Académique Documents
Professionnel Documents
Culture Documents
أصل هذا الكتيب … رسالة بعث بها سيد رحمككه الك إلككى أختككه أمينككة قطككب .وكككانت مجلككة الفكككر
التونسككية قككد نشككرته فككي عككددها السككادس مككن السككنة الرابعككة ،آذار )) مككارس (( 1959م بعنككوان
) أضواء من بعيد ( .
ولما كثر الطلب على هذه الرسالة طلبنا الذن من الستاذ محمد قطب حفظه ال لعادة نشرها فأذن لنا بذلك جزاه ال خيرا .
الناشر
إن فكرة الموت ما تزال تخيل لك ،فتتصورينه في كل مكان ،ووراء كل شيء وتحسبينه قوة طاغية تظل الحيككاة والحيككاء ،وتريككن الحيككاة
بجانبه ضئيلة واجفة مذعورة .
إنني أنظر اللحظة فل أراه إل قوة ضئيلة حسيرة بجانب قوى الحياة الزاخرة الطكافرة الغكامرة ،ومكا يككاد يصكنع شكيئا إل أن يلتقكط الفتكات
الساقط من مائدة الحياة ليقتات ! …
مد الحياة الزاخر هو ذا يعج من حولي ! … :كل شيء إلكى نمكاء وتكدفق وازدهكار … المهكات تحمكل وتضكع :النكاس والحيكوان سكواء .
الطيور والسماك والحشرات تدفع بالبيض المتفتح عن أحياء وحياة … الرض تتفجر بالنبت المتفتح عن أزهككار وثمككار … السككماء تتككدفق
بالمطر ،والبحار تعج بالمواج … كل شيء ينمو على هذه الرض ويزداد ! .
بين الحين والحين يندفع الموت فينهش نهشة ويمضي ،أو يقبع حتى يلتقط بعض الفتات الساقط من مائدة الحياة ليقتات ! … والحياة ماضية
في طريقها ،حية متدفقة فوارة ،ل تكاد تحس بالموت أو تراه !…
لقد تصرخ مرة من اللم ،حين ينهش الموت من جسمها نهشتا ،ولكن الجرح سرعان ما يندمل ،وصرخة اللم سرعان ما تستحيل مراحككا
… ويندفع الناس والحيوان ،والطير والسماك ،الدود والحشرات ،العشب والشجار ،تغمر وجه الرض بالحياة والحياء !… والمككوت
قابع هنالك ينهش نهشتا ويمضي … أو يلتقط الفتات الساقط من مائدة الحياة ليقتات !! .
الشمس تطلع ،والشمس تغرب ،والرض من حولها تدور ،والحياة تنبثق من هنا ومن هناك … ككل شككيء إلكى نمكاء … نمككاء فكي العككدد
والنوع ،نماء في الكم والكيف … لو كان الموت يصنع شيئا لوقف مد الحياة ! … ولكنه قوة ضئيلة حسيرة ،بجانب قككوى الحيككاة الزاخككرة
الطافرة الغامرة …!.
من قوة ال الحي :..تنبثق الحياة وتنداح !!.
2
عندما نعيش لذواتنا فحسب ،تبدو لنا الحياة قصيرة ضئيلة ،تبدأ من حيث بدأنا نعي ،وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود ! …
أما عندما نعيش لغيرنا ،أي عندما نعيش لفكرة ،فإن الحياة تبدو طويلة عميقة ،تبدأ من حيث بدأت النسانية وتمتد بعد مفارقتنا لككوجه هككذه
الرض !…
إننا نربح أضعاف عمرنا الفردي في هذه الحالة ،نربحها حقيقة ل وهما ،فتصور الحياة على هذا النحو ،يضاعف شعورنا بأيامنا وساعاتنا
ولحظاتنا .فليست الحياة بعد السنين ،ولكنها بعداد المشاعر ،وما يسميه )) الواقعيون (( في هذه الحالة )) وهما (( ! هو في )) الواقككع (( ،
)) حقيقة (( أصح من كل حقائقهم !… لن الحياة ليست شيئا آخر غير شعور النسان بالحياة .جرد أي إنسككان مككن الشككعور بحيككاته تجككرده
من الحياة ذاتها في معناها الحقيقي ! ومتى أحس النسان شعورا مضاعفا بحياته ،فقد عاش حياة مضاعفة فعل …
إننا نعيش لنفسنا حياة مضاعفة ،حينما نعيش للخرين ،وبقدر ما نضاعف إحساسنا بككالخرين ،نضككاعف إحساسككنا بحياتنككا ،ونضككاعف
هذه الحياة ذاتها في النهاية !.
