Vous êtes sur la page 1sur 395

‫كتاب‬

‫الشفا بتعريف‬
‫حقوق المصطفى‬
‫القا ضي عياض‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬

‫ترجمة المؤلف‬
‫مقام عياض مثل مقام البخاري والئمة الربعة؛ فهم حلة الشريعة وعلومها الت يبثّونا ف صدور‬
‫الرجال بالتلقي والتأليف‪َ ،‬ذبّوا عن الشريعة بسيوف علومهم؛ فبقيت علومهم خالدة تالدة إل البد‪،‬‬
‫وكم من ول ل كان معهم وبعدهم بكثي‪ ،‬كان لم تلميذ وأوراد‪ ،‬وانقطعت تلك الوراد وباد‬
‫الريدون برور الزمان‪ ،‬وأئمة العلم ما زالوا بعلومهم كأنم أحياء‪ "..‬هذا الكلم النفيس من بيان أب‬
‫عبد ال ممد المي ف كتابه "الجد الطارف والتالد"‪ ،‬يصف مكانة القاضي عياض العلمية‪ ،‬وقدره‬
‫الرفيع بي علماء السلم‪ ،‬وليس ف كلم الشيخ مبالغة أو تزويد؛ فقد حقق القاضي عياض شهرة‬
‫واسعة حت قيل‪ :‬لول عياض لا عُرف الغرب‪ ،‬وكأنم يعنون –ف جلة ما يعنون‪ -‬أنه أول من لفت‬
‫نظر علماء الشرق إل علماء الغرب حت أواسط القرن السادس الجري‪.‬‬
‫الولد والنشأة‬
‫يعود نسب القاضي "عياض بن موسى اليحصب" إل إحدى قبائل اليمن العربية القحطانية‪ ،‬وكان‬
‫أسلفه قد نزلوا مدينة "بسطة" الندلسية من نواحي "غرناطة" واستقروا با‪ ،‬ث انتقلوا إل مدينة "فاس"‬
‫الغربية‪ ،‬ث غادرها جده "عمرون" إل مدينة "سبتة" حوال سنة (‪ 373‬هـ = ‪893‬م)‪ ،‬واشتهرت‬
‫أسرته بـ"سبتة"؛ لا عُرف عنها من تقوى وصلح‪ ،‬وشهدت هذه الدينة مولد عياض ف (‪ 15‬من‬
‫شعبان ‪476‬هـ = ‪ 28‬من ديسمب ‪1083‬م)‪ ،‬ونشأ با وتعلم‪ ،‬وتتلمذ على شيوخها‪.‬‬
‫الرحلة ف طلب العلم‬
‫رحل عياض إل الندلس سنة (‪507‬هـ = ‪1113‬م) طلبًا لسماع الديث وتقيق الروايات‪،‬‬
‫وطاف بواضر الندلس الت كانت تفخر بشيوخها وأعلمها ف الفقه والديث؛ فنل قرطبة أول ما‬
‫نزل‪ ،‬وأخذ عن شيوخها العروفي كـ"ابن عتاب"‪ ،‬و"ابن الاج"‪ ،‬و"ابن رشد"‪ ،‬و"أب السي بن‬
‫سراج" وغيهم‪ ،‬ث رحل إل "مرسية" سنة (‪508‬هـ = ‪1114‬م)‪ ،‬والتقى بأب علي السي بن ممد‬
‫الصدف‪ ،‬وكان حافظًا متقنًا حجة ف عصره‪ ،‬فلزمه‪ ،‬وسع عليه الصحيحي البخاري ومسلم‪ ،‬وأجازه‬
‫بميع مروياته‪.‬‬
‫اكتفى عياض با حصله ف رحلته إل الندلس‪ ،‬ول يلبث أن رحل إل الشرق مثلما يفعل غيه من‬
‫طلب العلم‪ ،‬وف هذا إشارة إل ازدهار الركة العلمية ف الندلس وظهور عدد كبي من علمائها ف‬
‫ميادين الثقافة العربية والسلمية‪ ،‬يناظرون ف سعة علمهم ونبوغهم علماء الشرق العروفي‪.‬‬
‫عاد عياض إل "سبتة" غزير العلم‪ ،‬جامعًا معارف واسعة؛ فاتهت إليه النظار‪ ،‬والتفّ حوله‬
‫طلب العلم وطلب الفتوى‪ ،‬وكانت عودته ف (‪ 7‬من جادى الخرة ‪508‬هـ = ‪ 9‬من أكتوبر‬
‫‪1114‬م)‪ ،‬وجلس للتدريس وهو ف الثانية والثلثي من عمره‪ ،‬ث تقلد منصب القضاء ف "سبتة" سنة‬
‫(‪ 515‬هـ = ‪1121‬م) وظل ف منصبه ستة عشر عامًا‪ ،‬كان موضع تقدير الناس وإجللم له‪ ،‬ث‬
‫تول قضاء "غرناطة" سنة (‪531‬هـ = ‪1136‬م) وأقام با مدة‪ ،‬ث عاد إل "سبتة" مرة أخرى ليتول‬
‫قضاءها سنة (‪539‬هـ = ‪1144‬م)‪.‬‬
‫القاضي عياض مدثًا‬
‫كانت حياة القاضي عياض موزعة بي القضاء والقراء والتأليف‪ ،‬غي أن الذي أذاع شهرته‪ ،‬وخلّد‬
‫ذكره هو مصنفاته الت ب ّوَأتْه مكانة رفيعة بي كبار الئمة ف تاريخ السلم‪ ،‬وحسبك مؤلفاته الت‬
‫تشهد على سعة العلم وإتقان الفظ‪ ،‬وجودة الفكر‪ ،‬والتبحر ف فنون متلفة من العلم‪.‬‬
‫وكان القاضي عياض ف علم الديث الفذّ ف الفظ والرواية والدراية‪ ،‬العارف بطرقه‪ ،‬الافظ‬
‫لرجاله‪ ،‬البصي بالم؛ ولكي ينال هذه الكانة الرموقة كان سعيه الثيث ف ساع الديث من رجاله‬
‫العروفي والرحلة ف طلبه‪ ،‬حت تقق له من علو السناد والضبط والتقان ما ل يتحقق إل للجهابذة‬
‫من الحدّثي‪ ،‬وكان منهج عياض ف الرواية يقوم على التحقيق والتدقيق وتوثيق الت‪ ،‬وهو يعد النقل‬
‫والرواية الصل ف إثبات صحة الديث‪ ،‬وتشدد ف قضية النقد لت الديث ولفظه‪ ،‬وتأويل لفظه أو‬
‫روايته بالعن‪ ،‬وما يره ذلك من أبواب اللف‪.‬‬
‫وطالب الحدث أن ينقل الديث مثلما سعه ورواه‪ ،‬وأنه إذا انتقد ما سعه فإنه يب عليه إيراد ما‬
‫سعه مع التنبيه على ما فيه؛ أي أنه يروي الديث كما سعه مع بيان ما َيعِنّ له من تصويب فيه‪ ،‬دون‬
‫قطع برأي يؤدي إل الرأة على الديث‪ ،‬ويفتح بابًا للتهجم قد يمل صاحبه على التعبي والتصرف ف‬
‫الديث بالرأي‪.‬‬
‫وألّف القاضي ف شرح الديث ثلثة كتب هي‪" :‬مشارق النوار على صحاح الثار" وهو من‬
‫أدَ ّل الكتب على سعة ثقافة عياض ف علم الديث وقدرته على الضبط والفهم‪ ،‬والتنبيه على مواطن‬
‫الطأ والوهم والزلل والتصحيف‪ ،‬وقد ضبط عياض ف هذا الكتاب ما التبس أو أشكل من ألفاظ‬
‫الديث الذي ورد ف الصحيحي وموطأ مالك‪ ،‬وشرح ما غمض ف الكتب الثلثة من ألفاظ‪ ،‬وحرّر‬
‫ما وقع فيه الختلف‪ ،‬أو تصرف فيه الرواة بالطأ والتوهم ف السند والت‪ ،‬ث رتّب هذه الكلمات‬
‫الت عرض لا على ترتيب حروف العجم‪.‬‬
‫أما الكتابان الخران فهما "إكمال العلم" شرح فيه صحيح مسلم‪ ،‬و"بغية الرائد لا ف حديث أم‬
‫زرع من الفوائد"‪.‬‬
‫وله ف علم الديث كتاب عظيم هو " اللاع ف ضبط الرواية وتقييد السماع"‬
‫‪ ...‬فقيهًا‬
‫درس القاضي عياض على شيوخه بـ"سبتة" الدونة لبن سحنون‪ ،‬وهو مؤلّف يدور عليه الفقه‬
‫الالكي‪ ،‬وُيعَدّ مرجعَ ُه الول بل منازع‪ ،‬وقد كُتبت عليه الشروح والختصرات والواشي‪ ،‬غي أن‬
‫الدونة ل تكن حسنة التبويب؛ حيث تتداخل فيها السائل الختلفة ف الباب الواحد‪ ،‬وتعان من عدم‬
‫إحكام وضع الثار مع السائل الفقهية‪.‬‬
‫وقد لحظ القاضي عياض هذا عند دراسته "الدونة" على أكثر من شيخ؛ فنهض إل عمل عظيم‪،‬‬
‫فحرّر رواياتا‪ ،‬وسى رواتا‪ ،‬وشرح غامضها‪ ،‬وضبط ألفاظها‪ ،‬وذلك ف كتابه "التنبيهات الستنبَطة‬
‫على الكتب الدونة والختلطة" ول شكّ أن قيام القاضي عياض بثل هذا العمل يُعد خطوة مهمة ف‬
‫سبيل ضبط الذهب الالكي وازدهاره‪.‬‬
‫القاضي عياض مؤرخًا‬
‫ودخل القاضي ميدان التاريخ من باب الفقه والديث‪ ،‬فألّف كتابه العروف " تدريب الدارك"‪،‬‬
‫وهو ُيعَدّ أكب موسوعة تتناول ترجة رجال الذهب الالكي ورواة "الوطأ" وعلمائه‪ ،‬وقد استهلّ‬
‫الكتاب ببيان فضل علم أهل الدينة‪ ،‬ودافع عن نظرية الالكية ف الخذ بعمل أهل الدينة‪ ،‬باعتباره‬
‫عندهم من أصول التشريع‪ ،‬وحاول ترجيح مذهبه على سائر الذاهب‪ ،‬ث شرع ف الترجة للمام مالك‬
‫وأصحابه وتلميذه‪ ،‬وهو يعتمد ف كتابه على نظام الطبقات دون اعتبار للترتيب اللفبائي؛ حيث أورد‬
‫بعد ترجة المام مالك ترجة أصحابه‪ ،‬ث أتباعهم طبقة طبقة حت وصل إل شيوخه الذين عاصرهم‬
‫وتلقى على أيديهم‪.‬‬
‫والتزم ف طبقاته التوزيع الغراف لن يترجم لم‪ ،‬وخصص لكل بلد عنوانًا يدرج تته علماءه من‬
‫الالكية؛ فخصص للمدينة ومصر والشام والعراق عناوين خاصة با‪ ،‬وإن كان ملتزما بنظام الطبقات‪.‬‬
‫وأفرد لعلمائه وشيوخه الذين التقى بم ف رحلته كتابه العروف باسم "الغُنية"‪ ،‬ترجم لم فيه‪،‬‬
‫وتناول حياتم ومؤلفاتم وما لم من مكانة ومنله وتأثي‪ ،‬كما أفرد مكانا لشيخه القاضي أب على‬
‫السي الصدف ف كتابه "العجم" تعرض فيه لشيخه وأخباره وشيوخه‪ ،‬وكان "الصدف" عالًا عظيما‬
‫اتسعت مروياته‪ ،‬وصار حلقة وصل بي سلسل السناد لعلماء الشرق والغرب؛ لكثرة ما قابل من‬
‫العلماء‪ ،‬وروى عنهم‪ ،‬واستُجيز منهم‪.‬‬
‫‪ ...‬أديبًا‬
‫وكان القاضي أديبًا كبيًا إل جانب كونه مدثًا فقيهًا‪ ،‬له بيان قوي وأسلوب بليغ‪ ،‬يشف عن‬
‫ثقافة لغوية متمكنة وبصر بالعربية وفنونا‪ ،‬ول يكن ذلك غريبًا عليه؛ فقد كان حريصًا على دراسة‬
‫كتب اللغة والدب حرصه على تلقي الديث والفقه‪ ،‬فقرأ أمهات كتب الدب‪ ،‬ورواها بالسناد عن‬
‫شيوخه مثلما فعل مع كتب الديث والثار‪ ،‬فدرس "الكامل" للمبد و"أدب الكاتب" لبن قتيبة‪،‬‬
‫و"إصلح النطق" لبن السكيت‪ ،‬و"ديوان الماسة"‪ ،‬و"المال" لب علي القال‪.‬‬
‫وكان لذه الدراسة أثرها فيما كتب وأنشأ‪ ،‬وطبعت أسلوبه بمال اللفظ‪ ،‬وإحكام العبارة‪ ،‬وقوة‬
‫السبك‪ ،‬ودقة التعبي‪.‬‬
‫وللقاضي شعر دوّنته الكتب الت ترجت له‪ ،‬ويدور حول النسيب والتشوق إل زيارة النب (صلى‬
‫ال عليه وسلم)‪ ،‬والعروف أن حياته العلمية وانشغاله بالقضاء صرفه عن أداء فريضة الج‪ ،‬ومن شعره‬
‫الذي يعب عن شوقه ولوعته الوجدانية ولفته إل زيارة النب (صلى ال عليه وسلم)‪:‬‬
‫بشراك بشراك فقد لحت قبابم‬
‫فانزل فقد نلت ما توى وتتار‬
‫هذا الحصب‪ ،‬هذا اليف خيف من‬
‫هذي منازلم هذي هي الدار‬
‫هذا الذي وخذت شوقًا له البل‬
‫هذا البيب الذي ما منه ل بدل‬
‫هذا الذي ما رأتْ عي ول سعت‬
‫أ ْذنٌ بأكرمَ من َكفّهِ إن سألوا‬
‫ول يكن لحد أن يغفل كتابه العظيم "الشفا بأحوال الصطفى" الذي تناول فيه سية النب (صلى‬
‫ال عليه وسلم)‪ ،‬وقصد من كتابه إحاطة الذات النبوية بكل ما يليق با من العصمة والتفرد والتميز عن‬
‫سائر البشر‪ ،‬ف الوقت الذي كانت فيه آراء جانة توض ف مسألة النبوة‪ ،‬وتسوّي بي العقل والوحي‪.‬‬
‫ولا كان النص الشرعي مصدرًا أساسيًا للمعرفة وأصل ل يتمل الناع فيه مت ثبت بالسند الصحيح‪،‬‬
‫وكان النب (صلى ال عليه وسلم) مصدر هذه العرفة‪ ،‬فقد انبى القاضي عياض ببيان مقام النبوة‬
‫وصيانته من كل ما ل يليق به‪.‬‬
‫وفاته‬
‫عاش القاضي عياض الشطر الكب من حياته ف ظل دولة "الرابطي"‪ ،‬الت كانت تدعم الذهب‬
‫ب فيها الوهن‬
‫الالكي‪ ،‬وتكرم علماءه‪ ،‬وتوليهم مناصب القيادة والتوجيه‪ ،‬فلما ح ّل با الضعف ود ّ‬
‫ظهرت دولة "الوحدين"‪ ،‬وقامت على أنقاض الرابطي‪ ،‬وكانت دولة تقوم على أساس دعوة دينية‪،‬‬
‫وتدف إل ترير الفكر من جود الفقهاء والعودة إل القرآن والسنة بدلً من النشغال بالفروع‬
‫الفقهية‪ ،‬وكان من الطبيعي أن يصطدم القاضي عياض ‪-‬بتكوينه الثقاف ومذهبه الفقهي‪ -‬مع الدولة‬
‫القادمة‪ ،‬بل قاد أهل "سبتة" للثورة عليها‪ ،‬لكنها ل تفلح‪ ،‬واضطر القاضي أن يبايع زعيم "الوحدين"‬
‫عبد الؤمن بن علي الكومي‪.‬‬
‫ول تطُ ْل به الياة ف عهد "الوحدين"‪ ،‬فتوف ف (‪ 9‬من جادى الخرة ‪ 544‬هـ = ‪ 14‬من‬
‫أكتوبر ‪1149‬م)‬
‫من مصادر الدراسة‪:‬‬
‫•ابن بشكوال‪ :‬كتاب الصلة ـ الدار الصرية للتأليف والترجة ـ القاهرة ـ ‪1966‬م‪.‬‬
‫•القاضي عياض‪ :‬ترتيب الدارك ـ تقيق أحد بكي ممود ـ مكتبة الياة ـ بيوت‬
‫ـ بدون تاريخ‪.‬‬
‫ممد الكتان‪ :‬القاضي عياض‪ ،‬الشخصية والدور الثقاف ـ ملة الدارة ـ العدد الرابع ـ السنة السادسة‬
‫عشر ـ ‪.1411‬‬
‫مقدمة الكتاب‬
‫اللهم صل على سيدنا ممد و آله و سلم ‪.‬‬
‫قال الفقيه القاضي المام الافظ أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصب رضي ال عنه ‪:‬‬
‫المد ل التفرد باسه السى ‪ ،‬الختص باللك العز الحى ‪ ،‬الذي ليس دونه منتهى ‪ ،‬و ل وراءه‬
‫مرمى ‪ ،‬الظاهر ل تيل و وها ‪ ،‬الباطن تقدسا ل عدما ‪ ،‬وسع كل شيء رحةً و علما ‪ ،‬و أسبغ على‬
‫أوليائه نعما عما ‪ ،‬و بعث فيهم رسولً من أنفسهم عربا و عجما ‪ ،‬و أزكاهم متدا و منمى ‪ ،‬و‬
‫أرجحهم عقلً و حلما ‪ ،‬و أوفرهم علما و فهما ‪ ،‬و أقواهم يقينا و عزما ‪ ،‬و أشدهم بم رأفة و رحى‬
‫‪ ،‬و زكاه روحا و جسما ‪ ،‬وحاشاه عيبا و وصما ‪ ،‬و آتاه حكمة و حكما ‪ ،‬و فتح به أعينا عميا ‪ ،‬و‬
‫قلوبا غلفا ‪ ،‬و آذانا صما ‪ ،‬فآمن به و عزره ‪ ،‬و نصره من جعل ال له ف مغنم السعادة قسما ‪ ،‬و‬
‫كذب به و صدف عن آياته من كتب ال عليه الشقاء حتما ‪ ،‬و من كان ف هذه أعمى فهو ف الخرة‬
‫أعمى ‪ .‬صلى ال عليه وسلم صلةً تنمو و تنمى ‪ ،‬و على آله و سلم تسليما كثيا ‪.‬‬
‫أما بعد أشرق ال قلب و قلبك بأنوار اليقي ‪ ،‬و لطف ل و لك با لطف لوليائه التقي ‪ ،‬الذين شرفه م‬
‫ال بنل قدسه ‪ ،‬و أوحشهم من الليقة بأنسه ‪ ،‬و خصهم من معرفته و مشاهدة [ ‪ ] 2‬عجائب‬
‫ملكوته و آثار قدرته با مل قلوبم حبة ‪ ،‬و وله عقولم ف عظمته حية ‪ ،‬فجعلوا ههم به واحدا ‪ ،‬و‬
‫ل يروا ف الدارين غيه مشاهدا ‪ ،‬فهم بشاهدة جاله و جلله يتنعمون ‪ ،‬و بي آثار قدرته و عجائب‬
‫عظمته يترددون ‪ ،‬و بالنقطاع إليه و التوكل عليه يتعززون ‪ ،‬لجي بصادق قوله ‪ :‬قل ال ث ذرهم ف‬
‫خوضهم يلعبون ( سورة النعام ‪ : 6 /‬آية ‪. ) 91‬‬
‫فإنك كررت علي السؤال ف مموع يتضمن التعريف بقدر الصطفى عليه الصلة والسلم ‪ ،‬و ما يب‬
‫له من توقي و إكرام ‪ ،‬و ما حكم من ل يوف واجب عظيم ذلك القدر ‪ ،‬أو قصر ف حق منصبه الليل‬
‫قلمة ظفر ‪ ،‬و أن أجع لك ما لسلفنا وأئمتنا ف ذلك من مقال ‪ ،‬و أبينه بتنيل صور و أمثال ‪.‬‬
‫فاعلم _ أكرمك ال _ أنك حلتن من ذلك أمرا إمرا ‪ ،‬و أرهقتن فيما ندبتن إليه عسرا ‪ ،‬و أرقيتن با‬
‫كلفتن مرتقى صعبا ‪ ،‬مل قلب رعبا ‪ ،‬فإن الكلم ف ذلك يستدعي تقرير أصول و ترير فصول ‪ ،‬و‬
‫الكشف عن غوامض و دقائق من علم القائق ‪ ،‬ما يب للنب صلى ال عليه وسلم ويضاف إليه ‪ ،‬أو‬
‫يتنع أو يوز عليه ‪ ،‬و معرفة النب و الرسول ‪ ،‬و الرسالة و النبوة ‪ ،‬و الحبة و اللة ‪ ،‬و خصائص هذه‬
‫الدرجة العلية ‪ ،‬و ها هنا مهامه فيح تار فيها القطا ‪ ،‬و تقصر با الطا ‪ ،‬و ماهل تضل فيها الحلم إن‬
‫ل تتد بعلم علم و نظر سديد ‪ ،‬و مداحض تزل[‪ ]3‬با القدام ‪،‬إن ل تعتمد على توفيق من ال وتأييد‬
‫‪.‬‬
‫لكن لا رجوته ل و لك ف هذا السؤال و الواب من نوال و ثواب ‪ ،‬بتعريف قدره السيم ‪ ،‬و خلقه‬
‫العظيم ‪ ،‬و بيان خصائصه الت ل تتمع قبل ف ملوق ‪ ،‬و ما يدان ال تعال به من حقه الذي هو أرفع‬
‫القوق ‪ ،‬ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ‪ ،‬و يزداد الذين آمنوا إيانا ‪ ،‬و لا أخذ ال تعال على الذين أوتوا‬
‫الكتاب ليبيننه للناس و ل يكتمونه ‪.‬‬
‫و لا حدثنا به أبو الوليد هشام بن أحد الفقيه بقراءت عليه ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا السي ابن ممد ‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫عمر النمري حدثنا أبو ممد بن عبد الؤمن ‪ ،‬حدثنا أبو بكر ممد ابن بكر ‪ ،‬حدثنا سليمان بن الشعث‬
‫‪ ،‬حدثنا موسى بن اساعيل ‪ ،‬حدثنا حاد ‪ ،‬حدثنا علي بن الكم ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن أب هريرة رضي ال‬
‫عنه ‪ ،‬قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬من سئل عن علم فكتمه ألمه ال بلجام من نار يوم‬
‫القيامة ‪.‬‬
‫فبادرت إل نكت مسفرة عن وجه الغرض ‪ ،‬مؤديا من ذلك الق الفترض ‪ ،‬اختلسها على استعجال ‪،‬‬
‫لا الرء بصدده من شغل البدن و البال ‪ ،‬با طوقه من مقاليد الحنة الت ابتلى با ‪ ،‬فكادت تشغل عن‬
‫كل فرض و نفل ‪ ،‬و ترد بعد حسن التقوي إل أسفل سفل ‪ ،‬و لو أراد ال بالنسان خيا لعل شغله و‬
‫هه كله فيما يمد غدا أو يذم مله ‪ ،‬فليس ث سوى حضرة النعيم ‪ ،‬أو عذاب الحيم ‪ ،‬و لكان عليه‬
‫بويصته ‪ ،‬و استنفاذ مهجته و عمل صال يستزيده ‪ ،‬و علم نافع يفيده أو يستفيده ‪.‬‬
‫جب ال صدع قلوبنا ‪ ،‬و غفر عظيم ذنوبنا ‪ ،‬و جعل جيع [ ‪ ] 3‬استعدادنا لعادنا ‪ ،‬و توفر دواعينا فيما‬
‫ينجينا و يقربنا إليه زلفة ‪ ،‬و يظينا بنه و كرمه و رحته ‪.‬‬
‫و لا نويت تقريبه ‪ ،‬و درجت تبويبه ‪ ،‬و مهدت تأصيله ‪ ،‬و خلصت تفصيله ‪ ،‬و انتحيت حصره و‬
‫تصيله ‪ ،‬ترجته ب الشفا بتعريف حقوق الصطفى ‪ ،‬و حصرت الكلم فيه ف أقسام أربعة ‪:‬‬
‫ل ‪ ،‬و توجه الكلم فيه ف أربعة‬
‫القسم الول ‪ :‬ف تعظيم العلي العلى لقدر هذا النب قولً و فع ً‬
‫أبواب ‪:‬‬
‫الباب الول ‪ :‬ف ثنائه تعال عليه ‪ ،‬و اظهاره عظيم قدره لديه ‪ ،‬و فيه عشرة فصول ‪.‬‬
‫الباب الثان ‪ :‬ف تكميله تعال ى له الحاسن خلقا و خلقا ‪ ،‬قرانه جيع الفضائل الدينية و الدنيوية‬
‫فيه نسقا ‪ ،‬و فيه سبعة و عشرون فصلً ‪.‬‬
‫الباب الثالث ‪ :‬فيما ورد من صحيح الخبار و مشهورها [ ‪ ] 4‬بعظيم قدره عند ربه و منلته ‪ ،‬و‬
‫ما خصه به ف الدارين من كرامته ‪ ،‬و فيه اثنا عشر فصلً ‪.‬‬
‫الباب الرابع ‪ :‬فيما أظهره ال تعال على يديه من اليات و العجزات ‪ ،‬و شرفه به من الصائص و‬
‫الكرامات ‪ ،‬و فيه ثلثون فصـل ‪.‬‬
‫القسم الثان ‪ :‬فيما يب على النام من حقوقه عليه السلم ‪ ،‬و يترتب القول فيه ف أربعة أبواب ‪:‬‬
‫الباب الول ‪ :‬ف فرض اليان به و وجوب طاعته و اتباع سنته ‪ ،‬و فيه خسة فصول ‪.‬‬
‫الباب الثان ‪ :‬ف لزوم مبته و منا صحته ‪ ،‬و فيه ستة فصول ‪.‬‬
‫الباب الثالث ‪ :‬ف تعظيم أمره و لزوم توقيه و بره ‪ ،‬و فيه سبعة فصول ‪.‬‬
‫الباب الرابع ‪ :‬ف حكم الصلة عليه و التسليم و فرض ذلك و فضيلته ‪ ،‬و فيه عشرة فصول ‪.‬‬
‫القسم الثالث ‪ :‬ـ فيما يستحيل ف حقه ‪ ،‬و ما يوز عليه شرعا ‪ ،‬و ما يتنع و يصح من المور‬
‫البشرية أن يضاف إليه ‪.‬‬
‫و هذا القسم ـ أكرمك ال ـ هو سر الكتاب ‪ ،‬و لباب ثرة هذه البواب ‪ ،‬و ما قبله له كالقواعد‬
‫و التمهيدات و الدلئل على ما ن ورده فيه من النكت البينات ‪ ،‬و هو الاكم على ما بعده ‪ ،‬و‬
‫النجز من غرض هذا التأليف و عده ‪ ،‬و عند التقصي لوعدته ‪ ،‬و التفصي عن عهدته ‪ ،‬يشرق صدر‬
‫العدو اللعي ‪ ،‬و يشرق قلب الؤمن باليقي ‪ ،‬و تل أنواره جوانح صدره و يقدر العاقل النب حق‬
‫قدره ‪ .‬و يتحرر الكلم فيه ف بابي [‪: ] 5‬‬
‫الباب الول ‪ :‬فيما يتص بالمور الدينية ‪ ،‬و يتشبث به القول ف العصمة و فيه ستة عشر فصلً ‪.‬‬
‫الباب الثان ‪ :‬ف أحواله الدنيوية ‪ ،‬و ما يوز طروءه عليه من العراض البشرية‪،‬و فيه تسعة فصول‪.‬‬
‫القسم الرابع ‪ :‬ف تصرف وجوه الحكام على من تنقصه أو سبه صلى ال عليه و سلم و ينقسم‬
‫الكلم فيه ف بابي ‪:‬‬
‫الباب الول ‪ :‬ف بيان ما هو ف حقه سب و نقص ‪ ،‬من تعريض ‪ ،‬أو نص ‪ ،‬و فيه عشرة فصول ‪.‬‬
‫الباب الثان ‪ :‬ف حكم شانئه و مؤذيه و متنقصه و عقوبته ‪ ،‬و ذكر استتابته ‪ ،‬و الصلة عليه و‬
‫وراثته ‪ ،‬و فهي عشرة فصول ‪.‬‬
‫و ختمناه بباب ثالث جعلناه تكملة لذه السألة [ ‪ ، ] 5‬و وصلة للبابي اللذين قبله ف حكم من‬
‫سب ال تعال و رسله و ملئكته و كتبه ‪ ،‬و آل النب رسول ال صلى ال عليه وسلم و صحبه ‪.‬‬
‫و اختصر الكلم فيه ف خسة فصول ‪ ،‬و بتمامها ينتجز الكتاب ‪ ،‬و تتم القسام و البواب ‪ ،‬و‬
‫تلوح ف غرة اليان لعة منية ‪ ،‬و ف تاج التراجم درة خطية ‪ ،‬تزيح كل لبس ‪ ،‬و توضح كل‬
‫تمي و حدس ‪ ،‬و تشفي صدور قوم مؤمني ‪ ،‬و تصدع بالق ‪ ،‬و تعرض عن الاهلي ‪ ،‬و با ل‬
‫تعال ـ ل إله سواه ـ أستعي ‪.‬‬
‫القسم الول‬

‫ف تعظيم العلي العلى لقدر هذا النب قولًو فعلً‬


‫قال [ الفقيه ] القاضي المام أبو الفضل رضي ال عنه ‪:‬‬
‫ل خفاء على من مارس شيئا من العلم ‪ ،‬أو خص بأدن لحة من فهم ‪ ،‬بتعظيم ال تعال قدر نبينا عليه [‬
‫الصلة و ] السلم ‪ ،‬و خصوصه إياه بفضائل و ماسن و مناقب ل تنضبط لزمام ‪ ،‬و تنويهه من عظيم‬
‫قدره با تكل عنه اللسنة و القلم ‪.‬‬
‫فمنها ما صرح به ال تعال ف كتابه ‪ ،‬و نبه به على جليل نصابه ‪ ،‬و أثن عليه من أخلقه و أدابه ‪ ،‬و‬
‫حض العباد على التزامه ‪ ،‬و تقلد إيابه ‪ ،‬فكان جل جلله هو الذي تفضل و أول ‪ ،‬ث طهر و زكى ‪،‬‬
‫ث مدح بذلك و أثن ‪ ،‬ث أثاب عليه الزاء الوف ‪ ،‬فله الفضل بدءا [ ‪ ] 6‬و عودا ً ‪ ،‬و المد أول و‬
‫أخرى ‪.‬‬
‫ومنها ماأبرزه للعيان من خلقه على أت وجوه الكمال و اللل ‪ ،‬و تصيصه بالحاسن الميلة و‬
‫الخلق الميدة ‪ ،‬و الذاهب الكرية ‪ ،‬و الفضائل العديدة ‪ ،‬و تأييده بالعجزات الباهرة ‪ ،‬و الباهي‬
‫الواضحة ‪ ،‬و الكرامات البينة الت شاهدها من عاصره و رآها من أدركه ‪ ،‬و علمها علم يقي من جاء‬
‫بعده ‪ ،‬حت انتهى علم ذلك إلينا ‪ ،‬و فاضت أنواره علينا ‪ ،‬صلى ال عليه وسلم كثيا ‪.‬‬
‫حدثنا القاضي الشهيد أبو علي السي بن ممد الافظ ‪ ،‬رحه ال قراءة من عليه ‪ ،‬قال ‪ :‬أبو السي‬
‫البارك بن عبد البار ‪ ،‬و أبو الفضل أحد بن خيون ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا أبو يعلى البغدادي ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا‬
‫أبو علي السنجي ‪ ،‬قال ‪ :‬ممد بن أحد ابن مبوب ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا أبو عيسى بن سورة الافظ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫حدثنا إسحاق بن منصور ‪ ،‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أنبأنا معمر ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أنس ‪ :‬أن النب صلى ال‬
‫عليه وسلم أتى بالباق ليلة أسري به ملجما مسرجا‪ ،‬فاستصعب عليه ‪ ،‬فقال له جبيل ‪ :‬أبحمد تفعل‬
‫هذا ؟ فما ركبك أحد أكرم على ال منه ‪ .‬قال ‪ :‬فارفض عرقا ‪.‬‬
‫الباب الول ‪ :‬ف ثناء ال تعال عليه و إظهاره عظيم قدره لديه‬

‫اعلم أن ف كتاب ال العزيز آيات كثية مفصحة بميل ذكر الصطفى ‪ ،‬و عد ماسنه ‪ ،‬و تعظيم أمره ‪،‬‬
‫و تنويه قدره ‪ ،‬اعتمدنا منها على ما ظهر معناه ‪ ،‬و بان فحواه ‪ ،‬و جعنا ذلك ف عشرة فصول ‪:‬‬

‫الفصل الول‬
‫فيما جاء من ذلك ميء الدح و الثناء و تعداد الحاسن ‪ ،‬كقوله تعال ‪ :‬لقد جاءكم رسول من أنفسكم‬
‫عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالؤمني رؤوف رحيم [ سورة التوبة ‪ : 9/‬الية ‪. ] 128‬‬
‫قال السمرقندي [ ‪ : ] 6‬و قرأ بعضهم ‪ :‬من أنفسكم ـ بفتح الفاء ‪ .‬و قراءة المهور بالضم ‪.‬‬
‫قال القاضي المام أبو الفضل ـ [ وفقه ال ] أعلم ال تعال الؤمني ‪ ،‬أو العرب ‪ ،‬أو أهل مكة ‪ ،‬أو‬
‫جيع الناس ‪ ،‬على اختلف الفسرين ‪ :‬من الواجه بذا الطاب أنه بعث فيهم رسو ًل من أنفسهم‬
‫يعرفونه ‪ ،‬و يتحققون مكانه ‪ ،‬و يعلمونه صدقه و أمانته ‪ ،‬فل يتهمونه بالكذب و ترك النصيحة لم ‪،‬‬
‫لكونه منهم ‪ ،‬و أنه ل تكن ف العرب قبيلة إل و لا على رسول ال صلى ال عليه و سلم ولدة أو قرابة‬
‫‪ [ ،‬و هو عند ابن عباس و غيه معنىقوله تعال ‪ :‬إل الودة ف القرب ] و ك ونه من أشرفهم ‪ ،‬و‬
‫أرفعهم ‪ ،‬و أفضلهم ‪ ،‬على قراءة الفتح ‪ ،‬و هذه ناية الدح ‪ ،‬ث وصفه بعد بأوصاف حيدة ‪ ،‬و أثن‬
‫عليه بحامد كثية ‪ ،‬من حرصه على هدايتهم و رشدهم و إسلمهم ‪ ،‬و شدة ما يعنتهم و يضر بم ف‬
‫دنياهم و أخراهم ‪ ،‬و عزته و رأفته و رحته بؤمنهم ‪.‬‬
‫قال بعضهم ‪ :‬أعطاه اسي من أسائه ‪ :‬رؤوف ‪ ،‬رحيم ‪.‬‬
‫و مثله ف الية الخرى ‪ :‬قوله تعال ‪ :‬لقد من ال على الؤمني إذ بعث فيهم رسول من أنفسهم يتلو‬
‫عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلل مبي [ سورة آل عمران‬
‫‪ ، 3/‬الية ‪]164 :‬‬
‫و ف الية الخرى ‪ :‬هو الذي بعث ف الميي رسول منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب‬
‫والكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلل مبي [ سورة المعة ‪ : 62/‬الية ‪. ] 2‬‬
‫و قوله تعال ‪ :‬كما أرسلنا فيكم رسول منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والكمة‬
‫ويعلمكم ما ل تكونوا تعلمون [ سورة البقرة ‪ : 2/‬الية ‪. ] 151‬‬
‫و روي عن علي بن أب طالب ‪ ،‬عنه صلى ال عليه و سلم ف قوله تعال ‪ :‬من أنفسكم قال ‪ :‬نسبا و‬
‫صهرا و حسبا ‪ ،‬ليس ف آبائي من لدن آدم سفاح ‪ ،‬كلنا نكاح ‪.‬‬
‫[ قال ابن الكلب ‪ :‬كتبت للنب صلى ال عليه و سلم خسمائة أم ‪ ،‬فما وجدت فيهن سفاحا و ل شيئا‬
‫ما كان عليه الاهلية ‪.‬‬
‫و عن ابن عباس رضي ال عنه ـ ف قوله تعال ‪ :‬وتقلبك ف الساجدين ـ قال ‪ :‬من نب إل نب ‪ ،‬حت‬
‫أخرجك نبيا ] ‪.‬‬
‫و قال جعفر ابن ممد ‪ :‬علم ال عجز خلقه عن طاعته ‪ ،‬فعرفهم ذلك ‪ ،‬لكي يعلموا أنم ل ينالون‬
‫الصفو من خدمته ‪ ،‬فأقام بينهم و بينه ملوقا من جنسهم ف الصورة ‪ ،‬و ألبسه من نعمته [ ‪ ] 7‬الرأفة و‬
‫الرحة ‪ ،‬و أخرجه إل اللق سفيا صادقا ‪ ،‬و جعل طاعته طاعته ‪ ،‬و موافقته ‪ ،‬فقال تعال ‪ :‬من يطع‬
‫الرسول فقد أطاع ال ‪.‬‬
‫و قال ال تعال ‪ :‬وما أرسلناك إل رحة للعالي [ سورة النبياء ‪ : 21 /‬الية ‪. ] 107‬‬
‫قال أبو بكر بن طاهر ‪ :‬زين ال تعال ممدا صلى ال عليه و سلم بزينة الرحة ‪ ،‬فكان كونه رحة ‪ ،‬و‬
‫جيع شائله و صفاته رحة على اللق ‪ ،‬فمن أصابه شيء من رحته فهو الناجي ف الدارين من كل‬
‫مكروه ‪ ،‬و الواصل فيهما إل كل مبوب ‪ ،‬أل ترى أن ال يقول ‪ :‬وما أرسلناك إل رحة للعالي ‪،‬‬
‫فكانت حياته رحة ‪ ،‬و ماته رحة ‪ ،‬كما قال عليه السلم ‪ :‬حيات خي لكم و موت خي لكم و كما‬
‫قال عليه الصلة و السلم ‪ :‬إذا أراد ال رحة بأمة قبض نبيها قبلها ‪ ،‬فجعله لا فرطا و سلفا ‪ .‬و قال‬
‫السمر قندي ‪ :‬رحة للعالي ‪ :‬يعن للجن و النس ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬لميع اللق ‪ ،‬للمؤمن رحة بالداية ‪ ،‬و رحة للمنافق بالمان من القتل ‪ ،‬و رحة للكافر بتأخي‬
‫العذاب ‪.‬‬
‫قال ابن عباس رضي ال عنهما ‪ :‬هو رحة للمؤمني و للكافرين ‪ ،‬إذ عوفوا ما أصاب غيهم من المم‬
‫الكذبة ‪.‬‬
‫و حكى أن النب صلى ال عليه و سلم قال لبيل عليه السلم ‪ :‬هل أصابك من هذه الرحة شىء ؟ قال‬
‫‪ :‬نعم ‪ ،‬كنت أخشى العاقبة فأمنت لثناء ال عز وجل علي بقوله ‪ :‬ذي قوة عند ذي العرش مكي *‬
‫مطاع ث أمي [ سورة التكوير ‪ : 81 /‬الية ‪ 20‬ـ ‪. ] 21‬‬
‫و روي عن جعفر بن ممد الصادق ـ ف قوله تعال ‪ :‬فسلم لك من أصحاب اليمي ‪ .‬أي بك ‪ ،‬إنا‬
‫وقعت سلمتهم من أجل كرامة ممد صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و قال ال تعال ‪ :‬ال نور السماوات والرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح الصباح ف زجاجة‬
‫الزجاجة كأنا كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة ل شرقية ول غربية يكاد زيتها يضيء ولو‬
‫ل تسسه نار نور على نور يهدي ال لنوره من يشاء ويضرب ال المثال للناس وال بكل شيء عليم‬
‫[ سورة النور ‪ : 24 /‬الية ‪. ] 35‬‬
‫قال كعب ‪ ،‬و ابن جبي ‪ :‬الراد بالنور الثان هنا ممد عليه السلم [‪ . ] 7‬و قوله تعال مثل نوره أي‬
‫نور ممد صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و قال سهل بن عبد ال ‪ :‬العن ‪ :‬ال هادي أهل السموات و الرض ‪ ،‬ث قال ‪ :‬مثل نور ممد إذ كان‬
‫مستودعا ف الصلب كمشكاة صفتها كذا ‪ ،‬و أراد بالصباح قلبه ‪ ،‬و بالزجاجة صدره ‪ ،‬أي كأنه‬
‫كوكب دري لا فيه من اليان و الكمة يوقد من شجرة مباركة أي من نور إبراهيم ‪ .‬و ضرب الثل‬
‫بالشجرة الباركة ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬يكاد زيتها يضيء أي تكاد نبوة ممد صلى ال عليه و سلم تبي للناس قبل كلمه كهذا الزيت‬
‫‪.‬‬
‫و قيل ف هذه الية غي هذا ‪ .‬و ال أعلم ‪.‬‬
‫و قد ساه ال تعال ف القرآن ف غي هذا الوضع نورا و سراجا منيا ‪ ،‬فقال تعال ‪ :‬قد جاءكم من ال‬
‫نور وكتاب مبي [ سورة الائدة ‪ : 5 /‬الية ‪. ] 15‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * وداعيا إل ال بإذنه وسراجا منيا [ سورة الحزاب ‪/‬‬
‫‪ : 33‬الية ‪ 45‬ـ ‪. ] 46‬‬
‫و من ه ذا قوله تعال ‪ :‬أل نشرح لك صدرك * ووضعنا عنك وزرك * الذي أنقض ظهرك * ورفعنا لك‬
‫ذكرك * فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا * فإذا فرغت فانصب * وإل ربك فارغب [ سورة‬
‫الشرح ‪. ] 94 /‬‬
‫شرح ‪ :‬وسع ‪ .‬و الراد بالصدر هنا ‪ :‬القلب ‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬شرحه بالسلم ‪.‬‬
‫و قال سهل ‪ :‬بنور الرسالة ‪.‬‬
‫و قال السن ‪ :‬مله حكما و علما ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬معناه أل نطهر قلبك حت ل يؤذيك الوسواس ‪ .‬و وضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ‪:‬‬
‫قيل ‪ :‬ما سلف من ذنبك ـ يعن قبل النبوة ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬أراد ثقل أيام الاهلية ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬أراد ما أثقل ظهره من الرسالة حت بلغها ‪ .‬حكاه الاوردي و السلمي ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬عصمناك ‪ ،‬و لول ذلك لثقلت الذنوب ظهرك ‪ ،‬حكاه السمرقندي ‪.‬‬
‫ورفعنا لك ذكرك قال يي بن آدم ‪ :‬بالنبوة ‪ .‬و قيل ‪ :‬إذا ذكرت ذكرت معي قول ‪ :‬ل إله إل ال ‪،‬‬
‫ممد رسول ال ‪ .‬و قيل ‪ :‬ف الذان [ ‪. ] 8‬‬
‫قال القاضي أبو الفضل ‪ :‬هذا تقرير من ال جل اسه لنبيه صلى ال عليه وسلم على عظيم نعمه لديه ‪ ،‬و‬
‫شريف منلته عنده ‪ ،‬و كرامته عليه ‪ ،‬بأن شرح قلبه لليان و الداية ‪ ،‬و وسعه لوعى العلم ‪ ،‬و حل‬
‫الكمة ‪ ،‬و رفع عنه ثقل أمور الاهلية عليه ‪ ،‬و بغضه لسيها ‪ ،‬و ما كانت عليه بظهور دينه على‬
‫الدين كله ‪ ،‬و حط عنه عهدة أعباء الرسالة و النبوة لتبليغه للناس ما نزل إليهم ‪ ،‬و تنويهه بعظيم‬
‫مكانه ‪ ،‬و جليل رتبته ‪ ،‬و رفعه و ذكره ‪ ،‬و قرانه مع اسه اسه ‪.‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬رفع ال ذكره ف الدنيا والخرة فليس خطيب و ل متشهد و ل صاحب صلة إل يقول ‪:‬‬
‫أشهد أن ل إله إل ال و أن ممدا رسول ال ‪.‬‬
‫و روى أبو سعيد الدري أن النب صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬أتان جبيل عليه السلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن رب‬
‫و ربك يقول ‪ :‬تدري كيف رفعت ذكرك ؟ قلت ‪ :‬ال و رسوله أعلم ‪ .‬قال ‪ :‬إذا ذكرت ذكرت معي‬
‫‪.‬‬
‫قال ابن عطاء ‪ :‬جعلت تام اليان بذكري معك ‪.‬‬
‫و قال أيضا ‪ :‬جعلتك ذكرا من ذكرى ‪ ،‬فمن ذكرك ذكرن ‪.‬‬
‫و قال جعفر بن ممد الصادق ‪ :‬ل يذكرك أحد بالرسالة إل ذكرن بالربوبية ‪.‬‬
‫و أشار بعضهم ف ذلك إل الشفاعة ‪.‬‬
‫و من ذكره معه تعال أن قرن طاعته بطاعته و اسه باسه ‪ ،‬فقال تعال ‪ :‬أطيعوا ال والرسول ‪ .‬و آمنوا‬
‫بال ورسوله ‪ ،‬فجمع بينهما بواو العطف الشركة ‪.‬‬
‫و ل يوز جع هذا الكلم ف غي حقه عليه السلم ‪.‬‬
‫حدثنا الشيخ أبو علي السي بن ممد اليان الافظ فيما أجازنيه [ ‪ ، ] 8‬و قرأته على الثقة عنه ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬حدثنا أبو عمر النمري ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا أبو ممد بن عبد الؤمن ‪ ،‬حدثنا أبو بكر بن داسة ‪ :‬حدثنا أبو‬
‫داود السجزي ‪ ،‬حدثنا أبو الوليد الطيالسي ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن عبد ال بن يسار ‪ ،‬عن‬
‫حذيفة رضي ال عنه ‪ ،‬عن النب صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪ :‬ل يقولن أحدكم ما شاء ال و شاء‬
‫فلن ‪ ،‬و لكن ما شاء ال ث شاء فلن ‪.‬‬
‫قال الطاب ‪ :‬أرشدهم صلى ال عليه و سلم إل الدب ف تقدي مشيئة ال تعال على مشيئة من سواه ‪،‬‬
‫و اختارها بثم الت هي للنسق و التراخي ‪ ،‬بلف الواو الت هي للشتراك ‪.‬‬
‫و مثله الديث الخر ‪ :‬إن خطيبا خطب عند النب صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬من يطع ال و رسوله‬
‫فقد رشد ‪ ،‬و من يعصهما ‪ .‬فقال له النب صلى ال عليه وسلم ‪ :‬بئس خطيب القوم أنت ! قم ‪ .‬أو قال‬
‫‪ :‬اذهب ‪ .‬قال أبو سليمان ‪ :‬كره منه المع بي السي برف الكناية لا فيه من التسوية ‪.‬‬
‫و ذهب غيه إل أنه كره له الوقوف على يعصهما ‪.‬‬
‫و قول أب سليمان أصح ‪ ،‬لا روي ف الديث الصحيح أنه قال ‪ :‬و من يعصهما فقد غوى ‪ ،‬و ل يذكر‬
‫الوقوف على يعصهما ‪.‬‬
‫و قد اختلف الفسرون و أصحاب العان ف قوله تعال ‪ :‬إن ال وملئكته يصلون على النب ‪ ،‬هل‬
‫[ يصلون ] راجعة على ال تعال و اللئكة أم ل ؟ ‪.‬‬
‫فأجازه بعضهم ‪ ،‬و منعه آخرون ‪ ،‬لعلة التشريك ‪ ،‬و خصوا الضميباللئكة ‪ ،‬و قدروا االية ‪ :‬إن ال‬
‫يصلي ‪ ،‬و ملئكته يصلون ‪.‬‬
‫و قد روي عن عمر رضي ال عنه أنه قال ‪ :‬من فضيلتك عند ال أن جعل طاعتك طاعته ‪ ،‬فقال تعال ‪:‬‬
‫من يطع الرسول فقد أطاع ال [ سورة النساء ‪ : 4 /‬الية ‪. ] 80‬‬
‫و قد قال [ ‪ ] 9‬تعال ‪ :‬قل إن كنتم تبون ال فاتبعون يببكم ال ويغفر لكم ذنوبكم وال غفور رحيم‬
‫* قل أطيعوا ال والرسول فإن تولوا فإن ال ل يب الكافرين [سورة آل عمران ‪ : 3 /‬الية ‪ 31‬ـ ‪32‬‬
‫]‪.‬‬
‫روي أنه لا نزلت هذه الية قالوا ‪ :‬إن ممدا يريد أن نتخذه حنانا كما اتذت النصارى عيسى ‪ ،‬فأنزل‬
‫ال تعال ‪ :‬قل أطيعوا ال والرسول فقرن طاعته بطاعته رغما لم ‪ .‬و قد اختلف الفسرون ف معن قوله‬
‫تعال ف أم الكتاب ‪ :‬اهدنا الصراط الستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم ‪ ،‬فقال أبو العالية ‪ ،‬و السن‬
‫البصر ي ‪ :‬الصراط الستقيم هو رسول ال صلى ال عليه و سلم و خيار أ هل بيته و أصحابه ‪ ،‬حكاه‬
‫عنهما أبو السن الارودي و حكى مكي عنهما نوه ‪ ،‬و قال ‪ :‬هو رسول ال صلى ال عليه و سلم و‬
‫صاحباه ‪ :‬أبو بكر و عمر رضي ال عنهما ‪.‬‬
‫و حكى أبو الليث السمرقندي مثله عن أب العالية ‪ ،‬ف قوله تعال ‪ :‬صراط الذين أنعمت عليهم ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫فبلغ ذلك السن ‪ ،‬فقال ‪ :‬صدق و ال و نصح ‪.‬‬
‫و حكى الاوردي ذلك ف تفسي ‪ :‬صراط الذين أنعمت عليهم عن عبد الرحن بن زيد ‪.‬‬
‫و حكى أبو عبد الرحن السلمي ‪ ،‬عن بعضهم ‪ ،‬ف تفسي قوله تعال ‪ :‬فقد استمسك بالعروة الوثقى ل‬
‫انفصام لا وال سيع عليم ـ أنه ممد صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬السلم ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬شهادة التوحيد ‪.‬‬
‫و قال سهل ف قوله تعال ‪ :‬وإن تعدوا نعمة ال ل تصوها ـ قال ‪ :‬نعمته بحمد صلى ال عليه و سلم‬
‫‪.‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم التقون * لم ما يشاؤون عند ربم ذلك جزاء‬
‫الحسني ( سورة الزمر ‪ : 39 /‬الية ‪. ) 34 ، 33‬‬
‫أكثر الفسرين على أن الذي جاء بالصدق هو ممد صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و قا ل بعضهم ‪ :‬و هو الذي صدق به ‪.‬‬
‫و قرىء ‪ :‬صدق ـ بالتخفيف ‪.‬‬
‫و قال غيهم ‪ :‬الذي صدق به الؤمنون [ ‪. ] 9‬‬
‫و قيل أبو بكر ‪ .‬و قيل علي ‪ .‬غي هذا من القوال ‪.‬‬
‫و عن ماهد ـ ف قوله تعال ‪ :‬أل بذكر ال تطمئن القلوب ـ قال ‪ :‬بحمد صلى ال عليه و سلم و‬
‫أصحابه ‪.‬‬

