهـنّ نِـظــامُ قد أتانا مـن صـديقٍ كـلمٌ
مطربٌ يعجز عنه المُـدام فسرى في القلب مني سرورٌ
حوله من جمعهـنّ زِحَـام ب بـنـات مثل ما يرتاح ر ّ
خلفًا من نَـسْـلِـه ل يُذامُ ل يُرجَـى فرعى ال طـوي ً
قال يا بشراي هـذا غـلمُ س بـشـير وأتـاه بـعـد يأ ٍ
وقال يصف الشمع :الطويل:
ص ْبنَا لراجي ِه عموداً من التّـبْـرِ ن َ حبْـرِ
ل كلَوْنِ الهَجْر أو ظُلمةِ الْ ِ ولي ٍ
ترى بين أيدينا عمودًا من الفَجـر ب الدّجى فـكـأنـمـا يشقّ جلبي َ
وذوب حشَاه والدّموع التي تجري يُحاكِي رُواءَ العاشِقـينَ بـلَـ ْونِـه
206
عهْدي بدَمْ ِع العين ينحلّ إذ يجري وَ خَلَ أَنّ جارِي الدمع ينحله قـوي
شعاع كأنّا منه في لـيلة الـبَـدْرِ تبدّى لنا كالغصـن قـدّا وفـوقـهُ
وفيه حياةُ النسِ والّلهْوِ لـو يَدري تحمّل نوراً حَتفُـه فـيه كـامِـنٌ
ب جديدٍ من العمـر فيختالُ في ثو ٍ إذا ما عََلتْـهُ عِـلّة جُـرّ رأسـه
وقال :مجزوء الرجز أو مجزوء السريع:
يزرِي بنور الشفق يا ربّ غُصنٍ نـورهُ
يبكِي بجـفْـنٍ أَرِقِ يظلّ طولَ عـمـرهِ
ونارُه في المفـرقِ نارُ المحبّ في الحشا
فردّنا في َمشْـرِق لح لنا في مغـربٍ
وقال :مجزوء الرمل:
ل في َقدّ الكـعـا ِ
ب وقضيبٍ من بنات النح
ن ودم ٍع ذي انسكابِ ٍ شقَ في لـو يُشْبه العا ِ
وهو عريانُ الهابِ كسى الباطن مـنـه
دان ملبوس الثـيابِ فَإذا ما أنـعـم الب
في بـلء وعـذابِ فهو للشقوة مـنـهـا
وقال كشاجم يصف شمعاً أهداها إلى بعض الملوك :الوافر:
ظهُرُهـا عَـواري طنُها وأَ ْ
بوا ِ صفْرٍ من بناتِ النحْل ُتكْسَـى و ُ
إذا افتضت من السّفل العَذارِي ضضْن مِنَ العالي عذارى يُفت َ
تلقح فـي ذوائبـهـا بِـنـارِ وأمست تنتج الضواء حـتـى
إذا ما أشرقتْ شمسُ العُقـارِ كواكب لَسْنَ عنـك بـآفِـلتٍ
شريف الصل محمود النّجار بعثْتُ بها إلى مَـلِـكٍ كـريم
محاسن ُه تُضيءُ لكل سَـارِي فأهديت الضياء بها إلـى مَـنْ
وقال :الكامل:
يُ ْؤذِيه حتّى بال َقذَى في مـائِه يَشْقَى الفتى بخلفِ ك ّل معاندٍ
سكْبِ إنائهِ
عنْدَ َ
ويروغ عنه ِ شرْبهِ يقذى إذا أصغى الناء ل ُ
وقال :الطويل:
ي تلوي بالوفَاء وَتجمـ ُ
ح وهَا هِ َ أُطالِبُ أيامي بإنجا ِز مَـوْعِـدي
ن يَسمحُ
ل فبعضُ الشوك بالم ّ قلي ً أقولُ عساها أن تلِينَ لمطلـبـي
وقال :البسيط:
والهج ُر يتبعُه َركْضاً على الثرِ أرى وصَالَك ل َيصْفُو لمِـلـهِ
عليه أبعدُها من منزع الـوتـرِ ب سهميها إذا عطفت كالقوس أقر ُ
أخذ هذا من قول ابن الرومي وذكر رجلً متلوناً :الطويل:
إذا بك قد ولَيتنا ثانياً عِـطْـفَـا رأيتك بينا أنتَ خِلّ وصَـاحِـبٌ
بعادًا لمن بادلْتة الودّ واللطـفَـا وأنك إذْ أحْنى حنـوك مُـوجِـبٌ
على السهم َأنْأَى ما تكونُ له َقذْفا لكالقوس أحنى ما تكونُ إذا انحنَتْ
وله في نحو ذلك :الطويل:
وأتعبْتُ أقلمي عتابًا ُم َردّدا جدْ متـودّداً تودّدْت حتى لم أ ِ
207
جمّ الزلزل على أَرضِهِ والثغرُ َ عُراعر قوم يسكنُ الثغ َر إن مَشَوْا
ف مُـتَـطـاوِلِ
شرِ ٍ
بآلَئه أو مُ ْ فكم فيه ُم من ُم ْنعِمٍ مـتـطـوّلٍ
جمّات التلع الـسـوائل نظائر ُ إذا سُئلوا جادَتْ سيوفُ أكفـهـم
عرائكَ أحداثِ الزمان الجـلئل خَلِيقونَ سَرْوًا أن تُلِينَ أكفـهـم
إلى َقمَ ٍر فيهمْ رفيع المَـنـازِلِ وما زال لحظُ الراغبين ُمعَلَـقـاً
وفيه ،أو في أبيه ،يقولُ أبو سعيد أحمد بن شبيب :الكامل:
رَزْحى الركاب برَازِحِي الركابِ وإلى المير ابن المير تواهَقَـتْ
ظفَ ٍر بعُقْـبِ ضِـرَابِ وألذّ من َ شيَمٌ أرَقّ من الهواءِ بل الـهـوَى ِ
لنَفذْنَ فـي اليام غَـيْ َر نَـوَابِ وعزائمٌ لو كنّ يومـاً أَسْـهُـمـاً
نا ِريّةُ القْـدَامِ واللـهـــابِ مائيةُ الـجـريَان إل أنـهـــا
و َي ِتهْنَ بين مَـثُـوبةٍ وعـقَـابِ يخطـرن بـين سـيَاسةٍ و ِريَاسَةٍ
ترجمة ابن أبي دواد وأخباره
قال أبو عبد ال بن حمدون النديم :لقد رأيت الملوك في مقاصيرها ،ومجامع حفلها ،فما رأيت أغزر أدباً من الواثق؛ خرج علينا ذات يوم وهو
يقول :لقد عرض عرضة من عرضه لقول الخزاعي ،يريد دِعبِلً :الطويل:
طوَى الكَشْحَ عني اليومَ وهو مَكينُ َ ي ماذا أرتجي من غد امـرئ خليل ّ
س ّد به مِن خَلـتـي لَـضـنِـينُ يَ ُ وإنَ امرأً قد ضَنّ عني بمنـطـقٍ
ط من عِقَال في رجل من أهل اليمامة فأَطْنب وأسهب ،وذهب في القول كل مَذْهَب؛ فقال الواثق :يا أبا فانبرى أحمد بن أبي دُوَاد يسأله كأنما نَشِ َ
عبد ال ،لقد أكثرتَ في غير كبير ،ول طَيب ،فقال :يا أمير المؤمنين ،إنه صديقي :الطويل:
من الهيّن الموجو ِد أن يتكلّـمـا ن ما ُيعْطي الصديقُ صديقَهُ وأَهو ُ
فقال :وما قَدر اليمامي أن يكون صديقك ،وإنما أحسبه أن يكون من عرض معارفك؟ .قال :يا أمير المؤمنين ،إنه شهرني بالستشفاع إليك،
وجعلني بمرأى ومسم ٍع من الردّ والسعاف ،فإذا لم أَقم له هذا المقام أكون كما قال أميرُ المؤمنين آنفاً:
طوى الكَشْحَ عني اليوم وَهْ َو َمكِينُ غنَى امرِئ ي ماذا أرتجي من ِ خليل ّ
جنَة المَطْل ،كما سلم من هجنَة الردّ. ت لبي عبد ال حاجتَهُ ،ليسلم من هُ ْ فقال الواثق :بال يا محم ُد بنَ عبد الملك إل عجّ ْل َ
ضرَة ابن الزيات فأؤخّر ذلك إلى وقت وكان ابن أبي دُواد من أحسن الناس تأتّيا ،وكان يقول :ربما أردت أن أسألَ أمي َر المؤمنين الحاجةَ بحَ ْ
ل يتعلّم حُسنَ التلطُف مني! وكان بينه وبين محمد بن عبد الملك عداوة عظيمة ،وأمر الواثقُ أصحابَه أن ينهضُوا قيامًا لبي جعفر إذا مغِيبه؛ لئ ً
ل بعض غلمانه بمراقبة موافاته ،فإذا أقبل دَخل ،ولم يرخّص في ذلك لحد ،فاشتدّ المرُ على ابن أبي دُواد ،ولم يَجد لخلف الواثق سبيلً .فوكّ َ
أخبره فنهض يركع ،فقال ابن الزيات :الكامل:
ك بعـدَهـا ويَصـومُ سُ وأَراه َينْ ُ صلّى الضّحَى لمّا استفادَ عَدا َوتِي
تركتْك َت ْقعُ ُد بعدهـا وتـقُـومُ ل تعدمـنّ عـداو ًة مـوسـومةَ
ت الموال بطلباتك لِلّئذين بك ،والمتوسّلين إليك .فقال :يا أمير المؤمنين، وقال الواثق يومًا لبن أبي دُواد تضجّراً بكثرة حوائجه :قد أخَليْتَ بيو َ
ل ل َم َن ْعنَاك ما يزيدُ في نتائج شكرها متّصلة بك ،وذخائرُها موصولة لك ،وما لي من ذلك إل عشق اتصال اللسن بخلودِ المدح ،فقال :وا ّ
عشقك ،ويقوّي في همّتك فينا ولنا؛ وأمر فأُخرج له خمسة وثلثون ألف درهم.
قال أبو العيناء :قلت لبن أبي دواد :إنّ قوماً من أهل البصرة قدموا إلى سُرّ من رأى يداً عليّ ،فقالَ :يدُ ال فوقَ أيديهم .فقلت :إن لهم َمكْراً،
فقال" :ول َيحِيقُ ال َمكْرُ السّيءُ إل بأهْلِهِ" فقلت :إنّهم كثير .قال" :كم من فئةٍ قليل ٍة غلبَت فئ ًة كثير ًة بإذنِ ال والّ مع الصابرين" ،فقلت :ل درّ
ت الكلبية :الكامل: القاضي فهو كما قالت الصّمو ُ
ع ُدنْيَا أنت للحـدْثـانِ ومتا ِ ل دَرّك أي جُـنّةِ خَـائفٍ ِ
َوطْءَ الفنيق مدارجَ الق ْردَانِ متخمّط يَطَأُ الرجالَ شهامةً
مأمومةً تنحطُ للغـربـانِ ويكبّهم حتى تظل رؤُوسُهـم
حتى يصِي َر كأنـه بَـابَـانِ ب الشديدَ رِتاجُـه ويفرجُ البا َ
وكانت هذه المجاوبة بين أبي العيناء وبين أبي العلء المنقري ،وكان قد استجاش عليه قومًا من أَهل البصرة.
قطعة من شعر العراب في الغزل
ابن ميادة :الطويل:
خضْرا ت ببطنِ اللوَى ُ وأهلُك روضا ٍ شعْري هل يَحُلّنّ أهـلُـنـا أل ليت ِ
ك َتعْرَوْري بنا بـلـدًا قَـفْـرا بريّا ِ ج مَـوْهـنـاً ح تَـدْرُ ُ
وهل تأتينّ الري ُ
فروع القاحي تنضب الطلّ والقَطْرا بريح خُزامى الرمل بات ُمعَـانـقـاً
صبْـرا
قريباً ،فأمّا الصبرُ عنك فل َ أل َل ْيتَنـي ألـقـاكِ يا أمّ جَـحْـدَر
وقال :الطويل:
حنْوةٍ وعَرارِ على منابها من َ وما َروْضَ ٌة باتَ الربي ُع يَجودُها
ف من دِ ْرعٍ لها وخِمارِ بما الْت ّ بأطيبَ من ريح القرنفل مَوهناً
وقال آخر :الطويل:
عرا ُه بحبّاتِ القلـوبِ الـهـوائمِ سنَا بنتُ الـدّلل تـعـلّـقـتْ تجاِل ُ
208
غريق الناسي في الدّموع السّواجمِ وبين ما تخفى من الوَجْـد ردّهـا
ب ُعنّابِ أطرافِ الكفّ النـواعـم جرَى الدمعُ َمجْرَى مائِه فكَ َففْـنَـه
بيَقْظَانِ طَ ْرفٍ في مَـخِـيلة نـائمِ وردّ التحيات الهوَى من عيونـهـا
وقال العلء بن موسى الجهني :الطويل:
جتَاباً إلى غير مَوْعدِس ُم ْ
رَدى النفْ ِ ولمّا رأتني مخطراً شَوْكةَ العِـدَى
ونح ٍر مَشُوبٍ لونُهُ بالـزبـرجـدِ جَلتْ داجِيَ الظلماء منها بـسُـنَةٍ
جمْرِ الفرقد الـمـتـوقّـد
تلهّبُ َ سبُوكاً كأن التـهـابَـه شذْر م ْ
وبال ّ
خضّدعلى البيض أمسَى سَالماً لم يُ َ وجاءت كسَل السيفِ لو م ّر مشيُها
إلى الحَوْلِ لم نملل وقلْنا له ازدَدِ فب ْتنَا ولم نكذبْك لـو أنّ لـيلـنـا
ِذيَاداً ونسقيهنّ سقي المـصَـ ّردِ نَذُودُ النفوسَ الصادياتِ عن الهوى
ف المتش َهدِ مع الصبح صَوت الهات ِ فلمّا بدا ضوءُ الصباحِ وراعَـنـا
نَطَافي حواشِي التحميّ المعضّد نهضْنا بشَخْصٍ واحدٍ في عيونهـم
عليها سلمَ الباكِـر الـمـتـزوّد إلى جنَةٍ منهم وسلّـمـت غـادياً
تأطرغُصْن البـانةِ الـمـتـأوّد وولت وأَغباش الدّجى مرجَـحِـنّة
وقال أعرابي من طيئ :الطويل:
ن وإثـمِـدُ من الريش إل زَعْفَرا ٌ وأحورُ يصطادُ القلوبَ ومـا لـهُ
سِوارٌ وخَلخَالٌ وطَوْق منـضـدُ لحُهُ ك ممّن سِ َ وما كنتُ أخشى ال َف ْت َ
صفَى وأبْـ َردُ سمِي أ ْ من البَرد ال َو ْ وأشنبُ برّاق الثـنـايا غُـروبُـهُ
وميضاً نرى الظلما َء منه تـقـدّد ي بال أقـعـدا فـتـبـيّنـا خليل ّ
ل وتُـغْـمَـدُ ي تُسَـ ّصفيحةُ ِه ْندِ ّ يكشف أعراضَ السحابِ كـأنـهُ
ح وأقـعـدُ أقومُ له حتى الصبـا ِ فبتّ على الجيال لـيلً أشـيمُـهُ
هذا في البرق كقول الطرماح في النور:الكامل:
ف يُسل و ُي ْغمَد شرَ ٍ سيْفٌ على َ َ َيبْدُو وتضمره البلدُ كـأنـهُ
وقال بشار :الكامل:
عتْـبـي عبْد طالَ بحبّكمْ َ يا َ عتْباً بحـبـكـمُ أعددْتَ لي َ
في ال ُقرْطِ والخلخال والقُ ْلبِ ولقد تعرّض لي خيالُـكُـمُ
ب باردٍ عَـذبِ برضاب أشن َ فشربت غي َر مباشرٍ حَرجـاً
وقال المتنبي :الكامل:
طرُ أَن نراه ببَالِهِ مَنْ ليس يَخْ ُ ِبتْنَا ُينَاوِلنا الـمُـدَا َم بـكَـفّـهِ
س من خَلْخالِهِ عيْنَ الشم ِ وننالُ َ ب من قلئد جِيدِه نَجْني الكواك َ
وأول شعر أبي الطيب:
لول ادّكارُ َودَاعِه وزيالِـهِ ل الحُلمُ جا َد به ول بمثـالِـه
كانت إعا َدتُهُ خيالَ خـيالِـهِ إن ال ُمعِيدَ لنا المنامُ خَـيَالَـهُ
إذ كان َيهْجُرُنا زمانَ وصالِهِ ح َببْتُهُ ف من َأ ْ إني لُبغِضُ طَي َ
ظهَرُ من هذا قول الطائي :البسيط:
يقول :التمثيل والتخيل له في اليقظة أعاد خياله في المنام ،فكأنّ الخيالَ الذي في النوم تصور في اليقظة .وأ ْ
ِفكْ ٌر إذا نام ِفكْرُ الخلق لم َينَـمِ زار الخيالُ لها ل بل أزَا َركَـهُ
في آخر الليل أشراكًا من الحلمِ صبْـتَ لـهُ صتَ ُه لمَا نَ َ
ظبي تقنّ ْ
أما بيته الول فمن قول جميل :البسيط:
حدثت نفسك عنه وهوَ مشغولُ طيْفِ ألم بـه حييتُ طيفك من َ
وقال ذو إلى الرمة :الطويل:
إذا ما دجا الظل ُم منا وساوسُ نأت دارَ ميّ أن تُزَار ،وزَورُها
هوًى لبّسَتهُ بالقلوب اللوابـسُ سرَى لنا إذا نحن عَرّسنا بأرضٍ َ
وبيته الثاني ألمّ فيه بقول قيس بن الملوّح :الطويل:
ك يَلْقَـى خـيالـيَا ل من ِ لعل خيا ً ي نَـعـسة س َتغْشِي وما ب َ وإني ل ْ
ث عنك النفسَ في السرّ خاليا أُحدّ ُ وأخرج من بين الجلوس لعلّنـي
جعْـنَ إل صـوادِيا ن فما يَرْ ِ يَ ِردْ َ تَقَطَ ُع أنفاسي لذكرك أَنـفـسـاً
وقد قال فيه قيس بن ذريح :الطويل:
لعل لقاءً في المـنـام يكـونُ وإني لهْوَى النومَ في غير َنعْسَةٍ
فيا ليتَ أحلمَ المـنـامِ يقـينُ تخبرني الحـلمُ أنـي أراكُـم
209
وكان البحتري أكثرَ الناس إبداعاً في الخيال ،حتى صار لشتهارِه مثلً يقال له خيال البحتري وفي بعض ذلك يقول :الطويل:
ل متى تَطُْلبْه في الج ّد ُتمْـنَـعِ
صٍبوَ ْ ت بنا بعد الهدوّ ،فسحـامَـحَـتْ
أَلمّ ْ
وأَعْجَلها دَاعِي الصباحِ المُـلَـمّـع حتْ حتى مضى الليلُ وانقضَى فما بَرِ َ
210
ويشقّ ملتفّ ال َقنَا المنـآدِ يتجاوزُ الراياتِ يخفقُ ظلّها
ن ُمغَيّبِ الـصّـدْ ِر جُلَى أمي ُ حامي الذّمارِ على مُحَافظة ال
ضاقت عليه نوائبُ الـدَهْـرِ ك إذا
حدِبٌ على المَوْلَى الضّرِي ِ َ
لْواء غي ُر مَُلعّـنِ الـقِـدْرِ ح َمدُ فـي ال
ومُرَهَقُ النيران يُ ْ
ك دونَ الخيرِ من سِـتْـرِ يلقا َ ستْر دونَ الفاحشاتِ ،ومـا وال ّ
وقال :البسيط:
لتِه هَـرمُ كنّ الجوادَ على عِ ّ ل ملومٌ حيثُ كان و َ
ل إن البخي َ
عفْواً ،ويُظْلَمُ أحيانًا فيظّـلِـمُ
َ هو الكريمُ الذي يُعطِيك نَائِلَـهُ
ب مَالي ول حَ ِرمُ يقولُ :ل غائ ٌ وإنْ أتاه خلـيلٌ يو َم مـسـألةٍ
ل به الفقر؛ إلى غير ذلك من مُختار مدحه فيه. الخليل :الذي أخ ّ
211
من فضائل الشعر
ب عبدَ ال بن جعفر ،رضي ال عنه ،أمر له بإبل وخيل ،وثياب ودنانير ودراهم ،قال له رجل :أ ُتعْطي لمثل هذا العبد السود صيْ ٌ
ولما امتدح نُ َ
ق بما قال أكثرَ ممّا أعطى وهل أعطيناه إل ثياباً شعْرَه أبيض ،وإن كان عبداً فإن ثناءه َلحُرّ ،ولقد استح ّ هذا العطاء؟ فقال :إن كان أسود فإن ِ
ل يَ ْفنَى ،ومطايا َتنْضَى ،وأعطانا مديحاً يروَى ،وثناء َيبْقَى؟. تبلى ،وما ً
وقال الخطل يعت ّد على بني أمية ِبمَدْحِهِ لهم :الكامل:
ي أكثَـرُ فلقد أخذتُمْ من مديح َ أبني أمية ،إن أخذتُ نوالكـمْ
ن و ُتذْكَرُ ُتنْسَوْن إنْ طَال الزما ُ ح فـيكُـم أبني أمية ،لي مدائ ُ
ولما مدح أبو تمام الطائي محمد بن حسان الضبي بقصيدته التي أولها :الكامل:
ضرَ ٌة و َنعِيمُوغدَتْ عليه ْم نَ ْ أسقى طلوَلهُمُ َأجَشّ هَزِيمُ
وصَلَه بماد كثير ،وخلع عليه خلعة نفيسة ،فقال يصفها :الخفيف:
س من مـكـار ٍم ومَـسَـاعِ ُم ْكتَ ٍ قد كسانا من كُسْوَةِ الصيف خِ ْرقٌ
سحَا القيْضِ أو رداء الشجـاع كَ َ حُلّةً سـابِـريّ ًة وكِــسَـــاء
أنه ليس مثلـه فـي الـخِـدَاعِ كالسراب الرقراقِ في الحُسْنِ ،إل
ه بأم ٍر من الهـبـوب مـطـاعِ ح مَـتْـنَـي قصبيّا تسترجفُ الري ُ
َك ِبدُ الصب أو حَشَا الـمُـ ْرتَـاع رجَفاناً كأنـه الـدهـ َر مـنـهُ
ءًا من المـتـنـين والضـلعِ لزماً ما يليه تـحـسـبُـه جـز
حبِ الفؤادِ رَحْبِ الذراعِ صّدرِ رَ ْ كسوة مِنْ أغَزّ أروعَ رَحْـب ال
من ثنا ٍء كالبرد بردِ الـصّـنـاعِ سوف أكسوكَ ما يعفّي علـيهـا
سنُهُ في القلـوب والسـمـاعِ حُ ْ حُسْنُ هاتيك في العـيون ،وهـذا
ي إن بقي عندي ثوب أو يَصِل إلى أبي تمام؛ وأمَر بحمْلِ ما في خزائنه إليه. فقال :لعنةُ ال عل ّ
قال إبراهيم بن العبّاس الصولي لبي تمام :أمراءُ الكلم ،يا أبا تمام ،رعيةٌ لحسانك ،قال :ذاك لني أستضيءُ بنورك ،وأ ِر ُد شريعتك.
ج ْودَة شعره بليغَ الخطاب ،حاضرَ الجواب ،وكان يقال :ثنتان قَلّما يجتمعان :اللسانُ البليغ ،والشعر الجيد. وكان الطائي مع َ
جنَادة الوشَاء :انصرف أبو تمام من عند بعض أصحاب السلطان ،فوقف علي ،فقلت :من أين؟ فقال :كنت عند بعض الملوك وقال الحسن بن ُ
جتُ هاربًا من المجلس ،نافراً إلى التسلّي ،وما في منزلي نبيذ فإن كان عندك منه شيء فأكلْنا طعاماً طيّبا ،وفاكهة فاضلة ،وبُخَرنا وغُلفْنا؛ فخر ْ
جنْته به من سمَه ،فليس يثنينا عن المدام ،ما َه ّ خمْ ٌر أريده لبعض الدوية ،فقال :دع اسمه ،وأعْطِنا جِ ْ فامنحني ،فقلت :ما عندي نبيذ ولكن عندي َ
اسم الحرام.
في المواعيد
قال عبيد ال بن محمد بن صدقة :كنَا عند أبي عبيد ال ،فدخل عليه أعرابي قد كان له عليه وَعْد ،فقال له :أيها الشيخ السيد ،إني وال أ َتسَحًبُ
شكْر في العرب شادخَ ش مجدك ،وأستعين على نعمك بقدرك؛ وقد مضى لي موعدان ،فاجعل النُجحَ ثالثاً ،أ ُقدْ لك ال ُ على كرمك ،وأستوطِئ فرا َ
ظ مني ،وأنا أبلغ لك الغُزَة ،باديَ الوضاح .فقال أبو عبيد ال :ما وعدتك تغريراً ،ول أخرتُك تقصيراً ،ولكن الشغال تقطعني ،وتأخد بأ ْوفَر الح ّ
جهد الكفاية ،ومنتهى الوُسْع بأوفر مأمول ،وأحمد عاقبة ،وأقرب أ َمدٍ ،إن شاء ال تعالى.
صدْق ،قد أحصرني التطول ،فهل من معين ُمنْجد ومساع ٍد منشد؟ فقال بعضُ أحداث الكتاب لبي عبيد ال :وال - فقال العرابي :يا جلساءَ ال ّ
أصلحك الّ -لقد قصدك ،وما قصدك حتى أمّلَك ،وما أمّلك إل بعد أن أجال النظر ،فأمن الخطر ،وأيقن بالظفَر ،فحقق له أمله بتهيئة القليل،
وتهنئة التعجيل .قال الشاعر :الطويل:
تبلّج عن بشر ليستكمل البشْـرا عدِ آمل إذا ما اجتله المجد عن وَ ْ
تصون له الحمدَ الموفّر والجْرا ولم َي ْثنِه مطل العداة عنِ الـتـي
ي منها؟ فقال له أبو عبيد ال: خذْها فأنت سببها .فقال :شكرُك أحبّ إل ّ فأحضر أبو عبيد ال للعرابي عشرةَ آلف درهم ،وقال العرابي للفتىُ :
خذْها ،فقد أمَ ْرنَا له بمثلها .فقال العرابي :الن كمُلَت النعمة ،وتمّت المنّة. ُ
أخبار معاوية بن يسار
وكان أبو عبيد ال واسعَ الذرع ،سابغَ الدرع في الكرم والبلغة ،واسم ُه معاوية بن يَسَار.
صبْر على ألَمِ الحاجة ،وذلّ الفقر يسعى على عزّ ب بَطَر ال ِغنَى ،والصبرُ على حقوق الثّرْوَةِ أشدّ من ال ّ س ُ وكان يقول :إن نخوةَ الشرف ُتنَا ِ
عدْل النصاف ،إل من ناسب بعد الهمة ،وكان لسلطان عزمه قوة على شهوته. الصبر ،وجور الولية مانع من َ
وكان يقول :ل يكسر رأسُ صناعة إل في أخسّ رتّان ،وأرذلِ سلطان ،ول يعيبُ العلمَ إل من انسلخ عنه ،وخرج منه.
وكان يقول :حُسْنُ البِشْر عَلم من أعلم النجاج ورائد من روّاد الفلح ،وما أحسن ما قال زهير :الطويل:
كأنك ُتعْطِيه الذي أنتَ سائِلُهْ جئْتَ ُه ُمتَـهَـلّـلً
تراه إذا ما ِ
ك وتقديم ُنصْحِك؛ فإني ل أعرض لك رأياً صدْ ِر َ وقال له المهديُ بعد أن قتل ابنَه على الزندقة ،:ل يمعنك ما سبق به القضاءُ في ولدك ،من ثلج َ
على تُهمة ،ول أؤخر لك قدماً على رتبة ،فقال :يا أمير المؤمنين ،إنما كان ولدي حسنة من نبْت إحسانك أرضُهُ ،ومن تف ّقدِك سماؤه ،وأنا طاعة
ف عندي. أمرك ،وعَبد نهيك ،وبقية رأيك لي أحسن الخل َ
وكان يقول :العالم يمشي ا ْلبَرَا َز آمناً ،والجاهل يهبط الغيطان كامناً ،ولَ درّ زهير حيث يقول :الكامل:
ستْرِ
يَلْقاك دونَ الخيرِ من ِ الستر دون الفاحشات وما
وقال أبو عبيد الّ :ذاكرني المنصورُ في أمرِ الحسَين بن قَحْطَة ،فقال :كان أوثق الناس عندي ،وأقربهم من قلبي ،فلمّا لقي أبا حنيفة انتكث،
شكّ إلى يقين .ثم قال لي :اكتُم ت له ،فتعدل في أمره من َ ش ِهدَ ْ
ضعُه الباطلُ كما رفعه الحقّ ،وتشهد مخايِلُه عليه كما َ فقلت :إن فسدت نيته فسي َ
ت عليك. عليّ ما أَل َقيْ ُ
212
قال عمران بن شهاب :استعنت على أبي عبيد ال في أم ٍر ببعضِ إخوانه وكان قد تقدَم سؤالي إيّاه فيه .فقال لي :لول أت حقّك ل يُجحد ول
ل ما عندي إل يضاع ،لحجبت عنك حُسْنَ نظري؛ أظننتني أُجهل الحسانَ حتى أعلّمه ،ول أعرف موضعَ المعروف حتى أعرّفه؟ لو كان ُينَا ُ
بغيري لكنت مثل البعير الذّلول ،يحمل عليه الحمل الثقيل ،إن قِيدَ انقاد ،وإن أنيخ بَرَك ،ما يملك من نفسه شيئاً ،فقلت :معرِفتك بموضع الصنائع
أثبت معرفة ،ولم أَجعل فلناً شفيعاً إنما جعلته مذكّرا .قال :وأي إذكار أَبلغ عندي في رَعي حقّك من مسيرك إليه وتسليمك عليه؟ إنه متى لم
يتصفّح المأمول أسما َء مؤمّليه غدوةً وروإحاً لم يكن للمل محلً ،وجرى عليه المقدا ُر لمؤمّليه على يديه بما قدر ،وهو غيْ ُر محمود على ذلك
ول مشكور ،وما لي إمامٌ بعد وردي من القرآن إل أسماء رجال أَهْل التأميل ،حتى أعرضهم على قلبي ،فل تستَعن على شريفٍ إل بشَ َرفِه؛ فإنّه
يرى ذلك عيبًا لعُرفه؛ وأنشد :الطويل:
إلى بابه ل تَ ْأتِـه بـشـفـيعِ وذاك امرؤ إن ت ْأتِه في عظيمة
ق يُعْقِب فَلْجاً أو ظفراً ،والباطل يُورث كذبًا و َندَماً. ومن توقيعاته :الح ّ
وكتب إليه رجل :والنفس مولعة بحبّ العاجل .فكتب إليه :لكن العقل الذي جعله الّ للشهوة ِزمَاماً وللهوى رِباطأ موكّل بحبّ الجل،
ومستصغِرٌ لكل كثير زائل.
ي عهْد ،فأقام سنتين ل يَصلُ إليه شيء من برّه ،وهو ملزم قال مصعب بن عبد ال الزبيريَ :وفَد زياد الحارثي على المهدي وهو بالرّي ول ّ
كاتبه أبا عبيد ال ،فلمّا طال أمره دخل إلى كاتبه فأنشده :البسيط:
ول مُقَا َم لذي دين وذِي حَـسـب ما بعد حولين مرّا من مطـالـبةٍ
من المير لقد أَعذرت في الطَّلبِ لئن رحلتُ ولم أظفـر بـفـائدةٍ
فوقع أبو عبيد الّ :يصنعُ ال لك فكتب إليه :الخفيف:
قد تيقّنت أنـه ل يُجـابُ ما أردت الدعاء منك لني
جُلّ تسبيجه الخنا والسّباب؟ أيجاب الدعا ُء من مستطيل
ألفاظ لهل العصر
في ذكر الستطالة والكبر
ل ذلك من معانيها ،ويطرق نواحيها من المساوي والمقابح. مع ما يشاك ُ
ض يرشَق بسهام الغيبة ،وعلم يقصد بالوقيعة ،قد تناولته اللسن العاذلةُ، فلن لسانُه مِ ْقرَاضٌ للعراض ،ل يأكل خبْزَه إل بلحوم الناس ،هو غر ٌ
حكَة كل إنسان ،وصار سمُه ،فأصبح نَقْلَ كلّ لسان ،وضُ ْ سمُه ،ولزمه شنار ل يزولُ وَ ْ وتناقلت حديثَهُ النديةُ الحافلة .قد لزمه عار ل ُيمْحَى َر ْ
سبّة الخالدة على دولة اللسن ،و ُمثْلَة العين .وقد عرّض عرضه غرضاً لسهام الغائبين ،وألسنة القاذفين ،وقلّد نفسه عظيم العار والشّنار ،وال ّ
حدَى داياته ،وكأنّ الليل والنهار .قد أسكرته خَمرَة الكبر ،واستغرقتْه عُرّة التَيه ،كأن كسرى حامل غاشيته ،وقارون وكيل نفقته ،وبَلْقِيس إ ْ
يوسف لم ينظ ْر إل بطلعته ،وداود لم ينطق إل بنغمته ،ولقمان لم يتكلّم إل بحكمته ،والشمس لم تطلع إل من جبينه ،والغمام لم َينْ َد إل من يمينه،
وكأنه امتطى السّماكين ،وانتعل الفرقدين ،وتناول ال َنيّرَين بيدين ،وملك الخافقين ،واستعبد الثقلين وكأن الخضراء له عرشت ،والغبراء باسمه
فرشت.
فلن له من الطاووس ِرجْلُه ،ومن الوَ ْردِ شَوْكه ،ومن الماء َز َبدُه ،ومن النار دخانها ،ومن الخمر خُمارها ،قد هبّت سمائ ُم نمائمه ،ودبّت مكايد
ف كلِيل إل أنه يقطع ،ويضرب بعضد واهِن إل أنه يوجع .هو تمثالُ الجبن ،وصورة الخوف ،ومقرّ الرعب؛ فلو سيْ ٍ عقارِبه ،والنمام يضرب ب َ
سمّيت له الشجاعة لخافَ َلفْظَها قبل معناها ،و ِذكْرَها قبل فحواها ،وفزع من اسمها دون مسماها ،فهو يهلك من تخوفه أضغاثَ أحلم ،فكيف
جبْنِ صبيّا ،ولُقّنَ كتاب الفشل أعجمياً. بمسموع الكلم؟ إذا ذكرت السيوف لمس رأسَه هل ذهبَ ،ومس جبينَه هل ثُقب؟ كأنه أسلِم في كتّاب ال ُ
ت منه على مواعيد عرقوبية ،وأحزان يعقوبية ،قد حرمني ثمرَ حدّ سَيفه كَهام .حصل ُ عدُه بَ ْرقٌ خلب ،وروغان ثعلب .غَيمُ وعده جَهام ،و َ وَ ْ
خ َذ من البَرْقِ الخلّبِ خلقاً ،وقد تناول من العارض الجهام طبعاً ،وتركني أَرْعَى رِياضَ رجاء الوعد ،وجرّني على شَوْك المطْلِ .فتى له وعدٌ أَ َ
عدَةٍ ضِمار .هو يرسل بَ ْرقَه ،ول يسيل َودْقه ،ويقدم رَعْده ،فل يمطر جنِي ثما َر أمل ل يُورِق؛ فأَنا في ضمان النتظار ،وإسار ِ ل يُنبت ،وأَ ْ
عدُه الرقْم على بساط الهواء ،والخط في بسيط الماء. بعدهُ .و ْ
حلّ هذا من قول أبي الفضل بن العميد :الكامل:
خِلْواً من الشجان وا ْلبُرحَـاء ل أستفيقُ من الغرام ،ول أُرى
ِبنَوى الخليطِ وفُ ْرقَةِ القُ َرنَـاء ف أيام أَقمْنَ قيامـتـي وصرو ُ
عَوْني على السراء والضرّاء ب أنّـه ل كنتُ أحسـ ُ وجَفاء خِ ّ
متنقلٌ كـتـنـقّـل الحـياء َثبْت العزيمة في العقوق ،وودّهُ
ط يُ ْرسَم في بسيطِ المـاء كالخ ّ ت عـهـدهِ ذي خلة يأتيك أَثبـ ُ
أردت هذا البيت.
هو صخرة خَلْقَاء ،ل يستجيبُ للمر َتقَى ،وحيّة صماء ل تسمع لل ّرقَى ،كأني أستنفر بالجوّ رعْداً ،وأهز منه بالدعاء طوداً ،هو ثابت العِطف نابي
ل إذا قيلَ لها طِيري ،وطائرًا إذا العطف ،عاجز القوة ،قاصر ال ُمنّة ،يتعلّق بأذناب المعاذير ،ويحيل على ذنوبِ المقادير .هو كالنعامة تكونُ جم ً
قيل لها سِيري .يفاض له بذل ،ول يفوّض إليه شغل ،ويمل له َوطْب ،ول يُ ْدفَع به خَطْب ،قد وفّر همّه على مطعم يجوّده ،ومَ ْلبَس يجوّده،
ومَ ْرقَد يمهده ،وبنيان يشيده.
هذا كقول الحطيئة :البسيط:
واقعُدْ فإنك أنتَ الطاعِمُ الكَاسِي ل ل ُب ْغ َيتِـهـا
دَع المكارِمَ ل ترحَ ْ
صفْوُه رنق ،وبره مَلَق ،قد مُلئ قلبُه رَيناً ،وشُحِنَ صدرُه َميْنًا يدّعِي الفضلَ وهو فيه صدْ ٌر دغِل ،وطول ٌة معلولة ،وعقيدة َمدْخُولَةَ ، قَلْب َنغِل ،و َ
صيْف ،وطارِقُ ضيْفٍ ،قوته غنيمة، حنْث ،وعهده نكْث .هو سحابة َ دَعِيّ ،دَأْبه بث الخدائع ،والن ْفثُ في عُقد المكايد ،ضميرُه خُبث ،ويمينُه ِ
صغُر عن والظفر به هزيمة .هو العَوْد المركوب ،وال َوتَرُ المضروب ،يطؤُه الخفّ والحافِرُ ،ويستضِيمُه الواردُ والصادر .يغمض عن الذكر وي ْ
الفكر .ذاتُه ل يوسَم أغفالها ،وصفتُه ل تنفرج أقفالها .هو أقل من تبنة في َلبِنة ،ومن قلَمة في ُقمَامة .وهو بيذق الشطْ َرنْج في القيمة والقامَة،
213
جهْلُه كثيف ،وعَقله سخيف ،ل يستترُ من العقل بسِجفٍ ،ول يشتمل إل على سخف .يم ّد يدَ الجنون فيعرُك بها أذُنَ الحزْم ،ويفتح جِرَاب السخف َ
جهْلِه ،ويتساقطُ في سخْفِه وحُمقِه ،قد ظل يتعثرُ في فضولِ َ فيصفَع به قَفَا العقل .ل تزالُ الخبارُ تورد سفائح جَهلِه وخُرْقه ،والنباءُ تنقلُ نتائجَ ُ
ذيولِ عقله .هو سمينُ المالِ مهزول النوال .ثَ ْروَة في الثريا وهمّةٌ في الثرَى.
جهُه
حمّى الروحَ ،و ْ وجهُه َكهَولِ المطلع ،وزوال النّعمة ،وقضاء السوءِ وموتِ ال ُفجَاءة .هو قذَى العَين ،وشَجَى الصدْرِ ،وأذىَ القلب ،و ُ
كآخر الصك ،وظلم الشك ،كأنّ النحسَ يطلع من جَبينه ،والخل يقطر من وجنته .وجهُه طَ ْلعَة الهَجْر ،ولفظُه ِقطَع الصخر .وجههُ
ضرَته ،ومن الوَزدِ صُفْ َرتُه ،ومن السحاب ظُ ْل َمتُه،كحضور الغَرِيم ،ووصول الرقيب ،وكتاب العَزل ،وفِرَاق الحبيبِ .له من الدينار نَ ْ
ومن السد نكهته .وهو عصارةُ لؤم في قرارة خبث .ألم مهجة في أسقط جثة .حديث النعمة ،خبيث الطعمة ،خبيث المركب ،لئيم
المنتسب ،يكاد من لؤمه يعدي من جلس إلى جنبه ،أو تسمّى باسمه .قد أرضع بلبان اللؤم ،و ُربّي في حجر الشؤم ،وطم عن ثدي الخير،
ونشأ في عرصة الخبث ،وطلق الكرم ثلثاً لم ينطق فيه استثناءً ،وأعتق المجد بتاتاً لم يستوجب عليه ولء .هو حما ٌر مبطن بثور مفروز
بتيس ،مطرز بطرر ،أتى من اللءم بنادر ،لم تهتد له قصة مادر .هو قصير الشبر ،صغير القدر ،ضيق الصدر ،رد إلى قيمة مثله في
خبث أصله ،وفرط جهله ،ل أمس ليومه ،ول قديم لقومه ،سائله محروم ،وماله مكتوم ،ل يحين إنفاقه ،ول يحل خناقه ،خيره كالعنقاء
تسمع بها ول ترى .خبزه في حالق ،وإدامه في شاهق ،غناه فقر ،ومطبخه قفر ،يمل بطنه والجار جائع ،ويحفظ ماله والعرض ضائع،
قد أطاع سلطان البخل،وانخرط كيف شاء في سلكه .هو ممن ل يبضّ حجره ،ول يثمر شجره ،سكيت الحلبة ،وساقة الكتيبة ،وآخر
الجريدة .لعنة العائب ،وعرضة الشاهد والغائب .هو عيبة العيوب ،وذنوب الذنوب .وقال أبو الفضل الميكالي :الرجز:
تحكي زوا َل نعمةٍ ما شكرتْ وطلعةٍ بقبحها قد شُـهِـ َرتْ
أِقبِحْ بها صحيف ًة قد نشـرتْ كأنها عن لحمها قد قشـرت
يلعنها ما قد قدّمتْ وأخّـرتْ عنوانها إذا الوحوش حُشِ َرتْ
سيّرتْإن سار يوماً فالجبال ُ حبُهَا ذو عورة لو سترتْ صا ِ
ويختص بهذه النواع ت
ْ ّرعسُ فالجحيم ً
ل َك
أ م
َ أو رَا
رسالة بديع الزمان إلى القاضي علي بن أحمد يشكو أبا بكر الحيري القاضي ويذمه -وقد أطلت عنان الختيار فيها لصّحة مبانيها،
وارتباط ألفاظها بمعانيها:
الظّلمة -أطال ال بقاء القاضي -إذا أتت من مجلس القضاء ،لم ترق إل إلى سيد القضاة .وما كنت لقصر سيادته على الحكام ،دون سائر
النام ،لول اتصالهم بسببه ،واتسامهم بلقبه ،وهبهم مطفلين على قسمه ،مغيرين على اسمه ،ألهم في الصحة أديم كأديمه ،أو قديم في الشرف
كقديمه ،أو حديث في الكرم كطريفه؟ فهنيئاً لهم السماء ،وله المعاني ،ول زالت لهم الظواهر ،وله الجواهر .ول غزو أن يسموا قضاة ،فما كل
مائع ماء ،ول كل سقف سماء ،ول كل سيرة عدل العمرين ،ول كل قاض قاضي الحرمين ،ويا لثارات القضاء! ما أرخص ما بيع ،وأسرع ما
أضيع! والسنة النذار ،قيل خلو الديار ،وموت الخيار ،أل يغار لحلى الحسناء ،على السواد ،ومركب أولي السياسة ،تحت الساسة ،ومجلس
النبياء ،من تصدر الغبياء ،وحمى البزاة من صيد البغاث ،ومرتع الذكور من تسلط الناث؟ ويا للرجال ،وأين الرجال! ولي القضاء من ل
يملك من آلته غير السّبال ،ول يعرف من أدواته غير العتزال ،ول يتوجه في أحكامه إل إلى الستحلل ،ول يرى التفرقة إل في العيال ول
يحسن من الفقه غير جمع المال ،ول يتقن من الفرائض إل قاة الحتفال ،وكثرة الفتعال ،ول يدرس من أبواب الجدال إل قبيح الفعال ،وزور
المقال ،ذاك أبو بكر القاضي ،أضاعه ال كما أضاع أمانته ،وخان خزانته ،ول حاطه من قاض في صولة جندي ،وسبلة كردي ...إلى أن قال:
أيكفي أن يصبح المرء بين الزق والعود ،ويمسي بين موجبات الحدود ،حتى يكمل شبابه ،وتشيب أترابه .ثم يلبس دنّته ،ليخلع دينته ،ويسوي
طيلسانه ،ليحرف يده ولسانه ،ويقصر سباله ،ليطيل حباله ،ويظهر شقاشقه ،ليستر مخارقه ،ويبيض لحيته ،ليسود صحيفته ،ويبدي رعه،
ليخفي طمعه ،ويغشى محرابه ،ليمل جرابه ،ويكثر دعاؤه ،ليحشو وعاءه ،ثم يخدم بالنهار أمعاؤه ،ويعالج بالليل وجعاءه ،ويرجو أن يخرج
من بين هذه الحوال عالماً ،ويقعد حاكماً؟ هذا إذا المجد كالوه بقفزان وباعوه في سوق الخسران! هيهات حتى ينْسَى الشهوات ،ويَجُوب
الفلوَات ،ويعتضد المحابرَ ،ويحتَضِن الدفاتر ،وينتج الخواطر ،ويُحالف السفار ،ويعتاد القِفَار ،ويصل الليلةَ باليوم ،ويعتاض السه َر من النوم،
ويحمل على الروح ،ويجني على العين ،وينفق من العيش ،ويخزن في القلب ،ول يستريح من النظر إل إلى التحديق ،ول من التحقيق إل إلى
ل هذه الكلف إن أخطأه رائدُ التوفيق ،فقد ضلّ سواء الطريق ،وهذا الحِيرِيّ رجل قد شغله طلبُ الرياسة عن تحصيل آلتها، التعليق ،وحام ُ
ل المنية عن تمحل أدواتها :مجزوء كامل: وأعجله حصو ُ
وَ ْهوَ النهاية في الخَسَاسهْ والكلبُ أحـسـن حـالةً
سة قبل إبّان الـرياسـهْ ممن تَـصَـدّى لـلـريا
حمَل المان َة وهو ل َيدْري مقدارَها؛ والمانةُ عند الفاسق خفيفةُ المحمل على العاتِق ،تُشْفقِ منها فولي المظالم وهو ل يَعرفُ أسرارَها ،و َ
الجبال ،ويحملها الجهال ،وقعد َم ْقعَد رسولِ الّ ،صلى ال عليه وسلم ،بين حديثه يُرْوَى ،وكتاب ال ُيتْلَى ،وبين البينة والدعْوَى ،فقبّحه ال
تعالى من حاكم ل شاهِد عنده أعدل من السّلة والجامُ ،يدْلى بهما إلى حكَام ،ول مزكى أصدق لديه من الصّفر ،ترقص على الظفر ،ول وثيقة
ب إليه من غمزات الخصوم ،على الكيس المختوم ،ول كفيل أوقع بوفَاقِه من خبيئة الذيل ،وحمال الليل ،ول وكيل أعز عليه من المنديل أح ّ
والطبق ،في وقت الغَسَق والفَلَق ،ول حكومة أبغض إليه من حكومة المجلس ،ول خصومة أوحش لديه من خصومة المُ ْفلِس ،ثم الويل للفقير
إذا ظُلِم ،فيما يغنيه موقف الحكم إل بال َقتْل من الظلم ،ول يجيره مجلس القضاء بالنار من الر ْمضَاء .وأقسم لو أن اليتيم وقف بين أنياب السود،
ن المانةَبل الحيّات السّود ،لكانت سلمته منهما أرجى من سلمته إذا وقع من هذا القاضي بين عَقاربه وأقَاربه؛ وما ظنّ القاضي بقوم يحمِلو َ
على ُمتُونهم ،ويكألون النارَ في بطونهم ،حتى تغلظ قصراتهم من مالِ اليتامى ،وتسمن أكفالهم من مال اليامى ،وما رأيه في دار ،عمارتها
خرابُ الدور ،وعُطلة القدور ،وخَلَء البيوت ،من الكسوة والقوت ،وما قوله في رجل ُيعَادِي ال في الفَلْس ،ويبي ُع الدّينَ بالثمن البخس ،وفي
حاكم يبرُز في ظاهر أهل السمتِ ،وباطن أصحاب السبتِِ ،فعْله الظلمُ ال َبحْت ،وأكله الحرام السّحْت .ومَا قوله في سوس ل يقع إل على صوف
اليتام؛ وجرادٍ ل يقع إل على الزرع الحرام ،ولصّ ل ينقب إل خزانة الوقاف ،وكردي ل ُيغِيرُ إل على الضعاف ،وليث ل يفتَرِسُ عباد ال
إل بين الركوع والسجود ،وخارب ل ينهب مالَ ال إل بين العهود والشهود.
214
وذكر في هذه الرسالة فصلً في ذِكْر العلم -وهو مستطرف البلغة ،مستعذب البراعة -قال :والعلم -أطال ال بقاءَ القاضي -شيء كما
ضبَطُ باللجام ،ول يُورَث عن العمام ول يكتب لِلئام ،وزَرْع تعرفُه ،بعيد المرام ،ل يُصَادُ بالسهام ،ول يُ ْقسَمُ بالزلم؛ ول يُرَى في المنام ول يُ ْ
صيّباً؛ ومن الطبْعِ جوّا صافياً ،ومن الجهد روحًا دائماً ،ومن الصبر سقياً ف من الحَزْ ِم ثَرًى طيباً ،ومن التوفيق مطراً َ ل يَ ْزكُو حتى يصادِ َ
ض ل يصابُ إل ص ْيدٌ ل يألف الوغاد ،وشي ٌء ل يُدْرك إل بنزع الروح ،وعَوْن الملئكةِ والروح ،وغَر ٌ ق ل يباع ممن زاد ،و َ نافعاً ،والعلم عِلْ ٌ
ظرِ ،وإعمال الفكر ،ثم هو بافتراش المدَر ،واتّساد الحجَر ،وردّ الضجَر ،وركوب الخَطر ،وإ ْدمَان السهر ،واصطحاب السفر ،و َكثْرة الن َ
صبَاه على معتاص إل على من زكا زَرْعه ،وخل ذرعه ،وكرم أَصله وفَرعه ،ووَعى بصره وسمعه ،وصفا ذهنه وطبعهُ ،فكيف يناله من أنفق ِ
جدّه على الكيس ،وهزله الفَحْشاء؛ وشبابَه على الحشاء ،وشغل نهاره بالجمع ،وليلَه بالجماعِ ،وقطع .سَلْوته بالغنى ،وخَلوَته بالغناء ،وأفرغ ِ
في الكأس؛ والعلم ثمر ل يصلح إل للغَرْس ،ول يغرس إل في النفس ،وصيد ل يقع إل في الندر ،ول ينشب إل في الصدر ،وطائر ل يخدعه
لل إل َقنَص اللفظ ،ول يعلقه إل شَ َركُ الحفظ ول ينشب إل في الصدر ،وبَحْر ل يخوضُه الملح ،ول تطيقه اللواح ،ول تهيجه الرياح ،وجبَ ٌ
يتسَم إل بخُطا ال ِفكْر ،وسماء ل يصعد إل ب ِمعْرَاج الفهم ،ونَخ ٌم ل يلمس إل ب َيدِ المجد.
ومن مفردات البيات
في المعايب والمقابح
قول أبي تمام :الوافر:
لما ُأ ْمهِرْن إلّ بالـطـلقِ سمْنَ على الغَوانِي مَسَاوٍ لو قُ ِ
آخر :البسيط:
من لُ ْؤمِ أحْسابِهم أن يقتلوا قَوَدا ن منه ُم أمِـنُـواجرّجَا ٍ قومٌ إذا َ
البحتري :الطويل:
طبْحِ وَ ْهوَ صَقيلُ و َي ْنبُو الخبيثُ ال ّ َنبَا في يدِي ،وابنُ اللئيمةِ وَاجِـدٌ
ابن الرومي في رجل يعرف بابن رمضان :الوافر:
وأنتَ نظيرُ يومِ الشّك فـيهِ رأيتك تدّعي رمضانَ دعوى
وله في أعمى :الخفيف:
ومكانُ الحياء منه خَـرابُ؟ كيف يَ ْرجُو الحياء منه صديقٌ
غيره :الطويل:
وسُو َء مُرَاعاةٍ وما ذَاكَ في الكَلْب هو الكَلْـب ،إل أن فـيه مـللةً
آخر :الطويل:
سِوَايَ فإني في مديحك أكذبُ س كلّهـم أبا دُلفٍ يا َأ ْكذَب النا ِ
أبو الفضل الميكالي :الطويل:
يدَ الدّهْرِ إلّ حين َتضْرِبه جلْدا هو الشّوْك ل ُيعْطِيك وافِ َر منّة
اللحن في الكلم
س كتاب خصْمه ،بم ّ قال المأمون لبعض وَلده وسمع منه لحْناً :ما على أحدِكم أن يتعلّم العربية ،فيقيم بها أ َودَه ،ويزيّن بها َمشْهده ،ويفلّ حُجَجَ َ
حكمه ،ويملك مَجْلس سُلْطانه ،بظاه ِر بيانه؛ ليس لحدكم أن يكونَ لسانُه كلسان عبدِه أَو أَمته ،فل يزالُ الدهر أَسِي َر كلمته.
وقال رجلٌ للحسن البصري :يا أبو سعيد ،قال :كَسْبُ الدراهم شغَلك أن تقولَ يا أبا سعيد ،ثم قال :تعلَموا العلم للديان ،والنحوَ للسان ،والطمث
للبدان.
سبَقْتُ اللحن. ك تلحن ،قالَ : ح إذا وَعظ .وقيل له :يا أبا سعيد ،ما نرا َ وكان الحسن كما قال العرابي وسمع كلمه :وال إنه لفصيح إذا لفظ ،نصي ٌ
أخذه أبو العتاهية ،وقيل له :إنك تخرج في شعرك عن العَرُوض ،فقال :سبقت العروض.
وقال إسحاق بن خلف البهراني :الكامل:
ظمُه إذا لم يلحنِ والمر ُء َتعْ ِ النحو يصلَح من لسانِ الَ ْلكَنِ
فأجلّها منها مقيمُ اللْـسُـنِ فإذا طلبت من العلوم أجلّها
وقال علي بن بسام :الطويل:
ظ ْر بمـاذا تُـعَـنْـوَنُ
وعنوانه فان ُ رأيتُ لسانَ المَـرْء رائدَ عِـلْـمِـهِ
يُخَـبّـرُ عـمـا عـنـده ويبـين ن فـإنـهُ ول تَعدُ إصلحَ الـلـسـا ِ
سمعت من العراب .ما ليس يحسُنُ على أن للعراب حَـدّا ،وربـمـا
ول في قبيح الَلحْنِ والقصْـد أ ْزيَنُ ول خيرَ في اللفْظ الكريهِ استماعُـهُ
وقال بعضُ أهل العصر ،وهو أبو سعيد الرستمي :الطويل:
عرٌ مثلي؟ ويحرَم ما دونَ الرضا شَا ِ ق أن ُيعْطى ثلثون شاعراً أفي الح ّ
وضُويِقَ بسم ال في أَلِف الوَصْـل كما سامحوا عـمْـراً بـواوِ زيادةٍ
أبو الفتح البستي :الطويل:
ي نون الجم ِع حين يُضَافُ كأن َ ت وغيري مثبَت في مكانهِ ح ِذفْ ُ
ُ
وقال :البسيط:
ُمنَاظِرًا فاجتبيتُ الشّهد من شـفَـتِـهْ ا ْفدِي الغزالَ الذي في النّحْ ِو كلّمـنـي
محققاً ليريني فَضْـلَ مـعـرفَـتِـهْ فأ ْو َردَ الحججَ المقبـولَ شـاهِـدُهـا
ب من صفتِهْ والرفع من صِفتي والنص ُ ت بـهِ ثم اتفقْتُ عـلـى رَ ْأيٍ رضـي ُ
215
الحسن اللحام :الكامل:
ت إذا ُتعَ ّد المهمَلُ
ومن اللغا ِ أنا من وجوه النحوِ فيكم أ ْفعَلُ
التعلّق بالغلم
وقال أحمد بن يوسف:
كتب غل ٌم من ولد أنوشروان ممن كان أحد غلمان الديوان ،إلى آخر منهم وكان قد علق به ،وكان شديدَ ا ْلكَلَف به والمحبّة له :ليس من قَدرِي -
ل قيمة خطيرة وثمن ُمعْجِز ،ولنّ نفسي ل تُسَاوِي نفسك ،فتُ ْقبَل في ِفدْيتك، ت فِدَاك؛ لني أراك فوقَ ك ّ جعِ ْل ُ
أدام ال سعادَتك -أن أقولَ مثلك ُ
لً ِفدَاءَ ساعة من أيامك ،اِعَْلمْ أيها السيد العليّ المنزلة ،أنه لو كان ل َعبْدِك من شدّة الخطب أمرٌ يقفُ على حدّه النعت، وعلى كل حال؛ فجعلني ا ُ
ف من ذلك ما عسى أن يعطف به زمام قَ ْلبِك ،وتحنو له على الرقة به والتحفي أثناء جوانحك ،ولكن الذي أمسيت وأصبحت ضعِ َ لجتهدنا أن يُ ْ
شبْ ُه َقذَى ريبة ،ولم يختلط به قلب َمعَاب ،فل ينبغي لمن كرمت ممتحَنَا به فيه شَسَعَ على كل بيان ،ونزح عَنْ كل لسان؛ والحب أيها المالك لم يَ ُ
أخلقُه أن يعاف مقارَبة صاحبه المدل بحرمة نيته ،والذي أتمناه ،أيها المولى اللطيف ،مجلس أقف فيه أمامك ،ثم أبوح بما أضنى جسدي ،وفتّ
ت كمن فك أسيراً وأبرََأ عليلً ،ومن الخير سلك سبيلً ،يتوعّرُ سلوكُها على منْ كان ف ذلك عليك ورأيت نشاطاً من نفسك إليه كن َ كبدي ،فإن خ ّ
جبَلّ رَاس ،ول فلك دائر ،فرأيك أيها السيد المعتمد في السعاف ،قبل أن َيبْدرَني ن يكون بعده؛ ثم أضاف إلى ذلك منّ ًة ل يُطيقها َ قبله ،ومَ ْ
الموتُ؛ فيحول بيني وبين ما نزعت إليه النفس مواصلً براً إن ،شاء ال تعالى.
فأجابه :تولى ال تعالى ما جرئ به لسانك بالمزيد ،ول أَوحش ما بيننا بِطائر ُف ْرقَة ،ل صافر تشتّت ،وض ّمنَا وإياك في أوثَق حبال النس،
وأوكد أَسبابِ اللفَةِ؛ وقفت على ما لخصته من العجز عن بلوغ ما خام َر قلبك ،وانطوى في ضميرك ،من الشغَف المقلق ،والهوى المضرع،
ستَه إلى ما عندي كالمتلشي البائد ،ولكنك بفَضل شتُمل عليه مضمر صدري ليقنت أن الذي عندك إذا ق ْ ولعمري لو كشَفْت لك عن ِمعْشَار ما ا ْ
سبَ ْقتَنا إلى كَشْف ما في الضمير .وأما طاعتي لك ،وذمامي إليك؟ فطَاعةُ العبد الم ْق َتنَى ،الطائع لما يَحكُم له وعليه موله وماِلكُه ،وأنا النعام َ
سعَد نجم جرى باللفة ،إن شاء ال تعالى. ع ْقدَة ،وَأ ْ
ت كذا؛ فتأهب .لذلك بأحمد عافية ،وأتم ُ صائر إليك وَق َ
ن أفديك بنفسي استحيا ًء من التقصير في المعاوضة ،ومن التخلف في الموازنة ،وعلى الحوال كلّها ،فقدّم ال وكتب بعض الكتاب :إني لكرَهُ أ ْ
رُوحِي عنك ،وصانني عن رُؤْية المكروه فيك.
وقال المتنبي:
ك إذَنْ إلّ فِـدَاكـا
فل مَلِـ ٌ ك من يُقَصر عن َمدَاكا ِفدًى ل َ
ن قَـلَكـا دَعَ ْونَا بالبقاء لمَ ْ ن يُسَاوِي ولو قُلنا ِفدًى لك مَ ْ
وإن كانت لمملكةٍ مِـلَكـا ك كـل نَـفْـسٍ وآ َمنّا فِـدا َء َ
ي بعض إخواني من أهل البصرة كتابًا ملح فيه وأوجز ،وهو :أطال ال بقاءك ،كما أطال حباءك ،وجعلني وقال عبيد ال بن شبيب :كتب إل ّ
فداك إن كان في فداؤك :الوافر:
إليك لكنت سطراً في كتابي كتبتُ ولو قدرتُ هوًى وشوقاً
ت قدريكما ،لقلت :جعلني ال فداكما، حنَة ثم أردفتها نعمة :لو قُبلت فيكما ،وداني ُ وكتب آخر إلى إبراهيم وأحمد ابني المدبّر ،وقد أصابتهما مِ ْ
غمّا بها لكنته ثم اتصلت النعمة التي لو طار امرؤ برحابها لكنته ولكني ل أجزي عنكما ،فل أُقبل بكما ،وقد بلغتني المحنة التي لو مات إنسان َ
وكتب تحته :الطويل:
ولكنَ ُه قد خالط الَلحْمَ والدّمَـا وليس بتزويقِ اللسانِ وصَوْغهِ
وكتب ابن ثوابة إلى عبيد ال بن سليمان يعتذِرُ في تَرْك مكاتبته بالتفدية :ال يعلم ،وكفى به عليماً ،لقد وددت مكاتبتك بالتفدية فرأيت عيباً أن
ب أنه
س ل بدّ لها من َفنَاء ،ول سبيلَ لها إلى َبقَاء ،ومَنْ أظهر لك شيئاً وأضمر لك خِلَفه فقد غشّ؛ والمر إذا كانت الضرورَ ُة تُوج ُ أفديك بنف ٍ
ل من دللت الجتهاد، ب به ِمثْلُك ،وإن كان عند قوم نهايةَ من نهايات التعظيم ،ودلي ً مَلَقٌ ل يحقق ،وإعطاء ل يتحصّل ،لم يجب أن يخاط َ
وطريقاً من طرق التقرّب.
قال الزبير بن أبي بكر :قال لي مسلمة بن عبد ال بن جندب الهذلي :خرجت أرِيدُ العقيق ومعي َزيّان السوّاق؛ فلقيْنا نسوة فيهن امرأة لم أرَ
ل منها فأنشدت بيتين ل َزيّان :الطويل:
أجم َ
قتيلٌ ،فهلْ فيكم لـه الـيوم ثـائرُ؟ ألَ يا عبـادَ الـلـه هـذا أخـوكُـمُ
مريضةِ جَفْنِ العين والطّرْفُ ساحِرُ خذوا بدمي ،إن متّ ،كـلّ خـريدةٍ
ثم قال :شأنك بها يا ابن الكرام فالطلق له لزم إن لم يكن دم أبيك في نقابها.
فأقبلت عليّ وقالت :أنت ابن جندب؟ فقلت :نعم .قالت :إن قتيلنا ل يودى ،وأسيرنا ل يفدى ،فاغتنم لنفسك ،واحتسب أباك.
قال أبو عبيدة :قال رجل من فزارة لرجل من بني عذرة :تعدون موتكم من الحب مزية ،وإنما ذاك من ضعف المنة ،وعجز الروية .فقال
العذري :أما إنكم لو رأيتم المحاجر البلج ،ترشق بالعين الدعج ،فوقها الحواجب الزج ،وتحتها المباسم الفلج ،والشفاه السمر ،تفتر عن الثنايا
الغر ،كأنها برد الدّر ،لجعلتموها اللت والعزى ،ورفضتم السلم وراء ظهروكم.
وقال أعرابي :دخلت بغداد فرأيت فيها عيونًا دعجاً ،وحواجب زجاً ،يسحبن الثياب ،ويسلبن اللباب.
وذكر أعرابي نساءً فقال :ظعائن في سوالفهن طول ،غير قبيحات العطول ،إذا مشين أسبلن الذيول ،وإن ركبن أثقلن الحمول.
ووصف آخر نساء فقال :يتلثمن على السبائك ،ويتشحن على النيازك ،ويتزرن على العواتك ،ويرتفقن على الرائك ،ويتهادين على الدرانك،
ابتسامهن وميض ،عن ثغر كالغريض ،وهن إلى الصبا صور ،وعن الخنا خور.
الهوى
سئل بعض الحكماء عن الهوى ،فقال :هو جليس ممتع ،وأليف مؤنس ،أحكامه جائزة ،ملك البدان وأرواحها ،والقلوب وخواطرها ،والعيون
ونواظرها ،والنفوس وآراءها ،وأعطى زمام طاعتها ،وقياد مملكتها ،توارى عن البصار مدخله ،وغمض عن القلوب مسلكه.
216
وسئلت أعرابيةٌ عن الهوى فقالت :ل متع الهوى بملكه ،ول ملّي بسلطانه ،وقبض ال يده ،وأوهن عضده؛ فإنه جائر ل ينصف في حكم ،أعمى
ما ينطق بعدل ،ول يقصر في ظلم ،ول يرعوي للوم ،ول ينقاد لحق ،ول يبقى على عقل ول فهم ،لو ملك الهوى وأطيع لرد المور على
أدبارها ،والدنيا على أعقابها.
ووصف أعرابي الهوى فقال :هو داءٌ تدوى به النفوس الصحاح ،وتسيل منه الرواح ،وهو سقم مكتتم ،وجمر مضطرم؛ فالقلوب له منضجة،
والعيون ساكنة.
قال أبو عبيد ال بن محمد بن عمران المرزباني :أخبرني المظفر بن يحيى ،قال :أحبّ رجلٌ امرأ ًة دونه في القددر ،فعذله عمه ،فقال :يا عمّ ،ل
تلم مجبراً على سقمه؛ فإن المقر على نفسه مستغنٍ عن منازعة خصمه ،وإنما يلم من اقتراف ما يقدر على تركه ،وليس أمر الهوى إلى الرأي
فيملكه ،ول إلى العقل فيدبره؛ بل قدرته أغلب ،وجانبه أعز من أن تنفذ فيه حيلة حازم ،أو لطف محتال.
وقال بعضهم :رأيت امرأتين من أهل المدينة تعاتب إحدهما الخرى على هوىً لها ،فقالت :إنه يقال في الحكمة الغابرة ،والمثال السائرة :ل
تلومنّ من أساء بك الظن إذا جعلت نفسك هدفاً للتهمة ،ومن لم يكن عوناً على نفسه مع خصمه لم يكن معه شيء من عقدة الرأي ،ومن أقدم
على هوىً وهو يعلم ما فيه من سوء المغبة سلط على نفسه لسان العذل ،وضيع الحزم .فقالت المعذولة :ليس أمر الهوى إلى الرأي فيملكه ،ول
إلى العقل فيدبره ،وهو أغلب قدرةً ،وأمنع جانبًا من أن تنفذ فيه حيلة الحازم ،أو ما سمعت قول الشاعر :الخفيف:
ل ينّبيك عنه مِـثـلُ خَـبـيرِ ليس خَطبُ الهوَى بخطْبٍ يسيرِ
ي ول بالقياس والتـفـكـيرِ ليس أمرُ الهَوى ُي َدبّرُ بـالـرّأْ
ت المو ِر َبعْدَ المـورِ؟ محدَثا ُ إنما المرُ في الهوى خَطَراتٌ
قال المرزباني :أخبرني الصولي أنّ هذه البيات لعُلية بنت المهدي ،ولها فيها وقيل لعبد ال بن المقفع :ما بالُ العاقل المميز الذهن ،واللبيب
خرِفَالفطِن ،يتعرض للحب وقد رأى منه مواض َع الهلكة ،ومصارعَ التّلف ،وعلم ما يؤول إليه عُ ْقبَاه ،وترجع به أُخْراه على أوله؟ فقال :زُ ْ
ستِهِ ،ومُلّي بعاجل حلوة يَطْبي النفوسَ إلى ملبَسَته ،كظاهر زخرف الدنيا ،وبهاء رونقها، ظاهرُ العشق بجمال زينة يستدعي القلوب إلى ملمَ َ
جنَى ثمرها ،وقد سكرت أبصارُ قلوب أبنائها عن النظر إلى قبيح عيوب أفعالها ،فهم في بلئها منغمسون ،وفي هلكة فتنتها متورّطون، ولذيذ َ
حذِرَها،
مع علمهم بسوء عواقب خَطْبها ،وتجرع مرارةِ شربها ،وسرعة استرجاعها ما وهبت ،وإخراجها ِممَا ملكت ،فليس يَنجُو منها إل مَنْ َ
ول يهلك فيها إل من َأ ِمنَها ،وكذلك صُورةُ الهوى؛ هما في الفتنة سواء.
العفة
ن ذلك يُ ْدنِيك من السعادة،
ب البر بمفاتيح العبادة فإ ّ وقال ابن دُرَيد :قال بعضُ الحكماء :أَغْلِق أبواب الشبهات بأفعال الزهادة ،وافتح أبوا َ
وتستوجب من ال الزيادة.
وقال غيرُه :إنّ اللذ َة مشوبةٌ بالقُبح؛ ففكّروا في انقطاع اللذَ ِة وبقاء ِذكْرِ القُبحِ.
قال أبو عبد ال بن إبراهيم بن عرفة ِنفْطَ َويْه :الكامل:
حتى يكونَ عن الحرامِ عفيفـا ليس الظرِيفُ بكامل في ظَرفِه
ظرِيفا فهناك ُيدْعَى في النامِ َ فإذا تعفّفَ عن محـارم َربّـه
وقال :البسيط:
منه الحياءُ وخَوْفُ ال والْحَـذَرُ ت بمن أَهوَى فيم َنعُني كم قد ظفر ُ
منه الفكَاهةُ والتقبيلُ والنّـظَـرُ ت بمن أَهْوَى فيُ ْق ِنعُنـي خلَوْ ُ
وكم َ
وليس لي في حَرَام منهمُ وَطَـرُ أهْوَى الملحَ وأَهْوَى أنْ أُجالِسهم
ل خيرَ في لذّة من بعدها سَقَـر ب ل إتيانُ معـصِـيَةٍ كذلك الح ّ
وقال العباس بن الحنف :البسيط:
سمْعِ والبَصَرِ فعندكُمْ شهواتُ ال ّ ب فـي زيارتـكـمْ أتأذنون ِلصَ ّ
عفّ الضمير ولكن فاسق النظر ل يبصر السوءَ إن طالَتْ إقامتُه
وقال بعضُ الطالبين :الطويل:
ل ال منهمْ وعجّلَ َأحَقّ ،أدَا َ ش ْنعَاءَ ُه ْم بها
رمَوْني وإياهمْ ب َ
جميعاً فإما عفّةً أو تجمّـل ب محـمـدٍ بأمرٍ تركناه ورَ ّ
وقال سعيد بن حميد :الخفيف:
خطَف الكَشْح ُمثْقَـلُ الردَافِ مُ ْ زائر زارَنا علـى غَـيْ ِر وعـد
قُ وأخفَى الهوى وليس بخافِي غالبَ الخوفَ حين غالبه الشـو
تُ على بَذلِه بقاءَ التصـافـي غضّ طرفِي عنه تُقى ال فاختر
ل من لِباس العَـفَـافِ ه ولم يخ ُ ف قد َهزّ عِطْفي ثم ولى والخو ُ
ف فمات فهو شهيدٌ". وفي الحديث الشريف" :مَنْ أحب فع ّ
ف مع البَذْل ،كالستطاعة مع الفعل ،كما قال صريع الغواني :الطويل: والعغا ُ
ل َع ْهدِ لياليها التي سلَ َفتْ قبـلُ وما ذميَ اليام أنْ لَسْتُ مادحاً
بها ونَدامَاي العفافةُ والبَـذْلُ ألَ رُب يوم صادقِ ال َعيْشِ نِلْتهُ
وأنشد الصولي لبي حاتم السجستاني في المبرد ،وكان يلزم حَلْقَته ،وكان من المِلَح وهو غلم :مجزوء الكامل:
خنِـثِ الـكـلمْ ُمتَمجّنٍ َ ماذا لـقـيتُ الـيو َم مـن
ق النَـامْفس َمتْ له حـدَ ُ وقفَ الجمالُ بـ َوجْـهِـه
جنَى بها ثَـمـ ُر الثـامْ يُ ْ حَركَـاتـهُ وسُـكُـونـهُ
217
ت فيه على اعترامْ ع َزمْ ُ
وَ ت بـمـثـلـ ِه
فإذا خَلَـوْ ُ
ف وذاك َأوْكدُ للـغَـرَامْ ِ لم أَغدُ أخـلقَ الـعَـفَـا
ل بك اعتصـامْ عباس جَ ّ نَفْسِي فِـدَاؤكَ يا أبـا ال
نَ ْزرُ الكَرَى بادِي السقـام فا ْرحَـمْ أخـاكَ فـإنــهُ
مِ فليس يَرْغَبُ في الحرام وأنِلْ ُه مـا دُونَ الـحـرا
وكان أبو حاتم يتصدق كلّ يوم بدرهم ،ويختم القرآن في كل أسبوع.
وذكر أنه اجتمع أبو العباس بن سُرَيج الشافعي ،وأبو بكر بن داود العباسي ،في مجلس علي بن عيسى بن الجراح الوزير ،فتناظَرَا في اليلءِ،
فقال ابن سريج :أنت بقولك :من كثرت لَحَظاته دامَتْ حَسَراته أ ْبصَ ُر منك بالكلم في اليلء ،فقال أبو بكر :لئن قلت ذلك فإني أقول :الطويل:
ل مُـحَـ ّرمَـا وَأمْنَعُ نفسي أن تنا َ أُنزّه في رَوْضِ المحاسن ُمقْلَتـي
صبّ على الصّخْر الص ّم ته ّدمَا يُ َ ل من ثِقل الهوَى ما لَوَ أنـه وأحمِ ُ
فلول اختلسِي َردّهُ لتـكـلّـمـا وينطق طَ ْرفِي عن مترجم خَاطِري
فلستُ أرى حبّا صحيحاً مسلّـمـا س كلّهم رأيتُ الهوَى دَعْوَى من النا ِ
فقال أبو العباس :بم تفتخرُ عليّ .وأنا لو شئت لقلت :الكامل:
قد بِثُ َأمْنعهُ لذيذَ سِـنَـاتِـه ش ْه ِد مِنْ َنغَمـاتِـه
ومُطَاعِم لل ّ
وأكُرّر اللحظاتِ في وجناتِه حسْنِ حديثه وكـلمِـه صبّاً ب ُ
ولّى بخاتم َربّـه وبَـرَاتِـه ح لح عمودُهُ حتى إذا ما الصب ُ
عدْلين أنه ولي بخاتم ربه فقال أبو العباس :يلزمني في هذا ما يلزمك في فقال أبو بكر :أصلح ال الوزير ،تحفظ عليه ما قال حتى يقيمَ شاهدَين َ
ج َمعْتما ظرفاً ولُطفاً و َفهْماً وعلماً. قولك :أنزه في َروْض المحاسن مُ ْقلَتي ...البيت .فضحك الوزيرُ ،وقال :لقد َ
ألفاظ لهل العصر
في محاسن النساء
شعْرِها في ليل دَامس ،كأنها فلقة َقمَر على بُرْج هي روضةُ الحسْنِ ،وضرّةُ الشمْسِ ،و َبدْرُ الرض .هي من وجهها في صباحٍ شَامِس ،ومن َ
ن يهتزّ تحت ثيابها ،ثَغْرُها يجمعُ الضريب والضّرَب ،كأنهُ نثر الدرّ ،كَما قال البحتري :البسيط: غصْن البا ِ فضةَ .بدْر التم يضي تحت نِقابها ،و ُ
صدَافا
شرْنَ عَن لؤلؤِ البَحْرَين أ ْ قَ َ شفُسوفَ الـ ّريْطِ آوِنةً إذا نَضَوْنَ ُ
ط بها عِ ْقدٌ من الجوزاء ،أعلها كالغُصْن ح ّقيْنِ من عاج ،كأنها البد ُر قُرّط بالثريّا ،ونِي َ ت لها يدُ الشبابِ ُ قد أ ْنبَتَ صدرُها ثمرَ الشباب ،خرطَ ْ
جهِها، جدِب ،وإزَارُها ُمخْصِب ،مَطلَع الشمس من وَ ْ جيْنِ ،وسُرّة كمدْهُن العاج ،نِطَاقُها مُ ْ ميّال ،وأسفلها كالدّعص ِمنْهال ،لها عنُق كإبريق اللُ َ
ل من شعْرِها ،ومغرس الغصن من قدّهَا ،ومهيل ال ّرمْ ِ ح ِر من طَ ْرفِها ،ومبادئ الليل من َ و َنبْت الدّ ّر من فيها ،وملقط ال َورْد من خدّها ،ومنبع السّ ْ
ِر ْدفِها.
ولهم في محاسن الغلمان والمعذرين :زاد جمالُه ،وأقمر هِلله .ترقرقَ في وجهِه ماءُ الحسْنِ ،شادِنٌ فاتِرٌ طَرْفه ،ساحر َلفْظه .غل ٌم تأخذُه ال َعيْن،
ش َربُه ،جرى ماءُ الشباب في عُوده فتمايلَ كال ُغصْنِ ،واستوفى ويَ ْقبَله القَلْبُ ،ويأخذه الطَ ْرفُ ،وترتاح إليه الرّوح .تكادُ القلوبُ تأكله ،والعيون تَ ْ
أقسامَ الحُسْنِ ،ولبس ديباجةَ المَلَحة ،كأنّ البدْر قد ركب أزراره ،ل يشبَع منه الناظرُ ،ول يروَى منه الخاطِر ،كاد البد ُر يَحكِيه ،والشمسُ
ل بالسحر .ما هو إل نُزْهة البصار ،ومخْجل القمار، ب بالبدْر ،ومكتَحِ ٌ تشبِهه وتُضَاهِيه ،صورة تَجْلو البصار ،و ُتخْجِل القمار ،شادن مُنتق ٌ
خبِر عن ظَرْفه ،ومنطِقُه ينطقُ عن وَصفه .تخالُ الشمسَ تبرقعَتْ غ ّرتَه ،والليل ناسب أصداغَه وطُ ّرتَه. طرْفه تُ ْ
و ِبدْعة المصار ،غمزات َ
خمْر طرفه ،وبغداد حكُ عن القحوان ،ويتنفّسُ عن الريحان ،كأنّ خدّه سكران من َ ضَ الحُسنُ ما فوق أزراره ،والطّيب ما تحت إزاره ،شادن يَ ْ
صدْغِه بخَال ،هذا محلول من قول ابن المعتز :الوافر: ل نونَ ُ سنِه وظَرْفه ،أعجمت يد الجما ِ حْمسروقةٌ من ُ
جمَة بخَالِ صدْغ ُمعْ َ ونونُ ال ّ خدّه صبغت بـوَ ْردٍ غِللة َ
ن بعض ن قدّه ،والراح رِيحَه ،وال َو ْردَ خدّه ،الشّكل من حَرَكاته ،وجميعُ الحسْ ِ ظبْيَ جِيدَه ،والغصْ َ عينان حَشْوُ أجفانهما السّحْرُ ،كأنه قد أعار ال ّ
ك بعنايته ،فصاغَه من َليْلِه ونهاره ،وحَله بنجومة سمَه الجمالُ بنهايته ،ولحظَه الفل ُ صفاته .قد ملكَ أ ِزمّةَ القلوب ،وأظهر حجّةَ الذنوب ،كأنما َو َ
جهِه ،ونُشِر لؤلؤُ العرق عن وَ ْردِ صبَغ الحياءُ غِلَلَة َو ْ وأقماره ،و َنقّبه ببدائع آثاره ،و َرمَقَه بنواظر سُعودِه ،وجعله بالجمال أحدَ حدوده .وقد َ
سقِ ،على غُرّ ِة كالفَلَق .جاءنا في غِللة تنمّ على ما يستره ،وتجفو مع ِرقّتها عما خدّه دمَ الخجَلِ .له طرّة كالغَ َ ظ تسفك من َ خدّه .تكاد اللحا ُ
جعِل ضرة لقلئد النحور .السحْرُ في ألحاظه، حمِيَ حمايةَ الثغور ،و ُ حرِ مكحول .ثغر ُ طرْف بِمرْود السّ ْ يظهره .وج ٌه بماءِ الحُسْنِ مغسول ،و َ
والشهدُ في ألفاظه .اختلس قامةَ الغُصْنِ ،وتوشّح بمطارف الحسن ،وحكى الروض غبّ المُزْن .الرضُ مشرقة بنورِ وجهِه ،وليل السرَارِ في
سنِه .ما هو إل خال حرِه ،والقم ُر فَضْلَةٌ من حُ ْ حرِه ونَ ْ شعْره .الجنةُ مجتنا ٌة من قُ ْربِه ،وماءُ الجمالِ يترقرقُ في خدّه ،ومحاسنُ الربيع بين سَ ْ مثل َ
طرَازٌ على علم الحُسْنِ ،و َو ْردَةٌ في غُصْنِ الدهر ،ونَ ْقشٌ على خاتم الملك ،وشمسٌ في فَلَك اللطف .هو َقمَرٌ في التصوير، في خدّ الظّرف ،و ِ
صدْغه قرط من المسك على عارِض ال َبدْر .وجهُه شمسٌ في التأثير .منظر يمل العيونَ ،ويملكُ النفوس ،زَرافينُ أصداغه معاليق القلوب ،كأنّ ُ
صدْغه تلسع، شكْلَ العقاربِ ،وظلمت ظُ ْلمَ القارب .إن كان عقرب ُ عرس ،وصدغه مَأْتم ،ووصله جنة ،وهجره جهنم .أصداغُه قد اتخذت َ
عذَارُه طراز المِسْك والعَنبر الذفر ،على ال َو ْردِ الحمر .إذا تكلم تكشّفَ حِجَابُ الزمزد فترياق رِيقه يَنْفَع .كأن شاربَه ِز ْئبَرُ الخزّ الخضرِ ،و ِ
جهِه ،ويحرق فِضة خدّه .طرّزَ حسْن يقبّله .كأنّ ال ِعذَار ينقش فمنَ وَ ْ سمْط الدرّ النيق .قد همّ أرقمُ الشعْر على شاربِه ،وكاد فم ال ُ والعقيق ،عن ِ
حبّه .لعب الربي ُع بخده ،فأنبت البنفسجَ في وَرْده .لما احترقتْ فضةُ خده ،احترق سواد القلب من عذَارُه العذرَ في ُ جهِه ،وأبانَ ِ ل ديباج و ْ
الجما ُ
حبّه :المديد:
ومياهُ الحسْنِ تسقيهِ؟ كيف ل يخضرّ ُشاربهُ
ت دَوْلته وأحكامُه .استحال ضتْ أيامه ،وانقرضَ ْ سنِه قد أَعر َ ولهم في نقيض ذلك ،في ذم خروج اللحية :قد انتقب بالدّيجُورِ ،بعد النور؛ فدَوْلةُ حُ ْ
حدَاد .ذَبُل وَردُ خدّه ،وتشوّك زعْفرانُ خطه .فارقنا خَشْفاً، سنِه بعد اليقاد ،ولَبس عارضُه ثوبَ ال ِ سبَجا؛ وأخمدت نارُ حُ ْ خدّهِ ُخدّه دُجا ،وزمرد َ َ
218
ف ُمعْشِبة ،والعيون منورة ،والزرار مرعى، ل ونكالً .ما لي أرى الباط جائِشة؛ والنا َ ووافانا جِلْفاً ،وفارَقنا هللً وغَزَالً ،وعاد وبا ً
والظفارَ حمَى ،واللحى لبودا ،والسنان خُضْراً وَسُوداً؟.
من إنشاء بديع الزمان
ض من عُزل عن ولية حسنة يستم ّد وداده ويستميل فؤاده؛ فأجابه بما نسخته :وردَتْ رق َعتُك أطالَ ال بقاءَك فَأعَ ْر ُتهَا وكتب إلى بديع الزمان بع ُ
طرف التعزز ومددت إليها يدَ التقزّز ،وجمعت عليها ذريلَ التحرّز ،فلم َت ْندَ على كَبدي ،ولم َتحْظَ بناظرِي ويَدِي ،ولقد خطبت من مَودّتي ما لم
ن َقدّه ،وزهَا حسْ ِ
جدْك لها كَ ِفيّا ،وطلبت من عِشرتي ما لم أرَك لها رضياً؛ وقلت :هذا الذي رفع عنّا أجفان طَرْفه ،وشال بشعرات أنفه ،وتَاه ب ُ أِ
صنِه ،وفََللَ غَرْب عُجبِه ،وكفّ شأْو زهْوه
غ ْ سنِه ،وأقام مائل ُ حْسرْ بضوئه ،فالنَ إذْ نسخ الده ُر آيةَ ُ خدّه ،ولم يَسْقِنا من نَ ْوئِه ،ولم نَ ِ
بوَرْد َ
وانتصر لنا منه بشعرات قد كسفت هِلله ،وأكسفَتْ بالَه ،ومسخَتْ جمالَه ،وغيّرتْ حاله ،وكدّرتْ شِرْعتَه ،ونكّرت طَلْعته ،جاء يستقي من
جرفنا جَرفاً ،ويغرف من طينتنا غَرْفاً ،فمهلً يا أبا الفضل مهلً :مجزوء الكامل:
حلْ؟خدّ قَ ِ
شعْرُ في َك ال َ ت فـينـا إذْ عَـلَ
أَرِغبْ َ
لبِلْ؟
صرْتَ في حدّ ا ِ ءِ و ِ ت من حدّ الظـبـا وخرجْ َ
عدْ للعـداوةِ يا خـجـلْ ُ عشْـرَتـي أنشأت تطلبُ ِ
س مَنْ حضر ،ونسرق إليك النظر ،ونهتز لكلمك ،ونهش لسلمك :الطويل: أنسيت أيامك؛ إذ تكلّمنا نَزْراً ،وتنظرنا شَزْراً ،وتجال ُ
ف الدّهْرِ َأنْظُرُ؟
إليك بها في سال ِ ت مـرة ك بالعينِ التي كن ُ فمَن ل َ
جدُ بنا َيعْلو ويسفل ،و ُتدْبرأيام كنت تتمايل ،والعضاء تتزايَل ،وتتغانج ،والجساثُ تتفَالج ،وتتفلّت ،والكبادُ تتفتت ،وتخطر وترفل ،والوَ ْ
وتُقبل ،فتمنّى وتخيل ،وتصدّ ،و ُتعْرِض ،فتضني وتمرض :الطويل:
ص له ندّتخلّل حرّ الرمل دع ٌ وتبسم عن ألمي كأنَ منـوراً
ع فَسد ،ودولة أعرضت ،وأيام انقضت :مجزوء المتقارب: ق َكسَد ،ومتا ٌ فَأقْصِر النَ فإنه سو ٌ
وسوق كسادٍ نَزلْ وعهد نِفَاق مَضَى
وخَطّ كأن لم يَزَلْ وخدّ كأَنْ لم يكُـنْ
ويوم صار أمس ،وحسرة بقيتْ في النفس ،وثغر غاضَ ماؤُه فل يرشف ،وريق خدع فل ينشف ،وتمَايل ل يعجب ،وتئنّ ل يطرب ،ووجه زال
بهاؤه ،ومُقْلة ل تجرح ألحاظها ،وشفَة ل تفتن ألفاظها ،فحتّام ُتدِلّ ،وإلَ َم نحتملُ وعَلَم .وآن أن تذْعِن الن ،وقد بلغني ما أنت ُم َتعَاطيه من
حصّا ،وإنْحَائك عليه نقصاً ح عند ذوي البصر والصدق؛ من إفنائك لتلك الشعرات جفّا و َ تمويه يجوز بعد العِشاء في الغَسَق ،وتشبيه يفتض ُ
ف من بنات الشعر وأمهاته إليك؛ فأمأ ما استأذنت فيه رَأيي من الختلف إلى مجلسي فما وقصّا .وسيكفينا الده ُر مؤونة النكار عليك ،بما يز ّ
أقلّ إليك نشاطي؛ وأضيق عنك بساطي ،وأشنع قلقي منك ،وأشدّ استغنائي عن حضورك ،فإن حضرت فأنت دا ٌء نَرُوضُ عليه الحلم ،ونتعلّم به
جفْنَ على قَذى ،ونَطوِي منه الصدر على أذى ،ونجعله للقلوب تأنيباً ،وللعيون تاْديباً .وما لك إل الصبر ،ونتكلّف فيه الحتمال ،و ُنغْضِي منه ال َ
صاً ،وما بال الدهر ل لنا ،ومن ذلك التعالي َتبَصبصا ،ومن ذلك التغالي ترخُ َ أن تعتاض من الرغبة عنّا رغب ًة فينا .ومن ذلك التدلل علينا تذل ً
ع نُزوعاً ،فا ْنأَ برَحْلكِت من الذهاب رُجوعاً ،لقد اعتضنا من النزا ُ ض َأعقبك من التزايد تنقصاً ،ومن التسحّب على الخوان تقمّصاً ،ولئن اعتَ ْ
سرْبك ،والسلم. حبْلك على غارِبك ،ل أُوثِر قُرْبك ،ول َأنْدَهُ ِ وجانبك ،ملقًى َ
ومن إنشاء بديع الزمان في مقامات السكندري ،ولعلّ ما فيها من الطول غير مملول .قال :حدثنا عيسى بن هشام قال :كان يبلغُني من مقامات
شعْرِه ما َيمْتزج بَِأجْزاء الهواء ِرقّة ،و َيغْمُضُ عن أوهام ال َكهَنَ ِة دِقة، السكندري ما يُصغِي له النَفُور ،ويَنتفضُ له العصفور ،و ُيرْوَى لي من ِ
ن اتفقَتْ حسْنِ آلتهِ ،وقد ضربَ الدهر شؤونه أسداداً وهلم جراً .إلى أ ِ وأنا أسألُ ال بقاءه ،حتى أرْزَق لقاءَه ،وأتعجب من قعودِ ِهمّته بحالتهِ ،مع ُ
ب مسافتَه ،ونستأصِلُ حبَة أفرادٍ كنجوم اللَيل ،أَحْلَس لظهورِ الخيلِ ،فأخذنا الطريق َننْته ُ صْ حمْصَ ،فشحَذتُ إليها الحِ ْرصَ ،في ُ لي حاجةٌ ب ِ
جعْن كالقسِي ،وتَاحَ لنا وادٍ في سفْح جبل ،ذي ألَءٍ وآثلٍ ،كالعذَارى صيّ ،ورَ َ جيَادِ ،حتّى صِرْن كالعِ ِ س ِنمَةَ النّجَادِ بتلك ال ِ
ل نَفْرِي أ ْ
ش ْأفَته ،ولم نز ْ
َ
لمْراس ،ومِلْنا مع النّعاس ،فما راعَنا إل يُسَرّحْن الضفائرَ ،وينْشُرْن الغدائر ،فقالتِ الهاجر ُة بنا إليها ،فنزلنا نُغوّر و َنغُور ،ورَبطْنا الفراسَ با َ
خدّ الرض بحوافره ،ثم اضطربت خدّ َج ّذ قُوَى الْحَبل بمشافره ،وي ُ صهيلُ الخيول ،ونظرت إلى فَرَسي وقد أرْهَفَ أُذنيه ،وطمَحَ بعينيه ،ي ُ
طعَتِ الحبال ،وصار كل منا إلى سلحه ،فإذا السد في فَرْوة الموت ،قد طلع من غابه ،منتفخاً في إهابه ،كاشراً الخيلُ ،فأرسلت الَبوال ،وق ّ
عن أنيابه ،بطَرْف قد ملئ صَلَفاً ،وأنف قد حشي أنفاً ،وصدر ل يبرحه القلب ،ول يسكنه الرُعب ،فقلنا :خطْبٌ والّ ملم ،وحادِث مهمٌ ،وتبادَرَنا
إليه من سَرْعان الرُفقة فتى :الرمل:
ل الدَلْوَ إلى عقد الكَـرَبْ يم ُ أخضر الجِلْدة من بيْت العَرَب
صرَعه ،إلى مَن كان معه، ض قدمه ،حتى سقط ليده وفمه ،وتجاوز السد مَ ْ بقلبٍ ساقه قدر ،وسيفٍ كله أثرٌ ،فملكتْهُ سورة السد ،فخانته أر ُ
ت بعمامتي فمه ،حتى حقنتُ ودَعا الحينُ أخاه ،إلى مثل .ما دعاه ،فسار إليه ،وعقل الرّعب يديه ،فأخذ أرضه وافترس الليثُ صدره ،ولكن شغل ُ
دمه ،وقام الفتى فوَجَأ بطنه حتى هلك من خوفه ،والسد بالوجأة في جوفه ،ونهضنا على أثر الخيل ،فتألفنا منها ما ثبت ،وتركنا ما أَفلتَ ،وعدنا
إلى الرفيق لنجهزَه :الطويل:
جَزعنا ولكن أيّ ساعة مَجزع ب فوقَ رفيقنـا حثَ ْونَا التر َفلما َ
وعدنا إلى الفلة ،فهبطْنا أرضها ،وسرْنا حتى إذا ضمرت المزاد ،ونفدَ الزادُ ،أو كاد يدركه النفاد ،ولم نملك الذهاب ول الرجوع ،وخفنا
ب بيديه، صمْده ،وقصدنا قصده ،ولما بلغنا نزلَ عن حاذ فرسه ينقُشُ الرضَ بشفتيه ،ويلقي الترا َ صمَدْنا َ القاتلين الظمأ والجوعَ ،عنّ لنا فارسٌ ف َ
وعمدني من بين الجماعة ،فقبل ركابي ،وتحزَم بثيابي ،ونظرتُ فإذا وَجه يبرق برق العارض المتهلّل ،وفرس متى ما ترقّ العينُ فيه تسهل،
ض قد اخضرَ ،وشاربٌ قد طرّا ،وساعدٌ ملن ،وقضيب رَيان ،ونجار تركيّ ،وزي ملكي ،فقلت :ما جاء بك؟ ل أبالك! فقال :أنا عبد وعار ٌ
بعض الملوك ،ه ّم من قتلي بهم ،فهمت على وجهي إلى حيث تراني ،وشهدت شواهدُ حاله ،على صدق مقاله ،ثم قال :أنا اليوم عبدُك ،ومالي
مالك ،فقلت :بشرى لك وبك ،أدّاك سيرُك إلى فناءٍ رَحْب ،وعيش رَطْب ،وهنأتني الجماعة ،بحسب الستطاعة ،وجعل ينظرُ فتقتلنا ألحاظه،
ق فتفتننا ألفاظه ،والنفس تناجيني فيه بالمحظور ،والشيطان من وراء الغرور ،فقال :يا سادة ،إنّ في سفح هذا الْجبل عيناً ،وقد ركبتم فلة وينط ُ
219
عَوْراء ،فخذوا من هنالك الماء ،فلوينا العنة ،إلى حيث أشار ،وبلغناه وقد صهرت الهاجرة البدان ،وركبت الجنادبُ العيدان ،فقال :أل تقيلون
طقَته ،فما استتر عنّا إل بغللةٍ تنمُ، ل قُرْ َ في هذا الظل الرَحب ،على هذا الماء العذب؟ فقلنا :أنت وذاك ،فنزل عن َفرَسه ،ونحى منطقته ،وح ّ
شهَا ،وإلى المكنة س فح ّعلى بدنِهِ ،فما ش َككْنا أنّه خاصم الوِلدَان ،ففارقَ الجنَان ،وهرَب من رضْوَان ،وعمد إلى السروج فحطّها ،وإلى الفرا ِ
خدْمَة! وأحسنَك ففرشها ،وقد حارتِ البصائر فيه ،ووقعت البصا ُر عليه ،ووَتد كلّ منا شبقاً ،وخنث اللفظ ملَقاً .وقلت :يا فتى ،ما أَلطفَك في ال ِ
خدْمة ،فكيف خفّتي في ال ِشكُر ال على النعمةِ بك؟! فقال :ما ستَرَوْنه أكْثر ،أ ُتعْجِبكم ِ ل لمن فا َر ْقتَه ،وطُوبى لمن را َف ْقتَه ،فكيفَ ن ْ في الجملة! فالوي ُ
سهْماً فرماه في السماء، شغَفاً؟ فقلنا :هاتِ ،فعمد إلى قَوْس أحدِنا فأَ ْوتَرَه؛ وفوّق َ حذْقي طُرَفاً ،لئزدادُوا بي َ لو رأيتمُوني في ال ّرفْقة؟ أُرِيكم من ِ
وأ ْتبَعه بآخر فشقه في الهواء ،وقال :سأريكم نوعاً آخر ،ثم عمد إلى كنانتي فأخذها ،وإلى فرسي فعله ،ورمى أحدنا بسهم أثبته في صدرِه،
صنّه بريقهِ ،فلم َندْر ما نصنعُ،ن كل منكم يَدَ رفيقه ،أو لغ ّ وآخر طيّره من ظهره ،فقلت :ويحك! ما تصنعُ؟ قال :اسكت يا ُلكَع ،والّ ليشد ّ
س في يده يرشقُ بها الظهورَ ،ويمشُق بها البطونَ حتُنا بعيدة ،وهو راكبٌ ونحن َرجّالة ،والقو ُ وأفراسنا مربوطة ،وسرُوجنا محطوطة ،وأسلِ َ
جدُ من يشدّني ،فقال :اخرُجْ بإهابك ،عن ثيابك ،ثم نزل عن خذْنا القدّ ،فشدّ بعضنا بعضاً ،وبقيت وَحْدي ل أ ِ جدّ ،أ َوالصدورَ ،وحين رأينا منه ال ِ
خفّان جديدان فقال :اخلعهما ل ح َد منّا بعد الخر ،ويقول :أقمت قضيبك ،فخذ نصيبك ،ونزع ثيابه ،وصار إليّ وعليّ ُ فرسه ،وجعل يصفعُ الوا ِ
ت َيدِي إلى سكّين فيه وهو مشغول ،فأ ْثبَتّه ي نزعه ،ثم دنا لينزعَ الخُفّ ،ومدَدْ ُ ستُه رَطباً ،فليس يمكنني خلعه فقال :عل ّ أُ ّم لك ،فقلت :هذا خفّ لب ْ
ت أيدِيَهم ،وتوَزّعْنا سلَب المقتوليْن ،وأدَ َر ْكنَا الرفيق، في بطنه ،وأ َبنْتُه من َم ْتنِه .فما زاد على فَم َفغَرَه ،وأَلْ َقمَه حجَره ،و ُقمْتُ إلى أصحابي فحَل ْل ُ
حمْص بعد ليال ،فلما انتهينا إلى فُرْضَةٍ من سُوقِها رأينا رجلً قد قام على رأس وقد جاد بنفسه ،وصار إلى َرمْسِه ،وصِ ْرنَا إلى الطريق فوردْنا ِ
صيّة ،وهو يقول :مجزوء الخفيف: ع َ ابن و ُب َنيّة ،بِجِراب و ُ
في جِرَابِي مَكا ِرمَهْ حشَـا ح َم ال مَنْ َ رَ ِ
لسعيد وفَاطِـمَـهْ حمَ ال من َرثَـى رَ ِ
و ْهيَ ل شكّ خَادِمَهْ إنّـه خـادِمٌ لَـكُـمْ
ت عنه فإذا هو هو ،فدًَلفْتُ إليه ،فقلت له :أحكمك حكمك ،فقال: ت به وسأَ ْل ُ
س ِمعْ ُقال عيسَى بن هشام :فقلت :إنَ هذا الرجل هو السكَندري الذي َ
درهم ،فقلت:مجزوء الكامل:
سعِدُني النفَـسْ مَادا َم يُ ْ ك دِرهمٌ في ِمثْـلِـه َل َ
ل الملتـمَـسْ كيما تنا َ فاحْسِبْ حِسابكَ والتمسْ
خمْسة حتى بلغث العشرين ،ثم قلت :كم معك؟ قال :عشرون رغيفاً ،فأم ْرتُ له بها ،وقلت :ل لك دِرهم في اثنين ،وفي ثلثة ،وفي أَربعة ،في َ
ح ْرمَانِ. خذْلن ،ول حِيلَة مع ال ِ نصرة مع ال ِ
وقال أبو فراس الحمداني :البسيط:
ومالَ بالنوم عن عيني َتمَايُلُـهُ ت منْ َلحْظِه ل مِنْ ُمدَامتِه سكر ُ
ل دَ َهتْنِي بل شَمائِلُهُ ول الشّمو ُ ف دَ َهتْني بل سَوالِفهُ وما السّل ُ
لئِلُه وغَالَ عَ ْقلِي بما تَحْوِي غَ َ صدَاغٌ لُوِينَ لـهُ ألوَى بصبْرِيَ َأ ْ
وقال ابنُ المعتزّ ،وقد تقدَم عنه في هذه اللفاظ :الوافر:
عَزَاِليَهُ بهَطْل وانـهـمـال ن مُـرْخٍ ي الدّجـ ِ ويوم فاخِت ّ
ي بَـالِ
غمِ العاذلت َرخِ ّ برَ ْ أبحْتُ سرورَه وظللت فـيهِ
مكان حمائلِ السيفِ الطوالِ ل المنديل مـنـهُ وساقِ يجع ُ
صدْغ ُمعْجَمة بخَالِ ونون ال ّ خدّه صبغَـتْ بـ َو ْردٍ غللة َ
ق مرخي الجِلل طرْفٍ أبل ٍ كِ بَدَا والصبحُ تحت الليل بـادٍ
فرائسهنّ ألبابُ الـرجـالِ بكأس من زجاج فـيه أسْـدٌ
َو َق ْتكَ السوءَ ربّاتُ الحجـالِ أقولُ وقد أخذت الكاس منـهُ
وقد أَحسنَ ما شاء في قوله:
فرائسهن ألْبابُ الرجالِ
وإن كان أصل المعنى لبي نواس في ذكر تصاوير الكاس.
حسَنٍ تدلّ على اجتماع قال الصولي :مَرّ أبو نواس بالمدائن فعدل إلى سَاباط ،فقال بعضُ أصحابه :ندخل إيوان كسرى ،فرأينا آثاراً في مكانٍ َ
صفَةَ الحالِ ،فقال :الطويل: كان لقومٍ قبلنا ،فأقمنا خمسةَ أيام نشربُ هناك ،وسألنا أبا نواس ِ
بها أثرٌ مـنـهـمْ جَـدِيدٌ ودارِسُ عطّلُوهـا وَأدْلـجُـوا ودا ِر نَدامَى َ
ي ويَابِـسُ وأَضْغاثُ َريْحانٍ جَـنِـ ّ جرّ الرقاق على الثرَى مَساحِبُ من َ
بشرقيّ سَابَاطَ الديارُ البَـسَـابـس ت بـهِ ولم أ َر منهم غيرَ ما شهِـدَ ْ
وإني على ،أمثال تلك لـحـابـسُ شمْلَهـم ستُ بها صَحْبي فج ّمعْتُ َ حبَ ْ
ويومٌ له يوم التـرحّـل خَـامِـسُ أ َق ْمنَا بهـا يومـاً ويومـًا ثـالـثـاً
حبَتْها بأنواع التـصـاويرِ فـارسُ َ تُدَارُ علينا الراحُ في عَـسـجـديّة
َمهًى تدّريها بال ِقسِيّ الـفـوارسُ جنَبـاتـهـا سرَى وفي َ قرا َرتُها كِ ْ
وللماءِ ما دارت عليه القَـلنِـسُ فللرّاحِ ما ُزرّتْ عليه جـيوبُـهـا
وقال علي بن العباس النوبختي :قال لي البحتري :أتدري من أين أخذ الحسن قوله:
ش ِهدَتْ به؟ ولم أ َر منهم غير ما َ
...البيتَ .فقلت :ل ،قال :من قول أبي خراش :الطويل:
220
ج ٍد مَحْ ِ
ض ل عن مَا ِسوى أنه قد سُ ّ ولم َأدْرِ مَنْ ألقَـى عـلـيه رِداءهُ
ج ْدنَا المعاني
حدَث فو َ
حذْوَ الكلمِ واحداً ،وإن اختلف المعنى؟! قال الجاحظ :نظَ ْرنَا في الشعر القديم والم ْ فقلت :المعنى مختلف ،فقال :أما ترى َ
تُقْلَب ويؤخذ بعضُها من بعض ،غير قول عَنترة في الوائل :الكامل:
غَرداً كفعْلِ الشارب المترنّـمِ ب بها يُ َغنّي وحْـدَه
وخل الذبا ُ
جذَمِ َقدْحَ ال ُمكِبّ على الزنادِ الَ ْ حكّ ذرَاعَه بـذراعـهِ هَزِجاً ي ُ
وقول أبي نواس في المحدثين :الطويل:
َمهًى َتدّريها بالقِسيّ الفوارسُ قرارتُها كِسرى وفي جنَباتهـا
221
على طولِ ما أقْوَت وحُسن رسُومِ ن تَـزْدادُ طِـيبَ نـسـي ِم ن دِمَ ٌ
ِلمَ ْ
ب نَـعـيمِ
لبِسْنَ على القْوَا ِء ثـو َ تجافَى البِلَى عنهنّ حتى كأنـمـا
وهذا معنًى مليح وإن أخذه من قول أعرابي :المنسرح:
غادرت الشعْبَ غي َر مُ ْلتَئِمِ طتْ بهمْ عنك نيّةٌ قُـذُفٌ شّ
تزدادُ طِيباً إل على القِـدَمِ سرّهَا الديارَ فما واستودَعَت ِ
وهذا ضدّ قول محمد بن وهيب :الكامل:
صدُ دَرَسَا فل عَلَ ٌم ول قَ َ ل عليهما المدُ طَلَلَنِ طا َ
جدُوا حبّة مثلَ ما َو َ بعد ال ِ َلبِسَا البِلَى فكأنمـا َوجَـدَا
وقال الخطل :الطويل:
ف الدّهْـرِ َقدِيمٌ ولمّا َيعْفُهُ سال ُ لسما َء مُحتَلّ بناظرةِ البِـشْـرِ
شهْرِ وكم من ليالٍ للديار ومن َ سمُهُ يكادُ من العِ ْرفَان يَضْحك َر ْ
هذا أيضًا كقول أبي صخر الهذلي :الطويل:
وأخرى بذاتِ ال َبيْنِ آياتُها سَطْرُ جيْش دارٌ عرَفتُهـا لَليْلَى بذاتِ ا ْل َ
ن من َب ْعدِنا عَصْرُ وقد مرّ للداري ِ كأنهـمـا مِ النَ لـم يتـغَـيّرا
وقد قال مُزَاحم القيلي :الطويل:
ل قـدِيمُ ع ْهدُ المغانِي بالحلو ِ وَ جدِيدةً تراها على طولِ الْ َقوَاء َ
وقرأ الزبير بن بكار أخبار أبي السائب!المخزومي ،فلما بلغ إلى قول مالك بن أسماء الفزاري :الكامل:
ضبْرَا؟ أفعِند قلبِي َأبْ َتغِي ال َ َبكَتِ الديارُ لفَ ْقدِ ساكنـهـا
هذا البيت نظير قول ابن وهيب :الكامل:
سفْرا ق فأصبحوا َ ذكروا الفرا َ بينا ُهمُ سكن بـحـي َرتِـهِـمْ
مَنْ ل يرَى َأمْرِي له َأمْـرَا فظللت ذا ولَه يعـاتِـبُـنـي
وإن أبا السائب قال عند سماع البيت الوسط :ما أسرع هذا! أما اقدّموْا ركاباً؟ أما ودّعُوا صدي َقاَ؟ فقال الزبير :رحم ال أبا السائب فكيف لو
ل العباس بن الحنف :الخفيف: سمع قو َ
َفقَـرنّـا ودَاعَـــنـــا بـــالـــســـؤَالِ سأَلـونـا عـن حـالِـنـا كـــيف أَنـــتُـــمْ
ن بين النزول والِرتجال؟ ما أَنخْنا حتى ارتحلنَا فما ف ّرقْ َ
هكذا رواه الزبير بن بكار لمالك بن أسماء ،ورواها غيره ليوب بن شبيب الباهلي.