3
بذرة الشر تهيج ،ولكن بذرة الخير ،تثمر ،إن الولى ترتفع في الفضاء سريعا ولكن جذورها في التربة قريبة ،حتى لتحجككب عككن شككجرة
الخير النور والهواء ولكن شجرة الخير تظل في نموها البطيء ،لن عمق جذورها في التربة يعوضها عن الدفء والهواء …
مع أننا حين نتجاوز المظهر المزور البراق لشجرة الشر ،ونفحص عن قوتها الحقيقيككة وصككلبتها ،تبككدو لنككا واهنكة هشكة نافشككة فكي غيكر
صلبة حقيقية ! … على حين تصبر شجرة الخير على البلء ،وتتماسك للعاصفة ،وتظل في نموها الهادئ البطيء ،ل تحفل بما ترجمهككا
به شجرة الشر من أقذاء وأشواك !…
4
عندما نلمس الجانب الطيب في نفوس الناس ،نجد أن هناك خيرا كثيرا قد ل تراه العيون أول وهلة !…
لقد جربت ذلك .جربته مع الكثيرين … حتى الذين يبدو في أول المر أنهم شريرون أو فقراء الشعور …
شيء من العطف على أخطائهم ،وحماقتهم ،شيء من الود الحقيقي لهم ،شيء من العناية – غير المتصنعة – باهتماماتهم وهمومهم … ثم
ينكشف لك النبع الخير في نفوسهم ،حين يمنحونك حبهم ومودتهم وثقتهم ،في مقابل القليل الذي أعطيتهم إياه من نفسك ،متى أعطيتهم إياه
في صدق وصفاء وإخلص .إن الشر ليس عميقا في النفس النسانية إلكى الحكد الكذي نتصكوره أحيانكا .إنكه فكي تلكك القشكرة الصكلبة الكتي
يواجهون بها كفاح الحياة للبقاء … فإذا آمنوا تكشفت تلك القشرة الصلبة عن ثمرة حلكوة شكهية … هكذه الثمكرة الحلكوة ،إنمكا تتكشكف لمكن
يستطيع أن يشعر من الناس بالمن من جانبه ،بالثقة في مودته ،بالعطف الحقيقي على كفاحهم وآلمهككم ،و علككى أخطككائهم وعلككى حمككاقتهم
كذلك … وشيء من سعة الصدر في أول المر كفيل بتحقيق ذلك كله ،أقرب مما يتوقككع الكككثيرون … لقككد جربككت ذلككك ،جربتككه بنفسككي .
فليست أطلقها مجرد كلمات مجنحة وليدة أحلم وأوهام !…
5
عندما تنمو في نفوسنا بذور الحب والعطف والخير نعفي أنفسنا من أعباء ومشقات كثيرة .إننا لن نكون فكي حاجككة إلككى أن نتملككق الخريككن
لننا سنكون يومئذ صادقين مخلصين إذ نزجي إليهم الثناء .إننا سنكشف في نفوسهم عن كنوز من الخير وسنجد لهم مزايا طيبة نثني عليهككا
حين نثني ونحن صادقون ؛ ولن يعدم إنسان ناحية خيرة أو مزية حسنة تؤهله لكلمة طيبة … ولكننا ل نطلع عليها ول نراهككا إل حيككن تنمككو
في نفوسنا بذرة الحب !…
كذلك لن نكون في حاجة لن نحمل أنفسنا مؤونة التضايق منهم ول حتى مؤونة الصبر على أخطائهم وحماقاتهم لننا سنعطف على مواضع
الضعف والنقص ولن نفتش عليها لنراها يوم تنمو في نفوسنا بذرة الحب ! وبطبيعة الحال لن نجشم أنفسنا عناء الحقد عليهم أو عبء الحككذر
منهم فإنما نحقد على الخرين لن بذرة الخير لم تنم في نفوسنا نموا كافيا ونتخوف منهم لن عنصر الثقة في الخير ينقصنا !
