Vous êtes sur la page 1sur 6

‫نشر الورود والرّياحين بإصلح ذات البيْن‬

‫وسلمة الصّدور للمؤمنين‬


‫الحمد ل وحده‪ ،‬والصلة والسلم على من ل نبي بعده‪ ،‬وبعد‪:‬‬

‫أمة الحبّ المشترك والودّ الصّافي‬

‫لمّة المباركة ‪ُ -‬أمّة السلم ‪ -‬تقوم في بناءها بعد اليمان بال ؛ على عواطف الحبّ المشترك‪ ،‬والو ّد‬ ‫ن هذه ا ُ‬
‫إّ‬
‫الصافي‪ ،‬والبعد عن الحقاد والضّغائن‪( .‬مثل المؤمنين في توادّهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه‬
‫حمّى)‪ .‬متفق عليه من حديث النعمان‪.‬‬‫عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر وال ُ‬
‫إنّ ُأمّة السلم موصوفة في كتاب ربّها من بعد سلفها الخيار من المهاجرين والنصار‪ ،‬في قوله تعالى‪{ :‬‬
‫ل للذين‬
‫والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولخواننا الذين سبقونا باليمان ول تجعل في قلوبنا غ ً‬
‫ءآمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم }‪.‬‬
‫وهذا المر العظيم (إصلح ذات البيْن وسلمة الصدر) جاءت الشريعة المطهرة بالمر بهما‪ ،‬والحث عليهما ؛ أنْ‬
‫يكون صدرك على أخيك سليماً‪ ،‬ليس فيه غلّ‪ ،‬ول حقد ‪ ،‬ول حسد ‪ ...‬قلب مخْموم كما جاء في بعض الحاديث‪.‬‬
‫ن يُتلى إلى يوم‬
‫لقد أثنى ال بسبب سلمة الصدور على أهل المدينة النصار‪ ،‬ومجّدهم لتّصافهم به‪ ،‬في قرآ ٍ‬
‫ن من قبلهم يُحبّون من هاجر إليهم ول يجدون في صدورهم‬ ‫القيامة‪ ،‬يقول سبحانه‪ { :‬والذين تبوؤا الدّارَ واليما َ‬
‫ح نفسه فأولئك هم المفلحون }‪.‬‬ ‫حاجةً مما أوتوا ويُؤْثرون على أنْفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يُوقَ شُ ّ‬

‫آيات قرآنية في الصلح‬

‫ح بين النّاس)‪.‬‬‫‪ -‬قال ال تعالى‪( :‬ل خير في كثير من نجواهم إل من أمر بصدقةٍ أو معروفٍ أو إصل ٍ‬
‫‪ -‬وقال سبحانه‪( :‬والصلح خير)‪.‬‬
‫ن بغتْ إحداهما على الخرى فقاتلوا التي تبغي حتى‬‫‪ -‬وقال‪( :‬وإنْ طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإ ْ‬
‫ن فاءتْ فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إنّ ال يحبّ ال المقسطين)‪.‬‬ ‫تفيىء إلى أمر ال فإ ْ‬

‫أحاديث الصلح‬

‫‪ -‬عن أبي الدرداء رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلّم‪ ( :‬أل أخبركم بأفضل من درجة الصيام‬
‫والصلة والصّدقة‪ .‬قالوا‪ :‬بلى‪ .‬قال‪ :‬إصلح ذات البيْن؛ وفساد ذات البيْن الحالقة ) ‪.‬‬
‫‪-‬ويُروى أنه صلى ال عليه وسلّم قال‪ ( :‬هي الحالقة‪ ،‬ل أقول تحلق الشعر‪ ،‬ولكن تحلق الدّين ) ‪.‬‬
‫‪-‬وعن أبي هريرة رضي ال عنه أنّ النبي صلى ال عليه وسلّم قال‪ ( :‬إياكم وسوء ذات البيْن؛ فإنها الحالقة ) ‪.‬‬
‫أخرجه الترمذي‪.‬‬
‫وعن عبادة بن عمير بن عوف قال‪ :‬قال لي أبو أيوب رضي ال عنه‪ :‬قال لي رسول ال صلى ال عليه وسلّم‪( :‬‬
‫يا أبا أيوب‪ ،‬أل أدلك على صدقة يحبّها ال ورسوله؛ تصلح بين الناس إذا تباغضوا وتفاسدوا ) ‪ .‬أخرجه الطبراني‬
‫في المعجم الكبير‪.‬‬

