Vous êtes sur la page 1sur 6

‫مقدمة‬

‫أصل هذا الكتيب … رسالة بعث بها سيد رحمككه الك إلككى أختككه أمينككة قطككب ‪ .‬وكككانت مجلككة الفكككر‬
‫التونسككية قككد نشككرته فككي عككددها السككادس مككن السككنة الرابعككة ‪ ،‬آذار )) مككارس (( ‪1959‬م بعنككوان‬
‫) أضواء من بعيد ( ‪.‬‬
‫ولما كثر الطلب على هذه الرسالة طلبنا الذن من الستاذ محمد قطب حفظه ال لعادة نشرها فأذن لنا بذلك جزاه ال خيرا ‪.‬‬
‫الناشر‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫‪1‬‬

‫أختي الحبيبة … هذه الخواطر مهداة إليك …‬

‫إن فكرة الموت ما تزال تخيل لك ‪ ،‬فتتصورينه في كل مكان ‪ ،‬ووراء كل شيء وتحسبينه قوة طاغية تظل الحيككاة والحيككاء ‪ ،‬وتريككن الحيككاة‬
‫بجانبه ضئيلة واجفة مذعورة ‪.‬‬

‫إنني أنظر اللحظة فل أراه إل قوة ضئيلة حسيرة بجانب قوى الحياة الزاخرة الطكافرة الغكامرة ‪ ،‬ومكا يككاد يصكنع شكيئا إل أن يلتقكط الفتكات‬
‫الساقط من مائدة الحياة ليقتات ! …‬

‫مد الحياة الزاخر هو ذا يعج من حولي ! …‪ :‬كل شيء إلكى نمكاء وتكدفق وازدهكار … المهكات تحمكل وتضكع ‪ :‬النكاس والحيكوان سكواء ‪.‬‬
‫الطيور والسماك والحشرات تدفع بالبيض المتفتح عن أحياء وحياة … الرض تتفجر بالنبت المتفتح عن أزهككار وثمككار … السككماء تتككدفق‬
‫بالمطر ‪ ،‬والبحار تعج بالمواج … كل شيء ينمو على هذه الرض ويزداد ! ‪.‬‬

‫بين الحين والحين يندفع الموت فينهش نهشة ويمضي ‪ ،‬أو يقبع حتى يلتقط بعض الفتات الساقط من مائدة الحياة ليقتات ! … والحياة ماضية‬
‫في طريقها ‪ ،‬حية متدفقة فوارة ‪ ،‬ل تكاد تحس بالموت أو تراه !…‬

‫لقد تصرخ مرة من اللم ‪ ،‬حين ينهش الموت من جسمها نهشتا ‪ ،‬ولكن الجرح سرعان ما يندمل ‪ ،‬وصرخة اللم سرعان ما تستحيل مراحككا‬
‫… ويندفع الناس والحيوان ‪ ،‬والطير والسماك ‪ ،‬الدود والحشرات ‪ ،‬العشب والشجار ‪ ،‬تغمر وجه الرض بالحياة والحياء !… والمككوت‬
‫قابع هنالك ينهش نهشتا ويمضي … أو يلتقط الفتات الساقط من مائدة الحياة ليقتات !! ‪.‬‬

‫الشمس تطلع ‪ ،‬والشمس تغرب ‪ ،‬والرض من حولها تدور ‪ ،‬والحياة تنبثق من هنا ومن هناك … ككل شككيء إلكى نمكاء … نمككاء فكي العككدد‬
‫والنوع ‪ ،‬نماء في الكم والكيف … لو كان الموت يصنع شيئا لوقف مد الحياة ! … ولكنه قوة ضئيلة حسيرة ‪ ،‬بجانب قككوى الحيككاة الزاخككرة‬
‫الطافرة الغامرة …!‪.‬‬
‫من قوة ال الحي ‪ :..‬تنبثق الحياة وتنداح !!‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫عندما نعيش لذواتنا فحسب ‪ ،‬تبدو لنا الحياة قصيرة ضئيلة ‪ ،‬تبدأ من حيث بدأنا نعي ‪ ،‬وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود ! …‬

‫أما عندما نعيش لغيرنا ‪ ،‬أي عندما نعيش لفكرة ‪ ،‬فإن الحياة تبدو طويلة عميقة ‪ ،‬تبدأ من حيث بدأت النسانية وتمتد بعد مفارقتنا لككوجه هككذه‬
‫الرض !…‬

