Académique Documents
Professionnel Documents
Culture Documents
لمّة المباركة ُ -أمّة السلم -تقوم في بناءها بعد اليمان بال ؛ على عواطف الحبّ المشترك ،والو ّد ن هذه ا ُ
إّ
الصافي ،والبعد عن الحقاد والضّغائن( .مثل المؤمنين في توادّهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه
حمّى) .متفق عليه من حديث النعمان.عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر وال ُ
إنّ ُأمّة السلم موصوفة في كتاب ربّها من بعد سلفها الخيار من المهاجرين والنصار ،في قوله تعالى{ :
ل للذين
والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولخواننا الذين سبقونا باليمان ول تجعل في قلوبنا غ ً
ءآمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم }.
وهذا المر العظيم (إصلح ذات البيْن وسلمة الصدر) جاءت الشريعة المطهرة بالمر بهما ،والحث عليهما ؛ أنْ
يكون صدرك على أخيك سليماً ،ليس فيه غلّ ،ول حقد ،ول حسد ...قلب مخْموم كما جاء في بعض الحاديث.
ن يُتلى إلى يوم
لقد أثنى ال بسبب سلمة الصدور على أهل المدينة النصار ،ومجّدهم لتّصافهم به ،في قرآ ٍ
ن من قبلهم يُحبّون من هاجر إليهم ول يجدون في صدورهم القيامة ،يقول سبحانه { :والذين تبوؤا الدّارَ واليما َ
ح نفسه فأولئك هم المفلحون }. حاجةً مما أوتوا ويُؤْثرون على أنْفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يُوقَ شُ ّ
ح بين النّاس). -قال ال تعالى( :ل خير في كثير من نجواهم إل من أمر بصدقةٍ أو معروفٍ أو إصل ٍ
-وقال سبحانه( :والصلح خير).
ن بغتْ إحداهما على الخرى فقاتلوا التي تبغي حتى -وقال( :وإنْ طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإ ْ
ن فاءتْ فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إنّ ال يحبّ ال المقسطين). تفيىء إلى أمر ال فإ ْ
أحاديث الصلح
-عن أبي الدرداء رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلّم ( :أل أخبركم بأفضل من درجة الصيام
والصلة والصّدقة .قالوا :بلى .قال :إصلح ذات البيْن؛ وفساد ذات البيْن الحالقة ) .
-ويُروى أنه صلى ال عليه وسلّم قال ( :هي الحالقة ،ل أقول تحلق الشعر ،ولكن تحلق الدّين ) .
-وعن أبي هريرة رضي ال عنه أنّ النبي صلى ال عليه وسلّم قال ( :إياكم وسوء ذات البيْن؛ فإنها الحالقة ) .
أخرجه الترمذي.
وعن عبادة بن عمير بن عوف قال :قال لي أبو أيوب رضي ال عنه :قال لي رسول ال صلى ال عليه وسلّم( :
يا أبا أيوب ،أل أدلك على صدقة يحبّها ال ورسوله؛ تصلح بين الناس إذا تباغضوا وتفاسدوا ) .أخرجه الطبراني
في المعجم الكبير.
أقسام الصلح
عن أُ ّم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط قالت :سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلّم يقول ( :ليس الكذّاب الذي
يُصلح بين الناس ،ف َينْمي خيرا أو يقول خيراً ) متفق عليه.
وفي رواية مسلمٍ زادتْ ( :ولم أسمعه رخّصَ في شيء مما يقوله الناس إل في ثلث :تعني الحربَ ،والصلحَ
بين الناس ،وحديثَ الرجل امرأته ،وحديثَ المرأة زوجها ).
قال ال تعالى على لسان إبراهيم عليه السلم[ :ول تخزني يوم يُبعثون* يوم ل ينفع مال ول بنون إل من أتى ال
بقلب سليم ] .والمراد بالقلب السليم هاهنا :ذلك القلب الذي سلم من الشرك كبيره وصغيره ،وسلم من النفاق
والبدعة ،ومن الغل والحسد على إخوانه المؤمنين.
ولذا كان أصحاب الجنة متصفين بهذه الصفة [ :ونزعنا ما في صدورهم من غلّ إخواناً على سُرر متقابلين ].
-وقد ع ّد ابن القيم -رحمه ال -سلمة الصّدر ،من منازل إياك نعبد وإياك نستعين في كتابه مدارج السالكين ،
وقال:
(ومن أراد فهم هذه الدرجة كما ينبغي فلينظرْ إلى سيرة النبي صلى ال عليه وسلم مع الناس يجدها بعينها).
ت يداه
لماذا؟ لنّ ال بعث ال محمداً رضي ال عنه رحم ًة وهدى ،فلقد َوسِعَ خلقه الناس سهولةً ورفقاً ،ونضح ْ
بالعطايا كرماً وجوداً ،أبرّهم قلباً ،وأصدقهم لهجةً ،وأقربهم رحماً.