‫أقسام الصلح‬

‫‪ - 1‬صلح المسلم مع الكافر‪.‬‬


‫‪ - 2‬الصلح بين الزوجين‪.‬‬
‫‪ - 3‬الصلح بين الفئة الباغية والعادل‪.‬‬
‫‪ - 4‬الصلح بين المتغاضبين‪.‬‬
‫‪ - 5‬الصلح في الجراح كالعفو على مال‪.‬‬
‫‪ - 6‬الصلح لقطع الخصومة إذا وقعت المزاحمة إما في الملك أو في المشتركات كالشوارع‪.‬‬

‫ال تعالى يُصلح بين المؤمنين يوم القيامة‬


‫روى أبو يعلى في المسند من حديث أنس بن مالك رضي ال عنه قال‪:‬‬
‫بينا رسول ال صلى ال عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدتْ ثناياه!! فقال عمر‪ :‬ما أضحكك يا رسول ال‬
‫بأبي أنت وأُمي؟‬
‫فقال‪ :‬رجلن من أُمتي جثيا بين يدي ربّ العزة تبارك وتعالى‪ ،‬فقال أحدهما‪ :‬يا ربّ خذ لي مظلمتي من أخي…‬
‫قال ال تعالى‪ :‬أعط أخاك مظلمته‪ .‬قال‪ :‬يا ربّ لم يبق من حسناتي شيء!‬
‫قال ‪ -‬يعني الطالب ‪ :-‬ربّ فلْيحمل عني من أوزاري!‬
‫ن ذلك ليوم عظيم‪ ،‬يحتاج الناس إلى من يحمل‬ ‫قال‪ :‬ففاضتْ عينا رسول ال صلى ال عليه وسلّم بالبكاء‪ ،‬ثم قال‪ :‬إ ّ‬
‫عنهم أوزارهم!! فقال ال للطالب‪ :‬ارفع بصرك وانظر في الجنان‪ ،‬فرفع رأسه‪ .‬فقال‪ :‬يا ربّ! أرى مدائن من‬
‫ق هذا؟ لي شهيدٍ هذا؟‬ ‫فضة‪ ،‬وقصورًا من ذهب مكلّلة باللؤلؤ؛ لي نبيّ هذا؟ لي صدّي ٍ‬
‫ب ومن يملك ثمنه؟‬ ‫قال‪ :‬هذا لمن أعطى ثمنه‪ .‬قال‪ :‬يا ر ّ‬
‫ت عنه!!! قال ال تعالى‪ :‬خذ بيد أخيك فأدخل الجنة‪.‬‬ ‫قال‪ :‬تعفو عن أخيك‪ .‬قال‪ :‬يا ربّ‪ ،‬فإني عفو ُ‬
‫ن ال يصلح بين المؤمنين]‪.‬‬ ‫ثم قال رسول ال صلى ال عليه وسلّم ‪[ :‬فاتقوا ال وأصلحوا ذات بينكم؛ فإ ّ‬

‫لهمية الصلح أباحت الشريعة الكذب لجله‬

‫عن أُ ّم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط قالت‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلّم يقول‪ ( :‬ليس الكذّاب الذي‬
‫يُصلح بين الناس‪ ،‬ف َينْمي خيرا أو يقول خيراً ) متفق عليه‪.‬‬
‫وفي رواية مسلمٍ زادتْ‪ ( :‬ولم أسمعه رخّصَ في شيء مما يقوله الناس إل في ثلث‪ :‬تعني الحربَ‪ ،‬والصلحَ‬
‫بين الناس‪ ،‬وحديثَ الرجل امرأته‪ ،‬وحديثَ المرأة زوجها )‪.‬‬