‫الفصل الثان‬

‫ف وصفه تعال له بالشهادة و ما يتعلق با من الثناء و الكرامة‬

‫قال ال تعال ‪ :‬يا أيها النب إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * وداعيا إل ال بإذنه وسراجا منيا‬
‫( سورة الحزاب ‪ : 33/‬الية ‪ 45‬ـ ‪. ) 46‬‬
‫جع ال تعال ف هذه الية ضروبا من رتب الثرة ‪ ،‬و جلة أوصاف من الدحة فجعله شاهدا على أمته‬
‫لنفسه بإبلغهم الرسالة ‪ ،‬و هي من خصائصه صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و مبشرا لهل طاعته ‪ ،‬و نذيرا‬
‫لهل معصيته ‪ ،‬و داعيا إل توحيده و عبادته ‪ ،‬و سراجا منيا يهتدى به للحق ‪.‬‬
‫حدثنا الشيخ أبو ممد بن عتاب رحه ال ‪ ،‬حدثنا أبو القاسم حات بن ممد ‪ ،‬حدثنا أبو السن القابسي‬
‫‪ ،‬حدثنا أبو زيد الروزي ‪ ،‬حدثنا أبو عبد ال ممد بن يوسف ‪ ،‬حدثنا البخاري ‪ ،‬حدثنا ممد بن سنان‬
‫‪ ،‬حدثنا فليح ‪ ،‬حدثنا هلل ‪ ،‬عن عطاء ابن يسار ‪ ،‬قال ‪ :‬لقيت عبد ال بن عمرو بن العاص ‪ ،‬قلت ‪:‬‬
‫أخبن عن صفة رسول ال صلى ال عليه و سلم قال ‪ :‬أجل ‪ ،‬و ال ‪ ،‬إنه لوصوف ف التوراة ببعض‬
‫صفته ف القرآن ‪ :‬يا أيها النب إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ‪ ،‬و حرزا للميي ‪ ،‬أنت عبدي و‬
‫رسول ‪ ،‬سيتك التوكل ‪ ،‬ليس بفظ و ل غليظ و ل صخاب ف السواق ‪ ،‬و ل يدفع بالسيئة السيئة ‪،‬‬
‫و لكن يعفو و يغفر ‪ ،‬و لن يقبضه ال حت يقيم به اللة العوجاء ‪ ،‬بأن يقولوا ‪ :‬لإله إل ال ‪ ،‬و يفتح به‬
‫أعينا عميا‪ ،‬و آذانا صما ‪ ،‬و قلوبا غلفا‪.‬‬
‫و ذكر مثله عن عبد ال بن سلم [ ‪ ] 10‬و كعب الحبار ‪ ،‬و ف بعض طرقه ‪ ،‬عن ابن إسحاق ‪ :‬و ل‬
‫صخب ف السواق ‪ ،‬و ل متزين بالفحش ‪ ،‬و ل قوال للخنا ‪ ،‬أسدده لكل جيل ‪ ،‬و أهب له كل خلق‬
‫كري ‪ ،‬و أجعل السكينة لباسه ‪ ،‬و الب شعاره ‪ ،‬و التقوى ضميه ‪ ،‬و الكمة معقوله ‪ ،‬و الصدق و‬
‫الوفاء طبيعته ‪ ،‬و العفو و العروف خلقه ‪ ،‬و العدل سيته ‪ ،‬و الق شريعته ‪ ،‬و الدى إمامه ‪ ،‬و السل‬
‫م ملته ‪ ،‬و أحد اسه ‪ ،‬أهدي به بعد الضللة ‪ ،‬و أعلم به بعد الهالة ‪ ،‬و أرفع به بعد المالة ‪ ،‬و أسي‬
‫به بعد النكرة ‪ ،‬و أكثر به بعد القلة ‪ ،‬و أغن به بعد العلة ‪ ،‬و أجع به بعد الفرقة ‪ ،‬و أولف به بي‬
‫قلوب متلفة ‪ ،‬و أهواء متشتتة ‪ ،‬و أمم متفرقة ‪ ،‬و أجعل أمته خي أمة أخرجت للناس ‪ .‬و ف حديث‬
‫آخر ‪ :‬أخبنا رسول ال صلى ال عليه وسلم عن صفته ف التوراة ‪ :‬عبدي أحد الختار ‪ ،‬مولده بكة ‪،‬‬
‫و مهاج ره بالدينة ‪ ،‬أو قال ‪ :‬طيبة أمته المادون ل على كل حال ‪ .‬و قال تعال الذين يتبعون الرسول‬
‫النب المي الذي يدونه مكتوبا عندهم ف التوراة والنيل يأمرهم بالعروف وينهاهم عن النكر ويل‬
‫لم الطيبات ويرم عليهم البائث ويضع عنهم إصرهم والغلل الت كانت عليهم فالذين آمنوا به‬
‫وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم الفلحون * قل يا أيها الناس إن رسول ال‬
‫إليكم جيعا الذي له ملك السماوات والرض ل إله إل هو ييي وييت فآمنوا بال ورسوله النب المي‬
‫الذي يؤمن بال وكلماته واتبعوه لعلكم تتدون [سورة العراف ‪ : 7/‬الية ‪157‬ـ ‪. ] 158‬‬
‫و قد قال تعال ‪ :‬فبما رحة من ال لنت لم ولو كنت فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك فاعف‬
‫عنهم واستغفر لم وشاورهم ف المر فإذا عزمت فتوكل على ال إن ال يب التوكلي [ سورة آل‬
‫عمران ‪ : 3 /‬الية ‪. ] 159‬‬
‫قال السمرقندي ‪ :‬ذكرهم ال منته أنه جعل رسوله رحيما بالؤمني ‪ ،‬رؤوفا لي الانب ‪ ،‬و لو كان‬
‫فظا خشنا ف القول لتفرقوا من حوله ‪ ،‬و لكن جعله ال تعال سحا ‪ ،‬سهلً طلقا برا لطيفا ‪.‬‬
‫هكذا قاله الضحاك ‪.‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا‬
‫[ سورة البقرة ‪ : 2 /‬الية ‪. ] 143‬‬
‫قال أبو السن القابسي ‪ :‬أبان ال تعال فضل نبينا صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و فضل أمته بذه الية ‪ ،‬و ف‬
‫قوله ف الية [ ‪ ] 10‬الخرى ‪ :‬وف هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس‬
‫[ سورة الج ‪ : 22 /‬الية ‪. ] 78‬‬
‫و كذلك قوله تعال ‪ :‬فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلء شهيدا [ سورة النساء ‪/‬‬
‫‪ : 4‬الية ‪. ] 41‬‬
‫قوله تعال ‪ :‬وسطا ‪ :‬أي عدلً خيارا ‪.‬‬
‫و معن هذه الية ‪ :‬و كما هديناكم فكذلك خصصناكم و فضلناكم بأن جعلناكم أمة خيارا عدولً ‪،‬‬
‫لتشهدوا للنبياء عليهم السلم على أمهم ‪ ،‬و يشهد لكم الرسول بالصدق ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬إن ال جل جلله إذا سأل النبياء ‪ :‬هل بلغتم ‪ .‬فيقولون ‪ :‬نعم ‪ .‬فتقول أمهم ‪ :‬ما جاءنا من‬
‫بشي و ل نذير ‪ ،‬فتشهد أمة ممد صلى ال عليه و سلم لل نبياء ‪ ،‬و يزكيهم النب صلى ال عليه وسلم‬
‫‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬معن الية ‪ :‬إنكم حجة على كل من خالفكم ‪ ،‬و الرسول حجة عليكم ‪ .‬حكاه السمرقندي ‪.‬‬
‫و قال ال تعال ‪ :‬وبشر الذين آمنوا أن لم قدم صدق عند ربم [ سورة يونس ‪ : 10 /‬الية ‪. ] 2‬‬
‫قال قتادة ‪ ،‬و السن ‪ ،‬و زيد بن أسلم ‪ :‬قدم صدق ‪ :‬هو ممد صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬يشفع لم ‪.‬‬
‫و عن السن أيضا ‪ :‬هي مصيبتهم بنبيهم ‪.‬‬
‫و عن أب سعيد الدري رضي ال عنه ‪ :‬هي شفاعة نبيهم ممد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬هو شفيع صدق‬
‫عند ربم ‪.‬‬
‫و قال سهل بن عبد ال التستري ‪ :‬هي سابقة رحة أودعها ال ف ممد صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و قال ممد بن علي الترمذي ‪ :‬هو إمام الصادقي و الصديقي ‪ ،‬الشفيع الطاع ‪ ،‬و السائل الجاب ممد‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬حكاه عنه السلمي ‪.‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫فيما ورد من خطابه إياه مورد اللطفة و البة‬

‫من ذلك قوله تعال ‪ :‬عفا ال عنك ل أذنت لم [ سورة التوبة ‪ : 9 /‬الية ‪.] 43‬‬
‫قال أبو ممد مكي ‪ :‬قيل هذا إفتتاح كلم بنلة ‪ :‬أصلحك ال ‪ ،‬و أعزك ال ‪.‬‬
‫و قال عون بن عبد ال ‪ :‬أخبه بالعفو قبل أن يبه بالذنب ‪.‬‬
‫و حكى السمرقندي عن بعضهم أن معناه ‪ :‬عافاك ال يا سليم القلب ‪ :‬ل أذنت لم ؟ ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬و لو بدأ النب صلى ال عليه وسلم بقوله ‪ ،‬ل أذنت لم ليف عليه أن ينشق قلبه من هيبة هذا‬
‫الكلم ‪ ،‬لكن ال تعال برحته أخبه بالعفو حت سكن قلبه ‪ ،‬ث قال له ‪ :‬ل أذنت لم بالتخلف حت‬
‫يتبي لك الصادق ف عذره من الكاذب ‪.‬‬
‫و ف هذا من عظيم منلته عند ال ما ل يفى على ذي لب ‪.‬‬
‫و من إكرامه إياه و بره به ما ينقطع دون معرفة غايته نياط القلب ‪ .‬قال نفطويه ‪ :‬ذهب ناس إل أن‬
‫النب صلى ال عليه و سلم معاتب بذه الية ‪ ،‬و حاشاه من ذلك ‪ ،‬بل كان ميا فلما أذن لم أعلمه ال‬
‫تعال أنه لو ل يأذن لم لقعدوا لنفاقهم ‪ ،‬و أنه ل حرج عليه ف الذن لم ‪.‬‬
‫قال القاضي أبو الفضل ‪ :‬يب على السلم الجاهد نفسه ‪ ،‬ا لرائض بزمام الشريعة خلقه أن يتأدب‬
‫بأدب القرآن ف قوله و فعله ‪ ،‬و معاطاته و ماوراته ‪ ،‬فهو عنصر العارف القيقية ‪ ،‬و روضة الداب‬
‫الدينة و الدنيوية ‪ ،‬و ليتأمل هذه اللطفة العجيبة ف السؤال من رب الرباب ‪ ،‬النعم على الكل ‪،‬‬
‫الستغن عن الميع ‪ ،‬و يستثر ما فيها من الفوائد ‪ ،‬و كيف ابتدأ بالكرام قبل العتب ‪ ،‬و أنس بالعفو‬
‫قبل ذكر الذنب إن كان ث ذنب ‪.‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬ولول أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليل [ سورة السراء ‪ : 17 /‬الية ‪. ] 74‬‬
‫قال بعض التكلمي ‪ :‬عاتب ال تعال النبياء عليهم السلم بعد [ ‪ ]11‬الزلت ‪ ،‬و عاتب نبيا عليه‬
‫السلم قبل وقوعه ‪ ،‬ليكون بذلك أشد انتهاءً و مافظة لشرائط الحبة ‪ ،‬و هذه غاية العناية ‪.‬‬
‫ث انظر كيف بدأ بثباته و سلمته قبل ذكر ما عتبه عليه و خيف أن يركن إليه ‪ ،‬ففي أثناء عتبه براءته ‪،‬‬
‫و ف طي تويفه تأمينه و كرامته ‪.‬‬
‫و مثله قوله تعال ‪ :‬قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنم ل يكذبونك ولكن الظالي بآيات ال‬
‫يحدون [ سورة النعام ‪ : 6 /‬الية ‪. ] 33‬‬
‫قال علي رضي ال عنه ‪ :‬قال أبو جهل للنب صلى ال عليه وسلم ‪ :‬إنا ل نكذبك و لكن نكذب ما جئ‬
‫ت به ‪ ،‬فأنزل ال تعال ‪ :‬فإنم ل يكذبونك ولكن الظالي بآيات ال يحدون ‪.‬‬
‫و روي أن النب صلى ال عليه و سلم لا كذبه قومه حزن ‪ ،‬فجاءه جبيل عليه السلم فقال ‪ :‬ما يزنك‬
‫؟ قال ‪ :‬كذبن قومي ! فقال ‪ :‬إنم يعلمون أنك صادق ‪ ،‬فأنزل ال تعال الية ‪.‬‬
‫ففي هذه الية منع لطيف الأخذ ‪ ،‬من تسليته تعال له عليه السلم ‪ ،‬و إلطافه به ف القول ‪ ،‬بأن قرر‬
‫عنده أنه صادق عندهم ‪ ،‬و أنم غي مكذبي له ‪ ،‬معترفون بصدقه قولً و إعتقادا ‪ ،‬و قد كانوا يسمونه‬
‫ـ قبل النبوة ـ المي ‪ ،‬فدفع بذا التقرير ارتاض نفسه بسمة الكذب ‪ ،‬ث جعل الذم لم بتسميتهم‬
‫جاحدين ظالي ‪ ،‬فقال تعال ‪ :‬ولكن الظالي بآيات ال يحدون [ سورة النعام ‪ : 6 /‬الية ‪. ] 33‬‬
‫فحاشاه من الوصم ‪ ،‬و طوقهم بالعاندة بتكذيب اليات حقيقة الظلم ‪ ،‬إذ الحد إنا يكون من علم‬
‫الشيء ث أنكره ‪ ،‬كقوله تعال ‪ :‬وجحدوا با واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا [ سورة النمل ‪: 17 /‬‬
‫الية ‪. ] 14‬‬
‫ث عزاه و آنسه با ذكره عمن قبله ‪ ،‬و وعده النصر بقوله تعال ‪ :‬ولقد كذبت رسل من قبلك فصبوا‬
‫على ما كذبوا وأوذوا حت أتاهم نصرنا ول مبدل لكلمات ال ولقد جاءك من نبإ الرسلي [ سورة‬
‫النعام ‪ : 6 /‬الية ‪. ] 34‬‬
‫فمن قرأ وإن يكذبوك بالتخفيف ‪ ،‬فمعناه ‪ :‬ل يدونك كاذبا ‪ .‬و قال الفراء ‪ ،‬و الكسائي ‪ :‬ل يقولون‬
‫إنك كاذب ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬ل يتجون على كذبك ‪ ،‬و ل يثبتونه ‪.‬‬
‫و من قرأ بالتشديد فمعناه ‪ :‬ل ينسبوك إل الكذب ‪ .‬و قيل ‪ :‬ل يعتقدون كذبك ‪.‬‬
‫و ما ذكر من خصائصه و بر ال تعال به أن ال تعال خاطب جيع النبياء بأسائهم ‪ ،‬فقال تعال ‪ :‬يا‬
‫آدم ‪ ،‬يا نوح ‪ ،‬يا موسى ‪ ،‬يا داود ‪ ،‬يا عيسى ‪ ،‬يا زكريا ‪ ،‬يا يي ‪ .‬و ل ياطب هو إل ‪ :‬يأيها‬
‫الرسول ‪ ،‬يأيها النب ‪ ،‬يأ يها الزمل ‪ ،‬يأيها الدثر ‪.‬‬

‫الفصل الرابع‬

‫ف قسمه تعال ف عظيم قدره‬

‫قال ال تعال ‪ :‬لعمرك إنم لفي سكرتم يعمهون [ سورة الجر ‪ : 15 /‬الية ‪ . ] 72‬اتفق أهل‬
‫التفسي ف هذا أنه قسم من ال جل جلله بدة حياة ممد صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و أصله ضم العي ‪،‬‬
‫من العمر ‪ ،‬و لكنها فتحت لكثرة الستعمال ‪ .‬و معناه ‪ :‬و بقائك يا ممد و قيل ‪ :‬و عيشك ‪ .‬و قيل ‪:‬‬
‫و حياتك ‪.‬‬
‫و هذه ناية التعظيم ‪ ،‬و غاية الب و التشريف ‪ .‬قال ابن عباس رضي ال عنهما ‪ :‬ما خلق ال تعال ‪ ،‬و‬
‫ما ذرأ ‪ ،‬و ما برأ نفسا ـ أكرم عليه من ممد صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و ما سعت ال تعال أقسم بياة‬
‫أحد غيه ‪.‬‬
‫و قال أبو الوزاء ‪ :‬ما أقسم ال تعال بياة أحد غي ممد صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬لنه أكرم البية عنده‬
‫‪.‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬يس * والقرآن الكيم ‪.‬‬
‫اختلف الفسرون ف معن يس على أقوال ‪ ،‬فحكى أبو ممد مكي أنه روي عن النب صلى ال عليه و‬
‫سلم أنه قال ‪ :‬ل عند رب عشرة أساء ذكر منها ‪ :‬طه و يس ـ اسان له ‪.‬‬
‫و حكى أبو عبد الرحن السلمي ‪ ،‬عن جعفر الصادق ـ أنه أراد ‪ :‬يا سيد ‪ ،‬ماطبة لنبيه صلى ال عليه‬
‫و سلم [ ‪. ] 12‬‬
‫و عن ابن عباس ‪ :‬يس ـ يا إنسان ‪ ،‬أراد ممدا صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬هو قسم ‪ ،‬و هو من أساء ال تعال ‪.‬‬
‫و قال الزجاج ‪ :‬قيل معناه ‪ :‬يا ممد ‪ .‬و قيل ‪ :‬يا رجل ‪ .‬و قيل ‪ :‬يا إنسان ‪.‬‬
‫و عن ابن النفية ‪ :‬يس ‪ :‬يا ممد ‪.‬‬
‫و عن كعب ‪ :‬يس ‪ :‬قسم أقسم ال تعال به قبل أن يلق السماء و الرض بألفي عام ‪ :‬يا ممد إنك لن‬
‫الرسلي ‪ .‬ث قال ‪ :‬و القرآن الكيم إنك لن الرسلي ‪.‬‬
‫فإن قرر أنه بي أسائه صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و ضح فيه ‪ .‬أنه قسم كان فيه من التعظيم ما تقدم ‪ ،‬و‬
‫يؤكد فيه القسم عطف القسم الخر عليه ‪ ،‬و إن كان بعن النداء فقد جاء قسم آخر بعده لتحقيق‬
‫رسالته ‪ ،‬و الشهادة بدايته ‪ :‬أقسم ال تعال باسه و كتابه إنه لن الرسلي بوحيه إل عباده ‪ ،‬و على‬
‫صراط مستقيم من إيانه ‪ ،‬أي طريق ل اعوجاج فيه ‪ ،‬ول عدول عن الق ‪.‬‬
‫قال النقاش ‪ :‬ل يقسم ال تعال لحد من أنبيائه بالرساله ف كتاب إل له ‪ ،‬و فيه من تعظيمه و تجيده‬
‫ـ عن تأويل من قال ‪ :‬أنه يا سيد ـ ما فيه ‪ ،‬و قد قال عليه السلم ‪ :‬أنا سيد ولد آدم ‪ ،‬و ل فخر ‪.‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬ل أقسم بذا البلد * وأنت حل بذا البلد [ سورة البلد ‪ : 90 /‬الية ‪. ] 2‬‬
‫قيل ‪ :‬ل أقسم به إذا ل تكن فيه بعد خروجك منه ‪ ،‬حكاه مكي ‪.‬‬
‫و قيل ‪ [ :‬ل ] زائدة ‪ ،‬أي أقسم به و أنت به يا ممد حلل ‪ .‬أو حل لك ما فعلت فيه على التفسيين‬
‫‪.‬‬
‫و الراد بالبلد عند هؤلء مكة ‪.‬‬
‫و قال الواسطي ‪ :‬أي نلف لك بذا البلد الذي شرفته بكانك فيه حيا ‪ ،‬و ببكتك ميتا ـ يعن الدينة‬
‫‪.‬‬
‫و الول أصح ‪ ،‬لن السورة مكية ‪ ،‬و ما بعده يصححه ‪ :‬قوله تعال وأنت حل بذا البلد [ سورة البلد‬
‫‪ : 90 /‬الية ‪. ] 2‬‬
‫و نوه قول ابن عطاء ف تفسي قوله تعال ‪ :‬وهذا البلد المي قال ‪ :‬أمنها ال تعال بقامه فيها و كونه‬
‫با ‪ ،‬فإن كونه أمان حيث كان ‪.‬‬
‫ث قال ‪ :‬ووالد وما ولد و من قال ‪ :‬أراد آدم فهو عام ‪ ،‬و من قال ‪ :‬هو ابراهيم و ما ولد ـ إن شاء ال‬
‫ـ إشارة إل ممد صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فتتضمن السورة القسم به صلى ال عليه و سلم ف موضعي‬
‫‪.‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬ال * ذلك الكتاب ل ريب فيه [ سورة البقرة ‪ : 2 /‬اليه ‪ 1‬ـ ‪. ] 2‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬هذه الروف أقسام أقسم ال تعال با ‪ .‬و عنه و عن غيه فيها غي ذلك‪.‬‬
‫و قال سهل ابن عبد ال التست ري ‪ :‬اللف هو ال تعال ‪ .‬و اللم جبيل و اليم ممد صلى ال عليه‬
‫و سلم ‪.‬‬
‫و حكى هذا القول السمرقندي ‪ ،‬و ل ينسبه إل سهل ‪ ،‬و جعل معناه ‪ :‬ال أنزل جبيل على ممد بذا‬
‫القرآن ل ريب فيه ‪ ،‬و على الوجه الول يتمل القسم أن هذا الكتاب حق ل ريب فيه ‪ ،‬ث فيه من‬
‫فضيلة قرآن اسه باسه نو ما تقدم ‪.‬‬
‫و قال ابن عطاء ـ ف قوله تعال ق والقرآن الجيد ـ أقسم بقوة قلب حبيبه ممد صلى ال عليه و‬
‫سلم حيث حل الطاب و الشاهدة و ل يؤثر ذلك فيه لعلو حاله ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬هو اسم للقرآن ‪ .‬و قيل ‪ :‬هو اسم ل تعال ‪ .‬و قيل ‪ :‬جبل ميط بالرض ‪ .‬و قيل غي هذا ‪.‬‬
‫و قال جعفر بن ممد ـ ف تفسي ‪ :‬والنجم إذا هوى ‪ :‬إنه ممد صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬وقال ‪ :‬النجم‬
‫قلب ممد صلى ال عليه و سلم ‪ :‬انشرح من النوار ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬انقطع عن غي ال ‪.‬‬
‫و قال ابن عطاء ـ ف قوله تعال والفجر* وليال عشر ـ الفجر ‪ :‬ممد صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬لنه منه‬
‫تفجر اليان ‪.‬‬

‫الفصل الامس‬

‫ف قسمه تعال جده ‪ ،‬له ‪ ،‬ليحقق مكانته عنده‬

‫قال جل اسه ‪ :‬والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى * وللخرة خي لك من الول‬
‫* ولسوف يعطيك ربك فترضى * أل يدك يتيما فآوى * ووجدك ضال فهدى * ووجدك عائل فأغن‬
‫* فأما اليتيم فل تقهر * وأما السائل فل تنهر * وأما بنعمة ربك فحدث [سورةالضحى ‪ :93 /‬الية‬
‫‪] 93‬‬
‫اختلف ف سبب نزول هذه السورة ‪ ،‬فقيل ‪ :‬كان ترك النب صلى ال عليه و سلم قيام الليل لعذر نزل به‬
‫‪ ،‬فتكلمت امرأة ف ذلك بكلم ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬بل تكلم به الشركون عند فترة الوحي ‪ ،‬فنلت السورة ‪.‬‬
‫قال القاضي المام أبو الفضل ‪ :‬تضمنت هذه السورة من كرامة ال تعلى له ‪ ،‬و تنويهه به و تعظيمه إياه‬
‫ستة و جوه ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬القسم له عما أخبه به من حاله بقوله تعال والضحى * والليل إذا سجى ‪ .‬أي و رب‬
‫الضحى ‪،‬و هذا من أعظم درجات البة ‪.‬‬
‫الثان ‪ :‬بيان مكانته عنده و حظوته لديه بقوله تعال ‪ :‬ما ودعك ربك وما قلى ‪ ،‬أي ماتركك و ما‬
‫أبغضك ‪ .‬و قيل ‪ :‬ما أهلك بعد أن اصطفاك ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬قوله تعال ‪ :‬وللخرة خي لك من الول ‪ ،‬قال ابن إسحاق ‪ :‬اي مالك ف مرجعك ع ند ال‬
‫أعظم ما أعطاك من كرامة الدنيا ‪.‬‬
‫و قال سهل ‪ :‬أي ما ما ذخرت لك من الشفاعة و القام الحمود خي لك ما أعطيتك ف الدنيا ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬قوله تعال ولسوف يعطيك ربك فترضى‬
‫و هذه أيه جامعة لوجوه الكرامة ‪ ،‬و أنواع السعادة ‪ ،‬و شتات النعام ف الدارين ‪ .‬و الزيادة ‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬يرضيه بالفلج ف الدنيا ‪ ،‬و الثواب ف الخرة ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬يعطيه الوض و الشفاعة‪.‬‬
‫و روي عن بعض آل النب صلى ال عليه و سلم أنه قال ‪ :‬ليس آية ف القرآن أرجى منها ‪ ،‬و ل يرضى‬
‫رسول صلى ال عليه و سلم أن يدخل أحد من أمته النار ‪.‬‬
‫الامس ‪ :‬ما عدده تعال عليه من نعمه ‪ ،‬و قرره من آلئه قبله ف بقية السورة ‪ ،‬من هدايته إل ما هداه‬
‫له ‪ ،‬أو هداية الناس به على اختلف التفاسي ‪ ،‬ول مال له ‪ ،‬فأغناه با آتاه ‪ ،‬أو با جعله ف قلبه من‬
‫القناعة و الغن ‪ ،‬و يتيما فحدب عليه عمه و آواه إليه ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬آواه إل ال ‪ .‬و قيل ‪ :‬يتيما ‪ :‬ل مثال لك ‪ ،‬فآواك إليه ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬العن ‪ :‬أل يدك فهدى بك ضا ًل ‪ ،‬و أغن بك عائلً ‪ ،‬و آوى بك يتيما ـ ذكره بذه النن ‪،‬‬
‫و أنه على العلوم من التفسي ل يهمله ف حال صغره و عيلته و يتمه و قبل معرفته به ‪ ،‬و ل و دعه ول‬
‫قله ‪ ،‬فكيف بعد اختصاصه و اصطفائه !‬
‫السادس ‪ :‬أمره بإظهار نعمته عليه و شكر ما شرفه بنشره و اشادة ذكره بقوله تعال ‪ :‬وأما بنعمة ربك‬
‫فحدث ‪ ،‬فإن من شكر النعمة الديث با ‪ ،‬و هذا خاص له ‪ ،‬عام لمته ‪.‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الوى * إن هو إل وحي‬
‫يوحى * علمه شديد القوى * ذو مرة فاستوى * وهو بالفق العلى * ث دنا فتدل * فكان قاب قوسي‬
‫أو أدن * فأوحى إل عبده ما أوحى * ما كذب الفؤاد ما رأى * أفتمارونه على ما يرى * ولقد رآه‬
‫نزلة أخرى * عند سدرة النتهى * عندها جنة الأوى * إذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما‬
‫طغى * لقد رأى من آيات ربه الكبى [ سورة النجم ‪ : 53 /‬اليات ‪. ] 18 : 1‬‬
‫اختلف الفسرون ف قوله تعال ‪ :‬والنجم بأقاويل معروفة ‪ ،‬منها النجم على ظاهره ‪ ،‬و منها القرآن ‪.‬‬
‫و عن جعفر بن ممد أنه ممد عليه السلم ‪ ،‬و قال ‪ :‬هو قلب ممد ‪.‬‬
‫و قد قيل ف قوله تعال ‪ :‬والسماء والطارق * وما أدراك ما الطارق * النجم الثاقب ـ إن النجم هنا‬
‫أيضا ممد صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬حكاه السلمي ‪.‬‬
‫تضمنت هذه اليات من فضله و شرفه العد ما يقف دونه العد ‪ ،‬و أقسم جل اسه على هداية‬
‫الصطفى ‪ ،‬و تنيهه عن الوى ‪ ،‬و صدقه فيما تل ‪ ،‬و أنه وحي يوحى أوصله إليه ـ عن ال ـ‬
‫جبيل ‪ ،‬و هو الشديد القوى ‪.‬‬
‫ث أخب تعال عن فضيلته بقصة السراء ‪ ،‬و انتهائه إل سدرة النتهى ‪ ،‬و تصديق بصره فيما رأى ‪ ،‬و أنه‬
‫رأى من آيات ربه الكبى ‪ . ] 14 [ .‬و قد نبه على مثل هذا ف أول سورة السراء ‪.‬‬
‫و لا كان ما كاشفه به عليه السلم من ذلك البوت ‪ ،‬و شاهده من عجائب اللكوت ل تيط به‬
‫العبارات ‪ ،‬ولتستقل بمل ساع أذناه العقول ـ رمز عنه تعال بالياءة و الكناية الدالة على التعظيم ‪،‬‬
‫فقال تعال ‪ :‬فأوحى إل عبده ما أوحى [ سورة النجم ‪ : 53 /‬الية ‪. ] 10‬‬
‫و هذا النوع من الكلم يسميه أهل النقد و البلغة بالوحي و الشارة ‪ ،‬و هو عندهم أبلغ أبواب الياز‬
‫‪.‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬لقد رأى من آيات ربه الكبى ـ انسرت الفهام عن تفصيل ما أوحى ‪ ،‬و تاهت‬
‫الحلم ف تعيي تلك اليات الكبى ‪.‬‬
‫قال القاضي أبو الفضل ‪ :‬اشتملت هذه اليات على إعلم ال تعال بتزكية جلته عليه السلم ‪ ،‬و‬
‫عصمتها من الفات ف هذا السرى ‪ ،‬فزكى فؤاده و لسانه و جوارحه ‪ :‬فزكى قلبه بقوله ‪ :‬ما كذب‬
‫الفؤاد ما رأى ‪ .‬و لسانه بقوله ‪ :‬وما ينطق عن الوى ‪.‬و بصره بقوله ‪ :‬ما زاغ البصر وما طغى [ سورة‬
‫النجم ‪ : 53 /‬الية ‪. ] 17‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬فل أقسم بالنس * الوار الكنس * والليل إذا عسعس * والصبح إذا تنفس * إنه لقول‬
‫رسول كري * ذي قوة عند ذي العرش مكي * مطاع ث أمي * وما صاحبكم بجنون * ولقد رآه‬
‫بالفق البي * وما هو على الغيب بضني * وما هو بقول شيطان رجيم [ سورة التكوير ‪ : 81 /‬اليات‬
‫‪. ] 25 ، 15 :‬‬
‫ل أقسم ‪ :‬أي أقسم ‪ .‬إنه لقول رسول كري ‪ ،‬أي كري عند مرسله ‪ .‬ذي قوة على تبليغ ما حله من‬
‫الوحي ‪ ،‬مكي ‪ :‬أي متمكن النلة من ربه ‪ ،‬رفيع الحل عنده ‪ ،‬مطاع ث ‪ :‬أي ف السماء ‪ .‬أمي على‬
‫الوحي ‪.‬‬
‫قال علي بن عيسى و غيه ‪ :‬الرسول الكري هنا ممد صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فجميع الوصاف بعد‬
‫على هذا له ‪.‬‬
‫و قال غيه ‪ :‬هو جبيل ‪ ،‬فترجع الوصاف إليه ‪.‬‬
‫و لقد رآه ـ يعن ممدا ‪ .‬قيل ‪ :‬رأى ربه ‪ .‬و قيل ‪ :‬رأى جبيل ف صورته ‪.‬‬
‫وما هو على الغيب بضني ‪ ،‬أي ‪ :‬بتهم ‪ .‬و من قرأها بالضاد فمعناه ‪ :‬ما هو ببخيل با لدعاء به ‪ ،‬و‬
‫التذكي بكمه و بعلمه ‪ ،‬و هذه لحمد عليه السلم باتفاق ‪.‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬ن والقلم وما يسطرون * ما أنت بنعمة ربك بجنون * وإن لك لجرا غي منون * وإنك‬
‫لعلى خلق عظيم * فستبصر ويبصرون * بأيكم الفتون * إن ربك هو أعلم بن ضل عن سبيله وهو أعلم‬
‫بالهتدين * فل تطع الكذبي * ودوا لو تدهن فيدهنون * ول تطع كل حلف مهي * هاز مشاء بنميم‬
‫* مناع للخي معتد أثيم * عتل بعد ذلك زنيم * أن كان ذا مال وبني * إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطي‬
‫الولي * سنسمه على الرطوم [ سورة القلم ‪ : 68 /‬اليات ‪. ] 16 ، 1 :‬‬
‫أقسم ال تعال با أقسم به من عظيم قسمه على تنيه الصطفى با غمصته ‪ ،‬الكفرة به ‪ ،‬و تكذيبهم له ‪،‬‬
‫و أنسه ‪ ،‬و بسط أمله بقوله ـ مسنا خطابه ‪ :‬ما أنت بنعمة ربك بجنون ‪ .‬و هذه ناية البة ف‬
‫الخاطبة ‪ ،‬و أعلى درجات الداب ف الحاورة ‪ ،‬ث أعلمه باله عنده من نعيم دائم ‪ ،‬و ثواب غي منقطع‬
‫‪ ،‬ل يأخذه عد ‪ ،‬و ل يت به عليه ‪ ،‬فقال تعال وإن لك لجرا غي منون ‪.‬‬
‫ث أثن عليه با منحه من هباته ‪ ،‬و هداه إليه ‪ ،‬و أكد ذلك تتميما للتمجيد ‪ ،‬برف التأكيد ‪ ،‬فقال تعال‬
‫‪ :‬وإنك لعلى خلق عظيم ‪ .‬قيل ‪ :‬القرآن و قيل ‪ :‬السلم ‪ .‬و قيل ‪ :‬الطبع الكري ‪ .‬و قيل ‪ :‬ليس لك‬
‫هة إل ال ‪ .‬قال الواسطي ‪ :‬أثن عليه بسن قبوله لا أسداه إليه من نعمه ‪ ،‬و فضله بذ لك على غيه ‪،‬‬
‫لنه جبله على ذلك اللق ‪ ،‬فسبحان اللطيف الكري ‪ ،‬الحسن الواد ‪ ،‬الميد الذي يسر للخي و هدى‬
‫إليه ‪ ،‬ث أثن على فاعله ‪ ،‬و جازاه عليه سبحانه ‪ ،‬ما أغمز نواله ‪ ،‬و أوسع إفضاله ‪ ،‬ث سله عن قولم‬
‫بعد هذا با و عده به من عقباهم ‪ ،‬و توعدهم بقوله ‪ :‬فستبصر ويبصرون * بأيكم الفتون * إن ربك هو‬
‫أعلم بن ضل عن سبيله وهو أعلم بالهتدين [ سورة القلم ‪ : 68/‬اليات ‪. ] 5،7 :‬‬
‫ث عطف بعد مدحه على ذم عدوه ‪ ،‬و ذكره سوء خلقه ‪،‬و عد معايبه ‪ ،‬متوليا ذلك بفضله ‪ ،‬و منتصرا‬
‫لنبيه ‪ ،‬فذكر بضع عشرة خصلة من خصال الذم فيه بقوله ‪ :‬فل تطع الكذبي * ودوا لو تدهن فيدهنون‬
‫* ول تطع كل حلف مهي * هاز مشاء بنميم * مناع للخي معتد أثيم * عتل بعد ذلك زنيم * أن‬
‫كان ذا مال وبني * إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطي الولي ث ختم ذلك بالوعد الصادق بتمام شقائه و‬
‫ختامه بواره بقوله ‪ :‬سنسمه على الرطوم ‪ .‬فكانت هنصرة ال [ ‪ ] 15‬له أت من نصرته لنفسه ‪ ،‬و رده‬
‫تعال على عدوه أبلغ من رده ‪،‬وأثبت من ديوان مده ‪.‬‬

‫الفصل السادس‬

‫فيما ورد من قوله تعال ف جهته عليه السلم مورد الشفقة و الكرام‬

‫قال تعال ‪ :‬طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى [ سورة طه ‪ :20/‬الية ‪ ]1،2‬قيل ‪ :‬طه ‪ :‬اسم من‬
‫أسائه عليه السلم ‪ .‬و قيل ‪ :‬هو اسم ال‪ ،‬و قيل ‪ :‬معناه يارجل ‪.‬و قيل ‪ :‬يا إنسان ‪ .‬و قيل ‪ :‬هي‬
‫حروف مقطعة لعان ‪ .‬و قال الواسطي ‪ :‬أراد يا طاهر ‪ ،‬يا هادي ‪ .‬و قيل ‪ :‬هو أمر من الوطء ‪ .‬و الاء‬
‫كناية عن الرض ‪ ،‬أي اعتمد على الرض بقدميك ‪ ،‬ول تتعب نفسك بالعتماد على قدم واحد ‪ ،‬و‬
‫هو قوله تعال ‪ :‬ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ‪.‬‬
‫نزلت الية فيما كان النب صلى ال عليه و سلم يتكلفه من السهر و التعب و قيام الليل‪.‬‬
‫أخبنا القاضي أبو عبد ال ممد بن عبد الرحن ‪ ،‬و غي واحد ‪ ،‬عن القاضي أب الوليد الباجي إجازة ‪،‬‬
‫و من أصله نقلت ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا أبوذر الافظ ‪ ،‬حدثنا أبو ممد الموي ‪،‬حدثنا إبراهيم بن خزي‬
‫الشاشي ‪ ،‬حدثنا عبد بن حيد ‪ ،‬حدثنا هاشم بن القاسم ‪ ،‬عن أب جعفر ‪،‬عن الربيع بن انس ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫[ كان النب صلى ال عليه و سلم إذا صلى قام على رجل و رفع الخرى ‪ ،‬فأنزل ال تعال ‪ :‬طه ـ يع‬
‫ن طأ الرض يا ممد ‪ ،‬ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى * إل تذكرة لن يشى * تنيل من خلق الرض‬
‫والسماوات العلى [سورة طه ‪ :20/‬اليات ‪. ] 4 : 2‬‬
‫و ل خفاء با ف هذا كله من الكرام و حسن العاملة ‪.‬‬
‫و إن جعلنا طه من أسائه عليه السلم كما قيل ‪ ،‬أو جعلت قسما لق الفصل با قبله ‪.‬‬
‫و مثل هذا من نط الشفقة و البة قوله تعال ‪ :‬فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن ل يؤمنوا بذا‬
‫الديث أسفا ‪ ،‬أي قاتل نفسك لذلك غضبا أو غيظا ‪ ،‬أو جزعا ‪.‬‬
‫و مثله قوله تعال أيضا ‪ :‬لعلك باخع نفسك أن ل يكونوا مؤمني ‪ ،‬ث قال ‪ :‬إن نشأ ننل عليهم من‬
‫السماء آية فظلت أعناقهم لا خاضعي [ سورة الشعراء ‪ : 26 /‬الية ‪. ] 4‬‬
‫و من هذا الباب قوله تعال ‪ :‬فاصدع با تؤمر وأعرض عن الشركي * إنا كفيناك الستهزئي * الذين‬
‫يعلون مع ال إلا آخر فسوف يعلمون * ولقد نعلم أنك يضيق صدرك با يقولون [ سورة الجر ‪/‬‬
‫‪ : 15‬اليات ‪. ] 97 : 94‬‬
‫و قوله ‪ :‬ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون [ سورة‬
‫النعام ‪ : 6 /‬آية ‪ ، 10‬و سورة النبياء ‪ : 21 /‬الية ‪. ] 41‬‬
‫قال مكي ‪ :‬سله با ذكر ‪ ،‬و هون عليه ما يلقى من الشركي ‪ ،‬و أعلمه أن من تادى على ذلك يل به‬
‫ما بن قبله ‪.‬‬
‫و مثل هذه التسلية قوله تعال ‪ :‬وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك [ سورة فاطر ‪ : 35 /‬الية ‪4‬‬
‫]‪.‬‬
‫و من هذا قوله تعال ‪ :‬كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إل قالوا ساحر أو منون [ سورة‬
‫الذاريات ‪ : 51 /‬الية ‪. ] 52‬‬
‫عزاه ال تعال با أخب به عن المم السالفة و مقاليها لنبيائهم قبله ‪ ،‬و منتهم بم ‪ ،‬و سله بذلك من‬
‫منته بثله من كفار مكة ‪ ،‬و أنه ليس أول من لقي ذلك ‪ ،‬ث طيب نفسه ‪ ،‬و أبان عذره بقوله تعال ‪:‬‬
‫فتول عنهم ‪ ،‬أي أعرض عنهم ‪ ،‬فما أنت بلوم ‪ ،‬أي ف أداء ما بلغت و إبلغ ما حلت ‪.‬‬
‫و مثله قوله تعال ‪ :‬واصب لكم ربك فإنك بأعيننا ‪ ،‬أي اصب على أذاهم فإنك بيث نراك و نفظك ‪.‬‬

‫سله ال تعال بذا ف آي كثية من هذا العن ‪.‬‬

‫الفصل السابع‬

‫فيما أخب ال تعال به ف كئتابه العزيز من عظيم قدره و شريف منلته و حظوة رتبته‬

‫قوله تعال ‪ :‬وإذ أخذ ال ميثاق النبيي لا آتيتكم من كتاب وحكمة ث جاءكم رسول مصدق لا معكم‬
‫لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررت وأخذت على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من‬
‫الشاهدين [ سورة آل عمران ‪ : 3 /‬الية ‪. ] 81‬‬
‫قال أبو السن القابسي ‪ :‬استخص ال تعال [ ‪ ] 16‬ممدا صلى ال عليه و سلم بفضل ل يؤته غيه ‪،‬‬
‫أبانه به ‪ ،‬و هو ما ذكره ف هذه الية ‪ ،‬قال الفسرون ‪ :‬أخذ ال اليثاق بالوحي ‪ ،‬فلم يبعث نبيا إل ذكر‬
‫له ممدا و نعته ‪ ،‬و أخذ عليه ميثاقه إن أدركه ليؤمنن به ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬ث جاءكم ‪ :‬الطاب‬ ‫و قيل ‪ :‬أن يبينه لقومه ‪ ،‬و يأخذ ميثاقهم أن يبينوه لن بعدهم ‪.‬‬
‫لهل الكتاب العاصرين لحمد صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫قال علي بن أب طالب رضي ال عنه ‪ :‬ل يبعث ال نبينا من آدم فمن بعده إل أخذ عليه العهد ف ممد‬
‫صلى ال عليه و سلم ‪ :‬لئن بعث و هو حي ليؤمنن به و لينصرنه ‪ ،‬و يأخذ العهد بذلك على قومه ‪.‬‬
‫و نوه عن السدي و قتادة ف آي تضمنت فضله من غي وجه واحد ‪.‬‬
‫قال ال تعال ‪ :‬وإذ أخذنا من النبيي ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مري‬
‫وأخذنا منهم ميثاقا غليظا [ سورة الحزاب ‪ : 33 /‬الية ‪. ] 7‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬إنا أوحينا إليك كما أوحينا إل نوح والنبيي من بعده وأوحينا إل إبراهيم وإساعيل‬
‫وإسحاق ويعقوب والسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا * ورسل قد‬
‫قصصناهم عليك من قبل ورسل ل نقصصهم عليك وكلم ال موسى تكليما * رسل مبشرين ومنذرين‬
‫لئل يكون للناس على ال حجة بعد الرسل وكان ال عزيزا حكيما * لكن ال يشهد با أنزل إليك أنزله‬
‫بعلمه واللئكة يشهدون وكفى بال شهيدا [ سورة النساء ‪ : 4 /‬اليات ‪. ] 166 ، 163‬‬
‫روي عن عمر بن الطاب رضي ال عنه أنه قال ف كلم زكى به النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فقال‬
‫بأب أنت و أمي يا رسول ال ! لقد بلغ من فضيلتك عند ال أن بعثك آخر النبياء ‪ ،‬و ذكرك ف‬
‫أولم ‪ ،‬فقال ‪ :‬وإذ أخذنا من النبيي ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مري وأخذنا‬
‫منهم ميثاقا غليظا [ سورة الحزاب ‪ : 33/‬الية ‪. ] 7‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬إنا أوحينا إليك كما أوحينا إل نوح وا لنبيي من بعده وأوحينا إل إبراهيم وإساعيل‬
‫وإسحاق ويعقوب والسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا * ورسل قد‬
‫قصصناهم عليك من قبل ورسل ل نقصصهم عليك وكلم ال موسى تكليما * رسل مبشرين ومنذرين‬
‫لئل يكون للناس على ال حجة بعد الرسل وكان ال عزيزا حكيما * لكن ال يشهد با أنزل إليك أنزله‬
‫بعلمه واللئكة يشهدون وكفى بال شهيدا [سورة النساء ‪ : 4 /‬اليات ‪. ] 166 ، 163‬‬
‫روي عن عمر بن الطاب رضي ال عنه أنه قال ف كلم زكى به النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فقال‬
‫بأب أنت و أمي يا رسول ال ! لقد بلغ من فضيلتك عند ال أن بعثك آخر النبياء ‪ ،‬و ذكرك ف‬
‫أولم ‪ ،‬فقال ‪ :‬وإذ أخذنا من النبيي ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مري وأخذنا‬
‫منهم ميثاقا غليظا [ سورة الحزاب ‪ : 33/‬الية ‪. ] 7‬‬
‫بأب أنت و أمي يا رسول ال ! لقد بلغ من فضيلتك عنده أن أهل النار يودون أن يكونوا أطاعوك و هم‬
‫بي أطباقها يعذبون يقولون ‪ :‬يا ليتنا أطعنا ال وأطعنا الرسول [ سورة الحزاب ‪ : 33 /‬الية ‪. ] 66‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬إن النب صلى ال عليه و سلم قال ‪ :‬كنت أول النبياء ف اللق ‪ ،‬و آخرهم ف البعث ‪،‬‬
‫فلذلك وقع ذكره مقدما هنا قبل نوح و غيه ‪.‬‬
‫قال السمر قندي ‪ :‬ف هذا تفضيل نبيا صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬لتخصيصه بالذكر قبلهم ‪ ،‬و هو آخرهم‬
‫‪.‬‬
‫العن ‪ :‬أخذ ال تعال عليهم اليثاق ‪ ،‬إذ أخرجهم من ظهر آدم كالذر ‪.‬‬
‫و قوله تعال ‪ :‬تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم ال ورفع بعضهم درجات وآتينا‬
‫عيسى ابن مري البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء ال ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتم‬
‫البينات ولكن اختلفوا [ سورة البقرة ‪ : 2 /‬الية ‪. ] 253‬‬
‫قال أهل التفسي ‪ :‬أراد بقوله ‪ :‬ورفع بعضهم درجات ـ ممدا صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬لنه بعث إل‬
‫الحر و السود ‪ ،‬و أحلت له الغنائم ‪ ،‬و ظهرت على يديه العجزات ‪ ،‬و ليس أحد من النبياء أعطي‬
‫فضيلة أو كرامة إل و قد أعطي ممد صلى ال عليه و سلم مثلها ‪.‬‬
‫قال بعضهم ‪ :‬و من فضله أن ال تعال خاطب النبياء بأسائهم ‪ ،‬و خاطبه بالنبوة و الرسالة ف كتابه ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬يا أيها النب ‪ ،‬و يا أيها الرسول ‪.‬‬
‫و حكى السمر قندي عن الكلب ـ ف قوله تعال ‪ :‬وإن من شيعته لبراهيم ـ أن الاء عائدة على مم‬
‫د ‪ ،‬أي أن من شيعة ممد لبراهيم ‪ ،‬أي على دينه و منهاجه ‪.‬‬
‫و أجازه الفراء ‪ ،‬و حكاه عنه مكي ‪ .‬و قيل ‪ :‬الراد نوح عليه السلم ‪.‬‬