ومن ألفاظ أهل العصر
في صفة الديار الخالية
ت بهم حَالية .دار قد أنفَد البين سكانَها ،وأقعد حيطانها ،شاهد دا ٌر لبِسَت البِلى ،وتعطلت من الحُلى .دار قد صارت من أهلها خالية ،بعد ما كانَ ْ
حبْلُ الرجا ِء فيها يقصر كأنّ غفرانها يُطوئ وخرابَها ُينْشر ،أركانُها قيام وقعود ،وحيطانها ركّعٌ وهُجود. اليأس منها ينطِقُ ،و َ
يشبه الول من قول مالك بن أسماء قول مزاحم العقيلي :الطويل:
عيْنِ ألـومُ؟ دموعي ،فَأيّ الجازِ َ بكَتْ دارُهُ ْم مِن فَ ْقدِهم فتهلَلَـتْ
أمَ آخ ُر َيبْكي شَجْـوَه فـيَهِـيمُ أَمستعبر َيبْكي على الهون والبِلَى
أبو الطيب المتنبي :الكامل:
ن منكِ أَوَاهِلُ َأ ْقفَ ْرتِ أنتِ وهُ ّ ب منازِلُ َلكِ يا منازِلُ في القلو ِ
أَولَ كُما يبكي عليه العاقِـلُ ن ذاك ،وما علمْتِ ،وإنما َيعَْلمْ َ
جبَلة ،في معنى قول العباس بن الحنف :الرمل: وقال علي بن َ
ل َبدْراً طلَعا خفِي اللي ُ كيف يُ ْ زائ ٌر نَمّ علـيه حـسـنُـهُ
خائفًا مِنْ كل أَمرٍ جَزِعـا بأبي مَنْ زَارَني مكتتـمـاً
ورَعى الحارِسَ حتى هَجَعا رَصَد ال َغفْلَة حتى َأمْكنَـتْ
ثمّ ما سلم حـتـى ودّعَـا َركِبَ الهوال في َزوْرَتـه
وقال الحسين بن الضحاك :الرمل:
صعَـدا
فتنفّست عليه ال ّ بأَبي زَو ٌر تَلَـفّـتّ لـه
ت عليه كمـدَا إذا تقطع ُ بينما أضحكُ مسرورًا به
أبو الطيب المتنبي :الخفيف:
وقضَى ال بعد ذاك اجتماعا بأبي مَنْ َودِ ْدتُه فافتـ َرقْـنـا
كان تسليمُه عليّ الوداعـا فافت َر ْقنَا حَ ْولً ،فلما اجت َمعْنـا
ت عليه ،فردّ عليّ،
ب موثَق في صِفَاد حسن الوجه؛ فسلم ُ وقال أبو الحسن جحظة :قال لي خالد الكاتب :دخلتُ يومًا بعض الدّيارات فإذا أنا بشا ّ
ج عني ببعض ما تنشدني من شعرك وقال :مَنْ أنت؟ قلت :خالد بن يزيد ،فقال :صاحب المقطعات الرقيقة .قلت :نعم! فقال :إن رأيت أن تفرّ َ
فا ْفعَل ،فأنشدته :المتقارب:
خدّها جُـلـنـارا ت من َ وقبّل ُ شفْت من شَ َف َتيْهـا عـقـاراً تر َ
222
غصْناً رَطِيبًا وبَـدْراً أَنـارا
وُ ت منها كثيبـًا مَـهِـيلً وعانَ ْق ُ
لكل مكـانٍ بـلـيلٍ نـهـارا وأَبصرْت من نُورها في الظلم
ج ْز لي هذين البيتين :الخفيف: فقال :أحسنت ل يفضُضِ ال فاك ،ثم قال :أ ِ
ط ْعتُه بانتحابِ شِق طُولً ق َ رُبّ ليلٍ أم ّد من نَفَسِ ا ْلعَا
مق بدّ ْلتُه بسُو ِء العتـابِ ظرِ الـوا ث أل ّذ من نَ َ وحدي ٍ
فوال لقد أَعملت فكري فما قدرت أن أجيزهما .ويمكن أن يجازا بهذا البيت :الخفيف:
ت عنهُ طولَ اجتنابِ ض ُ رِق عُو ْ ووصال أقل مِنْ َلمْـحة الْـبَـا
أوصاف في طول الليل والسهر
وقال ابنُ الرومي في طول الليل :الخفيف:
قد تـنـاهَـى فـلـيســر فـــيه مَـــزِيدُ رُبّ لـيل كـأنــه الـــدهـــرُ طـــولً
ب لكن تَزِيدُ
ت تغي ُ
شيْبِ ليس ْ في نجو ٍم كأنهنّ نجوم ال ّ
وهذا من أجود ما جاء في هذا المعنى ،وقد قال بشار :الطويل:
إلى أن ترى وَجْهَ الصباح وِسادُ لخ ّد ْيكَ مِن ك َفيْك في كـلّ لـيلةٍ
وليس لليل العاشقـين نَـفـادُ ت تُراعِي الليلَ ترجو نَفـادهُ تبي ُ
وقال :الطويل:
وما بالُ ضوءِ الصبح ل يتوضّحُ؟ خليليّ ما بالُ الدّجَى ل تَـزَحْـزَحُ
أم الدهرُ ليل كلّه لـيس يَبـرَح؟ أضلّ النهارُ المستنـيرُ سـبـيلـهُ
ولكِنْ أطالَ الليلَ هـ ٌم مُـبَـرّحُ كأن الدجَى زادَتْ وما زادت الدجَى
وقال أيضاً :الرمل:
ولقد أعرفُ َليْلِي بالقِـصَـرْ طال هذا الليلُ ،بل طال السهَرْ
عمُ الطراف فتانُ النظَـرْ نَا ِ لم يطُلْ حتى جَفانـي شَـادِنٌ
صرْ س ْمعِي والب َ مََلكَتْ قلبي و َ ليَ في ليلـيَ مـنـه لـوعةٌ
كلما أبصره الـنّـوم نَـفَـرْ فكأن الهمّ شَـخـصٌ مـاثـلٌ
وقال أيضاً :الوافر:
حِذارَ ال َبيْن إن نفع الـحِـذارُ كأنّ فـؤادَه كُـرَ ٌة تَـنَــزّى
مخاف َة أن يكونَ به السّـرارُ يُرَوّعُه السّرا ُر بكـل شـيءٍ
فليس لنومه فـيهـا قَـرارُ ت بـشـوكٍ سمِلَـ ْكأن جفونه ُ
أما لِلّيل بَـعْـدَهُـمُ نـهـارُ أقول وليلتـي تـزدادُ طُـولً:
كأنّ جفونَها فيهـا قِـصـارُ ت عيني عن التغميض حتى جفَ َْ
قيل لبشار :من أين سرقت قولك:
يروّعُه السرا ُر بكلّ شيء؟
ت اثنين يتسَارّان إل ظننتهما يُرِيدان أن يأمرا لي بشيء .وأخذه أبو ط َمعِك؟ قال :ما رأي ُفقال :من قول أشعب الطمع ،وقد قيل له :ما بلغ من َ
نواس فقال :الخفيف:
رَاحةُ المستهامِ في العـلنِ ل تبيحنّ حُرمه الكـتـمـانِ
جهْدي فنمّتِ العـينـانِ راق َ قد تستّ ْرتُ بالسكوتِ وبـالط
ل مـكـانِ ن وأُحدوثةً بـكـ ّ تر َكتْني الوُشَاة نُصْبَ المشيري
ت ما يَخْلِوانِ إلّ لِشَـانـي قُل ُ ما نرى خال َييْنِ في النـاسِ إل
ومثل قول بشار:
عيْني عن التغميض. جفَتْ َ
...البيتَ ،وقول الخر :المتقارب:
صرِ قصيرُ الجفونِ ولم تَقْ ُ كأنّ المحبّ بطول السّهادِ
وقد تناول هذا المعنى العتابي فأفسده وقال :البسيط:
ق تَ ْقصِيرُ وفي الجفونِ عن الما ِ َوفِي المآقِي انقباضٌ عن جفونهما
وقال المتنبي :الطويل:
و ُردّوا رُقادي َفهْوَ َلحْظُ الحبائب أعِيدوا صَباحي َفهْوَ عند الكواكبِ
على مُقْل ٍة من فَ ْقدِكم في غَياهبِ كأنّ نهارِي لـيل ٌة مُـدْلَـهِـمّةٌ
ب بحاجـب ع َقدْتُمْ أعالي كل ُهدْ ٍ َ ن كـأنـمـا بعيدةُ ما َبيْنَ الجفو ِ
وقال الشعبي :تشاجر الولي ُد بن عبد الملك ومسلمة أخوه في شعر امرئ القيس والنابغة في طول الليل ،أيهما أشعر .فقال الوليد :النابغة أشعر،
وقال مسلمة :بل امرؤ القيس ،فرضيا بالشعبي ،فأحضراه ،فأنشده الوليد :الطويل:
وليل أُقاسيه بطيء الـكـواكـبِ كِليني لهـمّ يا أُمـيمةُ نـاصِـبِ
وليس الذي يَرْعَى النجـو َم بـآيبِ تطاول حتى قلتُ ليس بمنْـقَـضٍ
223
ن من كل جانبِ
ف فيه الحز ُ
تضاع َ صدْرٍ أراحَ الليلُ عازبَ هَـمّـه و َ
وأنشده مسلمة قول امرئ القيس :الطويل:
عليّ بأنواع الهموم ليَبـتَـلـي سدُولَهُ حرِ أ ْرخَى ُ وليلٍ كموج البَ ْ
وأردفَ أعْجازاً ونا َء بكَلـكَـلِ فقلتُ له لمّا تمطّـى بـجَـوْزه
ح منك بأ ْمثَلِ بصُبح ،وما الصبا ُ أل أيها الليلُ الطويلُ أل انجلـي
شدّت بـ َيذْبُـلِ بكل مُغار الفتْل ُ فيا لك من ليلٍ كأنّ نـجـومَـهُ
فطرب الوليد طرباً ،فقال الشعبي :بانت القضية.
معنى قول النابغة:
وصدر أراح الليل عازب همّه
صدْرَه مأوى للهموم ،وجعل الهموم كال ّنعَم السارحة الغادية ،تسرحُ نهارًا ثم تَأْتي إلى مكانها ليلً .وهو أول من استثار هذا المعنى، أنه جعل َ
ووصف أن الهمو َم مترادفةٌ بالليل لتقييد اللحاظ عمّا هي مطلقة فيه بالنهار ،واشتغالها بتصرّف اللحظ عن استعمال الفكر ،وامرؤ القيس كره
أن يقول :إن الهمّ يخفّ عليه في وقت من الوقات فقال :وما الصباح منك بأمثل.
وقال الطرماح بن حكيم الطائي :الطويل:
بيوم ،وما الصباح فيك بأرْ َوحِ صبِـحِ أل أيها الليل الذي طال أ ْ
ل مَطرَحِ لطرحهما طَ ْر َفيْهما ك ّ صبْح رَاحةً على أن للعينين في ال ّ
فنقل لفظ امرئ القيس ومعناه ،وزاد فيه زيادةً اغتفر له معها فحْش السرقَةِ وإنما تنبّه عليه من قول النابغة ،إل أنّ النابغة لوّح ،وهذا صرّح.
وقال ابن بَسّام :السريع:
ت تَـغُـورْن نجومَ الليلِ ليسَ ْأَ ل ول أدّعـي ل أظلـمُ الـلـي َ
طالَ ،وإن زارتْ فَليْلي قصيرْ ليْلِي كما شا َءتْ ،فإنْ لم تَـزُرْ
وإنما أغار ابنُ بسام على قولِ علي بن الخليل فلم يغير إل القافية :السريع:
ن نجومَ الليل ليسـت تَـزولْ أَ ل أظلـمُ الـلـيلَ ول أَدعـي
جادَتْ ،وإن ضنّت فَليْلي طَوِيلْ ليلي كما شاءت ،قـصـي ٌر إذا
وهذه السرقةُ كما قال البديعُ في التنبيه على أبي بكر الخوارزمي في بيت أخذ روته وبعض لفظه :وإن كانت قضية القَطْعِ تجب في الربع ،فما
عتُنا ُردّت
أشدّ شفقتي على جوارِحه أجمع ولعمري إن هذه ليستْ سرقة ،وإنما هي مكابرة محضة ،وأحسب أن قائله لو سمع هذا لقال :هذه بضا َ
إلينا ،فحسبت أن ربيعة بن مكدم وعُتيبة بن الحارث بن شهاب كانا ل يستحلّن من البيت ما استحلّه ،فإنهما كانا يأخذان جُلّهُ ،وهذا الفاضل قد
أخذ كلّه ،وقد أخذ علي بن الخليل من قول الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان :البسيط:
ت عينيّ عيناها نا َمتْ وإن أسه َر ْ ل ال تغييراً لما صنَعـتْ ل أَسأ ُ
والليلُ أقصرُ شيءٍ حين ألقاها فالليلُ أطول شيء حين أفقدُهـا
وابن بسام في هذا الشعر كما قال الشاعر :الكامل:
ل يَسْرِقُ المسروقا في كل حا ٍ وفتى يقول الشعـر إل أنـهُ
ألفاظ لهل العصر
في طول الليل والسهر
وما يعرض فيه من الهموم والفكر
ضلّ صباحُها .ليل ثابتُ صدْرِ ،و ِنقَم الدهْرِ .ليل ُة همومٍ وغموم ،كما شاء الحسود ،وساءَ الوَدود .ليلة قصّ جناحُها ،و َ غصَص ال ّ ليلة من ُ
الطناب ،طامي الغوارب ،طَامح المواج ،وافي الذّوائب .ليال ليست لها أسْحَار ،وظلمات ل تتخلّلها أنوار .بات بليلة نابغية ،يُراد قوله:
الطويل:
من ال ّرقْش في أَنيابها السّ ّم نَاقِعُ فبت كأني ساوَر ْتنِـي ضـئيلة
ِلحَلْيِ النساءِ في يديه قعـاقـعُ سهَ ُد من ليلِ التمامِ سلـيمُـهـا يُ َ
حلَ السهاد ،وافترش ال َقتَاد ،فاكتحل بمُ ْلمُول السهر ،وتململ على فراش بات في الصيف بليلة شتوية .سا َم َرتْه الهموم ،وعانَ َقتْه الغموم ،واكت َ
عيِ النجوم مطروف ،وفراش بشعار جمَ ُع بين العين والسّهاد .طَرْف برَ ْ جنْبِ والمهاد ،وت ْ
ق بين ال َ ض مِهاده ،وقَلِقَ وسادُه .هموم تفرّ ُ الفكر .قد أقِ َ
اله َم محفوت .كأنه على النجوم رقيب ،وللظلم نَقِيب.
ولهم فيما يتصل بض ّد ذلك من ذكر إقبال الليل وانتشار الظلمة ،وطلوع الكواكب :أقبَلتْ عساكِرُ الليل ،وخفقَتْ راياتُ الظلم .وقد أرخى الليلُ
علينا سُدولَه ،وسحب الظلم فينا ذيوله .توقّد الشفقُ في ثوب الغَسَقِ .أقبلت وفودُ النجوم وجاءت مواكب الكواكب .تفتّحت أزاهير النجوم،
حدَقِوتورّدت حدائقُ الجوّ ،وأ ْذكَى الفلَك مصابيحه .قد طفت النجومُ في بَحْرِ الدّجَى ،ولبس الظلمُ جلباباً من القار .ليلة كغراب الشباب .و َ
حبَش .ليلة قد حلك حسَان ،وذوائب العذَارى .ليلة كأنها في لباسِ بني العباس ،ليلة كأنها في لباس الثكالى ،وكأنها من ال َغبَش في مواكب الْ َ ال ِ
إهابها ،فكأن البحر يهابُها.
س النعاس ،وانتشى من خَمر الكَرى ،قد عَسْكر ال ُنعَاسُ بطَرْفه ،وخيّم بين عينيه .غرق في لُجةِ الكَرى، ولهم في ذكر النوم والنعاس :شرِبَ كأ َ
سكْرَة النوم .قد كحل الليلُ الورَى بالرقاد ،وشامت العين أجفانها في الغماد. وتمايل في َ
وفي انتصاف الليل وتناهيه ،وانتشار النور ،وأُفول النجوم :قد اكْتمَل الظلمُ .قد انتصفنا عمْرَ الليلِ ،واستغر ْقنَا شبابَه .قد شاب رأسُ الليل ،كاد
لفُق
عمْره .قُوّضت خيامُ الليل ،وخلع ا ُ ت ذَوَا ِئبُه ،وتقوّسَ ظهرُه ،وتهدّم ُ شمِطَ ْ
ينمّ النسيمُ بالسّحَر .قد انكشف غطاءُ الليلِ .ا ْنهَتَك ستْ ُر الدّجى ،و َ
حدَر الصبحُ ل ثيابَه ،و َ
ب الدّجى .أَعرض الظلمُ وتولى ،وتَدَلّى عنقود الثريّا .طرز قميصُ الليل بغرّة الصبح ،وباح الصبح بسِرّهِ .خلع اللي ُ ثو َ
ل بغُرّةِ الصبح .أطار جرُ عن نواجذه ،وضرب النورُ في الدّجى بعموده .بَثّ الصبح طَلئِعه .تبرقَعَ اللي ُ نِقَابَه .لحت تباشيرُ الصبحِ ،وافترّ الفَ ْ
224
سكَر النور .خل ْعنَا خلعة الظّلم ،ولبسنا رداء ج ْندُ الظلم عن عَ ْبَازِي الصبح غرابَ الليلِ ،وعزلت نوافج الليل بجاماتِ الكافور ،وانهزم ُ
الصباح ،ومل الذان بَرْقُ الصباح ،وسطع الضوءُ ،وطلع النور ،وأشرقت الدنيا ،وأضاءت الفاق .مالت الجَوْزاءُ للغروب ،وولّت مواكبُ
ق النام ،وَوَهى نِطاقُ الجوزاء ،وانطفأ قنديلُ الثريّا .قال بعضُ العراب: الكواكب ،وتناثرت عقودُ النجوم ،و َفرّت أَسرابُ النجوم من حدَ ِ
حنْدِس قد ألقَتْ على الرض اكارِعَها ،فمحَتْ صورة البدان ،فما كنّا نتعارف إل بالذان. خرجنا في ليلة ِ
قال ابن محكان السعدي :الطويل:
سواءٌ صحِيحات العيون وعُورُها وليل يقول الناسُ في ظلمـاتِـه
مُسوحاً أعاليها وساجاً ستورهـا ن لنا منه بـيوتـا ًحـصـينةً كأ ّ
وهذا بارع جدّا ،أراد أَنَ أعله أشدّ ظلمًا من جوانبه.
صدَع الليلَ حتى انصدعَ الفجر. وقال أعرابي في صفته :خرجتُ حين انحدرَت النجومُ ،وشالَتْ أرْجُلُها ،فما زِلْتُ أ ْ
ومن بديع الشعر في صفةِ الليل قول العرابي :الكامل:
كالليلِ يطردُهُ النهارُ طَـريدا ل يَطْردُه النهارُ ول ترى واللي ُ
ستْرَهُ الممدودَا هتك المقوّض ِ ت مَالَ رِوَاقُـهُ فتراه مثلَ البي ِ
ومن البديع :الطويل:
وطا َرتْ بأُخرى الليلِ أَجنِحَةُ ال َفجْـرِ على حينَ أثنى القومُ خيراً عَلَى السّرَى
آخر :الوافر:
جمِه عرضَ الُفولِ ت بنَ ْ
رمي ُ ل مُـدْلَـهِـمّ
غيَاطِ َ
وليل ذي َ
صدْرَ الدّلِيلِ
ويملُ هَوْلُه َ يردّ الطرف منقبضًا كَلِيلً
ابن المعتز :الكامل:
بظليل أ ْهلِ النارِ والمنحِ هامَت ركائِبنا إليك بـنـا
صبْحِن ليلتهنّ عن ُ يفحَصْ َ ن دائبةً
ن أيديهـــ ّ
فكـأ ّ
وقاد كشاجم :المنسرح:
ن مَرّ مـشـكـورا بِدير مُرّا َ ت مُـدّتـهُ
سقْياً لليلٍ قصـرْ ُ
َ
نُوريّة تمل الـدّجَـى نُـورَا وبات بَدر الدجى يشعشعـهـا
فعاد جيبُ الحباب مـزرُورَا غارَت على نفسها وقد سَفرت
ح منشُورا غرب ودَرجَ الصبا ِ حتى رأيت الظلمَ يدرجُه ال
تخلط كفّ مسكًا وكـافـورا فاختلط الليل والنهـارُ كـمـا
وقال علي بن محمد الكوفي :الطويل:
إذا كان جَانِيهِ علـيَ طـبـيبـي َمتَى أَرتَجي يوماً شِفَا ًء من الضّنـا
لباسٍ سوادٍ في الظـلم قَـشِـيبِ ولي عائِداتٌ ضِفتهُنّ فجِـئْنَ فـي
ن ل ُب ْعدِ السـير ذاتُ لـغُـوب وه ّ نجومٌ أراعِي طولَ ليلي برُوجَهـا
ب معنّـاةٌ بـطـولِ وَجِـيبِ قلو ٌ خوافقُ في جُنحِ الظلم كـأنـهـا
ت دَبـيبِ عقْرَبها في الغربِ ذا َ وَ تَرَى حُوتَها في الشرقِ ذاتَ سِباحةٍ
غصْنٍ في الرياضِ رطـيبِ تهدّلَ ُ سبْـتَـه إذا ما هوَى الكْليلُ منها ح ِ
لتَكرع في ماء هنـاك صَـبـيبِ كأَنّ التي حولَ المـجـرّةِ أوردَتْ
شجاع َة ِمقْدامٍ ِبـجُـبْـنِ هَـيُوبِ كأنّ رسولَ الصّبحِ يخلطُ في الدّجى
وَفيه للٍ لم تُـشـنْ بـثـقُـوبِ ح ممرّدٌ كأنّ اخضِرَار البَحرِ صَ ْر ٌ
سوادُ شبابٍ في بياض مَـشِـيبِ صبْحِـه كأنّ سوادَ الليلِ في ضوءِ ُ
ي بن دَاود أَخِـي ونـسـيبـي عل ّ ن نذيرَ الشمسِ يحكي ببـشْـرِه كأ ّ
ولكن يَرَاها من أَجـل ذنـوبـي ع ْتبَه قـلـت سـيدي ولول اتّقائي َ
َأدِيبٌ غَـدا خِـلّ لـكــل َأدِيبِ جوا ٌد بما تَـحْـوِي َيدَاهُ مـهـذّب
قريبُ صفاءً وهو غـيرُ قـريبِ نسيب إخاءً وهو غيرُ مـنـاسـبٍ
إذا لم يؤنسها انتـسـابُ قـلـوبِ ونِسب ُة ما بـينَ القـارِب وحـشةٌ
وهذا البيت كقول الطائي :الطويل:
فقلت لهمْ إنّ الشكـولَ أَقـارِبُ وقلتُ أخي قالوا َأخٌ من فـرابةٍ
عدَ ْتنَا في الصول المناسبُ وإنْ با َ نسيبيَ في رأيي وعزمي ومذهبي
وقال عبد السلم بن رغبان ،وسلك طريق الطائي فما ضلّ عنها :الطويل:
حِذاراً ،و َتعْمى ُمقْلتِي وَهْوَ غائِبُ أخ كنتُ أَبكِيه دماً وَهْوَ حاضـرٌ
بَلَى إن إخوانَ الصفـاء أقـاربُ بكاءَ أخ لـم تَـحْـوِه بـقـرابة
غبُ عمْري إلى ال را ِ ول أَنا ني ُ جرِ واقف فمات فما شَوْقي إلى ال ْ
كأنك للـدنـيا أَخ ومُـنـاسِـب ت الدنيا التي أنتَ نورُهـا وأَظلم ِ
225
أرى زمناً لم تبق فيه مصـائِبُ يُبرّدُ نيرانَ المـصـائبِ أَنـنـي
وفي هذه القصيدة:
إليك ،وغاَلبْتُ ال ّردَى وهْو غالِـبُ شفْـتُ أيامـي وهُـنَ كـوالـحٌ تر َ
ي يدٍ لي والزمان المُـحَـاربُ؟ وأ ّ ودافعتُ في كَيد الزمان ونَـحْـرِهِ
وها أنا أو فا ْز َددْ فإنّـا عَـصَـائِبُ ل ابنَ ُأمّي لـعُـصْـبَةٍ
وقلتُ له :خَ ّ
وإلّ فحُـبّـي آلَ أحـمـ َد كـاذِبُ فوالِ إخلصًا من القولِ صـادقـاً
ل قاضِبُ دَمَ القلبِ حتى يَقضِبَ الحبْ َ شفَـاءك أو َدمِـي ن َيدِي كانَتْ ِلَوَ أ ّ
يداً لل ّردَى ما حَـجّ لـلّـهِ راكِـبُ لسلّمت تَسْلِيمَ الرّضَا واتخـذتـهـا
لنائب ٍة نا َبتْـكَ فـهـو مُـضَـارِبُ ج ْئتَهُ
فتًى كان مثلَ السيف من حيث ِ
226
صفَا
أتى دون نصف ال َبدْر فاختطف النّ ْ كأن أَخـاهُ حـــين دَوّمَ طـــائرًا
ي مُلْـتَـفّـا
خسْرُوان ّ
سَرَى بالنسيج ال ُ ي مَـوْهِـنـاًكأنّ الهزي َع البنُـوسِـ ّ
صري ُع مُدا ٍم باتَ يش َربُهـا صِـرْفـا ل إ ْذ مـال مَـيْلةًكأنَ ظـلمَ الـلـي ِ
خفَـىستَ ْ من الترك نادَى بالنجاشيّ فا ْ ن عمودَ الفجر خاقـانُ عَـسـكَـرٍ كأ ّ
رأى ال ِقرْنَ فازدادَتْ طلقته ضعْفَـا كأن لِواءَ الشمـسِ غُـرّةُ جَـعْـفَـرٍ
وقال ابن طباطبا العلوي :الطويل:
وديعةُ سرّ في ضَـمـي ِر مُـدِيعِ كأنّ اكتتامَ المشتري في سَحَـابـهِ
يعا ِرضُهـا راعٍ ورا َء قَـطِـيع س َهيْلً والنـجـوم أمـامَـهُ كأنّ ُ
ف بالدمـوعِ هـمـوعِ طرْ ٍ تَ َقلّب َ حتِ الشّعرى ال َعبُور كأنهـا وقد ل َ
ت كنَشْوانٍ هـنـاك صَـرِيعِ فباتَ ْ وأضجعت الجوزاء في أفْق غَرْبها
وكان يُنَادي منه غـيرَ سـمـيعِ صبْحِـه إلى أن أجاب الليلُ دَاعِيَ ُ
وقال :الخفيف:
شطر طوقِ المرآ ِة ذي التذهيب وكأنَ الهـللَ لـمّـا تَـبَـدّى
ق مكـتـوب أو كَنُونٍ في ُمهْرَ ٍ س قد انحنَتْ طَـ َرفَـاه أو كقَ ْو ٍ
وقال علي بن محمد العلوي يصف القمرَ ،وقد طرح جرمه على دِجلة :الكامل:
والبَدْرُ في أفق السما ِء مغرّب ى دِجْلَةَ والدّجَى ُمتَصَرّمٌ لم َأنْس َ
وكأنه فيها طرا ٌز مُـذْهَـبُ فكـأنـهـا فـيه رداءٌ أزرقٌ
وقال المير تميم بن المعز ،وكان يحتذِي مثل ابن المعتز ،ويقف في التشبيهات بجانبه ،ويفرغ فيها على قالبه ،ويتبعه في سلوك ألفاظ الملوك:
الخفيف:
ل َتعِلّةَ النفس شُـغْـلِـي ليس إ ّ صغِي لـعَـذلٍ اِسقِيانِي فلست أُ ْ
وى كأني ا ّت َهمْتُ رَ ْأيِ وعَقلِي؟ ك مـا أه أأطِيعُ العذولَ في تـر ِ
ل كََلوْنِ الصدود من بعد َوصْلِ ُ عَلّلني بها فقد أقـبـل الـلـي
ض بكاءُ السّحابِ جادَ بـ َوبْـلِ َ وانْجَلَى ال َغيْ ُم بعد ما أضحكَ الرّوْ
في سما ٍء كأنّـهـا جَـا ُم ذَبْـل ن نُـضَـارٍ عن هللٍ كصَوْلجا ِ
وقال :الخفيف:
جنْحُ الظّلَم مُرْخَى الزَارِ ءَ و ُ رُبّ صفراءَ عَلَّلتْنِي بصفـرا
ب منيفةٍ وصـحَـارِي ورَوَا ٍ بين مـاءٍ وروض ٍة وكُــروم
وتجيب القِيانُ فيها القَمـاري تتثنّى به الغصـونُ عـلـينـا
وكأن النجو َم فيهـا مَـدَارِي وكأن الدّجَى غَـدَائرُ شَـعْـرٍ
ق مثلَ ِنصْفِ سِوَارِ لفْ ِ
في يَدِ ا ُ ل تبَـدّى وانْجَلَى الغيمُ عن هِل ٍ
وقال :الخفيف:
ودَعا َدمْ َع مُقَْل َتيْها انسكَـابُ عتَبتْ فانثنى عليها العِـتَـابُ َ
فا ْلتَقَى الياسمينُ والعُـنّـاب خدّها بـيديهـا وضعت نحو َ
بَ رِياءً و َهمّه العْـتَـابُ ب ُم ْبدِي َتعَتّبٍ جعل العَـتْ رُ ّ
س كما يصبُغ الخدودَ الشبابُ َ صبُغ الْـكـأ سقِنيها مُدَام ًة تَ ْ فا ْ
طيْلَسـانُـه يَنْـجَـابُ؟و َبدَا َ ما ترى الليلَ كيف رَق دُجَاهُ
خلَبيْهِ غُـرابُ والدّجَى بين مِ ْ لفْق بـازٍ وكأن الصباحَ في ا ُ
وكأنّ النجو َم فيها حَـبَـابُ وكأنَ السماءَ لُـجّ ُة بَـحْـرٍ
وكأن الدّجَى عليهـا قِـرَابُ سيْفٌ صَقـيل وكأن الجوزاءَ َ
من وصف الشراب والكؤوس وَالسّقاة في الليل
وقال :الطويل:
سبْ س َك ْرمِيّة النّ َلنْفا ِع ِبيْ ِريّةِ ا َ
َ خيّة الْجَـلْـب جيّة البا ِء كَرْ ِ وزنْ ِ
ط َر الذّهَبْ ن مثلَ ما قَ َ حمَ َر قَا ٍ بَأ ْ كمَيْت بزَ ْلنَا دَنّها فتـفـجّـ َرتْ
شرِبنَا السرورَ المَخْضَ واللهوَ والطّرَبْ فلمّا ش ِر ْبنَـاهـا صَـبَـ ْونَـا كـأنّـنـا
سوى أننا ِب ْعنَا الوقارَ مـن الـلّـعِـبْ سخِطُ المجـدَ فِـعْـلُـه ولم نأتِ شيئًا يُ ْ
قطائعُ ماءٍ جامدٍ َتحْـمِـلُ الـلّـهَـبْ كَأن كـؤوس الـشّـرْبِ وهـي دوائر
وليس بشيء غيرها هو مخـتـضِـبْ َيمُدّ بها كـفـاً خـضـيبـًا مُـدِيرُهَـا
ب من َبدْر السمـاء ومـا قـربْ و َنقْرُ ُ سقّى الشـمـسَ والـلـيلُ راكـدٌ فب ْتنَا نُ َ
ستارة شَرْبٍ خَلْفها وَجْـهُ مـن ُأحِـبّ وقد حجبَ الـغـيمُ الـهـللَ كـأنـهُ
227
ن بِلّوْرٍ على الرض تَضْطَـرِبْ
مداه ُ كأنّ الثريّا تحـت حُـلـكة لـوْنـهـا
وقال :الطويل:
سنَا الـبَـرْقِ لنا ،وكأنَ الراحَ فيها َ كأنَ السحابَ الغُرّ أصْبحن َأكْـؤسـاً
ح من الشـرق وأَقبل راياتُ الصبا ِ إلى أَنْ رأيتُ النجمَ وهْو مـغـرّب
عيُنِ الز ْرقِ حلِ في ال ْ بقايا مجال الكُ ْ كأن سوادَ الليلِ والصبـحُ طـالـعٌ
وقال :الطويل:
ثمارَ الغِنى للشّرْبِ من شجر الفَقْرِ س يُعِيدُ ال ُعسْر يُسراً ،ويجتـنـي وكَأ ٍ
كما فتتَتْ فوق الثرى نُقَطُ القَطْـرِ ج دُرّا مـنـضّـداً يُوَّلدُ فيها الـمـزْ ُ
ت تجمّعن في سَطرِ على الرّاح واوا ٌ صغار وكبرى في الكؤوس كأنـهـا
نجومَ الثريا لُحْنَ في راحَةِ الـبَـدْرِ إذا ح ّثهَا الساقِي الغرّ حسبْـتَـهـا
سنَا الـفَـجْـرِ بفضّة للء الصباحِ َ ج الدّجَى صبحتُ بها صَحْبي وقد ر ْندَ َ
لفُقِ العْلى قـلئدُ مـن دُرّ على ا ُ وقد َأزْهَرَت بِيضُ النجو ِم كَـأنّـهـا
وقال :الطويل:
جنْحُ الدجى دَعَجْ فقد ألبسَ الفاقَ ُ ألَ فاسقيانـي قَـهـ َو ًة ذهـبـيةً
سبَجْ جيْنٍ قد أحاط ِبهَا َ فصوصُ ل َ كأنّ الثريّا والظـل ُم يَحُـفُـهـا
ي َتبَسّمَ عن فـلـج إذا جَن ،زنج ّ كأنّ نجومَ الليلِ تـحـتَ سـوادِهِ
وقال :الطويل:
من ال َغيْ ِم يهمي مُزْنـهـا ويجـودُ حنّا ،سـقَـتْـك رعـودُ أيا َديْر مَرْ َ
طفْنَ علينـا بـالـمُـدَامَةِ غِـيدُ يَ ُ فكم واصلتْنا فـي ُربَـاك أَوَانِـسُ
ونابَتْ عن الوردِ الجـنـيّ خُـدُودُ وكم ناب عن نُورِ الضحى فيك َمبْسِمٌ
ن نُـهـودُ فَأثْقَلها من حَـمْـلِـهِـ ّ ن فِـضّة ستْ على الكُثبانِ قضبا ُ وما َ
وإذْ َأثَ ِريَ في الغـانـياتِ حَـمِـيدُ وإذْ ِل ّمتِي لم يوقِظِ الشيبُ لـيلَـهـا
وَلهْـوٍ ،وأيامُ الـزمـانِ هُـجُـودُ ي أغدُو بين ثـوبَـيْ صـبـابةٍ ليال َ
وقال :البسيط:
خجَل واصفَ ّر من َوجَلِ فاحمرّ من َ سأَلْته ُقبْلَ ًة منـه عـلـى عَـجَـل
وبين َمنْعٍ تمادَى فيه بـالـعِـلَـل ل ما بينَ إسعـافٍ يرقّـقُـه عتَ ّ
وَا ْ
صرُ ال َبدْرِ ل َيدْعُوهُ للـقُـبَـلِ ومبْ ِ ي َبدْرٌ ل خـفـا َء بـهِ وقالَ :وجْه َ
وهذا ينظرُ إلى قوله :مجزوء الوافر:
وجار عليّ وا ْقتَـدَرَا ح لمُقلتي السهـرَا أبا َ
عليه لذَابَ وانْفَطَرَا غزالٌ لو جَرَى نَفَسي
ي الغنْجَ والحوَرا عَل ّ وَلكِنْ عينُه حشَـدَتْ
فكيفَ يعاتبُ القمرَا؟ ومَنْ أَ ْودَى به قمـرٌ
كأنه ذهب إلى قول أبي نُوَاس :مجزوء الوافر:
نْ أزراره قَـمَـرَا كأنَ ثيابـه أَطْـلَـع
إذا ما ِزدْتَه نـظَـرا حسْنـاً جهُه ُ يزيدك وَ ْ
حوَرَاُر مِنْ أجفانها الْ َ بعيْني خَالَطَ التفْـتـي
تَصوّب ماؤه قطَـرا ووَجْهٍ سابِـريّ لـو
شدُ الناس وأشعرهم؟ قال :الذي يقول ،وأنشد هذه البيات .ونظيرُ قولهِ :مجزوء الوافر: ن أنْ َقيل للجاحظ :مَ ْ
ن من أزراره قمرا َ ن ثيابَـه أطـلـعْ كأ ّ
قول الحكم بن َقنْبَر المازني :البسيط:
وزاد قلبي إلى أوجاعِه وَجَعـا ويْلِي على مَنْ أطارَ النومَ فامتنعا
وقال تميم :الخفيف:
بمُـدَا ٍم مُـنَـقّـبٍ بـزُجَـاج جهَها بـخَـزّ وجَـاءتْ نَقبَتْ َو ْ
قمراً طالعاً وضـوءَ سـرَاجِ فتأمّلْتُ في النقابَـيْنِ مـنـهـا
في المعالي صِ ْرفٌ بغير مِزَاجِ فاسقيَاني بـل مِـزَاجٍ فـإنـي
س بـعَـاجِ ح من َب ْعدِ آبنُـو ٍ با ُ وانظرا ال ْفقَ كيف بدّله الص
وقال :البسيط:
ص َعبِهِ سهْلُ ده ٍر بعد َأ ْ كم قد أتى َ حذِرْتَ زَمانـًا ل تُـسَـ ّر بـهِ إذا َ
حلُو في تـقـلّـبـهِ لعل مُرّك يَ ْ فاقبَلْ من الدهرِ ما أعْطَاكَ مختلطاً
من كفّ أقنى أسيل الخ ّد ُمذْهَبِـهِ شعَةً ش ْع َ خذْها إليك ،و َدعْ لَوْمي ،م َ ُ
228
عليه يَحْميه من أن تَستـبـدّ بـه في كل َمعْقِد حسن فيه ُمعْتَـ ِرضٌ
ي ِبعَـقْـرَبـهحمِ ّ
ووَ ْردُ خ ّديْ ِه مَ ْ ل عينيه ممنوعٌ بخَـنْـجَـرهٍ فكُحْ ُ
ف عليه من تـلـهّـبِـه إني أخا ُ ل تترك ال َقدَحَ المـلن فـي يدهِ
وسَقّه واسْقني من فَضْل مَشْرَبـه صنْه عن سَقينا؛ إني أَغَـا ُر بِـهِ ف ُ
شهَـبِـه
والصبحُ في إثره يَعدُو بأَ ْ ي منهزِماً جّ وانظُر إلى الليلِ كالزنْ ِ
ن مَـ ْوكِـبـه
كأنه مَِلكٌ مـا بَـي َ ب ما بين أنْـجُـمـه ص ٌ والبد ُر مُنت ِ
من المختار من شعر تميم بن المعز
وإذا أفضيت إلى ذكره ،فهاك من مختار شعره ،قال :البسيط:
صنَعـا
ل بما َ ب ومَ ْقبُو ٌ
منه الذنو ُ ستَ ْقبَلٌ بالذي َيهْوَى وإن َكثُـ َرتْ مُ ْ
من القلوب وَجِيهٌ حيثما شفـعَـا جهِهِ شاف ٌع َيمْحُو إسـاءتَـهُ في َو ْ
طلَعا
حُسْناً ،أو البد ُر من أزرارِه َ س مِنْ أثوابه بـرزَت كأنما الشم ُ
استعارة مأخوذة من قول الخر ،وهو ابن زُريق :البسيط:
بالكَرْخ من فََلكِ الزرار مطلَعهُ أستودعُ ال في بغدادَ لِي قمـراً
ومن قول أحمد بن يحيى الفران :مجزوء الوافر:
على أزراره طـلَـعَـا بَدَا فكـانّـمـا قـمـرٌ
جبين بـنـانُـه وَلَـعـا يحث المسكَ من عَرقِ ال
وقال أبو ذرّ أستاذ سيف الدولةِ :الكامل:
ش مِنْ ُرقَـبَـائِهِ
حبّهِ لم َأخْ َ
في ُ نفسي ال ِفدَاء لمن عصيت عَواذِلي
والبد ُر يَطْلُعُ من خِلَل قَـبَـائِ ِه جهِـهِ سرّة و ْ الشمس تظهرُ في أَ ِ
وقال تميم :الطويل:
وأَعْصي غرامي وهو ما بين أَضلعي؟ أأعذل قَلبِي وَهْـوَ لِـي غـيرُ عـاذِل
ول جلدي طوعي ول كبدي مـعِـي ل بـه الـجَـوى صبْرٍ أَستزي ُ ومَنْ لي بِ َ
وآخرُ صبْـرِي كـان أوّلَ َأ ْدمُـعِـي فأَوّلُ شوقِي كـانَ آخـر سَـلْـوَتـي
وقال :مجزوء الكامل:
َو ْردِ الـــرياضِ وََأنْـــعَــــمُ ق مــــن وَ ْردُ الـــخـــدودِ أَرَ ُ
ف وذا ُيقَـبّـلُـــهُ الـــفَـــمُ
ُ هذا تَـنَـــشَـــقُـــهُ الُنـــو
وردين ور ٌد يُلـــــثَـــــــم ت فـأفـــضَـــلُ ال وإذا عَـدَلْـ ُ
حمْرَتهِ الـدّمُ صبْغَ ُ ل وَ ْردَ إل ما توَلّى َ
شمَمُ ش ّم ول يُضَ ّم وذَا يُض ّم ويُ ْ هذا يُ َ
دَ شـقـائقـًا تُـتَـــنَـــسّـــ ُم سبْحان من خلق الخدو ُ
ي بـهـا شـقــيق ُيعْـــلَـــمُ وأَعـارَهـــا الصـــداغَ فـــه
ي بـلَـحْـظِـهـا تـتـكــلّـــم ن فَـــهواسـتـنـطَـقَ الجـفــا َ
سِرّ الـحـبـيبِ فــيفـــهَـــمُ وتُـبِـينُ لـلـمـحـبــوبِ عَـــنْ
بَ بـلَـحْـظِـهـا فـتُـسـلّـــم وتـشــير إن رأتِ الـــرقـــي
ب وتَسْ َقمُ ح بهِ القلو ُ وأَعارَها مَرضاً تصِ ّ
ِفتَـن الـخــدودِ وأَعـــظـــمُ ِفتَنُ العيون َأجَل من
وقال :السريع:
ن َك ْيدَ الـرقـيبفينا فما أَهْوَ َ إنْ كانتِ اللحاظُ رُسْلَ القلوب
خدّ الـحـبـيبْ يعلَمْ بتقبيليَ َ ت مَنْ أَهوى بعينـي ولـم قبّلْ ُ
طنَةَ المسترِيب حظِ عيني ِف ْ بلَ ْ ل ِكنّه قد فَـطِـنَـتْ عَـيْنُـهُ
عنّا فعِند اللّحْظِ عِ ْلمُ الغـيوب
َ ستَخْفِـياً ب مُ ْ إن كان علمُ الغي ِ
وقال :مجزوء الكامل:
تَأْتي سَرِيعاً من جُمـادَى قالوا الرحيل لـخـمـسةٍ
حزْنَ زاداتُ له الَسَى وال ُ جبْتـهـ ْم إنـي اتّـخَـذْ فأ َ
بين الحِـبّة والـبِـعَـادا ن مَنْ قَسـم السـى سبحا َ
ق به الـعـبَـادانًا تستَ ِر ّ وأَعارَ للَجـفـانِ حُـسْ
وقال :الخفيف:
نعـي ٌم مُـطَـرّ ٌز بـعـذَابِ صدْغِ فوق تفّاحة الخدّ عَقْرَب ال ّ
مانِعاتٌ جَنى الثنايا الـعِـذَابِ وسيوفُ اللحاظ في كلّ حِـينٍ
بَةِ وال َمنْـعِ رؤيةَ الحـبـابِ سدْن بالـرّقْ وعيونُ الوشا ِة يُ ْف ِ
229
بالتدانِي حرَار ُة الكـتـئابِ؟ طفَـى
ب وتُ ْ
شتَفي المحِ ّ
فمتى يَ ْ
وقال :البسيط:
عند العَذُول ف َيغْدو وهو َيعْذِرُنـي عذَا َريْه قد قاما ِبمَعْـذرتـي ترى ِ
عقْداً من الحُسْنِ أَ ْو نَوْعًا من الفتَنِ ِ رِيمٌ كأنّ لـه فـي كـل جـارِحةٍ
حوِيهِ إل أَعْينُ الـفـطَـن فليس تَ ْ كأنَ جوهرَ ُه من لُطْفـه عَـرَضٌ
حرَتْ ألفـاظُـ ُه أذُنـي إل وقد سَ َ ل ما ف َتنَتْ عيني محـاسـنُـهُ وا ّ
خصٍ مرتضىً حَسَـنِ لنه كل شَ ْ ن عنه لحظَها مَلَـلً ما تُصد ُر العي ُ
ول ُتعَذبْ ظُنوني فيك بالظّـنـن يا منتَهى أمَلِي ل ُتدْنِ لي أجَـلـي
ك َقدّ قُـ ّد مِـن غُـصُـنِفإنَ ق ّد َ إنْ كان وجهُك وجهاً صِي َغ من قمرٍ
وقال :الطويل:
على ذلك الشخص البعيدِ المُـ َودّع أل يا نسيمَ الريح عرّجْ مسـلّـمـاً
ت من نار َأضْلُعي سمُوماً بما استمَليْ َ
َ سمِي بعَـادُهُ وهُبّ على مَنْ شَفّ جِ ْ
شتَاقٍ بـحـبّـك مُـوجَـعِس ُم ْ
َتنَف ُ ن قال :ما هذا الحَرورُ؟ فقل له: فإ ْ
ومختارُ شعره كثير ،وقد تفرّق منه قطعة كافية في أعراض الكتاب.
قال الصاحب أبو القاسم إسماعيل بن عبّاد :الطويل:
جدُ؟ وقد أنجدَتْ دارًا فهل أنت ُمنْ ِ سعِد؟ سعْدَى فهل لك مُ ْ لقد رحلَتْ ُ
عدُ ُب ْعدَ النَجْمِ بل هي أبْـعَـدَُتبَا َ رعيتُ بطرفي النجْ َم لمّا رأيتهـا
ويشغل منها الطرف دُ ٌر مبَـدّد تُنيرُ الثريّا وهي قرص مسلسـل
ل من سكرٍ بـهـا وتَـمـيّدُ تَمي ُ وتعت ِرضُ الجوزاءَ وهي ككاعب
ترشّحَ بعدَ المشْيِ وهو مُـقَـّيدُ طوْراً أسِـيرَ جِـنَـايةٍ
وتحسبها َ
ل مِنْ غمدٍ جُرَا ٌز مهـنّـدُ كما سُ ّ ولحَ سُهيلٌ وهو للصُبح رَاقِـبٌ
دناني ُر لكن السمـاءَ َزبَـ ْرجَـدُ ط ْرفِي في النجوم كأنـهـا أ َر ّددُ َ
ح مم ّردُ صرْ ٌقناديلَ والخضراءُ َ رأيتُ بها ،والصبح ما حانَ و ْردُهُ،
ح ت ْكبُو وتركدُ إذا ما جرى فالري ُ وفيه لنا من مربط الشمسِ أشقرٌ
وقال أبو علي الحاتمي :الطويل:
سكَرُ
عْإلى أن َبدَا للصُبح في الليل َ وليل أقمنا فيه نُ ْعمِـل كـأْسـنـا
ب مُـ َدنّـرُ
على حُلّةٍ زَ ْرقَاءَ جَـ ْي ٌ ونَجْمُ الثريا في السـمـاء كـأنـه
البحتري :الكامل:
أعجازَها بعزيمةٍ كالـكـوكَـ ِ
ب س َريْتُ مع الكواكب راكـبـاً ولقد َ
هو في حُلُو َكتِه وإن لم َينْـعَـبِ والليلُ في لونِ الغُـرَابِ كـأنـه
شيَبِ
ب عن ال َقذَالِ ال ْصبّغ الخِضَا ِ ِ س َتنْصُ ُل من دُجَاه كما انجلَى والعِي ُ
230
وطلوعُها من حيث ل تمسي منع البقاءَ تقلّب الـشـمـسِ
وغروبُها صفراءَ كالـ َورْسِ وطلوعُها بيضـاءَ صـافـيةً
جرِي حِمامُ الموتِ في النفْسِ يَ ْ تجرىِ على َكبِدِ السماء كمـا
ومضَى ب َفصْل قضائِه َأمْـسِ اليوم َتعْلَـم مـا يجـي ُء بِـه
قال :أحسنت ،فأخبرني بَأمْدح بيتٍ قاَلتْه العرب في الشجاعة ،قال :قول كعب بن مالك النصاري :الكامل:
ُقدُماً ،ونلحقها إذا لم تـلـحـقِ خطْوِنا نَصِلُ السيوفَ إذا قصُرْنَ ب َ
قال :فأخبرني بأفضل بيتٍ قيل في الجود ،فأنشده لحاتم طيئ :الكامل:
صدْرُق بها ال َ حشْ َرجَتْ يوماً وضا َ إذا َ أماويّ ،ما ُيغْني الثراءُ عن الفَـتَـى
وأنّ يدِي ِممّا بَخِلْـتُ بـه صِـفْـرُ تَرَيْ أنّ ما أبـقـيْتُ لـم أكُ َربّـهُ
ث والذكْـرُ ويبقَى من المالِ الحادي ُ ألـم تـرَ أنَ الـمـالَ غـادٍ ورائحٌ
فكلّ سَقانَا ُه بكأسيهـمـا الـدَهـرُ صعْلـك والـغِـنـى غنِيْنا زماناً بالت َ َ
غنَاناً ،ول أَزرى بأحسابِنا الفَـقْـرُ ِ فما زادَنا َبغْياً علـى فـذي قـرابةٍ
قال :فأخبرني عن أحسَن الناس وصفاً ،قال :الذي يقول :الطويل:
لدَى َو ْكرِها ال ُعنّاب والحَشَفُ البَالي كأن قلوب الطيرِ َرطْبـاً ويابـسـاً
والذي يقول :الطويِل:
ج ْزعُ الذِي لم ُيثَقبِ وأرحُلِنا ال َ خبَائِناحشِ حول ِ ن عيونَ الوَ ْ كأ َ
والذي يقوله :الطويل:
حجُرْ ومن خَالِه ومن يزيدَ ومِنْ ُ ف فيه من أبيه شَـمـائلً وتعرِ ُ
سكِـرْ
صحَا وإذا َ ونائلَ ذَا ،إذا َ سماح َة ذَا ،مع بِ ّر ذَا ،ووفا َء ذَا
يريد امرأ القيس.
ومن ألفاظ أهل العصر
في طلوع الشمس وغروبها
ومتوع النهار وانتصافه ،وابتدائه ،وانتهائه
ت مشا ِرقُها ،وانتشر جناحُ الضوء في ت قِناعَها ،ونثرتْ شُعاعَها ،وارتفع سُرادِقُها ،وأضاء ْ جبُ الشمس ،ولمعَتْ في أجنحَة الطيرِ ،وكشفَ ْ بدا حا ِ
شبَابُ النهار ،وعل رونق الضحى ،وبلغت طنّب شعاعُ الشمس في الفاق ،وذهبَتْ أطراف الجدران .أينع النهار وارتفع .استوى َ أفق الجوَ .
جمَراتِ الظهر .اصفرَتْ غِلَلَةُ الشمسِ ،وصارت كأنها الدينارُ جرَة ،ورمَت الشمس ب َ الشمسُ كبد السماء .انتعل كل شيء ظله ،وقام قائمُ الها ِ
ج ْنبُها للوُجوب.
شدّتْ َرحْلَها للرحيل ،وتصوّبتْ الشمسُ للمغيب ،وتضيّفتْ للغروب فَأذِن َ ت تِبراً على الصيل ،و َ يلمعُ في قرارِ الماء ،ونفضَ ْ
ت دَرج شاب النهارُ ،وأقبل شبابُ الليلِ ،ووقفت الشمسُ للعيان ،وشافَهَ الليلُ لسان النهارِ .الشمسُ قد أشر َقتْ بروجُها ،وجنحت للغروب ،وشافَه ْ
الوجوبِ .الجوُ في أطما ٍر ُم ْنهَجَ ٍة من أَصائله ،وشفوت مورّسَة من غَلَئله .استتر َوجْهُ الشمسِ بالنّقَاب ،وتوا َرتْ بالحجابِ .كان هذا الم ُر من
ج ْفنَها ،إلى أن تغمض طَرْفها، مطلع الفلق ،إلى مجتمع الغَسَق .فلنٌ يركبُ في مقدمة الصُبح ،ويرجع في ساقة الشفق ،ومن حين تفتحُ الشمس َ
ومن حين تسكنُ الطيرُ أوكارَها ،إلى حينِ ينزلُ السّرَا ُة مِنْ أكوارِها.
ت بذكرِ الليلِ والنهار. صلَ ْ
مقامة لبي الفتح السكندري من إنشاء البديع ،ات َ
ت من ال ُعمْرِ سائغه ،ولبسْتُ من الدهر عمَاية ،وأركضُ طِ ْرفِي لكل غَوَاية ،حتى ش ِربْ ُ قال عيسى بن هشَام :كنت وَأنا َفتِيّ السنّ أشدّ َرحْلي لكلّ َ
ح َبنِي في الطريق رَجُل لم أنكره من طئْتُ ظهْرَ المَرُوضةِ ،لداء المفروضة ،وصَ ِ سابغَه ،فلما صاح النها ُر بجانب ليلي ،وجمعتُ للمعادِ َذيْلِي ،و ِ
سرْنا فلمّا حللْنا الكوف َة مِ ْلنَا إلى داره ودخلناها وقد بَقَل وجهُ ي و َمذْهَب صوفِيّ ،و ِ سوء ،فلمّا تخالينا ،وحين تجالينا ،س َفرَتِ القصّةُ عن أصل كوف ّ
ع علينَا البابُ ،فقلْنا :من القارعُ المُنتابُ؟ فقالَ :و ْفدُ الليل وبريده ،وفَل الجوع جفْنُ الليل وطَرّ شا ِربُه قُر َ النهار ،واخضرّ جانبُهُ ،ولما اغتمض َ
جيْبِ المَرقوع ،وغريب أُوقِدت وطريده ،وأسير الضرّ ،والزمن المرّ ،وضيفٌ وطْؤُه خفيف ،وضالته رَغِيف ،وجا ٌر يَس َتعْدِي على الجوع ،وال َ
عيْشُه تبريح ،ومن دون أفراخه ت بعده العَرَصَات ،فنِضْوُه طَليح ،و َ النارُ على سفره ،ونبحَ العَوّاء في أثره ،و ُنبِذت خَلْفه الحُصياتُ ،و ُكنِسَ ْ
َمهَامِهُ فيح.
ف العودِ ،على أح َر من عرِض عَ ْر ُ ك نَوَالً ،فقال :ما ُ ث وبع ْث ُتهَا إليه ،وقلتُ ِز ْدنَا سؤالً ن ِزدْ َ ت من كيسي َقبْضَةَ اللي ِ قال عيسى بن هشام :فقبَضْ ُ
ت فحقّق ال أملَك، ف بين ال والناس ،وأما أَن َ نار الجُودِ ،ول لُقيَ َوفْد البِرّ ،بأَحسن من بريد الشكر ،ومن ملك الفَضْل فَلْيواس ،فل َيذْهبُ العُ ْر ُ
وجعَل اليدَ العُ ْليَا لك.
ت بك الخَصَاصَةُ ،وهذا الزيُ خاصة! فتبسّم قال عيسى بن هشام :ففتحْنا البابَ ،فإذا شيخُنا أبو الفتح السكندري ،فقلْنا :يا أبا الفتح ،شدّ ما بلَغ ْ
وأنشأ يقول :مجزوء الخفيف:
أنـا فـيه مـن الـطَـلـــبْ ل يَغـــ َزنَـــكَ الــــذي
أنا في بُ ْردَة تُشَقّ لها بُ ْردَةُ الطَ َربْ
تُ شِـقَـاقـًا مـن الـذهَــبْ خذْ
أنا لو شِئتُ لت َ
عذْراً ،وإن كان في الظاهر َمهَابة سيْف ،إنه في الباطن سحابةُ وكتب البديعُ إلى بعض إخوانه :غضبُ العاشقِ أقصرُ عمرًا من أن ينتظِرَ ُ
ن بينهما مساغاً ،ول وال ل أرِيكَ صفْحاً؛ أفجدَاً قصدَ أ ْم مَزْحاً ،ولو التبس القَ ْلبَان حق التباسهما ما وجد الشيطا ُ صيْف ،وقد رَابَني إعراضه َ َ
صدَ مَزحاً فما أغناها عن مَزْح يحل عُقَد الفؤاد حتى نقف شتَرى بحبّةٍ ،وإنْ كان ق َ جدَرُ محبة ،أل تُ ْ شكّا ل ْ جدُ من ُه بدّا ،وإن محبة تحتمل َ َردّا ،أ ِ
على المراد ،ول تسعنا إل العافية والسلم.
صدْر ،ل ينفذه بصر ،ول يُد ِركُه نَظَر ،ولكنها ُتعْرَف ضرورة ،وإن لم تظهر غيْب ،وهو في مكان من ال ّ وله إليه :المودة -أعزَك ال َ -
231
صُورَة ،ويدرِكها الناس ،وإن لم تدركها الحوَاس ،ويس َتمْلي المرءُ صحي َفتَها من صدره ،ويعلم حالَ غيرِه من نفسه ،ويعلم أنها حبّ وراء القلب،
وقلب وراء الخِلب ،وخِلْب وراءَ العَظم ،وعَظمٌ وراء اللحم ،ولحم ورَاءَ الجلد ،وجلد وراء البُرْد ،وبُرد وراء البعد .ولو كانت هذه الحجُبُ
ل عليها بغيرِ هذه الحاسة بدليل إل أن أزوره ،وال لو التبست به التباساً ،يجعل رأسينا رأساً ،ما زدته وداً ،ولو قوارير لم ينفذها نظر ،فيستَدِ ّ
حال بيني وبينه سُورُ العرافِ ،ورمْلُ الحقافِ ،ما نقصته حقاً.
وقال المير أبو الفضل الميكالي :الخفيف:
فجازَى بالصدّ والنتحـاب ل مَنَحتُه ظهرَ الـودّ وغَزَا ِ
ردني والِهَ الفؤاد ِلمَا بـي لم ألمهُ إن ردني لحجـابٍ
حجَابِ ح تَوَارٍ عن ال َورَى ب ِ ِ هو روح وليس ُي ْنكَر للـرّو
ن ِذكْرِي من قلبك، ن ُبعْدِي على ُقرْبك ،ول تمحوَ ّ جنِي ّ
وللبديع إلى أخيه :كتابي أطال ال بقاءَك ،ونحن وإن َب ُعدَتِ الدا ُر فَرعَا نَ ْبعَة ،فل يَ ْ
فالَخَوَان ،وإن كان أحدُهما بخراسان والخر بالحجاز ،مجتمعان على الحقيقةِ مفترقان على المجاز ،والثنان ،في المعنى واحد وفي اللفظ
اثنَانِ ،وما بيني وبينك إل ستر ،طولُ ُه فِترُ ،وإن صاحبني رَفيق ،اسمه توفيق ،لنلتقينّ سريعًا ولنسعدَنّ جميعاً ،والُّ وليُ المأمول.
ق يمثّلك، ب -أيّدك الّ -محلّك على تراخِيه ،وتَصاقَب مستقرّك على تَنَائيه ،لنّ الشو َ وكتب أبو الفضل بن العميد إلى بعض إخوانه :قد ق ُر َ
والذكر يخيّلك؛ فنحنُ في الظاهر على افتراق ،وفي الباطن على تلق ،وفي التسميةِ ُمتَباينون ،وفي المعنى متواصلُون ،وإن تفارقت الشباحُ،
لقد تعانقت الرواح.
جملة من كلم ابن المعتز
في الفصول القصار
ب يُسَارُ بهم وهم نِيام .والناسُ َو ْفدُ البِلَى ،وسكّان الثّرَى ،وَأقْران الرّدىَ .المر ُء نُصْبُ الحوادثِ الدهرُ سريعُ الوثبة ،شنيع ال َعثْرَة .أهلُ الدنيا ك َركْ ٍ
سرُ
ص َينْقُصُ المر َء من َقدْرِه ،ول يزيدُ في رِزْقه .الكذب والحسدُ والنفاق أَثافِيّ الذل .النّمام ج ْ حرْ ُ وأسيرُ الغترار .المالُ حَصَا ِئدُ الرجالِ .الْ ِ
الشرّ .الحاسدُ اسمُه صديق ومعناه عدو .الحاسدُ ساخِطٌ على القدَر ،مغتاظٌ على من ل ذنْبَ له ،بخيل بما ل يمِلكُه ،يشفيك منه أنه يغتمّ في وقت
سلّم الشرف ،والجُودُ صِوَانُ ت بَطيئةُ العَوْد .الصب ُر من ذي المصيبة مصيبةٌ على ذوِي الشّمات .التواضعُ ُ سرورِك .الفُرْصَة سريعةُ الفَ ْو ِ
عبْدُ الشهوة أَذلّ من عبد العرْضِ من الذمّ .الغَدر قاطع السرار إذا كثر خُزانها ازدادت ضياعاً .السوءُ كشجرة النار يَحْرِق بعضُها بعضاًَ .
ق يلحم .الوَعْدُ مرضُ المعروف ،والنجازُ برؤه ،والمَطْل تلفه .إذا حَضرَ الجل ،افتضح صمْت يختم ،والخرق بالرفْ ِ الرقّ .وعاء الخطأ بال ّ
المل .ل تشَنْ َوجْهَ العفوِ بالتقريع .ل تنكحْ خاطبَ سِرك .ومن زَاد َأ َدبُه على عقله كان كالراعي الضعيف مع شا ٍء كثيرة.
قال أبو العباس الناشئ لبي سهل بن نوبخت :الطويل:
ضُروبًا من الداب يجمعُها ال َكهْلُ زعمت أبا سهل بأنـك جـامـعٌ
تكونُ لذي عِلْمٍ وليس له عَـقْـلُ وهبكَ تقولُ الحقّ أي فـضـيلةً
والهمّ حبس الروح .قلوب العقلءِ حصونُ السرار .مَن ك ُرمَت عليه نفسه هان عليه ماله .من جرى في عنان أمله؛ عثر بأجَلِه .ما كل من
ن إنجازه .ربما أوردَ الطمع ولم يصدِر ،وضمن ولم يوفِ .وربما شرق شارب الماءِ قبل ريّه .من تجاوزَ الكفافَ لم يقنِعه ن وعدَه يحس ُيُحْسِ ُ
إكثار .كلّما عظُم قَدرُ ال ُمنَافَسِ فيه عظمت الفجيعةُ بفَ ْقدِه ،ومن أَ ْرحَلَهُ ا ْلحِرْص أنضَاه الطلب .الماني تعمي أعيُنَ البصائر ،والحظ يأتي من لم
يؤمه .وربما كان الطمع وعَاءً حَشوه المتالف ،وسائقًا يَدعُو إلى الندامة .ما أحْلَى تلقّي البغية ،وأمرّ عاقبة الفراق .من لم يتأمل الم َر بعَينِ
عقله ،لم تَقَعْ حيلتُه إل على مَقَاتِلِه.
من شعر أبي العباس الناشئ في التعزية
وقال أبو العباس يَرثي المعتضد :الطويل:
إماماً إمـام الْـخَـلـق بـين َيدَيْه قضَوا ما قضَوا من أَمرهم ثم قدّموا
صفوفٌ قيام لـلـسـلمِ عـلـيه وصلّوا عليه خاشعـين كـأنـهـم
وقال يَرثيه الكامل:
قَلِقاً ،وقد هدأَتْ عـيونُ الـنّـومِ قالت شريرة ما لجَفنِك سـاهـراً
صدْرِ ما لم َتعَْلمِي هذا ،وتحت ال َ ما قد رأيت من الزمانِ أحل بـي
فهو المليء بما كر ْهتِ فسلّمـي يا نفس ،صبراً للزمـانِ ورَيبِـه
هو ذاك في َقعْرِ الضريحِ المُظْلمِ إن الذي حاز الفضائلَ كـلّـهـا
لوله لم يَرْ َويْن من سَفْـكِ الـدّم ف فمن صنائع بَـأْسـهِ أما السيو ُ
فمتى يؤخّرهن ل تـسـتـقـدم حدَاثَ الـزمـانِ عـبـيدهُ وكأنّ َأ ْ
ومعوّل لل ُمعْوِلٍ الـمـتـظـلّـم سنَة المضيّع قَـلْـبَـهُ يَقْظَان من ِ
فإذا رآها أم َكنَـتْ لـم يُحْـجـمِ يَرْعَى الضغائن قبل ساع ِة فرصةٍ
ل تلـهّـف وتَـنَـدّمِشجَى بطو ِ تَ ْ ت فصارَتْ غصّةً كم فرصة تُ ِركَ ْ
ق متجـهّـمِ في بشْرِ وَجْ ٍه مطلَ ٍ سجُد بـعـدهـا ل يَ ْ ب َكيْدٍ ظ ّولر ّ
يرمين في نَفْس الجلّ العْظـم وهي المنايا إن رمين ب َنبْـلِـهـا
والخي ُل تعثر بال َقنَا المتـحـطّـم للّـ ِه دَرّك أي لـيث كـتــيبةٍ
حر ٌم ول السلم بالمستـسـلـم ولقد عمرت ول حريم مـعـانـد
وقال للمعتضد يعزّيه بابنهِ هارون :البسيط:
صدَقَ الناسِ في بُؤْسى وإنعـام وأَ ْ يا ناص َر الدينِ إذ ُهدّتْ قـواعِـدُهُ
ت بـإسْـرَاجٍ وإلـجـامِ مذلّـلَ ٍ ت مـآزرُهُ ل مـذ شُـدّ ْ وقائدَ الخي ِ
232
يهزّهَا الزّخرُ في كـرّ وإقـدا ِم كأنهن قناً ليسَـتْ لـهـا عُـقَـدٌ
تقرّبُ النا َر بين البيض والـهـامِ ي ثيابِ العَصْب مضمـرة قُبّ كط ّ
ن نُـوّامِ إذا حَلَ ال َغمْضُ في أجفا ِ س الملك يَرْعـاه ويكـلـؤُهُ وسائ َ
عدَا ُه قاطـ ٌر دامِـي
ونَصلُه مِنْ ِ َتمْرِي أنَامِلُه الدنيا لصـاحـبـهـا
تَلْقى ال َرّدَى دونَه ،والفُوقُ للرامِي س ْهمِ يبعثهُ الرّامِي فصفحـتـهُ كال ّ
حدّ صمـصـامِ ص ْعدَةٍ أو َ
إل إلى َ طبٌ أل ّم بـهِ شتَكي الدّهرَ إنْ خَ ْل يَ ْ
وإن طُوِينَا على حُزْنٍ وتـهـيام صبرًا ف َد ْينَاك إنّ الصبرَ عادَتُـنَـا
إنَ الجزوعَ صبُـو ٌر بـعـد أيامِ صبْر محتَسِبـاً فبادِر الجْ َر نحو ال ّ
ولما ماتت دُريدة ،وهي جارِي ٌة المعتضد ،وكانت َمكِينة عنده ،جزع عليها جزعًا شديداً ،فقال له عبيد ال بن سليمان :مثلُك يا أمي َر المؤمنين
َتهُون عليه المصائبُ؛ لنّك تج ُد من كل فقيدٍ خَلَفاً ،وتنالُ جميعَ ما تريد من العِوَض ،والعِوَض ل يوجَد منك ،فل ا ْبتَلى ال السلم بف ْقدِك،
عنَى أمير المؤمنين بقوله :البسيط: عمْرك ،وكأنّ الشاعر َ وعمره بطولِ بقاء ُ
ظ أكبادًا من البـلِ غلَ ُ
لنَحْنُ أ ْ حدٍ ُيبْكَى علينا ول َن ْبكِي على َأ َ
فضحك المعتضد وتسلّى وعاد إلى عادته.
قال محمد بن داود الجراح :فلقيني عبيدُ ال فأخبرني بذلك ،وقال :أردت شعراً في معنى البيت الذي أنشدته فما وجدته؛ فقلت له :قد قال البطين
البجلي :الطويل:
بهـم كُـنـت أعْـطِـي مَـنْ أشـاء وأمـنـعُ طوى الـمـوتُ مـا بـينـي وبــين أَحـــبّةٍ
ت نَــجْـــ َزعُ تَلِـينُ ،ول أنـا مـن الـمـو ِ فل يحـسـب الـوَاشُـون أن قَـنـاتَـــنـــا
للّف ل بدّ لَوْعَةًإذا جعلت أقرانها تتطلَعُ ولكنّ ل ُ
ت عنه. فكتبه ،وقال :لو حفظته لما عدل ُ
رجع إلى ابن المعتز
وقال ابن المعتز ،وذكر الموتى :الطويل:
ب بعضٍ في المحلة من َبعْضِ على قُرْ ِ وسُـكّـانِ دا ٍر ل تَـزَاوُرَ بـينـهــم
233
صدِ وال َفضْلفكان لكَ الفَضلنِ في القَ ْ ولكن رأَيت ال َفضْلَ في القَصْد شِـ ْركَة
كمَنْ جاءه فـي دَارِه را ِئدُ الـ َوبْـل ولـيسَ الـذي يتّـبّـع الـ َوبْـلَ رائداً
عود إلى ابن المعتز
ن المعتز يمدحُ أبا أحمد بن المتوكل ،ويلقّب بالناصر والموفّق ،وكانت حالُه ترامَت في أيام المعتضد إلى غاية لم يبلغها الخليفة ،وقد وكان اب ُ
ذكرها الصولي في قصيدة لصاحب المغرب ،فقال وقد اقتصّ خلفاء بني العباس من أوّلهم :الطويل:
يُ َر ّددُ من إرث الخلفةِ مـا ذَهـبْ ن بـعـده ومـوفـق ومعتضـد مِـ ْ
سبْوإنْ لم يكن في العدّ منهم ِلمَن حَ َ مُوَازٍ لهم في كل فَـضْـل وسـؤدد
وقال المعتضد ،أو قِيلَ على لسانه ،لما غلب الموفّق على أمره :الوافر:
ن ممتنعاً علـيهِ
يرى ما هَا َ أليس من العجائبِ أنّ مثلي
وما مِنْ ذاك شيء في يديهِ سمِه الدنيا جميعـاً وتؤخذ با ْ
وشعر ابن المعتز فيه :الطويل:
صبْحِ طَ ْرفٌ بالظل ِم كَـحـيلُ
ولل ُ إليك امتطينا العِيسَ تنفخ في البُرى
سيوفٌ جَلها الصّقْل فهي تحُولُ صدِينَ من ال ّتهْجِير حتى كأنـهـا َ
ص دائ ٌم و َذمِـــي ُ
ل ق ونَـ ّ
عنِـي ٌ
َ فب ْتنَا ضيوفاً للـفَـلَ ِة قِـرَاهُـمُ
نسي ٌم كنَ ْفثِ الراقـياتِ عَـلِـيلُ ق متونِهـا ب فَوْ َ
يهرّ بُرُودَ ال َعصْ ِ
ضبَ وهو فَـلِـيلُ بعَزْ ٍم يردّ العَ ْ ي رمـيتَـهُ ولمّا طغى َأمْ ُر الدّع ّ
ف كـاد يَسـيلُ ضتْه الك ّ إذا ما انت َ وجرّد من أغماده كل مُـرْهَـف
تنفس فيه ال َقيْنُ وهـو صـقـيلُ جرَى فوق َم ْتنَيه الفر ْندُ كأنـمـا
ي مُحُولُ وكيف تُروّى البيضُ وَهْ َ وأعلمته كيف التصافُح بالـقَـنَـا
جهُه فـجـمـيل فماضٍ ،وأمّا َو ْ سريعٌ إلى العداء ،أَما جنـابُـه
ف حين يَنـيلُ ويستصغرُ المعرو َ ويقْري السؤال ال ُعذْر من بَعد ماله
أخذ معنى قوله :نسيم كنفث الراقيات عليل عبدُ الكريم بنُ إبراهيم ،فقال :المتقارب:
إلى القَصرِ وال ّنهَرِ الخِض ِرمِ سلمّ على طِيب رَوْحاتـنـا
ب يقذِفُ با ْلبَانِ والسـاسَـم إلى مُزبِدِ المَوْج طامِي العبَا
يكرّ على قَـطَـ ٍم مُـقْـرمِ ل به قَطَمـًا مُـقـرَمـاً تخا ُ
ن تَسـهّـم بـالنـجُـم َيمَا ٍ ويَسجو فيسحـب فـي ذائل
سقَم وهي َل ْم تَـسْـقَـمِبها َ كأنّ الشمال علـى وَجـهِـه
على كبد ال ُمدْنف المُـغْـرَمِ ش كنَفْثِ الرّقـى ضعيفة َر ّ
حبَك الزّ َردِ المحْكـمِ ه في َ إذا دَرجَتْ فـوقـه دَرَجَـت
فروعٌ غَذتْها نِطَافُ الـسّـمِ وقد جللـتـهُ بـأَوراقِـهـا
كما سجَعَ الن ْوحُ في مَـأتـمِ علَتها الحمامُ بـتـغـريدهـا
على السوسن الغضّ والخُرّمِ كأن شعاعَ الضحَى بينـهـا
على خسـروَانـيّة نُـعّـم وشائع مـن ذَهَـب سـائل
عَزَالي الربيع لهَا المرْهِـمِ رُبًا تتفقـأ مـن فـوقـهـا
سدّى على جَدوَلٍ مفـعَـم تَ على كل مـحـبـية خـلة
وكالرقم انْسَابَ لـلَرقـم كما فتل ال َوقْفَ صَـوّاغُـه
ي يريد صاحب الزنج بالبصرة ،وكانت شوكته قد اشتدت وظُفر به بعد مواقعة كثيرة ،وفي ذلك يقول ابنُ وقول ابن المعتز :ولما طغا أمرُ الدع ّ
الرومي في قصيدة طويلة جدًا يمدح فيها أبا أحمد الموفق بن المتوكل ،وصاعد بن خالد ،والعلء بن صاعد ابنه ،وهي من أجود شعره ،فقال:
الطويل:
بلءً سيرضا ُه ابنُ عمك أحمَـدُ ت أمّة أحـمـدٍ أبا أَحمدٍَ ،أبْـلَـيْ َ
قُواه ،وأَودى زادُه الـمـتـز َودُ حصرت عميدَ الزنج حتى تخاذَلتْ
وظلّ ،ولم تأسِرْه ،وه َو مـقَـيدُ فظلّ ،ولم تقتلْه ،بلفظ نـفـسـهُ
تحيّفهَا شَحْذًا كـأنـكَ مِـبـ َردُ ت نواحِيه كثَافاً فـلـم تَـزَلْ وكانَ ْ
ويزدادهم جندًا وجندك محصَـدُ تفرّق عنه بالـمـكـايد جُـنْـدُهُ
أَض ّر له من كـاسـديه وأكْـ َيدُ ن بعد استلبِـه سيْفِ القرْ ِ ولبِسُ َ
مكان قناةِ الظهر أسمرُ أَجـ َردُ فما ُرمْته حتى استقلّ بـرَ ْأسِـه
هذا مأخوذ من قول مسلم بن الوليد البسيط:
لدْنا يقوم مقامَ اللّيتِ والجـيدِ ت قُّلتَهُ ق قد ركبْ ُ ورأس مهْرا َ
الطويل:
234
ح مم ّردُ رأى أن مَتنَ البحرِ صَرْ ٌ ولم تأل إنـذاراً لـه غـيرَ أنـ ُه
ب يلبـدُ
عَماسٍ ،كذاك الليث لل َوثْ ِ س َكنْتَ سكوناً كان رَهْناً بـ َوثْـبةٍ
هذا مأخوذ من قول النابغة :البسيط:
على براثنِهِ ،لِ َو ْثبَةِ الضارِي ث مُنقبضٌ وقلت يا قومُ إنّ اللّي َ
ويقول في مدح صاعد :الطويل:
ف إل أنـه ل يحـ ّددُ
ويوصَـ ُ ل دونـهُ ن مـا قـي َ يقرّظُ إل أ ّ
جدُ
شبَاهُ وَأنْ َ
طِباعاً ،وَأمْضَى من َ حسَامِه أرق من الماء الذي في ُ
كما اكتنّ في ال ِغ ْمدِ الجُرَا ُز المهنّـد له سَ ْورَة مُـكْـتَـنةٌ فـي سَـكـينةٍ
صعَدُ
رأى كيف يَ ْرقَى في المعالي و َي ْ كأن أباه حـين سـمَـاه صـاعـداً
لما سمع البحتري هذا البيت قال :مني أخذه ،في قوله في العلء بن صاعد :الكامل:
قصدوا بذلك أنْ يتمّ عُلَهُ سماه أسرته العَلَء وإنما
وهذا في قوله ،كما قال ابن المرزبان وقد أنشد لبن المعتز في مناقضة الطالبيين :المتقارب:
ول تدخلوا بين َأنْيَابـهـا سدَ تسكنُ في غابهَا دَعُوا ال ْ
ن بـهـدّابـهـا فَِل ْم تجذِبُو َ فنحن ور ْثنَا ثيابَ النـبـي
قال :قد أخذه من أقول ،بعض العباسيين :المتقارب:
شبَالَهـا
ول تقربوها وَأ ْ سدَ تسكن أَغيالها دَعُوا ال ْ
ولكنه سرق سَاجاً ،وردّ عاجاً ،وغلّ قطيفة ،وردّ دِيباجاً.
ومن قصيدة ابن الرومي :الطويل:
وآثارُه فيها ،وإنْ غابَ ،شُـهّـدُ حرْبِ العَوَانِ بمنـزل تراه على ال َ
على الخلق طُرّاً ليس عنه ُمعَ ّردُ كما احتجب المقدارُ والحكم حكمهُ
عدُ
حلّها= ُمتَقارِبٌ ،ومرامها مُتَبا ِ البحتري :الكامل? :وَليَ المورَ بنفسه ،ومَ َ
أَقصى ،ويَتبَعهُ الَبيّ العانِـدُ َيتَكَ َفلُ الدنَى ،ويدْ ِركُ رأيَهُ ال
ب فَه َو مِنَ المهابة شاهدُ أوْ غا َ إنْ غا َر فَهوَ مِنَ النباهة منجِـدٌ
ن آمن،وقال أعرابي يصف رجلً :كان إذا ولى لم يطابق بين جفونه؟ ويرسل العيونَ على عيوق؛ فهوغائبٌ عنهم ،شاهد معهم ،والمحسِ ُ
والمسيء خائف :الطويل:
سدُ جّ ومسكن ذاك الرّوحِ نو ٌر مُ َ فتى رُوحه روحٌ بسيطٌ كـيانـه
ل مصعّـد إذا ما استش ّفتْه العقو ُ ى فكـأنـهُ صفَا ونَفَى عنه القذ َ َ
إذا َرجَزُوا فيكمْ أَثبتُم فقصـدوا كرمتمْ فجاش المفحمون بمدحِكمْ
مَنالَ الثريّا وهو أكمَ ُه مُقْـعَـد أَرى مَنْ تعاطى ما بلغتم كـرائمٍ
جمُ الطي ِر فيها يغ ّردُ حتْ وعُ ْ فأضْ َ عدْنٍ وأَثمرَتْ كما أزهرتْ جناتُ َ
وفي هذه القصيدة يقول:
يكون بكاءُ الطفلِ ساع َة يُولـدُ ِلمَا تُ ْؤذِنُ الدنيا به من صروفها
ح ممّا كان فـيه وَأرْغَـدُ لفسَ ُ ل فما يُبكِيه منهـا وإنـهـا وإ ّ
ف يَلْقَى من رداها ُيهَ ّددُ بما سو َ إذا أبصر الدنيا استهل كـأنـهُ
قال الصولي :افتتح ابنُ الرومي هذه القصيدة على ما ل يلزمه من فتح ما قبل حَ ْرفِ الروي اقتداراً ،فحمله ذلك على أن قال :الطويل:
ص ْن ِددُ
تقوّض َثهْلنٌ عليه و ِ متاحٌ له مقداره فكأنـمـا
ثهلن :اسم جبل ،وهذا ل يصحّ ،إنما هو صندِد بكسر الدال؛ لن فعلَل لم يجئ إلّ في أربعة أحرف :درهم ،و ِهجْرَع للحمق ،و ِهبْلَع للذي يبلعُ
كثيراً ،وقلعم للذي يقلع الشياء.
وقول ابن المعتز في وصف السيف :كأنما تنفّس فيه القيْنُ وهو صَقيل( معنى بديع في وصف الفرند ،وقد قال :الطويل:
فما يُنتضَى إلّ لسَ ْفكِ دمـاءِ ولي صار ٌم فيه المنايا كوامنٌ
ق دون سـمـاءِ غيْمٍ ر ّ بقيّه َ ترى فوق َم ْت َنيْهِ الفِ ِر ْن َد كأنهُ
وقال أيضاً إسحاق بن خلف :مجزوء الكامل:
أمضى من الجل المتاحْ ألقى بجانـب خـصـره
ء عليه أَنفاسُ الـرياحْ وكأنـمـا ذَرّ الـهـبـا
ف عمرو بن معد يكرب الذي يسمّى الصمصامة إلى الهادي - ،وكان عمرو وهبه لسعيد بن العاص ،فتوارثَه ولدُه إلى أن مات ولما صار سي ُ
المهدي ،فاشتراه موسى الهادي منهم بمال جليل ،وكان أوس َع بني العباس كفّا ،وأكثرهم عطاء -ودعا بالشعراء ،وبين يديه ِمكْتَل فيه بدْرَة،
فقال :قولوا في هذا السيف ،فبدر ابن يامين البصري فقال :الخفيف:
ن جميع النام موسى المـينُ ي من بي حاز صمصامةَ الز َب ْيدِ ّ
ت عليه الجفونُ غ ِمدَ ْ
خيرَ ما أ ْ عمْرو وكان فيما س ِمعْنا سيف َ
س فيه المنـون ف يَمي ُ من ذُعَا ٍ أخضر اللون بين خـديه بـردٌ
235
ت فيه الذعـافَ الـقـيونُ ثم شابَ ْ ق نـاراً أوقدت فوقَه الصـواعِـ ُ
س ضياءً فلم تكد تـسـتـبِـينُ فإذا ما سللـتـهُ بـهـر الـشـم
ت بـهِ أو يَمـينُ؟ أشِمالٌ سَطَـ ْ ن ا ْنتَـضَـاهُ لـحـرب ما ُيبَالي مَ ِ
عَل ما تستقـرّ فـيه الـعـيونُ يستطِي ُر البصارَ كالقَبسِ المـش
ري على صفحتيْه ما ٌء مـعِـين وكأن الف ِرنْد والجوهـر والـجـا
قال موسى :أصبت ما في ن
ُ الـقـري َ
م ْـ
ع ن
ِ و به َىص ْ
ع ي
َ جاء الهب ِنعْ َم مخراق ذي الحفيظة في
نفسي ،واستخفّه الفرح ،فأمر له بال ِم ْكتَل والسيف؛ فلمّا خرج قال للشعراء :إنما حُرمتم من أجلي ،فشأنكم المكتل ،وفي السيف غناي فقام
موسى فاشترى منه السيف بمالٍ جليل.
البحتري :الكامل:
جدْوَى يديك بمُنْصُـل لخِيك من َ جدْتَ بالطّرْفِ الجوا ِد َفثَـنّـهِ قد ُ
عفْواً ،ويَ ْفتَحُ في الفضاء المُقفَل َ يتناولُ الرّوحَ البعـيدَ مـنـالُـهُ
س مَجْـهَـلِ وهدايةٍ في كل نف ٍ ف مُـظْـلِـمٍ حتْـ ٍبإنارة في كلّ َ
ع ليس ب َمعْقِـلِ حدّه ،والدّ ْر ُ مِنْ َ جنّةٍ َيغْشَى الوغى فالتّرسُ ليس ب ُ
صقَـلِ صقُولٌ وإن لم يُ ْ بَطَلٍ ،ومَ ْ ماضٍ وإن لم تُمْضِ ِه َيدُ فـارسٍ
لم يلتفِتْ ،وإذا قضَى لم َيعْـدِل حكْم الرّدى فإذا َمضَى مُصْغٍ إلى ُ
ما أدر َكتْ ولو أنّها فـي يَ ْذبُـل متوقّـد َيفْـرِي بـأوّل ضَـ ْربَةٍ
حفان يَعْصي بالسمَاكِ العْـزلِ فكأنّ فارسه إذا استعصى به الزّ
ب فما له من مَقْـتَـلٍ وإذا أُصي َ ب فكلّ شيء مَـقْـتَـلٌ فإذا أصا َ
وقال أبو القاسم بن هاني ع ْهدِ عادٍ غَضّةً لم تَـذْبُـلِ من َ حمَلَتْ حمائِلُهُ القـديمةُ بَـقْـلَةً َ
للمعز :الكامل:
س عليك ِمنْ ُه مَسـيل تَسِلِ النفو ُ عجَبًا ل ُمنْصُِلكَ المُقَّلدِ كـيفَ لـم َ
إل تَشحّطَ في الدمـا َء قـتـيل لم يَخْلُ جبّار الملـوكِ بـذكـرِهِ
للـنّـيّراتِ وَنـيّرًا مَـعْـلـول فإذا رأينـاهُ رأينـــا عِـــلةً
ُمتَنكّبًا ومَـضـاؤُه مَـسْـلُـول سنُ ُه ُمتَـقَـلّـداً وبَـهـاؤهُ
بك حُ ْ
طرْفُ الزمان كحـيل َي ْغدُو بها َ ضبْتَ عََلتْهُ دونـك ُربْـدةٌ غ ِ فإذا َ
شمس الظهيرة عَارِضًا مصقول وإذا طربت إلى الرّضا أهدَى إلى
وقال :الكامل: ت فيه التـاجَ والكـلِـيل َفعَ َر ْف ُ َكتَبَ الف ِر ْندُ عليه بعضَ صفا ِتكُـمْ
ع أمُـونُ؟ مَرحٌ وجائلةُ النّسـو ِ هل ُي ْدنِينّي من فـنـائِك سَـابـحٌ
ت كـمـينُ درّ له خَلْفَ الفـرا ِ و ُم َه َندٍ فـيه الـفـ ِرنْـدُ كـأنـهُ
وأهدَى الكندي إلى بعض س مَـسـكـون لكنه من َأنْـفُـ ٍ ب مُقْفِرًا من أعين عضْب المضار ِ َ
ك تهتز للمكارم اهتزاز الصارم ،وتمضِي في المورِ ك بمنافع كمنافع ما أهديتَ ،وجعل َ صَ إخوانِه سيفاً ،فكتب إليه :الحمدُ لّ الذي خ ّ
ف بالغماد ،ويطْرد ماء الحياء في صفحات خدك المشوف ،كما يشفّ حدّه المأثور ،وتصونُ عرضك بالرفاد ،كما تُصَانُ السيو ُ مضاء َ
ل مُتونُ المشرفيّات. الرونقُ في صفائح السيوف ،وتصقلُ شرَفك بالعطياتِ ،كما تصق ُ
من أخبار أبي جعفر المنصور
ث بن عبد الرحمن الغفاري ،فتكلم جماع ٌة منهم ،ثم قدم على أبي جعفر المنصور َو ْفدٌ من الشام بعد انهزام عبد ال بن علي ،وفيهم الحار ُ
سنَا و ْفدَ مباهاة ،ولكنا وف ُد توبة استخفًت حليمَنا؛ فنحن بما قدمنا معترِفون ،وبما سلَف منا قام الحارث فقال :يا أمي َر المؤمنين ،إنا َل ْ
ن تعاقبنا ف ِبمَا أج َرمْنا ،وإن َتعْفُ عنا فطالما أحسنْتَ إلى من أساء ،فقال المنصور :أنتَ خطيب القوم ،وردّ عليه ضياعه مُعتذِرون ،فإ ْ
بالغُوطة.
شفَى غيظَه وانتصف ،ومن عفا تفضل ،ومن أخذ حقّه لم يَجِبْ شكره ولم ل من أهل الشام للمنصور :يا أمير المؤمنين ،من انتقم فقد َ وقاد رج ٌ
حسْنِ الصفْحِ
جزَع ،ولم يمدح أهلَ التقى والنهى من كان حليمًا بشدّة العقاب ،ولكن ب ُ طرَفٌ من ال َ ظمُ الغيظِ حلم ،والتشفي َ يذكر فَضْله ،وكَ ْ
ن من مكافأتهم ،ولن يُ ْثنَى عليك باتّسَاع ع لعداوةِ أوليا ِء الم ْذنِب ،والعافي مسترعٍ لشكرهم آمِ ٌ والغتفارِ وشد ِة التغافل ،وبعدُ ،فالمعاقِب مستد ٍ
عثْرَتك من ر ّب ِهمْ ،وموصول بعفوه ،وعقابُك إياهم موصولٌ ت عبا ِد ال موجبٌ لقالةِ َ الصدْرِ خي ٌر من أن توصَف بضِيقِه ،على أنّ إقالتك عثرا ِ
عرِضْ عن الجاهِلِينَ". خذِ ال َعفْوَ و ْأمُ ْر بالعُرْف وأَ ْ
بعقابه ،قال ال عزّ وجلُّ " :
العفو عند المقدرة
وقال بعض الكتاب لرئيس ِه وقد عتب عليه" :إذا كنتَ لم تَ ْرضَ مني بالساءةِ فلم رضيت من نفسك بالمكافأة"؟.
غفِ َر له مثلُ زَلّتي ،قال :ص َدقْتَ
س ثَوْبَ حرمتيُ ، ل دالّتي ،ولَب َ
وأذنب رجل من بني هاشم فقبضه المأمون ،فقال :يا أمي َر المؤمنين ،مَنْ حمل مث َ
وعفا عنه.
236
ضعُني عندك خمولُ ال ّنبْوة ،وزوال الثروة؛ فإ ّ
ن ض الكتّاب على أمي ٍر بعد نكبة ناَلتْه فرأى من المير بعضَ ال ْزدِرَاء ،فقال له :ل يَ َ ولمّا دخل بع ُ
صفْ نفسي عجباً ،لكن شُكراً .وقال،صلى ال عليه السيفَ العتيق إذا مسّ ُه كثيرُ الصدَإ أستغنى بقليل الجلءِ حتى يعودَ حدّه ،ويظهر فِ ِر ْندُهُ؛ ولم أَ ِ
وسلم" :أنا أشرفُ وَلد اَدم ول فخر" ،فجهر بالشكر ،وترك الستِطَالة بالكبْرِ.
من أخبار المعتصم
وكان تميم بن جميل السدوسي قد أقام ،بشاطئ الفرات ،واجتمع إليه كثي ٌر من العراب ،فعظُم أمرُه ،و َبعُد ذكره؛ فكتب المعتصمُ إلى مالك بن
طَوْق في النهوض إليه ،فتبدّد جمعُه ،وظفر به فحمَل ُه مُوثَقاً إلى باب المعتصم ،فقال أحمد بن أبي داود :ما رأيتُ رجلً عاين الموت ،فما هالَه
ب عليه أن يفعلَه إل تميم بن جميل؛ فإنه لمّا مَثلَ بين يدي المعتصم وأحضر السيفَ والنطَعَ ،ووقف بينهما ،تأمّله ج ُول شغله عما كان ي ِ
المعتصم -وكان جميلً وَسيماً -فأَحبّ أن يعلمَ أين لسانُه من منظره ،فقال :تكلّم يا تميم ،فقال :إذا إذ أذِنتَ يا أمير المؤمنين ،فأنا أقولُ :الحمدُ لِّ
ص ْدعَ الدّين،ل نَسْلَ ُه مِنْ سُلل ٍة من ماء َمهِينٍ" أيا أمير المؤمنين :جبر ال ،بك َ جعَ َ
ن من طينٍ ،ثُمّ َ ق النسا ِ خلَقَهُ َوبَدأَ خَلْ َ
"الذي َأحْسَنَ كلّ شيءٍ َ
شهَابَ الباطل؛ إن الذنوبَ تخرس اللسُن الفصيحة ،و ُت ْعيِي الفئدَة الصحيحة ،ولقد سبُل الحقّ ،وأخمدَ بِك ِ ح بك ُ شعَثَ المسلمين ،وأوض َ ولمّ بك َ
ي أشبههما بك، ظمَتِ الجريرة ،وانقطعَت الحجّة وساءَ الظنّ ،فلم يبق إل عفوُك وانتقامُك ،وأَرجو أَن يكونَ أقربهما مني وأسرعهما إل ّ عُ
وأولهما بكرمك ،ثم قال :الطويل:
يُلحظني من حيثـمـا أتـلـفّـتُ أرى الموتَ بين السيفِ وَالنطْع كامناً
ي امرئ ممّا قضَى ال يفـلـت وأَ ّ وأكبَرُ ظني أنكَ الـيومَ قـاتِـلـي
ف المنايا بين عينيه مُصْـلَـتُ وسي ُ وأي امرئ يأتـي بـعُـذْرٍ وحُـجّة
لعلمُ أنّ الموتَ شـي ٌء مـوقّـتُ وما جزَعِي مِنْ أن أموتَ وإنـنـي
حسْـر ٍة تـتـفـتّـتُوأكبادُهم من َ ولكنّ خَلْفي صبْي ًة قد تـركـتـهـم
ت مَ ّوتُـوا
أذُودُ ال ّردَى عنهم وإن م ّ فإنْ عشتُ عاشوا سالمين بغِـبـطةٍ
وآخـر جَـذْلنٌ يسـرّ ويشـمـتُ ل ل يبـعـد الـلـه دارَهُ وكم قـائ ِ
ك قيودِه ،وخلع عليه ،وعقد له على شاطئ الفُرات. صبْوَة ،ثم أمر بف ّ فتبسّم المعتصم وقال :يا جميل ،قد وهبتُك للصّبية ،وغفرت لك ال ّ
وكتب المعتصمُ -حين صارت إليه الخلفةُ -إلى عبد ال بن طاهر :عافانا ال وإياك ،قد كانت في قلبي منك َهنَاتٌ غفرها القتِدار ،وبقيَتْ
سبُك معرفةً بما أنا ُمنْطَوٍ لكَ عليه إطْلَعِي إياك ف منها عليك عند نظري إليك؛ فإن أتاك أ ْلفُ كتابٍ أستقدمك فيهِ فل تقْدم ،وحَ ْ حزازات أَخا ُ
على ما في ضميري منك ،والسلم.
ت أكْ َرهَ الناسِ لجلوسي فيه ،فقلت :يا أميرَ المؤمنين، س كن َقال العباس بن المأمون :ولما أَفضَتِ الخلفةُ إلى المعتصم دخلتُ ،فقال :هذا مجل ٌ
أنتَ تعفُو عما تيقنته ،فكيف تعاقب على ما توهّمته؟ فقال :لو أردت عقابَك لتركت عتابك.
شهْماً ،شجاعاً ،عاقلً ،مفوّهاً ،ولم يكن في خلفاء ،بني العباس أميّ غيره ،وقيل :بل كان يكتبُ خطّا ضعيفاً ،وكان سبب ذلك أنه وكان المعتصم َ
رأى جنازة لبعضِ الخدَم ،فقال :ليتني مثله لتخلّص من ال ُكتّاب فقال الرشيد :وال ل عذبتك بشيء تختارُ عليه الموتَ.
حكَى من غير رِواية صحيحة ،إل أن جملته أنه كان ضعيفَ البَصر بالعربية. قال أبو القاسم الزجاجي :وهذا شيء يُ ْ
وقرأ أحمد بن عمار المذري -وكان يتقلد العَرْضَ عليه في الحضرة -كتابًا فيه :ومطرنا مطرًا كثُر عنه الكَل" فقال له المعتصم :ما الكَل؟
فقال :ل أدري .فقال :إنا ل وإنّا إليه راجعون! خليفة أمي وكاتبٌ أُمي! ثم قال :مَن يقرب منا من كتاب الدار؟ فعرف مكان محمد بن عبد الملك
الزيات ،وكان يتوَلَى َقهْ َرمَةَ الدار ،ويُشْ ِرفُ على المطبخ ،فأحضره ،فقال :ما الكَل؟ فقال :النبات كله رطبُه ويابسه؛ فالرطب منه خاصة يقال
ن ذلك ت من لى ابتدائه إلى اكتماله إلى َهيْجِه ،فاستحس َ ت النبا ِ له خلً ،ومنه سمّيت المخلَة ،واليابس يقال له حشيش؛ ثم اندفع في صفا ِ
المعتصم ،وولّه العَرْض من ذلك اليوم ،فلم يزَلْ وزيراً مدة خلفتهِ وخلفةِ الواثق ،حتى نكبه المتوكل بحقودٍ حَ َقدَها عليه أيام أخيه الواثق؟.
وقال الرياشي :كتب ملك الروم إلى المعتصم كتابًا يتهدّده فيه ،فأمر بجوابه ،فلما قُرئ عليه لم يَرْضَ ما فيه ،وقال لبعض الكتاب :اكْتب :أمّا
ع ْقبَى الدار.بعدُ ،فقد قرأت كتابك ،وفهمت خطابَك ،والجوابُ ما ترى ،ل ما تسمع ،وسيعلمُ الكاف ُر لمن ُ
وهذا نظيرُ قول قَطَري للحجاج ،وقد كتب إليه كتابًا يتهدّده ،فأجابه قطري :أما بعد ،فالحمدُ لِ الذي لو شاء لجمع شخصَينَا؛ فعلمت أن مُثاقَفة
الرجال أَقوم من تَسْطير المقَال ،والسلم.
بين المهلب والحجاج
ولما افتتح المهلبُ خراسان ،و َنفَى الخوارج عنها ،وتفرّقت الزارقة ،كتب الحجاجُ إليه أن اكتب لي بخبر الوقيعة ،واشرح لي القصةَ حتى
ب كعب بن معدان الشعريّ ،فأنشده قصيدة فيها ستون بيتاً تقتصّ خبرهم ل يخرم منه شيئاً؛ فقال له الحجاج: كأني شا ِهدُها ،فبعث إليه المهل ُ
أخطِيب أم شاعر؟ قال له :كلهما ،أَعزّ ال المير! قال :أخبرني عن بني المهلب ،فقال له :المغيرةُ سيدهم ،وكفاك بيزيد فارساً ،وما لقي
ج ِه ْز قبيصة، ستَ ْ
جدَةِ ،وا ْ
ت ذُعَاف وسم ناقع ،وحسبك بالمفضّل في النّ ْ البطال مثل حبيب ،وما يستحي شجاع أن يف ّر من ُمدْرِك ،وعبد الملك مو ٌ
ومحمد ليث غاب ،فقال الحجاج :ما أراك فضلت عليهم واحدًا منهم؛ فأخبِرْني عن جملتهم ومن أفضلهم؟ فقال :هم -أَعزّ ال الميرَ! -كالحَلْقة
المفرَغَة ل ُيدْرَى أين طرفها ،قال :إنّ خبرَ حَ ْربِكم كان يبلغني عظيماً ،أفكذلك كان؟ قال :نعم أيها المير ،والسماع دون العِيان .قال :أخبرني
كيف رِضَا المهلّبِ عن جنده و ِرضَا جنده عنه؟ قال :أعزَ ال المير ،له عليهم شفقة الوالد ،ولهم به برّ الولد .قال :أخبرني كيف فاتكم قَطَري؟
قالِ :كدْنَاه في منزله فتحوّل عنه ،وتوهّم أنه كادنا بذلك ،قال :فهل اتبعتموه؟ قال :الكلب إذا أُجحر عَ َقرَ ،قال :المهلبُ كان أَعلمَ بك حيث
أَرسلك.
سمُك. ب لمَا فرغ من َقتْل عبد ربه الْحَروري دعا بشرَ بن مالك فأنْفذه بالبشارة إلى الحجاج ،فلمّا دخل إلى الحجاج قال :ما ا ْ وقد رُوِي أنّ المهل َ
قال :بِشر بن مالك ،فقال الحجّاج :بشارة وملك! وكيف خلفتَ المهلب؟ قال :خلفته وقد أَمن ما خاف ،وأَدرك ما طَلبَ؛ قال :كيف كانت حالُكم
مع عدوكم؟ قال :كانت البداءة لهم ،والعا ِقبَةُ لنا ،قال الحجاج :العاقبة للمتقين ،ثم قال :فما حالُ الجند؟ قال :وسعَهم الحق ،وأغناهم النَفَل ،وإنهم
لمع رجل يسوسهم سياسة الملوك ،ويقاتِلُ بهم قتالَ الصعلوك ،فلهم منْه برّ الوالد ،وله منهم طاعة الولد ،قال :فما حال ولد المهلب؟ قال :رعاةُ
ال َبيَاتِ حتى يؤمنوه ،وحُماةُ الس ْرحِ حتى يردوه ،قال :فأيهم أفضل؟ قال :ذلك إلى أبيهم ،قال :وأَنت أيضاً ،فإني أرى لك لسانًا وعبارة ،قال :هم
كالحلْقة المفرغة ل يُدْرى أين طرفها ،قال :ويحك أكنت أعددت لهذا المقا ِم هذا المقال؟ قال :ل يعلم الغيبَ إل الُ.
بين أبي الصقر وصاعد بن مخلد
237
ودخل أبو الصقر َقبْلَ وزارته على صاعِد بن مخلد ،وهم الوَزير حينئذ ،وفي المجلس أبو العباس بن ثَوَابةَ ،فسأل الوزيرُ عن رجل ،فقال:
أنفي؟ يريد نفي؟ فقال ابن ثوابة :في الخَ ْرءِ ،فتضاحك به أهل المجلس ،فقام أبو الصقر مُغضَباً.
بين أبي العيناء وابن ثوابة
حيَا ،فقال ابنُ ثوابة :أما تعرفني؟ فقال: ن ثوابة ل ُمعَاداتِه لبي صقر؛ فاجتمعا في مجلس صاعد في غ ِد ذلك اليوم ،فتل َ وكان أبو العيناء ُيعَادِي اب َ
جدْ لك عزّا فبذلّه ،ول بلى أعرفك ضيق الطعن ،كثيرَ ال َوسَن ،خارّا على الذقَن ،وقد بلغني تعدّيك على أبي الصقر ،وإنما حَلم عنك؛ لنه لم يَ ِ
ب إنسانانِ إل غلب َألَمهما ،فقال أبو العيناءِ: ن ثوابة :ما تسا ّعُلوّا فيضَعه ،ول مَجْداً فيهدمه؛ فعافَ لحمَك أن يأكلَه ،ودمَك أن يسفكَه ،فقال اب ُ
فلهذا غلبتَ بالمس أبا الصقر!.
مكارم أبي الصقر
ن ثَوابة دخل عليه في وزارتِه ،فقال :تال لقد آثرك ال علينا وإن كنّا لخاطئين ،فقال أبو الصقر :ل تَثريبَ ومما ُيعَ ّد من مكارم أبي الصقر أن اب َ
عليك ،يغفر ال لك وهو أرحم الراحمين ،فما قَصّرَ في الحسانِ إليه ،والنعام عليه ،مدة وزارته.
بين أبي الصقر وأبي العيناء
ولمّا ولي أبو الصقر الوِزارة خيّر أبا العيناء فيما يحبّه حتى يفعلَه به ،فقال :أُريد أن يكتبَ لي الوزير إلى أحمد بن محمد الطائي يع ّرفُه مكاني،
ويلزمُه قضاءَ حق مثلي.
فكتب إليه كتاباً بخطّه ،فوصّله إلى الطائي ،فسبب له في مدة شهر مقدار ألف دينار ،وعاشره أجمل عشرة ،فانصرف بجميع ما يحبّه.
عثْرةِ الدهر ،و َكبْوَةِ ال ِكبَرِ وعلى ت بيدي عند َ وكتب إلى أبي الصقر كتاباً مضمنه :أنا -أعزّك ال -طليقُك من الفقر ،ونقيذك من البؤس ،أخذْ َ
أية حالٍ حين فقدت الولياءَ والشكال والخوان والمثال ،الذين يفهمون في غي ِر تَعب ،وهم الناسُ الذين كانوا غياثاً للناس ،فحللت عقدة الخَلّة،
ي المور ،وأَحاطَتْ بي النوائب؛ ي بعد النفور النعمة ،وكتبت لي كتاباً إلى الطائي ،فكأنما كان منه إليك ،أتيت ُه وقد استصعبَتْ عل ّ و َر َددْتَ إل ّ
فكَثر من بِشْرِه؟ وبذَل من يُسرِه ،وأعطى من ماله أكرمَه ،ومن برّه أحكَمهُ ،مكْرِماً لي مد َة ما أقمت ،ومثْقِلً لي من فوائده لما ودّعت ،حكمني
ي إذا تمكّنت ،وزادني من طَوْله فشكَرْتُ؛ فأحسن ال جزاءك ،وأَعظم حباءك ،وقدّمني أمامك ،وأعاذني في ماله فتحكّمت ،وأنتَ تعرفُ جَور ِ
س َعتِهِ" فالحمدُ
سعَةٍ من َ ت من الشكر ما يسّره ال لي ،والُّ عزَ وجلّ يقول" :ل ُينْفِقْ ذو َ ي مما مملكك ال ،وأنفق ُ من َف ْقدِك وحمامِك؛ فقد أنفقتَ عل ّ
ث فيها من ِرفْ ِدكَ. عدْلِك ،وب ّط فيها من َ
لّ الذي جعل لكَ اليدَ الغالبة ،والرتبة الشريفة ،ل أَزال ال عن هذه المة ما بَسَ َ
بين أبي العيناء وأحمد بن الخصيب
قطعة مختارة من نسخة الكتاب الذي عمله أبو العيناء في ذ ّم أحمد بن الخصيب َلمّا نكِب على ألسن ِة الكتّاب والقوّاد وأَرباب الدولة في ذلك
الوقت .قال :ذكره محمد بن عبد ال بن طاهر فقال :ما زال يَخرق ول يرقَع ،وما ِزلْتُ أتوقع له الذي وَقع فيه .وذكره أتامش ،فقال :غدر بمن
ط َرتْه النعمة ،ففجأته النقمة .،وذكره وصيف فقال :تَرك العقلء على يَ ْأسِ آثره ،وتخطّى إلى ما ل يقدرهُ ،فحل به ما يحذره .وذكره ُبغَاءُ فقال :أب َ
مرتبته ،والح ْمقَى على رجاء درجته! وذكره موسى بنُ بغاء فقال :لول أن ال َقدَر يعشي البَصَر ،لما َنهَى فينا ول أَمر .وذكره فارسُ بن بغاء
فقال :لم تم ّم له ِن ْعمَة؛ لنه لم تكُنْ له في الخير همّة .وذكره الفضل بن العباس فقال :إن لم يكنْ تاريخ البلء فما أعظم البلوى .وذكره هارون بن
ت من الدنيا والدّين .وذكره المعَلّى بن أيوب ،فقيل له :ما أعجَب ما نكبَ ،فقال :نعمتهُ أَعجبُ عيسى فقال :كانت دولة من دُوَلِ المجانين ،خرجَ ْ
من نكْبته! وذكره ميمون بن إبراهيم ،فقال :لو تأمّل فعاله فاجتنَبها ،لستغنى عن الداب أن يطلبها! وذكره محمد بن نجاح فقال :لئن كانت
ظمَت المصيبة على قومٍ نزل فيهم! وذكره علي بن يحيى بن المنجم ،فقال :لم يكن له أوّل يَ ْرجِ ُع إليه، ج عنهم لقد عَ ُ النعمةُ عظ َمتْ على قوم خر َ
ضدّه، ت ذَا َفضْل تنقّصه لما فيه من ِ ول آخر يعود عليه ،ول عقل فيزكو لديه! وذكره محمد بن موسى بن شاكر المنجم فقال :قبّحه ال إن ذكر َ
أو ذكرت ذَا نَقْص توله لما فيه من شكله .وذكره ابنُ ثَوَابة فقال :امرؤ أساءَ عِشْرَة الحرار ،فأصبح مَقفِر الديار .وذكره حجاج بن هارُون
ب ِمتَان ،ول في الخير عادات حِسان .وذكره أحمد بن حمدون فقال :إن منحته القدرة لقد حملته النكبة .وذكره فقال :ما كان له في الشرف أسبا ٌ
ش بالنعمة حتى أَنس بالنقمة وذكره عبد ال بن فراس فقال :كنت إذا نصحتهُ زنّاني ،وإذا غششته منّاني. ح ُ محمد بن الفضل فقال :ما زال يستو ِ
ط بحق .وذكره سعيد بن حميد فقال :إذا أصاب أحجم ،وإذا أخطأ صمم. وذكره أبو صالح بن عمار فقال :لئن عل بحظ لقد انح ّ
أخبار أبي بكر المعروف بسيبويه
شبِهه في حضورِ جوابِه وخطابِه ،وحُسْن عبارته ،و َكثْرَة رِوَايته ،وكان وكان في هذا العصر بمصر أبو بكر المعروف بسيبويه ناقلة البصرة يُ ْ
قد تناول البلذُر؛ فعرضت له منه لوثة ،وكان أكثرُ الناس يتبعونه ويكتبون عنه ما يقول.
قال يوماً للمصريين :يا أهل مصر ،أصحابنا البغدادِيون أحزَ ُم منكم ،ل يقولون بالولد ،حتى يتّخِذوا له العُقَد وال ُعدَد؛ فهم أبدًا يعتزلون .ول
يقولون باتخاذ العَقَار خوفًا أن يمِلكَهم سوءُ الجوار؛ فهم أبداً يكنزون .ول يقولون باتخاذ الحرائر خوفاً أن تتوقَ نفسُهم إلى السّرَارِي؛ فهم أبداً
يتسرّرُون .ول يقولون أبدًا بإظهار الغنى في مكان عُرفوا بالفقر؛ فهم أبدًا يسافرون.