‫ل ينجو يوم القيامة إل صاحب القلب السليم‬

‫قال ال تعالى على لسان إبراهيم عليه السلم‪[ :‬ول تخزني يوم يُبعثون* يوم ل ينفع مال ول بنون إل من أتى ال‬
‫بقلب سليم ]‪ .‬والمراد بالقلب السليم هاهنا‪ :‬ذلك القلب الذي سلم من الشرك كبيره وصغيره‪ ،‬وسلم من النفاق‬
‫والبدعة‪ ،‬ومن الغل والحسد على إخوانه المؤمنين‪.‬‬
‫ولذا كان أصحاب الجنة متصفين بهذه الصفة‪ [ :‬ونزعنا ما في صدورهم من غلّ إخواناً على سُرر متقابلين ]‪.‬‬

‫أحاديث في سلمة الصدور‬

‫‪ -‬عن أنس بن مالكٍ رضي ال عنه قال‪:‬‬


‫بينما نحن جلوس عند رسول ال صلى ال عليه وسلّم قال‪ :‬يطلع عليكم الن رجل من أهل الجنة‪ ،‬فطلع رجل من‬
‫النصار تنْطف لحيته ماءًا من وضوئه معلّق نعليه في يده الشمال… فلما كان من الغد قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ :‬يطلع عليكم رجل من أهل الجنة‪ ،‬فطلع ذلك الرجل على مرتبته الولى… فلما كان من الغد قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلّم ‪ :‬يطلع عليكم الن رجل من أهل الجنة‪ ،‬فطلع ذلك الرجل على مرتبته الولى!!‬

‫فلما قام رسول ال اتّبعه عبد ال بن عمرو بن العاصي فقال‪:‬‬


‫ل يميني فعلتُ‪ .‬فقال‪:‬‬
‫ل عليه ثلث ليالٍ؛ فإنْ رأيت أن تؤويني إليك حتى تح ّ‬ ‫إني لحيتُ أبي‪ ،‬فأقسمتُ أن ل أدخ َ‬
‫نعم‪.‬‬
‫قال أنس‪ :‬فكان عبد ال بن عمرو بن العاصي يُحدّث أنه بات معه ليلةً أو ثلث ليال‪ ،‬فلم يره يقوم من الليل بشيء‬
‫غير أنه إذا انقلب على فراشه ذكر ال وكبّر حتى يقوم لصلة الفجر فيسبغ الوضوء‪.‬‬
‫قال عبد ال‪ :‬غير أني ل أسمعه يقول إل خيراً‪ ،‬فلما مضت الثلث ليال كدتُ أحتقر عمله‍‪ ،‬قلت‪ :‬يا عبد ال‪ ،‬إنه لم‬
‫يكن بيني وبين والدي غضبَ هِجْرةٍ‪ ،‬ولكني سمعت رسول ال يقول لك ثلث مرات في ثلث مجالس‪( :‬يطلع‬
‫عليكم الن رجل من أهل الجنة‪ ،‬فلم أرك تعمل كبير عمل‪ ،‬فما الذي بلغ بك ما قال رسول ال؟‬
‫ت عنه‪ ،‬فلما وليتُ دعاني فقال‪( :‬ما هو إل ما رأيتَ‪ ،‬غير أني ل أجد في نفسي‬ ‫قال‪ :‬ما هو إل ما رأيتَ‪ ،‬فانصرف ُ‬
‫غلً لحد من المسلمين‪ ،‬ول أحسده على خيرٍ أعطاه ال إياه‍‍!)‪.‬‬
‫ت بك‪ ،‬وهي التي ل نطيق)‪.‬‬ ‫قال عبد ال بن عمرو‪( :‬هذه التي بلغ ْ‬
‫‪ -‬وعن جابر رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلّم ‪( :‬إنّ الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون‬
‫في جزيرة العرب؛ ولكن في التحريش بينهم)‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬
‫‪-‬وعن أبي هريرة رضي ال عنه‪( :‬ل تحاسدوا ول تناجشوا ول تباغضوا ول تدابروا‪ ،‬ول يبع بعضكم على بيع‬
‫بعض‪ ،‬وكونوا عباد ال إخواناً)‪ .‬خرّجه مسلم‪.‬‬
‫‪-‬وعن أبي خراش السلمي عند أحمد وأبي داود والحاكم وصححه ‪،‬ووافقه الذهبي؛ يرفعه إلى النبي صلى ال عليه‬
‫وسلّم ‪( :‬من هجر أخاه سن ًة كان كسفك دمه)‪.‬‬