‫إننا نربح أضعاف عمرنا الفردي في هذه الحالة ‪ ،‬نربحها حقيقة ل وهما ‪ ،‬فتصور الحياة على هذا النحو ‪ ،‬يضاعف شعورنا بأيامنا وساعاتنا‬
‫ولحظاتنا ‪ .‬فليست الحياة بعد السنين ‪ ،‬ولكنها بعداد المشاعر ‪ ،‬وما يسميه )) الواقعيون (( في هذه الحالة )) وهما (( ! هو في )) الواقككع (( ‪،‬‬
‫)) حقيقة (( أصح من كل حقائقهم !… لن الحياة ليست شيئا آخر غير شعور النسان بالحياة ‪ .‬جرد أي إنسككان مككن الشككعور بحيككاته تجككرده‬
‫من الحياة ذاتها في معناها الحقيقي ! ومتى أحس النسان شعورا مضاعفا بحياته ‪ ،‬فقد عاش حياة مضاعفة فعل …‬

‫يبدو لي أن المسألة من البداهة بحيث ل تحتاج إلى جدال ! …‬

‫إننا نعيش لنفسنا حياة مضاعفة ‪ ،‬حينما نعيش للخرين ‪ ،‬وبقدر ما نضاعف إحساسنا بككالخرين ‪ ،‬نضككاعف إحساسككنا بحياتنككا ‪ ،‬ونضككاعف‬
‫هذه الحياة ذاتها في النهاية !‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫بذرة الشر تهيج ‪ ،‬ولكن بذرة الخير ‪ ،‬تثمر ‪ ،‬إن الولى ترتفع في الفضاء سريعا ولكن جذورها في التربة قريبة ‪ ،‬حتى لتحجككب عككن شككجرة‬
‫الخير النور والهواء ولكن شجرة الخير تظل في نموها البطيء ‪ ،‬لن عمق جذورها في التربة يعوضها عن الدفء والهواء …‬

‫مع أننا حين نتجاوز المظهر المزور البراق لشجرة الشر ‪ ،‬ونفحص عن قوتها الحقيقيككة وصككلبتها ‪ ،‬تبككدو لنككا واهنكة هشكة نافشككة فكي غيكر‬
‫صلبة حقيقية ! … على حين تصبر شجرة الخير على البلء ‪ ،‬وتتماسك للعاصفة ‪ ،‬وتظل في نموها الهادئ البطيء ‪ ،‬ل تحفل بما ترجمهككا‬
‫به شجرة الشر من أقذاء وأشواك !…‬

‫‪4‬‬

‫عندما نلمس الجانب الطيب في نفوس الناس ‪ ،‬نجد أن هناك خيرا كثيرا قد ل تراه العيون أول وهلة !…‬

‫لقد جربت ذلك ‪ .‬جربته مع الكثيرين … حتى الذين يبدو في أول المر أنهم شريرون أو فقراء الشعور …‬

‫شيء من العطف على أخطائهم ‪ ،‬وحماقتهم ‪ ،‬شيء من الود الحقيقي لهم ‪ ،‬شيء من العناية – غير المتصنعة – باهتماماتهم وهمومهم … ثم‬
‫ينكشف لك النبع الخير في نفوسهم ‪ ،‬حين يمنحونك حبهم ومودتهم وثقتهم ‪ ،‬في مقابل القليل الذي أعطيتهم إياه من نفسك ‪ ،‬متى أعطيتهم إياه‬
‫في صدق وصفاء وإخلص ‪ .‬إن الشر ليس عميقا في النفس النسانية إلكى الحكد الكذي نتصكوره أحيانكا ‪ .‬إنكه فكي تلكك القشكرة الصكلبة الكتي‬
‫يواجهون بها كفاح الحياة للبقاء … فإذا آمنوا تكشفت تلك القشرة الصلبة عن ثمرة حلكوة شكهية … هكذه الثمكرة الحلكوة ‪ ،‬إنمكا تتكشكف لمكن‬
‫يستطيع أن يشعر من الناس بالمن من جانبه ‪ ،‬بالثقة في مودته ‪ ،‬بالعطف الحقيقي على كفاحهم وآلمهككم ‪،‬و علككى أخطككائهم وعلككى حمككاقتهم‬
‫كذلك … وشيء من سعة الصدر في أول المر كفيل بتحقيق ذلك كله ‪ ،‬أقرب مما يتوقككع الكككثيرون … لقككد جربككت ذلككك ‪ ،‬جربتككه بنفسككي ‪.‬‬
‫فليست أطلقها مجرد كلمات مجنحة وليدة أحلم وأوهام !…‬