كم نمنح أنفسنا من الطمأنينة والراحة والسعادة ،حيككن نمنككح الخريككن عطفنككا وحبنككا وثقتنككا ،يككوم تنمككو فككي نفوسككنا بككذرة الحككب والعطككف
والخير !.
6
حين نعتزل الناس لننا نحس أننا أطهر منهم روحا ،أو أطيب منهم قلبا ،أو أرحب منهم نفسا أو أذكى منهم عقل ل نكككون قككد صككنعنا شككيئا
كبيرا … لقد اخترنا لنفسنا أيسر السبيل وأقلها مؤونة !.
إن العظمة الحقيقية :أن نخالط هؤلء الناس مشبعين بروح السماحة والعطف على ضكعفهم ونقصككهم وخطئهكم وروح الرغبكة الحقيقيككة فكي
تطهيرهم وتثقيفهم ورفعهم إلى مستوانا بقدر ما نستطيع !.
إنه ليس معنى هذا أن نتخلى عن آفاقنا العليا ومثلنا السامية أو أن نتملق هؤلء النككاس ونثنككي علككى رذائلهككم أو أن نشككعرهم أننككا أعلككى منهككم
أفقا ..إن التوفيق بين هذه المتناقضات وسعة الصدر لما يتطلبه هذا التوفيق من جهد :هو العظمة الحقيقية !.
7
عندما نصل إلى مستوى معين من القدرة نحس أننا ل يعيبنا أن نطلب مساعدة الخرين لنا ،حتى أولئك الذين هم أقل منا مقدرة ! ول يغض
من قيمتنا أن تكون معونة الخرين لنا قد ساعدتنا على الوصول إلى ما نحن فيه .إننككا نحككاول أن نصككنع كككل شككيء بأنفسككنا ،ونسككتنكف أن
نطلب عون الخرين لنا أو أن نضم جهدهم إلى جهودنا كما نستشعر غضاضة في أن يعرف الناس أنه كان لذلك العون أثر في صعودنا إلى
القمة ..إننا نصنع هذا كله حين ل تكون ثقتنا بأنفسنا كبيرة أي عندما نكون بالفعل ضعفاء في ناحية من النواحي ..أما حين نكون أقوياء حقا
فلن نستشعر من هذا كله شيئا ..إن الطفل هو الذي يحاول أن يبعد يدك التي تسنده وهو يتكفأ في المسير !.
عندما نصل إلى مستوى معين من القدرة ،سنستقبل عون الخرين لنا بروح الشكر والفرح ..الشكر لما يقككدم لنكا مككن عكون ..والفككرح بككأن
هناك من يؤمن بما نؤمن به نحن ..فيشاركنا الجهد والتبعة ..إن الفرح بالتجاوب الشعوري هو الفرح المقدس الطليق !..
8
إننا نحن إن )) نحتكر (( أفكارنا وعقائدنا ،ونغضب حين ينتحلها الخرون لنفسهم ،ونجتهكد فككي توكيكد نسككبتها إلينكا ،وعكدوان الخريكن
عليها ! إننا إنما نصنع ذلك كله ،حين ل يكون إيماننا بهذه الفكار والعقائد كبيرا ،حين ل تكون منبثقة من أعماقنا كما لو كككانت بغيككر إرادة
منا حين ل تكون هي ذاتها أحب إلينا من ذواتنا !.
إن الفرح الصافي هو الثمرة الطبيعية لن نرى أفكارنا وعقائدنا ملكا للخرين ونحن بعد أحياء ،إن مجرد تصورنا لها أنها ستصبح – ولو
بعد مفارقتنا لوجه هذه الرض – زادا للخرين وريا ،ليكفي أن تفيض قلوبا بالرضا والسعادة والطمئنان !.