‫سلمة الصّدور من منازل إياك نعبد وإياك نستعين‬

‫‪-‬وقد ع ّد ابن القيم ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬سلمة الصّدر‪ ،‬من منازل إياك نعبد وإياك نستعين في كتابه مدارج السالكين ‪،‬‬
‫وقال‪:‬‬
‫(ومن أراد فهم هذه الدرجة كما ينبغي فلينظرْ إلى سيرة النبي صلى ال عليه وسلم مع الناس يجدها بعينها)‪.‬‬
‫ت يداه‬
‫لماذا؟ لنّ ال بعث ال محمداً رضي ال عنه رحم ًة وهدى‪ ،‬فلقد َوسِعَ خلقه الناس سهولةً ورفقاً‪ ،‬ونضح ْ‬
‫بالعطايا كرماً وجوداً‪ ،‬أبرّهم قلباً‪ ،‬وأصدقهم لهجةً‪ ،‬وأقربهم رحماً‪.‬‬
‫ن لزمته تلك الفضائل الزاكية‪ ،‬والخلق العالية في أشدّ الوقات‬ ‫وإنّ من أخصّ خصائصه وأكرم سجاياه؛ أ ْ‬
‫وأحلك الظروف‪ ،‬شُجّ رأسه‪ ،‬وكُسرت رباعيته في غزوة أحد‪ ،‬فقيل له في هذا الحال العصيب ‪ :‬أل تدعو على‬
‫المشركين؟ فما هو إل أن تدفّق رفقه‪ ،‬وطغت رحمته‪ ،‬وفاضت طبيعته العالية وسجيته الكريمة بما يلتمس فيه‬
‫العذر لهؤلء‪ ،‬فكان مما قال ‪ :‬اللهم اهد قومي فإنهم ل يعلمون ) ‪.‬‬
‫وقال في مقام آخر ‪ ( :‬إنّما بُعثت رحمةً ولم أبعث لعّانا « وصدق ال العظيم‪ { :‬وما أرسلناك إل رحمةً‬
‫للعالمين }‪.‬‬

‫النبي صلى ال عليه وسلّم وسلمة الصّدر‬

‫يكفى أنْ نذكر مثالين على ذلك‪:‬‬


‫‪ - 1‬ثبت في » الصحيحين« من حديث أنس بن مالك قال‪:‬‬
‫(كنت أمشي مع رسول ال صلى ال عليه وسلّم وعليه برد نجرانيّ غليظ الحاشية‪ ،‬فأدركه أعرابيّ‪ ،‬فجبذه بردائه‬
‫جبذةً شديدةً‪ ،‬حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول ال صلى ال عليه وسلّم قد أثّرت بها حاشية البرد من شدة‬
‫جبْدته‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا محمد! مُرْ لي من مال ال الذي عندك!! فالتفتَ إليه رسول ال صلى ال عليه وسلّم ‪ ،‬ثم ضحك‪،‬‬
‫ثم َأمَ َر له بعطاء)‪.‬‬
‫إنها القلوب الكبيرة قلّما تستجيشها دوافع القسوة عن التعقّل والحِلم‪ ،‬إنها إلى العفو والصفح أقرب منها إلى النتقام‬
‫والبطش‪.‬‬
‫‪ - 2‬أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي ال عنه قال ‪:‬‬
‫( بال أعرابي في المسجد فقام إليه الناس ليقعوا به ‪ ،‬فقال لهم رسول ال صلى ال عليه وسلّم ‪ :‬دعوه ل تزرموه‪،‬‬
‫وأهريقوا على بوله ذنوباً من ماء ‪ -‬أي دلواً من ماء ‪ -‬فإنّما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين‪ ،‬وسكنوا ول تنفروا‬
‫)‪.‬‬
‫زاد الترمذي ‪ :‬ثم قال العرابي ‪ :‬اللهم ارحمني ومحمداً ول ترحم معنا أحداً‪ .‬فقال له النبي صلى ال عليه وسلّم‬
‫لقد تحجّرت واسعا ‪ .‬أولئك هم رسل ال عليهم الصلة والسلم‪ ،‬عنوان الرحمة والشفقة‪ ،‬والقدوة في الصفح‬
‫والمغفرة‪.‬‬