س َت ْدفَأُ بها من الريح،
خذَها ،فقال :يا أهل مصر ،حيطانُ مقابر أنفعُ منكم ،يُس َتنْزَ ُه بها من التعب ،ويُ ْ ووقف يوماً بالجامع وقد أخذت الخلق مأ َ
ستَظَلّ بها من الشمس .والبهائم خي ٌر منكم ُت ْمتَطى ظهورُها ،و ُتحْتذى جلودها ،وتؤكل لحومُها. ويُ ْ
وكان أبو الفضل بن خنزابَه الوزير ،ربّما رفع أنفَه ييهاً ،فقال له سيبويه ،وقد رآه فعل ذلك :أشمّ مني الوزيرُ رائحةً كريهة فشمر أنفَه ،فأطرق
جنْسه.
وإستعمل النهوض ،فخرج سيبويه ،فقال له الرجل :من أينَ أقبلت؟ فقال :من عند الزَاهِي بنفسه ،المدلّ بفرسه ،المستطيل على أبناء ِ
واستأذن على مسلم بن عبيد ال العلوي ،ومسلم من أهل الحجاز نزل مصر ،فحجب عنه ،فقال :قولوا له :يرجع إلى لبس العباء ،و َمصّ النوى،
سكْنى الفَل ،فهو أشبَ ُه به من نعيم الدنيا. وُ
وكان على شرطِ كافور الخشيدي أحدُ الخاصّةِ؛ فوجد عليه سيبويه في بعض المرِ ،فعزل عن الشرطة ،فوليها رَكى صاحب الراضي ،فلم
يحمده أيضاً ،فوقف لكافور وهو مارّ إلى الصلة يوم الجمعة ،فقال :أيها الستاذ ،ولَيت ظالماً ،وعز ْلتَ ظالماً ،قليل الوفاء ،كثير الجفاء ،غليظ
القَفا .فتبسّم ابن بُرك البغدادي ،وكان يسايرُ كافوراً ،فقال :وهذا ابن برك ممن يغرّك ،لن ينفعك ولن يضرّك.
ح به ،فقال :ل أنقى ال مغسولَه ،ول بلّغه سُولَه ،ول وقّاه من وأخلئ الحمام لمفلح الحسيني ،فأتى سيبويه ليدخلَ ،ف ُمنِع ،وقيل :المير مفل ٌ
ل لحدِ ثلثة :مبتلًى في قُبله ،أو مبتلًى في دُبره ،أو سلطان يخافُ من شرّه ،فأي العذاب َمهُولُه ،وجلس حتى خرج ،فقال :إن الحمام ل يُخلى إ ّ
الثلثة أنت .قال :أنا المقدّم.
ح معامَلتك للشراف ،فاحذَ ْر أن تعودَ فيناَلكَ مني أشدّ العقوبة؛ فخرج وأحضره أبو بكر بن عبد الّ الخازن فقال :قد بلغني َبذَاءُ لسانِك ،وقبي ُ
238
متحزناً ،فكان الولدان يتولّعون به ويذكرون له الخازِنَ ،فيشتدّ عليه ذلك ،فينصرف ول يكلّمهم؛ فم ّر به رجل يكنى أبا بكر من ولد عقبة بن أبي
ح عليه بذلك ،فضحك المعيطي ،فقال للغلم :ضرب ال عنق الخازن كما ضرب النبي ،صلى ال عليه وسلم ،عنق عقبة بن ُمعَيْطٍ ،وغل ٌم قد أل ّ
ظهْرَ أبيك بالسوط كما ضرب عليّ بن أبي طالب بأمر عثمان ،رضي ال عنهما ،ظهر الوَليد بن عقبة على أبي معيط على الكُفْر ،وضرب َ
ص ْبيَة ،يريد قولَ النبي ،صلى ال عليه وسلم ،وقد قال له عقبة لمَا أمر النبي ،صلى ال عليه وسلم ،علياً، ي بال ّشُرْب الخمر ،وألحقك يا صب ّ
ظهْرِها.ب إليه من َ رضي ال عنه ،ب َقتْلِه" :فمَنْ للصّبية يا رسول ال؟" قال" :النارُ لك ولهم" ،فانصرف المعيطي وبَطْنُ الرضِ أح ّ
رَجْع إلى أبي العيناء
شكُرْ لي ولوالديك" لّ قد قَرَن طاعتَه بطاعتي ،فقال تعالى" :أَنِ ا ْ ل من أظهر العقوقَ لوالديه بالبَصرة ،قال لي أبي :إنَ ا َ وقال أبو العيناء :أنا أو ُ
ن نَ ْر ُز ُقهُمْ وإيّاكم".
ق نَحْ ُ شيَةَ إِمل ٍخْفقلتُ :يا أبت ،إن ال تعالى قد أمِنني عليك ولم يأمنك عليّ ،فقال تعالى" :ول تَ ْقتُلُوا أَول َدكُمْ َ
عمُ أنا سواء ،ولكن ل يحلّ ت بمثله إليك ،ولست أز ُ وقال أعرابي لبيه :يا أبت ،إن كبيرَ حقّك ل يبطل صغير حفّي عليك ،والذي َتمُتّ به إليّ أم ّ
لك العتداءُ.
ودخل على عبيد ال بن سليمان فضمّه إليه ،فقال :أنا إلى ضمّ الكفاية أحوجُ مني إلى ضَمّ الي َديْن.
وقال له مرة :أنا معك مقبوض الظاهر ،مرحوم الباطنِ.
قال أبو الطيب المتنبي :البسيط:
ك منه محسودُ أني بما أَنا با ٍ ت من الدنيا وأَعْجَبها
ماذا لَقي ُ
خلْقَهُ".
وقال له رجل :يا مخنّثُ ،فقال" :وضَ َربَ لنا َمثَلً و َنسِيَ َ
ل من علنيته، وذكر أبو العيناء محمد بن يحيى بن خالد بن برمك ،فقال :بأبي وأمي دَامَ ال َوجْهُ الط ْلقَ ،والقول الحقّ ،والوعد الصّدق ،نيّته أفض ُ
ت منه من النظر إليك أيها المير! وقال لعبيد ال بن وفعلُه أفضل من قوله .وقال له المتوكل :ما أشدّ ما م ّر عليك من فَ ْقدِ بصرك؟ فقال :ما حُ ِرمْ ُ
يحيى :مسّنا وأهلنا الضرّ ،وبضاعتُنا الحمدُ والشكر ،وأنت الذي ل يخيب عنده حرّ .وقال له يوماً :قد اشتدّ الحجاب ،وفحش الحرمان ،فقال:
ل فقال :لارفق يا أبا عبد ال ،فقال :لو رفق بي فعلُك لرفق بك قولي! وقال له :أيها الوزير ،إذا تغافل اهلُ التفضّل هلك أهل التجمّل .وذم رج ً
حيّر المحق .وقيل له :مات الحسن بن سهل ،فقال: ل فيُنكِره .وقيل له :ما أَبلغ الكلم؟ فقال :ما أسكَت ال ُمبْطِل ،و َ يعرفُ الحقّ فينصره ،ول الباط َ
والّ لئن أتعب المادِحينَ ،لقد أطال بكاء الباكين ،والّ لقد أصِيب بموتِه النام ،وخرست بفقده القلم.
باب الرثاء
قال أشجع بن عمرو السّلمي :الطويل:
ول مـغـربٌ إلّ لـه فـيه مـادِحُ ن سعيدٍ حين لم َيبْقَ َمشْـرِق مضى اب ُ
على الناس حتى غيّبتْه الـصـفـائحُ وما كنتُ َأدْرِي ما فواضـل كـفّـه
وكانت بِه حياً تضيق الصحـاصِـحُ فأصبح في لَح ٍد مـن الرض مـيّتـا
على أحـدٍ إل عـلـيك الـنـوائحُ كأن لم يمت ميتٌ سواك ولـم تَـقـمْ
ك فَـارحُ ول بسرو ٍر بعـدَ مـوتِـ َ فما أنا مـن رُزءٍ وإن جَـلّ جـازع
ل فـيك الـمـدائحُ ت من َقبْ ُسنَ ْلقد ح ُ سنَتْ فيك المراثي وذكـرُهـا لئن حَ ُ
فحسبُك مني ما ُتكِـنّ الـجـوانِـحُ سأَبكيك ما فاضَت دموعي ،فإن َتغِض
قوله :وكانت به حيّا تَضيقُ الصحاصِحُ يتعلق بقول الحسين بن مطير في َمعْن بن زائدة :الطويل:
س َق ْتكَ الغوادِي مَرْبعًا ثـم مَـرْبـعَـا أَِلمّا على َمعْـنٍ وقُـول لـقـبـرِهِ:
ضجَعاخطّتْ للسماحة مَ ْ من الرض ُ فيا قب َر مـعـنٍ أنـت أولُ حُـفْـرَةٍ
وقد كان منه البَرّ والبح ُر ُمتْـرَعَـا؟ ن كـيف واريتَ جـودَهُ ويا قب َر َمعْـ ٍ
ضقْتَ حتى تَـصَـدّعـا ولو كان حيّا ِ سعْتَ الجودَ والجُـودُ مَـيتٌ بلَى قد وَ ِ
كما كان بعد السيل َمجْرَاه مَ ْرتَـعَـا فتى عِيشَ في َمعْرُوفه بعـد مـوتِـه
وهذا كقول عبد الصّمد بن وأصبح عِرنِينُ المـكـارم أجْـدَعـا ولمّا مضَى َمعْنٌ مضى الجودُ وانقضى
المعذل عمرو بن سعيد بن سَلم الباهلي :الوافر:
ت إذاً لض ْقتَ بـه ذراعـا حملْ َ أقبـرُ أبـي أمـيةَ لـو عُـلهُ
فكيف أطَقْت يا قبرُ اضطلعا؟ حويتَ الجودَ والتقوى وعمـراً
وقول أشجع :لئن حسنت ق اتّـسـاعـا
ولول ذَاك لم تُطِ ِ طقْت لهـم ضـمـانـاً لموتهمُ أ َ
فيك المراثي وذكْرها من قول الخنساء :الكامل:
شانِيكَ باتَ بذلتي وصَـغـاري يا صَخرُ ،بعدَك هاجَني استعباري
جنُوبُ أخت عمرو
وقالت َ ت تنَاحُ بالشـعـارِ فاليوم صر َ ح مـدّة
كنّا نعـد لـك الـمـدائ َ
ذي الكلب :المتقارب:
239
ظ َعنِي حين ردّوا السـؤَال فأفْ َ صحْـبَـهُ ت بعمرٍو أخي َ سأل ُ
أغرّ السلح عـلـيه أجَـال فقالـوا :أُتـيحَ لـه نـائمـاً
فنال لعمرك عـنـه ونَـال أُتـيحَ لـه نَـمِـرَا أجْـبُـلٍ
إذاً ن ّبهَا منـك داءً عُـضَـال فأقسمُ يا عمرُو لو نـبّـهَـاكَ
مُبيداً مُفتيًا نُفُـوسـًا ومـال إذًا نـبّـهـا لَـيْثَ عِـرّيسةٍ
ول طائشاً دهشاً حين صَـال إذًا نـبّـهـا غـيرَ رِعــيدةٍ
من الدهر ركنًا شديداً أَمـال ب المنون هما معْ تصرف ر ْي ِ
ن قد ورثنـا الـنّـبـال بآية أ ْ وقالوا :قتلْـنـاهُ فـي غـارةٍ
فقد كان فذّا وكنتـم رجَـال فهلّ إذًا قبلَ ريب المـنـون
بأنهمُ لـك كـانـوا نِـفـال ت َفهْم عند اللـقـاء وقد عل َم ْ
فيخلوا نساءهمْ والـحِـجَـال كأنـهـمُ لـم يحـسّـوا بـهِ
به فيكونـوا عـلـيه عِـيال ولم ينزلوا بمحولِ الـسـنـين
ق وهبّت شمـال إذا اغبَرّ أُف ٌ وقد علم الضيفُ والمُرْملـونَ
ولم تَ َر عينٌ لـمـزنٍ بـلل ن أولدِها المرضعاتُ وخلّتْ عَ َ
لمن يَ ْعتَفيك وكنت الثّـمـال بأ ّنكَ كنتَ الربيع الـمـغـيثَ
جنَاء حَ ْرفٍ تشكي الكَـلَل بوَ ْ خرْقٍ تجاوزتَ مجـهـولَـهُ وَ
وكنتَ دجَى الليل فيه هـلل فكنت النهارَ بـه شـمـسَـه
غداة اللقاء منـايا عِـجـال وحيّ صبحت وحيّ أبـحْـتَ
قال عمرو بن شبة :وكان أ َر ْد َتهُمُ منك بـاتـوا وجـال وكم من قبيل وإن لـم تـكـن
جنُوبَ ،فقالوا :أخاكِ؛ فقالت:
عمرو بن عاصم هذا َيغْزُو َفهْماً فيصيب منهم ،فوضعوا له رصَداً على الماء ،فأخذوه فقتلوه ،ثم مرّوا بأخته َ
لئن طلبتموه لتجدُنّه منيعاً ،ولئن ضفتموه لتجدُنّه مريعاً ،ولئن وعدتموه لتجدنه سريعاً! فقالوا :قد أخذناه فقتلْناه ،وهذا نبله .فقالت :وال لئن
ب ثدي منكم قد افترشه ،ونهب قد احتوَشَه؛ ثم قالت البياتَ المتقدمة الذكر. سلبتموه ل تجدون ثَّلتَه وافية ،ول حجرته جافية ،ولر ّ
وأنشد أبو حاتم ولم يقل قائله :الطويل:
بطونُ الثرى واستُودعَ البلَدُ القَ ْفرُ أل في سبيل ال ماذا تضمّـنـت
وإن أجدبَتْ يوماً فأيديهمُ ال َقطْـرُ بدو ٌر إذا الدنيا دَجَتْ أشرقَتْ بهم
حياتُـهُـمُ فـخـ ٌر ومـوتـهُـ ُم ذكْـ ُر فيا شامتاً بالموت ل تـشـمـتـنْ بـهـم
ظهْرُوصاروا ببطن الرض فاستوحش ال ّ ظهْرِ الرض فاخض ّر عـودُهـا أقاموا ب َ
عمْرو كان يقول الشعر؛ فقال يرثيه :الطويل: ن له يكنى أبا َ وقال أبو عبد ال العتبي ،وتوفي له بنون ُفجِع بهم ومات في آخرهم اب ٌ
عمْـرو وجومٌ أراها بعد موت أبي َ لقد شمت الواشون بـي وتـغـيرتْ
ولو كَان حيًّا لجترأتُ على الدهـرِ تجرّى عَلَيّ الدهرُ لـمـا فـقـدتـه
فدينا ،وأَعطينا بكم ساكني الظـهْـر أسكان بطن الرض لو يُقبَلُ الفِـدَى
عليها ثَوَى فيها ُمقِيماً إلى الحَـشْـرِ ت مـن فيا ليت مَنْ فيها عليها ،ولـي َ
فلما توفّى شطره مال في شَطْـرِي ي مُـشَـاطـراً وقاسمني دَهري بنـ ّ
فثكلٌ على ثكل وقبرٌ علـى قَـبْـرِ فصاروا كأن لم يعرفِ الموت غيرهم
وقاد في ابن توفي صغيراً :مجزوء الرمل:
غيْرُ صغيرِ فالَسَى َ ن يكُنْ ماتَ صغيراً إْ
وهو رَيحَانُ القبُـورِ كانَ َريْحَانِي فأَمسـى
ن البلى َأ ْيدِي الدهورِ غَرَسَته فِي بسـاتـي
ومن هنا أخذ أبو الطيب المتنبي قوله :الطويل:
طفَلً فالسَى ليس بالطفْلِ وإن َتكُ ِ فإن َتكُ في قبر فإنك في الحـشـا
وقال خلف بن خليفة القطع :الطويل:
حزِينُ ك الموتورُ وَهْوَ َ حُ وقد يَض َ سمْتُ خَـالِـياً أعَاتِبُ نفسي إن تب ّ
دُوَين المصلّى والبقيعِ ،شجُـونُ وبالبذّ أشجاني وكم من شَجٍ لـهُ
قَر ْينَك أشجاناً وهـنّ سُـكـونُ ُربًى حولها أمثالُها إن أتـيتـهـا
ولم يأتنا عـمّـا لـديك يَقـين كَفى الهجر أنّا لم يَضِح لكَ أمرُنا
وقال أبو عطاء السّندي في ابن هبيرة :الطويل:
جمُـودُ
عليك بباقي َدمْعها ل َ جدْ يوم واسطٍ ألَ إنّ عيناً لم ت ُ
ى مأتَـمٍ وخـدودُ ب بأبد َ جيو ٌ شقّقـت عشيةَ قام النائحاتُ و ُ
240
أقام به بعد الوفُـودِ وفُـو ُد س مهجُورَ ال ِفنَا فربمافإن ُتمْ ِ
ب بعيدُ بلى كلّ ما تحت الترا ِ فإنك لم َت ْبعَدْ عَلى متعـهّـدٍ
أعرابي :الطويل:
ث بما ز ّودْتنـي مـتـمـتّـعـا
وب ّ ومن عجب أن بتّ مستودع الثّـرَى
خلفك حتى َننْطَوي في الثرى معا فلو أنني أنص ْفتُك الـودّ لـم أبِـتْ
يميني إذا صار الثرى لك مضجعا سأحمي الكرى عيني وأفترش الثرى
ت فه ّونْت المصائب أجمـعـا ضيْ َ
َق َ وبعدك ل آسَـى لـعـظـم رزيّةٍ
ومعنى هذا البيت الخير تداوله الناس نظماً ونثراً.
قال أبو نواس في المين :الطويل:
وليسَ لما تَطْوِي المنيّة ناشِـرُ ت ما بيني وبين محمدٍ طوَى المو ُ
ت ممن ُأحِبّ المقابِـرُ لقد عمر ْ ت دُو ٌر بمن ل أحبـهُ عمِ َر ْ
لئن َ
فلم َيبْقَ لي شيء عليه أُحـاذِر حذَرُ الموتَ وحـدَه ت عليه أ ْ وكن ُ
وقيل لمّ الهيثم السدوسية :ما أسرع ما سلوت عن ابنك الهيثم! قالت :أما وال لقد رُزِئته كالبدرِ في بهائه ،والرمْحِ في استوائه ،والسيفِ في
ت من بعده إل َأمْنَ المصائب لفقدِه. ض ُ
ت مصيبت ُه كبدي ،وأفنى َف ْقدُه جلدي ،وما اعتَ ْ مَضَائه؛ ولقد فتّت ْ
وعزّى أبو العيناء أحمد بن أبي دُواد عن ولدٍ له ،فقال :ما أصيب من أثيب ،وال لقد هان لفقده ،جليل المصائب من بعدِه.
سرِينَ مات بنوه بالطاعون فقال :الطويل: ودخل أعرابي من بادية البصرة إلى الشام ومعه بنون ،فلمّا كان بقنّ ْ
عمْري؟من العيش أو آسى لما فات من ُ أبعْدَ ،بَنيّ ،الدهـرَ أرجُـو غَـضـارَةً
فلهفي على تلك الغَطَـارِفة الـزّهْـر غطا ِرفَةٌ زُهرٌ مضَـوْا لـسـبـيلـهـم
بحاضر قنّسرين من صيّب الـقَـطْـر سقى ال أجسـاداً ورائي تـركْـتُـهـا
242
إلى منهل من ِو ْردِه َلقَـرِي ُ
ب وإنّ امرًأ قد سار عشرينَ حَجّةً
ت منكم على ذكر ،لئلّ وفوقكم مَنْ يعلم أسراكم ،ولو شاء لهتك أستارَكم ،يعامِلكم في الدنيا بحِلْم ،و َيقْضي عليكم في الخرة بعِلم ،فليكن المو ُ
جمَحُوا ،ومتى ذكرتموه لم تمزحوا ،وإن نسيتموه فهو ذاكِرُكم ،وإن نمتُم عنه فهو ثائركم ،وإن كرهتُموه تَأتوا بنكْر؛ فإنكم متى استشعرتموه لم ت ْ
حدّ ،وأكثر من أن ُتعَدّ ،قلنا :فسانحُ الوقت؟ قال :ردّ فائِت ال ُعمْرِ ،و َدفْ ُع نازِل المرِ ،قلنا: ل من أن تُ َ فهو زائركم قلنا :فما حاجتُك؟ قال :هي أطو ُ
ما إلى ذلكَ سبيل ،ولكن لكَ ما شئت من متاعِ الدنيا وزخرفها ،قال :ل حاجةَ لي فيها.
قوله :وإن امرأً سار عشرين حجة محرف عن قول قائِله :وإن امرأ قد سار خمسين حجة والبيت لبي محمد التيمي ،أنشده دِعبل :الطويل:
وخُلّ ْفتَ في قَرْنِ فأَنت غَـرِيب ت فيهمُ إذا ما مضى ال َقرْنُ الذي أن َ
والبيت بعده .قال دعبل :وتزعم الرواة أنه لعرابي من بني أسد .وقال خلد الرقط :كنا على باب أبي عمرو بن العلء ومعنا التيمي ،فذكرنا
كتابَ الحجاج بن يوسف إلى قتيبة بن مسلم :إني وإياك ِلدَتَان ،وإن امرأ قد سار خمسين حجة لَقمن أن يَرده .فأصلحنا ُه بيتاً ،فاجتَلَبه التيمي في
شعره.
وكتب البديع إلى أبي القاسم الكرخي :أنا وإن لم ألقَ تطاوُلَ الخوان إل بالتطوّل ،وتجمل الحرار إل بالتجمّل ،أحاسب الشيخَ على أخلقه
ض مجالٌ إن ضاقَتْ ظللُه ،وفي الناس واصلٌ إن َرثَتْ ضنًا بما عقدت يدي عليه من الظن به ،والتقدير في َمذْهَبه ،ولول ذاك لقُ ْلتُ :في الر ِ
خذُه بأفعاله؛ فإن أَعارني أذُناً واعيةً ،ونَفْسًا مُرَاعية ،وقلْبًا متّعظا ،ورجوعًا عن الذهاب ،ونزوعًا عمّا يقرعُه من هذا الباب ،فرشت حبالُه ،وأؤا ِ
غيْر مركب ،وذهب من التغالي في غي ِر مذهب، عمْرِي؛ وإنْ ركب من التعالي َ لمودّته صدْرِي ،وعقدت عليه جوامع حَصْري ،ومجامع ُ
أقطعتهُ خطة أَخلقه ،وولّيته جانبَ إعراضه ،فكنت امرأ :المديد:
قد بلوتُ الم ّر من ثَمرِهْ ل أذودُ الطيرَ عن شَجَرٍ
طرَي الدهر ،ور ِكبْتُ ظهري البرَ والبَحْرِ ،ولقيتُ َو ْفدَي فإني -أطال ال بقاء الشيخ مولي -وإن كنت في مقتبل السن والعمر ،فقد حلبتُ ش ْ
ت ثديي العُرْف وال ّنكْر؛ فما ت إبطي العُسْر واليُسْر ،وبلوتُ طعمي الحُلْو وال ُمرّ ،ورضعْ ُ ت يدي النَفْع والضر ،وضرب ُ الخيرِ والشرّ ،وصافح ُ
ي سمعِهس ِمعُني من أقوالِها عجيباً ،ولقِيت الفراد ،وطارَحْتُ الحادة فما رأيتُ أحداً إل ملت حافت ْ تكادُ اليامُ تريني من أفعالها غريباً ،وتُ ْ
وبصره ،وشغلت حي َزيْ فكره ونَظَره ،وأَثقلت َكفّه في ا ْلحُزن ،وك َفتَه في الوَزْن؛ وودّ لو با َرزَ القِرنَ بصفحتي ،أو لَقي الفَضْل بصحيفتي ،فما
ل َقدْرَ الفضل ،أو ص ْدتُه ،ولزِم أرضَه وقد حضرته ،وأنا أحاشيه أن يجه َ ب وقد قَ َ
صغُرتُ في عينه؟ وما الذي أ ْزرَى بي عنده؟ حتى احتج َ لي َ
ظهْرَ التّيه ،على أهليه ،وأسأله أن يختصّني من بينهم بفضل إنعام إن زلت بي مر ًة َقدَم رأي في قَصْده ،وكأني به يَجْحَد فضلَ العلم ،أو يمتطي َ
وقد غضب لهذه المخاطبة المجحِفة ،والرتبة المتحيّفة ،وهو في جنب جفائه يسير ،وإن أقلع عن عادته إلى الوفاء ،ونزع عن شيمته في الجفاء؛
فأطال ال بقاءَ الستاذ وأدام عزه وتأييده.
وله إليه رقعة :يعزّ عليَ -أطال ال بقاء الشيخ الرئيس -أن ينوبَ في خِدمته قلمي ،عن َقدَمِي ،ويسعد برؤيته رسولي ،دون وُصولي ،ويَ ِردَ
شِرعَة النس به كتابي ،قبل ركابي ،ولكن ما الحيلةُ والعوائق جمّة :مجزوء الكامل:
س عليَ إدراك النجاحِ وعليّ أن أسعى ولـي
عدَتِ
عشْق الحيطان ،ولكن شوقاً إلى السكان ،وحين َ وقد حضرتُ دارَه ،وقبّلتُ جدارهُ ،وما بي حبّ الجدرَان ،ولكن شغفًا بالقطّان ،ول ِ
خدْمةِ عَرَض ،ولكني أقول: العَوادِي عنه ،أمليتُ ضميرَ الشوقِ على لسان القلم ،معتذِراً إلى الشيخ على الحقيقة ،عن تقصيرٍ وقع ،وفُتور في ال ِ
المديد:
عقَـابـافكفى أل أرَاكَ ِ ص ِدكَ ذنباً ن َيكُنْ تَ ْركِي لقَ ْ
إْ
خذَوله جواب إلى رئيس هراة عدنان بن محمد :ورد كتاب الشيخ الرئيس سيدي ،فظلت وفودُ النعم َتتْرَى عليّ ،ومثلت لدي وبين يدي ،وقد أ َ
عبْده وما أُشبّه رائع حُليِه ،في نحر وَليّه ،إل بالغُرّةِ اللئحةِ ،على مكارمَ نفسِه ،فجعلها قِلَدة غرْسه ،وتتبّع المحاسنَ من عِنده ،فحلّى بها نَحر َ
خلُقه ،وأهداه إلى غير مستحقّه، الدّ ْهمَة الكالحة ل آخذَ ال الشيخ بوصفٍ نزعَه عن عرضه ،وزَرَعه في غير أرضه ،ونعتٍ سلَخه من خَلْقه و ُ
وفَضْل استفاده من فَرْعِه وأصله ،وأوصله إلى مخير أهله .ذكر حديث الشوقِ ولو كان المرُ بالزيارة حتماً ،أو الذن جَزْماً أطلق عزماً ،لكان
آخر نظري في الكتاب ،أول نظري إلى الركاب ،ولستعنْتُ على كُلَف السير ،بأجنحة الطير ،لكنه -أدام ال عزّه -صرعني بين يدٍ سريعة
النبْذ ،و ِرجْل وشيكة الخذِ ،وأراني زهداً في ابتغاء ،كحسوٍ في ارتغاء ،ونزاعاً في نزوع ،كذهاب في رُجوع ،ورغبة فيّ كرغبة عني ،وكلماً
علِن بالزيارة وقد أس ّر بالنداء ،ولو لم َيدْعني بلسان في الغِلف ،كالضرب تحت اللحاف ،فلم أصرّحْ بالجابة وقد عرّض بالدعاء ،ولم أ ْ
المُحاجَاة ،ولم يجاهِرْني بف ِم المناجاة ،لكنتُ أسرعَ إليه ،من الكرم إلى عطفيه ،وفكرتُ في مُرَادِ الشيخ ،فوجدْتُه ل يتعدّى الكرم يشبّ ناره،
والفضل يُدرك ثاره ،وإذا كان الم ُر كذلك فما أوله بترفيهِ موله ،عن زَفرَةٍ صاعدة ،بسفرة باعدة ،ونكباء جاهدة ...وقد زاد سيدي في أمْرِ
المخاطبة ،وما أحسن العتدال ،وقد كفانا منه الستاذ ،وأسأله أل يزيد ،وقد بدأ ويجب أل يعيد ،فل تنفع كثرة الع ّد مع قلّة المعدود ،والزيادة في
خسْرَان ،وزيادة أ ْفضَتْ إلى نُقْصَان ،ورأي الشيخ في تشريفه بجوابه موفّق إن ب ربح أدّى إلى ُ الحدّ مع نقصان المحدود نقص من الحدود ،ور ّ
شاء ال تعالى.
اجتلَب قولَه في أول هذه الرسالة من قول أبي إسحاق الصابي في جواب كتاب لبعض إخوانه :وصل كتابك مشحوناً بلطيف بِرّك ،موشّحاً
بغامِر فَضْلِك ،ناطقًا بصحّةِ عهدك ،صادقاً عن خلوص ودّك ،وفهمتُه وشكرتُ ال تعالى على سلمتك شُكرَ المخصوص بها ،ووقَفتُ على ما
ت إليه من التقريظ لي ،فما زدتَ على أن أعزتَني خِللَك ،ونح ْلتَني خِصالَك ،ل ّنكَ بالفضائل أوْلَى ،وهي بكَ وصفته من العتدادِ بي ،وتنا َهيْ َ
حدّي إذا حددت ،أو يحيط بكماله َوصْفي إذا وصَفْت ،لَشَرَعْت في بلوغها والقرب منها، حرَى ،ولو كنت في نفسي ممن يشتملُ على وصفه َ أْ
ح لك مستنْفِد لك وُسْعه وقد بخَسك ،ومستغرق طَ ْوقَه وقد َنقَصَك ،فأبلغُ ما يأتي به ال ُمثْني عليك ،ويتوصّل إليه المُطْرِي لك ،الوقوف لكن الماد َ
في ذلك دون منتهاه ،والقرار بالعجز دون غايته و َمدَاه.
ونقل البديعُ ما ذكره من تَرْك السفر والبغية بما حضر من قولِ ابن الرومي :الطويل:
له ال ّر ْفدَ والتّرفيه أوجـبَ وَاجـبِ ض مثلِك أن تَرى أما حق حامِي عر ِ
وتغني بوج ٍه ناضرٍ غير شـاحِـبِ ك نـعـمةً أقمت لكي تزدادَ ُن ْعمَـا َ
جمّ المـسـاغـب وعاقبه والقول َ وكي ل يقولَ الـقـائلـون أثـابـهُ
243
عدِيت به مـن آمـل لـك عـائب ُ وليس عجيبـاً أن ينـوبَ تـكـرّم
وحقّي ل حقّ القلص النـجـائب ي تَرْعـى ل ذِمـام سـفـينةٍ ذِمَا ِم َ
ن قد نهيتُك عن هذا؟ فقال :وما عليك أن أتعوّد الخيرَ ،وأنشأ عليه فقال :يا بني ،يحتاجُ ودخل على أبي العتاهية ابنُهُ ،وقد تصوّف ،فقال :ألم أكُ ْ
المتصوف إلى رقّة حال ،وحلوة شمائل ،ولطافة معنى ،وأنت ثقيلُ الظلّ ،مظلم الهواء ،راكِد النسيم ،جامدُ العينين ،فأقبل على سوقك؛ فإنها
أعْ َودُ عليك ،وكان بزّازا.
فقر من كلم المتصوّفة والزهّاد والقصاص
نورُ الحقيقةِ ،أحسن من نور الحديقة .الزهد قَطْع العلئق ،و َهجْر الخلئق .الدنيا ساعة ،فاجعلها طاعة .التصوّف تَ ْركُ التكلّف .قيل لمتصوّف:
أتبغ مُ َرقّعتك؟ قال :أرأيتم صيادًا يبيع شبكَته! وقيل لبعضهم :لو تزوّجْتَ! قال :لو قدرت أن أطلق نفسي لطلقتها ،وأنشد :الطويل:
سقطت إلى الدنيا وأنتَ مجرّد تج ّر ْد من الدنيا فإنـك إنـمـا
الدنيا نَوْم والخرة يقظة ،والمتوسّط بينهما الموت ،ونحن في أضغاث أحلم.
ذو النون :العبد بين نعمة وذنبٍ ،ل يصلحهما إل الشكر والستغفار.
ن يكون في الدنيا كالمريض ل بدّ له من قوت ،ول يوافقه كل طعام .ليس في الجنة نعيمٌ أعظم من علم أهلها أنها ل تزول. غيره :ينبغي للعبد أ ْ
ب عنه .من أطلق طرْفه كثر أسفُه .من سُوءِ القدر فَضْل ابن المبارك :الزهد إخفاء الزهد .إذا هرب الزاهدُ من الناس فاطلبه ،وإذا طلبهم فاهر ْ
حتْفَه ،ومن نظر بعين الهوى حار ،ومن حَكم على الهوى جار ،ومن أطال النظر لم يدرِك الغاية ،وليس لناظر النظر .من طاوعَ طَرْفه ،تابع َ
س من لحظة ،وأنشد :الطويل: غرِ َ جنِيت من لفظة ،وربّ حبّ ُ صدَه .وقيل :ربّ حربٍ ُ شدَه ،وأضلّ البصير قَ ْ نهاية .ربما أبصر العمى ُر ْ
سرابيلَ أبدانِ الحديدِ المسَـ ّردِ نظرت إليها نظرةً لو كسوتها
ت لداودَ في ال َيدِ ت كما لَن ْ ولَن ْ لرقّت حواشيها وفُضّ حديدُها
وقال سعيد بن حميد :الطويل:
إليّ بمضمون الضمـي ِر تـشـيرُ حتْف نظـرة نظرتُ فقا َدتْني إلى ال َ
ن َمعَارِيضَ الـبـلء كـثـيرُ فإ ّ فل تصرفنّ الطّرْفَ في كل َمنْظَرٍ
ب كَيف يجُـورُ حكْم الح ّ ول مثل ُ ولم أَر ِمثْلَ الحبّ أسقـم ذا هـوىً
يُصان لدى الطّرْف النموم ضمِيرُ صنْتُ ما بي في الضمير لَ َو أنه لقد ُ
غيره :البسيط:
وأن صاحبَه منه علـى خَـطَـرِ ب مَـتْـلَـفَةٌ
اليومَ أيقنْتُ أنّ الحـ ّ
من المنيّةِ بين الخوفِ والـحـذَر كيف الحيا ُة لمن أ ْمسَى على شَ َرفٍ
ويحملُ الذنبَ أحياناً على القـدر يلو ُم عينيه أحيانًا بـذنـبـهـمـا
وقلبُه أبدًا منه عـلـى سَـفَـرِ إذا نأى أو َدنَا فالقلبُ عـنـدكُـم
ونظر محمد بن أسباط الصوفي إلى أبي المثنى الشيباني وقد نظر في وجه غلم مليح ،فقال :إياك وإدْمانَ النظر فإنه ،يكشف الخبر ،ويفضَحُ
البشَر ،ويطول به المكثُ في سقَر.
وقال المعَلى الصوفيّ :شكوتُ إلى بعض الزهاد فسَاداً أجدُه في قلبي ،فقال :هل نظرتَ إلى شيء فتا َقتْ إليه نفسُك؟ قلت :نعم ،قال :اح َفظْ
عينيك؛ فإنك إن أطلقتهما أوقعتَاك في مكروه ،وإن مل ْك َت ُهمَا ملكْتَ سائرَ جوارِحِك.
وقال مسلم الخوّاص لمحمد بن علي الصوفي :أ ْوصِني ،فقال :أوصيك بتقوى ال في أمرِك كله ،وإيثار ما يحبّ على محبتك ،وإياك والنظر إلى
كل ما دعاك إليه طَرْفك ،وشوّقك إليه قلبك ،فإنهما إن ملكاك لم تملك شيئاً من جوارحك ،حتى تبلغ لهما ما يطالعانك به ،وإن ملكتهما كنت
الداعي إلى ما أردت ،فلم يعصيا لك أمراً ولم يردّا لك قولً.
قال بعض الحكماء :إن ال عز وجل جعل القلبَ أميرَ الجسدِ ،و َمِلكَ العضاءِ؛ فجميعُ الجوارح َتنْقا ُد له ،وكُل الحواسن تُطِيعُه ،وهو مديرُها
ضدُه الفهمُ ،ورائده العينان ،وطليعته الذنان .وهما في ومصرفها ،وقائدها وسائقها ،وبإرادته تنبعثُ ،وفي طاعته تتقلب؛ ووزيره العقل ،وعا ِ
النقل سواء ،ل يكتمانه أمراً ،ول يطوِيانِ دونه سرّا ،يريد العين والذن.
وقيل لفلطون :أيهما أشذ ضرراً بالقلب السمع أم البصر؟ فقال :هما للقلب كالجناحين للطائر ،ل يستقل إل بهما ،ول ينهض إل بقوتهما،
وربما قص أحدُهما فنهض بالخر على تعب ومشقة .قيل :فما بالُ العمى يعشق ول يرى ،والصمّ يعشقُ ول يسمع؟ قال :لذلك قلت :إن
الطائر قد ينهضُ بأحد جناحيه ول يستقل بهما طيراناً ،فإذا اجتمعا كان ذهابه أمضى ،وطيرانه أَوْحَى.
وقال السود بن طالوت الجارودي :نظر إليّ أبو الغمر الصوفي وقد أطلتُ النظرَ إلى غلم جميل ،فقال :ويحك! إنّ طرْفك لعظيم ما اجتنى من
حتْف قاتل للقلوب ،وبل ٍء مُظْهر للعيوب ،وعا ٍر فاضح للنفوس ،ومكروه مُذهِل البل ِء قد عرّضَك للمكروه وطول العناءِ ،لقد نظرت إلى َ
ف كيدَه؟ اِعل ْم أنك لم تكن في وقت من أوقاتك ،ول حالةٍ من حالتك، خ ْ
ل هذا الغترار بال جرّأك عليه حتى أمنت َمكْرَه ،ولم ت َ للعقول ،أك ّ
أقرب إلى عقوبة ال منك في حالتك هذه ،ولو أخذك لم يتخّلصْك الثقلن ،ولم َي ْقبَلْ فيك شفاعةَ إنس ول جان.
ظرَ إلى كل ما ونظر محمد بن ضوء الصوفي إلى رجل ينظرُ إلى غلم مليح ،فقال :كفى بالعبد نقصًا عند ال ،وضعة عند ذوي العقول ،أن ين ُ
ح له من البلء. سَن َ
ونظر بو مسلم الخشوعي فأطال النظر ،فقال :إنّ في خَلْقِ السموات والرض واختلف الليل والنهار ليات لولي اللباب .ثم قال :سبحان ال!
ما أهجمَ طَرفي على مكروه نفسه ،وأدمَنه على تسخّط سيده ،وأغراه بما نهى عنه ،وأ ْلهَجه بما حذّر منه! لقد نظرت إلى هذا نظرًا شديداً خشيتُ
ستَحِي من ال تعالى إن غفر لي! ثم صعق. أنه سيفضحني عند جميع مَنْ يعرفني في عَرصَة القيامة؛ ولقد تركني نظرِي هذا وأنا أَ ْ
طرْفي ،ول بم أُعالج قلبي؟ ما أتوبُ إلى ال من ذنب إل ونظر غالبٌ المضرور إلى غلم جميل على فرس رائع ،فقال :ل أدري بم أداوي َ
رجعت فيه ،ول أستغ ِفرُه من أمر إل أتيت أعظم منه ،حتى لقد استحييتُ أن أسأله المغفرة لما يلحق قلبي من القنوط من عفوه ،لعظيم حالي
ي منكر أتيت؟ فقال :أتري ُد مني أكثرَ من نظري هذا؟ وال لقد خشيت أن يبطل كل عمل قدمته ،وخير بالمنكر الذي أصنعهُ .فقال له قائل :وأ ّ
أسلفته ،ثم بكى حتى ألصق خدّه بالرض.
244
حكُ إلى غلم جَميل ،فقال له :يا خارب القلب ،ويا مفتضح الطرْف؛ أما تستحي من كِرَام كاتبين ،وملئكة ورأى بعضُ الزهّاد صوفيّا يض َ
حافظين ،يحفظون الفعال ،ويكتبون العمال ،وينظرون إليك ،ويشهدون عليك ،بالبلء الظاهر ،والغِلّ الدخيل المخامر ،الذي أقمت نفسَك فيه
ن ل ُيبَالي من وقف عليه ،ونظر من الخلق إليه. مقام مَ ْ
وقال أبو حمزة بن إبراهيم :قلت لمحمد بن العلء الدمشقي -وكان سيدَ المتصوفة ،وقد رأيتهُ يماشِي غلماً وضيئًا مدة ثم فارقهِ :-لمَ هجرتَ
ت قلبي يدعوني إذا خلوت به ،وقربت ن كنتَ له مواصلً ،وإليه مائلً؟ فقال :وال ،لقد فارقته من غير قِلًى ول مَلَل؛ ولقد رأي ُ ذلك الفتى بعد أ ْ
منه ،إلى أمر لو أتيته لسقطت من عيْن ال عزّ وجلّ؛ فهجرتُه تنزيهاً لِ ولنفسي عن مصارع الفتن ،وإني لرجو أن يعقبني سيدي من مفارقته
ما أعقب الصابرين عن مَحارِمه عند صدق الوفا ِء بأحسنِ الجزاء؛ ثم بكى حتى رحمتهُ.
ت مع أحمد بن علي الصّوفي ببيت المقدس غلماً جميلً ،فقلت :منذ كم صحبك هذا الغلم؟ فقال :منذ سنين ،فقلت :لو قال أبو حمزة :ورأي ُ
ث يراكما الناس؟ فقال :أخافُ احتيالَ الشيطان عليّ به وقت سرتما إلى بعضِ المناز ِه فكنتما فيه كان أحمد لكما من الجلوس في المسجد بحي ُ
خَلوتي ،وإني لكره أن يراني ال فيه على معصية فيفرق بيني وبينه يوم يظفر المحبّون بأحبابهم.
قال أبو الفتح البستي :البسيط:
فيه وظنّوه مشتقّا من الـصـوفِ تنازع الناسُ في الصوفيّ ،واختلفوا
صافَى فصُوفِيَ حتى لقّب الصوفي ولست أنحل هذا السمَ غي َر فـتًـى
ب من حيَا ،وكانت فائقة الجمال ،فقال :ما هذا الشغل الذي منعك الرويّة والفكرة؟ فقال :التعج ُ ل من تلمذته يتفرّس في وَجْه أو َ ورأى بقراط رج ً
آثار حكمة الطبيعة في صورة أوحَيا ،فقال :ل تجعلنّ نظرك لشهوتك مركباً ،فيجمع لك في الوحول الذية؛ ول َتكُنْ نفسُك منه على بال ،إنّ آثار
الطبيعة في وَجْه أوحَيا الظاهرة تمحق بصرك ،وإن فكرت في صورتها الباطنة تحدّ نظرَك.
صرَ جسمك عمّا ليس ص به ،فغضّ ب َ وقال بعضُهم :رأيت جارية حسناء الساعدِ ،فقلت :يا جارية ،ما أحسنَ ساعدَك! فقالت :أجل ،لكنه لم تخت ّ
لك؛ لينفتح بصرُ عقلك فتَرَى ما لك.
الرأي والهوى
وقال بعضُ الفلسفة اليونانيين :فضلُ ما بين الرأْي والهوى أنّ الهوَى يخُصّ والرأي يعمّ ،وأن الهوى في حيز العاجل ،والرأي في حيز الجل،
حسّ ،والرأي في حيّز العقل. والرأي يبقى على طول الزمانِ ،والهوى سريع الدثور والضمحلل ،والهوى في حيز الْ ِ
وقال بعضُ الحكماء :من انقاد ِلهَوَاه عرضته الشهوات.
طلْقا ،جعل عليه للذلّ طرقا. جرَى مع هواه َ وقال آخر :من َ
ل فقال :آمرك بمجاهدة هواك؛ فإنه يقال :إن الهوى مفتاحُ السيئات ،وخصيم الحسنات ،وكل أهوائك وقال ابن دُريد :أَوصى بعضُ الحكماء رج ً
لك عدو ،وأعداهما هوًى يكتُمك نفسَه ،وأعدى منه هوى يمثّل لك الثم في صورةِ التقوى ،ولن تفصل بين هذه الخصوم إذا تناظرت لديك إل
صدْقٍ ل يطمع فيه تكذيبٌ ،ومَضَا ٍء ل يقاربُه التثبيط ،وصبر ل يغتاله الجزع ،وهمّة ل يتقسمها التضييع. بحَ ْز ٍم ل يشوبه وهَن ،و ِ
وقاد أبو العتاهية :البسيط:
ولو َتمَ َنعْتَ بالحُجّابِ والـحَـرَسِ ل َت ْأمَنِ الموتَ في طَرْف وفي نَفَس
ب ُمدّرعٍ منّـا ومُـتّـرسِ في جَن ِ ت نـافـذةً سهَامُ الـمـو ِ فما تزالُ ِ
ل من ال ّدنَـسِ وثوبُك الدهر مَغسو ٌ ما با ُل دينكَ تَرْضَى أن تُـدَنّـسَـهُ
إن السفينةَ ل تجرِي علـى َيبَـس ترجو النَجاةَ ولم تَسُْلكْ مسَالِـكَـهـا
من البد بدائه في مجالس الخلفاء
خرج شبيب بن شيبة من دا ِر المهدي ،فقيل له :كيف رأيتَ الناس؟ قال :رأيتُ الداخل راجياً والخارجَ راضياً ،نحا إلى هذا المعنى ربيعةُ ال ّرقّيّ
فقال :السريع:
للناس والعفو عن الظالمِ قد بسطَ المهدي كفّ الندى
مبشرٌ للـواردِ الـقـادمِ فالراحلُ الصادر عن بابه
وقال مسلم بن الوليد في نحو هذا المعنى :الطويل:
جزاءَ مق ّر بالصنـيعة شـاكِـرِ جزيت ابنَ منصورٍ على نَأْي دارهِ
وأرّثَ نيرانَ الندى للـعـشـائر فَتى راغمَ الموالَ واصطنع العُلَ
حدُو بِهِ حملُ صـادِرِ ن يَ ْ
عَلَى آمِ ٍ ترى الناسَ أَرسالً على باب داره
وقال المتنبي :الطويل:
ع ْهدُهُ
قَرِيبٌ بذِي ال َكفّ المُ َفدّاةِ َ ضحّاكَ أَعَْلمُ أنـهُوألقَى الفَمَ ال َ
دخل خالد بن صفوان على أبي العباس السفاح ،وعنده أخواله من بني الحارث بن َكعْب ،فقال :ما تقولُ في أخوالي؟ فقال :هم هامة الشرف،
شيَماً ،وأطيبهم طعماً ،وأوفاهم وعِ ْرنِينُ الكَرم ،وغَرسُ الجود ،إنّ فيهم لخصالً ما اجتمعَتْ في غيرهم من قومهم؛ إنهم لطولهم أمماً ،وأكرمهم ِ
جدْبِ ،والرأس في كل خَطْب ،وغيرهم بمنزلة العَجْب .فقال :وصفت أبا صفوان ذمماً ،وأبعدهم همماً ،الجمرة في الحرب ،وال ّرفْد في ال َ
فأحسنْتَ ،فزادَ أخوالُه في الفخر فغضب أبو العباس لعمامه ،فقال :أَفخرٌ يا خالدُ؟ قال :أعلى أخوال المؤمنين! قال :وأنتَ من أعمامه؟ قال:
جرَذ ،وملكتهم أ ّم ولد! فأشرق َوجْهُ أبي العباس. ل عليهم هدهُد ،وغرّقهم ُ كيف أفاخر قومًا بين ناسج بردَ ،وسَائس قِرْد ،ودابغ جِلْد ،د ّ
جمْ ِع معايبهم ،واختصار اللفظ في َمثَالبهم ،بعد ذلك قال يموت ابن المزرّع :سمعتُ خالي الجاحظ ،وذكر كلم خالد هذا ،فقال :وال لو فكر في َ
سنَةً لكان قليلً ،فكيف على بديهته لم يَرُض له فكراً. ح المهذب َ المد ِ
ل من هذا ،وليس من شَرْطِنا. هكذا أورد هذه الحكاية الصولي ،وقد جاءت بأطو َ
قال معن بن أَوس الهذلي :الطويل:
على أيّنا تَـأْتـي الـمـنـيّة أولُ لعمرك مـا َأدْرِي وإنّـي لَوْجَـلُ
إذا ناب خطبٌ أو َنبَا بك مـنـزِل وإني أخوك الدائمُ الـودّ لـم أحُـلْ
245
وسُخْطِي ،وما في رِيبتي ما َتعَجّلُ كأنك تشفِي منك داءَ مـسـاءتـي
ليعقبَ يوماً آخر منـك مُـقْـبـلُ وإن سُ ْؤتَني يوماً صبرتُ إلـى غـدٍ
ف تَـبـدّلُ
يمينَك فانْظُـرْ أيّ كـ ّ ستقطع في الدنيا إذا ما قطعتـنـي
وفي الرض عن دارِ القلى ُمتَحَوّل وفي الناس إن رثّت حبالُك واصـلٌ
على طرف الهجران إنْ كان يعقلُ إذا أنت لم تنصفْ أخـاك وجـ ْدتَـهُ
حلُ ف مَزْ َشفْرةِ السي ِ إذا لم يكن عن َ ويركب حدّ السيف من أن تَضِيمَـهُ
و َبدّل سوءاً بالـذي كـان يفـعـل وكنت إذا ما صاحبٌ رامَ ظنـتـي
عليه العهد إلّ ريثـمـا أَتـحـوّلُ ظهْرَ الـمِـجَـنّ ولـم أدُمْ
قلبتُ له َ
عليّ بوجهٍ آخر الدهـر تُـقـبـل إذا انصرفت نفسي عن الشيء لم تكد
شعُرْتَ بعدي يا أبا ودخل عبد ال بن الزبير على معاوية بن أبي سفيان وأنشد شعر َمعْن ،فقال :لمن هذا؟ فقال :لي يا أمير المؤمنين ،قال :لقد َ
ظئْري فما كان له فهو لي .أراد بكر! ثم دخل عليه َمعْن فأنشد الشعر بعينه ،فقال :يا أبا بكر ،ألم تقل إنه شعرك؟ فقال :يا أمير المؤمنين ،إنه ِ
معاتبة معاوية فعاتبه بشعر َمعْنٍ؛ ليبلغ ما في نفسه ،وليس ادّعاؤه له على حقيقة منه.
وقال خالد بن صفوان :دخلتُ على هشام بن عبد الملك ،فاس َتدْنَاني حتى كنت أقربَ الناسِ إليه ،ثم تنفّس الصعداء ،وقال :يا خالد ،ربّ خالدٍ
جلس مجلسك هو أشهى إليّ حديثاً منك! فعلمت أنه أراد خالداً القَسرِي ،فقلت :أفل تعيده يا أمير المؤمنين؟ فقال :هيهات؟ إن خالداً أدلّ فأملّ،
ل بهذا البيت :الطويل:وأوجف فأعجف ،ولم يَ َدعْ لراجع مرجعاً .وتمث ّ
عليه بوجهٍ آخرَ الدهـر تُـقْـبِـلُ إذا انصرفت نفسي عن الشيء لم َتكَد
سمَرِه مع أهل بيتِه وولده وخاصّته ،فقال لهمِ :ليَقُلْ كلّ واحدٍ منكم أحسن ما وروى أبو حاتم عن أبي عبيدة قال :كان عبد الملك بن مروان في َ
قيل من الشعر ،وليفضّل مَنْ رأى تفضيله ،فأنشدوا وفضّلوا .فقال بعضهم :امرؤ القيس ،وقال بعضهم :النابغة ،وقال بعضهم :العشى ،فلمّا
فرغوا قال :أشعرُ الناس وال من هؤلء الذي يقول ،وأنشد بعض هذه البيات التي أنشد ،وهي لمعن بن أوس :الطويل:
ي عنه وهو ليس لـه حِـلْـمُ بحلم َ وذي َرحِ ٍم قَلّمتُ أظفارَ ضِـغْـنِـهِ
ت عندي أن يَحُلّ به الرّغْـمُ وكالمو ِ يحاول رَغْمـي ل يحـاولُ غـيرهُ
وليس له بالصّفْح عن ذنبه عِـلْـمُ ف عنه أغْض عيناً على قَذىً فإن أع ُ
سها َم عد ّو يُستهاض بها الـعـظـمُ وإن أنتصر منه أكُنْ مـثـل رائشٍ
ب القارب والسّلـم حرْ ُ
وما يستوِيَ َ صبَ ْرتُ على ما كان بيني وبـينـهُ
على سهمه ما كان في كفَه السهـم ت منه النأيَ والمـرءُ قـادرٌ وبادر ُ
وليس لَهُ عندي هَـوَانٌ ول شـتـم ويشتم عرضي في المغيّب جاهـداً
قطيعتَها ،تلك السـفـاهةُ والثـمُ س ْمتُه َوصْلَ القرابةِ سـامـنـي إذا ُ
و َيدْعُو لحكم جائرٍ غيرُهُ الْـحُـكـمُ فإن أدْعُه للنّصْف َيأْبَ إجـابـتـي
رِعايتها حقّ وتعطيلـهـا ظُـلـم فلول اتقاءُ اللـه والـرّحِـمِ الـتـي
شنَـارٍ ل يشـابـهـهُ وَسْـمُ سمِ َبو ْ إذا لعَـلَه بـارقٌ وخَـطَـمْـتُـهُ
وليس الذي يبني كمن شَانُه الهَـدْمُ ويسعى إذا أبني ليهدِمَ صـالـحِـي
وأكرهُ جهدي أن يخالِطَه الـعُـدْم يودّ لَ َو أنّي معـدِم ذو خَـصـاصة
سنَـاءٌ ول غُـنْـم وما إنْ له فيها َ غنْماً في الحوادث نكـبـتِـي ويعتدّ ُ
عليه كما تحنو علـى الـولَـدِ المّ فما زِلتُ في لِيني له وتعـطُـفـي
ل ُتدْنيَهُ منـي الـقـرابةُ والـرّحْـمُ ح تـألّـفـاخفْضي له مني الجنـا َ وَ
ظمُوكَظْمي عن غيظي وقد ينفع الكَ ْ صبْرِي على أشيا َء منه تَريبـنـي و َ
وقد كان ذا ضِغنٍ يصوبه الـحـزم ضغْن حتى استلـلْـتُـه ل منه ال ّ
ستَ ّ
لْ
برفقيَ أحيانًا وقد ي ْرقَـع الـثّـلْـمُ ت انثلمًا بينـنـا فـرقَـعْـتُـه
رأي ُ
بحلمي كما يُشْفَى بِالَدْ ِويَةِ الكَـلْـمُ وأبرأتُ غِلّ الصدرِ منه تـوسّـعـاً
ح بعد الحرب وهو لنا سَـلْـم فأصب َ فأطفأت نار الحرب بينـي وبـينـهُ
وكتب أبو الفضل بن العميد إلى أبي عبد ال الطبري:
وصل كتابُك فصادفني قريبَ عهد بانطلق ،من عنَتِ الفراق ،وأوقفني مستريحَ العضاء والجوانح من حرّ الشتياق ،فإنّ الدهرَ جرى على
حكمِه المألوف في تحويل الحوال ،ومضى على رَسْمه المعروف في تبديل البدال ،وأعتقني من مخالّتك عِتقاً ل تستحق به ولء ،وأبرأني من
ب معها دَرَكًا ول استثناء ،ونزع من عُنقي ِربْقَة الذلّ في إخائك ِب َيدَيْ جفائك ،ورش على ما كان يحتدم في ضميري من ج ُ
عهدتك براءة ل تستو ِ
صدْري من ال َوجْد ماءَ اليأس ،ومسح أعشار قلبي فلَ َم ُفطُورَها بجميل الصبر ،وشعبَ نيرانِ الشوق ماء السلوّ ،وشن على ما كان يلتهبُ في َ
أفلذَ كبدي فلحم صدوعَها بحُسْن العزاءِ ،وتغ ْلغَل في مسالِك أنفاسي فعوض نفسي من النزاع إليك نزوعًا عنك ،ومن الذهاب فيك رجوعاً
ك دُون نظري ،حتى حدَر النقاب عن صفحاتِ سدَلَه الش ّ
ضبَابات ما ألقاهُ الهوَى على بصري ،ورفِع عنها غيابات ما َ دونك ،وكشفَ عن عيني َ
حبَْلكَ على
ت منها فِراراً ،ومُلِئتُ رُعْباً ،فاذهب فقد ألقيت َ شيَمك ،وسفر عن وجوه خليقتِك؛ فلم أَج ْد إل منكراً ،ولم ألق إل مستكبراً ،فولي ُ ِ
غاربك ،ورددتُ إليك ذميماً عهدك.
ض ْبعِه فانخفض ،فقد ت تمهيدَه وتقريرَه فاستَ ْوفَزَ وأعرض ،ورفعتَ ب َ سطَه فانقبض ،وحاو ْل َ
وفي فصل من هذه الرسالة :وأمّا عذرُك الذي ُرمْت بَ ْ
246
جهَه، ف بما بذلته لك من نفسِه ،ولم يقم عند ظنك به ،أنّى وقد غطى التذمّمُ و ْ ورد ولقيته بوجهٍ يؤثر قبولُه على َردّه ،وتزكيته على جرحه ،فلم ي ِ
ولفّ الحياء رَ ْأسَهُ ،وغضَ الخجلُ طَرفَه؛ فلم تتمكن من استكشافه ،وولّى فلم تقدر على إيقافه ،ومضى يعثرُ في فضولِ ما يغشاه من كرب حتى
حمّلَ وِزْراً. سقَطَ ،فقلْنا :لليدِ والفم .ثم أمر بمطالعة ما صحبه فلم أجده إل تأبط شرّا ،أو تَ َ َ
وقوله هذا محلول من عقد نظمه إذ يقول :الكامل:
َق ْدكَ ا ّتئِبْ أَ ْر َبيْتَ في الغُلَـوَاء ِاقْرَ السلمَ على المير وقلْ لـهُ
حتَ نارَ الشوق في أحشائي و َقدَ ْ شمْلَ مسـرّتـي أنتَ الذي شتّتّ َ
مني ،فهل ِب ْعتَـنـي بـغـلء ورضيت بالثمن اليسير معوضةً
ت ب ِعذْرَةٍ شَـوْهـاء جدْ ُ أهلً ،ف ُ وسألتك ال ُعتْبَى فلم تَ َرنِي لـهـا
طرْف ،ولم ترزق من الصغاء ت مموّهة فلم يرفَعْ لـهـا و َردَ ْ
ت تمشِي على استِحْـيَاء فتراجعَ ْ وأعار منطقها التذمّـم سـكـتة
ب داء كبدٍ ،ولم َتمْسَحْ جـوانـ َ لم تشف من كمدٍ ،ولم تَبردْ على
من يستكفّ النارَ بالحَـلْـفَـاء دَاوتْ جوًى بجوىً وليس بحازم
أثرت جوارحُهُ عـلـى الدواء من يشف مِنْ كمد بآخر مِثـلـهِ
ح عن قَ ْلبِه ،ويُريغ التفريجَ من كَ ْربِهِ؛ فأكاتب ُه مكاتبةَ ج يَرُوم التروي َ وله إليه رسالة :أخاطب الشيخ سيدي -أطال ال بقاءه -مخاطبةَ مُحرَ ٍ
ض ما به ،ويخفّف الشكوى من أوصابه ،ولو بقيَتْ في التصبّر بقيةٌ لسكتّ ،ولو وجدت في أثناء وجدي مَخرجة ث بع َ مصدور ،يريدُ أن ينف َ
حتُ له عن هَناته ،ولكني مغلوب على العزاء ،مأخوذٌ من عادتي في الغضاء، يتحللها تجلّد لمسكت؛ فقديماً لبسْتُ الصديقَ على علّته ،وصفَ ْ
ي من ُقبْحِ فعلِك في هجر يستمر فقد سل من جفائك ما ترك احتمالي جفاءً ،وذهب في نفسي من ظلمك ما أنزف حلمي فجعله هباء ،وتوالى عل ّ
ت منه صدورُهم ،فهل أقدرُ على أل أقول ،وهل نكِلُك إلى ط ِردٍ متّسِق ،ما لو ُفضّ على الوَرى ،وأُفيض على البشَر لمتل ْ على نسَق ،وصدّ م َ
مراعاتك ،وهل نشكوك إلى الدهرِ حليفك على الضرار ،وعَقِيدك على الفساد ،وأشكوه إليك؟ فإنكما وإن كنتما في قطيعة الصديق رضِيعَيْ
حدِك ،وقاعد عما تقوم به من لطائف ت فيها نسيجُ َو ْ ِلبَان ،وفي استيطاء مركب العقوق شريكي عنان ،فإنه قاص ٌر عنك في دقائقَ مخترعةٍ ،أن َ
ت فيها وحيدُ عصرك ،أنتما متفقان في ظاه ٍر يَسُرّ الناظرَ ،وباطن يسوءُ الخابر ،وفي تبديل البدال ،والتحوّل من حالٍ إلى حال، مبتدعة ،أنْ َ
وفي بث حبائل الزورِ ،ونَصْب أشراك الغرور ،وفي خلف الموعود ،والرجوع في الموهوب ،وفي فظاعة اهتضام ما يعير ،وشناعة ارتجاع
شيَمكما التي ص ِد مُشَارّة الحرار ،والتحامل عند ذوي الخطار ،وفي تكذيب الظنون ،والميلِ عن النباهة للخمول ،إلى كثير من ِ ما يمنح ،وقَ ْ
أسندتما إليه ،وسنتكما التي تعاقدتُما عليها ،فأين هو ممن ل يجارى فيه نقض عُرى العهود ،ونكْث قُوَى العقود؟ وأنّى هو عن النميمة والغيبة،
ومشي الضّراء في الغِيلة ،والتنفق بالنفاق في الحيلة؟ وأين هُو ممن ادّعى ضروبَ الباطل ،والتحلّي بما هو منه عاطل ،وتنقّص العلماء
ظمُها ،ومَخَازٍ متفرقة أنت جا ِمعُها .أنت أيّدك ال إنْ سوّيته بنفسك ،ووزنته بوزنِك ،أظَلمُ منه والفاضل؟ هذا إلى كثير من مَسَاوٍ منثورة أنت نا ِ
سطَة ،وأتمّ نصرة ،وأطلق يداً في الساءة، لذويه ،وأعق منه لبنيه ،و َهبْك على الجملة قد زعمت -مفتريًا عليه -أنه أشدّ منك قدرة ،وأعظ ُم بَ ْ
شدَاة ،وأعظم في كل مكروه ُمتَغلغل ،وآلف إلى كل محذور متوصلً ،إن الدهر الذي ليس وأمضى في كل نكاية شباة ،وأحد في كل عاملة َ
بم ْعتِب من يجزعُ ،وإن ال ُع ْتبَى منك مأمولة ،ومن جهتك مرقوبة ،وهيهات! فهل توهّم أنه لو كان ذا روح وجثمان ،مصوراً في صور ِة إنسان،
جرِ ،وأذكّره من المودّة ،وأستميل به إلى رعايةِ المِقَة ،وأستعدّ على ما أشاعه الفراقُ في نفسي ثم كاتبتهُ أستعطفه على الصلة ،وأستعفيه من اله ْ
ستَجَزْته من حسَنته من الضطراب عند جوابي ،ويستجيز ما ا ْ ستَ ْضرَمه بالبعادِ في صدري من الحرقة ،وكان يستَحْسِنُ ما ا ْ من اللوْعة ،وأَ ْ
ف بكتابي. الستخفا ِ
وله فصل في هذه الرسالة ،وقد ذكر دعواه في العلم :وهبْك أفلطون نفسه ،فأينَ ما سنَنته من السياسةِ ،فقد قرأناه ،أتجدُ فيه إرشاداً إلى قطيعة
سمْته من الخلق؟ فقد رأيناه فلم نر فيه هدايةً إلى شيء من ال ُعقُوق ،وأما الهندسة فإنها باحثةٌ صديق ،وأحسبك أرسطاطاليس ب َع ْينِه ،أين ما َر َ
ح ومضطرب ،ولسنا عن المقادير ،ولن يعرفها إل مَنْ جهل مقدا َر نفسه ،وقَدرَ الحقّ عليه وله؛ بل لك في رؤساء الداب العربية ِمنّا ري ٌ
نُشَاحّك .لكن أتحب أن تتحقّق بالغريب من القول ،دون الغريب من الفعل؟ وقد أغربت في الذهاب بنفسك إلى حيث ل تهتدي للرجوع عنه .وأما
النح ُو فلن ُتدْفع عن حذق فيه ،وبصَ ٍر به ،وقد اختصرتُه أوْجزَ اختصار ،وسهلت سبي َل تعليمه على من يجعلك ُقدْوة ،ويرضى بك أسوةً ،فقلت:
حبَهما مخفوض ،وقد نصب الصديقُ عندك ،ولكن غرضاً يرْشَق بسهام الغدرُ والباطلُ وما جرى مجراهما مرفوع ،والصدق والحقّ وما صَا َ
الغيْبة ،وعَلَماً يقصد بالوقيعة ،ولست بالعروضي ذي اللّهجة فأعرف َقدْ َر حذقك فيه ،إل أني ل أراك تتعرّض لكاملٍ فيه ،ول وافرٍ ،وليتك
ط المتقارب.سبحتَ في بحر المجتث حتى تخرج منه إلى شَ ّ
وفي فصل منها أيضاً:
وهبْني سكتّ لدعواك سُكوتَ متعجّب ،ورضيتُ رِضا متسخّط ،أيرضى الفضل اجتذابَك بأَهدابه ،من يدي أهليه وأَصحابه ،وأحسبك لم تزاحِمْ
خطابه ،حتى عرفت ذلّة نَفَره وقلّة بصره ،فاصدقني هل أنشدك :المنسرح:
ب بدَمِضُرّجَ ما َأنْفُ خَاط ٍ لو بأَبا َنيْنِ جاء يَخْطبُـهـا
حتَ بالمجرّة لم تكن إل طقْتَ بمنطقة الجوزاء ،وتوشّ ْ وليت شعري بأي حلي تصدّيت لَهُ؛ وأنت لو تتوّجت بالثريّا ،وقلّدت قِلدة الفلك ،وتمنْ َ
ضعْفِ إخائك ،وظلمة ما عطُلً ،سيما مع قلّة وفائك ،و َ عُطُلً ،ولو توشّحْتَ بأنوارِ الربيع الزاهر وسرّجت جبينك غرّةَ البدرِ الباهرِ ،ما كنتَ إل ُ
تتصرّف فيه من خِصالك ،وتراكم الدّجَى على ضللِك ،وقد ن ِدمْتُ على ما أعرتك من ودّي ،ولكن أي ساع ِة َمنْدَم ،بعد إفناء الزمان في
ع ِذيّا،
س إذا لم يوافق ثرى ثريا ،وجوّاً َ ستُه ،فإن الودادَ غر ٌ ابتلئك ،وتصفّحي حالتِ الدهر في اختيارك ،وبعد تضييع ما غرسْته ،ونقض ما أس ْ
وماء رَ ِويّا ،لم يُرْجَ زكاؤُه ،ولم يجر نماؤُه ،ولم تفتّح أزهارُه ،ولم تجن ثمارُه ،وليت شعري ،كيف ملك الضللُ قيادي حتى أشكل عليّ ما
شكْلٍ وخَلْق ،ومطابقة خِيم وخلُق ،وما وصلتنا حال تجمعنا طبْع ،وموافقة َ يحتاجُ إليه الممزوجان ،ول يستغني عنه المتآلفان ،وهما ممازجة َ
ل ما بيننا من البعاد ،أكثر ممّا عنى ائتلف ،وح َمتْنَا من اختلف ،ونحن في طرفي ضدّين ،وبين أمرين متباعدين؛ وإذأ حصّلت المر وجدت أق ّ
ل ما بيننا من النضار ،وأكثر ما بين الليل والنهار ،والعلن بين الوِهاد والنجَادِ ،وأبعد ممّا بين البياض والسوادِ ،وأيسر ما بيننا من النفار أق ّ
والسرار.
247
قضاء الحَاجة
خيَلَء ،وهيبةُ العزّة ،وظل الخلفة ،يكفُ عن الطلب من أمير المؤمنين إلّ قال أسد بن عبد ال لبي جعفر المنصور :يا أمي َر المؤمنين ،فَرْطُ ال ُ
ضيَتْ له.ج كثير ًة ُق ِ ت َمسْلَك الطلب؛ فسأل حوائ َ عن إذْنِه ،فقال له :قلْ :فقد وال أصب َ
خدَمك العظام والهيبة عن ابتدائك بطلباتهم ،وما عاقب ُة هذين لهم وقال عمرو بن نهيك لبي جعفر المنصور :يا أميرَ المؤمنين ،قد حضر َ
عندك؟ قال :عطاء يزيدهم حياءً ،وإكرامٌ يكسوهم هيبةَ الَبد.
قال عيسى بن علي :ما زال المنصور يشاورُنا في أمره حتى قال إبراهي ُم بن هرمَة فيه :الطويل:
فناجَى ضميراً غير مختلف العَ ْقلِ إذا ما أراد المر ناجى ضمـيرهُ
حبْلِ
إذا اختلفت بالضعفين قُوَىَ ال َ ش ِركِ الدنين في جُل أمـرِه ولم يُ ْ
فِقَر في ذكر المًشُورة
المشورةُ لِقاحُ العقل ،ورائدُ الصواب ،وحَزْمُ التدبير .المشاورة قبل المساوَرة .والمشور ُة عينُ الهداية.
ابن المعتز :من رضي بحالهِ استراح ،والمستشِيرُ على طرف النجاح.
وله :مَن أكثرَ المشورة لم يعدم في الصواب مادحاً ،وفي الخطإ عاذراً.
بشار بن برد :المشاور بين إحْدى الحسنيين :صواب يفو ُز بثمرته أو خطأ يُشارك في مكروهه ،وقال :الطويل:
بعَزْم نصيحٍ أو مـشـورةِ حـازمِ إذا بلغ الرأيُ المَشُورَةَ فاستَـعِـنْ
فإنّ الخوَافِـي قـوة لـلـقـوادمِ ول تحسَبِ الشّورى عليك غَضاضةً
وما خيرُ سيفٍ لـم يُ َؤّيدْ بـقـائمِ ختَـهـاوما خي ُر كَفّ أمسكَ الغُل ُأ ْ
نؤوماً فإن الحـرّ لـيس بـنـائم خلّ اله َو ْينَى للضعيف ول تـكـنْ وَ
ش ِهدٍ النجوى أمرأً غير كاتـم ول تُ ْ وأَذنِ إلى القرب المُ َقرّبَ نفـسـهُ
ول َتبْلُغُ العُلْيا بغيرِ الـمـكـارم ط ِردُ ال َغمّ بـالـمـنـى
ستَ ْ
فإنك ل تَ ْ
ن عليك ،ولستَ تفعل شيئاً ن بك أو يستعا َ دخل الهذيل بن زفر على يزيد بن المهلب في حمالت ل ِز َمتْه فقال :أيها المير ،قد عظُم شأنك أن يُستعا َ
ب من أن تفعل ،بلَ العجب من أل تفعل ،فقضاها. من المعروف إل وأنتَ أكب ُر منه ،وليس العج ُ
في التاريخ والنسب
لنْس به ،فقال: ل بن حباب الجمحيُ رجلً ل ُ استخلص القاضي أبو خليفة الفض ُ
غيّر ثيابي وأعود ،قال :ما أفعل ،إيناسك وَعد ،وإيحاشك نقد ،وكان أبو خليفة من جلّةِ المحدثين ،وله حَلو ُة معنى ،وحسن عبارة، أَ
ي بعد نفوذِ الثاني :وصل كتابك - خ منها في كتابين ،فكتب إل ّ وبلغةُ لفظ .قال الصولي :كاتبتُ أبا خليفة في أمور أرادها فأغفلتُ التاري َ
ل -مبْهَم الوان ،مُظْلم المكان ،فأدّى خيراً ما القرب فيه بأولى من ال ُبعْد؛ فإذا كتبت -أكرمك ال تعالى! -فلتكن كتبُك مرسومةً أعزك ا ّ
بتاريخ؛ لعرِف أدنى آثارك ،وأقرب أخبارك ،إن شاء ال تعالى.
ظ العهود. وقال بعض الكتاب :التاريخ عمودُ اليقين ،ونَافي الشكّ ،به ُتعْرَف الحقوق ،وتُح َف ُ
جدْ لي السبيل إلى وقال رجل لبي خليفة سَلّم عليه :ما أحسبك تعرف نسبي ،فقال :وجهك يدلّ على نسبك ،والكرا ُم يمنع من مسألتك ،فأَوْ ِ
معرفتك.
ب بن شيبة ،فانتسب له ،فعرفه أبو جعفر ،فأَثنى عليه وعلى قومه ،فقال له وسأل أبو جعفر المنصور قبل أن تُ ْفضِيَ إليه الخلفةُ شبي َ
شبيب :بأبي أنت وأمي! أنا أحبّ المعرفة وأجِلّك عن المسألة ،فتبسّم أبو جعفر وقال :لطف أهل العراق! أنا عبد ال بن محمد بن علي،
بن عبد ال بن العباس ،فقال :بأبي أنت وأمي! ما أشبهك بنسبك ،وأدلّك على منصبك.
فِقر وأمثال يتداولها العمال
الولية حلة الرضاع مرّة الفطام .غُبارُ العمل خيرُ من زعفران العطلة.
ابن الزيات :الرجاف مقدمة السكون.
ل بن يحيى :الرجاف رائد الفتنة. عبد ا ّ
حامد بن العباس :غرس البلوى ،يثمر الشكوى.
أبو محمد المهلبي :التصرّف أعلى وأَثنى ،والتعطّل أَصْفَى وأعفى.
إبو القاسم الصاحب :وَعدُ الكريم ،أَ ْلزَ ُم من دَين الغريم.
ل يضحك من تِيه الولية .وقال :مجزوء الكامل: أبو المعتز :ذلّ العَز ِ
وبعَزْلِه رَكضَ البَريدُ كم تـائهٍ بـــوليةٍ
وقال :من ولي وليَةَ فتاه ب شديدُ صعْ ٌوخُمارها َ سكْرُ الـوِلية طـيبٌ ُ
فيها فأَخبره أَن قدره دونها .العزل طلق الرجال وحيض العمال .وأنشدوا :الوافر:
ض بَغـيضِ حيْ ٍ لحاهُ ال من َ وقالوا العَزْل للعمال حَـيْضٌ
منصور الفقيه :المجتث: ض
ِ المحي من ن
َ س
ْ ِ
ئ ي
َ اللئي من ن يكُ هكذا فَأبُـو عَـلـيّ فإ ْ
لنا الجفـا وتَـبـدّلْ يا مَن تولّى فأَبـدى
وقال أيضاً :المتقارب: من لم يمتْ فسيُعْ َزلْ أليس منك سمِعـنَـا
وعند الوليةِ أستـكـبـرُ إذا عُزِل المرءُ واصلـتُـه
أخبار منصور الفقيه صبِرُ
ل ل تَ ْ ونفسي على الذ ّ لن المولّى لـه نـخـوة
ومنصور هذا هو منصور بن إسماعيل بن عيسى بن عمر التيمي ،وكان يتفقّه على مذهب المام الشافعي ،رضي ال عنه ،وهو حلو
248
ف بصره :البسيط:
المقطعات ،ل تزالُ تندر له البيات مما يستظرَف معناه ،ويُستحلى مغزاه ،ويبقى ثتاه ،وهو القائل لما ك ّ
لعظم نازلةٍ نالَـتْـ ُه مـعـذورُ ف مُـدّتـه
ن قال ماتَ ولم يستَوْ ِ مَ ْ
به نِهايةَ ما يخشى الـمـقـاديرُ ى بلغَتْ
وليس في الحكم أن يحيا فت ً
عتَبَ على بعض وَ أو سوءِ مذهبه :قد عاش منصورُ فقلْ له غي َر مرتَابٍ بغـفـلـتِـه
الشراف ،وكانت أمّه أم ًة قيمتها ثمانية عشر ديناراً ،فقال :المجتث:
لم يَفـتْـنـي بـأمّـه من فاتـنـي بـأبـيه
وقال :المجتث: ش ْتمِه
سكتّ عن نصفِ َ ورام شتميَ ظـلـمـاً
ممن حادث الزمانِ لو قيل لي خذْ أمانـاً
وقال :المتقارب: إل مـن الخْـوَانِ ت أمـانـاً
لما أخَـذْ ُ
وفوّضت أمري إلى خالقي رضيت بما قسمَ اللـه لـي
وقال :مجزوء الكامل: كذلك يُحسن فيما بَـقِـي كما أحسن ال فيما مضـى
مك مَع مواصلة الكبائر لو كنت منتفعـاً بـعـلْ
وقال :الهزج: َلمْ أنّ شرب السمّ ضائرْ ما ضرّ شُرب السمّ واع
ك والصّحّة والمن إذا القوتُ تأتّـى ل
حزْنُفل فارقك ال ُ وأصبحتَ أخا حُزْن
ورأيت له في أكثر النسخ -على أن أكثر الناسِ يرويه لبراهيم بن المهدي ،وهو الصحيح :-الكامل:
ب يَعْلَقُ بالكبي ِر كبي ُر
والعي ُ لول الحياءُ وأنني مشهـورُ
ولكان منزلنا هو المهجورُ لحَللْت منزلنا الذي نحتلّـه
وهذا كقول الصاحب أبي القاسم :المتقارب:
دعاء يكرر في كلّ ساعَهْ ي عيناك نحو الصبـا دعَتْن َ
ت لعينيك سمعاً وطاعَهْ لقل ُ فلول وحقك عذرُ المشيبِ
وقال ابن دريد في معنى البيت الول فأحسن :البسيط:
مُصَافِياً لك ما في ُودّه خَلَـلُ سرَته إذا رأيت امرأً في حال عُ ْ
فإنه بانتقال الحالِ ينـتـقـلُ فل تمن له أن يستفيدَ غِـنـىً
تغيّر بعد عسرة
ق قد نالته عُسرةٌ ،ثم ولّي عملً؟،فأتاه محمد قاضياً حقّا ومسلمًا عليه ،فرأى منه نبو ًة وتغيّرا ،فكتب إليه: سهْل صدي ٌ وكان لمحمد بن الحسن بن َ
الطويل:
عسْرِت ذا ُ وأصبحت ذا يُسْرٍ ،وقد ُكنْ َ لَئن كانتِ الدنـيا أَنـالـتْـكَ ثـروةً
ب من الفقر ت ثوْ ٍ من اللؤم كانت تح َ لقد كشف الثرا ُء مـنـك خـلئقـاً
ت رتبته معِ المأمون تغيّر عليه :الطويل: ل قبل ارتفاعِ حاله ،فلما علَ ْ
وقال أبو العتاهية في عمرو بن مَسعَدة ،وكان له خِ ّ
وضيّعت عهداً كان لي ونسـيتَـا غنِيتَ عن العهد القديم غـنـيتـا
أَبرّ وأَ ْوفَى منـك حـين قَـوِيتـا ضعْفٍ من القوى وقد كنت لي أيام َ
ومُت عن الحسان حين حَـيِيتـا تجاهلت عما كنت تُحسِن وَصفَـهُ
وكتب بديعُ الزمانِ إلى أبي نصر بن المرزبان فيما ينخرطُ في هذا السلك:
كنتُ -أطال ال بقاءَ الشيخ سيدي وأَدام عزّه -في قديم الزمان أتمنّى الخيرَ للخوان ،وأسألُ ال تعالى أن ُيدِرّ عليهم أخْلَفَ الرزقِ ،ويمدّ لهم
أكناف العيش ،ويؤتيهم أصنافَ ال َفضْلِ ،ويوطئهم أكنافَ العزّ ،وينيلهم أعرافَ المجدِ ،وقُصارايَ الن أن أرغبَ إلى ال تعالى أل يُنيلَهم فوق
ن عند النعمة ينالونها ،والدرجةِ يعلونها ،وسَ ُرعَ ما ينظرون من عال ،ويجمعون من مال ،وينسون في ساعة اللدونة طغَو َ الكفاية ،فشد ما يَ ْ
أوقاتَ الخشونة ،وفي أزمان العذوبة أيام الصعوبة ،وللكتّاب مَزيّة في هذا الباب؛ فبينا هم في الغربة أَعوان كما انفرج المشط ،وفي العُطْلَة
ب عهدهم حمْقَاء بمنشور عمالةَ ،أوْ صَك جعالةٍ ؛ عادَ عامر مودّتهم خراباً ،وانقلب شرا ُ سمْطُ ،حتى إذا لحظهم الجدّ لحظةً َ إخوان كما انتظم ال ّ
سبِلَت ستورُهم ،ول أو ِقدَتْ نارُهم ت بدورهم ،ول عَلت أمورُهم إل أ ْ سَرَاباً ،فما اتسعت دورُهم وإل ضاقت صدورُهم ،ول عَلت قدورُهم إل خبَ ْ
عتَاقهم إل فظعت أخلقهم ،ول صلحت أحوالهم ،إل فسدت أفعالهم ،ول كثُ َر مالهم ،إل قل جمالهم ،وعزَ إل انطفأ نورهم .ول َهمْلَجتْ ِ
معروفهم ،وورمَتْ أنوفهم ،حتى إنهم ليصيرون على الخوان مع الخطوب خَطْباً ،وعلى الحرار مع الزمان ألباً .قُصَارى أَحدهم من المجد أن
شفُوفها،سبُه من الشرف دارٌ يصهرجُ أرضَها ،ويزخرف بعضَها ،ويزوّق سقوفها ،ويعلق ُ ختَه ،وأن يوطئ استه دستَه ،وحَ ْ ب تحته تَ ْينص َ
ب قداعية ،يلبسها ملوماً ،ويحشوها لُوماً، ن تغدو الحاشيةُ أمامَه ،وتحمل الغاشية قدّامه ،وكفاه من الكرم ألفاظ فقاعية ،وثيا ٌ وناهيه من الشرف أَ ْ
حكَ الودّ أيام خُشكاره حتى إذا أخصب جعل ميزانَه و ِكيَله ،وأسنانه أكَيله ،وأنيسه كِيسه ،وأَليفه رغيفَه، وهذه صفة أفاضلهم .ومنهم من يمنَ ُ
سمِيره ،وصندوقه صديقَه ،ومفتاحه ضجيعَه ،وخاتمه خا ِدمَه ،وجمع الدرّة إلى الدرّة ،ووضع ال َبدْرَة على البدرة ،فلم تقع وأمينَه يمينه ،ودنانيره َ
طرْفه ،ول الدرّة من كفّه؛ ول يخرج ماله عن عهدة خاتمه ،إلى يوم مَأتمه ،وهو يجمعُ لحادثِ حياتِه ،أو وارثِ وفاتِه ،يسُلكُ في القَطْرَة من َ
ل طريق ،ويبيعُ بالدرهم ألْف صديق؛ وقد كان الظنّ بصديقنا أَبي سعيد -أيّده ال تعالى -أنه إذا أخصب آواناً كنفاً من ظلّه ،وحبَانَا من ال َغدْرِ ك ّ
صدْر اليوان افتضّ فضله ،فمَنْ لنا الن بعدله؟ إنه -أطال ال بقاءَه -حين طارت إلى أُذنه عُقاب المخاطبة بالوزير ،وجلس من الديوان في َ
249
صدُه أخرى، عذْره السياسة لديّ ،بتعرض بعض المختلفة إليّ ،وجعل يعرضه للهلك ،ويتسبب إليه بمال التراك ،وجعلت أكاتِبه مرة وأق ِ ُ
وأذكّره أنّ الراكب ربما استنزل ،والوالي ربما عُزِل ،ثم يجفّ ريق الخجل على لسان العذر ،فتبقى الحزازة في الصدْرِ ،وما يجمعني والشيخ
ي من علمه ،فأقولُ -إذا رأيت ذِلّة السؤال مني جمَزَى في ظلمه؛ ويبرَأ إل ّ إن كان زَادَهُ قولي إل علوّا في تحكمه وغلوّا في تهكمه وجعل يمشي ال َ
وعزّةَ الردّ منه لي :-مجزوء الكامل:
عة مـا أرى يا بَـيْذَقُ سرْقلْ لي متى َفرْزَنتَ ُ
طعْته ،هلمّ إلى الشيخ وشرعته ،فقد نكأ القلب بقَرْحه ،وكيف أصِفُ حالً ل يقرع الده ُر مَروَةَ حالِه، ض ْعتُه ،وزمانًا بذكره ق َ وما أضيع وقتًا فيه أ َ
ول ينتقض عروة إجللِه؛ فما أولني بأَن أذكره مجْملً ،وأتركه مفصّلً ،والسلم.
وكتب إلى بعض إخوانه في أمر رجل ولي الشراف:
فهمت ما ذكرت -أطال ال بقاءك -من أمر فلن أنه ولي الشراف ،فإن يصدق الطير يكن إشرافاً على الهلك ،بأيدي التراك ،فل تح ُز ْنكَ
وليتُه فالحبل ل يبرم إل للفتل ،ول تعجبك خلعته فالثور ل يزينُ إل للقتل ،ول يرعك نِفاقُه فأرخص ما يكون النفط إذا غل وأَسفل ما يكون
الرنب إذا عل ،وكأنّي به وقد شنّ عليه جران العَ ْودِ ،شنّ المطر الجَوْد ،وقيّد له مركبُ الفجار ،من مربط النجار ،وإنما جر له الحبل ،ليُصفَع
ب يُنثرحبَالة ،فل يحسد الذئب على اللية ُيعْطَاها طعمة ،ول يحسب الح ّ صفِع من قبل ،وستعودُ تلك الحالة إحالة ،وينقلبُ ذلك الحبلُ ِ كما ُ
للعصفور نعمة ،وهبه وُلي إمارة البحرين أليس مرجعه ذلك العقل ،ومصيره ذلك الفضل ،ومنصبه ذلك الصل ،وعصارته ذلك النسل،
وقعيدته تلك الهل ،وقوله ذلك القول ،وفعله ذلك الفعل ،فكان ماذا؟ أليس ما قد سلب أكثر مما أُوتي ،وما عدم أوفر ممّا غنم؟ ما لك تنظرُ إلى
ن قعيدتُه في بيتك ،وبغلتُه من تحتك ،أم كان يسرّك أن تكون َأخْلقُه في إهابك ،وبوّابه على ظاهره ،وتعمي عن باطنه؟ أكان يعجبك أن تكو َ
ت تَرْضَى أن تكون في مربطك أفراسُه ،وعليك لباسُه ،ورأسك راسُه؟ جعَاؤه في إزارك ،وغِلْمانه في دارك؟ أم كن َ بابك؟ أم كنت تودّ أن تكونَ َو ْ
جعلت فداك! ما عندك خير ممّا عنده ،فاشكر الَ وحدَه على ما آتاك ،واح َمدْه على ما أعطاك ،ثم أنشد :البسيط:
ل مَنْ يظلّ على القدا ِر مكتئبا إن الغنيّ هو الراضي بعيشتـه
بين البخل والجود
ألَف سهل بن هارون كتابًا يمدح فيه البخلَ ويذمّ الجودَ؛ ليظهر قدرته على البلغة ،وأهداه للحسن بن سهل في وزارته للمأمون ،فوقع عليه :لقد
ل قوِلكَ فيه.ت ما ذمّه ال ،وحسنت ما قبّح ال ،وما يقوم صلحُ لفظك بفساد معناك ،وقد جعلنا نوالك عليه قبو َ مدح َ
عيْلَتهم ،ويسدّ خَّلتَهم ،ولقد رفع ال ن من كرماء الناسِ وعقلئهم .سُئل أبو العيناء عنه ،فقال :كأنما خَلف آدمَ في ولده ،فهو ينفع َ وكان الحس ُ
للدنيا من شأنها ،إذ جعله من سكَانِها.
أخذ هذا المعنى أبو العيناء من قول الشاعر :الكامل:
أَوصاك وَ ْه َو يجودُ بالْحَوْباء وكأن آدمَ كان قبل وفـاتِـه
عيْل َة البْـنَـاء
و َك َفيْتَ آدمَ َ عيْ َتهُـمِْببَنيه أن ترعاهُ ُم َفرَ َ
وأخذ أبو الطيب المتنبي آخر كلم أبي العيناء فقال :البسيط:
وشرّفَ الناسَ إذ سوّاك إنسانا قد شرف ال دُنيا أنْتَ سَا ِكنُها
وقيل للحسن بن سهل :لم قيل :قال الول ،وقال الحكيم؟ قال :لنه كلم قد مزّ على السماع َقبْلَنا ،فلو كان زللً لما نُقِل إلينا مستحسَناً.
ومن أمثال البخلء
واحتجاجهم ،وحِكمهم:
طعْنا المساكين في أبو السود الدؤلي :ل تُجاوِد ال ،فإنه أجودُ وأمجد ،ولو شاء أن يوسّع على خَلْقه حتى ل يكون فيهم محتاج فعل .وقال :لو أ َ
إعطائنا إياهم كنا أسوأ حالً منهم.
وقال الكندي :قو ُل "ل" يدفع البلء ،وقول "نعم" يزيل النعم .وقال :سماع الغناء بِرْسام حَادٌ؛ لن المر َء يسمع فيطرب ،فيسمح فيفتقر ،فيغتمّ
ظ متاعه. حفْ ُ فيمرض فيموت .وقال لبنه :يا بني ،كُنْ مع الناس كاللعب بالقمار ،إنما غَ َرضُه أَخذ متاعهم ،و ِ
وقال غيرهَ :منْعُ الجميع أَرْضى للجميع .إذا قبح السؤال حسن المنع.
وقال عليّ بن الجهم :من وَهَب في عمله فهو مخدوع ،ومن وَهَب بعد ال َعزْلِ فهو أحمق ،ومن وَهب من جوائز سلطانه أو ميراث لم ي ْتعَب فيه
فهو مخذول ،ومن وهب مِنْ كِيسه وما استفاد بحيلته فهو المطبوع على قلبه ،المختوم على سمْعه وبصره.
ومن إنشاداتهم :الخفيف:
ق بُخْلُ ليس في َمنْعِ غير ذي الح ّ جدْ بالعطاءِ في غـير حـق لتُ
وقال كثيّر :الطويل:
ق تُرَا ِفقُهْ
حقيق ُة تقوى أو صدي ٌ ب عليك عطا َءهُ ج ْ إذا المال لم يو ِ
ولم يفتلتك المالَ إلّ حَقـائِقُـهْ َمنَعْتَ ،وبعضُ ال َمنْعِ حَ ْزمٌ وقوّة
ابن المعتز :السريع:
فقام للناس مقـامَ الـذلـيلْ يا ربّ جُودٍ ج ّر َفقْ َر امـرئ
فالبُخْلُ خي ٌر من سؤال البخيلْ فاشدُد عُرا مَاِلكَ واس َتبْـقِـهِ
حيْنِ ال ُمتَاح ،والشقاء الغالب ،فرأيت أواني تروق ف بخيلً :حضرت -أعزّك ال -مائد َة فلنٍ لل َقدَر المجلوب ،وال َوكتب بعضُ البخلء يص ُ
العيون محاسنُهَا ،ويُونِقُ النفوسَ ظاهرها وباطنها ،وتزهى اللحظات ببدائع غرائبها ،وتستوفي الشهوات بلطائف عجائبهاُ ،مكَللَة بأَحسن من
حلي الحسان ووجوهِها وزَهْر الرياض ونَورها ،كأنّ الشمسَ حلّت بساحتها ،والبدر يغرف من جوانبها ،فمددت يداً عَنتهَا الشراهة ،وغلبها
شزْر ،وفيما بين ذلك حُرَق قائمة ،يَصْلَى بها القدر الغالب ،وجرّها الطمع الكاذب ،وإذا له مع كَسْر كل رغيف لحظة نكْر ،ومع كل ُل ْقمَ ٍة نَظْرة َ
ي عليه من الموت؛ فلمّا وضعت الحربُ أوزارها مَنْ حضره من الغلمان والحشم ،وقام بين يديه من الولدان ،والخدم ،ومع ذلك فترة المغش ّ
خوَان ،وتخلّت عنه سمادير الغَشيان ،بسط لسانَ ج ْهلِه ،ونصر ما كان من بخله ،ونظر إلى مؤاكِلِهِ ،نظر المسترقّ له بأكَلته ،المالك برفع ال ِ
250
ق بماله ،من وَلده وعياله ،يرى ذلك فضلً ،وحقّا لزماً ،وأمراً واجباً ،نزل به الكتابُ ن أنه أولى من وَالديه بنسبته ،وأح ّ ط رقبته! يظ ّ خيْ ِلَ
سمَح به فغيرُ محمود عليه. ن دفعه ردّ حكم القضاة عليه ،وإن َ ق عليه قُضاةُ المة ،فإ ْ والسنة ،واتف َ
فقر لبن المعتز وغيره
في الصديق والصدق
سمّي العد ّو عدواً ِلعَدْوِ ِه عليك إذا ظفر بك .علمةُ الصديق إذا أراد القطيعةَ أن يؤخّر سمّي الصديقُ صديقاً لصدقه فيما يدّعيه لك ،و ُ إنما ُ
ق أ ْنمَحَقَ السرو ُر به ،وتسلّطت التهم
الجواب ،ول يبتدئ بالكتاب ،ل يفسدنك الظنّ على صديق قد أصلحك اليقين له .إذا كثرت ذنوبُ الصدي ِ
عليه .من لم يقدم المتحانَ قبل الثقة والثقة قبل الُنس أثمرت مودّته ندماٌ .نُصْح الصديق تأديبٌ ،ونصحُ العدو تأنيب .ظاهرُ العتاب خي ٌر من
باطن الحقد ،وما جُمش الود بمثل العتاب :الكامل:
ب ذريعةُ الهَجْرِتَ ْركُ العتاب إذا استحق أخٌمنك العتا َ
س َريْنِ ،لكني واقع ،وعلى الطائر أن يغْشَى أخاه ويراجع .من قل حبْسِ :نحن في الصحبة كالنَ ْ وكتب أبو إسحاق الصابي إلى صديق له من ال َ
جزْ
صدقه قل صديقه .من صدقت لهجته ظهرتْ حُجته .الصادق بين المهابة والمحبة .من عرِف بالصدق جاز كذبه ،ومن عرف بالكذب لم يَ ُ
صدْقه ،ومن تمام الصدق الخبار بما تحتمل العقول. ِ
من إنشاء الحسن بن وهب
حتَذي من البيان في النظام ،مثل ما نقصد نحن في النثر من الفهام ،والفضلُ لك وكتب الحسن بن وهب إنى أبي تمام أطائي :أنت ،حفظك ال ،تَ ْ
ل متعقده ،وتربط متشرّده ،وتضم أقطاره، -أعزّك ال -إذ كنت تأتي به في غاية القتدار ،على غاية القتصار ،في منظوم الشعار ،فَتح ّ
ل فيستبهم ،ول مشتركًا فيلتبس ،ول متعقدًا فيطول ،ول متكلفاً وتجلو أنواره ،وتفصله في حدوده ،وتخرجه في قيوده ،ثم ل تأتي به مهم ً
فيحول؛ فهو منك كالمعجزةِ تضرب فيه المثال ،وتشرح فيه المقال؛ فل أعدمنا ال هَداياك واردة ،وفوائدك وافدة ،وهي طويلة.
وفي هذه الرسالة يقول أبو تمام ،وقد أَرى أنه قال ذلك في غيرها :الوافر:
جَوٍ ،وأصاب شاكلةَ ال ّرمِيّ ل بَـثّلقد جَلّى كتابُـك كـ ّ
غرائبُه عن الخبرِ الجـلِـيّ ضتُ خُتامَ ُه فتبلَجَتْ لـي فَضَ ْ
ج ِنيّ على كبدي من الزهر الْ َ عيْني وَأنْدَى وكان أغَضّ في َ
من البُشْرى أتت بَعد ال ّنعِـيّ حسَنَ موقعًا منّي وعنـدي وأَ ْ
ظ قـمِـيّ على أذن ،ول لف ٍ ت به بل لـفـظٍ كـريهٍ كتب َ
ت من الحلِـيّ صدورُ الغانيا ِ ضمّنَ صَدره ما لم تُضمّـنْ و ُ
ب هديّة لك كـالـهَـديّ فر ّ ك من هداياك الصفـايا فإن َت ُ
لقد ُزفّتْ إلى سم ٍع كَـفِـيّ لئن غ ّر ْبتَها في الرض بكرا
وقال البحتري في الحسن بن وهب :الكامل:
ضبِهمصقولُ خِلتَ لسانَ ُه مِنْ عَ ْ ي كلمُـهُ ال وإذا تألّقَ في الّندِ ّ
بَ َر َقتْ مصابيحُ الدُجا في كُ ْتبِـهِ ت أقلمُه ثمّ انتـحَـتْ وإذا دَجَ ْ
ِمنّا ،و َي ْبعُ ُد نَيْلُ ُه فـي قُـ ْربِـهِ ب َف ْهمُهُ في بُـعْـدِهِ
باللفظ يَقْ ُر ُ
251
جذَلِ
غمّ ومن َ
والدهر يعطيك من َ كالنار تعطيك من نُور ومن حُـ َرقٍ
وقال آخر :الوافر:
ورَقّ مثل َرقْرَاقِ السرابِ مدا ٌد مثل خافية الـغـرابِ
وألفاظ كأيام الـشـبـابِ وأقلم كأرواح الجـواري
بلغة عمرو بن مسعدة
ي وقدقال أحمد بن يوسف :دخلت على المأمون ،وفي يده كتابٌ ،وهو يعاود قراءَته مرة بعد مرة ،ويصعّد فيه بصرَه ويصوّبه؛ فالتفت إل ّ
لحظني في أثناء قراءته الكتاب ،فقال :أراك مُ َفكَراً فيما تراه مني! فقلت :نعم ،وَقى ال أميرَ المؤمنين المخاوفَ! قال :ل مكروه إن شاء ال،
ولكني قرأتُ كتاباً وج ْدتُه نظيرَ ما سمعت الرشيد يقوله عن البلغة ،فإني سمعتُه يقول :البلغةُ التباعد من الطالة ،والتقرب من البغية،
والدللة بالقليل من اللفظ على الكثير من المعنى ،وما كنتُ أتوهّم أن أحداً يقدر على هذه البلغة حتى قرأت هذا الكتاب من عمرو بن مسعدة
جنْ ٍد تأخّرَتْ
ن ِقبَلي من الجناد والقوّاد في الطاعة والنقياد على أحسن ما تكون عليه طاعةُ ُ إلينا فإذا فيه :كتابي إلى أمير المؤمنين ومَ ْ
أعطياتهم ،واختلّت أحوالهم! أل ترى يا أحمد إلى إدماجه المسألة في الخبار ،وإعفائه سلطانَه من الكثار؟ ثم أمرَ لهم برزق ثمانية أشهر.
وفي عمرو بن مسعدة يقول أبو محمد عبد ال بن أيوب التيمي :المتقارب:
خفيّ كوحْيك بـالـحـاجـبِ ق نـاصـب عنّي علـى بـار ٍ أِ
َيدَا كـاتـبٍ أو يَدَا حـاسِـب كأن تألـقـه فـي الـسـمـاء
يهيج من شوقـك الـغـالـب فروّى مـنـازلَ تـذكـارُهَـا
و َيبْكي على عصره الـذاهـب ن لوطــانِـــه غريب يحـ ّ
مطـالـعة المَـلِ الـكـاذبِ كفاك أبو الفضل عمرو النـدى
لعمرو بن مسعدة الـكـاتـب صدْق الرجاء وحُسْن الوفـاءِ و ِ
ء في العزّ والشرف الثـاقـب عريض الفِناء طويل الـبـنـا
وأهل الخلفة مـن غَـالـب بنى الملـك طَـوْد لـه بـيتـهُ
ومعتصَم الراغبِ الـراهـب هو المرتجى لصروف الزمـان
على الضيف والجار والصاحب جوادٌ بمـا مـلـكـتْ كـفّـهُ
ب والطّرف والطّفْلَة الكاعِـبِ بُأدْمِ الركـاب ووَشْـي الـثـيا
252
عاد مـن بَـعْـدِ الـــوعِـــيد ورسـول جـاء بـالـــمـــي
في قَـفَـا طـولِ الــصـــدود ونــعـــيم مـــن وِصَـــال
زارنـــي فـــي يوم عـــيد ما رأت عـينـي كـظــبْـــي
في َقبَاء فاختيّ اللون من لبس الجديد
يٌ بـســـيف وعَـــمُـــودِ كلما قاتل جند
نِ وخَــــدّينِ وجِـــــــيدِ قاتـل الـنـــاسَ بـــعـــي
ه عـلـى رغـم الـحَـسُـــودِ قد سقـانـي الـخـمـر مـن فـي
وهْـوَ فـي عَـقْـــدٍ شـــديدِ وتـعـانـقـنـــا كـــأنـــا
طيب عـــنـــد الــــورودِ نقـرع الـثـغـر بـثـــغـــر
قطْـر مُـزن بــجـــمـــود مثـل مـا عــاجـــل بـــردٌ
جع أرواح الـــوفــــــود سحـراً مـن قـبــل أن تـــر
ي كـجـبـــار عـــنـــيد ومضـى يخـطـر فـي الـمـش
دم بـالـجـدّ الــســـعـــيد مرحـبـاً بـالـمـلـك الـقـــا
تل حـيّات الـــحـــقُـــودِ يا مـذلّ لـبَــغْـــي يا قـــا
خالـــدٍ بـــاقٍ جـــــديدِ عش ودُ ْم فـي ظِـــلّ عَـــيش
ؤك كـالـز ْرعِ الـحــصِـــيدِ فلـقـد أصـــبـــح أعـــدا
مثــل عـــادٍ وثـــمـــود ثم قـد صـــاروا حـــديثـــاً
ل بُـــنُـــودِ تحـت أجـــيا ِ جاءهـم بـــحـــرُ حـــديد
فوقـهـا أســـدُ جُـــنـــودِ فيه عــقـــبـــان خـــيولٍ
ي مـــــديدِكل خَـــطـــ ّ وَ َردُوا الـحــرب فـــمـــدُوا
دّ إلـى قَــطْـــعِ الـــوَرِيد وحــســـام شَـــرِهِ الـــح
253
محلّ ،ولم يقطع بها البِيدَ قاطـ ُع سرِ في الرض َتبْتغي وساريةٍ لم تَ ْ
لوردٍ ،ولم يقصر لها القيد مانـعُ حدَ ال ّركَاب ولم تُنَخْ سَ َرتْ حيث لم تُ ْ
بجثمانه فيه سَـمِـيرٌ وهـاجـعُ تمرّ وراء الليل واللـيل ضـاربٌ
على أهلها ،والُّ رَاءٍ وسـامـعُ إذا وردَتْ لم يَ ْردُدِ اللـه وفـدهـا
ب منهـنّ قـارعُ إذا قرع البوا َ ت دونـهـا تفتّحُ أبوابُ السـمـوا ِ
أرى بجميلِ الظنّ ما ال صانـع وإني لرجو الَّ حتى كـأنـنـي
أخبار معن بن زائدة
ودخل رجل من شيبان ،على معن بن زائدة ،فقال :ما هذه الغيبة .فقال :أيها الميرُ ،ما غاب عن العَين مَنْ يذكرهُ القَلْب ،وما زال شوقي إلى
المير شديداً ،وهو دون ما َيجِب له ،وذِكري له كثيراً ،وهو دُون َقدْرِه ،ولكن جفوة الحجّاب ،وقِلّ َة بشر الغلمان ،منعاني من التيان! فأمر
بتسهيل إذنه ،وأجزل صلته.
ن فيك وقال أبو جعفر المنصور لمعن بن زائدة :كبرت يا َمعْن! قال :في طاعتك يا أّمير المؤمنين ،قال :إنك لجَلد ،قال :على اّعدائك ،قال :وإ ّ
ب إليك؛ هذه أم دولة بني أمية .قال :ذلك إليك يا أمير المؤمنين ،إن زاد برّك على لبقيّة ،قال :هي لك يا أَميرَ المؤمنين ،قال :فأي الدولتين أح ّ
برّهم كانت دولتُك أحبّ إليّ.
ومعن هذا هو :معن بن زائدة بن عبد ال بن زائدة بن مطر بن شريك بن عمرو أخي الحوفزان بن شريك بن عمرو بن قيس بن شرحبيل بن
منبه بن مرة بن ذُهْل بن شيبان ،وبنو مطر بيت شيبان ،وشيبان بيت ربيعة.
وكان معن أَجود الناسِ ،وفيه يقول مَرْوان بن أبي حفصة ويعم بني مطر :الطويل:
خفّان أشـبُـلَ أسود لها في غِيل َ بنو مطرٍ يومَ اللـقـا ِء كـأنـهـم
لجاره ُم بين السّماكَـيْنِ مـنـزلُ ه ُم يمنعون الجارَ حتى كـأنـمـا
وإن أَحسنوا في النائبات وأَجملُـوا ول يستطيعُ الفاعلون فعَـالـهـمْ
كأوّلهم فـي الـجـاهـلـية أولُ بهَاليلُ في السلم سادُوا ولم يكُـنْ
عطَوْا أطابوا وأجْزَلوا جابوا وإن أ ْ هم القومُ إن قالوا أصابوا وإن دُعُوا
أخذ البيتَ الولَ ابن الرومي ،وزاد فقال :البسيط:
خفّانُ
سدِ ألبسها الجامَ َ كال ْ ط بينهُمُ
تلقاهمُ ورِماح الخ ّ
بين الجبن والحزم
سرْحَنا ،فَأشِ ْر علينا بما نُدْرِك به الثّأر، ن عدوّنا استاق َ أتى قوم من العرب شيخاً لهم قد أَرْبى على الثمانين ،وأَهدف على التسعين ،فقالوا :إ ّ
وننفي به العارَ ،فقال :الضعف فسخ ِهمّتي ،ونكث إبرام عزيمتي ،ولكن شاوروا الشجعان من ذوي العَزْم ،والجبناء من ذوي الحزم؛ فإنّ
الجبان ل يَألو برأيه ما بَقِي مهجكم ،والشجاع ل يألو برأيه ما يشيد ذكركم ،ثم أخلصوا من الرأي بنتيجة تبعد عنكم معرّة نقصِ الجبان ،و َتهَوّر
حسَام القاضب. سهْم الصائب ،وال ُ الشجعان ،فإذا نجمَ الرأيُ على هذا كان أنفذ عَلَى عدوكم من ال َ
بين الجهل والعقل
صوّر العَ ْقلُ لضاء معه الليل ،وإنك من صمُه :والّ لو صُوّر الجهل لَظلم معه النهار ،ولو ُ قال الصمعي :سمعت أعرابية تقول لرجل تخا ِ
ج المدّعي عنده إلى إحضار البيّنة. حكَمًا ل يحتا ُ
ن من ورائك َ أفضلهما لمعدم ،فخَفِ ال ،واعلم أ ّ
هجاء بني كليب
قال الفرزدق يهجو كليباً :الوافر:
ضحَتْ لِساري نجومُ الليل ما و َ ولو يُرْمى بلؤ ِم بني كُـلـيبٍ
ل َدنّسَ لؤمُهمْ َوضَحَ النـهـارِ ولو لبس النهارَ بنـو كـلـيب
أقوال العراب في النثر والشعر
ل تَعبِي و َنصَبي فل وقاد سفيان بن عيينة :سمعت أعرابياً يقول عشية عَرَفة :اللهمّ ،ل تح ِر ْمنِي خي َر ما عندك لِش ّر ما عندي ،وإن لم تتقبّ ْ
تَحْرِمني َأجْرَ المصاب على مصيبته.
ت من تجاوُزك عنها ،ولست أع َتذِرُ إليك منها إل بالقلع وقال آخر منهم لصديق استبطأه فلمه :كانت لي إليك زَلة يمنعني من ذِكرها ما َأمّل ُ
عنها.
وقال آخر لبن عم له :وال ما أَعْرف تقصيراً فأقلع ،ول ذنباً فأعتب ،ولست أَقولُ :إنك كذبت ،ول إنني أذنبت.
عذْرِك ،وإن كنت من أحدهما على يقين ،ومن الخر على شك ،لتتمّ النعمة مني إليك ،وتقومَ الحجةُ وقال آخر لبن عمّ له :سأتخطّى ذنبك إلى ُ
لي عليك.
ي الن من الصبر؛ لن وأصيب أعرابيّ بابن له فقال -وقد قيل له :اصبر -أَعَلَى ال أتجلّد ،أم في مصيبتي أتبلّد؟ وال ل ْلجَزَع من أمره أحبّ إل ّ
الجزع استكانة ،والصبر قَساوة ،ولئن لم أجزع من النقص ل أفرح بالمزيد.
