Académique Documents
Professionnel Documents
Culture Documents
حمو بوشخار
الغرقى كثيرون
رمى االنقالب للتخلي عن ما هو فيه لصالح حالة هي في الغالب مثالية ولو انها كانت تتم باراقة الدم حتى ان االجسام التي تسقط يتم
نسيانها بتكتم االيام عليها .وجل االنظمة العربية التي اختارت التخلي او القضاء على اساليب الحكم التقليدية من حيث كون السلط
توجد مركزة في يد واحد ،انتهت في النهاية الى الوقوع في المحرم أي الى ما انقلبت عليه في السابق؛ الشيء الذي يقود الى االنتباه أه
في النهاية ،أن ما اصطلح عليه بالمنطقة العربية لم يكن مستقال يوما ،في السابق كان رهن التخلف قبل أن يقع بين أيدي المستعمر،
وحين تم التفاهم معه تسلط عليه االستبداد المحلي ،لتتواصل حالة استعمارية فريدة في التاريخ والمكان؛ في االنقالب الغاء لشرعية
(!) تركب الدين والقبيلة وبالتالي لشيء متواصل في التاريخ ،الساللة بين قوسين .الذين اختاروا طريق االنقالب معدمون أي ليس
لهم ما يستندون عليه غير الحماسة لفكرة الثورة التي لم تتحقق لالسف مع كل االنظمة المحلية في االقطار العربية التي رفعت يافطة
االشتراكية المقترنة ضرورة بالتزييف؛ اننا ازاء ثورات مزيفة النها انتهت مشروعيتها باالخذ في تصفية النقيض والمختلف ،االمر
الذي كان قد قطع الطريق عن كل بذرة او نسمة ديمقراطية؛ ميرلو -بونتي ذهب الى ان الثورات تبدأ مثالية وتنتهي دموية .وهذا هو
المحزن فيها حتى يكاد الواحد اال يحلم أبدا من جراء الجرائم التي تمارسها ،لكن البد من غفوة فقط يلزم أن تكون خفيفة حتى ال يولد
الواحد ويموت في العبودية؛ في المجال المعروف بالعربي االسالمي يستحيل الحديث عن ثورة على االقل مع التجارب المعروفة
أي التي تم انجازها في اطار حركات التحرر الوطني الناقصة في كل شيء ما دامت لم تخرج عن عمليات تهريب كراسي السلطة
لالنفراد بالحكم واالمتيازات.
ابتداء من العراق مرورا بسوريا واليمن ومصر وليبيا فالجزائر؛ تبدو الصور التي اتخذتها كونها جمهوريات نموذجا يتكرر برداءة؛
فكما Gقفزوا على كراسي الحكم في نفس المرحلة تقريبا ،طال قعودهم عليها بحيث لم يتم مع نماذجها Gتداول السلطة ،االمر الذي يلغي
تقليد االنتخاب بالمرة حتى ال يخرج أو يزاح من الكرسي اال بانقالب؛ في العراق سيزيح صدام عبد السالم عارف الذي دبر بدوره
العملية للتخلص من نظام عبد الكريم قاسم سنة [ 1963عيون ،ع ،10 .س .2000 ،5 .ص ص ،]72 ،36 .هكذا ال يتم تسلم
السلطة عن طريق الصناديق وانما بالمؤامرات والبنادق .اذا عرجنا الى سوريا وجدنا الحكم قد انتهى في مخالب االسد سنة 1970
لصالح نظام طائفي مع فتح باب سجن ‘‘المزة’’ للمغضوب عنهم ،ومن تم الدخول في ديكتاتورية حزبية خانقة دفعت Gرفعت االسد الى
التفكير في االنقالب على النظام في . 1984في اليمن الوصول الى دفة الحكم كانت مدبرة بعناية بحيث ان الجثث تسقط دون ان
يظهر الواقف خلف االغتياالت؛ ابراهيم الحمدي تمت تصفيته في ،1977ليأخذ مكانه أحمد الغسمي لرئاسة الجمهورية العربية
اليمنية ،ومباشرة بعد تنحيته فرغت الطريق لعبد هللا صالح كي ينتخب من قبل مجلس الرئاسة باالجماع [!] في يوليو .1978الحالة
مع مصر كانت بانقالب وبمشهد دموي حيث تم اخالء منصب الرئاسة لمبارك بعد اغتيال السادات؛ نفس السيناريو يقع تقريبا مع
