Académique Documents
Professionnel Documents
Culture Documents
ولد الديب والكاتب والشاعر المغربي عبد المجيد بن جلون عام 1919بمدينة الدار البيضاء .يعد
من أدباء المغرب المعاصرين .وطفولته قضاها في بريطانيا.وتلقى تعليمه البتدائي والثانوي
بالمغرب سافر إلى مصر.وأكمل دراسته في جامعة القاهرة.واحرز على الليسانس .وعمل لصالح
القضية المغربية.واشتغل بالصحافة لما رجع إلى المغرب ثم التحق بوزارة الخارجية
المغربية.جمع بين قرض الشعر الجيد وتاليف النثر الممتع.له عدة قصص ومقالت واشعار.ومن
تاليفه.وادي الدماء.و.في الطفولة.و.مارس استقللك .وافاه الجل سنة 1981م.
مقدمـــــــــــــة:
من المعلوم أن أول رواية جزائرية هي "غادة أم القرى" لرضا حوحو وقد ظهرت عام 1947م،
بينما تعتبر رواية" اعترافات إنسان" لمحمد فريد سيالة التي صدرت سنة 1961م أول عمل روائي
ليبي ،بيد أن هناك من يذهب بعيدا إلى أن أول نص ليبي هو "مبروكة" لحسين ظافر بن موسى التي
طبعت في دمشق سنة 1937م .1أما في تونس ،فكان أول نص روائي بعنوان" ومن الضحايا"
لمحمد العروسي المطوي سنة 1956م .وتعد رواية"السماء المتغيرة" لحمد ولد عبد القادر أول
نص روائي موريطاني يصدر سنة 1981عن دار الباحث للطباعة والنشر والتوزيع ببيروت
اللبنانية.أما في المغرب ،فنرصد اختلفا بين الباحثين المغاربة ،فهناك من يعتبر عبد المجيد بن جلون
أول كاتب روائي بنصه الطوبيوغرافي" في الطفولة" الذي نشر سنة 1957م،
وهناك من يعتبر" دفنا الماضي" لعبد الكريم غلب الصادرة سنة 1966م أول نص روائي مغربي
،2بينما الدكتور حميد لحمداني يرى أن نص"رواد المجهول"لحمد عبد السلم البقالي أول نص
روائي مغربي صدر عن المطبعة العالمية بالقاهرة سنة 1956م ،وفي المقابل لم يظهر نص " في
الطفولة" لعبد المجيد بن جلون إل في سنة 1957م عن مطبعة الطلس بالمغرب .3ويرى مصطفى
يعلى أن رواية" الرحلة المراكشية أو مرآة المساوئ الوقتية" لمحمد بن عبد ال المؤقت أول نص
روائي مغربي ظهر سنة 1930م 4،أما الدكتور محمد قاسمي فيجعل رواية " طه"لحمد الحسن
السكوري في قمة الترتيب الببليوغرافي ،وقد صدرت سنة 1941م عن مطبعة الفنون المصورة
بالعرائش في 25صفحة5.
وعلى الرغم من هذه الختلفات البيبليوغرافية في تحديد أول نص روائي مغربي ،إل أننا نعتبر "
في الطفولة" لعبد المجيد بن جلون أول نص أوطبيوغرافي (سيرة ذاتية) في المتن الروائي المغرب،
وأول نص إبداعي أدبي تمثل قواعد الكتابة السردية كما هو محدد في السيرة الذاتية .و تتميز " في
الطفولة" عن باقي السير الذاتية الخرى أنها سيرة ذهنية كرواية أوراق لعبد ال العروي ،بينما سير
كل من محمد شكري ( الخبز الحافي ،الشطار ،)...،والعربي باطما(اللم ،الرحيل) سير بيكارسكية
شطارية موغلة في الواقعية النتقادية الساخرة القائمة على الفضح والتمرد وتكسير الطابو المحرم أو
المقدس سواء أكان دينيا أم سياسيا وإدانة المجتمع والثورة على أعرافه و قوانينه الطبقية الجائرة.
ومن هنا ،فسيرة عبد المجيد بن جلون تشبه سيرة " اليام" لطه حسين وسيرة " حياتي" لحمد أمين.