)) التجار (( وحدهم هم الذين يحرصون على )) العلقات التجارية (( لبضائعهم كي ل يسككتغلها الخككرون ويسككلبوهم حقهككم مككن الربككح أمككا
المفكرون وأصحاب العقائد فكل سعادتهم في أن يتقاسم الناس أفكارهم وعقائدهم ويؤمنوا بها إلى حد أن ينسبوها لنفسككهم ل إلككى أصككحابها
الولين !.
إنهم ل يعتقدون أنهم )) أصحاب (( هذه الفكار والعقائد ،وإنما هم مجرد )) بسطاء (( في نقلهكا وترجمتهكا ..إنهكم يحسكون أن النبكع الكذي
يستمدون منه ليس من خلقهم ،ول من صنع أيديهم .وكككل فرحهككم المقككدس ،إنمككا هككو ثمككرة اطمئنككانهم إلككى أنهككم علكى اتصككال بهككذا النبككع
الصيل !…
9
الفرق بعيد ..جدا بعيد :..بين أن نفهم الحقائق ،وإن ندرك الحقائق ..إن الولى :العلم ..والثانية هي :المعرفة !..
في الولى :نحن نتعامل مع ألفاظ ومعان مجردة ..أو مع تجارب ونتائج جزئية ..
في الولى :ترد إلينا المعلومات من خارج ذواتنا ،ثم تبقى في عقولنا متحيزة متميزة …
وفي الثانية :تنبثق الحقائق من أعماقنا .يجري فيها الدم الذي يجري في عروقنا و أوشاجنا ،ويتسق مع نبضنا الذاتي !..
في الولى :توجد )) الخانات (( و العناوين :خانة العلم ،وتحتها عنواناته وهكي شكتى .خانكة الكدين وتحتهكا عنوانكات فصكوله وأبكوابه ..
وخانة الفن وتحتها عنوانات منهاجه واتجاهاته !..
وفي الثانية :توجد الطاقة الواحدة ،المتصلة بالطاقة الكونية الكبرى ..ويوجد الجدول السارب ،الواصل إلى النبع الصيل !..
10
نحن في حاجة ملحة إلى المتخصصين في ككل فكرع مكن فكروع المعكارف النسكانية أولئك الكذين يتخكذون مكن معكاملهم ومككاتبهم صكوامع
وأديرة ! ..ويهبون حياتهم للفرع الذي تخصصوا فيه ،ول بشعور التضحية فحسب ،بل بشعور التضحية فحسب ،بل بشعور اللذة كككذلك !
… شعور العابد الذي يهب روحه للهه وهو فرحان !..
ولكننا مع هذا يجب أن ندرك أن هؤلء ليسوا هم اللذين يوجهون إلى الحياة ،أو يختارون للبشرية الطريق ؟..
إن الرواد كانوا دائما .وسيكونون هم أصحاب الطاقات الروحية الفائقة هؤلء هم الذين يحملون الشعلة المقدسة الككتي تنصكهر فكي حرارتهكا
كل ذرات المعارف ،وتنكشف في ضوئها طريق الرحلة ،مزودة بكل هذه الجزئيات قوية بهذا الزاد ،وهي تغذ السير نحو الهككدف السككامي
البعيد !:.
هؤلء الرواد هم الذين يدركون ببصيرتهم تلك الوحدة الشاملة ،المتعددة المظككاهر فكي :العلكم ،والفككن ،والعقيككدة ،والعمككل ،فل يحقككرون
واحدا منها ول يرفعونه فوق مستواه !.
الصغار وحدهم هم اللذين يعتقدون أن هناك تعارضا بين هذه القوى المتنوعة المظاهر ؛ فيحاربون العلم باسككم الككدين ،أو الككدين باسككم العلككم
…
ويحتقرون الفن باسم العمل ،أو الحيوية الدافعة باسم العقيدة المتصوفة ! ..ذلك أنهم يدركون كل قوة من هذه القوى ،منعزلة عككن مجموعككة
من القوى الخرى الصادرة كلها من النبع الواحد ،ومن تلك القوة الكبرى المسيطرة على هذا الوجود ! ..ولكن الرواد الكبككار يككدركون تلككك
الوحدة ،لنهم متصلون بذلك النبع الصيل ،ومنه يستمدون !…
إنهم قليلون ..قليلون في تاريخ البشرية ..بل نادرون ! ولكن منهم الكفاية :..فالقوة المشرفة على هذا الكون ،هككي الككتي تصككوغهم ،تبعككث
بهم في الوقت المقدر المطلوب !.