‫النبياء الكرام ‪ -‬عليهم الصلة والسلم ‪ -‬من أصحاب القلوب السليمة‬

‫نوح عليه السلم‪:‬‬


‫ل من ربّ‬‫هاهو ‪ -‬أبو النبياء ‪ -‬نوح عليه السلم يقول في مجادلته لقومه ‪ { :‬يا قوم ليس بي ضللة ولكنّي رسو ٌ‬
‫العالمين‪ .‬أبلّغكم رسالت ربّي وأنصحُ لكم وأعلم من ال ما ل تعلمون‪َ .‬أوَ عجبتم أنْ جاءكم ذِك ٌر من ربّكم على‬
‫ل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون }‪.‬‬
‫رج ٍ‬
‫إنّه جواب ملؤه الرحمة والشفقة والصدق في النصح واللطف في الخطاب‪.‬‬

‫موسى وهارون عليهما الصلة والسلم‪:‬‬


‫وليس بعد طغيان فرعون من طغيان وقد قال ال لموسى وهارون عليهما السلم ‪ { :‬اذهبا إلى فرعون إنه طغى‪.‬‬
‫ل ليّنا لعلّه يتذكّر أو يخشى }‪ .‬إنها القلوب الكبيرة قلّما تستجيشها دوافع القسوة عن التعقّل والحِلم‪ ،‬إنها‬
‫فقول له قو ً‬
‫إلى العفو والصفح أقرب منها إلى النتقام والبطش‪.‬‬