ن لزمته تلك الفضائل الزاكية ،والخلق العالية في أشدّ الوقات وإنّ من أخصّ خصائصه وأكرم سجاياه؛ أ ْ
وأحلك الظروف ،شُجّ رأسه ،وكُسرت رباعيته في غزوة أحد ،فقيل له في هذا الحال العصيب :أل تدعو على
المشركين؟ فما هو إل أن تدفّق رفقه ،وطغت رحمته ،وفاضت طبيعته العالية وسجيته الكريمة بما يلتمس فيه
العذر لهؤلء ،فكان مما قال :اللهم اهد قومي فإنهم ل يعلمون ) .
وقال في مقام آخر ( :إنّما بُعثت رحمةً ولم أبعث لعّانا « وصدق ال العظيم { :وما أرسلناك إل رحمةً
للعالمين }.
إنّ حقاً على المسلمين جميعاً أن يستصحبوا الرفق واللين في المر كله من غير مداهنة ول مجاملة ،ومن غير
غمط ول ظلم.
إنّ على الب الشفيق والم الرؤوم ،وإنّ على الزواج وأصحاب المسئوليات أن يرفقوا بمن تحت أيديهم ،ل
يأخذون إل بحق ،ول يدفعون إل بالحسنى ،ول يأمرون إل بما يُستطاع { :ل يُكلّفُ ال نفساً إل ما آتاها سيجعل
ال بعد عس ٍر يسرا }.
ما كان الرفق في شيءٍ إل زانه ،ول نزع من شيءٍ إل شانه ،وإنّ ال يعطي على الرفق ما ل يعطي على العنف،
بذلك صحّت الخبار عن الصادق المصدوق صلى ال عليه وسلّم .
إنّ العقل والحكمة والمعرفة بطبائع المور تقتضي تقبّل الميسور من أخلق الناس ،والرضا بالظاهر من
أحوالهم ،وعدم التقصّي على سرائرهم أو تتبع دخائلهم ،كما تقتضي قبول أعذارهم والغض عن هفواتهم ،وحملهم
على السلمة وحسن النية .إذا وقعت هفوة أو حصلت زلة فليس من الدب وليس من الخلق الحسن المسارعة إلى
هتكها والتعجل في كشفها فضلً عن التحدث بها وإفشائها.
بل لقد قيل :اجتهدوا في سترة العصاة فإنّ ظهور معاصيهم عيب في أهل السلم.
كيف يسوغ لمسلم أن يتشاغل بالبحث عن العيوب ورجم الناس بها ،بل لعله قد يُخْفي ما يعلم من صالح القول
والعمل.
هل وظيفة المسلم أن يلوك أخطاء الناس ويتتبّع عثراتهم ،ويعمى أن يرى حسناتهم وكأنه ل يعرف ول يرى إل
كفة السيئات .أليس في عيوبه ما يشغله عن عيوب الناس؟!
إنّ المسلم الناصح شفوق بإخوانه ،رفيق بهم ،يحب لهم الخير كما يحبه لنفسه ،ويجتهد لهم في النصح كما يجتهد
لنفسه … .أما الفظ القاسي ،صاحب القلب الغليظ ،فقد قضت سنة ال نفرة الناس منه ،فل تقبل منه دعوة ،ول
يسمع منه توجيه ،ول يرتاح له جليس ( :فبما رحم ٍة من الِ لنتَ لهم ولو كنتَ فظّاً غليظَ القلبِ لنفضّوا مِن
حولك فاعفُ عنهم واستغفر لهم ).
وعلى قدر ما يمسك النسان نفسه ويكظم غيظه ويملك لسانهَ ،تعْظُم منزلته عند ال وعند الناس .وعلى قدر ما
يتجاوز عن الهفوات ويقيل من العثرات ،تدوم مودّته ،ويأنس الناس به .إنّكم لن تَسَعوا الناس بأموالكم ولكن
تسعوهم بأخلقكم ،يسعهم منكم بسط المحيّا وطلقة الوجه.
إنّ المخلص في المودّة ،الصادق في المحبة ،ل يرى لنفسه فضلً على غيره ،ول يكون عوناً للشيطان على
صاحبه.
رُوي أنّ أبا الدرداء رضي ال عنه مرّ على رجل قد أصاب ذنباً والناس يسبّونه فقال :أرأيتم لو وجدتموه في
قليب -أي في بئر -ألم تكونوا مستخرجيه؟ قالوا :بلى .قال :فل تسبوا أخاكم واحمدوا ال الذي عافاكم.
-1سوء الظن.
- 2تتبع العورات.
- 3الهمز واللمز.
- 4تعيير الناس وشيوع السباب.
- 5التعريض أو التصريح بالمعايب النفسية والبدنية.
- 6الغيبة والنميمة.
- 7تمني زوال النعمة من أخيه.
ل ذلك -أيها الكرام -يدلّ على خبث الطويّة ،ودناءة الهمّة.وك ّ