ويمكن أن نعتبر " في الطفولة " لعبد بن جلون نصا روائيا لكونه يجمع بين التوثيق والتخييل ،وبين
المتعة الفنية وسرد الحقائق التاريخية .كما أن النص يخضع لكل مقومات الحبكة السردية وخصائص
الكتابة الروائية فضل عن توظيف خاصية التشويق والمتاع الفني وتطويع السرد لخدمة المضمون
والعتراف الذاتي ،ومن ثم يمكن القول :إن في الطفولة كتاب يجمع بين السيرة الذاتية والكتابة
الروائية .أما العنوان الخارجي" في الطفولة" فيحمل طابعا ظرفيا يؤشر على المكون الزمني في
علقته بالشخصية المحورية.
وإذا انتقلنا إلى عتبة المؤلف ،فعبد المجيد بن جلون من أهم الكتاب المغاربة المبدعين ،جمع بين
البداع والصحافة والعمل الديبلوماسي .ولد في الدار البيضاء سنة 1919م ،رحل به أبوه إلى
مانشستر ثم عاد به إلى فاس ليستقر بها نهائيا ويدرس في الكتاب فالبتدائي ثم جامع القرويين .و بعد
ذلك ،سينتقل إلى مصر لمتابعة دراساته الجامعية العليا .وقد حصل على الجازة في الدب العربي
من جامعة القاهرة ،وعلى دبلوم المعهد العالي للتحرير والترجمة والصحافة من نفس المدينة.
وقد بدأ النشر منذ عام 1936م حينما نشر أول مقال له في مجلة(الرسالة المصرية) ،كما نشر
قصصه الولى في مجلة (الثقافة المصرية) ،ثم سيتابع عبد المجيد بن جلون نشر مقالته وأعماله في
الصحف والمجلت المصرية أثناء إقامته بالقاهرة التي امتدت لثمانية عشر عاما.
وفي العاصمة المصرية ،أسس الكاتب مع مجموعة من أصدقائه المناضلين مكتب المغرب العربي
سنة 1947م ،وتولى أمانته العامة .وعندما حصل المغرب على استقلله عاد إلى الوطن ليرأس
تحرير جريدة" العلم" ،ثم عمل سفيرا للمغرب في باكستان ،وعاد إلى وطنه عام 1961م ليواصل
العمل في وزارة الخارجية دون أن ينقطع عن الكتابة والبداع والنشر في الجرائد والمجلت .وقد
توفي رحمه ال سنة 1981م.
ومن أعماله البارزة :سيرته الذاتية " في الطفولة" التي نشرها الكاتب في حلقات أسبوعية بمجلة
(رسالة المغرب) سنة 1949م ،ومجموعته القصصية( وادي الدماء) ،وهذه مراكش ،ومارس
استقللك ،وديوانه الشعري (براعم) ،و مجموعته القصصية الثانية (لول النسان) ،و كتابه (جولت
في مغرب أمس) ،و(سلطان مراكش) .وكان آخر أعماله المنشورة قبل وفاته قصيدة بعنوان(زورق
ينساب) عام 1961م.
هكذا يرصد الكاتب طفولته المبكرة في إنگلترا بمدينة مانشستر مع عائلته الصغرى التي تتكون من
الب والم والخت ،وكان أبوه تاجرا منفتحا على المجتمع النجليزي والمجتمع المغربي .وكان من
زوار بيتهم آل باترنوس ،السرة الواعية المحبوبة الهادئة ،والسر المراكشية الصاخبة التي كانت
تزور منزل الكاتب الذي كان يغص بالضجيج والصراخ والضحك المتعالي بسبب الحركية الدائمة
في المنزل الذي كان بدوره يحتوي على دورين مطلين على الشارع .وكان الكاتب يرتاح كثيرا لل
باترنوس ول يرتاح للمراكشيين الذين كانوا يحولون دائما الجد إلى ضحك وهزل.