‫‪5‬‬

‫عندما تنمو في نفوسنا بذور الحب والعطف والخير نعفي أنفسنا من أعباء ومشقات كثيرة ‪ .‬إننا لن نكون فكي حاجككة إلككى أن نتملككق الخريككن‬
‫لننا سنكون يومئذ صادقين مخلصين إذ نزجي إليهم الثناء ‪ .‬إننا سنكشف في نفوسهم عن كنوز من الخير وسنجد لهم مزايا طيبة نثني عليهككا‬
‫حين نثني ونحن صادقون ؛ ولن يعدم إنسان ناحية خيرة أو مزية حسنة تؤهله لكلمة طيبة … ولكننا ل نطلع عليها ول نراهككا إل حيككن تنمككو‬
‫في نفوسنا بذرة الحب !…‬

‫كذلك لن نكون في حاجة لن نحمل أنفسنا مؤونة التضايق منهم ول حتى مؤونة الصبر على أخطائهم وحماقاتهم لننا سنعطف على مواضع‬
‫الضعف والنقص ولن نفتش عليها لنراها يوم تنمو في نفوسنا بذرة الحب ! وبطبيعة الحال لن نجشم أنفسنا عناء الحقد عليهم أو عبء الحككذر‬
‫منهم فإنما نحقد على الخرين لن بذرة الخير لم تنم في نفوسنا نموا كافيا ونتخوف منهم لن عنصر الثقة في الخير ينقصنا !‬

‫كم نمنح أنفسنا من الطمأنينة والراحة والسعادة ‪ ،‬حيككن نمنككح الخريككن عطفنككا وحبنككا وثقتنككا ‪ ،‬يككوم تنمككو فككي نفوسككنا بككذرة الحككب والعطككف‬
‫والخير !‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫حين نعتزل الناس لننا نحس أننا أطهر منهم روحا ‪ ،‬أو أطيب منهم قلبا ‪ ،‬أو أرحب منهم نفسا أو أذكى منهم عقل ل نكككون قككد صككنعنا شككيئا‬
‫كبيرا … لقد اخترنا لنفسنا أيسر السبيل وأقلها مؤونة !‪.‬‬

‫إن العظمة الحقيقية ‪ :‬أن نخالط هؤلء الناس مشبعين بروح السماحة والعطف على ضكعفهم ونقصككهم وخطئهكم وروح الرغبكة الحقيقيككة فكي‬
‫تطهيرهم وتثقيفهم ورفعهم إلى مستوانا بقدر ما نستطيع !‪.‬‬

‫إنه ليس معنى هذا أن نتخلى عن آفاقنا العليا ومثلنا السامية أو أن نتملق هؤلء النككاس ونثنككي علككى رذائلهككم أو أن نشككعرهم أننككا أعلككى منهككم‬
‫أفقا ‪ ..‬إن التوفيق بين هذه المتناقضات وسعة الصدر لما يتطلبه هذا التوفيق من جهد ‪ :‬هو العظمة الحقيقية !‪.‬‬
‫‪7‬‬

‫عندما نصل إلى مستوى معين من القدرة نحس أننا ل يعيبنا أن نطلب مساعدة الخرين لنا ‪ ،‬حتى أولئك الذين هم أقل منا مقدرة ! ول يغض‬
‫من قيمتنا أن تكون معونة الخرين لنا قد ساعدتنا على الوصول إلى ما نحن فيه ‪ .‬إننككا نحككاول أن نصككنع كككل شككيء بأنفسككنا ‪ ،‬ونسككتنكف أن‬
‫نطلب عون الخرين لنا أو أن نضم جهدهم إلى جهودنا كما نستشعر غضاضة في أن يعرف الناس أنه كان لذلك العون أثر في صعودنا إلى‬
‫القمة ‪ ..‬إننا نصنع هذا كله حين ل تكون ثقتنا بأنفسنا كبيرة أي عندما نكون بالفعل ضعفاء في ناحية من النواحي ‪ ..‬أما حين نكون أقوياء حقا‬
‫فلن نستشعر من هذا كله شيئا ‪ ..‬إن الطفل هو الذي يحاول أن يبعد يدك التي تسنده وهو يتكفأ في المسير !‪.‬‬