‫الفصل الثامن‬

‫ف إعلم ال تعال خلقه بصلواته عليه و وليته له و رفعه العذاب بسببه‬

‫قال ال تعال ‪ :‬وما كان ال ليعذبم وأنت فيهم ‪ ،‬أي ما كنت بكة ‪ ،‬فلما خرج النب صلى ال عليه و‬
‫سلم من مكة ‪ ،‬و بقي من الؤمني نزل ‪ :‬وما كان ال معذبم وهم يستغفرون [ سورة النفال ‪، 8 /‬‬
‫الية ‪. ] 33‬‬
‫و هذا مثل قوله ‪ :‬لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما [ سورة الفتح ‪ ، 48 /‬الية ‪. ] 25‬‬
‫و قوله تعال ‪ :‬ولول رجال مؤمنون ونساء مؤمنات ل تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغي‬
‫علم ليدخل ال ف رحته من يشاء ‪ :‬فلما هاجر الؤمنون نزلت ‪ :‬وما لم أن ل يعذبم ال [ سورة‬
‫النفال ‪ ، 8 /‬الية ‪. ] 34‬‬
‫و هذا من أبي ما يظهر مكانته صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و درأ به العذاب عن أهل مكة بسبب كونه ‪ ،‬ث‬
‫كون أصحابه بعده [ ‪ ] 17‬بي أظهرهم ‪ ،‬فلما خلت مكة منهم عذبم ال بتلسيط الؤمني عليهم ‪ ،‬و‬
‫غلبتهم إياهم ‪ ،‬و حكم فيهم سيوفيهم ‪ ،‬و أورثهم أرضهم و ديارهم و أموالم ‪.‬‬
‫و ف الية أيضا تأويل آخر ‪:‬‬
‫حدثنا القاضي الشهيد أبو علي رحه ال بقراءت عليه ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا أبو الفضل بن خيو ن ‪ ،‬و أبو‬
‫السي الصيف ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا أبو يعلى ابن زوج الرة ‪ ،‬حدثنا أبو علي السنجي ‪ ،‬حدثنا ممد بن‬
‫مبوب الروزي ‪ ،‬حدثنا أبو عيسى الافظ ‪ ،‬حدثنا سفيان بن وكيع ‪ ،‬حدثنا ابن ني ‪ ،‬عن إساعيل بن‬
‫إبراهيم بن مهاجر ‪ ،‬عن عباد بن يوسف ‪ ،‬عن أب بردة بن أب موسى ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه و سلم ‪ :‬أنزل ال علي أماني لمت ‪ ،‬وما كان ال ليعذبم وأنت فيهم وما كان ال‬
‫معذبم وهم يستغفرون فإذا مضيت تركت فيهم الستغفار ‪.‬‬
‫و نو منه قوله تعال ‪ :‬وما أرسلناك إل رحة للعالي [ سورة النبياء ‪ ، 21 /‬الية ‪. ] 107‬‬
‫و قال عليه السلم ‪ :‬أنا أمان لصحاب ‪ .‬قيل ‪ :‬من البدع ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬من الختلف و الفت ‪.‬‬
‫قال بعضهم ‪ :‬الرسول صلى ال عليه و سلم هو المان العظم ما عاش ‪ ،‬و ما دامت سنته باقية فهو‬
‫باق ‪ ،‬فإذا أميتت سنته فانتظر البلء و الفت ‪.‬‬
‫و قال ال تعال ‪ :‬إن ال وملئكته يصلون على النب يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما‬
‫[ سورة الحزاب ‪ ، 33 /‬الية ‪. ] 56‬‬
‫أبان ال تعال فضل نبيه صلى ال عليه و سلم بصلواته عليه ‪ ،‬ث بصلة ملئكته ‪ ،‬و أ مر عباده بالصلة‬
‫و التسليم عليه ‪.‬‬
‫[ و قد حكى أبوبكر بن فورك أن بعض العلماء تأول قوله عليه السلم ‪ :‬و جعلت قرة عين ف الصلة‬
‫على هذا ‪ ،‬أي ف صلة ال تعال علي و ملئكته و أمره المة بذلك إل يوم القيامة ] ‪ .‬و الصلة من‬
‫اللئكة [ استغفار ] ‪ ،‬و منا له دعاء ‪ ،‬و من ال عز و جل رحة ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬يصلون ‪ :‬يباركون ‪.‬‬
‫و قد فرق النب صلى ال عليه و سلم ـ حي علم الصلة عليه بي لفظ الصلة و البكة ‪.‬‬
‫و سنذكر حكم الصلة عليه ‪.‬‬
‫و ذكر بعض التكلمي ف تفسي حروف كهيعص أن الكاف من [ كاف ] ‪ ،‬أي كفاية ال تعال لنبيه ‪،‬‬
‫قال تعال ‪ :‬أليس ال بكاف عبده [ سورة الزمر ‪ ، 39 /‬الية ‪. ] 36‬‬
‫و الاء هدايته له ‪ ،‬قال ‪ :‬ويهديك صراطا مستقيما [ سورة الفتح ‪ ، 48 /‬الية ‪. ] 2‬‬
‫و الياء تأييده ‪ ،‬قال ‪ :‬هو الذي أيدك بنصره [ سورة النفال ‪ ، 8 /‬الية ‪. ] 62‬‬
‫و العي عصمته له قال ‪ :‬وال يعصمك من الناس [س الائدة ‪ ، 5 /‬الية ‪. ] 67‬‬
‫و الصاد ‪ :‬صلواته عليه ‪ ،‬قال ‪ :‬إن ال وملئكته يصلون على النب [ سورة الحزاب ‪ ، 33 /‬الية ‪56‬‬
‫]‪.‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬وإن تظاهرا عليه فإن ال هو موله وجبيل وصال الؤمني واللئكة بعد ذلك ظهي ‪،‬‬
‫موله أي وليه ‪ .‬و صال الؤمني ‪ :‬قيل ‪ :‬النبياء ‪ .‬و قيل ‪:‬‬
‫اللئكة ‪ .‬و قيل ‪ :‬أبوبكر ‪ ،‬و عمر ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬علي ‪ .‬و قيل ‪ :‬الؤمنون على ظاهره ‪.‬‬

‫الفصل التاسع‬

‫فيما تضمنته سورة الفتح من كراماته صلى ال عليه و سلم‬

‫قال ال تعال ‪ :‬إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك ال ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك‬
‫ويهديك صراطا مستقيما * وينصرك ال نصرا عزيزا * هو الذي أنزل السكينة ف قلوب الؤمني ليزدادوا‬
‫إيانا مع إيانم ول جنود السماوات والرض وكان ال عليما حكيما * ليدخل الؤمني والؤمنات‬
‫جنات تري من تتها النار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتم وكان ذلك عند ال فوزا عظيما *‬
‫ويعذب النافقي والنافقات والشركي والشركات الظاني بال ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب‬
‫ال عليهم ولعنهم وأعد لم جهنم وساءت مصيا * ول جنود السماوات والرض وكان ال عزيزا‬
‫حكيما * إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * لتؤمنوا بال ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة‬
‫وأصيل * إن الذين يبايعونك إنا يبايعون ال يد ال فوق أيديهم [ سورة الفتح ‪ ، 48 /‬الية ‪] 10 ،1‬‬
‫‪.‬‬
‫تضمنت هذه اليات من فضله الثناء عليه و كري منلته عند ال تعال ‪ ،‬و نعمته لديه ـ ما يقصر‬
‫الوصف عن النتهاء إليه ‪ ،‬فابتدأ جل جلله ـ بإعلمه با قضاه له من القضاء البي بظهور ه ‪ ،‬و غلبته‬
‫على عدوه ‪ ،‬و علو كلمته و شريعته ‪ ،‬و أنه مغفور له ‪ ،‬غي مؤاخذ با كان و ما يكون ‪.‬‬
‫قال بعضهم ‪ :‬أراد غفران ما وقع و ما ل يقع ‪ ،‬أي إنك مغفور لك ‪.‬‬
‫و قال مكي ‪ :‬جعل ال النة سببا للمغفرة ‪ ،‬و كل من عنده ‪ ،‬ل إله غيه ‪ ] 18 [ ،‬منةً بعد منة ‪ ،‬و‬
‫فضلً بعد فضل ‪.‬‬
‫ث قال ‪ :‬ويتم نعمته عليك ‪ :‬قيل بضوع من تكب عليك ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬يفتح مكة و الطائف ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬يرفع ذكرك ف الدنيا و ينصرك و يغفر لك ‪ ،‬فأعلمه بتمام نعمته عليه بضوع متكبي عدوه له‬
‫‪ ،‬و فتح أهم البلد عليه و أحبها له ‪ ،‬و رفع ذكره ‪ ،‬و هدايته الصراط الستقيم البلغ النة و السعادة ‪،‬‬
‫و نصره النصر العزيز ‪ ،‬و منته على أمته الؤمني بالسكينة و الطمأنينة الت جعلها ف قلوبم ‪ ،‬و بشارتم‬
‫با لم بعد ‪ ،‬و فوزهم العظيم ‪ ،‬و العفو عنهم ‪ ،‬و الستر لذنوبم ‪ ،‬و هلك عدوه ف الدنيا و الخرة ‪ ،‬و‬
‫لعنهم و بعدهم من رحته ‪ ،‬و سوء منقلبهم ‪.‬‬
‫ث قال ‪ :‬إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * لتؤمنوا بال ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة‬
‫وأصيل [ سورة الفتح ‪ ، 48/‬الية ‪. ] 9 ، 8‬‬
‫فعد ماسنه و خصائصه ‪ ،‬من شهادته على أمته لنفسه ‪ ،‬بتبليغه الرسالة لم ‪.‬‬
‫و منذرا عدوه‬ ‫و قيل ‪ :‬شاهدا لم بالتوحيد ‪ ،‬و مبشرا لمته بالثواب ‪ .‬و قيل ‪ :‬بالغفرة ‪.‬‬
‫بالعذاب ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬مذرا من الضللت ليؤمنوا بال ث به صلى ال عليه و سلم من سبقت له من ال السن ‪ .‬و‬
‫و يوقروه ‪ ،‬أي يعظموه ‪.‬‬ ‫يعزروه ‪ ،‬و يلونه ‪ .‬و قيل ‪ :‬ينصرونه ‪ .‬و قيل ‪ :‬يبالغون ف تعظيمه ‪.‬‬
‫و قرأه بعضهم ‪ :‬تعززوه ـ بزاءين ‪ :‬من العز ‪ ،‬و الكثر و الظهر أن هذا ف حق ممد صلى ال عليه و‬
‫سلم ‪.‬‬
‫ث قال ‪ :‬وتسبحوه ‪ ،‬فهذا راجع إل ال تعال ‪.‬‬
‫قال ابن عطاء جع للنب صلى ال عليه و سلم ف هذه السور نعم متلفة ‪ ،‬من الفتح البي ‪ ،‬و هو من‬
‫أعلم الجابة ‪ .‬و الغفرة ‪ ،‬و هي من أعلم الحبة ‪ ،‬و تام النعمة ‪ ،‬و هي من أعلم الختصاص ‪ .‬و‬
‫الداية ‪ ،‬و هي من أعلم الولية ‪ ،‬فالغفرة تبئة من العيوب ‪ ،‬و تام النعمة إبلغ الدرجة الكاملة ‪ ،‬و‬
‫الداية و هي الدعوة إلىالشاهدة ‪.‬‬
‫و قال جعفر بن ممد ‪ :‬من تام نعمته عليه أن جعله حبيبه ‪ ،‬و أقسم بياته ‪ ،‬و نسخ به شرائع غيه ‪ ،‬و‬
‫عرج به إل الحل العلى ‪ ،‬و حفظه ف العراج حت ما زاغ البصر و ما طغى ‪ ،‬و بعثه إل الحر و ا‬
‫لسود ‪ ،‬و أحل له و لمته الغنائم ‪ ،‬و جعله شفيعا مشفعا ‪ ،‬و سيد ولد آدم ‪ ،‬و قرن ذكره بذكره ‪ ،‬و‬
‫رضاه برضاه ‪ ،‬و جعله أحد ركن التوحيد ‪.‬‬
‫ث قال ‪ :‬إن الذين يبايعونك إنا يبايعون ال ـ يعن بيعة الرضوان ‪ ،‬أي إنا يبايعون ال ببيعتهم إياك ‪.‬‬
‫يد ال فوق أيديهم ‪ ،‬يريد عند البيعة ‪ .‬قيل ‪ :‬قوة ال ‪ ،‬و قيل ‪ :‬ثوابه ‪ .‬و قيل ‪ :‬منته ‪ .‬وقيل ‪ :‬عقده ‪ ،‬و‬
‫هذه استعارة ‪ ،‬و تنيس ف الكلم ‪ ،‬و تأكيد لعقد بيعتهم إياه ‪ .‬و عظم شأن البايع صلى ال عليه و‬
‫سلم ‪.‬‬
‫و قد يكون من هذا قوله تعال ‪ :‬فلم تقتلوهم ولكن ال قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن ال رمى ‪ ،‬و‬
‫إن كان الول ف باب الجاز ‪ ،‬و هذا ف باب القيقة ‪ ،‬لن القاتل و الرامي بالقيقة هو ال ‪ ،‬و هو‬
‫خالق فعله و رميه ‪ ،‬و قدرته عليه و مسببه ‪ ،‬و لنه ليس ف قدرة البشر توصيل تلك الرمية حيث‬
‫وصلت ‪ ،‬حت ل يبق منهم من ل تل عينيه ‪ ،‬و كذلك قتل اللئكة لم حقيقة ‪.‬‬
‫و قد قيل ف هذه الية الخرى إنا على الجاز العرب ‪ ،‬و مقابلة اللفظ و مناسبته ‪ ،‬أي ما قتلتموهم ‪ ،‬و‬
‫ما رميتهم أنت إذ رميت وجوههم بالصباء و التراب ‪ ،‬و لكن ال رمى قلوبم بالزع ‪ ،‬أي إن [‬
‫‪ ] 19‬منفعة الرمي كانت من فعل ال ‪ ،‬فهو القاتل و الرامي بالعن و أنت بالسم ‪.‬‬

‫الفصل العاشر‬

‫فيما أظهره ال تعال ف كتابه العزيز من كرامته عليه و مكانته عنده و ما خصه ال به من‬
‫ذلك سوى ما انتظم فيما ذكرناه قبل‬

‫و من ذلك ما قصه تعال ف قصة السراء ف سورة ‪ :‬سبحان ‪ ،‬و النجم ‪ ،‬و ما انطوت عليه القصة من‬
‫عظيم منلته و قربه و مشاهدته ما شاهد من العجائب ‪.‬‬
‫و من ذلك عصمته من الناس بقوله تعال ‪ :‬وال يعصمك من الناس ‪ .‬و قوله تعال ‪ :‬وإذ يكر بك الذين‬
‫كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يرجوك ويكرون ويكر ال وال خي الاكرين [ سورة النفال ‪ ، 8 /‬الية ‪. ] 30‬‬

‫و قوله ‪ :‬إل تنصروه فقد نصره ال إذ أخرجه الذين كفروا ثان اثني إذ ها ف الغار إذ يقول لصاحبه ل‬
‫تزن إن ال معنا فأنزل ال سكينته عليه وأيده بنود ل تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة‬
‫ال هي العليا وال عزيز حكيم ‪ .‬و ما رفع ال به عنه ف هذه القصة من أذاهم بعد تزبم للكه و‬
‫خلوصهم نيا ف أمره ‪ ،‬و الخذ على أبصرهم عند خروجه عليهم ‪ ،‬و ذهولم عن طلبه ف الغار ‪ ،‬و ما‬
‫ظهر ف ذلك من آيات ‪ ،‬و نزول السكينة عليه ‪ ،‬و قصة سراقه بن مالك حسب ماذكره أهل الديث و‬
‫السي ف قصة الغار ‪ ،‬و حديث الجر ة ‪.‬‬
‫و منه قوله تعلى ‪ :‬إنا أعطيناك الكوثر * فصل لربك وانر * إن شانئك هو البتر [ سورة الكوثر ‪]0 8/‬‬
‫‪0‬‬
‫أعلمه ال تعال با أعطاه ‪ .‬و الكوثر حو ضه ‪ .‬و قيل ‪ :‬نر ف النة ‪ .‬و قيل الي الكثي ‪ .‬و قيل ‪:‬‬
‫الشفاعة ‪ .‬و قيل ‪ :‬العجزات الكثية ‪ .‬و قيل ‪ :‬النبوة ‪ .‬و قيل ‪ :‬العرفة ‪ .‬ث أجاب عنه عدوه ‪ ،‬و رد‬
‫عليه قوله ‪ ،‬فقال تعال ‪ :‬إن شانئك هو البتر ‪ ،‬أي عدوك و مبغضك ‪ .‬و البتر ‪ :‬القي الذليل ‪ ،‬أو‬
‫الفرد الوحيد ‪ ،‬أو الذي لخي فيه ‪ .‬و قال تعال ‪ :‬ولقد آتيناك سبعا من الثان والقرآن العظيم [سورة‬
‫الجر ‪ ، 15/‬الية ‪ . ] 8 7‬قيل ‪ :‬السبع الثان السور الطوال الول ‪ .‬و القرآن العظيم ‪ :‬أم القرآن ‪ .‬و‬
‫قيل ‪ :‬السبع الثان ‪ :‬أم القرآن ‪ .‬و القرآن العظيم ‪ :‬سائره ‪ .‬و قيل ‪ :‬السبع الثان ‪ :‬ما ف القرآن ‪ ،‬من‬
‫أمر ‪ ،‬و نى ‪ ،‬و بشرى ‪ ،‬و إنذار ‪ ،‬و ضرب مثل ‪ ،‬و إعداد نعم ‪ ،‬و آتيناك نبأ القرآن العظيم ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬سيت أم القرآن مثان لنا تثن ف كل ركعة ‪ .‬و قيل ‪ :‬بل ال تعال اثتثناها لحمد صلى ال‬
‫عليه و سلم ‪ ،‬و ذخرها له دون النبياء ‪.‬‬
‫و سي القرآن مثان ‪ :‬لن القصص تثن فيه ‪ .‬و قيل ‪ :‬السبع الثان ‪ :‬أكرمناك بسبع كرامات ‪ :‬الدي ‪،‬‬
‫و النبوة ‪ ،‬و الرحة ‪ ،‬و الشفاعة ‪ ،‬و الولية ‪ ،‬و التعظيم ‪ ،‬و السكينة ‪ .‬و قال ‪ :‬وأنزلنا إليك الذكر لتبي‬
‫للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون [ سورة النحل ‪ ،‬الية ‪ ، 16/‬الية ‪. ] 44‬‬
‫و قال ‪ :‬وما أرسلناك إل كافة للناس بشيا ونذيرا [ سورة سبأ ‪ ، 34 /‬الية ‪ . ] 28‬و قال تعال ‪ :‬قل يا‬
‫أيها الناس إن رسول ال إليكم جيعا الذي له ملك السماوات والرض ل إله إل هو ييي وييت فآمنوا‬
‫بال ورسوله النب المي الذي يؤمن بال وكلماته واتبعوه لعلكم تتدون [ سورة العراف ‪ ، 7 /‬الية ‪. ] 158‬‬
‫قال القاضي ‪ :‬فهذه من خصائصه ‪.‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬وما أرسلنا من رسول إل بلسان قومه ليبي لم ‪ ،‬فخصهم بقومهم ‪ ،‬و بعث ممدا صلى‬
‫ال عليه و سلم إل اللق كافة ‪ ،‬كما قال عليه السلم ‪ [ :‬بعثت إل الحر و السود ] ‪.‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬النب أول بالؤمني من أنفسهم وأزواجه أمهاتم ‪ .‬قال أهل التفسي ‪ :‬أول بالؤمني من‬
‫أنفسهم ‪ :‬أي ما أنفذه فيهم من أمر فهو ماض عليهم كما يضي حكم السيد على عبده ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬اتباع أمره أول من اتباع رأي النفس ‪ .‬و أزواجه أمهاتم ‪ ،‬أي هن ف الرمة كالمهات ‪ ،‬حرم‬
‫نكاحهن عليهم بعده ‪ ،‬تكرمت له و خصوصية ‪ ،‬و لنن له أزواج ف الخرة ‪.‬‬
‫و قد قرىء ‪ :‬و هو أب لم ‪ .‬و ل يقرأ به الن [ ‪ ] 20‬لخالفته الصحف ‪.‬‬
‫و قال ال تعال ‪ :‬وأنزل ال عليك الكتاب والكمة وعلمك ما ل تكن تعلم وكان فضل ال عليك‬
‫عظيما [ سورة النساء ‪ ، 4 /‬الية ‪. ] 113‬‬
‫قيل ‪ :‬فضله العظيم بالنبوة ‪ .‬و قيل ‪ :‬با سبق له ف الزل ‪ .‬و أشار الواسطي إل أنا إشارة إل احتمال‬
‫الرؤية الت ل يتملها موسى ‪ ،‬صلى ال عليهما ‪.‬‬
‫الباب الثان‬

‫ف تكميل ال تعال له الحاسن خلقا و خلقا و قرانه جيع الفضائل الدينية و‬


‫الدنيوية فيه نسقا‬
‫اعلم أيها الحب لذا النب الكري صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬الباحث عن تفاصيل جل قدره العظيم أن‬
‫خصال اللل و الكمال ف البشر نوعان ‪ :‬ضروري دنيوي اقتضته البلة و ضرورة الياة الدنيا ‪ ،‬و‬
‫مكتسب دين ‪ ،‬و هو ما يمد فاعله ‪ ،‬و يقرب إل ال تعال زلفى ‪.‬‬
‫ث هي على فني أيضا ‪ :‬منها ما يتلخص لحد الوصفي ‪ .‬و منها ما يتمازج و يتداخل ‪.‬‬
‫فأما الضروري الخص فما ليس للمرء فيه اختيار و ل اكتساب ‪ ،‬مثل ما كان ف جبلته من كمال خلقته‬
‫‪ ،‬و جال صورته ‪ ،‬و قوة عقله ‪ ،‬و صحة فهمه ‪ ،‬و فصاحة لسانه ‪ ،‬و قوة حواسه و أعضائه ‪ ،‬و‬
‫اعتدال حركاته ‪ ،‬و شرف نسبه ‪ ،‬و عزة قومه ‪ ،‬وكرم أرضه ‪ ،‬و يلحق به ما تدعوه ضرورة حياته‬
‫إليه ‪ ،‬من غذائه و نومه ‪ ،‬و ملبسه و مسكنه ‪ ،‬و منكحه ‪ ،‬و ما له و جاهه ‪.‬‬
‫و قد تلحق هذه الصال الخرة بالخروية إذا قصد با التقوى و معونة البدن على سلوك طريقها ‪ ،‬و‬
‫كانت على حدود الضرورة و قواني الشريعة ‪.‬‬
‫و أما الكتسبة الخروية فسائر الخلق العلية ‪ ،‬و الداب الشرعية ‪ :‬من الدين و العلم ‪ ،‬و اللم ‪ ،‬و‬
‫الصب ‪ ،‬و الشكر ‪ ،‬و الروءة ‪ ،‬و الزهد ‪ ،‬و التواضع ‪ ،‬و العفو ‪ ،‬والعفة ‪ ،‬و الود ‪ ،‬و الشجاعة ‪ ،‬و‬
‫الياء ‪ ،‬و الروءة ‪ ،‬والصمت ‪ ،‬و التؤدة ‪ ،‬و الوقار ‪ ،‬و الرحة ‪ ،‬و حسن الدب و العاشرة ‪ ،‬و‬
‫أخواتا ‪ ،‬و هي الت جعها حسن اللق ‪.‬‬
‫و قد يكون من هذه الخلق ما هو ف الغريزة و أصل البلة لبعض الناس ‪.‬‬
‫و بعضهم ل تكون فيه ‪ ،‬فيكتسبها ‪ ،‬و لكنه لبد أن يكون فيه من أصولا ف أصل البلة شعبة كما‬
‫سنبينه إن شاء ال ‪.‬‬
‫و تكون هذه الخلق دنيوة إذا ل يرد با وجه ال و الدار الخرة ‪ ،‬و لكنها كلها ماسن و فضائل‬
‫باتفاق أصحاب العقول السليمة ‪ ،‬و إن اختلفوا ف موجب حسنها و تفضيلها ‪.‬‬
‫فصل‬
‫ف اجتماع الصال الحمودة فيه صلى ال عليه و سلم‬

‫إذا كانت خصال الكمال و المال ما ذكرناه ‪ ،‬و وجدنا الواحد منا يشرف بواحدة منها أو باثنتي إن‬
‫اتفقت له ـ ف كل عصر ‪ ،‬إما من نسب أو جال ‪ ،‬أو قوة ‪ ،‬أو علم ‪ ،‬أو حلم ‪ ،‬أو شجاعة ‪ ،‬أو‬
‫ساحة ‪ ،‬حت يعظم قدره ‪ ،‬و يضرب باسه المثال ‪ ،‬و يتقرر له بالوصف بذلك قي القلوب إثرة و‬
‫عظمة ‪ ،‬و هو منذ عصور خوال رمم بوال ‪ ،‬فما ظنك بعظيم قدر من اجتمعت فيه كل هذه الصال‬
‫إل ما ل يأخذه عد ‪ ،‬و ل يعب عنه مقال ‪ ،‬و ل ينال بكسب و ل حيلة إل بتخصيص الكبي التعال ‪،‬‬
‫من فضيلة النبوة و الرسالة ‪ ،‬و اللة و الحبة ‪ ،‬و الصطفاء و السراء و الرؤية ‪ ،‬و القرب و الدنو ‪ ،‬و‬
‫الوحي ‪ ،‬و الشفاعة و الوسيلة ‪ ،‬و الفضيلة و الدرجة الرفيعة ‪ ،‬و القام الحمود ‪ ،‬و الباق و العراج ‪ ،‬و‬
‫البعث إل الحر و السود ‪ ،‬و الصلة بالنبياء ‪ ،‬و الشهادة بي النبياء و المم ‪ ،‬و سيادة ولد آدم [‬
‫‪ ، ] 21‬و لواء المد ‪ ،‬و البشارة ‪ ،‬و النذارة و الكانة عند ذي العرش و الطاعة ث ‪ ،‬و المانة و الداية‬
‫و رحة للعالي ‪ ،‬و إعطاء الرضا و السول ‪ ،‬و الكوثر ‪ ،‬و ساع القول ‪ ،‬و اتام النعمة و العفو عما تقدم‬
‫و تأخر ‪ ،‬و شرح الصدر ‪ ،‬و وضع الوزر ‪ ،‬و رفع الذكر و عزة النصر ‪ ،‬و نزول السكينة ‪ ،‬و التأييد‬
‫باللئكة ‪ ،‬و إيتاء الكتاب و الكمة و السبع الثان و القرآن العظيم ‪ ،‬و تزكية المة و الدعاء إل ال ‪،‬‬
‫و صلة ال تعال و اللئكة ‪ ،‬و الكم بي الناس با أراه ال ‪ ،‬و وضع الصر و الغلل عنهم ‪ ،‬و‬
‫القسم باسه ‪ ،‬و إجابة دعوته ‪ ،‬و تكليم المادات و العجم ‪ ،‬و إحياء الوتى ‪ ،‬و إساع الصم ‪ ،‬و نبع‬
‫الاء من بي أصابعه ‪ ،‬و تكثي القلي ل ‪ ،‬و انشفاق القمر ‪ ،‬و رد الشمس ‪ ،‬و قلب العيان ‪ ،‬و النصر‬
‫بالرعب ‪ ،‬و الطلع على الغيب ‪ ،‬و ظل الغمام ‪ ،‬و تسبيح الصا ‪ ،‬و إبراء اللم ‪ ،‬و العصمة من‬
‫الناس ‪ ،‬إل ما ل يويه متفل ‪ ،‬و ل ييط بعلمه إل مانه ذلك و مفضله به ‪ ،‬ل إله غيه ‪ ،‬إل ما أعد له‬
‫ف الدار الخرة من منازل الكرامة ‪ ،‬و درجات القدس ‪ ،‬و مراتب السعادة و السن و الزيادة الت تقف‬
‫دونا العقول و يار دون أدانيها الوهم ‪.‬‬
‫فصل‬
‫ف تفصيل هذه الصال الحمودة ‪ :‬صفاته السمية‬
‫إن قلت أكرمك ال ‪ :‬ل خفاء على القطع بالملة أنه صلى ال عليه و سلم أعلى الناس قدرا ‪ ،‬و‬
‫أعظمهم ملً ‪ ،‬و أكملهم ماسن و فضلً ‪ ،‬و قد ذهب ف تفاصيل خصال الكمال مذهبا جيلً شوقن‬
‫إل أن أقف عليها من أوصافه صلى ال عليه و سلم تفصيل ‪ . . .‬فاعلم نور ال قلب و قلبك ‪ ،‬و‬
‫ضاعف ف هذا النب الكري حب و حبك ـ أنك إذا نظرت إل خصال الكمال الت هي غي مكتسبة ف‬
‫جبلة اللقة و جدته حائزا لميعها ‪ ،‬ميطا بشتات ماسنها دون خلف بي نقله الخبار لذلك ‪ ،‬بل قد‬
‫بلغ بعضها مبلغ القطع ‪ .‬أما الصورة و جالا ‪ ،‬و تناسب أعضائه ف حسنها ‪ ،‬فقد جاءت الثار‬
‫الصحيحة و الشهورة الكثية بذلك ‪ ،‬من حديث علي ‪ ،‬و أنس بن مالك ‪ ،‬و أب هريرة ‪ ،‬و الباء بن‬
‫عذب ‪ ،‬و عائشة أم الؤمني ‪،‬و ابن أب هالة ‪،‬و أب جحيفة ‪ ،‬وجابر بن سرة ‪ ،‬و أم معبد ‪ ،‬و ابن عباس‬
‫‪ ،‬و معرض بن معيقيب ‪ ،‬و أب الطفيل ‪ ،‬و العداء بن خالد ‪ ،‬و خري بن فاتك ‪ ،‬و حكيم بن حزام ‪ ،‬و‬
‫غيهم ‪ ،‬من أنه صلى ال عليه و سلم كان أزهر اللون ‪ ،‬أدعج ‪ ،‬أنل ‪ ،‬أشكل ‪ ،‬أهدب الشفار ‪ ،‬أبلج‬
‫‪ ،‬أزج ‪ ،‬أقن ‪ ،‬أفلج ‪ ،‬مدور ال وجه ‪ ،‬واسع الب ‪ ،‬كث اللحية تل صدره ‪ ،‬سواء البطن و الصدر ‪،‬‬
‫واسع الصدر ‪ ،‬عظيم النكبي ‪ ،‬ضخم العظام ‪ ،‬عبل العضضي و الذراعي و السافل ‪ ،‬رحب الكفي و‬
‫القدمي ‪ ،‬سائل الطراف ‪ ،‬أنور التجرد ‪ ،‬دقيق السربة ‪ ،‬ربعة القد ‪ ،‬ليس بالطويل البائن ‪ ،‬و ل‬
‫بالقصي التردد ‪ ،‬مع ذلك فلم يكن ياشيه أحد ينسب ال الطول إل طاله صلى ال عليه و سلم رجل‬
‫الشعر ‪ ،‬إذا افتر ضاحكا افتر عن مثل سنا البق ‪ ،‬و عن مثل حب الغمام ‪ ،‬إذا تكلم رئى كالنور يرج‬
‫من ثناياه ‪ ،‬أحسن الناس عنقا ‪ ،‬ليس بعطهم و ل مكلثم ‪ ،‬متماسك البدن ‪ ،‬ضرب اللحم ‪ .‬قال الباء‬
‫بن عاذب ‪ :‬مارأيت من ذي له ف حلة حراء أحسن من رسول صلى ال عليه و سلم [‪. ] 1 0‬‬
‫و قال أبو هريرة رضي ال عنه ‪ [ :‬مارأيت شيئا أحسن من رسول ال صلى ال عليه و سلم [‪، ]22‬‬
‫كأن الشمس تري ف وجهه ‪ ،‬و إذا ضحك يتلل ف الدر ] ‪.‬‬
‫و قال جابر بن سرة ـ و قال له رجل ‪ :‬كان و جهه صلى ال عليه و سلم مثل السيف ؟ فقال ‪:‬‬
‫[ ل ‪ ،‬بل مثل الشمس و القمر ‪ .‬و كان مستديرا] ‪.‬‬
‫و قالت أم معبد ـ ف بعض ما وصفته به ـ ‪ [ :‬أجل الناس من بعيد ‪ ،‬و أحله و أحسنه من قريب ]‬
‫[ صلى ال عليه و سلم تسليمًا كلما ذكره الذاكرون ‪ ،‬و غفل عن ذكره الغافلون ] ‪ .‬و ف حديث ابن‬
‫و قال علي رضي ال عنه ف آخر و صفة له ‪:‬‬ ‫أب هالة ‪ [ :‬يتلل وجهه تلل القمر ليلة البدر ] ‪.‬‬
‫[ من رآه بديهة هابه ‪ ،‬و من خالطه معرفة أحبه ‪ ،‬يقول ناعته ‪ :‬ل أر قبله و ل بعده مثله صلى ال عليه‬
‫و قد اختصرنا‬ ‫و الحاديث ف بسط صفته مشهورة كثية ‪ ،‬فل نطول بسردها ‪.‬‬ ‫و سلم ] ‪.‬‬
‫ف و صفه نكت ما جاء فيها ‪ ،‬و جلة ما فيه الكفاية ف القصد إل الطلوب ‪ ،‬و ختمنا هذه الفصول‬
‫بديث جامع لذلك تقف عليه هناك إن شاء ال ‪.‬‬
‫فصل‬

‫ف نظافة جسمه ‪ ،‬و طيب رائحته ‪ ،‬و نزاهته عن القذار و عورات السد‬

‫و أما نظافة جسمه ‪ ،‬و طيب ريه و عرقه ‪ ،‬و نزاهته عن القذار و عورات السد ـ فكان قد خصه‬
‫ال ف ذلك بصائص ل توجد ف غيه ‪ ،‬ث تمها بنظافة الشرع و خصال الفطرة العشر ‪ ،‬و قال ‪ [ :‬بن‬
‫الدين على النظافة ] ‪.‬‬
‫حدثنا سفيان بن العاصي و غي واحد ‪ ،‬قالوا ‪ :‬حدثنا أحد بن عمر ‪ .‬حدثنا أبو العباس الرازي ‪ ،‬حدثنا‬
‫أبو أحد اللودي ‪ ،‬حدثنا ابن سفيان ‪ ،‬حدثنا مسلم ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا قتيبة ‪ ،‬حدثنا جعفر بن سليمان ‪،‬‬
‫عن ثابت ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬قال ‪ [ :‬ما شمت عنبا قط ‪ ،‬و ل مسكا ‪ ،‬و ل شيئا أطيب من ريح رسول ال‬
‫صلى ال عليه و سلم ] ‪.‬‬
‫و عن جابر بن سرة ‪ :‬أنه صلى ال عليه و سلم مسح خده ‪ ،‬قال ‪ :‬فوجدت ليده بردا و ريا ‪ ،‬كأنا‬
‫أخرجها من جونة عطار ‪.‬‬
‫قال غيه ‪ :‬مسها بطيب أو ل يسها ‪ ،‬يصافح الصافح فيظل يومه يد ريها ‪ ،‬و يضع يده على رأس‬
‫الصب فيعرف من بي الصبيان بريها ‪.‬‬
‫و نام رسول ال صلى ال عليه و سلم ف دار أنس فعرق ‪ ،‬فجاءت أمه بقارورة تمع فيها عرقه فسألا‬
‫رسول ال صلى ال عليه و سلم عن ذلك ‪ ،‬فقالت ‪ :‬نعله ف طيبنا ‪ ،‬و هو من أطيب الطيب ‪.‬‬
‫و ذكر البخاري ف تاريه الكبي ‪ ،‬عن جابر ‪ [ :‬ل يكن النب صلى ال عليه و سلم ير ف طريق فيتبعه‬
‫أحد إل عرف أنه سلكه من طيبه ] ‪.‬‬
‫و ذكر اسحاق بن راهويه أن تلك كانت رائحته بل طيب ‪ ،‬صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫[ و روى الزن ‪ :‬عن جابر ‪ :‬أردفن النب صلى ال عليه و سلم خلفه ‪ ،‬فالتقمت خات النبوة بفمي ‪،‬‬
‫فكان ينم على مسكا ] ‪.‬‬
‫و قد حكى بعض العتني بأخباره و شائله صلى ال عليه و سلم أنه كان إذا أراد أن يتغوط انشقت‬
‫الرض فابتلعت غائطه و بوله ‪ ،‬و فاحت لذلك رائحة طيبة ‪ .‬صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫[ و أسند ممد بن سعد كاتب الواقدي ف هذا خبا عن عائشة رضي ال عنها أنا قالت للنب صلى ال‬
‫عليه و سلم ‪ :‬إنك تأت اللء فل نرى منك شيئا من الذى ! فقال ‪ :‬يا عائشة ‪ ،‬أو ما علمت أن‬
‫الرض تبتلع ما يرج من النبياء ‪ ،‬فل يرى منه شيء ] ‪.‬‬
‫و هذا الب ‪ ،‬و إن ل يكن مشهورا فقد قال قوم من أهل العلم بظهارة الدثي منه صلى ال عليه و‬
‫سلم ‪ .‬و هو قول بعض أصحاب الشافعية ‪ [ ،‬حكاه المام أبو نصر ابن الصباغ ف شامله ] ‪.‬‬
‫و قد حكى القولي عن العلماء ف ذلك أبو بكر بن سابق الالكي ف كتابه البديع ف فروع الالكية ‪ ،‬و‬
‫تريج ما ل يقع لم منها على مذهبهم من تفاريع الشافعية ‪.‬‬
‫و منه حديث‬ ‫و شاهد هذا أنه صلى ال عليه و سلم ل يكن منه شيء يكره ‪ ،‬و ل غي طيب ‪.‬‬
‫علي رضي ال عنه ‪ [ :‬غسلت النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فذهبت أنظر ما يكون من اليت فلم أجد‬
‫شيئا ‪ ،‬فقلت ‪ :‬طبت حيا و ميتا ‪ ،‬قال ‪ :‬و سطعت منه ريح طيبة ل ند مثلها قط ] ‪.‬‬
‫و مثله قال أبوبكر رضي ال عنه حي قبل النب صلى ال عليه و سلم بعد موته ‪.‬‬
‫و منه شرب مالك بن سنان دمه يوم أحد ‪ ،‬و مصه إياه [‪ ، ] 23‬و تسويغه صلى ال عليه و سلم ذلك‬
‫له ‪ ،‬و قوله ‪ :‬لن تصيبه النار ‪.‬‬
‫و مثله شرب عبد ال بن الزبي دم حجامته ‪ ،‬فقال له عليه السلم ‪ :‬ويل لك من الناس ‪ ،‬و ويل لك‬
‫منك و ل ينكره عليه ‪.‬‬
‫و قد روي نو من هذا عنه ف امرأة شربت بوله ‪ ،‬فقال لا ‪ :‬لن تشتكي وجع بطنك أبدا ‪ .‬و ل يأمر‬
‫واحدا منهم بغسل فم ‪ ،‬و ل ناه عن عودة ‪.‬‬
‫و حديث هذه الرأة الت شربت بوله صحيح ألزم الدار قطن مسلما و البخاري إخراجه ف الصحيح ‪ ،‬و‬
‫اسم هذه الرأة بركة ‪ .‬و اختلف ف نسبها ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬هي أم أين ‪ :‬و كانت تدم النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬قالت ‪ :‬و كان لرسول ال صلى ال‬
‫عليه و سلم قدح من غيدان يوضع تت سريره يبول فيه من الليل ‪ ،‬فبال فيه ليلة ‪ ،‬ث افتقده ‪ ،‬فلم يد‬
‫فيه شيئا ‪ .‬فسأل بركة عنه ‪ ،‬فقالت ‪ :‬قمت و أنا عطشانة فشربته و أنا ل أعلم ‪.‬‬
‫روى حديثها ابن جريج و غيه ‪.‬‬
‫و كان صلى ال عليه و سلم قد ولد متونا مقطوع السرة ‪.‬‬
‫[ و روي عن أمه آمنة أنا قالت ‪ :‬قد ولدته نظيفا ما به قذر ] ‪.‬‬
‫و عن عائشة رضي ال عنها ‪ [ :‬ما رأيت فرج رسول ال صلى ال عليه و سلم قط ] ‪.‬‬
‫و عن علي رضي ال عنه ‪ :‬أوصان النب صلى ال عليه و سلم ل يغسله غيي ‪ ،‬فإنه ل يرى أحد عورت‬
‫إل طمست عيناه ‪.‬‬
‫و ف حديث عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس رضي ال عنهما ‪ [ :‬أنه نام حت سع له غطيط ‪ ،‬فقام فصلى و ل‬
‫يتوضأ ] ‪ ،‬قال عكرمة ‪ :‬لنه صلى ال عليه و سلم كان مفوظا ‪.‬‬
‫فصل‬

‫وفور عقله ‪ ،‬وقوة حواسه ‪ ،‬و فصاحة لسانه‬


‫و أما وفور عقله ‪ ،‬و ذكاء لبه ‪ ،‬و قوة حواسه ‪ ،‬و فصاحة لسانه ‪ ،‬و اعتدال حركاته ‪ ،‬و حسن شائله‬
‫ـ فل مرية أنه كان أعقل الناس و أذكاهم ‪.‬‬
‫و من تأمل تدبيه أمر بواطن اللق و ظواهرهم ‪ ،‬و سياسة العامة و الاصة ‪ ،‬مع عجيب شائله ‪ ،‬و‬
‫بديع سيه ‪ ،‬فضلً عما أفاضه من العلم ‪ ،‬و قرره من الشرع دون تعلم سبق ‪ ،‬و ل مارسة تقدمت ‪ ،‬و‬
‫ل مطالعة للكتب منه ‪ ،‬ل يتر ف رجحان عقله ‪ ،‬و ثقوب فهمه لول بديهة ‪ ،‬و هذا ما ل يتاج إل‬
‫تقريره لتحقيقه ‪.‬‬
‫و قد قال وهب بن منبه ‪ :‬قرأت ف أحد و سبعي كتابا ‪ ،‬فوجدت ف جيعها أن النب صلى ال عليه و‬
‫سلم أرجح الناس عقلً ‪ ،‬و أفضلهم رأيا ‪.‬‬
‫و ف رواية أخرى ‪ :‬فوجدت ف جيعها أن ال تعال ل يعط جيع الناس من بدء الدنيا إل انقضائها من‬
‫العقل ف جنب عقله صلى ال عليه و سلم إل كحبة رمل من بي رمال الدنيا ‪.‬‬
‫و قال ماهد ‪ [ :‬كان رسول ال صلى ال عليه و سلم إذا قام ف الصلة يرى من خلفه كما يرى من‬
‫بي يديه ] ‪ .‬و به فسر قوله تعال ‪ :‬وتقلبك ف الساجدين ‪.‬‬
‫و ف الوطأ عنه عليه السلم ‪ :‬إن لراكم من وراء ظهري ‪.‬‬
‫و نوه ـ عن أنس ف الصحيحي ‪ ،‬و عن عائشة مثله ‪ ،‬قالت ‪ :‬زيادة زاده ال إياها ف حجته ‪.‬‬
‫و ف بعض الروايات ‪ :‬إن لنظر من ورائي كما أنظر من بي يدي ‪.‬‬
‫و ف أخرى ‪ :‬إن لبصر من قفاي كما أبصر من بي يدي ‪.‬‬
‫و حكى بقي بن ملد ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬قالت ‪ :‬كان النب صلى ال عليه و سلم يرى ف الظلمة كما يرى‬
‫ف الضوء ‪.‬‬
‫و الخبار كثية صحيحة ف رؤيته صلى ال عليه و سلم للملئكة و الشياطي ‪.‬‬
‫و رفع النجاشي له حت صلى عليه ‪ ،‬و بيت [ ‪ ] 24‬القدس حي وصفه لقريش و الكعبة حي بن‬
‫مسجده ‪.‬‬
‫و قد حكي عنه صلى ال عليه و سلم أنه كان يرى ف الثريا أحد عشر نما ‪.‬‬
‫و هذه كلها ممولة على رؤية العي ‪ ،‬و هو قول أحد بن حنبل و غيه ‪.‬‬
‫و ذهب بعضهم إل ردها إل العلم ‪ ،‬و الظواهر تالفه ‪ ،‬و ل إحالة ف ذلك ‪ ،‬و هي من خواص النبياء‬
‫و خصالم ‪ ،‬كما أخبنا أبو ممد عبد ال بن أحد العدل من كتابه ‪ ،‬حدثنا أبو السن القري‬
‫الفرغان ‪ ،‬حدثتنا أم القاسم بنت أب بكر عن أبيها ‪ ،‬حدثنا الشريف أبو السن علي بن ممد السن ‪،‬‬
‫حدثنا ممد بن ممد بن سعيد ‪ ،‬حدثنا ممدبن أحد بن سليمان ‪ ،‬حدثنا ممد بن ممد بن مرزوق ‪،‬‬
‫حدثنا هام ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا السن ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن يي بن وثاب ‪ ،‬عن أب هريرة ‪ ،‬عن النب صلى ال‬
‫عليه و سلم ‪ ،‬قال ‪ :‬لا تلى ال لوسى عليه السلم كان يبصر النملة على الصفا ف الليلة الظلماء مسية‬
‫عشرة فراسخ ‪ :‬و ل يبعد على هذا أن يتص نبينا با ذكرناه من هذا الباب بعد السراء و الظوة با‬
‫رأى من أيات ربه الكبى ‪.‬‬
‫و قد جاءت الخبار بأنه صرع أبا ركانة أشد أهل وقته ‪ ،‬و كان دعاه إل السلم و صارع أبا ركانة‬
‫ف الاهلية ‪ ،‬و كان شديدا ‪ ،‬و عاوده ثلث مرات ‪ ،‬كل ذلك يصرعه رسول ال صلى ال عليه و سلم‬
‫‪.‬‬
‫و قال أبو هريرة ‪ :‬ما رأيت أحدا أسرع من رسول ال صلى ال عليه و سلم ف مشيه ‪ ،‬كأنا الرض‬
‫تطوى له ‪ ،‬إنا لنجهد أنفسنا و هو غي مكترث ‪.‬‬
‫و ف صفته أنه ضحكه كان تبسما ‪ ،‬إذا إلتفت إلتفت معا ‪ ،‬و إذا مشى مشى تقلعا كأنا ينحط من‬
‫صبب ‪.‬‬

‫فصل‬

‫فصاحة لسانه ‪ ،‬و بلغة قوله‬


‫و أما فصاحة اللسان ‪ ،‬و بلغة القول ‪ ،‬فقد كان صلى ال عليه و سلم من ذلك بالحل الفضل و‬
‫الوضع الذي ليهل ‪ ،‬سلسة طبع ‪ ،‬و براعة منع ‪ ،‬و إجاز مقطع ‪ ،‬و نـصاعة لـفظ ‪.‬‬
‫و جزالة قول ‪ ،‬و صحة معان ‪ ،‬و قلة تكلف ‪ ،‬أوت جوامع الكلم ‪ ،‬و خص ببدائع الكم ‪ ،‬و علم‬
‫ألسنة العرب ‪ ،‬ياطب كل أمة منها بلسانا ‪ ،‬و ياورها بلغتها ‪ ،‬و يباريها ف منع بلغتها ‪،‬حت كان‬
‫و من تأمل حديثه و‬ ‫كثي من أصحابه يسألونه ف غي موطن عن شرح كلمه و تفسي قوله ‪.‬‬
‫سيه علم ذلك و تققه ‪ ،‬و ليس كلمه مع قريش و النصار ‪ ،‬و أهل الجاز و ند ككلمه مع [ ذي‬
‫الشعار المدان ‪ ،‬و طهفه الندي ] ‪ ،‬و قطن بن حارثة العليمي ‪ ،‬و ال شعث بن قيس ‪ ،‬و وائل بن‬
‫حجر الكندي ‪ ،‬و غيهم من أقيال حضرموت و ملوك اليمن ‪ .‬و انظر كتابة إل هدان ‪ :‬إن لكم‬
‫فراعها و وهاطها و عزازها ‪ ،‬تأ كلون علفها و ترعون عفاءها ‪ ،‬لنا من دفئهم و صرامهم ماسلموا‬
‫باليثاق و المانة ‪ ،‬و لم من الصدقة الثلب و الناب و الفصيل ‪ ،‬و الفارض و الداجن ‪ ،‬و الكبش‬
‫الوري ‪ ،‬و عليهم فيها الصالغ و القرح ‪.‬‬
‫و قوله لنهد ‪ :‬اللهم بارك لم ف مضها و مضها و مذقها ‪ ،‬و ابعث راعيها ف الدثر ‪ ،‬و افجر له‬
‫الثمد ‪ ،‬و بارك له ف الال و الولد ‪ ،‬من أقام الصلة كان مسلما ‪ ،‬و من آتىالزكاة كان مسنا ‪ ،‬و من‬
‫شهد أن ل إله إل ال كان ملصا ‪ ،‬لكم يابن ند و دائع الشرك ‪ ،‬و وضائع اللك ‪ ،‬لتلطط ف الزكاة ‪،‬‬
‫و ل تلحد ف الياة ‪ ،‬و ل تتثاقل عن الصلة ‪ .‬و كتب لم ‪ :‬ف الوظيفة الفريضة ‪ :‬و لكم الفارض‬
‫و الفريش ‪ ،‬و ذو العنان الركوب ‪ ،‬و الفلو الضبيس ‪ ، ] 2 5 [ ،‬لينع سرحكم ‪ ،‬و ل يعضد طلحكم‬
‫‪ ،‬و ل يبس دركم ما ل تضمروا الرماق ‪ ،‬و تأكلوا الرباق ‪ ،‬من أقر فله الوفاء بالعهد و الذمة ‪ ،‬و من‬
‫أب فعليه الربوة ‪.‬‬
‫و من كتابه لوائل بن حجر ‪.‬‬
‫إل القيال العباهلة ‪ ،‬و الرواع الشابيب ‪ .‬و فيه ‪ :‬ف التيعة شاة ‪ ،‬ل مقورة اللياط و ل ضناك ‪ ،‬و‬
‫أنطوا الثبجة ‪ ،‬و ف السيوب المس ‪ .‬و من زن مم بكر فاصعقوه مائة ‪ ،‬و استوفضوه عاما ‪ ،‬و من‬
‫زن مم ثيب فضرجوه باللضاميم ‪ ،‬و ل توصيم ف الدين و ل غمة ف فرائض ال ‪ ،‬و كل مسكر حرام‬
‫أين هذا من كتابة لنس ف الصدقة الشهور ‪ .‬لا كان‬ ‫‪ .‬و وائل بن حجر يترفل على القيال ‪.‬‬
‫كلم هؤلء على هذا الد ‪ ،‬و ب لغتهم على هذا النمط ‪ ،‬و أكثر استعمالم هذه اللفاظ استعملها‬
‫و كقوله ف حديث عطية‬ ‫معهم ‪ ،‬ليبي للناس ما نزل إليهم ‪ ،‬و ليحدث الناس با يعلمون ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فكلمنا رسول ال صلى‬ ‫السعدي ‪ [ :‬فإن اليد العليا هي النطية و اليد السفلى هي النطاة ] ‪.‬‬
‫و قوله ف حديث العامري حي سأله ‪ ،‬فقال له النب صلى ال عليه و سلم‬ ‫ال عليه و سلم بلغتنا ‪.‬‬
‫و أما كلمه العتاد ‪ ،‬و فصاحته‬ ‫أي سل عم شئت ‪ ،‬و هي لغة بن عامر ‪.‬‬ ‫‪ :‬سل عنك‬
‫العلومة ‪ ،‬و جوامع كلمه ‪ ،‬و حكمة الأثورة ـ فقد ألف الناس فيها الدواوين و جعت ف ألفاظها و‬
‫معانيها الكتب ‪ ،‬و فيها ما ل يوازي فصاحة ‪ ،‬و ل يباري بلغة ‪ ،‬كقوله ‪ :‬السلمون تتكافأ دماؤهم ‪،‬‬
‫و قوله ‪ :‬الناس كأسنان الشط ‪.‬‬ ‫و يسعى بذمهم أدناهم ‪ ،‬و هم يد على من سواهم ‪.‬‬
‫و الرء مع من أحب ‪.‬‬
‫و ل خي ف صحبة من ليرى لك ما ترى له ‪.‬‬
‫و الناس معادن ‪.‬‬
‫و ما هلك امروء عرف قدره ‪ .‬و الستشار مؤتن ‪ ،‬و هو بالي ما ل يتكلم ‪ .‬و رحم ال عبدا قال‬
‫و إن‬ ‫و قوله ‪ :‬أسلم تسلم ‪ ،‬و أسلم يؤتك ال أجرك مرتي ‪.‬‬ ‫خيا فغنم أو سكت فسلم ‪.‬‬
‫أحبكم إل و أقربكم من مالس يوم القيامة ‪ ،‬أحاسنكم أخلقا الوطئون أكنافا الذين يألفون و يؤلفون‬
‫و قوله ‪ :‬لعله كان يتكلم با ل يعنيه ‪ ،‬و يبخل با ل يغنيه ‪ .‬و قوله ‪ :‬ذو الوجهي ل يكون‬ ‫‪.‬‬
‫و نيه عن قيل و قال ‪ ،‬و كثرة السؤال ‪ ،‬و إضاعة الال ‪ ،‬و منع و هات ‪ ،‬و‬ ‫عند ال و جيها ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬اتق ال حيثما كنت ‪ ،‬و أتبع السيئة السنة تحها ‪ ،‬و‬ ‫عقوق المهات ‪ ،‬و وأد البنات ‪.‬‬
‫خالق الناس بلق حسن ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬و خي المور أوسطها ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬الظلم ظلمات يوم القيامة ‪.‬‬
‫و قوله ف بعض دعائه ‪ :‬اللهم إن أسألك رحة من عندك تدي با قلب ‪ ،‬و تمع با أمري ‪ ،‬و تلم با‬
‫شعثي ‪ ،‬و تصلح با غائب و ترفع با شاهدي ‪ ،‬و تزكي با علمي ‪ ،‬و تلهمن با رشدي ‪ ،‬و ترد با‬
‫ألفت ‪ ،‬و تعصمن با من كل سوء ‪.‬‬
‫اللهم إن أسألك الفوز ف القضاء ‪ ،‬و نزل الشهداء ‪ ،‬و عيش السعداء ‪ ،‬و النصر على العداء ‪.‬‬
‫إل ما روته الكافة عن الكافة عن القاماته ‪ ،‬و ماض راته ‪ ،‬و خطبه ‪ ،‬و أدعيته ‪ ،‬و ماطباته ‪ ،‬و‬
‫عهوده ‪ ،‬ما ل خلف أنه نزل من ذلك مرتبة ل يقاس با غيه ‪ ،‬و حاز فيها سبقا ل يقدر ‪ .‬و قد‬
‫جعت من كلماته الت ل يسبق إليها ‪ ،‬و ل قدر أحد أن يفرغ ف قالبه [ ‪] 26‬عليها ‪ ،‬كقوله ‪ :‬حي‬
‫الوطيس ‪.‬‬
‫و مات حتف أنفه و ل يلدغ الؤمن من جحر مرتي ‪.‬‬
‫و السعيد من و عظ بغيه ‪ . .‬ف أخواته ما يدرك الناظر العجب ف مضمنها ‪ ،‬و يذهب به الفكر ف‬
‫أدان حكمها ‪.‬‬
‫و قد قال له أصحابه ‪ :‬ما رأينا الذي هو أفصح منك ‪ .‬فقال ‪ :‬و ما ينعن ؟ و إنا أنزل القرآن بلسان ‪،‬‬
‫لسان عرب مبي ‪.‬‬
‫و قال مرة أخرى ‪ :‬بيد أن من قريش و نشأت ف بن سعد ‪.‬‬
‫فجمع له بذلك صلى ال عليه و سلم قوة عارضة البادية و جزالتها ‪ ،‬و نصاعة ألفاظ الاضرة و رونق‬
‫كلمها ‪ ،‬إل التأييد اللي الذي مدده الوحي الذي ل ييط بعلمه بشري ‪.‬‬
‫و قالت أم معبد ف وصفها له ‪:‬‬
‫حلو النطق ‪ ،‬فضل ل نزر و ل هذر ‪ ،‬كأن منطقه خرزات نظمن ‪ .‬و كان جهي الصوت ‪ ،‬حسن‬
‫النعمة صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫فصل‬
‫شرف نسبه ‪ ،‬و كرم بلده و منشئه‬