بنعلي تونس إذ كان انقالبا هادئا بعد وضع بورقيبة تحت حراسة طبية .مع الحالة الليبية نكون امام استثناء اذ تعد البقعة الوحيدة التي
لم يقع فيها أي انقالب منذ الذي قام به من يحرق البالد هذه االيام ،االمر الذي يعود الى عمل اللجان الثورية الناجع والدءوب لما يزيد
عن اربعة عقود في اخراس المعارضين؛ ولو كان جاك بريفير حيا يرزق لندب لحال البالد التي يقرق [الدجاجة التي تحضن بيضها]
عليها الحاكم كل هذه المدة ،هو الذي لم يستحمل ان يرى كيف توالت ساللة على الحكم بقياس عشرين حاكما G،فصرخ :لكن ماذا
يعمل هذا القوم ألم يجن كي يعد حتى العدد .20امام حالة من تربع الزعامة الليبية 42سنة ،ربما كان اصيب بالحبسة .اذ التفتنا الى
الجارة ،اعني الجزائر ،فلن نعدم المؤامرات وحتى االغتيال كما حدث مع بوضياف بعنابة في Benchicou : Bouteflika[ 1992
،]une imposture algérienne . le matin 2003, p 64وبعامة فالدم كان يسيل كل مرة [ص ]28 .واذا استمر بوتفليقة في
اعتالء كرسي الجمهورية كل هذا الوقت فبسبب مكائده وحذقه في نسج الكمائن مع السطو على الشعب بجعله رهينة ليواصل بقاءه
اكبر مدة ممكنة على كرسي النظام الذي دشنه بطوارئ مطلقة منذ 1999حتى لو أصيب بلوثة النسيان لما قاله للتو في مكالمةG
هاتفية [ص .]187
جمهوريات االبتزاز هذه تبقى لها مع ذلك قواسم مشتركة ،منها تحولها بالتدريج الى شبه ملكيات ،مع المراهنة على آفة التوريث التي
ينهض عليها الحكم الملكي وباتت تنافسه عليها ،بحيث يمتنع اال تجد نظاما جاء باالنقالب لتأسيس جمهورية ،لم يقع في اغوائها ولم
يحضر ابنه ليتسلم السلطة بعده ،ابتداء من صدام مرورا باالسد وعبد هللا صالح مرورا بمبارك ومعمر ،واالستثناء هنا هو الجزائر
التي حافظت على انتخاب رئيسها لكن ليس دون رشوة ،بفضل الحماية التي تضمنها الجبهة والعسكر أي بفرض الوصاية على
الشعب وقطع الطريق على التعددية الحزبية ،ليمكث Gولوج السلطة بترقية سياسية الوسيلة المعتمدة من قبل الفرد لخدمة قبيلته
ونرجسيته بدال من االهتمام بالجزائر دونما تمييز [ F. Mehenni : L’Algérie : la question Kabyle, Michalon 2004, p
.] 89يأتي بعد مسألة االهتمام بتوريث الحكم ،بفعل ضيق العمر ،ومطاردة شبح الموت لهم ،اتفاقهم في االلتفات لكسب ود الغرب
حتى يغمض عينيه عن االنتهاكات Gالتي تتعرض لها حقوق االنسان ،وهو ما تم تحقيقه من خالل خلق فزاعة يمكن اعتمادها كورقة
ابتزاز لكنها مقنعة من ناحية أخرى ،والورقة المعتمدة مع أغلب هذه االنظمة ،اضافة لمسالة الهجرة السرية هي الخاصة بالجماعاتG
االسالمية التي استطاعت ان تشكل ظاهرة ارتداد بفعل الرعب الذي افشته في المجتمع من خالل تهيئ قنابل بشرية قابلة للضبط
حتى من طرف االنظمة ،مع االحتفاظ بها كسلعة محفوظة الحقوق ببقائها محسوبة على من ابتكرها ،وبدال من أن تجني ثمار اكتشافها
تقلب سالحا ضدها؛ وبالتالي في ظل هذه االنظمة التي ال الديكتاتوؤية وال االستبدادية يمكن ان تصف القهر الذي تمارسه ضد
الشعوب التي ستشغل بوضعها في كامل العطالة ،مع دفعها حد الالمباالة ،كوسيلة لمقاومة زحف الموت الذي تنفثه في نفوس
المواطنين ،سواء بمنح أصواتهم للفزاعات والراشين ان لم يمتنعوا عن التصويت بالمرة؛ اقول في ظل هذه االنظمة يبقى الفساد عملة
رسمية ،بما في ذلك ايجاد أصولي خاص بها ضرورة ،لتعليقه عند الحاجة [M. Mammeri : Les Isfra, Maspero, 1982, p.