‫عندما نصل إلى مستوى معين من القدرة ‪ ،‬سنستقبل عون الخرين لنا بروح الشكر والفرح ‪ ..‬الشكر لما يقككدم لنكا مككن عكون ‪ ..‬والفككرح بككأن‬
‫هناك من يؤمن بما نؤمن به نحن ‪ ..‬فيشاركنا الجهد والتبعة ‪ ..‬إن الفرح بالتجاوب الشعوري هو الفرح المقدس الطليق !‪..‬‬

‫‪8‬‬

‫إننا نحن إن )) نحتكر (( أفكارنا وعقائدنا ‪ ،‬ونغضب حين ينتحلها الخرون لنفسهم ‪ ،‬ونجتهكد فككي توكيكد نسككبتها إلينكا ‪ ،‬وعكدوان الخريكن‬
‫عليها ! إننا إنما نصنع ذلك كله ‪ ،‬حين ل يكون إيماننا بهذه الفكار والعقائد كبيرا ‪ ،‬حين ل تكون منبثقة من أعماقنا كما لو كككانت بغيككر إرادة‬
‫منا حين ل تكون هي ذاتها أحب إلينا من ذواتنا !‪.‬‬

‫إن الفرح الصافي هو الثمرة الطبيعية لن نرى أفكارنا وعقائدنا ملكا للخرين ونحن بعد أحياء ‪ ،‬إن مجرد تصورنا لها أنها ستصبح – ولو‬
‫بعد مفارقتنا لوجه هذه الرض – زادا للخرين وريا ‪ ،‬ليكفي أن تفيض قلوبا بالرضا والسعادة والطمئنان !‪.‬‬

‫)) التجار (( وحدهم هم الذين يحرصون على )) العلقات التجارية (( لبضائعهم كي ل يسككتغلها الخككرون ويسككلبوهم حقهككم مككن الربككح أمككا‬
‫المفكرون وأصحاب العقائد فكل سعادتهم في أن يتقاسم الناس أفكارهم وعقائدهم ويؤمنوا بها إلى حد أن ينسبوها لنفسككهم ل إلككى أصككحابها‬
‫الولين !‪.‬‬

‫إنهم ل يعتقدون أنهم )) أصحاب (( هذه الفكار والعقائد ‪ ،‬وإنما هم مجرد )) بسطاء (( في نقلهكا وترجمتهكا ‪ ..‬إنهكم يحسكون أن النبكع الكذي‬
‫يستمدون منه ليس من خلقهم ‪ ،‬ول من صنع أيديهم ‪ .‬وكككل فرحهككم المقككدس ‪ ،‬إنمككا هككو ثمككرة اطمئنككانهم إلككى أنهككم علكى اتصككال بهككذا النبككع‬
‫الصيل !…‬

‫‪9‬‬

‫الفرق بعيد ‪ ..‬جدا بعيد ‪ :..‬بين أن نفهم الحقائق ‪ ،‬وإن ندرك الحقائق ‪ ..‬إن الولى ‪ :‬العلم ‪ ..‬والثانية هي ‪ :‬المعرفة !‪..‬‬

‫في الولى ‪ :‬نحن نتعامل مع ألفاظ ومعان مجردة ‪ ..‬أو مع تجارب ونتائج جزئية ‪..‬‬

‫وفي الثانية ‪ :‬نحن نتعامل مع استجابات حية ‪ ،‬ومدركات كلية …‬

‫في الولى ‪ :‬ترد إلينا المعلومات من خارج ذواتنا ‪ ،‬ثم تبقى في عقولنا متحيزة متميزة …‬

‫وفي الثانية ‪ :‬تنبثق الحقائق من أعماقنا ‪ .‬يجري فيها الدم الذي يجري في عروقنا و أوشاجنا ‪ ،‬ويتسق مع نبضنا الذاتي !‪..‬‬