‫و أما شرف نسبه و كرم بلده و منشئه فمما ل يتاج إل إقامة دليل عليه ‪ ،‬و ل بيان مشكل و ل خفي‬
‫منه ‪ ،‬فإنه نبة من بن هاشم ‪ ،‬و سللة قريش و صميمها ‪ ،‬و أشرف العرب ‪ ،‬و أعزهم نفرا من قبل‬
‫أبيه و أمه ‪ ،‬و من أهل مكة من أكرم بلد ال على ال و على عباده ‪.‬‬
‫حدثنا قاضي القضاة حسي بن ممد الصدف رحه ال ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا القاضي أبو الوليد سليمان بن‬
‫خلف ‪ ،‬حدثنا أبو ذر عبد بن أحد ‪ ،‬حدثنا أبو ممد السرخسي ‪ ،‬و ابن إسحاق ‪ ،‬و أبو اليثم ‪ :‬قالوا ‪:‬‬
‫حدثنا ممد بن يوسف ‪ ،‬قال حدثنا ممد بن إساعيل ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا قتيبة بن سعيد ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا‬
‫يعقوب بن عبد الرحن ‪ ،‬عن عمرو ‪ ،‬عن سعيد القبي ‪ ،‬عن أب هريرة ـ أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫و سلم قال ‪ :‬بعثت من خي قرون بن آدم قرنا فقرنا ‪ ،‬حت كنت من القرن الذي كنت منه ‪.‬‬
‫و عن العباس ‪ ،‬قال ‪ :‬قال النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬إن ال خلق اللق فجعلن من خيهم ‪ ،‬من خي‬
‫قرنم ‪ ،‬ث تي القبائل فجعلن من خي قبيلة ‪ ،‬ث تي البيوت فجعلن من خي بيوتم ‪ ،‬فأنا خيهم‬
‫نفسا ‪ ،‬و خيهم بيتا ‪.‬‬
‫و عن واثلة بن السقع ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬إن ال اصطفى من ولد إبراهيم‬
‫إساعيل ‪ ،‬و اصطفى من بن كنانة قريشا و اصطفى من قريش بن هاشم ‪ ،‬و اصطفان من بن هاشم ‪.‬‬
‫قال الترمذي ‪ :‬و هذا حديث صحيح ‪.‬‬
‫و ف حديث عن ابن عمر ‪ ،‬رواه الطبي أنه صلى ال عليه و سلم قال ‪ :‬إن ال اختار خلقه ‪ ،‬فاختار‬
‫منهم بن آدم ‪ ،‬ث اختار بن آدم فاختار منهم العرب ‪ ،‬ث اختار العرب فاختار منهم قريشا ‪ ،‬ث اختار‬
‫قريشا فاختار منهم بن هاشم ‪ ،‬ث اختار بن هاشم فاختارن منهم ‪ ،‬فلم أزل خيارا من خيار ‪ ،‬أل من‬
‫أحب العرب فبحب أحبهم ‪ ،‬و من أبغض العرب فببغضي أبغضهم ‪.‬‬
‫و عن ابن عباس ‪ :‬إن قريشا كانت نورا بي يدي ال تعال قبل أن يلق آدم بألفي عام ‪ ،‬يسبح ذلك‬
‫النور ‪ ،‬و تسبح اللئكة بتسبيحه ‪ ،‬فلما خلق ال آدم ألقى ذلك النور ف صلبه ‪ ،‬فقال رسول ال صلى‬
‫ال عليه و سلم ‪ :‬فأهبطن ال إل الرض ف صلب آدم ‪ ،‬و جعلن ف صلب نوح ‪ ،‬و قذف ب ف‬
‫صلب ابراهيم ‪ ،‬ث ل يزل ال تعال ينقلن من الصلب الكرية و الرحام الطاهرة ‪ ،‬حت أخرجن من‬
‫بي أبوي ل يلتقيا على سفاح قط ‪ .‬و يشهد لصحة هذا الب شعر الع باس ف مدح النب صلى ال عليه‬
‫و سلم الشهور ‪.‬‬
‫فصل‬
‫فيما تدعو إليه ضرورة الياة إليه‬
‫على ثلثة ضروب‬

‫الضرب الول‬
‫ما التمدح و الكمال بقلته اتفاقا‬

‫[ ‪ ] 27‬و أما ما تدعو ضرورة الياة إليه ما فصلناه فعلى ثلثة ضروب ‪ :‬ضرب الفضل ف قلته ‪ ،‬و‬
‫ضرب الفضل ف كثرته ‪ ،‬و ضرب تتلف الحوال فيه ‪.‬‬
‫فأما ما التمدح و الكمل بقلته اتفاقا ‪ ،‬و على كل حال ‪ ،‬عادة و شريعة ‪ ،‬كالغذاء و النوم ‪ ،‬و ل تزل‬
‫العرب و الكماء تتمادح بقلتهما ‪ ،‬و تذم بكثرتما ‪ ،‬لن كثرة الكل و الشرب دليل على النهم و‬
‫الرص و الشره ‪ ،‬و غلبة الشهوة مسبب لضارالدنيا و الخرة ‪ ،‬جالب لدواء السد و خثار النفس ‪ ،‬و‬
‫امتلء الدماغ ‪ ،‬و قلته دليل على القناعة ‪ ،‬و ملك النفس ‪ ،‬و قمع الشهوة مسبب للصحة ‪ ،‬و صفاء‬
‫الاطر ‪ ،‬و حدة الذهن ‪ ،‬كما أن كثرة النوم دليل على الفسولة و الضعف ‪ ،‬و عدم الذكاء و الفطنة ‪،‬‬
‫مسبب للكسل ‪ ،‬و عادة العجز ‪ ،‬و تضييع العمر ف غي نفع ‪ ،‬و قساوة القلب و غفلته و موته ‪.‬‬
‫و الشاهد على هذا ما يعلم ضرورة ‪ ،‬و يوجد مشاهدة ‪ ،‬و ينقل متوترا من كلم المم التقدمة ‪ ،‬و‬
‫الكماء السابقي ‪ ،‬و أشعار العرب و أخبارها ‪ ،‬و صحيح الديث ‪ ،‬و آثار من سلف و خلف ‪ ،‬ما ل‬
‫يتاج إل الستشهاد عليه اختصا را و اقتصارا على اشتهار العلم به ‪.‬‬
‫و كان النب صلى ال عليه و سلم قد أخذ من هذين الفني بالقل ‪.‬‬
‫هذا ما ل يدفع من سيته ‪ ،‬و هو الذي أمر به ‪ ،‬و حض عليه ‪ ،‬لسيما بارتباط أحدها بالخر ‪.‬‬
‫حدثنا أبو علي الصدف الافظ بقراءت عليه ‪ ،‬حدثنا أبو الفضل الصبهان ‪ ،‬حدثنا أبو نعيم الافظ ‪،‬‬
‫حدثنا سليمان بن أحد ‪ ،‬حدثنا أبو بكر بن سهل ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن صال ‪ ،‬حدثن معاوية بن صال‬
‫أن يي بن جابر حدثه عن القدام بن معد يكرب أن رسول ال صلى ال عليه و سلم قال ‪ :‬ما مل ابن‬
‫آدم وعاء شرا من بطنه ‪ ،‬حسب ابن آدم أكلت يقمن صلبه ‪ ،‬فإن كان ل مالة فثلث لطعامه ‪ ،‬و ثلث‬
‫لشرابه ‪ ،‬و ثلث لنفسه ‪.‬‬
‫و لن كثرة النوم من كثرة الكل و الشرب ‪.‬‬
‫قال سفيان الثوري ‪ :‬بقلة الطعام يلك سهر الليل ‪.‬‬
‫و قال بعض السلف ‪ :‬ل تأكلوا كثيا فتشربوا كثيا ‪ ،‬فترقدوا كثيا ‪ ،‬فتخسروا كثيا ‪.‬‬
‫و قد روي عنه صلى ال عليه و سلم أنه كان أحب الطعام إليه ما كان على ضعف ‪ ،‬أي كثرة اليدي‬
‫‪ .‬و عن عا ئشة رضي ال عنها ‪ :‬ل يتلىء جوف النب صلى ال عليه و سلم شبعا قط ‪ ،‬و أنه كان ف‬
‫أهله ل يسألم طعاما و ل يتشهاه ‪ ،‬إن أطعموه أكل ‪ ،‬و ما أطعموه قبل ‪ ،‬و ما سقوه شرب ‪.‬‬
‫و ل يعترض على هذا بديث بريرة ‪ ،‬و قوله ‪ :‬أل أر البمة فيها لم إذ لعل سبب سؤاله ظنه صلى ال‬
‫عليه و سلم اعتقاده أنه ل يل له ‪ ،‬فأراد بيان سنته ‪ ،‬إذ رآهم ل يقدموه إليه ‪ ،‬مع علمه أنم ل‬
‫يستأثرون عليه به ‪ ،‬فصدق عليهم ظنه ‪ ،‬و بي لم ما جهلوه من أمره بقوله ‪ :‬هو لا صدقة و لنا هدية‬
‫و ف حكمه لقمان ‪ :‬يابن ‪ ،‬إذا امتلت العدة نامت الفكرة ‪ ،‬و خرست الكمة ‪ ،‬و قعدت العضاء عن‬
‫العبادة ‪.‬‬
‫و قال سحنون ‪ :‬ل يصلح العلم لن يأكل حت يشبع ‪.‬‬
‫و ف صحيح الديث قوله صلى ال عليه و سلم ‪ :‬أما أنا فل آكل متكئا ‪.‬‬
‫و التكاء ‪ :‬هو التمكن للكل ‪ ،‬و التقعدد ف اللوس له كالتربع ‪ ،‬و شبهه من تكن اللسات الت‬
‫يعتمد عليها الالس على ماتته [ ‪ ، ] 28‬و الالس على هذه اليئة يستدعي الكل و يستكثر منه ‪.‬‬
‫و النب صلى ال عليه و سلم إنا كان جلوسه للكل جلوس الستوفز مقعيا ‪ ،‬و يقول ‪ :‬إنا أنا عبد آكل‬
‫كما يأكل العبد ‪ ،‬و أجلس كما يلس العبد ‪.‬‬
‫و ليس معن الدث ف التكاء اليل على شق عند الحققي ‪.‬‬
‫و كذلك نومه صلى ال عليه و سلم كان قليلً ‪ ،‬شهدت بذلك الثارالصحيحة ‪ ،‬و مع ذلك فقد قال ‪:‬‬
‫إن عين تنامان و ل ينام قلب ‪.‬‬
‫وكان نومه على جانبه الين استظهارا على قلة النوم ‪ ،‬لنه على جانب اليسر أهنأ ‪ ،‬لدو القلب و ما‬
‫يتعلق به من العضاء الباطنية حينئذ ‪ ،‬ليلها إل الانب اليسر ‪ ،‬فيستدعي ذلك الستثقال فيه و الطول‬
‫‪.‬‬
‫و إذا نام النائم على الين تعلق القلب و قلق ‪ ،‬فأسرع الفاقة و ل يغمره الستغراق ‪.‬‬
‫فصل‬
‫الضرب الثان ‪ :‬ما يتفق على الدح بكثرته‬

‫و الضرب الثان ما يتفق الدح بكثرته ‪ ،‬و الفخر بوفوره ‪ ،‬كالنكاح و الاه ‪ :‬أما النكاح فمتفق فيه‬
‫شرعا و عادة ‪ ،‬فإنه دليل الكمال ‪ ،‬و صحة الذكورية ‪ ،‬و ل يزل التفاخر بكثرته عادة معروفة ‪ ،‬و‬
‫التمادح به سية ماضية ‪.‬‬
‫و أما ف الشرع فسنة مأثورة ‪ ،‬و قد قال ابن عباس ‪ :‬أفضل هذه المة أكثرها نساء يشي إليه صلى ال‬
‫عليه و سلم ‪.‬‬
‫و قد قال عليه السلم ‪ :‬تناكحوا تناسلوا ‪ ،‬فإن مباه بكم المم يوم القيامة ‪.‬‬
‫و نى عن التبتل مع ما فيه من قمع الشهوة ‪ ،‬و غض البصر اللذين نبه عليهما صلى ال عليه و سلم‬
‫بقوله ‪ :‬من كان ذا طول فليتزوج ‪ ،‬فإنه أغض للبصر ‪ ،‬و أحصن للفرج حت ل يره العلماء ما يقدح ف‬
‫الز هد ‪.‬‬
‫قال سهل بن عبد ال ‪ :‬قد حبب إل سيد الرسلي ‪ ،‬فكيف يزهد فيهن ؟ و نوه لبن عيينه ‪.‬‬
‫و قد كان زهاد الصحابة كثيي الزوجات و السراري ‪ ،‬كثيي النكاح ‪.‬‬
‫و حكي ف ذلك على علي ‪ ،‬و السن ‪ ،‬و ابن عمر ‪ ،‬و غيهم غي شيء ‪.‬‬
‫و قد كره غي و احد أن يلقى ال عزبا ‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬كيف يكون النكاح و كثرته من الفضائل ‪ ،‬و هذا يي بن زكريا عليه السلم قد أثن ال له‬
‫تعال عليه أنه كان حصورا ‪ ،‬فكيف يثن ال بالعجز عما تعده فضيلة ؟ ‪.‬‬
‫و هذا عيسى عليه السلم تبتل عنه النساء ‪ ،‬و لو كان كما قررته لنكح ؟‬
‫فاعلم أن ثناء ال تعال على يي بأنه حصور ليس كما قال بعضهم ‪:‬‬
‫إنه كان هيوبا ‪ ،‬أو ل ذكر له ‪ ،‬بل قد أنكر هذا حذاق الفسرين و نقاد العلماء ‪،‬‬
‫و قالوا ‪ :‬هذه تقيصة و عيب ‪ ،‬و ل تليق بالنبياء ‪.‬‬
‫و إنا معناه أنه معصوم من الذنوب ‪ ،‬أي ل تأتيها ‪ ،‬كأنه حصر عنها ‪ .‬و قيل ‪:‬‬
‫مانعا نفسه من الشهوات ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬ليست له شهرة ف النساء ‪.‬‬
‫فقد بان ذلك من هذا أن عدم القدر على النكاح نقص ‪ ،‬و إنا الفضل ف كونا موجودة ‪ ،‬ث قمعها ‪،‬‬
‫إما بجاهدة ‪ ،‬كعيسى عليه السلم ‪ ،‬أو بكفاية من ال تعال ‪ ،‬كيحي عليه السلم ـ فضيلة زائدة‬
‫لكونا شاغلة ف كثي من الوقات حاطة إل الدنيا ‪ .‬ث هي ف حق من أقدر عليها و ملكها و قام‬
‫بالواجب فيها ‪ ،‬و ل تشغله عن ربه ـ درجة عاليا ‪ ،‬و هي درجة نبينا صلى ال عليه و سلم الذي ل‬
‫تشغله كثرتن عن عبادة ربه ‪ ،‬بل زاده ذلك عبادة لتحصينهن ‪ ،‬و قيامه بقوقهن ‪ ،‬و اكتسابه لن ‪ ،‬و‬
‫هدايته إياهن ‪ ،‬بل صرح أنا ليست من حظوظ [‪ ]29‬دنياه هو ‪ ،‬و إن كانت من حظوظ دنيا غيه ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬حبب إل من دنياكم ‪ .‬فدل على أن حبه لا ذكر من النساء و الطيب اللذين ها من أمور دنيا‬
‫غيه ‪ ،‬و استعماله لذلك ليس لدنياه ‪ ،‬بل لخرته ‪ ،‬للفوائد الذي ذكرناها ف التزويج ‪ ،‬و للقاءاللئكة‬
‫ف الطيب ‪ ،‬و لنه أيضا ما يض على الماع ‪ ،‬و يعي عليه ‪ ،‬و يرك أسبابه ‪.‬‬
‫و كان حبه لاتي الصلتي لجل غيه ‪ ،‬و قمع شهوته ‪ ،‬و كان حبه القيقي الختص بذاته ف‬
‫مشاهدته جبوت موله و مناجاته ‪ ،‬و لذلك ميز بي البي ‪ ،‬و فصل بي الالي ‪ ،‬فقال ‪ :‬و جعلت‬
‫قرة عين ف الصلة ‪ ،‬فقد ساوى يي و عيسى ف كفاية فتنتهن ‪ ،‬و زاد فضيلة بالقيام بن ‪.‬‬
‫و كان صلى ال عليه و سلم من أقدر على القوة ف هذا ‪ ،‬و أعطي الكثي منه ‪ ،‬و لذا أبيح له من عدد‬
‫الرائر ما ل يبح لغيه ‪.‬‬
‫و قد روينا عن أنس أنه صلى ال عليه و سلم كان يدور على نسائه ف الساعة من الليل و النهار ‪ ،‬و‬
‫هن إحدى عشرة ‪.‬‬
‫و عن طاوس ‪ :‬أعطي عليه السلم قوة أربعي رجلً ف الماع ‪.‬‬
‫و مثله عن صفوان بن سليم ‪.‬‬
‫و قالت سلمى مولته ‪ :‬طاف النب صلى ال عليه و سلم ليلة على نسائه التسع ‪ ،‬و تطهر من كل‬
‫واحدة قبل أن يأت الخر ى ‪ ،‬و قال ‪ :‬هذا أطيب و أطهر ‪.‬‬
‫قال أنس ‪ :‬و كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلثي رجلً ‪ .‬خرجه النسائي ‪ ،‬و روي نوه عن أب رافع ‪.‬‬
‫و قد قال سليمان ـ عليه السلم ‪ [ :‬لطوفن الليلة على مائة امرأة أو تسع و تسعي ] و أنه فعل ذلك ‪.‬‬

‫قال ابن عباس ‪ :‬كان ف ظهر سليمان ماء مائة رجل أو تسع و تسعي ‪ ،‬و كانت له ثلثائة امرأة و‬
‫ثلثائة سرية ‪.‬‬
‫و حكى النقاش و غيه سبعمائة امرأة و ثلثائة سرية ‪.‬‬
‫و قد كان لداود عليه السلم على زهده و أكله من عمل يده تسع و تسعون امرأة ‪ ،‬و تت بزوج أوريا‬
‫مائة ‪.‬‬
‫و قد نبه على ذلك ف الكتاب العزيز بقوله تعال ‪ :‬إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة [ سورة ص ‪/‬‬
‫‪ ، 38‬الية ‪. ] 23 :‬‬
‫و ف حديث أنس عنه ‪ ،‬عليه السلم ‪ :‬فضلت على الناس بأربع ‪ :‬بالسخاء ‪ ،‬و الشجاعة ‪ ،‬و كثرة‬
‫الماع ‪ ،‬و قوة البطش ‪.‬‬
‫و أما الاه فمحمود عند العقلء عادة و بقدر جاهه عظمه ف القلوب ‪.‬‬
‫و قد قال ال تعال ف صفة عيسى عليه السلم ‪ :‬وجيها ف الدنيا والخرة ‪ ،‬لكن آفاته كثية ‪ ،‬فهو مضر‬
‫لبعض الناس لعقب الخرة ‪ ،‬فلذلك ذمه من ذمه ‪ ،‬و مدح ضده ‪.‬‬
‫و ورد ف الشرع مدح المول ‪ ،‬و ذم العلو ف الرض ‪.‬‬
‫و كان صلى ال عليه و سلم قد رزق من الشمة ‪ ،‬و الكانة ف القلوب ‪ ،‬و العظمة قبل النبوة عند‬
‫الاهلية و بعدها ‪ ،‬و هم يكذبونه و يؤذون أصحابه ‪ ،‬و يقصدون أذاه ف نفسه خفية حت إذا واجههم‬
‫أعظموا أمره ‪ ،‬و قضوا حاجته ‪.‬‬
‫و أخباره ف ذلك معروفة سيأت بعضها ‪.‬‬
‫و قد كان يبهت و يفرق لرؤيته من ل تره ‪ ،‬كما روي عن قيلة أنا لا رأته أرعدت من الفرق ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫يا مسكينة ‪ ،‬عليك السكينة ‪.‬‬
‫و ف حديث أب مسعود أن رجلً قام بي يديه فأرعد ‪ ،‬فقال ‪ :‬هون عليك فإن لست بلك ‪ ..‬لديث ‪.‬‬

‫فأما عظم قدره بالنبوة ‪ ،‬و شريف منلته بالرسالة ‪ ،‬و إنافة رتبته بالصطفاء و الكرامة ف الدنيا فأمر هو‬
‫مبلغ النهاية ‪ ،‬ث هو ف الخرة سيد ولد آدم ‪.‬‬
‫و على معن هذا الفصل نظمنا هذا القسم بأسره ‪.‬‬

‫فصل‬
‫الضرب الثالث ‪ :‬ما تتلف الالت ف التمدح به‬
‫و أما الضرب الثالث ‪ ،‬فهو ما تتلف الالت ف التمدح به و التفاخر بسببه ‪ ،‬و التفضيل [ ‪] 30‬‬
‫لجله ‪ ،‬ككثرة الال ـ فصاحبه على الملة معظم عند العامة ‪ ،‬لعتقادها توصله به إل حاجاته ‪ ،‬و‬
‫تكن أغراضه بسببه ‪ ،‬و إل فليس فضيلة ف نفسه ‪ ،‬فمت كان الال بذه الصورة ‪ ،‬و صاحبه منفقا له ف‬
‫مهمات من اعتراه و أمله ‪ ،‬و تصريفه ف مواضعه مشتريا به العال و الثناء السن ‪ ،‬و النلة ف القلوب‬
‫ـ كان فضيلة ف صاحبه عند أهل الدنيا ‪ ،‬و إذا صرفه ف وجوه الب ‪ ،‬و أنفقه ف سبيل الي ‪ ،‬و قصد‬
‫بذلك ال و الدار الخرة ‪ ،‬كان فضيلة عند الكل بكل حال ‪ ،‬و مت كان صاحبه مسكا له غي موجهه‬
‫وجوهه ‪ ،‬حريصا على جعه ‪ ،‬عاد كثرة كالعدم ‪ ،‬و كان منقصة ف صاحبه ‪ ،‬و ل يقف به على جدد‬
‫السلمة ‪ ،‬بل أوقعه ف هوة رذيلة البخل ‪ ،‬و مذمة النذالة ‪ ،‬فإذا التمدح بالال و فضيلته عند مفضله‬
‫ليست لنفسه ‪ ،‬و إنا هو للتوصل به إل غيه ‪ ،‬و تصريفه ف متصرفاته ‪ ،‬فجامعه إذا ل يضعه مواضعه ‪،‬‬
‫و ل وجهه وجوهه غي مليء بالقيقة و ل غن بالعن ‪ ،‬و ل متدح عند أحد من العقلء ‪ ،‬بل هو فقي‬
‫أبدا غي واصل إل غرض من أغراضه ‪ ،‬إذ ما بيده من الال الوصل لا ل يسلط عليه ‪ ،‬فأشبه خازن مال‬
‫غيه ‪ ،‬و ل مال له ‪ ،‬فكان ليس ف يده منه شيء ‪.‬‬
‫و النفق مليء و غن بتحصيله فوائد الال ‪ ،‬و إن ل يبق ف يده من الال شيء ‪.‬‬
‫فانظر سية نبينا صلى ال عليه و سلم و خلقه ف الال تده قد أوت خزائن الرض ‪ ،‬و مفاتيح البلد ‪،‬‬
‫و أحلت له الغنائم ‪ ،‬و ل تل لنب قبله ‪ ،‬و فتح عليه ف حياته صلى ال عليه و سلم بلد الجاز و‬
‫اليمن ‪ ،‬و جيع جزيرة العرب ‪ ،‬و ما دان ذلك من الشام و العراق ‪ ،‬و جلبت إليه من أخاسها و‬
‫جزيتها و صدقاتا ما ل ين للملوك إل بعضه ‪ ،‬و هادته جاعة من ملوك القاليم فيما استأثر بشيء‬
‫منه ‪ ،‬و ل مسك منه درها ‪ ،‬بل صرفه مصارفه ‪ ،‬و أغن به غيه ‪ ،‬و قوى به السلمي ‪ ،‬و قال ‪ :‬ما‬
‫يسرن أن ل أحدا ذهبا يبيت عندي منه دينار ‪ ،‬إل دينارا أرصده لدين ‪.‬‬
‫و أتته دناني مرة فقسمها ‪ ،‬و بقيت منه ستة ‪ ،‬فدفعها لبعض نسائه ‪ ،‬فلم يـأخذه نوم حت قام و‬
‫قسمها ‪ ،‬و قال ‪ :‬الن استرحت ‪.‬‬
‫و مات و درعه مرهونة ف نفقة عياله ‪.‬‬
‫و اقتصر من نفقته و ملبسه و مسكنه على ما تدعو ضرورته إليه ‪.‬‬
‫و زهد فيما سواه ‪ ،‬فك ان يلبس ما وجده ‪ ،‬فيلبس ف الغالب الشملة ‪ ،‬و الكساة الشن ‪ ،‬و البد‬
‫الغليظ ‪ ،‬و يقسم على من حضره أقيبة الديباج الخوصة بالذهب ‪ ،‬و يرفع لن ل يضره ‪ ،‬إذ الباهاة ف‬
‫اللبس و التزين با ليست من خصال الشرف و الللة ‪ ،‬و هي من سات النساء ‪.‬‬
‫و الحمود منها نقاوة الثوب ‪ ،‬و التوسط ف جنسه ‪ ،‬و كونه لبس مثله ‪ ،‬غي مسقط لروءة جنسه ما ل‬
‫يؤدي إل الشهرة ف الطرفي ‪.‬‬
‫و قد ذم الشرع ذلك ‪ ،‬و غاية الفخر فيه ف العادة عند الناس إنا يعود إل الفخر بكثرة الوجود ‪ ،‬و‬
‫وفور الال ‪.‬‬
‫و كذلك التباهي بودة السكن ‪ ،‬و سعة النل ‪ ،‬و تكثي آلته و خدمه و مركوباته ‪.‬‬
‫و من ملك الرض ‪ ،‬و جب إليه ما فيها ‪ ،‬فترك ذلك ذهدا و تنها ‪ ،‬فهو حائز لفضيلة الال ‪ ،‬و مالك‬
‫للفخر بذه الصلة إن كانت فضيلة زائد عليها ف الفخر ‪ ،‬و معرق ف الدح بإضرابه عنها ‪ ،‬و زهدة ف‬
‫فانيها ‪ ،‬و بذلا ف مظانا ‪.‬‬
‫فصل‬

‫ف الصال الكتسية من الخلق الميدة‬


‫و أما الصال الكتسبة من الخلق الميدة [ ‪ ] 31‬و الداب الشريفة الت اتفق جيع العقلء على‬
‫تفضيل صاحبها ‪ ،‬و تعظيم التصف باللق الواحد منها ‪ ،‬فضلً عما فوقه و أثن على الشرع على جيعها‬
‫‪ ،‬و أمر با ‪ ،‬و وعد السعادة الدائمة للمتخلق با ‪ ،‬و وصف بعضها بأنه من أجزاء النبوة ‪ ،‬و هي‬
‫السماة بسن اللق ‪ ،‬و هو العتدال ف قوى النفس و أوصافها ‪ ،‬و التوسط فيها دون اليل إل منحرف‬
‫أطرافها ‪ ،‬فجميعها ‪ ،‬قد كانت خلق نبينا ممد صلى ال عليه و سلم على النتهاء ف كمالا ‪ ،‬و‬
‫العتدال إل غايتها ‪ ،‬حت أثن ال بذلك عليه ‪ ،‬فقال تعال ‪ :‬وإنك لعلى خلق عظيم [ سورة القلم ‪/‬‬
‫‪ ، 68‬الية ‪. ] 4 :‬‬
‫قالت عائشة ـ رضي ال عنها ‪ :‬كان خلقه القرآن ‪ ،‬يرضى برضاه ‪ ،‬و يسخط بسخطه ‪.‬‬
‫و قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬بعثت لتم مكارم الخلق ‪.‬‬
‫قال انس ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه و سلم أحسن الناس خلقا ‪.‬‬
‫و عن علي بن أب طالب رضي ال عنه مثله ‪.‬‬
‫و كان فيما ذكره الحقوق مبولً عليها ف أصل خلقته و أول فطرته ‪ ،‬ل تصل له باكتساب و ل‬
‫رياضة إل بود إلي ‪ ،‬و خصوصية رب انية ‪.‬‬
‫و هكذا لسائر النبياء ‪ ،‬و من طالع سيهم منذ صباهم إل مبعثهم حقق ذلك ‪ ،‬كما عرف من حال‬
‫عيسى و موسى ‪ ،‬و يي ‪ ،‬و سليمان ‪ ،‬و غيهم عليهم السلم ‪.‬‬
‫بل غرزت فيهم هذه الخلق ف البلة ‪ ،‬و أودعوا العلم و الكمة ف الفطرة ‪ ،‬قال ال تعال ‪ :‬وآتيناه‬
‫الكم صبيا [ سورة مري ‪ ، 19 /‬الية ‪. ] 12 :‬‬
‫قال الفسرون ‪ :‬أعطي يي العلم بكتاب ال تعال ف حال صباه ‪.‬‬
‫و قال معمر ‪ :‬كان يي ابن سنتي أو ثلث ‪ ،‬فقال له الصبيان ‪ :‬ل ل تلعب ؟‬
‫فقال ‪ :‬أللعب خلقت ! ‪.‬‬
‫و قيل ف قوله تعال ‪ :‬مصدقا بكلمة من ال ‪ :‬صدق يي بعيسى ‪ ،‬و هو ابن ثلث سني ‪ ،‬فشهد له أنه‬
‫كلمة ال و روحه ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬صدقه و هو ف بطن أمه ‪ ،‬فكانت أم يي تقول لري ‪ :‬إن أجد ما ف بطن يسجد لا ف‬
‫بطنك ‪ ،‬تتة له ‪ .‬و قد نص ال تعال على كلم عيسى لمه عند ولدتا إياه بقوله لا ‪ :‬أن ل تزن‬
‫على قراءة من قرأ من تتها و على قول من قال ‪ :‬إن النادي عيسى ‪.‬‬
‫و نص على كلمه ف مهده ' فقال ‪ :‬إن عبد ال آتان الكتاب وجعلن نبيا ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬ففهمناها سليمان وكل آتينا حكما وعلما [ سورة النبياء ‪ ، 21 /‬الية ‪. ] 79 :‬‬
‫و قد ذكر من حكم سليمان و هو صب يلعب ف قصة الجرومة ‪ ،‬و ف قصة الصب ما اقتدى به داود‬
‫أبوه ‪.‬‬
‫و حكى الطبي أن عمره كان حي أوت اللك اثن عشر عاما ‪.‬‬
‫و كذلك قصة موسى مع فرعون و أخذه بلحيته و هو طفل ‪.‬‬
‫و و قال الفسرون ـ ف قوله تعال ‪ :‬ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل ‪ ،‬أي هديناه صغيا ‪ ،‬قاله ماهد‬
‫و غيه ‪.‬‬
‫و قال ابن عطاء ‪ :‬اصطفاه قبل إبداء خلقه ‪.‬‬
‫و قال بعضهم ‪ :‬لا ولد إبراهيم عليه السلم بعث ال تعال إليه ملكا يأمره عن ال أن يعرفه بقلبه ‪ ،‬و‬
‫يذكره بلسانه ‪ ،‬فقال ‪ :‬قد فعلت ‪ ،‬و ل يقل أفعل ‪ ،‬فذلك رشده ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬إن إلقاء إبراهيم عليه السلم ف النار و منته كانت و هو ابن ست عشرة سنة ‪ ،‬و إن ابتلء‬
‫إسحاق بالذبح كان و هو ابن سبع سني ‪ ،‬و إن استدلل إبراهيم بالكوكب و القمر و الشمس كان و‬
‫هو ابن خسة عشر شهرا ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬أوحي إل يوسف و هو صب عندما هم إخوته بإلقائه ف الب ‪ ،‬يقول ال تعال ‪ :‬وأوحينا إليه‬
‫لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم ل يشعرون [ سورة يوسف ‪ ، 12 /‬الية ‪. ] 15 :‬‬
‫[ ‪ ] 32‬إل غي ذلك ما ذكرنا من أخبارهم ‪.‬‬
‫و قد حكى أهل السي أن آمنة بنت وهب أخبت أن نبينا ممدا صلى ال عليه و سلم ولد حي ولد‬
‫باسطا يديه إل الرض ‪ ،‬رافعا رأسه إل السماء ‪.‬‬
‫و قال ف حديثه صلى ال عليه و سلم ‪ :‬لا نشأت بغضت إل الوثان ‪ .‬و بغض إل الشعر ‪.‬‬
‫و ل أهم بشيء ما كانت الاهلية تفعله إل مرتي ‪ ،‬فعصمن ال منهما ‪ ،‬ث ل أعد ‪.‬‬
‫ث يتمكن المر لم ‪ ،‬و تترادف نفحات ال عليهم ‪ ،‬و تشرق أنوار العارف ف قلوبم ‪ ،‬حت يصلوا‬
‫الغاية ‪ ،‬و يبلغوا ـ باصطفاء ال تعال لم بالنبوة ف تصيل هذه الصال الشريفة ـ النهاية دون مارسة‬
‫و ل رياضة ‪ ،‬قال ال تعال ‪ :‬ولا بلغ أشده آتيناه حكما وعلما [ سورة يوسف ‪ ، 12 /‬الية ‪. ] 22‬‬
‫و قد ند غيهم يطبع على بعض هذه الخلق دون جيعها ‪ ،‬و يولد عليها ‪ ،‬فيسهل عليه اكتساب‬
‫تامها عناية من ال تعال ‪ ،‬كما نشاهد من خلقه بعض الصبيان على حسن السمت ‪ ،‬أو الشهامة ‪ ،‬أو‬
‫صدق اللسان ‪ ،‬أو السماحة ‪ ،‬و كما ند بعضهم على ضدها ‪ ،‬فبالكتساب يكمل ناقصها ‪ ،‬و‬
‫بالرياضة و الجاهدة يستجلب معدومها ‪ ،‬و يعتدل منحرفها ‪ ،‬و باختلف هذين الالي يتفاوت الناس‬
‫فيها ‪ .‬و كل ميسر لا خلق له ‪ .‬و لذا ما قد اختلف السلف فيها ‪ :‬هل هذا اللق ج بلة أو مكتسبة ؟ ‪.‬‬

‫فحكى الطبي عن بعض السلف أن اللق السن جبلة و غريزة ف العبد ‪ ،‬و حكاه عن عبد ال بن‬
‫مسعود ‪ ،‬و السن ‪ ،‬و به قال هو ‪.‬‬
‫و الصواب ما أصلناه ‪ .‬و قد روى سعد عن النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬قال ‪ :‬كل اللل يطبع عليها‬
‫الؤمن إل اليانة و الكذب ‪.‬‬
‫و قال عمر بن الطاب رضي ال عنه ف حديثه ‪ :‬و الرأة ‪ ،‬و الب غرائز يضعها ال حيث يشاء ‪ .‬و‬
‫هذه الخلق الحمودة و الصال الميلة كثية ‪ ،‬و لكنا نذكر أصولا ‪ ،‬و نشي إل جيعها ‪ ،‬و نقق‬
‫وصفه صلى ال عليه و سلم با إن شاء ال تعال ‪.‬‬

‫فصل‬

‫ف بيان أصول هذه الخلق و تقق وصف النب با‬

‫أما أصل فروعها ‪ ،‬و عنصر ينابيعها ‪ ،‬و نقطة دائرتا فالعقل الذي منه ينبعث العلم و العرفة ‪ ،‬و يتفرع‬
‫عن هذا ثقوب الرأي ‪ ،‬و جودة الفطنة ‪ ،‬و الصابة ‪ ،‬و صدق الظن ‪ ،‬و النظر للعواقب و مصال النفس‬
‫‪ ،‬و ماهدة الشهوة ‪ ،‬و حسن السياسة و التدبي ‪ ،‬و اقتناء الفضائل ‪ ،‬و تنب الرذائل ‪.‬‬
‫و قد أشرنا إل مكانه عليه السلم ‪ ،‬و بلوغه منه و من العلم الغاية الت ل يبلغها بشر سواه ‪ ،‬و إذ جللة‬
‫من ذلك ‪ ،‬و ما تفرع منه متحقق عند من تتبع ماري أحواله ‪ ،‬و اطراد سيه ‪ ،‬و طالع جوامع كلمه ‪.‬‬
‫و حسن شائله ‪ ،‬و بدائع سيه ‪ ،‬و حكم حديثه ‪ ،‬و علمه با ف التوراة و النيل و الكتب النلة ‪ ،‬و‬
‫حكم الكماء ‪ ،‬و سي المم الالية ‪ ،‬و إياها و ضرب المثال ‪ ،‬و سياسات النام ‪ ،‬و تقرير الشرائع ‪،‬‬
‫و تأصيل الداب النفسية ‪ ،‬و الشيم الميدة إل فنون العلوم الت اتذ أهلها كلمه عليه السلم فيها قدره‬
‫‪ ،‬و إشاراته حجة ‪ ،‬كالعبارة ‪ ،‬و الطب ‪ ،‬و الساب ‪ ،‬و الفرائض ‪ ،‬و النسب ‪ ،‬و غي ذلك ما سنبينه‬
‫ف معجزاته إن شاء ال ‪ ،‬دون تعليم و ل مدارس ‪ ،‬و ل مطالعة كتب من تقدم ‪ ،‬و ل اللوس إل علم‬
‫ائهم ‪ ،‬بل بن أمي ل يعرف بشيء [ ‪ ] 23‬من ذلك ‪ ،‬حت شرح ال صدره ‪ ،‬و أبان أمره ‪ ،‬و علمه ‪،‬‬
‫و أقرأه ‪ ،‬يعلم ذلك بالطالعة و البحث عن حاله ضرورة ‪ ،‬و بالبهان القاطع على نبوته نظرا ‪ ،‬فل‬
‫نطول بسرد القاصيص ‪ ،‬و آحاد القضايا ‪ ،‬إذ مموعها مالً يأخذه حصر ‪ ،‬ول ييط به حفظ جع ‪ ،‬و‬
‫بسب عقله كانت معارفه صلى ال عليه و سلم إل سائر ماعلمه ال تعال ‪ ،‬و أطلعه عليه من علم ما‬
‫يكون و ما كان ‪ ،‬و عجائب قدره ‪ ،‬وعظيم ملكوته ‪ ،‬قال تعال وعلمك ما ل تكن تعلم وكان فضل‬
‫ال عليك عظيما [ سورة النساء ‪ ، 4 /‬الية ‪] 113 :‬‬
‫حارث العقول ف تقدير فضله عليه ‪ ،‬و خرست اللسن دون و صف ييط بذلك أو ينهى إليه ‪.‬‬

‫الفصل‬

‫ف الفرق بي اللم و الحتمال ‪ ،‬و العفو مع القدرة ‪ ،‬و الصب على ما يكره‬

‫و أما اللم و الحتمال ‪ ،‬و العفو مع القدرة ‪ ،‬و الصب على ما يكره ‪ ،‬و بي هذه اللقاب فرق ‪ ،‬فإن‬
‫اللم حالة توقر و ثبات عند السباب الحركات ‪ .‬و الحتمال ‪ :‬حبس النفس عند اللم و الؤذيات ‪.‬‬
‫و مثلها الصب ‪ ،‬و معانيها متقاربة ‪.‬‬
‫و أما العفو فهو ترك الؤاخذة ‪.‬‬
‫و هذا كله ما أدب ال تعالىبه نبيه صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن‬
‫الاهلي [ سورة العراف ‪ ، 7 /‬الية ‪. ] 1 99 :‬‬
‫روي أن النب صلى ال عليه و سلم ل نزلت عليه هذه الية سأل جبيل عليه السلم عن تأويلها ‪ ،‬فقال‬
‫له ‪ :‬أسأل العال ‪.‬‬
‫ث ذهب فأتاه ‪ ،‬فقال ‪ :‬ياممد ‪ .‬إن ال يأمرك أن تصل من قطعك ‪ ،‬و تعطي من حرمك ‪ ،‬و تعفو عمن‬
‫ظلمك ‪.‬‬
‫قال له ‪ :‬واصب على ما أصابك إن ذلك من عزم المور ‪.‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬فاصب كما صب أولو العزم من الرسل [ سورة الحقاف ‪ ، 4 6 /‬الية ‪] 35 :‬‬
‫قال ‪ :‬وليعفوا وليصفحوا أل تبون أن يغفر ال لكم وال غفور رحيم ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬ولن صب وغفر إن ذلك لن عزم المور [ سورة الشورى ‪ ، 42 /‬الية ‪. ] 4 3 :‬‬
‫و ل خفاء با يؤثر من حلمه و احتماله ‪ ،‬و أن كل حليم قد عرفت منه زله ‪ ،‬و حفظت عنه هفوه ‪،‬‬
‫وهو صلى ال عليه و سلم ل يزيد مع كثرة الذى إل صبا ‪ ،‬و على اسراف الاهل إل حلما ‪.‬‬
‫حدثنا القاضي أبو عبد ال ممد بن علي التغلب و غيه ‪ ،‬قالو ا ‪ :‬حدثنا ممد بن عتاب ‪ ،‬حدثنا أبو بكر‬
‫بن و افد القاضي و غيه ‪ ،‬حدثنا أبو عيس ‪ ،‬حدثنا عبيد ال ‪ ،‬قال حدثنا يي بن يي ‪ ،‬حدثنا مالك ‪،‬‬
‫عن ابن شهاب ‪ ،‬عن عروة ‪ ،‬عن عائشة رضي ال عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬ما خي رسول ال صلى ال عليه و‬
‫سلم ف أمرين قط إل اختار أيسرهم ما ل يكن اثا ‪ ،‬فإن كان إثا كان أبعد الناس منه ‪ ،‬و ما انتقم‬
‫رسول ال صلى ال عليه و سلم لنفسه إل أن تنتهك حرمه ال تعال‪ ،‬فينتقم ال با ‪.‬‬
‫و روي أن النب صلى ال عليه و سلم ل كسرت رباعيته و شج و جهه يوم أحد شق ذلك على أصحابه‬
‫شديدا ‪ ،‬و قالو ‪ :‬لو دعوت عليهم ! فقال ‪ :‬إن ل أبعث لعانا ‪ ،‬و لكن بعثت داعيا و رحة ‪ .‬اللهم‬
‫اهد قومي فإنم ليعلمون ‪.‬‬
‫و روي عن عمر رضي ال عنه أنه قال ف بعض كلمه ‪ :‬بأب أنت و أمي يا رسول ال ! لقد دعا نوح‬
‫على قومه ‪ ،‬فقال ‪ :‬رب ل تذر على الرض من الكافرين ديارا ‪ .‬و لو دعوت علينا مثلها للكنا من عند‬
‫آخرنا ‪ ،‬فلقد وطيء ظهرك ‪ ،‬و أدمي وجهك ‪ ،‬و كسرت رباعيتك ‪ ،‬فأبيت أن تقول إل خيا ‪ ،‬فقلت‬
‫‪ :‬اللهم اغفر لقومي ‪ ،‬فإنم ل يعلمون ‪.‬‬
‫قال القاضي ابو الفضل وفقه ال ‪ :‬انظر ف هذا القول من جاع الفضل ‪ ،‬و درجات الحسان ‪ ،‬و حسن‬
‫اللق ‪ ،‬و كرم النفس ‪ ،‬و غاية الصب [ ‪ ] 34‬و اللم ‪ ،‬إذ ل يقتصر صلى ال عليه و سلم على‬
‫السكوت عنهم حت عفا عنهم ‪ ،‬ث أشفق عليهم و رحهم ‪ ،‬و دعا و شفع لم ‪ ،‬فقال ‪ :‬اغفر أو اهد ‪،‬‬
‫ث أظهر سبب الشفقة و الرحة بقوله ‪ :‬لقومي ‪ ،‬ث اعتذر عنهم بهلهم ‪ ،‬فقال ‪ :‬فإنم ل يعلمون ‪.‬‬
‫و لا قال له الرجل ‪ :‬اعدن ‪ ،‬فإن هذه قسمة ما أريد با وجه ال ـ ل يزده ف جوابه أن يبي له ما‬
‫جهله ‪.‬‬
‫و وعظ نفسه ‪ ،‬و ذكرها با قال له ‪ ،‬فقال ‪ :‬و يك ! فمن يعدل إن ل أعدل ! خبت و خسرت إن ل‬
‫أعدل ! و نى من أراد من أصحابه قتله ‪.‬‬
‫و لا تصدى له غورث بن الارث ليفتك به ‪ ،‬و رسول ال صلى ال عليه و سلم منتبذ تت شجرة‬
‫وحده قائلً ‪ ،‬و الناس قائلون ‪ ،‬ف غزاة ‪ ،‬فلم ينتبه رسول ال صلى ال عليه و سلم إل و ه و قائم و‬
‫السيف صلتا ف يده ‪ ،‬فقال ‪ :‬من ينعك من ؟ فقال ال فسقط السيف من يده ‪ ،‬فأخذه النب صلى ال‬
‫عليه و سلم ‪ ،‬و قال ‪ :‬من ينعك من ؟ قال ‪ :‬كن خي آخذ ‪ ،‬فتركه و عفا عنه ‪ .‬فجاء إل قومه فقال ‪:‬‬
‫جئتكم من عند خي الناس ‪.‬‬
‫و من عظيم خبه ف العفو عفوه عن اليهودية الت سته ف الشاة بعد اعترافها ـ على الصحيح من‬
‫الرواية ‪.‬‬
‫و أنه ل يؤاخذ لبيد بن العصم إذ سحره ‪ ،‬و قد أعلم به و أوحي إليه بشرح أمره ‪ ،‬و ل عتب عليه‬
‫فضلً عن معاقبته ‪.‬‬
‫و كذلك ل يؤخذ عبد ال بن أب و أشباهه من النافقي بعظيم ما نقل عنهم ف جهته قو ًل و فعلً ‪ ،‬بل‬
‫قال لن أشار بقتل بعضهم ‪ :‬ل يتحدث أن ممدا يقتل أصحابه ‪.‬‬
‫و عن أنس رضي ال عنه ‪ :‬كنت مع النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و عليه برد غليظ الاشية ‪ ،‬فجبذه‬
‫العراب بردائه جبذة شديدة حت أثرت حاشية البد ف صفحة عاتقه ‪ ،‬ث قال ‪ :‬يا ممد ‪ ،‬احل ل على‬
‫بعيي هذين من مال ال الذي عندك ‪ ،‬فإنك ل تمل ل من مالك و مال أبيك ‪.‬‬
‫فسكت النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬ث قال ‪ :‬الال مال ال ‪ ،‬و أنا عبده ‪.‬‬
‫ث قال ‪ :‬و يقاد منك يا أعراب ما فعلت ب ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ل ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ل ؟ قال ‪ :‬لنك ل تكافئ بالسيئة السيئة ‪.‬‬
‫فضحك النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬ث أمر أن يمل له على بعيه شعي ‪ ،‬و على الخر تر ‪.‬‬
‫قالت عائشة رضي ال عنهما ‪ :‬ما رأيت رسول ال صلى ال عليه و سلم منتصرا من مظلمة ظلمها قط‬
‫ما ل تكن حرمة من مارم ال ‪ .‬و ما ضرب بيده شيئا قط إل أن ياهد ف سبيل ال ‪ .‬و ما ضرب‬
‫خادما قط و ل إمرأة ‪.‬‬
‫و جيء إليه برجل ‪ ،‬فقيل ‪ :‬هذا أراد أن يقتلك ‪ .‬فقال له النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬لن تراع ‪ ،‬لن‬
‫تراع ‪ ،‬و لو أردت ذلك ل تسلط علي ‪.‬‬
‫و جاءه زيد بن سعنة قبل إسلمه يتقضاه دينا عليه ‪ ،‬فجبذ ثوبه عن منكبه ‪ ،‬و أخذ بجامع ثيابه ‪ ،‬و‬
‫أغلظ له ‪ ،‬ث قال ‪ :‬إنكم ‪ ،‬يا نب عبد الطلب ‪ ،‬مطل ‪ ،‬فانتهره عمر و شدد له ف القول ‪ ،‬و النب صلى‬
‫ال عليه و سلم يبتسم ‪.‬‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬أنا و هو كنا إل غي هذا أحوج منك يا عمر ‪ ،‬تأمرن بسن‬
‫القضاء ‪ ،‬و تأمره بسن التقاضي ‪.‬‬
‫ث قال ‪ :‬لقد بقي من أجله ثلث ‪ ،‬و أمر عمر يقضيه ماله و يزيده عشرين صاعا لا روعه ‪ ،‬فكان سبب‬
‫إسلمه ‪.‬‬
‫ذلك انه كان يقول ‪ :‬ما بقي من علمات النبوة شيء إل و قد عرفتها ف ممد إل اثنتي ل أخبها ‪:‬‬
‫يسبق حلمه جهله [ ‪ ، ] 35‬و ل تزيده شدة الهل إل حلما ‪ .‬فأختبه بذا ‪ ،‬فوجده كما وصف ‪.‬‬
‫و الديث عن حلمه عليه السلم و صبه و عفوه عند القدرة أكثر من أن تأت عليه ‪ ،‬و حسبك ما‬
‫ذكرناه ما ف الصحيح و الصنفات الثابتة إل ما بلغ متواترا مبلغ اليقي ‪ :‬من صبه على مقاساة قريش ‪،‬‬
‫و أذى الاهلية ‪ ،‬و مصابرته الشدائد الصعبة معهم إل أن أظفره ال عليهم ‪ ،‬وحكمه فيهم ‪ ،‬و هم ل‬
‫يشكون ف استئصال شأفتهم ‪ ،‬و إبادة خضرائهم ‪ ،‬فما زاد على أن عفا و صفح ‪ ،‬و قال ‪ :‬ما تقولون‬
‫أن فاعل بكم ؟ قالوا ‪ :‬خيا ‪ ،‬أخ كري ‪ ،‬و ابن أخ كري ‪ ،‬فقال ‪ :‬أقول كما قال أخي يوسف ‪ :‬ل‬
‫تثريب عليكم اليوم يغفر ال لكم وهو أرحم الراحي ‪ ،‬اذهبوا فأنتم الطلقاء ‪ .‬و قال أنس ‪ :‬هبط ثانون‬
‫رجلً من التنعيم صلة الصبح ليقتلوا رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فأخذوا ‪ ،‬فأعقتهم رسول ال‬
‫صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فأنزل ال تعال ‪ :‬وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من‬
‫بعد أن أظفركم عليهم وكان ال با تعملون بصيا ‪ .‬و قال لب سفيان ـ و قد سيق إليه بعد أن جلب‬
‫إليه الحزاب ‪ ،‬و قتل عمه و أصحابه و مثل بم ‪ ،‬فعفا عنه ‪ ،‬و لطفه ف القول ‪ :‬ويك يا أبا سفيان !‬
‫أل يأن لك أن تعلم أن ل إله إل ال ؟ فقال ‪ :‬بأب أنت و أمي ! ما أحلمك و أوصلك و أكرمك ؟ ‪.‬‬
‫و كان رسول ال صلى ال عليه و سلم أبعد الناس غضبا ‪ ،‬و أسرعهم رضا ‪ ،‬صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬

‫فصل‬

‫ف معان الود و الكرم ‪ ،‬و السخاء و السماحة‬


‫و أما الود و الكرم ‪ ،‬و السخاء و السماحة ـ فمعانيها متقاربة ‪ .‬و قد فرق بعضهم بينها بفروق ‪،‬‬
‫فجعلوا الكرم النفاق بطيب النفس فيما يعظم خطره و نفعه ‪ ،‬و سوه أيضا حرية ‪ ،‬و هو ضد النذالة ‪.‬‬
‫و السماحة ‪ :‬التجاف عما يستحقه الرء عند غيه بطيب نفس ‪ ،‬و هو ضد الشكاسة ‪.‬‬
‫و السخاء ‪ :‬سهولة النفاق ‪ ،‬و تنب اكتساب ما ل يمد ‪ ،‬و هو الود ‪ ،‬و هو ضد التقتي ‪ .‬و كان‬
‫صلى ال عليه و سلم ل يوازى ف هذه الخلق الكرية ‪ ،‬و ل يبارى ‪ ،‬بذا وصفه كل من عرفه ‪.‬‬
‫حدثنا القاضي الشهيد أبو على الصدف رحه ال ‪ ،‬حدثنا القاضي أبو الوليد الباجي ‪ ،‬حدثنا أبو ذر‬
‫الروي ‪ ،‬حدثنا أبو اليثم الكشميهن‪،‬وأبو ممد السرخسي ‪ ،‬و أبو إسحاق البلخي ‪ ،‬قالوا ‪ :‬حدثنا أبو‬
‫عبد ال الفربري ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا البخاري ‪ ،‬قال حدثنا ممد بن كثي ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن ابن النكدر ‪،‬‬
‫سعت جابر بن عبد ال يقول ‪ :‬ما سئل النب صلى ال عليه و سلم عن شيء فقال ‪ :‬ل ‪.‬‬
‫و عن أنس ‪ ،‬و سهل بن سعد مثله ‪.‬‬
‫و قال ابن عباس ‪ :‬كان النب صلى ال عليه و سلم أجود الناس بالي ‪ ،‬و أجود ما كان ف شهر رمضان‬
‫‪ ،‬و كان إذا لقيه جبيل عليه السلم أجود بالي من الريح الرسلة ‪.‬‬
‫ل سأله فأعطاه غنما بي جبلي ‪ ،‬فرجع إل بلده ‪ ،‬و قال ‪ :‬أسلموا ‪ ،‬فإن ممدا‬ ‫و عن أنس أن رج ً‬
‫يعطي عطاء من ل يشى فاقة ‪ .‬و أعطى غي واحد مائة من البل ‪ ،‬و أعطى صفوان مائة ث مائة ث‬
‫مائة ‪ ،‬و هذه كانت حاله صلى ال عليه و سلم قبل أن يبعث ‪.‬‬
‫و قد قال له ورقة بن نوفل ‪ :‬إنك تمل الكل و تكسب العدوم ‪.‬‬
‫و رد على هوازن سباياها ‪ ،‬و كانوا ستة آلف ‪.‬‬
‫و أعطى العباس من الذهب ما ل يطق حله ‪.‬‬
‫و حل إليه تسعون ألف درهم ‪ ،‬فوضعت على حصي ‪ ،‬ث قام إليها يقسمها ‪ ،‬فما رد سائلً حت فرغ‬
‫منها ‪.‬‬
‫و جاءه رجل ‪ ،‬فسأله فقال ‪ :‬ما عندي شيء ولكن ابتع علي ‪ ،‬فإذا [ ‪ ] 36‬جاءنا شيء قضيناه ‪. ..‬‬
‫فقال له عمر ‪ :‬ما كلفك ال ما ل تقدر عليه ‪.‬‬
‫فكره النب صلى ال عليه و سلم ذلك ‪ .‬فقال رجل من النصار ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أنفق و ل تف من‬
‫ذي العرش إقللً ‪.‬‬
‫فتبسم النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و عرف البشر ف وجهه ‪ ،‬و قال ‪ :‬بذا أمرت ذكره الترمذي ‪.‬‬
‫و ذكر عن معوذ ابن عفراء ‪ ،‬قال ‪ :‬أتيت النب صلى ال عليه و سلم بقناع من رطب ـ يريد طبقا ‪ ،‬و‬
‫أجر زغب ـ يريد قثاء ‪ ،‬فأعطان ملء كفه حليا و ذهبا ‪.‬‬
‫و قال أنس ‪ :‬كان النب صلى ال عليه و سلم ل يدخر شيئا لغد ‪.‬‬
‫و الي بوده صلى ال عليه و سلم و كرمه الكثي ‪.‬‬
‫و عن أب هريرة ‪ :‬أتى رجل النب صلى ال عليه و سلم يسأله ‪ ،‬فاستسلف له رسول ال صلى ال عليه و‬
‫سلم نصف وسق ‪ ،‬فجاء الرجل يتقاضاه ‪ ،‬فأعطاه وسقا ‪ ،‬و قال ‪ :‬نصفه قضاء و نصفه نائل ‪.‬‬

‫فصل‬

‫ف الشجاعة و النجدة‬
‫و أما الشجاعة و النجدة فالشجاعة فضيلة قوة الغضب و انقيادها للعقل ‪ ،‬و النجدة ‪ :‬ثقة النفس عند‬
‫استرسالا إل الوت حيث يمد فعلها دون خوف ‪.‬‬
‫و كان صلى ال عليه و سلم منهما بالكان الذي ل يهل ‪ ،‬قد حضر الواقف الصعبة ‪ ،‬و فر الكماة و‬
‫البطال عنه غي مرة ‪ ،‬و هو ثابت ل يبح ‪ ،‬و مقبل ل يدبر و ل يتزحزح و ما شجاع إل و قد‬
‫أحصيت له فرة ‪ ،‬و حفظت عنه جولة ‪ ،‬سواه ‪.‬‬
‫حدثنا أبو علي اليان فيما كتب ل ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا القاضي سراج ‪ ،‬حدثنا أبو ممد الصيلي ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫حدثنا أبو زيد الفقيه ‪ ،‬حدثنا ممد بن يوسف ‪ ،‬حدثنا ممد بن اساعيل ‪ ،‬حدثنا ابن بشار ‪ ،‬حدثنا‬
‫غندر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن أب اسحاق ‪ :‬سع الباء و سأله رجل ‪ :‬أفررت يوم حني عن رسول ال صلى‬
‫ال عليه و سلم ؟ قال ‪ :‬لكن رسول ال صلى ال عليه و سلم ل يفر ‪.‬‬
‫ث قال ‪ :‬لقد رأيته على بغلته البيضاء و أبو سفيان آخذ بلجامها ‪ ،‬و النب صلى ال عليه و سلم يقول ‪:‬‬
‫أنا النب ل كذب ‪ ،‬و زاده غيه ‪ :‬أنا ابن عبد الطلب ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬فما رئي يومئذ أحد كان أشد منه ‪.‬‬
‫و قال غيه ‪ :‬نزل النب صلى ال عليه و سلم عن بغلته ‪.‬‬
‫و ذكر مسلم ـ عن العباس ‪ ،‬قال ‪ :‬فلما التقى السلمون و الكفار ول السلمون مدبرين ‪ ،‬فطفق‬
‫رسول ال صلى ال عليه و سلم يركض بغلته نو الكفار ‪ ،‬و أنا آخذ بلجامها أكفها إرادة أل تسرع ‪،‬‬
‫و أبو سفيان آخذ بركابه ‪ ،‬ث نادى ‪ :‬يا للمسلمي ‪ ...‬الديث ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬و كان رسول ال صلى ال عليه و سلم إذا غضب ـ و ل يغضب ال ل يقم لغضبه شيء ‪ .‬و‬
‫قال ‪ :‬ابن عمر ‪ :‬ما رأيت أشجع ‪ ،‬ول أند ‪ ،‬ول أجود ‪ ،‬و ل أرضى ‪ ،‬و ل أفضل من رسول ال‬
‫صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و قال علي رضي ال عنه ‪ :‬إنا كنا إذا حي اليأس ـ و يروى ‪ :‬اشتد البأس ـ و احرت الدق اتقينا‬
‫برسول ال ‪ ،‬فما يكون أحد أقرب إل العدو منه و لقد رأيتن يوم بدر و نن نلوذ بالنب صلى ال عليه‬
‫و سلم ‪ ،‬و هو أقربنا إل العدو و كان من أشد الناس يومئذ بأسا ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬كان الشجاع هو الذي يقترب منه صلى ال عليه و سلم إذا دنا العدو ‪ ،‬لقربه منه ‪ .‬عن أنس ‪:‬‬
‫كان النب صلى ال عليه و سلم أحسن الناس ‪ ،‬و أجود الناس ‪ ،‬و أشجع الناس ‪ ،‬لقد فزع أهل الدينة‬
‫ليلة ‪ ،‬فانطلق ناس قبل الصوت ‪ ،‬فتلقاهم رسول ال صلى ال عليه و سلم راجعا ‪ ،‬قد سبقهم إل‬
‫الصوت ‪ ،‬و استبق الب على فرس لب طلحة عرى ‪ ،‬و السيف [ ‪ ] 37‬ف عنقه ‪ ،‬و هو يقول ‪ :‬لن‬
‫تراعوا ‪.‬‬
‫و قال عمران بن حصي ‪ :‬ما لقي رسول ال صلى ال عليه و سلم كتيبة إل كان أول من يضرب ‪.‬‬
‫و لا رآه أب بن خلف يوم أحد و هو يقول ‪ :‬أين ممد ‪ ،‬ل نوت إن نا ‪.‬‬
‫و قد كان يقول للنب صلى ال عليه و سلم ـ حي افتدى يوم بدر ‪ :‬عندي فرس أعلفها كل يوم فرفا‬
‫من ذرة أقتلك عليها ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬له النب صلى ال عليه و سلم أنا أقتلك إن شاء ال ‪.‬‬
‫فلما رآه يوم أحد شد أب على فرسه على رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فاعترضه رجال من‬
‫السلمي ‪ ،‬فقال النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬هكذا ‪ ،‬أي خلوا طريقه و تناول الربة من الارس بن‬
‫الصمة ‪ ،‬فانتفض با انتفاضة تطايروا عنه تطاير الشعراء عن ظهر البعي إذا انتفض ‪ ،‬ث استقبله النب صلى‬
‫ال عليه و سلم ‪ ،‬فطعنه ف عنقه طعنة تدأدأ منها عن فرسه مرارا ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬بل كسر ضلعا من أضلعه ‪ ،‬فرجع إل قريش يقول ‪ :‬قتلن ممد ‪ ،‬و هم يقولون ل بأس بك ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬لو كان ما ب بميع الناس لقتلهم ‪ ،‬أليس قد قال ‪ :‬أنا أقتلك ‪ ،‬و ال لو بصق علي لقتلن ‪.‬‬
‫فمات بسرف ف قف ولم إل مكة ‪.‬‬

‫فصل‬

‫ف حسن عشرته و أدبه و بسط خلقه‬


‫و أما حسن عشرته و أدبه و بسط خلقه صلى ال عليه و سلم مع أصناف اللق فبحيث انتشرت به‬
‫الخبار الصحيحة ‪.‬‬
‫قال علي رضي ال عنه [‪ ]38‬ف و صفه عليه الصلة و السلم ‪ : :‬كان أوسع الناس صدرا ‪ ،‬و أصدق‬
‫الناس لجة ‪ ،‬و ألينهم عريكة ‪ ،‬و أكرمهم عشرة ‪.‬‬
‫حدثنا أبو السن علي بن مشرق الناطي فيما أجازنيه ‪ ،‬و قرأتة على غيه ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا أبو إسحاق‬
‫البال ‪ ،‬حدثنا أبو ممد بن النحاس ‪ ،‬حدثنا ابن العراب ‪ ،‬حدثنا أبو داود ‪ ،‬حدثنا هشام أبو مروان ‪،‬‬
‫و ممد بن الثن ‪ :‬قال ‪ :‬حدثنا الوليد بن مسلم ‪ ،‬حدثنا الوزاعي ‪ ،‬سعت يي بن أب كثي يقول ‪:‬‬
‫حدثن ممد بن عبد الرحن بن أسعد بن زرارة ‪ ،‬عن قيس بن سعد ‪ ،‬قال زارنا رسول ال صلى ال‬
‫عليه و سلم ـ و ذكر قصة ف آخرها ‪ :‬فلما أراد النصراف قرب له سعد حارا ‪ ،‬و طأ عليه بقطيفة ‪،‬‬
‫فركب رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬ث قال سعد ‪ :‬يا قيس ‪ ،‬اصحب رسول ال صلى ال عليه و‬
‫سلم ‪.‬‬
‫قال قيس ‪ :‬فقال رسول ال صلى ال عليه و سلم اركب ‪ ،‬فأبيت ‪ .‬فقال ‪ :‬إما أن تركب و إما أن‬
‫تنصرف ‪ .‬فانصرفت ‪.‬‬
‫[ و ف رواية أخرى ‪ :‬اركب أمامي ‪ ،‬ف صاحب الدابة أول بقدمها ] ‪.‬‬
‫و كان رسول ال صلى ال عليه و سلم يؤلفهم ‪ ،‬و ل ينفرهم ‪ ،‬و يكرم كري كل قوم و يوليه عليهم ‪،‬‬
‫و يذر الناس ‪ ،‬و يترس منهم من غي أن يطوي عن أحد منهم بشره و ل خلقه ‪ ،‬يتفقدأصحابه ‪ ،‬و‬
‫يعطي كل جلسائه نصيبه ‪ ،‬ل يسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه ‪ .‬من جالسه أو قاربه لاجة صابره‬
‫حت يكون هو النصرف عنه ‪ ،‬و من سأله حاجة ل يرده إل با ‪ ،‬أو بيسور من القول ‪ ،‬قد وسع الناس‬
‫بسطه و خلقه ‪ ،‬فصار لم أبا ‪ ،‬و صاروا عنده ف الق سواء ‪.‬‬
‫بذا وصفه ابن أب هالة ‪ ،‬قال ‪ :‬و كان دائم البشر ‪ ،‬سهل اللق ‪ ،‬لي الانب ‪ ،‬ليس بفظ و ل غليظ ‪،‬‬
‫و ل سخاب ‪ ،‬و ل فحاش و ل عياب ‪ ،‬و ل مداح ‪ ،‬يتغافل عما ل يشتهي و ل يؤنس منه ‪.‬‬
‫و قال ال تعال ‪ :‬فبما رحة من ال لنت لم ولو كنت فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك [ سورة آل‬
‫عمران ‪ ، 3 /‬الية ‪. ] 159 :‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬ادفع بالت هي أحسن السيئة نن أعلم با يصفون ‪.‬‬
‫و كان ييب من دعاه ‪ ،‬و يقبل الدية و لو كانت كراعا و يكافء عليها ‪.‬‬
‫قال أنس ‪ :‬خدمت رسول ال عشر سني ‪ ،‬فما قال ل أف قط ‪ ،‬و ما قال لشيء صنعته ‪ :‬ل صنعته ؟‬
‫و ل ل شيء تركته ‪ :‬ل تركته ؟ ‪.‬‬
‫و عن عائشة رضي ال عنها ‪ :‬ما كان أحد أحسن خلقا من رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬ما دعاه‬
‫أحد من أصحابه أو أهل بيته إل قال ‪ :‬لبيك ‪.‬‬
‫و قال جرير بن عبد ال ‪ :‬ما حجبن رسول ال صلى ال عليه و سلم منذ أسلمت ‪ ،‬و ل رآن إل تبسم‬
‫‪.‬‬
‫و كان يازح أصحابه ‪ ،‬و يالطهم و يادثهم ‪ ،‬و يداعب صبيانم ‪ ،‬و يلسهم ف حجره ‪ ،‬و ييب‬
‫دعوة الر و العبد ‪ ،‬و المة و السكي ‪ ،‬و يعود الرضى ف أقضى الدينة ‪ ،‬و يقبل عذر العتذر ‪.‬‬
‫قال أنس ‪ :‬ما التقم أحد أذن رسول ال صلى ال عليه و سلم فينحي رأسه حت يكون الرجل هو الذي‬
‫ينحي رأسه ‪ ،‬و ما أخذ أحد بيده فيسل يد حت يرسلها الخر ‪ ،‬و ل ير مقدما ركبتيه بي يدي جليس‬
‫له ‪.‬‬
‫و كان يبدأ من لقيه بالسلم ‪ ،‬و يبدأ أصحابه ‪ ،‬بالصافحة ‪ ،‬و ل ير قط مادا رجليه بي أصحابه حت‬
‫يضيق بما على أحد ‪ .‬يكرم من يدخل عليه ‪ ،‬و ربا بسط له ثوبه ‪ ،‬و يؤثره بالوسادة الت تته ‪ ،‬و يعزم‬
‫عليه ف اللوس عليها إن أب ‪ ،‬و يكن أصحابه ‪ ،‬و يدعوهم بأحب أسائهم تكرمة لم ‪ ،‬و ل يقطع‬
‫على أحد حديثه حت يتجوز فيقطعه بنهي أو قيام ـ و يروي ‪ :‬بانتهاء أو قيام ‪.‬‬
‫و يروى أنه كان [ ‪ ] 39‬ل يلس إليه أحد و هو يصلي إل خفف صلته ‪ ،‬و سأله عن حاجته ‪ ،‬فإذا‬
‫فرغ عاد إل صلته ‪.‬‬
‫و كان أكثر الناس تبسما ‪ ،‬و أطيبهم نفسا ‪ ،‬ما ل ينل عليه قرآن أو يعظ أو يطب ‪.‬‬
‫قال عبد ال بن الارث ‪ :‬ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ .‬و عن أنس‬
‫‪ :‬خدم الدينة يأتون رسول ال صلى ال عليه و سلم إذا صلى الغداة بآنيتهم فيها الاء ‪ ،‬فما يؤتى بآنية‬
‫إل غمس يده فيها ‪ ،‬و ربا كان ذلك ف الغداة الباردة ـ يريدون به التبك ‪.‬‬

‫فصل‬

‫ف شفقته و رأفته و رحته لميع اللق‬

‫و أما الشفقة و الرأفة و الرحة لميع اللق فقد قال ال تعال فيه ‪ :‬عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم‬
‫بالؤمني رؤوف رحيم [ سورة التوبة ‪ ، 9 /‬الية ‪. ] 128 :‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬وما أرسلناك إل رحة للعالي [ سورة النبياء ‪ ، 21 /‬الية ‪. ] 107 :‬‬
‫قال بعضهم ‪ :‬من فضله عليه السلم أن ال تعال أعطاه اسي من أسائه ‪ ،‬فقال ‪ :‬بالؤمني رؤوف رحيم‬
‫‪.‬‬
‫و حكى نوه المام أبو بكر بن فورك ‪ .‬حدثنا الفقيه أبو ممد عبد ال بن ممد الشب بقراءت عليه ‪،‬‬
‫حدثنا إمام الرمي أبو علي الطبي ‪ ،‬حدثنا عبد الغافر الفارسي ‪ ،‬حدثنا أبو أحد اللودي ‪ ،‬حدثنا‬
‫إبراهيم بن سفيان ‪ ،‬حدثنا مسلم بن الجاج ‪ ،‬حدثنا أبو الطاهر ‪ ،‬أنبأنا يونس ‪ ،‬عن ابن شهاب ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬غزا رسول ال صلى ال عليه و سلم غزوة ‪ ،‬و ذكر حنينا ‪ ،‬قال ‪ :‬فأعطى رسول ال صلى ال عليه و‬
‫سلم صفوان بن أمية مائة من النعم ‪ ،‬ث مائة ‪ ،‬ث مائة ‪.‬‬
‫قال ابن شهاب ‪ ،‬حدثنا سعيد بن السيب أن صفوان قال ‪ :‬و ال لقد أعطان ما أعطان و إنه لبغض‬
‫اللق إل ‪ ،‬فما زال يعطين حت إنه لحب اللق إل ‪.‬‬
‫و روي أن أعرابيا جاءه يطلب منه شيئا ‪ ،‬فأعطاه ‪ ،‬ث قال ‪ :‬أحسنت إليك ؟ ‪ .‬قال العراب ‪ :‬ل ‪ ،‬و ل‬
‫أجلت ‪.‬‬
‫فغضب السلمون و قاموا إليه ‪ ،‬فأشار إليهم أن كفوا ‪ ،‬ث قام و دخل منله ‪ ،‬و أرسل إليه ‪ ،‬و زاده‬
‫شيئا ‪ ،‬ث قال ‪ [ :‬أحسنت إليك ؟ ] قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬فجزاك ال من أهل و عشية خيا ‪.‬‬
‫فقال له النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬إنك قلت ما قلت و ف أنفس أصحاب من ذلك شيء ‪ ،‬فإن‬
‫أحببت فقل بي أيديهم ما قلت بي يدي حت يذهب ما ف صدورهم عليك ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬نعم ‪ .‬فلما كان الغد أو العشي جاء ‪ ،‬فقال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬إن هذا العراب قال ما قال ‪،‬‬
‫فزدناه أنه رضي ‪ ،‬أكذلك ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬فجزاك ال من أهل و عشية خيا ‪.‬‬
‫فقال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬مثلي و مثل هذا مثل رجل له ناقة شردت عليه ‪ ،‬فاتبعها الناس فلم يزيدوها‬
‫إل نفورا ‪ ،‬فناداهم صاحبها ‪ :‬خلوا بين و بي ناقت ‪ ،‬فإن أرفق با منكم و أعلم ‪ ،‬فتوجه لا بي‬
‫يديها ‪ ،‬فأخذ لا من قمام الرض ‪ ،‬فردها حت جاءت و استناخت ‪ ،‬و شد عليها رحلها ‪ ،‬و استوى ‪،‬‬
‫و إن لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار ‪.‬‬
‫و روي عنه أنه صلى ال عليه و سلم قال ‪ :‬ل يبلغن أحد منكم عن أحد من أصحاب شيئا ‪ ،‬فإن أحب‬
‫أن أخرج إليكم و أنا سليم الصدر ‪.‬‬
‫و من شفقته على أمته عليه السلم تفيفه و تسهيله عليهم ‪ ،‬و كراهته أشياء مافة أن تفرض عليهم ‪،‬‬
‫كقوله ‪ :‬لول أن أشق على أمت لمرتم بالسواك مع كل وضوء ‪.‬‬
‫و خي صلة الليل ‪.‬‬
‫و نيهم عن الوصال ‪.‬‬
‫و كراهته دخول الكعبة لئل يعنت أمته ‪.‬‬
‫و رغبته لربه أن يعل سبه و لعنه لم رحة بم‬
‫و أنه كان يسمع بكاء الصب فيتجوز ف صلته ‪.‬‬
‫و من شفقته صلى ال عليه و سلم [ ‪ ] 40‬أن دعا ربه و عاهده ‪ ،‬فقال ‪ :‬أيا رجل سببته أو لعنته‬
‫فاجعل ذلك له زكاة و رحة ‪ ،‬و صلة و طهورا ‪ ،‬و قربة تقربه با إليك يوم القيامة ‪.‬‬
‫و لا كذبه قومه أتاه جبيل عليه السلم ‪ ،‬فقال له ‪ :‬إن ال تعال قد سع قول قومك لك ‪ ،‬و ما ردوا‬
‫عليك ‪ ،‬و قد أمر ملك البال لتأمره با شئت فيهم ‪ ،‬فناداه ملك البال و سلم عليه ‪ ،‬و قال ‪ :‬مرن با‬
‫شئت ‪ ،‬و إن شئت أن أطبق عليهم الخشبي ‪.‬‬
‫قال النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬بل أرجو أن يرج ال من أصلبم من يعبد ال وحده و ل يشرك به‬
‫شيئا ‪.‬‬
‫و روى أبن النكدر أن جبيل عليه السلم قال الن ب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬إن ال تعال أمر السماء و‬
‫الرض و البال أن تطيعك ‪ .‬فقال ‪ :‬أؤخر عن أمت لعل ال أن يتوب عليهم ‪.‬‬
‫قالت عائشة ‪ :‬ما خي رسول ال صلى ال عليه و سلم بي أمرين إل اختار أيسرها ‪.‬‬
‫و قال ابن مسعود رضي ال عنه ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه و سلم يتخولنا بالوعظة مافة السآمة‬
‫علينا ‪.‬‬
‫و عن عائشة أنا ركبت بعيا و فيه صعوبة ‪ ،‬فجعلت تردده ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪:‬‬
‫عليك بالرفق ‪.‬‬
‫فصل‬

‫خلقه ف الوفاء و حسن العهد ‪ ،‬و صلة الرحم‬


‫و أما خلقه صلى ال عليه و سلم ف الوفاء و حسن العهد ‪ ،‬و صلة الرحم ـ فحدثنا القاضي أبو عامر‬
‫ممد بن اساعيل بقراءت عليه ‪ ،‬قال حدثنا أبو بكر ممد بن ممد ‪ ،‬حدثنا أبو اسحاق البال ‪ ،‬حدثنا‬
‫أبو ممد بن النحاس ‪ ،‬حدثنا ابن العراب ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا أبو داود ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا ممد بن يي ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫حدثنا ممد بن سنان ؟ ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن طهمان ‪ ،‬عن بديل ‪ ،‬عن عبد الكري بن عبد ال بن‬
‫شفيق ‪ ،‬عن ابنه ‪ ،‬عن عبد ال بن أب المساء ‪ ،‬قال ‪ :‬بايعت النب صلى ال عليه و سلم ببيع قبل أن‬
‫يبعث ‪ ،‬و بقيت له بقية ‪ ،‬فوعدته أن آتيه با ف مكانه ‪ ،‬فنسيت ‪ ،‬ث ذكرت بعد ثلث ‪ ،‬فجئت فإذا‬
‫هو ف مكانه ‪ ،‬فقال ‪ [ :‬يا فت ‪ ،‬لقد شققت علي ‪ ،‬أنا ها هنا منذ ثلث أنتظرك ] ‪.‬‬
‫و عن أنس ‪ :‬كان النب صلى ال عليه و سلم إذا أت بدية قال ‪ :‬اذهبوا با إل بيت فلنة ‪ ،‬فإنا كانت‬
‫صديقة لدية ‪ ،‬إنا كانت تب خدية ‪.‬‬
‫و عن عائشة قالت ‪ :‬ما غرت على امرأة ما غرت على خدية ‪ ،‬لا كنت أسعه يذكرها ‪ ،‬و إن كان‬
‫ليذبح الشاة فيهديها إل خلئلها ‪.‬‬
‫و استأذنت عليه أختها فارتاح إليها ‪.‬‬
‫و دخلت عليه امرأة ‪ ،‬فهش لا ‪ ،‬و أحسن السؤال عنها ‪ ،‬فلما خرجت قال ‪ :‬إنا كانت تأتينا أيام‬
‫خدية ‪ ،‬و إن حسن العهد من اليان ‪.‬‬
‫و وصفه بعضهم ‪ ،‬فقال ‪ :‬كان يصل ذوي رحه من غي أن يؤ ثرهم على من هو أفضل منهم ‪.‬‬
‫و قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬إن آل أب فلن ليسوا ل بأولياء غي أن لم رحا سأبلها ببللا ‪.‬‬
‫و قد صلى عليه السلم بأمانة ابنة ابنته يملها على عاتقه ‪ ،‬فإذا سجد وضعها ‪ ،‬و إذا قام حلها ‪.‬‬
‫و عن أب قتادة ‪ :‬وفد وفد للنجاشي ‪ ،‬فقام النب يدمهم ‪ ،‬فقال له أصحابه ‪ :‬نكفيك ‪ .‬فقال ‪ :‬إنم‬
‫كانوا لصحابنا مكرمي ‪ ،‬و إن أحب أن أكافئهم ‪.‬‬
‫و لا جيء بأخته من الرضاعة الشيماء ف سبايا هوزان ‪ ،‬و تعرفت له بسط لا رداءه ‪ ،‬و قال لا ‪ :‬إن‬
‫أحببت أقمت عندي مكرمة مبة ‪ ،‬أو متعتك و رجعت إل قومك فاختارت قومها فمتعها ‪.‬‬
‫و قال أبو الطفيل [ ‪ : ] 41‬رأيت النب صلى ال عليه و سلم و أنا غلم إذا أقبلت امرأة حت دنت‬
‫منه ‪ ،‬فبسط لا رداءه ‪ ،‬فجلست عليه ‪ ،‬فقلت ‪ :‬من هذه ؟ قالوا ‪ :‬أمه الت أرضـعتـه ‪.‬‬
‫و عن عمر بن السائب ـ أن رسول ال صلى ال عليه و سلم كان جالسا يوما ً ‪ ،‬فأقبل أبوه من‬
‫الرضاعة ‪ ،‬فوضع له بعض ثوبه ‪ ،‬فقعد عليه ‪ ،‬ث أقبلت أمه فوضع لا شق ثوبه من جانبه الخر فجلست‬
‫عليه ‪ ،‬ث أقبل أخوه من الرضاعة ‪ ،‬فقام رسول ال صلى ال عليه و سلم فأجلسه بي يديه ‪.‬‬
‫[ و كان يبعث إل ثويبة مولة أب لب مرضعته بصلة و كسوة ‪ ،‬فلما ماتت سأل ‪ :‬من بقي من قرابتها‬
‫فقيل ل أحد ] ‪.‬‬
‫وف حديث خدية رضي ال عنها أنا قالت له صلى ال عليه و سلم ‪ :‬أبشر ‪ ،‬فوال ل يزنك ال أبدا ‪،‬‬
‫إنك لتصل الرحم ‪ ،‬و تمل الكل ‪ ،‬و تكسب العدوم ‪ ،‬و تقري الضيف ‪ ،‬و تعي على نوائب الق ‪.‬‬

‫فصل‬

‫ف تواضعه صلى ال عليه و سلم‬


‫و أما تواضعه صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬على علو منصبه و رفعة رتبه ـ فكان أشد الناس تواضعا ‪ ،‬و‬
‫أقلهم كبا ‪.‬‬
‫و حسبك أنه خي بي أن كان نبيا ملكا أو نبيا عبدا ‪ ،‬فاختيار أن يكون نبيا عبدا ‪ ،‬فقال له إسرافيل‬
‫عند ذلك ‪ :‬فإن ال قد أعطاك با تواضعت له أنك سيد و لد آدم يوم القيامة ‪ ،‬و أول من تنشق الرض‬
‫عنه ‪ ،‬و أول شافع ‪.‬‬
‫حدثنا أبو الوليد بن العواد الفقيه ـ رحه ال ـ بقراءي عليه ف منله بقرطبة سنة سبع و خسمائة ‪،‬‬
‫حدثنا أبو علي الافظ ‪ ،‬حدثنا أبو عمر ‪ ،‬حدثنا ابن عبد الؤمن ‪ ،‬حدثنا ابن داسه ‪ ،‬حدثنا أبو داود ‪،‬‬
‫حدثنا أبو بكر بن أب شيبة ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن ني ‪ ،‬عن مسعد ‪ ،‬أب العنبس ‪ ،‬عن أب العدبس ‪ ،‬عن‬
‫أب مرزوق ‪ ،‬عن أب غالب ‪ ،‬عن أب أمامة ‪ ،‬قال ‪ :‬خرج علينا رسول ال صلى ال عليه و سلم متكئا‬
‫على عصا ‪ ،‬فقمنا له ‪ .‬قال ل تقومو ا كما تقوم العاجم ‪ ،‬يعظم بعضهم بعضا ‪.‬‬
‫و قال إنا أنا عبد آكل كما يأكل العبد ‪ ،‬و أجلس كما يلس العبد ‪.‬‬
‫و كان يركب المار ‪ ،‬و يردف خلفه ‪ ،‬و يعود الساكي ‪ ،‬و يالس الفقراء ‪ ،‬و ييب دعوة العبد ‪ ،‬و‬
‫يلس بي أصحابه متلطا ً بم حيثما انتهى به الجلس جلس ‪.‬‬
‫و ف حديث عمر عنه ‪ :‬ل تطرون كما أطرت النصارى ابن مري ‪ ،‬إنا أنا عبد فقولوا ‪ :‬عبد ال و‬
‫رسوله ‪.‬‬
‫و عن أنس أن امرأة كان ف عقلها شيء جائته ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن ل إليك حاجة قال ‪ :‬اجلسي يا أم فلن ف‬
‫أي طرق الدينة شئت أجلس إليك حت أقضي حاجتك ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فجلست ‪ ،‬فجلس النب صلى ال عليه و سلم إليها حت فرغت من حاجتها ‪.‬‬
‫قال أنس ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه و سلم يركب المار ‪ ،‬و ييب دعوة العبد ‪ ،‬و كان يوم بن‬
‫قريظة على حار مطوم ببل من ليف عليه إكاف ‪ .‬قال ‪ :‬و كان يدعى إل خبز الشعي و الهالة‬
‫السنخة فيجيب ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬و حج صلى ال عليه و سلم على رحل رث ‪ ،‬و عليه قطيفة ماتساو ي أربعة دراهم ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫اللهم اجعله حجا ل رياء فيه و ل سعة ‪.‬‬
‫هذا ‪ ،‬و قد فتحت عليه الرض ‪ ،‬و أهدى ف حجه ذلك ما أتى بدنة و لا فتحت عليه مكة و دخلها‬
‫بيوش السلمي طأطأ على رحله رأسه حت كاد يس قادمته تواضعا ال تعال ‪.‬‬
‫ومن تواضعه صلى ال عليه و سلم قوله ‪ :‬ل تفضلون على يونس بن مت ‪ ،‬و ل تفضلوا بي النبياء ‪ ،‬و‬
‫ل تيون على موسى ‪ ،‬و نن أحق بالشك من إبراهيم و لو لبس ما لبس يوسف [ ‪ ] 42‬ف السجن‬
‫لجبت الداعي ‪.‬‬
‫و قال للذي قال له ‪ :‬يا خي البية ‪ :‬ذاك إبراهيم ‪.‬‬
‫و سيأت الكلم على هذه الحاديث بعد هذا إن شاء ال ‪.‬‬
‫و عن عائشة ‪ ،‬و السن ‪ ،‬و أب سعيد و غيهم ف صفته ‪ ،‬و بعضهم يزيد على بعض ‪ :‬و كان ف بيته‬
‫ف مهنة أهله يفلي ثوبه ‪ ،‬و يلب شاته و يرقع ثوبه ‪ ،‬و يصف نعله ‪ ،‬و يدم نفسه ‪ ،‬و يقم البيت ‪ ،‬و‬
‫يعقل البعي ‪ ،‬و يعلف ناضحه ‪ ،‬و يأكل مع الادم ‪ ،‬و يعجن معها ‪ ،‬و يمل بضاعته من السوق ‪.‬‬
‫و عن أنس ‪ :‬إن كانت المة من إماء أهل الدينة لتأخذ بيد رسول ال صلى ال عليه و سلم فتنطلق به‬
‫حيث شاءت حت تقضي حاجتها ‪.‬‬
‫و دخل عليه رجل فأصابته من هيبته رعدة فقال له ‪ :‬هون عليك فإن لست بلك ‪ ،‬إنا أنا ابن امرأة من‬
‫قريش تأكل القديد ‪.‬‬
‫و عن أب هريرة ‪ :‬دخلت السوق مع النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فاشترى سراويل و قال للوزان ‪ :‬زن‬
‫و أرجح ـ و ذكر القصة قال ‪ :‬فوثب إل يد النب صلى ال عليه و سلم يقبلها ‪ ،‬فجذب يده ‪ ،‬و قال ‪:‬‬
‫هذا تفعله العاجم بلوكها ‪ ،‬و لست بلك ‪ ،‬إنا أنا رجل منكم ‪ .‬ث أخذ السراويل ‪ ،‬فذهبت لحله ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬صاحب الشيء أحق بشيئه أن يمله ‪.‬‬
‫فصل‬

‫عدله ‪ ،‬و أمانته ‪ ،‬و عفته ‪ ،‬وصدق لجته‬

‫و أما عدله صلى ال عليه و سلم و أمانته و عفته و صدق لجته ـ فكان صلى ال عليه و سلم آمن‬
‫الناس ‪ ،‬و أعدل الناس ‪ ،‬و أعف الناس ‪ ،‬و أصدقهم لجة منذ كان ‪ ،‬اعترف له بذلك مادوه و عداه ‪.‬‬
‫و كان يسمى قبل نبوته المي ‪.‬‬
‫قال ابن اسحاق ‪ :‬كان يسمى المي با جع ال فيه من الخلق الصالة ‪.‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬مطاع ث أمي ‪ :‬أكثر الفسرين على أنه ممد صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و لا اختلف قريش و تازبت عند بناء الكعبة فيمن يضع الجر حكموا أول داخل عليهم ‪ ،‬فإذا النب‬
‫صلى ال عليه و سلم داخل ـ و ذلك قبل نبوته ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬هذا ممد المي قد رضينا به ‪.‬‬
‫و عن الربيع بن خثيم ‪ :‬كان يتحاكم إل رسول ال صلى ال عليه و سلم ف الاهلية قبل السلم ‪.‬‬
‫و قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬و ال إن لمي ف السماء أمي ف الرض ‪.‬‬
‫حدثنا أبو علي الصدف الافظ بقرائت عليه ‪ ،‬حدثنا أبو الفضل بن خيون ‪ ،‬حدثنا أبو يعلى ابن زوج‬
‫الرة ‪ ،‬حدثنا أبو علي السنجي ‪ ،‬حدثنا ممد بن مبوب الروزي ‪ ،‬حدثنا أبو عيسى الافظ ‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫كريب ‪ ،‬حدثنا معاوية بن هشام ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عن أب اسحاق ‪ ،‬عن ناجية بن كعب ‪ ،‬عن علي ـ أن‬
‫أبا جهل قال للنب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬إنا ل نكذبك ‪ ،‬و لكن نكذب با جئت به ‪ ،‬فأنزل ال تعال‬
‫‪ :‬فإنم ل يكذبونك ولكن الظالي بآيات ال يحدون [ سورة النعام ‪ ، 7 /‬الية ‪. ] 33 :‬‬
‫و روى غيه ‪ :‬ل نكذبك و ل أنت فينا بكذب ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬إن الخنس بن شريق لقي أبا جهل يوم بدر ‪ ،‬فقال له ‪ :‬يا أبا الكم ليس هنا غيي و غيك‬
‫يسمع كلمنا ‪ ،‬تبن عن ممد ‪ ،‬صادق هو أو كاذب ؟ فقال أبو جهل ‪ :‬و ال إن ممدا لصادق و ما‬
‫كذب ممد قط ‪.‬‬
‫و سأل هرقل عن أبا سفيان ‪ ،‬فقال ‪ :‬هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟‬
‫قال ‪ :‬ل ‪.‬‬
‫و قال النضر بن الارس لقريش ‪ :‬قد كان ممد فيكم غلما حدثا ‪،‬أرضاكم فيكم ‪ ،‬و أصدقكم‬
‫حديثأً ‪ ،‬و أعظمكم أمانة حت [ ‪ ] 43‬إذا رأيتم ف صدغيه الشيب ‪ ،‬و جاءكم با جاءكم به قلتم ‪:‬‬
‫ساحر ‪ .‬ل ‪ ،‬و ال ‪ ،‬ما هو بساحر ‪.‬‬
‫و ف الديث عنه ‪ :‬ما لست يده امرأة قط ل يلك رقها ‪.‬‬
‫و ف حديث علي ـ ف وصفه صلى ال عليه و سلم ‪ :‬أصدق الناس لجة ‪.‬‬
‫و قال ف الصحيح ‪:‬و يكى ! فمن يعدل إن ل أعدل ‪ ،‬خبت و خسرت إن ل أعدل ‪.‬‬
‫قالت عائشة ‪ :‬ما خي رسول ال صلى ال عليه و سلم ف أمرين إل اختار أيسرها ما ل يكن إثا ‪ ،‬فإن‬
‫كان إثا كان أبعد الناس منه ‪.‬‬
‫قال أبو العباس البد ‪ :‬قسم كسرى أيامه ‪ ،‬فقال ‪ :‬يصلح يوم الريح للنوم ‪ ،‬و يوم الغيمه للصيد ‪ ،‬و يوم‬
‫الطر للشرب و اللهو ‪ ،‬و يوم الشمس للحوائج ‪.‬‬
‫قال ابن خالوية ‪ :‬ما كان أعرفهم بسياسة دنياهم ‪ ،‬يعلمون ظاهرا من الياة الدنيا و هم عن الخرة‬
‫غافلون ‪ ،‬و لكن نبينا صلى ال عليه و سلم جزء ناره ثلث أجزاء ‪ ،‬جزءا ل ‪ ،‬و‬
‫جزءا لهله ‪ ،‬و جزءا لنفسه ث جزء جزأه بينه و بي الناس ‪ ،‬فكان يستعي بالاصة على العامة ‪ ،‬و‬
‫يقول ‪ :‬أبلغوا حاجة من ل يستطيع إبلغي ‪ ،‬فإنه من أبلغ حاجة من ل يستطيع إبلغها آمنه ال يوم‬
‫الفزع الكب ‪.‬‬
‫و عن السن كان رسول ال صلى ال عليه و سلم ل يأخذ أحدا بقرف أحد ‪ ،‬و ل يصدق أحدا على‬
‫أحد ‪.‬‬
‫و ذكر أبو جعفر الطبي عن علي عنه صلى ال عليه و سلم ‪ :‬ما همت بشيء ما كان أهل الاهلية‬
‫يعملون به غي مرتي ‪ ،‬كل ذلك يول ال بين و بي ما أريد من ذلك ‪ ،‬ث ما همت بسوء حت أكرمن‬
‫ال برسالته ‪ ،‬قلت ليلة لغلم كان يرعى معي ‪ :‬لو أبصرت ل غنمي حت أدخل مكة فأسر با كما‬
‫يسمر الشباب ‪.‬‬
‫فخرجت كذلك حت جئت أول دار من مكة سعت عزفا بالدفوف و الزامي لعرس بعضهم ‪ .‬فجلست‬
‫أنظر ‪ ،‬فضرب على أذن فنمت ‪ ،‬فما أيقظن إل مس الشمس ‪ ،‬فرجعت و ل أقض شيئا ‪ .‬ث عران مرة‬
‫أخرى مثل ذلك ‪ ،‬ث ل أهم بعد ذلك بسوء ‪.‬‬

‫فصل‬

‫وقاره صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و صمته ‪ ،‬و تؤدته و حسن هديه‬

‫و أما وقاره صلى ال عليه و سلم و صمته و تؤدته و مروءته و حسن هديه فحدثنا أبو علي اليان‬
‫الافظ إجازة ‪ ،‬و عارضت بكتابه ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا أبو العابس الدلئي ‪ ،‬أنبئنا أبو ذر الروي ‪ ،‬أخبنا أبو‬
‫عبد ال الوراق ‪ ،‬حدثنا اللؤلؤي ‪ ،‬حدثنا أبو داود ‪ ،‬حدثنا عبد الرحن بن سلم ‪ ،‬حدثنا حجاج بن‬
‫ممد ‪ ،‬عن عبد الرحن ابن أب الزناد عن عمر بن عبد العزيز بن وهيب ‪ :‬سعت خارجة بن زيد يقول ‪:‬‬
‫كان النب صلى ال عليه و سلم أوقر الناس ف ملسه ‪ ،‬ل يكاد يرج شيئا من أطرافه ‪.‬‬
‫و روى أبو سعيد الدري ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه و سلم إذا جلس ف ملس احتب بيديه ‪ ،‬و‬
‫كذلك كان أكثر جلوسه ل متبيا ‪.‬‬
‫و عن جابر بن سرة أنه تربع ‪ ،‬و ربا جلس القرفصاء ‪ ،‬و هو ف حديث قيلة ‪ ،‬و كان كثي السكوت ل‬
‫ل ل فضول‬ ‫يتكلم ف غي حاجة ‪ ،‬يعرض عمن تكلم بغي جيل ‪ ،‬و كان ضحكه تبسما ‪ ،‬و كلمه فص ً‬
‫و ل تقصي ‪ ،‬و كان ضحك أصحابه عنده التبسم ‪ ،‬توقيا له ‪ ،‬و اقتداء به ‪ .‬ملسه ملس حلم و حياء‬
‫[ ‪ ، ] 44‬و خي و أمانة ل ترفع فيه الصوات ‪ ،‬و ل تؤبن فيه الرم ‪ ،‬إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنا‬
‫على رؤوسهم الطي ‪.‬‬
‫و ف صفته ‪ :‬يطو تكفؤا ‪ ،‬و يشي هونا كأنا ينحط من صبب ‪.‬‬
‫و ف الديث الخر ‪ :‬إذا مشى مشى متمعا ‪ ،‬يعرف ف مشيته أنه غي غرض و ل وكل ‪ ،‬أي غي‬
‫ضجر و كسلن ‪.‬‬
‫و قال عبد ال بن مسعود ‪ :‬إن أحسن الدى هدي ممد صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و عن جابر بن عبد ال رضي ال عنهما ‪ :‬كان ف كلم رسول ال صلى ال عليه و سلم ترتيل أو‬
‫ترسيل ‪.‬‬
‫قال ابن أب هالة ‪ :‬كان سكوته على أربع ‪ :‬على اللم ‪ ،‬و الذر ‪ ،‬و التقدير و التفكر ‪.‬‬
‫قالت عائشة ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه و سلم يدث حديثا لو عده العاد أحصاه ‪.‬‬
‫و كان صلى ال عليه و سلم يب الطيب و الرائحة السنة ‪ ،‬و يستعملها كثيا ‪ ،‬و يض عليهما ‪ ،‬و‬
‫يقول ‪ :‬حبب إل من دنياكم النساء ‪ ،‬و جعلت قرة عين ف الصلة ‪.‬‬
‫و من مروءته صلى ال عليه و سلم نيه عن النفخ ف الطعام و الشراب ‪ ،‬و المر بالكل ما يلي ‪ ،‬و‬
‫المر بالسواك ‪ ،‬و إنقاء الباجم و الرواجب ‪ ،‬و استعمال خصال الفطرة ‪.‬‬
‫فصل‬
‫زهده ف الدنيا‬