،] 76فكان أن اتفقت هذه االنظمة المنضوية تحت راية قومية تنتصر للعربية بشكل او آخر على ضرورة الغاء كل قومية او اثنية
اخرى؛ فصمت آذانها عن الواقع لتتعلق باحالم وحدوية كانت مبررا لسلب الشعوب حقها في الوجود والحرية ،انها االحالم التي لن
توجد في أي جنة فباالحرى على االرض؛ من هنا محاوالت التذويب القسرية او التهميش التي تطال الظواهر بما هي وقائع يومية
تحتاج الحذر اكثر من الطوباويات الباقية ابعد من الواقع ،حتى اننا نصادف من نظر اليها بشكل اعمى وكاريكاتوري ،لماذا ؟ النها
ولو هي من صلب الواقع المعيش والذي من شدة وضوحه تم رد وجوده الى صنع غربي؛ صحيح ان الغرب قام بدور تنويري ال
ينكر بتوفير االدوات التي تكشف عن زيف االديولوجيات الرسمية وهي تتجه عنوة الى اقبار كل حق في االختالف والوجود ،حتى لو
تطلب ذلك تسخير ابواق في احيان متطوعة؛ وبدال من الصاق التهم باالنظمة االنفصالية والمتقوقعة على ذاتها ،سيسهل ردها الى
االمبريالية والحقا العولمة ولو انها كانت بمثابة اسلحة وامال في نفق السلط واالنظمة المهربة؛ ومن نماذج هذا التزييف نقف عند
الهرطقة التي ترمي اقناعنا بالقول " في اقطار المغرب ‘‘العربي‘‘ فان االمبرياليين لن يعدموا الوسيلة الثارة العنصرية البربرية
[االمازيغية] ضد العرب" [تجربة العمل القومي ،سلسلة حوارات استراتيجية ،3ط ،1989 ، 1ص ]98كما لو كان عرب المغرب
هم من يحرمون من تسجيل اسماء ابنائهم في مكاتب الحالة المدنية ،ويتم التعامل مع لغتهم كوسيلة استئناس لنشر اللغة الالرسمية.
لقد بلغ عقم االنظمة الحاكمة الموزعة في منطقة شمال افريقيا حتى بالد الرافدين درجة لم تعد مستساغة مع طول شد الخناق بجعل
القوانين والتشريعات ال تخدم سوى مصالحها عوض ان تنفع شعوبها الشيء الذي اوصلها هذه االيام لتنفض الغبار الذي غمرها
بالمطالبة بحقها في اسقاط االنظمة التي انهكت Gكاهلها باستنزاف عرق جهدها ،والدفع بالمنطقة الى الخرا[ب]؛ قبل ان تستيقظ على
االنتفاضات Gالتي شرعت في االطاحة بها وبالصمت الذي استساغته بمكوثها الكثر من اربعين سنة ،في حالة ليبيا ،تتفرج فتشجعتG
الخراج ورثتها المقبلين لتتآلف معها الناس ،والتي لم يوقفها سوى الشرارة التي انطلقت من تونس لتتبعها ساحة التحرير بمصر
لتصل االن عند مستعمر ليبيا لما يناهز نصف قرن فاندفع للتهديد بحرقها ان فكرت في التخلص منه ،وكأننا ازاء سميالكر نيرون
الذي فعلها مرة بروما ،فضال عن اندالع الحركات االحتجاجية في اكثر من بقعة ،طالت حتى االنظمة الملكية الغير مستعدة الن تسود
دون ان تحكم تماشيا مع تطور المجتمعات Gالتي ترى الدستور عقبة في طريق تحقيق العدالة والديمقراطية.