‫في الولى ‪ :‬توجد )) الخانات (( و العناوين ‪ :‬خانة العلم ‪ ،‬وتحتها عنواناته وهكي شكتى ‪ .‬خانكة الكدين وتحتهكا عنوانكات فصكوله وأبكوابه ‪..‬‬
‫وخانة الفن وتحتها عنوانات منهاجه واتجاهاته !‪..‬‬

‫وفي الثانية ‪ :‬توجد الطاقة الواحدة ‪ ،‬المتصلة بالطاقة الكونية الكبرى ‪ ..‬ويوجد الجدول السارب ‪ ،‬الواصل إلى النبع الصيل !‪..‬‬

‫‪10‬‬

‫نحن في حاجة ملحة إلى المتخصصين في ككل فكرع مكن فكروع المعكارف النسكانية أولئك الكذين يتخكذون مكن معكاملهم ومككاتبهم صكوامع‬
‫وأديرة !‪ ..‬ويهبون حياتهم للفرع الذي تخصصوا فيه ‪ ،‬ول بشعور التضحية فحسب ‪ ،‬بل بشعور التضحية فحسب ‪ ،‬بل بشعور اللذة كككذلك !‬
‫… شعور العابد الذي يهب روحه للهه وهو فرحان !‪..‬‬

‫ولكننا مع هذا يجب أن ندرك أن هؤلء ليسوا هم اللذين يوجهون إلى الحياة ‪ ،‬أو يختارون للبشرية الطريق ؟‪..‬‬

‫إن الرواد كانوا دائما ‪ .‬وسيكونون هم أصحاب الطاقات الروحية الفائقة هؤلء هم الذين يحملون الشعلة المقدسة الككتي تنصكهر فكي حرارتهكا‬
‫كل ذرات المعارف ‪ ،‬وتنكشف في ضوئها طريق الرحلة ‪ ،‬مزودة بكل هذه الجزئيات قوية بهذا الزاد ‪ ،‬وهي تغذ السير نحو الهككدف السككامي‬
‫البعيد !‪:.‬‬
‫هؤلء الرواد هم الذين يدركون ببصيرتهم تلك الوحدة الشاملة ‪ ،‬المتعددة المظككاهر فكي ‪ :‬العلكم ‪ ،‬والفككن ‪ ،‬والعقيككدة ‪ ،‬والعمككل ‪ ،‬فل يحقككرون‬
‫واحدا منها ول يرفعونه فوق مستواه !‪.‬‬

‫الصغار وحدهم هم اللذين يعتقدون أن هناك تعارضا بين هذه القوى المتنوعة المظاهر ؛ فيحاربون العلم باسككم الككدين ‪ ،‬أو الككدين باسككم العلككم‬
‫…‬
‫ويحتقرون الفن باسم العمل ‪ ،‬أو الحيوية الدافعة باسم العقيدة المتصوفة !‪ ..‬ذلك أنهم يدركون كل قوة من هذه القوى ‪ ،‬منعزلة عككن مجموعككة‬
‫من القوى الخرى الصادرة كلها من النبع الواحد ‪ ،‬ومن تلك القوة الكبرى المسيطرة على هذا الوجود !‪ ..‬ولكن الرواد الكبككار يككدركون تلككك‬
‫الوحدة ‪ ،‬لنهم متصلون بذلك النبع الصيل ‪ ،‬ومنه يستمدون !…‬

‫إنهم قليلون ‪ ..‬قليلون في تاريخ البشرية ‪ ..‬بل نادرون ! ولكن منهم الكفاية ‪ :..‬فالقوة المشرفة على هذا الكون ‪ ،‬هككي الككتي تصككوغهم ‪ ،‬تبعككث‬
‫بهم في الوقت المقدر المطلوب !‪.‬‬

‫‪11‬‬

‫الستسلم المطلق للعتقاد في الخوارق والقوى المجهولة خطر ‪ ،‬لنه يقود إلى الخرافة ‪ ..‬ويجول الحياة إلى وهم كبير !‪..‬‬