‫و أما زهده ف الدنيا فقد تقدم من الخبار أثناء هذه السية ما يكفي ‪ .‬و حسبك من تقلله منها ‪ ،‬و‬
‫اعراضه عن زهرتا ‪ ،‬و قد سيقت و قد سيقت إليه بذافيها ‪ ،‬و ترادفت عليه فتوحها إل أن توف صلى‬
‫ال عليه و سلم و درعه مرهونة عند يهودي ف نفقة عياله ‪ ،‬و هو يدعو و يقول ‪ :‬اللهم اجعل رزق آل‬
‫ممد قوتا ‪.‬‬
‫حدثنا سفيان بن العاصي ‪ ،‬و السي بن ممد الافظ ‪ ،‬و القاضي أ أبو عبد ال التيمي ‪ ،‬قالوا ‪ :‬حدثنا‬
‫أحد بن عمر ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا أبو العباس الرازي ‪ ،‬قال حدثنا أبو أحد اللودي ‪ ،‬حدثنا ابن سفيان ‪،‬‬
‫حدثنا أبو حسي مسلم بن الجاج ‪ ،‬حدثنا أبو بكر بن أب شيبة ‪ ،‬حدثنا أبو معاوية عن العمش ‪ ،‬عن‬
‫إبراهيم ‪ ،‬عن السود ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬قالت ‪ :‬ما شبع رسول ال صلى ال عليه و سلم ثلثة أيام تباعا من‬
‫خبز حت مضى لسبيله ‪.‬‬
‫و ف رواية أخرى ‪ :‬من خبز شعي يومي متواليي ‪ ،‬و لو شاء ال لعطاه ما ل يطر ببال ‪.‬‬
‫و ف رواية أخرى ‪ :‬ما شبع آل رسول ال صلى ال عليه و سلم من خبز بر حت لقي ال تعال ‪.‬‬
‫قالت عائشة ‪ :‬ما ترك رسول ال صلى ال عليه و سلم دينارا و ل درها و ل شاة و ل بعيا ‪.‬‬
‫و ف حديث عمرو بن الارث ‪ :‬ما ترك إل سلحه و بغلته و أرضا جعلها صدقة ‪.‬‬
‫قالت عائشة ‪ :‬و لقد مات و ما ف بيت شيء يأكله ذو كبد إل شطر شعي ف رف ل ‪.‬‬
‫و قال ل ‪ :‬إن عرض علي أن تعل ل بطحاء مكة ذهبا ‪ .‬فقلت ‪ :‬ل ‪ ،‬يا رب ‪ ،‬أجوع يوما و أشبع‬
‫يوما ‪ ،‬فأما اليوم الذي أجوع فيه فأتضرع إليك و أدعوك ‪ ،‬و أما اليوم الذي أشبع فيه فأحدك و أثن‬
‫عليك ‪.‬‬
‫و ف حديث آخر أن جبيل نزل عليه ‪ ،‬فقال له ‪ :‬إن ال تعال يقرئك السلم ‪ ،‬و يقول لك ‪ :‬أتب أن‬
‫أجعل هذه البال ذهبا ‪ ،‬و تكون معك حيثما كنت ‪ ،‬فأطرق ساعة ‪ ،‬ث قال ‪ :‬يا جبيل ‪ ،‬إن الدنيا دار‬
‫من ل دار له ‪ ،‬و مال من ل مال له ‪ ،‬قد يمعها من ل عقل له ‪.‬‬
‫فقال له جبيل ‪ :‬ثبتك ال يا ممد بالقول الثابت ‪.‬‬
‫و عن عائشة قالت ‪ :‬إن كنا آل ممد لنمكث شهرا ما نستوقد نارا ‪ ،‬إن هو إل التمر و الاء ‪.‬‬
‫و عن عبد الرحن بن عوف ‪ :‬هلك رسول ال صلى ال عليه و سلم [ ‪ ، ] 45‬و ل يشبع هو و أهل‬
‫بيته من خبز الشعي ‪.‬‬
‫و عن عائشة و أب أمامة ‪ ،‬و ابن عباس نوه ‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬كان صلى ال عليه و سلم يبيت هو و أهله الليال التتابعة طاويا ل يدون عشاء ‪.‬‬
‫و عن أنس ‪ :‬ما أكل رسول ال صلى ال عليه و سلم على خوان و ل ف سكرجة ‪ ،‬و ل خبز له‬
‫مرقق ‪ ،‬و ل رأى شاة سيطا قط ‪.‬‬
‫و عن عائشة ‪ :‬إنا كان فراشه الذي ينام عليه أدما حشوه ليف ‪.‬‬
‫و عن حفصة قالت ‪ :‬كان فراش رسول ال صلى ال عليه و سلم ف بيته مسحا نثنيه ثنيتي ‪ ،‬فينام‬
‫عليه ‪ ،‬فثنيناه له ليلة بأربع ‪ ،‬فلما أصبح قال ‪ :‬ما فرشتم ل الليلة ؟ فذكرنا ذلك له ‪ ،‬فقال ‪ :‬ردوه باله‬
‫فإن وطأته منعتن الليلة صلت ‪.‬‬
‫و كان صلى ال عليه و سلم ينام أحيانا على سرير مرمول بشريط حت يؤثر ف جنبه ‪.‬‬
‫و عن عائشة قالت ‪ :‬ل يتلىء جوف النب صلى ال عليه و سلم شبعا قط و ل يبث شكوى إل أحد و‬
‫كانت الفاقة أحب إليه من الغن ‪ ،‬و إن كان ليظل جائعا يلتوي طول ليلته من الوع فل ينعه صيام‬
‫يومه ‪ ،‬و لو شاء سئل ربه جيع كنوز الرض و ثارها و رغد عيشها ‪ ،‬و لقد كنت أبكي له رحة ما‬
‫أرى به ‪ ،‬و أمسح بيدي على بطنه ما به من الوع ‪ ،‬و أقول ‪ :‬نفسي لك الفداء ‪ ،‬و لو تبلغت من‬
‫الدنيا با يقوتك ! فيقول ‪ :‬يا عائشة ‪ ،‬ما ل و للدنيا ‪ ،‬إخوان من أول العزم من الرسل صبوا على ما‬
‫هو أشد من هذا ‪ ،‬فمضوا على حالم ‪ ،‬فقدموا على ربم ‪ ،‬فأكرم مآبم ‪ ،‬و أجزل ثوابم ‪ :‬فأجدن‬
‫أستحيي إن ترفهت ف معيشت أن يقصر ب غدا دونم ‪ ،‬و ما من شيء هو أحب إل من اللحوق‬
‫بإخوان و أخلئي ‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬فما أقام بعد إل شهرا حت توف صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬

‫فصل‬
‫خوفه ربه ‪ ،‬و طاعته له ‪ ،‬و شدة عبادته‬
‫و أما خوفه ربه ‪ ،‬و طاعته له ‪ ،‬و شدة عبادته ‪ ،‬فعلى قدر علمه بربه ‪ ،‬و لذلك قال فيما حدثناه أبو‬
‫ممد بن عتاب قراءة من عليه ‪ .‬قال ‪ :‬حدثنا أبو القاسم الطرابلسي ‪ ،‬حدثنا أبو السن القابسي ‪ ،‬حدثنا‬
‫أبو زيد الروزي ‪ ،‬حدثنا أبو عبد ال الفربري ‪ ،‬حدثنا ممد بن إساعيل ‪ ،‬حدثنا يي بن بكي ‪ ،‬عن‬
‫الليث ‪ ،‬عن عقيل ‪ ،‬عن ابن شهاب ‪ ،‬عن سعيد بن السيب ـ أن أبا هريرة كان يقول ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه و سلم ‪ :‬لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلً و لبكيتم كثيا ‪.‬‬
‫زاد ف روايتنا ‪ ،‬عن أب عيسى الترمذي ـ رفعه إل أب ذر ‪ :‬إن أرى ما ل ترون ‪ ،‬و أسع ما ل‬
‫تسمعون ‪ ،‬أطت السماء و حق لا أن تئط ‪ ،‬ما فيها موضع أربع أصابع إل و ملك واضع جبهته ساجدا‬
‫ل ‪ ،‬و ال لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلً و لبكيتم كثيا ‪ ،‬و ما تلذذت بالنساء على الفرش ‪ ،‬و‬
‫لرجتم إل الصعدات تأرون إل ال ‪ ،‬لوددت أن شجرة تعضد ‪.‬‬
‫روي هذا الكلم ‪ :‬وددت أن شجرة تعضد ـ من قول أب ذر نفسه ‪ ،‬و هو أصح ‪.‬‬
‫و ف حديث الغية ‪ :‬صلى رسول ال صلى ال عليه و سلم حت انتفخت قدماه ‪.‬‬
‫و ف رواية ‪ :‬كان يصلى حت ترم قدماه ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬أتكلف هذا و قد غفر لك ما تقدم من ذنبك و ما‬
‫تأخر ‪ .‬قال ‪ :‬أفل أكون عبدا شكورا ؟ ‪.‬‬
‫و نوه عن أب سلمى و أب هريرة ‪.‬‬
‫و قالت عائشة ‪ :‬كان عمل رسول ال صلى ال عليه و سلم دية ‪ ،‬و أيكم يطيق [ ‪ ] 46‬ما كان يطيق‬
‫!‪.‬‬
‫و قالت ‪ :‬كان يصوم حت نقول ‪ :‬ل يفطر ‪ .‬و يفطر حت نقول ‪ :‬ل يصوم ‪.‬‬
‫و نوه عن ابن العباس ‪ ،‬و أم سلمى ‪ ،‬و أنس ‪.‬‬
‫و قالت ‪ :‬كنت ل تشاء أن تراه من الليل مصليا إل رأيته مصليا ‪ ،‬و ل نائما إل رأيته نائما ‪.‬‬
‫و قال عوف بن مالك ‪ :‬كنت مع رسول ال صلى ال عليه و سلم ليلة فاستاك ث توضأ ‪ ،‬ث قام‬
‫يصلي ‪ ،‬فقمت معه ‪ ،‬فبدأ فاستفتح البقرة ‪ ،‬فل ير بآية رحة إل وقف فسأل ‪ ،‬و ل ير بآية عذاب إل‬
‫وقف فتعوذ ‪ ،‬ث ركع ‪ ،‬فمكث بقدر قيامه ‪ ،‬يقول ‪ :‬سبحان ذي البوت و اللكوت و العظمة ‪ ،‬ث‬
‫سجد و قال مثل ذلك ‪ ،‬ث قرأ آل عمران ‪ ،‬ث سورة سورة ‪ ،‬يفعل مثل ذلك ‪.‬‬
‫و عن حذيفة مثله ‪ ،‬و قال سجد نوا من قيامه ‪ ،‬و جلس بي السجدتي نوامنه ‪ ،‬و قال ‪ :‬حت قرأ‬
‫البقرة ‪ ،‬و آل عمران ‪ ،‬و النساء ‪ ،‬و الائدة ‪.‬‬
‫و عن عائشة ‪ :‬قام رسول ال صلى ال عليه و س ل بأية من القرأن ليلة ‪.‬‬
‫و عن عبد ال بن الشخي ‪ :‬أتيت رسول ال صلى ال عليه و سلم و هو يصلي ‪ ،‬و لوفه أزيز كأزيز‬
‫الرجل ‪.‬‬
‫و قال أبن أب هالة ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه و سلم متواصل الحزان ‪ ،‬دائم الفكرة ‪ ،‬ليست له‬
‫راحة ‪.‬‬
‫فقال عليه السلم ‪ :‬إن لستغفر ال ف اليوم مائة مرة و روي سبعي مرة ‪.‬‬
‫و عن علي رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬سألت رسول ال صلى ال عليه و سلم عن سنته ‪ ،‬فقال ‪ :‬العرفة‬
‫رأسال ‪ ،‬و العقل أصل دين ‪ ،‬و الب أساسي ‪ ،‬و الشوق مركب ‪ ،‬و ذكر ال أنيسي ‪ ،‬و الثقة كني ‪،‬‬
‫و الزن رفيقي ‪ ،‬و العلم سلحي ‪ ،‬و الصب ردائي ‪ ،‬و الرضا غنيمت ‪ ،‬و العجز فخري ‪ ،‬و الزهد‬
‫حرفت ‪ ،‬و اليقي قوت ‪ ،‬و الصدق شفيعي ‪ ،‬و الطاعة حسب ‪ ،‬و الهاد خلقي ‪ ،‬و قرة عين ف الصلة‬
‫‪.‬‬
‫و ف حديث آخر ‪ :‬و ثرة فؤادي ف ذكره ‪ ،‬و غمي لجل أمت ‪ ،‬و شوقي إل رب ‪.‬‬

‫فصل‬
‫تفضيل ال بعض النبياء على بعض‬

‫اعلم وفقنا ال و إياك أن صفات جيع النبياء صلوات ال عليهم ‪ ،‬من كمال اللق ‪ ،‬و حسن الصورة ‪،‬‬
‫و شرف النسب ‪ ،‬و حسن اللق ‪ ،‬و جيع الحاسن ‪ ،‬هي هذه الصفة ‪ ،‬لنا صفات الكمال ‪ ،‬و‬
‫الكمال و التمام البشري و الفضل الميع لم صلوات ال عليهم ‪ ،‬إذ رتبتهم أشرف الرتب ‪ ،‬و درجاتم‬
‫أرفع الدرجات ‪ ،‬و لكن فضل ال بعضهم على بعض ‪ ،‬قال ال تعال ‪ :‬تلك الرسل فضلنا بعضهم على‬
‫بعض ‪ .‬و قال ‪ :‬ولقد اخترناهم على علم على العالي [ سورة الدخان ‪ ، 44 /‬الية ‪. ] 32 :‬‬
‫و قد قال عليه السلم ‪ :‬إن أول زمرة يدخلون النة على صورة القمر ليلة البدر ‪.‬‬
‫ث قال آخر الديث ‪ :‬على خلق رجل واحد ‪ ،‬على صورة ‪ ،‬أبيهم آدم ‪ ،‬طوله ستون ذراعا ف السماء ‪.‬‬

‫و ف حديث أب هريرة ‪ :‬رأيت موسى فإذا هو رجل ضرب ‪ ،‬رجل ‪ ،‬أقن كأنه من رجال شنوءة و‬
‫رأيت عيسى فإذا هو رجل ربعة ‪ ،‬كثي خيلن الوجه ‪ ،‬أحر كأنا خرج من دياس ‪.‬‬
‫و ف حديث آخر ‪ :‬مبطن مثل السيف ‪ ،‬قال ‪ :‬و أنا أشبه ولد إبراهيم به ‪.‬‬
‫و قال ف حديث آخر ف صفة موسى ‪ :‬كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال ‪.‬‬
‫و ف حديث أب هريرة ‪ ،‬عنه صلى ال عليه و سلم ‪ :‬ما بعث ال تعال من بعد لوط نبيا إل ف ذروة من‬
‫قومه ‪.‬‬
‫و يروى [ ‪ : ] 47‬ف ثروة ‪ ،‬أي كثرة و منعة ‪.‬‬
‫و حكى الترمذي ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬و رواه الدار قطن من حديث قتادة عن أنس ‪ :‬ما بعث ال نبيا حسن‬
‫الوجه ‪ ،‬حسن الصوت ‪ ،‬و كان نبيكم أحسنهم وجها ‪ ،‬و أحسنهم صوتا ‪.‬‬
‫و ف حديث هرقل ‪ :‬و سألتك عن نسبه ‪ ،‬فذكرت أنه فيكم ذو نسب ‪ ،‬و كذلك الرسل تبعث ف‬
‫أنساب قومها ‪.‬‬
‫و قال تعال ف أيوب ‪ :‬إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب ‪.‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬يا يي خذ الكتاب بقوة وآتيناه الكم صبيا * وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا * وبرا‬
‫بوالديه ول يكن جبارا عصيا * وسلم عليه يوم ولد ويوم يوت ويوم يبعث حيا [ سورة مري ‪ ، 19 /‬اليات‬
‫‪. ] 15 ، 12 :‬‬
‫و قال ‪ :‬أن ال يبشرك بيحي مصدقا بكلمة من ال وسيدا وحصورا ونبيا من الصالي [ سورة آل‬
‫عمران ‪ ، 3 /‬الية ‪. ] 39 :‬‬
‫و قال ‪ :‬إن ال اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالي * ذرية بعضها من بعض وال‬
‫سيع عليم [ سورة آل عمران ‪ ، 3 /‬اليات ‪. ] 34 ، 33 :‬‬
‫و قال ـ ف نوح ‪ :‬إنه كان عبدا شكورا [ سورة السراء ‪ ، 17 /‬الية ‪. ] 3 :‬‬
‫و قال ‪ :‬إن ال يبشرك بكلمة منه اسه السيح عيسى ابن مري وجيها ف الدنيا والخرة ومن القربي *‬
‫ويكلم الناس ف الهد وكهل ومن الصالي ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬إن عبد ال آتان الكتاب وجعلن نبيا * وجعلن مباركا أين ما كنت وأوصان بالصلة والزكاة‬
‫ما دمت حيا [ سورة مري ‪ ، 19 /‬الية ‪. ] 30 :‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬يا أيها الذين آمنوا ل تكونوا كالذين آذوا موسى فبأه ال ما قالوا وكان عند ال وجيها [‬
‫سورة الحزاب ‪ ، 33 /‬الية ‪. ] 69 :‬‬
‫قال النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬كان موسى رجلً حييا ستيا ما يرى من جسده شيء استحياء ‪.‬‬
‫الديث ‪.‬‬
‫و قال تعال ـ عنه ‪ :‬فوهب ل رب حكما وجعلن من الرسلي ‪.‬‬
‫و قال ف وصف جاعة منهم ‪ :‬إن لكم رسول أمي [ سورة الشعراء ‪ ، 26 /‬الية ‪. ] 107 :‬‬
‫و قال ‪ :‬إن خي من استأجرت القوي المي [ سورة القصص ‪ ، 28 /‬الية ‪. ] 26 :‬‬
‫و قال ‪ :‬فاصب كما صب أولو العزم من الرسل [ سورة الحقاف ‪ ، 46 /‬الية ‪. ] 35 :‬‬
‫و قال ‪ :‬ووهبنا له إسحاق ويعقوب كل هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب‬
‫ويوسف وموسى وهارون وكذلك نزي ال مسني * وزكريا ويي وعيسى وإلياس كل من الصالي‬
‫* وإساعيل واليسع ويونس ولوطا وكل فضلنا على العالي * ومن آبائهم وذرياتم وإخوانم واجتبيناهم‬
‫وهديناهم إل صراط مستقيم * ذلك هدى ال يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لبط عنهم ما‬
‫كانوا يعملون * أولئك الذين آتيناهم الكتاب والكم والنبوة فإن يكفر با هؤلء فقد وكلنا با قوما‬
‫ليسوا با بكافرين * أولئك الذين هدى ال فبهداهم اقتده [ سورة النعام ‪ ، 6 /‬اليات ‪. ] 90 ، 84 :‬‬
‫فوصفهم بأوصاف جة من الصلح و الدى و الجتباء و الكم و النبوة ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬فبشرناه بغلم حليم و عليم ‪.‬‬
‫و قال ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كري * أن أدوا إل عباد ال إن لكم رسول أمي‬
‫[ سورة الدخان ‪ ، 44 /‬الية ‪. ] 18 ، 17 :‬‬
‫و قال ‪ :‬ستجدن إن شاء ال من الصابرين [ سورة الصافات ‪ ، 37 /‬الية ‪. ] 102 :‬‬
‫و قال ـ ف إساعيل ـ ‪ :‬إنه كان صادق الوعد وكان رسول نبيا * وكان يأمر أهله بالصلة والزكاة‬
‫وكان عند ربه مرضيا [ سورة مري ‪ ، 19 /‬الية ‪. ] 55 ، 54 :‬‬
‫و ف موسى ‪ :‬إنه كان ملصا [ سورة مري ‪ ، 19 /‬الية ‪. ] 51 :‬‬
‫و ف سليمان ‪ :‬نعم العبد إنه أواب [سورة ص‪ ، 38 /‬الية ‪. ] 44 ، 30 :‬‬
‫و قال ‪ :‬واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أول اليدي والبصار * إنا أخلصناهم بالصة ذكرى‬
‫الدار * وإنم عندنا لن الصطفي الخيار ‪.‬‬
‫و ف داود ‪ :‬إنه أواب [ سورة ‪ 38 /‬الية ‪. ] 17 :‬‬
‫ث قال ‪ :‬وشددنا ملكه وآتيناه الكمة وفصل الطاب ‪.‬‬
‫و قال ـ عن يوسف ‪ :‬اجعلن على خزائن الرض إن حفيظ عليم ‪.‬‬
‫و ف موسى ‪ :‬ستجدن إن شاء ال صابر [ سورة الكهف ‪ ، 18 /‬الية ‪. ]69 :‬‬
‫[ و قال تعال ـ عن شعيب ـ ‪ :‬ستجدن إن شاء ال من الصالي ]‬
‫و قال ‪ :‬وما أريد أن أخالفكم إل ما أناكم عنه إن أريد إل الصلح ما استطعت [ سورة هود ‪،11 ، /‬‬
‫الية ‪. ] 88 :‬‬
‫و قال ‪ :‬ولوطا آتيناه حكما وعلما [ سورة النبياء ‪ ، 21/‬الية ‪. ] 74 :‬‬
‫و قال ‪ :‬إنم كانوا يسارعون ف اليات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعي [ سورة النبياء ‪، 21/‬‬
‫الية ‪. ] 90:‬‬
‫قال سفيان ‪ :‬هو الزن الدائم ‪.‬‬
‫ف آي كثية ‪ ،‬ذكر فيها من خصالم و ماسن أخلقهم الدالة على كمالم ‪.‬‬
‫و جاء من ذلك ف الحاديث كثي ‪ ،‬كقوله ‪ [ :‬إنا الكري ابن ا لكري ابن الكري ابن الكري ‪ ،‬يوسف‬
‫بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ‪،‬نب ابن نب ابن نب ابن نب ] ‪.‬‬
‫و ف حديث أنس ‪ [ :‬و كذلك النبياء تنام أعينهم و ل تنام قلوبم ] ‪.‬‬
‫و روى أن سليمان كان مع ما أعطي من اللك ليرفع بصره إل السماء تشعا و تواضعا ال تعال ‪.‬‬
‫و كان يطعم الناس لذائد الطعمة و يأكل خبز الشعي ‪.‬‬
‫و أوحى ال إليه ‪ :‬يا رأس العابدين ‪ ،‬و ابن مجة الزاهدين ‪.‬‬
‫و كانت العجوز تعترضه ـ و هو على الريح ف جنوده ‪ ،‬فيأمر الريح فتقف فينظر ف حاجتها و يضي ‪.‬‬

‫و قيل ليوسف ‪:‬مالك توع و أنت على خزائن الرض ؟ أخاف أن أشبع فأنسى الائع [‪. ]48‬‬
‫و روى أبو هريرة عنه صلى ال عليه و سلم ‪ :‬خفف على داود القرآن ‪ ،‬فكان يأمر بدوابه ‪ ،‬فتسرج ‪،‬‬
‫فيقرأ القرآن قبل أن تسرج ‪ ،‬و ل يأكل إل من عمل يده ‪.‬‬
‫قال ال تعال ‪ :‬وألنا له الديد * أن اعمل سابغات وقدر ف السرد ‪.‬‬
‫و كان سأل ربه أن يرزقه عملً بيده يغنيه عن بيت الال ‪.‬‬
‫و قال عليه السلم ‪ :‬أحب الصلة إل ال صلة داود ‪ ،‬وأحب الصيام إل ال صيام داود ‪ :‬كان ينام‬
‫نصف الليل ‪ ،‬و يقوم ثلثه ‪ ،‬و ينام سدسه ‪ ،‬و يصوم يوما و يفطر يوما و كان ي لبس الصوف ‪ ،‬و‬
‫يفترش الشعر ‪ ،‬و يأكل خبز الشعي باللح والرماد ‪ ،‬و يزج شرابه بالدموع ‪ ،‬و ل ير ضاحكا بعد‬
‫الطيئة ‪ ،‬ول شاخصا ببصره إل السماء ‪ ،‬حياء من ربه ‪ ،‬و ل يزل باكيا حياته كلها ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬بكى حت نبت العشب نت دموعه ‪ ،‬و حت اتذت الدموع ف خذه أخدودا ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬كان يرج متنكرا يتعرف سيته ‪ ،‬فيستمع الثناء عليه ‪ ،‬فيزداد تواضعا ‪.‬‬
‫و قيل لعيسى عليه السلم ‪ :‬لو اتذت حارا ‪ .‬قال ‪ :‬أنا أكرم على ال من أن يشغلن بمار ‪.‬‬
‫و كان يلبس الشعر ‪ ،‬و يأكل الشجر ‪ ،‬و ل يكن له بيت أينما أدركه النوم نام ‪.‬‬
‫و كان أحب السامي إليه أن يقال له مسكي ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬إن موسى عليه السلم لا ورد ماء مدين كانت ترى خضرة البقل ف بطنه من الزال ‪.‬‬
‫و قال عليه السلم ‪ :‬لقد كان النبياء قبلي يبتلي أحدهم بالفقر و القمل ‪ ،‬و كان ذلك أحب إليهم من‬
‫العطاء إليكم ‪.‬‬
‫و قال عيسى عليه السلم ـ لنير لقيه ‪ :‬اذهب بسلم ‪ .‬فقيل له ف ذلك ‪ ،‬فقال ‪ :‬أكره أن أعود‬
‫لسان النطق بسوء ‪.‬‬
‫و قال ماهد ‪ :‬كان طعام يي العشب ‪.‬‬
‫و كان يبكي من شية ال حت اتذ الدمع مرى ف خده ‪ ،‬و كان يأكل من الوحش لئل يالط الناس ‪.‬‬
‫و حكى الطبي ‪ ،‬عن وهب ‪ ،‬أن موسىكان يستظل بعريش ‪ ،‬و يأكل ف نقرة من حجر ‪ ،‬و يكرع‬
‫فيها إذا أراد أن يشرب كما تكرع الدابه ‪ ،‬تواضعا ل با أكرمه ال به من كلمه ‪.‬‬
‫و أخبارهم ف هذا كله مسطورة ‪ ،‬و صفاتم ف الكمال و جيل الخلق ‪ ،‬و حسن الصور‬
‫و الشمائل معروفة مشهورة ‪ ،‬فل نطول با ‪ ،‬ول تلتفت إل ما تده ف كتب بعض جهلة الؤرخي و‬
‫الفسرين ما يالف هذا ‪.‬‬

‫فصل‬
‫حديث جامع لوصفه‬
‫قد أتيناك ـ أكرمك ال ـ من ذكر الخلق الميدة ‪ ،‬و الفضائل الجيدة ‪ ،‬و خصال الكمال العديدة‬
‫‪ ،‬و أريناك صحتها له صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و جلينا من الثار ما فيه مقنع ‪ ،‬و المر أوسع ‪ ،‬فمجال‬
‫هذا الباب ف حقه صلى ال عليه و سلم متد ‪ ،‬تنقطع دون نفاده الدلء ‪ ،‬و بر علم خصائصه زاخر ل‬
‫تكدره الدلء ‪ ،‬لكنا أتينا فيه بالعروف ما أكثر ف الصحيح و الشهور من الصنفات ‪ ،‬و اقتصرنا ف‬
‫ذلك بقل من كل ‪ ،‬و غيض من فيض ‪ ،‬و رأينا أن نتم هذه الفصول بذكر حديث السن ‪ ،‬عن أب‬
‫هالة ‪ ،‬لمعه من شائله و أوصافه كثيا ‪ ،‬و إدماجه جلة كافيةً من سيه و فضائله ‪ ،‬و نصله بتنبيه‬
‫لطيف على غريبه و مشكله ‪.‬‬
‫حدثنا القاضي أبو السن بن ممد الافظ ـ رحه ال ـ بقراءت عليه سنة ثان و خسمائة [ ‪، ] 49‬‬
‫قال ‪ :‬حدثنا المام أبو القاسم عبد ال بن طاهر التميمي قراء ًة عليه ‪ ،‬أخبكم الفقيه الديب أبو بكر‬
‫ممد بن عبد ال بن السن النيسابوري ‪ ،‬و الشيخ الفقيه أبو عبد ال ممد بن أحد بن السن الحمدي‬
‫‪ ،‬و القاضي أبو علي السن بن علي بن جعفر الوحشي ‪ ،‬قالوا ‪ :‬حدثنا أبو ا لقاسم علي بن أحد بن‬
‫ممد بن السن الزاعي ‪ ،‬أخبنا أبو سعيد اليثم بن كليب الشاشي ‪ ،‬أنبأنا أبو عيسى بن سورة الافظ‬
‫‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا سفيان بن وكيع ‪ ،‬حدثنا جيع بن عمر بن عبد الرحن العجلي إملءً من كتابه ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫حدثن رجل من بن تيم من ولد أب هالة زوج خدية أم الؤمني رضي ال عنها ‪ ،‬يكن أبا عبد ال ‪،‬‬
‫عن ابن لب هالة ‪ ،‬عن السن بن علي أب طالب رحه ال ‪ ،‬قال ‪ :‬سألت خال هند بن أب هالة ‪.‬‬
‫قال القاضي أبو علي رحه ال ‪ :‬و قرأت على الشيخ أب طاهر أحد بن السن ابن أحد بن خذاداذ‬
‫الكرجي الباقلن ‪ ،‬قال ‪ :‬و أجاز لنا الشيخ الجل أبو الفضل أحد ابن السي بن خيون ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫حدثنا أبو علي السن بن أحد بن إبراهيم بن السن ابن ممد بن شاذان بن حرب بن مهران الفارسي‬
‫قراءةً عليه فأقر به ‪ ،‬قال ‪ :‬أخبنا أبو ممد السن بن ممد بن يي بن السن بن جعفر بن عبيد ال بن‬
‫السي بن علي ابن [ السي بن علي ] بن أب طالب العروف بابن أخي طاهر العلوي قال ‪ :‬حدثنا‬
‫إساعيل بن ممد بن إسحاق بن جعفر بن ممد بن علي بن السي بن علي بن أب طالب ‪ ،‬قا ل ‪:‬‬
‫حدثن علي بن جعفر بن ممد بن علي بن السي ‪ ،‬عن أخيه موسى بن جعفر ‪ ،‬عن جعفر بن ممد ‪،‬‬
‫عن أبيه ممد بن علي ‪ ،‬عن علي بن السي ‪ ،‬قال ‪ :‬قال السن بن علي ـ و اللفظ لذا السند ‪:‬‬
‫سألت خال هند بن أب هالة عن حلية رسول ال صلى ال عليه و سلم ـ و كان وصافا ـ و أنا أرجو‬
‫أن يصفع ل منها شيئا أتعلق به ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫كان رسول ال صلى ال عليه و سلم فخما مفخما ‪ ،‬يتلل وجهه تلل القمر ليلة البدر ‪ ،‬أطول من‬
‫الربوع ‪ ،‬و أقصر من الشذب ‪ ،‬عظيم الامة ‪ ،‬رجل الشعر ‪ ،‬إن انفرقت عقيقته فرق ‪ ،‬و إل فل ياوز‬
‫شعره شحمة أذنه ‪ ،‬إذا هو وفره ‪ ،‬أزهر اللون ‪ ،‬واسع البي‪ ،‬أزج الواجب ‪ ،‬سوابغ ‪ ،‬من غي قرن ‪،‬‬
‫بينهما عرق يدره الغضب ‪ ،‬أقن العرني ‪ ،‬له نور يعلوه ‪ ،‬و يسبه من ل يتأمله أشم ‪ ،‬كث اللحية ‪،‬‬
‫أدعج ‪ ،‬سهل الدين ‪ ،‬ضليع الفم أشنب ‪ ،‬مفلج السنان ‪ ،‬دقيق السربة ‪ ،‬كأن عنقه جيد دمية ف‬
‫صفاء الفضة ‪ ،‬معتدل الق ‪ ،‬بادنا ‪ ،‬متماسكا ‪ ،‬سواء البطن و الصدر ‪ ،‬مشيح الصدر ‪ ،‬بعيد ما بي‬
‫النكبي ضخم الكراديس ‪ ،‬أنور التجرد ‪ ،‬موصول ما بي اللبة و السرة بشعر يري كالظ ‪ ،‬عاري‬
‫الثديي ‪ ،‬م ا سوى ذلك ‪ ،‬أشعر الذراعي و النكبي و أعال الصدر ‪ ،‬طويل الزندين ‪ ،‬رحب الراحة ‪،‬‬
‫شئن الكفي و القدمي ‪ ،‬سائل الطراف ـ [ أو قال ‪ :‬سائن الطراف ] ‪ ،‬سبط العصب ‪ ،‬خصان‬
‫الخصي ‪ ،‬مسيح القدمي ‪ ،‬ينبو عنهما الاء ‪ ،‬إذا زال زال تقلعا ‪ ،‬و يطو تكفأً ‪ ،‬و يشي هونا ‪ ،‬ذريع‬
‫الشية ‪ ،‬إذا مشى كأنا ينحط من صبب ‪ ،‬و إذا التفت التفت جيعا ‪ ،‬خافض الطرف ‪ ،‬نظره إل الرض‬
‫أطول من نظره إل السماء ‪ ،‬جل نظره اللحظة ‪ ،‬يسوق أصحابه ‪ ] 50 [ ،‬و يبدأ من لقيه بالسلم ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬صف ل منطقه ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه و سلم متواصل الحزان ‪ ،‬دائم الفكرة ‪ ،‬ليست له راحة ‪ ،‬و ل‬
‫يتكلم ف غي حاجة ‪ ،‬طويل السكوت ‪ ،‬يفتتح الكلم و يتمه بأشداقه ‪ ،‬و يتكلم بوامع الكلم فصلً ‪،‬‬
‫ل فضول فيه و ل تقصي ‪ ،‬دمثا ليس بالاف و ل الهي ‪ ،‬يعظم النعمة و إن دقت ‪ ،‬ل يذم شيئا ‪ ،‬ل‬
‫يكن يذم ذواقا ‪ ،‬و ل يدحه ‪ ،‬و ل يقام لغضبه إذا تعرض للحق بشيء حت ينتصر له ‪ ،‬و ل يغضب‬
‫لنفسه و ل ينتصر لا ‪ ،‬إذا أشار أشار بكفه كلها ‪ ،‬و إذا تعجب قلبها و إذا تدث اتصل با ‪ ،‬فضرب‬
‫بإبامه اليمن راحته اليسرى ‪ ،‬و إذا غضب أعرض و أشاح ‪ ،‬و إذا فرح غض طرفه ‪ ،‬جل ضحكه‬
‫التبسم ‪ ،‬و يفتر عن مثل حب الغمام ‪.‬‬
‫قال السن ‪ :‬فكتمتها السي ‪ :‬فكتمتها السي بن علي زمانا ‪،‬ث حدثته فوجدته قد سبقن إليه ‪ ،‬فسأل‬
‫أباه عن مدخل رسول ال صلى ال عليه و سلم و مرجه و ملسه و شكله ‪ ،‬فلم يدع منه شيئا ‪.‬‬
‫قال السي ‪ :‬سألت أب عن دخول رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫كان دخوله لنفسه مأذونا له ف ذلك ‪ ،‬فكان إذا أوى إل منله جزأ دخوله ثلثة أجزاء ‪ :‬جزءا لهله ‪،‬‬
‫و جزؤا لنفسه ‪ ،‬جزأ جزأه بينه و بي الناس ‪ ،‬فيد ذلك على العامة بالاصة ‪ ،‬و ل يدخر عنهم شيئا ‪،‬‬
‫فكان من سيته ف جزء المة إيثار أهل الفضل بإذنه و قسمته على قدر فضلهم ف الدين ‪ ،‬منهم ذو‬
‫الاجة ‪ ،‬و منهم ذو الاجتي ‪ ،‬و منهم ذو الوائج ‪ ،‬فيتشاغل بم ‪ ،‬و يشغلهم فيما أصلحهم ‪ ،‬و المة‬
‫من مسألته عنهم و إخبارهم بالذي ينبغي لم ‪ ،‬و يقول ‪ :‬ليبلغ الشاهد منكم الغائب ‪ ،‬و أبلغون حاجة‬
‫من ل يستطيع إبلغي حاجته ‪ ،‬فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من ل يستطيع إبلغها ثبت ال قدميه يوم‬
‫القيامة ‪ .‬ل يذكر عنده إل ذلك ‪ ،‬و ل يقبل من أحد غيه ‪.‬‬
‫و قال ف حديث سفيان بن وكيع ‪ :‬يدخلن روادا ‪ ،‬و ل يتفرقون إل عن ذواق ‪ ،‬و يرجون أدلة ـ‬
‫يعن فقهاء ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬فأخبن عن مرجه كيف كان يصنع فيه ؟‬
‫قال ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه و سلم يزن لسانه إل ما يعنيهم و يؤلفهم و ل يفرقهم ‪ ،‬يكرم‬
‫كري كل قوم ‪ ،‬و يوليه عليهم ‪ ،‬و يذر الناس ‪ ،‬و يترس منهم ‪ ،‬من غي أن يطوي عن أحد بشره و‬
‫خلقه ‪ ،‬و يتفقد أصحابه ‪ ،‬و يسأل الناس ‪ ،‬و يسن السن و يصوبه ‪ ،‬و يقبح القبيح و يوهنه ‪ ،‬معتدل‬
‫المر غي متلف ‪ ،‬ل يغفل مافة أن يغفلوا أو يلوا ‪ ،‬لكل حال عنده عتاد ‪ ،‬ل يقتصر عن الق ‪ ،‬و ل‬
‫ياوزه إل غيه ‪ ،‬الذي يلونه من الناس خيارهم ‪ ،‬و أفضلهم عند أعمهم نصيحة ‪ ،‬و أعظمهم عنده‬
‫منلة أحسنهم مواساة و موازرة ‪.‬‬
‫فسألته عن ملسه ‪ :‬عما كان يصنع فيه ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه و سلم ل يلس و ل يقوم إل على ذكر ‪ ،‬و ل يوطن الماكن ‪،‬‬
‫و ينهى عن إيطانا ‪ ،‬و إذا انتهى إل قوم جلس حيث ينتهي به الجلس ‪ ،‬و يأمر بذلك ‪ ،‬و يعطي كل‬
‫جلسائه نصيبه حت ل يسب ‪ ،‬جليسه أن أحدا أكرم عليه فيه ‪ ،‬من جالسه أو قاومه لاجة صابره حت‬
‫[ ‪ ] 51‬يكون هو النصرف عنه ‪.‬‬
‫من سأله حاجة ل يرده إل با أو بيسور من القول ‪ .‬قد وسع ا لناس ‪ ،‬بسطه و خلقه ‪ ،‬فصار لم أبا ‪،‬‬
‫و صاروا عنده ف الق سواء ‪ ،‬متقاربي متفاضلي فيه التقوى ‪.‬‬
‫و ف الرواية الخرى ‪ :‬صاروا عنده ف الق سواء ‪ ،‬ملسه ملس حلم و حياء ‪ ،‬و صب و أمانة ‪ ،‬ل‬
‫ترفع فيه الصوات ‪ ،‬و ل تؤبن فيه الرم ‪ ،‬و ل تثن فلتاته ‪ ،‬و هذه الكلمة ‪ ،‬من غي الروايتي ‪.‬‬
‫يتعاطون فيه بالتقوى متواصفي ‪ ،‬يوقرون فيه الكبي ‪ ،‬و يرحون الصغي ‪ ،‬و يرفدون ذا الاجة ‪ ،‬و‬
‫يرحون الغريب ‪.‬‬
‫فسألته عن سيته صلى ال عليه و سلم ف جلسائه ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه و سلم دائم البشر ‪ ،‬سهل اللق ‪ ،‬لي الانب ‪ ،‬ليس بفظ و ل‬
‫غليظ ‪ ،‬و ل سخاب ‪ ،‬و ل فحاش ‪ ،‬و ل عياب و ل مداح ‪ ،‬يتغافل عما ل يشتهي و ل يوئس منه ‪،‬‬
‫قد ترك نفسه من ثلث ‪ :‬الرياء ‪ ،‬و الكثار ‪ ،‬و ما ل يعنيه ‪ ،‬و ترك الناس من ثلث ‪ :‬كان ل يذم‬
‫أحدا ‪ ،‬و ل يعيه ‪ ،‬و ل يطلب عورته ‪ ،‬و ل يتكلم إل فيما يرجو ثوابه ‪ ،‬إذا تكلم أطرق جلساؤه‬
‫كأنا على رؤسهم الطي ‪ ،‬إذا سكت تكلموا ‪ ،‬ل يتنازعون عنده الديث ‪ .‬من تكلم عنده أنصتوا له‬
‫حت يفرغ ‪ ،‬حديثهم حديث أولم ‪ ،‬يضحك ما يضحكون منه ‪ ،‬و يتعجب ما يتعجبون منه ‪ ،‬و يصب‬
‫للغريب على ال جفوة ف النطق ‪ ،‬و يقول ‪ :‬إذا رأيتم صاحب الجة يطلبها فأرفدوه ‪ ،‬و ل يطلب الثناء‬
‫إل من مكافء ‪ ،‬و ل يقطع على أحد حديثه حت يتجوزه فيقطعه بانتهاء أو قيام ‪.‬‬
‫هنا انتهى حديث سفيان بن وكيع ‪.‬‬
‫و زاد الخر ‪ :‬كيف كان سكوته صلى ال عليه و سلم ؟‬
‫قال ‪ :‬كان سكوته على أربع ‪ :‬اللم ‪ ،‬و الذر ‪ ،‬و التقدير ‪ ،‬و التفكي ‪ .‬فأما تقديره ففي تسوية النظر‬
‫و الستماع بي الناس ‪ ،‬و أما تفكره ففيما يبقى و يفن ‪.‬‬
‫و جع له اللم صلى ال عليه و سلم ف الصب ‪ ،‬فكان ل يغضبه شيء يستفزه ‪ ،‬و جع له ف الذر أربع‬
‫‪ :‬أخذه بالسن ليقتدى به ‪ ،‬و تركه القبيح لينتهى عنه ‪ ،‬و اجتهاد الرأي با أصلح أمته ‪ ،‬و القيام لم با‬
‫جع أمر الدنيا و الخرة ‪.‬‬
‫انتهى الوصف بمد ال و عونه ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف تفسي غريب هذا الديث و مشكله‬

‫قوله ‪ :‬الشذب ‪ ،‬أي البائن الطول ف نافة ‪ ،‬و هو مثل قوله ف الديث الخر ‪ :‬ليس بالطويل المغنط ‪.‬‬

‫ل ‪ ،‬ليس ببسط و ل جعد ‪.‬‬


‫و الشعر الرجل ‪ :‬الذي كأنه مشط فتكسر قلي ً‬
‫و العقيقة ‪ :‬شعر الرأس ‪ ،‬أراد إن انفرقت من ذات نفسها فرقها ‪ ،‬و إل تركها معقوصة ‪ .‬و يروى ‪:‬‬
‫عقيصته ‪.‬‬
‫و أزهر اللون ‪ :‬نيه ‪ .‬و قيل ‪ :‬أزهر ‪ :‬حسن ‪ .‬و منه زهرة الياة الدنيا ‪ ،‬أي زينتها ‪.‬‬
‫و هذا كما قال ف الديث الخر ‪ :‬ليس بالبيض المهق ‪ ،‬و ل بالدم ‪.‬‬
‫و المهق ‪ :‬هو الناصع البياض ‪ .‬و الدم ‪ :‬السر اللون ‪.‬‬
‫و مثله ف الديث الخر ‪ :‬أبيض مشرب ‪ ،‬أي فيه حرة ‪.‬‬
‫و الاجب الزج ‪ :‬القوس الطويل الوافر الشعر ‪.‬‬
‫و القن ‪ :‬السائل النف ‪ ،‬الرتفع وسطه ‪.‬‬
‫و الشم ‪ :‬الطويل قصبة النف ‪.‬‬
‫و القرن ‪ :‬اتصال شعر الاجبي ‪ .‬و ضده البلج ‪.‬‬
‫و وقع ف حديث أم معبد وصفه بالقرن ‪.‬‬
‫و الدعج ‪ :‬الشديد سواد الدقة ‪.‬‬
‫و ف الديث الخر ‪ ] 52 [ :‬أشكل العي ‪ ،‬و أسجر العي ‪ ،‬و هو الذي ف بياضها حرة ‪.‬‬
‫و الضليع ‪ :‬الواسع ‪.‬‬
‫و الشنب ‪ :‬رونق السنان ‪ ،‬و ماؤها ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬رقتها و تزيز فيها ‪ ،‬كما يوجد ف أسنان الشباب ‪.‬‬
‫و الفلج ‪ :‬فرق بي الثنايا ‪.‬‬
‫و دقيق السربة ‪ :‬خيط الشعر الذي بي الصدر و السرة ‪.‬‬
‫بادن ‪ :‬ذو لم متماسك ‪ ،‬معتدل اللق ‪ ،‬يسك بعضه بعضا ‪ ،‬مثل قوله تعال ف الديث الخر ‪ :‬ل‬
‫يكن بالطهم ‪ ،‬و ل بالكلثم ‪ ،‬أي ليس بسترخي اللحم ‪.‬‬
‫و الكلثم ‪ :‬القصي الذقن ‪.‬‬
‫و سواء البطن و الصدر ‪ ،‬أي مستويهما ‪.‬‬
‫و مشيح الصدر ‪ ،‬إن أصبحت هذه اللفظة فتكون من القبال ‪ ،‬و هو أحد معان [ أشاح ] ‪ ،‬أي أنه‬
‫كان بادي الصدر ‪ ،‬و ل يكن ف صدره قعس ‪ ،‬و هو تطامن فيه ‪ ،‬و به يتضح قوله قبل ‪ :‬سواء البطن و‬
‫الصدر ‪ ،‬أي ليس بتقاعس الصدر ‪ ،‬و ل مفاض البطن ‪.‬‬
‫و لعل اللفظة ‪ :‬مسيح ـ بالسي ‪ ،‬و فتح اليم ‪ ،‬بعن عريض ‪ ،‬كما وقع ف الرواية الخرى ‪ .‬و حكاه‬
‫ابن دريد ‪.‬‬
‫و الكراديس ‪ :‬رؤوس العظام ‪ ،‬و هو مثل قوله ف الديث الخر ‪ :‬جليل الشاش و الكتد ‪.‬‬
‫و الشاش ‪ :‬رؤوس الناكب ‪ .‬و الكتد ‪ :‬متمع الكتفي ‪.‬‬
‫و شثن الكفي و القدمي ‪ :‬ليمهما ‪.‬‬
‫و الزندان ‪ :‬عظما الذراعي ‪.‬‬
‫و سائل الطراف ‪ :‬أي طويل الصابع ‪.‬‬
‫و ذكر ابن النباري أنه روي سائل الطراف ‪ ،‬و قال ‪ :‬سائن ـ بالنون ‪ ،‬قال ‪ :‬و ها بعن ‪ ،‬تبدل‬
‫اللم من النون ‪ ،‬إن صحت الرواية با ‪.‬‬
‫و أما ف الرواية الخرى ‪ :‬و سائر الطراف ـ فإشارة إل فخامة جوارحه ‪ ،‬كما وقعت مفصلة ف‬
‫الديث ‪.‬‬
‫و رحب الراحة ‪ ،‬أي واسعها ‪ .‬و قيل ‪ :‬كن به عن سعة العطاء و الود ‪ .‬و خصمان الخصي ‪ :‬أي‬
‫متجاف أخص القدم ‪ ،‬و هو الوضع الذي ل تناله الرض من وسط القدم ‪.‬‬
‫مسيح ا لقدمي ‪ :‬أي أمسهما ‪ ،‬و لذا ‪ ،‬قال ‪ :‬ينبو عنهما الاء ‪.‬‬
‫و ف حديث أب هريرة خلف هذا ‪ ،‬قال فيه ‪ :‬إذا وطىء بقدمه وطىء بكلها ‪ ،‬ليس له أخص ‪.‬‬
‫و هذا يوافق معن قوله ‪ :‬مسيح القدمي ‪ ،‬و به قالوا ‪ :‬سي السيح [عيسى ] ابن مري أي إنه ل يكن له‬
‫أخص ‪.‬‬
‫و قيل مسيح ‪ :‬ل لم عليهما ‪.‬‬
‫وهذا أيضا يالف قوله ‪ :‬شئن القدمي ‪.‬‬
‫و التقلع ‪ :‬هو رفع الرجل بقوة ‪.‬‬
‫و التكفؤ ‪ :‬اليل ال سنن الشي ‪ ،‬و قصده ‪.‬‬
‫والون ‪:‬الرفق و الوقار ‪.‬‬
‫و الذريع ‪ :‬الواسع الطو ‪ ،‬أي إن مشية كان يرفع فيه رجليه بسرعة ‪ ،‬و يد خطوه ‪ ،‬خلف مشية‬
‫الختال ‪ ،‬و يقصد سته ‪ ،‬و كل ذلك برفق و تثبت دون عجلة ‪ ،‬كما قال ‪ :‬كأنا ينحط من صبب ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬يفتتح الكلم و يتمه بأشداقه ‪ :‬أي لسعه فمه ‪ .‬و العرب تتمادح بذا و تذم بصغر الفم ‪.‬‬
‫و أشاح ‪ :‬مال و أنقبض ‪.‬‬
‫و حب الغمام ‪ :‬ال برد ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬فيد ذلك بالاصة على العامة ‪ ،‬أي جعل من جزءنفسه ما يوصل الاصة إليه فتوصل عنه‬
‫للعامة ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬يعل منه للخاصة ‪ ،‬ث يبدلا ف جزء آخر بالعامة ‪.‬‬
‫و يدخلون روادا ‪ ،‬أي متاجي إليه و طالبي لا عنده ‪.‬‬
‫و ل يتفرقون إل عن ذواق ‪ :‬قيل ‪ :‬عن علم يتعلمونه ‪ ،‬و يشبه أن يكون على ظاهره أي ف الغالب و‬
‫الكثر ‪.‬‬
‫و العتاد ‪ :‬العدة ‪ ،‬و الشيء الاضر العد ‪.‬‬
‫و الوازنة ‪ :‬العاونة ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬ل يوطن الماكن ‪ ،‬أي ل يتخذ لصله موضعا معلوما ‪.‬‬
‫و قد [‪ ]53‬ورد نيه عن هذا مفسرا ف غي هذا الديث ‪.‬‬
‫و صابره ‪ :‬أي حبس نفسه على مايريد صاحبه ‪.‬‬
‫و ل تؤبن فيه الرم ‪ :‬أي ل يذكرن فيه بسوء ‪.‬‬
‫و ل تثن فلتاته ‪ :‬أي ل يتحدث با ‪ ،‬أي ام تكن فيه فلتة ‪،‬و إن كانت من أحد سترت ‪.‬‬
‫و يرفدون ‪ :‬يعينون ‪.‬‬
‫و السخاب ‪ :‬الكثي الصياح ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬و ل يقبل الثناء إل من مكافء ‪ .‬قيل مقتصد ف ثنائه و مدحه ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬إل من مسلم ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬إل مكافء ‪ .‬على يد سبقت من النب صلى ال عليه و سلم له ‪.‬‬
‫و يستفزه ‪ :‬يستخفه ‪.‬‬
‫و ف حديث أخر ف وصفه ‪ :‬منهوس العقب ‪ ،‬أي قليل لمها ‪.‬‬
‫و أهدب الشفار ‪:‬أي طويل شعرها ‪.‬‬
‫الباب الثالث‬
‫فيما ورد من صحيح الخبار و مشهورها ـ بعظيم قدره عند ربه و منلته ‪ ،‬و ما‬
‫خصه به ف الدارين من كرامته صلى ال عليه و سلم‬
‫ل خلف أنه أكرم البشر ‪ ،‬و سيد ولد آدم ‪ ،‬و أفضل الناس منلة عند ال و أعلهم درجة ‪ ،‬و اقربم‬
‫زلفى ‪.‬‬
‫و اعلم أن الحاديث الواردة ف ذلك كثية جدا ‪ ،‬و قد اقتصرنا منها على صحيحها و منتشرها و‬
‫حصرنا معان ما ورد منها ف اثن عشر فصلً ‪:‬‬