غنَاكَ ،أو أضلّ في هدَاك ،أو أذِلّ في عزّك أو أضام في سُلطَانك ،أو أضْطَهد والمر إليك. ودعا أعرابي فقال :الله ّم إني أعوذ بك أن أفتقرَ في ِ
ك منك ،ولئن أظهر الشفقةَ عليك؟ إنّ عقاربه قال الصمعي :سمعتُ أعرابيًا َيعِظُ رجلً وهو يقول :وَيحَك! إنّ فلناً وإن ضحك إليك ،فإنه يضح ُ
لتسري إليك؛ فإن لم تتّخذه عدوّا في علنيتك ،فل تجعله صديقاً في سرِيرتك.
ك عليك. غفْل لم تَسِمك التجارب ،وفي النصح لَسْعُ العقارب ،كأني بالضاحك إليك ،وهو با ٍ سمع أعرابيّ رجلً يقعُ في السلطان ،فقال :إنك ُ
254
ظ أول كلمك حذَر فلنًا فإنه كثيرُ المسألة ،حسن البحث ،لطيف الستدراج ،يحف ُ وحذّر بعضُ الحكماء صديقاً له صحبه رجل ،فقال :ا ْ
ن قد تحرّزْت؛ وأعلمْ أَنّ من يقظة الفطْنة إظهارَ الغفلة مع شدة على آخره ،ويعتبرُ ما أخّرت بما قدّمت ،فل تظهرنّ له المخافة فيرى أ ْ
الحذر ،فباثِثْ ُه مباثّ َة المن ،وتحفّظ منه تحفّظ الخائف؛ فإنّ البحث يظهر .الخفيّ الباطن ،و ُيبْدي المستكنّ الكامن.
أتى أَعرابيّ رجل لم يكن بينه وبينه حرمة في حاج ٍة له ،فقال :إني امتطيتُ إليك الرجاءَ ،وسَ َر ْيتُ على المل ،ورافقت الشكر ،وتوسّلت
حسِن المثوبة ،وأكرم الصفَد ،وَأقِم الَوَد ،وعجّل السّراح. حسْنِ الظنّ ،فحقق المل ،وأَ ْ بُ
قال الصمعي :وسمعتُ أعرابياً يقول :إذا ثبتت الصول في القلوب ،نطقت اللسنةُ الفروع! والّ يعلم أَنّ قلبي لك شاكر ،ولساني ذاكِر،
ومحال أن يظهرَ الودّ المستقيم ،من الفؤاد السقيم.
ومدح أعرابي رجلً ،فقال :إنه ليغسل من العار وجوهًا مسودّة ،ويفتح من الرأي أبوابًا منسدّة.
وقال أعرابي :الكامل:
دامي الظافرِ في الخميس ال ُممْطِرِ س قَـسْـ َورِ كم قد ولدتُمْ مـن رئي ٍ
وبنشر فـائدة وجـذو ِة مِـنْـبَـرِ سدِكَت أناملـه بـقـائم مـرهـف َ
درعاً سوى سربال طِيبِ العنصـرِ ما إن يريد إذا الرماحُ تشـاجـ َرتْ
ويقيم هامته مقـام الـمِـغْـفَـر يلقي السيوفَ بوجهه وبـنـحـره
فعقرتُ ركن المجد إن لم ُتعْـقَـرِ شبَا ال َقنَـاويقول للطّرْفِ اصطبر ِل َ
متَسَرْبل سربال مَـحْـلٍ أغـبـرِ وإذا تأمّل شخصَ ضَيفٍ مـقـبـلٍ
وقال :البسيط: حرَتنيَ العداء إن لم تـنـحـرِي نَ َ َأوْمى إلى الكَ ْومَـاء هـذا طـارق
جدَافلم يرَ الناسُ وَجْداً كالذي و َ عمْداً لغفلـتـهقامت تَصدّى له َ
ظبْي ما خَضَدا وناهدٌ مثل قلب ال ّ جيداء َربْدَاء لم تعقد قـلئدَهـا
وقال آخر :الطويل: صبْ ٌر ول يأمن العداء إن وردَا َ فراح كالحائم الص ْديَان ليس لـه
بأَرديةِ الظلماء ملتـحـفـاتِ ت بعد وَهْن طرقْننـي ومكتتما ٍ
ن مستَـتـراتٍ على رقب ٍة منه ّ دَسْسنَ رسولً ناصحًا وتلونـهُ
وبتْنَ على اللذّات معتكـفـات فبتّ أعاطيهنّ صرفَ صبـابةِ
وقال الحنف بن قيس :من سليمى وجادَتْ بعدها عَبراتِي جدَ قلبي يوم أتبعتُ ناظري فيا َو ْ
ف من الردّ.
لم يستوحش من ذلّ المسألة لم يأن ْ
وقال سفيان الثوري لخ له :هل بلغك شي ٌء مما تكرهُه عمن ل تعرف .قال :ل ،قال :فأقلل ممن تعرف.
أخذه ابن الرومي ،فقال :الوافر:
ت من الصحابِ فأَقلِلْ ما استطع َ عدوّك من صديقك مُسـتَـفـاد
ن من الطعام أو الشـراب يكو ُ فإنّ الـداءَ أكـثـر مـا تـراهُ
يُعاف ،وكم قليل مستـطـابِ؟ ف َدعْ عنك الكثيرَ فكـم كـثـير
باب المديح ويُلْفى الرّيّ في النّطَفِ العِذابِ وما الُلجَجُ الـمِـلح مُـ َروّياتٍ
شدّ ،وتؤلف ما نَدّ. ل إنك ل َت ْبذُل ما جل ،وتجبر ما انفلّ ،وتكثر ما قلّ؛ ففضلك بديع ،ورأيك جميع ،تحفظ ما َ وقال رجل لخالدِ القسري :وا ّ
وسئِل أعرابي عن قومه ،فقال :يقتلون ال َفقْر ،عند شدّة القرّ ،وأَرواح الشتاء ،وهبوب الجِ ْر ِبيَاء ،بأسنمة الجَزور ،و ُمتْرَعَات القدورَ ،تهَشّ
وجو ُههُم عند طلب المعروف ،وتعبس عند لمعانِ السيوف.
ك انفسحت آماُلهَا ،وفَخ ُر آباء شَ ُر َفتْ س ليوث تتبعُها أشبالُها ،وهِم ُم ملو ٍ ووصف أعرابي قوماً فقال :لهم جودُ كرام اتسعت أحوالها ،وبَأْ ُ
أخوالها.
عدْلِك ،حتى كأنك من وقال خالد بن صفوان ،وقد دخل على بعض ال ُولَة :قدمت فأَعطيت كلّ ب ِقسْطِه من نظرك ومجلسك ،وصوتك ،و َ
كلّ أحد ،وحتى كأنك لست من أحد.
جزْل اللفاظ ،عربيّ اللسان ،ثابت العقدة ،رقيقَ الحواشي ،خفيفَ الشفتين ،بَلِيلَ ل فقال :كان وال بديعَ المنطِق ،ذَلِق الجرأةَ ،وذكر خالد رج ً
الريقَ ،رحْبَ الشرف ،قليل الحركات ،خفيّ الشارات ،حُلْو الشمائل ،حسن الطلوة ،حييّا جريّا؛ قؤولً صموتاً ،يفل الحز ،ويصيب المفاصل،
لم يكن بالهذر في َمنْطِقه ،ول بالزمر في مروءته ،ول بالخرق في خليقته ،متبوعاً غير تابع ،كأنه علمٌ في رأسه نار.
ن من النعمة على ال ُمثْني عليك أنه ل يَ ْأمَنُ التقصير ،ول يخاف الفراط ،ول يحذر أن تَلْحقه نقيصةُ الكذب ،ول وقال بعض البلغاء لرئيسه :إ ّ
جدّك أن الداعي ل يعدم كثرةَ المشايعين ،ومساعد َة النيّة على ينتهي به ال َمدْحُ إلى غاية إل َوجَد في فضلك عَوْناً على تجاوزها .ومن سعادةِ َ
ظاهر القول.
ألفاظ لهل العصر
في ضروب ال َممَادح
قد وضعت كثرةُ التجارب ،في يدهِ مرآةَ العواقب .قد نَجدَته صروفُ الدهور ،وحنكَتْه مصاي ُر المور .قد أرض َعتْه الحُنكَة بلبانها ،وأ َذ َبثْه الدّ ْربَة
ع َر َكتْه .هو عارف بتصاريف اليام ،آخذٌ برهان التجارب ،نافذ في مجال التحصيل في إبانها .فلن نوازلُ التجارب حنكته ،وفوادِحُ اليام َ
ل والنهار ،ودَارت حنْكةً وتجريباً ،وعُوداً على الدهر صليباً ،قد َأدّبه اللي ُ
والتمييز .قد صحب اليام ،وتولّى ،النقض والبرام .هو ابنُ الدهر ُ
على رأسه الدوار ،واختلفت به الطوار .له همّة عل جناحُها إلى عنان النجم .وامتدّ صباحها من شرق إلى غرب ،ل يتعاظمه إشراف المر
255
إذا أخطره بفكره ،وانتساف الصّخْر إذا ألقاه في وَهْمهِ ،همّته أب َعدُ من مَناطِ الفرقد ،وأعلى من منكب الجوزاء .أوسعُ من الرض ذات العرض.
صدْر ،ذكيّ الذهن ،شجاعُ الطبع ،ليس بالنؤوم ،ول السؤوم ،فذّ فَرْد ،وأَسد وَرْد ،وكأنّ له في كل جارحة قلباً .كأنّ هو حيّ القلب ،منشرحُ ال ّ
ب مقدّم ،و ِقدْحٌ مقوّم .وهو شه ٌم مشدود النطاق ،قائم على سَاق ،قد جدّ واجتهد ،وحشر وحَشَد ،شمّر عن ساق سمَه سمع .شها ٌ جْقلبه عين ،وكأن ِ
ج الدّهم والشهب .هو سهُول ،وقطع البر والبحر ،وأعمل السيفَ والرمْحَ ،وأسر َ جدّ ما أَطاق ،قد ركب الصعب والذلول ،وتجشَم الحَزْنَ وال ّ ال ِ
عصْره ،وزبْنُ مِصْره ،وهو عَلَم مولود في طالع الكمال ،وهو جملة الجمال .قد أصبح عينَ المكارم ،و َزيْن المحافل .هو َف ْردُ دهره ،وشمسُ َ
الفضل ،وواسطة عِ ْقدِ الدهر ،ونادِرَة الفلك ،ونكْتة الدنيا ،وغُرّة العصر .قد بايعته يَدُ المَجْد ،ومالت به الشورى إلى النصر .فلن يزيدُ عليهم
جمَة وِ ْردِهم ،وواسطة عِقْدهم .هو صَدرُهم و َبدْرُهم ،ومن عليه ش نَبلهم ،ونَبعَة فضلهم ،و ُ طرِ .هو رائ ُ زيادةَ الشمس على البدر ،والبحر على القَ ْ
سدٌ هو قَلبه ،ومملوك هو ربّهُ .هو مشهور بسيادتهم، طبُه ،وجَ َيدورُ أَمرُهم ،ينيف عليهم إنافة صفحة الشمسِ على كُرةِ الرض ،كأنهم فلك هو قُ ْ
وواسطة قِلدتهم .موضعه من أهل الفضل موضِع الواسطة من العِقد ،وليلة التَ ّم من الشهر ،بل ليلة ال َقدْر إلى مطلع الفجر .أَفضَل وَأ ْنعَم،
وأَسدى في الحسان وأَلحم ،وأَسرَج في الكرام وأَلجم ،قسم من إنعامه ما يسَعُ أمماً ،وتلقى السعادة أمَماً ،أعطاه عنانَ الهتمام ،حتى استولَى
على َقصَبِ المرامُ .ر ّد عنه الدهرُ أَحَصّ الجناح ،وملّكه َمقَادة النجاح .أوله من معهود البرّ ومألوفه ،وقَصّرت العداء عن مِئاتِه وأُلوفه .أوله
ت عليه سحائبُ إسعافاً سمْحاً ،وعطاء سحاً ،ومنناً صفواً وعفواً .أفاض عليه شِعابَ البِ ّر ومَسَايِله ،وجمع له شعوبَ الجميل وقبائله ،وهطَل ْ
عنايته ،ورفرفت حوله أجنحة رعايته .قد فكّه بكرمه من َقيْد السؤال ،ومعرّة الختلل .رَاشه بعدما حضَه الفقر ،وأَرضاه وقد أسخطه الدهر.
ت من كرمِه أكرم سحاب ،وحصلت من إنعامه في أخصبِ جَناب .قد س ّد ثُ ْلمَة حالي ،وأَدرّ مل العيونَ ،وسهر دوننا لتحقيق الظنون .قد شِم ُ
ت من ت منه بنَوْءٍ غزير ،وسريتُ في ضوء قمر منير .قد كرع ُ حَلُوبة آمالي .ما أخلو من طَل إحسانه ووابله ،وغابر إنعامه وقابله .قد استمطر ُ
ت من طَوْله في ملبس تطول ول تقصُر .إقامته في ظلّ ظليل ،و َفضْل جزيل ،وريحٍ بليل ،ونسيم عليل، برّهِ في مَشَارع تغزر ول تنزُر ،ورفَ ْل ُ
وماء رَ ِويّ ،ومعاد وطيّ ،وكنّ كنين ،ومكان مكين .أنا آوي إلى ظلّه كما يأوي الطير المذعور إلى الحرم ،وأوَاج ُه منه وَجْهَ المجد وصورة
ت من دهري بظلّه .ما أرددُ الكرم .أنا من إنعامه بين خير مستفيض ،وجاهٍ عريض ،ونعم بيض .قد استظهرت على جَوْرِ اليام بعَدْلِ ،واستَتر ُ
فيه طَ ْرفِي وأعدّه من خالص ملكي مكتسب إلى عطائه ،أو مكتَسَبٌ بجميل آرائه .مسافة بصري تبعد إن سافَ ْرتُ في مواهبه ،وركائب فكري
ح إن أنضيتُها في استقراء صنائعه .نعمته نعمة عمّت المم ،وسبقت النعم ،وكشفت الهموم ورفعت الهمم ،نعمه قد سطع صباحُها مستنيراً، تَطْلَ ُ
صدْريِ .نعَمُه عندي مشرفةُ الجوّ ،مغرقة ش ْكرَ لساني ويدي وأتعبت ظهري ،وملت َ طنِبَ شعاعُها مستطيراً ،قد عرفتني ِن َعمُه حتى استنفدت ُ وَ
ت نِعمُه تتابعَ القَطْر على القفر ،وترادفت ِم َننُه ترادفَ الغني إلى ذوي الفقر .نِعمُه أشر َقتْ بها أرضِي ،ومُطِ َر بها النوء ،مونقة الضوء .تتابَع ْ
ن يعتذ ُر من إساءته ،وجاءني الدهرُ ينتظ ُر أمري .نِعمَهُ أنعمت البالَ ،وسرّت النفس جدّي ،وأتاني الزما ُ رَوْضي ،ووَرى لها َزنْدي ،وعل معها َ
صغُر القرائح عن اقتراحها .له أيادٍ والحال .نعم تعمّ عمومَ المطر ،وتزيدُ عليه بإفراد النفع عن الضرر .نعمٌ َتضْعف الخواطر عن التماسها ،وتَ ْ
سعَةَ البرّ والبَحْر، ت تَوَالي القَطْر ،واتسعت َ قد عمّت الفاق ،ووسمت العناق ،وأيادٍ قد حبست عليك الشكر ،واستعبدت لك الحرِ .منَنٌ توالَ ْ
وأثقلت كاهل الحرّ .عندي قلدة منتظمة من ِمنَنه قد جعلتها َوقْفاً على نحور اليام ،وجلوتها على أبصار النام .أيادٍ يقصر عن حقوقها جهدُ
القولِ ،وتزهر فيها سواطع النعام والطّوْل .أياديه أَطواق في أَجياد الحرار ،وأفلك تدورُ على ذوي الخطار .له ِمنَن تضعف عن تحملها
سبْع الشداد ،لو تحمل الثقَلن ثق َل هذا المتنان لثقل كواهلَهم وأضعف عواتقَهم .أياد يفرض لها عواتق الطواد ،ويتضاعفُ حملها على ال ّ
ب النامل .مِنن تضعف ُمنَنَ الشكر ،وينشر معها قوى النشر ،منن هي ن ُتتْعِ ُ
ختَم .أياد تثقل الكاهلَ ،و ِمنَ ٌ الشكر ويحتم ،ومنن يبتَدأ بها الذكر ويُ ْ
صرِها فسأطمع في أحسن أثراً من الغيث في أزاهير الربيع ،وأَحْلى موقعًا من المن عند الخائف المروع .إن أَتعبت نفسي في تعداد مننه وحَ ْ
إحصاء السحاب وقَطْرِها .أياد ل تحصى أو تحصى محَاسِنُ النجوم ،و ِمنَن ل تحصر أو تحصر أَقطارُ الغيوم .أيا ٍد كعدد الرمل والنمل ،أعيت
على العدّ ،ولم تقف عند حد .زادَتْ أياديه حتى كادت تجهد العداد ،وتسبق العداد .أَياديه عندي أغزر من قَطْرِ المطر ،وعوارفه لديّ أسرعُ
سمْك السحاب .استنبطه من الحضيض الوْهَد ،إلى السناء المجد ،وقد نبهَهُ عن خمول، من رَجْع البصر .رفعتني من َقعْر التراب ،إلى َ
طئَتْها ،وتقصر ِهمَ ُم الفلكِ لو طلبتها، وأجرى الماءَ في عوده بعد ذبول ،ورقاه إلى ذروَة من المجد بعد نزول .فضائل تزل أقدام النجوم لو و ِ
طرَ بها رَوْضي ،ووَرى لها َزنْدي ،وعل ت بها أرضِي ،ومُ ِ ض ْبعِه منأشرقَ ْ
ل المنيف ،ومكنَه من جوامع التشريف .جذب بِ َ ثبتَ ق َدمُه في المح ّ
ن يعتذ ُر من إساءته ،وجاءني الده ُر ينتظ ُر أمري .نِعمَ ُه أنعمت البالَ ،وسرّت النفس والحال .نعم تعمّ عمومَ المطر، جدّي ،وأتاني الزما ُ معها َ
صغُر القرائح عن اقتراحها .له أيا ٍد قد عمّت الفاق ،ووسمت وتزيدُ عليه بإفراد النفع عن الضرر .نعمٌ َتضْعف الخواطر عن التماسها ،وتَ ْ
سعَةَ البرّ والبَحْر ،وأثقلت كاهل الحرّ .عندي ت تَوَالي القَطْر ،واتسعت َ العناق ،وأيا ٍد قد حبست عليك الشكر ،واستعبدت لك الحرِ .منَنٌ تواَل ْ
قلدة منتظمة من ِمنَنه قد جعلتها َوقْفاً على نحور اليام ،وجلوتها على أبصار النام .أيادٍ يقصر عن حقوقها جهدُ القولِ ،وتزهر فيها سواطع
النعام والطّوْل .أياديه أَطواق في أَجياد الحرار ،وأفلك تدورُ على ذوي الخطار .له ِمنَن تضعف عن تحملها عواتق الطواد ،ويتضاعفُ
ل هذا المتنان لثقل كواهلَهم وأضعف عواتقَهم .أياد يفرض لها الشكر ويحتم ،ومنن يبتَدأ بها سبْع الشداد ،لو تحمل الثقَلن ثق َ حملها على ال ّ
ن ُت ْتعِبُ النامل .مِنن تضعف ُمنَنَ الشكر ،وينشر معها قوى النشر ،منن هي أحسن أثرًا من الغيث في ختَم .أياد تثقل الكاهلَ ،و ِمنَ ٌ
الذكر ويُ ْ
طرِها. أزاهير الربيع ،وَأحْلى موقعًا من المن عند الخائف المروع .إن أَتعبت نفسي في تعداد مننه وحَصْرِها فسأطمع في إحصاء السحاب وقَ ْ
أياد ل تحصى أو تحصى محَاسِنُ النجوم ،و ِمنَن ل تحصر أو تحصر أَقطارُ الغيوم .أيا ٍد كعدد الرمل والنمل ،أعيت على العدّ ،ولم تقف عند
حد .زادَتْ أياديه حتى كادت تجهد العداد ،وتسبق العداد .أَياديه عندي أغزر من قَطْرِ المطر ،وعوارفه لديّ أسرعُ من رَجْع البصر .رفعتني
سمْك السحاب .استنبطه من الحضيض الوْهَد ،إلى السناء المجد ،وقد نبهَهُ عن خمول ،وأجرى الماءَ في عوده بعد من َقعْر التراب ،إلى َ
ت ق َدمُه في المحلّ المنيف، ط َئتْها ،وتقصر ِه َم ُم الفلكِ لو طلبتها ،ثب َ ذبول ،ورقاه إلى ذروَة من المجد بعد نزول .فضائل تزل أقدام النجوم لو و ِ
ض ْبعِه من المسقط المنحطّ ،إلى المرفع المشتطّ. ومكنَه من جوامع التشريف .جذب بِ َ
ولهم في أدعية
من صدور الكتب تليق بهذه الثنية والممادح
أطال ال له البقاءَ ،كطُول يدهِ بالعطاء ،ومدّ له في العمر ،كامتداد ظلّه على الحُرّ ،وأدام له المواهب ،كما أفاض به الرغائب ،وحرس لديه
الفضائل؛ كما عوّذ به الشمائل .تولّى ال عني مكافأَته ،وأَعان على الخير نيّته و ِفعْله ،وأصحب بقاءه عزّا يبسطُ يديه لوليائه على أعدائه،
ن منيع ،وجنابٍ ل يأوي منه إلى ُركْ ٍ ب عن ودائع منَنه عِنده ،وزاد في نعمه وإن عظمتْ ،وبلغه آمالَه وإن انفسحَتْ ،ول زال الفض ُ وكلء ًة تذ ّ
ن عليه بالثناء ناطقة ،والقلوبُ على مودّته متطابقة ،والشهاداتُ له بالفضل متناسقة .ل زال يعطِف على الصادر والوارد، مريع .ل زالت اللس ُ
256
عَطْفَ الم والوالد .أبقاه ال للجميل ُيعْلِي معالَمه ،و َيحْمي مكا ِرمَه ،ويعمر مدَارِجَه ،ويثمّر نتائجه .أدام ال أيامَه التي هي أيام الفضائل
ومواقيتها ،وأزمان المآثر وتواريخها .أدامه ال للمواهب ،ساميةَ الذوائب ،موفِية على ُم ْنيَة الراجي وبغية الطالب .أبقاه ال للعطاء يفضه بين
ل يتابعُ له أيامَ العلء والغبطة ،والنماء والبسطة ،ليرتَع أنواع الخدم في رياض فواضلِه ،و َيكْرَع خدمه ،والجمال يُفيضه على إنشاء نعمه ،وا ّ
ض مواهبه ،والُّ يبقيه طويلَ الذراع ،مديد الباعِ ،مليّا بالتصال والصطناع .جزا ُه ال عن نعمةٍ هيّأها بعد أن أَسبغها، أصنافُ الحشم في حيا ِ
وعارفة مَلها بعد أن سوّغها ،أفضلَ ما جازى به مبتدئ إحسان ،ومُجير إنسان ،ل زال مكانُه مَصاناً للكرم ،مَعانًا للنعم ،ل تريمه المواهب،
غدُه ،ول زالت اليام والليالي مطاياه؛ في أمانيه وآماله وأيامه، ول ترومُه النوائب ،بُسِطَت بالعل َيدُه ،وقُرِن بالسعادة جَده ،وجُعل خي ُر يو َميْهِ َ
صرَفَ صروف الغِيَرِ عن إصابة إقباله وكماله. و َ
وقال ابن المعتز في القاسم بن عُبيد ال :الطويل:
سطَ عَـسْـكَـرِ إذا ما رآه غازياً وَ ْ أيا حاسداً يكوي التلـهـفُ قـلـبَـهُ
نظي ٌر ترى ثم اجتـهـدْ وتـفـكـرِ تصفّحْ بني الدنيا فهـل فـيهـمُ لـهُ
ل بين جنبيك مُضْـمَـر بنَجْوى ضل ٍ س أنـك مـثـلُـه فإن ح ّد َث ْتكَ النفـ ُ
شدّ عن الثمِ المـآزِرَ واصـبِـر وُ جدْ ،وأجد رأياً ،وأقدم على الـعِـدا فَ ُ
وائب وا ْرفَعْ صرعَةَ الضرّ واجبـرِ وعاصِ شياطين الشباب وقارع الـن
لحكامه واستغفـرِ الـلـه يغـفـرِ عتَرِفْفإن لم تطق ذا فاعذر الدهر وا ْ
صناعة الكلم
ل ول يُقْلَى ،وهو العيارُ على كلّ قال الجاحظ :صِناعةُ الكلم عِلْق نفيس ،وجَوه ٌر ثمين ،هو الكنز الذي ل يَ ْفنَى ول َيبْلَى ،والصاحبُ الذي ل ُيمَ ّ
صناعة ،والزمامُ لكل عبارة ،والقِسْطاسُ الذي به يَسْتبينُ نَ ْقصُ كلّ شيء و ُرجْحانه ،والراوُوق الذي ُيعْرفُ به صَفاءُ كلّ شيء و َكدَره ،والذي
عيَال ،وهو لكلّ تحصيل آل ٌة ومثال. كل عِلم عليه ِ
وقال ابن الرومي :البسيط:
كَفّاه ُم ْعتَزليّا ِمثْلَـه صـفَـدا ي مُوس ٍر منعَتْ عذْ ُر معتزل ّ ما ُ
عقَدال ذاك َف َقدْ حل اّلذِي َ إن قا َ أيَزْعم ال َقدَر المحتوم ثبّـطَـه
وقال ابن الرومي :الكامل:
ل عن الهدى وتَجُورُ حُجَجٌ تض ّ غدَوا لجدالهم لذوي الجدال إذا َ
فهوَت ،وكلّ كاس ٌر َمكْسـورُ ن كآنيةِ الزّجاج تَصَادمـتْ وُهُ ٌ
ولوهيِه ،والسرُ المَـأْسُـورُ ضعْـفـه ل ثَمّ ِل َ
فالقاتِلُ المقتو ُ
وقال أبو العباس الناشئ يفتخر بالكلم الطويل:
سنِنا زينتْ صدورُ المحافـلِ بأل ُ س فَضْلَنا ونحن أناس َيعْرفُ النا ُ
إذا أظلمتْ يوماً وُجُوهُ المسائلِ ق عند جَوابِـنـا تُنير ُوجُوهُ الح ّ
ك مَقالً لِـقـائلوقُ ْلنَا فلم نتر ْ ص َم ْتنَا فلم نت ُركْ مقالً لصامتٍ
وقال يصفُ أصحابه :البسيط:
يوْمَ الخصام وماءُ الموت يَطّردُ ت مقاماتي وأنْـ ِديَتـي ش ِهدْ ُفلو َ
لهم شبيهًا ول يُ ْلفَوْن إنْ فقـدوا في فتيةٍ لم يلق الناسُ مذْ وُجِدوا
257
فَوَعـثٌ ،وأمّـا خَـصـرهـــا فـــبَـــتِـــيلُ عُقَـــيْلِـــيةٌ ،أمّـــا مَـــلَثُ إزارِهــــــا
بنَـعْــمـــان مـــن وَادِي الراك مَـــقِـــيلُ ظ أكـنَـاف الـحِـمَـــى ،ويُظِـــلّـــهـــا تقَـيّ ُ
لنـا مـن أَخـلّء الــصـــفـــاءِ خَـــلـــيلُ فيا خُـلّةَ الـنـفـس الـتـي لـــيس دُونَـــهـــا
عدوّ ،ولـــم يُ ْؤمَـــنْ عـــلـــيه دَخِـــــيلُ ويا مـن كَـتَـمْـنَـا حُـبّـه ،لـــم يُطَـــعْ لَـــه
وخَـوْفَ الـعِــدا فـــيه إلـــيكِ سَـــبِـــيلُ؟ أمَـا مِـن مـقـام أشْـتَـكـي غُـرْبةَ الـــنـــوى
إلـيكِ؟ وكـل لـــيس مِـــنـــك قـــلـــيلُ ألـيس قـلـيلً نـظـرةٌ إنْ نــظـــرتُـــهـــا
عنُودَ النوى محجوبةً لطويلُ وإن عناءَ النفسِ ما دمت هكذا َ
مع الـرّكـبِ لـم يكـتـب عـلـــيك قـــتـــيل ي فَرائح أراجعة قلبي عل ّ
َفحَـمْـلُ دمـي يوم الـحــســـاب ثَـــقـــيلُ فل تـحـمِـلــي وِ ْزرِي وأنْـــت ضـــعـــيفةٌ
ويا نُـور عـينـي ،هــل إلـــيك ســـبـــيلُ؟ فيا جـنّةَ الـدنـيا ،ويا مُـنـتـهَـى الــمـــنـــى
ك قَـــلِـــيلُ
بعــيدٌ ،وأشـــياعـــي لـــدي ِ فديتـكِ ،أعـدائي كــثـــير ،وشُـــقّـــتـــي
فأفـنـيت عِــلّتـــي ،فـــكـــيف أقـــول؟ ت بـــعـــلّةٍ وكـنـتُ إذا مــا جـــئتُ جـــئ ُ
ول كـــل يوم لـــي إلـــيك رســـــــولُ فمـا كــل يوم لـــي بـــأرْضـــكِ حـــاجةٌ
وأنشد ابنُ سلّم لبي كبير الهذلي :الطويل:
لوى الدّينَ ُم ْعتَل وشَـحّ غَـريمُ سقٍ لها ال كُـلّـمـا وإني لمستَ ْ
ول مُحرقَاتٍ ماؤهـنّ حَـمِـيمُ صيّبٍ ذي صَوَاعِق ب ل من َ سحائ َ
إليهنّ هوجاءُ ال َمهَـبّ عَـقـيمُ ن بنَـسْـمَةٍ ول مخلفات حين ِهجْ َ
َب َكيْنَ بهِ حتى يَعـيش هَـشِـيمُ ت َنبْتُـهُ
ع قد ما َ إذا ما َهبَطْنَ القا َ
عمران بن حطان
ق ابن الفاجرة ،فقال عمران :لبئسما أدّبك أهلُك يا حجّاج! كَيف أمنت أن أُجيبك عنُ َ
ولمّا ظفر الحجّاج بعمران بن حطان الشاري قال :اضربوا ُ
طرَق الحجاج استحياءً ،وقال :خَلّوا عنه؛ فخرج إلى أصحابه ،فتقالوا :وال ما أطْلَقك بمثْلِ ما لقيتني به؟ أبعدَ الموت منزلةٌ أصانِعك عليها؟ فأ ْ
ق قبةً ُم ْعتِقُها! وأنشد :الكامل: إل ال ،فا ْرجِعْ إلى حَرْبه معنا ،فقال :هيهات! غلّ يداً مطلقها واستر ّ
بيدٍ تُقرّ بأنهـا مَـوْلتُـهُ؟ أأقاتل الحجاجَ عن سُلْطَانِه
عفّتْ عَلَى عرفانِهِ جَهلتُهُ َ إني إذاً لخُو الدناءة ،والذي
258
خرج الزهري يومًا من عند هشام بن عبد الملك فقال :ما رأيتُ كاليومِ ،ول سمعت كأربع كلمات تكلّم بهنّ رجلٌ عند هشام؛ دخل عليه فقال :يا
ح مُلْكك ،واستقامةُ رعيّتك .قال :هاتهنّ؟ قال :ل َتعِدن عِد ًة ل َتثِقُ من نفسك بإنجازها ،ول أمي َر المؤمنين ،اِحفظْ عني أ ْربَع كلمات ،فيهنّ صل ُ
ت فكُنْ على حذَر. سهْلً إذا كان المُنحَدرُ وَعْرأ ،واعلمْ أن للعمال جزاءً فاتّق العواقبَ ،وأنّ للمو ِر َب َغتَا ٍ يغرّنك الم ْر َتقَى وإن كان َ
عدْ عليّ! فقلت :يا أمير المؤمنين ،أَسِغْ قال عيس بن دَأْب :فحدّثت بهذا الحديث الهادي وفي يده لُقْمة قد رفعها إلى فِيهِ فأمسكها ،وقال :ويحك أ ِ
لقْمتك ،فقال :حديثك أحب إليّ.
بيعة يزيد
ن يزيد بن ولمّا عقد معاوي ُة الب ْيعَةَ ليزي َد قام الناسُ يخطبون؛ فقال لعمرو بن سعيد :قمْ يا أبا أمية ،فقام فحمد ال وأثنى عليهِ ثم قال :أمّا بعد ،فإ ّ
جذَع قَارح، جتُم إلى رَأْيه أَرشدكم ،وإن افتقرْتم إلى ذاتِ يده أعناكمَ ، سعَكم ،وإن احت ْ حلْمه وَ ِ
ل تؤملونه ،إن استضفتم إلى ِ ل تؤمونه ،أم ٌ معاوية أج ٌ
جدَ ،وقُورع فقَ َرعَ ،وهو خَلف أمير المؤمنين ،ولمل خلف عنه ،فقال له معاوية :اجلس ،فقد َأبَْلغْتَ. جدَ فمَ َسبَقَ ،ومُو ِ سُوبِق ف َ
شدَق ،وإنما سُمي الشدق لتشادقه في الكلم ،وقيل :بل كان َأفْقم مَائل الشدق ،وهذا قول عوانة بن الحكم الكلبي، وعَمرو بن سعيد هذا هو الَ ْ
وهو خَلفُ قول الشاعر :الطويل:
وكل خَصيبٍ ل أباً لكَ أشْـدَقُ تشادق حتى مال في القول شدقةُ
وكان أبو ُه سعيد بن العاصِ أَحدَ خطباء بني أمية وبلغائهم.
ل معاوية :وفي هذه العلّة إلى من ت سعيد دخل عمرو على معاوية فاستَنطَقه فقال :إن أوّل كل مركب صَعب ،وإن مع اليوم غداً ،فقا َ ولما ما َ
أَوصى بك أبوك .قال :أوصى إليّ ولم يُوصِ بي ،فقال معاوية :إن ابن سعيد هذا لشدق!.
تواضع الرشيد
جمَالً وحَسَباً ،فواسَى في مَالِه ،وعفّ ضعُك في شرفك أفضَلُ من شرفك؛ إنّ رجلً آتاه ال مالً و َ قال ابن السماك للرشيد :يا أمي َر المؤمنين ،توا ُ
في جماله ،وتَواضعَ في شربِه ،كُتب في ديوان ال عزّ وجلّ.
المتنبي يصف علّة أصابته بمصر
نالت أبا الطيب المتنبي علّة بمصر ،فكان بعض إخوانه من المصريين يُكثر اللما َم به؛ فلمّا أب ّل قطعه ،فكتب إليه :وص ْلتَني ،أعزك ال ،مُعتلً،
وقطعتني مُبِلّ ،فإن رأيت أل َت ْكدُر الصحةُ عليّ ،وتحبّب العلّة إليَّ ،فعَلْتَ.
وفي هذه العلّة يقول :الوافر:
خبّ بيَ الرّكابُ ،ول أمامـي تَ ُ ض مِصْرَ؛ فل ورائي أقمتُ بأر ِ
سكْ ِر من غيرِ الـمُـدَامِ شديدُ ال ّ جسْ ِم ُم ْمتَـنِـعُ الـقـيامِعَليلُ ال ِ
س تَزُورُ إل في الـظّـلمِ فَليْ َ وزائِ َرتِي كَـأنّ بـهـا حَـياءً
فعافَتهَا ،وباتَتْ في عِظـامِـي بَذَلْتُ لها المَطارِفَ والحَـشـايَا
سعُهُ بـأنـواعِ الـسـقَـامِ
فتُو ِ ج ْلدُ عن نَفَسِي وعنهـا يضيق ال ِ
كأنا عاكِفـانِ عـلـى حَـرَامِ إذا ما فارقَتني غسّـلـتْـنـي
مَدا ِمعُهـا بـأربـعةٍ سِـجَـام كأنّ الصبح يَطْرُدها َفتَـجْـرِي
مُراقَبةَ المَشُوقِ المُسْـتَـهـامِ أُرا ِقبُ َو ْقتَها مِنْ غـيرِ شَـوقٍ
إذا ألقاكَ في الكُرَبِ العِظـامِ صدْقُ شَـرّ عدُها وال ّ صدُقُ وَ ْ ويَ ْ
ألفاظ لهل العصر في العيادة وما جانسها
شكّي والمرض وتلوّنه ،وسوء أثره ،والنزعاج لِعوارضه: من ذكر التّ َ
حمّى ل ُتغِبّ ،و ُزكَامصدَاع ل يخفّ ،و ُ عرض لي مرضٌ أساء بالنجاة ظنّي ،وكاد يصرف وجه الفاقة عني ،هو شُورى بين أمراض أربعةُ :
ل تعالى إذ جعلها عِظة سرِها مُعتَقل ،وب َق ْيدِها مُكبل .أمراض تلوَنت عليّ ،وأساءت بي وإليّ ،فأنا أشكرُ ا ّ ل يجفّ ،وسُعال ل َيكُفّ .علّة هو في أ ْ
ق منها الن إل يسيراً ،أحسب أن المراض قد أقسمت على أن تجعل أعضائي مَرَاتعها ،واَلت على أن تُصيّر جوارحي وتذكيراً ،ولم ُيبْ ِ
ل إل بولي عهد .قد كرّت تلك العلة فعادت عِللً ،وسقتني بعد َنهَل عَلَلً .علل ت إل لتكدير وِرْد ول يعزل منها وا ٍ مرا ِبعَها .عِلَل ل يصدر منها آ ٍ
جثّة ،والطيفُ أَوفر منه قُوّة .عرض له سعَتْ ُه مَرَضاً ،وغادرته والخيالُ أَكثَفُ من ُ بَ َرتْه بَرْي الخلّة ،ونقصته َنقْصَ الهلّة ،وتركته حَرَضا ،وأو َ
ط ُيغَاديه ويُراوِحه ،واليأس يُخاطبه و ُيصَافحه .قد و َر َد من سوء الظنّ أَوْخمَ المناهل ،وبات من حسن الرجاء من المرض ما صار معه القنو ُ
ن ل يُقل رأسَه ،ول يحور على مرَاحل .طالعتُ الكرم يترجّح نجمه بين الضاءة والفول ،وتمثلُ شمسه بين الشراق والغروب .أصبح فل ٌ
ظلّه ،ويدُ المنية تَقْرَع بابه .ما هو للعلّة إل عَرض ،ولسهام المنيّة إل غَرَض .شاهدتُ نفسي وهي تَخرج ،ولقيت رُوحي وهي َتعْرُج ،وعَرفت
طعْ ُم البعد والفراق ،وكيف تلتفّ الساق بالساق .مرض لحقتني رَوْعته ،وملكتني لَوْعته .وجدت كيف تكون السكْرة ،وكيف تقع ال َغمْرة ،وكيف َ
عرَضَ لك حشُ ُه آنَسُه ،وَآنَسُه أوحشُه .بلغني من شكايته ما أَوحش جناب الُنس ،وأَرَاني الظلمة في مَطْلع الشمس .قد بلغني ما َ في نفسي ألماً أوْ َ
من المرض ،وأل ّم بك من اللم ،فتحاملَ على سوداء صدري ،وأقْذَى سوادَ طَرْفي ،وقد استنفد ال َقلَق لعلّتك ما أَعدّه الصبرُ من ذخيرة ،وأضعف
ي من الخبر ما قواه العزم من بصيرة .قَلْبي يتقلّب على حدّ السيف إلى أن أعْرف انكشافَ العارض و ِزيَاله ،وأتحقّق انحساره وانتقاله .أنهى إل ّ
العارض ،حسمَ ال مادّته ،وقصّر مدّته ،ما أراني الفق مُظْلماً ،والعيش ُم ْبهَماً.
فقر في تهوين العلّة بحسن الرجاء
وذكر المشاركة والهتمام بحُلُولها والستبشار بزوالها:
ضعْفِه قد أضعف المنّة ،وإنْ لم يُضعف الظنّ بالّ والثّقة .قد استشفّ العافية من ثوب رقيق .ما أكثر ما رأينا هذه العلل ن الذي بلغني من َ إّ
ت وتوالت ثم تولّت .خبّرني فلن بعلّتك فأشركني فيها ألماً وقلَقاً ،فل أَعَل ال لك جسماً ول حالً ،فليست ِنكَاية الشغل في قلبي بأقلّ حَلّتْ ثم تَجلّ ْ
من ِنكَايةِ الشكايةِ في جسمك ،ول استيلء القَلَقِ على نفسي بأيسر من اعتراضِ السّقم لبدنك ،ومَنْ ذَا الذي يصحّ جسمه إذا تألّمت إحدى يديه،
شكَاتك ،مبتهج ب ُمعَافاتك ،إن كانت علَتك قد قَ َرحَت وجرَحتْ ،فإنّ صحتك قد آسَت وآنست .بلغتني ومن يحل محلّها في القرب إليه؟ أنا منزعج ل َ
259
حنَة وال ِمنْحة ،والنقمة والنعمة ،وعلى أنّا لم نتهالك بأيدي المخافة ب المدة بين ال ِم ْ خفّتها فا ْرتَحْت .الحمد لّ على ُقرْ ِ شكَاتك فا ْرتَعْت ،ثم عرفت ِ َ
حتى تدارك بحُسْنِ الرأفة ،ولم نستسلم لخطّة الحذر حتى سَل َم من وَرْطَة القدر.
ولهم في شكاة أهل الفضل والسؤود
حرِجَت لها صدورُ أهل الدب جدِ ،و َغضَت بها حلوقُ ال َم ْ حضُ .شكاته التي َ شكاتُه التي تتألَم منها المروءةُ والفضل .ويسقم منها الكرم الم ْ
شرُ على غُزَة المروءة .قد اعتل بعلّته الكَرَم ،وشكا بشكايته السيفُ والقلم .شكاة ب معها على وَجْه الحرية ،وحرم معها البِ ْ والعلم ،وبدا الشحو ُ
ت بها ،وساعة أنس تفقدها لبذلتها ،عالماً عرضت منه لشَخص الكرم الغضّ ،والشرف المَحْض .لو قبلت مهجتي فديةً ،دون وَعكَة تجدهاَ ،لجُد ُ
بأني أ ْفدِي الكرم ل غير ،والفضل ول ضَير.
ولهم في تنسّمِ القبال وذكر البلل
ش ِممْت رائحةَ الصحة .أقبل صنع ال من حيث لم أَحتسب ،وجاءني لطْفه من حيث ل أرْتقب؟ وتدرّجْت إلى البلل قد شمْت با ِرقَة العافية ،و َ
شطّ العافية لما تداركني ال تعالى بلطيفة من لطائفه وجعل هبة الروح وقد حسبته حلْماً ،ورضيت به دون الستقلل غُنماً وقد تخلَصت إلى َ
شفَيث على الوفاة ،وثنيْت وجهي إلى الدنيا بعد مواجهتي للدار الخرى .قد صافَحَ القبال عارِفة من عَوَارفه ،وتنسمت روح الحياة؟ بعد أن أَ ْ
والبلل ،وقارب النهوض والستقلل .سيُرِيك ال من العافية التي أذاقك ويُسْبغ .ثوبها ،ول يعيد عنيد مكَروهَها .قد استقلّ استقللَ السيف
ث عهدُه وأعِيد فِر ْندُه ،والقمر انكشف سِرَارُه ،وذاعت أَسراره .حين استقلّت يدي بالقلم ،بشَرتك بانحسار اللم .قد أتاك ال بالسلمة حود َ
سمَك وعافاه ،ومحا عنه أثرَ السقم شرَحَت الصدور ،وشمل السرور .الحمد لّ الذي حرس جِ ْ الفائضة ،وعافاك من الشكاة العارضة .أبلّ فان َ
وعَفّاه .الحمد لّ الذي جعل العافيةَ عقْبى ما تشكيت ،والسلمة عِوَضًا عمّا عايَنت .الحمد ل الذي أعفاك من ُمعَاناة اللم .وعافاك لل َفضْلِ
والكرم ،ونظمني معك في سِلكِ النعمة ،وضمَني إليك في ُمنْبلج الصحّة .الحمد لّ الذي جعل السلم َة ثوبك الذي ل تنضوه ،وسيفك فيما تأمله
جعَل السلمةَ أطول ب ْردَيك ،وأشدّهما سُبوغًا عليك ،ويدفع في صدوره المكارِم دون ربعك ،وفي نحور المحاذير قبل النتهاء إلى وتَرْجُوه .ال يَ ْ
شعَارَك ،ما واصل ليُلكَ نها َركَ. ظلّك .ل زالت العافية ِ
فقر في أدْعية العيادة والستشفاء بكتبها
صوْبَأَغناك ال عن الطبّ والطباء ،بالسلمة والشفاء ،وجعله عليك َتمْحيصًا ل تنغيصاً ،وتذكيرًا ل نكيراً ،وأدباً ل غضباً .ال يدرّ لك َ
العافية ،ويُضفي عليك ثوبَ الكفاية الوافية .أوْصَل ال تعالى إليك من بَردِ الشفاء ما يكفيك حَ ّر الدواء .كتابك قد َأدّى َروْحَ السلِمة في
أعضائي ،وأَوصَل بَردَ العافية إلى أحشائي .تركني كتابك والنعم َتثِب إلى صحتي ،والخطوب تتجافى عن مُهجتي ،بعد أمراضٍ اكتنفت ،وأسقام
ضمَار تجاريا .أبدلني كتابُك من حزون الشكايه شهُولَ اختلفت .قد استبق كتابك والعافية إلى جسمي كأنهما فرَسَا رِهَان تباريا ،ورَسيل مِ ْ
المعافاة ،ومن شدّة التألّم ،رخاءَ التنعم.
قطعة من كلم الطباء والفلسفة
العاقل يترك ما يحبّ ليستغنيَ عن العلج بما يكره.
ض طبيعي. جالينوس :المرض هَرَم عارِض ،والهَرَم مر ٌ
حمّى الروح. وله :مجالسة الثقيلِ ُ
بختيشوع :أكلُ القليل ممّا يَضرّ أصلح من أكل الكثير مما ينفع.
حدُث ،ومن الشراب بما َقدُم. يحوحنا بن ماسويه :عليك من الطعام بما َ
ن ما يُتنقّل به على النبيذ؟ قال :قول أبي نواس ،يريد قوله :المنسرح: وقال له المأمون :ما َأحْسَ ُ
خمري شرابي َونَقْليَ القُبلُ الحمد لّ ليس لي مَـثَـلُ
ثابت بن قُرة :ليس شيء أضرّ بالشيخ من أن تكونَ له جارية حسناء ،وطبّاخ حاذق؛ لنه يُكثر من الطعام فيَسقَم ،ومن الجماع ف َيهْرَم.
غيره :ليس لثلث حيلة :فقرٌ يخاِلطُه كسل ،وخصومة يخامرها حَسَد ،ومرضٌ يمازِجه هرم.
ثلثة يجب مداراتهم :السلطان ،والمريض ،والمرأة.
ثلثة ُيعْذَرون على سوء الخلق :المريض ،والمسافر ،والصائم.
فقر في ذكر المرض والصحة والموت
والحياة لغير واحد:
شيئان ل يُعرفان إل بعد ذهابهما :الصحة والشباب .بمرارة السقم توجد حلوةُ الصحة .هذا كقول أبي تمام :الطويل:
شهْدُ
إليّ ،ولول الشَرْيُ لم ُيعْرَفِ ال ّ ن فِعـلِـهِ إساءة دَهْ ٍر أ ْذكَرَت حسْ َ
وقوله أيضا :الكامل:
ف نعيمُها فهو الذي أدْراك كي َ والحادثاتُ وإنْ أصابك بُؤْسها
ما سلم ُة بدن معرّض للفات ،وبقاء عمر معرض للساعات؟ قال أبو النجم :الرجز:
كالغَرض المنصوب للسّهام إنّ الفتى يصبح للـسـقـام
أخطأ رامٍ وأصـابَ رَام
حذَرُ المربوب ،و ِنعْمَ الدواء وقيل لبعض الطباء وقد نهكته العلّة :أل تتعالج؟ فقال :إذا كان الداء من ،السماء بطل الدواء ،وإذا قدّر الرب بطل َ
المل ،وبئس الداء الجل.
بزرجمهر :إنْ كان شيء فوق الحياة فالصحة ،وإن كان شيء فوق الموت فالمرض ،وإن كان شيء مثل الحياة فال ِغنَى ،وإن كان شيء مثل
الموت فالفقر.
غيره :خير من الحياة ما ل تطِيبُ الحيا ُة إل به ،وشرّ من الموت ما يُتمنّى الموت له.
قال المتنبي في مرثية سيف الدولة :الوافر:
َت َمنّتْهُ البَواقِي وا ْلخَوَالِـي ت مَوْتاًك مُ ّس أن ِ
أطَابَ النفْ ُ
س فِيهِ بالـزوالِسرّ النَفْ ُ تُ َ وزُ ْلتِ ولم تَرَيْ يوماً كريهاً
260
ك في كمَالِ
ي ابنِ ِ
ومُ ْلكُ عل ّ سبَطِرّ ك مُ ْ
رِوَاقُ العِ ّز فَ ْو َق ِ
الموت باب الخرة.
ك ل يقين فيه من الموت. ك فيه أشبه بش ّ الحسن :ما رأيتُ يقيناً ل ش ّ
سهْ ٌم مُ ْرسَل إليك ،وعمرك بقدر سفره نحوك .أخذه بعض أهل العصر فقال :مجزوء الكامل: ابن المعتز :الموت َ
ن وخَفْ بوادرَ آ َفتِهْ ل َت ْأمَن الدهرَ الخؤو
والعم ُر قَدْر مسا َفتِهْ سهْ ٌم مُ ْرسَلٌ فالموت َ
البستي :الخفيف:
ك أنني ليّن المسّ فعزمي إذا انتضيتُ حُسام ل يغر ْن َ
ثم فـــيه لخــــــرين ُزكَـــــــام أنا كالورد فيه راح ُة قَوْمٍ
وقال آخر :الكامل:
ضرر السّعال لمن به استسقاءُ إن الجهولَ تضرّني أخـلقـهُ
ولخر ،وهو البستي :البسيط:
فليس يحمد قبل النّضج بُحرَانُ فل تكن عَجِلً في المر تطلبهُ
وقال آخر :الكامل:
إنّ الكبار أطبّ للَوجاع ل تعتمِدْ إلّ رئيساً فاضلً
وقال آخر :المتقارب:
عبَامـا وإن كان َفدْماً ثقيلً َ ص بعض الرجال ختَ ّ وإني ل ْ
شهّي الطعامـا ثقيل وخي ٌم يُ َ جبُـنّ عـلـى أنـهُ فإن ال ُ
وقال المتنبي :البسيط:
وربّما صحّتِ الجسامُ با ْلعِلَلِ ك محمودٌ عواقـبُـهُ ع ْتبَ َ
لعلّ َ
وقال أيضاً :البسيط:
ح َم فيمَنْ شَحمُهُ وَرَمُ حسِبَ الشَ ْ أنْ ت ْ أُعِيذُها نَظَرات مِـنْـكَ صـادِقةً
الجواب المفحم
جلْداً حين ا ْبتُلي ،أحضره يوسف بن عمر في قيودِه لبعض المر ،وهُم قال أبو المنذر هشام بن محمد السائب الكلبي :كان بللُ بن أبي بردة َ
ت يدًا من طاعة ،ثمحبَسني ولم أفارِق جماعة؛ ول خلعْ ُ ن عدو ال بللً ضربني و َ بالحِيرة؛ فقام خالدُ بن صفوان فقال ليوسفَ :أيها الميرُ ،إ ّ
ت شديدَ الحجاب ،مستخفاً بالشريف، التَفت إلى بللٍ فقال :الحمدُ لّ الذي أَزال سلطانَك ،وهدّ أركانك ،وأَزال جَمالك ،وغيّر حالك ،فوال لقد كن َ
مظهرًا للعصبية! فقال بلل :يا خالد ،إنما استطلت علي بثلث معك هن عليّ :المير ُم ْقبِل عليك ،وهو عني ُمعْرِض .وأنت مُطلَق ،وأنا
مأسور .وأنت في طينتك ،وأنا غريب! فأفحمه ،ويقال :إن آل الهتم زعنفة دخنت في بني منقر فانتسبت إليهم.
ن بللً مَ ّر بخالد في موكب عظيم ،فقال خالد :الطويل: وكان سبب ضرب بلل خالداً في وليته أ ّ
ف عن قليل تَقشّعُ. سحابة صي ٍ
حبْسِه.فسمعه بلل ،فقال :وال ل تقشع أو يصيبك منها شؤبوب برد ،وأمر بِضَربه و َ
ما قيل في القداح
وقال أبو الفتح كشاجم يرثي َقدَحاً له انكسر :المتقارب:
ض فَـدَح فبعضاً أطَ ْقتُ ،وبعـ ٌ ن بـأحْـدَاثـه عَرَاني الـزمـا ُ
وليس كفج َعتِـنـا بـالـقَـدَحْ وعندي فَجـائع لـلـحـادثـات
و ُم ْدنِي السرور ،ومُ ْقصِي التّرَحْ وِعاءُ ال ُمدَام ،وتـاجُ الـبـنـان
ويُستودع الس ّر مـنـهـا يبـحْ ومعرض رَاحٍ متى تـكـسـه
يُرَى للهـواء بـكـفّ شَـبـحْ وجسـم هـواءً وإن لـم يكـن
وإن تتـخِـذْه مِـرَاةً صَـلـح يردّ على الشخْصِ تـمـثـالـهُ
فتحسب منه عَـبِـيرًا نَـفَـحْ و َيعْبَقُ من نكـهـاتِ الـمُـدَام
ختِها مـا رَجَـحْ ول شيء في أ ْ ورَقّ .فـلـو حـلّ فـي كِـفّة
لما فيه ممن شكله ينـفـسـح يكادُ مـع الـمـاء إن مـسّـه
فيا عجبًا مِـنْ لـطـيفٍ رَزَح هوَى من أَنـامـل مـجـدولةٍ
به للـزمـان غَـرِيم مَـلـحْ فَأفْـقَـ َدنِـيه عـلـى ضِــنّة
فمتى يَتعَمّـدُ غَـيْرَ الـمُـلـحْ كأنّ لـه نـاظـراً ينـتـقـي
ت منه وفي العين َدمْـعٌ يسُـح ب مـا أبـقـتِ الـحـادثـا أقلَ ُ
على القَلْبِ من ناره مـا قـدح وقد قدح الـوجـد مـنـي بـهِ
وآخرَ يسلب تـلـك الـمِـنَـحْ وأعجـب مـن زمـن مـانـح
عليك كَـلِـيمٍ وقَـلْـب قَـرِحْ فل تبعدنّ فـكـم مـن حَـشـاً
وتُوحِش منك مغَاني الصّـبـحْ سيُقف ُر بعدك رَسـم الـغـبُـوق
ومن أحسن ما قيل في وصف قدح ،ابن الرومي يصف قدحاً أهداه إلى علي بن يحيى المنجم :الخفيف:
261
كلّ عقل ،ويَطّبي كلّ طَـرْ ِ
ف وبدي ٍع مـن الـبـدائع يَسْـبِـي
ما يوفّيه واصفٌ حق وَصْـفِ رَقّ في الحسنِ والملحةِ حتـى
هى وإن كان ل يناجي بحرْفِ حبّ في الملحة بـل أَش كفم الْ ِ
أخطَأتْه من ِرقّةِ المستـشَـفّ ن فيه حتـى تـراهـا تنفذ العي ُ
بضياءٍ ،أً ْرقِقْ بـذاك وأصْـفِ كهواء بـل هـبـاء مـشُـوب
ل علجًا بكِيمِـيَاء مُـصَـفّ صِيغ من جوهر مصفّى طباعاً
مُتوالٍ ،ولم يصغّـر لـرَشْـفِ وسط ال َقدْرِ ،لم يكبّـر لِـجَـرْع
بل حليم عنهنّ في غير ضعفِ ل عجول على العقول جَهـولٌ
ح َكمَاءُ القيون أحكم عَـطْـفِ فيه نون معقرب عـطّـفَـتْـه
من حبيب يُزْهى بحُسْنٍ وظرْفِ جنَاتٍ مثل عطف الصداغ في و َ
مثله فارِساً على بطـن كَـفّ ما رأى الناظرون قدّا وشـكـلً
وقال أبو القاسم التنوخي :المتقارب:
َبدَتْ لك في َقدَح من نهارْ ح من الشمس مخلوقةٍ ورا ٍ
وماءٌ ولكنه غـير جَـارْ هواءٌ ولـكـنـه جـامـدٌ
وجعَ ْلنَا الزمانَ لِّلهْوِ سِلْـكَـا ظ ْمنَا عقود لهـوٍ وُأنْـسٍ كم نَ َ
سكَا
س فيه رُشْدًا ونُ ْ عُزل الكأ ُ وفتقْنا الدنان فـي يوم ثـلـجٍ
سكَـا
ق مِ ْ ن نَ ْفتِ ُ
راً علينا ،ونح ُ ل كـافـوفكأن السماءَ تنحـ ّ
وقال المير أبو الفضل الميكالي يصف الْجَمد :الرجز:
مهتك الستارِ والضـمـيرِ حيَا النـمـير
جنِين من َ ربّ َ
كأنها صحائف الْـبَـلُـورِ سللته من رحـم الـغـدير
أو قِطَ ٌع من خَاِلصِ الكافور ت مـن نُـور أو أكُ ٌر تجسم ْ
ت قلئد الـنـحُـور لعطّل ْ لو بقيت سِلكاً على الدهـور
وسميت ضرائر الثـغـور وأخجلت جواهرَ البـحـور
إذا َقيْظُه مثل حَشَا المَهجُور حسْنهُ َفي زَمنِ الحـرور يا ُ
رَوحًا يُجلّي نَ ْفثَةَ المصدور ُيهْدِي إلى الكبادِ والصـدُورِ
ويَخِلبُ السرورَ لل َمقْـرورِ
ألفاظ لهل العصر
في وصف الثلج والبرد واليام الشتوية
جرَانه ،واستقلّ بأركانه ،وأناخ بنوازله، ل نِطَاقه .ضرب الشتاء ب ِ ل بنا أثقاله .مدّ الشتاء أرِواقه ،وألقى أوراقه ،وح ّ ألقى الشتا ُء كَ ْلكَله ،وأح ّ
وأَ ْرسَى بكلكله ،وكلح بوجهه ،وكشّر عن أنيابه .قد عادت هامات ،الجبال شِيبَاً ،ولبست من الثلج بُردًا قَشِيباً .شابت مفارق البروج لتراكم
ضقِض العضاء، الثلوج ،ألمّ الشيب بها وابيضّت ِل َممُها .قد صار البردُ حجاباً ،والثلج حجازاً .بَرْد يغير اللوان ،وينشف البدان .بر ُد يُقَ ْ
صفِيره ،والماء وينفض الحشاء .برد يُجْمد إلريقَ في الشداق ،والدمعَ في الماق .بَرْد حال بين الكلب وهَرِيره ،والسَد وزئيره ،والطير و َ
سكِيّ النقاب ،عبوس َقمْطَرير ،كشّر عن ناب ت لهَوْلِه .يوم فضّي ا ْلجِ ْلبَاب ،مِ ْ
وخرِيره .نحن بين لثق ،ورثق ،وزلق ،يوم كأنّ الرضَ شا َب ْ
ن الدنيا فيه كافُورة ،والسماء بلّورة .يوم أرضه الزمهرير ،وفرش الرض بالقوارير .يوم أخذت الشّمال زِمامه ،وكسا الصّرُ ثيابه .يوم كأ ّ
كالقوارير اللمعة ،وهواؤه كالزنانير اللسعة .يوم أَرضه كالزجاج ،وسماؤه كأطراف الزّجَاج .يوم يثقل فيه الخفيف إذا هجم ،ويخفّ الثقيل إذا
جمْرِ .إذا كَلِبَ الشتاء ،فترياق خ ْمرِ ،وال َ
هجَر ،نحن فيه بين أطباق البَرْد فما نستغيث إل بحرّ الراح ،وسَ ْورَة القداح .ليس للبرد كالبُرْد ،وال َ
سمومه الصَلء ،ودَرَقُ سيوفِه الطّلء.
نقيض ذلك من كلمهم
في وصف القيظ وشدة الحرّ
سطَ بساط الجَمر .حَر الصيف ،كحدّ السيف .أوقدت الشمس نارَها ،وأذكت أُوارها .حرّ يلفح حرّ الوجه .حَ ٌر يشبه قَلْبَ قوِي سلطان الحَرّ ،وبُ ِ
ضبّ .هاجرة كأنها من قلوب العشّاق ،إذا اشتعلت فيها نارُ الفراق .هاجرة تحكي نارَ الهَجْر ،وتذيب قَلبَ الصخر .كأن الصّبّ ،ويُذيب دماغ ال ّ
حرْباء من الشمس ،قد صهَرَت الهاجر ُة البدان ،وركبت الجنادبُ العيدان .ح ّر يُنْضِج البسيطة من وَقدة الحرّ ،بساط من الجمر .حَرٌ تهرب له ال ِ
ب معه عيش ،ول ينفع معه ثلج ول خيش .حمارة القيظِ، الجلود ،ويُذيب الجلمود .أيام كأيام ال ُفرْقة امتداداً ،وح ّر كحرّ الوَجد اشتداداً .ح ّر ل يطي ُ
ب َيجِيش مِرْجَلُه ،و َيثُور قَسطَلُه .هاجرة كقلب المهجور ،أو التنور المَسْجور .هاجرة كالجحيم الجاحم ،تجرّ أذيالَ تغلي كدم ذي الغيظ .آبَ آ ٌ
السمائم.
العجلة أُم الندامة
قال بعض الحكماء :إياك والعجَلة فإنّ العرب كانت ت ْكنِيها أ ّم الندامة؛ لنّ صاحبها يقول قبل أن يعلم ،ويجيب قبل أن يفهم ،ويعزم قبل أَنْ يفكّر،
خبُر ،ولن يصحب هذه الصفَةَ أحدٌ إل صحب الندامة ،واعتزل السلمة. ويقطع قبل أن يُ َقدّر ،ويَح َمدُ قبل أن يجرّب ،ويذ ّم قبل أن يَ ْ
قضاء الحاجة
ن بن وهب وزارته قام إليه رجل من ذوي حُ ْرمَته ،فقال :أعزّ ال الوزيرَ ،أنا خادمك المؤمّل لدولتك ،السعيدُ بأيامك. ولما َولّى المهتدي سليما َ
المنطوي القلب على ُودّك ،المنشورُ اللسان بمدحك ،المرتهن بشكر نعمتك ،وقد قال الشاعر :البسيط:
إل المؤمل دولتي وأيّامي ت كل صديق ودّني ثمناً وفي ُ
263
ل بتسويغه َفضْلِي وإنعامي إّ ل أكُـافِـئَهُ
فإنني ضامـنٌ َأ ّ
ل فغضّ البصرَ ،ومحا الثر ،أقام بدني ،وسافر وإني لكما قال القيسي :ما زلت َأ ْمتَطِي النها َر إليك ،وأستدلّ بفضلك عليك ،حق إذا جنّني اللي ُ
ف بوسيلتك ،محتاج إلى كفايتك واصطناعك ،ولست أؤخر عن يومي عذْر ،فإذا بلغتك فَ َقدِ .قال سليمان :ل عليك ،فإني عار ٌ أملي ،والجتهاد ُ
خبَرهُ ،إن شاء ال. هذا توليتك ما يَحْسُنُ عليك أثره ،ويطيب لك َ
وكتب محمد بن عباد إلى أبي الفضل جعفر بن محمود السكافي وزير المعتز بال ،وكان المعتز يخْتصّ به؛ ويتقرب إليه قبل الوزارة :ما زلت
ب له إل عاقبة محمودة تكون لك بزوال حاله، عقْباه ،وأتمنى زوال حال من ل َذنْ َ -أيدك ال تعالى -أذمّ الدهر بذمّك إياه؛ وأنتظر لنفسي ولك ُ
شعْري إل عن مستحقّه. حبْساً ل ِوأترك العذار في الطلب على الختلل الشديد؛ ضناً بالمعروف عندي إلّ عن أهله ،و َ
فوقّع في كتابه :لم أُؤَخر ذكرك ناسياً لح َقكَ ،ول مهْمِلً لواجبك ،ول مرجيًا ل ُمهِ ّم أمْرِك ،ولكني ترقبت اتساع الحال ،وانفساحَ المال ،لخصّك
ت ممن يَحْفِزه العجال ،ول يتّسِع له بأسْناها خطَراً ،وبأجلّها َقدْراً ،وأَعْوَدها بنَفْ ٍع عليك ،وأوفرها رِزْقاً لك ،وأقربها مساف ًة منك؛ فإذا كن َ
المهال ،فسأختار لك خيرَ ما يشير إليه الوقت ،وأنعم النظر فيه ،وأجعله أول ما أمضيه ،إن شاء ال.
ولما ولي سليمان بن وهب الوزارة كتب إليه عبيد ال بن عبد ال بن طاهر :الطويل:
ب ونكـرمُ سعَ َفنَا فيمن نح ّ وأَ ْ أبى دهرُنا إسعافَنا في نفوسنا
و َدعْ أمرَنا؛ إن المهمّ المقدّمُ فقلت له :نُعْماك فيهم أَتمّهـا
فعجب من لطيف شكواه في تهنئته ،وقَضى حَوائِجَه.
ووقّع عبيد ال في كتاب رجل اعتدّ عنده بأثرٍ جميل :وقفت على ما ذكرته من شكايتك ،فوقع ذلك عندنا الموقع الذي أ َردْته ،وصدَر جوابنا إليك
بما شكرته ،ولم َت ْعدُ ظننا ،وما قدرنا فيك ،ثم اعتدت العتداد حتى كأنك لم تكاتبنا؛ فل تفسدنَ تالد إحسانك بطارف امتنانك ،واقتصر من
وصف سالفك على ذكر مستأنفك.
التقسيم
ووقّع عبيد ال في أَمر رجل خرج عن الطاعة :أنا قادرٌ على إخراج هذه ال ّنعَرَة من رَأسه ،والوَحَرة من نفسه.
ل قتيبة بن مسلم بخراسان :من كان في يده شيء من مال عبد ال فلينبذه؛ أو في فمه فَ ْليَ ْلفِظْه ،أو في صدره فلينفثه. ونحو هذا التقسيم قو ُ
ن قتل من بني أمية ،لسماعيل بن عمرو :أساءك ما فعلت بأصحابك؟ قال :كانوا يداً فقط ْعتَها ،وعضداً ففَتتَها، وقال عبد ال بن علي ،بعد قتْله مَ ْ
صتَه ،قال :إني لخليقٌ بأَن أُلحقك بهم ،قال :إني إذاً لسعيد. ضتَهُ ،وجناحاً فقَصَ ْ ل َفهِ ْ وعقدةً فنقضتَها ،وركْنًا فهَ َد ْمتَه ،وجب ً
عدّك لمر كبير! قال :يا أمير المؤمنين ،قد أعدّ ال لك مني قلبًا معقودًا بنصيحتك ،ويداً مبسوطةً وقال المنصورُ لجرير بن عبد ال :إني لُ ِ
بطاعتك ،وسيفاً مسلولً على أعدائك.
وكتب الحسن بن وهب إلى القاسم بن الحسن بن سهل يعزّيهَ :مدّ ال في عمرك موفورًا غير منتقَص ،وممنوحًا غير ممتحَن ،و ُمعْطًى غير
ستَلب.
مُ ْ
لفَنِ والغِشّ ،وليس مَنْ جمع إلى الكفاية المانَ َة كمن ومن جيد التقسيم مع المطابقة قولُ بعض الكتاب :إنّ أهل النصح والرّأْي ل يساويهم أَهْلُ ا َ
جزِ الخيانة.
أَضافَ إلى العَ ْ
وقالت هند بنت النعمان بن المنذر لرجل دَعَتْ له وقد أَولها يداً :شكَر ْتكَ يدٌ نالتها خَصَاصة بعد ثروة ،وأغناك ال عن يد نالتها ثروة بعد فاقة.
ومن بديع التقسيم في هذا النوع قولُ البحتري :البسيط:
وال َغيْث وَابِلُ ُه الدّانِي وَ َريّقُهُ حدّاه ورَ ْونَقُهُ كأنك السيفُ َ
أو المواهب إل ما تف ّرقُهُ؟ هل المكارم إل ما تُجمّعـه
سنِيّ ما أَعطاك؛ إذ قَسم لك الخلفة ،ووهب لك معها ن بن سهل يوماً للمأمون :الحمد ل يا أمير المؤمنين على جزيل ما آتاك؛ و َ وقال الحس ُ
الحجة ،ومكّنك بالسلطان ،وحلّه لك بالعَدل ،وَأيّدك بالظفَر ،وش َفعَه لك بالعفو ،وأَوجب لك السعادة ،وق َرنَها بالسياسة ،فمن فُسِحَ له في مثل
عطيّة ال لك؟ أم مَنْ ألبسه ال تعالى من زينة المواهب ما أَلبسك؟ أم من ترادفَتْ ِنعَمُ ال تعالى عليه ترادفَها عليك؟ أم من حاولها وارتبطها
بمثل محاولتك؟ أم أي حاجة بق َيتْ لرعيّتك لم يجدوها عندك؟ أم أي قيّم للسلم انتهى إلى غايتك ودَرَجتك؟ تعالى ال! ما أعظم ما خَصّ القرنَ
الذي أنت ناصره! وسبحان ال! أية نعمة طبقت الرض بك إن ُأدّيَ شكرها إلى بارئها ،والمنعم على العباد بها؟ إن ال تعالى خلق الشمس في
فَلكها ضيا ًء يستني ُر بها جميعُ الخلئق؛ فكلّ جوهر زَها حسن ُه ونوره فهي ألبسته زينتَهُ لما اتصل به من نورِها .وكذلك كل وَلي من أوليائك
سعَدتَه من حسنك وتقويمك. سنَتْ صنائعه عند رعيتك ،فإنما نالها بما أيّدته من رأيك وتدبيرك ،وأَ ْ سعِد بأفعاله في دولتك ،وحَ ُ َ
قينة تعشق أربعة رجال
قال بعضُ الظرفاء :اجتمع ل َق ْينَةٍ أربعةٌ من عشَاقها ،وكلهم يُوَرّي عن صاحبه أمرَه ،ويُخْفِي عنه خبرَه ،ويُومئ إليها بحاجبه ،ويناجيها بلَحْظِه،
عزَم على الشخوص ،والثالث قد سلَ َفتْ أيامُه ،والرابع مستأنف ٌة مودّته ،فضحكَتْ إلى واحد ،و َبكَتْ إلى وكان أحدُهم غائباً فقدمِ ،والخر مقيمًا قد َ
جعِلت فِدَاكِ ،أتحسنين :الطويل: آخر ،وأقصت آخر ،وأطمعَتْ آخر؛ واقترح كل واحد منهم ما يشاكِلُ بثه وشأنه؛ فأجابته ،فقال القادمُ :
وقَ ْولَ لَعلّي أو عَسى سَـيكـون ومن يَنْأَ عن دار الهوى ُيكْثِر ال ُبكَا
ولكنْ مَقـاديرٌ لـهـنّ شـؤونُ وما اخترت نَ ْأيَ الدار عنك لِسَلْوةٍ
حذَقُ ،ثم غنّت :الطويل: حسِنه ،ول أقيمُ َلحْنه ،ولكن مُطَارحه لتستغني به عنه ،لقُرْبه منه ،وأنا به أ ْ فقالت :أ ْ
أ َؤمّلُ منك العَطْفَ حين تـؤُوبُ وما زلت مُذ شَطَتْ بك الدارُ باكياً
ت قَـرِيبُ عذاباً وإعراضاً وأنـ َ فأضعفْتَ ما بي حين أبتَ و ِز ْد َتنِي
وقال الظاعن :جْعلت ِفدَاك ،أتحسنين :الكامل:
سفْـرُودَعِي العتابَ فإننا َ عاًأزفَ الفِراق فأعني جَزَ َ
فإذا تباعد شَفّه الـ ّذكْـر إنّ المحبّ يصد مقتـربـاً
قالت :نعم ،وأحسن منه ومن إيقاعه ،ثم غنت :الخفيف:
غيْرُ النّحيبِ ليس بعد الفراق َ لقيمنّ مأتمـاً عـن قـريب
264
ثم ل سيما فراقُ الحـبـيبِ ربما أَ ْوجَع النّوى للقـلـوب
ثم قال السالف :جعلت فداك ،أتحسنين :الكامل:
ق وفيكُ ُم مس َتعْـتَـبُحُلْوُ ال َمذَا ِ كنّا نُعاتبكُمْ لـيالـيَ ،عُـودُكـمْ
ذهب ال ِعتَابُ فليس عنكم مَذْهَبُ فالن حين بَدَا التنكّر مـنـكـم
قالت :ل ،ولكن أحسن منه في معناه ،ثم غنّت :الطويل:
وأَعرضتُ لما صار َنهْباً مقَسّما ك لمّا كان ودّك خالـصـاً وص ْل ُت َ
إذا كثر الورّادُ أن يتـهـدمـا ولن يلبث الحوض الجديدُ بنـاؤه
فقال المستأنف :أتحسنين ،جعلت فداك :الكامل:
وإذا ق َرأْت صحيفتي فتفهّمي إني لعْظِمُ أن أبوح بحاجتي
أحداً ول آذنته بـتـكـلـم ع ْه ُد ال إن أبثثـتِـه وعليك َ
فقالت :نعم ،ومن غناء صاحبه؛ ثم غنّت :الطويل:
سوانا ،حِذارًا أن َتذِيعَ الـسـرائرُ سرّي وسرّهَا لعمرك ما استودَعْتُ ِ
فتعلم نَجْوَانا العيونُ الـنـواظـرُ ي بـنَـظْـ َرةٍ طتْها مُقْلَتـا َ
ول خالَ َ
رسولً فَأدّى ما تُجِنُ الضـمـائرُ ولكن جعلت الوَهْ َم بيني وبينـهـا
مخاف َة أن يُغرى بذِكـرك ذَاكِـرُ أكُاتم ما في النفس خوفًا من الهوى
فتفرّقوا وكلهم قد أومأ بحاجته ،وأَجابته بجوابه.
من أخبار ابن المعتز وشعره
قال أبو العباس بن المعتز :كان لنا مجلس حظ أرسلت بسببه خادمة إلى قينة فأجابت ،فلمّا مرَت في الطريق وجدَت فيه حارساً فرجعت،
جهَ ُه المبارك وأُجيب دعاءه ،إل لعلة قد ع َر َفتْها فلنة ،ثم فأرسلتُ أُعاتبها فكتبت إلي :لم أتخلف عن المسير إلى سيدي في عشيتي أَمس لرى وَ ْ
ي من ت بغير عذر؛ فأحبَبْتُ أن تقرأَ عذري بخطي ،ووال ما أقدر على الحركة ،ول شيء أسر إل ّ خفْتُ أن يسبقَ إلى قلبه الطاهر أني قد تخلّ ْف ُ ِ
سنَدي ،ل فَ َقدْت قربك ،ولك رأيك في بسط العُذر موفقاً. رؤيتك ،والجلوس بين َيدَيْك ،وأنت ،يا مولي ،جاهي و َ
وكتبت في أسفل الكتاب :الطويل:
وأحْ َوجَني فيه البلءُ إلى الـعُـذْرِ؟ أليس من الحرمان حظٌ سُـلـبـتـهُ
ث ل َأدْرِي َرمَتْني به القدار مِنْ حي ُ فصبرًا فمـا هـذا بـأؤّل حـادثٍ
ت آمَنُ بعضَ خواطره أن تشير فأجبتها :كيف أَردّ عُذر من ل تتسلط التهمة عليه ،ول تهتدي المَوْجِدة إليه! وكيف أعلمه قبولَ المعاذير ،ولس ُ
ت من ذلك فمن يُجيرني من توكله على تقديم ال ُعذْر ،ووقوعه مواقع التصديق في كل وقت، إلى انتهاز فرصة فيما دعا إلى الفرقة ،وإن سَلِم ُ
ل مد ُة الغيبة ،و َتدْرُس آثار المودّة ،وكتبْتُ في آخر الرقعة :الطويل: فتتّصل أيامُ الشغل والعِلة ،وتنقضي أيامُ الفراغ والصحة ،فتطو ُ
ولم يلق نفسي َلهْوها وسُرُورها غبْت لم تعرف مكانـيَ لـذةٌ إذا ِ
ضمِيرُها لقولي ،وعيناً ل يراني َ وحدثتُ سمعاً واهنًا غير ُممْسِك
خرَفه،صبُ الحبائلَ ،ويطلب الغوائل ،حتى انتهز فرصته ،وأَبلغك تشنيعاً زَ ْ وكتب إلى بعض الوزراء :ما زال الحاسدُ لنا عليك أيها الوزير يَنْ ِ
سكُ؟ مرتصداً ل َيغْفل ومَاكِرًا ل يَفتر ،وربما استنصح الغاش ،وصدق الكاذب؛ وكذباً زَوّره ،وكيف الحتراس ممن يحضر وأغِيبُ ،ويقول وأمْ ِ
سبَب والوسيلة.والحظوة ل ُتدْ َركُ بالحيلة ،ول يجري أكثرها على حسب ال ّ
ج عنك ،وما تقرّر عندنا من نيّتك وطوّيتك ُيغْنِي عن اعتذارِك. فأجابه :حصول الثقة بك -أعزك ال! ُ -تغْني عن حضورك ،وصدق حالتك يحت ُ
وقد قال ابن المعتز :الكامل:
والدهرُ ألم غالب ظَـفـرا خنَى عليك الدهر مقـتـدراً أَ ْ
حنَاك وبيّض الشّـعَـرَا حتى َ ما زلت تَلْقَـى كـلّ حـادثةٍ
شيْب والكِـبَـرا فلقد بلغت ال َ فالن هل لك في مُـقَـاربةٍ؟
سكنوا بطونَ الرض والحُفَرا للـه إخـوان فـقـدتـهــمُ
أم من يحدّث عنهمُ خَـبـرا؟ أين السبيلُ إلـى لـقـائهـمُ؟
صنِه ثَـمـرَال أَجتني من غُ ْ كم مورِق بالبِشْر مُبـتـسـم
وصبرت أَرقُبه وما صَبـرا ما زال يولـينـي خـلئقـهُ
لو يستطيعُ لجاوز الـقَـدَرا وعدو غيْبٍ طَالـب لـدمـي
ويُطير في أثوابيَ الـشّـرَرا يُورِي زنادي كي يُخادِعـنـي
وقال أيضاً :الطويل:
لتجمح مني نَظْرَ ٌة ثـم أطـرِقُ وإني على إشفاق عيني من القذى
ي تَـفـرَقُ تمدّ إليه جِيدها وَهْـ َ ت من بَ ْردِ ماءٍ طَـرِيدةٌ كما حُلّئ ْ
وقال :الطويل:
غنايَ لغيري وافتقاري على نفسـي ت مذ شدَت يدي عقد ِمئْزَري وما زل ُ
كما دلّ إشراقُ الصّباح على الشمسِ ودلّ عليّ الحمدَ مَجْدي وعِـفّـتـي
وقال :البسيط:
ساقٍ توشَحَ بالمنديل حين َوثَبْ ل َينْقُرهُ سعَى إلى الدّنَ بال ِمبْزَا ِ َ
265
سيْرًا من أدي ِم ذَهَبْ
كأنما َقدّ َ لمّا وَجاها بَدَتْ صفراءَ صافيةً
وقال :الخفيف:
ن قد رأيتـهـا وعُـقُـولِ عيُ ٍأْ ت مـن لبسَتْ صفر ًة فكم فتَنـ ْ
ص َبغَتْهُ بزَعْفَـرَانِ الصـيلَِ حبُ ذيلً شمْس الغروب تَسْ َ مثل َ
والشمس عند طلوعها ،وعند غروبها ،تمكّن الناظر إليها فيمكن التشبيه بها؛ قال قيس بن الخطيم :الكامل:
في الحسن أو كدنوّها لغروبِ فرأيت مثل الشمس عند طلوعها
جرير وأهل المدينة
حزْرَة ،أنشدنا من شعرِك ،قال :ما تصنعون به؟ وفيكم من يقول :الكامل: طفَي المدينَةَ اجتمع إليه أهلُها ،وقالوا :يا أبا َ ولما قدم جرير بن الخَ َ
و ُتقَرّبُ الحلمُ غـيرَ قـريبِ س َربْتِ وكنتِ غيرَ سرُوبِ أنى َ
في النوم غي َر مصردٍ محسوب ما ُت ْمنَعي يَ ْقظَى فقد نـولـتـهِ
فَلهَوتُ عن لهوِ امرئ مكذوب كان ال ُمنَى يُلقي بها فلقـ ْيتُـهـا
ن أو كدُنوّها لغروب في الحس ِ ت مثل الشمسِ عند طلوعها فرأي ُ
ق بِسَاحَةِ حـائر يَعـبُـوب غدِ ٌ َ غذَاهُـمـا تخطو على بردِ ّي َتيْنِ َ
يزيد بن خالد الكوفي
وقّع يزيد بن خالد الكوفي رقعة إلى يعقوب بن داود ضمّنها :البسيط:
عمَـل ل يح ِرزُ الجْ َر إل مَن له َ قل لبن داودَ والنـبـاءُ سـائرةٌ:
فيها لباغي نَدَاه العَلّ والـنّـهَـلُ يا ذا الذي لَ ْم تزل ُيمْنَاه ُمذْ خُِلقَـتْ
فضل شكرٍ فإني ذلك الـرجـلُ إن كنت مسديَ معروفٍ إلى رجلٍ
فإنني شاكرُ المعروف محتمـلُ ي بب ّر منك َينْعَـشُـنـي فا ْمنُنْ عل ّ
قال يعقوب :قد جرَبنا شكرك فوجدناه قد سبق برّنا ،وقد أمرتُ لك بعشرة آلف درهم تصلح حالك ،وليست آخر ما عندنا لك ،فاستوفاها حتى
مات.
ق بغُصّتك ،قال :ألم أرفع جدَتك ،شَرِ َ
ولما سخط المهديّ على يعقوب أحضره ،فقال :يا يعقوب ،قال :ل ّبيْك يا أمير المؤمنين تلبية مكروبٍ ِلمَ ْو ِ
َقدْرَك وأنتَ خامل ،وأسيّر ذكرك وأنت هامل ،وألبِسكَ من ِنعَمِ ال تعالى و ِنعَمي ما لم أجدْ عندك طاقةً لحمله ،ول قيامًا بش ْكرِه؟ فكيف رأيت ال
تعالى أظهر عليك ،وردّ َكيْدَك إليك؟.
قال :يا أمير المؤمنين ،إن كنت قلت هذا بتيقن وعلم فإني معترف ،وإن كان بسعاية الباغين ،ونمائم المعاندين ،فأنت أعلم بأكثرها؛ وأنا عائذ
بكرمك ،وعميم شرفك.
حنْثُ في دَمك للبستك قميصًا ل تشدّ عليه زرّا؛ ثم أمر به إلى الحبس ،فتولّى وهو يقول :الوفا ُء يا أمير المؤمنين كَرَم ،والمودة فقال :لول ال ِ
رَحِم ،وما على العفو َندَم .وأنت بالعفو جَدير ،وبالمحاسن خَليق .فأقام في السجن إلى أن أخرجه الرشيد.
أخذ معنى قول المهدي" :للبسنّك قميصًا ل تشدّ عليه زرّا" أبو تمام فقال :المنسرح:
أغناه عن َمسّ طَ ْوقِه بيدِه طوّقته بالحسام طَوْق ردًى
وقال ابن عمر في معنى قول الطائي :البسيط:
شدّ أزرارِ ل يستطي ُع عليه َ ق داهيةٍ طوّقته بحسام طَ ْو َ
ولما قبض المهدي على يعقوب ورأى أبو الحسن النميري َميْلَ الناس عليه ،وكان مختلطًا به قال :الكامل:
فلبكينّ كما بكى الغُصْن النّدَى ب ل تَبعَد وجُنبتَ الـردى يعقو ُ
عند الذين عدَوْا عليك لما عَـدَا لو أنّ خيرك كان شرّا كـلّـه
أخذ هذا المعنى بعض المحدثين في الغزل فقال :الكامل:
ممّا أقاسي منك كان قلـيل ل كلّه لو أن هجرك كان وَصْ ً
بين أحمد بن أبي دواد والواثق
قال أبو العيناء :قال لي أحمد بن أبي دُوَاد :دخلت على الواثق فقال لي :ما زال اليوم قوم في ثَلْبك ونَقْصك! فقال :يا أمير المؤمنين ،لكل امرئ
منهم ما اكتسب من الثم ،والذي تولَى ِكبْرَه منهم له عذاب عظيم ،والُّ وليّ جزائه ،وعقابُ أَمير المؤمنين من ورائه ،وما ذَلّ -يا أمير
ن كنت نَاصِره ،وما ضاق مَنْ كنتَ جاراً له ،فما قلت لهم يا أمير المؤمنين؟ قال :قلت :يا أبا عبد ال :الكامل: المؤمنين -م ْ
جعل اللهُ خُدودَهنّ ِنعَالَهـا شرٌي بصرمِ عَزّ َة َمعْ َ وسعى إل ّ
قال الفتح بن خاقان :ما رأيت أظرف من ابن أبي دواد؛ كنت يوماً أُلعب المتوكل بالنرْد ،فاستُؤْذن له عليه ،فلمّا قَرُب منا هممت برفعها،
ستُره من عباده؟ فقال له المتوكل :لما دخَلْتَ أراد الفتح أن يرفع النّرْد! قال :خاف يا أمير المؤمنين أن أعلم فمنعني المتوكل وقال :أجاهرُ ال وَأ ْ
عليه! فاستحليناه ،وقد كنا تجهّمناه.
شبيب بن شيبة وخالد بن صفوان
قيل لبعض المراء :إن شبيب بن شيبة يتعمّل الكلم ويستدعيه ،فلو أمرته أن يصعدَ المنبر فجأة لفتضح؛ فأمر رسولً فأخذ بيده فصعد به
المنبر ،فحمد ال وأثنى عليه ،وصلّى على النبي ،صلى ال عليه وسلم ،ثم قال :إن لمير المؤمنين أشباهاً أربعة :السد الخَادِر ،والبحر الزاخر،
والقمر الباهر ،والربيع الناضر؛ فأما السد الخادر فأشبه صولته ومَضَاءَه ،وأما البحر الزاخر فأشبه جودَه وعطاءه ،وأما القمرُ الباهر فأشبه
سنَه وبهاءه ،ثم نزل. نورَه وضياءه ،وأما الربيعُ الناض ُر فأشبه حُ ْ
وهذا الكلم ينْسَبُ إلى ابن عباس يقوله في علي بن أبي طالب ،رضي ال عنهما.
266
وكان شبيب بن شيبة من أفصح الناس وأخطبهم ،ويشبّه بخالد بن صفوان؛ غير أن خالداً كان أعلى منه قدراً في الخاصة والعامة .وذكر خالد
شبيباً فقال :ليس له صديقُ في السر ول عدوّ في العلنية .وكانت بينهما معارضة للنسب والجوار والصناعة ،ولما قال الشاعر :الطويل:
وأدْنِ شبيبًا من كل ٍم مُلَفّق فنَحّ شبيبًا عن قراع كتيبةٍ
وكأن ل ينظر إليه أحد وهو يخطب إل تبين فيه الخجل.
وقال أبو تمام لعلي بن الجهم :الكامل:
لزعمت أنّك نِ ْلتَ شكلَ عُطَا ِردِ صدّقـاًلو كنت يوماً بالنجوم مُ َ
ت بلغَةُ خَالِد من َلفْظِك اشتق ْ ت بـأنّـهأو قدمَتك السنّ خِلـ ُ
ي عمودُ الجمال ول ِردَاؤه ،ول بُ ْرنُسه؟ عمودُه الطول ،ولست بطويل، وقالت له امرأة :إنكَ الَجميل يا أبا صفوان .قال :كيف تقولين هذا وما ف ّ
شعَرِ ،وأنا أشمط! ولكن قولي :إنك لمليح. و ِردَاؤه البياض ،ولست بأبيض ،وبُرْنسه سواد ال ّ
وكان خالد حافظاً لخبار السلم ،وأيام الفتن ،وأحاديث الخلفاء ،ونوادر الرواة ،وكل ما تصرّف فيه أهل الدب ،وله يقول مكي بن سوادة:
الطويل:
َذكُـورٌ لـمـا سـدّاهُ أولَ أول عليم بتنزيل الكتـاب مـلـقّـنٌ
ب ودَغفل ولو كان سحبانَ الخطي ُ َيبُ ّذ قَرِيعَ القوم في كل مَحْـفـل
كأنهمُ الكروانُ صَـادف أَجْـدَلَ طبَاءَ الناس يومَ ارتجالـه ترى خُ َ
حبَان الذي ذكره فهو خطيبُ العربِ بأسْرِها غير منازع ول مدافع ،وكان إذا خطب لم ُي ِعدْ حرفاً ،ولم يتوقّف ،ولم يتحبّسْ ،ولم يفكر في سْأما َ
حرٍ.ي بَ ْاستنباط ،وكان يسيل غَزباً ،كأنه آذ ّ
ن معاوية قدم عليه وفد من خراسان وجّههم سعيد بن عثمان ،وطلب سَحْبان فلم يوجد عامّة النهار ،ثم ا ْقُتضِبَ من ناحية كان فيها ويقال :إ ّ
صنَع موسى عليه الصلة اقتضاباً ،فدخل عليه فقال :تكلّم ،فقال :انظروا لي عصًا تُقيم من أودي ،فقال له معاوية :ما تصنعُ بها؟ فقال :ما كان يَ ْ
والسلم وهو يخاطبُ ربّه وعصاه بيده ،فجاءوه بعصا فلم يَرْضَها .فقال :جيئوني بعصاي ،فأخذها ،ثم قام فتكلّم منذ صلة الظهر إلى أن فاتت،
سعَلَ ،ول توقف ،ول تحبّس ،ول ابتدأ في معنى فخرج منه إلى غيرِه حتى أتمّه ولم يبق منه شيء ،ول سأل عن حنَحَ ،ول َ صلةُ العصر ،ما َتنَ ْ
أي جنس من الكلم يخطب فيه ،فما زالت تلك حالَه وكلّ عين في السماطين شاخصةٌ إلى أن أشار له معاويةُ بيده أن اسكُت ،فأشار سحبان بيده
أن دَعْني ل تَقْطَعْ عليّ كلمي ،فقال له معاوية :الصلة ،فقال :هي أمامك ونحن في صلة يتبعها تحميد وتمجيد ،وعظة وتنبيه وتذكير ووعد
ووعيد ،فقال معاوية :إنك أخطبُ العرب ،فقال سحبان :والعجم ،والجن ،والنس.
بعض ما قيل في عجلن بن سحبان
وكان ابنه عجلن حُلْوَ اللسان ،جّيدَ الكلم ،مليح الشارة ،يجم ُع مع خطابته شعرًا جيداً ،ويضرب المثال إذا خطب ،وينزع الناد َر من الشعر،
ن كلمَه َوزْناً. حلُو خُطبته ،وكان يَز ُ والسائ َر من المثل ،فتَ ْ
دغفل بن حنظلة النسابة
حنْظلة بن يزيد أحد بني ذهل بن ثعلبة النسّابة ،وكان أعلمَ الناس بأنساب العرب ،والباء وأما دغفَل الذي ذكره مكي بن سَوادة فهو دَغْفَل بن َ
والمهات ،وأحفظهم ل َمثَالبها ،وأشدّهم تنقيراً وبحثاً عن معايب العرب ،ومثالب النسب.
قال له معاوية يوماً :وال لئن قلت في هذا البيت من قريش ما تجد في آل حَ ْربٍ مقالً ،فتبسم دَغفل؛ فقال له معاوية :وال لتخبرنّي بتبسمك ،وما
ن أن تكْذب أو تزيد. انضمّتْ عليه جوانحُك ،أو لضربنّ عنقك ،وما آمَ ُ
عذْب ،وأكَمةٍ بارزة ،فهل يوجد في سَنام هذه سنَام كَوْماء فتيّة ،ذاتِ مرعًى خصيب ،وماءٍ َ فقال :يا أمير المؤمنين ،أنتم من بني عبد مناف ك َ
ت غير هذا؛ أما على ذلك لو رأيت هنداً وأباها ،وزوجها ،وأخاها ،وعمّها ،وخالها، ب ُقرَاد من عاهة؟ فقال له معاوية :أَوْلى لك! لو قلم َ مَدَ ّ
ل َتحَارُ أبصا ُر مَن رآهم فيهم ،فل تجاوزهم إلى غيرهم ،جلل ًة وبهاءً. لرأيت رجا ً
ي ذكر العصا فٍ
عدّها ِل ُعدَاتي،
لتِي ،وأُ ِ
وعلى ذكر العصا لقي الحجّاج أعرابياً فقال :من أين أقبلت؟ قال :من البادية ،قال :ما بيدك؟ قال :عصا أركِزُها لصَ َ
عبُرُ بها النهر فتؤمنني ،وأُلقي عليها كسائي فتسترُني عتَمدُ بها في مشيتيِ ،ليَتّس َع بها خَطْوِي ،وأ ْ ق بها دابّتي ،وأقْوَى بها على سَفري ،وأَ ْ وأسو ُ
سفْرتي ،وعَلقة إدَاوَتي ،ومِشجَب ثيابي ،أعتمدُ بها عند الضَراب ،وَأقْرَع بها حمَل ُ من الحرّ ،وتقيني من القُرّ ،و ُتدْني ما بعد مني ،وهي مِ ْ
حرْز عند منازلة القْرَان ،و ِر ْثتُها عن أبي ،وأور ُثهَا بعدي ابني، البواب ،وأتقِي بها عَقُور الكِلَب ،تنوبُ عن الرّمح في الطّعان ،وعن الْ ِ
حصَى.غ َنمِي ،ولي فيها مآرِب أخرى ،كثيرة ل تُ ْ ش بها على َوأَهُ ّ
الخليل بن أحمد
قال النضر بن شميل :كتب سليمان بن علي إلى الخليل بن أحمد يستدعيه الخروج إليه ،وبعث إليه بمال كثير ،فردّه وكتب إليه :البسيط:
ت ذا مَـالِ س ُوفي غنًى غيرَ أني لَ ْ أبلغْ سليمانَ أني عنـه فـي سَـعَةٍ
يموت ُه ْزلً ول َيبْقَى علـى حَـال يسخُو بنفسـيَ أنـي ل أرى أحـداً
و ِمثْلُ ذاك الغنى في النفس ل المالِ والفَ ْقرُ في النفس ل في المال َنعْرِفهُ
ل َيغْشَى أُصول ال ّد ْندِنِ البالـي سيْ ِ
كال ّ ل َيغْشَى أناساً ل خَلقَ لـهـم والما ُ
ل بـالـي فاعمَلْ لنفسك؛ إني شاغ ٌ كلّ امرئ بسبيل الموت مرتَـهَـنٌ
أخذ هذا الطائي فقال :الكامل:
فالسيلُ حربٌ للمكانِ العـالـي ل تُنكِري عطلَ الكريم من ال ِغنَى
وقال أيضًا يصف قوماً خصّوا بابن أبي دوادٍ الخفيف:
ع َد ْتنَا من دون ذاك العَوَادِي وَ َ نَزَلُوا مركز الـنّـدى وذَرَاهُ
واء َأ ْدنَى ،والحظُ حظّ الوِهَادِ سبُـل الَن غير أن الرّبا إلى ُ
267
وهذا الشعر من أصلح شعر الخليل ،وكان شعره قليلً ضعيفاً ،بالضافة إليه وهو أستاذ النحو والغريب ،وقد اخترع علم العروض من غير
مثال تقدمه ،وعنه أخذ سيبويه ،وسعيد بن مسعدة ،وأئمة البصريين ،وكان أوسع الناس فِطنَةً ،وألطفهم ذهناً .قال الطائي :الوافر:
رَزاياه على فِطَنِ الخليلِ فلو نُشر الخليل إذاً لعفّت
في التعزية
وكتب أبو إسحاق الصابي إلى محمد بن عباس يعزيه عن طفل :الدنيا ،أطال ال بقاء الرئيس ،أقدا ٌر تَ ِردُ في أوقاتها ،وقضايا تَجْرِي إلى
غاياتها ،ول يُ َردُ منها شي ٌء عن َمدَاه ،ول يص ُد عن مطلبه و َمنْحَاه؛ فهي كالسهام التي تثبت في الغراض؛ ول ترجعُ بالعتراض ،ومن عرف
ذلك معرفَة الرئيس لم يغض من الزيادة ،ولم يَ ْقنَط من النقيصة ،وَأمِنَ أن يستخفّ أحدُ الطرفين حلمه ،ويستنزل أح ُد المرين حَ ْزمَه ،ولم ي َدعْ
حنَة بالصبر ،فيتخيّر فائدةَ أن يوطّن نفسه على النازلة قبلَ نزولها ،ويأخذ الُ ْهبَة للحادثة قبل حلولها ،وأن يجاور الخيرَ بالشكر ،ويساورَ المِ ْ
الولى عاجلً ،ويستمرئ عائدةَ الخرى آجلً.
وقد ن َفذَ من قضاء ال تعالى في المولى الجليل َقدْراً ،الحديث سناً ،مَا َأ ْرمَض ،وأَومَض ،وَأقْلَق وأقضّ؛ ومسني من التألم له ما يحق على مثلي
خبَا،
ممن توافَتْ أيادي الرئيس إليه ،ووجبت مشاركتُه في الملمّ عليه ،ف "إنّا لِ وإنّا إليه راجعونَ" وعند ال نحتسبه غُصْنًا ذَوي ،وشهاباً َ
وفرعًا دَلّ على أَصله ،وخَطّيًا أنبته وَشِيجُه ،وإياه أسألُ أن يجعلَه للرئيس فَرَطاً صالحاً ،وذُخْراً عتيداً ،وأَن ينفَعه يوم الدين ،حيث ل ينفعُ إل
جدِه.
مثلُه بين البنين ،بجوده و َم ْ
ف الثام، ولئن كان المصابُ عظيماً ،والحادثُ فيه جسيماً ،لقد أحسن ال إليه ،وإلى الرئيس فيه؛ أما إليه فإن ال نزّهه بالخترام ،عن اقترا ِ
وصانه بالحتضار ،عن ملبسة الوزار ،فورد دنْياه رشيداً ،وصدَر عنها سعيداً ،نقي الصحيفة من سوادِ الذنوب ،بري الساحة من دَرَن
سهَم له الثواب مع أهل الصواب ،وأَلحقه ق به الصغائر والكبائر ،قد رفع ال عنه دقيقَ الحساب ،وأَ ْ العيوب ،لم تدنّسه الجرائرُ ،ولم تعلَ ْ
سعْي ول اجتهاد. بالصدّيقين الفاضلين في ال َمعَاد ،وبَوّأه حيث أفضلهم من غير َ
ف معها وأما الرئيس ،فإن ال ،عزَ وجل ،لما اختار ذلك له قبضَه قبل رؤيته إياه على الحالة التي تكون معها الرقة ،ومعاينته التي تتضاع ُ
حمَاه من ِف ْتنَة المرافقة ،ليرفعَه عن جزع المفارقة ،وكان هو المبقي في دنياه ،وهو الواحدُ الماضي الذخيرة لخراه ،وقد قيل :إن حرْقة ،و َ ال ُ
ب فَ ْقدِه ،فهو له سُلَلة ،ومنه بَضعة، تسلم الجِلّةُ فالسّخْل هدر؛ وعزيز عليّ أن أقول قولَ المهون للمر من بعده ،وأل أوفي التوجع عليه واج َ
ولكن ذلك طريقُ التسلية ،وسبيل التعزية ،والمنهَجُ المسلوك في مخاطبة مثله ،ممن يقبل منفعة الذكرى وإن أغناه الستبصار ،ول يأبى ورودَ
حمَا ُه الذي ل يُرام، الموعظة ،وإن كَفَاه العتبار ،وال تعالى يقي الرئيسَ المصاب ،ويعيذُه من النوائب ،ويرعاه بعينه التي ل تنامُ ،ويجعله في ِ
و ُيبْقيه موفورًا غير منتقَص ،ويقدّمنا إلى السوء أمامه ،وإلى المحذور قدّامه ،ويبدأ بي من بينهم في هذه الدعوة ،إذْ كنت أراها من أَسعد
عدُها من أبلغ أمانيّ وآمالي. أحوالي ،وأَ ُ
وكتب إلى بعض الرؤساء :قد جَ َرتِ العادةُ -أطال ال بقا َء المير! -بالتمهيد للحاجة قبل موردها ،وإسلف الظنون الداعية إلى نجاحها،
س فضلَه إل جزاء ،ول يستدعي طَوْله إل قضاء؛ والميرُ بكرمه الغريب ،ومذهبه ك هذه السبيل يسيء الظن بالمسؤول؛ فهو ل يلتم ُ وسال ُ
ق الثقة به منه ،والحمدُ ل الذي أَفرده بالطرائق الشريفة، ف له ،والبتدا ُء منه ،ويوجب للمهاجم برغبته عليه ح ّ البديع ،يؤثر أن يكون السل ُ
وتوحّده بالخلئق المنِيفة ،وجعله عين زمانه البصيرة ،ولمْعته الثاقبة المنيرة.
شبْ ُه مَقْت ،في كل وقت؛ ولعمري إن ذا الحاجة مَقِيتُ وكتب البديع في بابه إلى بعض أصحابه :لك ،أعزَك ال ،عادةُ فضل ،في كل فصل ،ولنا ِ
الطّ ْلعَة ،ثقيل الوطأة ،ولكن ليسوا سواء؛ أولو حاجة تحتاج إليهم الموال ،وأولو حاجة تحوجهم المال.
خدَمه ،وإن أهانه فكثيرًا ما أكرمه ونعّمه. ن فطالما َ والمير أبو تمام عبدُ السلم بن الفضل المطي ُع ل أمير المؤمنين -أيده ال -إن أحوجه الزما ُ
ضلُ ظاهر ،وإن ابتله ال فِليَ ْبتَليكم به وقديماً أقلّه السرير ،وعرَفه الخَ َو ْرنَقُ والسدير .وإن نقصه المال فالعِ ْرضُ وافر ،وإن جفاه الملك فالفَ ْ
حتَهُ شرفٌ عال ،ول تقس على ب بال ،فتَ ْ
ق من الكرام ،فل تنظرن إلى ثو ٍ فينظر كيف تفعلون .وأنت تقابلُ مورده عليك من العظام ،بما يستح ّ
البُ ْردِ ،ما وراءه من المجد ،ولكن إن نظرت ففي شامخ أصلِه ،وراسخ عقله ،وشهادة الفراسة له .ثم ليأت بعد هذه اليات ما هو قضية المروءة
حمْده.
غمْده ،والحمد ل حق َ ف ل يرى في ِ سيْ ُ
معه ،والخوة معي ،بَالِغاً في ذلك غاية جهده ،وال ّ
وله إلى أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد بن حمزة:
ي تجري ،لخترت أن أضرب بهذه الحضرة أطناب عمري ،وأنفق على هذه الخدمة أيام لو كانت الدنيا ،أطال ال بقاءَ الشيخ! -على مراد َ
ت من خدمة الشيخ المحسن بشرعة أنس نغصها بعض الوشاة عليّ، دهري ،ولكن في أولد الزنا كثرة ،ولعين الزمان نظرة ،وقد كنت حَظِي َ
وذكر أني اقمت بطوس بعد استئذْاني إلى مَرْوَ وفي هذا ما يعلمه الشيخ ،فإن رأى أن يحسن جَبرِي بكتاب يطرز به مقدمي فعل إن شاء ال
تعالى.
وله في هذا الباب إلى أبي نصر الميكالي :الشيخ -أعزه ال -مََلكَ من قلبي مكاناً فارغاً ،فنزله غير منزل قلعَة ،ومن مودتي ثوبَاً سابغاً ،فلبسه
غير لبْسَةِ خلعة ،ومن نصب تلك الشمائل شبكاً ،وأرسل تلك الخلق شركاًَ ،قنَصَ الحرار فاستحثّهم ،وصاد الخوان واسترقهم.
ل ما يُغبَنُ إل من اشترى عبداً وهو يجدُ حرّا بأرخص من العبد ثمناً ،وأقلّ في البيع غبناً ،ثم ل يهتبل غرّة وجوده ،وينتهز فرصة امتلكه وتا ّ
بجوده ،وأنا أنم للشيخ على مكرمة يتيمة ،ونعمة وسيمة ،فليعتزل من الرأي ما كان بهيماً ،وليطلق من النشاط ما كان عقيماً وليحلل حَبوة
عمْرتها ،برأي يجذبُ المجد باعه ،ويعمر النشاط رِباعَه؛ وتلك حاجة عذْرَتها ،وينقض حجّتها و ُ التقصير ،وليتجنبْ جانب التأخير ،وليفتضّ ُ
عدٌ هو مستنجزُه ،ول َبعُدَ أم ٌر هو منتهزه ،ول ضاعت نعمة أنا بَرِيدُ سيدي أبي فلن وقد ورد من الشيخ بحراً ،وعقد به جسراً ،وما عَسُر وَ ْ
شكرها ،وعزيم نشرها ،ووليّ أمرها؛ وهذا الفاضل قرارة مائها ،وعماد بنائها؛ وقد شاهدت من ظَرْفه ،ما أعجز عن وصفه ،وعرفت من
ت من أوله ما نَمّ على آخر،ه ثم له البيت المرموق ،والنسب الموموق ،والولية القديمة ،والشيمة الكريمة؛ وقد باطنه ما لم يُد َر بظاهره ،ورأي ُ
غدَقًا ل يُخْلف سحابه؛ ج َم َعتْنا في الودّ حلْقة ،ونظ َمتْنا في السفر رفقة ،وعرفني بما أنهض له وفيه ،فضمنت له عن الشيخ كَرَمًا ل يغلَق بابه ،و َ َ
صدْقَ
ت ليعلم ِ فليخرجني الشيخ من عهدة هذه الثقة ،زادها إليه تأكدأً ،وإن رأى أن أسأل الشيخ في معناه عرفني كيف المأتى له ،وإنما أطَلْ ُ
اهتمامي ،وفَرْطَ تقليدي للمنّة والتزامي.
وله جواب عن صنيعة بصاحب هذه العناية :ورد فلن ،سيدي ،وهو عينُ بلدتنا وإنسانُها ،ومُقْلتها ولسانها؛ فأظهر آيات فضله ل جرم أنه
وصلَ إلى الصميم ،من اليجاب الكريم ،وهو الن مقي ٌم بين رَوْح ورَيحان وجنّة نعيم ،تحيته فيها سلم ،وآخر دعواه ذكرك وحسن الثناء عليك
سنَه ،فما ظنّك به ،وقد ي بمتاع موله؟ وقد عرفته ولسَنه ،وكَيف يَجرّ في البلغة رَ َ بما أنت أهله ،وأنا أصدق دعواه؛ وأفتخر به افتخار الخص ّ
268
ملكتها المجالس ولحظتها العيون ،وسلّ صارمًا من فيه ،يعِيدُ شكرك ويبدِيه ،وينشر ذكرك ويطويه؛ والجماعة تمدحُ لمدحه ،وتجرح بجرحه،
فرأيك في تحفظ أخلقك التي أثمرت هذا الشكر ،وأنتجت هذه المآثر الغرّ ،موفقاً إن شاء ال تعالى.
ومن إنشائه في مقامات السكندري ،قال :حدّثنا عيسى بن هشام ،قال :لما نَطّقني الغِنى بفاضل ذَيلِه ،اتّهمت بمال سلَبتُه ،أو كنز أصبتُه،
ب وتجاوزتُ خفَرَني الليلُ ،وسرَت بي الخيلُ .وسلكْتُ في هربي مساِلكَ لم يَرُضها السيرُ ،ول اهتدَتْ إليها الطيرُ ،حتى طويت أرضَ الرّعْ ِ فَ
ح ِفيَت الرواحلُ ،وأكلتها المراحل ،ولما بلغتها :الطويل: حمَى المنِ ووجدتُ بَردَه ،وبلغتُ أذربيجان وقد َ حدّه ،وصِرت إلى ِ
فطابَتْ لنا حتى أقمنا شهْرا نزلنا على أن المقام ثـلثةٌ
طيْلَسَها؛ فرفع عقيرته فبينا أنا يوماً في بعض أسواقِها إذ طلع رجل ب َركْوَ ٍة قد اعتضدها ،وعصا قد اعتمدها ،ودنيّة قد تَقَلّسَها ،وفوط ٍة قد ت َ
وقال :الله ّم يا مبدئ الشياء ومعيدَها ،ومحيي العظام ومبيدَها ،وخالق المصباح ومديره ،وفالقَ الصباح ومنيره ،وموصِلَ اللءِ سابغة إلينا،
سقْفاً ،والرض فراشاً ،وجاعلَ الليل سكَناً والنهار معاشاً، و ُممْسِك السماءِ أن تق َع علينا ،وبارئ النّسَم أزواجاً ،وجاعل الشمس سراجاً؟ والسماءِ َ
ومنشئ السحاب ثِقالً ،ومرسل الصواعق نكالً ،وعاِلمَ ما فوق النجوم ،وما تحت التخوم .أسألُك الصلة على سيد المرسلين محمد وآلِه
طهْرَة ،وسعِد ن فَطَ َرتْهُ الفِطْرة ،وأطل َعتْه ال ُ ي مَ ْسرَةِ أعدو ظلّها ،وأن تُسهّل لي على يدَ ْ حبْلَها ،وعلى العُ ْ الطاهرين ،وأن تعينني على الغربة أثني َ
بالدّين المتين ،ولم َيعْمَ عن الحق المُبين ،راحلةُ تطْوي هذا الطريق ،وزاداً يسعني والرفيق.