‫ولكن التنكر المطلق لهذا العتقاد ليس أقل خطرا ‪ :‬لنه يغلق منافذ المجهول كله ‪ ،‬وينكر كل قوة غير منظورة ل لشككيء إل لنهككا قكد تككون‬
‫أكبر من إدراكنا البشري في فترة من فترات حياتنا ! وبذلك يصغر من هذا الوجود – مساحة وطاقة ‪ ،‬قيمة كذلك ‪ ،‬ويحده بحدود )) المعلككوم‬
‫(( وهو إلى هذه اللحظة حين يقاس إلى عظمة الكون – ضئيل ‪ ..‬جدا ضئيل !‪..‬‬

‫إن حياة النسان على هذه الرض ‪ .‬سلسلة من العجز عن إدراك القوى الكونية أو سلسلة من القدرة على إدراك هذه القوى ‪ ،‬كلمكا شكب عكن‬
‫الطوق وخطا خطوة إلى المام في طريقه الطويل !‪.‬‬

‫إن قدرة النسان في وقت بعد وقت على إدراك إحدى قوى الكون التي كانت مجهولة له منذ لحظة وكانت فوق إدراكه في وقت مككا ‪ ..‬لكفيلككة‬
‫بأن تفتح بصيرته على أن هناك قوى أخرى لم يدركها بعد لنه ل يزال في دور التجريب !‪.‬‬

‫إن احترام العقل البشري ذاته لخليق بأن نحسب للمجهول حسابه في حياتنا ل لنكل إليه أمورنا كما يصنع المتعلقون بالوهم والخرافة ‪ ،‬ولكن‬
‫لكي نحس عظمة هذا الكون على حقيقتها ولكي نعكرف لنفسككنا قكدرها فكي كيكان هكذا الككون العريكض ‪ .‬وإن هكذا لخليكق بكأن يفتكح للكروح‬
‫النسانية قوى كثيرة للمعرفة وللشعور بالوشائج التي تربطنا بالكون من داخلنا وهي بل شك أكبر وأعمق من كككل مككا أدركنككاه بعقولنكا حكتى‬
‫اليوم بدليل أننا ما نزال نكشف في كل يوم عن مجهول جديد ؛ وأننا ل نزال بعد نعيش !‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫من الناس في هذا الزمان من يرى في العتراف بعظمة ال المطلقة غضا من قيمة النسان و إصغارا لشأنه في الوجود ‪ :‬كأنما ال والنسان‬
‫ندان يتنافسان على العظمة والقوة وهذا الوجود !‪.‬‬

‫أنا أحس أنه كلما ازددنا شعورا بعظمة ال المطلقة زدنا نحن أنفسنا عظمة لننا من صنع إله عظيم !‪.‬‬

‫إن هؤلء الذين يحسبون أنهم يرفعون أنفسهم حين يخفضون في وهمهم إلههم أو ينكرونه إنما هم المحككدودون الككذين ل يسككتطيعون أن يككروا‬
‫إل الفق الواطئ القريب !‪.‬‬

‫أنهم يظنون أن النسان إنما لجأ إلى ال إبان ضعفه وعجزه فأما الن فهو من القوة بحيث ل يحتاج إلى إلككه ! كأنمككا الضككعف يفتككح البصككيرة‬
‫والقدرة تطمسها !‪.‬‬

‫إن النسان لجدير بأن يزيد إحساسا بعظمة ال المطلقة كلما نمت قوته لنه جدير بأن يدرك مصدر هذه القوة كلما زادت طاقته على الدراك‬
‫…‬

‫إن المؤمنين بعظمة ال المطلقة ل يجدون في أنفسهم ضعة ول ضعفا ‪ ،‬بل العكس يجدون في نفوسهم العزة والمنعككة ‪ ،‬باسككتنادهم إلككى القككوة‬
‫الكبرى المسيطرة على هذا الوجود إنهم يعرفون أن مجال عظمتهم إنما هو في هذه الرض ‪ ،‬وبين هؤلء الناس فهي ل تصطدم بعظمة ال ك‬
‫المطلقة في هذا الوجود إن لهم رصيدا من العظمة والعزة في إيمانهم العميق ل يجده أولئك الذين ينفخون أنفسهم )) كالبالون (( حتى ليغطي‬
‫الورم المنفوخ عن عيونهم كل آفاق الوجود !‪.‬‬

‫‪13‬‬

‫أحيانا تتخفى العبودية في ثياب الحرية فتبدو انطلقا من جميع القيود انطلقا من العرف والتقاليككد ‪ ،‬انطلقككا مككن تكككاليف النسككانية فككي هككذا‬
‫الوجود !‪.‬‬