‫أصحاب النبي صلى ال عليه وسلّم من أعظم الناس سلمةً للصدّور‪:‬‬


‫هكذا هم أصحاب القلوب الكبيرة‪ ،‬التي ل تعرف الغلّ أو الحقدَ أو الحسدَ‪ ...‬وهكذا كان أصحاب رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلّم ‪ ،‬وهاك أمثلةٌ سريعة‪:‬‬
‫‪ - 1‬قال أبو الدرداء رضي ال عنه ‪:‬‬
‫كنت جالسًا عند النبي صلى ال عليه وسلّم إذ أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه‪ ،‬حتى أبدى عن ركبتيه! فقال النبي‬
‫صلى ال عليه وسلّم ‪( :‬أمّا صاحبكم فقد غامر!)‪ .‬فسلّم‪ ،‬وقال‪ :‬يا رسول ال! إني كان بيني وبين ابن الخطاب‬
‫ت إليك‪ ...‬فقال‪( :‬يفغر ال لك يا أبا بكر ؛‬ ‫ن يغفر لي‪ ،‬فأبى عليّ! فأقبل ُ‬ ‫شيء! فأسرعتُ إليه ثم ندمتُ! فسألته أ ْ‬
‫ثلثاً)‪.‬‬
‫ثم إنّ عمر ندم‪ ،‬فأتى منزل أبي بكر‪ ،‬فسأل‪ :‬أثمّ أبو بكر؟ فقالوا‪ :‬ل‪.‬‬
‫فأتى إلى النبي صلى ال عليه وسلّم ‪ ،‬فجعل وجهُ النبي صلى ال عليه وسلّم يتمعّر! حتى أشفق أبو بكر‪ ،‬فجثا على‬
‫ن ال بعثني إليكم‪،‬‬ ‫ركبتيه! فقال‪( :‬يا رسول ال! وال أنا كنت أظلم) ؛ مرتين‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه وسلّم ‪( :‬إ ّ‬
‫فقلتم‪ :‬كذبتَ! وقال أبو بكر‪ :‬صدق ‪ ...‬وواساني بنفسه وماله‪ ،‬فهل أنتم تاركوا لي صاحبي)؛ مرتين ‪ ...‬فما أُوذي‬
‫بعدها‪ .‬خرّجه البخاري‪.‬‬
‫‪ - 2‬عن عائذ بن عمرو المزني رضي ال عنه‬
‫أنّ أبا سفيان أتى على سلمان‪ ،‬وصهيب‪ ،‬وبلل‪ ،‬في نفرٍ‪ ،‬فقالوا‪( :‬ما أخذت سيوف ال من عدو ال مأخذها)‪.‬‬
‫فقال أبو بكر رضي ال عنه‪( :‬أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟ !)‪ .‬فأتى النّبيّ صلى ال عليه وسلم فأخبره‪،‬‬
‫فقال‪( :‬يا أبا بكر! لعلك أغضبتهم؟ لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك!)‪.‬‬
‫فأتاهم فقال‪( :‬يا إخوتاه! آغضبتكم؟ )‪ .‬قالوا‪( :‬ل‪ ،‬يغفر ال لك يا أُخَيّ)‪.‬‬
‫وهذا الحديث أصلٌ في مشروعية التسامح والتصافح‪.‬‬
‫‪ - 3‬وقال ابن عباس بعد أن شتمه رجل‪:‬‬
‫(إنك لتشتمني وفيّ ثلثُ خصال‪ :‬إني لتي على الية في كتاب ال عز وجل فلوددتُ أنّ جميع الناس يعلمون منها‬
‫ما أعلم ‪...‬وإني لسمع بالحاكم من حكّام المسلمين يعدل في حكمه فأفرح به‪ ،‬ولعلّي ل أُقاضي إليه أبدًا ‪ ...‬وإني‬
‫ث قد أصاب بلدًا من بلدان المسلمين فأفرح به‪ ،‬وما لي من سائمة!)‪.‬‬ ‫لسمع أنّ الغي َ‬
‫‪ - 4‬وهذا أبو دجانة رضي ال عنه ‪:‬‬
‫دخلوا عليه في مرضه ووجهه يتهلل! فقالوا له‪ :‬ما لوجهك يتهلل؟‬
‫فقال‪( :‬ما من عملِ شيءٍ أوثق عندي من اثنتين‪:‬‬
‫كنت ل أتكلّم فيما ل يعنيني‪ ،‬وكان قلبي للمسلمين سليمًا)‪.‬‬
‫‪ - 5‬وهذا علي بن أبي طالب رضي ال عنه‪:‬‬
‫دخل عليه عمران بن طلحة بن عبيد ال بعد وقعة الجمل ‪ -‬وقد استشهد أبوه طلحة رضي ال عنه ؛ فرحّب به‪ ،‬ثم‬
‫أدناه‪ ،‬ثم قال‪( :‬إني لرجو أن يجعلني ال وأباك ممن قال فيهم‪{ :‬ونزعنا ما في صدورهم من غلٍ إخوانًا على‬
‫سررٍ متقابلين}‪.‬‬
‫‪ - 6‬ولقد سار العلماء الربانيون على هذا الهدي‪،‬‬
‫وتلك الطريقة‪ ،‬من الصفح والعفو وسلمة الصدر‪ :‬قال ابن القيم رحمه ال ‪:-‬‬
‫(وما رأيت أحدًا قطّ أجمع لهذه الخصال من شيخ السلم ابن تيمية ‪ -‬قدّس ال روحه ‪ ،-‬وكان بعض أصحابه‬
‫الكابر يقول‪ ( :‬وددت أني لصحابي مثله لعدائه وخصومه! وما رأيته يدعو على أح ٍد منهم قطّ‪ ،‬وكان يدعو‬
‫لهم)‪.‬‬
‫ى له‪ ،‬فنهرني‪ ،‬وتنكّر لي واسترجع‪ .‬ثم قام من‬ ‫ت أكبر أعداءه‪ ،‬وأشدّهم عداوةً وأذ ً‬ ‫قال‪( :‬وجئت يومًا مبشّرا له بمو ِ‬
‫فوره إلى أهل بيته ‪ -‬أي ذلك الخصم الذي مات ‪ -‬فعزّاهم‪ ،‬وقال‪( :‬أنا لكم مكانه‪ ،‬ول يكون لكم أمر تحتاجون فيه‬
‫إلى مساعدة إل وساعدتكم فيه) ‪ ...‬فسّروا به ودعوا له‪ ،‬وعظّموا هذه الحال منه‪ ،‬فرحمه ال ورضي عنه)‪.‬‬
‫إنّ الرجل العظيم كلما ارتفع إلى آفاق الكمال اتّسع صدره وامتدّ حلمه‪ ،‬وتطلّب للناس العذار‪ ،‬والتمس لغلطهم‬
‫المسوغات‪ ،‬وأخذهم بالرفق من حالهم‪.‬‬
‫ويحسن بي في هذا المقام أن أذكر موقفاً طالما سمعناه في الفترة الماضية‪ ،‬وأكثر العلماء والباحثون من التنويه‬
‫بشأنه‪ ،‬أل وهو موقف سماحة المام الشيخ عبد العزيز بن عبد ال بن باز ‪ -‬رحمه ال تعالى ‪ -‬مع ذلك الرجل‬
‫الخرجي الذي سبّه وأغلظ له القول‪ ،‬وملخص الموقف‪:‬‬
‫ل من أهل الخرج سبّ الشيخ ابن باز ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬وأغلظ له في القول إبان توليه قضاء الخرج (‪- 1357‬‬ ‫أنّ رج ً‬
‫‪1371‬هـ)‪ ،‬واشتهر ذلك المر في البلد‪ ،‬وما مضى وقت يسير إل وخرج الشيخ إلى الحجّ على عادته‪ ،‬فأراد ال‬
‫في هذه الفترة أن يختار وديعته‪ ،‬فمات ذلك الرجل أثناء سفر الشيخ إلى الحج ‍! فلمّا ُقدّم الرجل ليُصلّى عليه أبى‬
‫إمام الجماعة أن يصلي عليه‪ ،‬وقال‪ :‬هذا الذي سبّ الشيخ وأغلظ له القول فل أُصلّي عليه! فتقدّم أحد الناس فصلّى‬
‫عليه‪.‬‬
‫فلمّا رجع الشيخ من الحج وسمع بالخبر عاتب المام جدّا على فعله‪ ،‬ولم يرتض ما صنع… ثم إنه سأل عن قبر‬
‫الرجل‪ ،‬فأتاه فصلّى عليه في المقبرة ثم دعا له‪.‬‬
‫أمور تساعدك على سلمة الصدر‪ ،‬وهي من مظاهر سماحة النفس‬