وسيعرف الكاتب في طفولته معاناة كثيرة وأحداثا درامية كموت الم ومرض الخت والغتراب
الذاتي والمكاني وقسوة الطبيعة والحساس بالوحدة والكآبة .وسينفتح على عالم الدراسة منذ نعومة
أظفاره ،وسيقبل على المدرسة النجليزية الحديثة وسيتكيف مع نظامها ودروسها على الرغم من
صعوبة درس النحو وتحذير الم الشديد لبنها من القبال على درس اللهوت الذي يتنافى مع مبادئ
الدين السلمي.
ومع مرور الزمن ،ستقرر السرة العودة إلى المغرب للستقرار النهائي بمدينة فاس حيث عائلته
الكبرى .ولما وصل الكاتب إلى هذه المدينة ،لم يستطع التكيف مع جو هذه المدينة وعاداتها وتقاليدها
المثيرة .وقد وجد صعوبة في التواصل والتفاهم مع أفراد أسرته وخاصة جده الذي كان دائما يستنكر
طريقة لباسه وتصفيف شعره وطريقة كلمه .إذ كان يعد حفيده أجنبيا في كل ملمحه وتصرفاته
الطفولية الغريبة .وبالتالي ،كان الجد يوبخ أباه على هذه التربية الشائنة التي لتمت بصلة إلى التربية
السلمية الصحيحة .وعلى الرغم من قسوة الجد ،فقد كان يكن كل الحب لهذا الطفل الجديد ويقدره
ويلعبه ويقربه إليه بعطف وحنان وينصت إليه كثيرا .وبعد فترة من الزمن ،سيتأقلم الكاتب مع
الوضاع الجديدة ،وسيندمج مع أفراد السرة وعائلته الجديدة ومع أطفال الحي وأبناء المدينة.
ومن أهم المآسي التي سيتعرض لها الكاتب وفاة معظم أحبابه من هذه السرة الجديدة التي كانت
تجتمع في دار كبيرة واحدة كوفاة أخته وزوجة عمه وجده وما أصاب أباه من إفلس مادي في
تجارته .كل هذا سيؤثر على حالته النفسية وصحته التي أوشكت في كثير من الحيان أن تودي به
إلى الموت .وقد تغيرت به الظروف عما ألفه في مانشستر فبدأ يستغرب من هذا العالم الجديد القريب
من البداوة والجهل والتخلف .ووجد صعوبة في تعلم اللغة العربية وسيكون الكُتاب ملذه للتخلص
من هذه العقدة النفسية التي أزمته ،وخاصة أن جده كان يعاتب أباه دائما على ما آل إليه الولد الذي ل
يعرف لغة دينه وأجداده ول يفهم شيئا مما يقال داخل الدار ول يستطيع أن يتكلم ول أن يجيب
كالصخرة الصماء .وقد قرر الولد أن يتحدى هذا الشكال الصعب ،فدخل الكُتاب واستطاع أن يتمكن
من اللغة ونحوها بعد أن تدرج في مستويات التعليم حتى ولج جامع القرويين ،وحقق في العلم شأوا
كبيرا و تمكن من ناصية اللغة العربية وآدابها ،وإن كان قد ألفى مشقة كبيرة في تعلم المواد الشرعية
وعلوم الدين.
وقد أظهر الكاتب تفوقه الكبير عندما نشر مقال في جريدة مشرقية عن أدباء المغرب ،فبدأ شيوخ
جامع القرويين ومثقفوه يطالبونه بالكتابة عن إبداعاتهم و التعريف بأعمالهم وذكر مكانتهم في الدب
المغربي ،بينما يعيب عليه الخرون أنه تجاهلهم ولم يشر إلى أسمائهم في مقاله الدبي النقدي القيم.
وبعد ذلك ،سيصبح الفتى كاتبا معروفا ذائع الصيت ،له شهرة كبيرة في مجال الكتابة والنشر.