‫إن هنالك فارقا أساسيا بين النطلق من قيود الذل والضغط والضعف ‪ ،‬والنطلق من قيكود النسكانية وتبعاتهكا إن الولكى معناهكا التحكرر‬
‫الحقيقي أما الثانية فمعناها التخلي عن المقومات التي جعلت من النسان إنسانا وأطلقته من قيود الحيوانية الثقيلة !‪..‬‬

‫إنها حرية مقنعة لنها في حقيقتها خضوع وعبودية للميول الحيوانية ‪ ،‬تلك الميول التي قضت البشرية عمرها الطويل وهي تكافحها لتخلص‬
‫من قيودها الخانقة إلى جو الحرية النسانية الطليقة …‬
‫لماذا تخجل النسانية من إبداء ضروراتها ؟ لنها تحس بالفطرة أن السمو مع هذه الضروريات هككو‬
‫أول مقومات النسانية وأن النطلق من قيودهككا هككو الحريككة وأن التغلككب علككى دوافككع اللحككم والككدم‬
‫وعلى مخاوف الضعف والذل كلهما سواء في توكيد معنى النسانية !‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫لست ممن يؤمنون بحكاية المبادئ المجردة عن الشخاص لنه ما المبدأ بغير عقيدة حارة دافعة ؟ وكيف توجد العقيدة توجككد العقيككدة الحككارة‬
‫الدافعة في غير قلب إنسان ؟‪.‬‬

‫إن المبادئ والفكار في ذاتها – بل عقيدة دافعة – مجرد كلمات خاويككة أو علككى الكككثر ميتككة ! والككذي يمنحهككا الحيككاة هككي حككرارة اليمككان‬
‫المشعة من قلب إنسان ! لن يؤمن الخرين بمبدأ أو فكرة تنبت في ذهن بارد ل في قلب مشع ‪.‬‬

‫آمن أنت أول بفكرتك آمن بها إلى حد العتقاد الحار ! عندئذ فقط يؤمن بها الخرون !! وإل فستبقى مجرد صياغة لفظية خالية مككن الككروح‬
‫والحياة !‪..‬‬

‫ل حياة لفكرة لم تتقمص روح إنسان ‪ ،‬ولم تصبح كائنا حيا دب على وجه الرض في صورة بشككر !‪ ..‬كككذلك ل وجككود لشككخص – فككي هككذا‬
‫المجال – ل تعمر قلبه فكرة يؤمن بها في حرارة وإخلص …‬

‫إن التفريق بين الفكرة والشخص كالتفريق بين الروح والجسد أو المعنى واللفظ عملية في بعض الحيان مستحيلة وفي بعض الحيان تحمل‬
‫معنى التحلل والفناء !‪..‬‬

‫كل فكرة عاشت قد اقتاتت قلب إنسان ! أما الفكار التي لم تطعم هذا الغذاء المقككدس فقككد ولككدت ميتككة ولككم تككدفع بالبشككرية شككبرا واحككدا إلككى‬
‫المام !‪.‬‬

‫‪15‬‬

‫من الصعب علي أن أتصور كيف يمكن أن نصل إلى غاية نبيلة باستخدام وسيلة خسيسة !؟ إن الغايكة النبيلكة ل تحيكا إلكى فكي قلكب النبيكل ‪:‬‬
‫فكيف يمكن لذلك القلب أن يطيق استخدام وسيلة خسيسة ؛ بل كيف يهتدي إلى استخدام هذه الوسيلة حين نخككوض إلككى الشككط الممككرع بركككة‬
‫من الوحل لبد أن نصل إلى شط الملوثين ‪ ..‬أن أوحال الطريق ستترك آثارها علككى أقككدامنا وعلككى مواضككع هككذه القككدام كككذلك الحككال حيككن‬
‫نستخدم وسيلة خسيسة ‪ :‬إن الدنس سيعلق بأرواحنا ‪ ،‬ويسترك آثاره في هذه الرواح ‪ ،‬وفي الغاية التي وصلنا إليها !‪.‬‬