ح من إسكندريّنا أبي الفتح ،والتفتّ لفتةً ،فإذا هو أبو الفتح ،فقلتَ :يا أبا الفتح ،بَلَغ هذه ن هذا الرجلَ أفص ُ قال عيسى بن هشام :فناجيتُ نفسي بأ ّ
ب صيدك؟! فأنشأ يقول :مجزوء الخفيف: شعْ ِ ض كيدُك ،وانتهى إلى هذا ال ّالر َ
لفُـق دِ وجَوّابةُ ا ُ جوّالةُ الـبـل
أنا َ
عمّارة الطُرُقْ نِ و َ خذْرُوفَةُ الزمـا
أنا ُ
دُ على ُك ْديَتي وذُقْ ل تَُل ْمنِي لك الرش
وقال الطرماح بن حكيم :الطويل:
من الدهر إذ أهل الصفاء جميعُ وما أنس م الشياء ل أنس بـيعةً
سَواكِنُ في أوكَارهـنّ وقـوعُ طيْرُنـاوإذ دهرُنا فيه اعتزاز ،و َ
وأيامهنّ الصالحـات رُجـوعُ؟ فهل لليالينا بنـعـف مـلـيحة
ومثل فراق الظاعـنـين يَرُوعُ كأن لم يَرُعكَ الظاعنون إلى بلًى
شعر في وصف الشباب والمشيب
وقال علي بن محمد بن الحسن العلوي :مجزوء الكامل:
ب وما َلبِـسْـنَ مـن الـزخـارفْ واهــاً ليام الـــشـــبـــا
نَ من المـنـاكـر والـمَـعَـارِفْ وذهـابـهـنّ بـمــا عـــرفْ
وين الصّبـا صـدْزَ الـصـحـائفْ أيام ذكْـــرك فـــــــي دوا
واهًا ليّامي وأَيام الشهياتِ المَرَاشفْ
بانـاً عـلـى كُـثُـبِ الــرَوَادِفْ الغارسات البَان قُضْ
بين الـحـواجـبِ والـسـوالِـفْ والـجـاعـلتِ الـبَــدْرَ مـــا
ف بـغـير نِـيّاتِ الـمـخـالـفْ َ أيام يُظْـهِـــرْنَ الـــخـــل
وزللت مـن تِـلْـكَ الـمـواقِـفْ وقف النـعـيم عـلـى الـصّـبَـا
وقال ابن المعتز :الطويل:
وأَلقت قناعَ الخزّ عن وَاضح الثغْر دَعَ ْتنِي إلى عهد الصّبا َربّةُ الخـدْرِ
صفْرَةِ ماء الزعفران على النّحرِ ب ُ ط كُحْلَـهـا وقالت وما ُء العينِ يخل ُ
عنانك عن ذات الوِشاحين والشذْرِ؟ ب الدنيا إذا كنت قابـضـاً لمن تطل ُ
كأن هللَ الشهرِ ليس من الشهر أراك جعلتَ الشيب للهَجْـرِعِـلةً
وقال أحمد بن أبي طاهر :مجزوء الكامل:
كلَفي بكاسـاتِ الـعـقـارْ يا من كَـلِـفـتُ بـحـبّـهِ
ك من الشقائق والـبَـهـار وحياة مـا فـي وجـنـتـي
رج تَحْتَ خَصْرك في الزار وولـوع ِر ْدفِـكَ بـالـتـرَجْ
هك في البريّة من نِـجـار ما إن رأيت لـحـســن وج
وجهي بما يحكي الخـمـار لمـا رأيت الـشَـيب مــن
ك فقلت ذا غير الـغـبـار قالـت غـبـار قـد عــل
ك إلى القبـور مـن الـديار هذا الـذي نـقـل الـمـلـو
عني بحـسـن العـتـذار قالت ذهبـت بـحـجّـتـي
ت بـل نَـهَـار؟ ل مذ خلق ِ ً يا هـــذه أرأيت لــــي
وقال خالد الكاتب :الكامل:
ن مَ ْقتَلي
لمّا تمكَنَ طَ ْر ُفهَا مِ ْ ي بعينِ مَنْ لم َيعْدلِ نظرتْ إل َ
ق متحمّلِ ت صدودَ مُفَار ٍ صدّ ْ
َ لما رأتْ شيباً ألمّ بمفـرَقـي
269
ب يغمزها بأل تَ ْفعَلي
والشي ُ صلَها بتملّقٍ وظل ْلتُ أطلُب وَ ْ
وقال ابن الرومي :الطويل:
قَصيرُ الليالي والمشيبُ مخـلّـد كفى حَزَناً أن الشباب معـجـلٌ
شدُ فقالوا :نَهار الشيب أ ْهدَى وأرْ َ وعَزّاك عن ليل الشباب مَعاشـرٌ
ل أنْـدى وأبْـ َردُ ولكنّ ظِل اللي ِ فقلت :نهارُ المرء أ ْهدَى لسعـيِه
ومرجوعُ وهّاج المصابيح ِر ْم ِددُ مَحَارُ الفتى شيخوخة أو مـنـية
وقال :البسيط:
في لذةٍ لستُ أدرِي ما دواعيهـا ب وقلبي فيه منغمـسٌ كان الشبا ُ
بَ ْردَ النسيم ول ينفـكّ يحـييهـا رَوْح على النفس منه كادَ ُيبْ ِردُها
في جنّةٍ بات ساقي المُزْن يسقيها كأنّ نفسيَ كانت منـهُ سـارحةً
ك يُشْجيها شَجْوٌ على النفس ل ينف ّ يمضي الشباب ويبقى من لبَانتـه
لنفسه ل لحلم كان يُصـبـيهـا ما كان أعظم عندي َقدْ َر نعمتـه
والنفسُ أوجب إعجابًا بما فيهـا ما كان يُوزَن إعجاب النساء بـهِ
وقال :الطويل:
غدوتَ وطَرْفُ البيض نحوك َأصْوَرُ صدّت ،و ُربّـمـا إذا ما رأتك البِيضُ َ
وإن كان في أحكامهـا مـا يُجَـوّرُ وما ظلَمتك الغـانـياتُ بـصـدّهـا
بعينيك عنك الشيبُ فالبِيضُ أعـذرُ ط ْر َفكَ المرآةَ وانظرْ؛ فإنْ نبـا أعِرْ َ
فعيْنُ سِوَاء بـالـشـنـاءة أجْـدَر شيْب نـفـسـه شنِئت عين الفتى َ إذا َ
وقال كشاجم :الخفيف:
حكَ ٍة بعُبـوسِ ت َب ْعدَ ض ْ
وثنَ ْ ن وبُوس َوقَ َف ْتنِي ما بين حُزْ ٍ
وَ ِهيَ البنوس بالبـنـوسِ إذْ رأتني مشَطْتُ عاجاً بعاج
وقال أبو نواس :الكامل:
ل أهتدي لـمـذاهـب البـرارِ بكرت تبصّرني الرّشاد كأنـنـي
و َرمَى الزمانُ إليك بـالَعْـذَارِ حكَ قد كبرت عن الصّبا وتقولَ :ويْ َ
متقلّـب فـي راح ِة القـتـارِ فإلى متى تصبُـو وأنـت مـتـيّمٌ
فصَ َرفْتُ معرفتي إلى الِنكـارِ ع َرفْتُ مـذاهـبـي جبْتُها إني َ فَأ َ
وقال أحمد بن زياد الكاتب :الطويل:
ل ومرحبا بمَفْرَق رأسي قلت :أه ً ل بـياضـه ولمّا رأيتٌ الشيبَ ح ّ
ن يتنـكّـبـا تنكّبَ عني ُرمْتُ أ ْ ولو خِلْتُ أني إن تركت تحـيتـي
به النفسُ يوماً كان للكُرْه َأذْهَبَـا ولكن إذا ما حلّ كرهٌ فسامـحـت
ن هذا البيت ينظر إلى قول الول :الطويل: كأ ّ
فَ ُردّت إلى معروفها فاستقرّتْ وجاشت إليّ النفس أولَ مـرةٍ
أبو الطيب :الكامل:
ثم اعترفتُ بها فصارت َديْدنَا أنكَرْت طارقةَ الحوادثِ مرّة
ابن الرومي :الخفيف:
مَ َرحَ الطّرْف في العِذَارالمُحَلى ح فـيه ت أمْ َر ُشيْبي فصر ُ لح َ
في ميادين بَاطِلِـي إذ تـولّـى وتولى الشبـابُ فـازددْتُ غَـيّا
لحقّ الورى بـأن يتـسـلّـى ن من ساءه الزمـانُ بـشـيء إَ
المتنبي :الخفيف:
ساءني الدهر؟ ل ،لعمريَ ،كلّ أتراني أسوء نـفـسـيَ لـمّـا
المتنبي :الكامل:
عمّا َمضَى فيهما وما ُيتَ َوقّـعُ َ تَصْفُو الحياةُ لجاهِلٍ أوغافـلٍ
طمَعُ ل َفيَ ْ ويَسُومُها طَلَبَ المُحا ِ ن يُغالِطُ في الحقائق نَ ْفسَه ولم ْ
البحتري :الكامل:
تردى به نَفْسُ اللّهيف فترجعُ خيّلُ بـاطـلٍ ق َت َ
يكفيك من حَ ّ
ح مغالطات أهل العقول ،عند أهل التحصيل ،وما أحسن ما قال الطائي :الخفيف: وقلّما تص ّ
جدّ فََأ ْبكَى ُتمَاضراً ولعوبا لعِبَ الشيبُ بالمَفَارِقِ ،بل َ
حسـنـاتـي عـنـد الـحـسـان ُذنُــوبـــا يا نسيبَ الثّغام ذنبُك أبقى
جا َو َرتْـهُ البـرار فـي الـخُـلْـدِ شِــيبـــا لو رأى الـلـه أنً فـي الـشـيب فَــضْـــلً
270
وقد جاء في التشاغل عن الدهر وأحداثه ،ونكباته ،ومصائبه ،وفجعاته ،والتسلي عن الهموم ،بماء الكروم ،شع ٌر كثير؛ فممّا يتعلّق منه بذكر
الشيب قول ابن الرومي :الطويل:
وأشربها صِـرْفـاً وإن لمَ لُـوّمُ عمّنْ أَغرَضَ الدهرُ دونهُ عرِض َ سأ ْ
َو َفتْ لي ورأسي بالمشيب ُم َعمّـمُ فإني رأيت الكـأس أكـ َرمَ خُـلّةً
ل عنّي تـكْـتُـم وقد بخِلَتْ بالوص ِ وصَ ْلتُ فلم َتبْخَلْ عليّ بوصْلِـهـا
غمَ دهراً ساءهُ فـهـو أرغـم ِليُرْ ِ ومَنْ صارمَ اللذات إنْ خان بعضها
إلى ضيق َمثْوَاه من القبر يَسْـلَـم أمِنْ بعد َمثْوَى المرءِ في بَطْن ُأمّهِ
أبى ال! إن ال بالعـبـد أرحـم! ق بين الضيق والضيق فرجة ولم َيبْ َ
وقال العَطوي :الخفيف:
ر فَحا َك ْمتُهُ إلـى القـداحِ؟ خ بـيَ الـده ج ْبتُنّ إنْ أنـا َ
أعَ ِ
ب ماءِ قـراحِ شرْ ِ حدَاداً بِ ُ
راً ِ شبْنَ أظـفـا ل ت َر ّد الهمُوم ُينْ ِ
دون إخوانيَ الثقاتِ جراحي أحمد ال ،صارت الكأس تَ ْأسُو
وقال ابن الرومي ونحله بشاراً :الطويل:
وإرعاءها قلبي لهتز معـجـبـا ل ادّكـارهـا وقد كنت ذا حال أُطِي ُ
ب مَـغْـرِبـا ي ذِكراها ِل َتغْرُ َ تناس ّ فبُذّلْت حالً غير هاتيك ،غـايتـي
ل مسروراً بهـا ولطْـ َربَـا جذَ َ
لْ و ُكنْتُ أُدير الكـأس مَـلى رَ ِويّةً
ت مَفَرّا من همومي و َمهْربَا ح ْ
َفأَضْ َ وكانت مزيداً في سروري و ُمتْ َعتِي
وهذا كما قال في َقيْنَة وإن لم يكن من هذا الباب :البسيط:
كأنّمـا يَ ْومُـهـا يومـان فـي يومِ س ِمعَةً شاهدت في بعض ما شاهدتُ ُم ْ
بذاك ،بل طلباً للسّـكْـرِ والـنـومِ ظل ْلتُ أشربُ بالرطال ،ل طَـرَبـاً
ومن مليح شعره في الشيب :الطويل:
صغَاراً عظائمُ
ومِنْ نكد الدنيا إذا ما تنكّرتْأمو ٌر وإن عدّت ِ
ن الداهِـــمُ ُأتِـيح لـه مـــن بـــينـــهـــ ّ ت بالمنقاش نتفَ أَشَاهبي إذا ُرمْ ُ
ت نَـــوَاجِـــمُ وهُـنَ لـعَـيْنـي طـالــعـــا ٌ يرَ ّوعُ مـنـقـاشـي نـجــوم مـــســـائحـــي
وقال أبو الفتح كشاجم :الطويل:
ي منها في عذاب وفي حَـ ْربِ فإن َ أخيُ ،قمْ فعا ِونّي على َنتْفِ شَـ ْيبَةٍ
جنْبِ وقد أخذت من دونها جارة ال َ إذا ما مضى المنقلش يأتِي بها َأتَتْ
شدّةِ الـرّعْـبِ َتعَلّقَ بالجيرانِ من ِ جزَى بذَ ْنبِـهِ كجانٍ على السلطان يُ ْ
وقد وشّحت هذا الكتاب بقطع مختارة في الشيب والشباب ،وجئت ههنا بجملة ،وهذا النوغ أعظم من أن نحيط به اختياراً ،أو نبلغه اختباراً.
شذور لهل العصر
في وصف الشيب ومدحه وذمّه
شيْب بجيوشه ،طَرّز الشيبُ شبابَهَُ ،أ ْقمَرَ ليلُ شبابه ،أَلجمه ذَوَى غُصْنُ شبابهَ .بدَت في رأسه طلئع المشيب ،أخذ الشيب بعِنَان شبابه ،غزاه ال ّ
بلجامه ،وقاده بزِمامه ،عله غبارُ وقائع الدهرِ .وزن هذا لبن المعتز :الكامل:
هذا غبارُ وقائعِ الدهرِ
بينا هو راقد في ليل الشباب ،أيقظه صبحُ المشيب .طوى مراحلَ الشباب ،وأنفق عمره بغير حساب .جاوز من الشباب مَرَاحل ،وور َد من
ق نَضَا َرةَ الزمان .أَخْلَق بُ ْردَة الصّبا ،ونهاه النهي عن ب َمنَاهل .فَلّ الدهرُ شبَا شبابه ،ومَحا محاسنَ ُروَائه .قضى باكورة الشباب ،وأنْ َف َ الشّي ِ
حلَكشدّ الكهل ،واستعاض من َ الهوى .طار غرابُ شبابه .انتهى شبابه ،وشاب أترابه .استبدل بالدهم البْلَقَ ،وبالغراب العَقْعق 0انتهى إلى أَ ُ
ض بلِجام الدّهرِ ،وأدرك عصر ا ْلحُنكة وأوان المسكة .جمع قوّة الشباب جذَ الحلم ،وارتا َالغراب بقادمةِ النّسر .افت ّر عن نَابِ القارح ،وقرع نَا ِ
حبَرَةَ الصبا ،ووَلى داعية غرّةِ الغَرَارة .نَفَض ِ إلى َوقَار المشيب .أسفر صبح المشيب ،وعََلتْه أبهة ال ِكبَر .خرج عن حد الحداثة؛ وارتفع عن ِ
خضَتها اليام، الحجا .لما قام له الشيب مقام النصيح ،عدل عن علئق الحداثة بتَوْبة نَصُوح .الشيب حِلية العقل وشِيمة الوقار .الشيب زبدةٌ م َ
شيْب .الشيخ يقول عن عيِان، وفِضّة سبكتها التجارب .سرى في طريق الرشد بمصباح الشيب .عصى شياطين الشباب ،وأطاع ملئكة ال ّ
والشاب عن سَماع .في الشيب استحكام ال َوقَار وتناهي الجلل ،ومِيسَم التجرِبة ،وشاهد الحنكة .في الشيب مق ّدمَة الموت والهَرَم ،والم ْؤذِن
خرَف ،والقائد للموت .الشيبُ رسول المنية .الشيب عنوَان الفساد .والموتُ ساحل ،والشيبُ سفينة تقرب من الساحل .صفا فلن على طول بال َ
خطِه ،وخَبطه ب بوَ ْ
شيْ ُ
العمر ،صفاء ال ّتبْر على شغب الجمر .لقد تناهت به اليا ُم تهذيباً وتحليماً ،وتناهت به السّن تجريبَاً وتحنيكاً .قد وعظه ال ّ
ضعْفُ الشيخوخة ،وأساء إليه أثر السنّ، السنّ بابنه وسِبطه ،قد تضاعفت عقودُ عمره ،وأخذت اليام من جسمه .وجَد مَسّ الكبر ،ولحقه َ
ن من عَقْله ،كما أخذ من عمره .ثََلمَه الدهر واعتراض الوهن .هو من ذوي السنان العالية ،والصحبَة لليام الخالية .هو ِهمّ هَرِم ،قد أخذ الزما ُ
ن أديمه .كسر الزمانُ جناحَه، ثَلْ َم الناء ،وتركه كذِي الغارب المنكوب ،والسّنام المجبوب .رماه من قوسه ال ِكبَر .أُريق ماءُ شبابه ،واستش ّ
سفَان المقيّد ،هو شيخ مجتثّ الجثّة ،واهِي ال ُمنّة ،مغلول القوة ومفلول الفتوة، ونقض مِرّته .طوى الدهر منه ما نشر ،وقيّده الكبر ،يرسف ر َ
ثقُلَت عليه الحركة؟ واختلفت إليه رسل المنية .ما هو إل شمسُ العصر ،على القصر .أركانه قد وهَتْ ،ومدّتُه قد تنا َهتْ .هل بعد الغاية منزلة،
أو َبعْدَ الشيب سوى الموت مرحلة؟ ما الذي يُرْجَى ممن كان مثله في تعاجز الْخُطا ،وتخاذُل ،القُوَى ،و َتدَاني المدى ،والتوجّه إلى الدار
ضعْف الحسّ ،وتخاذل العضاء ،وتفاوت العتدال ،والقُرْب من الزوال .والذي بقي منه ذَماء يَرقُبه الُخرى ،أبعد ِدقّة العظم ،ورقّة الجلد ،و َ
271
المنُون بمَرْصد ،وحُشاشة هي هَامَة اليوم أو غد .قد خَلق عمره ،وانطوى عيشُه ،وبلغ ساحلَ الحياة ،ووقف على َثنِيّةِ الوداع ،وأشرف على دار
س معدودة ،وحركات محصورة .نَضب غديرُ شَبابه. المقام ،فلم يبق إل أنفا ٌ
فقر لغير واحد في المشيب
ب نومُ الموت.قيس بن عاصم :الشيبُ خطام المنية .أكثم بن صيفي :المَشِيب عنوان الموت .الحجاج بن يوسف :الشيب نذير الخرة .غيره :الشي ُ
ل مَواعد الفَناء .وقال:
ب أحد الميتتين .ابن المعتز :الشيبُ أو َ ب نذير المنيّة .محمود الوراق :الشي ُ العتبي :الشيبُ مجمع المراض .العتابي :الشي ُ
ب َقذَى عين
طرُه الغموم .الشي ُ عظّم الكبير فإنه عَرف ال قَبلك ،وارحَم الصغير فإنه أغ ّر بالدنيا منك .غيره :الشيب ِقنَاعُ الموتِ .الشيب غَما ٌم قَ ْ
الشباب.
ب ل عدمناه!.
عيْ ٌ
نظر سليمان بن وهب في المرآة فرأى الشيب ،فقالَ :
وقيل لبي العيناء :كيف أصبحت .فقال :في داء يتمنّاه الناس!.
ابن المعتز :المديد:
بدموع في الرداءِ سُجُـومِ أنكَرَتْ شرّ مشيبي ووَلّـتْ
س نَوْ ُر الهمومِ إنّ شيبَ الرأ ِ اعذري يا شرّ شيبتي بـهـمّ
مسلم بن الوليد :البسيط:
عجِبْ لشيء على البغضاء مَ ْودُودِ أْ شيْبُ كرهٌ ،وكُـرهٌ أن أفـارقُـه ال َ
ب يذهبُ مفقوداً بمفـقـودِ والشي ُ ب فيأتي بعـده بـدلٌ َيمْضِي الشبا ُ
وقال آخر :مخلع البسيط:
ش ْيبُه فَـذَالِـكْ
كان له َ حسَابٌ عمْرَ الفتى ِ لو أنَ ُ
وقال بعضهم :الطويل:
فلمّا التقيْنا كان أكْ َرمَ صَـاحـبِ ولي صاحب ما كنتُ أَهوى اقترابَهُ
ن مُجَانـبـي تمنَيتُ دهرًا أن يبهو َ ق بـعـدمـا ن يفار َ عزيزٌ علينا أ ْ
يعني الشيب ،يقول :لم أكن أشتهي اقترابه ،فلما حلّ كان أكرم صاحب ،عزيز عليّ مجانبته ،لنه ل يجانَبُ إل بالموت.
أبو إسحاق الصابي :مجزوء الكامل:
سب في أواخرها ال َقذَى والعم ُر مثلُ الكـاس ير
أبو الفضل الميكالي :البسيط:
سمْعَ مُـكـتَـ ِرثِ ول تُصِخْ لملمٍ َ أ ْمتِعْ شبابك من َلهْوٍ ومـن طـرَب
ب من خ َبثِ والعم ُر من فضة والشي ُ عمْرِ الفتى َر ْيعَـانُ جـدّتـهِ فخير ُ
في ذكر الخضاب :الخضاب أحدُ الشبابين.
عبدان الصبهاني :الخفيف:
وهو ناعٍ منغّصٌ لي حياتي في مشيبي شمَات ٌة لعدَاتـي
ليَ أنسٌ إلى حضور وَفاتي ب َقوْمٌ ،وفيهِويعيب الخِضا َ
ما تطلّبت خَلّة الغـانـيات ل ومَنْ يعلم السرائ َر إنـي
ل يو ٍم مِرَاتـي ما تُرِينيه ك ّ ب عنّـي ن ُي َغيّ َ
إنما ُرمْتُ أ ْ
سرّه أن يرى وجوهَ النعَاة؟ وهو ناعٍ إليَ نفسي ،ومَن ذا
ابن المعتز :الطويل:
ولم تتعهّدها أكُفّ ا ْلخَـواضـبِ رأت شيبةً قد كُنتُ أغف ْلتُ قصّهـا
فقالت :لقد شانتكَ عند الحـبـائب شيَبٌ ما أرى؟ قلت :شامةٌ فقالت :أَ ْ
المير أبو الفضل الميكالي :الخفيف:
فيه وَج ٌد بكتـم ِسِـرّي وَلـوعُ خضَابَ شَيبي فـؤاد قد.أبى لي ِ
ونصولُ الخِضاب شي ٌء بَـدِيعُ ب نُصُولً خافَ أن يحدث الخضا ُ
وقالوا :الخضاب من شهود الزور ،والخضاب حدادُ المشيب ،إن خضب الشعر ،فكيف يخضب ال ِكبَر .الخضاب كفن الشيب.
ابن الرومي :الخفيف:
ن الديمُ ود شـيئًا إذا اسـتـشـ ّ ليس ُت ْغنِي شهادةُ الشّـعَـر الس
شاهد الخضب؟ أين ضلّ الحليمُ؟! أفـيرجـو مُـسَـوّد أن يُ َزكّـى
صار إل التكـذيبُ والـتـأثـيمُ ل لعمري ما لِلخِضاب لدَى البْ
قد تولّى به الشـبـابُ الـقـديمُ يدّعي للكبـير شَـرْخَ شـبـابٍ
بًا إذا كذّب السـوادُ الـصـمـيمُ والسوادُ الدّعِيّ أوْجَـب تـكـذي
وله أيضاً في هذا المعنى :الطويل:
ب تعذّرا مَشيباً ولم يَأْتِ المشي ُ ن نُحِيلَ شبابنـا كما لو أردْنا أ ْ
شباباً إذا ثوبُ الشباب تحسّرا كذلك ُيعْنينا إحالةُ شـيبـنـا
وأنى يكون العبد إل ُم َدبّرا؟ أَبى ال تدبير ابن آدم نفسـه
وقال :الكامل:
272
غشّ الغَوَانِي في الهوَى إيّاكا ِ قل للمسوّد حين شيب :هكـذا
ن كَـذَاكـا
فكذبنه في ودهـ ّ كَذَبَ الغوانِيَ في سوادِ عذارِهِ
ن دَهَاكا؟ أيّ الدواهي غيره ّ هيهات غَرّك أن يُقَال غرائرٌ
ع ْتكَ ُمنَاكا
بل َأنْتَ ويحك خادَ َ خدَعْ َتهُنّ بـحـيلةٍ ل تحسبن َ
وقال أبو الطيب المتنبي :البسيط:
ن مَشِيبي غيرَ مخضـوب تركْتُ لو َ ت مُمـوّهة ل منْ ليس ْ ومِنْ هَوَى ك ّ
شعَرٍ في الوج ِه مكذوب
رغِبتُ عن َ صدْقِ في قولي وعادتهِ ومِنْ هوى ال ّ
ِمنِي بحِ ْلمِي الذي أعطتْ وتجريبي ع ْتنِي الـذي أخـذَتْ ليتَ الحوادثَ با َ
قد يوجد الحلْم في الشبّانِ والشـيبِ فما الحداثَ ُة مِنْ حِـلْـ ٍم بـمـانـعةٍ
غيره :البسيط:
ستْرًا من النـارِ
سَلِ اللهَ له ِ ستُرهُ يا خاضبَ الشيب بالحنّاء يَ ْ
وقد سلك أبو القاسم مسلكاً طريفاً قوله :الكامل:
نَفَسًا يشيع عِيسَهـا إذْ آبـا َأ ْفدِي المغاضبة التي أ ْتبَ ْع ُتهَـا
ل بعضُ القائلين تَصَابَى ويقو َ سفّهني الصبـا ن يُ َ
وال لول إ ْ
273
إزاءَ القلوب ك َركْب وقو ْ
ف له كَلِمٌ فـيك مـعـقـولةٌ
ل فيهم كثير بن أَبي كثير ،وكان عربيّا فصيحاً ،فقال كثير :ما أراني ختَرْ لِي عشَرة من عندك ،فاختار رجا ً وبعث الحجاجُ إلى عامله بالبصرة :ا ْ
ت من يد الحجاج إل باللّحْن ،فلمّا دخلْنا عليه دعاني فقال :ما اسمُك؛ فقلت :كثير ،قال :ابن مَنْ؟ فقلت في نفسي :إن قلت ابن أبي كثير لم آمن أفْلِ ُ
ن بعث معك!!. أن يتجا َوزَها ،قلت :ابن أبا كثير ،فقال :أَعْ ِزبْ ،لعنك ال ولعن مَ ْ
فقر في المديح
ج ْفنَة :الطويل: وقال النابغة الذبياني يمدحُ آل َ
أَض ّر بمن عادى وأكثـر نـافـعـا ل قُـبةٍ
ول عـينـاَ مـن رأى أَهْـ َ
وأفضل مشفوعاً إلـيه وشَـافِـعـا وأَعْظَـم أحـلمـاً وأكـثـر سـيّدا
فل الضيف ممنوعاً ول الجارُ ضَائِعا متى تَلْ َقهُم ل تَلْقَ لـلـبـيت عـورة
وأنشد محمد بن سلم الجمحيّ للنابغة الجعدي :الطويل:
جوادّ فـمـا ُيبْـقـي مـن الـمـال بــاقـــيا فتـى كَـمُـلَـتْ أخـلقُــه غـــيرَ أنـــهُ
علـى أنَ فــيه مـــا يســـوءُ العـــاديا فتـى تـ ّم فـيه مـا يَسُـــرّ صـــديقَـــهُ
إذا لـم يَرُحْ لـلـمـجـد أصـبــح غـــاديا أشـمّ طـويل الـسـاعــدين شَـــمَـــرْدل
ومن حُرّ المدح وجيّد الشعر قول الحطيئة :الطويل:
ومَـن ُيعْـطِ أثـمـانَ الـمـحـامـدِ يُحْـمَــدِ تزور امْ َرًأ ُيعْطِي على الحمدِ ماله
ويعـلـم أنّ الـمـرءَ غـي ُر مــخـــلَـــدِ ل ل ُيبْـقِـي عـلـى الـمـرء مـالـه يَرى البخـ َ
تهـلَـلَ واهـتـزّ اهـتـزازَ الـمـهــنّـــدِ ب ومِـتـلفٌ إذا مـا ســألـــتـــهُ كَسُـو ٌ
تَجِـدْ خـيرَ نـارٍ عـنـدهـا خَـيْ ُر مُـوقـــدِ متـى تـأتِـه تَـعْـشُـو إلـى ضـوء نـــاره
وسمع عمر بن الخطاب ،رضي ال تعالى عنه ،هذا البيت فقال :ذاك رسول الّ ،صلى ال عليه وسلم ،وقوله :الطويل:
وإن غضبوا جاء الحفيظةُ والجِـدّ يسوسون أحلمًا بعـيداً أنـاتُـهـا
سدّوا سدّوا المكانَ الذي َ من اللومِ أو ُ أقِلّوا عـلـيهـم ل أَبـًا لبـيكُـم
شدّوا وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا َ أولئك قو ٌم إن َبنَوْا أحسنوا الـبـنـا
وإن أنعموا ل كدّرُوها ول كَـدّوا وإن كانت النعماءُ فيهم جَزَوْا بهـا
َبنَى لهمُ آباؤهم وبَـنَـى الـجَـدّ مَطَاعِين في الهيجا َمكَاشِيفُ للدجَى
وما قلت إلّ بالذي عَِل َمتْ سَـعْـدُ وتعذلني أبناءُ سَـعْـدٍ عـلـيهـمُ
وقال منصور النمري :الطويل:
وَي ْروَى ال َقنَا في َكفّهِ وال َمنَاصِـلُ ظمَأن تحتهُ ترى الخيل يوم الحرب يَ ْ
حرامٌ عليها منه َمتْـنٌ وكـاهِـلُ طرَاف السِـنّة نَـحْـرُهُ حللٌ ل ْ
وقال آخر :الطويل:
قفي بَ ْأسِه شطرٌ وفي جودِه شَطْرُ ن فيمـا َينُـوبـهُ طرَا ِ
فتًى دهره شَ ْ
ول مِنْ زئير الحرب في ُأذْنِه َوقْرُ فل مِنْ ُبغَاة الخير في عينه قـذى
?الشارب
وقال بعضُ الظرفاء :الشرابُ أولُ الخراب ،و ِم ْفتَاح كل بابَ ،يمْحَق الموال ،ويُذهِبُ الجمال ،و َي ْهدِم المروءة ،ويُوهِنُ القوة ،ويَضع الشريف،
شنَار.
و ُيهِين الظريف ،ويُذِلُ العزيز ،ويفلس التجار ،و َي ْهتِك الستار ،ويورث ال ّ
وقال يزْيد بن محمد المهلبي :الطويل:
وإن كـان فـيهـا لَـذَةٌ ورَخـاءُ حصَى على الكأس شَرّها لعمرُك ما يُ ْ
تخيّل أن المـحـسـنـين أسـاءوا مرارًا تُريك الغَـيّ رشـداً ،وتـارةً
ن مديحَ الـمـادحـين هِـجَـاء وأ ّ وأن الصديق الماحض الو ّد مبغِـضٌ
يدومُ لخوان النبيذ إخـاء وجرّبت إخوان النبيذ فقلما
التطفيل
عوتِب طفيلي على التطفيل فقال :ول ما ُبنِيت المنازلُ إل ِلتُدْخَل ،ول نصبت الموائد إل لتُؤكل ،وإني لجمع فيها خللً؛ أدخل مُجالِساً ،وأَقعد
مؤانساً ،وأنبسط وإن كان ربّ الدار عابساً؛ ول أتكلّف َمغْرَماً ،ول أنفِق درهماً ،ول أتعب خادماً.
وقال ابن الدراج الطفيلي لصحابه :ل يهولنّكم إغلقُ الباب ،ول شدّة الحِجاب ،وسوء الجواب ،وعبوس البواب ،ول تحذير الغراب ،ول
طمَة المزمنة ،في جنب الظفر ن ذلك صائر بكم إلى محمول النوال ،و ُمغِنٍ لكم عن ذُلّ السؤال ،واحتملوا الّلكْزَة المُوهِنة ،واللّ ْ منابذة اللقاب؛ فإ ّ
خفّة للواردين والصادرين ،والتملّق للمُلْهين والمطربين ،والبشاشة للخادمين بال ُب ْغيَة؟ والدرَك للُمنية ،والزَموا الطَوْ َزجَة للمعاشرين ،وال ِ
والموكلين؛ فإذا وصلتم إلى مُرَادكم فكلُوا محتكرين ،وادّخروا لغؤكم مجتهدين؛ فإنكم أحقّ بالطعام ممن دعِي إليه ،وأولَى به ممن وُضع له،
شمّرين ،واذكروا قول أبي نواس :الطويل: فكونوا لوقته حافظين ،وفي طَلبه ُم َ
طنَةٍ للط ّيبَاتِ َأكُـولِ
وفِي بِ ْ ل ال من كلّ فاجر ِلنَخمس ما َ
س َتنْدَر كلّها ،ويستظرف جّلهَا ،وهي هذا يقوله أبو بواس في أبيات تُ ْ
َتهُـ ّم يدَا مَـنْ رامَـهـا بِـزَلـيل س مُـنِـيفةٍخيْم ِة نَـاطـورٍ بـرَأ ِ
وَ
ت بـدُخـولِ وإن وَاج َهتْـهـا آذنَـ ْ إذا عارضتها الشمسُ فاءت ظللُهـا
274
عبُو ِريّ ٍة تُـذْكـى بـغَـيْرِ فَـتِـيل
َ ل فَـلّ هـجـيرةٍ ططْنَا بها الثْقـا َ حَ
ث النـاء ضَـئيلِ من الظلّ فـي ر ّ ت بـمَـ ْذقَةٍ تأنّت قـلـيل ًثـم فـا َء ْ
ك ومَـقِـيل جَفَا زَوْرُها عن َمبْـ َر ٍ ي نَـعَـامةٍ كأنّا ل َديْها بين عِـطـفَـ ْ
بصفرا َء من ماءِ الكروم شَـمُـولِ حَلَبت لصحابي بها دِرّةَ الـصّـبـا
دعا همّهُ مـن صـدْرِه بـ َرحِـيلِ إذا ما أتت دون اللّها ِة من الـفـتـى
تصا َبيْت واستجملتُ غـيرَ جـمـيلِ فلمّا توافَى الليل جنْحًا من الـدّجـى
صعْبـًا كـان غـير ذلـول وذلّ ْلتُ َ ث كما بَـدَا وأعطيت مَن أهوى الحدي َ
إل ربما طالـبـتُ غَـيْ َر مُـنـيلِ فغنّى وقـد َوسّـدت يُسـرايَ خَـدّه
وإن كان أدنى صاحـبٍ ،وخـلـيل فأنز ْلتُ حاجاتي بحِقْوَي مُسـاعـدي
إل ربّ إحسـان عـلـيكَ ثـقـيل سكْرَ والسكرُ محسنٌ فأصبحت أَلحَى ال ُ
عليه ،ول معروفَ عـنـد بـخـيل كفى حَزَناً أنّ الـجـواد مـقـتّـرٌ
يقومُ سـواءً أو مـخـيفَ سـبـيلِ سأبغي الغِنـى إمـا وزيرَ خـلـيفة
ن بـاسـم قـتـيل حفَـا ِ
إذا نوّه الز ْ بكل فـتًـى ل يُسْـتَـطـارُ فـؤادهُ
وذي بِطْـنَةٍ لـلـطـيبـات أكُـول خمُس مالَ ال مـن كـل فـاجـرٍ لنَ ْ
وَليْسَ جَـوَادٌ مُـعْـدِ ٌم كـبَـخِـيلِ ألم تر أنّ المال عَوْنٌ على الثُـقـى
ألفاظ لهل العصر
في صفة الطفيليين والكلة وغيرهم
ل من النار ،وأشرَبُ من الرمل .لو أكل الفيلَ ما كفَاه ،ولو شرب النيلَ ما َأرْوَاه ،يجوبُ البلد، شيطان مَعدته َرجِيم ،وسلطانها ظلوم .هو آكَ ُ
سفّود الشّوّاء وأنامله كالشبكة ،فى صيد السمكة .هو ب البريد ،في حضور الثّريد أصابعه ألزم للشَواء ،من َ ج ْفنَة جَوَاد .يرى ركو َ حتى يقع على َ
ع من ذئب ُم ْعتَس بين أعاريب .العيون قد تقلّبت ،والكباد قد تلهبت ،والفواه قد تحلبت .امتدت إلى الخوان العناق ،واحتدت نحوه أجْ َو ُ
الحداق ،وتحلّبت له الشداق.
?وصف طائر
ن بحسن الصورة .قال :صِفْه سأل المهدي صباح بن خاقان عن طائر له جاء من آفاق الغابة فقال :يا أمير المؤمنين ،لو لم يَبنْ بحسن الصفة َلبَا َ
ج ْمرَتين ،ويلفظ بدرّتين ،ويمشي على عقيقتين ،تكفيه الحبّة ،وتُرويه لي .قال :نعم ،يا أمير المؤمنينُ ،ق ّد َقدّ ا ْلجَلَم ،وقوّم تقويم القلَم ،ينظر من َ
ال ُغبّة ،إن كان في قفص َفلَقه ،أو تحت ثوب خرقه ،إذا أقبل َف َديْنَاه ،وإذا أدبر حميناه.
?من أخبار المهدي :ودخل عبد ال بن مصعب الزبيري على المهدي ،فقال :ويحك ب زبيري؛ دخَلتُ على الخيزران ،فلمّا قامت ِلتُصلِح من
لكِثِ بالْقا_عِ سِرَاعاً
شأنها نظرت إلى حُسنة! فقلت :يا أمير المؤمنين؛ أدركك في ذلك ما أدرك المخزومي حيث قال :الخفيف? :بينما نحنُ بالبَ َ
س َتهْوي هُ ِويّا
والعِي ُ
ت مُـضِـيا طعْ ُ
راكِ وَهْناً فما است َ خَطَرتْ خَطْرَةٌ على القلب من ذك
قُ وللحا ِديَيْنِ :كُـرّا الـمُـطِـيّا قلتُ :لبّيكِ إذ دعاني لـكِ الـشَـوْ
فأمر فرفعت الستور عن حُسْنة.
ثم قال لي :يا زبيري ،واسوأتاه من الخيزران! ثم انثنى راجعاً إليها فقلت :يا أمير المؤمنين ،أدركك في هذا ما أدرك جميلً حيث يقول:
الطويل:
إليّ وأوطاني بلدٌ سواهمـا شغْباً إلى بَداً حّببْتِ َوأنْتِ التى َ
ن كِل ُهمَا بهذا فطاب الوا ِديَا ِ ت بهـذاحَـلّةً ثـم حَـلّةً حَلَ ْل ِ
فدخل على الخيزران ،فما لبث أَنْ خرج ،قال الزبيري :فدخلت ،فقال :أنشدني فأنشدته لصخر بن الجعد :الطويل:
عقدنا لكأس موثِقًا ل نخونـهـا ل بعدمـا جذّها الحي َ هنيئاً لكأس َ
ش َتدّتْ عَلَيّ ضغونهـا حواليّ وا ْ وإشما ُتهَا العداء لما تـألّـبـوا
ت أعدائي فقرّت عيونهـا وأشم ّ ت عينيّ بالبكـا فإن تصبحي وكّلْ ِ
بيَ ْليَل قُمريّ الحمامِ وجُونُـهـا فإن حراماً أن أخونك مـا دعـا
على َفنَنٍ َو ْرقَاء شاكٍ رَنينهـا وما طرد الليلُ النهار ،وما دَعَتْ
فأمر لي على كل بيت بألف دينار ،وكانت الخيزران وحسنة أحظى النساء عند المهدي.
?وصف الغلم
ووصف اليوسفي غلماً فقال :كان يعرفُ المراد باللَحْظ ،كما يعرفه باللَفْظ ،ويُعايِنُ في الناظر ،ما يجري في الخاطر ،أقرب إلى داعيه ،من يد
ُمعَاطِيهِ؛ حديدُ الذهن ،ثاقبُ الفهم ،خفيفُ الجسم ،يُغنيك عن الملمة ،ول يحوجك إلى الستزادة.
وقال أبو نواس :الطويل:
صنَا
إذا ما انثنى من لينه فَضَح الغُ ْ ومنتظرٍ رَجْعَ الحديث بِطَـ ْرفِـهِ
جعلت له عيني لتفهـمـه ُأ ْذنَـا ي كـلمَـهُ إذا جعل اللحْظَ الخف ّ
وقال :الطويل:
ت ل يَخفَى عليّ ضميرُ فقد كدْ ُ وإني لطَرْفِ العَيْن بال َعيْنِ زَاجِر
وقد طرق هذا المعنى وإن لم يكن منه من قال :المتقارب:
275
ت بالهَجر منهم نَصِيبي فَأقْلَلْ ُ بَلَوتُ أخِلّءَ هذا الـزمـان
صديقُ ال ِعيَان عد ّو المغيبِ وكّلهُ ُم إن تَـصـفَـحْـتـه
فإنّ العُيونَ وجوهُ القلـوبِ تف ّقدْ مسا ِقطَ لَحْظِ المـريب
وهو كقول المهدي :الطويل:
ي دلـيلُ عليه من اللحظ الخفـ ّ ومطّلع من نفسـه مـا يَسُـرُهُ
ففي اللّحْظ واللفاظ منه َرسُولُ إذا القلبُ لم يُ ْبدِ الذي في ضميرِه
?بين خالد بن صفوان وعلي بن الجهم
ي بن الجهم بن أبي حذيفة ،فألفاه يريد الركوب ،فقُرّب إليه حمار ليركبه ،فقال خالد :أما علمت أن العيْر عار، ودخل خالد بن صَفْوان عَلى عل ّ
حمَار شَنار ،مُنكَر الصوت ،قبيح ال َفوْتُ ،متَزلّج في الضّحْل ،مرتطم في الوحل ،ليس بركوبه فحل ،ول بمطيّة َرحْل ،راكبهُ مقرف، وال ِ
ومسايره مُشرف.
فاستوحش أبن أبي حذيفة من ركوب الحمار ونزل عنه ،وركب فرسًا ودُفع الحمار إلى خالد فركبه ،فقال له :ويحك يا خالد! أ َتنْهي عن شيء
جلَة ،ويبلغ العقبة ،ويمنعني أن أكونَ جَباراً عيْر من بنات الكُرْبال ،واضح السربال ،مختلج القوائم ،يحمل الرّ ْ وتأتي مثله؟ فقال :أصلحك الّ! َ
عنيداً ،إن لم أعترف بمكاني فقد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين.
?تنقل الزمان
ل من أصحاب الموال الظاهرة في حال رثّة، قال ابن دأب :خرجت مع بعض المراء في سفر إلى الشام ،فمرّ بي رجل كنت أعرفه حَسَنَ الحا ِ
حدْثان؛ فآثرت الضرْب في البُ ْلدَان ،والبُ ْعدَ عن المعارف والخُلّن ،وقد كان ي فقلت :ما الذي غيّر حالك .فقال :تنقلُ الزمان ،وكَرّ ال ِ فسلّم عل ّ
المير الذي أنت معه صديقاً لي فاخترت ال ُب ْعدَ من الشكال ،حين حَصّني القلل ،واستعملت قول الشاعر :الطويل:
ح َدثَانِ غنَى ال َ غنى المال يوماً أو ِ عمِل نَصّ العِيسِ حتى يكفّنـي سأُ ْ َ
على المرءِ في العلياء مَسّ هَوَانِ فَللمَوتُ خي ٌر من حياة يُرى لـهَـا
وإنْ لم يَقُلْ قالـوا عَـدِي ُم بَـيَانِ لمِـهِ متى يتكلّم يلغَ خـكْـ ُم كـ َ
بغير لسانٍ نـاطـق بـلـسـانِ كأن الفتى في أهله بورك الفتـى
قال ابن دَأْب :فلمّا اجتمعتَ مع المير في المنزل وصفت له الرجل ،فقال لي :ويحك! اطلبه حتى أُصلح من حاله ،فطلبته فأَعْوَزَني.
?باب الرثاء
وقال أبو الشيص يرثي قتيلً :الخفيف:
ن قنََا ونِصَالِ ن مِ َْبيْنَ صَ ّفيْ ِ ختََلتْ ُه المنونُ َب ْعدَ اخـتـيالٍ
َ
ص من الحديد مُـذَالِ وقمي ٍ في ردا ٍء من الصّفيحِ صقيلِ
وقال حارثة بن بدر الغُداني يرثي زياداً :البسيط:
سفَى فَ ْوقَـهُ الـمُـورُ عند الثوبّة يُ ْ صَلّى الِلهُ على َقبْـرٍ وطـهّـرَهُ
فثمَ حَلّ الندى والعـزّ والـخِـيرُ ش َنعْـشَ سَـيّدهـا تهدي إليه قري ٌ
وإنّ مَنْ غَرّت الدنيا لـمَـغْـرُور أبا المغيرة ،والـدنـيا مـفـجّـعة
وكان عندك لِلنكْـرَاء تَـنـكِـيرُ قد كان عندك للمعـروف عَـا ِرفَةٌ
فالنَ بابُك أمسى وهو مهـجـور سعَةٍ ل من َ وكنت ُتغْشَى ف ُتعْطِي الما َ
ت َميْسُـورُ وكان َأمْرَك ما يُوسِ ْر َ ول تلين إذا عوشِرت معـتـسـراً
ولم يُجَلّ ظلماً عَـنْـهُـمُ نـور ت ف ْت َيتَـهُـمْ س مذ غيّبْ َ لم َيعْرِف النا ُ
ت فـيهـا العَـاصِـيرُ كأنما نفّخَ ْ فالناس بعدك قد خفّت حلـومـهـمُ
حبْوَته ،ولم ينطق أحد إل مجيباً له ،إجللً ومهابة :الكامل: أخذ هذا البيت من قول مهلهل بن ربيعة في أخيه كليب ،وكان إذا انتدى لم تحلّ َ
ب بعدك ياكليبُ المجلـسُ واست ّ أنبئت أنّ النار بعـدك أوقـدت
لو كنت حاضر َأمْرِهم لم َي ْنبِسوا وتحدّثوا في أمرِ كل عـظـيمة
وكان حارثة ذَا بيان وجَهارة وأدب ،وكان شاعراً عالماً بالخبار والنساب ،وكان قد غلب على زياد ،وكان حارثة منهوماً في الشراب ،فعُوتب
ل يُسايرني مذ دخلت العراق ،ولم يص ُككْ ركابُه ركابي ،ول تقدّمني فنظرت إلى قَفَاه ،ول تأخر زيادٌ في الستئثار به ،فقال :كيف أطّرِح رج ً
عني فلويت عنقي إليه ،ول أخذ عليّ الشمس في شتاء قطّ ،ول الرّوْح في صيف ،ول سألته عن باب في العلم إل قدّرت أنه ل يحسن غيره.
وقال له زياد :من أخطب؟ أنا أم أنت؟ فقال :المير أخطب إذا تَوَعّد أو وعد ،وبرَق ورَعد ،وأنا أخطبُ في الوفادة ،والثناء ،والتحبير ،وأنا
ن العدل ،ول يزي ُد في كلمه ،ول ينقص منه. أكْذب إذا خطبت ،وأحشو كلمي بزيادات مليحة ،شهيّة ،والمير يَقْصد إلى الحقّ ،وميزا ِ
فقال له زياد :قاتلك الّ ،لقد أجدتَ تخليص صفتي وصفتك.
ولمّا مات زياد جفاه عبيدُ ال ابنهُ ،فقال له حارثة :أيها المير ،ما هذا الجفاء مع معرفتك بالحال عند أبي المغيرة؟ فقال له عبيد الّ :إن أبا
المغيرة بلغ مبلغًا ل يلحقه فيه عيب ،وأنا أنسَب إلى من يغلبُ عليّ ،وأنت ُتدِيمُ الشرابَ ،وأنا حديثُ السنّ؛ فمتى قرّبتك فظهرت منك رائحة
ن بي ذلك ،فدَع الشراب وكُنْ أول داخل وآخر خارج. ن أن يُظَ ّ الشراب لم آمَ ْ
فقال له حارثة :أنا ل أدعه لمن يملك ضرّي ونَفْعي ،أََأدَعهُ للحال عندك؟ ولكن صَرّفني في بعض أعمالك .فولّه سُرّق من بلد الهواز.
وقال أبو السود الدؤلي ،وكان صديقاً لحارثة :الطويل:
ن وتَسْـرقُ جرَذاً فيها تَخُو ُ فكنْ ُ ت وليةً ن بَدْرٍ ،قـد وَلـي َ
أحا ِر ب َ
سرّقُ فحظُك مِنْ مُ ْلكِ العِراقين ُ ول تَدَعَنْ للناس شيئًا تصـيبـه
يقول بما َيهْوَى وإمّا مُصَـدّقُ س إل قائل فـمـكـذّبٌ فما النا ُ
276
فإن قيل هاتوا حقّقوا لم يحقَقوا يقولون أقوالً بظـنّ وتـهـمة
فقال له حارثة :الطويل:
فقد قلت معروفاً وأوْصيت كافيا خيْرَ جـزائهِ جزاك إلهُ العرش َ
للفيتني في ِه لَمرك عَـاصِـيا ت بغـيرهِ ت بشيء لو أمَرْ َأمر َ
?وصف امرأة
طفْلة ،تنظر بعينَيْ شادنٍ خصَةَ ،قبّاء َ عرْماء رَ ْ قال الصمعي :سمعت امرأة من العرب تصفُ امرأةً وهي تقول :سَطعاء بَضّةٌ ،بيضاء غضّةَ ،
لمُها رخيم ،فهي كما قال الشاعر :الرجز: ظَمآن ،وتبسم عن ُمنَوّر القحوان ،في غبّ التّهتان ،وتشير بأساريع الكُثبَان ،خلقها عميم ،وكَ َ
مُخّة ساق بين كَفّـيْ سـاقِ كأنها في ال ُقمُصِ الـرقـاق
أعْجَلَها الشاوي عن الِحراقِ
ووصف أعرابي امرأة يحبّها فقال :هي زينة في الحضور ،وباب من أبواب السّرور ،ولَذكرها في المغيب ،والبعد من الرقيب ،أشهى إلينا من
كل ولد ونسيب ،وبها عرفت فضل الحور العين ،واشتقت بها إليهن يوم الدين.
عود إلى كلم العراب
وسئل أعرابي عن سفر أكْدى فيه ،فقال :ما غنمنا إل ما قَصَرنَا من صلتنا ،فأمّا ما أكلته منّا الهواجر ،ولق َيتْه منا الباعر ،فأمر استخففناه ،لما
أمّلناه.
ت فيها
وقال عبد قيس بن خُفَاف البرْجمي لحاتم الطائي ،وقد وَفد عليه في دماء حملها ،قام ببعضها وعجز عن بعض :إني حملت دماء عَوّل ُ
حمِلْها فكم من حقّ قضيت ،وهمّ كفيت ،وإن حال دون ذلك حائل لم أذمم يومك، على مالي وآمالي ،فأمّا مالي فقدّمته ،وكنتَ أكبرَ آمالي ،فإن ت ْ
غدِك.
ولم آيس من َ
ت مع ذلك واثقًا ِبنُجْحٍ طَلِبتي ،ول معتقداً وقيل لعرابي :لم ل تَضْ ِربُ في البلد؟ فقال :يمنعني من ذلك طفل بارك ،ولِصّ سافك ،ثم إني لس ُ
بقضاء حاجتي ،ول راجياً عطف قرابتيَ؛ لني أقْدم على قوم أَطغَاهم الشيطان ،واستمالَهم السلطان ،وساعدهم الزّمان ،وأسكر ْتهُم حداثة
السنان.
ت عنهم العيون ،وفدَحَتهم الدّيون؛ وخرج المهدي بعد َهدْأَة من الليل يطوفُ بالبيت ،فسمع أعرابية من جانب المسجد تقول :قوم متظلّمونَ ،نبَ ْ
عيَالهم ،أبناءُ سبيل ،وَأنْضَاء طريق ،وصية ال ،ووصية رسول ال ،فهل آمِرٌ بخير، ضتْهم السنون ،بَادَ رجالهم ،وذهبت أموالهم ،وكثر ِ وع ّ
سفَره ،وخلفه في أهله .فأمر نصراً الخادم ،فدفع إليها خمسمائة درهم. كلَه ال في َ
من إنشاء بديع الزمان
ومن إنشاء البديع في مقامات أبي الفتح السكندري :حدثني عيسى بن هشام قال :كنت ببغداد ،في وقت الزاذ؛ فخرجتُ إلى السوق أَعتا ُم من
ت غير بعيد إلى رجل قد أخذ أنواعَ الفواكه وصفّفها ،وجمع أنواع الرّطَب وصنّفها؛ فقبضتُ من كل شيء أحسنه، أنواعه ،لبتياعه ،فسر ُ
ت عينايَ رجلً قد لفّ رأسه ببرقع ،حياء ،ونصب جسده، ت من كل نوع أجوده؛ وحين جمعت حواشيَ الزار على تلك الوزار ،أخذَ ْ وقرض ُ
وبسط يدَه؛ واحتضَنَ عِيالَه ،وتأبّط أطفالْه ،وهو يقول بصوت يَدفَع الضعف في صدره والحَرضَ في ظهره :لرجز:
ب بالدقيقِحمَة تُضْ َر ُ
أو شَ ْ ويلي على كَفّين من سَويقِ
تَ ْفثَأ عنّا سَطَوَاتِ الـرّيقِ أو قصعة تُمل من خِ ْردِيق
279
وقيل لبي عبيدة :ليس هذا في شعر الخنساء .فقال :العامّة أسقط من أن يجاد عليها بمثل هذا.
وقد أحسن البحتري في نحو هذا؛ إذ يقول في يوسف بن أبي سعيد ،ومحمد بن يوسف الطائي :الكامل:
تَ َركَ السّماكَ كأنـه لـم يَشـرُفِ جدّ كـجِـدّ أبـي سـعـيدٍ إنــهُ ِ
لِل ُمعْتدي وهي النّدى لل ُمعْـتَـفِـي س ْمتَهُ أخـلقَـهُ وَهْـيَ الـ ّردَى قا َ
أخرى التقى شَأواكما في ال َمنْصَف ت فـي وإذا جرى في غايةٍ َوجَ َريْ َ
قول الخنساء:
يتعا َورَان ملءة الحُضْر
أبرع استعارة ،وأنصع عبارة؛ وقد قال عدي بن الرقاع :الكامل:
غبْرَاء محكمة هما نَسَجَاها يتعاوران من ال ُغبَار مُـل َءةً
شرَاها ت نَ َ
فإذا السنابكُ أِسهل ْ تطوَى إذَا وردا مكاناً جاسياً
وإلى هذا أشار الطائي في قوله :الوافر:
يهي ُم بها عديّ بنُ الرّقاعِ ُتثِيرُ عَجَاجةٌ في كل ثَغرٍ
وأول من نظر إلى هذا المعنى شاعر جاهلي من بني عقيل فقال :الطويل:
عفَت حِججًا بعدي وهُنّ ثمـان َ ألَ يا ديارَ الحيّ بالسّـبُـعَـانِ
وغي ُر أثَافٍ كال ّركِـيّ رِعَـانِ ي مُـهَـدّم فلم يبق منها غي ُر نُؤ ٍ
به الريحُ والمطارُ كلّ مكـان وآياتُ هابٍ أورقِ اللونِ سافَ َرتْ
وتمسي بها الجابان تقتـربـان قِفَا ٌر مَرَ ْورَاةٌ تحارُ بها القـطـا
قميصين أسـمـالً و َيرْتـديانِ ن نَسْجِ الغُبار عليهمـا ن مِ ْ
يثيرا ِ
ومن مستحسن رثاء الخنساء وليلى
وغيرهما من النساء:
قال أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي :أنشد أبو السائب المخزومي قول الخنساء :البسيط:
شتُو لنحّار وإنّ صَخْرًا إذا نَ ْ وإنّ صخرًا لمَ ْولَنا وسيّدُنا
كأنه عََلمٌ في رأسه نَـارُ وإن صخراً َل َتأْت ّم الهدا ُة بـهِ
فقال :الطلق لي لزم إن لم تكن قالت هذا وهي تتبختر في مشيها ،وتنظر في عطفها.
ومن مستحسن رثاء الخنساء قولُها ترثي أخاها صخراً :البسيط:
ب لوتـارِ منّاع ضـيمٍ وطَـلّ ٍ ب فل يبعدَ ْنكَ ال من رجـل اذه ْ
ب غير خَـوّار مركّباً في نصا ٍ قد كنتَ فينا صريحاً غير مؤتشب
وما أضاءت نجومُ الليلِ للسارِي ت مُطـوّقةٌ ح ْفسوف أبكيك ما نَا َ
وكلّ نفسٍ إلى وقتٍ بمـقـدار أبكي فتى الحيّ نالتْه مـنـيّتـه
وقولها تعنيه :البسيط:
قطّاع أودية للـ ِوتْـرِ طـلبـا شهّـاد أنـجـيةٍ شـدّاد أوهـية
لقَى الوغَى لم يكن للموت هيّابا سُم العُداة وفكاك الـعُـنـاة إذا
شمْرِ رَكابـا َن ْهدَ التليل لزُرْق ال ُ ل إذا جار السبيلُ بهم يهدي الرّعي َ
صدَاقُ
صيّة بن خُفاف بن امرئ القيس ،وتكنى أم عمرو ،ومِ ْ والخنساء اسمها تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد بن رياح بن يقظة بن عُ َ
ذلك قول أخيها صخر :الطويل:
جعِي ومكاني ضَ
وملّتْ سليمى مَ ْ أرى أم عمرو ل تملّ عيادتـي
سليمى :امرأته ،وإنما لقبت الخنساء كناية عن الظبية ،وكذلك تسميتهم الذلفاء.
والذلف :قصر في النف؛ وإنما يريدون به أيضاً أن ذلك من صفات الظباء ،وهي أشعر نساء العرب عند كثير من الرّواة؛ وكان الصمعي
يقدم ليلى الخيلية ،وهي ليلى بنت عبد ال بن كعب بن ذي الرحَالة بن معاوية بن عبادة بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة،
وقيل لها الخيلية لقول جدّها كعب :الكامل:
حتى يَدِبّ على العصا مذكورا ل غلمُنـا نحن الخايل ما يَزَا ُ
سمّيت به ،وليلى أغزر بحراً ،وأكثر تصرّفا ،وأقوى لفظاً؛ والخنساء أذهب في عمود الرثاء. قال أبو زيد :هذا البيت لها ف ُ
280
ل وإدبـا ُر
فإنمـا هـي إقـبـا ٌ ترتع في غفلة حتى إذا ادّكرَ ْ
ت
صَخْرٌ ،وللعيش إحْلءٌ ،وإمْرَارُ يوماً بأَ ْوجَع مني حين فارقنـي
لريبةٍ حين يُخْلِي بيتَه الـجـارُ لم تَرَهُ جار ٌة يمْشِي بساحتـهـا
قال :ومن كامل قولها :الوافر:
ت َنفْسِـي على إخوانهم لقتَلْ ُ فلول كثرةُ الباكِين حـولـي
ُأسَلّي النفسَ عنه بالتـَأسّـي وما يبكون مثلَ أَخي ،وَلكِـنْ
وَأذْكُره لكلّ غروبِ شمـس يذكّرنىِ طلوعُ الشمسِ صَخْراً
يعني أنّها تذكره أول النهار للغارة ،ووقت المغيب للضياف.
وقد قال ابن الرومي فيما يتعلّق بطَرف من هذا المعنى :الوافر:
ويُوسِي أو يعوّض أو ُينَسّي رأَيتُ الدهرَ َيجْرَحُ ثم َيأْسـو
كفى شجوًا لنفي رُزء نفسي أبتْ نفسي الهُلَع لرُ ْزءِ شيء
وقد وطنتُها لحلـو َرمْـسِ أتجزعُ وحشة لفـراق إلْـف
وقد أنكر على من تعلّل بالتأسي بما قال غيرُه ،فقال في ذلك :الطويل:
فأنعمتما لـو أنـنـي أتَـعَـلّـل خليليّ قد علّلتمـانـي بـالسـى
وعيشكما إل ضللٌ مـضَـلّـل أللناس آثارِي ،وإلّ فمـا السـى
ل عنه بعضَ ما يتـحـمّـلُ حمِ ُ
أيَ ْ وما راحةُ المرزوء في رُزْء غيره
وليس معينًا ُمثْقَل الظه ِر ُمثْـقَـلُ كِل حامَِليْ عِبْء الرزيّة ُمثْـقَـلٌ
تعزيكَ بّالمرزوء حـين تـأمـلَ ي مكانـه وضربٌ من الظلم الخف ّ
بل بَصَر لو أن جـورَك يَعْـدِل لنك يأسوك الذي هـو كـلـمـهُ
وقالت الخنساء :الطويل:
لتدركه :يا لَهفَ نفسي على صَخْرِ وقائلةٍ والنعش قد فات خـطـوهـا
حمِلُونَ إلى القبر؟! إلى القبر! ماذا يَ ْ أل ثكـلـتْ ُأ ّم الـذين غَـدَوْا بـهِ
من الجود يا بُ ْؤسَ الحوادثِ والدهر وماذا يُوَارِي القب ُر تحـت تـرابـهِ
لتغدو على ال ِف ْتيَانِ بعدك أو تَسْـرِي فشأْنُ المنايا إذا أصـابـكَ َر ْيبُـهـا
وهذا المعنى كثير قد مرّت منه قطعة جيدة ،ولم تزل الخنساء تبكي على أخويها صخ ٍر ومعاوية ،حتى أدركت السلم؛ فأقبل بها بنو عمّها
وهي عجوز كبيرة إلى عمر بن الخطاب رضي ال تعالى عنه ،فقالوا :يا أمير المؤمنين ،هذه الخنساء ،وقد قرّحت آماقَها من البكاء في الجاهلية
خيْ َر بني مضر صخراً والِسلم ،فلو َن َه ْيتَهَا لرجونا أن تنتهي ،فقال لها عمر رضي ال عنه :اتّقي ال وأيقني بالموت ،قالت :أبكي أبي و َ
جمْرَة فىِ النار؟ قالت :ذلك أشدّ لبكائي عليهم! فرقّ لها عمر وقال :خلّوا عن ومعاوية ،وإنّي لمو ِقنَة بالموت ،قال :أتبكِين عليهم وقد صاروا َ
عجوزكم ل أبا لكم! فكل امرئ يبكي شَجْوَهُ ،ونام ا ْلخَليّ عن بكاء الشجي.
خيْرَى مضر ،فمن أنكر فليغيّر ،فل يغير ذلك عليه أحد ،وكان خذُ بيد ابنيه معاوية وصخر في الموسم ،ويقول :أنا أبو َ وكان عمرو بن الشريد يَأ ُ
يقول :من أتى بمثلهما أخوين من قبل فله حكمه ،فتُقرّ له العرب بذلك.
وكان النبي ،صلى ال عليه وسلم ،يقول" :أنا ابن الفواطم من قريش ،والعواتك من سُليم ،وفي سُليم شرف كثير".
صمّة
وكان يقال لمعاوية :فارس الجَوْن ،والجَوْن من الضداد ،يقال للسود والبيض ،وقتلته بنو مرّة ،قتله هاشم بن حَ ْرمَلة ،فطلبه دُرَيد بن ال ّ
حتى قتله ،وأما صخر فغزا أسد بن خزيمة فأصاب فيهم ،وطعنه ثوْر بن ربيعة السدي ،فأدخل في جوفه حلقًا من الدرع فانْ َدمَل عليه ،فنتأت
قطعة من جنبه مثل اليد ،فمرض لها حولً ،ثم أشير عليه بقطعها ،فأحموا له شفرة ثم قطعوها ،فما عاش إل قليلً.
ح َميّر الخفاجي ،وكان لها محبّا ،وله فيها شع ٌر كثير ،وقتله بنو عوف بن عُقيل ،قتله عبد ال بن
ومن جيد شعر ليلى الخيلية ترثي تَ ْوبَةَ بن ال ُ
سالم :الطويل:
وأركان جسمي أيّ نظرة ناظـرِ عمَايَة دونـنـا ن من َ نظرتُ و ُركْ ٌ
سَوابقُها مثل القَطَا المـتـواتـرِ ي مُـغـيرةً فآنست خيلً بالـ ّرقَـ ّ
فتى ما قتلتمْ آل عَوْفِ بن عامـرِ ن َتكُنِ ال َقتْلَـى بَـوَا ًء فـإنـكـمفإ ْ
لقاءُ المنايا دَارِعاً مثـل حـاسِـرِ فل يُ ْب ِعدَنْك اللـه يا تَـ ْوبَ إنـمـا
وأسمرَ خَطيّ وجرداء ضَـامِـرِ أتتْهُ المنـايا بـين دِ ْرعِ حـصـينةٍ
قلئص يَ ْفحَصْنَ الحصَى بالكَراكِرِ ن فتَى الفتـيان تَـ ْوبَة لـم يُنـخْ كأ ّ
وللحرب تَ ْرمِي نَارُها بالشَـرَائرِ حفَاظِ وللـنُـهـى ولم ُي ْدعَ يوماً لِلْ ِ
وللخيل َتعْدُو بال ُكمَاةِ المَسَـاعِـرِ وللبازل الكَ ْومَاء يَرْغُو حُـوَارُهـا
ل دون جـا ٍر مُـجَـاوِرِ عيَا ً
ِل ِقدْرٍ ِ فتى ل َتخَطّاه الـ ّرفَـاق ،ول يَرَى
وأشجع من َليْثٍ بخـفّـانَ خـادرِ حيَا مـن فـتـاةٍ حَـيِيةٍ فتى كان أَ ْ
حدَى الكبـائر ت بالناس إ ْ ختَلَجَ ْ
إذا ا ْ فتى ل تراهُ النّابُ إلْفاً ِلسَقـبِـهـا
أتاكَ فلمْ يقنعْ سِوَاك بِـنَـاصِـرِ وكنتَ إذا مـوله خـاف ظـلَمة
لّسَان ومدلج السّرَى غيرَ فاتـرِ وقد كنت مَرْهُوبَ السّنان و ِبيّن ال
281
لتوبةَ في حدّ الشتاء الصّـنَـابِـرِ ول تأخذ الكُومُ الجِلدُ سـلحَـهـا
شرَطه :ائتني به وإياك أن تَرُوعه .فأتاه فقال :أجب أمير المؤمنين ،فقال :إياه وقال بعض الرواة :بينا معاوية يسير إذ رأى راكباً ،فقال لبعض ُ
أردت ،فلما دنا الراكب حدَر لثامه فإذا ليلى الخيلية ،فأنشأت تقول :الوافر:
ب َرحْلي نحو ساحتك الركابُ معاوِيَ لم أ َكدْ آتيك تَـهْـوي
لكَ ُم قَنعها السّـرَابُ إذا ما ا َ تجوبُ الرضَ نحوك ما تَأنّى
ِل َتنْعشها إذا بخل السـحـابُ وكنتَ المرتجى وبك استغاثت
قال :فقال :ما حاجتُك؟ قالت :ليس مثلي يَطْلُب إلى مثلك حاجة ،فتخيّر أنت! فأعطاها خمسين من البل؛ ثم قال :أخبريني عن مُضَر ،قالت:
فاخِرْ بمضر ،وحَارِب بقيس ،وكاثِ ْر بتميم ،وناظر بأسد ،فقال :ويحك يا ليلى! أكما يقول الناس كان تَوْبة؟ قالت :يا أمير المؤمنين ،ليس كل
شجَىسبْطَ البنان ،حديدَ اللسانَ ،
الناس يقول حقّا ،الناسُ شجر ُه بَغْي ،يحسدون النّعم حيث كانَتْ ،وعلى مَنْ كا َنتْ؛ كَان يا أمير المؤمنين َ
ق فيه :الطويل: خبَر ،عفيف المِئزر ،جميل النظر ،وكان كما قُلت ،ولم أتعدّ الح ّ القران ،كريم المَ ْ
أَلدّ مُِلدّ َيغْلِبُ الحق باطِلُـهْ بعيدُ الثرى ل يبلغُ القَ ْو ُم َقعْرَهُ
فقال معاوية :ويحك يا ليلى! يزعم الناس أنه كان عاهراً خارباً ،فقالت من ساعتها مرتجلة :الطويل:
جمّا نوافلُـهْ جواداً على العِلّت َ َمعَاذَ إلهي كـان والـلـه تـوبةٌ
تحَالِف كفّاه النّدَى وأنـامِـلُـهْ جيّا يرى البخـلَ سُـبّة أغرّ خَفَا ِ
جميلً محَـيّاه قـلـيةً غـوائِلُة عفيفًا َبعِيدَ الهَمّ صُلبًا قَـنَـاتُـهُ
لديه أتاه نَـيْلُـه وفَـوَاضِـلُـهْ وكان إذا ما الضيفُ أَرْغَى بعيرهُ
على الضيف والجيرانِ أنك قاتلُة وقد علم الجوعُ الذي كان سـاريَاً
ت َمنَازِلُـهْ إذا ما لئيمُ القوم ضَاقَ ْ حبُ الباع يا تَوْبُ بالقرَى وأنك رَ ْ
ضيْفُ ُه و ُمنَا ِزلُـهْويُضحِي بخيرٍ َ يَبيت قريرَ العين مَنْ كان جَـارَهُ
ت بتوبة َقدْرَه ،فقالت :يا أمير المؤمنين ،وال لو رأيتَهُ وخبَ ْرتَهُ لعلمت أني مقصّرة في َنعْتِهِ ،ل أبلغ ُكنْهَ فقال لها معاوية :ويحك يا ليلى! لقد جُ ْز ِ
ما هو له أهل .فقال لها معاوية :في أي سنّ كان؟ فقالت :يا أمير المؤمنين :الطويل:
ل قِرْن ُينَاضِلُـهْ وأقْص َر عنه ك ّ أتتْهُ المنايا حين تَـ ّم تَـمَـامُـهُ
فترضى به أشبالُه وحـلئِلُـهْ ب يَحْمي عَرينَه وصار كليثِ الغا ِ
ب مَقَاتـلُـهْوسُ ّم ذُعَافٌ ل تصَا ُ عطوفٌ حلي ٌم حين يُطَْلبُ حِ ْلمُـهُ
جدْتُ حيث فأمر لها بجائزة ،وقال :أي ما قلت فيه أشعر؟ قالت :يا أمير المؤمنين ،ما قلت شيئاً إل والذي فيه من خِصال الخير أكثر ،ولقد أ َ
أقول :الطويل:
فتًى من عُقيلٍ سادَ غيرَ ُمكَلّـفِ جَزَى ال خيراً والجزا ُء بكَـفّـه
عليه فلم ينفكّ جَمّ الـتّـصَـرّفِ فتى كانت الدنيا َتهُون بأسْـرِهـا
ق مُسَوّف عيَتْ كلّ خِ ْر ٍ إذا هي أَ ْ ينالُ عَلِـيّات المـور بِـهَـ ْونَةٍ
ن قَ ْرقَـفِ خمْر َبيْسَا َ
ِبدِ ْريَاقَ ٍة من َ ش ْبتُهُهو المِسْك بالَرْي الضحاكيّ ِ
ت توبة كان؟ قالت :أصلح الُ المير! وال ما قلتُ إل حقّا ،ولقد قصرت، ويقال :إنها دخلت على مروان بن الحكم فقال :ويحك يا ليلى! أكما َنعَ ّ
حمَى الوطيس بالطّعن والضرب ،كان وال وما رأيت رجلً قطّ كان أ ْربَطَ على الموت جَأْشاً ،ول أَقل انحياشاً حين تحتدم بَرَاكاءُ الحرب ،ويَ ْ
كما قلت :الطويل:
شيْبُ فوق المسايحِ إلى أن عَلَهُ ال ّ خيْراً َلدُن نَشـا ل يزداد َ فتى لم يَ َز ْ
ضَرُوباً على أقْرَانِهِ بالصـفـائحِ تراه إذا ما الموت حَـلّ بـوردِه
إذا انْحَازَ عن أقْرَانِه كلّ سَابـحِ شجاعٌ لدى الهيجاء َثبْتٌ مـشَـايحٌ
َوصُولً ل ُقرْباه يُرَى غيرَ كالـحِ فعاش حميدًا ل ذميماً فـعـالـهُ
فقال لها مروان :كيف يكون تَوبة على ما تقولين وكان خارباً؟ والخارب سارق البل خاصة ،فقالت :والِ ما كان خارباً ،ول للموت هائباً،
ب ال نَحْبه ،وأقصر عن لهوه ،ولكنه كما قال ابن عمّه ولكنه كان فتًى له جاهِلية ،ولو طال عمره وأَنسأَه الموتُ لرْعَوَى قلبه ،ولقضى في ح ّ
مسلمة بن زيد :الطويل:
قتيلً صريعاً للسيوف الـبـواتـرِ فلله قوم غـادروا ابـن حُـمَـيّرٍ
صبْراً على اليوم العبوس القُماطرِ و َ لقد غادَرُوا حَزْماً وعزمـًا ونـائلً
عظيم الحوايا ُلبّ ُه غـيْرُ حـاضـرِ ض ْنفَـر إذا هابَ وِ ْردَ الموت كلّ غَ َ
سيْبٍ في السنين القـواشـر وجاد ب َ مضى قدُماً حـتـى يلقِـيَ وِ ْردَهُ
فقال لها مروان :يا ليلى ،أعوذ بال من درك الشقاء ،وسوء القضاء ،وشماتة العداء ،فوال لقد مات تَوْبة ،وإن كان من فتيان العرب وأشدّائهم،
ولكنه أدركه الشقاءُ؛ فهلك على أحوالِ الجاهلية ،وترك لقومه عداوة.
ثم بعث إلى ناس من عقيل فقال :وال لئن بلغني عنكم أمرٌ أكرهُه من جهة توبة لصلبنكم على جُذوع النخل ،إياكم ودَعْوَى الجاهلية ،فإن ال قد
جاء بالسلم ،و َهدَم ذلك كلّه.
وروى أبو عبيدة عن محمد بن عمران المرزباني قال :قال أبو عمرو بن العلء الشيباني :قدمَتْ ليلى الخيلية على الحجاج بن يوسف وعنده
282
س معهم إذ أقبلت جارية فأشار إليها وأشارت إليه؛ فلم ثلبث أن جاءت جارية من أجمل النساء وأكملهن، وجوهُ أصحابه وأشرافهم ،فبينا هو جال ٌ
ت منه سلّمتْ؛ قالتْ :أتأذنُ أيها المير .قال :نعم ،فأنشدت :الطويل:
ن محاورةً؛ فلمّا دن ْ
وأتمهنّ خَلْقاً ،وأحسنه ّ
يُ َقصّ ُر عنها منْ أراد مَداها أحجّاجُ إن ال أعطاك غايةً
283
وكل امرئ يوماً إلى اللـه صـائ ُر فكل جديد أو شبـاب إلـى بِـلًـى
ضنّا وطال التعَـاشُـر شتَاتٍ وإن َ َ وكل قَـ ِر ْينَـيْ ألـفَةٍ لِـتَـفَـرّقٍ
ل من دارتْ علـيه الـدوائرُ وأحْف ُ فأقسمت أبكي بعد تـوبةَ هـالـكـاً
فقال الحجاج لصاحب له :اذهب بها فاقطعْ عني لسانها ،فدعا لها بالحجّام ليقطع لسانها .فقالت له :ويحك! إنما قال لك المير :اقطع لساني
بالعطاء ،فارجع إليه فاسْأَله ،فسأله فاستشاط غيظاً ،وهّم بقطع لسانه ،ثم أمر بها فأدخلت فقالت :أيها المير ،كاد يقطع مِقْولي ،وأنشدته:
البسيط:
س َتغْفَرُ الـصّـمَـدُ
إل الخليفةَ والمُ ْ حجّاج أنت الذي ما فـوقَـه أَحَـدٌ
وَأنْتَ للناس نورٌ في الدّجَـا يَقـدُ حرْب إن لقحتْ حجّاج أَنتَ شهابُ ال َ
حنَين مائة من البل ،وأعطى العباس احتذى الحجاجُ في قوله" :اقطع لسانها" قولَ النبي ،صلى ال عليه وسلم ،لمّا أعطى المؤلفة قلوبهم يوم ُ
بن مرداس أربعين فسخطها وقال :المتقارب:
ِد بين عُـ َي ْينَةَ والقـرعِ أتجعل َن ْهبِي و َنهْبَ ال ُعبَـيْ
جمَعِيفوقان مِرْداسَ في َم ْ وما كان حِصنٌ ول حَابسٌ
ومن تَضَع اليوم ل يرفعِ وما كنت إل امرًأ منـهُـمُ
حصْن بن حذيفة بن َبدْر سيد فزارة ،وحابس :أبو القرع بن حابس ،وقد تقدّم نسبه - ع َييْنة بن ِ
العُبيد :اسم فرسه ،وحصن الذي ذكره ،هو أبو ُ
فأمر النبي ،صلى ال عليه وسلم ،بإحضاره ،فقال :أنت القائل :المتقارب:
د بين القرع وعيينة....... أتجعل نهبي ونهب العبـي
شعْرَ وماينبغي لهُ" .فقال :قم يا علي فاقطع لسانه .قال العباس :فقلت: وكان النبي ،عليه الصلة والسلم ،كما قال ال ،عزَ وجل" :وما عّلمْناهُ ال ّ
ض فيك ما أمرت ،فمضى بِي حتى أدخلني الحظائر ،فقال :اعت ّد ما بين الربعين إلى مائة ،قلت :بأبي يا عليّ ،وإنك َلقَاطِعٌ لساني؟ قال :إني ُممْ ٍ
أنت وأمي! ما أَحلمكم وأعلمكم وأعدلكم وأكرمكم! فقال :إن رسولَ ال صلى ال عليه وسلم ،أعطاك أربعين ،وجعلك من المهاجرين فإن شئت
خذْ مائة ،وكن من المؤلَفة قلوبهُم .فقلت :أشِرْ عليّ؟ فقال :إني آمرك أن تأخذ ما أعطاك .فأخذتها. خذْها ،وإن شئت ف ُ
فُ
جعْدي فأَفحمته. وكانت ليلى الخيلية قد حاجّت النابغة ال َ
س فيك حين ولّوك! فضحك عبدُ ودخلت على عبد الملك ابن مروان وقد أسنّت فقال :ما رأى تَ ْوبَ ُة فيك حتى أحبك؟ قالت :رأى فيّ ما رأى النا ُ
الملك حتى بدَتْ له سن سوداء كان يُخْفيها.
وقالت هند بنت أسد الضبابية :الطويل:
فتى كان َزيْناً للمواكب والشّـ ْربِ حمَى
لقد مات بالبيضاء من جانب ال ِ
كما لَذتِ العَصْماء بالشاهقِ الصعب يلوذُ به الجاني مخـافة مـا جَـنَـى
ي لَ يرْ َويْن بالبا ِردِ الـعَـذْبِ
صَوادِ َ تظلّ بناتُ العمّ والـخـالِ حَـولـه
وقالت أم خالد النميرية تشبب بأثال الكلبي :الطويل:
ب هبـوبُـهـا أتتْنا بريّاه فطا َ ح من نحو أرضهِ إذا ما أتتْنا الري ُ
جنُوبُهـا وريح خزامى باكَ َر ْتهَا َ عنْبَـرٌ أتتْنا ِبمِسك خالط المِسْك َ
ت تَفِيضُ غُروبهـا وتنهلّ عبرا ٌ أحِن لذِكراه إذا مـا ذَكَـرْتـهُ
حبِيبُها ل نَ ْفسٍ غاب عنها َ وإعوا َ حنينَ أسي ٍر نـازح شُـ ّد قـيدُهُ
ل من الضّباب حبّا شديداً :البسيط: وأنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب ،لمّ الضحاك المحاربية وكانت تحبّ رج ً
جدُج أبثّك عن بعض الذي َأ ِ عرّ ْ يا أيها الراكب الغادي لِطـ ّيتِـهِ
ت به فوق الذي وجَدوا جدْ ُإل َو َ ض ّم َنهُمْ جدٍ تَ َ س من َو ْ ما عالَج النا ُ
وودّه آخـر اليام أجـتـهـد حسبي رِضاه وأنّي في مَسَ ّرتِه
وقالت :الطويل:
لدى ال ُركْنِ أو عند الصّفَا َيتَحَرّجُ لقَى الضبَابيّ خالياً هل القلبُ إن َ
حديثٌ كتنفيس المريضين مُزْعجُ وأَزْعَجنا قُ ْربُ الفراقِ ،وبينـنـا
غَرِيضاً أَتى أصحابَه وهو منْضَجُ شوَى بحـرّه حديثٌ لَوَ أنّ اللح َم يُ ْ
شمِيّ وهو أشبه :الطويل: وأنشد الزبير بن بكار لحليمة الخُضرية ،وقد أنشدها المبرد لنبهان ال َعبْ َ
ذُرَى عَقداتِ البرعِ ال ُمتَـقَـاودِ يق ّر بعيني أن أَرى مَن مكـانُـهُ
خدِ
سَُل ْيمَى وإن ملّ السّرى كل وا ِ ت بـه وأَنْ أَ ِردَ الماءَ الذي شَ ِربَـ ْ
وإنْ كان مخلوطاً بسمّ الَسـا ِودِ وألصِقَ أحْشائي ببَـ ْر ِد تُـرَابِـه
وقالت الفارعَة بنت شداد ترثي أخاها مسعوداً :البسيط:
شجْـوُه بـادِي عبَرات َ بكا َء ذِي َ يا عينُ بَكي لمسعـود بـن شـدّادِ
ل إذا ما ضُنّ بـالـزادِ جفُو العِيا َيَ ْ ف ول شحْمُ السّـدي ِ من ل يذابُ له َ
يخشى الر ِزيّة بين المالِ والنـادِي ل مُـنـتـبِـذاً ول يحل إذا ما حـ ّ
فتّاح ُمبْـهَـمَةٍ ،حـبّـاس أَ ْورَادِ حكَمة ،نَقّـاض مُـبْـ َرمَةٍ قوال مُ ْ
ع َمغْـلَـبَة ،فـكَـاكُ أقـيادَِمنّا ُ ب مَـ ْرقَـبَةٍل مَسغَـبةٍَ ،وثّـا ُ قتّا ُ
284
لعُ أنـجـاد حمّال مُضِْلعَة ،طَـ ّ ل مُمرِعَة ،فَرّاج مُفْـظِـعة حَل ُ
شدّاد أَوهِـيَة ،فـرّاج أَسْــدَادِ حمّـالُ ألـويةٍ ،شـهّـادُ أنْـدية
َ
َزيْنُ القَرِين و ِنكْل الظالمِ العـادِي جمّاع كل خصال الخير قد علموا
يَوْماً رهينُ صفيحـاتٍ وأَعْـوَادِ ل فـتًـى أبا ُزرَارة ل تَبعَدْ فـكـ ّ
نَ ْفسِي فداؤُك من ذي كرْبة صَادِي هل سق ْيتُمْ ،بني جَ ْرمٍ ،أسـي َركَـم
يَخْلُو به الحيّ أو َيغْدو به الغَادِي نعم الفتى ،ويمينِ ال ،قد علمـوا
عند الشتاءِ وقد َهمّوا بـإخـمـاد ن مشـهـدَهُ هو الفتى يحمدُ الجيرا ُ
مُث َعنْجِرًا بعد ما َتغْلـي بـإ ْزبَـاد الطاعن الطعنةَ النّجلء يَت َبعُـهـا
إلى ذَرَاهُ وغيثُ المُحْوَجِ الغَـادِي والسابئ الزّقّ للضيافِ إن نزلُوا
والمحسنات من النساء كثير ،وقد تفرّق لهنّ في أضعاف هذا الكتاب ما اختير.
دموع العاشقين
وأنشد أحمد بن يحيى ثعلب :الطويل:
على الخ ّد ممّا ليس يَ ْرقَـأ حـائرُ ن َدمْـعـاً كـأنـه ومستنجد بالحُزْ ِ
أوائلُ أخرى ما لـهـنّ أواخـرُ ت تـهـلّـلـتْ إذا ديمةٌ منه استقلّ ْ
ِلمَا انهلّ من عينيه في الماءِ ناظر مَلَ مقْلتيه الدمعُ حـتـى كـأَنـه
رمَى الشوقُ في إنسانِها َفهْوَ سَا ِهرُ وينظر من بين الدمـوعِ بـمُـقْـل ٍة
وقال آخر -ورُ ِويَتْ لقيس بن الملوّح :الطويل:
إلى الدار من ماء الصبابة أنظرُ نظرْتُ كأني من وراءِ زجـاجةٍ
فأَعشى ،وطورًا تحسِرانِ فأُبصرُ ن من البُكـا فعيناي طوْرًا يَغْرقا ِ
وقال غيلن :الطويل:
سقَى بهما ساقٍ ولمّا َتبَـلّـل شنّتا خَرْقاءَ واهية الكُلَـى وما َ
ت منزل سمْ َ توهمْتَ رَبعاً أو تو ّ بأَضي َع من عينيكَ للدّمع كلّمـا
وقال آخر :الطويل:
تولت وماءَ الجفن في العين حَائرُ وممّا شجاني أنـهـا يوم ودّعـت
إليّ التفاتاً أسَْلمَته المـحَـاجِـرُ فلمّا أعادت من بَعيد بـنَـظـرةٍ
أبو عبَادة البحتري :الوافر:
يُغاِلبُ طَرفَها نَظ ٌر كَلِيلُ شغّـلتٌ وق ْفنَا والعيون ُم َ
ض ول يَسِيلُ ق ل يَغي ُ َتعَلّ َ َنهَتْه رِقبةُ الواشِين حتـى
وأنشد أبو الحسن جحظة :الطويل:
إذا هو أبدى من ثناياه لي بَرْقـا ومن طاعتي إياه َأمْطَ َر ناظـري
سبْقـا فمن أجله تَجْرِي لتدركه َ ن دموعي تبْصرُ الوَصلَ هارباً كأَ ّ
أخذ البيت الول المتنبي فقال :المنسرح:
ن مَطَ ٍر بَ ْرقُ ُه ثنايَاهَا
مْ خدّاي كلّما ابتسمت يبتلّ َ
وقال أبو الشيص ،واسمه محمد بن عبيد ال ،وهو ابن ع ّم دعبل :الوافر:
حدِرٍ سَـكـوبِ على الخدّين مُنْ َ ت بِـدَمْـعٍ
وقائل ٍة وقد بَصُـ َر ْ
جسَرْتَ على الذنوبِ قديماً ما َ أتكذبُ في البكاء وأنتَ جَلْـدٌ؟
وقلبك ليس بالقلب الـكَـئيبِ ل فـيهِ قميصُك والدموعُ تجـو ُ
عليه عـشـيةً بـدَ ٍم كَـذوب كمثل قميص يوسف حين جاءوا
جمْتِ بسوء ظنّك في الغيوبِ رَ َ فقلت لها :فداك أبـي وأمـي
ل وبالـنـحـيب لسرّك بالعوي ِ أما والِّ لو فتّشـت قـلـبِـي
بظهْر الغيب أَلسِنةُ القـلـوبِ دموعُ العاشقـين إذا تـلقَـوْا
من أخبار العباس بن الحنف
خلُ نفسَه فينا ويُخ ِرجُها منّا حتى قال :الكامل: حنِيفة يُدْ ِ وقال بشار بن برد :ما زال فتى من بني َ
عينًا لغيرك دَ ْمعُهـا مِـدْرَارُ س َتعِرْ ع عينك فا ْ نزف البكا ُء دمو َ
عيْنًا للبكـاء تُـعَـار؟! أرأيت َ مَنْ ذَا يعيرك عينَه تَبْكي بـهـا
قال :وهذا الذي عناه بشار هو أبو الفضل العباس بن الحنف بن طلحة بن هارون بن كلدة بن خزيم بن شهاب بن سالم بن حبة بن كليب بن
حدّث استماعاً ،وأمسكهم عن حدّث حديثاً ،وأحسنهم إذا ُ عدي بن عبد ال بن حنيفة ،وكان كما قال بعض مَنْ وصفه :كان أحسن خَلْقِ ال إذا َ
مُلَحا ٍة إذا خُولف ،وكان ملوكيّ المذهب ،ظاهر النّعمة ،حسنَ الهيئة ،وكانت فيه آلتُ الظّرْفِ ،كان جميلَ الوجه ،فَارِه المركب ،نظيفَ
حسَنَ اللفاظ ،كثير النوادر ،رطيب الحديث ،باقياً على الشراب ،كثيرَ المساعدة ،شديد الحتمال ،ولم يكن هجّاء ،ول مدّاحا ،كان يتنزّه الثّوْبَ ،
شبّه من المتقدّمين بعمر بن أبي ربيعة. عن ذلك ،ويُ َ
285
وسُئل أبو نواس عن العباس وقد ضمّهما مجلس فقال :هو أرق من الوَهْم ،وأحسن من الفهم.
وكان أبو ال ُهذَيل العلف المعتزلي إذا ذكره َلعَنه وزنّاه لجل قوله :البسيط
حتُقرْتُ وما ِمثْلِي بمحتَقَـرِ حتى ا ْ وضعتُ خدّي لدنى من يُطِيف بكم
قلبي ،وما أنا من قلبي بمُنتصَـرِ إذا أ َردْتُ انتصارًا كان ناصرَكـم
فكل ذلك محمول على الـقَـدرِ فأكثروا أو أقِلّوا من مـلمـكـم
وقوله في البيت الوسط كقوله :السريع:
يُكثرُ أَسْقامي وأَوْجـاعـي قلبي إلى ما ضرّني داعِـي
يوشك أن ينعانيَ النـاعـي لَقلّما أبْقَى علـى مـا أرى
كان عدوي بين أضلعـي؟ كيف احتراسي من عدوي إذا
وقيل لعنان جارية الناطفي :من أشعرُ الناس؟ قالت :الذي يقول :الطويل:
ت بسالٍ عن هواك إلى الحَشْرِ ولس ُ وأهجركُمْ حتى يقولوا :لقـد سَـلَ
يحبّ شفيقًا نازع الناس بالهَـجْـرِ ولكن إذا كان المحبّ علـى الـذي
وقال العباس :الطويل:
ت له من مقلـتـيّ غـروبُ ض ْ وفا َ جرى السيلُ فاستبكانيَ السيلُ إذْ جرى
يمـ ّر بـوا ٍد أنْـتِ مـنـه قـريب ومـا ذاك إل أن تـيقـنْـتُ أنــهُ
إليكُ ْم تلقّـى طِـيَبـكُـ ْم فـيَطِـيب يكون أجاجًا دونكُمْ فـإذا انـتـهـى
إلى القلب من أجل الحبيبِ حبـيبُ ي دجـلةَ كـلّـكـمْ فيا سا ِكنِي شَ ْرقِ ّ
ل ُيعْرَف بالمتفقه الموصلي في العباس بن الحنف والعتّابي ،فعمل عليّ في ذلك رسالة وقال الصولي :ناظرَ أبو أحمد علي بن يحيى المنجم رج ً
ط العتّابي لتقديمها على العباس في الشعر ،ولو أنفذها لعلي بن عيسى؛ لن الكلمَ في مجلسه جَرَى .وكان ممّا خاطبه به أن قال :ما أَهل نفسَه ق ّ
خاطبه مخاطبٌ َل َدفَعه وأنكَره؛ لنه كان عالمًا ل يُؤتَى من قلّة معرفة بالشعر ،ولم أر أحدًا من العلماء بالشعر مثل العتّابي والعباس ،فضلً عن
عذْب ،وكل ُم ذاك متعقّد كَزّ ،وفي شعر هذا رقّة تقديم العتّابي عليه لتباينهما في ذلك وإن العتابي متكلّف ،والعباس يتدفق طبعاً؛ وكل ُم هذا سهل َ
ن العتّابي فلم يخرج في شيء منه عمّا شعْرُ هذا في فنّ واحد وهو الغزل؛ وأ ْكثَرَ فيه وأحسن ،وقد افت ّ وحلوة ،وفي شعر ذاك غِلَظ وجَسَاوة ،و ِ
وصفْناه.
وإن من أحسن شعر العتابي قصيدته التي مدح بها الرشيد وأولها :البسيط:
حتى تكلّمَ في الصبح العصافيرُ يا ليلةً ليَ في حورانَ ساهـرةً
وقال فيها:
ق تَقْصِيرُ؟ ن الما ِ أمْ في الجفون عَ ِ أفي المَاقي انقباضٌ عن جفونِهما
وهذا البيت أخذه من قول بشار الذي أحسن فيه كل الحسان ،وهو قوله :الوافر:
كأنَ جفونَها عنهـا قِـصـارُ عيْني عن التغميضِ حتّى جفَتْ َ َ
فمسخه العتابي ،على أن بشاراً أخذه من قول جميل :المتقارب:
صرِقصيرُ الجفون ولم تَقْ ُ كأنّ المحبّ لِطول السّهادِ
ص ْنعَة السابق إليه ،أو يزيد عليه ،حتى ق من أخذ معنًى قد سُبق إليه أن يصنعه أجود من َ إلّ أنّ بشاراً أحسن فيه؛ فنازعهما إياه فأساء ،وإنّ ح ّ
يستحقّه ،وأمّا إذا قصّر عنه فهو مسي ٌء َمعِيب بالسرقة ،مذموم على التقصير.
ف ُمنّة أبي قابوس في الشعر ،ثم قال في هذه القصيدة :البسيط: ضعْ ِب عليه في كثي ٍر ممّا جرى بينهما على َ ي فغُلّ َ
ولقد هاجى أبا قابوس النصران ّ
نادَاك بال َوحْي تقديسٌ وتطهيرُ ماذا عسى مَادِحٌ ُي ْثنِي عليك وقد
مستعلنات بما تُخْفي الضمائير فُتّ الممادحَ إل أنّ ألسـنـنـا
صحّة اللفظ ،وهذا
فختم البيت فيها بأثقل لفظة لو وَقعت في البَحر لكدّرته ،وهي صحيحة ،وما شيء أملك بالشعر بعد صحّ ِة المعنى من حُسْنِ ِ
عمل التكلف ،وسوء الطبع.
وللعباس بن الحنف إحسان كثير ،ولو لم يكن إل قوله :الخفيف:
ل َة قد أَوْسَع المشـارعَ طِـيبـا ك من دجْ سِأنكرَ الناسُ ساطِعَ المِ ْ
ن قد حَلَلْت منه قـريبـا رُون أ ْ جبُـون مـنـه ومـا يَدْ فهمُ يح َ
فاجعلي لي من التعزّي نصيبـا قاسمينـي هـذا الـبـلءَ ،وإلّ
بِ ،ويؤذِي به المحبّ الحبـيبـا ب يدعو إلى ال َعتْ ن بعضَ العتا ِ إّ
طفَ ال ِعتَابُ القلوبـا ف فلن يَعْ ِ َ وإذا ما القلوبُ لم تُضْمر العَـطْ
وقوله :الكامل:
ض العائدُ وَ ْهيَ الصحيحةُ والمري ُ ت َفعُ ْدتُها فتبـ ّرمَـتْ قالت مرض ُ
ما رَقّ للولد الصغيرِ الـوالـدُ تالِ لو أَنّ القلوبَ كقَـلْـبـهـا
إني على كَسْبِ الذنوب لَجَاهِـدُ ن كان ذنبي في الزيارة فاعَْل ِميٍ إْ
فإلى متى أنا سَاهِـرٌ يا رَاقِـدُ؟ ألقيت بين جفون عينـي فُـ ْرقَةً
وبـلءُ حُـبّـك كـل يوم زائِدُ يقع البل ُء و َينْقضِي عن أَهـلـه
286
َل ِهيَ التي تَشْقَى بها وتُكابدُ سمّاك لي ناسٌ وقالوا :إنها
حدُ
إني ليعجبني المحبّ الجا ِ ظنّهم فجحدتهم ليكونَ غيرك َ
وقوله :المنسرح:
ف منك غـدا يَوْمَ لراجٍ للعَطْ ِ ت قد أسأت بيَ ال إني وإن كن ِ
لم أر منكم ما أرتجي أبـدا أستمتع ال بـالـرجـاء وإن
وله :الكامل:
فبكى وأشفق من عِيافة زاجرِ أ ْهدَى له أحـبـابـه أُتـ ُرجّةً
لفُ الظّاهـر لونان بَاطنها خِ َ سمُـهـا جْ متطيراً منها أتَته و ِ
ولئن وفّى أبو أحمد العباسَ حقّه ،لقد ظلم العتّابي ما كان مستحقّه ،من سرّ الكلم ،وجَ ْودَةِ رصف النظام .قال الصولي في نسب العباس -وكان
من خؤولته :-هو العباس بن الحنف بن السود بن قُدامة بن هيمان من بني هفّان بن الحارث بن ذهل بن الديل بن حنيفة .وله يقول الصريع
يهجوا :البسيط:
سبَافاتْ ُركْ حنيفةَ واطُْلبْ غيرها نَ َ بنو حنيف َة ل يَ ْرضَى الدّعِيّ بهـمْ
إني أرى لك لونًا يُشبه العربـا ب تَ ْرضَى بنسبتِهم اذهبْ إلى عَرَ ٍ
وقال أبو أحمد :قال ،العباس :البسيط:
ك مَ ْولَ ُه وأبـكـاه حَطوْعاً فَأضْ َ َ حُ ّر دعاهُ الهوَى سِرّا فَـلَـبّـاهُ
عدَّلتْها بفِيض الدمع عَـيْنَـاه وَ فشا َهدَتْ بالذي يُخْفي لَوَاحِظُـه
وكّ ْلتِ طَ ْرفِي بنجم الليل يرعاه جا َز ْيتِني إذا رعيتُ الودّ بعدكِ أن
ن يَشْـهَـد الـلـهُ
كفاك بيّنة أ ْ خنْـك هـوًى ل يشهدُ أني لم أ ُ ا ُ
وقال :الكامل:
ف نفسي قبل أن تتبرّمـا سأك ّ يا من يُكاتمني تَغيّر قَـلْـبِـه
ل ودّك قبل أن يتص ّرمَا حبْ ِ
من َ ص ّد عنك وفي يديّ بـقـيّة وأ ُ
ن يتكلّمـا غيْرِ أ ْ
وتخاطَبا من َ يا للرجال لعاشقين تَـواقَـفـا
جعل الشارةَ بالنامل سُلّمـا حتى إذا خافَا العيونَ وأشفقـا
وقال :الكامل:
إل مساتر َة العدوّ الكاشـحِ ال يعلمُ ما أردْتُ بهجركُـم
أ ْبقَى ل َوصْلِك من دُن ّو فَاضحِ وعلمْتُ أنّ تسّري وتباعـدي
وقال :الطويل:
فيها غَزالٌ فاترُ الطَرْفِ سَاحِرُهْ َيهِي ُم بحرّان الجـزيرة قَـلْـبُـه
ي يُؤَازِ ُرهْ َيدَانِ بمَنْ قلبي عَـلَـ ّ يُؤَازِرُه قَلْبي عليّ ولـيس لـي
فقر في الغزل
وقد قال سهل بن هارون :البسيط:
سمِي عـلـى دَائي بنَظْرَةٍ َو َقفَتْ ج ْ طرْفي على قلبي وأعضـائي أعان َ
ل عِلْمَ لي أن بعضِي بعضُ أعدائي وكنتُ غِرّاً بما يجني على بَـدَنـي
وقال النظام :الكامل:
كانت بَِليّتَها علـى الجـسـادِ جنَت ن العيونَ على القلوبِ إذا َ إَ
البحتري :البسيط:
حقّا إذا كان قلبِي فيك َيعْصينـي صيَان قلبكَ لي ع ْ ب من ِ ج ُولستُ أَعْ َ
وقال الصمعي :سمعتُ الرشيد يقول :قَ ْلبُ العاشق عليه مع َمعْشُوقِه .فقلت :هذا وال يا أمي َر المؤمنين أحْسَنُ من قول عُروة بن حزام لعَفْراء
في أبياته التي أنشدها :الطويل:
لها بين جِ ْلدِي والعـظـام دبـيبُ وإنّي ل َتعْرُونـي لـ ِذكْـراكِ روعة
فُأ ْبهَـتَ حـتـى ل أكـاد أجِـيبُ وما هو إل أن أراها فيه فُـجـاءةً
ويقرب مِـنّـي ِذكْـرُه و َيغِـيبُ ف عن دائي الذي ُكنْت أرتئي صرَ ُ وأُ ْ
عليّ ،وما لي في الفؤاد نَـصِـيبُ ويضمر قَلْبي غدرها و ُيعِـينـهـا
فقال الرشيد :من قال ذلك وَهْماً ،فقد قلته علماً.
باب الحكمة
ن النس بك فإنه ُيغْزِر حظّك ،ول تستكثر من الطمأنينة إل بعد استحكام الثّقة؛ فإن قال علي بنُ عبيدةَ الريحاني :اِحْ ِم و ّدكَ فإنه عِ ْرضُك ،وصُ ِ
حبَاء تُوجب به الشكر على من اصطفيت. حبَك ،ول ِ النس سريرةُ العقل ،والطمأنينة بذلَة المتحابّين ،وليمس لك بعدهما تحفَة َتمْنحها صا ِ
ب كان منه ،أو هجرِه لخلفٍ بما يكْرَه عنده ،إذا كان ل يعتدّ في سالف أيام العشرة إل وقال :ما أنصف مَنْ عاتب أخاه بالعراض على ذَنْ ٍ
ظ الغتفار ،وإن لم يكن وفَى له شكَا جميع ما ستَره من أخيه أو ل ،فلقد ُت َتمّمُ الموافقة ح ّ بالرضا عنه ،ومشاكلته فيما يُؤْنسه منه .فإن كان العاتِب َ
شمْلِ ،وأَشبَهُ بأهل التصافي ،وأك َرمُ في ص ِممّا وجَب منه عليه لخيه بقدر ذنبه ،ثم العودة إلى اللفة أولى من تشتّت ال ّ ق منه فليقت ّ بكلّ ما استح ّ
الحدوثة عند الناس.
287
صمَة ،وعين ستْر من المساوي ،وأَخُو العفاف ،وحَلِيف الدّين ،و ُمصَاحب بالصّنع ،ورَقيب من العِ ْ حجَاب وَاق ،و ِوقال :الحياءُ ِلبَاسٌ سابغ ،و ِ
كَاِلئَةٌ تذودُ عن الفساد ،وتنْهى عن الفحشاء والدناس.
خلْقَةِ ،منقوص البِنْية ،أو على خلف تركيب العتدال. سيَ الْ ِصبْوَةٍ إل أن يكونَ جَا ِ
وقال :ل يخلو أحد من َ
وصف الهوى
ورأى سعيد بن سلم بن قتيبة ابناً له قد شرع في رقيق الشعر وروايته ،فأنكر عليه ،فقيل له :إنه قد عشق ،فقال :دعُوه فإنه يلطُف ،وينظُف،
ويَظْرُف.
وقال الفضل بن أحمد بن أبي طاهر واسم أبي طاهر طيفور :وَصَف الهوى قوم وقالوا :إنه فضيلة ،وإنه ينتج الحيلة ،ويشجع قَلْبَ الجبان،
ويسخّي قَلْبَ البخيل ،ويصفّي ذِهن الغبي ،ويطلق بالشّعر لسات المُفحَم ،ويبعث حَزْم العاجز الضعيف ،وإنه عزيز تذلُ له عزّةُ الملوك،
ق بهل باب به تُفتّ ُوتَضْرع فيه صولَةُ الشجاع ،و َتنْقَاد له طاع ُة كل ممتنِع ،ويذَلّل كلّ مستصعَب ،ويُبرز كل محتجب ،وهو داعية الدب ،وأو ُ
شيَم ،يُمتّع جليسه ،ويُؤْنس أليفَه ،ولهحيَل ،وإليه تستريح ال ِهمَم ،وتسكن نوافِرُ الخلق وال ّ الذهان والفطَن ،وتستخرج به دقائقُ المكايد وال ِ
ل المودّة ،ويتّصل أهْل الُلفة ،وعليه تتألّف الشكال ،وله صَ ْولَت على ح مستكِن في القلب ،وبه يتعاطف أَه ُ سرورٌ يجول في النفس ،وفرَ ٌ
خلَق ،وأرواح تَسْطَع من أهلها ،و َتعْبق من ذويها. ظهَرُ في الخلق وال ِ القدر ،ومكَايد ُتبْطِلُ لطائف الحيل ،وظَرْف يَ ْ
وقال اليماني بن عمرو مولى ذي الرياستين .كان ذو الرياستين َيبْعَثُ بي وبأحداثٍ من أهله إلى شيخ بخراسان ويقول :تعّلمُوا منه الحكمة؛ فكنّا
ضنَا ذُو الرياستين يسألُنا عمّا أفادنا فنخبره؛ فسِرْنا إلى الشيخ يوماً فقال لنا :أنتم أدباء ،وقد س ِم ْعتُم الحكمة، نَأْتيه ،وإذا انصرفنا من عنده اعتر َ
جبِلّة البليد ،ويسخّي كفّ البخيل ،و َي ْبعَثُ على وفيكم أحداث ،ولكم نِعَم ،فهل فيكم عاشق؟ قلْنا :ل ،قال :اعشقوا؛ فإنّ العشق يُطْلِق الغبيّ ،ويَ ْفتَحُ ِ
النظافة وحُسنِ الهيئة ،و َيدْعُو إلى الحركة والذكاء ،وشرف الهمّة وإياكم والحرام.
صدَقَ ،أتعلمون من أين أَخ َذ هذا قال :فانصرفنا ،فسألنا عمّا أَفادنا في يومنا؛ فهبْناه أَن نخبره ،فعزَم علينا .فقلنا له :أمرنا بكذا وكذا ،قالَ :
ن َبهْرَام جور كان له ابن رشّحَه للملك من بعده ،فنشأ ساقطَ ال ِهمّة ،خامل المروءة ،دَنيء النفس ،سّيئ الدب ،كليل الدب؟ قلنا :ل .قال :إ ّ
ن يُل ِزمُه و ُيعَلّمه ،وكان يسألهم فَيحكُون له ما يسوءُه ،إلى أن القريحةَ ،كهَام ال ِفكْرِ؛ فغمّه ذلك ،ووكّل به من المؤدّبين والمنجّمين والحكماء مَ ْ
ص ْرنَا إلى اليأس منه ،قال :وما ذلك؟ قال :رأى ابنةَ فلن المرزُبان فعَشقها قال له بعض مؤدبيه :قد كنّا نخافُ سو َء أدبه فحدَث من أَمره ما ِ
ت عليه ،فهو ل يهذِي إل بأمرها ،ول يتشاغَلُ إل بذِكرها ،فقال بهرام جُور :الن رَجوتُ صلحه. فغلبَ ْ
ق ابنته ت وأنه يريد أن يُنكِحها إياه ،وأَمره أن ستْره فأعلمه أن ابنَه قد عش َ سرّ لك سرّا فل َي ْعدُ َونّك .فضَمن له َ ثم دعا بأبي الجارية فقال :إني م ِ
ت عليه ،وهجَ َرتْه ،فإذا استعتبها أَعلمته طمَعه فيهما تجنّ ْ يأخذها بإطماعه بنفسها ،ومراسلته من غير أَن يراها ،أو تَقَع عَينه عليها؛ فإذا استحكم َ
خبَرَه ،ول يُطلِعها على ما َأسَرّ إليه ،فقبل ذلك خبَرَها و َ أنها ل تَصْلُح إل لملك ،أو مَنْ ِه ّمتُه همةُ ملك ،وأن ذلك يمنعها من مُوَاصلته ،ثم ليعلمه َ
أبوها منه.