‫الفصل الول‬
‫فيما ورد من ذكر مكانته عند ربه ‪ ،‬و الصطفاء ‪ ،‬و رفعه الذكر ‪ ،‬و التفضيل و سيادة‬
‫ولد آدم ‪ ،‬و ما خصه به ف الدنيا من مزايا الرتب وبركة اسه الطيب‬

‫‪131‬‬
‫أخبنا الشيخ أبو ممد عبد ال بن أحد العدل إذنا بلقظه ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا أبو السن الفرغان ‪ ،‬حدستنا‬
‫أم القاسم بنت أب بكر بن يعقوب ‪ ،‬عن أبيها ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا حات ـ هو ابن عقيل ‪ ،‬عن يي ـ هو‬
‫ابن إساعيل ‪ ،‬عن يي المان ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا قيس ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن عباية بن ربعي ‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬إن ال قسم اللق قسمي ‪ ،‬فجعلن من خيهم قسما ‪،‬‬
‫فذلك قوله ‪ :‬أصحاب اليمي ‪ ،‬و أصحاب الشمال ‪ ،‬فأنا من أصحاب اليمي ‪ ،‬و أ نا خي أصحاب‬
‫اليمي ‪.‬‬
‫ث جعل القسمي أثلثا ‪ ،‬فجعلن ف خيها ثلثا ‪ ،‬و ذلك قوله تعال ‪ :‬فأصحاب اليمنة ‪ .‬و أصحاب‬
‫الشأمة ‪ ،‬و السابقون السابقون ‪ ،‬فأن من السابقون ‪ ،‬و أنا خي السابقي ‪ ،‬ث جعل الثلث قبائل ‪،‬‬
‫فجعلن من خيها قبيلة ‪ ،‬و ذلك قوله ‪ :‬وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند ال أتقاكم ‪.‬‬

‫فأنا أتقى ولد آدم و أكرمهم على ال و ل فخر ‪.‬‬


‫ث جعل القبائل بيوتا ‪ ،‬فجعلن من خيها بيتا ‪ ،‬فذلك قوله تعال ‪ :‬إنا يريد ال ليذهب عنكم الرجس‬
‫أهل البيت ويطهركم تطهيا [ سورة الحزاب ‪ ، 33 /‬الية ‪. ] 33 :‬‬
‫و عن أب سلمة ‪ ،‬عن أب هريرة ‪ ،‬قال ‪ :‬قالو ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬مت و جبت لك النبوة ؟‬
‫قال ‪ :‬و آدم بي الروح و السد ‪.‬‬
‫و عن واثلة بن السقع قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬إن ال اصطفى من ولد إبراهيم و‬
‫إساعيل ‪ .‬واصطفى من ولد إساعيل بن كنانة ‪ ،‬و اصطفى من بن كنانة قريشا ‪ ،‬و اصطفى من قريش‬
‫بن هاشم ‪ ،‬و اصطفان من بن هاشم ‪.‬‬
‫و من حديث أنس ‪ :‬أنا أكرم ولد آدم على رب و ل فخر ‪.‬‬
‫و ف حديث ابن عباس ‪ :‬أنا أكرم الولي و ال أخرين و ل فخر ‪.‬‬
‫و عن عائشة ‪ ،‬عنه عليه السلم ‪ :‬أتان جبيل ‪ ،‬فقال ‪:‬قلبت مشارق الرض و مغاربا فلم أر رجلً‬
‫أفضل من ممد ‪ ،‬و ل أر بن أب أفضل من بن هاشم ‪.‬‬
‫و عن أنس ‪ :‬أن النب صلى ال عليه و سلم أتى بالباق ليلة أسري به ‪ ،‬فاستصعب عليه ‪ ،‬فقال له جبيل‬
‫‪ :‬بحمد تفعل [‪ ] 54‬هذا ؟ فما ركبك أحد أكرم على ال منه ‪ ،‬فارفض عرقا‬
‫و عن ابن عباس ‪ ،‬عنه عليه السلم ‪ :‬لا خلق ال آدم أهبطن ف صلبه إل الرض ‪ ،‬و جعلن ف صلب‬
‫نوح ف السفينة ‪ ،‬و قذف ب ف النار ف صلب إبراهيم ‪ ،‬ث ل يزل ينقلن ف الصلب الكرية إل‬
‫الرحام الطاهرة حت أخرجن بي أبوي ل يلتقيا علىسفاح قط ‪.‬‬
‫و إل هذا أشار العباس بن الطلب رضي ال عنه بقوله ‪:‬‬
‫من قبلها طبت ف الظلل و ف مستودع حيث يصف الورق‬
‫أنت و ل مضغة و ل علق‬ ‫ث هبطت البلد ل بشر‬
‫بل نطفة تركب السفي و قد ألم نسرا و أهله الغرق‬
‫إذا مضى عال بدا طبق‬ ‫تنقل من صالب إل رحم‬
‫ف يعض النسخ أبيات أخر ‪ ،‬و هي قوله ‪:‬‬
‫خندف علياء تتها النطق‬ ‫حت احتوى بيتك الهي من‬
‫أرض و ضاءت بنورك الفق‬ ‫و أنت لا و لدت أشرقت ال‬
‫ور و سبل الرشاد نترق‬ ‫فنحن ف ذلك الضياء و ف الن‬
‫لعصمة النار و هي تترق‬ ‫يا برد نار الليل يا سببا‬
‫[ النطق ‪ :‬أوسط البال العالية ] ‪.‬‬
‫و روى عنه صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬أبو ذر ‪ ،‬و ابن عمر ‪ ،‬و ابن عباس ‪ ،‬و أبو هريرة ‪ ،‬و جابر ابن عبد‬
‫ال ـ أنه قال ‪ :‬أعطيت خسا ـ و ف بعضها ـ ستا ل يعطهن نب قبلي ‪ :‬نصرت بالرعب مسية‬
‫شهر ‪ ،‬و جعلت ل الرض مسجدا و طهورا ‪ ،‬و أيا رجل من أمت أدركته الصلة فليصل ‪ ،‬و أحلت‬
‫ل الغنائم ‪ ،‬و ل تل لنب قبلي ‪ ،‬و بعث إل الناس كافة ‪ ،‬و أعطيت الشفاعة ‪.‬‬
‫و ف رواية ـ بدل هذه الكلمة ‪ :‬و قيل ل ‪ :‬سل تعطه ‪.‬‬
‫و ف رواية أخرى ‪ :‬و عرض علي أمت فلم يف علي التابع من التبوع ‪.‬‬
‫و ف رواية ‪ :‬بعثت إل الحر و السود ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬السود ‪ :‬العرب ‪ ،‬لن الغالب على ألوانم الدمة ‪ ،‬فهم من السود ‪ .‬و المر ‪ :‬العجم ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬البيض و السود من المم ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬المر ‪ :‬النس ‪ .‬و السود ‪ :‬الن ‪.‬‬
‫و ف الديث الخر ـ عن أب هريرة ‪ :‬نصرت بالرعب ‪ ،‬و أتيت جوامع الكلم ‪ ،‬و بينا أنا نائ م إذا‬
‫جيء بفاتيح خزائن الرض فوضعت ف يدي ‪.‬‬
‫و ف رواية ـ عنه ‪ :‬و ختم ب النبيون ‪.‬‬
‫و عن عقبة بن عامر أنه قال ‪ :‬قال عليه السلم ‪ :‬إن فرط لكم ‪ ،‬و أنا شهيد عليكم ‪.‬‬
‫و إن و ال لنظر إل حوضي الن ‪ ،‬و إن قد أعطيت مفاتيح خزائن الرض ‪ .‬و إن ـ و ال ـ ما‬
‫أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ‪ ،‬و لكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها ‪.‬‬
‫و عن عبد ال بن عمرو أن رسول ال صلى ال عليه و سلم قال ‪ :‬أنا ممد النب المي ‪ ،‬ل نب بعدي ‪،‬‬
‫أوتيت جوامع الكلم و خواته ‪ ،‬و علمت خزنة النار و حلة العرش ‪.‬‬
‫و عن ابن عمر ‪ :‬بعثت بي يدي الساعة ‪.‬‬
‫و من رواية ابن وهب ـ أنه عليه السلم قال ‪ :‬قال ال تعال ‪ :‬سل يا ممد ‪ .‬فقلت ‪ :‬ما أسأل يا‬
‫رب ؟ اتذت إبراهيم خليلً ‪ ،‬و كلمت موسى تكليما ‪ ،‬و اصطفيت نوحا ‪ ،‬و أعطيت سليمان ملكا‬
‫ل ينبغي لحد من بعده ‪ ،‬فقال ال تعال ‪ :‬ما أعطيتك خي من ذلك ‪ ،‬أعطيتك الكوثر ‪ ،‬و جعلت‬
‫اسك مع اسي ‪ ،‬ينادى به ف جوف السماء ‪ ،‬و جعلت الرض طهورا لك ‪ ،‬ولمتك ‪ ،‬و غفرت لك‬
‫ما تقدم من ذنبك و ما تأخر ‪ ،‬فأنت تشي ف الناس مغفورا لك شفاعتك ‪ ،‬و ل أصنع ذلك لحد‬
‫قبلك ‪ ،‬و جعلت قلوب أمتك مصاحفها ‪ ،‬و خبأت لك شفاعتك ‪ ،‬و ل أخبأها لنب غيك ‪.‬‬
‫و ف حديث آخر ‪ :‬رواه حذيفة ‪ :‬بشرن ـ يعن ربه ‪ :‬أول من يدخل النة و معي من أمت [ ‪] 55‬‬
‫سبعون ألفا ‪ ،‬مع كل ألف سبعون ألفا ليس عليهم حساب ‪ ،‬و أعطان أل توع أمت و ل تغلب ‪ ،‬و‬
‫أعطان النصر و العزة و الرعب يسعى بي يدي أمت شهرا ‪ ،‬و طيب ل و لمت الغان ‪ ،‬و أحل لنا‬
‫كثيا ما شدد على من قبلنا ‪ ،‬و ل يعل علينا ف الدين من حرج ‪.‬‬
‫و عن أب هريرة ‪ ،‬عنه عليه السلم ‪ :‬ما من نب من النبياء إل و قد أعطي من اليات ما مثله آمن عليه‬
‫البشر ‪ ،‬و إنا كان الذي أوتيت و حيا أوحى ال إل ‪ ،‬فأرجوا أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة ‪.‬‬
‫معن هذا عند الحققي بقاء معجزته ما بقيت الدنيا ‪ ،‬و سائر معجزات النبياء ذهبت للحي ‪ ،‬و ل‬
‫يشاهدها إل الاضر لا ‪ ،‬و معجزة القرآن يقف عليها قرن بعد قرن عيانا ل خبا إل القيامة ‪.‬‬
‫و فيه كلم يطول هذا نبته ‪ .‬و قد بسطنا القول فيه ‪ ،‬و فيما ذكر فيه سوى هذا آخر باب العجزات ‪.‬‬
‫و عن علي رضي ال عنه ‪ :‬كل نب أعطي سبعة نباء ‪ ،‬و أعطي نبيكم صلى ال عليه و سلم أربعة عشر‬
‫نيبا ‪ ،‬م نم أبو بكر ‪ ،‬و عمر ‪ ،‬و ابن مسعود ‪ ،‬و عمار ‪.‬‬
‫و قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬إن ال قد حبس عن مكة الفيل ‪ ،‬و سلط عليها رسوله و الؤمني ‪ ،‬و إنا‬
‫ل تل لحد بعدي ‪ ،‬و إنا أحلت ل ساعة من نار ‪.‬‬
‫و عن العرباض بن سارية ‪ :‬سعت رسول ال صلى ال عليه و سلم يقول ‪ :‬إن عبد ال و خات النبيي ‪،‬‬
‫و إن آدم لنجدل ف طينته ‪ ،‬و عدة أب إبراهيم ‪ ،‬و بشارة عيسى بن مري ‪.‬‬
‫و عن ابن عباس ‪ ،‬قال ‪ :‬إن ال فضل ممدا صلى ال عليه و سلم على أهل السماء ‪ ،‬و على النبياء‬
‫صلوات ال عليهم ‪ ،‬قالوا ‪ :‬فما فضله على أهل السماء ؟ قال ‪ :‬إن ال تعال قال لهل السماء ‪ :‬ومن‬
‫يقل منهم إن إله من دونه فذلك نزيه جهنم كذلك نزي الظالي [ سورة النبياء ‪ ، 21 /‬الية ‪:‬‬
‫‪. ] 29‬‬
‫و قال لحمد صلى ال عليه و سلم ‪ :‬إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك ال ما تقدم من ذنبك وما‬
‫تأخر [ سورة الفتح ‪ ، 48 /‬الية ‪. ] 1،2 :‬‬
‫قالوا ‪ :‬فما فضله على النبياء ؟ قال ‪ :‬إن ال تعال قال وما أرسلنا من رسول إل بلسان قومه [ سورة‬
‫إبراهيم ‪ ، 14/‬الية ‪. ] 4 :‬‬
‫و قال لحمد ‪ :‬وما أرسلناك إل كافة للناس [ سورة سبأ ‪ ، 34/‬الية ‪. ] 28 :‬‬
‫و عن خالد بن معدان أن نفرا من أصحاب رسول ال صلى ال عليه و سلم قالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪،‬‬
‫أخبنا عن نفسك ‪.‬‬
‫و قد روى نوه عن أب ذر ‪ ،‬و شداد بن أوس ‪ ،‬و أنس بن مالك ‪ ،‬فقال ‪ :‬نعم ‪ ،‬أنا دعوة أب إبراهيم‬
‫ـ يعن قوله ‪ :‬ربنا وابعث فيهم رسول منهم ‪ .‬و بشرى عيسى ‪ .‬و رأت أمي حي حلت ب أنه خرج‬
‫منها نور أضاء له قصور بصرى من أرض الشام ‪ ،‬و استرضعت ف بن سعد بن بكر ‪ ،‬فبينا أنا مع أخ ل‬
‫خلف بيوتنا نرعى بما لنا إذا جاءن رجلن عليهما ثياب بيض ‪.‬‬
‫و ف حديث آخر ‪ :‬ثلثة رجال بطست من ذهب ملوءة ثلجا ‪ ،‬و أخذان فشقا بطن ‪.‬‬
‫قال ف غي هذا الديث ‪ :‬من نري إل مراق بطن ‪ ،‬ث استخرجا منه قلب ‪ ،‬فشقاه ‪ ،‬فاستخرجا منه‬
‫علقة سوداء فطرحاها ‪ ،‬ث غسل قلب و بطن بذلك الثلج حت أنفياه ‪.‬‬
‫قال ف حديث آخر ‪ :‬ث تناول أحدها شيئا فإذا بات ف يده من نور يار الناظر دونه ‪ ،‬فختم به قلب ‪،‬‬
‫فامتل إيانا و حكمة ‪ ،‬ث أعاده مكانه ‪ ،‬و أمر الخر يده على مفرق صدري فالتأم ‪.‬‬
‫و ف رواية ‪ :‬إن جبيل قال ‪ :‬قلب و كيع ‪ ،‬أي سديد ‪ ،‬فيه عينان تبصران ‪ ،‬و أذنان سيعتان ‪ ،‬ث قال‬
‫أحدها [‪ ] 51‬لصاحبه ‪ :‬زنه بعشرة من أمته ‪ ،‬فوزنن فرجحتهم ‪ ،‬ث قال ‪ :‬زنه بائة من أمته ‪ ،‬فوزنن‬
‫بم فوزنتهم ‪ ،‬ث قال ‪ :‬زنه بألف من أمته ‪ ،‬فوزنن بم فوزنتهم ‪ ،‬ث قال ‪ :‬دعه عنك ‪ ،‬فلو وزنته بأمته‬
‫لوزنا ‪.‬‬
‫قال ف الديث الخر ‪ :‬ث ضمون إل صدورهم ‪ ،‬و قبلوا رأسي ‪ ،‬و ما بي عين ‪ ،‬ث قالوا ‪ :‬يا‬
‫حبيب ‪ ،‬ل ترع ‪ ،‬إنك لو تدري ما يراد بك من الي لقرت عيناك ‪.‬‬
‫و ف بقية هذا الديث من قولم ‪ :‬ما أكرمك على ال ! إن ال معك و ملئكته ‪.‬‬
‫قال ف حديث أب ذر ‪ [ :‬فما هو إل أن و ليا عن ‪ ،‬فكأنا أرى المر معاينة ] ‪.‬‬
‫و حكى أبو ممد مكي ‪ ،‬و أبو الليث السمر قندي و غيها ـ أن آدم عند معصيته قال ‪ [ :‬اللهم بق‬
‫ممد اغفر ل خطيئت ] ‪.‬‬
‫و يروى ‪ :‬تقبل توبت ‪ .‬فقال له ال ‪ [ :‬من أين عرفت ممدا ؟ فقال ‪ :‬رأيت ف كل موضع من النة‬
‫مكتوبا ‪ :‬ل إله إل ال ‪ ،‬ممد رسول ال ] ‪.‬‬
‫و يروى ‪ :‬ممد عبدي و رسول ‪ ،‬فعلمت أنه اكرم خلقك عليك ‪ ،‬فتاب ال عليه ‪ ،‬و غفر له ‪.‬‬
‫و هذا عند قائله تأويل قوله تعال ‪ :‬فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ‪.‬‬
‫و ف رواية الجري قال ‪ :‬فقال آدم ‪ ،‬لا خلقتن ر فعت رأسي إل عرشك فإذا فيه مكتوب ‪ :‬ل إله إل‬
‫ال ممد رسول ال ‪ ،‬فعلمت أنه ليس أحد أعظم قدرا عندك من جعلت اسه مع اسك ‪ ،‬فأوحى ال‬
‫إليه ‪ :‬و عزت و جلل ‪ ،‬إنه لخر النبي من ذريتك و لوله ما خلقتك ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬و كان آدم يكن بأب ممد ‪ ،‬و قيل بأب البشر ‪.‬‬
‫و روي عن سريج بن يونس أنه قال ‪ :‬إن ل ملئكة سياحي عيادتا كل دار فيها أحد ‪ ،‬أو ممد ‪،‬‬
‫إكراما منهم لحمد صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و روى ابن قانع القاضي ‪ ،‬عن أب المراء قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬لا أسري ب إل‬
‫السماء إذا على العرش مكتوب ‪ :‬ل إله إل ال ‪ ،‬ممد رسول ال ‪ ،‬أيدته بعلي ‪.‬‬
‫وف التفسي ‪ ،‬عن ابن عباس ـ ف قوله تعال ‪ :‬وكان تته كن لما ـ ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬لوح من ذهب فيه مكتوب ‪ :‬عجبا لن أيقن بالقدر كيف ينصب ! عجبا لن أيقن بالنار كيف‬
‫يضحك ! عجبا لن رأى الدنيا و تقبلها بأهلها كيف يطمئن إليها ! أنا ال ‪ ،‬ل إله إل أنا ‪ ،‬ممد عبدي‬
‫و رسول ‪.‬‬
‫و عن ابن عباس ‪ :‬على باب النة مكتوب ‪ :‬إن أنا ال ‪ ،‬ل إله إل أنا ‪ ،‬ممد رسول ال ‪ ،‬ل أعذب من‬
‫قالا ‪.‬‬
‫و ذكر أنه وجد على الجارة القدي مة مكتوب ‪ :‬ممد تقي مصلح ‪ ،‬و سيد أمي ‪.‬‬
‫و ذكر السمنطاري أنه شاهد ف بعض بلد خراسان مولودا ولد على أحد جنبيه مكتوب ‪ :‬ل إله إل ال‬
‫‪ ،‬و على الخر ‪ :‬ال رسول ال ‪.‬‬
‫و ذكر الخباريون أن ببلد الند وردا أحر مكتوبا عليه بالبيض ‪ :‬ل إله إل ال ‪ ،‬ممد رسول ال ‪.‬‬
‫و روي عن جعفر بن ممد ‪ ،‬عن أبيه ‪ :‬إذا كان يوم القيامة نادى مناد ‪ :‬أل ليقم من اسه ممد ‪،‬‬
‫فليدخل النة لكرامة اسه عليه السلم ‪.‬‬
‫و روى أبن القاسم ف ساعه ‪ ،‬و ابن وهب ف جامعه ‪ ،‬عن مالك ‪ :‬سعت أهل مكة يقولون ‪ :‬ما من‬
‫بيت فيه اسم ممد إل قد وقوا ‪.‬‬
‫و عنه عليه السلم ‪ :‬ما ضر أحدكم أن يكون ف بيته ممد و ممدان و ثلثة ‪.‬‬
‫و عن عبد ال بن مسعود ‪ :‬إن ال نظر إل قلوب العباد ‪ ،‬و اختار منها قلب ممد عليه السلم ‪،‬‬
‫فاصطفاه لنفسه ‪ ،‬فبعثه برسالته ‪.‬‬
‫و حكى النقاش أن النب صلى ال عليه و سلم لا نزلت ‪ :‬وما كان لكم أن تؤذوا رسول ال ول أن‬
‫تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند ال عظيما ـ قام خطيبا ‪ ،‬فقال يا معشر أهل اليان ‪،‬‬
‫إن ال تعال فضلن عليكم تفضيل ‪ ،‬و فضل نسائي علىنسائكم تفضي ل ‪ ...‬الديث ‪.‬‬
‫فصل‬
‫ف تفضيله با تضمنته كرامة السراء من الناجاة و الرؤية‬
‫و من خصائصه ـ عليه السلم قصة السراء و ما انطوت عليه من درجات الرفعة ما نبه عليه الكتاب‬
‫العزيز ‪ ،‬و شرحته صحاح الخبار ‪ ،‬قال ال تعال سبحان الذي أسرى بعبده ليل من السجد الرام إل‬
‫السجد القصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصي [ سورة السراء ‪ ، 17 /‬الية ‪. ] 1 :‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الوى * إن هو إل وحي‬
‫يوحى * علمه شديد القوى * ذو مرة فاستوى * وهو بالفق العلى * ث دنا فتدل * فكان قاب قوسي‬
‫أو أدن * فأوحى إل عبده ما أوحى * ما كذب الفؤاد ما رأى * أفتمارونه على ما يرى * ولقد رآه‬
‫نزلة أخرى * عند سدرة النتهى * عندها جنة الأوى * إذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما‬
‫طغى * لقد رأى من آيات ربه الكبى [ سورة النجم ‪ ، 53 /‬الية ‪. ] 18 ، 1 :‬‬
‫فل خلف بي السلمي ف صحة السراء به عليه السلم ‪ ،‬إذ هو نص القرآن ‪ ،‬و جاءت بتفصيله ‪ ،‬و‬
‫شرح عجائبه ‪ ،‬و خواص نبينا ممد عليه السلم فيه أحاديث كثية منتشرة ـ رأينا أن نقدم أكملها ‪ ،‬و‬
‫نشي إل زيادة م ن غيه يب ذكرها ‪:‬‬
‫حدثنا القاضي الشهيد أبو علي ‪ ،‬و الفقيه أبو بربسماعي عليهما ‪ ،‬والقاضي أبو عبد ال التميمي ‪ ،‬و‬
‫غي واحد من شيوخنا ‪ ،‬قالوا ‪ :‬حدثنا أبو العباس العذري ‪ [ ،‬قالوا ] ‪ :‬حدثنا أبو العباس الرازي ‪،‬‬
‫حدثنا أبو أحد اللودي ‪ ،‬حدثنا ابن سفيان ‪ ،‬حدثنا مسلم بن الجاج حدثنا شيبان بن فروخ ‪ ،‬حدثنا‬
‫حاد بن سلمة ‪ ،‬حدثنا ثابت البنان ‪ ،‬عن أنس بن مالك رضي ال عنه ـ أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫و سلم قال ‪ :‬أتيت بالباق ‪ ،‬و هو دابة أبيض طويل ‪ ،‬فوق المار ‪ ،‬ودون البغل ‪ ،‬يضع حافره عند‬
‫منتهى طرفه ـ قال ‪ :‬فركبته حت أتيت بيت القدس ‪ ،‬فربطته باللقة الت يربط با النبياء ‪ ،‬ث دخلت‬
‫السجد فصليت فيه ركعتي ‪ ،‬ث خرجت ‪ ،‬فجاءن جبيل بإناء من خر و إناء من لب ‪ ،‬فاخترت‬
‫اللب ‪ ،‬فقال جبيل ‪ :‬اخترت الفطرة ‪.‬‬
‫ث عرج بنا إل السماء ‪ ،‬فاستفتح جبيل ‪ ،‬فقيل ‪ :‬من أنت ؟ قال جبيل ‪ .‬قيل ‪ :‬و من معك ؟ قال ‪ :‬و‬
‫من معك ؟ قال ممد ‪ .‬قيل ‪ :‬و قد بعث إليه ؟ قال ‪ :‬قد بعث إليه ‪ ،‬ففتح لنا ‪ ،‬فإذا أنا بآدم صلى ال‬
‫عليه و سلم ‪ ،‬فرحب ب ‪ ،‬ودعا ل بي ‪.‬‬
‫ث عرج بنا إل السماء الثانية ‪ ،‬فاستفتح جبيل ‪ ،‬فقيل ‪ :‬من أنت ‪ :‬قال ‪ :‬جبيل ‪ .‬قيل ‪ :‬و من معك ؟‬
‫قال ‪ :‬ممد ‪ .‬قيل ‪ :‬و قد بعث إليه ؟ قال ‪ :‬قد بعث إليه ‪ .‬ففتح لنا ‪ ،‬فإذا أنا بابن الالة ‪ :‬عيسى ابن‬
‫مري ‪ ،‬و يي بن زكريا صلى ال عليهما ‪ ،‬فرحبا ب ‪ ،‬ودعوا ل بي ‪.‬‬
‫ث عرج بنا إل السماء الثالثة ‪ ،‬فذكر مثل الول ‪ ،‬ففتح لنا ‪،‬فإذا أنا بيوسف صلى ال عليه و سلم وإذا‬
‫هو قد أعطى شطر السن ‪ ،‬فرحب ب ‪ ،‬ودعا ل بي ‪.‬‬
‫ث عرج إل السماء الرابعة ‪ ،‬و ذكر مثله ‪ ،‬فإذا أنا بإدريس ‪ ،‬فرحب ب ودعا ل بي ‪ ،‬قال ال تعال ‪:‬‬
‫ورفعناه مكانا عليا [ سورة مري ‪ ، 19 /‬الية ‪] 57 :‬‬
‫ث عرج بنا إل السماء الامسة فذكر مثله ‪ ،‬فإذا أنا بارون ‪ ،‬فرحب ب ‪ ،‬ودعا ل بي ‪.‬‬
‫ث عرج بنا إل السماء السادسة ‪ ،‬فذكر مثله ‪ ،‬فإذا أنا بوسى ‪ ،‬فرحب ب ‪ ،‬ودعا ل بي ‪.‬‬
‫ث عرج بنا إلىالسماء السابعة ‪،‬فذكر مثله ‪،‬فإذا أنا إبراهيم مسندا ظهره إل البيت العمور ‪ ،‬وإذا هو‬
‫يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ‪ ،‬ل يعودون إليه ‪ .‬ث ذهب ب إل سدرة النتهى ‪ ،‬و إذا ورقها كآذان‬
‫الفيلة ‪ ،‬و إذا ثرها كالقلل ‪ ،‬قال ‪ :‬فلما غشيها من أمر ال غشي تغيت ‪ ،‬فما [‪ ]58‬أحد من خلق‬
‫ال يستطيع أن ينعتها من حسنها ‪ ،‬فأوحى ال إل ما أوحى ‪ ،‬ففرض علي خسي صلة ف كل يوم و‬
‫ليلة ‪ ،‬فنلت إلىموس ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت خسي صلة ‪ .‬قال ‪ :‬ارجع إل ربك‬
‫فاسأله التخفيف ‪ ،‬فإن أمتك ل يطيقون ذلك ‪ ،‬فإن قد بلوت بن إسائيل و خبتم ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فرجعت إل رب ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا رب ‪ ،‬خفف عن أمت ‪ .‬فحط عن خسا ‪ ،‬فرجعت إل موسى ‪،‬‬
‫فقلت ‪ :‬حط عن خسا ‪ ،‬قال ‪ :‬إن أمتك ل يطيقون ذلك ‪ ،‬فارجع إل ربك فاسأله التخفيف ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فلم أزل أرجع بي رب تعال و بي موسى حت قال ‪ :‬يا ممد ‪ ،‬إنم خس صلوات كل يوم و ليلة لكل‬
‫صلة عشر ‪ ،‬فتلك خسون صلة ‪ ،‬و من هم بسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ‪ ،‬فإن عملها كتبت له‬
‫عشرا و من هم بسيئة فلم يعملها ل تكتب شيئا فإن عملها كتبت سيئة واحدة ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فنلت حت إنتهيت إل موسى ‪ ،‬فأخبته ‪ ،‬فقال ‪ :‬ارجع إل ربك فاسأله التخفيف ‪.‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬فقلت ‪ :‬قد رجعت إل رب حت استحييت منه ‪.‬‬
‫قال القاضي رضي ال عنه ‪ :‬جود ثابت رضي ال عنه هذا الديث عن أنس ما شاء ‪ ،‬و ل يأت أحد‬
‫عنه بأصوب من هذا ‪.‬‬
‫و قد خلط فيه غيه عن أنس تليطا كثيا ‪ ،‬ل سيما من رواية شريك بن أب نر ‪ ،‬فقد ذكر ف أوله‬
‫ميء اللك له ‪ ،‬و شق بطنه ‪ ،‬و غسله باء زمزم ‪ ،‬و هذا إنا كان و هو صب ‪ ،‬و قبل الوحي ‪.‬‬
‫و قد قال شريك ف حديثه ‪ :‬و ذلك قبل أن يوحي إليه ‪ ،‬و ذكر قصة السراء ‪ .‬و ل خلف أنا كانت‬
‫بعد الوحي ‪.‬‬
‫و قد قال غي واحد ‪ :‬إنا كانت قبل الجرة بسنة ‪ ،‬و قيل ‪ :‬قبل هذا ‪.‬‬
‫و قد روى ثابت عن أنس ‪ ،‬من رواية حاد بن سلمة أيضا ميء جبيل إل النب صلى ال عليه و سلم و‬
‫هو يلعب مع الغلمان عند ظئره ‪ ،‬و شقه قلبه ـ تلك القصة مفردة من حديث السراء كما رواه‬
‫الناس ‪ ،‬فجود ف القصتي ‪ ،‬و ف أن السراء إل بيت القدس و إل سدرة النتهى كان قصة واحدة ‪ ،‬و‬
‫أنه وصل إل بيت القدس ‪ ،‬ث عرج به من هناك ‪ ،‬فأزاح كل أشكال أوهه غيه ‪.‬‬
‫وقد روى يونس ‪ ،‬عن ابن شهاب ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬قال ‪ :‬كان أبو ذر يدث أن رسول ال صلى ال عليه و‬
‫سلم ‪ ،‬قال ‪ :‬فرج سقف بيت ‪ ،‬و أنا بكة ‪ ،‬فنل جبيل ‪ ،‬ففرج صدري ‪ ،‬ث غسله من ماء زمزم ‪ ،‬ث‬
‫جاء بطست من ذهب متلئ حكمة و إيانا ‪ ،‬فأفرغها من صدري ‪ ،‬ث أطبقه ‪ ،‬ث أخذ بيدي فعرج بنا‬
‫إل السماء ‪ . . .‬فذكر القصة ‪.‬‬
‫و روى قتادة الديث ‪ ،‬بثله ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬عن مالك بن صعصعة ‪ ،‬و فيها تقدي‬
‫و تأخي ونقص ‪ ،‬و خلف ف ترتيب النبياء ف السموات ‪.‬‬
‫و حديث ثابت ‪ ،‬عن أنس ـ أتقن و أجود ‪.‬‬
‫و قد وقعت ف حديث السراء ‪ ،‬زيادات نذكر منها نكتا مفيدة ف عرضنا ‪:‬‬
‫منها حديث ابن شهاب ‪ ،‬و فيه ‪ :‬قول ‪ :‬كل نب له ‪ :‬مرحبا بالنب الصال ‪ ،‬و الخ الصال ‪،‬‬
‫إل آدم و إبراهيم فقال له ‪ :‬و البن الصال ‪.‬‬
‫و فيه ـ من طريق ابن عباس ‪ :‬ث عرج ب حت ظهرت بستوى أسع فيه صريف القلم ‪.‬‬
‫و عن أنس ‪ :‬ث انطلق ب حت أتيت سدرة النتهى ‪ ،‬فغشيها ألوان ل أدري ما هي ؟ قال ‪ :‬ث أدخلت‬
‫النة ‪.‬‬
‫و ف حديث مالك بن صعصعة ‪ :‬فلما جاوزته ـ يعن [ ‪ ] 59‬موسى ـ بكى ‪ ،‬فنودي ‪ :‬ما يبكيك ؟‬
‫قال ‪ :‬رب ‪ ،‬هذا غلم بعثته بعدي يدخل من أمته النة أكثر ما يدخل من أمت ‪.‬‬
‫و ف حديث أب هريرة رضي ال عنه ‪ :‬و قد رأيتن ف جاعة من النبياء ‪ ،‬فحانت الصلة ‪ ،‬فأمتهم ‪،‬‬
‫فقال قائل ‪ :‬يا ممد ‪ ،‬هذا مالك خازن النار ‪ ،‬فسلم عليه ‪ .‬فالتفت فبدأن بالسلم ‪.‬‬
‫و ف حديث أب هريرة ‪ :‬ث سار حت أتى إل بيت القدس ‪ ،‬فنل فربط فرسه إل صخرة ‪ ،‬فصلى مع‬
‫اللئكة ‪ ،‬فلما قضيت الصلة قالوا ‪ :‬يا جبيل ‪ ،‬من هذا معك ؟ قال ‪ :‬هذا ممد رسول ال خات النبي‬
‫‪ :‬قالوا ‪ :‬و قد أرسل إليه ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ .‬قالوا ‪ :‬حياه ال من أخ و خليفة ‪ ،‬فنعم الخ و نعم الليفة ! ث‬
‫لقوا أرواح النبياء فأثنوا على ربم ‪ ،‬و ذكر كلم كل واحد منهم ‪ ،‬و هم إبراهيم ‪ ،‬و موسى و‬
‫عيسى ‪ ،‬و داود ‪ ،‬و سليمان ‪.‬‬
‫ث ذكر كلم النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬و إن ممدا صلى ال عليه و سلم أثن على ربه عز‬
‫وجل فقال ‪ :‬كلكم أثن على ربه ‪ ،‬و أنا أثن على رب ‪ .‬المد ل الذي أرسلن رحة للعالي ‪ ،‬و كافة‬
‫للناس بشيا و نذيرا ‪ ،‬و أنزل علي الفرقان فيه تبيان كل شيء ‪ .‬و جعل أمت خي أمة ‪ ،‬و جعل أمت‬
‫أمة وسطا ‪ ،‬و جعل أمت هم الولون ‪ ،‬و هم الخرون ‪ ،‬و شرح ل صدري ‪ ،‬و وضع عن وزري ‪ ،‬و‬
‫رفع ل ذكري ‪ ،‬و جعلن فاتا و خاتا ‪.‬‬
‫فقال إبراهيم ‪ :‬بذا فضلكم ممد ‪.‬‬
‫ث ذكر أنه عرج به إل السماء الدنيا ‪ ،‬و من ساء إل ساء ‪ ،‬نو ما تقدم ‪.‬‬
‫و ف حديث ابن مسعود ‪ :‬و انتهي ب إل سدرة النتهى ‪ ،‬و هي ف السماء السادسة ‪ ،‬إليها ينتهي ما‬
‫يعرج به من الرض فيقبض منها ‪ ،‬و إليها ينتهي ما يهبط من فوقها فيقبض منها ‪ ،‬قال ‪ :‬إذ يغشى‬
‫السدرة ما يغشى ‪ ،‬قال ‪ :‬فراش من ذهب ‪.‬‬
‫و ف رواية أب هريرة ‪ ،‬من طريق الربيع بن أنس ‪ .‬فقيل ل ‪ :‬هذه السدرة النتهى ينتهي إليها كل أحد‬
‫من أمتك خل على سبيلك ‪ ،‬و هي السدرة النتهى ‪ ،‬يرج من أصلها أنار من ماء غي آسن ‪ ،‬و أنار‬
‫من لب ل يتغي طعمه ‪ ،‬و أنار من خر لذة للشاربي ‪ ،‬و أنار من عسل مصفى ‪ ،‬و هي شجرة يسي‬
‫الراكب ف ظلها سبعي عاما ‪ ،‬و إن ورقة منها مظلة اللق ‪ ،‬فغشيها نور ‪ ،‬و غشيتها اللئكة ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فهو قوله ‪ :‬إذ يغشى السدرة ما يغشى [ سورة النجم ‪ ، 53 /‬الية ‪. ] 16 :‬‬
‫فقال ال تبارك و تعال له ‪ :‬سل ‪ .‬فقال ‪ :‬إنك اتذت إبراهيم خليلً و أعطيته ملكا عظيما ‪ .‬و كلمت‬
‫موسى تكليما ‪ ،‬و أعطيت داود ملكا عظيما ‪ ،‬و ألنت له الديد و سخرت له البال و أعطيت‬
‫سليمان ملكا عظيما ‪ ،‬و سخرت له الن و النس و الشياطي و الرياح ‪ ،‬و أعطيته ملكا ل ينبغي‬
‫لحد من بعده ‪ ،‬و علمت موسى التوراة و النيل ‪ ،‬و جعلته يبيء الكمه و البرص ‪ ،‬و أعذته و أمه‬
‫من الشيطان الرجيم ‪ ،‬فلم يكن له عليهما سبيل ‪.‬‬
‫ل ‪ .‬فهو مكتوب ف التوراة ‪ :‬ممد حبيب الرحن ‪ ،‬و أرسلتك إل‬ ‫فقال له ربه تعال ‪ :‬قد اتذتك خلي ً‬
‫الناس كافة ‪ ،‬و ج علت أمتك هم الولون ‪ ،‬و هم الخرون ‪ ،‬و جعلت أمتك ل توز لم خطبة حت‬
‫يشهدوا أنك عبدي و رسول ‪ ،‬و جعلتك أول النبيي خلقا ‪ ،‬و آخرهم بعثا ‪ ،‬و أعطيتك سبعا من‬
‫الثان ‪ ،‬و ل أعطيها نبيا قبلك ‪ ،‬و أعطيتك خواتيم سورة البقرة من كن تت عرشي ل أعطيها نبيا‬
‫قبلك [ ‪ ، ] 60‬و جعلتك فاتا و خاتا ‪.‬‬
‫و ف الرواية الخرى قال ‪ :‬فأعطي رسول ال صلى ال عليه و سلم ثلثا ‪ :‬أعطي الصلوات المس ‪ ،‬و‬
‫أعطي خواتيم سورة البقرة ‪ ،‬و غفر لن ل يشرك بال شيئا من أمته القمحات ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬ما كذب الفؤاد ما رأى * أفتمارونه على ما يرى ‪ :‬رأى جبيل ف صورته له ستمائة جناح ‪.‬‬
‫و ف حديث شريك أنه رأى موسى ف السابعة ـ قال ‪ :‬بتفضيل كلم ال ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ث عل به فوق ذلك با ل يعلمه إل ال ‪ ،‬فقال موسى ‪ :‬ل أظن أن يرفع علي أحد ‪.‬‬
‫و قد روي عن أنس أنه صلى ال عليه و سلم صلى بالنبياء ببيت القدس ‪.‬‬
‫[ و عن أنس رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬بينما أنا قاعد ذات يوم إذ‬
‫دخل جبيل ‪ ،‬فوكز بي كتفي ‪ ،‬فقمت إل شجرة فيها مثل وكري الطائر ‪ ،‬فقعد ف واحدة و قعدت‬
‫ف الخرى ‪ ،‬فنمت حت سدت ال خافقي ‪ .‬و لو شئت لست السماء ‪ ،‬و أنا أقلب طرف ‪ ،‬و نظرت‬
‫جبيل كأنه حلس لطيء فعرفت فضل علمه بال علي ‪ ،‬و فتح ل باب السماء ‪ ،‬و رأيت النور العظم‬
‫‪ ،‬ولط دون الجاب ‪ ،‬و فرجه الدر و الياقوت ‪.‬‬
‫ث أوحى ال إل ما شاء أن يوحي ] ‪.‬‬
‫و ذكر البزار عن علي بن أب طالب رضي ال عنه ‪ [ :‬لا أراد ال تعال أن يعلم رسوله الذان جاء‬
‫جبيل بدابة يقال لا الباق ‪ ،‬فذهب يركبها ‪ ،‬فاستضعفت عليه ‪ ،‬فقال لا جبيل ‪ :‬اسكن ‪ ،‬فو ال ما‬
‫ركبك عبد أكرم على ال من ممد صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فركبها حت أتى إل الجاب الذي يلي‬
‫الرحن تعال ‪ ،‬فبينما هو كذلك إذ خرج ملك من الجاب ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬يا‬
‫جبيل ‪ ،‬من هذا ؟‬
‫قال ‪ :‬و الذي بعثك بالق ‪ ،‬إن لقرب اللق مكانا ‪ ،‬و إن هذا اللك ما رأيته منذ خلقت قبل ساعت‬
‫هذه ‪ .‬فقال اللك ‪ :‬ال أكب ‪ .‬ال أكب ‪ .‬فقيل له من وراء الجاب ‪ :‬صدق عبدي ‪ ،‬أنا أكب ‪ .‬أنا أكب‬
‫‪.‬‬
‫ث قال اللك ‪ :‬أشهد أن ل إله إل ال ‪ .‬فقيل له من وراء الجاب ‪ :‬صدق عبدي ‪ ،‬أنا ال ل إله إل أنا ‪.‬‬

‫و ذكر مثل هذا ف بقية الذان ‪ ،‬إل أنه ل يذكر جوابا عن قوله ‪ :‬حي على الصلة ‪ ،‬حي على الفلح ‪.‬‬

‫و قال ‪ [ :‬ث أخذ اللك بيد ممد ‪ ،‬فقدمه ‪ ،‬فأم أهل السماء ‪ ،‬فيهم آدم و نوح ] ‪.‬‬
‫قال أبو جعفر ممد بن علي بن السي ‪ ،‬راويه ‪ :‬أكمل ال تعال لحمد صلى ال عليه و سلم الشرف‬
‫على أهل السموات و الرض ‪.‬‬
‫قال القاضي ـ رضي ال عنه ‪ :‬ما ف هذا الديث من ذكر الجاب فهو ف حق الخلوق ل ف حق‬
‫الالق ‪ ،‬فهم الحجوبون ‪ ،‬و الباري جل اسه منه عما يجبه ‪ ،‬إذ الجب إنا تيط بقدر مسوس ‪ .‬و‬
‫لكن حجبه على أبصار خلقه و بصائرهم و إدراكاتم با شاء و كيف شاء ‪ ،‬و مت شاء ‪ ،‬كقوله تعال‬
‫‪ :‬كل إنم عن ربم يومئذ لحجوبون [ سورة الطففي ‪ ، 83 /‬الية ‪. ] 15 :‬‬
‫فقوله ف هذا الديث ‪ :‬الجاب ‪ ،‬و إذ خرج ملك من الجاب ـ يب أن يقال ‪ :‬إنه حجاب حجب‬
‫به من وراءه من ملئكته عن الطلع على ما دونه من سلطانه و عظمته ‪ ،‬و عجائب ملكوته و جبوته‬
‫‪.‬‬
‫و يدل عليه من الديث قول جبيل ـ عن اللك الذي خرج من ورائه ‪ :‬إن هذا اللك ما رأيته منذ‬
‫خلقت فبل ساعت هذه ‪.‬‬
‫فدل على أن هذا الجاب ل يتص بالذات ‪.‬‬
‫و يدل عليه قول كعب ف تفسي ‪ :‬سدرة النتهى قال ‪ :‬إليها ينتهي علم اللئ كة ‪ ،‬و عندها يدون أمر‬
‫ال ‪ ،‬ل ياوزها علمهم ‪.‬‬
‫و أما قوله ‪ :‬الذي بلي الرحن فيحمل على حذف الضاف ‪ ،‬أي بلي عرش الرحن ‪ ،‬أو أمرا ما من‬
‫عظيم آياته ‪ ،‬أو مبادىء حقائق معارفه ‪ ،‬ما هو أعلم به ‪ ،‬كما قال تعال ‪ :‬واسأل القرية ‪ ،‬أي أهلها ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬فقيل من وراء الجاب ‪ :‬صدق [ ‪ ] 61‬عبدي ‪ ،‬أنا أكب فظاهره أنه سع ف هذا الوطن كلم‬
‫ال ‪ ،‬و لكن من وراء الجاب ‪ ،‬كما قال ‪ :‬وما كان لبشر أن يكلمه ال إل وحيا أو من وراء‬
‫حجاب ‪ ،‬أي و هو ل يراه ‪ ،‬حجب بصره عن رؤيته ‪.‬‬
‫فإن صح القول بأن ممدا صلى ال عليه و سلم رأى ربه ـ عز و جل ـ فيحتمل أنه ف غي هذا‬
‫الوطن بعد هذا أو قبله ‪ ،‬رفع الجاب عن بصره حت رآه ‪ .‬و ال أعلم ‪.‬‬