11
الستسلم المطلق للعتقاد في الخوارق والقوى المجهولة خطر ،لنه يقود إلى الخرافة ..ويجول الحياة إلى وهم كبير !..
ولكن التنكر المطلق لهذا العتقاد ليس أقل خطرا :لنه يغلق منافذ المجهول كله ،وينكر كل قوة غير منظورة ل لشككيء إل لنهككا قكد تككون
أكبر من إدراكنا البشري في فترة من فترات حياتنا ! وبذلك يصغر من هذا الوجود – مساحة وطاقة ،قيمة كذلك ،ويحده بحدود )) المعلككوم
(( وهو إلى هذه اللحظة حين يقاس إلى عظمة الكون – ضئيل ..جدا ضئيل !..
إن حياة النسان على هذه الرض .سلسلة من العجز عن إدراك القوى الكونية أو سلسلة من القدرة على إدراك هذه القوى ،كلمكا شكب عكن
الطوق وخطا خطوة إلى المام في طريقه الطويل !.
إن قدرة النسان في وقت بعد وقت على إدراك إحدى قوى الكون التي كانت مجهولة له منذ لحظة وكانت فوق إدراكه في وقت مككا ..لكفيلككة
بأن تفتح بصيرته على أن هناك قوى أخرى لم يدركها بعد لنه ل يزال في دور التجريب !.
إن احترام العقل البشري ذاته لخليق بأن نحسب للمجهول حسابه في حياتنا ل لنكل إليه أمورنا كما يصنع المتعلقون بالوهم والخرافة ،ولكن
لكي نحس عظمة هذا الكون على حقيقتها ولكي نعكرف لنفسككنا قكدرها فكي كيكان هكذا الككون العريكض .وإن هكذا لخليكق بكأن يفتكح للكروح
النسانية قوى كثيرة للمعرفة وللشعور بالوشائج التي تربطنا بالكون من داخلنا وهي بل شك أكبر وأعمق من كككل مككا أدركنككاه بعقولنكا حكتى
اليوم بدليل أننا ما نزال نكشف في كل يوم عن مجهول جديد ؛ وأننا ل نزال بعد نعيش !.
12
من الناس في هذا الزمان من يرى في العتراف بعظمة ال المطلقة غضا من قيمة النسان و إصغارا لشأنه في الوجود :كأنما ال والنسان
ندان يتنافسان على العظمة والقوة وهذا الوجود !.
أنا أحس أنه كلما ازددنا شعورا بعظمة ال المطلقة زدنا نحن أنفسنا عظمة لننا من صنع إله عظيم !.
إن هؤلء الذين يحسبون أنهم يرفعون أنفسهم حين يخفضون في وهمهم إلههم أو ينكرونه إنما هم المحككدودون الككذين ل يسككتطيعون أن يككروا
إل الفق الواطئ القريب !.
أنهم يظنون أن النسان إنما لجأ إلى ال إبان ضعفه وعجزه فأما الن فهو من القوة بحيث ل يحتاج إلى إلككه ! كأنمككا الضككعف يفتككح البصككيرة
والقدرة تطمسها !.
إن النسان لجدير بأن يزيد إحساسا بعظمة ال المطلقة كلما نمت قوته لنه جدير بأن يدرك مصدر هذه القوة كلما زادت طاقته على الدراك
…
إن المؤمنين بعظمة ال المطلقة ل يجدون في أنفسهم ضعة ول ضعفا ،بل العكس يجدون في نفوسهم العزة والمنعككة ،باسككتنادهم إلككى القككوة
الكبرى المسيطرة على هذا الوجود إنهم يعرفون أن مجال عظمتهم إنما هو في هذه الرض ،وبين هؤلء الناس فهي ل تصطدم بعظمة ال ك
المطلقة في هذا الوجود إن لهم رصيدا من العظمة والعزة في إيمانهم العميق ل يجده أولئك الذين ينفخون أنفسهم )) كالبالون (( حتى ليغطي
الورم المنفوخ عن عيونهم كل آفاق الوجود !.