جعْه على مراسلة الجارية ،ففعل ذلك ،وفعلت الجاريةُ ما أمرها به أبوها؛ فلمّا انتهت إلى التجنّي عليه ،وعلم ثم قال للمؤدّب :خ ّوفْه بي ،وش ّ
الفتى السببَ الذي كرِهَته من أجله أخذَ في الدب ،وطلب الحكمة ،والعلم والفروسية ،ولعب الصّوالجة ،والرماية ،حتى َمهَر في ذلك ،ورُفع
سرّ الملِك بذلك ،وأمر له بما أراد ،ودعا بمؤدّبه، ج من المطاعم واللت والدوابّ والملبس والوزراء فوق الذي كان له؛ ف ُ إلى أبيه أنه يحتا ُ
ب هذه المرأة ل يُزْرِي به ،فتقدمْ إليه أن يرفع أمرَها إليّ ويسألني أن أزوّجَه إياها ،ففعل، فقال :إنّ الموضع الذي وَضع ابني نفسَه فيه بح ّ
حدِثْ شيئاً حتى أَصير إليك .فلمّا اجتمعا صار إليه فقال :يا بني ،ل فزوّجها منه ،وأمر بتعجيل نَقْلِها إليه ،وقال له :إذا اجتمعت أَنت وهي فل ُت ْ
س ِمنّة عليك ،بما دَعَتك إليه من طلب الحكمة، يضعنّ منها عندك مراسََلتُها إياك ،وليست في حِبالِك ،فأَنا أم ْرتُها بذلك ،وهي من أَعظم النا ِ
ق منك .ففعل الفتى ذلك، ك بعدي؛ ف ِزدْهَا في التشريف والكرام بقدْرِ ما تستح ّ ح منه للمُ ْل ِ
والتخلُق بأخلق الملوك ،حتى بَلغْتَ الحدّ الذي تصل ُ
وعاش مسروراً بالجارية ،وأبوه مسروراً به ،وزاد في إكرام المرزبان ،ورَفع مرتبته وشرفه بِصيانته لسرّه وطاعته ،وأحسن جائزته وجائزة
ع َقدَ لبنه الملك من بعده .قال اليماني :وكان الشيخ الحسن بن مصعب. المؤدّب بامتثاله أمره ،و َ
ثم قال ذو الرياستين ،قال علي بن بلل :الطويل:
ث الدّهرِ غائلُهْ إذا غال ُه مِنْ حادِ ِ سيهلك في الدنيا شَفيق علـيكُـمُ
وللناس أَشغالٌ ،وحبّك شَاغِـلـهْ ويُخْفي لكم حبّا شـديداً ورهْـبَة
إذا استخبروه عن حديثك ،جَاهِلُهْ كري ٌم ُيمِيت السّرّ حتى كـأنـه،
إذا سمعت عنه بشكوى تُرَاسِلُـهْ يَ َودّ بأن ُيمْسِي عليلً لـعـلّـهـا
حمَد يوماً عند َليْلَى شَمـائِلُـه ِلتُ ْ ويَ ْرتَاحُ للمعروف في طَلَب العُلَ
ظهَر ويبطن ،و َي ْكثُف ويَلْطُف ،فامتنعَ وذكر أعرابي الهوى فقال :هو أَعظ ُم مَسْلَكاً في القَلْب من الرُوح في الجسم ،وأَملك بالنفس من النّفس ،يَ ْ
ي عنه البيانُ! فهو بين السّحْرِ والجفون ،لطيفُ المسلك وال ُكمُون .وأنشد :الطويل: عيِ َصفِه اللسانُ ،و َ
عن وَ ْ
ب يُ َدبّر بالعقلح ّ خيْرَ في ُ ول َ يقولون لو دبّرت بالعَقْلِ حبّها
من إنشاء الميكالي وشعره
فصل للمير أبي الفضل الميكالي :ل زالت الَيام تَزِيدُ ُر ْتبَتَه ارتفاعاً ،وباعَه اتَساعاً ،وع َزتَه غلبةً وامتناعاً ،فل يبقى مجدٌ إل شّي َدتْه معاليه
عتْهُ صرا ِئمُه وصوَا ِرمُه. ومكا ِرمُه ،ول ملك إل ا ْفتَرَ َ
خدْمة ُودَه مرتسمة ،وغنائم الشكر بين وله فصل :ل زالت حياة الحرار بفضله متسِمة ،ووجو ُه المكارم بغُرَرِ أيامه مبتسمة ،وأهواء الصدور ب ِ
محاسن قوله وفعله مقتسمة.
صعَابُه ،ول ُيمَارِس أمراً إل خطْباً إل تذلّلت به ِ وله :ال يُديم رايةَ المير الجليل محفوفةً بال َفلْج والنصر ،مكنوفة بالغَلبة والقهْر ،حتى ل يزاول َ
ل من آماليهل لمعْقد لوائه ،ومنثنى عنانه ،إلى أن ينا َ خضَع لسيفه وسِنانِه ،وذ ّ ل إل أذْعَن لهيبته وسُلْطانه ،و َ تيسّرَتْ أسبابُه ،ول يَرُوم حا ً
أَقاصِيهَا ،و َيمْلِك من َمبَاغِيه َأ ِزمّتها ونواصيهَا ويُسامِي الثريّا بعلوّ هقته ويناصيها.
ضعْفَ ما وَهب ،وفَجع بأكثَرَ مما َأ ْمتَع ،وأوحش فوق ما آنس ،وعنف في نزعِ ما ألبس؛ فإنه لم ُي ِذ ْقنَا وله فصل :إنما أَشكو إليك زماناً سَلَب ِ
ن التلهّفِ والشتياق ،والحمدُ ل تعالى على كلّ حال حلوة الجتماع ،حتى جَرّعَنا مرارةَ الفراق ،ولم يمتعنا بأنس اللتقاء ،حتى غادَرَنا رَهْ َ
288
ن بعين صنْع يجعل َر ْبعَه ُمنَاخي ،ويُ َقصّر مدّة ال ِبعَاد والتراخي ،فأُلحظ الزما َ يُسيء ويسر ،ويَحْلو ويُمر ،ول أَيأس من رَوْح ال في إباحة ُ
راض ،و ُي ْقبِلُ إليّ حظّي بعد إعراض ،وأستأنف بعزّته عيشاً سابغَ الذيول والعطاف ،رقيقَ المعانىِ والوصاف ،عَذْب الموا ِردِ والمناهل،
ن الفاتِ والغوائل. مأمو َ
وله فصل :انا أسأل ال تعالى أَن يردّ علي بَ ْردَ العيش الذي فَ ًق ْدتُه ،وفسحة السرور الذي عَه ْدتُه؛ فيَقْصر منِ الفراق أَمدُه ،ويعلو لللتقاء حكمه
و َيدُه ،ويَ ْرجِع ذلك العهدُ الذي َرقّت غلئله ،وصفت من ال ْقذَاء َمنَاهله ،فلم أتهنأ بعده بأُنس مقيم ،ول تعلّقت يومًا إل بعيش بَهيم :الطويل:
صيْفًا مثل صيفي و َمرْبعي بذي الثْلِ َ فلو تَرْجـع اليا ُم بـينـي وبـينـهُ
مرائرَ إن جا َذ ْب ُتهَـا لـم تَـقَـطـعِ شدّ بأَعنـاق الـنـوى بـعـد هـذهِ أَ ُ
ق الشتياق أسيراً. سهّل عسيراً ،ويفكّ من ر ّ ب بعيداً ،و َيهَب طالعًا سعيداً ،و ُي َ وما على ال بعزيز أن يقرّ َ
سرَى السرورُ في الجوانح ،واهتزَت النفسُ له اهتزازَ الغُصن وله فصل من كتاب إلى أبي منصور عبد الملك الثعالبي :قرأتُ خب َر سلمته ،ف َ
تحت البارح :الطويل:
طرُ
ول فرحة العطشان فَاجأَهُ القَ ْ أَليس لِخبـار الحـبّة فـرحةٌ
صدْرُفتَنتشر البشرى وينشرِحُ ال ّ يقولون :قد أَ ْوفَى لوقتِ كتـابـهِ
ثم سألت ال تعالى أن يحرسَ علينا سلمَته سابغةَ الملبس والمطَارف ،موصولة التاِلدِ بالطَارِف.
طرُقُ العَزاء والسلوة ُمبْهمة ،لقد حلّت وله فصل من كتاب َتعْزية عن أبي العباس بن المام أبي الطيب :لئن كانت الرزيّة ُممِضّة مؤلمة؛ و ُ
صبْ ٍر مشيح، صدْ ٍر فسيح ،يحمي أن يبيح الحُرن جنابَه ،و َ ضعُف عن احتمالها بَصَائِره ،قد يتلقّاها ب َ بساح ِة من ل تَنتفِض بأمثالها مَرَائِرُه ،ول تَ ْ
حبِطَ الجَزعُ أجرَه وثوابَه؛ كيف ل وآدابُ الدين من عنده تُ ْلتَمس؛ وأحكامُ الشرع من لسانه ويده تُستفاد و ُت ْقتَبس ،والعيون تَ ْرمُقه في يحمي أن يُ ْ
سنَنه ،فإن تعرت القلوب فبحَسب تماسكه عزاؤُها ،وإن حسنت الفعال فإلى حميد أفعاله ومذاهبه هذه الحال لتَجْري على سنَنه ،وتأخذَ بآدابه و ُ
اعتزاؤُها.
من شعر الميكالي
جملة من شعره في تحسين القوافي والغزل :قال :الوافر:
ح ِر من عينَيْ غزالِ سهْمِ السّ ْ
بَ عذِيري من جفونٍ رامـياتٍ
لنتصرن منه بمَنْ غَزَالـي سبَـانـيط ْرفُه حتى َ غزاني َ
وله أيضاً :المتقارب:
بزَ ْورَةِ وَصلٍ وتأوي لهُ؟ ن يشتفي المُستَهامُ َأمَا حان أَ ْ
ويعلم عِلـمُـك تـأويلَـهُ يجمجم عن سُؤلـه هَـيْبة
وقال أيضاً :الطويل:
ت مُؤْتلي رويدًا ففي حكم الهوى أنْ َ شكوتُ إليه ما أُلقي فقـال لـي:
لقلّ بما أ ْلقَى إذاً أن تمـوتَ لـي فلو كان حقّا ما ادّعيتَ من الجوى
وقال أيضَاً :الطويل:
فريقٌ وعندي شُعـبةٌ وفَـرِيقُ تفرق قلبي في هواه ،فـعـنـده
فإن لم يكن راحٌ لـديك فَـرِيقُ إذا ظَمئَت نفسي أقول لها :اسقِني
وقال أيضاً :مجزوء الرجز:
ب ُقبْلَةٍ ما شَـفَـتِ شَافَهَ َكفّي رَشـأ
يا ليت كفَي شفتِي فقلت إذ َقبّلـهـا
وقال:البسيط:
قد كان يوسف لمّا مـات َولّه يا شادناً غاب نجم الحسن لوله
ن تولّه فاشتطّ في الحكم لول أ ْ ولّه رقّيَ ظرفٌ في شمائلـهِ
جدِ إل أنت وَالُ غمْرَةِ الوَ ْمن َ خلّصه ن يُ َارح ْم فتًى مُدنَفًا مَا إ ْ
قضاء الحاجة
ف قلمه ول قال أبو عثمان عمرو بن بَحْرٍ الجاحظُ :حدّثني أبو الهيثم بن السندي بن شاهك قال :قلت في أيام وليتي الكوفة لرجل من أهلها ل يج ّ
تستريح َيدُه ،ول تسكُن حركتُه في طلب حوائج الناس ،وإدخال المنافع على الضعفاء ،وكان رجلً مفوّهأ :أخبرني عن الشيء الذي هوّن عليك
خفْق أوتا ِر العيدان ،وترجيحَ سحَارِ على أفنان الشجار ،وسمعتُ َ النصب ،وقوّاك على التّعبِ ،ما هو؟ قال :قد ،والِّ ،سمعتُ تغريدَ الطيار بال ْ
ل قد أحسن ،ومن شاكر مُنعِم ،ومن شفاعة شفيع محتسب لطالب ت من صوتٍ قطُ طَرَبي من ثناء حسن ،على رج ٍ أصوات القيَان ،فما طَ ِر ْب ُ
ذاكر.
ت عليك ال ُمعَاوَدة والطلب؟ قال :ل أبلُغ المجهود ،ول أسأل إل ما يجوز، سهُلَ ْ
ل أبوك! لقد خشيت كرماً! فبأي شيء َ فقال أبو الهيثم :فقلت لهّ :
جبَ حقاً عليّ للذي قدم ي من إنجاز الوعد ،ولست لكراه السائل بأَكرهَ مني لجحاف المسؤول ،ول أرى الراغب أوْ َ وليس صدق العذر بأَكره إل ّ
ت كلماً قطّ أشدّ مؤالفة لموضعه ،ول أليق بمكانه ،من هذا الكلم. من حُسْنِ ظنه من المرغوب إليه للذي احتمل من كله .قال إبراهيم :ما سمع ُ
بين أسيد بن عنقاء الفزاري وعميله الفزاري
ن أكبر أهل زمانه ،وأشدّهم عارضةً ولساناً ،وطال شقَير النحوي عن أحمد بن عبيد قال :كان أُسيد بن عنقاء الفزاري مِ ْ وروى أبو بكر بن ُ
خلُ
عمَيلة الفزاري ،فسلّم عليه ،وقال :يا عمّ؛ ما أصارك إلى ما أرى؟ قال :بُ ْ عمرُه ،ونكبَه دهرُه؛ فاختلّت حالُه ،فخرج يتبقّل لهله؛ فم ّر عليه ُ
عنْقاء إلى أهله فأخبرهم بما مثلك بماله ،وصَوْنُ وجهي عن مسألة الناس .قال :أما والّ لئن بقيتُ إلى غدٍ لغيرَن من حالك ما أرى ،فرجع ابن َ
ت م َتمَ ْلمِلً بين رجاء ويأس ،فلقا كان السحَر سَمع رُغاء البل، جنْحَ ظلم فكأنما ألقموا فاهُ حجراً؛ فبا َ قال عُميلة ،فقالوا له :غرّك كلمُ غلمٍ ُ
289
عمَيلة قد ساق إليك مالَه ،فخرج ابن عنقاء له ،فقسم مالَه شَطْرَين ،وساهمَ جبَ الموال ،فقال :ما هذا؟ قالواُ : و ُثغَاء الشاء ،وصهيل الخيلِ ،ولَ َ
عليه ،فأنشأ ابن عنقاء يقول :الكامل:
إلى ماله حالِي ،أَسَ ّر كما جَـهَـرْ عمَيلةُ فاشتكـى رآني على ما بي ُ
ضرْ ن ل َبدْ ٌو يُرَجّى ول حَ َ على حي َ دعاني فواساني ،ولو ضَنّ لم يُلَـمْ
وأوفاك ما أوليت مَنْ ذَمّ أو شكـرْ فقلت له خيراً ،وأَثنـيت فِـعْـلَـهُ
تردّى بثوبٍ سابغ الـذيل واتـزَرْ ت ثـيابُـهُ جدَ استُعير ْ ولمّا رأى المَ ْ
له سِيمِيَا ٌء ل تَشُقّ على البـصـرْ غلمٌ رماه ال بالحـسـن يافـعـاً
شعْرَى وفي خدّه القمرْ وفي أنفه ال َ ت فـي جـبـينـهِ كأنّ الثريا عُلّقَ ْ
ل بل دُلّ ،ولو شاء لنتـصـرْ ذلي ٌ إذا قيلت العوراءُ أغْضى كـأنـهُ
كلبي يمدح غنوياً
ي يمدح وأنشد أبو حاتم عن أبي عبيدة لِ ْلعَ َر ْندَس أحد بني بكر بن كلب يمدح بني عمرو ال َغنَويين ،وكان الصمعي يقول :هذا من المحال ،كلب ّ
غنَوياً :البسيط:
َ
س مَـكْـ ُرمَ ٍة أبـنـاءُ أيسـارِسُوّا ُ َه ْينُون لَـ ْينُـون أيسـا ٌر ذوو كـرم
ج ْهدِ ُأدْ ِركَ منهم طيبُ أخبـار في ال َ ف يُعْطُوهُ ،وإن خُبروا إن يُسْألوا العُ ْر َ
ول يُمارونَ إن مـارَوْا بـإكـثـار ل َينْطقون عن الهواء إن نَطَـقُـو
مثلَ النجوم التي يسري بها السارِي ق منهم تَقُلْ لقـيتُ سـيّدهـم مَنْ تَلْ َ
ول ُيعَـدّ نَـثَـا خِـ ْزيٍ ول عـارِ منهم وفيهم ُي َعدّ الـخـي ُر مـتـلِـداً
الدهر ل ينصف
حيْفِ! هل ضمن الده ُر أن ُينْصِف ول يَحِيفَ ،أو ُيبْرِم فل َينْقُض ،أو ُيعَافي فل ُيمْرِض ،أو فصل لبعض الكتاب -ما تعجّبك ممّا لقيت من ال َ
حكْ ُم الدنيا ل تترك حامداً لها إل أسكتته ،ول ضاحكًا إل أبكتْه، يصفو فل يكدّر ،أو يَفي فل َيغْدر .قَدر أن َتعْذب لي مَشَا ِربُه ،وتَلين لي جوانبُهَُ ،ف ُ
أقوى ما كان بها ثقة ،وأشذ ما كان لها مِقَة ،وأوكد ما كان رُكوناً إليها ،وأعظم ما كان حرصاً عليها.
الستخفاف بحقّ النعم
حمْلُها،
ل عليه َ
ف من ثَ ُق َ
وقال بعض الكتّاب يصف رجلً بالذمّ :ما ظنك بمن يعنف بالنعم عنف من سا َءتْهُ مجا َو َرتُها ،ويستخفّ بحقّها استخفا َ
ويَطَ ِرحُ الشكر عليها اطّراح مَنْ ل َيعْلَمُ أنّ الشك َر يَ ْر َتبِطها.
فقر في المدح
وقال أبو الشيص :البسيط:
سأَ ْلتَ أبا بشْر ف ُتعْطاها؟ هل َ يا من تمنّى على الدنيا َمبَاِلغَها
ول ا ْرتَقى غاية إل تخطّاها ب نَائِلُـهُ
ما هبّت الريحُ إل َه ّ
غيره :الطويل:
ك قَصِيرُ وباعُ العادِي عن َمدَا َ طِلَبُ العُلَ إل علـيك يسِـيرُ
ولل َفضْـلِ فـيه أولٌ وأخِـيرُ إذا عُدّ أهلُ الفضل كنت الذي لهُ
وقال أبو الحجناء الصغر نُصيب يصف إسحاق بن صباح :الطويل:
إذا ما َبدَاَ ،بدْ ٌر تَوَسّط أنـجـمـا كأن ابنَ صباحٍ ،وكندةُ حَـوْلـهُ
تمامٌ فـمـا يزداد إل تـتـمـا على أنّ في البدر المحاقَ ،وإن ذا
إذا ما عل أعْوادَهُ وتـكـلّـمـا ترى المنبر الغربي يهترّ تحـتـهُ
ومن قبلها كنت السنام الم َقدّمـا فأنت ابن خير الناس إلّ نـبـوةً
ونُصيب هو القائل في البرامكة ،وكان منقطعاً إليهم :الكَامل:
ضرّ وتنفعُ وأرى البرامكَ ل تَ ُ عند الملوك مَضرّةٌ ومنـافـعُ
أثّ النبات بها وطاب المَزرَع إن العروق إذا استس ّر بها الثّرى
وقَديمَة فانظر إلى ما يَصنَـع ت من امرئ أعراقَـهَ فإذا جهل َ
أخذ هذا من قول سَلم الخاسر :المنسرح:
جهِه شاهدّ من الخبرِ في وَ ْ ل تسأل المرءَ عن خلئٍقِه
وقال نُصَيب في بني سليمان بن علي :البسيط:
وليس فوقكَم فَخرٌ لمفـتـخـرِ ل مَـكـرمةٍ بنِي سليمانَ ح ْزتُم ك ّ
خبَرِ في وجهِهِ شَا ِهدٌ ينبِيك عن َ ل تسأل المرءَ يوماً عن خلئقـه
سدْتَ جَميعَ الجنّ والبشَر وأنت ُ ب أمرئ شرفاً أن ساد أُس َرتَهُ حَس ُ
سأَل سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت رجلً حاجة ،فلم يقضها ،وسأل آخر ،فقضاها ،فقال للول :الطويل:
تَوَلّى سواكُمْ شكرَها واصطناعها ت بحـاجة ذُممت وَل ْم تُحمد ،وأبّ ُ
ونَفسٌ أضاق ال بالبخل بَاعَهـا أبى لك فعلَ الخيرِ رأيٌ مقصّـر
عصاها ،وإن َهمّتْ بشرّ أطاعَها إذا ما أرادته على الخـي ِر مَـرّةً
الجود والعطاء
290
قال رجلٌ لهشام بن عبد الملك :قد افتقرْتُ يا أميرَ المؤمنين إلى ظهور حسْن رأيك ،فإن رأيتَ إظهارَه بسرور الصّديق ،ورَغم العدوّ ،فعلت،
قال هشام :أوجزت وملحتَ فيما سألت ،فل تردّ لك طَِلبَة ،فما سأله شيئَاً إل أعطا ُه أكثر منه.
عمْرو بن مَسعَدة فارس وكرمان ،فقال له بعض أصحابه :أيها المير ،لو كان الحياءُ يظهر سؤالً لدعاك حيائي من قال حميد بن بلل :ولي َ
حسَد عدوي ،دون أن أسألك ،فقال عمرو :ل تَبغ ذلك بابتذالك ماءَ وجهك ،ونحن نُغنِيك عن ي بما يكثر به َكرمك في جميع أهليك إلى القبال عََل ّ
إراقته في خوض السؤال ،فَارفع ما تريده في رُقعة يصل إليك سرّا ففعل.
وقال رجل من أهل فارس :قدم على محمد بن طيفور ،وهو عامل على بلد أصبهان لبعض أهلها :كم تقدّرون صلت محمد في كلّ سنة
للشعراء والمتوسّلين؟ قالوا :مائة ألف دينار ،سوى الخِلع والحُملن.
ل بغيرك إليك ،وأنل من أن ُيتَوَسّ َ
ب من بعض إخوانه في شأن رجل استماحه له في دَرجِه :أنتَ أعَزّك ال تعالى أجَ ّ وورد عليه يوماً كتا ٌ
ستَماح جُودُك إل بك ،غير أني أذكرك بكتابي في أمر حامله ،ما شرَع كرمُك من الشكر وزَرَع إحسانك من الجرِ ،قبَل الصادرين والوا ِردِين؛ يُ ْ
فهنّاك ال تعالى ذلك ،ولزالَت َيدُ ال بجميل إحسانه ونعمته متواتر ًة عليك.
ف دينار ،ولمن كتب له مثلي. فقال محمد للرجل :احتكم لك وله؛ فأخذ منه أل َ
جلّك عن كَشْفه ،فقال له إبراهيم :لكني أكشف وقال رجلي لبراهيم بن المهديّ :قد أوحشني منك ت َردّدُ غليلِ في صدري أهابُك عن إظهاره ،وأ ِ
لك معروفي ،وأُظهر إحساني؛ فإن يكن غير هذين في خََلدِك ،فاكتُبْ رقعة يخرج توقيعي سرّا لت ِقفَ على ما تحب ،فبلَغ كلمه المهدي فقال:
هذا والّ غاية الكرم.
ت ِن ْعمَتكَ وجوهَ الشكر لك ،وغُ َررَ الحمدِ فيما سلف منك، وكتب محمد بن طيفور لبعض خاصته بمالٍ وصّاه به ،فكتب الرجلُ إليه :قد استغوقَ ْ
ولول فَرْطُ عجزي عن تلقّي ما يجب لك من الحمد لقبلْتُ ما أنفذتَه.
خذْ ما أنفذْناه ثوابًا عن معرفتك بِشُكرِ التافه عندي ،وإلّ سمح شكرُك بما رأيناك له أهلً فكتب إليه محمد :قد صغّرَ شكرُك لنا ما أسلفناه إليك؛ ف ُ
ل الثناء ،إن شاء ال تعالى. إلى أَنْ يتّسع قبول مثلك ،ما يستحق به جميلَ الدعاء ،وجزي َ
رثاء قرد وثور
ولما مات قِ ْردُ زُبيدة بنت جعفر ساءها ذلك ،ونالها من الغمّ ما عَرَفه الصغير والكبير من خاصّتها ،فكتب إليها أبو هارون العبديّ :أيتها السيدة
خطْب بذهاب الصغير المعجب كموقع السرور بنيْلِ الكثير المفرِح ،ومَن جهل َقدْرَ التعزية عن التافِهِ الخفي ،عَميَ عن ن موقعَ ال َ الخطيرة؛ إ ّ
صكِ ال الزائدَ في سرورك ،ول حَ َر َمكِ أجرَ الذاهب من صغيرك. التهنئة بالجليل السّنيّ ،فل نَ َق َ
فأمَ َرتْ له بجائزة.
وكتب أبو إسحاق الصابي عن ابن بقية في أيام وزارته إلى أبي بكر بن قريعة يعزّيه عن ثور أبيض بقوله ،وجلس للعزاء عنه تَرَاقُعاً وتحامُقاً:
التعزيةُ على المفقود أطال ال بقاءَ القاضي إنما تكونُ بحسب محلّه من فا ِقدِه ،من غير أن تُرَاعَى قِيمتُهُ ولَ ،قدْرُهُ ،ول ذاتُهُ ول عينُهُ؛ إذ كان
خمَادَ اللَوْعَة ،وتسكين ال ّزفْرَة ،و َتنْفيس الكُزبة ،فربّ وََلدٍ عاق ،وشقيق مُشَاقّ ،وذي رحم أصبح لها قاطعاً ،ولهله الغرض فيها تبريدَ الغُلّة ،وإ ْ
شنَاراً ،فل لوم على تَرْك التعزية عنه ،وأحْرِ بها أن تستحيل تهنئةً بالراحة منه؛ وربّ مالٍ صامتٍ فاجعاً ،وقريب قوم قد قلدَهم عاراً ،وناطَ بهم َ
غيرِ ناطقٍ ،قد كان صاحبُه به مستظهراً ،وله مستثْمراً ،فالفجيع ُة به إذا فقد موضوعه موضعها ،والتعزي ُة عنه واقعةٌ منه موقعها .وقد بلغني أن
جهَش عليه باكياً ،والتدَم عليه وَالِهاً ،وحُكيت عنه حكاياتٌ ،في التأبين له ،وإقامة القاضي أصيب بثور كان له ،فجلس للعزاء عنه شاكياً ،وأَ ْ
ت فيه وَحدَه .فصار كما قال أبو نواس ،في مثله من الناس: النَدبة عليه ،وتعديد ما كان فيه من فضائل البقْر التي تفرقتْ في غيره ،واجتمعَ ْ
السريع:
حدِأن يجمع العالم في وَا ِ ليس على ال بمستنكَـرٍ
ل مستخفّا؛ لنه َيكْرُب الرض مغمورة ط ويُثيرها مزروعة ،ويرقص في الدواليب ساقياً وفي الرحاء طاحناً ،ويحمل الغلّتِ مستقلّ ،والثقا َ
فل يَؤُوده عظيم ،ول يعْجزه جسيم ،ول يجري في الحائط مع شقيقه ،ول في الطريق مع رفيقه ،إل كان جَلدًا ل يُسبَق ،ومبرّزًا ل يُلحق ،وفائتاً
طبٍ جلّ ل يُنال شَأْوه وغايتُه ،ول يبلغ َمدَاه ونهايتُه .ويشهدُ ال أن ما ساءه ساءني ،وما آلمه آلمني ،ولم يَجُزْ عندي في حق ودّه استصغارُ خَ ْ
ب بلغ منه وأرمضه ،وشَفّه وأمرضه؛ فكتبت هذه الرقعة ،قاضيًا بها من الحقّ في مصابه هذا ب َقدْرِ عنده ،فأرّقه وأمَضّه وأقلقه ،ول تهوين صع ٍ
ن من إعظامه له ،وأسأل ال تعالى أن يخصّه من المعوضة بأفضل ما خصّ به البشر ،عن البقر ،وأن يُفْ ِر َد هذه ما أظهر من إكباره إيّاه ،وأبا َ
البهيمة العجماء بأثَرَ ٍة من الثواب ،يضيفها إلى المكلّفين من أهل اللباب؛ فإنها وإن لم تكن منهم ،فقد استحقت إل تُفرد عنهم ،بأن مسّ القاضي
سببُها ،وصار إليه منتسبُها ،حتى إذا أنجز ال ما وعد به عباده المؤمنين ،من تمحيص سيئاتهم ،وتضعيف حسناتهم ،والفضاء بهم إلى الجنة
التي رَضيَها لهم داراً ،وجعلها لجماعتهم َقرَاراً؛ وأورد القاضي -أيّده ال تعالى -مواردَ أهل النعيم؛ مع أَهْل الصراط المستقيم ،جاء وثَ ْورُه هذا
مجنوب معه ،مسموح له به؛ وكما أن الجن َة ل يدخلها الخبث ،ول يكون من أهلها الحدث ،ولكنه عَرَق يجري من أعواضهم ،كذلك يجعل ال
ثَوْر القاضي مركبًا من ال َع ْنبَرِ الشّحري ،وماءِ ال َورْد الجُوري؛ فيصير ثوراً له طورا؛ وجُونَةَ عطرٍ له طورا وليس ذلك بمستبعد ول مستنكر،
ول مستصعَب ول متعذّر؛ إذ كانت قدرةُ ال بذلك محيطةً ،ومواعيده لمثاله ضامنة؛ بما أعدّه الّ في الجنة لعبادِه الصادقين ،وأوليائه
الصالحين؛ من شهوات أنفسهم وملذّ أعينهم ،وما هو سبحانه مع غامر فضله وفائِض كرمه ،بمانعه ذلك مع صالح مساعيه ،ومحمود شيَمه؛
وقلبي متعلّق بمعرفة خبره ،أدام الُّ عزه فيما ادرعه من شعار الصبر ،واحتفظ به من إيثار الخر ،ورفع إليه من السكون لمْرِ ال تعالى في
ط َرقَه ،والشكر له فيما أزعجه وأقلقه ،فليعرفني القاضي من ذلك ما أكُونُ ضاربًَا معه بسَهمِ المساعدة عليه ،وآخذاً بقسطِ المشاركة فيه. الذي َ
فصل من جواب أبي بكر :وصل توقيعُ سيّدنا الوزير أطال ال بقاه ،وأدام تأييده ونعماه ،وأكمل رفعته وعُله ،وحَرس مهْجته ووَقاه ،بالتعزية
ث مثيراً ،وللدواليب ُمدِيراً ،وبالسبْقِ إلى سائر المنافع شهيراً ،وعلى شدائد الزمان مساعداً وظَهيراً .لعمرُك حرْ ِ
عن الثور البيض ،الذي كان لل َ
شرْواه ،ول شروى له؛ فإنه كان من أعيان البقر ،وأنفع أجناسه للبشر ،مضاف لَقد كان ِبعَملِه ناهضاً ،ولحماقات البقر رافضَاً ،وأنّى لنا بمثله و َ
ن عليه غير مَلُوم. ذلك إلى خَلّت لول خَوفي من تجدّد الحزن عليه ،وتهييج الجزَع وانصرافه إليه لعدَدتُها؛ ليعلمَ -أدام ال عزّه -أنّ الحزي َ
ت ما مثّله الوزير من وكيف يُلم امرؤ فقَد من ماله قطعةً يجب في مثلها الزكاة ،ومن خَدم معيشته بهيمة تُعين على الصوم والصلة ،وقد احتذي ُ
جميل الحتساب ،والصبر على المُصَاب؛ فقلت" :إنّا لِّ وإنّا إليه راجِعونَ ،قول من علم أنه أملك لنفسه وماله وأهله ،وأنه ل يملك شي َئًا دونه؛
إذ كان جلّ ثناؤه ،وتقدّست أسماؤه ،هو الملك الوهّاب ،المرتجع ما ارتجع ممّا يعوض عليه نفيس الثواب .وقد وجدت -أيّد ال الوزير -للبقر
291
خاصة فضيلةً على سائر بهيْمة النعام ،تشهد بها العقولُ والفهام ،وذكَر جملة من فضائلها.
ن أبَا نواس في قوله :السريع:
وكأ ّ
أن يجمع العالم في واحد ليس على ال بمستنكـر
نَظَر في هذا المعنى إلى قول جرير :الوافر:
س كّلهُمُ غِضاباسبْتَ النا َ
حَ ِ ت عليك بنو تميمٍ
ضبَ ْ
إذا غ ِ
رثاء الشخاص
وقالت امرأة من العرب ،يقال :إنها امرأ ُة العباسِ عمّ النبي صلى ال عليه وسلم ،ترثي بنيها :البسيط:
حتى إذا كملت أظماؤهـمْ و َردُوا رَعَوا من المجد أكنافاً إلى أجـل
تٌ بالحجاز ،مَنايا بينـهـم بَـدَدُ مَيت بمصر ،ومَيتٌ بالعراق ،ومَي
إذا القعاديدُ عن أمثاله ْم قعـدوا كانت لهم ِه َممٌ فرقن بـينـهـ ُم
طاء الجزيل الذي لم يعطِه أحدُ بَث الجميل ،وتفريغ الجليل ،وإع
وقال عبدة بن الطبيب في قيس بن عاصم :الطويل:
ورحمتُهُ ما شاء أن يترحّمـا عليك سلمُ ال قيس بنَ عاصمٍ
ط بلَدك سلّما إذا زار عن شَح ٍ ستَه منك نـعـمةً تحيةَ مَن أَلبَ ْ
ن قـو ٍم تَـهَـدّمـاولكنه بنْيا ُ حدٍفما كان قَيسٌ هُلكُهُ ه ْلكَ وا ِ
وقيس بن عاصم هو القائل :الكامل:
س يُغـيّره ول أَفــنُ َدنَـ ٌ حسَبـي إني امرُ ٌؤ ل يَعتَرِي َ
والصل َينْبتُ حوله الغصْنُ ت َمكَـرمةٍ من مِنقَر في بي ِ
بِيضُ الوجوهِ أعفّة لُـسْـنُ خُطباء حين يقول قائلـهـمْ
حسْن جوارِه فُطْـنُ و ُهمُ ل ُ ل يَفطِنون ِلعَيبِ جـارِهُـم
وقالت أخت الوليد بن طريف الشيباني ترثيه :الطويل:
كأنك لم تَجْ َزعْ على ابنِ طَريفِ ك مُورِقـاً أبا شجَر الخابورِ ما ل َ
ل إل من قَناً وسـيوفِ ول الما َ ل من التّقـى فتى ل َي ُعدّ الزادَ إ ّ
أرى الموت َوقّاعًا بكل شريف عليك سلمُ ال وقفـاً؛ لنـنـي
َف َديْنَاك من فتيانـنـا بـأُلـوف فقدناك فِ ْقدَان الربيع ،ولـيتـنـا
وخرج الوليد في أيام الرشيد ،فقتله يزيد بن مَزْيد ،وفي ذلك يقول بكر بن النطاح الحنفي :الخفيف:
من يزيدٍ سيوفُ ُه بـالـولـيدِ ج َعتْـكُـمْيا بني تغلبٍ ،لقد فَ َ
عتْ ُه لقَتْ خِلفَ السعودِ قارَ َ ف يزيدٍ لَوْ سيوفٌ سوى سيو ِ
ل يَفلّ الحديدَ غيرُ الحـديدِ ل َبعْـضـاً وات ٌر بعضُها يُ َقتّ ُ
عود إلى المديح
ح فيهم ،وهو القائل :الطويل: وكان بكر كثيرَ التعصب لربيعة والمد ِ
سأَلِومن يفتق ْر من سائر الناس يَ ْ ومن يَفْتق ْر ِمنّا َيعِشْ بحُسـامِـه
بشدّة بأْس في الكتاب المنـزّلِ ص ْفنَا دون كـل قـبـيلةٍ ونحن وُ ِ
ب قَـ َرنْـفِـلِ فتا ٌة بعِقْد أو سِخَا ِ وإنّا لنَ ْلهُو بالسيوف كما لَـهَـتْ
س شديدٍ" .جاء في بعض التفاسير أنهم بنو حنيفة قوم مُسيلمة الكذاب. ستُدْعَوْنَ إلى قوم أَولي بَأْ ٍ يريد قول الّ عزّ وجلَ " :
وبكر القائل أيضاً في أبي دُلَفَ :الكامل:
حيّا لقد كانت بـغـير عِـمَـادِ يا عصمة العرب الذي لو لم يكن
رجعت من الجلل غيرَ حِـدَادِ ن العيون إذا رَأتْـك حِـدادُهـا إّ
ت منه مـواضـعَ السـداد ح َ فتّ ْ وإذا رميت الثغر منك بـعَـزْمةٍ
ل من فـرْصَـاد وكأنّ سيفك سُ ّ فكأن رمحَك ُمنْقَعٌ في عصـفُـرٍ
بِيض السيوف لذُبْنَ في الغمـاد ضبٍ أبو دلف على لو صال من غَ َ
نارَين؛ نارَ وغًـى ونـار زنـاد أَذكى وأَوقد للعـداوة والـقِـرَى
وأبو دلف هو القاسم بن عيسى بن إدريس بن معقل بن عمير بن شنج بن معاوية بن خُزَاعي بن عبد العزّى بن دلف بن جشم بن قيس بن سعد
بن عجل بن لجيم.
وقد روِيت البيات التي مرت لخت الوليد بن طريف لعبد الملك بن بجرة النميري.
وقال أبو هَفّان واسمه منصور بن بجرة ،قال :أنشدني دعبل لنفسه :المتقارب:
وفقدُك مثل افتقاد الـدّيَم َودَاعُك مثل َودَاع الربيع
أفارق منك وك ْم من كَرَمْ عليك السلم فكم من وفاءٍ
فقلت :أحسنت ،ولكن سرقت البيتين من ربيعيين :الول من قول القَطَامي :البسيط:
ب ميعادي شيْ َ خذْنَ ال ّ
عنَني واتّ َ َودّ ْ ما للكواعب ودّعْنَ الحياةَ كمـا
292
والثاني من قول ابن بجرة:
فقدناك فقدان الربيع وليتنا
وأنشد البيت .فقال :بلى ،والّ سرق الطائي من ابن بجرة بيتاً كاملً فقال :الطويل:
رأيت الكريمَ الحُرّ ليس له عُمرُ عليك سلم ال وقفًا فـإنـنـي
كذا وردت الحكاية من غير وجه ،وكان يجب إذا كان من ربيعيين أن يكون فَقَدناك فقدان الربيع لخت الوليد.
وقد قار السموأل في قصر العمر :الطويل:
و َتكْرَهه آجاُلهُم َفتطـولُ يقربُ حبّ الموتِ آجالَنا لنا
وقال ابن قتيبة :أخذ النميريَ قوله :أيا أيا شجر الخابور من قول الجن في عمر بن الخطاب رضي ال عنه :الطويل:
له الرض تهتزّ العِضَاه بأسْواقِ أبعد قتيلٍ بالمـدينة أظـلـمـت
وقد أنشده أبو تمام الطائي للشماخ في أبيات أولها :الطويل:
يدُ ال في ذاك الدِيمِ المـمـزّقِ جزى ال خيرًا من أميرٍ وباركت
سبَـقِ ليدرك ما قدمت بالمس يُ ْ ومن يَسعَ أو يركب جناحي نعامةٍ
نوافج في أكمامها لم تـفـتّـق ت بعدهـا ت أموراً ثم غادر َ قضي َ
س َبنْتَى أزرق العين مُطرِق بكفّي َ وما كنت أخشى أن تكونَ وفاتُـه
ي مـعـلّـق نثا خبر فوق المط ّ تظلّ الحَصَان البِكر تلقى جنينهـا
وقد قال بشار قريبًا من قوله :ول المال إلّ من قنا وسيوف :الطويل:
عبْلُ الساعدَين قَرُوعُ وفي الدّرع َ على جَنبات الملك منه مَـهَـابةٌ
خزائنـهـم خَـطّــي ٌة ودُروعُ إذا اختزنَ المال البخيلُ فإنـمـا
وهذا كقول أبي الطيب المتنبي في فاتك الخشيدي :الكامل:
ل دَا ٍر بَلقـعُ
ذَهباً فماتَ وك ّ كنا نَظنّ دِيارَه مَـمـلـو َءةً
وبناتُ أعوَجَ كلّ شي ٍء يَجمعُ وإذا المكارمُ والصّوارمُ والقنا
ومن بارع هذا النحو قول عبد الملك بن عبد الرحيم الحارثي:الطويل:
لسُكنى سعي ٍد بين أهل المقابـر وإني لرباب القبور لـغـابـطٌ
عداتي ولم أهتف سِواه بنَاصِـر ع به إذ تكـاثـرت وإني لمفجو ٌ
وقد ح ّز فيه نصل حَرّان باتـرِ وكنت كلمغلوبٍ على نَصل سَيفه
من البَث والداء الدخيل المخامِر أتيناه زوّاراً فأمجـدَنـا قـرى
من الوجد يُسقَى بالدمُوع البَوادِرِ ع قد نما في صدورنـا وأُبنَا بِزَر ٍ
أصبْنا عظيمات اللّهى والمآثِـرِ ولمّا حضَرنَا لقتسـام تُـراثِـه
أي لم نصب مالً ،ولكنا أصبنا فعَالً.
من نوادر العراب
سنَ ُة اشتدّ بلؤها، حدَرتنَا إليك َ دخلت أعرابية على عبد ال بن أبي بكرة بالبصرة ،فوقفت بين السماطين ،فقالت :أصلح ال المير ،وأَمتَعَ به؛ َ
ت من الدهر بَرَين عَظْمي، وانكشف غطاؤها ،أقودُ صِبية صغاراً ،وآخرين كباراً ،في بلد شاسعة ،تَخ ِفضُنا خافضة ،وترفعُنا رافعةِ ،لمُلما ٍ
وأذهبْنَ لحمي ،وتر ْكنَني والهة أدورُ بالحضيض ،وقد ضاق بي البلدُ العريض ،فسألت في أحياءِ العرب :مَن الكامل ُة فضائلُه ،ال ُمعْطَى سائلُه،
ي نَائلهَ ،فدُلِلْت عليك -أصلحك ال تعالى -وأنا امرأة من هوازن؛ وقد مات الوالد ،وغاب الرّافد ،وأ ْنتَ بعد ال غياثي ،ومنتهى أمَلي، المكف ّ
جرِي على ل يُجرِي عليها كما يُ ْ فافعلْ بي إحدَى ثلث ،أما أن تردّني إلى بلدي ،أو تحسن صَفَدي ،أو تقيم أوَدي فقال :بل أجمعها لك ،فلم يَزَ ْ
عياله ،حتى ماتت.
قال العتبي :وقف أعرابيّ بباب عبيد ال بن زياد ،فقال :يا أهل الغَضَارة ،حَ ِقبَ السحابُ ،وانقشعَ ال ّربَابُ ،واستأسدت الذّئَاب ،وردم ال ًثمَد ،وقل
حيّ حِلَل وع َددٌ ومالٌ ،قتفرَقنا حفَد ،ومات الولد ،وكنت كثيرَ العفَاةِ ،صخِب السقاة ،عقي َم الدّلة ،ل أتضاءك للزمان ،ول أحفل با ْلحِدثَانَ ، ال َ
حمَى ،وقومي أسى ،وعَزمي جَداً؛ قضى ال سبَا .بعد فقد البناء والباء ،وكنت حسنَ الشارة ،خصيب الدَارَة ،سليم الجارةِ وكان محلّي ِ أ ْيدِي َ
شخْصُه شاهدُه ،ولسانُه وَافدُه ،وف ْقرُه سائقُهُ وقا ِئدُه. سوَافِ المال ،وشتات الرجال ،و َت َغيّر الحال ،فأغيثوا مَن َ ول رجْعان لما قضى ،بِ َ
ومن مقامات السكندري ،من إنشاء بديع الزمان ،قال:
حدثنا عيسى بن هشام قال :دخلت البَصرة وأنا من سنيّ في فَتاء ،ومن الزّيّ في حِبرٍ ووِشاء ،ومن الغنى في بَ َقرٍ وشَاء؛ فأتيت المِ ْربَد مع رفْقَة
عمَدنا لِ ِقدَاح اللَهو فأجَ ْلنَاهَا،
ض فحللْناها ،و َ شيْنا في تلك ال ُمتَوَجّهات ،وملكتنا أر ٌ تأخذهم العيون ،ودخلْنا غير بعيد في بعض تلك المتنزهات ،وم َ
سرَع من ارتداد الطَرْف حتى عنّ لنا سَوَادٌ ،تخفِضُه وهاد ،وترفعه نِجَاد ،وعلمنا أنه يهمّ شمَةِ ،إذْ لم يكن فينا إل منّا ،فما كان إل بأَ ْ مُطّرِحِينَ للحِ ْ
بنا ،فأتلعْنا له ،حتى انتهى إلينا سيرُه ،ولقينا بتحية السلم ،ورددنا عليه مقتضى السلم؛ ثم أجال فينا طَرْفه وقال :يا قوم ،ما منكُ ْم إل من
ل من أهل السكندرية ،من الثغور الموية ،وقد وطّأ لي الفضل كنَفَه، يلحظني شَزْراً ،ويوسعني زَجراً ،ول ينبئكم عني ،بأصدقْ مني؛ أنا رج َ
حمْر الحواصل :الرجز: جعْجَعَ بي الده ُر عن ثمّهِ ورمّهِ ،وَأتْلنِي زغاليلَ ُ ورحبت بي عبس ،ونَمانِي بيت ،ثم َ
س ّمهُمْ
فلو َيعَضّونَ َلذَكّى َ حيّاتُ أرض مَحْلَةٍ كأنهُمْ ُ
وإن رَحَلنَا َر ِكبُوني كُّلهُمْ إذا نزَ ْلنَا أرسلوني كاسباً
عفْر ،وهذه البصرة ونشرت علينا البيض ،وشمسَتْ منا الصّفْر ،وأكلتْنا السّودُ ،وحطمتنا الحمر ،وانتابنا أبو مالك ،فما تَلَقّانا أبو جابر إل عن ُ
ماؤها هَضوم ،وفقيرها مهضوم ،والمر ُء من ضِزسِه في شُغل ،ومن نفسه في كلّ ،فكيف بمن :الوافر:
حدّدَة العـيونِ غبٍ م َ إلى زُ ْ طوّف ثم يَأوي يطَوّف ما اي َ
293
جيَاع الناس ضامِ َر َة العيونِ ِ شعْثًا فتمْسِـي
كَسَاهُنّ البِلَى ُ
ضضْنَ عقد الضلوع ،وأ َفضْنَ ماء ي ك َميْتٍ ،وفي بيت كل بيت ،وقلبْنَ الكفّ على لَيت ،فقَ َ صبَحْنَ اليَوْمَ وقد سَرّحْنَ الطرف في ح ّ ولقد أ ْ
الدموع ،و َتدَاعَينَ باسمِ الجوع :مجزوء الكامل:
لمَهْ
مِ لكلّ في كَ َرمٍ عَ َ والفَقْر في َزمَنِ اللثـا
وقد اخترتُكم يا سادة ،ودلّتني عليكم السعادة ،وقلت :قسماً ،إن فيهم شِيماً ،فهل من فتى يعشّيهنّ ،أو يغشّيهِنّ؟ وهل من ح ّر ي َغذّيهنّ ،أو يردّيهن؟.
س ْمعِي كلم رائع ابرع ممّا سَمعت ،ل جرمَ أنا استَمَحْنا الوساط ،و َنفَضنا الكمام ،و َبحَثنا الجيوب؛ قال عيسى بن هشام :فوالّ ما استأذن على َ
عنّا بعد شكر وفّاه ،ونش ٍر مَلَ بِ ِه فَاهُ. وأن ْلتُ ُه مُطرَفي ،وأخذت الجماعةُ أَخْذي ،وقلْنا له :الحقّ بأطفالك ،فأعرض َ
عنَانِ الحلم ،فسيح رُقعة الصدر: جنَانِ الصدر ،جموح ِ ومن رسائله إلى بعض الرؤساء :خُلقت -أطال ال بقاء السيد وأدام تأييده -مشروحَ َ
الطويل:
لسِرْتُ إليه مشْرِقَ الوَجْهِ راضيا حمُولً صبوراً لو َت َعمّدَني الردى َ
شيْبي فوجَعَ القلب باكِيا لفارقت َ صبَـا
ألوفاً وفَياً لو ُردِدت إلى ال ّ
ل لَحيلنّ السيد على اليام ،ولكِلَنّ استحالة رأيه فيّ على الليالي؛ ول أزال أصفيه الولء ،وأسنيه الثناء ،وأفرش له من صدري الدّهنَاء، وا ّ
ن موقف اعتذار ،وليعلمنّ ِبنُصح أتى الواشون أم بِحبول ،ول أقول :يا حالف وأُعيره أذناً صماء ،حتى يعلم أيّ عِلقٍ باع ،وأيّ فتى أضاع ،وليقفَ ّ
سبْطه ،ولكني ستَاقُ إلى رمي يزيد لِ ِ اذكر حِلّ ولكن يا عاقِد إذكر حَلّ ولست كمن يشكو إلى رسول ال ،صلى ال عليه وسلمَ ،أذَى رَهطِهِ ،و َي ْ
أقول :الطويل:
ستَحَلّتِ
لعَزّ َة مِنْ أَعراضنا ما ا ْ هنيئاً مريئاً غيرَ داءِ مخَـامِـرٍ
ن من لقائه ،فإن نشط للجابة فلتكن المخاطبةُ قرأت رقعتك ،فهو أخفّ وأنا أعلم أنّ السيدَ ل يخرج عن تلك الحلية ،بهذه ال ّرقْية ،وأنّ جوابَه أخش ُ
ل تَبِعة.
مؤنة ،وأق ّ
وله إلى الشيخ العميد:
أنا -أطال ال بقاء الشيخ العميد -مع إخوان نيسابور ،في ضيعة ل فيها أعان ،ول عنها أصان ،وشيمة ليست بي تناط ،ول عنّي تمَاط ،وحرفة
ي تبِعتُها وليس لْي منفعَتهإ ،فهل للشيخ العميد أن يلطف بصنيعته لطفًا يحط عنه دَرَنَ العار، عنّي تزَال ،ول فيها أدَال ،وهي الكُدية التي عل ّ ل َ
شخْصُهً ،بإتمام ماكان عَرَضَه عليه من وشيمة التكسب بالشعار ،ليخفّ على القلوب ظلّه ويرتفع عن الحرار كَلّه ول يثقل على الجفان َ
ل عن إذلله ،واشترى حُسنَ الثناء بجاهه ،كما يشتريه بماله، أشغاله ،ليعلَقَ بأذياله ،ويستفي َد من خلله؛ فيكون قد صان العلم عن ابتذاله ،والفض َ
والشيخ العميد فيما يوجبه من وَعدٍ يعتمده ،ووفاء يَتلو ما يَعده ،عالٍ رأيه إن شاء ال.
رجع إلى المديح
وقال بعضُ أهل العصر؟ وهو أبو العباس الناشئ ،يمدحُ سعد الدولة أبا المعالي شريف بن سيف الدولة علي بن عبد ال بن حمدان :البسيط:
يَرَى بها غائبَ الشياء لم يَغِـبِ كأنّ مرآةَ فهمِ الـدَهـرِ فـي يدهِ
إل علها شريفٌ كوكبُ العربِ ما يرفع الفَلكُ العالي سماءَ عُـلً
طبِقُ أجفاناً على ال َغضَبِ ل يُ ْ
والبُخْ ُ يا من ب َعيْنِ الرضا يلقَى مُؤمَـلـهُ
أعطاك موضع بسم ال في الكُتُبِ لو يكتب المَلْك أسماء الملـوك إذاً
فليس ِذكْرُك في أرض بمغترِبِ غرّبت في كل يوم منك مكـرمةً
بيته الول كقول القائل :الطويل:
له من وراء الغَيْب ُمقْلَةُ شاهدِ أطل على الشياء حتى كأنمـا
وكما قال أبو تمام الطائي :الوافر:
ض في عينيه دارُ كأنّ الر َ أطَل على كِلَ الفقين حتى
وأفرط ابن الرومي فقال :المنسرح:
ض في يديه كُرَهْ كأَنما الر ُ أحَاطَ علمًا بكـلّ خـافـيةٍ
وقال محمد بن وهيب :الطويل:
يخاطبه من كلّ أمر عواقبُهْ عليمٌ بأعقاب المور ،كأنمـا
وقال بعض شعراء بني عبد ال بن طاهر :المتقارب:
أقرّ الخلفة فـيَ دارهـا وقوفك تحت ظلل السيوف
إذا ما تناجَتْ بأسـرارهـا كأنك مطّلع في القـلـوب
وقال البحتري للفتح بن خاقان :الطويل:
تَرَى ما عليه مستقيمٌ ومائل كأنك عينٌ في القلوب بصيرةٌ
وقال في سليمان بن عبد ال بن طاهر :البسيط:
إذا تََلبّس دون الظّـنّ ايقـانُ ينال بالظن ما فات اليقين بـه
تريه كل حفي وهْـوَ إعـلن كأنّ آراءَه والظن يجمـعُـهـا
وإن َتنَ ْم عينه فالقلب يَقْظـانُ ما غاب عن عينه فالقلبُ يذكره
وقال أبو الحسن أحمد بن محمد الكاتب يمدح عبيد ال بن سليمان بن وهب الوزير :البسيط:
ج َودَانِ البحرُ والمـطَـرُ ح َمدِ ال ْ
لم ي ْ إذا أبـو قـاسـمٍ جـادَتْ لـنـا يدُهُ
تضاءَل النورانِ الشمسُ والقـمـرُ وإنْ أضاءتْ لنـا أنـوارُ غُـ ّرتِـه
294
تأخّر الماضيانِ السـيفُ والـقَـدَ ُر حدّ عـزمـتـه وإن مضى رأيه أو َ
لم يَدرِ ما المُزْعِجَانِ الخوف والحذر حذِراً من خوف سَطوَتـه من لم يبت َ
والشاهدانِ عليه الـعَـيْنُ والثـر ن بـهِينال بالظنّ ما يَعْـيَا الـعِـيَا ُ
إذا تعاقب منه النفـع والـضـرر كأنه الدهر في نُعمى وفـي نـعـمٍ
ب مـا يأتـي ومـا يَذَرُ
يرى عواق َ كأنـه وزِمـامُ الـدهـر فـي يدهِ
حجَر :المنسرح: وأصل هذا قولُ أوسِ بن َ
ن بك الظنّ كأن قد رأى وقد سمعَا اللمعيّ الذي يظ ّ
وهذا المعنى قد مرّ في أثناء الكتاب.
قال أبو الحسن جحظة ألبرمكي :قلت لخالد الكاتب :كيف أصبحت؟ قال :أصبحت أر ّ
ق
الناس شعراً ،قلت :أتعرف قولَ العرابي :الطويل:
صُروف الــــلـــــــيالـــــــي حـــــــيث لـــــــم
فما وَجد أعرابية َق َذفَت بها
تَـــــــكُ ظَـــــــنّـــــــت
بنَـــجْـــدٍ ،فـــلـــم يُقـــدَرْ لـــــــهـــــــا مـــــــا
تمـــــــنّـــــــت أحـــــــالـــــــيبَ الـــــــرعـــــــاء ،وخَــــــــــــــيمَةً
تـــــــمـــــــنّـــــــت
وريح الـــصـــبــــــا مـــــــن نـــــــحـــــــو
إذا ذكـــــــرتَ مـــــــاءَ الـــــــعـــــــضَـــــــاهِ وطِـــــــيبَــــــــــــــهُ
نـــــــجـــــــدٍ أرنّـــــــت
295
قال أبو العباس :هذا حسن ،ولكن نَعدل عن لبيد.
وقال آخر :قول الهذلي :الطويل:
عيْنُها ورَسُولُها إليه المنايا َ ولو أنني استودَعته لهتدَتْ
وقال أبو العباس :هذا حسن ،وأحسن منه -في استعارة لفظِ الستيداع -قول الحصَين بن الحَمام؛ لنه جمع الستعارة والمقابلة في قوله:
الطويل:
س ْمهَرِيّ المُقوّما ويستودِعُونا ال ّ نطَارِدهُم نستودعُ البيضَ ها َمهُمْ
وقال آخر :بل قول ذي الرّمة :الطويل:
وسَاقَ الثّريّا في ملَ َءتِهِ الفَـجْـرُ ى العودُ في الثّرى أقامَتْ به حتى ذَوَ َ
قال أبو العباس :هذا لعمري نهايةُ الخبرة ،وذو الرمة أبدع الناسِ استعارة ،وأبرعهم عبارة ،إل أنّ الصواب حتى ذوى العود والثرى؛ لن
العود ل َيذْوي ما دام في الثرى ،وقد أنكره على ذي الرمة غير ابنِ المعتز .قال أبو عمرو بن العلء :كانت يدي في يد الفرزدق فأَنشدته هذا
ش ْدنِي ،فقال :إن العود ل يَذوِي في الثّرى ،والصوابُ :حتى ذوىَ العود والثرى. البيت ،فقال :أُرشِدك أم أدَعُك .قال :فقلت :بل أرْ ِ
قال الصولي :وكأنه نبّه على ذي الرمة؛ فقلت :بك قوله :الطويل:
حياةَ الذي يقضي حشاشَ َة نَازعِ ولمّا رأيت الليل والشمس حيّة
وقال أبو العباس :اقتدحْتَ زَندك يا أبا بكر فأَوْرَى ،هذا بارعٌ جداً ،وقد سبقَه إلى هذه الستعارة جرير حيث يقول :الكامل:
لمْطـارُ بعد البِلَى ف ُتمِيتهُ ا َ جدّه تحيي الروامس ربعها وت ِ
جدّة ،ولكِن ذو الرمة قد إستوفى ِذكْرَ الحياءِ والماتة في موضع وهذا بيت جمع الستعارةَ والمطابقة ،لنه جاء بالحياء والماتة ،والبلى وال ِ
حسَن ،وهو قوله :الطويل: آخر فأ ْ
حبَْليْن في مَشْطُـونةٍ يَتـرجّـحُ بَ س كـأنـهُ ونَشْوَانَ من طولِ النّعا ِ
بذكرك والعِيسُ المراسِلُ جُـنّـحُ إذا مات فوق الرّحْلِ أحييت روحهُ
فما أحد من الجماعة انصرف من ذلك المجلس إل وقد غمره من بَحْرِ أبي العباس ما غاض معه َمعِينة ،ولم ينهض حتى زودناه من برّه ولطفه
نهاية ما اتسعت له حالُه.
وقال ابن المعتز :الكامل:
و َنمَتْ عليّ شواهدُ الصّبّ لما رأيت الحبّ يفضحنِـي
ستَرت َوجْهَ الحبّ با ْلحُبّ وَ ألقيتُ غي َركِ فى ظنونهـم
وقال العباس بن الحنف في هذا المعنى :البسيط:
وفرّق الناسُ فينا قوَلهُ ْم فِرَقـا قد جرّر الناسُ أذيالَ الظنون بنا
وصادقٌ ليس َيدْري أنه صدَقا ب قد رمى بالظّن غيركُم فكاذ ٌ
وقريب من هذا المعنى قول الفارضي رضي ال عنه ،وإن لم يكن منه :الطويل:
ل بيننا ما لها أصـلُ ب َرجْم أُصو ٍ تخالفت القوال فينـا تـبـاينـاً
وأرْجفَ بالسلوان قومٌ ولم أسْـلُ فشنع قومٌ بالوِصَالِ ،ولـم أصـل
وقد َكذَبَتْ عني الرَاجِيفُ والنقل صدَقَ التشنيعُ عنها لشقْوَتـي وما َ
وقال ابن المعتز :الطويل:
غمِ تُبيت أُنوفَ الحاسدين علَى رَ ْ لنا عَ ْزمَة صمّاء ل تسمعُ الرّقى
ش ْئنَا لمِلْنا مع الظلمِ علينا ،ولو ِ ق من غير حاكم وإنّا لنعطي الح ّ
وقد أخذه أبو العباس من قول أعرابي الطويل:
بك الناسُ حتى يعلموا ليلةَ القـدْرِ أل يا شفاءَ النفسِ ليس بـعـالـمٍ
ن يُصِيب ول يَدْرِي مرارًا وفيهم مَ ْ سوى رَجْمهم بالظنَ والظنُ كاذِبٌ
وقال الحسين بن مطير :الطويل:
خمُودُهـا على َكبِدِي نارًا بَطيئاً ُ لقد كنتُ جَلْدًا قبل أن تُوقِد النـوى
ولكنّ شوقـًا كـل يوم يَزِيدُهـا ولو تُرِكتْ نارُ الهوى لتض ّرمَـتْ
إذا َقدِمتْ أيامُها وعـهـودُهـا وقد كنتُ أرجو أن تموتَ صبابتي
ق ُيعِيدُهـا عهَادُ الهوَى تُولَى بشو ٍ ِ فقد جعلتْ في حبّةِ القلبِ والحشَا
ف نهـودُهـا عِذابٌ ثناياها عجا ٌ خصُورُها بمرتَجةِ الرداف هِيفٌ ُ
وسودٌ نواصيها ،وبيض خدودُهـا ح ْمرٌ أكفّـهَـا
صفْر تَراقيها ،و ُ و ُ
بأحْسَن ،مّا زيّنتْها عـقـودُهـا مُخَضّرة الوساطِ ،زانتْ عقودَها
ل يَجُودُها رفيفَ الْخُزامَى بات طَ ّ ف قـلـوبُـنـا
يمنّيننَا حتى تَـرِ ّ
مَهاة بتُ ْربَانٍ طوِيلٌ عـمـودُهـا وفيهنّ مِقْلق الوِشاح كـأنـهـا
وقال :الطويل:
ن ُم ْغمِضُ أُحبّك حتى يُغمض العي َ ت بارحاً قضى ال يا أسماءُ أنْ َلسْ ُ
وإن كان بَلْوَى أنني لـك مُـبْـغِـضُ فحبّك بَـلْـوَى غـير أن ل يَسُـرّنـي
296
ذكرتُ ومن رفض الهوى حين يرفض فوا كبدًا من لَـوْعَةِ الـبَـيْن كـلـمـا
تقضقض أطرافَ الحشَا ثم تنـهـض ومن عبرة تُـذْري الـدمـوع وزفـرة
وأقرضَني صبْراًعلى الشوق ُمقْـرِضُ فيا ليتني أ ْقرَضْت جَلْداً صـبـابَـتـي
حبّـهـا مـن دونـه يتـعـرّض َبدَا ُ إذا أنا ُرضْتُ القلب في حُـب غـيره
وكان الحسين قويّ َأسْرِ الكلم ،جَزْلَ اللفاظ ،شديدَ العارِضة ،وهو القائل في المهدي :الطويل:
ويومُ نـعـيمٍ فـيهِ لـلـنـاس أنْـعُــمُ س فـيه لـلـنـاس أبــؤُسٌ له يو ُم بُـؤ ٍ
و َيقْطرُ يومَ البـؤس مـن كـفَـه الـدمُ ن كـفّـه الـنّـدَى فيُمطر يوم الجودِ مِـ ْ
على الناس لم يصبح على الرض مُجْرمُ فلو أن يومَ الـبُـؤْس خـلّـى عـقـابـهُ
على الرض لم يصبح على الرض ُم ْعدِمُ ن يوم الـجـود خَـلّـى نَـوَالـهُ ولـو أ ّ
وأنشد أبو هفان له :الخفيف:
أين جيرانُنا علـى الحْـسـاء؟ ل العتاب بـالـدَهـنـاء؟ أين أه ُ
رَ القاحي تُـجَـادُ بـالنْـواء جاورونا والرض ملبَـسة نَـوْ
حكُ الرضُ من بكاء السماء ضَتَ ْ كل يوم بـأقـحـوان جَـــديد
أخذ هذا المعنى دعبل ،ونقله إلى معنى آخر ،فقال :الكامل:
أم أين يُطلَب؟ ضَلّ ،بل هلكا أين الشبابُ؟ وأيةً سـلـكـا؟
ب برأْسِه ف َبكَىضَحِك المشي ُ ل َتعْجبي يا سَلْ َم مِـنْ رجـلٍ
وقال مسلم بن الوليد في هذا المعنى :السريع:
ضحَك فيه المشيبُ ورأسُه يَ ْ مُستعبر يبكي علـى دمـنةٍ
وأنشد الزبير بن بكّار :الوافر:
وأكره أنْ أعيبَ وأنْ أُعابـا جهْـدِي أُحبّ معاليَ الخلق َ
س مَنْ حَبّ السبابـا وشرّ النا ِ وأصفح عن سباب الناسِ حِلْماً
عيَا الجـوابـا
لِهْلكه وما أَ ْ وأترك قائل العوراء عَـمْـداً
ل فلن يُهاباومن حقر الرجا َ ومَنْ هابَ الرجال تهـ ّيبُـوهُ
رياضة النفس على الفراق
وعلى ذكر قوله :الطويل:
حبّ غيرها إذا أنا ُرضْتُ القلبَ في ُ
أنشد الصمعي لغلم من بني فزارة :الطويل:
جرُ بيَ الهَجْرُ ،ل وال ما بي لها هَ ْ سبَ الناسُ أنمـا وأُع ِرضُ حتى يح َ
إذا فارقتْ يوماً أحبّتهـا صَـبْـرُ ولكنْ أروضُ النفسَ أنظر هل لها
قال إسحاق الموصلي :قال لي الرشيد :ما أحْسَنُ ما قيل في رياضة النفس على الفراق؟ قلت :قول أعرابي :الطويل:
ستَبقي المودّة بالهـجْـرِ كثيراً ،وأ ْ حيِي عيونـاً ،وأتّـقـي ستَ ْ
وإني ل ْ
صبْر لعلم عند الهَجْر هل ليَ من َ فأُنذِرُ بالهجران نفسي أرُوضـهـا
فقال الرشيد :هذا مليح ،ولكني أستملح قول أعرابي آخر :الطويل:
فهاجَ ْرتُها يومين خوفًا من الهَجْـرِ خشيت عليها ال َعيْنَ من طول وَصْلِها
ولكنني ج ّربْتُ نفسي بالـصـبـرِ وما كان ِهجْراني لها عـن مَـللةٍ
قال الصولي :قال لي المبرد :عمّك إبراهيم بن العباس أَحزمُ رأياً من خاله العباس بن الحنف في قوله :المنسرح:
وحادثاً من حـوادثِ الـزمـنِ كان خُروجي من عندكُ ْم قـدَراً
قَلْبي ،وأن أستعدّ لـلـحَـزَنِ من قبل أن أعرض الفراق على
وقال عمك إبراهيم :الطويل:
صبْري فقالت :رُ َويْداً ل أغرّك من َ وناجيتُ نفسي بالفراق أرُوضُـهـا
فقالت أأ ْمنَى بالفراقِ وبالهَـجْـرِ؟ فقلت لها :فال َهجْرُ والبَـيْنُ وَاحِـدٌ
فقلت له :إنه نقلَ كلمَ خاله :الطويل:
صبْري س ل أَغرك من َ من الن فايَْأ ْ ضتُ على قلبي الفِراق فقال لي عر ْ
جمْـرِ وفرق ُة مَنْ أهوى أحرّ من ال َ صدّ من أهْوَى رجوتُ وِصـالَـه إذا َ
وقال العباس بن الحنف :الطويل:
سكُ لي أسبابُها حين أهـجُـرُ تَما َ ن نفسي لعلّها أرُوض على ال ِهجْرَا ِ
إذا صدق الهجرانُ يومًا وتغـدرُ وأعلم أنّ النفسَ تكذِبُ وَعْـدَهـا
فأَنظ ُر إل ُمثّلَتْ حـين أنـظـرُ وما عرضَتْ لي نظر ٌة ُمذْ عر ْفتُها
وقال المتنبي من المعنى :الطويل:
وقد كان غدارًا فكن أنتَ وافيا ي مَنْ نأَى حبّ َ
ك قَلْبي قبلَ ُ ح َب ْبتُ َ
َ
297
فلستَ فؤادي إن وج ْدتُكَ شاكيا شكِيكَ بعدهـا ن البيْنَ يُ ْ
وأَعَْلمُ أ ْ
قال الحاتمي :والذي أراه وأذهب إليه أنّ أحسن من هذا المعنى قول أبي صخر الهذلي :الطويل:
إذا ظلمت يوماً وإن كان لـي عُـذْرُ ض إنكارِ ظُلْـمِـهـا ويمنعني من بع ِ
صبْرُجرِها َ ج ُر منها ما على هَ ْ ليَ الهَ ْ مخاف ُة أنّي قد عـلـمـت لـئن بَـدَا
على هَجْرِها ما َيبْلغنَ بيَ الهـجـرُ وإني ل أدري إذا النفـسُ أشـرفـت
ع ُدكِ الحَـشْـرُ ويا سَلْوَة الحزان مَوْ ِ فيا حبّهـا ِزدْنِـي جـوًى كـل لـيلةٍ
شذور من كلم أهل العصر
في مكارم الخلق
جهِل قَدره. عقَل لسانه ،والجاهلُ من َ ل من َ ابن المعتز -العقلُ غريزة تزيّنها التجارب .وله :العاق ُ
حسْنُ الصورة الجمالُ الظاهر ،وحسن الخلق الجمالُ الباطن .ما أبينَ وجوه الخيرِ والشرَ في مِرْآةِ العقل إذا لم ل نقص الكلمُ ، غيره :إذا تم العق ُ
سكُ أعنَة النفوس عن الهوى .أحْر بمن ل ُتمْ َح بما أظهر من محاسنه .بأَيدي العقو ِ ل ل َيدَعُه ما ستر ال من عيوبه أن يفْرَ َ صدِئها الهوى .العاق ُ يُ ْ
ن عمّا ل َيعْنِيه غافلً .التواض ُع من مصايد الشرف .من لم يتّضِ ْع عند نفسه لم يرتفع عند غيره. ل أن يكو َ كان عاق ً
ن كساه الحيا ُء ثوبَه ،ستر عن الناس حيَا منه .مَ ْ ستَ ْ
يحيى بن معاذ -التكبّر على المتكبر تواضع .الحلم حجابُ الفات .أحيوا الحياءَ بمجاورة من يُ ْ
عيْبَه .الصبرُ تجرّع الغُصص ،وانتَظارُ الفُرَص .قلوبُ العقلء حصون السرار .انفَ ِردْ بسرّك ول تودعْه حازماً فيزل ،ول جاهلً فيخون .الناة َ
حُسْنُ السلمة ،والعجلة مفتاح الندامة .من حَسُنَ خُلقه وجَب حقه .إنّما يستحقّ اسم النسانية مَنْ حَسُنَ خُلقه .يكاد سيئ الخلق ُي َعدّ من البهائم
والسباع.
أرسطاطاليس -المروءة استحياءُ المرءَ نفسه .المعروف حصْنُ النعم من صروف الزمن .للحازم كنز في الخرة من علمه ،وفي الدنيا من
معروفه .ل تستحي من القليل فإن الحرمان أقل منه.
أبو بكر الخوارَزْمي -الطَرف يجري وبه ُهزَال والسيف يمضي وبه انفلل ،والح ّر ُيعْطِي وبه إقلل .بَذلُ الجاه أحدُ المالين .شفاعةُ اللسانِ
ف الدنيا،
أفضلُ زكاة النسان .بَذلُ الجاهِ ِر ْفدٌ للمستعين .الشفيعُ جناحُ الطالب .التقوى هي ال ُعدّة الباقية ،والجُنة الواقية .ظاهرُ التقوى شر ُ
وباطنها شرف الخرة .من عفت أطرافه ،حسنت أوصافه .قال أبو الطيب المتنبي الطويل:
ولكنها في الكَفّ والفَ ْرجِ والفمِ ول عِفَةٌ في سيفهِ وسِـنـانـهِ
حكْمٌ وقليل فاعِلُه .أرْبعُ كلمات صدرت عن أربعة ملوك كأنما ُرمِيت عن قَوْسٍ واحدة؛ قال كسرى :لم أندم على ما لم أقل، صمْتُ ُ لقمان -ال َ
وندِمْتُ على ما قلت مراراً.
جبْتُ
قيصر :أنا على ردّ ما لم أقل أقدرُ مني على ردّ ما قلت .ملك الصين :إذا تكلّمت بالكلمة ملكتني ،وإذا لم أتكلّم بها ملكتها .ملك الهند :عَ ِ
ل من ظاهر الرجل على باطنه، ممن يتكلّم بالكلمة إن ُر ِفعَتْ ضَرّته ،وإن لم تُ ْرفَع لم تنفعه .ما الدّخان على النار ،ول العَجَاج على الريح ،بأد ّ
وأنشد :الكامل:
حيث الدخان فثَ ّم مَ ْو ِقدُ نارِ قد يُستدلّ بظاهر عن باطنٍ
صدِ بين الطرفين، مَنْ أَصلح ماله فقد صان الكرَمين المالَ والعِرْضَ .من لم يجمد في التقدير ولم يَذب في التدبير فهو سديد التدبير .عليك بال َق ْ
ستَرط ،ول مرّا فتُلفَظ. ل مَنعَ ول إسراف ،ول بخل ول إتراف .ل تكن رطبًا فتُعْصَر ،ول يابساً فتكسر ،ول حلواً فت ْ
ق وهذَر ،والتقصير عِيّ وحَصَر. المأمون بن الرشيد -الثناء أكثر من الستحقاق مَلَ ٌ
إكرامُ الضياف ،من عادة الشراف .وفي الخبر :ل تتكلّفوا للضيف فتبغضوه؛ فمن أبغض الضيفَ أبغضه الّ .ينبغي لصاحب الكريم أن
جمَعتهما َنبْوة الزمان ،فليس ينتفع بالجوهرة الكريمة من لم ينتظر نَفَاقها. يصبر عليه إذا َ
مواعظ عقلها بعض أهل العصر
تتعلّق بهذا الفصل
جمِل الطلبَ فسيأتيك ما ُقدِر لك ،صُنْ عرضك ،وإلّ أخْلَقْت وجهك .جاور الناسَ -بالكفّ عن مساويهم. ض أبداً .أ ْأُغْضِ على ال َقذَى ،وإلّ لم تَرْ َ
ت فيضيع ما ف ما ُكفِي َ س وعدَكَ ،كذّبْ أسواء الظنون بأحسنها .أغْنِ من ولَيته عن السرقة ،فليس يكفيك من لم تكفه .ل تتكل ْ انْسَ ِر ْفدَك ،ول َتنْ َ
أوليت.
ط منه .ل تذكر الميتَ بسوء فتكون ابن المعتز -ل تسرعْ إلى أرفع موضع في المجلس ،فالموضع الذي تُ ْرفَعُ إليه خي ٌر من الموضع الذي تُحَ ُ
الرض أكتم عليه منك .ينبغي للعاقل أن ُيدَاري زمانه مداراةَ السابح للماء الجاري.
العتابي -المداراةُ سياسة رفيعة تجِْلبُ المنفعة ،وتدفع المضرّة ،ول يستغني عنها ملك ول سُوقَة ،ول يدع أحدٌ منها حظّه إل غمرته صروف
المكاره.
أخبار العتابي
وكتب العتابي إلى بعض إخوانه :لو اعتصم شوقي إليك بمثل سلوّك عني لم أبذل َوجْهَ الرغبة إليك ،ولم أتجشّم مرار َة تماديك ،ولكن استخف ْتنَا
ق من اقتصّ لصلتنا من جفائه ،ولشوقنا من إبطائه. سوَتك ،لعظيم َقدْ ِر مودّتك ،وأنت أح ّ صبابتنا ،فاحتملْنا قَ ْ
وله :كتبتُ إليك ونفسي رهينة بشكرك ،ولساني علق بالثناء عليك ،والغالبُ على ضميري لئمة لنفسي ،واستقللٌ لجهدي في مكافأتك ،وأنت -
أصلحك الُّ! -في عزّ الغنى عني ،وأنا تحت ذُلّ الفاقةِ إلى عطفك ،وليس من أخلقك أن تُوليَ جانبَ النّبوَة منك مَنْ هو عَانٍ في الضّراعة
إليك.
ح َمدُ المرءُ بأول صوابه ،ول ُيذَمّ بأول خطئه؛ لنه بين كلم ودخل العتابي على الرشيد فقال :تكلّم يا عتابي؛ فقال :اليناسُ قبل البساس ،ل يُ ْ
زوّره ،أو عِيّ حَصره.
ومرّ العتابي بأبي نُوَاس وهو ينشد الناس :الخفيف:
صبْـ َوةً ولَت أَوانِ فبكى َ خ نازح الوطان ذكر الكَرْ َ
فلمّا رآه قام إليه ،وسأله الجلوس ،فأتى وقال :أين أنا منك وأنت القائل ،وقد أنصفك الزمان :الخفيف:
298
أمّنتنا طوارقَ الحـدثَـانِ حبَا ً
ل قد عَِلقْنا من الخصيب ِ
وأنا القائل وقد جار عليّ ،وأساء إليّ :الخفيف:
فاء دوني ،ومَلّني جِيرَانـي لفظتني البلدُ ،وانطوت الك
جتْ بكَ ْلكَل وجِـرانِرِ فما َ ي من الـدّه والتَقت حَلْقة عل ّ
س وهدّت خطوبُها أرْكاني نازعتْني أحداثُها ُم ْنيَة النـف
ب لنائبات الـزمـانِ ب كَئي ٌ خاشعٌ للهموم معترف القـل
من كلم العراب
ص ْيدَاء ،وكان
قال عبد الرحمن بن أخي الصمعي :سمعت عمّي يحدث قال :أ ِرقْتُ ليلةً من الليالي بالبادية ،وكنت نازلً عند رجل من بني ال ّ
ت من الغُ ْربَة ،واشتقْتُ إلى
واسعَ الرّحْل ،كريم المَحَلّ! فأصبحتُ وقد ع َزمْتُ على الرجوع إلى العراق ،فأتيت أبا َمثْوايَ ،فقلت :إني قد هَِل ْع ُ
أهلي ،ولم ُأ ِفدْ في َقدْمتي هذه كبيرَ علم .وإنما كنت أغتفِرُ وحشة الغربة وجفاءَ البادية للفائدة ،فأظهر الجفاوة حتى أبرز غداء له فتغدّيت ،وأمر
س ْرنَا كبير مسير حتى َلقِينَا شيخ على حمارٍ ،له جيْن فارتحلها واكتفلها ،ثم رَكبَ وَأ ْردَفني ،وأقبلها مطلعَ الشمس؛ فما ِ بناقة َمهْ ِريّةٍ كأنها سبيكة ل َ
صبَغها بالوَ ْرسِ ،كأنها قنبيطة ،وهو يترنّم ،فسلّم عليه صاحبي ،وسأله عن نسبه فاعْتزى أسديًا من بني َثعْلبة .قال :أتروي أم تقول؟ جمّة قد َ ُ
خذْ بيد عمّك فأنزله عن حماره ،ففعلت، ب من الموضع الذي نحن فيه فأناخ الشيخ ،وقال ليُ : قال :كُلّ قال :أين تؤُمُ؟ فأشار إلى موضعٍ قري ٍ
وأَلقى له كساءً قد اكتفل به ،ثم قال :أنشدْنا ،يرحمك ال ،وتصدق على هذا الغريب بأبيات يبثهنّ عنك ،ويذكرك بهن ،فأنشدني له :الطويل:
ل منك الفرَاقد جدَا المأمو ِ ودون ال َ سوْداء ِمنْكِ المَواعـدُلقد طال يا َ
شيْمُ جائد صحْوٌ ،ول ال َ ضَبابٌ ،فل َ ُتمَنّينَنَا بالوصل وَعْداً ،وغَـيْمـكـم
ب َفضْلِ الغِنى أُلفِيتَ ما َلكَ حامـدُ إذا أنْتَ أُعْطِيتَ الغِنى ثم لم تَجُـدْ
إذا صار ميراثـاً ووَاراك لحِـدُ ل غنا ًء عنك مالٌ جَـمَـعْـتَـهُ وق ّ
ك الباعـدُ ب من الدنى رما َ يَرِي ُ إذا أنت لم َتعْرُك بجنبيك َبعْضَ ما
ك بُـروقٌ جَـمّة ورواعِـدُ علـي َ إذا الحِ ْلمُ لم َيغْلِبْ لك الجهلَ لم تَزَلْ
جنِيبًا كما استَتْلَى الجـنـيب َة قَـا ِئدُ
َ إذا العزمُ لم يَفْ ُرجْ لك الشكّ لم تَزلْ
ول مَ ْقعَدًا تَدْعُـو إلـيه الـولئدُ إذا أنت لم تترك طعامًا تُـحِـبّـهُ
عليك الرجال نثرُهم والقَـصَـا ِئدُ ل يَشُـبّـهُ
تجللْـتَ عـاراً ل يزا ُ
وأنشدني لنفسه :الطويل:
وليس على َر ْيبِ الزمان مُـعَـوّلُ َتعَزَ فإنَ الصبرَ بالـحُـرّ أجـمـلُ
لنازلةٍ أو كان يُغْـنِـي الـتـذلُـلُ فلو كان ُيغْني أن يُرى المرءُ جازعاً
ونازلةٍ بالحـرّ أولـى وأجْـمَـلُ لكان التعزّي عنـد كـل مُـصـيبةٍ
وما لمْرِئ ممّا قضى ال مَزْحَـلُ فكيف وكلّ ليس َيعْدُو حِـمـامَـهُ
ث َتفْـعـلُ بنعمى وبؤسَى والحواد ُ فإن تكـن اليا ُم فـينـا تـبـدّلَـتْ
ول ذَلََل ْتنَا لـلـذي لـيس يَجْـمُـلُ فما ليّنت مـنـا قَـنَـاةً صَـلِـيبةً
حمّل ما ل يستطاعُ فـتَـحْـمـلُ تُ َ حلْناها نـفـوسـًا كـريمةً ولكن ر َ
َفصَحّت لنا العراضُ والناسُ ُهزّلُ و َق ْينَا بحدّ العَزْم منـا نـفـوسَـنـا
حبّ ض ْنكُ العيش ،سروراً بما سمعت ،ثم قال :يا بني؛ من لم يكن الدب والعلمُ أ َ قال :فقمت إليه ،وقد نسيت أهلي ،وهانَ علي طولُ الغربة ،و َ
إليه من الهل والولد لم َينْجُب.
بين قرشي وعمر بن عثمان
عمَر بن عثمان بن موسى بن عبيد ال بن معمَر ،فأسرع إليه القرشي فقال :على ِرسْلك ،فإنك لسريعُ اليقاد ،وَشِيكُ خاصم بعضُ القرشيين ُ
الصريمة ،وإني وال ما أنا مكافئك دون أن تبلغَ غاي َة التعدّي ،فأبلغ غايةَ العذار.
ادّعاء
قال عبد ال بن عبد العزيز ،وكان من أفاضل أهل زمانه :قال لي موسى بن عيسى :أنهِيَ إلى أمير المؤمنين ،يعني الرشيد ،أنك تشتمه ،وتَدْعُو
ي من نفسي ،وأمّا الدعاء عليه فوال ما قلتُ" :اللهم إنه أصبح عبئاً ثقيلً ل إذاً أكرمُ عل ّ
ش ْتمُه فهو وا ّ عليه ،فبأيّ شيء استجزت ذلك .قال :إمّا َ
على أكتافنا ،ل تطيقه أبدانُنا ،وقَذى في عيوننا ،ل تنطبق عليه أجفانُنا ،وشجى في حلوقنا ،ل تسيغه أفواهنا؛ فاكْفِنا مؤنته ،وفرّق بيننا وبينه"!
شدْه ،أو أتى غير ذلك ،فراجع به ،اللهم إْن له في السلم بالعباس حقّا على كلّ مسلم ،وله ن تَسمّى الرشيد ليرشد فأرْ ِ ولكني قلت" :اللهمّ إن كا َ
س ِعدْنا به ،وَأصْلحْه لنفسه ولنا" .فقال له :يغفر ال لك يا عبد العزيز ،كذلك عدْهُ من كلّ شرّ ،وأَ ْ بنبيّك قرابة ورَحِماً ،فق ّربْه من كل خير ،وبا ِ
بلغنا.
من أخبار الخليفة الرشيد
ولمّا حج الرشيد سنة ست وثمانين ومائة دخل مكة وعديله يحيى بن خالد؛ فانبرى إليه ال ُعمَري فقال :يا أمير المؤمنين ،قف حتى أكُلّمك! فقال:
أرسلوا ِزمَام الناقة ،فأرسلوه ،فوقفت فكأنما أو ِتدَت ،فقال :أقول؟ قال :قل ،فقال :اعزل عنّا إسماعيل بن القاسم قال :ولم؟ قال :لنه يقبل
الرشوة ،ويُطِيل النّشوة ،ويضرب بالعشوة ،قال :قد عزلناه عنك ،ثم التفت إلى يحيى فقال :أعندك مثل هذه البديهة؟ فقال :إنه ليجب أن يحسن
إليه ،قال :إذا عزلنا عنه من يريد عَزْله فقد كا َف ْأنَاه.
حُ ْرمَة الكعبة
299
صيَه ،قال السود بن الهيثم النخعي :يا أمير ولمَا وجّه عبدُ الملك بن مروان الحجاج بن يوسف إلى عبد ال بن الزبير وَأوْصاه بما أراد أن يُو ِ
المؤمنين ،أَوْصِ هذا الغلم الثقفي ،بالكعبة أل َيهْدِم أحجارَها ،ول َي ْه ِتكَ أستارَها ،ول يُنفّر أطيارها ،وليأخذ على ابنِ الزبير شِعابها ،وعِقابها،
وأنقابها ،حتى يموتَ فيها جوعاً ،ويخرج مخلوعاً.
من أخبار عبد ال بن طاهر
جنْده ،فوجده متحصّنا منه ،فكتب إليه :اعتصامُك بالقِلَل قيّد عزمَك عن وكتبَ عبدُ ال بن طاهر إلى َنصْر بن شبيب وقد نزل به ليحا ِربَه في ُ
ت من أمير المؤمنين ،فإمّا فارس مُطَاعِن ،أو راجل مستَأْمن .فلمّا قرأه ت بمُفْل ٍ
القتَال ،والتجاؤُك إلى الحصون ليس ينجيك من ال َمنُون ،ولس َ
حصره الرعب عن الجواب ،فلم يلبث أن خرج مستَأْمناً.
من حكم الفرس
حذَر ،ول تهازل فتحقَر فجعلهنّ الملك َنقْشَ خاتمه بدلً من اسمه واسم أبيه. ب ُت ْ
قال بزرجمهر بن البختكان لبعض الملوك :أَنعم تُشكر ،وأَرهِ ْ
ولما قتل أنوشروان بزرجمهر وجد في منطقته رقع ًة فيها مكتوبٌ :إذا كانت الحظوظ بالجدود فما الحِرْص؟ وإذا كانت المور ليست بدائمة فما
السرور؟ وإذا كانت الدنيا غرّارة فما الطمأنينة؟.
ل همّه على ما فاته استراحت نفسُه وصفا ذِهْنه وطال عمره .وقال :من قال سقراط :من كثر احتمالُه وظهر حِلمُه قلّ ظلمُه وكثر أعوانه ،ومن ق ّ
حبَالُ الجهل ،وال ِعشْرَةُ الحسنة وقايةٌ من السواء. تعاهد نفسَه بالمحاسبة أمن عليها ال ُمدَاهنة .وقال :المانيّ ِ
جنْسك ،ولكن ردّ كلّ جنس إلى جنسه وتعال حلَل وبِزّة -فقال له سقراط :إنما تفخر عليّ بغير ِ شتَمه بعضُ الملوك -وكان على فرس وعليه ُ وَ
الن فلنتكلّم.
حكْمة فل يجزع لِ َف ْقدِ الذهب والفضّة؛ لن من أعطى السلمة والدّعة ل يجزع ل َف ْقدِ اللم والتعب؛ لن ثمارَ الحكمة وقال سقراط :من أُعطي ال ِ
ل همومكم .وقال :ال ُقنْية مخدومة ،ومن خدم السلمة والدّعة ،وثمار الذهب والفضة الَلم والتعب ،وقال :القُنية ينبوع الحزان ،فأقلّوا القنية تق ّ
غير نفسه فليس بحرّ.
وقال أبو الطيب :الخفيف:
يا فـيا لـيتَ جُـودَهـا كـــان بُـــخْـــلَ أبـداً تَـسْـتَـ ِردّ مــا تَـــهَـــبُ الـــدن
جدَ خِلًل يُغادِرُ ال َو ْ ت كَوْنَ َفرْحَ ِة تُو ِرثُ الهَمّ وخِ ّ وك َف ْ
من حكم الهند
علْمًا بأنه ل ينالُ أحدٌ منها شيئاً إل قل إمتاعه به و َكثُر عناؤه فيه ،ووبالُه عليه، ن تسخو نفسه عن الدنياِ ، وفي كتاب الهند :العاقلُ حقيقٌ أ ْ
واشتدت مؤنته عند فِراقِه ،وعلى العاقل أن يدوم ذِكْرُه لما بعد هذه الدار ،ويتنزه عمّا تسيره إليه نفسه من هذه العاجلة ،ويتَنحّى عن مشاركة
ب هذه الفانية التي ل يألفها ول ينخدع بها إل المغترون. الكَفَرةِ والجهال في ح ّ
حبَتهم على ما فيها من السرور كثيرةُ الذى، صْوفيه :ل يجدّن العاقلُ في صحبة الحباب والخلء ،ول يحرصن على ذلك كل الحِرْص .فإن ُ
والمؤنات ،والحزان ،ثم ل يفي ذلك بعاقبة الفراق.
حزْناً ،كالماء المالح الذي كلّما ازداد له صاحبُه شرباً ازداد عطشاً ،وكالقطْعة من ت الدنيا ولذاتِها شيء إل وهو موّل ٌد أذًى و ُ وفيه :ليس من شهوا ِ
سفَلها سم للذائق؛ فيه حلوة عاجله ،وله في أسفلها سم ذُعاف ،وكأحلم النائم التي تسرُه في منامه ،فإذا استيقظ ا ْنقَطَع السرور، العسَل في أَ ْ
ت من الخروج ت عليه لفاً إل ازدادَ ْ وكالبرق الذي يُضِيء قليلً ،ويذهب وشيكاً ،ويبقى صاحبُه في الظلم مُقيماً ،وكدودة البْ ِريْسَم ما ازدادَ ْ
بعداً.
ب الدين قد فكر؛ َفعََلتْه السكينة ،وسكَن فتواضع ،وقَنع فاست ْغنَى ،ورَضي فلم يهتمّ ،وخلع الدنيا َفنَجا من الشرور ،ورفض الشهوات وفيه :صاح ُ
فصار حراً ،وطرح الحسد فظهرت له المحبَة ،وسخَتْ نفسه عن كل فَانٍ ،فاستَ ْكمَل العقل ،وأبصَر العاقبة ،فَأمِنَ الندامة ،ولم يُ ْؤذِ الناسَ
فيخافهم ،ولم يُ ْذنِب إليهم فيسألهم العفو.
وصية عتبة بن أبي سفيان
لموله سعد القصر:
ع ْتبَة أموالَه بالحجاز ،فلما ودّعته قال :يا سعد ،تعا َهدْ صغيرَ مالي فيكبر ،ول تجف كبيره وقال سعد القصر مولى عُتبة بن أبي سفيانَ :ولَني ُ
ل ما عندي من كثير ما ينوبني .قال :فقدمت الحجازَ، فيصغر؛ فإنه ليس يمْنَعني كثير ما عندي ،من إصلح قليل ما في يدي ،ول يمنعني قلي ُ
فحدثت به رجالً من قريش ،ففرّقوا به الكتبَ إلى الوكلء.
من حكم يزيد بن معاوية
عذْر ،فقد اتكلت منك على كِفاية، وقال يزيد بن معاوية لعبيد ال بن زياد :إن أباك كفَى أخاه عظيماً ،وقد استكفيتُك صغيراً ،فل ت ّتكِلن مني على ُ
ح نفسَك وأَنت في أدنى حظّك ،حتى َتبْلُغ أقصاه؛ ن إذا أخلف فيك أخلف منك ،فل تُرِ ْ ولَنْ أقولَ لك :إياك ،أحبّ إليّ من أن أقول :إياي؛ فإن الظ ّ
غدِك ،واستَ ِز ْدنِي بإحسانك إلى أهل الطاعة ،وإساءتك إلى أهل المعصية ،أَ ِزدْك إن شاء ال تعالى. واذكرْ في يومك أخبارَ َ
أبو السود الدؤلي والعمامة
جنَةٌ في الحرب ،و ِدثَارٌ في البرد ،وكنّة في الحرّ ،وَ َوقَار في النَدِيّ ،وشرف في الحدوثة ،وزيادةٌ ذكرت العمامة عند أبي الَسود الدؤلي فقالُ :
في القامة ،وهي بعد عادةٌ من عاداتِ العرب.
من إنشاء ابن العميد
وكتب أبو الفضل بن العميد إلى أبي عبد ال الطبري :وقفت على ما وصفت من ب ّر مولنا المير لك ،وتَ َوفّره بال َفضْل عليك ،وإظهار جميل
ب أن يَ ْقصُر شيء من مساعِيه عن َنيْلِ رَ ْأيِه فيك ،وما أنزله من عارف ٍة لديك؛ وليس العجب أن يتناهى ِمثْلُه في الكرم إلى أبْعدِ غاية ،وإنما العجَ ُ
ع ذلك، ضمَنه للرّيع وال َنمَاء ،فا ْر َ
ت أن يكونَ ما يغرسه من صنيع ٍة عندك أجدر غرس بالزَكاء ،وأ ْ المجد كلّه ،وحِيازة الفضلِ بأَجمعه؛ وقد رجو ُ
ستَ ْرسِلْ إلى حسن القبول كل السترسال؛ فلن خدْمَة طريقة تُبْعدك من الملَل ،وتوسطك في الحضور بين الكثار والقلل ،ول تَ ْ واركب في ال ِ
ل ومن السهاب ،ول يعجبنّك تَأتي كلمة محمودة فيلج ن تُقْصَى من قريب ،وليكن كلمُك جواباً تتحرّز فيه من الخطَ ِ تُدعَى من بعيد خي ٌر من أ ْ
ب تَ َوقّعًا لمثلها؛ فربما هدمت ما بنتْه الولى ،وبضاعَتك في الشرف مُزْجاة ،وبالعقل يزمّ اللسان ،ويرام السّداد ،فل يستفزّنك طَ َربُ بك الطنا ُ
الكلم على ما يفسد تمييزك؛ والشفاعة ل تعرض لها فإنها مُخِْلقَةٌ للجاه؛ فإن اضطررت إليها فل تهجم عليها حتى تعرفَ موقعها ،وتحصّلَ
300
ن عليك في الرد سمْحَة ،وإلى السعاف هَشّة ،فَأظْهر ما في نفسك غير محقّق ،ول توهم أ ّ وزنها ،وتطالعَ موضعها؛ فإن وجَدتَ النفس بالجابة َ
ف كلمك ،ول يثقل على ما يُوحشك ،ول في المَنع ما يغيظك ،وليكن انطلقُ وجهك إذا ُد ِفعْت عن حاجتك أكثر منه عند نجاحها على يَدك ،ليخ ّ
جمّل الُّ خصالَك ،وحسّن خللك ،وفضّلك في ذلك كلّه؛ لكني أُنبّه تنبيه المشارِك له، غيْرَ واعظ ول مُرشدِ ،فقد َ سامعه منك .أقول ما أقولُ َ
وأعلم أنّ للذكرى موضعاً منك لطيفاً.
حبّي له ،وزَعمت أني لو شئت لذهلت عنه ،ولو أردت لعتَضت منه :الكامل: جدِي به ،وشغفني ُ ضاَ :سأَلتَني عمن شفّني وَ ْ وله أي َ
زعماً ،لعَم ُر أبيك ،ليس بمزعَم
كيف أَسلُو عنه وأنا أراه ،وأَنساهُ وهو لي تُجاه؛ هو أغلب عليّ وأَقربُ إليّ ،من أن يُرخي لي عناني ،أو يخِيلني واختياري ،بعد إختلطي
حبّه بقلبي نَائِط وسَاطَه بدمي سائط .وهو جا ٍر مَجْرَى الرّوح في الَعضاء ،متنَسم َتنَسّم روح الهواء؛ بملكه ،ونْخِرَاطِي في سِلكِه ،وبعد أن ناط ُ
ت منه وقَعتُ عليه وما أحِبّ السل ّو عنه مع هنَاتِه ،وما أُوثر الخل ّو منه مع مَلته؛ هذا على أنه إنْ أَقبل عليّ إن ذهَبْتُ عنه رجعت إليه ،وإن ه َربْ ُ
َبهَتني إقبالُه ،وإن أَعْرض عني لم يَطْرُقنِي خياله ،يبعد عني مثاله ،ويقرب من غيري نَوالُه ،ويردّ عيني خاسئة ،و َيثْني يدي خالية ،وقد بسط
آفات العيون المقاربة ،وصدَق مرامي الظنون الكاذبة ،وَصلُه ُينْذِ ُر بصدّه ،و ُقرْبه يُ ْؤذِن ببعدهُ ،ي ْدنِي عندما ينزح ،ويَأْسُو مثل ما يجرح ،محالتُه
سنَا ُء من نعوته وسِماتِه ،اسمُه صفَاته ،وال ّ ل من منائحه ،والبها ُء من أُصوله و ِ جمَا ُ
حسْنُ في عَوَارِفه ،وال َ أحوال ،وخلّته خِلل ،وحكمه سِجَال ،ال ُ
ق لنَجْواه ،يتشابه حاله ،ويتضارَع قُطْراه ،من حيث تلقاه يستنير ،ومن حيث َتنْسَا ُه يستدير. ق لمعناه ،وفَحْواه مواف ٌ مطاب ٌ
وباء الكوفة
وقع بالكوفة وباءٌ ،فخرج الناسُ وتفرّقوا بالنجف ،فكتب شريح إلى صديق له خرج بخروج الناس :أما بعد ،فإنك بالمكان الذي أَنت فيه بعَيْن من
ت ل يعجّلِ لحد حِمامَه ،ول يظلمه َأيّامه ،وإنّا وإياك لعلى بساطٍ واحد ،وإنّ النجف من ل ُيعْجزه هرَب ،ول يَفُوتُه طلب؛ وإن المكانَ الذي خلّفْ َ
ذي قدرة لقريب.
حذَاراً من الطاعون ،فبينما هو سائر إذ سمع قائلً يقول :الرجز: وهرب أعرابي ليلً على حمار ِ
ول على ذِي مَ ْيعَةٍ طيارِ لن يُسبق الُ على حمـارِ
قد يصبح الُ أَمام الساري أَو يأتيَ الحَتفُ على مقدار
ت حين مَهرب. فكرّ راجعاً ،وقال :إذا كان ال أمام الساري فل َ
جوى الشوق
قال الصمعي :أخبرني يونس بن حبيب قال :أتى قومٌ إلى ابن عباس بفتًى محمول ضَعفاً ،فقالوا :استشفِ لهذا الغلم ،فنظر إلى فتًى حُلْو
الوجه ،عاري العظام ،فقال له :ما بك؟ فقال :الطويل:
تكادُ لها نفسُ الشفـيق تَـذُوبُ بنا من جوى الشوق المبرّح لَوْعَةٌ
على ما به عُودٌ هناك صَلِـيبُ ولكنما أبقَى حُشاشة مـا نَـرَى
ن عبّاس :أرأيتم وجهاً أعتق ،ولسانًا أذْلَق ،وعُوداً أصلب ،وهوًى أغلب ،ممّا رأيتم اليوم .هذا قتيل الحبّ ،ل قوَد ول ِديَة!. فقال اب ُ
حبْرَ قريش وبَحْرَها ،وله يقول رسول ال ،صلى ال عليه وسلم" :اللهمّ ف ّقهْه في الدين وعَّلمْه التأويل". وكان ابنُ عباسٍ ،رضي ال عنهماَ ،
وفيه يقول حسان بن ثابت :الطويل:
بملتقطات ل ترَىَ بينها فـصـلً إذا قال لم يترك مـقـالً لـقـائل
جدّاً ول َهزْل لذي َلسَنٍ في القول ِ شفَى وكفَى ما في النفوس؛ فلم يَ َدعْ
ت ذُرَاهـا ل دَنِـيّاً ول وَغْـلَفنِلْ َ سموتَ إلى العَلْيا بغـير مَـشـقّةٍ
من أخبار مسلم بن الوليد وشعره
وقال مسلم بن الوليد :الطويل:
س فيها المطامِـعُ إذا عاودَت باليأ ِ أُعَا ِو ُد ما ق ّد ْمتُـهُ مِـنْ رَجـائهـا
ت إل أن تثير الصابـع؟ وهل خِف ُ رأتنِي غَنيّ الطّرْفِ عنها فأعْرضتْ
ولكنْ جَرَى فيها الهوى وهو طَائع وما زيّنتْها الن ْفسُ لي عن لَـجـاجةٍ
ستْـرُ واقـع وقد فاجأتْها العينُ وال ّ فأقسمت أنْسَى الداعياتِ إلى الصّبـا
كأيدي السارى أثْقَل ْتهَا الجـوامِـعُ ت بأيديها ِثمَـا َر نُـحُـورِهـا فغط ْ
وكان مسلم أنصارياً صريحاً ،وشاعراً فصيحاً ،ولقّب صريعًا أيضاً لقوله :الطويل:
ي همّا أو أُصيب فتًى مثلـي ضَلمْ ِ سأنقاد للّـذَات مُـتّـبـع الـهـوى
ح َميّا الكأس والعين النجْلِ؟ صريعَ ُ هل العيش إل أن تروح مع الصبـا
واجتلب له هذا السم لجل هذا البيت؛ وقد قال القطامي :الطويل:
َلدُنْ شبّ حتى شاب سودُ الذّوائبِ صريع غوانٍ راقهـنّ و ُرقْـنَـهُ
ومسلم أول من لطّف البديع ،وكسا المعاني حُلل اللفظ الربيع ،وعليه يعوّل الطائي ،وعلى أبي نواس ،ومن بديع شعره الذي امتثله الطائي قوله:
الطويل:
ط ُي ْمنَاه الندى وشِمالُه الرّدى وعيونَ القول َمنْطقُهُ الفَصلُ تُساقِ ُ
سُلَفة مـا مـجّـتْ لفـراخـهـا الـــنّـــحْـــلُ ن َنعَم في فِيه تجري مكانَها كأ ّ
َمنُـوط بـهـا المـالُ ،أَطْـنـابُـهـا الـسّـــبْـــلُ له هَـضْـبَة تَــأْوِي إلـــى ظـــل بَـــ ْرمَـــكٍ
َيعُـدّ الـنّـدى غُـنْـمـًا إذا اغـتُـنِـمَ الـبُـــخْـــلُ عَجُـولٌ إلـى أن يُوْ ِدعَ الــحـــمـــدُ مـــالـــهُ
فأمـوالُـهُـ ْم نَـهْـبٌ وأعـراضُـهُـــ ْم بَـــسْـــل وقـد حَـرّمَ العْـراضَ بـالـبـــيض والـــنـــدى
إذا هـي حُـلـتْ لـم يَفُـتْ حَـلّـــهـــا ذَحْـــلُ حبـًا ل يَطِـيرُ الـجَـهْـلُ فـي عـ َرصَــاتـــهـــا
301
وتُسْـتَـنْـزَلُ الـنُـعْـمَـى وُيسْـتَـرعَـفُ الـنَـصْـ ُ
ل ِبكَـفّ أبـي الـعـبـاس يُسْـتَـمْـطَـرُ الـغِــنَـــى
إذا أنـت زُ ْرتَ الـفَـضْـلَ أو َأذِنَ الـــفَـــضْـــل متـى شِـئْتَ َرفَـعْـتَ الـسُـتـورَ عـن الـغِــنَـــى
وقوله أيضاً :الطويل:
فليس يضر الجودَ أن ُكنْت ُم ْعدِما إذا كنت ذا نَ ْفسٍ جوادٌ ضميرُهـا
أردت فلم أ ْفغَرْ إليه بـه فَـمَـا رآني ب َعيْنِ الجود فانتهـز الـذي
جعلتَ إلى شكري نوالَك سُلّمـا ظلمتك إنْ لم أجزل الشك َر بعدما
لغيرك من شكري ول متلوّمـا فإنك لـم يتـرك نـداك ذخـيرةً
وقال ليزيد بن َم ْزيَد :البسيط:
ل يَسْـعَـى إلـى أمـلِ كأنه َأجَـ ٌ مُوفٍ على ُمهَجٍ في يوم ذي رَهَـجٍ
س َتعْجِلً يأْتي على َمهَـلِ كالموت مُ ْ ل بـهِ ينال بال ّرفْق ما َيعْيَا الـرجـا ُ
سبُـلِ كالبيت يُضْحي إليه مُلْتقى ال ّ ل يَ ْرحَلُ الناسُ إل نحو حَجْـ َرتِـه
يَ ْقرِي الضيُوفَ شحومَ الكُوم والبُزُلِ يَقْرِي المنيّةَ أرواحَ الكُمـاةِ كـمـا
ويجعلُ الها َم تِيجانَ ال َقنَـا الـ ّدبُـلِ س الناكثين بـه يكسو السيوفَ رؤو َ
ن َيتْ َب ْعنَهُ في كـل مُـ ْرتَـحـل فهُ ّ قد عَ ّودَ الطيرَ عاداتٍ َوثِقْـنَ بـهـا
وهذا المعنى كثير.
أبيات في وصف الجيش
قال عمرو الوراق :سمعت أبا نُوَاس ينشد قصيدته المديد:
س َمرِهْت مِنْ َليْلي ول َ لس َ أيّها ال ُمنْتـابُ عُـفُـ ِرهْ
قد بَلَوْتَ الم ّر من َثمَرِهْ ل أَذودُ الطّيرَ عن شَجَرٍ
فحسدته عليها ،فلمّا بلغ إلى قوله:
وتراءى الموتُ في صُوَ ِرهْ وإذا مَجّ القَـنَـا عـلَـقـاً
شبَـا ظُـفُـرِه
سدٌ َي ْدمَى ََأ َ ي مُفاضَـتِـهِ راحَ في ِثنْيَ ْ
ثقةً بالشّبع مـن جَـزَرهْ تتأبّى الـطـيرُ غَـزوتـه
فهي تتلوه عـلـى أثـره ح تتبـعـهُ تحت ظلّ الرم ِ
فقلت :ما تركت للنابغة شيئاً حيث يقول :الطويل:
عصائب طيْ ٍر تهتدِي بعصـائبِ إذا ما غزَوْا بالجيش حَلّقَ فو َقهُمْ
إذا ما التَقى الجمعان أَوّلُ غالبِ ن قـبـيلَـهُ جَوَانِح قد أيقـنّ أ ّ
فقال :اسكت ،فلئن أحسن الختراع ،لما أسأت التباع.