وسيقرر الكاتب السفر إلى مصر على غرار أصدقائه كعبد الكريم بن ثابت وعبد الكريم غلب
لستكمال الدراسات الجامعية العليا في قسم الداب والصحافة بعد حصوله على جواز السفر وعبوره
لمنطقة الحدود المغربية الجزائرية بعد أن تخلص من كتاباته الوطنية ،ولسيما قصيدته الشعرية
الوطنية التي لو وصل إليها شرطي الحدود لكانت المور أكثر تعقيدا ولثرت على مستقبله الدراسي
جملة وتفصيل .وتنتهي طفولته بوصوله إلى القاهرة لتكون آخر محطة ضمن طفولته التي عرفت
مسارات عدة تجمع بين اللم والمل وبين الفرح والحزن .ويقول الكاتب معلقا على طفولته في آخر
فصل من فصول الكتاب ":وبعد ،فإن قصة طفولتي يجب أن تقف هنا ،وإن امتدادها هذا نفسه فيه
كثير من التجاوز ،ولكن لم يكن من اللئق وقف الحديث قبل انتهاء مرحلة ،وقد انتهت المرحلة التي
أتحدث عنها بسفري إلى مصر ،ولذلك فإن من المناسب أن أمسك ،فإن عالما ثالثا قد امتد أمامي ل
أستطيع أن أزعم فيه أني كنت طفل6.".
إذاً ،يستعرض النص سيرة الكاتب الطفولية في مانشستر حتى ذهابه إلى مصر لمتابعة دراساته
الجامعية مرورا بفاس دار الكبيرة وجامع القرويين .ويعني هذا أن الكاتب يركز على بيئتين
متناقضتين حضاريا وثقافيا :بيئة إنجلترا وبيئة المغرب .كما تتسم البيئتان بقيم متعارضة تتمثل في
ثنائية الصالة والمعاصرة ،وثنائية التقدم والتخلف ،وثنائية التغريب والتأصيل ،وثنائية المادة
والروح ،وثنائية التفسخ الحضاري في مقابل العتزاز بالهوية والدين والتشبث بالوطن .وبذلك
تذكرنا الرواية برواية "اليام" لطه حسين و"عصفور من الشرق" لتوفيق الحكيم و"موسم الهجرة
إلى الشمال" للطيب صالح و"الحي اللتيني" لسهيل إدريس...
وتعكس هذه السيرة الذاتية بصدق وتخييل فني حالة إنجلترا في بداية القرن العشرين وما تعرفه
المبراطورية من غطرسة واستبداد إمبريالي ،و ما تعيشه مانشستر من قسوة في أجواء الطبيعة وما
تنثره من سواد وحزن يؤثر ذلك بشدة سلبا على نفسيات السكان الذين يميلون إلى الوحدة والعزلة
والنزواء عن الخرين وميلهم الكبير إلى الهدوء والصمت المتواصل .كما تنقل لنا الجواء
الستعمارية التي يعيش فيها المغرب الذي كان يتخبط في الكثير من الزمات والمشاكل المستعصية
والمراض المتفشية على جميع الصعدة والمستويات ،و يعاني بالخصوص من الفقر والجوع
والجهل والتخلف والنحطاط والستغلل الستعماري في جميع القطاعات ؛ مما كان يدفع الطبقات
الجتماعية المتفاوتة إلى الصراع ضد الجنبي المحتل وخوض النضال ضده .وكان المثقفون هم
المناضلون الحقيقيون الذين كانوا يقفون في وجه العدو المعتدي ويحرضون الشعب على التحاد
والستعداد لمواجهته والصد له بالنفس والنفيس .كما يؤشر التعليم المغربي باختلفه اللغوي في تلك
الفترة على وجود منظومتين معاكستين :المنظومة الفركفونية المتقدمة تقنيا وعلميا،والمنظومة
الشرعية التقليدية المتخلفة هيكليا ومنهجيا.