‫‪ - 1‬أن تقرّب من يعصيك‪.‬‬


‫‪ - 2‬أن تكرم من يؤذيك‪.‬‬
‫ن تعتذر إلى من يجني عليك‪.‬‬‫‪-3‬أ ْ‬
‫‪ - 4‬ترك الخصومة‪.‬‬
‫‪ - 5‬التغافل عن الزلة‪.‬‬
‫‪ - 6‬نسيان الذية‪.‬‬

‫استصحب الرّفق واللين من غير مداهنة ول مجاملة‬

‫إنّ حقاً على المسلمين جميعاً أن يستصحبوا الرفق واللين في المر كله من غير مداهنة ول مجاملة‪ ،‬ومن غير‬
‫غمط ول ظلم‪.‬‬
‫إنّ على الب الشفيق والم الرؤوم‪ ،‬وإنّ على الزواج وأصحاب المسئوليات أن يرفقوا بمن تحت أيديهم‪ ،‬ل‬
‫يأخذون إل بحق‪ ،‬ول يدفعون إل بالحسنى‪ ،‬ول يأمرون إل بما يُستطاع ‪ { :‬ل يُكلّفُ ال نفساً إل ما آتاها سيجعل‬
‫ال بعد عس ٍر يسرا }‪.‬‬
‫ما كان الرفق في شيءٍ إل زانه‪ ،‬ول نزع من شيءٍ إل شانه‪ ،‬وإنّ ال يعطي على الرفق ما ل يعطي على العنف‪،‬‬
‫بذلك صحّت الخبار عن الصادق المصدوق صلى ال عليه وسلّم ‪.‬‬

‫اقبل الميسور من أخلق الناس‬

‫إنّ العقل والحكمة والمعرفة بطبائع المور تقتضي تقبّل الميسور من أخلق الناس‪ ،‬والرضا بالظاهر من‬
‫أحوالهم‪ ،‬وعدم التقصّي على سرائرهم أو تتبع دخائلهم‪ ،‬كما تقتضي قبول أعذارهم والغض عن هفواتهم‪ ،‬وحملهم‬
‫على السلمة وحسن النية‪ .‬إذا وقعت هفوة أو حصلت زلة فليس من الدب وليس من الخلق الحسن المسارعة إلى‬
‫هتكها والتعجل في كشفها فضلً عن التحدث بها وإفشائها‪.‬‬
‫بل لقد قيل ‪ :‬اجتهدوا في سترة العصاة فإنّ ظهور معاصيهم عيب في أهل السلم‪.‬‬
‫كيف يسوغ لمسلم أن يتشاغل بالبحث عن العيوب ورجم الناس بها‪ ،‬بل لعله قد يُخْفي ما يعلم من صالح القول‬
‫والعمل‪.‬‬
‫هل وظيفة المسلم أن يلوك أخطاء الناس ويتتبّع عثراتهم‪ ،‬ويعمى أن يرى حسناتهم وكأنه ل يعرف ول يرى إل‬
‫كفة السيئات‪ .‬أليس في عيوبه ما يشغله عن عيوب الناس؟!‬