أخذه الطائي فقال :الطويل:
بعقبانِ طيرٍ في الدماءِ نوا ِهلِ عقْبانُ راياته ضُحًى وقد ظُلّلت ِ
من الجيش إل أنها لم تقاتِـلِ أقامتْ على الراياتِ حتى كأنها
وقال المتنبي يصف جيشاً :الطويل:
ِبنَاجٍ ،ول الوحْشُ المُثا ُر بِسالِـم ب ل ذو الجنَاحِ أمـامَـهُ ج ٍ وذي لَ َ
تُطاِلعُ ُه من بين ريش القَشـاعـمِ تمرّ عليه الشمس وَ ْهيَ ضعـيفةٌ
ض مثلَ الدراهِـمِ َتدَوّرَ فوق البَيْ ِ إذا ضَ ْوءُهَا لقَى من الطي ِر ُفرْجَةً
ب بَوّان
شعْ ُ
وصف ِ
ونظير قول أبي الطيب في هذا البيت وإن لم يكن في معناه قولُه يصف شِعب بَوّان ،وسيأتي ،وفي هذا الشّعب يقول أبو العباس المبرد :كنت
مع الحسن بن رجاء بفارس؛ فخرجتُ إلى شِعب بَوّان ،فنظرت إلى تُرْبة كأنها الكافور ،ورياض كأنها الثوب الموشّى وماء ينحدر كأنه سَلسِلُ
حصَى الدرّ؛ فجعلت أطوف في جَنباتها ،وأدور في عَرَصاتها ،فإذا في بعض جدرانها مكتوب :الطويل: الفضة ،على حصباء كأنها َ
ب بوّان أفاق من الكَرْب شعْ ِ على ِ س تَ ْلعَةٍ إذا أشرفَ المكروب من رَأ ِ
جرِي من البارد العَـذْبِ ومطّرِد يَ ْ وأَلهاه بَطْنٌ كالـحـرير لـطـافَةً
وأغصانُ أشجارٍ جَناها على قُرْبِ وطيبُ رِياض في بـل ٍد مَـرِيعَةٍ
بعينك ما ُلمْتَ المحبين في الحـبّ حظْـتَـهُ س من لوِ لَ َ يدِير علينا الكا َ
شعْب بوّان سل َم فتًى صَـبّ إلى ِ فبال يا ريحَ الشمال تـحـمّـلـي
قال أبو العباس :فأخبرت سليمان بن وهب بما رأيت ،فقال :وقد رأيت تحت هذه البيات :الخفيف:
خَلْفَنا بالعراق هل ذَكَرُونا؟ ليت شعري عن الذين تَرَكنَا
َقدُمَ ال َع ْهدُ بيننا فَنسُـونَـا؟ أم يكون المدَى تطا َولَ حتى
لهمُ في الهوى كما عهدونا إن جفَوْا حرمة الصّفاء فإنا
وشعر المتنبي :الوافر:
بمنزلة الربيع من الـزمـانِ مَغاني الشّعب طِيباً في المَغاني
غرِيبُ الوجه واليدِ واللسـانِ ولكنّ الفتى العَربـيّ فـيهـا
302
سليمانٌ لسا َر بِـتُـرْجُـمـان جنَةٍ لو سـار فـيهـا
مَلعِبُ ِ
خشِيتُ وإن كَ ُرمْنَ من الحِرانِ ت فُرْسانَنا والخيلَ حـتـى
طبَ ْ َ
على أَعْرافِها ِمثْلَ ا ْلجُـمـانِ ن فـيه
غدَوْنا َتنْ ُفضُ الغصـا ُ َ
وجئْن من الضياء بما كفانِـي جبْنَ الشمسَ عني حَجئْتُ وقد َ فِ
دَنانيرًا تَفِ ّر مِـن الـبَـنـانِ ق منها في بَنانِـي
وأ ْلقَى الشّرْ ُ
ومنها:
ن هذا يُسارُ إلى الطّعانِ؟ أعَ ْ ب بَوّانٍ حِصانـي: شعْ ِ
يقول بِ ِ
وعَلّمكُ ْم مُفارقَةَ الجِـنـانِ أبوكُمُ آدمٌ سَنّ المعـاصـي
إنما أردت هذا البيت .ومنها:
بأشْربةٍ َوقَفْـنَ بـل أوانِـي لها َثمَ ٌر تُشـيرُ إلـيكَ مـنـه
حلْيِ في َأيْدِي الغوانِي
صَلِيلَ الْ َ صلّ بها حَـصـاهـا وَأمْوَا ٌه يَ ِ
رَجْعٌ إلى وصف الجيش
وأول من ابتكر هذا المعنى الول الفوه الودي في قوله :الرمل:
عيْن ثقةً أَنْ ستُمارْ
رأْيَ َ وأرى الطير على آثارنا
وقال حميد بن ثور وذكر ذئباً :الطويل:
من الطير َينْظرْنَ الذي هو صانعُ إذا ما غـدا يَوْمـاً رأيتُ غـيابة
وإن ضاق أمرٌ مرةً فهو وَاسِـعُ فهمّ بـأمْـ ٍر ثـم أَزمـع غـيْره
وقال مسلم بن الوليد :الطويل:
فسيح وَأَقلى الشَحّ إل على عِ ْرضِي وإني لستحيي القُنوع ومَـذْهـبـي
ن فتى مَحضِ ولكن أساءت نعمة م ْ وما كان مثلي يعـتـريك رَجَـاؤهُ
لكالمبتَغي ُزبْدًا من الماءِ بالمَخْضِ وإني وإشرافي عليك بـهـمّـتـي
أخذه أبو عثمان الناجم فقال :الخفيف:
َزبَداً حين رمت بالجهل ُزبْدا حصّل بمخْضِك الماء إلّ لم تُ َ
في وصف سفينة
وقال مسلم أيضاً يصف السفينة :الطويل:
ل بِـكْـ ِر
بجاريةٍ محمـولةٍ حَـامـ ٍ كَشَ ْفتُ أهاويلَ الدّجَى عن َمهُـولـهِ
ي نَـسْـرِ وإن أَدبرتْ راقتْ بقادمَتَ ْ عتْ بـقُـنّ ِة قَـرْهَـبٍ إذا أقبلَتْ را َ
وق ّومَها كبْحُ اللّجـام مـن الـ ّدبْـرِ ت بمجْـدَافـينِ َيعْـتـوِرانِـهـا أطلّ ْ
خدْرِ
شيَ العروس إلى ال ِ صبَا مَ ْ
نسيمَ ال ّ كأنّ الصّبا تحكي بها حين واجَـهَـتْ
في وصف الساطيل
وقال أبو القاسم بن هانئ يصف أسطول المعز بال :الطويل:
لقد ظاهَ َرتْـهـا عُـدّةٌ وعَـدِيدُ أمَا والجوارِي المنشآتِ التي سَ َرتْ
ضمّت عـلـيه أُسُـودُ ولكنّ من ُ ب كما تُ ْرخَى القبابُ على ال َمهَا قِبا ٌ
ُتنَشّـرُ أعـلمٌ لـهـا وبُـنُـود وما راع مَ ْلكَ الروم إل اطّلعهـا
مُسَوّم ٌة يجري بـهـا وجـنـودُ وللـه مـمّـا ل يرون كـتـائبٌ
فمن وقفتْ خَ ْلفَ الصفوفِ ُردُودُ أطال لها أنّ الملئكَ خَلْـفَـهـا
وأنّ النجومَ الطالعـاتِ سُـعـودُ ت كـتـائبٌ وأنّ الرياح الـذاريا ِ
له بـارقـاتٌ جَـمّةٌ ورُعُــودُ عليها غَما ٌم ُمكْفَـهـرّ صَـبِـيرُهُ
لِعزمك بَ ْأسٌ أو ِلكَـفّـك جـودُ خرُ في طامي ال ُعبَاب كأنهـا موا ِ
بناءٌ على غير العَـرَاء مَـشِـيد ت بها آطامُها َوسَـمـا بـهـا أنأفَ ْ
س مَـصِـيدُ وليس لها إلّ النفـو َ من الطير إل أنـهـن جـوارحٌ
وليس من الصّفّاح وهو صَلُـودُ وليسو بأعلى َك ْبكَبٍ وهو شاهِـقٌ
فمنهـا قِـنَـانٌ شُـمّـخٌ و ُريُودُ من الراسيات الشّمّ لول انتقالُـهـا
فليس لها يومَ اللـقـاء خُـمـودُ ضرَمُ للصّلَى من القادحات النا َر تُ ْ
كما شُبّ من نارِ الجحـيم وقُـودُ ت بمـارجٍ غيْظاً ترامَ ْ إذا زَف َرتْ َ
سَليطٌ له فـيه الـ ّذبَـالُ عَـتِـيدُ ُتعَانِق مَوْجَ البحرِ حتـى كـأنـه
كما باشَرَتْ َر ْدعَ الخَلُوق جُلـودُ خضَابـهُ ترى الماء فيها وهو قَانٍ ِ
وأفوا ُههُـن الـزافـراتُ حـديدُ فأنفاسُهن الحامـياتُ صـواعِـقٌ
وما هي من آل الطريد بَـعِـيدُ يُشَبّ للِ الجَاثَلِـيقِ سَـعِـيرُهـا
دِما ٌء تلقّيهـا مَـلَحِـفُ سُـودُ شعَلٌ فوق ال ِغمَار كـأَنـهـا لها ُ
303
س ّومَةٌ تحت الفوارس قُـودُ أنها مُ َ وغي ُر المذاكي نَـجْـرُهَـا غـيرَ
ب كَـدِيد
وليس لها إل الـعُـبَـا َ فليس لـهـا إل الـرياحَ أَعِـنّةٌ
سوالفُ غِيدٍ أعرضـت وخُـدود ترى كلّ قوداءِ التليلِ كما انثنـتْ
بغيرِ شَوًى عذراءُ وهـي وَلُـود رحيب ُة َمدّ الباعِ وهي نـضـيجة
مَوَالٍ وجُ ْردُ الصافنـات عَـبِـيدُ ن عن نَقْ ٍع يُثـا ُر كـأنـهـاتكَبّرْ َ
مُ َف ّوفَ ٌة فيها النّـضَـارُ جَـسِـيدُ ي مَلَبـسٌ لها من شُفوف ال َعبْ َقرِ ّ
ت فوق المنابـر صِـيدُ أو التَ َفعَ ْ ت فوق الرائك خُـ ّردٌ كما اشتمل ْ
وتدرَُأ بَـ ْأسَ الـيَمّ وهـو شـديد س تكفّ المَ ْوجَ وهو غُطامِـطٌ لبو ٌ
خفَـاتـينٌ لـهـا وبُـرودومنها َ فمنه دُروعٌ فوقهـا وجَـواشـنٌ
وقال علي بن محمد اليادي يصف أسطول القائم فأجاد ما أراد :الكامل:
وَلحسنه وزمانه المُستـغـر ِ
ب جبْ لسطول المام محـمـدٍ اِعْ َ
يبدو لعين الناظرِ المتعـجّـب لبِست به المواجُ أحسنَ منظـر
صدْرِ الجدل المتنصّبِ إشراف َ من كل مُش ِرفَة على ما قابلـت
سبِي العقولَ على ثياب تَرَهّبِ تَ ْ ب تَصَـنـع دَهْمَاء قد ل ِبسَت ثيا َ
منها وأسحمَ في الخليج ُمغَـيّبِ من كل أبيض في الهواء منشّر
في البحر أنفاسُ الرياح الشذّب كمُلَءة في البرّ يقطع شـدّهـا
في جانبين دُ َويْنَ صُ ْلبِ صُلّـب محفوفة بمجاذِف مـصـفـوفة
من كاسيات رِياشه المتـهـدّبِ كقَوَادم النّسر المرفرِفِ عُ ّريَتْ
بمصعّد منه ُبعَـيْد مُـصَـوّبِ ح َتثّها أيدي الرجـال إذا َونَـتْ تَ ْ
304
ل له ،أن يَ ْقبَل ويشرف .لليوم رسمٌ إن لمثل هذا اليوم الجديد والوانِ السعيد سنةٌ ،وعلى مثلي فيها أن يتحف ويُلطف ،وعلى مثل سيدنا ،ول مِثْ َ
ع ّد هفوة ،وإن منع منه الرؤساء حُسب جَفْوة ،ومولي يسوّغني الدّالة فيما اقترن بالرّقعة ،ويكسبني بذلك الشرف والرفعة. ل به الولياءُ ُ
أخ ّ
الهدايا تكونُ من الرؤساء مكاثرةً بالفضل ،ومن النظراء مقارضة بالمثل ،ومن الولياء ملطفة بالقُلّ ،وقد سلكت في هذا اليوم مع مولي سبيلَ
أَهلِ طبقته من الرباب ،وقد حملت إلى مولي هدية الملطف ،ل هدية المُحتَفِل ،والنفس له ،والمال منه.
ولهم في التهنئة بالنيروز والمهرجان
وفصل الربيع:
هذا اليوم غُرّةٌ في أيام الدهر ،وتاجٌ على مفرق العَصْرَ .أسْعد ال مولنا بنَوْرُوزِه الوارِد عليه ،وأَعاده ما شاء وكيف شاء إليه .أَسعد ال تعالى
ل يلبَس اليا َم ويُبليها وهو جديد ،ويقطعُ مسافة نَحْسها سيدنا بالنوروز الطالع عليه ببركاته ،وأيْمنَ طائرَه في جميعِ أيامه ومتصرّفاته ،ول يزا ُ
جيّته ،ومستصحبًا من أنواره سِ سعْدها وهو سعيد .أقبل النيروزُ إلى سيدنا ناشراً حُلَله التي استعارها من شيَمتِه ،و ُمبْدياً حالته التي اتخذها من َ وَ
ل بقائه حتى يمل العمر ،ويستغرق الدهر. ما اكتساه من محاسن فضلِه وإكرامه ،ومن أنظاره ما اقتبسه من جوده وإنعامه .ويوكد الوعد بطُو ِ
غمَامه ،ول تتبدّل أيامه؛ فأسعده ال تعالى بهذا الربيع المتشبّه سحَرُه ،ول ينقط ُع ثمرُه ،ول يُقْلِعُ َ سيدُنا هو الربيع الذي ل يَذْبل شجرُه ،ول يزول َ
بأخلقه ،وإن لم ينَلْ قدرها ،ولم يحمل فَضْلها ،ولم يجد ُبدّا من القرار بها.
سيدُنا هو الربيع الذي يتصل مطرُه ،من حيث يُؤمَن ضررهُ ،و َيدُومُ زهرُه ،من حيث يتعجّل ثمرُه؛ فل زال آمراً ناهياً ،قاهراً عالياً ،تتهيّأ
العيادُ بمصادفة سلطانه ،وتستفيدُ المحاسنُ من رياض إحسانِه .أسعد ال سيدنا بهذا النّوْرُوز الحاضر ،الجديد الناضر ،سعادةٌ تستمرّ له في
ن متشابهات في اكتناف المواهب لها ،واتصالِ المسار فيها ،ل يفرق إل بمقدار يزيد التالي على جميع أيامه على العموم دون الخصوص ،لتكو َ
الخالي ،ويدرج الني على الماضي .عرّف ال سيدَنا بركة هذا المهرجان ،وأسعدَه فيه ،وفي كل زمان وأَوان ،وأَبقاه ما شاء في ظللِ الماني
والمان .هذا اليو ُم من محاسن الدهر المشهورة ،وفضائلِ الزمنة المذكورة ،فلقى ال تعالى سيدنا بركة ُورُودِهِ ،وأجزل حظّه من أقسام
غرَر الدهور ،ومواسم السرور ،معظّم في الملك الفارسي ،مستظرَف في الملك العربي؛ فوفر ال تعالى فيه على مولي سعوده ،هذا اليو ُم من ُ
السعادات ،وعرّفه في أيامه البركات ،على الساعات واللحظات.
?صاحب الشرطة
ن المانة، ل دائ َم العبُوس ،طويلَ الجلوس ،سمي َ وقال الحجاج بن يوسف :دلُوني على رجل للشرطة ،فقيل :أي رجل تريد؟ فقال :أُريد رج ً
سبَالُ الشريف في الشفاعة! فقالوا :عليك بعبد الرحمن بن عبد ال التميمي ،فأرسل إليه يستعمله ،فقال :لست أَعمل جفَ الخيانة ،يهونُ عليه ِ أعْ َ
لك عملً إل أن تكفيني ولدكَ ،وأهل بيتكَ ،وعيالك وحاشيتك ،فقال :يا غلم ،ناد :مَنْ طلب إليه حاجة منهم فقد برئت منه الذمّة.
ح في هذا المعنى إبراهيم بن عثمان بن نَهيك صاحب شرطة الرشيد ،وكان جباراً عنيداً :الكامل: وقال أشجع بن عمرو السّلمي يمد ُ
بذوي النفاق ،وفيه أمْنُ الَمسلـمِ في سيفِ إبراهيمَ خـوفٌ واقـعٌ
مالَ المُضِيع و ُمهْجَةَ المُسْتسلـمِ ويبيت َيكْلُ والعـيونُ هـواجـعٌ
حتى استقام له الذي لم يُخْـطَـم ف كل مُخـالـفٍ شدّ الخطامَ بأَن َِ
ل َذنْبِ المُجْرمِ َتغْشى البريّ ب َفضْ ِ ل ُيصْلِحُ السـلـطـانَ إل شِـدّة
شفْ َرتَاهُ من الـدم طرُ َ ف تَقْ ُ
والسي ُ ومِنَ الولة مُفَـخّـ ٌم ل َيتّـقـي
بالمر تكرَهُهُ وإن لم تَـعْـلَـمِ ت مهاب ُتكَ النفوسَ حديثَـهـا َمنَعَ ْ
??من كلم العراب
ن ِبذْل الوَجْه في السؤال؛ فقد قلّ النوالُ ،وكثر ال ُبخّالُ ،وقد أتلفت حبْس المالِ ،أنْفعُ للعِيَال ،مِ ْ عذلَتْ أعرابية أباها في الجود وإتلف ماله ،فقالتَ :
الطارِفَ والتّلد ،وبقيت تطلبُ ما في أَيدِي العباد ،ومن لم يحفظ ما ينفعه ،أوشك أن يسعى فيما يضرّه.
عدْتَ ،وخوفًا ممّا قال الصمعي :سمعت أعرابية تقول :اللهمّ ارْزُقني عمل الخائفين ،وخوفَ العاملين ،حتى أتنعّم بترك التنعّم ،رجاءً لما و َ
أوعدت.
سخْه على هَامَتِه ،كرسوخ السّجيل ،على هامِ أصحاب الفيل. حطْه به كإحاطةِ القلئد ،بأَعناق الولئد ،وَأرْ ِ وقال آخر :الله ّم من أراد بنا سوءاً فأَ ِ
حدَادة فخرّبت البلدَ ،وأهلكت غيُوم جَرَاد ،بمناجل ِ ي عبقريّ؛ ثم أتتْنا ُ سمِيّ ،وخَلفَه وَليّ؛ فالرضُ كأنها َوشْ ٌ وقال بعضُ العراب :نالنا َو ْ
ي الكول ،بالضعيف المكول. العبادَ؛ فسبحان من يُهلك القو ّ
من أخبار أبي العباس السفاح
وخالد بن صفوان:
وقال عمارة بن حمزة لبي العباس السفاح -وقد أمر له بجوائز نفيسة ،و ُكسْوَة وصلة ،وَأدْنى مجلسه :-وصلك ال يا أمير المؤمنين وبَرّك،
فوال لئن أَردنا شكْرَك على ُكنْهِ صلتك ،فإنَ الشكرَ َليَ ْقصُ ُر عن نعمتك ،كما َقصُ ْرنَا عن منزلتك ،غير أن ال تعالى جعل لك فضلً علينا
بالتقصير منّا ،ولم تَح ِر ْمنَا الزيادة منك ِلنَ ْقصِ شكرنا.
وقال أبو العباس السفاح لخالد بن صفوان :كيف عِ ْلمُك بأَخْوالي بني الحارث بن كعب؟ قال :يا أميرَ المؤمنين ،هم هامَةُ الشرف ،وعِرْنينُ
جمْرَةشيَماً ،وأَهْناهم طعماً ،وأَوْفاهم ذِمماً ،وأَبعدهم هِمماً ،هم ال َ الكَرَم ،وفيهم خصالٌ ليست في غيرهم من قومهم ،هم أحسنهم أمماً ،وأكرمهم ِ
في الحَرب ،والر ْأسُ في كل خطب ،وغيرهم بمنزلة العَجْب.
ق بك ،والحمدُ ل الذي جعل نبوّتكم رَحمة، صفْوَان عمر بن عبد العزيز وهنّأَه بالخلفة ،فقال :الحمد ل الذي مَنّ على الخَلْ ِ وعزّى خالدُ بن َ
صمَة ،ومصائبكم أُسوة ،وجعلكم ُقدْوَة. وخلفتكم عِ ْ
عدْلك ،حتى كأنك من كل أحد ،وحتى كأنك صفْوان لبعض الولة :قدمت وأعطيت كلً بقِسْطِه من نظرك وَمجْلسك ،في صوتك و َ وقال خالدُ بن َ
لست من أُحد.
عنَاء ،فيا جامع شَ ّر أبويه!. ن أمّك كانت حسناء ،ولكنها كانت رَ ْ وقال رجل لخالد :إن أباك كان دَميماً ،ولكنه كان حليماً ،وإ ّ
شذور في المقابح ومساوي الخلق
علي بن عبيدة الريحاني -أدْنسُ شعارِ المرء جهلُهُ.
ل إل مُفْرطاً حتْفه .ل ترى الجاه َ ت نعمةُ الجاهل ازداد فيها ُقبْحاً .لسانَ الجاهل مفتاحُ َ سنَ ْ
ابن المعتز :نعَم الجاهلِ ،كالرياض في المزابل .كلما ح ُ
305
أو مُ َفرّطاً.
جبْنُ غريزةٌ واحدة ،يجمعهما سوءُ الظن بال .البخل َي ْهدِمُ مبانيَ الشرف. الجاحظ -البخلُ وال ُ
وقال ابن المعتز :لمّا عرف أهلُ النَقْصِ حالَهم عند ذوي الكمال ،استعانوا بال ِكبْر ليعظّمَ صغيراً ،ويرفَعَ حقيراً ،وليس ينفعُ الطمع في وثاق
ب ينبئ عن كامن الحقد .من أطاع ن فيرتكبه ،ول صورة قبيح فيجتنبه .الغض ُ الذل .الغضب يصدئ العقلَ حتى ل يرى صاحبُه صورةَ حَسَ ٍ
غضبَه أضاع أدبه .حدّةُ الغضب تعثر المنطق ،وتقطع مادَة الحجّة ،وتفرق ال َفهْم .غضب الجاهل في قوله ،وغضبُ العاقل في ِفعْله .عقوبة
ستْر غيره الغضبِ تبدأُ بالغضبان :تقبّح صورتَه ،وتثلّم دِينَه ،وتعجل َندَمه .ما أقبح الستطالة عند الغِنى ،والخضوع عند الفقْر .من يهتك ِ
تكَشّفتْ عورات بيته .نفاق المر ِء من ذلّة.
ن بالناس خيرًا لنه يراهم بعين طبعه .من عدد نعمه محق كرمه .خُلفُ الوعد خُلُق الوَغْد ،من أَسرع َكثُر عثَاره. الشرير ل يظ ُ
في المفاخراتْ
ب نديماً ،فقال الكاتب :أَنا َمعُونة ،وأنت مَؤُونة ،وأنا للجدّ ،وأنت للهَزْل؛ وأنا للشدة وأنت للّذة؛ وأنا للحرب ،وأنت للسلم .فقال النديم: فاخر كات ٌ
شقَى لسعادتي؛ فأنا شريك، خدْمة؛ وأنا للحضرة ،وأنت للمهنة؛ تقوم وأنا جالس ،وتحتشم وأنا مُؤانس؛ تَدْأَب لراحتي ،وتَ ْ أنا للنعمة ،وأنت لل ِ
ت معِين ،كما أنك تابع ،وأنا قَرِين. وأن َ
وفاخر صاحبُ سيفٍ صاحبَ قلم ،فقال صاحبُ القلم :أنا أقتل بل غرَر ،وأنت تقتل على خَطر .فقال صاحب السيف :القلمُ خادمُ السيف إن تم
ف َمعَاده.
مراده ،وإل فإلى السي ِ
قال أبو تمام :البسيط:
جدّ والّلعِبِ حدّهِ الح ّد بين ال ِ
في َ السيفُ أصدَقُ إنبا ًء من الكتُب
إبراهيم بن المهدي :البسيط:
ب مَرَاقِيهِ صعْ ٌوالوصل في جبَل َ ل تَـبْـذُلُ
فقد تلينُ ببعض القـو ِ
ف لَوِيهِ وقد يُرى ليّنًا فـي كـ ّ كالخيزران َمنِيعٌ حين تكـسِـرهُ
أبو ال َهيْذام عامر بن عمارة المرّي يرثي :الطويل:
فإنّ بها ما أدرك الواتِرُ ال ِوتْرَا سأبكيك بالبيض الرّقاق وبال َقنَـا
عصْرا ُيعَصّرها من ما ِء ُمقَْلتِه َ ولسنا كمن َي ْبكِي أخاه بعَـبْـ َرةٍ
جمْرا
طرَيْ جوانبه َوأُلهب في قُ ْ ولكنني أشْفي فؤادي بـغَـمْـر ٍة
ك منّا وإن َقصَمَ الظهْرا
على هال ٍ ض دمـوعُـنـا وإنّا أُناس ما تَفي ُ
من وصايا الحكماء
عدُ ال ْم ِنيّة .قال :فما حالُ أهله؟ قال :من ظفر به ق البدان ،ويج ّددُ المال ،ويقرّبُ المنيّة ،ويبا ِلقي رجل حكيمًا فقال :كيف تَرَى الدهر؟ قال :يُخْلِ ُ
منهم تعب ،ومن فاته نَصِب .قال :فما الغنى عنه؟ قال :قَطعُ الرجاء منه ،قال :فأيّ الصحاب أبرّ وأَوْفى؟ قال :العمل الصالح والتقوى .قال:
أيهم أضرّ وأَ ْردَى؟ قال :النفس والهوى ،قال فأين المخرج؟ قال :سلوكُ المَنهَج .قال :وما هو؟ قالَ :بذْل المجهود ،وترك الراحة ،ومداومة
الفكرة .قال :أَوْصني .قال :قد فعلت.
خيَلء ،وتزهّدني في الدنيا .قال :فكَر في خَلْقك ،وا ْذكُر مبدأك ومصيرك ،فإذا وقال بعض الملوك لحكيم من حكمائه :عِظْني بعِظَة تنفي عني الْ ُ
صغَراً؛ قال الملك :فإن كان
ل أنفعهُما لك عِظَماً ،والنفس أَزْينهُما لك ِ عظُم بصغرها عندك عَقْلُك؛ فإن العق َ ت عندك نفسُك ،و َ صغُرَ ْ فعلت ذلك َ
خذْ لعقلك
شيء ُيعِينُ على الخلق المحمودة فصفتك هذه .قال :صفتي دليل ،و َف ْهمُك محجّة ،والعلم عليّة ،والعمل مَطيّة ،والخلص زمامها ،ف ُ
بما يزيّنه من العلم ،وللعلم بما يَصُونُه من العمل ،وللعمل بما يحقّقه من الخلص ،وأنت أنت! قال :صدقت.
باب المديح
وقال ابن الرومي :البسيط:
غنَى الظباء عن التكحيل بالكَحَلِ ِ ن عن كل تقريظ بمجدكُـم َتغْنَوْ َ
كأنها مِلّة السلمِ في المِـلـلِ تلوح في دُول اليام دولـتـكـم
وقال أيضاً :البسيط:
تشابهَتْ منكُمُ الخلقُ والخـلـقُ ل التي فيكُمْ محاسِنـكُـمْ كلّ الخِصا ِ
حَملً ونَوْراً ،وطاب العودُ والورقُ كأنكم شج ُر التْرُجّ طـابَ مـعـاً
وقال البستي في نحو هذا :الطويل:
وبأساً وجوداً ل يفيق فُواقـا عفّةً
جمَ َع العلياءَ عِلْماً و ِ
فتى َ
ورائحةً محبـوب ًة ومَـذاقَـا ضرَةً كما جمع التفاحُ حسنًا ونَ ْ
ل أبي بكلمةٍ ،فوصله بخمسمائة دينار ولم يره ،وهي :البسيط: قال أبو العباس المبرد :حدّثني عجل بن أبي دلف قال :امتدح رج ٌ
حمل السلح وقول الدّارعين قِفِ مَالِي ومالك قد كلفتني شطـطـاً
أمسِي وأصبحُ مشتاقاً إلى التّلَـفِ َأمِن رجالِ المنايا خِلْتنِـي رجـلً
فكيف َأمْشِي إليها بارزَ ال َكتِـفِ؟ أرى المنايا على غيري فأكرههـا
ي أبي دُلَـفِ؟ وأن قلبيَ في جَنبَ ْ أخِ ْلتِ أنَ سواد اللـيل غـيّرنـي
قلت :هذا كحديث الذي دخل في قوم على شراب فسقوه غير الشراب الذي يشربون ،فقال :المتقارب:
ليثار مُثرٍ على مُقـتـرِ نبيذانِ في مجلس واحـد
فعلت كفعل أبي البَخْتري فلو كنتَ تفعل فِعلَ الكرام
306
ل عن المكثر
فأغنى المُق ّ تتَبّعَ إخوانه في الـبـلد
فاتصل شعره بأبي البختري فأعطاه ألف دينار ولم يَرَه.
والبيات التي ُمدِح بها أبو دلف هي لحمد بن أبي فنن ،وكان شاعراً مجيداً ،وهو القائل :الطويل:
وأن تحبسا سَحّ الدموعِ السواكب ي أن تملكَ البُكَـى ولما أَبتْ عينا َ
ل ما بقاء التـثـاؤب ولكن قلي ً تثاءَبت كي ل يُنكِرَ الدمعَ منكرٌ
عليّ؟ لبئس الصاحبانِ لصاحبِ أعَرّضتماني للهوى ونمـتُـمـا
وقال :الكامل:
إل لقَصدِ الْحِنثِ في الحلفِ وحياة هجرك غير مع َتمِـدٍ
كلَفي بحبّك مُنتهَى كَلَفِـي ح مَنْ رأيت ول ما أنت َأمْلَ ُ
وقال الصولي :كنا بحضرة أبي العباس المبرد فأنشد هذين البيتين فاستظرفهما وأنشدنا في ذلك :الكامل:
حنْثاً ولكن ُمعْظِماً لـحـياتـكـا
ِ وحياة غيرك غير معتـمـد بـهِ
عدَاتكا
في الوعد منك إلى اقتضاء ِ ما ينقضي ط َمعِي وإن أطمعتنـي
وقال الخثعمي :الطويل:
إذا كان ممن ل يخافُ على َوصْلِ ولم أر مثلَ الصدّ أَدعى إلى الهوى
وكان أحمد بن أبي فنن ث من أَجْلـي
حنَ َ
ت إل لتَ ْ
وما حَلَ َف ْ ت يميناً كـالـزجـاج رقـيقةً وآَل ْ
أسود ،ولذلك قال :البسيط:
ولما أُدخل على المعتزّ أَخِ ْلتَ أنْ سَوَادَ الليل غيرني
وامتدحه قال :هذا الشاع ُر الدَم ،قال بعض من حضر :ل يَضِرْه سوادُه مع بياض أياديك عنده ،قال :أجَلْ ،ووصله.
أخذ قوله :البسيط:
من قول أعرابي قيل له :أل فأكرهها غيري أرى المنايا على
َتغْزو؟ قال :أنا وال أكره الموت على فراشي ،فكيف أمشي إليه َركْضاً؟.
علم البديع والستطراد
ب من البديع يسمّى الستطراد ،وذلك أنّ الفارس يظهر أنه يستطرد لشيء و ُيبْطِنُ غيره ،فيك ّر عليه ،وكذلك وهذا المذهب الذي سلكه أحمد ضر ٌ
ب لمعنى فيعن له آخر فيأتي به ،كأنه على غير قصد ،وعليه بناه ،وإليه كان َمعْزَاه ،وقد أكثر المحدَثون منه فأحسنوا هذا الشاعر يظهِ ُر أنه يذه ُ
في ذلك.
قال الصمعي :كنت عند الرشيد فدخل عليه إسحاق بن إبراهيم الموصلي فقال :أنشدني من شعرك ،فأنشده :الطويل:
فليس إلى ما تأمـرينَ سـبـيلُ وآمر ٍة بالبُخْل قلت لها اقْصِـرِي
بخيلً له في العالَمـين خَـلِـيلُ أرى الناس خُلّنَ الجوادِ ،ول أرى
ن مـنـيل إذا نال شيئًا أن يكـو َ ومِنْ خير حالتِ الفتى لو علمتـهِ
ومالي كما قد تعلمـين قَـلـيلُ فَعالي فعالُ ال ُم ْكثِرين تـجـمّـلً
فقال الرشيد :يا فضل؛ أَعطه ي أمير المؤمنين جـمـيلُ؟ ورَ ْأ ُ وكيف أخافُ الفقرَ أو أُحرم الغنى
عشرين ألف درهم .ثم قال :ل أبيات تأتينا بها يا إسحاق ما أتقن أصولها ،وأبين فصولها ،وأقل فضولها! فقال :وال يا أمير المؤمنين ،ل قبلتُ
منها درهماً واحداً .قال :ولم؟ قال :لنّ كلمك ،وال ،خي ٌر من شعري .فقال :يا فضل؛ ادفع إليه أربعين ألفاً .قال الصمعي :فعلمت أنه أصيد
لدراهم الملوك مني.
ومن ذلك قول أبي تمام يصف فرساً :البسيط:
علـــى الـــجِـــرَاء أمـــينٍ غـــير خَـــوّانِ وسـابـح هَـطــلِ الـــتـــعْـــدَاءِ هَـــتّـــانِ
َفخَـــلّ عَـــ ْينَـــيك فـــي َريّانَ ظـــمــــآنِ أظْـمـى الـفُـصـوص ولـم تَـظـمــأْ قـــوائمـــهُ
بين الـسـنـابـك مــن مَـــثْـــنـــى ووُحْـــدَانِ فلـو تـرا ُه مُـشـــيحـــاً والـــحـــصـــى ِزيَمٌ
وقد احتذى البحتري هذا أيقنْتَ إن لم تثبّت أَن حافِرَهُمن صَخْر َت ْدمُرَ أو من وَجْ ِه عثمانِ
الحذْوَ في حمدَويْه الحول ،وكان حمدويه هذا عدواً للممدوح ،فقال :الكامل:
قد ُرحْتُ منه على أغ ّر مُحَجّـلٍ ن البهيم مُحَـجّـل وأَغَرّ َفي الزم ِ
في الحُسْنِ جاء كصورةٍ في َه ْيكَلِ كالهيكَـلِ الـمـبـنـيّ إل أنـهُ
نَظَرَ المُحِب إلى الحبيب ال ُمقْبـلِ ن بَدا أعْـطَـ ْينَـهُ
مَلكَ العيونَ؛ فإ ْ
وفي قصيدته هذه يحكى أن يوماً خلئقَ حَـمْـدَوَيْه الحْـولِ ف قـذًى ولـو أو َردْتَـهُ ن يَعا ُ ما إ ْ
البحتري قال له أصحابه :إنك ستُعاب بهذا البيت؛ لنك سرقته من أبي تمام ط قال :أعاب من أخذي من أبي تمام؟! وال ما قلتُ شعرًا قط إل بعد
أن أحضرت شعره في فكري ،قال :وأسقط البيت بعد ،فل يوجد في أكثر النسخ.
س َبقُوا إليه ،وقد تقدّم لمن قبلهم ،قال الفرزدق :الطويل: وهذا معنى قد أعجَب المُحدَثين ،وتخيّلوا أنهم لم يُ ْ
قال الحاتمي :وأتى جرير إذا جلسوا َأفْوا ُه بكْرِ بـن وائلِ سمَع ل ابن مِ ْ كأن فِقَاح الزد حو َ
بهذا النوع فحثا في وَجْهِ السابق إلى هذا المعنى فضل عمن تله؛ فإنه استطرد في بيتٍ واحد ،فهجا فيه ثلثة ،فقال :الكامل:
307
وقيل هذا البيت مما يَ ُردّ على جدَعْتُ َأنْفَ الخطلِ
وعلى البعيث َ سمِي
لما وضعْتُ على الفرزدق مِي َ
الحاتمي ،وهو قوله :الكامل:
قال أبو إسحاق :وأوَل من فسقيت آخرهمْ بكأس الو ِ
ل أعددت للشعراءَ كأسًا مُـرة
ابتكره السموأل بن عاديَاء اليهودي ،وكل أحد تابع له فقال :الطويل:
308
القوافي ،على غير الرويّة ،فل ُيمْهِلْني أمي ُر المؤمنين حتى يتألفَ نافرُ القول.
ت ميدان السباق ،ثم قال:
فقال الرشيد :ل عليك أل تقول؛ قد جعلت اعتذارك عِوَض امتحانك .فقال :يا أميرَ المؤمنين ،نفّسْت الخناق ،وسهّلْ َ
الطويل:
ذُرَى قُـبّة السـلم فـاخْـضَــرّ عـــودُهـــا ت بـعـبـد الـلـه بـعــد مـــحـــمـــد بنـي َ
هما طُنباها بارَك ال فيهماوأنت أمي َر المؤمنينَ عمودُها
فقال الرشيد :وأَنت بارك ال فيك ،سَلْ ول تكن مسألتك دون إحسانك ،فقال :الهنيدة يا أمير المؤمنين! فأمر له بها ،وبِخِلعٍ نفيسة ،وصِلةٍ جزيلة.
من أخبار سليمان بن عبد الملك
ن بن عبد الملك ،فازدَرَاه و َنبَت عينه عنه ،فقال :ما رأَت عيني كاليوم قطّ ،لَعن ال امرأ دخل يزيد بن أبي مُسْلم ،كاتبُ الحجاج ،على سليما َ
ل ذلك؛ فإنك رأيتَني والمر عني مُدْبر ،وعليك ُم ْقبِل ،فلو رأيتني والمر عليّ سنَه ،وحكّمك في أمره .فقال :يا أمي َر المؤمنين ،ل تَقُ ْ أَجرّك رَ َ
ت منّي ما استصغرتَ ،واستكبرتَ ما استقلَلْت. مقبل ،وعنك ُم ْدبِر ،لستعظم َ
قال :عزمت عليك يا ابْنَ أبي مُسلم لتخبرني عن الحجاج ،أتراه يَهوِي في جهنم أم قد قرّبها؟ فقال :يا أمير المؤمنين ،ل تَقُلْ هذا في الحجاج،
وقد بذل لكم النصيحةَ ،وأمّن دولتكم ،وأخاف عدوّكم ،وكأني به يوم القيامة وهو عن يمين أبيك ،ويَسار أخيك ،فاجعله حيثُ شئت.
ن بديهتَهُ ،وترفيعه لنفسه ولصاحبه! وقد أحسن فقال له سليمان :اُعْ ُزبْ إلى لعنة الّ! فخرج ،فالتفت سليمانُ إلى جلسائه فقال :قاتله الّ! ما َأحْسَ َ
المكافأة في الصنيعة ،خَلّوا عنه.
من أخبار إبراهيم بن العباس الموصلي
وشعره
صدْرِي ،إل قولي في فصل وصار ما ت في مكاتبةٍ قطّ إل على ما يجلبه خاطري ،وَيجِيشُ به َ قال إبراهيم بن العباس الموصلي :وال ما اتّكلْ ُ
كان يحْرِرهم ُيبْرِزهم ،وما كان يعقلهم يعتقلهم .وقولي في رسالة أخرى" :فأنزلوه من معقل إلى عُقال ،وبدّلوه آجالً بآمال" ،فإني ألممت في
هذا بقول الصريع :البسيط:
ل يَسْـعَـى إلـى أمـلِ كأنه أجَ ٌ مُوفٍ على ُمهَجٍ في يومِ ذي رَهَجٍ
وفي المعنى الول يقول أبو تمام :الطويل:
عقّالت ُه ل َمعَاقِلُهْ
أُولئك ُ ن َيبْنِ حيطاناً عليه فإنما فإ ْ
ف متباينون ،وأطوار متفاوتون ،منهم عِلق مضنّة ل وكان يقول :ما تمنّيت كلمَ أح ٍد أن يكون لي إل قولَ عبر الحميد بن يحيى :الناس أصنا ٌ
ل مظنّة ل يبتَاع. ُيبَاع ،وغ ّ
ورد كتاب بعض الكتّاب إلى إبراهيم بن العباس بذمّ رجل ومدح آخر؛ فوقّع في كتابه .:إذا كان للمحسن عن الجزاء ما يُ ْقنِعهُ ،وللمسِيء من
ب عليه رغبة ،وانقاد المسيء للحقّ رهبةً؛ فوثب الناس يقبّلون يده. النكال ما َي ْقمَعهَ ،بذَل المحسن الواج َ
حرْمة :تقدمت بحرمة مألوفة ،ووسيلة معروفة ،أقوم بواجبها ،وأرْعاها من جميع جوانبها. ووقع لرجل مَتّ إليه ب ُ
وإبراهيم بن العباس هو القائل :الطويل:
و َت ْغبَ ّر منها أرْضُها وسمـاؤُهـا لنا إبِل كُو ٌم َيضِيق بها الفَـضـا
ومن دُوننا أن يُستذمّ دمـاؤهـا فمن دونها أن تُستبـاحَ دمـاؤُنـا
ق َفنَاؤهـا وأيْسَرُ خَطبٍ يومَ حُ ّ ت دونَ مرامها حمًى و ِقرًى فالمو ُ
وقاد الصولي :وجدت بخط عبد ال بن أبي سعيد إبراهيم بن العباس أنشده لنفسه :الطويل:
صبْري على ظُ ْل ِمكُمْ ظُلْمي وعَّل َمكُمْ َ جهِـلْـتِـهِوعلمتنِي كيف الهوى و َ
جهْلي فأرج ُع من عِلْمي هَوَايَ إلى َ وأعلمُ مالِي عـنـدكُـ ْم فـيردّنـي
فقلت :أسبقك إلى هذا أحد؟ فقال :العباس بن الحنف بقوله :الطويل:
له عنك في الرض العريضة َمذْهَبا ب يَ ْرتَادُ الـسـلـوّ فـلـم يَجِـدْ تجن َ
وعاد إلى ما تشتـهـين وأعْـتـبـا فعاد إلى أنْ راجع الوَصْلَ صاغـراً
قال الصولي :وأظن أنّ ابن أبي سعيد غلط في هذه الرواية؛ لن الشبه بقول ابن العباس :فعاد إلى أن راجع الوصل صاغرًا قوله :البسيط:
إذا تج ّددَ حُزْنٌ هَوّنَ المـاضـي ظ ومن حَزَنٍ غيْ ٍ
ت من َ كم قد تجرّعْ ُ
ج ْعتُ بقلبٍ ساخطٍ راضي حتى رَ َ سخَـطـي وكم سخِطْتُ وما بَاَل ْيتُمُ َ
وأنشد له :الطويل:
وصِرْت على قلبي رقيباً لـقـاتِـلِـهْ ل من أرى ت عن ك ّ لمن ل أرى أعرضْ ُ
309
غبْتَ.ضرْتَ ،ول أنتفع بالحاضر إذا ِ سمَع للحنف بن قيس :ما أشتاق للغائب إذا حَ َ وأصل هذا من قول مالك بن م ْ
وقال إبراهيم بن العباس :الطويل:
ط بليلى عن ُدنُوّ مَزَارُهـا وشَ ّ تدانَتْ بقوم عن تَـنَـاءً زيارة
ك دَارُها ب من ليلى وهاتي َ لَقر ُ ت بِ ُم ْنعَرَجِ الـلـوى ن مُقيما ٍ
وإ َ
بعيدًا نَأى عنها ويُحرّق جَارُها وليلَى كمثل النارِ ينفعُ ضوءُها
كأنه نظر إلى قول النّظار الفَ ْقعَسِي :الطويل:
ت بك أرْضٌ نحوها وسماءُ دَن ْ يقولون هذي ُأمّ عمرٍ وقريبةٌ
إذا هو لم يُوصَل إليه سـواءُ أل إنما ُبعْدُ الخليل وقُـرْبـهُ
وقوله :وليلى كمثل النار كقول العباس بن الحنف :المنسرح:
عشِقُوا نال بهِ العاشقون مَنْ َ ل وقـدحرَ ُم منكمْ بما أقـو ُ أْ
حتَرِقُ
ي تَ ْ
تُضِيء لِلناسِ وَ ْه َ صبَـتْ
ت كأني ُذبَال ٌة نُ ِ
صِ ْر ُ
وقال إبراهيم بن العباس :الوافر:
خذُ للصديق من الـشـقـيقِ وآ ُ ل مع الصديق على ابن عمي أمي ُ
عبْـدَ الـصَـديقِ فإنك وَاجدي َ وإن ألفَيتَنِي حُـرّا مُـطَـاعـاً
جمَ ُع بين مالي والحـقـوقِ وأ ْ أفرّق بين معروفـي ومَـنّـي
في رثاء مصلوب
قال العقيلي يَرْثي صديقاً له أخذ في خِرْبة فقتل وصلب :الطويل:
ل تُعَفّيكَ الرياحُ مع الـقَـطْـرِ طوي ٍ لعمري لئن أصبحتَ فـوق مـشـدّب
ضغْطَةِ القبرِ وعُوفيت عند الموت من َ لقد عشتَ مبـسـوطَ الـيدين مـرزّأ
ولم تفقد الدنيا؛ فهل لكَ من شُـكْـرِ؟ ت من ضيقِ الـتـراب وغَـمّـهِ وَأفَْل ّ
عليكَ ،ولو أني بكيتُ إلى الحـشـر فما تشتَفي عيناي من دائِم الـبُـكَـى
ولكنني أَبكي لفـقـدك فـي سِـتـرِ فطُوبَى لمن يبكي أخـاه مُـجَـاهـراً
عود إلى أخبار الرشيد
وكتب محمد بن كثير إلى هارون الرشيد :يا أمير المؤمنين ،لول حظّ كرم الفعل في مَطَالع السؤال،؛ لَلهى المَطْلُ قلوبَ الشاكرين ولصرف
عيونَ الناظرين إلى حسن المحبة ،فأيّ الحالين ُي ْبعِدُ قولَك عن مجاز فعلك؟.
فقال هارون الرشيد :هذا الكل ُم ل يحتمل الجواب؛ إذ كان القرار به يمن ُع من الحتجاج عليه.
قضاء الحاجة
وقال يحيى بن أكثم للمأمون يذكر حاج ًة له قد وعده بقضائها وأغفل ذلك :أنتَ ،يا أمير المؤمنين ،أكر ُم من أن نعرّضَ لك بالستنجاز ،ونقابلك
ف من أن يستوليَ علينا صب ُر انتظا ِر نعمتك، عدِك ،وأن تأمر بشيء لم تتقدّمْ أيامه ،ول يقدر زمانه ،ونحن أضع ُ بالدّكار ،وأنت شاهدي على وَ ْ
وأنت الذي ل يؤوده إحسان ،ول ُيعْجِزُه كرَم ،فعجّل لنا يا أمي َر المؤمنين ما يزيدك كرماً ،وتزدادُ به نعماً ،ونتلقّاه بالشكر الدائم.
فاستحسن المأمون هذا الكلم ،وأمر بقضاء حاجته.
ت له من المأمون ،من تَوْليته بلده ،وأن يض ّم إليه مملكته، قدم على المأمون رجل من أبناء الدهاقين وعظمائهم ،من أهل الشام ،على عِدَة سلَف ْ
ب بماعمْرَو بن مسعدة وسأله إيصالَ رقعةٍ إلى المأمون من ناحيته ،فقالُ :ا ْكتُ ْ ج أ ْم ِر أمير المؤمنين بذلك ،فقصد َ فطال على الرجل انتظارُ خرو ِ
ع َدتِه من ِر ْبقَة المَطْلِ،
ل ذلك عني ،حتى تكون لك نعمتان .فكتب عمرو :إن رأى أميرُ المؤمنين أنْ يفكّ أسْر ِ شئت فإني مُوصِلُه ،قال :فتو ّ
عبْدِهِ ،والذْنِ له بالنصراف إلى بلده ،فعل مُ َوفّقاً. بقضاء حاجة َ
عمْواً ،وجعل يعجب من حُسن لفظها ،وإيجازِ المرادِ فيها ،فقال له عمرو :فما نتيجتُها يا أمي َر المؤمنين؟ قال: فلما قرأ المأمون الرقعة دعا َ
ل يتأخر فَضلُ استحساننا كلمه ،وبجائزة تنفي دناءة المطل. الكتابة له في هذا الوقت بما سأل ،لئ ّ
ل في دولته ،وظهور الحجّةِ في سلطانه ،وإيصال المنافع ومن كلم عمرو بن مسعدة :أعظمُ الناسِ َأجْراً ،وأ ْن َبهُهم ذِكراً ،من لم يرضَ بحياة ال َعدْ ِ
إلى رعيته في حياته ،حتى احتالَ في تخلي ِد ذلك في الغابرين بعده ،عنايةً بالدين ،ورحمةً بالرّعية ،وكفاي ًة لهم من ذلك ما لو عنوا باستنباطه
لكان يعرض أحد المرين ،إمّا الكداء عن إصابة الحقّ فيه لكثرة ما يعرض من اللتباس ،وإما إصابةُ الرأي بعد طول الفكر ،ومقاساةِ
التجارب ،واستغلق كثير من الطرق إلى دَرَكه؛ وأسعد الرُعا ِة من دامت سعادةُ الحق في أيامه ،و َبعْدَ وفاتِه وانقرَاضِه.
في إطالة الخطبة
غيْرَ َمرْعَاك ،أفل أدلُك عليه. وقال رجل لسويد بن َمنْجُوف ،وقد أطال الخطبة بكلم افتتحه لصلح بين قوم من العرب :يا هذا ،أتيت مرعًى َ
قال :نعم .قال :قُلْ :أما بعد فإنّ في الصلح بقاءَ الجال ،وحفظ الموال ،والسلم .فلمّا سمع القوم هذا الكلم تعانَقُوا وتواهبوا التّرات.
من أخبار المير أبي مسلم
قال عبد ال بن مسعود :لما ُأمِرَ أبو مسلم بمحاربة عبد ال بن علي ،دخَ ْلتُ عليه فقلت :أيها المير ،تريد عظيماً من المر؟ ،قال :وما هو؟ قلت:
شعْ ٍر توضح حزْم ،وحسن سياسة .فقال لي :يا ابن شبرمة ،أنت بحديثٍ تعلم معانيه ،و ِ جدَةٍ ،وبأس ،و َ ع ّم أمير المؤمنين وهو شيخُ قومه ،مع نَ ْ
ت أعلمها ،وامتدّت أيامها ،فليس لمناوئها والطامِع فيها ي ٌد تنيله شيئًا من الوثوب عليها ،فإذا قوافيه ،أَعل ُم منك بالحرب؛ إن هذه دولة قد اطردَ ْ
ولّت أيامها فدَعِ الوزَغ ب َذنَبه فيها.
عجْب ،وكِبرٌ سكَره لنظر إلى تدبيره وهيبته ،فأقمت فيه أياماً ،فبلغني عنه شدة ُ قال بعض حكماء خراسان :لما بلغني خروج أبي مسلم أتيتُ عَ ْ
صمْتِ ،فتوصَلت إليه بحديث أسمع كلمه ،وأغيب عن بصره ،فسلمت فردّ ردّا جميلً، ستُرَه بال َ
ي فيه أراد أن يَ ْ ظاهر ،فظننت أنه تحلى بذلك لع ّ
وأمر بإدخال قوم يريد تنفيذَهم في وجه من الوجوه ،وقد عقدوا لرجل منهم لواءً ،فنظر إليهم ساعة متأملً لهم ،وقال :افهموا عني وصيتي
جدَى عليكم من أكثر تدبيركم ،وبالّ توفيقكم .قالوا :نعم أيها السالر ،ومعناه السيد بالفارسية ،فسم ْعتُه يقول ،ومترجم يحكي كلمه إياكم؟ فإنها أ ْ
310
بالفارسية لمن عبّر له منهم بالعربية :أَشعروا قلوبكم الجرأة فإنها سببُ الظّفَر ،وأكثروا ذِكرَ الضغائن فإنها تبعث على القدام ،والزموا الطاعة
حصْنُ المحارب ،وعليكم بعصبيّةِ الشراف ،ودَعُوا عصبية الدناءة؛ فإن الشرافَ تظهر بأفعالها ،والدناءة بأقْوَالها. فإنها ُ
عهْد ،ويُبرم عقد ،ويسهّل وَعر ،و ُيخَاض غَمر ،ويُقلع وذكر إدريس بن معقل أبا مسلم فقال :بمثل أبي مسلم يُدرَك ثار ،ويُنفى عار ،ويُؤكد َ
ناب ،ويُفتح باب.
من أخبار أبي جعفر المنصور
ث به في أيام بني أمية؟ إن الخلفة إذا لم تقابل بإنصاف المظلومين ،ولم تعامل بالعدل في الرعية، حدّ َ وقال رجل لبي جعفر المنصور :أيْنَ ما تُ ُ
ق بِ ُولَتها سوءُ العذاب. وقسمة الفيء بالسويّة ،صار عاقبةُ أمرها بَوارأ ،وحا َ
ت هذه الدار .فقال له الرجل :فانظرْ على أي حالة ض ْ
قال :فتنفس ثم قال :قد كان ما تقولُ ،ولكنا يا أخي استعجَلْنا الفانية على الباقية ،وكأن قد انْقَ َ
تنقضي.
سهَامِ الخطايا ،وهو عارفٌ بسُرعَةِ المنايا ،اللهمّ إن تقض للمسيئين صَفحاً وقال أبو الدوانيق وكان فصيحًا بليغاً :عجباً لمن أَصار عِلمَه غَرَضاً ل ِ
فاجعلني منهم ،وإن َتهَبْ للظالمين فسحاً فل تحْرِمني ما يتطول به المولى على أَخس عبيده.
من أخبار الحنف بن قيس
سدِ ،وزينة كل سئِل الحنف بن قيس عن العقل؟ فقال :رأس الشياءة فيه قوامُها ،وبه تمامُها؛ لنه سراجُ ما بَطَن ،وملك ما عَلَن ،وسائس الج َ ُ
أحد ،ل تستقيم الحياة إل به ،ول تدور المور إل عليه.
شدّه ،والسيف بحده ،والمرء بجدّه ،وقد بلغ بك جدّك ما أَرى ،وإنما الثناءُ ولما خطب زياد خطبته المشهورة قام الحنف بن قيس ،فقال :الفرس ب َ
بعد البلء ،فإنا ل ُنثْني حتى َنبْلُو.
عهد الواثق بقلم ابن الزيات
جدّك الكرم، ث أبيك القْدم ،و ِ عهْدَ الواثق على مكة بحضرة المعتصم :إذا بعد ،فإن أمير المؤمنين قد قلّدك مكة وزمزم ،تُرَا َ وكتب ابنُ الزيات َ
وركْضَة جبريل ،وسُ ْقيَا إسماعيل ،وحَفْ َر عبد المطلب ،وسِقَايةَ العباس ،فعليك بتقوى ال تعالى ،والتوسعة على أهل بيته.
ن من فضل الشكر إل أنك ل تراه إل بين نعمة مقصورة عليه ،وزيادة منتظرة له ،ثم قال لمحمد بن رَباح :كيف ترى؟ قال: وكتب :لو لم َيكُ ْ
كأنهما قُرْطان بينهما وَجْه حسن ،ومع ذلك ذكر ابن الزيات أمرَ الحرم بتعظيمٍ وتفخيم.
ألفاظ لهل العصر في التهنئة بالحج
وتفخيم أمر ،الحرم و تعظيم ،أمر المناسك والمشاعر ،وما يتصل بها من الدعية:
حطِيم .حَ َرمُ ال الذي أوسعه ت العتيق ،والمَطَاف الكريم ،والملتَزم النبيه ،والمستلَم النزيه .وقف بال ُمعَرّفِ العظيم ،ووردَ زمزم وال َ قصدَ البي َ
لمّته َكعْبة ،ودعا إليه حتى لبّى من كل للناس كرامة ،وجعله لهم مَثابة ،وللخليل خُطة ،وللذبيح خُلة ،ولمحمد ،صلى ال عليه وسلمِ ،قبْلَة ،و ُ
حمِد
سعِدت سفرته ،وأنجحت أَ ْو َبتُه ،و ُ ج عميق ،يعودُ عنه مَنْ ُوفّق وقد قُبلت توبتُه ،وغُفرت حَ ْوبَته ،و َ مكان سحيق ،وأسرع نحوه من كل ف ّ
سعْيه ،وزكا حجه ،وتقبل عَجه وثَجه .انصرف مولي عن الحجّ الذي انتضى له عَزَائمه ،وأنضى فيه رَوَاحله ،وأتعب نفسه بطلب راحتها، َ
ظ ْهرِك
سعَة الجنّة وساحتها؛ فقد َزكَتْ ،إن شاء ال تعالى ،أفعاله وتُقبّلت أعماله ،وشكر سعيه ،وبلغ هديه .قد أسقطْتَ عن َ وأَنفق ذخائره بشراء َ
سعْي من الفجّ العميق ،إلى البيت العتيق .حمدًا لمن سهّل عليك قضاء فريضة صتَ عن نفسك بال ّ الثقلَ العظيمَ ،وشهدْتَ المَ ْوقِف الكريم ،ومح ْ
شهِدَ أشرفَ المشاهدة فورد شعَر وال َمقَام ،وبركةَ الدعية والموسم ،وسعاد َة أفنية الحطيم وزمزم ،قَصَد أكْرَمَ المقاصد ،و َ الحج ،ورُؤْية المَ ْ
طئْتَ أرضَه ،والمقام الكريم ُق ْمتَه ،والحجر حرَمُ ال وَ ِ ج أدّيتَ فرضَه ،و َ مَشَارعَ الجنّة ،وخيّم بمنازل الرحمة .وقد جُمعت مواهب ال لديك :فالح ّ
السود استََل ْمتَه ،و زُرْتَ قبرَ النبي ،صلى ال عليه وسلم ،مشافهًا لمشهده ،ومشاهداً لمسجده ،ومباشراً باديه ومَحْضره ،وماشيًا بين قبره
س ْعيُك مشكور ،وذَ ْنبُك مغفور ،وتجارتك رابحة ،والبركات عليك ومنبره ،ومصلّيا عليه حيث صلّى ،ومتقرباً إليه بالقرابة العظمى ،وعدت و َ
س ْعيَك مشكوراً ،وحجّك مبروراً .عَ َرفَ ال تعالى مولي غَادية ورائحة .تَلَقّى ال دعاءك بالجابة ،واستغفارك بالرضا ،وأملك بالنُجْح ،وجعل َ
ع ْقبَاه.
مناهجَ ما نواه ،وقَصَده وتوخاه ،ما يسعده في دنياه ،ويحمد ُ
قَطَري بن الفُجَاءة
قال أبو حاتم :أتيت أبا عبيدة ومعي شعر عُرْوة بن الورد ،فقال لي :ما معك؟ قلت :شعر عروة ،قال :شعر فقير ،يحمله فقير ،ليقرأه على فقير!
قلت :ما معي شع ُر غيره؛ فأنشدني أنت ما شئت ،فأنشدني :البسيط:
جتَِلدُ ل تَ ُْمهْرِي من الشمس والبطا ُ ت بـهِ ب قد وقَـيْ ُيا ُربّ ظِل عُقا ٍ
صدُخيْلي اقتساراً وأطرافُ القَنا ِق َ َ عيْتُ عَقْـ َوتَـهُ وربّ يوم حمًى أرْ َ
صطِلء الوغى َونَارُه تقدُ لهْوي ا ْ ل بـهِ ويوم َلهْو لهل الخَ ْفضِ ظ ّ
ع وبَحْرُ الموت يطّـ ِردُ عنها القنا َ ب كـاشِـفَةٌ شهّرا مَ ْوقِفي والحر ُ مُ َ
خ ْرتُها بمَطَـايا غَـارَ ٍة تَـخِـدُ
مَ َ وربّ هَاجِر ٍة َتغْلي مراجِـلُـهـا
كأنها أسُـد يصـطـادُهـا أَسـد ب أوديةَ الفـزاع آمِـنةً تَجـتَـا ُ
على الطعان وقَصْرُ العاجزِ ال َكمَدُ ت كمداً ف أنفي ل أ ُم ْ فإن َأمُتْ حَت َ
في كأسه والمـنـايا شُـرّغ وُرُد ولم أقل لم أُساقِ الموتَ شـا ِربَـهُ
ثم قال :هذا وال هو الشعر ،ل ما يتعلّلون به من أشعار المخانيث.
والشعْرُ ل َقطَري بن الفجاءة المازني ،وكان ُي ْكنَى في السلم أبا محمد ،وفي الحرب أبا َنعَامةٍ ،وكان أطولَ الخوارج أياماً ،وأحدّهم شوكة ،وكان
شاعراً جواداً ،وهو القائل أيضاً :الكامل:
يوم الوغى متهـيّبـا لـحِـمـامِ ل ير َكنَنْ أحـدٌ إلـى الحـجـامِ
من عن يميني تـارةً وأمـامـي فلقد أرانـي لـلـرمـاحِ دريئَة
عنَان لِجامـي أكنافَ سَ ْرجِي أو ِ ت بما تحدّر من دمـي ضبْ ُ
حتى خ َ
311
جذَعَ البصـيرة قـارح القـدامِ
َ ثم انصر ْفتُ وقد أصبت ولم أصَب
باب المديح
وقال المُسَيب بن عَلَس :المتقارب:
ت ُت ْعتَبُ
وشيبانُ إن غضب ْ ع ْتبِهـا
تبيتُ الملوكُ على َ
وأخل ُقهُ ْم منهما أعـذبُ وكالشهد بالراح ألفاظُهمْ
وتربُ أصولهمْ أطـيبُ وكالمِسْك تُ ْربُ مقاماتهمْ
وقال آخر :الكامل:
َب ُعدُوا فحنّ إليهـمُ الـقَـلْـبُ س من بنـي أسـد اذكُرْ مجال َ
غَزبُ ،وأين الشرقُ والغربُ؟ الشرق منزلهُمْ ،و َمنْـزِلُـنـا
مسكٌ أحمّ وصارمُ عَـضْـبُ ل زينـتِـه من كل أبيضَ جُـ ُ
وعقيرة بفـنـائه تَـخـبُـو و ُمدَجَجٌ يَسْـعَـى لـغـارتِـه
آخر :الوافر:
ضبَتها التي فَوْقَ ال ِهضَابِ و َه ْ رأي ُتكُـمُ بـقـيّة آل حَـ ْربٍ
وتمتثلون أفعالَ السـحـابِ ح نـدًى وجـوداً تبُارون الريا َ
ي أمْسِ في ظل الشبابِ مقام َ يُذَكرُني مقامي اليو َم فـيكُـمْ
مكاتبات
بين سعيد بن عبد الملك وسعيد بن حميد
كتب سعيد بن عبد الملك إلى سعيد بن حميد :أكره -أطال ال بقاءك! أن أضعَك ونفسي موضع العُذر والقبول ،فيكون أحدُنا معذراً مقصراً،
ن منه والخر قابِلً متفضّلً ،ولكن أذكر ما في التلقي من الحديد البرّ ،وفي التخلُف من قلّة الصبر ،وأسألُ ال تعالى أن يوفّقك وإيانا لما يكو ُ
عقبى الشكر.
فأجابه :وصل كتا ُبكَ -أكرمك ال تعالى! -الحاضرُ سرورُه ،للطيف مو ِقعُه ،الجميل صدوره ومَ ْو ِردُه ،الشاهدُ ظاهره على صِدقِ باطنه ،ونحن
-أعزك ال -نجعل جزاءك حسن العتراف بفضلك ،ومجاراتك التقصير دونك؛ ونرى أن ل عُذرَ في التخلف عنك ،وإنْ حالت الشغال بيننا
سبَقْتَ إلى فضيلة الغتفار ،فل زلت على كل خير دليلً ،وإليه داعياً ،وبه آمراً؛ ولقد التقيْنا وبينك .وإن كنتَ سامحتَ في العذر قبل العتذارَ ،
قبل وصولِ كتابك لقاءً أحدث وطراً ،وهاج شَوقاً ،وأرجو أن تتسع لنا الجمعة ما ضاقت به اليام؛ فتنال حظًا من محادثتك والنس بك.
مكانة سعيد بن حميد
ولسعيد بن حميد حلوة في منظومه ومنثوره ،لكنه قليلُ الختراع ،كثير الغارة على مَنْ سبقه .وكان يقال :لو رجع كلمُ كل أحد إلى صاحبه
لبقي سعيد بن حميد ساكتاً.
وفيه يقول أبو علي البصير :الخفيف:
ومن الناس ،كّلهُمْ في حِ ِر أمّهْ س من َيدّعي البلغ َة منّـي رَأ ُ
ن حميد تُؤَرخ ال ُكتْب باسمـهْ وأخونا ولست أكنى سعـيد ب
هذا المعنى ينظرُ إلى قول منصور الفقيه وإن لم يكن منه :الطويل:
إذا نحن قلْنا :خيرُنا الباذلُ السّـمْـحُ تَضِيق به الدنيا فينـهـضُ هـاربـاً
ط كتمان الحديث :هو ال َفتْحُ على شَ ْر ِ ل لهـمْ فإن قيل :من هذا الشقيّ؟ أقُ ْ
وكان سعيدٌ َيهْوَى فضل الشاعرة؛ فعزم مرة على سفر ،فقالت له :البسيط:
ق بكفّ الصبرِ والجلَـدِ كف الفرا ِ ك َذ ْبتَنِي ال ُودّ أن صا َفحْتَ مرتحـلً
بالشوق نفسُك لم تصبر على ال ُب ُعدِ جعَتْ ل تذكرنَ الهوى والشوقَ لو فُ ِ
وكان سعيد عند بعض إخوانه ،فنهض منصرفاً وأَخذ بعضا َدتَي الباب ،وأنشأ يقول :الطويل:
سمَـعِ وولّتْ بنا عن كل مرأًى و َم ْ س بـينـنـا سل ٌم عليكُم ،حاَلتِ الكأ ُ
فيجمع سكراً بين جسْمي ومَضْجعي فلم يبقَ إل أَنْ يصا ِفحَني الـكَـرَى
وقال سعيد :الطويل:
وفيهن عن غير الثناء فتورُ أرَى ألسُنَ الشكوى إليك كليلةً
وليس لها إل إلـيك مَـصِـي ُر تقيمُ على ال َعتْبِ الذي ليس نافعـاً
ب مـن أحـداثـه وأمـورُ نوائ ُ وما أنتَ إل كالزمان تـلـ ّونَـتْ
جوْرِ الزمان يُجيرُ؟ فمن ذا على َ ل إنْصَافُ الزمانِ وجُـودُه فإن ق ّ
نبذ في السرقات الشعرية
أما قوله:
تقيمُ على ال َعتْبِ الذي ليس نافعاً
فمن قول المؤمّل :البسيط:
فليس منك عليهمْ ينفعُ الغَضَبُ ل تغضبنّ على قو ٍم تحبّـهـم
والجَ ْو ُر أقبحُ ما يُ ْؤتَى و ُيرْتكَبُ حكُومَتهـمْ يا جائرينَ علينا في ُ
312
ن إليكُ ْم منكُمُ الهَرَبُ جُرتُمْ ،ولك ْ لسنا إلى غيركُ ْم منكُم نفـ ّر إذا
وأول من نبّه على هذا المعنى النابغةُ الذبيانيّ في قوله للنعمان بن المنذر :الطويل:
وإن خِلْتُ أنّ المنتَأَى عنك واسِعُ فإنكَ كالليلِ الذي هو مُـدْرِكـي
ك نَـوازعُ َتمُـدّ بـهـا أيدٍ إلـي َ ل متـينةٍ خَطَاطيفُ حُجْنٌ في حبا ٍ
غتَاله في المغرب :الكامل: سرقَه أشجع السّلمي فقال لدريس بن عبد ال بن الحسين بن علي ،وقد بعث إليه الرشيد مَن ا ْ
َك ْيدَ الخلفة أو يقيك حِـذَارُ؟ أتظنّ ،يا إدريسُ ،أنك مُ ْفلِـتٌ
طالتْ ،وتقصر دونها العمارُ ع ْزمُه ف إذا انتضاها َ إنّ السيو َ
ل يهتدي فيها إلـيك نَـهَـارُ ل بـبـلـدةٍهيهات إل أن تَحُ ّ
وقال سَلْم الخاسر يعتذر إلى المهدي البسيط:
وأنت ذاك لما يأتي ويجتنـبُ إني أعز بخيرِ الناس كلـهـمُ
والده ُر ل مَ ْلجٌَأ منه ول هرَبُ ت كالدهرِ مبثوثاً حبـائِلُـهُ وأن َ
في كل ناحيةٍ ما فاتكَ الطّلَبُ ولو ملكتُ عِنانَ الريحِ أصرفهُ
ف َمنْجَا ٌة و ُم ْنقَلبُ فيها من الخو ِ فليس إل انتظاري منك عارِفةً
وقول سلم:
عنَان الريح أصرفه ولو ملكت ِ
كأنه من قول الفرزدق للحجاج :الطويل:
ت كمودٍ أدر َكتْ ُه مقادِرُهْ لكن ُ ولو حمَلتْنِي الريحُ ثم طَل َب ْتنِي
وقول علي بن جبلة لحُميد الطوسي :الطويل:
ولو َر َف َعتْهُ في السماء المَطَالِعُ وما لمرئ حا َو ْلتَه منك مهرَبٌ
أخذه البحتري فقال :الكامل:
حمَرّة فكأنهمْ لم يُسْـلَـبـوا مُ ْ سُِلبُوا وأشرقتِ الدماءُ عليهـمُ
حدّ َبأْسِك َمهْرَبُ ليجيرَ ُهمْ من َ فَلَ َو أنّهم ركبوا الكواكبَ لم يكن
وقال عبيد ال بن عبد ال بن طاهر في نحو قول النابغة :الطويل:
أفوتك إنّ الرأْيَ مـنـي لـعـازبُ وإني وإن ح ّدثْتُ نفـسـي بـأنـنـي
من الرض لول استنهضتْني المذاهبُ لَنك لي مثلُ المكان المـحـيط بـي
وأمّا قول سعيد:
وما أنت إلّ كالزمان
والبيت الذي يليه ،فكأنه ألمّ فيه بقول شَمعَل الثعلبي وإن لم يكن المعنى بنفسه :الطويل:
جرُ عتْبٌ عليّ ول هَ ْ عدَاتي ،ول َ ُ ج ْذبَةٍ بالرجْل منّي تباشـرتْ َأمِنْ َ
لكالدهر ،ل عارٌ بما صنَ َع الدهْرُ فإن أمي َر المؤمنـين وفِـعْـلـهُ
وقال رجل من طيئ وكان رجل منهم يقال له زيد من ولد عروة بن زيد الخيل قتلَ رجلً اسمه زيد فأقاد منه السلطان ،فقال الطائي يفتخر على
السديين :الطويل:
بَأ ْبيَضَ مشحوذ الغِرار َيمَـانـي س زيدكُم عل َز ْيدُنا يوم الحمى رَأْ َ
أقادكم السلطان بَـعْـدَ َزمَـانِ فإن تقتلوا زيداً بـزيد فـإنـمـا
وقول الثعلبي مأخوذ من قول النابغة ،وهو أَول من ابتكره :البسيط:
وما عليّ بأن أَخشاك مِنْ عارِ عيّرَتني بنو ذبيانَ خشـيتَـهُ وَ
ومن جيد شعر سعيد بن حميد :الطويل:
فل هو يَبدَانـي ول أنـا أَسـأَلُ حيِي وارقُـب وَعـدَهُ أهابُ وأس َت ْ
قريبٌ ،وقلبي بالبعـيد مـوكّـلُ س مَجرَاها بعيدٌ وضوءُها هو الشم ُ
وهذا المعنى وإن كان كثيراً مشهورًا فما يكادُ يدانَى في الحسان فيه.
وقد قال أبو عيينة :الطويل:
ج ْندٍ قفولٌ غَـزَا جُـنْـدُ إذا حان من ُ ب من كلّ جانـب غ َز ْتنِي جيوشُ الح ّ
قريبٌ ،ولكنْ في تناولـهـا بُـعـدُ أقول لصحابي :هِيَ الشمسُ ،ضوءُها
وقال العباس بن الحنف :المتقارب:
فعَزّ الفؤَاد عَـزَاءً جَـمِـيلَ س َكنُها في السماء هي الشمسُ م ْ
ولنْ تستطي َع إليكَ الـنـزُول فلَن تستطيع إليها الصـعـودَ
وقال البحتري :الوافر:
فشَأناكَ انحدارٌ وارتـفـاعُ ت قَدراً ت تواضُعاً وعَلَو َ دَنَوْ َ
و َي ْدنُو الضو ُء منها والشعاع س تَبعُد أن تدانى كذاك الشم ُ
وقال ابن الرومي :الكامل:
كالدهر فيه لمن يؤول مَـآلُ وذَخَزتُه للدهر أعْـلـمُ أنـه
313
فالنّور منها والضـيا ُء يُنـالُ ورأيتُه كالشمس إن هي لم ُتنَلْ
وقال المتنبي :البسيط:
ع َزّ ذلك مطلوبًا لمن طلبَـا وَ طمِعُ فيما تحت حُلّتهـا بيضا ُء تُ ْ
شُعاعها وتَرَاه العينُ مقتربـا ف قَابِضِها س ُيعْيِي كَ ّ كأنها الشم ُ
وقال سعيد بن حميد ،ويروى لفَضْل الشاعرة :المنسرح:
عنّي بذاك الرضا بمغ َتبِطِ ت أيام كنتِ راضـيةً ما كن ُ
منك التجني وكثرةُ السّخَطِ علماً بأنّ الرضا س َي ْتبَـعُـهُ
منك وما سرّني فعَنْ غَلطِ فكل ما ساءني فعَنْ خُلُـقٍ
وفي هذا المعنى يقول أبو العباس الهاشمي من ولد عبد الصمد بن علي ،و ُيعْرَف بأبي ا ْل ِعبَرِ :البسيط:
بكيتُ عند الرضا خوفًا من الغـضـبِ ضبَتْ ،حـتـى إذا رَضِـيَتْ أ ْبكِي إذا غَ ِ
شتُ فـي تَـعَـبِ حنِي سلوّ ع ْ إن لم يُرِ ْ ضيَتْضبَتْ ،والموتُ إن َر ِ فالموت إن غَ ِ
وقال العباس بن الحنف :الطويل:
عتْبُ لصحة عِلْمي أن سيتبعه َ ضيَتْ لم َي ْهنِنِي ذِلكَ الرّضا إذا رَ ِ
فأسألها مرضاتها ولها الذّنْـبُ ع ْتبِها
وأبكي إذا ما أ ْذنَبَتْ خوف َ
وعطفكُمُ صدّ وسَ ْل ُمكُمُ حَـرْبُ وصاُلكُمْ َهجْرٌ ،وقُ ْر ُبكُ ُم قِـلًـى
صعْبُ ل من أموركمْ َ ل ذَلُو ٍ وك ّ وأنت ْم بحمد ال فيكُمْ فـظـاظةٌ
وقال :المنسرح:
حذَا َر هذا الصدودِ والغَضَـبِ ِ قد كنتُ أبكي وأنـتِ راضـيةٌ
تمّ فما لي في العيش من أرَبِ إن تمّ ذا الهجرُ يا ظَـلـو ُم ول
وما أحسن قول القائل :الوافر:
وإن وجد الهوى حُلوَ الـمـذاقِ وما في الرض أشقى من محبّ
مخـاف َة فُـ ْرقَةٍ أو لِشـتـياق تراهُ بـاكـياً فـي كـلّ حـينٍ
ويَبكي إن َدنَوْا خوفَ الفِـرَاق فيبكي إن نََأوْا حذراً عـلـيهـم
سخَن عينه عـنـد الـتـلقِ وتَ ْ ن عينه عنـد الـتـنـائي وتَسْخَ ُ
من كتاب ال تعالى
ت كلمَه. عتُ في كتابي بآية من كتاب ال تعالى أنرت إظلمه ،و َزيّنتُ أحكامه ،وأعذب ُ وقال سعيد بن حميد :إذا نز ْ
أمثال للعرب والعجم والعامة
وما يماثلها من كتاب ال تعالى:
ل منها وأعلى ،أخرجها أبو منصور عبد الملك الثعالبي. ممّا هو أج ّ
حيَاة يا أُولي ال ْلبَابِ". قال عليّ رضي ال تعالى عنه :القتْل أنفى للقتل ،وفي القرآن" :وَلكمُ في القصَاصِ َ
سيَ خَ ْلقَهُ". خبَرَه" ،وفي القرآن " َوضَ َربَ لنا َمثَلً َونَ ِ جيْرٌ َجيْر بُجَ َر ُه ونَسي بُ َ عيّ َر بُ َب تقول لمن يعيّر غيره بما هو فيهَ " : والعر ُ
عدْنا"" .وإنْ َتعُودُوا َنعُدْ". ع ْدتُم ُ
عدْنا لها ،وفي القرآن" :وإنْ ُ وفي معاودة العقوبة عند معا َودَة الذنب :إن عَادت العَقْ َربُ ُ
ت َيدَاكَ". وفي ذَوْق الجاني وبالَ أمرهَ " :يدَاك أ ْو َكتَا ،وَفوكَ نَفخ" .وفي القران" :ذلك بما ق ّدمَ ْ
وفي قُ ْربِ الغد من اليوم قول الشاعر :الوافر:
وإن غداً ِلنَاظرِه قَرِيب
ح بِقَرِيبٍ". صبْ ُ
وفي القران " :ألَيسَ ال ّ
حقّ". حصَ ال َ ع ْينَين ،وفي القرآن" :النَ حَصْ َ وفي ظهور المر :قد وضح المر لذي َ
ج ْمرَةً".
ن أبَى فَ َ وفي الساءة إلى من ل يقبل الحسان" :أَعطِ أخاك َتمْرَةً ،فإ ْ
ن نُ َقيّضْ لهُ شيطانًا َفهُوَ ل ُه قَرِينٌ". ن ذِكرِ الرّحم ِ ن َيعْشُ ع ْ وفي القرآن" :ومَ ْ
ستَ ْف ِتيَانِ".
لمْرُ الذي فيه تَ ْ سيْفُ العَذَل" ،وفي القرآن العظيم" :قُضِيَ ا َ سبَقَ ال ّ وفي فَوْت المرَ " :
ن تنَالُوا البِرّ حتى ُتنْفِقُوا ِممّا تُحبّونَ". ن َي ْنكَحِ الحَسنا َء ُيعْطِ َمهْرَها" ،وفي القرآن" :لَ ْ وفي الوصول إلى المراد ب َبذْلِ الرغائب" :مَ ْ
شتَهونَ". ل َبيْ َنهُم و َبيْنَ ما يَ ْ ل بين ال َعيْرِ والنّزوَانِ وفي القرآنَ " :وحِي َ وفي منع الرجل مُرَاده :الطويلَ :و َقدْ حِي َ
حتَى عَفَوْا". سنَةَ َ حَ سّيئَةِ الْ َ
سدَ" ،وفي القرآن" :ثُ ّم َبدّ ْلنَا َمكَانَ ال ّ غيْثٌ على ما َأفْ َ وفي تَلَفي الساءة" :عادَ َ
ستَ َقرّ". ل نَبٍإ مُ ْ
وفي الختصاص" :كل مقام بمقال" ،وفي القرآنِ" :لكُ ّ
سوَاءً".ن كما كَ َفرُوا ف َتكُونُونَ َ العجم" :من احترق ُكدَسه تمنّى إحراق أكداس الناس" ،وفي القرآنَ " :ودّوْا ل ْو تكْفُرُو َ
ل بِأهْلِهِ". سيّئُ إ ّ العامة" :مَنْ حفر لخيه بئراً َوقَعَ فيها" ،وفي القرآن" :ول يَحِيقُ ال َمكْرُ ال ّ
ومن الشعر :السريع:
ما يفعل المرء فهو أهله كل امرئ يشبهُ ُه ِفعْلُـهُ
ل َي ْعمَلُ علَى شَاكَِلتِهٍ". ل كُ ٌوفي القرآن" :قُ ْ
ل ول تسأل عن ال َمبْقَلَة". العامة" :كُلِ البق َ
ن ُتبْدَ َلكُ ْم تَسُ ْؤكُمْ". شيَاءَ إ ْ وفي القرآن" :ل تَسَْألُوا عَنْ أَ ْ
شعر :الرجز:
314
ت كارِهْ؟ خَارَ لكَ ال وَأنْ َ ت بك ال َمكَارِهْ كم مرةً حَفّ ْ
خيْرًا كَثيراً" العامة" :المأمول خيرٌ من المأكول" ،وفي القرآن" :وللخِرَةُ خي ٌر لك ِمنَ جعَلَ ال فيه َشيْئًا ويَ ْ ن تكْرَهُوا َ وفي القرانَ " :فعَسى أَ ْ
س َم َعهُم" .المتنبي :الطويل: خيْراً ل ْ الُولَى" العامة" :لو كان في اليوم خيرٌ ما سلّم علي الصيّاد ،وفي القرآن" :ولو عَلِمَ ال فيهِمْ َ
مصائِبُ قوم عند قوم فَوَائد
خبِيثَاتِ" العجم" :لم يردِ خبِيثُونَ لِ ْل َ
خبِيثينَ وَا ْل َخبِيثَاتُ لِل َ سيّئَ ٌة يَفْ َرحُوا بهَا" عند الخنازير تنفُق العذرة ،وفي القرآن":ا ْل َ ن تُصِبكُمْ َ وفي القرآن" :وإ ْ
خ ْذنَاهُم َب ْغتَةً".
ال بالنملة صلحاً إذا أَنبت لها جناحاً" ،وفي القرآن" :حتى إذا َفرِحُوا بما أُوتُوا أَ َ
سبَتْ رَهِينَةٌ".س بِما كَ َ
ل نَفْ ٍ العامة :الكلب ل يَصِيد كارهاً ،وفي القرآن" :ل إ ْكرَاهَ في الدّينِ" .العجم" :كل شاة تُناط برجلها" وفي القرآن" :كُ ّ
جملة من مكاتبات بعض أهل العصر
حمِيد سيرته: أبو القاسم محمد بن علي السكافي عن المير نوح بن نصر وعن ابنه عبد الملك لبي طاهر وشمكير بن زياد يَشْكرُه على َ
مَنْ حمدناه -أَعَ ّزكَ ال تعالى -من أعيان المِلّةِ الذين بهم افتِخَارُها ،وأعوانِ الدولة الذين بهم استظهارُها ،بخلّة ينزع فيها من خللِ الفَضْل،
وخصْلَة يكمل بها من خصال ال َعدْل .وإنّك -أعزك ال! -من نحمده بالرتقاء في درَج الفضائل ،والستواء في كل الشواكل؛ فإنه ليس من
صدْقُ خبره عن ال ِعيَان ،وكفى بيان حمَدة إل وسهمُك فيها فائز ،ول من شدة إل و َمهْلُك فيها بارز ،وذلك -أعزّك ال تعالى! -أمرٌ قد أغنى ِ مَ ْ
شكْر ،وجدّدنا لك مع اعتراض كل ق جديدَ ُ س ُمنَاها ،وسوّغناها هَواهَا ،لوردنا عليك في ذرور كلّ شار ٍ أثره تكلّف المتحان ،ولو أعطينا النفو َ
ل الدنى من الحماد محل الوفى ،فيُقضى لك بأنه -وإن عظم ل ذِكر ،لكنا للعادة في تَ ْركِ الهوى ،والثقة بأنك مع صالح آدابك تح ّ خاطر جمي َ
قدرُه -يسير العدد ،وعلى ما هو -وإن تناهى لفظُه -باقي ال َفخْر مدى البد ،وكان ممّا اقتضانا الن تناولك به أخبا ٌر تواترت ،وأقوال
شكْرِ ما يتزيد لهم وفيهم من موادّ عدلك ،وحسن َفضْلك ،حتى لقد ظلوا ولهم تظاهرت ،بإطباق سكان الحَضْرة ونيسابور من أهل عملك على ُ
سمَعه، ن بها المؤمنُ والداعي؛ فإن هذا -أعزَك ال -حال يطيب مَ ْ في شكر ذلك محافل ُتعْقَد ،ومشاهد تشْهد ،يعجب بها السامعُ والرائي ،ويقتر ُ
صدْق النشراح ،إلى هذا الكتاب أن أعجلْناه ،وهذا ب بَهجاً ،والصدور ثلجاً ،حتى استفزّها فَرْطُ الرتياح ،و ِ ويلذ موقعه ،حتى لقد مل القلو َ
الشكر أن أجزلْناه .بعد ذكرٍ لك اتصل كل التصال ،وأجمل كلّ الجمال ،وتضاعف به حظك من الرأي أضعافاً ،وأشرف محلك على كل
المحال إشرافاً ،ونحن نهنيك -أعزّك ال -على التوفيق الذي قسمَه ال لك ،والتيسير الذي وكلَه بك ،ونبعثك على استدامتها بصالح النيّة،
وبصادق البغية ،لتدنُ َو من العدل على ما ترعى ،وتحسن الهَدْي فيما تتولى .فرأيك أبقاك ال تعالى في إحلل ذلك محله من استبشار به
تستكمله ،واستثمار له تعجّله إن شاء ال تعالى.
ص ُمصْطَبراً ،وحتى يكون بحيث أمر ال من ق من سلّم لمر ال تعالى ورضي ب َقدَرهِ ،حتى ُيمَحّض مصطنعاً ،ويَخل َ وكتب إليه يعزّيه :إن أَح ّ
الشكر إذا وَهب ،والرضا إذا سَلب ،أنت أعزّك ال تعالى؛ لمحلّك من الشكر والحِجَا ،وحظك من الصبر والنّهى ،ثم لمَا ترجعُ إليه من ثبات
ل مَرْزوء ،ودَرَكاً لكلّ س ْهمِك الفائز ،و َمهَلِك البارز ،عِوَضًا عن ك ّ الجَنان عند النَازِلة ،وقوة الركان لعزّ الدولة الفاضلة ،فإنَ لك فيها وفي َ
مَرْجُوّ ،ونسأل ل أن يجعلك من الشاكرين لِ َفضْله إذا أبلى ،والصابرين لحكمه إذا ابتَلى ،وأن يجعل لك ل ِبكَ التعزية ،ويقيك في نفسك وفي
ذَويك الرزيّة ،بمنّه وقدرته.
خبَرُ مصابك بفلن؛ فخلص إلينا من الغتمام به ما يحصل في مثله ممّن أطاع ووَفى ،وخدم ووالى ،وعلمنا أن لفقدك مثله وله إليه :ترامى إلينا َ
لَوْعةَ ،وللمصاب به لَذعة؛ فآثرنا كتابنا هذا إليك في تعزيتك ،على يقيننا بأن عقلك ُيغْنِي عن عِظتِك ،ويهدي إلى الوْلَى بشيمتك ،والزيد في
ُرتْبتك؟ فَليَحسُنْ -أعزك ال -صب ُركَ على ما أخذه منك ،وشكْرُك على ما أبقى لك ،وليتمكّن في نفسك ما وفّر لك من ثوابِ الصابرين ،وأجزل
من ذخَر المحسنين ،وليَ ِردْ كِتابك بما ألهمك ال تعالى من عزاء ،وأبلَكه من جميل بَلء ،إن شاء ال تعالى.
ف توجّعك للمصيبة ،ونحن نحمدُ ال تعالى الذي ُي ْنعِم وله إليه جواب :وصل كتابك -أعزك ال تعالى -مفتتَحاً بالتعزية عن فلن ،وبوَصْ ِ
حرَتْ آخذة ومعطية ،ومَوَاقع مشيئته كيف مضت سارّة ع ْدلً ،و َيهَبُ إحساناً ،ويسلب امتحاناً ،على مَجَاري قضيّته كيف َ حكُم َ
فضلً ،ويَ ْ
ل إل به ،ومستمسكين بما أمر به عند المساءة من الصبر ،والمسرّة من الشكر ،راجين ما أعدّه ح ْمدَ عالمين أن ل حكم إل له ،ول حو َ ومسيئةَ ،
شتُك -أعزّك ال -للحادث على الماضي، ل عليه نتوكل وإليه ننيب ،وأما وَحْ َ ال من الثواب للصابرين ،والمزيد للشاكرين .وما توفيقنا إل با ّ
عفا ال عنه ،فمثلُك من ذَوي الصفاء والوفاء اختصّ بذلك واهتتم له ،وعرف مثلَه فاغتنمَ به؛ فإن الطاعة نسب بين أوليائها ،والنعمة سبب بين
ن يمسك في هذا العارض ما يمسّ أولى المشاركة ،ويخصّك من الهتمام ما خصّ ذوي المشابَكة. أبنائها ،فل عجَب أ ْ
سعْي في سبيله إلى جملتك؛ فأمّلنَا أن يكون خبَرُك ،أكرمَك ال تعالى ،بنفوذك لوجهك فيمن جمعهم ال تعالى لل ّ وله إليه أيضاً في أمر غزاة :ورد َ
ذلك موصولً بأعظَم الخيرة ،مؤدياً إلى أحسن المغبّة ،إل أنّا أحسسنا من الغُزَاة الذين بهم تعْتضد ،وإياهم تستنجد ،فتُو َر نيّات ،وفساد طَ ِويّات،
وهذا كما علمت بابٌ عظيم يجبُ الطلع بالفكر والرأي عليه ،والحتراس بالجدّ والجهد من الخَطَل فيه .فسبيلُك أن تتأمَل أمرك بعين
ج ْد نيّات أولئك الغُزَاة َمدْخُولة ،ول عدّتك مقدار الكفاية ،ولم تَ ِ استقصاء العَوْ َرةِ ،واستدراك الخرة ،فإن أ ْنتَ وجدت في عدتك تمامَ القدرة ،وفي ُ
عُرَاهم مَحْلُولة ،استخرت ال تعالى في المسير بكلّ ما تقد ُر عليه من الحَ ْزمِ في أمرك ،ثم إن تكن الخْرى ،وكان القوم على ما ذكرت من كَلل
ث يحدّثك به ِكتَا ُبنَا هذا إن اجتليت ما ذكرته ،وإن لم تبلغ بلغة ما اخترته ،فاعتلق ب َذيْله. ضعْفِ المرائر ،عملت على التلوّم لحدي ٍ البصائر ،و َ
من إنشاء بديع الزمان
وهذه المقامة من إنشاء البديع ،قال عيسى بن هشام :غزَوْت الثغر بقَزْوِين سنة خمس وسبعين ،فما اجتزنا حَزْناً ،إل هبطنا بَطنا ،حتى وقف بنا
المسيرُ على بعض ُقرَاها ،فقالت الهاجِرة بنا إلى ظِل أثلَثٍ في حِجْرها عينٌ كلسانِ الش ْمعَة ،أصفى من الدمعة ،تسيح في الرّضْرَاض ،سيح
ضنَاض؛ َفنِلنا من المَأكْل ما نلْنا ،ثم ملْنا إلى الظل فق ْلنَا؛ فما مَلكَنا النومُ حتى س ِم ْعنَا صوتاً أنكرَ من صوتِ الحمار ،ورَجْعاً أضعَفَ من رجْع النَ ْ
ضغَيْ أَسد؛ فذَادَ عن القوم رَائد النوم ،وفتحت العيون إليه وقد حالت الشجار دونه ،وأصغيتُ طبْل كأنه خارج من ما ِ الحُوارِ ،يَشْ َفعُهما صَوْتُ َ
فإذا هو يقول على إيقاع صوت الطبل :السريع:
ع ْيشِ خصيبْ إلى ذَرًى رَحْبٍ و َ أَدعو إلى ال فهل من مُجـيبْ
قطوفُها دانـية مـا تَـغـيبْ؟ وجـنَة عـالـيةٍ مـا تَـنِــي
من بَلدِ الكُفْر وأمري عَجِـيبْ يا قـومُ ،إنـي رجـلٌ ثــائبٌ
عبَدْت الصَـلِـيبْ ت فيه و َ حدْ ُ جَ َ ت فـكـم لـيلةٍ ك آمَـنْـ ُ إنْ أ ُ
ت منه النّصـيبْ ومُسْكر أح َرزْ ُ يا ربّ خِنـزير تـمـشَـ ْئتُـهُ
315
من زَلَةِ الكُفر اجتهادُ المُصيبْ ثم هداني ال ،وانـتـاشَـنِـي
وأَعبدُ ال بـقَـلـب مُـنِـيب فظَلْت أُخْفي الدّين في أُسْرتـي
ول أجي الكعبة خَ ْوفَ الرقيبْ لتِ حِـذَار الـعِـدَى جدُ لِـ َ
سُأَ ْ
ضنَانيَ يومٌ عَـصِـيبْ َليْلي وأ ْ وأسـألُ الـلـه إذا جَـنّـنـي
فنجّني؛ إنيَ فـيهـم غـريب ب كمـا أنـك أنـقـذتـنـي رَ ّ
وما سِوَى العزم أمامي نَجِـيب خذْتُ الليلَ لي مـركـبـاً ثم اتّ َ
يكادُ رأسُ الطفل فيها يَشِـيبْ َو َق ْدكَ مِنْ سـيريَ فـي لـيلةٍ
إلى حمى الدين نفضت ال َوجِيبْ جزْت بحر الـعـمـى حتى إذا ُ
نَصْوٌ من ال وفَـتْـحٌ قـريب وقلت إذ لح شِعـارُ الـهـدى
ظهْرِي حدائقَ وأعناباً ،وكواعب طئْت وال بلدكم بِقَلْب ل العِشْق شاقَه ،ول ال َفقْرُ ساقَه ،وقد تركت وراء َ ولما بلغ هذا البيت قال :يا قوم ،و ِ
جحْره ،وبرزتُ بروزَ الطائر من َوكْره، عدّةً وعديداً ،ومراكبَ وعَبيداً ،وخرجتُ خروجَ الحثة من ُ ل مُسَ ّومَة ،وقناطير ُم َقنْطَرة ،و ُ أتراباً ،وخي ً
مُ ْؤثِراً ديني على دُنْياي ،وجامعًا ُي ْمنَاي إلى يُسراي ،واصلً سيْري بِسُراي ،فلو رفعتم النار بشررها ،ورميتم الروم بحجرها ،وأعنتموني على
غَزْوِها مساعدة وإسعاداً ،ومرافدة وإرفاداً ،ول شطَطَ ،فكل قادر على ُقدْرَته ،وحَسب ثَرْوَته .ول أستكثر ال َبدْرَة ،ول أردّ التمرة ،وأقبل الذّرة،
ولكل مني سهمان ،سَهمٌ أُذلّقه لِلّقاء ،ؤسهمٌ أفوقه بالدعاء ،وأرشُق به أبواب السماء ،عن قَوْس الظلماء.
ف قد شَهره، خنَا أبو الفتح السكندري ،بسي ٍ قال عيسى بن هشام :فاستفزّني رائعُ ألفاظه ،وسرَوْتُ جِلْباب النوم ،وعدوت إلى القوم ،وإذا وال شي ُ
حدْسه؛ وملك نَفْسه ،وأغنانا بفاضل قَوْله ،وقسم لنا من نَيله! ثم أخَذ ما أخذ، وزي قد نكره؛ فلما رآني غَمزني بعينه وقال :رحم ال امرأً أحسن َ
فقمتُ إليه فقلت :أنت من أولد بنات الروم؟ فقال :مجزوء الخفيف:
ن كحالي مع النسَـبْ أنا حَالي مـع الـزمـا
ن إذا سامه انقـلَـبْ نسَبي فـي َيدِ الـزمـا
ضحِي من العَ َربْ ط وأ ْ أنا أُمسي من النـبـي
من أخبار سليمان بن عبد الملك
ن يجمعُ له القلب فهمَه إل قضيتُها ،وإن ن بن عبد الملك :ما سألني أحدٌ قط مسألة يثقلُ علي قضاؤها ،ول يخفّ عليّ أداؤها ،بلفظٍ حس ٍ قال سليما ُ
كانت العزيمة نفذت في منعه ،وكان الصواب مستقرًا في دفعه ،ضناً بالصواب أن يردّ سائله ،أو يحرم نائله.
من أخبار النعمان بن المنذر
والحارث الغساني
شمِر الغَشَاني ،فقال له الحارث يوماً وقال أبو عبيدة :كان أبو قيس بن رِفاعة يَفِد سنةً إلى النعمان بن المنذر اللخمي وسنة إلى الحارث بن أبي َ
ف من ن من وَجْهه ،ولمك أشر ُ وهو عنده :يا ابن رفاعة ،بلغني أنك تفضل النعمان عليّ! قال :كيف أفضّله عليك ،أبيتَ اللعنَ؟ فوال لَ َقفَاكَ أحسَ ُ
ك أكثر من كثيره، أبيه ،ولباؤك أشرف من جميع قومه ،ولَمسُك أفضل من يومه ،ولشمالك أجود من يمينه ،ولحِرمانك أنفع من َبذْلِهِ ،ولَقلِيُل َ
شهْرِه ،ولشهرُك أشرف من حَوله، ولثِمادُك أغز ُر من غديره ،ولكرسيك أرفع من سريره ،ولجدْوَُلكَ أغمر من بحوره ،وليومُك أفضل من َ
ولحولك خير من حقبه ،ولزندك أورى من َزنْدِه ،ولجندك أعز من جنده ،ولهزلُك أصوب من جده ،وإنك َلمِنْ غسّان أرباب الملوك ،وإنه لمن
خ ٍم كثيري النوكِ! فعَلَمَ أفضلُه عليك؟ وقد روى مثل هذا الكلم للنابغة الذبياني مع النعمان بن المنذر. لَ ْ
من أخبار المهدي
وقال المفضل الضبي :دخلت على المهدي فقال قبل أن أجلس :أنشدني أربعة أبيات ل تزد عليهنّ ،وعنده عبد ال بن مالك الخزاعي ،فأنشدته:
الطويل:
يجرّ شواءً بالعصا غير ُمنْضَـج وأشعثَ قد َقدّ السّفا ُر قـمـيصـه
كري ٌم من الفتيان غـيرمـزَلّـجِ دعوتُ إلى ما نابني وأجـابـنـي
ويضرب في رأس الكميّ المدجّج فتى يمل الشّيزى ويرْوِي سنانَـه
ول في بيوتِ الحيّ بالمـتـولـج فتى ليس بالراضي بأدنى معـيشة
ت بعثَ إليّ بألف دينار ،وبعثَ إلى عبد ال.بأربعة آلف. فقال المهدي :هذا هو ،وأشار إلى عبد ال بن مالك ،فلمّا انصرف ُ
من أخبار أبو السود الدؤلي
خذَ ُه منها فأبَت وقالت المرأة :أصلح ال المير ،هذا ابني ،كان بطني تنازع أبو السود الدؤلي وامرأته إلى زيادٍ في ابنهما؟ وأراد أبو السود أ ْ
وعاؤُه ،وحجري فناؤه ،وثديي سقاؤه ،أكلؤه إذا نام ،وأحفظه إذا قام؛ فلم أزل بذلك سبعة أعوام ،فلمّا استوفى فصالُه ،وكملت خصالُه،
طفَه ،أراد أن يأخذه مني كَرهاً ،فآدِني أيها المير ،فقد أراد قهري ،وحاول َقسْرِي. واستوكعَت أوصالُه ،وأمّلْتُ نفعَه ،ورجوت عَ ْ
فقال أبو السود :هذا ابني حملتُه قبل أن تحمله ،ووضعته قبل أن تضعه ،وأنا أقوم عليه في أدبه ،وأنظر في تقويم أ َودِه ،وأمنحه علمي ،وألهمه
حلمي ،حتى يكمل عقله ،ويستكمل فتلُه.
فقالت المرأة :صدق أصلحك ال؛ حمله خِفّا ،وحملته ِثقْلً ،ووضَعه شهوة ،ووضعتُه كرهاً.
فقال زياد :ار ُددْ على المرأة ولدَها؛ فهي أحق به منك ،ودعني من سَجْعك.
في باب الوعظ
ن بعض الحكماء كان يقولُ :إني لعظكم ،وإني لكثيرُ الذنوب ،مسرفٌ على نفسي ،غير حامد لها ،ول حاملها على قال الصمعي :بلغني أ ّ
المكروه في طاعة الّ .وقد بلوتها فلم أجد لها شكراً في الرضاء ،ول صبراً على البَلْوَى .ولو أن أحداً ل يعظ أخاه حتى يحكم أمرَه لترك
المر؟ ...ولكن محادثة الخوان حياة القلوب وجلء النفوس ،وتذكي ٌر من النسيان ،واعلموا أنّ الدنيا سرورُها أحزان ،وإقبالها إدبار ،وآخر
حياتها الموت ،فكم من مستقبل يومًا ل يستكملُه ،ومنتظر غدًا ل يبلغه؟ ولو تنظرون الجل ومسيره لبغضتّم المل وغرورَه.
316
جمع عبد الملك أهله وولده فقال :يا بني أميّة ،ابذُلوا َندَاكم ،وكفوا أذاكم ،وأجملوا إذا طلبتم ،واغفروا إذا قدرتم ،ول تُلْحِفُوا إذا سألتم ،ول تبخلوا
إذا سُئلتم؛ فإن العفو بعد القدرة ،والثناء بعد الخبرة ،وخير المال ما أفاد حمدًا ونَفَى دمّا.
من أخبار هشام بن عبد الملك
ودخل سعيد الجعفري على هشام بن عبد الملك فقال :يا أمير المؤمنين ،إني أريد أن أصفك بصفتك ،فإن انحرف كلمي فلهيبة المام ،واجتماعِ
القوام ،وتصرّف العوام ،ولربّ جوادٍ عثر في أرسانه ،وكبا في ميدانه ،ورحم ال امرأ قصّر من لفظه ،وألصق الرض بلحظه ،ووعى
قولي بحفظه ،فخاف هشام أن يتكلّم فيقصّر عن جائزة مثله ،فعزم عليه فسكت.
بين حاتم الطائي وعبد قيس البرجمي
قال عبد قيس بن خُفاف البُ ْرجُميُ لحاتم الطائي وقد وفَد عليه في دماء تحمّلها وعجز عن البعض :إنه وقعت بيني وبين قومي دماد فتواكلوها،
وإني حملتها في مالي وأملي ،فقدّمت مالي ،و ُكنْتَ أملي ،فإن تحملها فرُبّ حق قضيتَه ،وه ّم قد كفيتَه ،وإن حال دون ذلك حائل لم أذمُم يومك،
ولم أيأس من غدك.
بين الحمدوني وابن حرب
ي أحمد بن حَرْب المهلبي في غداةٍ ،السما ُء فيها مُغيمَة ،فأتيته والمائدةُ موضوع ٌة ُمغَطّاة؟ قال أبو علي العتابي :حدّثني الحمدوني قال :بعث إل ّ
ق يدقّ الباب ،فأتاه الغلم فقال :بالباب فلن؛ فقال لي :هو فتًى من وقد وافَتْ عُجاب المغنية ،فأك ْلنَا جميعاً ،وجلسنا على شرابنا ،فما راعنا إل دا ّ
ضخْم ،قال :وتكلم ل آدَمُ َ
آل المهلب ،ظريف ،نظيف ،فقلت :ما نريد غير ما نحن فيه ،فأذِن له ،فجا َء يتبختر وقُدامي َقدَحُ شراب فكسره ،فإذا رَج ٌ
فإذا هو أعيا الناس ،فجلس بيني وبين عُجاب ،قال :فدعوت بدَواة وكتبت إلى أحمد بن حرب :الخفيف:
شَ! فقد كان صافيًا مُستَطَـابـا ش من كدر الـعَـي كدّر ال عي َ
ث وقد طابقَ السماعُ الشرابـا جاءنا والسماءُ تهطل بـالـغَـي
رِيّ ضمّت من المدَام رُضَابـا كسر الكاسَ وهْي كالكوكب الدرْ
ره والدهرُ ما أفَـاد أصـابـا ت منـه بـمـا أكقلت لما ُرمِي ُ
تدعُ الدا َر بعد شهـرٍ خـرابـا عجّل ال نقـم ًة لبـن حـربٍ
ت بعد حول؟ فقلت :أردت أقول بعد يوم ،فخفت أن تصيبني مضرّة ذلك ،وفطن الثقيل ستَ فقل َ ودفعتُ الرقعة إلى أحمد ،فقال :ويحك إل نف ْ
فنهض ،فقال :آذيتَه! فقلت :هو آذاني.
وقال الحمدوني في طيلسان ابن حرب :الطويل:
تيقنْتُ أن الدهر َي ْفنَى وينـقـرضْ ولي طيلسانٌ إن تأمّلت شخـصَـهُ
ت اليا ُم من عمره الغَرَضْ وأَظهر ِ تص ّدعَ حتى قد َأ ِمنْت انصـداعَـهُ
أخَا سَقَم مما تَمادَى به الـمـرَضْ كأني لشفاقي علـيه مـمـرّضٌ
َلمَارَوْك فيه وادّعَوا أنه عـرَضْ فلو أنّ أصحابَ الـكـلم يَرَونـه
وقال فيه :البسيط:
بها تبينَ فضلي فهو مـتـصِـلُ لطيلسان ابن حرب نعمة سبقَـتْ
عليه خوفي من القوام إن جهلُوا قد كنتُ دهراً جهولً ثم حنّنـنِـي
317
وقال أيضاً :الخفيف:
ر من الدهر ما لِ َرفْويهِ حِيلَهْ طيلسانٌ ما زال أقدم في الده
َرثّة الحال ذات فَ ْق ٍر ُمعِيلَـهْ وترى ضَعفه كضعف عجوز
ل قـبـيلَـهْ سكنته نُزّاع ك ّ غمرتْهُ الرفاع فهو كمِصْـرٍ
ن قبلي بَجِيلَـهْ فجرير قد زا َ إنْ أزينْهُ يا ابن حرب بذمـي
جرير :ابن عبد ال البجلي ،وله صحبة رضي ال عنه وقد قال غسان في هجائه جريراً :الطويل:
جريرٌ لقد أخزى كَُليْباً جريرُها لعمري لئن كانت بجيلةُ زَانَهـا
وقال الحمدوني في معناه الول :الخفيف:
بيتـنـا مـثـل مـا كـسـوتَ جـمـــاعَـــهْ يا ابْـــنَ حـــرب إنـــي أرى فـــي زوايا
طيلسانٌ َرفَ ْوتُهُ ورفوت الرفْوَ منه حتى َرفَوْتُ ِرقَاعَهْ
ليس يعـطـي الـرّفـاء فـي الـرفـو طـاعَـهْ فأَطاع البِلى وصار خليعاً
ن أنـي فـتـى مـنَ أهـل الـضــيَاعَـــهْ ظّ فإذا ســــائلٌ رآنـــــــيَ فـــــــيهِ
وقال فيه :مجزوء الكامل:
يتداعى ل مِسَـاسـا طيْلَسانٌ ،لبنِ حـربٍ َ
وأناسـاً فـأَنـاسـا طوَى قَرْناً فقرنـاً قد َ
لم تدع فيه لِـبـاسَـا َلبِـس اليام حـتّـى
ل يُرى إل قـياسَـا غاب تحت الحسّ حتى
من رسائل ابن العميد
ع نحوك ،فعدَ ْدتُها كتب أبو الفضل بن العميد إلى أبي عبد ال الطبري :كتابي وأنا بحالٍ لو لم ينغّص منها الشوقُ إليك ،ولم يرنّق صَفْوها النّزا ُ
ت إليها بين سلمةٍ عامَة ،ونعمةٍ تامة ،وحَظِيتُ منها في جسمي بصَلَح، من الحوال الجميلة ،واعتددت حظّي منها في النعم الجليلة؛ فقد جمع ُ
وفي سعْيي بنجاح ،لكن ما بقي أن يَصْفُوَ لي عيش مع ُبعْدِي عنك ،ويخلو ذرْعي مع خلوّي منك ،ويَسُوغ لي مطعم ومشرب مع انفرادي دونك،
ع ِدمْت مشاهدتَك ،وهل تسكنُ نفس متشعّبة ذاتُ انقسام، ح ِرمْت رؤيتَك ،و َ ل أنسي ،وقد ُ شمْ ِوكيف أطمعُ في ذلك وأنتَ جزءٌ من نفسي ،وناظمٌ ل َ
وينفع أنس ُمتَشتّت بل نِظام ،وقد قرأت كتابك جعلني ال تعالى فداءك؛ فامتلتُ سروراً بملحظة خطّك ،وتأمّل تصرّفك في لفظك ،وما
ل أمرك ممدوح في ضميري وعَ ْقدِي ،وأَرجو أن تكونَ حقيقةُ أمرك موافقةً لتقديري فيك، أقرّظُهما فكل خصالك مقرّظ عندي ،وما أمدحُهما فك ّ
صرِي. فإن كان كذلك وإلّ فقد غطّى هواك وما ألقَى على بَ َ
طتُه وتَوْطِيده ،وظاهرَ له وله إلى عضد الدولة يهنئه بولدين :أطال ال بقاءَ المير الجل عضد الدولة ،دام عزّه وتأييده ،وعلوّه و َت ْمهِيده ،و َبسْ َ
من كلّ خير مزيده ،وهنّاه ما اختصه به على قُرْبِ الميلد ،من توافر العداد ،وتكثر المداد ،وتثمّر الولد ،وأَراه من النجابة في البنين
والسباط ،ما أراه من الكرم في الباء والجداد ،ول َأخْلَى عينَه من قرّة ،ونفسه من مَسرّة ،ومتجدّد نعمة ،ومستأنف مكرمة ،وزياد ٍة في عدده،
عبْده من طلوع بدرين وفَسْحٍ في أمده ،حتى يبلغَ غاي َة مَهلِه ،ويستغرق نهاية أمَله ،ويستوفي ما بعد حُسْنِ ظنه؛ وعرفه ال السعادةَ فيما بشّر َ
هما ا ْن َبعَثَا من نورِه ،واستنارا من دُوره ،وحفّا بسريره ،وجعل وفودَهما متلئمين ،وورودهما تَوْأمين ،بشيرين بتظاهر النعم ،وتواتر القِسم،
ف بنين يغصّ ،بجمعهم ُمنْخَرق الفَضَاء ،ويَشْرَقُ بنورهم أفق العلَء ،وينتهي بهم أ َم ُد النماء ،إلى غاية تفوتُ غايةَ الحصاء ،ول ومؤذِ َنيْن بتراد ِ
زالت السبلُ عامرة ،والمناهلُ غامرة ،يصافِحُ صادِرهم بالبشر الوارد ،وآملِهم بالنيل القاصد.