االنقالبات التي حصلت في عدد من البلدان العربية االسالمية لن تزيد عن قرصنة ،لكن حين قدمت لتحكم بلدانها مثلت المستقبل
الواعد عند المحرومين ،اذ تم النظر لها كونها شاهدا على انقضاء مرحلة متخلفة بداهة ،وانها تجسيد للتقدم بالمقارنة مع السائد قبلها؛
اال ان الخيبة لن تتأخر في ان تجثم على الوطن والمواطنين ،إذ انطلقت عمليات اعتقال ،لم توفر ال القوى التقدمية وال التراثية
المتكلسة ،كما في مصر عبد الناصر كنموذج صارخ عما عرفه البلد من تصفيات واعتقاالت واسعة حتى الهرب او اللجوء لمن واتته
الفرصة ليفلت بجلده خارج الحدود ،وتراكمت التضييقات باشكال واساليب متنوعة اوصلت لوطن العطالة التي استشرت كي تصل
النفق الذي يحتاج للتظاهر والخروج في احتجاجات Gشعبية؛ لن تتورع االنظمة في توجيه اسلحتها لصدور مواطنيها التي ضاقت من
البؤس الذي عممته عليها وبمحاكمات Gمبالغ فيها مادامت هي المسئولة في النهاية عن ماآلت اليه االوضاع من تردي ،هذا اذا اخذنا
في االعتبار المثال الذي اورده صاحب رأس المال ،وفيه ان الحائط لما سأل المسمار لماذا تكسرني ؟ رد عليه :اسأل من يدقني.
السؤال المحير أمام حمى التظاهر والمطالبة باسقاط النظام في أكثر من منطقة ،هو لماذا على الشعوب السليبة االنتظار كل هذا الزمن
صبرا على الذل والخوف؛ تلقائية االحتجاج تحتاج لتربية واالنظمة ال تلقنها سوى الخضوع واالمتثال ،والشاهد ان مقرراتها ال
تتضمن كيف يمكن الواحد أن ينتقد أو يحتج ،كما ان الدعايات التي توفرها القنوات التلفزية ال تزيد اال في تكبيلهم أو تنويمهم
بالمسلسالت Gالرديئة ومباريات كرة القدم طيلة االسبوع؛ والبقية سيتوالها النظام التعليمي الذي صار ال ينتج سوى الرداءة لقيامه على
الحفظ والتلقين ،وهكذا في الوقت الذي يوهموننا فيه انهم يقومون باصالح المدرسة [ Gilles Deleuze « le devenir
révolutionnaire et les créations politiques ; Entretien réalisé par Tony Negri ; Mai 1990 ; Multitudes
] Webيعملون على تصفيتها؛ فالمدرسة اليوم عاجزة عن ابداع أنوية حية الستشراف المستقبل دونما انتظار؛ لكن يبدو ان هبة
الشعوب اختارت أن تنفجر وتنبثق في اللحظة التي لم يعد ينتظرها أحد ،على غرار ما يقوله بارث [le bruissement de la
]langue, seuil 1984, p 275حين يلح على تبثيق [ ]surgirالمعرفة هناك حيث ال تكون منتظرة؛ لقد دفعنا كل هذا االنتظار
لالحتراز من نعت هذه االحتجاجات بثورات ،فهي بالرغم من اهميتها لن تزيد على بعث ،ففترة الموت تطلبت عقودا من الزمن كي
يتحقق القيام الذي توفرت له دائما شروط التمرد عليه.