‫إن الوسيلة في حساب الروح جزء من الغاية ‪ .‬ففي عالم الروح ل توجد هذه الفوارق والتقسيمات ! الشككعور النسككاني وحككده إذا حككس غايككة‬
‫نبيلة فلن يطيق استخدام وسيلة خسيسة ‪ ..‬بل لن يهتدي إلككى اسككتخدامها بطككبيعته ! )) الغايككة تكبرر الوسككيلة !؟ (( ‪ :‬تلككك هكي حكمككة الغككرب‬
‫الكبرى !! لن الغرب يحيا بذهنه وفي الذهن يمكن أن توجد التقسيمات والفوارق بين الوسائل والغايات !‪.‬‬

‫‪16‬‬

‫بالتجربة عرفت أنه ل شيء في هذه الحياة يعدل ذلك الفرح الروحي الشفيف الذي نجده عندما نستطيع أن ندخل العزاء أو الرضككا ‪ ،‬الثقككة أو‬
‫المل أو الفرح إلى نفوس الخرين !‪.‬‬

‫إنها لذة سماوية عجيبة ليست في شيء من هذه الرض ‪ ،‬إنها تجاوب العنصكر السكماوي الخكالص فكي طبيعتنكا ‪ ،‬إنهكا ل تطلكب لهكا جكزاءا‬
‫خارجيا ‪ ،‬لن جزاءها كامل فيها !‪.‬‬

‫هنالك مسألة أخرى يقحمها بعض الناس في هذا المجال ‪ ،‬وليست منه في شيء مسألة اعتراف الخرين بالجميل !‪.‬‬

‫لن أحاول إنكار ما في هذا العتراف من جمال ذاتي ول ما يه من مسرة عظيمة للواهبين ولكن هذا كلككه شككيء آخككر إن المسككألة هنككا مسككألة‬
‫الفرح لن الخير يجد له صدى ظاهريا قريبا في نفوس الخرين وهذا الفرح قيمته من غير تلك لنه ليس من طبيعة ذلك الفرح الخككر الككذي‬
‫نحسه مجردا في ذات اللحظة التي نستطيع أن ندخل فيها العزاء أو الرضا ‪ ،‬الثقة أو المل أو الفرح في نفوس الخرين ! إن هذا لهو الفككرح‬
‫النقي الخالص الذي ينبع من نفوسنا ويرتد إليها بدون حاجة إلى أي عناصر خارجية عن ذواتنا ‪ ،‬إنه يحمل جزاءه كامل لنككه جككزاءه كككامل‬
‫فيه ‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫لم أعد أفزع من الموت حتى لو جاء اللحظة ! قد أخذت في هذه الحياة كثيرا أعني ‪ :‬لقد أعطيت !!‪.‬‬

‫أحيانا تصعب التفرقة بين الخذ والعطاء لنهما يعطيان مدلول واحدا في عالم الروح ! في كل مره أعطيت لقد أخذت لست أعني أن أحدا قد‬
‫أعطى لي شيئا إنما أعني أنني أخذت نفس الذي أعطيت لن فرحتي بما أعطيت لم تكن أقل من فرحت الذي أخذوا ‪.‬‬

‫لم أعد أفزع من الموت حتى لو جاء اللحظة لقد عملت بقدر ما كنت مستطيعا أن أعمل ! هنكاك أشككياء كككثيرة أود أن أعملهككا لككو مكد لكي فكي‬
‫الحياة ولكن الحسرة لم تأكل قلبي إذا لم أستطع ؛ إن آخرين سوف يقومون بها إنها لكن تمككوت إذا كككانت صكالحة للبقككاء فأنككا مطمككأن إلككى أن‬
‫العناية التي تلحظ هذا الوجود لن تدع فكرة صالحة تموت …‬

‫لم أعد أفزع من الموت حتى لو جاء اللحظة ! لقد حاولت أن أكون خيرا بقدر ما أستطيع أما أخطائي وغلطكاتي فأنككا نكادم عليهكا ! إنكي أكككل‬
‫أمرها إلى ال وأرجو رحمته وعفوه أما عقابه فلست قلقا من أجله فأنا مطمأن إلى أنه عقاب حق وجزاء عدل وقككد تعككودت أن أحتمككل تبعككت‬
‫أعمالي خيرا كانت أو شرا ‪ ..‬فليس يسوءني أن ألقى جزاء ما أخطأت حين يقوم الحساب !‪.‬‬
‫انتهت‬

Vous aimerez peut-être aussi