من شعر المتنبي
وقال أبو الطيب وذكر أبا دلف وأبا الفوارس ابني عضد الدولة :الوافر:
شبْلَيهِ ،ول َفرَسَيْ رهـانِ كَ ِ شبْلَيْ هِـ َزبْـرٍ
فلم َأ َر َقبْلَهُ ِ
بضوئِهما ول َيتَحـاسـدانِ ن يُحْـيا فعاش عِيشةَ ال َقمَري ِ
ول َورِثا سوَى مَنْ َي ْقتُـلنِ ول مَلكَا لسِوَى مُ ْلكِ العادي
ف أنيْسِـيانِ له ياءَيْ حُرو ِ وكان ا ْبنَا عَـدُوّ كـاثَـراهُ
يُؤدّيهِ الجَنانُ إلى الجَـنـانِ دُعا ٌء كالثـنـا ِء بِـل رِياءٍ
ل من ش َمكِير بن زياد في استبطاء وتهنئة :وصل كتابُك ناطقاً مفتَتحه بجميل ال ُعذْر ،فيما نقَ َ وكتب أبو القاسم السكافي عن نوح بن نصر إلى وَ ْ
المكاتبة ،وبعث من المطالعة ،و ُمعْرِباً مختتَمه عن جُملة خبرِ السلمة التي طبّقت أعمالك ،والستقامة التي عمت أحوالَك ،وفهمناه ،ولول أن
مواتاتك -أيّدك ال تعالى -فيما تأتي وتذَر ،وترتئي وتدبرّ ،عادةٌ لنا أورثتناها قرابة ما بين وفاقِنا ووِفاقك ،ومُلَءمة حال أَلجأَتنا لحال
لنْس صدِيقه ،لفَ ْرطِ ا ُشنَاك فيه ،وإنْ كان واجبًا تَ ْ استحقاقك ،لكنا ربّما ضايَ ْقنَاك في ال ُعذْر الذي اعتذرت به ،وإن كان واضحاً طريقُه ،وناقَ ْ
جبُ الحماد ،فنحن نأبى إل إجرا َء تلك العادة ،كما عودتَنا ،وإلّ يَخْلُص إلينا بكتابك ،والرتياح بخطابك ،اللّذين ل يؤدّيان إل خبرَ سلمةٍ تو ِ
التجافي عمّا تريد فيه من الزيادة التي أ َر ْدتَها ،ول ندع مع ذلك أن يصل تسويفُك إلى القلل الذي اخترته بإحمادك على الكتاب إذا كتبته ،توخّيا
لن تكون مؤهلً في الحالين لخالصة التنويل ،مقدماً في درج التفضيل ،موفى حقائق اليثار ،موقّى لواحِقَ الستقْصار ،ونستعين بال على
حوْله ،وأمّا بعد فقد عفّى -أعزك ال تعالى -ما أفاد قضاء حقوقك ،وعلى جميل النية في أمورك ،فإن ذلك ل يبلغ إل بقوّته ،ول ُيدْ َركُ إل بِ َ
كتابك بخبر السلمة من أنسه ،على آثا ِر مَنْ سبقه بخبر العلّة من وحْشَة ،فأَوجبتنا مقابل َه موهبة ال تعالى في المحبوب صنع ،والمكروه دفع،
ب بنا ،فرأيك -أعزّك ال تعالى -في المطالعة بذكر تستمدّه في القوة والصحة من ل به إخلصَ المواهبِ لنا ،ونستدي ُم به أخصّ المرات ِ نستقب ُ
مزِيد ،والطاعة والكفاية من توفيق وتسديد ،موفقاً إن شاء ال تعالى.
ألفاظ لهل العصر في ضروب التهاني
وما ينخرط في سلكها من ذلك في التهنئة بالمولود وما يجري مجراها من الدعية ،وما يختصّ منها بالملوك أو الرؤساء:
318
مرحباً بالفارس المصدّق للظنون ،المق ّر للعيون ،المقبل بالطالع السعيد ،والخير العَتيد ،أنجب البناء لكرم الباء .أنا مس َتبْشِر بطلوع النجم
الذي كنّا منه على َأمَل ،ومن تطاول استِسْرَارِه الذي كنا منه على َوجَل ،إن يشأ ال يجعله مقدمة إخوة في نَسق كالفريد المتّسق .قد طلع في أفق
سعْده ،عليه خاتَمُ الفضل وطا َبعُه، جدّه ،المضمون َ شرَاي بطلوع الفارس الميمون َ الحرية أسعدُ نجْم ،و َنجَمَ ،في حدائق المروءة أذكى نبت .يا بُ ْ
س ْهمُ الخير وطاِلعُه .الحمد ل على طلوع هذا الهلل الذي نَراه إن شاء ال بدرًا ل يُضْمرُ السّرَا ُر َبهَاه ،ول يبلغ المَحَاقُ سَناءه وسناه ،وقد وله َ
ظهْر ،واشتدَاد الزْر .الفارس المكثِر لسواد الفضل، سعْد .هنّاك ال تعالى بقوّة ال ّ جدّ ،واقترن قدومُه بالطالع ال ّ بَشّرَتْ قوابله بالقبال وعُلُو ال َ
جدّه وأباه .عرفت آنِفًا ما كثّر ال به عددَه، الموفّر لحالِ الهل ،المستوفي شرفَ الرومة ،بكرم البوة والمومة ،وأبقاه حتى نراه كما رأينا َ
ضدَه :من طلوع الفارس الذي أَضاء له الُفق ،وطال به باع السعادة ،فعظمت ال ُنعْمَى لديّ ،وأَوردتِ البُشرىَ غاية ال ُمنَى عليّ .مرحباً وشدّ عَ ُ
بالفارس القادم ،بأعظم المغانم ،سَ ِويّ الخلق سامِي العِرق يلوح عليه سيماء المجد ،وتتجاذبه أطراف الملك والحمد .وردت البُشْرى بالفارس
الذي أَ ْوسَع رباع المج ِد تأهيلً ،و َمنَاكِب الشرفِ ارتفاعاً ،وأعْضَاد العزّ اشتداداً.
وأتتني بُشْرى البشائر ،والنعم المحروسة على النظائر ،في سُلَلَة العز وسليله ،وابن منبر الملك وسريرِه ،والمير القادم بغُرّة المكارم،
الناهض إلى ذَرْوَة العلياء ،بآباء أمراء ،وملوك عظماء .مرحبًا بالفارس المأمول لشد الظهور ،المرجو لسدّ الثغور .الحمد ل الذي شد َأزْرَ
الدولةِ ،ونظم قلدة المرة ،ودعم سَرِير العزة ،ووطد مناب َر المملكة ،بالقمر السعد ،وشِبل السد ال َورْد .فد تنسمت المكارمُ والمعالي ،وتباشرت
خطَبُ والقوافي ،بالفارس المأمولِ لشدّ أزْرِ الملك ،وسد َثغْ ِر المجد ،وتَطَاولَ السريرُ شَوْقاً إليه ،واهتزت المنابِرُ حرصًا عليه .قد ا ْفتَرَ جَفْنُ ال ُ
حكُه عن اللّمعة المُنيرة؛ أما المير فالتاج لجبينه َي ْبهَى ،والركاب بقدمه تزهى ،اللهمّ أرِني هذا الهللَ العالَم عن العينِ البصيرة ،واس ُتغْرِب مض َ
ل القدار قدراً ،وبلّغه ال فيه مناه ،حتى نراه وأخاه ،منِيفينَ على ذرْوَة المجد ،آخذَين من أوفر الحظوَةِ بأعْلى الجد. بَدرًا قد عَ َ
ضدَ الفضل بالزيادة في عدده ،وأقرّ ع ّل فيه .عرف ال تعالى آثار بَركة المولود المسعود ،و َ ولهم :وال يمتع به ،ويرزقُ الخي َر منه ،ويحقّقُ الم َ
عيْنَ المجد بالسّادة من ولده .عرفه ال تعالى من سيادة مقدمه ،ما يجمعُ العداء تحت َقدَمه .عمرك ال تعالى حتى ترى هذا الهلل قمراً باهراً، َ
حسَدتِك ،من حيث ل َت ْهتِدي النوائبُ إلى أغراضكم ،ول تطمع الحوادثُ إلى انتقاصكم، وبَدراً زاهراًَ ،ي ْكثُر به عدد حَفَدتك ،ويعظم معه غُصّة َ
متعك ال بالولد ،وجعله من أقوى ال ُعدَد ،ووصَله بإخوة متوافرِي العدَد ،شادّي الزر وال َعضُد .هناك ال تعالى مَولده ،وقرن بال ُيمْن مَ ْو ِردَه،
وأراك من بنيه أولدًا بَرَرة وأسباطاً وحفدة ،وعرفك بركة ُقدُومه ،ونجح مقدمه ،وسعد طالعه ،ويمن طائره ،وعمّرك ال حتى ترى زيادة ال
منه كما رأيتها ،وال يبلّغك أفضل ما تقسمه السعود ،و َتعْلو به الجدود ،حتى يستغرق مع إخوته مساعيَ الفضلِ ،ويَشيدُوا قواعِدَ الفخر،
حرُسه من نواظر اليام أن تَ ْرنُو إليه ،وأطماع الليالي أن تتوجه عليه ،حتى يستقلّ ويزحموا صُدور الدّهر ،ويضبطوا أطراف الرض؛ وال يَ ْ
ل يدي ُم لمولنا من ال ُعمْر أكله ،ومن العز بأعباء الخدمة ،وينهض بأثْقالِ الدعوة ،ويخف في الدفع عن ال َبيْضة ،ويُسْرعَ في حماية الحَوْزَة ،وا ُ
عدْله ،ويدبّرَ الرض بالنجباء من نَسْله. أهناه ،ليُطبقَ العالم بفضله و َ
ع بين الرسالةِ والمام ِة مُنتمَاه ،خليق ن يَحْلُ َو ثمرُه ،وفَ ْر ٌ
ولهم في ذكر المولود العلوي :غُصْن رسول ال ،صلى ال عليه وسلم ،شجرهُ أهل أ ْ
حمَد َبدْؤُه وعُ ْقبَاه .مرحبًا بالطالع بأيمن طالع ،ومَنْ هو من أشْرَفِ المناصب والمنابع ،حيث الرسالة والخلفة ،والمامة والزّعامة ،أبقاه ال أن يُ ْ
سنُه من بني الحسن. تعالى حتى يتهنّأ فيه صوانع المنن ،ويعد حُ ْ
ف به َمنْصبه ،كان حقيقاً بالرغبة إلى ال تعالى في ولهم في التهنئة بالملك والنفاس ،وما يقترن به من الدعية :من اتصَل بمولي س َببُه ،وشَرُ َ
توفيره وتكثيره ،وزيادته و َتثْميره ،لتزكُوَ منابتُ الفضل ،و َتنْمى مغارِس النبل والفخر ،وتطيب معادِنُ المجد .بارك ال لمولي في المْر الذي
ل تعالى يَخِيرُ له في الوُصْلة الكريمة، ل بنَماءِ العدد ،وزكاء الولدِ ،واتصال الحبل ،وتكثير النسل ،وا ُ عقده ،وأحمده إيّاه وأسعده ،وجعله موصو ً
ويقرنها بالمحبَةِ الجسيمة .قد عظّم ال بَهجَتي ،وضاعف غبْطَتي ،بما أتاحه من سرور ممهّد ،يجمع شَمل مجدد ،فل زالت النعم به محفوفة،
والمَسَا ّر إليه مصروفة ،جعل ال هذه الوصلة أكيدة العقدة ،طويلة المدّة ،سابغة البركة وال َفضْل ،طيبة الذريّة والنّسْل .وصلَ ال هذا التصال
السعيد ،والعقد الحميد ،بأكمل المواهب ،وأحمد العواقب ،وجعل شمل مَسَرّتك ملتئماً ،وسببَ أنسك منتظماً .عرّفك ال تعجيل البركات ،وتوالي؛
ت بكثرة عددك الحسّاد .هناك ال مولي الوصلَة بكثرة العدد ،ووفور الخيرات ،ول أخلك ال من هذه الوُصلة من التهاني بنجباء الولد ،وكبَ َ
الوَلد ،وانبساط الباع واليد ،عَاليَ القدر والجدّ.
ولهم في التهنئة بالولية والعمال ،وما يتصل بها من الدعية للوزراء والقضاة والعمال :عرفت أخبا َر البلدِ الذي أحسن ال إلى أهله ،وعطف
عليهم بفضله ،إذ أضيف إلى ما يلَحِظه مولي بعين إيالَته ،ويشفي خَلَلَه بفَضْلِ أصالته .أنا من سُرّ بالولية يلبس مولي طِللها ،ويسحَب
أذيالها ،بنعم مستفادة ،ورُتب مستزادة ،سروري بما أعلَمه بكسبه الثناء في كل عملِ يدبّره ،من أحدوثه جميلة ،ومثوبة جزيلة ،ويُ ْؤثِرُه من
سبُلِ الخيرات ،وإيضاح لطرق المكرمات ،سيدي يوفِي على الرتب التي يُدعَى لها بحلوله؛ فهنيئهاً لها إحياء عدل ،وإماتَة جَور ،وعمارةٍ ل ُ
بتجمّلها بوليته ،وتحلّيها بكفايته .العمالُ إن بلغت أقصى المال؟ فكفايةُ مولي تتجاوزُها وتتخطّاها ،والرتبُ وإن جلّت قدراً ،وكبرت ِذكْراً،
سبِقها و َتنْسَؤُها ،غير أنّ للتهاني رسمًا ل ب ّد من إقامته ،وشرطًا ل سبيلَ إلى نقض عادته .العمال وإن بلغت أقصى المال فكفايةُ فصناعته تَ ْ
ن نُهنّئه بولية وإن جل سيدي توفي عليها إيفاء الشمسِ على النجوم ،وترتفع عنها ارتفاع السماء على التخوم .سيدي أرفع قَدْراً وأ ْنبَه ذِكرًا من أ ْ
ت قوسُ الوزارة باريها ،وأضيفت إلى كُفئِها وكافيها ،وفَسِخَ فيها شرْط الدنيا الفاسد في إهداء حظوظها إلى أمرُها وعظم َقدْرُها .قد أعطِي ْ
ك مغبوطةٌ جبَاءِ أولدها .الدنيا أعزّ ال الوزير مهنّأة بانحيازها إلى َرأْيه وتنفيذه ،والممال ُ أوْغَادها ،و ُنقِض بها حكمها الجائر في العدول بها عن نُ َ
ظيَتْ بما كانت الظنون به مبشّرة. حِخبِرة ،و َ باتصالها إلى أمره وتدبيره .قد كانت الدنيا مستشرفةً لوزارته ،إلى أنْ س ِعدَت بما كانت اليا ُم عنه مُ ْ
أنا أهنّئ الوزارة بإلقائها إلى فَضْلِه مقَادَتها ،وبلوغِها في ظلّه إرادتها ،وانحيازها من إيالته إلى واضحة الفخر ،وتوشحها من كفايته بعزّة سائدةٍ
حسْرَة؛ خيْبةِ ،ويتساقطون في فضول ال َ على َوجْه الدهر .الحمدُ لّ الذي أق ّر عين الفضل ،ووطّأ ِمهَادَ المجد ،وترك الحساد يتعثرون في ذيول ال َ
وأراني الوزارة وقد استكمل الشيخُ إجللها ،ووفّى لها جمالها :المتقارب:
ولم َيكُ َيصْلح إلّ َلهَا فلم تكُ تصلحُ إلّ لـهُ
ل أن تهنأَ إذا ُردّتْ إلى نظرِه الميمون، شمْسُ الدبِ برّا وبحراً ،فسبيلُ العما ِ والقاضي عَلَم العلم شرقاً وغرباً ،ونَجْم الفضل غَوْرًا و َنجْداً ،و َ
وعُصِبت برأيه المأمون .أسعد ال القاضي بما جدّ ،له من رأي مولنا وارتضاه ،واعتمده لجل أمر الشريعة وَأمْضَاه ،وأَسعد المسلمين والدين
بما أصاره إليه ،وجمع زمامه في يديه .عرّف ال سيدي من سعادة عمله ،أفضَلَ ما ترقّاه بأَمله ،ولقاه من مناجح أمْرِه ،أفضل ما انتحَاهُ بفكره.
خار ال له فيما تولّه ،وتطوّقه ،وبلّغه في كلّ حال أملَه وحقّقه ،وعرفه من ُيمْنِ ما باشر تدبيره الخير والخِيرَة والبركات الحاضرة والمنتظرة،
سمَتْ لوالِي عمل ،وأَسهم له أخصّ بركة ُأسْهمَت ل ُمسَامِي أمل، ل تَوَالِياً واتّصَالً .أسعده ال أفضلَ سعادة ُق ِ وجعل المناجح إليه أرسالً ،ل تم ّ
319
صمَة وأيده ،وقَرنَه بالتوفيق ول أفرده .هنأه ال تعالى الموهبة التي ساقَها إليه ،ومدّ رِوَاقَها أحضر ال السداد عَ ْزمَه ،والرشادَ همّة ،وكنفه العِ ْ
سفِرة عن خصائص المراتب ،وحلّت فيه محلّ الستحباب ل اليجاب ،والستحقاق دون التفاق .هنأ ال عليه؛ إذ كانت من عقائل المواهب ،مُ ْ
نعمته الفضل الذِي الولية أصغر آلتها ،والرياسة بعض صفاتِها.
ولهم في التهنئة بذكر ا ْلخِلَع والجبية :أُهنئ سيدي مزيد ال ّر ْفعَة ،وجديد الخِ ْلعَة ،التي تَخْلَعُ قلوبَ المنازعين ،واللواء الذي يلوي َأ ْيدِي المنابذين،
والحظّ الذي لو امتطاه إلى الفلك لحازَها ،أو سَامَى به الجَوْزاء لجازَها .بلغني خبرُ ما تطوعت به سماءُ المجد ،وجادت به أَنواءُ الملكَ ،فصُنْ
ل منها ملبسَ من الخلع أَسناها ،ومن المراكب أبهاها ،ومن السيوفْ أَمضاها ،ومن الفراس أجْرَاها ،ومن القطاعات أنماها .لبس خلعته متجَلّ ً
العِز ،وامتطى فرسَه فارعًا به ذِرْوَة المجد ،وتقلّد سيفه حاصدًا بحدّ طُلَى أعدائه وغَامِطِي نعمائه ،واعتنق طوقه متطوّقا عزّ البد ،واعتضد
صرِ ناطق .قد لبس خلعته التي تعمد بها بالسوارين المو ِديَينِ بقوة الساعد والعَضُد ،وسَاسَ أولياءَه ولواءُ العزّ عليه خافق ،وهو بلسان الظّفَر والنّ ْ
لنَهُ الذي واصل به إحْسَانه ،تمنطق بحُسامه الذي ظاهر أبواب إنعامه ،وتختم بخاتميه ،اللذين بسطا مِنْ يديه ،ووق َع من حمْ َ
رفعته ،وامتطى ُ
علَتْ من درجاته قد زرّرت عليه سماءُ الشرف عُرَى الخلعة ،التي تتراءى صفحاتُ العزّ على أعطافها ،وتمتَرِي مزايا المج ِد من دَوَاته ،التي أ ْ
ستَخْذى حُلَى الثريا لحليته ،والسيف والمنطقة الناطقان عن حمْلن الذي نتناول قاصيتي المنى من ناصيته ،والمركب الذي تُ ْ أطرافها ،وركب ال ُ
نهاية الكرام ،الناظمان قلئد العظام .خلع تخلع قلوب العداء من مَقَارّها ،وتعمر نفوس الولياء بمسارّها ،وسيف كالقضاء مَضاءً وحدّا،
ولواء يَخْفق قلوب المنازعين إذا خفق ،وحملت تصدع منكب الدّهْ ِر إذَا انطلق.
غيْبَةُ المكارم مقرونةٌ
ولهم في التهنئة بالقدوم من سفر :أُهنئ سيدي و َنفْسِي بما يَسّرَه ال من قدومه سالماً ،وأشكره على ذلك شكراً قائماً؛ َ
بغيبتك ،وأَ ْوبَةُ النعم موصولةً بأَوْبتك ،فوصل ال تعالى قدومك من الكرامة ،بأضعاف ما قَرَنَ به مسيرَك من السلمة .وهناك أيامَك ،وبلّغك
شمْلَ سروري بأ ْوبَتك ،وسكّن نافِ َر قلبي بعودتك ،فأسأل ال ت بالنية مسافراً ،وباتّصال الذكر والفكر لك ملقياً ،إلى أن جمع ال َ محَابّك ،ما زِ ْل َ
أن يسعدك بمقدمك سعاد ًة تكون فيها بالقبالُ ،مقَابلً ،وبالماني ظافراً ،ول أوحش منه أوطانَ الفضل ،و ِربَاع المجد ،بمنَه وكرمه.
من شعر الشعبي
قال ال َهيْثم بن عدي :أنشدني مجالد بن سعيد شعراً أعجبني ،فقلت :من أنشدكه؟ قال :كنا يومًا عند الشعبي فتناشدنا الشعرَ ،فلما فرغنا قال :أيّكم
ل مثلَ هذا ،وأنشدنا :الطويل: يحسن أن يقو َ
جهْلوما سرفاً مِ الن قلت ول َ ل َمهْـلخليلي ،مهلً طالماً لم أق ْ
ت بها َمثْل؟فكيف مع اللتي ُمثِل ُ صبَا ابن الربعين سَـفَـاهةٌ وإن ِ
حبْنَ ال ُمهَذَبةَ الشُـحْـل
سَ بمكّة يَ ْ يقول ليَ المُفْتي وهُـنّ عَـشِـيةً
320
ث دائِمُ الـقَـطْـ ِر مُـرْ ِز ُم
عليك مُلِ ٌ فيا َقبْرَ عمرو جاد َأرْضًا َتعَطّـفَـتْ
ض ُمعْلَـمُ ض ّمنْتَ في الر ِ فأنت بما ُ تَض ّمنْتَ جسماً طـاب حَـيّا ومَـيّتـاً
عمْرِو الزدِ حَلّ التَـكَـرّمُ إلى قبر َ فلو نَطَ َقتْ أرضٌ لقـال تـرابُـهـا
وأحجارِه َبدْرٌ وَأضْـبَـطُ ضـ ْيغَـمُ ل بـين تُـرَابـه س قد حَـ ّ
إلى َم ْرمَ ٍ
ب مُظِْلمُ خطْ ُ طبِ وال َ فقد كنتَ نور الخَ ْ فل يُبْعـدِنْـكَ الـلـه حَـيّا ومَـيّتـاً
ج نـيّهـا مُـتَـهَـمّـمُ
حدابيرُ عُو ٌ حطّتْ إليه علـى الْـ َونَـا لعمرُ الذي ُ
وكان قـديمـاً ُركْـنُـهـا ل ُيهَـدّمُ لقد َهدّمَ العلـيا َء مـوتُـكَ جـانـبـاً
من كلم العراب
حمَام ،وإذا تصافحوا قال الصمعي :سمعت أعرابيًا يذكر قومه فقال :كانوا إذا اصطفُوا تحت ال َقتَام ،مطرت بينهم السّهام ،بشؤبوب ال ِ
ب قِرْن عارِم قد أَحسنوا أدبه ،وحَرْبٍ عبوس قد أضحكتها أَسنتهم ،وخَطْب مُش َمئِز ذَللوا مناكبه، بالسيوف ،فغرت أفواهها الحُتوف ،فر ّ
عمَاس قد كشفوا ظُ ْلمَته بالصبر حتى تتجلى .كانوا البحر ل يُنكَش غِماره ،ول يُ َن ْهنَه تياره. ويوم َ
قال العتبي :سئل أعرابي عن حاله عند موته فقال :أجدني مأخوذاً بالنّقلة ،محجوجاً بالمهلة ،أُفارق ما جمعت ،وأقدم على ما ض ّيعْت ،فيا
حياتي من كريم قدّم المعذرة ،وأَطال النظِرَة ،إن لم يتداركني بالمغفرة ،ثم قضى.
جهْده ،وأخ ذُو نِيّة يقتص ُر بك على حسن نيته ،دون وقال بعضُ الرواة :كان يقال :الخوان ثلثة؛ أخ يخلصُ لك ُودّه ،ويبلغ لك في مهمّك ُ
ِرفْدِه ومعونته ،وأخ يجاملك بلسانه ،ويشتغل عنك بشأنه ،ويوسِعك من كذبه بأيمانه.
قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي :وقفت علينا أعرابية فقالت :يا قوم ،تعثر بنا الدهر ،إذ قل منا الشكر ،وفارقنا الغِنى ،وحالفنا الفقر،
ن كَفَاف ،وأَعان على عَفَاف. فرحم ال امرأ فهم بعقل ،وأعطى من فَضْل ،وواسَى مِ ْ
سائل في مسجد الكوفة
ل يتكلم عند صلةِ الظهر ثم عند العصر والمغرب ،فلم ُيعْطَ شيئاً ،فقال: ت مسجد الجماعة بالكوفة ،وقام سائ ٌ قال أبو بكر الحنفي :حضر ُ
حتَك قائل ،أنت كما قال اللهم إنك بحاجتي عالم غير معلّم ،واس ٌع غير مكلّف ،وأنت الذي ل يرزؤك نائل ،ول يُحْفيك سائل ،ول يبلغ ِمدْ َ
المُ ْثنُون ،وفوق ما يقولون ،أسألك صبرًا جميلً ،وفرجاً قريباً ،ونَصراً بالهدى ،وقرّة عين فيما تحب وترضى ،ثم ولّى لينصرف ،فابتدره
س يعطونه ،فلم يأخذ شيئاً ،ثم مضى وهو يقول :الكامل: النا ُ
عِوَضاً ،ولو نال ال ِغنَى بسُؤَالِ ما اعتاض باذلُ وجهه بسؤالِه
من إنشاء بديع الزمان ل نَوَالِ رجَح السؤَال وخفّ ك ّ ل مع النوال وَزَنتهُ وإذا السؤا ُ
ومن مقامات السكندري إنشاء البديع :حدثنا عيسى بن هشام قال :كنت في بلد الهواز ،وقُصارايَ لفظة شرود أَصِيدها ،أو كلمة بليغة
أَستفيدها؛ فَأدّانِي السير إلى ُر ْقعَ ٍة من البلد ،فسيحة ،وإذا هناك قومٌ مجتمعون على رجل يستمعون إليه وهو يخبط الرض بعصاً على
إيقاع ل يختلفُ ،وعلمت أنّ مع اليقاع َلحْناً ،ولم َأبْ ُعدْ لَنال من السماع حظاً ،أو أسمع من البليغ َلفْظاً ،فما زلت بالنظّارة ،أَزحَم هذا
خذْروف، شمْلة من صوف ،يَدُور كال ُ وأَدفع ذاك ،حتى وصَ ْلتُ إلى الرجل ،وصرفت الطرف منه إلى حُ ُزقّةٍ كالقَ ْرنَب ،مكفوف في َ
غنِج ،ولفظٍ َهزِج ،من صدرٍ حَرِج ،وهو يقول: ل منه ،معتمِداً على عصاَ فيها جلجل ،يَضْرِبُ الرض بها على إيقاعٍ َ مُتب ْرنِساً بَأطْوَ َ
الرجز:
وطالبتني طَلَتي بالمَـهْـرِ ظهْـري يا قو ُم قد أَثقل دَيني َ
ف فَـقْـرِن قَفْر وحلي َ ساك َ ت من بعد غنًى و َوفْرِ صبَح ُ َأ ْ
يُعينني على صُروفِ الدهر يا قو ُم هل بينك ُم مـن حُـرّ
ستْرِت عني ذيولُ ال ّ وانكشفَ ْ صبْرِي يا قو ُم قد عِيل ب َفقْرِي َ
ما كان لي من فضّة و ِتبْـر ض ذا الدهرُ بأيدي ال َبتْـر و َف ّ
ل قدَرٍ وصغـي َر قِـدْرِ خام َ آوِي إلى بيت كقيدِ الشّـبْـرِ
سرَة بـيُسْـرِ أعقبني من عُ ْ ل بـخـيرٍ أمـري لو ختم ا ُ
محتسب فِيّ عظيم الجـر؟ جرِهل من فتى فيكم كريم النّ ْ
قال عيسى بن هشام :فرقّ إن لم يكن مغتنماً للشكـر
له والّ قلبي ،واغرورقت عيني ،وما لبثت أن أعطيته ديناراً كان معي ،فأنشأ يقول :الرجز:
معشوقة منقـوش ٌة قَـوْرَاءُ سنَها فاقِـعَةٌ صـفـراءُ يا حُ ْ
قد أَثم َرتْها هِـمّةٌ عَـلْـياءُ ن يَقْطُر منها الـمـاءُ يكاد أَ ْ
يصرفه فيه كـمـا يَشـاء س فتًى يملِكهُ الـسّـخَـاءُ نَ ْف ُ
ما يتقصّى َقدْرَك الطْـرَاءُ يا ذا الذي يعنيه ذَا الثـنـاءُ
فامْضِ على ال لكَ الجزاء
321
ورحم ال من شدّها في قَرَن بمثلها ،وآنسها بأُختها ،فناله الناس ما نالوه ،ثم فارقهم وتبعتُه ،وعلمتُ أنه متعامٍ لسرعة ما عرَف الدينار،
حدَرت ستْرك؛ فكشف عن توَْأمَتي لوْزاْ ،و َ
ل لترينّي سِرّك ،أو لكشفنّ ِ ضدَيه ،وقلت :وا ّ
ت يمْناي إلى يسرى عَ ُ خلْوة مدد ُ فلمّا نظمَ ْتنَا َ
لثامه؛ فإذا هو والّ شيخنا أبو الفتح السكندري ،فقلت :أنت أبو الفتح؟ فقال :ل :المجتث
ن أكُـونُ في كلّ لَوْ ٍ أنا أبـو قَـلَـمُـونٍ
ك دُونُ ن دَهْــ َر َ فإ ّ ختَ ْر من الكسب دُوناً اْ
إن الزمان زَبـونُ حمْـقٍ زَجّ الزمان ب ُ
من شعر كشاجم ما العقلُ إل الجنونُ ل تُخدَعَنّ بـعَـقْـل
وقال أبو الفتح كشاجم :الكامل:
حتى تحدّ َر دَ ْمعُها المتـعَـلَـقُ ق يغْلِبُ صَبرَها ما زال حرّ الشو ِ
ط تُؤَثرُ ُه الدموعُ الـسّـبّـقُ خَ ّ وجرى من الكحْل السحيق بخدّها
وقال :السريع: حرَقُ ض مُ ْ ب وبع ٌ في بعضه ذَه ٌ جرَى الدمع حِلْي ُة فـضّة ن مَ ْ فكأ ّ
من قُبلةٍ في إثرها عَضّـهْ ما لذّة أكملُ في طـيبـهـا
من ذَهبٍ أُجرِيَ في فضّهْ كأنما تـأثـيرهـا لـمْـعَةٌ
وقال :الطويل: ْ
ه ض
َ ْ
ع ب
َ َى ن م
ُ بال ِي ض َع
ب َقش ْ
ع ي
َ ن
ٍ د
ِ شـا ستُها بالكُ ْر ِه مـن خَلَ ْ
عقَد الخلصِ ،والح ّر ُيمْدَحُ له ُ ن َمدْحِي له إن تأكّـدتْ ومستهج ٍ
وقال :الكامل: وكلّ إنا ٍء بالـذي فـيه يَ ْرشَـح و َيأْبى الذي في القلب إلّ تبيّنـا
صدّق فالناس بين مكذّب ومُ َ ظمٍ مقبورة وإذا افتخرتَ بأَع ُ
وقال :البسيط: جدٍ للقديم محـقّـقِ ث مَ ْ بحدي ِ فَأقِ ْم لنفسك في انتسابك شاهداً
و ُمتْبع البِرّ والحْسانِ إحسانـا سدِيَ العُرْفِ إسراراً وإعلناً يا مُ ْ
هذا مولد من قول أبي ما َأدْمَنَ ال َغيْثُ إل كانَ طُوفَانا َأقْلِع سحابَك قد غَ ّر ْقتَني نِعَـمـاً
نواس :الكامل:
البحتري :البسيط: َفال َ
س ما ر
ِ ْ
ك ش
ُ ب َ
م أقو حتى ة
ً ف
َ عـار س ِديَنَ إلـيّل تُ ْ
وربما ضَرّ في إلْحَاحِه المَطَرُ أَلحّ جُوداً ولم َتضْرُرْ سحا ِئبُـهُ
خذَ على ذي الرمة وقد أُ ِ حتَفَـرُ إن الغَما َم قَليبٌ ليس ُي ْ شمْنا السؤالَ لها ب ما تَجَ ّ مواه ٌ
قولُه :الطويل:
قالوا :وأحسن منه قول ر
ُ ط
ْ َ
ق ال ِك ئ َاع ر
ْ َ
ج ب ً
ل َ
ه ن
ْ م
ُ زال ول َى ل ِ
ب ال على ي
ّ َ
م دار يا أل يا اسلمي
طرفة :الكامل:
وقد تحرز ذو الرمة مما ْمي ه ت
َ ٌ
ة وديم الربيع ب
ُ صو ِها، دسِ ْ
ف ُ
م ر
َ ْ
ي غ
َ سقَى ديارَك، فَ َ
تؤول عليه بالسلمة في أول البيت.
وقال كشاجم :الوافر:
خنْدَرِيسُ؟ صحُو وريقُك َ متى تَ ْ أَيا نَشْوان من خمـ ٍر بِـفـيهِ
ألحّ عليه بالكاس الْجَـلِـيسُ أرى بك ما أراه بِذي انتشـاءٍ
وقال :الطويل: س
ُ تـمـي ف
ٌ َعطا أ و ّضه ر ُمت جنَةٍ وفتـورُ لَـحْـظٍ تو ّردُ وَ ْ
وينقصه حتى نَ َقصْتُ عن النقـصِ حبّهـا ل َيبْرِي جملةَ الجسم ُ وما زا َ
الرجوع إلى الرئيس بعد أمِنتُ عليها أن يَرَى أهْلُها شَخْصِي صرْتُ إنْ أنا ز ْرتُها وقد ذُبْتُ حتى ِ
تجربة غيره
ت عنك،كتب ابن مكرم إلى بعض الرؤساءَ :نبَتْ بي غرّةُ الحداثة ،فردّتني إليك التجربة ،وقا َدتْني الضرورة ،ثِقةً بإسراعك إليّ وإن أَبطأْ ُ
وقبولك العذرَ ،وإن قصرتُ عن واجبك ،وإن كانت ذنوبي سدّتْ عليّ مسالكَ الصفح عني ،فراجِعْ فيّ مجدك وسؤددك ،وإني ل أعرف
موقفاً أذل من موقفي ،لول أنّ المخاطبة فيه لك ،ول خطّة أدنى من خُطّتي ،لول أنها في طلب رِضاك.
ف من ذلك: س منه قديماً وحديثاً وسأفيض في طر ٍ وهذا المعنى الذي ذهب إليه من الرجوع إلى الرئيس بعد تجربة غيره قد أكثر النا ُ
جبَلَة بن عدي بنوأنشد أبو عبيدة لزياد بن منقذ الحنظلي ،وهو أخو المرار ال َعدَوي ،نسب إلى أمة العدوية ،وهي ُفكَيهة بنت تميم بن الدّوَل بن َ
ص ْنعَاء فاجتواها
عبد مناة بن أُد بن طابخة؛ فولدت لمالك بن حنظلة عديّا ويربوعاً؛ فهؤلء من ولده يقال لهم بنو ،ال َعدَوّية ،وكان زيادٌ نزل ب َ
ومنزله بنجد ،فقال في ذلك قصيدة يقول فيها وذكَ َر قومه :البسيط:
خدَمُ
وفي الرحال إذا صاح ْب َتهُمْ َ خدّمون ثِقَالٌ في مجالسـهـمْ مُ َ
إل يزيدهمُ حـبّـا إلـيّ هُـمُ خبِـرَهـمْ
ق بعدهُم حيّا فُأ ْ
لم َألْ َ
وأراه أول من استثار هذا المعنى.
وكان ابنُ أبي عَرادة السعدي مع سلم بن زياد بخراسان وكان له مكرِمًا فتركه وصحب غيره فلم يحمَد أمره ،فرجع إليه ،فقال :الطويل:
322
وج ّربْتُ أقْوامًا بكيتُ على سَ ْل ِم عتبتُ على سلمٍ فلما فـقـدتُـه
فكان َكبُ ْرءٍ بعد طولٍ من السقْمِ ت إليه بعد تجريبِ غـيره رجع ُ
وقال مسلم بن الوليد :الوافر:
حياةٌ لـلـمـكـارِم والـــمَـــعَـــالِـــي حياتـك يا ابْـنَ ســعـــدان بـــن يَحْـــيَى
ونَـفْـسُ الـشـكـرِ مـطـلـقةُ الـعِــقَـــالِ جلـبـت لـك الـثـنـا َء فـجــاء عَـــفْـــواً
ت بيدِياري عنك تجربةَ الرجالِ وترجعني إليكَ وإن نََأ ْ
وأنشد أبو العباس محمد بن يزيد المبرد للبحتري :الطويل:
مذمم ًة فيما لديه المطـالِـبُ أخٌ لك عاداه الزمان فأصبحت
من الناس تردُدْ ُه إليك التجاربُ متى ما تذوّقه التجاربُ صاحباً
وأنشد :الطويل:
لكل امرئ قَاسَى المور وجَرّبا حياةُ أبي العباس زَين ،لقومـه
ع َتبَا
َل ُكنّا على الباقي من الناس أَ ْ ونعتِبُ أحياناً عليه ولو مَضَـى
ت أنشدتني لجرير :الطويل: قال الصولي :جرى ذِكْرُ المكتفي بحضرة الراضي فأطريته وأكثرتُ الثناء عليه ،فقال لي :يا صولي ،كن َ
بعينيك من زيد َقذًى ليس َيبْرحُ أُسَلّيكَ عن زيد لتسلى ،وقد أرى
فقلت :يا أميرَ المؤمنين ،مَن شكر القليل كان للكثير أشدّ شكراً ،وأعظم ذكراً ،فأَين أَنا لك من المكتفي؟ فأنشدته للطائي :الكامل:
َلمّا جرى وجريت كان قَـطـوفـا كم من وَساعٍ الجُودِ عنديَ والـنّـدَى
مثلَ الربيع حَـيّا وكـان خـريفـا أحسنتُما صَفدِي ،ولكن كـنـتَ لـي
في الذّروة العـلـيا وجـاءَ َردِيفـا لكُما ا ْق َتعَدَ العُلَ فـركـبْـتَـهـا
وكِ َ
َك ِبدُ الزمان علـيّ كـنـتَ رَؤوفـا ضتَ ،وإن قَسَتْ ن فِ ْإن غاض ماءُ الز ِ
وكان المكتفي أول من نادمه الصولي ،واختلط به.
ي بن المعتضد المكتفي بال ،وكان سبب اتصاله به وانقطاعه ولم يَلِ الخلفة أحد اسمه عليّ إل عليّ بن أبي طالب ،رضي ال تعالى عنه ،وعل ّ
ل يعرف بمحمد بن أحمد الماوردي نزع إلى المكتفي بالرّفة ،وكان ألعبَ الناس بالشطرنج ،فلمّا تدم عليه بغداد وهو خليفة قال :يا إليه أنَ رج ً
أمير المؤمنين ،أنا أعلم الناس بهذه الصناعة ،فأقطعني ما كان للرازي الشطرنجي؛ فغاظ ذلك المكتفي ،وندب له الصولي فلم يُرَ معه الماوردي
شيئاً .فقال له المكتفي :صار ماء وردك بَ ْولً ،قال الصولي :فأقبل المكتفي عليّ ورتّبني في الجلساء ،فحجبت يومًا عنه ،واتصل بي أن خصمي
شمّت بي ،فكتبت قصيدة للمكتفي أقول فيها :الكامل:
جبُ َلمّا رأوْني دون غيريَ ُأحْ َ قد ساء ظنّ الناس بي وتنكّروا
دوني فإني عن قريب أُغْلَبُ إن كان غ ْلبِيه ُيقَـرّبُ أَمـرهُ
ت في خدمته. ج ُ فضحك ،وأمر لي بمائتي دينار ،واندر ْ
ما قيل في بيعة يزيد بن معاوية
اجتمعت وفودُ العرب عند معاوية رحمهُ ال تعالى ،وكان إذا أراد أن يفعل شيئاً ألقى منه ذَرْءاً إلى الناس ،فإذا امتنعوا كفّ ،وإن رَضُوا
أمضى ،فعرض ببيعة يزيد ،فقامت خطباء معدّ فشقّقوا الكلم ،وأطنبوا في الخطاب ،فوثب شاب من غَسّان قابضاً على قائم سيفه ،فقال :يا أمير
حيْفَ في حكم السيف ،وبعد النسيم الهَيف؛ فإنّ هؤلء عجزوا عن الصّيال ،فعوّلوا على المَقَال ،ونحن القاتلون إذا صُ ْلنَا، المؤمنين ،إنّ ال َ
صدِ أقمْناه ،ومن قال بغير الحقّ و َق ْمنَاه ،فلينظر ناظرٌ إلى موطئ َقدَمه ،قبل أن َتدْحض ف َيهْوِي هوِيّ الحجر والمعجبون إذا قلنا ،فمن مال عن ال َق ْ
من رأس النّيق؛ فتفرق الناس عن قوله ،و َنسُوا ما كانوا فيه من الخطب.
القدام
وقال المهلّب يوماً لجلسائه :أراكم تعنّفونني في القدام ،قالوا له :إي والّ ،إنك لسَقوط بنفسك في المهالك ،قال :إليكم عني! فوالّ لول أن آتي
حمَام المُرّي :الطويل: حصَين بن ال ُ حبّه ،إنما آتِيه من ُبغْضِه ،ثم تمثّل بقول ال ُ الموت مسترسلً ،لتانِي مستعجلً؛ إني لستُ آتي الموتَ من ُ
لنفسي حياة مثلَ أن أتقدّمـا جدْ
تأخّرْتُ أستبقي الحياة فلم أ ِ
ومن هذا أخذ أبو الطيب المتنبي قوله :الطويل:
صبّـاحريصًا عليها مُسْتهاماً بها َ أرى كُلّنا َيهْوي الحياةَ لنـفـسِـه
وحُبّ الشجاعِ النفسَ أورده الحَربَا فَحُبّ الجبانِ النّفْسَ َأوْ َردَهُ التّقَـى
وقال أبو دُلَف :البسيط:
ف آثـارِي وأيّامِـي والخيلُ تعر ُ حكُ عن كَرّي وإ ْقدَامي ضَب تَ ْالحر ُ
وهمَتي مِقَةُ التفضيل لِـلْـهَـامِ سيْفِي مُدَامِي ،و َر ْيحَاني مثقفتـي، َ
َأ ْمضَى وَأشْجَع مني يوم إقدامـي وقد تجرّد لي بالحسن مـنـفـرداً
جسمي فأصبح جسمي َربْعَ أسقامِ سلّت لواحظُه سيفَ السّقامِ علـى
من أخبار أبي دلف وشعره
وكان أبو دلف شاعرًا مجيداً ،وجواداً كريماً جامعاً للت الدبِ والظرف ،وله شعرٌ يد في كل فن ،وهو القائل :الوافر:
سدِ الجَبانِ محل الروحِ من جَ َ جنَان؛ فأنتِ مـنـي أحبّك يا َ
ت عليكِ بادِرَةَ الزمـانِ َلخِ ْف ُ ولو أني أقول :مكان روحي
طعَـانِوهاب كُما ُتهَا حَرّ ال ّ لقدامي إذ ما الخيلُ جالَـتْ
323
وكان يتعشق جارية ببغداد فإذا شخَصَ إلى الحضرة زارها ،فركب في بعض َقدَماته إليها ،فلما صار بالجسر مشَى على طرف طيلسان بعض
المارين ،فخرقه ،فأخذ بعِنانه ،وقال :يا أبا دلف ،ليست هذه كرخك ،هذه مدينة السلم ،الذئب والشاة بها في مَربَع واحد! فثنى عنانه متوجهاً إلى
الكرخ ،وكتب إلى الجارية :الخفيف:
ي ثِـقَـالُ
وهمو ٌم أتَتْ عـلـ ّ طعَتْ عن لقائك الشـغـالُ قَ َ
قوم حتى تـنـالَـه النـذالُ في بلد ُيهَان فيها عـزيزُ ال
م ول لل ُكمَا ِة فيهـا مـجـالُ حيث ل مدفعٌ بسيفٍ عن الضّي
ن إذا أمكن الرحيلُ مـحـالُ ومقام العزيز في بَلـد الـهـو
خ أقمتم وحان مِنّا ارتـحـالُ ظ ْبيَة الـكَـرْ
فعليك السلم يا َ
جيْب ،أسداً عاتياً، غيْب ،نصيح َ ودخل أبو دلف على المأمون بعد الرّضا عنه ،فسأله عن عبد ال بن طاهر ،فقال :خلّفتُه يا أمي َر المؤمنين أمين َ
ج ِتكَ ،قد فقّهه الحَزْم،
صدِ مح ّشقَى به عدوك ،رَحْبَ الفِناء لهل طاعتك ،ذا بأس شديد لمن زاغ عن قَ ْ قائماً على بَرَاثنِه ،يسعد به وليّك ،ويَ ْ
وأيقظَه العَزْم ،فقام في نحر المور على ساق التشميرُ ،يبْرِمها بَأيْدِه و َكيْدِه ،ويفلّها بحدّه وجدّه؛ وما أشبهه في الحرب إل بقول العباس بن
مرداس :الوافر:
حتْفِي كان فيها أَمْ سوَاها َأ َ أكرّ على الكتيبة ل أُبالي
ن بالجبل قوماً أمجاداً ،كرامًا أنجاداً ،وإنهم ليوفُونَ السيفَ حظه يوم النّزال ،والكلم حقه جبَِليّيتهِ! فقال المأمون :وإ ّ فقال قائل :ما أفصحه على َ
يوم المقال ،وإن أبا دلف منهم.
من إنشاء الميكالي
فصل لبي الفضل الميكالي من كتاب تعزية عن أبي العباس بن المام أبي الطيب:
ضعُفُ عن احتمالها لئن كانت الرزيّة بمصيب ٍة مُؤلمة ،وطُرُقُ العزاء والسّلْوة مبهمة ،لقد حلّت بساح ِة من ل تُنت َقضُ بأمثالها مرَائِرُه ،ول تَ ْ
ن من عنده ب الدي ِ
بصائِرُه ،بل يتلقّاها بصَد ٍر فسيح يَحْمي أن يَ ْفتَحَ الحزنُ بابه ،وصبرٍ مشيح يحمي أن يُحْبطَ الجزعُ أجره وثوابَه ،ولم ل وآدا ُ
سنَنه ،وتأخ َذ بآدابه وسُننه ،فإن َتعَزّت ن ترمُقُه في هذه الحال لتجريَ على َ تُلتمس ،وأحكامُ الشرع من َبنَانِه ولسانه تستفاد و ُتقْتبس؟ والعيو ُ
سنَت الفعال فإلى حميدِ أفعاله ومذاهبه اعتزاؤُها. حسْنِ تماسكه عزاؤها ،وإن ح ُ القلوب فب ُ
ق الثناء والنَشْر ،يتجمل به أهل عبِ َ
وله من تعزية إلى أبي عمرو البحتري :قدَس ال رُوحَه ،وسقى ضريحه؛ فلقد عاش نبيه الذكْر ،جليلَ ال َقدْرَِ ،
بلده ،ويتباهَى بمكانه ذوو مو ّدتِه ،ويفتخر الثَرُ وحاملوه بتراخي بقائه و ُم ّدتِه ،حتى إذا تسنّم ذِرْوَة الفضائل والمناقب ،وظهرت محاسنُه
كالنجوم الثواقب ،اختطفته يا ال ِم ْقدَار ،و ُمحِيَ أثره بين الثار ،فالفضل خاشعُ الطّرْفِ لفَ ْقدِه ،والكَ َرمُ خالي ال ّربْع من بعده ،والحديثُ يندبُ حَافِظَه
ن العهد يبكي كافله وحارسه. ودَارِسَه ،وحُسْ ُ
وله :فأمّا الشكرُ الذي أعارني رداءَه ،وقلَدني طَ ْوقَه وسناءَه؛ فهيهات أن ينتسب إلّ إلى عادات فَضْله وإفضاله ،ول يسير إل تحت رايات عُرفه
سعِي عن حقوق مكارِمه طرَازه ،واسم له حقيقته ولسواء مجازه ،ولو أنه حين ملك رقّي بأياديه ،وأعجز وُ ْ ونَوَاله ،وهو ثوب ل يحلّى إل بذكره ِ
طمَع ،ونهضت فيه ولو على ومساعيه ،خلّى لي مذهبَ الشكر ومَيدَانه ،ولم يجاذبني زِمامَه وعنَانه ،لتعلّقْت عن بلوغ بعض الواجب بعُروَة َ
وَهن وظَلع ،ولكنه يَأبئ إل أن يستولي على أَمدِ الفضائل ،ويتسنّم ذرَا الغوارب منها والكواهل ،فل َيدَع في المجد غايَةَ إل يسبق إليها فارطاً،
ف من سوَاهُ عنها حسيراً ساقطاً ،لتكون المعالي بأسرها مجموعة في ملكِه ،منظومةً في سِلكه ،خالصةً له من دعوى القسيم وشِركِه. ويُخلّ ُ
ضرّة لزهرِ الربيع ،موفية بحُسْنِ الخطّ وله فصل من كتاب إلى أبي سعيد بن خلف الهمذاني :فأمّا التّحْفَةُ التي شَفعها بكتابه فقد وصلت ،فكانت َ
على الوَشْي الصنيع ،وليس يه َتدِي لمثل هذه اللطائف في مبرة الخوان ،إل من ُيعَ ّد من أفراد القران ،ول يرضَى من نفسه في إقامة شعائِر
ل يمتّعه بما منَحَ ُه من خصائص هي في آذَان الزمان شنوف ،وفي جِيده عقد مرصوف. البرّ دون القران ،وا ّ
الخريمي يعاتب الوليد بن أبان
وقاد أبو يعقوب الخريمي يعاتب الوليد بن أَبان :الطويل:
وكنت امرًأ ذا إرْبةٍ مـتـجـمّـلَ؟ أتعجَبُ مني إن صبرت علـى الذى
ق مَفْـصِـل طأْت للح ّ رأيت ،ول أخ َ فإني بحمـدِ الـلـه ل رَأْيَ عـاجـزٍ
سوى الحلم والغضاء خيراً وأفْضلَ ولكن تدبّرتُ الُمـورَ؛ فـلـم َأجِـدْ
وعهـ ٌد أبَـتْ أركـانـه أن تَـزيّل وأُقسم لول سـالِـفُ الـو ّد بـينـنـا
وأوليتنيها مُـنْـعِـمـًا مُـتَـطَـوَل وأيامُك الغرّ اللـواتـي تـقـ ّدمَـتْ
إلى البعد ما ألفيت في الرض َم ْعمَل رحلْتُ قلوصَ الهَجْرِ ثم اقتعـ ْدتُـهـا
ولم ترنِي لول الـهـوَى مـتـذلّـل ت نفسي والكرامةُ حـظّـهـا وأكْ َرمْ ُ
ُيعِينُ إذا ما الهَمّ بالمـرء أَعْـضَـلَ صبَا َأ ْبتَغِي أخـاً وعارضت أطراف ال ّ
إذا الحرّ بالمجدِ ارتدَى وتَـسَـ ْربَـلَ أخاً كأبي عمرو وَأنّـس بـمـثـلِـه
ب مُفْضِل جزْلَ المَواه ِ جَزَى صاحباً َ جزى ال عثمانَ الخُرَيمِيّ خـي َر مـا
صفاءً وإن أُدبـرتُ حَـنّ وأقـبـل أخاً كان إن أقبلـتُ بـالـودّ زادنـي
يخوّفني العدا ُء منـه الـتـنـقّـل أخاً لم يخنّي في الـحـياة ولـم أبِـتْ
ضبَة تأْبى بأنْ تـتـخَـلْـخَـل به هَ ْ إذا حاولو ُه بـالـسـعـاية حـاولـوا
ب دوني الزاعبي الـمـؤَلّـل ويرك ُ يحكّمنـي فـي مـالـه ولـسـانـهِ
324
خبّ وهَ ْر َولَ
نَصوراً إذا ما الشّرّ َ وكنت أخًا لو دام عهدُك واصـلً
تراني شُجاعًا بين عينيك مُقْبـل فغيّرك الواشون حتى كـأنـمـا
أبو يعقوب الخُريمي
وأبو يعقوب هذا إسحاق بن حسان ،قال المبرد :كان أبو يعقوب جميل الشعر ،مقبولً عند الكتّاب ،وله كل ٌم قوي ،و َمذْهَبٌ متوسّط ،وكان يرجع
خرَيم المري الذي يقال له خُريم الناعم ،وكان أبو صغْد ،وكان له ول في غطفان ،وكان اتصالُه بموله أبي عثمان بن ُ إلى نسب كريمٍ في ال ّ
خرَيم عن َلذّة الدنيا ،فقال :المْنُ فإنه ل عيشَ لخائف ،والعافيةُ فإنه ل عيشَ لسقيم ،والغنَى فإنه ل عثمان هذا قائداً جليلً ،وسيّدا كريماً .وسُئل ُ
صغْد يقول :الطويل: عيشَ لفقير .وقيل له :ما بلغ من نعمتك؟ قال :لم ألبس جديداً في صيف ،ول خَلَقاً في شتاء .وفي نسبه في ال ّ
سَفاها ومن أخلق جارتنا البخلُ جمْلُ ض ْغدِ باس أن تعيّرني ُ أبا ال ُ
عكْلُ ش َتمِلْ جَرْم عَلَيّ ول ُ ولم تَ ْ وما ض ّرنِي أنْ لم تَلِدْني يُحَابـر
يقول فيها:
حدَرٌ سهلُ ن و ُمنْ َ
حزْ ٌص َعدٌ َ
لها مَ ْ ب ثَـنِـيّةٌ
ودون الندى في كلّ قل ٍ
جزْل إذا ما انقضى لو أنّ نائلَه َ وودّ ال َفتَى في كل نَـيْل يُنـيلُـه
شكْـلُ لكلّ أُناسٍ من ضرائبهم َ وأعلمُ علماً ليس بالـظّـنّ أنـه
قليلٌ إذا ما المرءُ زَلّت به ال ّنعْلُ وأنّ أخِلّء الزمانِ غَـنـاؤهـم
حبْلُ حذّاءَ وانصرم الْ َ شمّرَتْ َ فقد َ تَزَ َؤدْ من الدنيا متاعاً لغـيرهـا
لمّك من إحدى طوارقها الثكْلُ وهل أنتَ إل هامَةُ اليوم أو غَـدٍ
ختَاخ :الطويل: وقال يتشوّق الحسن بن الت ْ
طعَمُ النومَ طالِـبُـهْ سفَ ٍر ل يَ ْ
مطا َ ل مُبلغ عني خـلـيلـي ودونـهُ َأ َ
بفُسطاط مصر حيث جمّتْ عجائبُهْ رسالةَ ثا ٍو بـالـعـراق ورُوحـهُ
يجيش بها في الصدر شوق يغالبه له كـل يوم حَـنّةٌ بـعـــد َرنّة
لنا ٍء ول يَشْقَى به من يُصَاقِـبُـه عهْـدَهُ إلى صاحب ل يُخْلِقُ النأيُ َ
ل محيّاه كريمـاً ضـرا ِئبُـه جمي ً تَخَـيّره حـرّا نـقـيّا ضـمـيرُه
وبحرٌ على الورّاد تجري غَوا ِربُه هو الشهدُ سِلْماً ،والذّعاف عَـدَاوَةً
ت مـنـاقِـبُـه وتمّت أَيادِيه وجمّ ْ حسْنِ الذي عَ ّم فضـلُـه حسَن ال ُ فيا َ
ق ما تُـ َردّ عـوا ِزبُـه نوازعُ شَوْ ٍ إليك على ُبعْدِ المزار تطـلـعَـتْ
لهم نَسبٌ في ودّهم ل أنـاسـبـه ن أبـنـاء عَـلّة أرى بعدك الخوا َ
ف ل نُعا ِتبُـه؟ ببغداد عَص ٌر ُمنْصِ ُ جعَنْ عيشي وعيشكَ مـرّة فهل يَرْ ِ
ن َمنِيع مراتـبُـه حصْ ٍ وآوِي إلى ِ جنَـابـك رَوْضَةً لَياِليَ أَرْعَى في َ
بماءٍ رِصافٍ صفقتْهُ جَـنَـا ِئبُـهْ صفّقَـا وإذ أنت لي كالشهد بالرّاح ُ
صدْع الناء مَشَاعِبـه كما لءمت َ عسى ولعلّ ال يجمـ ُع بـينـنـا
فقر وفصول في معان شتى
صبْر.
قال العتابي :حظ الطالبين من الدَرْك ،بحسب ما استصحبوا من ال ّ
ت عليه عدّة للسفيه ،وجُنة من َكيْ ِد العدو ،وإنك لن تقابل سفيهاً بالعراض عن قوله إل أذللْتَ نفسه ،وفَللْتَ حدّه ،وسَل ْل َ بعض الحكماء :الحلم ُ
سيوفاً من شواهد حِ ْلمِك عنه ،فتولّوا لك النتقامَ منه.
وقال آخر :العجلة مكسبة للمذمة ،مجلبة للندامة ،منفرة لهل الثقة ،مانعة ممن سدَادِ الرغبة.
ل يودّعه فقال :أين تريد؟ قال :بغداد ،قال :إنك تريد بلداً اصطلح أهلُه على صحّة العلنية ،وسَقَم السريرة ،كلّهم وأتى العتابيَ وهو بالرّي رج ٌ
يعطيك كلّه ،ويمنعك قُلّه.
خبَرُك مع فلن؟ قال :قد افتديت مكاشفته واشتريت مكاشرته بألف درهم ،فقال يحيى :ل تبرح وقال يحيى بن خالد لرجل دخل عليه :ما كان َ
حتى يكتبَ الفضلُ وجعفر عنك هذا القول.
ك التنعّم ،رجاءً لما وعدت ،وخوفاً قال الصمعي :سمعتُ أعرابيًا يدعو ،ويقول :اللهمّ ارزقني عملَ الخائفين ،وخَ ْوفَ العاملين ،حتى أتنعّم بتَ ْر ِ
مما أوعدت.
ش إل من خلل مكروهه ،ومن انتظر بمعاجلة الدرك مُؤَاجلة الستقصاء سلبته اليام وللعتابي :أما بعد ،فإنه ليس بمستخلَص غَضَارةُ عي ٍ
فرصته.
ن تحدّدَ لي ميعاداً لزيارتك ،أتقوّته إلى وقت رؤيتك ،ويُ ْؤنِسُني إلى حين لقائك ،فعلت ،إن شاء ال. كتب بعض الكتاب إلى أخ له :إن رأيت أ ْ
ض دون الوفاء به ما ل أَقدر على َدفْعِه ،فتكون الحسرةُ أعظ َم من الفرقة. عدَك وَعدًا يعتر ُ فأجابه :أخاف أن أَ ِ
ت قد ربحتُ السرورَ بالتوقع لما أحبّه ،وأصبتُ ج ِذلً بانتظارك ،فإن عاق عن النجاز عائق ،كن ُ فأجاب المبتدئ :أنا أس ّر بموعدك ،وأكون َ
جرِي على الحسرة بما حرمته. أَ ْ
ي من رؤيتك ،والسلم. وكتب أَخٌ إلى أخ له يستدعيه :أما بعد ،فإنه من عانى الظمأَ بفُ ْر َقتِك استوجب الر ّ
شفَى
حسُنَ مستقبَله ،وأَتت السماء بقطَارها ،فحلَت الرضَ بأَنوارِها ،وبك تطيب الشّمول ،ويُ ْ وكتب آخر في بابه :يومُنا يومٌ طاب أوّله ،و َ
ن تأخرت عنا فرّقت شَملَنا ،وإن تعجلت إلينا نظمت أمرنا. الغليل ،فإ ْ
ت بمصيبة :لمصيبةٌ في غيرك لكَ ثوابها ،خير من مصيبة فيكَ لغيرك أجرها. صبْ ُ
قال إسحاق الموصلي :قال لي ثُمامة بن أشرس؟ وقد أُ ِ
صيْتَ ال فينا، ومرّ عُمر بن ذر بابْنِ عياش المنتوف ،وكان سَفِه عليه فأَعرض عنه ،وتعلق بثوبه ،وقال :يا هَناه ،إنا لم نجد لك جزا ًء إذ عَ َ
325
ت من عصى ال فيك بمثل أن تُطيع ال فيه. خيرًا من أن نُطيعه فيك .أخذه من قول عمر بن الخطاب ،رضي ال تعالى عنه :ما عاقب َ
شيَتي نكالَك؛ لنك ل صيَالك بأكثر من خَ ْ وكتب بعض الكتّاب إلى رئيسه :ما رجائي عدَلكَ بزائدٍ على تأميلي َفضْلك ،كما أنه ليس خوفي ِ
تَرْضَى للمحسن بصغير ال َمثَوبَة ،كما ل تقنع للمسيء إل بموجع العقوبة.
شبْ ُه َمذْق.
ب بمَطْلٍ ،ومرا ِفدَ لم تشن بمنّ ،وعهد لم يمازجْه مَلَق ،و ُودّ لم يَ ُ وقال آخر :ما عسيت أن أشكرك عليه من مَوَاعد لم تُشَ ْ
وقال آخر :علقت به أسباب الجللة غير مستشعر فيها بنَخْوة ،وترامت له أحوالُ الصرامة غير مستعمل معها السطوة ،هذا مع َدمَاثة في غير
حصَرِ ،ولينِ جانب من غير خَوَر. َ
فصل لبن الرومي :إني لَوَليّك الذي لم تزل تنقادُ لك مودّته من غير طمع ول جَزع ،وإن كنتَ لذي رغبة مَطمعاً ،ولذي رَهْبة مهرباً.
أبو فراس الحمداني :الطويل:
ثوابٌ ،ول يُخْشى عليه عقـابُ ض ل يرتجى لهُ كذاك الوِداد المَحْ ُ
حنيفة تغزو نميراً
صفُون غزَتْ حنيفة نميراً فانتصفوا منهم ،فقيل لرجل منهم :كيف صن َع قومُك؟ قال :اتبعوني وقد أحقبوا كلّ جُماليّة خيفانة ،فما زالوا يَخ ِ
شتَفُوا بها َأرْوَاحَهم.
أخفاف ،المطيّ بحوافر الخيل ،حتى لحقوهم؛ فجعلوا المُرّان أرْشِيةَ الموتِ ،فا ْ
دعاء أعرابي
ل فكثّرْه ،أو كثيرًا فثمّرْه. ودعا أعرابي فقال :اللهمّ إن كان رزقي نائياً فق ّربْه ،أو قريباً فيسّرْه ،أو ميسّرا فعجّلْه ،أو قلي ً
باب المراسلت
سبُلَع ْي َثهُمْ بها :يا أمير المؤمنين ،قد قطع ُ سنْجار و َ عنْبَسة بن إسحاق إلى المأمون وهو عاملُه على ال ّرقّة ،يصف خروجَ العراب بناحية ِ وكتب َ
حدّا ول عقوبة ،ولَ ْولَ شذَاد العراب الذين ل يرقبون في مؤمنٍ إل ول ِذمّة ،ول يخافون من ال َ المجتازِين ،من المسلمين والمعاهدين ،نَفَر من ُ
صيَهم ودَانِيَهم ،ل ّذنْتُ بالستنجاد عليهم ،ولبْ َت َعثْت الخيلَ ف أمير المؤمنين وحَصْده هذه الطائفة ،وبلوغه في أعداء ال ما يَ ْردَع قا ِ ثِ َقتِي بسي ِ
إليهم ،وأمي ُر المؤمنين ُمعَانٌ في أمورِه بالتأييد والنصر إن شاء ال.
فكتب إليه المأمون :البسيط:
ل يَقْطَع السيفُ إلّ في َيدِ الحذرِ غيْ َر كَهام السمعِ والبصر س َمعْتَ َ أْ
طرِِمثْلَ الهشيم ذَ َرتْه الريحُ بالمَ َ سيصبح القو ُم من سيفي وضا ِربِه
فوجّه عنبسة بالبيتين إلى العراب ،فما بقي منهم اثنان.
طلَبُ العافين الوسائلَ إلى المير -أعزه ال -يُنْبئ عن شروع وكتب المطلب بنُ عبد ال بن مالك إلى الحسن بن سهل في رجل توسل بهَ :
مواردِ إحسانه ،و َيدْعُو إلى معرفة َفضْله ،وما أَنصفَه -أعزّه ال تعالى -مَن توسّل إلى معروفه بغيره؛ فَرأيُ المير -أعزّه ال -في التطوّل
ت معرِفتهُ عن ذلك بما يريد ال تعالى فيه موفّقا إنْ شاء ال تعالى. صرَ ْ
على من قَ ُ
ص ِدكَ إليّ بأمثاله فرضاً يفيدك شكره ،ويعقبك فكتب إليه الحسن :وصلك ال بما وصلتني في صاحبك من الجْرِ والشكر ،وأراك الحسان في قَ ْ
أجره ،فرأيك في إتمام ما ابتدأتَ به وإعلمي ذلك مشكوراً.
وكان المُطّلب ممدّحاً كريماً ،وقد حسد دعبل شرفَه وإنعامه ،وغبط إحسانه وإكرامه ،إذ يقول :البسيط:
بلُ ْؤ ِم مُطّلب فينا وكُـنْ حـكـمـا ت معتَرفاً ضرِبْ ندى طلحة الطلحا َ اِ ْ
فل تعدّ لها لـؤمـاً ول كـرمـا تَخْلُصْ خزاع ُة من لُؤُم ومن كـرم
ف من أن يُوصف. وأمر طلحة أعْ َر ُ
وما أبعد قول دعبل من قول البحتري لصاعد بن مخلد وأهل بيته :الطويل:
ظنَا في المَكارمِ ول َتبْخَسُونا حَ ّ بني َمخَْلدٍ ُكفّوا َتدَقّقَ جُوْدكـم
س ْمعَة حاتـم
ن تذهبوا عنّا ب ُ بأ ْ ن ومخلد ي قِنا ٍ
جدَ ْ
ول تَنْصُروا مَ ْ
َتغُضّون منا بالخِللِ الكـرائمِ جعَ ْلتُمُ
وكان لنا اسْمُ الجُود حتى َ
في الرثاء
قال الزبير بن بكار :لمّا مات يزيدُ بن مَزيد بأرمينية قام حبيب بن البَراء خطيباً ،فقال :أيها الناس ،ل تَ ْقنَطوا من مثله وإن كان قليلَ النظير،
جدْبة ما عملت فينا يدَاه من عدله وندَاه. و َهبُوهُ من صالح دعائكم مثل الذي أخلَص فيكم من نواله ،وال ما تفعل الديمة الهَطْلة في البقعة ال َ
فسرق هذا أبو لُبابة الشاعر فقال :البسيط:
فأزهرتْ بَأقَاحي النّـبْـتِ ألـوانـا ما بقعةٌ جادَهـا غَـيْثٌ وقَـرّبـهـا
في الشرق والغربِ معروفاً وإحسانا ت يدهُ ن مـمّـا أثّـرَ ْأبهى وأحـسـ ُ
في المدح
وقال ابن المبارك يمدح يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة :الكامل:
فسـواك بـائعُـهـا وأنـت الـمـشـــتـــري وإذا تُـبـاع كـــريمةٌ أو تُـــشْـــتَـــرى
فيهـا الـسـبـيلُ إلـى نــدَاك بـــأَوْعَـــر وإذا تـوغَـ َرتِ الـمـسـالــكُ لـــم يكـــن
بيدَيْن لـيس نـدَاهُـمـــا بـــمـــكـــدّر وإذا صَـنَـعْـتَ صـنـيعةً أتـمَـمْـتَـــهـــا
ت ل ُمعْتَفِيك بنائلقال الندى فأَط ْعتَه لكَ :أ ْكثِرِ وإذا َه َممْ َ
من مـعـدَل عـنـه ول مـن مَـقْـــصَـــرِ يا واحدَ العرب الذي ما إن لهم
من إنشاء بديع الزمان
سمِي من صحيفته ،وقطع حَظّي من صدْرٍ َمحَا ا ْ كتب البديع أبو عبد ال أحمد بن الحسين بن يحيى :أما أبو فلن فل شك أن كتابي يَرِد منه على َ
وظيفته ،ونَسِي اجتماعنا على الحديث والغزل ،وتصرفنا في الجد والهَزْل ،وتقلبنا في أعطاف العيش ،بين الوقار والطيْش ،وارتضاعنا َثدْيَ
العشرة؛ إذ الزمان رقيقُ القشرة ،وتواعُدنا أن يلحق أحدُنا بصاحبه ،وتصافحنا من قبل أل نصرم الحبل ،وتعاهدنا من بعد أل ننقض العهد،
326
حرْمة ،والخوّة بُ ْردَة ل تضيق بين اثنين ،ولو شاء لعاشرنا في ال َبيْن ،وكان وكأني به وقد اتّخذ إخوانًا فل بأس ،فإن كان للجديد لذة فللقدم ُ
ج ْدتُها ،وخراسان غذِي ،وأكاتبه ل ُينْهض إليه راحلته؛ فهاك نيسابور ضَالّته التي نشدتها وقد و َ سألني أن أرتاد له منزلً ماؤه رَوِيّ ،ومرعاه َ
ص ْب ُتهَا ،وهذه الدولة بغيته التي أرادَها وقد وردتها ،فإن صدّقني رائداً ،فليَ ْأتِني قاصِداً. أمنيته التي طلبتها وقد أ َ
ت رقعتُك يا سيدي والمصاب لعمر ال كبير ،وأنتَ بالجزَع جدير ،ولكنك بالعزاءِ أَجدر ،والصبرُ وله إلى بعض إخوانه يعزّيه عن أبيه :وصَل ْ
حيَ الحيّ ،والن فاشدُدْ على مالك بالخمس ،فأنتَ اليوم غيرُك بالمس ،وكان الشيخُ رحمه ال عن الحبة رشد كأنه الغَيّ ،وقد مات الميت فَ ْليَ ْ
جمُ الشيطان عودَك ،فإن استلنك وكيلك ،تَضحك ويبكي لك ،وقد موّلك ما ألَف في سراه وسيره ،وخلفك فقيراً إلى ال غنياً عن غيره ،وسيع ُ
حبَاب والحباب ،والعيش بين القدَاح والقداح ،ولول الستعمال ،ما رماك بقوم يقولون :خيرُ المال ما أُتلِف بين الشراب والشباب ،وأُنفق بين ال َ
ج من أريد المال! فإن أطعتَهم فاليوم في الشراب ،وغداً في الخراب ،واليوم وَاطَربَا للكَاس ،وغَداً واحَ َربَا من الفلس ،يا مولي ذلك الخار ُ
سمّيه العاقل فقْراً. العود يسمّيه الجاهل َنقْراً ،ويُ َ
سمْر ،فإن لم يجد الشيطان مغمزاً في عودِك من هذا الوجه ،رَماك بقوم يمثّلون وكذلك المسموع في الناي ،هو في الذان َزمْرٌ ،وفي البواب َ
غيْرك، طنَك ،وتناقش عِرْسك ،و َت ْمنَع نفسَك ،وتتوقّى دنياك بوزرك ،وتراه في الخرهْ في ميزان َ حذَاء عينيك ،فتجاهد ق ْلبَك ،وتحاسب بَ ْ الفقرَ ِ
ل ،ولكن َقصْداً بين الطريقين ،وميْلً عن الفريقين ،ل َمنْع ول إسراف ،والبخل فَ ْقرٌ حاضر ،وضرٌ عاجل ،وإنما يبخلُ المرء خيفة ما هو فيه:
الطويل:
صنَعَ الفَقْـرُ
مخاف َة فَ ْقرٍ فالذي َ جمْ ِع ماله ومن ينفق الساعاتِ في َ
وليكن لِّ في مالك قسم ،وللمروءة قسم؛ فصِلِ الرّحم ما استطعت ،وقدّر إذا قطعت ،فلَنْ تكون في جانب التقدير ،خي ٌر من أن تكون في جانب
التبذير.
ل فهووله إلى رئيس عناية برجل :كتابي أطال ال بقاء الرئيس ،والكاتب مجهول ،والكتاب فضول ،وبحسب الرأي مَوْقعه ،فإن كان جمي ً
شيْناً فهو ت َقوّل ،وأيةً سلك الظنّ فله -أيّده ال تعالى -المنّ ،من نيسابور عن سلمةٍ شاملة نسألُ ال تعالى أل يُلهينا بسكرها، تَطَوُل ،وإن كان َ
ل فخاطِبُ ُودّ أولً ،وموصل ن هذا الرجل؟ وما هذا الكتاب؟ فأمّا الرج ُ عن شُكرِها ،والحمد ل رب العالمين .يقول الشيخ -أيّده ال تعالى :-مَ ْ
ف قد حاربَه زمانُ السوء؛ فأخرجه من البيت الذي شكرٍ ثانياً؛ وأمّا الكتاب فَلِحام أرحام الكرام؛ فإن يعِن ال الكِرامَ؛ تتصِل الرحام .هذا الشري ُ
ظهَراً؛ وله بعدُ جللةُ النسب ،وطهارةُ الخلق ،وكرمُ ال َعهْد ،وحضرني فسألته عما وراءه ،فأشار إلى ضَالَةِ بلغ السما َء مَ ْفخَراً ،ثم طلب فوقه مَ ْ
الحرار ،وهو الكرم مع اليسار ،ونبّه على قَيد الكرام ،وهو البِشْر مع النعام ،وحدّث عن بَ ْر ِد الكباد ،وهو مساعدة الزمان للجَوَادِ ،ودلّ على
ع هذه جدَا معاً .وذكر أنّ الشيخَ الرئيس -أيّده ال -جما ُ نزهة البصار ،وهو الثّرَاء ،و ُم ْتعَة السماع ،وهو الثناء ،وقلّما اجتمعا ،وعَزّ ما وُ ِ
الخيرات ،وسألني الشهاد َة له ،وبَذْلَ الخط بها ،ففعلت ،وسألتُ ال إعانته على ِهمَته؛ فرأيُ الشيح -أيّده ال تعالى -في الوقوف على ما كتبت،
ن نَشِطَ -الموفق إن شاء ال. وفي الجابة -إ ْ
ل كِتابُك بما ضمّنته من تَظَا ُهرِ نعم ال عليك ،وعلى أبويك ،فسكنت إلى ذلك من حالك ،وسألتُ ال بقاءك ،وأن يرزقَني وله إلى ابن أخته :وَصَ َ
طعْنتَ في كبدي ،فقد كنت معتضدًا بمكانه ،والقدرُ جارٍ لشانه ،وكذلك ضدِي ،و َ ع ُلقاءَك ،وذكرت مصابك بأخيك ،رحمه ال تعالى ،فكأنما فتَتّ َ
المرء يدبّر ،والقضاء يدمّر ،والمال تنقسم ،والجال َتبْتسم ،فالُ يجعله لك فَرَطاً ،ول يُرِيني فيك سُوءًا أبداً ،وأنت إن شاء ال تعالى وارثُ
عمره ،وسدادِ َثغْرِه ،و ِنعْمَ العِوَضُ بقاؤك :الكامل:
ل ذُراً وأثّ أسَافِلَ منه ا ْنمَهَ ّ شذّباً
إنَ الشاءَ إذا أصاب مُ َ
ت بديلً ،وأنت ولدي ما دمت وأبوك سيدي أيّده ال تعالى وألهمه الجميل ،وهو الصبر ،وأَناله الجزيل ،وهو الجر ،وَأ ْم َتعَ ُه بك طويلً ،فما سُ ْؤ َ
والعلمُ شانك ،والمدرس ُة مكانك ،والدفتر نَديمك ،وإن قصّرت ،ول إخالك ،فغيري خالك.
وله من كتاب إلى أبي القاسم الداوُدي بسجستان:
ب مَنْ ينسى اليام وتذكره ،ويطويها وتنشُره ،ويبيد أبناء دهره ،وراء ظهره ،ويخرج أهل زمانه ،من كتابي -أطال ال بقاء الفقيه -كتا ُ
صفْقَته هي الرابحة ،وكفته هي الراجحة ،وأنا -أيّد ال الفقيه -على ُقرْب العهد ،بالمهْد، ضمانه ،فإذا تناولهم بيُمناه ،وتسلّمهم بيسراه ،أقسم أنّ َ
حمْدٌ وضعتهُ عرْضَ الرض ،وعاشرت أجناس الناس ،فما أحدٌ إل بالجهل اتّبعته ،وبالخبرة ِب ْعتُه ،وبالظّن أخذته ،وباليقين نَ َب ْذتُه ،وما َ قد قطعت َ
ص َر ْفتُه إلى أحد إل غربته ،ومن احتاج إلى الناس ،و َزنَهم بالقِسْطَاسِ ،ومن طاف نصف الشرق ،فقد لقي رُبعَ في أحد إل ضيّعته ،ول َمدْحٌ َ
الخلق ،ومن لم يجد في النّصْف َلمْحَ ًة دالّة ،لم يجد في الكل غرةً لئحة ،وكان لنا صديقٌ يقول :إن عشت تسعين عاماً مت ولم أملك ديناراً؛
جدَةلني قد عشت ثلثين ولم أملك ثلثها ،وهذا لعمري ياس ،يُوجبه قياس ،وقنوط ،بالحجة َمنُوط ،ودُعَابة ستكون جِداً ،ووراء هذه الجملة مَو ِ
ت مكان ال َقدَم ،وأنا في َكنَفِه صائبُ سَهم المل ،وَافِرُ الجذل ،والحمد ل على على قوم ،وعَربَدة إلى يوم ،والمير السيد واس ُع مجال الهمم ،ثاب ُ
ما يُوليه ،ويُولينا َمعْشَر مَوَاليه ،وصلى ال على سيدنا محمد وآله وصحبه وذرّيته.
وله إلى إبراهيم بن حمزة خادم الستاذ الجليل :قد أتبع قدمَه ،إلى الخِدمَة قلمَه ،وأتلى لسانَه ،في الحاجة َبنَانَه ،وقد كان استأذنه في توفير هذا
اليوم في مجلس السيد الجليل فَأذِنَ له على عادته السليمة ،وشيَمتِه القويمة ،ومَنْ وَجد كَلً َرتَع ،ومَنْ صادف غيثاً انتجَعَ ،ومن احتاج للحاجات
سنَا بأبي فلن؛ فقد وُصِفَ لي حتى سَأل ،وبَقي أن يشفع الستاذ الجليل بإزاء الحوض عَ َفرَهُ ،وينظم إلى رَوضِ الحسان مطره ،ويطرّز أن َ
حننت شوقاً إليه ،ووَجْدًا به ،وشَغفاً له ،وغُلُوًا فيه ،ورَأيهُ في الصغاء إلى الكرم عالِ ،إن شاء ال تعالى.
ومن إنشائه في مقامات أبي الفتح السكندري:
حدَ ْوتُه أمامي ،والحزم طّيتَه ،واستخَرْتُ ال تعالى في العَزْمِ َ ت مَ ِ طيّتَه ،وامتطي ُ حدّثنا عيسى بن هشام قال :حداني إلى سجستان أرب ،فاقتعدت ِ
ث انتهيت؛ ولمّا انتُضِي نَصْلُ الصباح ،وبرز جعلته قدّامي ،حتى هداني إليها ،ووافيت دروبَها ،وقد وافت الشمس غُروبَها ،واتفق المبيتُ حي ُ
س ْمعِي صوتٌ ت من دائرة البلد إلى نُقْطتها ،ومن قلدة السوقِ إلى واسِطَتها ،خَرقَ َ جَبينُ المصباح ،مضيتُ إلى السوق أتّخذ منزلً ،فحيث انتهي ُ
ق معنى ،فانتحيتُ َو ْفدَهُ ،حتى وقفتُ عنده؛ فإذا رجلٌ على فرسه ،مختنق بنَفَسِه ،قد ولني قَذالَه وهو يقول :من عرفني فقد له من كلّ عِر ٍ
حجَال ،سلُوا عني الجبال عيّة الرجال ،وُأحْجيّة ربّات ال ِ عرفني ،ومن لم يعرفني فأنا أعرَّفهُ بنفسي ،أنَا باكور ُة اليمن ،أنا أحدوثة الزمن ،أنا ُأدْ ِ
ح ّرتَها؟ وسلوا الملوكَ وخزائنها، س ْمتَها ،وولج َ وحُزونَها ،والبحار وعيونَها ،والخي َل ومتونها ،مَنِ الذي ملك أسوارها ،وعرف أسرارها ،ونهج َ
ب ومضايِقَها ،مَن الذي أخذ مخت َزنَها ،ولم يؤ ّد ثمنَها؟ ومن الذي ملك ب و َمغَالِقها ،والحرو َوالغلق ومعادنِها ،والعلوم وبواط ِنهَا ،والخطو َ
ت بين الملوك الصّيد ،وكشفت أستارَ الخطوب السّود .أنا وال شهدت حتى مصَارعَ ت ذلك ،وسفَر ُ مفاتِحها ،وعرف مصالحها؟ أنا وال فعل ُ
327
ت عن الدنيات نفورَ طبْع الكريم صرْتُ الغصونَ الناعمات ،وج َنيْت جنى الخدود المو ّردَات ،ونَف ْر ُ العُشّاق ،ومرِضتُ حتى ِلمَرضِ الحداق ،وه َ
صبْحُ المشيب ،وعَلتْني ُأبّهة ال ِكبَر ،عَمدْتُ لصلح ف عن قبيح الكلم ،ولن لما أسْفرَ ُ عن وجوه اللئام ،ونَبوْتُ عن المحرمات نبوّ سمع الشري ِ
أمْ ِر المعادِ ،بإعداد الزّاد ،فلم أرَ طريقاً أهدى إلى الرشاد ممّا أنا ساِلكُه ،يَراني أحدُكم راكب فرس وهَوَس ،فيقول :هذا أبو العجَب ،ل ،ولكني
صعْباً أخذتها ،وهوناً أضعتها ،وغالياً اشتريتها ،ورخيصًا بِعتها؛ سيْتها ،وأخو العْلقَ ، أبو العجائب ،عايَنتها وعا َنيْتُها ،وأمّ الكبائر قايَسْتها وقا َ
ضيْتُ الركائب ،ول من عليكم ،فما حصلتها إل لمري ،ول أَعددتها حمْتُ المناكِبَ ،ورَعَيت الكواكبَ ،وأنْ َ حبْتُ لها المواكب ،وزا َ فقد وال ص ِ
ت معها أل أدخِرَ عن المسلمين نَ ْفعَها ،ول بدّ لي أن أخلع ِربْقَة هذه المانة من عُنقي إلى أعناقكم، إل لنفسي ،لكني ُد ِفعْتُ إلى مكاره َنذَرْ ُ
صنْه من أنجَبتْ جدودُه ،وسُقي ف من كلمةِ التوحيد ،ليَ ُ شتَرِه مني من ل يتقز ُز من موقف العبيد ،ول يأن ُ ض دوائي هذا في أسواقكم ،فلي ْ وأع ِر َ
بالماء الطّاهر عودُه.
ل النعامة بين يديه ،ثم تعرّضت فقلت :كم قال عيسى بن هشام :فدُرت إلى وجهه لعلم عِ ْلمَه ،فإذا شيخنا أبو الفتح السكندري ،وانتظرت إجفا َ
س ما مست الحاجةُ ،فانصرفت وتركته. يُحِلّ دواءك هذا؟ قالُ :يحِل الكي ُ
ل من البيت الحرام ،أمِيس مَيس الرّجْلَة ،على شاطئ الدّجلة، ومن إنشائه في هذا الباب :حدّثنا عيسى بن هشام قال :بينا أنا بمدينة السلم ،قاف ً
أتأمّل تلك الطرائف ،وأتقصّى تلك الزخارف ،إذ انتهيت إلى حَلْقة رجال مزدحمين ،يَلْوِي الطَ َربُ أعناقَهم ،ويشق الضحِك أشداقَهم ،فساقني
جمَة ،و َفرْطِ الزحمة ،وإذا هو قَرّاد يُ ْرقِص قردَه ،و ُيضْحِك سمَعِ صوتِ رجل دون مَ ْرأَى وجهه ،لشدّة الهَ ْ ت بمَ ْحرْصُ إلى ما ساقهم ،حتى و َقفْ ُ ال ِ
حيَة رجلين ،وقعدت سرّة ذاك ،حتى افترشت ِل ْ ق هذا لِ ُ مَنْ عنده ،فرقصت َرقْص المحرج ،وسرت سي َر التْرج ،فوق أعناق الناس ،يلفظُني عات ُ
شغْله ،وانتفض المجلس عن أهله ،قمت وقد كساني الرّيب بين اثنين ،وقد أشرَقني الخجل برِيقه ،وأَرهقني المكانُ لضيقه ،فلمّا فرغَ القُرّاد من ُ
حُلّته ،ووقفت لرى صورتَه ،فإذا أبو الفتح السكندري ،فقلت :ما هذه الدناءة؟ ويحك! فقال :مجزوء الكامل:
عتِبْ على صَرْفِ اللّيالِي فا ْ الـذنـبُ لـليام ل لِــي
و َرفَلْتُ في ثَوْبِ الجمـالِ ق أدر ْكتُ الـمُـنَـى حمْ ِبال ُ
ومن إنشائه في هذا الباب أيضاً :حدثنا عيسى بن هشام قال :كنت بأصفهان أعتَزِم المسيرَ إلى الرّي ،فحللتها حلولَ ال َفيّ ،أتوقّع الثقْلَة كل َلمْحة،
ت من بين الصحابة، سلَلْ ُ
صبْحَة؛ فلما حُ ّم ما توقعته ،وأزِف ما ترقّبته ،نُودي للصلة ندا ًء سمعتُه ،وتعين فَرضُ الجابة؛ فان َ وأترقّب الرّحْلة كلّ َ
عثَاء الفَلة؛ فصِ ْرتُ إلى أول الصفوف ،و َمثَلْتُ ت ببركة الصلة ،على وَ ْ أغتنم الجماعة ُأدْرِكها ،وأخشى فواتَ القافلة أتركها ،لكني استعنْ ُ
للوقوف ،وتقدم المام للمِحْرَاب ،وقرأ فاتحةَ الكتاب ،وثنى بالحزاب ،بقراءة حمزة ،مدّة وهمزة ،وأتبع الفاتحة بالواقعة ،وأنا أتصلّى بنار
الصبر وأتصلّب ،وأتقلى على جمر الغيظ وأتقلّب ،وليس إل السكوت والصبر ،أو الكلمُ والقبرِ ،لمَا عرفت من خشونة القوم في ذلك المقام ،أن
ت من الراحلة ،ثم حنى لو قطعتُ الصلة دون السلم ،فوقفتُ ب َقدَم الضرور على تلك الصورة ،إلى انتهاء السورة ،وقد َقنِطْت من القافلة ،و َيئِسْ ُ
سمِع ال لمن حمده ،وقام ،حتى ما ع َهدْه قبل ذلك ،ثم رفع رأسه ويدَه ،وقالَ : ب من الخضوع ،لم أَ ْ قَوْسَه للركوع ،بنوعٍ من الخشوع ،وضر ٍ
ش َككْتُ أنه نام ،ثم أ َكبّ لوجهه ،فرفعت رأسي أَنتهز فُرْصة ،فلم أَ َر بين الصفوف ُ -فرْجة ،فعُدْت للسجود ،حتى كبّر للقعود ،وقام للركعة
عيْه ،فقلت :قد خدَ َ
عمْرَ الساعة ،واسترق أرواح الجماعة ،فلمّا فرَغ من ركعتيه ،مال للتحية بأَ ْ الثانية ،وقرأ الفاتحة والقارعةَ ،قراءةً استَ ْوفَى فيها ُ
سمْعه ساعة. قَرُب الفرج ،وآن المخرج ،فقام رجل فقال :مَنْ كان منكم يحبّ الصحابة والجماعة ،فل ُيعِرْني َ
قال عيسى بن هشام :فل ِزمْتُ أَرضي ،صيان ًة لعرضي ،فقال :حقيق عليّ أل أقولَ على ال إل الحق ،قد جئتُكم ببشارة من نبيّكم ،لكني ل ُأ َؤدّيها
حتى يطهّرَ ال هذا المسجد من َنذْلٍ جحد نبوّته ،وعَادَى ُأمَته.
قال عيسى بن هشام :فرَبطني بالقيود ،وشدّني بالحبال السّود ،ثم قال :رأيتُه ،صلى ال عليه وسلم ،في المنام كالشمس تحت الغمام ،والبدر ليلة
ب الذيْل والملئكة تَ ْر َفعُه ،ثم علّمني دعاءً ،وأوصاني أن أُعلّم ذلك أ ّمتَه ،وقد كتبتُه في هذه الوراق بخَلوقٍ التمام ،يسيرُ والنج ُم َي ْتبَعه ،ويسح ُ
سكّ؛ فمن استو َهبَه مني و َهبْتُه ،ومن أعطَى ثمنَ ال ِقرْطَاس أخذته. ومسك ،وزعفران و ُ
قال عيسى بن هشام :فاثثالَتْ عليه الدراهم ،حتى حيّرَته؛ ونظرت فإذا شيخنا أبو الفتح السكندري ،فقلت :كيف اهتديت إلى هذه الحيلة؟ ومتى
اندرجت في هذه القبيلة؟ فأنشأ يقول :المجتث:
وابْرُزْ عليه ِم وبَرّزْ حمْرٌ فجَـوّزْ الناسُ ُ
ما تشتهيه ففز ِوزْ ت منهُـمْ حتى إذا نِلْ َ
جارية تبذّ كبار الشعراء
وصفت لعبد الملك بن مروان جارية لرجل من النصار ذات أدب وجمال ،فساومه في ابتياعها ،فامتنع وامتنعت ،وقالت :ل أحتاجُ للخلفة ول
ن فيها .فبلغ ذلك عبد الملك فأغراه بها؛ فأَضعف الثمن لصاحبها وأَخذها قَسْراً، أرغبُ في الخليفة ،والذي أنا في ملكه أحبّ إليّ من الرض ومَ ْ
فما أعجب بشيء إعجابه بها ،فلمّا وصلت إليه ،وصارت في يديه ،أمرها بلزوم مجْلِسه ،والقيامِ على رأسه؛ فبينما هي عنده ،ومعه ا ْبنَاهُ الوليد
ي بيت قالته العرب أمدح؟ فقال الوليد :قول جرير فيك :الوافر: وسليمان ،قد أَخلهما للمذاكرة ،فأقبل عليهما فقال :أ ّ
وأَندَى العالمينَ بُطُونَ راحِ؟ خيْ َر مَنْ َركِبَ المَطايا ستُمْ َأَل ْ
وقال سليمان :بل قول الخطل :البسيط:
وأَعظمُ الناسِ أحلمًا إذا َقدَرُوا شمْسُ العَداوةِ حتى يُستقادَ لهـمْ ُ
فقالت الجارية :بل أمدح بيت قالته العرب قول حسان بن ثابت :الكامل:
ل يَسْألون عن السّوادِ ال ُم ْقبِلِ ُيغْشَوْنَ حتى ما َتهِ ّر كل ُبهُمْ
فأطرق ،ثم قال :أي بيت قالته العرب أرق؟ فقال الوليد :قولُ جرير :البسيط:
ن قَـتْـلَنـا قَت ْل َننَا ثم لم ُيحْـيي َ ن العيونَ التي في طَ ْرفِها حَوَرٌ إّ
ل عمر بن أبي ربيعة :الخفيف: فقال سليمان :بل قو ُ
من َيدَيْ دِرْعها َتحُلّ الزَارا جعُها َي َديْهَـا إلـيهـاح َبذَا رَ ْ
َ
328
فقالت الجارية :بل بيت يقوله حسان :الخفيف:
فأطرق ،ثم قال :أي بيت ّر عليها ل ْن َدبَتْها الكُلـومُ لو يَدب الحولي من ولد الذ
قالته العرب أشجع؟ فقال الوليد :قول عنترة :الكامل:
فقال سليمان :بل قوله َمي دقْ َ
م ق
َ َ
ي َا
ض َ
ت ّين أ ولو عنها، سنَةَ لـم أَخِـمْ إ ْذ َيتّقونَ بيَ الَ ِ
الكامل:
فقالت الجارية :بل بيت ل
ِ الجا سابق مني ُ
ت فالمو ّها ل ك المواطن في ُ
ة ي
ّ المن وأنا
يقوله كعب بن مالك :الكامل:
فقال عبد الملك :أحسنْت، ُقدُماً ونلحقها إذا لم تـلـحـقِ ن بِخَطْوِنا صلُ السيوف إذا َقصُرْ َ نَ ِ
وما نرى شيئاً في الحسان إليك أبْلَغ من َردّك إلى أهلك .فأجمل كسْوَتها ،وأحسن صَِلتَها ،وردها إلى أهلها.
حرّيّ :البسيط:ومثل قول كعب بن مالك قول َنهْشَل بن َ
عنهُ ،ول هو بالبنـاء يَشْـرينـا إنّا بني َنهْشَـل ل نـدّعـي لبٍ
ق منّا والمُصَـلَـينـا تَلْقَ السواب َ إن ُت ْبتَدرْ غاية يوماً لِـمَـكْـ ُرمَةٍ
قولُ الكماةِ :أل أين المحامونـا؟ شرٍ أَفـنَـى أوائِلَـهـمْ إنا َلمِنْ َمعْ َ
ن فارسٌ؟ خالَهمْ إيا ُه َي ْعنُـونـا مَ ْ لو كان في اللف منا واح ٌد فدَعَوا:
إنما أردت هذا البيت. حدّ السيوفِ وصلْناهـا بـأيدينـا إذا الكُماة تـأبّـوا أن ينـالـهـمُ
وقولُه:
أخذه من قول طَ َرفَة بن لو كان في اللف منا واحد
العبد :الطويل:
حرّيّ ترجمة َنهْشَل بن َ عنِيتُ فلم أ ْكسَلْ ولـم أتـبـلّـد ُ ن فَتىً؟ خِلْتُ أنني إذا القوم قالوا مَ ْ
شقّة ،ورد ل بن دارم ،وكان اسم جده ضمر َة هذاِ : ضمْرَة بن جابر بن قَطَن بن نهشَ ْ ي بن َ وكان نهشل شاعم ظريفاً ،وهو نَهشَل بن حَرّ ّ
ي ل أن تراه ،وال ُم َعيْدِي:سمَ ُع بالمعيد ّ
شقّة ،وكان قضيفًا نحيفاً دميماً ،فقال له النعمان :تَ ْ على النعمان بن المنذر فقال :من أنت؟ فقال :أنا ِ
ستَقَى بها من الغُدرَان ،وإنما المرءُ تصغير المعدّيّ ،فذهبت مثلً ،فقال :أبيتَ اللعنَ! إن الرجال ل تُكال بالقُفزان ،وليست بمُسُوك ي ْ
ضمْرة! ونهْشَل هو الْقائل :الطويل: بأصغَ َريْه قلبه ولسانه إذا نطق نطق ببيان ،وإذا قَاتلَ قاتل بجَنانٍ ،فقال :أنت َ
جمْرِجمْرٌ قيامٌ على ال َ وإن لم يكن َ صطَـلِـين بِـحَـرّهِ ويومٍ كأنّ المُ ْ
أمدح بيت ج أيا ُم الكريهةِ بالـصّـبْـرِ تُ َفرّ ُ أقمْنا به حتى تجـلّـى ،وإنـمـا
وكان عبدُ الملك يقول :يا بني أمية ،أحسابُكم أعراضُكم ،ل تعرضوها على الجهال ،فإنّ الذمّ باقٍ ما بقيَ الدهر؛ وال ما سرّني أني
لعَ الرض ذَهَباً ،وهو قوله في عَلقمة بن عُلَثة :الطويل: ُهجِيت ببيت العشى ،وأن لي ط َ
وال ما ُيبَالي مَن ُمدِحَ وجارا ُتهُمْ غَرْثى َيبِتْنَ خمائصا شتَى مِلءً بطونهم يبيتون في الم ْ
ح بغيرهما ،وهما قول زهير :الطويل: بهذين البيتين أل يُ ْمدَ َ
وإن يُسْألوا ُيعْطُوا وإن َييْسِروا ُيغْلُوا ل يُخْـبِـلُـوا ستَخبَلُوا الما َ هنالك إن يُ ْ
وقال ابنُ العرابي :أمدحُ وعند المُقلّينَ السـمـاحةُ والـبَـذْلُ ق مَنْ َيعْـتَـريهـمُ على ُمكْثِريهمْ ح ّ
ت قاله المحدثُونَ قولُ أبي نواس :الطويل: بي ٍ
ت به من طارقِ الحَـدَثـانِ أ ِمنْ ُ ل من حبال محـمـدٍ حبْ ٍأخذْتُ ب َ
فعيني ترى دهري وليس يراني تغطّيتُ من دهري بظلّ جناحه
ع َرفْنَ مكانـي وأين مكاني ما َ سأَل اليامُ عني مـا دَرَتْ فلو تُ ْ
ب به ناقتُه،
ن مالك بن طَوْق كان جالساً في َبهْوٍ مطلّ على رحبته ومعه جلساؤه ،إذ أقبل أعرابي تخُ ّ وهذا كقول -أعرابي ،ذكر بعضُ الرواة أ ّ
سيْب
فقال :إياي أراد ،ونحوي قصد ،ولعل عنده أدبًا يُنتفع به .فأمر حاجبه بإدخاله ،فلمّا مثل بين يديه قال :ما أقدمك يا أعرابي؟ قال :المل في َ
المير والوجاء لنائله .قال :فهل قدّمت أمام رغبتك وْسيلة؟ قال :نعم ،أربعة أبيات قلتها بظهر البرية ،فلمّا رأيت ما بباب المير من البهة
ت مرادك ل قد نلْ َ
والجللة استصغرتها ،قال :فهل لك أن تنشدنا أبياتك؟ ولك أربعة آلف درهم ،فإن كانت أبياتُك أحسن فقد ربحنا عليك ،وإ ّ
حتَ علينا ،قال :قد رضيت ،فأنشده :الطويل: ورب ْ
يداي بمن ل َيتّقِي الدهْرَ صاحبُهْ ومازلتُ أخشى الدهر حتى تعلّقت
رأى مُ ْرتَقًى صعبًا منيعًا مطالبُهْ فلمّا رآني الدهر تحت جنـاحـه
تُظِلّ الورى أكنافُه وجـوانـبُـهْ وأني بحيث النجمُ في رأس بـاذخٍ
إذا أجدبوا جادتْ عليهم سحائبُـهْ فتى كسماءِ الغيث والناسُ حولَـه
قال :قد ظفرنا بك يا أعرابي ،وال ما قيمتها إل عشرة آلف درهم .قال :فإن لي صاحباً شاركته فيها ما أراه يرضى بيعي ،قال :أتراك حدّثت
نفسك بالنكث؟ قال :نعم ،وجدتُ النكث في البيع أيس َر من خيانة الشريك ،فأمر له بها.
أنصف بيت وأصدق بيت
329
ب قولُ حسان بن ثابت لبي سفيان بن الحارث في جوابه عمّا هجا به رسول ال ،صلى ال عليه وسلم ،وروى محمد وأنصف بيتٍ قالته العر ُ
بن عمار عن أبيه قال :أنشد النبيّ حسانُ بن ثابت قوله :الوافر:
وعند ال في ذاك الجزاءُ ت عنه ت محمداً ،فأجب ُ هَجَ ْو َ
فقال النبيّ عليه السلم :جزاؤك الجنة يا حسّان.
فلما انتهى إلى قوله:
ض محمدٍ منكمْ وقاءُ لعِ ْر ِ فإنّ أبي ووالده وعرضي
قال النبيّ عليه السلم :وقاك ال حَرّ النار.
فلمّا قال:
فشرّ كما لخيركما الفداءُ فءٍت له ِبكُ ْ
أتهْجُوهُ ولس َ
قال مَنْ حضر :هذا أنصفُ بيت قالته العرب.
ق بيت قالته العرب وأمدحُه قولُ كعب بن زهير في رسول ال ،صلى ال عليه وسلم :البسيط: صدَ ُ
وأ ْ
بالبُ ْردِ كالبدر جلّى ليلة الظّلمِ تحمله الناقة الدماء ُم ْعتَجِـراً
ما يعلم ال من دين ومن كرم وفي عِطَا َفيْهِ أو أثناء بردتـه
ب بن ربيعة ،في عبد ال بن عبد الرحمن الزرق والي اليمامة ،والصواب وقال الصمعي :والجهال يروون هذا البيت لبي دهبل ،واسمه وه ُ
ما ذكرناه ،وهو بصفات النبيّ ،صلى ال عليه وسلم ،أعْلَق ،وبمدحه أليق.
ألفاظ لهل العصر في ذكر النبي
صلى ال عليه وسلم:
سليل أكرم َنبْعة ،وقريع أشرف بقعة .جاب بأمّته الظلمات إلى النور ،وأفاء عليهم بالظل بعد الحَرور .وهو خي َر ُة ال من خلقه ،وحجّته في
جتُه ،ساميةٌ درجتُه، ك مولده ،سعيدةٌ غرّته ،قاطعةٌ ح ّ أرضه .الهادي إلى حقه ،وال ُمنْبه على حكمه .والداعي إلى رُشدِه ،والخذُ بفرضه .مبار ٌ
شعَاره على المنابر، ي بعده .يُفصَح ب ِختِمَ بأن ل نب ّ ظفْرةٌ حروبُهُ ،ميَسّرة خطوبُه ،قد أفردَ بالزعامة وحده ،و ُ ساطع صباحُه ،متوفد مصباحُه ،مُ َ
وبالصلة عليه في المحاضر ،وتعمر بذكره صدورُ المساجد ،وتستوي في النقياد له حالة المقر والجاحد .آخر النبياء في الدنيا عمراً ،وأولهم
يوم القيامة ذكراً ،وأرجحهم عند ال ميزاناً ،وأوضحهم حجّة وبرهاناً .صدعَ بالرسالة ،وبلغ بالدللة ،ونقل الناس عن طاعة الشيطان الرجيم.
أرسله ال قمراً للسلم منيراً ،وقدراً على أهل الضلل مبيراً .صلى ال عليه وسلم .خير من افتتحت بذكره الدعوات ،واستنجحت بالصلة
عليه الطلبات .خير مبعوث ،وأفضل وارث وموروث .وخير مولود ،دعا إلى خير معبود .صلى ال على كاشف الغمّة عن المّة .الناطق فيهم
بالحكمة ،الصادع بالحق ،الداعي إلى الصدق ،الذي ملك هَوَاديَ الهدى ،ودلّ على ما هو خيرٌ وأبقى صلى ال عليه بشير الرحمة والثواب،
ونذير السطوة والعِقاب .صلى ال على أت ّم بريّته خيراً وفضلً ،وأطيَبهم فرعاً وأصلً ،وأكرمهم عوداً ونجاراً ،وأعلهم منصباً وفخاراً ،وعلى
أهله الذين عظمهم توقيراً ،وطهّرهم تطهيراً هم مقاليد السعادة ومفاتيحها ،ومعارجُ البرك ِة ومصابيحها .أعلم السلم وأيمان اليمان .الطيبون
حبْل الهدى وشجرة اليمان ،أصلها نبوّة، الخيار ،الطاهرون البرار .الذين أذهب عنهم الرجاس ،وجعل مودتهم واجبةً على الناسِ .هم َ
خ َد ُمهَا ميكال وجبريل.
وفرعها مروّة ،وأغصانها تنزيل ،ورقاتُها تأويل ،و َ
ح ّد آثاركم ،نفد الحصى قبل نفودِها ،وفنِيت الخواطرُ ،قبل أن ولبديع الزمان إلى بعض الشراف في درج كلم تقدّم :إن جعلنا َن ُعدّ فخاركم ،ون ُ
تفنى المآثر ،ولم ل؟ وإن ُذكِر الشرف فأنتم بنو بَجْدته ،أو العلم فأنتم عاقدو إزرته .أو الدين فأنتم ساكنو بلدته ،أو الجود فأنتم لبسو جلدته ،أو
ل بناءه ،ومهّد الرسولُ عليه السلم فناءه ،وأقام الوصيّ رضوان ال ن بيتًا تولى ال عز وج ّ ص ْلتُم بحدّته ،وإ َالتواضع صبرتم لشدّته ،أو الرأي ُ
عليه عماَده ،وخدم جبريلُ عليه السلم أهله ،لحقيق أن يُصانَ عن مدح لسانٍ قصير.
ي فقال :بأبي وأمي رسول ربّ العالمين ،ختمت به الدنيا ،وفتحت به الخرة ،صلى ال عليه وسلم ،به وذكر النبيّ ،صلى ال عليه وسلم ،أعراب ّ
يَبدأ الذكرُ الجميلُ ويختم.
ب في هذا الكتاب يعظم ويتسع ،بل يتّصل ول ينقطع؛ إذ كان غرضي فيه أن ألمح المعنى من معانيه ،ثم إلى هذا المكان أمسكت العنان .والطنا ُ
أنجرّ معه حيث انجرّ ،وأم ّر فيه كيف مرّ ،وآخذ في معنى آخر غير موصول بشكله ،ول مقرون بمثله ،وقد أخلّ نظاماً ،وأفرد تؤاماً ،نَشْراً
لبساط النبساط ،ورغبة في استدعاء النشاط .وهذا التصنيف ل تُدرك غايتُه ،ول تبلغ نهايته ،إذ المعاني غير محصورة بعدد ،ول مقصورة إلى
ت إل ما ل يكون ما تركته أفضل ممّا ب زندها ،وذلك أني ما ادّعيتُ فيما أتي ُ أمد .وقد أبرزتُ في الصدر ،صفحةَ ال ُعذْر ،يجولُ فرِندُها ،ويثق ُ
ب عليه ،ومن ركب مطيّة العتذار ،واجتنب خطيّة أدركتُه ،وأني لم أسلك مذهباً مخترعاً لم أسبَق إليه ،ول قصدت غرضًا مبتدعاً لم أغَل ْ
الصرار ،فقد خرج من َتبِعة التقصير ،وبرئ من عهدة المعاذير.
ف بفضل النصاف ،وليعلم من ُينْصِف أنّ الختيارَ ليس يعلم ضرورة ،ول يوقَف له وأمّا بعد ،فإن أحق من احتكِم إليه واقتصر عليه العترا ُ
على صورة ،فيكثر الغماض ،ويقلّ العتراض ،ويعلم أنّ ما ل يقع بهواه ،قد يختاره سواه ،وكل يَعمل اقتدارَه ،ويحسن اختياره ،فلو وقع
سخِط ،ويثبَتُ ويسقَط ،لرتفع حجاجُ المختلفين ،في أمر الدنيا والدين. الجتماع على ما يُرضي ويُ ْ
وقال المتنبي :البسيط:
شجَبِ
جبٍ والخُلْفُ في ال َ إلّ على شَ َ تَخاَلفَ الناسُ حتى ل اتّفـاق لـهـمْ
جسْمَ المرء في العَطَبِ وقيل :تَشْ َركُ ِ ص نَ ْفسُ المـرءِ سـالـمةً فقيل :تَخْلُ ُ
الشجب :الموت ،وهي لفظة معروفة ،وإن كانت غير مألوفة عند أهل النقد .وقد أنكرها البحتري على عبيد ال بن عبد ال بن طاهر في
مجاذبته إياه حيث يقول :الخفيف:
جبُهْ
َلفْظِ واختارَ لم يُقَلْ شَ َ وَلَوَ أنَ الحكيم وازنَ في ال
وكان أبو الطيب نظر إلى ما رواه أبو ظبيان ،قال :اجتمع نفرٌ من أهل الكلم على رجل من الملحدين ،فجعلوا ل يأتون بمسألة إل سألهم الدليلَ
ك فيه ،فقال الملحد :ما رأيتُ خاطباً وواعظاً عليهم ،وناقضهم فيها ،فأعياهم كثرةُ ما يقول ويقولون ،فقال بعضهم :أمّا بعد ،فإن الموت ل ش ّ
330
وشاهداً ل يُردّ أوجز منه ،وقلّما ترى معنًى إل وهو يدَافع أو يناقَض ،ويُحَارُ به عن سواءِ المحجّة .وقيل :من طلب عيباً وجده .قال أبو عمرو
طعَن ،إل قول الحطيئةُ :البسيط:
ن مَ ْ
بن سعيد ال ُقطْرُبلي :ليس من بيتٍ إل وفيه لطاع ٍ
ف بين ال والناسِ ل يذهبُ العُرْ ُ مَنْ يفعلِ الخي َر ل َيعْدَمْ جوازيَهُ
ط َرفَ َة بن العبد :الطويل:
وقول َ
ويأتيكَ بالخبار من لم تُـزَ ّودِ س ُتبْدي لك اليامُ ما كنتَ جاهلً َ
وقول علي بن زيد :الطويل:
فكل قرينٍ بالمقـارنِ مُـقْـتَـدِ ل عن قرينه عن المرء ل تسَلْ وسَ ْ
وللعلم بذلك قال قتيبة بن مسلم لبي عيّاش المنتوف ،وقد دخل عليه وبين يديه سلة زعفران :أنشدني بيتاً ل يصارف ول يكذّب وهي لك،
فأنشده ما ليس لطاعن فيه مطعن :الطويل:
ت من ناق ٍة فوق كورها حمََل ْ
فما َ
331