وإذا تأملنا بنية الحداث القصصية سنجد الحبكة السردية تنبني على البداية والعقدة والصراع والحل
والنهاية في إطار الثلثية المنطقية :التوازن واللتوازن والتوازن .وتتمثل البداية في الستهلل الذي
يستند إلى المنظور الفضائي الزمكاني و تقديم الشخصيات التي ستكون محور القصة على غرار
الرواية الواقعية .أي إن الكاتب استهل روايته بتقديم الزمان ومكان الحداث والشخوص الرئيسية في
الرواية لينتقل بعد ذلك إلى تحديد العقدة التي تتشخص في معاناة الكاتب من الغتراب الذاتي
والمكاني والنفصام الحضاري وتناقض البيئتين التي عاش فيهما الكاتب وتأثيرهما السلبي على
نفسيته الرقيقة وصحته الضعيفة ،ناهيك عما رآه من مشاكل واجهت أفراد أسرته كموت أمه وأخته
وجده وزوجة عمه وإفلس أبيه ومرضه العضال الذي أوشك أن يؤدي به إلى التهلكة دون أن ننسى
ما لقيه الطفل من صعوبات في التأقلم مع البيئة المغربية ،وما عرفه من مصاعب في التعلم واكتساب
اللغة العربية ونحوها ،وما عاناه من جراء غطرسة المستعمر وما كابده من قسوة الطبيعة خاصة في
مانشستر .أما الصراع الدرامي في الرواية فيتجسد في مواجهة الذات لمجموعة من العوائق
والحباطات وتجاوز الواقع الذاتي و التكيف مع الواقع الموضوعي و تحقيق الفوز في التواصل مع
فضاءين مختلفين ومتناقضين حضاريا وثقافيا .أما حل هذه الحبكة السردية فيكمن في النتصار
وتحدي العوائق الطبيعية والجتماعية والسياسية والتربوية ليظفر في نهاية المر بجواز السفر
للنتقال إلى القاهرة لمتابعة دراساته الجامعية وتحقيق ماكان يطمح إليه في مجال الكتابة والبداع في
المغرب وخارجه.
وقد وظف الكاتب شخصيات متنوعة في نصه ،فهناك شخصيات تنتمي إلى وحدة السرة كالب
والم والخت ،وشخصيات تنتمي إلى وحدة العائلة الكبرى كالجد والجدة والعم وزوجة العم و
الزوار المراكشيين.....،وشخصيات تنتمي إلى وحدة الفكر والدب كعبد الكريم غلب وعبد الكريم
بن ثابت ،وشخصيات تنتمي إلى وحدة التعليم والتربية كالمعلمين والساتذة والمدير
والفقهاء.....وشخصيات أجنبية مثل :أسرة آل باترنوس ومسز شالمداين ....ولكن ما يلحظ على هذه
الشخصيات أنها شخصيات تاريخية وواقعية عاشت فعل في الواقع الموضوعي كشخصيات الفكر
والفن والدب ،بينما هناك شخصيات خاضعة للتخييل والتشويق الفني وأغلبها جاءت نكرة بدون ذكر
أسمائها الحقيقية .ويعني هذا أن شخصيات الرواية إما أنها شخصيات تاريخية واقعية يقصد بها
الكاتب التوثيق والتأريخ والستشهاد الموضوعي وإما أنها شخصيات فنية تخييلية عابرة يستعرضها
الكاتب من أجل أهداف فنية ليس إل .ولكن يبقى الكاتب هو الشخصية الرئيسية المحورية النامية
داخل مسار النص الروائي لدينامكيتها وانفتاحها على الحداث إيجابا وسلبا.
و يستحضر الكاتب في نصه الطوبيوغرافي فضائين متقابلين :فضاء إنگلترا وفضاء المغرب،
وبتعبير آخر يذكر فضاء مانشستر وفضاء فاس ،وهنا نسجل جدلية الداخل والخارج ،وجدلية النفتاح
والنغلق ،فضل عن جدلية التغريب والتأصيل ،كما يدل الفضاءان على الصراع الحضاري
والثقافي والديني .كما تتقابل المكنة العامة والخاصة للحالة على مجموعة من القيم والسمات
المتقابلة كالتطور والتخلف ،والعلم والجهل ،والمادة والروح ،والبداوة والحضارة...
ومن حيث التأشير الزمني ،تعود الرواية إلى فترة مابعد الحرب العالمية الولى ،حيث ينتقل الكاتب
مكانيا في إطار صيرورة الهجرة والغتراب من الدار البيضاء إلى مانشستر ،فالعودة إلى الدار
البيضاء ثم الستقرار في مدينة فاس ":قيل إنني ولدت في مدينة الدار البيضاء ثم قضيت في تلك
المدينة بضعة أشهر ،ثم ركبت البحر بين ذراعي أمي إلى انجلترا ،وقد كان ذلك بعد الحرب العالمية
الولى ،أي إنني مررت في بلد حديثة العهد بالحرب ،ومع ذلك ل أذكر منها شيئا يدل على أنني 7
كنت انتفع بالنظر أو التمييز".