13
أحيانا تتخفى العبودية في ثياب الحرية فتبدو انطلقا من جميع القيود انطلقا من العرف والتقاليككد ،انطلقككا مككن تكككاليف النسككانية فككي هككذا
الوجود !.
إن هنالك فارقا أساسيا بين النطلق من قيود الذل والضغط والضعف ،والنطلق من قيكود النسكانية وتبعاتهكا إن الولكى معناهكا التحكرر
الحقيقي أما الثانية فمعناها التخلي عن المقومات التي جعلت من النسان إنسانا وأطلقته من قيود الحيوانية الثقيلة !..
إنها حرية مقنعة لنها في حقيقتها خضوع وعبودية للميول الحيوانية ،تلك الميول التي قضت البشرية عمرها الطويل وهي تكافحها لتخلص
من قيودها الخانقة إلى جو الحرية النسانية الطليقة …
لماذا تخجل النسانية من إبداء ضروراتها ؟ لنها تحس بالفطرة أن السمو مع هذه الضروريات هككو
أول مقومات النسانية وأن النطلق من قيودهككا هككو الحريككة وأن التغلككب علككى دوافككع اللحككم والككدم
وعلى مخاوف الضعف والذل كلهما سواء في توكيد معنى النسانية !.
14
لست ممن يؤمنون بحكاية المبادئ المجردة عن الشخاص لنه ما المبدأ بغير عقيدة حارة دافعة ؟ وكيف توجد العقيدة توجككد العقيككدة الحككارة
الدافعة في غير قلب إنسان ؟.
إن المبادئ والفكار في ذاتها – بل عقيدة دافعة – مجرد كلمات خاويككة أو علككى الكككثر ميتككة ! والككذي يمنحهككا الحيككاة هككي حككرارة اليمككان
المشعة من قلب إنسان ! لن يؤمن الخرين بمبدأ أو فكرة تنبت في ذهن بارد ل في قلب مشع .
آمن أنت أول بفكرتك آمن بها إلى حد العتقاد الحار ! عندئذ فقط يؤمن بها الخرون !! وإل فستبقى مجرد صياغة لفظية خالية مككن الككروح
والحياة !..
ل حياة لفكرة لم تتقمص روح إنسان ،ولم تصبح كائنا حيا دب على وجه الرض في صورة بشككر ! ..كككذلك ل وجككود لشككخص – فككي هككذا
المجال – ل تعمر قلبه فكرة يؤمن بها في حرارة وإخلص …
إن التفريق بين الفكرة والشخص كالتفريق بين الروح والجسد أو المعنى واللفظ عملية في بعض الحيان مستحيلة وفي بعض الحيان تحمل
معنى التحلل والفناء !..
كل فكرة عاشت قد اقتاتت قلب إنسان ! أما الفكار التي لم تطعم هذا الغذاء المقككدس فقككد ولككدت ميتككة ولككم تككدفع بالبشككرية شككبرا واحككدا إلككى
المام !.
15
من الصعب علي أن أتصور كيف يمكن أن نصل إلى غاية نبيلة باستخدام وسيلة خسيسة !؟ إن الغايكة النبيلكة ل تحيكا إلكى فكي قلكب النبيكل :
فكيف يمكن لذلك القلب أن يطيق استخدام وسيلة خسيسة ؛ بل كيف يهتدي إلى استخدام هذه الوسيلة حين نخككوض إلككى الشككط الممككرع بركككة
من الوحل لبد أن نصل إلى شط الملوثين ..أن أوحال الطريق ستترك آثارها علككى أقككدامنا وعلككى مواضككع هككذه القككدام كككذلك الحككال حيككن
نستخدم وسيلة خسيسة :إن الدنس سيعلق بأرواحنا ،ويسترك آثاره في هذه الرواح ،وفي الغاية التي وصلنا إليها !.