‫أحبّ الخير لخوانك المسلمين‬

‫إنّ المسلم الناصح شفوق بإخوانه‪ ،‬رفيق بهم‪ ،‬يحب لهم الخير كما يحبه لنفسه‪ ،‬ويجتهد لهم في النصح كما يجتهد‬
‫لنفسه …‪ .‬أما الفظ القاسي‪ ،‬صاحب القلب الغليظ‪ ،‬فقد قضت سنة ال نفرة الناس منه‪ ،‬فل تقبل منه دعوة‪ ،‬ول‬
‫يسمع منه توجيه‪ ،‬ول يرتاح له جليس ‪ ( :‬فبما رحم ٍة من الِ لنتَ لهم ولو كنتَ فظّاً غليظَ القلبِ لنفضّوا مِن‬
‫حولك فاعفُ عنهم واستغفر لهم )‪.‬‬
‫وعلى قدر ما يمسك النسان نفسه ويكظم غيظه ويملك لسانه‪َ ،‬تعْظُم منزلته عند ال وعند الناس‪ .‬وعلى قدر ما‬
‫يتجاوز عن الهفوات ويقيل من العثرات‪ ،‬تدوم مودّته‪ ،‬ويأنس الناس به‪ .‬إنّكم لن تَسَعوا الناس بأموالكم ولكن‬
‫تسعوهم بأخلقكم‪ ،‬يسعهم منكم بسط المحيّا وطلقة الوجه‪.‬‬

‫ل ترى لنفسك فضلً على غيرك‬

‫إنّ المخلص في المودّة‪ ،‬الصادق في المحبة‪ ،‬ل يرى لنفسه فضلً على غيره‪ ،‬ول يكون عوناً للشيطان على‬
‫صاحبه‪.‬‬
‫رُوي أنّ أبا الدرداء رضي ال عنه مرّ على رجل قد أصاب ذنباً والناس يسبّونه فقال ‪ :‬أرأيتم لو وجدتموه في‬
‫قليب ‪ -‬أي في بئر ‪ -‬ألم تكونوا مستخرجيه؟ قالوا ‪ :‬بلى‪ .‬قال ‪ :‬فل تسبوا أخاكم واحمدوا ال الذي عافاكم‪.‬‬

‫اجعل ‪ -‬يا رعاك ال ‪ -‬هذه الية نصْبَ عينيك‬


‫( ول تستوي الحسنة ول السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداو ٌة كأنّه وليٌ حميم‪ .‬وما يُلقّاها إل‬
‫الذين صبروا وما يُلقّاها إل ذو حظّ عظيم‪ .‬وإمّا ينزغنّك من الشيطانِ نَ ْزغٌ فاسْتعذْ بال إنّه هو السّميع العليم )‪.‬‬

‫أمور تتنافى مع سلمة الصّدر‪ ،‬وهي من لوازم الحقد‪،‬‬


‫ومظاهر الحسد عياذا بال‪ ،‬والواجب علينا اجتنابها‬

‫‪ -1‬سوء الظن‪.‬‬
‫‪ - 2‬تتبع العورات‪.‬‬
‫‪ - 3‬الهمز واللمز‪.‬‬
‫‪ - 4‬تعيير الناس وشيوع السباب‪.‬‬
‫‪ - 5‬التعريض أو التصريح بالمعايب النفسية والبدنية‪.‬‬
‫‪ - 6‬الغيبة والنميمة‪.‬‬
‫‪ - 7‬تمني زوال النعمة من أخيه‪.‬‬
‫ل ذلك ‪ -‬أيها الكرام ‪ -‬يدلّ على خبث الطويّة‪ ،‬ودناءة الهمّة‪.‬‬‫وك ّ‬

Vous aimerez peut-être aussi