وتمتد الرواية – إذاً -من فترة ما بعد الحرب العالمية الولى وتنتهي عند سنة 1937م إبان سفر
الكاتب إلى مصر ودخول المغرب في مرحلة المفاوضات مع المستعمر الجنبي ومطالبته
بالصلحات السياسية والجتماعية والدارية والقتصادية والتربوية ".بيد أن اليام ل تقيم وزنا لما
يشعر به من يعيشون فيها من أبنائها ،ففي تلك اليام الباردة من شتاء سنة 1937غادرت منزلها إلى
منزل زوجها ،وغادرت أنا منزل والدي لعبر البحر البيض إلى مصر ،وتدل كل البوادر على أن
تلك اليام كانت آخر ما جمع بيني وبينها"8.
ومن حيث الوصف ،عمد الكاتب إلى تقنية الروائيين الواقعيين والطبيعيين في السهاب والتطويل
والطناب في الوصف والتصوير والتشخيص ،إذ خصص الكاتب صفحات طويلة لوصف
الشخوص والمكنة والشياء والوسائل والطبيعة مستعمل في ذلك الوصاف والنعوت والستعارات
والتشابيه والحوال والصور البلغية والتشكيل الفني البصري والذهني .ومن المكنة التي وصفها
الكاتب منزل أسرته في مانشستر والدار الكبيرة في فاس والكُتاب ومدرسته النجليزية .كما التقط
أثناء وصفه للوسائل الختراع الجديد وهو القطار الحديدي الذي كان يكرهه الكاتب بسبب هيئته
المخيفة وبشاعته المتقززة بالرعب وضجيجه المقيت .أما الشخصيات المرصودة بالوصف فهي
كثيرة كأسرة آل باترنوس ،وأساتذته الذين كانوا يدرسونه بفاس سواء أكان ذلك داخل الكُتاب أم في
جامع القرويين أم في المدارس العصرية الفرنسية علوة عن وصفه لجده وأفراد عائلته الصغيرة
والكبيرة .ومن أغراض الوصف في روايته التصوير وتأطير الحداث وتفسيرها مع تحديد سياقها
الزمكاني ثم التزيين أوالتقبيح أو تبيان مكانة وهيئة الموصوف وبيان حاله.
ومن أهم مميزات هذا المنظور أن السارد ينقل الحداث من زاوية شخصية ذاتية ويبئر الشخصيات
الخرى عبر منظوره الخاص بواسطة التعليق والتقويم وإصدار الحكام .ومن هنا تتحول الرؤية
الشخصية الداخلية الذاتية إلى رؤى موضوعية كاستخدام الرؤية من الخلف أو الرؤية من الخارج.
ومفهوم هذا أن الكاتب قد يشغل ضمير المتكلم في نقل الحداث ،ثم يسخر هذا الضمير ليستعين
بالضمائر الخرى لنقل ما تعرفه الشخصيات الخرى.
ومن الوظائف التي يعرف بها السارد داخل هذه الرواية مهمة السرد والتعبير و التأثير والتبليغ و
الدلجة والتشويق الفني والتصوير السلوبي والتوثيق الموضوعي والتخييل.
وتعتمد الرواية أيضا على الترتيب الزمني الكرونولوجي انطلقا من الحاضر( الطفولة في مانشستر)
نحو المستقبل( السفر حيال القاهرة) ،والدليل على هذا الترتيب الزمني التعاقبي انطلق الرواية من
فترة ما بعد الحرب العالمية الولى إلى سفر الكاتب إلى مصر سنة 1937م .كما أن الحداث تسير
منطقيا على غرار التعاقب الزمني .لكن يلحظ أن الرواية عبارة عن وحدات سردية وقصصية
مستقلة بنفسها مفككة دلليا وهيكليا ؛ مما جعل بنية التسلسل الحدثي المنطقي تخضع لنوع من الهلهلة
السببية نظرا لنعدام التساق والنسجام والنسيج الترابطي .