إن الوسيلة في حساب الروح جزء من الغاية .ففي عالم الروح ل توجد هذه الفوارق والتقسيمات ! الشككعور النسككاني وحككده إذا حككس غايككة
نبيلة فلن يطيق استخدام وسيلة خسيسة ..بل لن يهتدي إلككى اسككتخدامها بطككبيعته ! )) الغايككة تكبرر الوسككيلة !؟ (( :تلككك هكي حكمككة الغككرب
الكبرى !! لن الغرب يحيا بذهنه وفي الذهن يمكن أن توجد التقسيمات والفوارق بين الوسائل والغايات !.
16
بالتجربة عرفت أنه ل شيء في هذه الحياة يعدل ذلك الفرح الروحي الشفيف الذي نجده عندما نستطيع أن ندخل العزاء أو الرضككا ،الثقككة أو
المل أو الفرح إلى نفوس الخرين !.
إنها لذة سماوية عجيبة ليست في شيء من هذه الرض ،إنها تجاوب العنصكر السكماوي الخكالص فكي طبيعتنكا ،إنهكا ل تطلكب لهكا جكزاءا
خارجيا ،لن جزاءها كامل فيها !.
هنالك مسألة أخرى يقحمها بعض الناس في هذا المجال ،وليست منه في شيء مسألة اعتراف الخرين بالجميل !.
لن أحاول إنكار ما في هذا العتراف من جمال ذاتي ول ما يه من مسرة عظيمة للواهبين ولكن هذا كلككه شككيء آخككر إن المسككألة هنككا مسككألة
الفرح لن الخير يجد له صدى ظاهريا قريبا في نفوس الخرين وهذا الفرح قيمته من غير تلك لنه ليس من طبيعة ذلك الفرح الخككر الككذي
نحسه مجردا في ذات اللحظة التي نستطيع أن ندخل فيها العزاء أو الرضا ،الثقة أو المل أو الفرح في نفوس الخرين ! إن هذا لهو الفككرح
النقي الخالص الذي ينبع من نفوسنا ويرتد إليها بدون حاجة إلى أي عناصر خارجية عن ذواتنا ،إنه يحمل جزاءه كامل لنككه جككزاءه كككامل
فيه .
17
لم أعد أفزع من الموت حتى لو جاء اللحظة ! قد أخذت في هذه الحياة كثيرا أعني :لقد أعطيت !!.
أحيانا تصعب التفرقة بين الخذ والعطاء لنهما يعطيان مدلول واحدا في عالم الروح ! في كل مره أعطيت لقد أخذت لست أعني أن أحدا قد
أعطى لي شيئا إنما أعني أنني أخذت نفس الذي أعطيت لن فرحتي بما أعطيت لم تكن أقل من فرحت الذي أخذوا .
لم أعد أفزع من الموت حتى لو جاء اللحظة لقد عملت بقدر ما كنت مستطيعا أن أعمل ! هنكاك أشككياء كككثيرة أود أن أعملهككا لككو مكد لكي فكي
الحياة ولكن الحسرة لم تأكل قلبي إذا لم أستطع ؛ إن آخرين سوف يقومون بها إنها لكن تمككوت إذا كككانت صكالحة للبقككاء فأنككا مطمككأن إلككى أن
العناية التي تلحظ هذا الوجود لن تدع فكرة صالحة تموت …
لم أعد أفزع من الموت حتى لو جاء اللحظة ! لقد حاولت أن أكون خيرا بقدر ما أستطيع أما أخطائي وغلطكاتي فأنككا نكادم عليهكا ! إنكي أكككل
أمرها إلى ال وأرجو رحمته وعفوه أما عقابه فلست قلقا من أجله فأنا مطمأن إلى أنه عقاب حق وجزاء عدل وقككد تعككودت أن أحتمككل تبعككت
أعمالي خيرا كانت أو شرا ..فليس يسوءني أن ألقى جزاء ما أخطأت حين يقوم الحساب !.
انتهت