كما أن إيقاع الرواية يخضع تارة للتسريع الناتج عن الحذف الزمني والتلخيص الحدثي ،ومرة أخرى
يخضع اليقاع للبطء الناتج عن الوقفات الوصفية الكثيرة والمشاهد الدرامية.
وعلى الرغم من التعاقبية الزمنية على مستوى تطور إيقاع الرواية فإن النص في الحقيقة يقوم على
السترجاع والستذكار أو مايسمى بفلش باك مع تشغيل الزمن الهابط الذي ينطلق من الحاضر نحو
الماضي ،وهذا على مستوى التزمين الخارجي وليس على مستوى التزمين الداخلي لكيل نسقط في
تناقض مثير للمفارقة والجدل.
ويهيمن على النص أسلوب السرد أو السلوب غير المباشر؛ لن الكاتب يستعرض الحداث بطريقة
كلسيكية منولوجية ،ويستقرىء التاريخ والذاكرة السترجاعية ،لذا يقل الحوار والمنولوج مع غياب
البوليفونية ودمقرطة السرد .أما اللغة فهي لغة واضحة بسيطة موحية ومعبرة تتسم بالواقعية ونبض
الحياة وخاصية التوثيق والتصوير الشاعري تارة والتشخيص الواقعي التسجيلي تارة أخرى.
وتتعاقب في الرواية الجمل البسيطة والمركبة إيجازا وإسهابا ،وتكثر الجمل الفعلية الدالة على
الحركية والتوتر الدرامي الذي يتجسد في دينامية الفعال التي كانت تتأرجح بين الفعال الماضية
والمضارعة التي تؤشر بدورها على ثنائية الماضي والحاضر.
هذا ،وتحيل الرواية على واقع المغرب في ظل الستعمار الجنبي والحماية الدولية الغربية ،وما
كان يكابده المغرب من جوع وفقر وجهل وتخلف و وتصوير ما كان يعرفه من تخلف و ضياع
وتقهقر حضاري وثقافي وتراجع في بنيته التعليمية والتربوية .وتشير الرواية كذلك إلى فترة الحرب
العالمية الولى والزمة القتصادية العالمية وما سببته من إفلس اقتصادي ومالي وظهور الحركة
الوطنية وطبقة المثقفين المتنورين الذين كانوا يحملون مشعل النضال والتنوير والصمود في وجه
المعتدي المتغطرس.
خلصات و استنتاجات:
نستشف مما سلف ذكره ،أن نص " في الطفولة" لعبد المجيد بن جلون سيرة ذاتية ،وأول خطاب
أوطوبيوغرافي في مسار الرواية المغربية ،كما أنه نص روائي كلسيكي يسترجع الكاتب فيه
طفولته التي قضاها في صراع مع الذات والواقع مع التأرجح بين الخفاق والنتصار مشغل خطاب
البوح والعتراف والستذكار واسترجاع الماضي لمعرفة الحاضر ضمن رؤية سردية داخلية مع
التنويع السلوبي واللغوي والتفنن في اليقاع الزمني وتنويع الفضاءات والمشاهد المكانية.
الهوامش:
- 1د .محمد قاسمي :بيبليوغرافيا الدب المغاربي الحديث والمعاصر ،مؤسسة النخلة للكتاب ،وجدة،
المغرب ،ط ،1،2005ص155:م ،وهذا الكتاب أضافه الباحث بقلمه الشخصي؛
- 2عبد الحميد عقار :الرواية المغاربية ،شركة النشر والتوزيع ،المدارس ،الدار البيضاء ،ط ، 1
،2000ص24:؛
- 3د .حميد لحمداني :الرواية المغربية ورؤية الواقع الجتماعي ،دار الثقافة بالدار البيضاء ،ط ،1
1985م ،ص549:؛
- 4مصطفى يعلى :بيبليوغرافيا الفن الروائي بالمغرب ،مجلة آفاق ،المغرب ،العدد 1984، 4-3م،
ص74:؛
- 6عبد المجيد بن جلون :في الطفولة ،دار نشر المعرفة ،الرباط ،المغرب ،ط 2005م ،ص278:؛