‫فصل‬
‫هل كان السراء بالروح أو بالسد ؟‬

‫ث اختلف السلف و العلماء ‪ :‬هل كان إسراء بروحه أو جسده ؟ على ثلث مقالت ‪ :‬فذهبت طائفة‬
‫إل أنه إسراء بالروح ‪ ،‬و أنه رؤيا منام ‪ ،‬مع اتفاقهم أن رؤيا النبياء حق روحي ‪ ،‬و إل هذا ذهب‬
‫معاوية ‪.‬‬
‫و حكى عن السن ‪ ،‬و الشهور عنه خلفه ‪ ،‬و إليه أشار ممد بن اسحاق ‪ ،‬و حجتهم قوله تعال ‪:‬‬
‫وما جعلنا الرؤيا الت أريناك إل فتنة للناس ‪.‬‬
‫و ما حكوا عن عائشة رضي ال عنها ‪ :‬ما فقدت جسد رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬بينا أنا نائم ‪.‬‬
‫و قول أنس ‪ :‬و هو نائم ف السجد الرام ‪ ...‬و ذكر القصة ‪ ،‬ث قال ف آخرها ‪ :‬فاستيقظت و أنا‬
‫بالسجد الرام ‪.‬‬
‫وذهب معظم السلف و السلمي إل أنه إسراء بالسد و ف اليقظة ‪ ،‬و هذا هو الق ‪ ،‬و هو قول ابن‬
‫عباس ‪ ،‬و جابر ‪ ،‬و أنس ‪ ،‬و حذيفة ‪ ،‬و عمر ‪ ،‬و أب هريرة ‪ ،‬و مالك بن صعصعة ‪ ،‬و أب حبة البدري‬
‫‪ ،‬و ابن مسعود ‪ ،‬و الضحاك ‪ ،‬و سعيد بن جبي ‪ ،‬و قتادة ‪ ،‬و ابن السيب ‪ ،‬و ابن شهاب ‪ ،‬و ابن‬
‫زيد ‪ ،‬و السن ‪ ،‬و إبراهيم ‪ ،‬و مسروق ‪ ،‬و ماهد ‪ ،‬و عكرمة ‪ ،‬و ابن جريج ‪ ،‬و هو دليل قول عائشة‬
‫‪ ،‬و هو قول الطبي ‪ ،‬و ابن حنبل ‪ ،‬جا عة عظيمة من السلمي ‪ .‬و قول أكثر التأخرين من الفقهاء و‬
‫الحدثي و التكلمي و الفسرين ‪.‬‬
‫و قالت طائفة ‪ :‬كان السراء بالسد يقظة إل بيت القدس ‪ ،‬و إل السماء بالروح ‪ ،‬و احتجوا بقوله‬
‫تعال ‪ :‬سبحان الذي أسرى بعبده ليل من السجد الرام إل السجد القصى ‪ ،‬فجعل [ فجعل إل‬
‫السجد القصى ] غاية السراء الذي وقع التعجب فيه بعظيم القدرة ‪ ،‬و التمدح بتشريف النب ممد ال‬
‫صلى ال عليه و سلم به ‪ ،‬و إظهار الكرامة له بالسراء إليه ‪.‬‬
‫قال هؤلء ‪ :‬و لو كان السراء بسده إل زائد على السجد القصى لذكره ‪ ،‬فيكون أبلغ ف الدح ‪.‬‬
‫ث اختلفت هذه الفرقتان ‪ :‬هل صلى ببيت القدس أم ل ؟‬
‫ففي حديث أنس وغيه ما تقدم من صلته فيه ‪ .‬و أنكر ذلك حذيفة بن اليمان ‪ ،‬و قال ‪ :‬و ال ما زال‬
‫عن ظهر الباق حت رجع ‪.‬‬
‫قال القاضي و الق من هذا و الصحيح إن شاء ال ـ إنه إسراء بالسد و الروح ف القصة كلها ‪ ،‬و‬
‫عليه تدل الية ‪ ،‬و صحيح الخبار ‪ ،‬و العتبار ‪ ،‬و ل يعدل عن الظاهر و القيقة إل التأويل إل عند‬
‫الستحالة ‪ ،‬و ليس ف السراء بسده و حال يقظته استحالة ‪ ،‬إذ لو كان مناما لقال ‪ :‬بروح عبده ‪ ،‬و‬
‫ل يقل ‪ :‬بعبده ‪ .‬و قوله تعال ‪ :‬ما زاغ البصر وما طغى ‪ ،‬و لو كان مناما لا كانت فيه آية و ل معجزة‬
‫‪ ،‬و لا استبعده الكفار ‪ ،‬و ل كذبوه فيه ‪ ،‬و ل ارتد به ضعفاء من أسلم ‪ ،‬و افتتنوا به ‪ ،‬إذ مثل هذا من‬
‫النامات ل ينكر ‪ ،‬بل ل يكن منهم ذلك [ ‪ ] 62‬إل و قد علموا أن خبه إنا كان عن جسمه و حال‬
‫يقظته ‪ ،‬إل ما ذكر ف الديث من ذكر صلته بالنبياء ببيت القدس ف رواية أنس ـ أو ف السماء‬
‫على ما روي غيه و ذكر ميء جبيل له بالباق و خب العراج ‪ ،‬و استفتاح السماء ‪ ،‬فيقال ‪ :‬من معك‬
‫؟ فيقول ‪ :‬ممد ‪ ،‬و لقائه النبياء فيها ‪ ،‬و خبهم معه ‪ ،‬و ترحيبهم به ‪ ،‬و شأنه ف فرض الصلة و‬
‫مراجعته مع موسى ف ذلك ‪.‬‬
‫و ف بعض هذه الخبار ‪ :‬فأخذ ـ يعن جبيل ـ بيدي فعرج ب إل السماء ‪ ...‬إل قوله ‪ :‬ث عرج ب‬
‫حت ظهرت بستوى أسع فيه صريف القلم و أنه وصل إل سدرة النتهى ‪ ،‬و أنه دخل النة ‪ ،‬و رأى‬
‫فيها ما ذكره ‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬هي رؤيا عي رآها النب صلى ال عليه و سلم ل رؤيا منام ‪.‬‬
‫و عن السن فيه ‪ :‬بينا أنا نائم ف الجر جاءن جبيل فهمزن بعقبة ‪ ،‬فقمت فجلست فلم أر شيئا ‪،‬‬
‫فعدت لضجعي ـ ذكر ذ لك ثلثا ‪ ،‬فقال ف الثالثة ‪ :‬فأخذ بعضدي فجرن إل باب السجد فإذا بدابة‬
‫‪.‬‬
‫و ذكر خب الباق ‪.‬‬
‫و عن أم هانء ‪ :‬ما أسري برسول ال صلى ال عليه و سلم إل و هو ف بيت ‪ ،‬تلك الليلة صلى العشاء‬
‫الخرة ‪ ،‬و نام بيننا ‪ ،‬فلما كان قبيل الفجر أهبنا رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فلما صلى الصبح و‬
‫صلينا قال ‪ :‬يا أم هانء ‪ ،‬لقد صليت معكم العشاء الخرة كما رأيت بذا الوادي ‪ ،‬ث جئت بيت‬
‫القدس فصليت فيه ‪ ،‬ث صليت الغداة معكم الن كما ترون ‪.‬‬
‫و هذا بي ف أنه بسمه ‪.‬‬
‫و عن أب بكر من رواية شداد بن أوس عنه ـ قال النب صلى ال عليه و سلم ليلة أسرى به ‪:‬‬
‫طلبتك يا رسول ال البارحة ف مكانك فلم أجدك ‪ .‬فأجابه ‪ :‬إن جبيل عليه السلم حلن إل السجد‬
‫القصى ‪.‬‬
‫و عن عمر رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬صليت ليلة أسري ب ف مقدم‬
‫السجد ‪ ،‬ث دخلت الصخرة فإذا بلك قائم معه آنية ثلث ‪ ..‬و ذكر الديث ‪.‬‬
‫و هذه التصريات ظاهرة غي مستحيلة ‪ ،‬فتحمل على ظاهرها ‪.‬‬
‫و عن أب ذر ‪ ،‬عنه صلى ال عليه و سلم ‪ :‬فرج سقف بيت و أنا بكة ‪ ،‬فنل جبيل ‪ ،‬فشرح صدري ‪،‬‬
‫ث غ سله باء زمزم ‪ ...‬إل آخر القصة ‪ ،‬ث أخذ بيدي ‪ ،‬فعرج ب ‪ .‬و عن أنس ‪ :‬أتيت فانطلق ب إل‬
‫زمزم ‪ ،‬فشرح عن صدري ‪.‬‬
‫و عن أب هريرة رضي ال عنه ‪ :‬لقد رأيتن ف الجر ‪ ،‬و قريش تسألن عن مسراي ‪ ،‬فسألتن عن أشياء‬
‫ل أثبتها ‪ ،‬فكربت كربا ما كربت مثله قط ‪ ،‬فرفعه ال ل أنظر إليه ‪.‬‬
‫و نوه عن جابر ‪.‬‬
‫و قد روى عمر بن الطاب رضي ال عنه ف حديث السراء عنه صلى ال عليه و سلم أنه قال ‪ :‬ث‬
‫رجعت إلىخدية و ما تولت عن جانبها ‪.‬‬
‫فصل‬
‫إبطال حجج من قال إنا نوم‬
‫احتجوا بقوله تعال ‪ :‬وما جعلنا الرؤيا الت أريناك إل فتنة للناس ‪ ،‬فسماها رؤيا ؟‬
‫قلنا ‪ :‬قوله سبحانه و تعال ‪ :‬الذي أسرى بعبده ـ يرده ‪ ،‬لنه ل يقال ف النوم ‪ :‬أسرى ‪.‬‬
‫وقوله ‪ :‬فتنة للناس ‪ .‬يؤيد أنا رؤيا عي ‪ ،‬و إسراء بشخص ‪ ،‬إذ ليس ف اللم فتنة ‪ .‬و ل يكذب به‬
‫أحد ‪ ،‬لن كل أحد يرى مثل ذلك ف منامه من الكون ف سلعة واحدة ف أقطار متباينة [ ‪. ] 63‬‬
‫على أن الفسرين قد اختلفوا ف هذه الية ‪ ،‬فذهب بعضهم إل أنا نزلت ف قضية الديبية ‪ ،‬و ما وقع‬
‫ف نفوس الناس من ذلك ‪ .‬و قيل غي هذا ‪.‬‬
‫و أما قولم ‪ :‬إنه قد ساها ف الديث مناما ‪.‬‬
‫و قوله ف حديث آخر ‪ :‬بي النائم و اليقظان ‪.‬‬
‫و قوله أيضا ‪ :‬و هو نائم ‪ .‬و قوله ‪ :‬ث استيقظت ـ فل حجة فيه ‪ ،‬إذ قد يتمل أن أول وصول اللك‬
‫إليه كان و هو نائم ‪ ،‬أو أول حله و السراء به و هو نائم ‪ ،‬و ليس ف الديث أنه كان نائما ف القصة‬
‫كلها إل ما يدل عليه ‪ :‬ث استيقظت و أنا ف السجد الرام ‪ ،‬فلعل قوله ‪ :‬استيقظت بعن أصبحت ‪ ،‬أو‬
‫استيقظ من نوم آخر بعد وصوله بيته ‪.‬‬
‫و يدل عليه أن مسراه ل يكن طول ليله ‪ ،‬و إنا كا ن ف بعضه ‪.‬‬
‫و قد يكون قوله ‪ :‬استيقظت و أنا ف السجد الرام لا كان غمره من عجائب ما طالع من ملكوت‬
‫السموات و الرض ‪ ،‬و خامر باطنه من مشاهدة الل العلى ‪ ،‬و ما رأى من آيات ربه الكبى ‪ ،‬فلم‬
‫يستفق و يرجع إل حال البشرية إل و هو بالسجد الرام ‪.‬‬
‫و وجه ثالث أن يكون نومه و استيقاظه حقيقة على مقتضى لفظه ‪ ،‬و لكنه أسرى بسده و قلبه‬
‫حاضر ‪ ،‬و رؤيا النبياء حق ‪ ،‬تنام أعينهم و ل تنام قلوبم ‪.‬‬
‫و قد مال بعض أصحاب الشارات إل نو من هذا ‪ .‬قال ‪ :‬تغميص عينيه لئل يشغله شيء من‬
‫الحسوسات عن ال تعال ‪.‬‬
‫و ل يصح هذا أن يكون ف وقت صلته بالنبياء ‪ ،‬و لعله كانت له ف هذا السراء حالت ‪.‬‬
‫و وجه رابع ‪ ،‬و هو أن يعب بالنوم ها هنا عن هيئة النائم من الضطجاع ‪ ،‬و يقويه قوله ف رواية عبد‬
‫بن حيد ‪ ،‬عن هام ‪ :‬بينا أنا نائم ـ و ربا قال ‪ :‬مضطجع ‪.‬‬
‫و ف رواية هدبة ‪ ،‬عنه ‪ :‬بينا أنا نائم ف الطيم ـ و ربا قال ‪ :‬ف الجر ـ مضطجع و قوله ف الرواية‬
‫الخرى ‪ :‬بي النائم و اليقظان ‪.‬‬
‫فيكون سى هيئة النائم غالبا ‪.‬‬
‫و ذهب بعضهم إل أن هذه الزيادات ‪ :‬من النوم ‪ ،‬و ذكر شق البطن ‪ ،‬و دنو الرب عز و جل الواق عة‬
‫ف هذا الديث إنا هي من رواية شريك عن أنس ‪ ،‬فهي منكرة من روايته ‪ ،‬إذشق البطن ف الحاديث‬
‫الصحيحة إنا كان ف صغره صلى ال عليه و سلم و قبل النبوة ‪ ،‬و لنه قال ف الديث ‪ :‬قبل أن‬
‫يبعث ‪ ،‬و السراء بإجاع كان بعد البعث ‪ ،‬فهذا كله يوهن ما وقع ف رواية أنس ‪ ،‬مع أن أنسا قد بي‬
‫من غي طريق أنه إنا رواه عن غيه ‪ ،‬و أنه ل يسمعه من النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فقال ـ مرة ‪:‬‬
‫عن مالك بن صعصعة ‪ ،‬و ف كتاب مسلم ‪ :‬لعله عن مالك بن صعصعه ـ على الشك ‪ .‬و قال مرة ‪:‬‬
‫كان أبو ذر يدث ‪.‬‬
‫و أما قول عائشة ‪ :‬ما فقد جسده ‪ ،‬فعائشة ل تدث به عن مشاهدة ‪ ،‬لنا ل تكن حينئذ زوجه ‪ ،‬و ل‬
‫ف سن من يضبط ‪ ،‬و لعلها ل تكن ولدت بعد ‪ ،‬على اللف ف السراء مت كان ‪ ،‬فإن السراء كان‬
‫ف أول السلم على قول الزهري و من وافقه بعد البعث بعام و نصف ‪ ،‬و كانت عائشة ف الجرة‬
‫بنت نو ثانية أعوام ‪.‬‬
‫و قد قيل ‪ :‬كان السراء لمس قبل الجرة ‪ .‬و قيل ‪ :‬قبل الجرة بعام ‪ .‬و الشبه إنه لمس ‪.‬‬
‫و الجة لذلك تقول ‪ ]64[ ،‬و ليست من غرضنا ‪ ،‬فإذا ل تشاهد ذلك عائشة دل أنا حدثت بذلك‬
‫عن غيها ‪ ،‬فلم يرجح خبها على خب غيها ‪ ،‬و غي رها يقول خلفه ما وقع نصا ف حديث أم‬
‫هانء و غيه ‪.‬‬
‫و أيضا فليس حديث عائشة رضي ال عنها بالثابت ‪ ،‬و الحاديث الخر أثبت ‪ ،‬ولسنا نعن حديث أم‬
‫هانء ‪ ،‬و ما ذكرت فيه خدية ‪.‬‬
‫و أيضا فقد روي ف حديث عائشة ‪[ :‬مافقدت ] ‪ ،‬و ل يدخل با النب صلى ال عليه و سلم إل‬
‫بالدينة ‪.‬‬
‫و كل هذا يهنه ‪ ،‬بل الذي يدل عليه صحيح قولا ‪ :‬إنه بسده ‪ ،‬لنكارها أن تكون رؤياه لربه رؤيا‬
‫عي ‪ ،‬و لو كانت عندها مناما ل تنكره ‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬فقد قال تعال ‪ :‬ما كذب الفؤاد ما رأى ـ فقد جعل ما رآه للقلب ‪ ،‬و هنا يدل على أنه‬
‫رؤيا نوم و وحي ‪ ،‬ل مشاهدة عي و حس ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬يقابله قوله تعال ‪ :‬ما زاغ البصر وما طغى ـ فقد أضاف المر للبصر ‪.‬‬
‫و قد قال أهل التفسي ف قوله تعال ‪ .‬ما كذب الفؤاد ما رأى ‪ ،‬أي ل يوهم القلب العي غي القيقة ‪،‬‬
‫بل صدق رؤيتها ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬ما أنكر قلبه ما رأته عينه ‪.‬‬

‫فصل‬
‫رؤيته لربه عز و جل و اختلف السلف فيها‬
‫و أما رؤيته ـ صلى ال عليه و سلم لربه جل و عز ـ فاختلف السلف فيها ‪ ،‬فأنكرته عائشة ‪.‬‬
‫حدثنا أبو السن سراج بن عبد اللك الافظ بقراءت عليه ‪ ،‬قال حدثن أب و أبو عبد ال بن عتاب‬
‫الفقيه ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا القاضي يونس بن مغيث ‪ ،‬حدثنا أبو الفضل الصلقي ‪ ،‬حدثنا ثابت بن قاسم بن‬
‫ثابت ‪ ،‬عن أبيه وجده ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا عبد ال بن علي ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬حدثنا ممود بن آدم ‪ ،‬حدثنا وكيع ‪ ،‬عن ابن أب خالد ‪ ،‬عن عامر عن مسروق ـ أنه قال‬
‫لعائشة رضي ال عنها ـ يا أم الؤمني ‪ ،‬هل رأى ممد ربه ؟ فقالت ‪ :‬لقد قف شعري ما قلت ‪ .‬ثلث‬
‫من حدثك بن فقد كذب ‪ :‬من حدثك أن ممد ا رأى ربه فقد كذب ‪ ،‬ث قرأت ‪ :‬ل تدركه البصار‬
‫وهو يدرك البصار وهو اللطيف البي ‪ ،‬و ذكر الديث ‪.‬‬
‫و قال جاعة بقول عائشة رضي ال عنها ‪ ،‬و هو الشهور عن ابن مسعود ‪.‬‬
‫و مثله عن أب هريرة أنه [ ا ] ‪ :‬إنا رأى جبيل ‪ .‬و اختلف عنه ‪ .‬و قال بإنكار هذا و امتناع رؤيته ف‬
‫الدنيا جاعة من الحدثي ‪ ،‬و الفقهاء و التكلمي ‪.‬‬
‫و عن ابن عباس رضي ال عنهما أنه رآه بعينه ‪ .‬وروى عطاء عنه ـ أنه رآه بقلبه ‪.‬‬
‫و عن أب العالية ‪ ،‬عنه ‪ :‬رآه بفؤاده مرتي ‪.‬‬
‫و ذكر ابن إسحاق أن عمر أرسل إل ابن عباس رضي ال عنهما يسأله ‪ :‬هل رأى ممد ربه ؟ فقال ‪:‬‬
‫نعم ‪.‬‬
‫و الشهر عنه انه رأى ربه بعينه ‪ ،‬روي ذلك عنه من طرق ‪ ،‬و قال ‪ :‬إن ال تعال اختص موس‬
‫بالكلم ‪ ،‬و إبراهيم باللة ‪،‬و ممدا بالرؤية و حجته قوله تعال ‪ :‬ما كذب الفؤاد ما رأى * أفتمارونه‬
‫على ما يرى * ولقد رآه نزلة أخرى [ سورة النجم ‪ ، 53/‬الية ‪. ] 13 ، 11 :‬‬
‫قال الاوردي ‪ :‬قيل ‪ :‬إن ال تعال قسم كلمه و رؤيته بي موس ‪ ،‬و ممد صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فر‬
‫آه ممد مرتي ‪ ،‬و كلمه موس مرتي ‪.‬‬
‫و حكى أبو الفتح الرازي ‪ ،‬و أبو الليث السمرقدي الكاية عن كعب ‪.‬‬
‫و روى عبد ال بن الارث ‪ ،‬قال ‪ :‬اجتمع ابن عباس و كعب ‪ ،‬فقال ابن عباس ‪ :‬أما نن بنو هاشم‬
‫فنقول ‪ :‬إن ممد ا قد رأى ربه مرتي ‪ ،‬فكب كعب حت جاوبته البال ‪،‬‬
‫و قال ‪ :‬إن ال قسم رؤيته و كلمه بي ممد و موس ‪ ،‬فكلمه موسى ‪ ،‬و رآه ممد بقلبه ‪.‬‬
‫و روى شريك [ ‪ ] 65‬عن أب ذر رضي ال عنه ف تفسي الية ‪ ،‬قال ‪ :‬رأى النب صلى ال عليه و‬
‫سلم ربه ‪.‬‬
‫و ح كى السمرقندي ‪ ،‬عن ممد بن كعب القرظي ‪ ،‬و ربيع بن أنس ـ أن النب صلى ال عليه و سلم‬
‫سئل ‪ :‬هل رأيت ربك ؟ قال ‪ :‬رأيته بقؤادي ‪ ،‬و ل أره بعين ‪.‬‬
‫و روى مالك بن يامر ‪ ،‬عن معاذ ‪ ،‬عن النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬قال ‪ :‬رأيت رب ‪ ...‬و ذكر كلمة‬
‫‪ ،‬فقال ‪ :‬يا ممد ‪ ،‬فيم يتصم الل العلى الديث ‪.‬‬
‫و حكى عبد الرزاق أن السن كان يلف با ال لقد رأى ممد ربه ‪.‬‬
‫و حكاه أبو عمر الطلمنكي عن عكرمة ‪.‬‬
‫و حكى بعض التكليمي هذا الذهب عن ابن مسعود ‪.‬‬
‫و حكى ابن إسحاق أن مروان سأل أبا هريرة ‪ .‬هل رأى ممد ربه ؟ فقال ‪ :‬نعم ‪.‬‬
‫و حكى النقاش ‪ ،‬عن أحد بن حنبل ‪ :‬أنه قال ‪ :‬أنا أقول بديث ابن عباس بعينه رآه ـ حت انقطع‬
‫نفسه ـ يعن نفس أحد ‪.‬‬
‫و قال أبو عمر ‪ :‬قال أحد بن حنبل ‪ :‬رآه بقلبه ‪ ،‬و جب عن القول برؤيته ف الدنيا بالبصار ‪.‬‬
‫و قال سعيدبن جبي ‪ :‬ل أقول رآه ‪ ،‬و ل ل يره ‪.‬‬
‫و قد اختلف ف تأويل الية عن ابن عباس ‪ ،‬و عكرمه ‪ ،‬و السن ‪ ،‬و ابن مسعود ‪ ،‬فحكى عن ابن‬
‫عباس و عكرمة ‪ :‬رآه بقلبه ‪ .‬و عن السن و ابن مسعود ‪ :‬رأى جبيل ‪ .‬و حكى عبد ال بن أحد بن‬
‫حن بل ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬أنه قال ‪ :‬رآه ‪.‬‬
‫وعن ابن عطاء ف قوله تعال‪ :‬أل نشرح لك صدرك ـ قال ‪ :‬شرح صدره للرؤية و شرح صدر موسى‬
‫للكلم ‪.‬‬
‫و قال أبو السن علي بن إساعيل الشعري رضي ال عنه و جاعة من أصحاب أنه رأى ال تعال‬
‫ببصره و عين رأسه ‪ ، ،‬و قال ‪ :‬كل آية أوتيها نب من النبياء عليهم السلم فقد أت مثلها نبينا ‪ ،‬و‬
‫خص من بينهم بتفضيل الرؤية ‪.‬‬
‫و وقف بعض مشاينا ف هذا ‪ ،‬و قال ‪ :‬ليس عليه دليل واضح ‪ ،‬و لكنه جائز أن يكون ‪.‬‬
‫قال القاضي أبو الفضل ‪ :‬و الق الذي ل إمتراء فيه ـ أن رؤيته تعال ف الدنيا جائز عقلً ‪ ،‬و ليس ف‬
‫العقل ما ييلها ‪.‬‬
‫و الدليل على جوازها ف الدنيا سؤال موس عليه السلم لا ‪ .‬و مال أن يهل نب ما يوز على ال و ما‬
‫ل يوز عليه ‪ ،‬بل ل يسأل إل جائزا غي مستحيل ‪ ،‬و لكن وقوعه و مشاهدته من الغيب الذي ل يعلمه‬
‫إل من علمه ال ‪ ،‬فقال له ال تعال ‪ :‬لن تران ‪ ،‬أي لن تطيق ‪ ،‬و ل تتمل رؤيت ‪ ،‬ث ضرب له مثلً ما‬
‫هو أقوى من بنية موس و أثبت ‪ ،‬و هو البل ‪.‬‬
‫و كل هذا ليس فيه ما ييل رؤيته ف الدنيا ‪ ،‬بل فيه جوازها على الملة ‪ ،‬و ليس ف الشرح دليل قا طع‬
‫على استحالتها و ل امتناعها ‪ ،‬إذ كل موجود فرؤيته جائزة غي مستحيلة ‪.‬‬
‫و ل حجة لن استدل على منعها بقوله تعال ‪ :‬ل تدركه البصار ‪ ،‬ل ختلف التأويلت ف الية ‪ ،‬و إذ‬
‫ليس يقتضي قول من قال ف الدنيا الستحالة ‪.‬‬
‫و قد استدل بعضهم بذه الية نفسها على جواز الرؤية و عدم استحالتها على الملة ‪.‬‬
‫و قد قيل ‪ :‬ل تدركه أبصار الكفار ‪ .‬و قيل ‪ :‬ل تدركه البصار ‪ :‬ل ييط به ‪ ،‬و هو قول ابن عباس ‪.‬‬
‫و قد قيل ‪ :‬ل تدركه البصار ‪ ،‬و إنا يدركه البصرون ‪.‬‬
‫و كل هذه التأويلت ل تقتضي منع الرؤية و ل استحالتها ‪ .‬و كذلك ل حجة لم بقوله تعال ‪ :‬لن‬
‫تران ‪ .‬و قوله ‪ :‬تبت إليك ـ لا قدمناه [ ‪ ، ] 66‬و لنا ليست على العموم ‪ ،‬و لن من قال ‪ :‬معناها‬
‫‪ :‬لن تران ف الدنيا ـ إنا هو تأويل ‪.‬‬
‫و أيضا فليس فيه نص المتناع ‪ ،‬و إنا جاءت ف حق موس ‪ ،‬و حيث تتطرق التأويلت و تتسلط‬
‫الحتمالت ‪ ،‬فليس للقطع إليه سبيل ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬تبت إليك ‪ ،‬أي من سؤال ما ل يقدره ل ‪.‬‬
‫و قد قال أبو بكر الذل ـ ف قوله ‪ :‬لن تران ‪ ،‬أي ليس لبشر أن يطيق أن ينظر إل ف الدنيا ‪ ،‬و أنه‬
‫من نظر إل مات ‪.‬‬
‫و قد رأيت لبعض السلف و التأخرين ما معناه ‪ :‬إن رؤية تعال ف الدنيا متعة ‪ ،‬لضعف تركيب أهل‬
‫الدنيا ‪ ،‬و قواهم ‪ ،‬و كونا متغية غرضا للفات و الفناء ‪ ،‬فلم تكن لم قوة على الرؤية ‪ ،‬فإذا كان ف‬
‫الخرة و ركبوا تركيبا أخر ‪ ،‬و رزقوا قوى ثابتة باقية ‪ ،‬و أت أنوار أبصارهم و قلوبم قووا با على‬
‫الرؤية ‪.‬‬
‫و قد رأيت نو هذا لالك بن أنس رحه ال ‪ ،‬قال ‪ :‬ل ير ف الدنيا ‪ ،‬لنه باق ‪ ،‬و ل يرى الباقي بالفان‬
‫‪ ،‬فإذا كان ف الخرة و رزقوا أبصارا باقية رئى الباقي بالباقي ‪.‬‬
‫و هذا كلم حسن مليح ‪ ،‬و ليس فيه دليل على الستحالة إل من حيث ضعف القدرة ‪ ،‬فإذا قوى ال‬
‫تعال من شاء من عباده ‪ ،‬و أقدره على حل أعباء الرؤية ل تتنع ف حقه ‪.‬‬
‫و قد تقدم ما ذكر ف قوة بصر موسى و ممد عليهما الصلة و السلم ‪ ،‬و نفوذ إدراكها بقوة إلية‬
‫منحاها لدراك ما أدركاه ‪ ،‬و رؤية ما رأياه ‪ .‬و ال أعلم ‪.‬‬
‫و قد ذكر القاضي أبو بكر ـ ف أثناء أجوبته عن اليتي ـ ما معناه ‪ :‬إن موسى عليه السلم رأى‬
‫ال ‪ ،‬فلذلك خر صعقا ‪ ،‬و إن البل رأى ربه فصار دكا بإدراك خلقه ال له واستنبط ذلك ‪ ،‬و ال‬
‫أعلم ‪ ،‬من قوله ‪ :‬ولكن انظر إل ال جبل فإن استقر مكانه فسوف تران [‬
‫سورة العراف ‪ ، 7/‬الية ‪. ] 143 :‬‬
‫ث قال ‪ :‬فلما تلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا ‪.‬‬
‫و تليه للجبل هو ظهوره له حت رآه ـ على هذا القول ‪.‬‬
‫و قال جعقر بن ممد ‪ :‬شغله بالبل حت تلى ‪ ،‬و لول ذلك لات صعقا بل إفاقة ‪.‬‬
‫و قوله هذا يدل على أن موس رآه ‪.‬‬
‫و قد و قع لبعض الفسرين ـ ف البل ـ أنه رآه ‪ ،‬و برؤية البل له استدل من قال برؤية ممد نبينا له‬
‫‪ ،‬إذ جعله دليلً على الواز ‪.‬‬
‫و ل مرية ف الواز ‪ ،‬إذ ليس ف اليات نص بالنع ‪.‬‬
‫و أما وجوبه لنبينا صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و القول بأنه رآه بعينه ـ فليس فيه قاطع أيضا و ل نص ‪ ،‬إذ‬
‫العول فيه على آيت [ النجم ] ‪ ،‬و التنازع فيهما مأثور ‪ ،‬و الحتمال لما مكن ‪ ،‬و ل أثر قاطع متواتر‬
‫عن النب صلى ال عليه و سلم بذلك ‪.‬‬
‫و حديث ابن عباس خب عن اعتقاده ل يسنده إل النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فيجب العمل باعتفاد‬
‫مضمنه ‪.‬‬
‫و مثله حديث أب ذر ف تفسي الية ‪.‬‬
‫و حديث معاذ متمل للتأويل ‪ ،‬و هو مضطرب السناد و الت ‪.‬‬
‫و حديث أب ذر متلف متمل مشكل ‪ .‬فروي ‪ [ :‬نور أن أراه ] ‪.‬‬
‫و حكى بعض شيوخنا أنه روي [ نوران أراه ] ‪.‬‬
‫و ف حديثه الخر ‪ :‬سألته ‪ ،‬فقال ‪ [ :‬رأيت نورا ] ‪ ،‬و ليس يكن الحتجاج بواحد منها على صحة‬
‫الرؤية ‪ ،‬فإن كان الصحيح رأيت نورا فهو قد أخب أنه ل ير ال ‪ ،‬و إنا رأى نورا منعه و حجبه عن‬
‫رؤية ال ‪.‬‬
‫و إل هذا يرجع قوله ‪ [ :‬نور أن أراه ] أي كيف أراه مع حجاب النور الغشي للبصر ‪ ،‬و هذا مثل [‬
‫‪ ] 167‬ما ف الديث الخر ‪ :‬حجابه النور ‪.‬‬
‫و ف الديث الخر ‪ :‬ل أره بعين ‪ ،‬و لكن رأيته بقلب مرتي ‪ ،‬و تل ‪ :‬ث دنا فتدل و ال قادر على‬
‫خلق الدراك الذي ف البصر ف القلب ‪ ،‬أو كيف شاء ‪ ،‬ل إله غيه ‪.‬‬
‫فإن ورد حديث نص بي ف الباب اعتقد و وجب الصي إليه ‪ ،‬إذ ل استحالة فيه ‪ ،‬و ل مانع قطعي‬
‫يرده ‪ ،‬و ال الوفق ‪.‬‬

‫فصل‬
‫فيما ورد ف قصة السراء من مناجاته ربه‬
‫و أما ما ورد ف هذه القصة من مناجاته ل تعال و كلمه معه بقوله ‪ :‬فأوحى إل عبده ما أوحى ـ إل‬
‫ما تضمنته الحاديث ـ فأكثر الفسرين على أن الوحي ال عز و جل إل جبيل ‪ ،‬و جبيل إل ممد‬
‫صلى ال عليه و سلم إل شذوذا منهم ‪ ،‬فذكر عن جعفر بن ممد الصادق ‪ ،‬قال ‪ :‬أوحى إليه بل‬
‫واسطة ‪ ،‬و نوه عن الواسطي ‪ ،‬و إل هذا ذهب بعض التكلمي ـ أن ممدا كلم ربه ف السراء ‪.‬‬
‫و حكي عن الشعري ‪ ،‬و حكي عن ابن مسعود و ابن عباس ‪ ،‬و أنكروه آخرون ‪.‬‬
‫و ذكر النقاش ‪ ،‬عن ابن عباس ـ ف قصة السراء ‪ ،‬عنه صلى ال عليه و سلم ف قوله ‪ :‬دنا فتدل ـ‬
‫قال ‪ :‬فارقن جبيل ‪ ،‬و انقطعت الصوات عن ‪ ،‬فسمعت كلم رب و هو ‪ :‬يقول ليهدأ روعك يا‬
‫ممد ‪ ،‬ادن ‪ ،‬ادن ‪.‬‬
‫و ف حديث أنس ف السراء نو منه ‪.‬‬
‫و قد احتجوا ف هذا بقوله تعال ‪ :‬وما كان لبشر أن يكلمه ال إل وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل‬
‫رسول فيوحي بإذنه ما يشاء ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬هي ثلثة أقسام ‪ :‬من وراء حجاب كتكليم موسى ‪ ،‬و بإرسال‬
‫اللئكة كحال جيع النبياء و أكثر أحوال نبي ا صلى ال عليه و سلم ‪ .‬الثالث ‪ :‬قوله ‪ :‬وحيا ‪ ،‬و ل‬
‫يبق من تقسيم الكلم إل الشافهة مع الشاهدة ‪.‬‬
‫و قد قيل ‪ :‬الوحي هنا ‪ :‬هو ما يلقيه ف قلب النب دون واسطة ‪.‬‬
‫و قد ذكر أبو بكر البزار ‪ ،‬عن علي ف حديث السراء ما هو أوضح ف ساع النب صلى ال عليه و سلم‬
‫لكلم ال من الية ‪ :‬فذكر فيه ‪ :‬فقال اللك ‪ :‬ال أكب ‪ .‬ال أكب ـ فقيل ل من وراء الجاب ‪ :‬صدق‬
‫عبدي ‪ ،‬أنا أكب ‪ ،‬أنا أكب ‪ .‬و قال ف سائر كلمات الذان مثل ذلك ‪.‬‬
‫و ييء الكلم ف مشكل هذين الديثي ف الفصل بعد هذا مع ما يشبهه ‪ .‬و ف أول فصل من الباب‬
‫منه ‪.‬‬
‫و كلم ال تعال لحمد صلى ال عليه و سلم و من اختصه من أنبيائه ‪ ،‬جائز غي متنع عقلً ‪ ،‬و ل ورد‬
‫ف الشرع قاطع ينعه ‪ ،‬فإن صح ف ذلك خب احتمل عليه ‪ ،‬و كلمه تعال لوسى كائن حق مقطوع به‬
‫‪ ،‬نص ذلك ف الكتاب ‪ ،‬و أكده بالصدر دللة على القيقة ‪ ،‬ورفع مكانه على ما ورد ف الديث ‪ :‬ف‬
‫السماء السابعة بسبب كلمه ‪ .‬و رفع ممدا فوق هذا كله حت بلغ مستوى ‪ ،‬و سع صريف القلم ‪،‬‬
‫فكيف يستحيل ف حق هذا أو يبعد ساع الكلم ‪ ،‬فسبحان من خص من شاء با شاء ‪ ،‬و جعل بعضهم‬
‫فوق بعض د رجات ! ‪.‬‬

‫فصل‬
‫فيما ورد ف الديث السراء من الدنو والقرب‬

‫وأما ما ورد ف حديث السراء وظاهرة الية ‪ :‬من الدنو و القرب من قوله ‪ :‬دنا فتدل * فكان قاب‬
‫قوسي أو أدن ‪ -‬و أكثر الفسرين أن الدنو و التدل منقسم ما بي ممد وجبيل عليه السلم ‪ ،‬أو‬
‫متص بأحدها من الخر ‪ ،‬أو من السدرة النتهى‪.‬‬
‫قال الرازي ‪ :‬و قال ابن عباس ‪ :‬هو ممد دنا فتدل من ربه ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬معن [ ‪ ] 68‬دنا قرب ‪ ،‬و تدل زاد ف القرب ‪ .‬و قيل ‪ :‬ها بعن واحد ‪ ،‬أي قرب ‪.‬‬
‫وحكى مكي ‪ ،‬و الاوردي ‪ -‬عن ابن عباس ‪ :‬هو الرب دنا ممد ‪ ،‬فتدل إليه ‪ ،‬أي أمره وحكمه ‪.‬‬
‫وحكى النقاش عن السن ‪ ،‬قال ‪ :‬دنا من عبده ممد صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فتدل ‪ ،‬فقرب منه ‪ ،‬فأراه‬
‫ما شاء أن يريه من قدرته وعظمته ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وقال ابن عباس ‪ :‬هو مقدم ومؤخر ‪ :‬تدل الرفرف لحمد صلى ال عليه و سلم ليلة العراج ‪،‬‬
‫فجلس عليه ‪ ،‬ث رفع فدنا من ربه ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فارقن جبيل ‪ ،‬وانقطعت عن الصوات ‪ ،‬وسعت كلم رب عز وجل ‪.‬‬
‫وعن أنس ف الصحيح ‪ :‬عرج ب جبيل إل سدرة النتهى ودنا البار رب العزة ‪ ،‬فتدل حت كان منه‬
‫قاب قوسي أو أدن ‪ ،‬فأوحى إليه با شاء و أوحى إليه خسي صلة ‪ . . .‬وذكر حديث السراء ‪.‬‬
‫وعن ممد بن كعب ‪ :‬هو ممد دنا من ربه ‪ ،‬فكان كقاب قوسي ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬و قال جعفر بن ممد ‪ :‬أدناه ربه منه حت كان منه كقاب قوسي ‪.‬‬
‫و قال جعفر بن ممد ‪ :‬والدنو من ال ل حد له ‪ ،‬ومن العباد بالدود ‪.‬‬
‫و قال أيضا ‪ :‬انقطعت الكيفية عن الدنو ‪ ،‬أل ترى كيف حجب جبيل عن دنوه ‪ ،‬ودنا ممد صلى ال‬
‫عليه و سلم إل ما أودع قلبه من العرفة واليان ‪ ،‬فتدل بسكون قلبه إل ما أدناه ‪ ،‬وزال عن قلبه الشك‬
‫والرتياب ‪.‬‬
‫قال القاضي أبو الفضل ‪ : -‬اعلم أن ماوقع من إضافة الدنو والقرب هنا من ال ‪ ،‬أو إل ال ‪ -‬فليس‬
‫بدنو مكان ‪ ،‬ول قرب مدى ‪ ،‬بل كما ذكرناه ‪ -‬عن جعفر الصادق ‪ :‬ليس بدنو حد ‪ ،‬وإنا دنو النب‬
‫صلى ال عليه و سلم من ربه وقربه منه إبانة عظيم منلته ‪ ،‬وتشريف رتبته ‪،‬‬
‫وإشراق أنوار معرفته ‪ ،‬ومشاهدة أسرار غيبه وقدرته ‪ ،‬ومن ال تعال له مبة وتأنيس ‪ ،‬وبسط ‪،‬‬
‫وإكرام ‪ ،‬و يتأول فيه ما يتأول ف قوله ‪ :‬ينل ربنا إل السماء الدنيا على أحد الوجوه ‪ :‬نزول إفضال‬
‫وإجال ‪ ،‬وقبول وإحسان ‪.‬‬
‫قال الواسطي ‪ :‬من ت وهم أنه بنفسه دنا جعل ث مسافة ‪ ،‬بل كلما دنا بنفسه من الق تدل بعدا يعن‬
‫عن درك حقيقته ‪ ،‬إذ ل دنو للحق ول بعد ‪.‬‬
‫وقوله ‪ :‬قاب قوسي أو أدن فمن جعل الضمي عائدا إل ال ‪ ،‬ل إل جبيل على هذا كان عبارة عن‬
‫ناية القرب ‪ ،‬ولطف الحل ‪ ،‬وإيضاح العرفة ‪ ،‬والشراف على القيقة عن ممد صلى ال عليه و‬
‫سلم ‪ ،‬وعبارةً عن إجابة الرغبة ‪ ،‬وقضاء الطالب ‪ ،‬وإظهار التحفي ‪ ،‬وإنافة النل والرتبة من ال له ‪.‬‬
‫ويتأول فيه ما يتأول ف قوله ‪ :‬من تقرب من شبا تقربت منه ذراعا ‪ ،‬ومن أتان يشي أتيته هرولةً ‪،‬‬
‫قرب بالجابة والقبول ‪ ،‬وإتيان بالحسان وتعجيل الأمول ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف ذكر تفضيله يوم القيامة بصوص الكرامة‬
‫حدثنا [ القاضي ] ‪ ،‬أبو علي ‪ ،‬حدثنا أبو الفضل ‪ ،‬وأبو السي ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا أبو يعلى السنجي ‪،‬‬
‫حدثنا ابن مبوب ‪ ،‬حدثنا الترمذي ‪ ،‬حدثنا السي بن يزيد الكوف ‪ ،‬حدثنا عبدالسلم بن حرب ‪ ،‬عن‬
‫ليث ‪ ،‬عن الربيع بن أنس ‪ ،‬عن أنس رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه و سلم [‬
‫‪ : ] 69‬أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا ‪ ،‬وأنا خطيبهم إذا وفدوا ‪ ،‬وأنا مبشرهم إذا أيسوا ‪ ،‬لواء المد‬
‫بيدي ‪ ،‬وأنا أكرم ولد آدم على رب ول فخر ‪.‬‬
‫وف رواية ابن زحر ‪ ،‬عن الربيع بن أنس ‪ -‬ف لفظ هذا الديث ‪ :‬أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا ‪ ،‬وأنا‬
‫قائدهم إذا وفدوا ‪ ،‬وأنا خطيبهم إذا أنصتوا وأنا شفيعهم إذا حبسوا و أنا مبشرهم إذا أبلسوا ‪ ،‬لواء‬
‫الكرم بيدي ‪ ،‬و أنا أكرم ولد آدم على رب و ل فخر و يطوف علي ألف خادم كأنم لؤلؤ مكنون ‪.‬‬
‫وعن أب هريرة رضي ال عنه ‪ :‬و أكسى حلةً من حلل النة ‪ ،‬ث أقوم عن يي العرش ليس أحد من‬
‫اللئق يقوم ذلك القام غيي ‪.‬‬
‫وعن أب سعيد ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ‪ ،‬و بيدي ل‬
‫واء المد و ل فخر ‪ ،‬و ما نب يومئذ ‪ ،‬آدم فمن سواه ‪ ،‬إل تت لوائي ‪ ،‬و أنا أول من تنشق عنه‬
‫الرض و ل فخر ‪.‬‬
‫و عن أب هريرة ‪ ،‬عنه صلى ال عليه و سلم ‪ :‬أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ‪ ،‬و أول من ينشق عنه‬
‫القب ‪ ،‬و أول شافع ‪ ،‬و أول مشفع ‪.‬‬
‫و عن ابن عباس رضي ال عنهما ‪ :‬أنا حامل لواء المد يوم القيامة و ل فخر ‪ ،‬و أنا أول شافع ‪ ،‬و أنا‬
‫أول مشفع ‪،‬و ل فخر ‪ ،‬و أنا أول من يرك حلق النة ‪ ،‬فيفتح ل فأدخلها و معي فقراء الؤمني و ل‬
‫فخر ‪ ،‬و أنا أكرم الولي و الخرين و ل فخر ‪.‬‬
‫و عن أنس ‪ :‬أنا أول الناس يشفع ف النة ‪ ،‬و أنا أكثر الناس تبعا ‪.‬‬
‫و عن أنس رضي ال عنه ‪ ،‬قال النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬أنا سيد الناس يوم القيامة ‪ ،‬و تدرون ب‬
‫ذلك ؟ يمع ال الولي و الخرين ـ و ذكر حديث الشفاعة ‪.‬‬
‫و عن أب هريرة رضي ال عنه ـ أنه صلى ال عليه و سلم قال ‪ :‬أطمع أكون أعظم النبياء أجرا يوم‬
‫القيامة ‪.‬‬
‫و ف حديث آخر ‪ :‬أما ترضون أن يكون إبراهيم و عيسى فيكم يوم القيامة ث قال إنما ف أمت يوم‬
‫القيامة ‪ ،‬أما إبراهيم فيقول ‪ :‬أنت دعوت و ذريت ‪ ،‬فاجعلن من أ متك ‪ .‬و أما عيسى فالنبياء إخوة بنو‬
‫علت ‪ ،‬أمهاتم شت ‪ ،‬و إن عيسى أخي ليس بين و بينه نب ‪ ،‬و أنا أول الناس به ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أنا سيد الناس يوم القيامة ‪ :‬هو سيدهم ف الدنيا ‪ ،‬و يوم القيامة ‪ .‬و لكن أشار صلى ال عليه و‬
‫سلم لنفراده فيه بالسؤدد و الشفاعة دون غيه ‪ ،‬إذ لأ الناس إليه ف ذلك ‪ ،‬فلم يدوا سواه ‪.‬‬
‫و السيد ‪ :‬هو الذي يلجأ الناس إليه ف حوائجهم ‪ ،‬فكان حينئذ سيدا منفردا من بي البشر ‪ ،‬ل يزاحه‬
‫أحد ف ذلك ‪ ،‬و ل ادعاه ‪ ،‬كما قال تعال ‪ :‬لن اللك اليوم ل الواحد القهار [ سورة غافر ‪، 40 /‬‬
‫الية ‪. ] 16 :‬‬
‫و اللك له تعال ف الدنيا و الخرة ‪ ،‬لكن ف الخرة انقطعت دعوى الدعي لذلك ف الدنيا ‪.‬‬
‫و كذلك لأ إل ممد صلى ال عليه و سلم جيع الناس ف الشفاعة ‪ ،‬فكان سيدهم ف الخرى دون‬
‫دعوى ‪.‬‬
‫و عن أنس رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ :‬آت باب النة يوم القيامة ‪ ،‬فأستفتح فيقول الازن ‪:‬‬
‫من أنت ؟ فأقول ‪ :‬ممد ‪ .‬فيقول ‪ :‬بك أمرت أل أفتح لحد قبلك ‪.‬‬
‫و عن عبد ال بن عمرو ‪ :‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه و سلم حوضي مسية شهر ‪ ،‬و زواياه‬
‫سواء [ ‪ ، ] 70‬و ماؤه أبيض من الورق ‪ ،‬و ريه أطيب من السك ‪ ،‬و كيزانه كنجوم السماء ‪ ،‬من‬
‫شرب منه ل يظمأ أبدا ‪.‬‬
‫و عن أب ذر نوه ‪ ،‬و قال ‪ [ :‬طوله ما بي عمان إل أيلة ‪ ،‬يشخب فيه ميزابان من النة ] ‪.‬‬
‫و عن ثوبان مثله ‪ ،‬و قال ‪ :‬أحدها من ذهب ‪ ،‬و الخر من ورق ‪.‬‬
‫و ف رواية حارثة بن وهب ‪ :‬كما بي الدينة و صنعاء ‪.‬‬
‫و قال أنس ‪ :‬أيلة و صنعاء ‪.‬‬
‫و قال ابن عمر ‪ :‬كما بي الكوفة و الجر السود ‪.‬‬
‫و روى حديث الوض أيضا أنس ‪ ،‬و جابر ‪ ،‬و سرة ‪ ،‬و ابن عمر ‪ ،‬و عقبة بن عامر ‪ ،‬و حارثة بن‬
‫وهب الزاعي ‪ ،‬و الستورد ‪ ،‬و أبو برزة السلمي ‪ ،‬و حذيفة بن اليمان ‪ ،‬و أبو أمامة ‪ ،‬و زيد بن أرقم‬
‫‪ ،‬و ابن مسعود ‪ ،‬و عبد ال بن زيد ‪ ،‬و سهل بن سعد ‪ ،‬و سويد بن جبلة ‪ ،‬و أبو بكر ‪ ،‬و عمر بن‬
‫الطاب ‪ ،‬و ابن بريدة ‪ ،‬و أبو سعيد الدري ‪ ،‬و عبد ال الصنابي ‪ ،‬و أبو هريرة ‪ ،‬و الباء ‪ ،‬و جندب‬
‫‪ ،‬و عائشة ‪ ،‬و أساء بنت أب بكر ‪ ،‬و أبو بكرة ‪ ،‬و خولة بنت قيس ‪ ،‬و غيهم ‪.‬‬
‫فصل‬
‫ف تفضيله بالحبة و اللة‬

‫جاءت بذلك الثار الصحيحة ‪ ،‬و اختص على ألسنة السلمي ببيب ال ‪ ،‬أخبنا أبو القاسم بن إبراهيم‬
‫الطيب و غيه ‪ ،‬عن كرية بنت أحد ‪ ،‬حدثنا أبو اليثم ‪ ،‬و حدثنا حسي بن ممد الافظ ساعا‬
‫عليه ‪ ،‬حدثنا القاضي أبو الوليد ‪ ،‬حدثنا عبد بن أحد ‪ ،‬حدثنا أبو اليثم ‪ ،‬حدثنا أبو عبد ال ممد بن‬
‫يوسف ‪ ،‬حدثنا ممد بن إساعيل ‪ ،‬حدثنا عبد بن ممد ‪ ،‬حدثنا أبو عامر ‪ ،‬حدثنا فليح ‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫النضر ‪ ،‬عن بسر بن سعيد ‪ ،‬عن أب سعيد ‪ ،‬عن النب صلى ال عليه و سلم ـ أنه قال ‪ :‬لو كنت‬
‫ل غي رب لتذت أبا بكر ‪.‬‬ ‫متخذا خلي ً‬
‫و ف حديث آخر و إن صاحبكم خليل ال ‪.‬‬
‫و من طريق عبد ال بن مسعود ‪ :‬و قد اتذ ال صاحبكم خليلً ‪.‬‬
‫و عن ابن عباس ‪ ،‬قال ‪ :‬جلس ناس من أصحاب النب صلى ال عليه و سلم ينتظرونه ‪ ،‬قال ‪ :‬فخرج و‬
‫عن ابن عباس ‪ ،‬قال ‪ :‬جلس ناس من أصحاب النب صلى ال عليه و سلم ينتظرونه ‪ ،‬قال ‪ :‬فخرج حت‬
‫إذا دنا منهم سعهم يتذاكرون ‪ ،‬فسمع حديثهم ‪ ،‬فقال بعضهم ‪ :‬عجبا ! إن ال اتذ من خلقه خليلً ‪،‬‬
‫اتذ إبراهيم خليلً ‪.‬‬
‫و قال آخر ‪ :‬ماذا بأعجب من كلم موسى ‪ ،‬كلمه الل ه تكليما ‪.‬‬
‫و قال آخر ‪ :‬فعيسى كلمه ال و روحه ‪.‬‬
‫و قال آخر ‪ :‬و آدم اصطفاه ال ‪.‬‬
‫ل ‪ ،‬و هو‬ ‫فخرج عليهم فسلم ‪ ،‬و قال ‪ :‬قد سعت كلمكم و عجبكم ‪ ،‬أن ال تعال اتذ إبراهيم خلي ً‬
‫كذلك ‪ ،‬و موسى ني ال و هو كذلك ‪ ،‬و موسى ني ال ‪ ،‬و هو كذلك ‪ ،‬و عيسى روح ال ‪ ،‬و هو‬
‫كذلك ‪ ،‬و آدم اصطفاه ال ‪ ،‬و هو كذلك ‪ ،‬أل و أنا حبيب ال و ل فخر ‪ ،‬و أنا أول شافع و أول‬
‫مشفع و ل فخر ‪ ،‬و أما من يرك حلق النة فيفتح ال ل فيدخلنيها و معي فقراء الؤمني و ل فخر ‪ ،‬و‬
‫أنا أكرم الولي و الخرين ول فخر ‪.‬‬
‫و ف حديث أب هريرة رضي ال عنه من قول ال تعال لنبيه صلى ال عليه و سلم ‪ :‬إن اتذتك خليلً ‪،‬‬
‫فهو مكتوب ف التوراة ‪ :‬أنت حبيب الرحن ‪.‬‬
‫قال القاضي أبو الفضل ‪ :‬اختلف ف تفسي اللة ‪ ،‬و اصل اشتقاقها ‪ ،‬فقيل ‪ :‬الليل ‪ :‬النقطع إل ال‬
‫الذي ليس ف انقطاعه إليه و مبته له اختلل ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬الليل الختص ‪ ،‬و اختار هذا القول غي واحد ‪.‬‬
‫و قال بعضهم ‪ :‬أصل اللة الستصفاء ‪ :‬و سي إبراهيم [ ‪ ] 71‬خليل ال ‪ ،‬لنه يوال فيه و يعادي‬
‫فيه ‪ ،‬و خلة ال له نصره ‪ ،‬و جعله إماما لن بعده ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬ال خليل ‪ :‬أصله الفقي الحتاج النقطع ‪ ،‬مأخوذ من اللة و هي الاجة ‪ ،‬فسمي با إبراهيم ‪،‬‬
‫لنه قصر حاجته على ربه ‪ ،‬و انقطع إليه بمه ‪ ،‬و ل يعله قبل غيه ‪ ،‬و إذا جاءه جبيل و هو ف‬
‫النجنيق ‪ ،‬ليمى به ف النار ‪ ،‬فقال ‪ :‬ألك حاجة ؟ قال ‪ :‬أما إليك فل ‪.‬‬
‫و قال أبو بكر بن فورك ‪ :‬اللة ‪ :‬صفاء الودة الت توجب الختصاص بتخلل السرار ‪.‬‬
‫و قال بعضهم ‪ :‬أصل اللة الحبة ‪ ،‬و معناها السعاف ‪ ،‬و اللطاف ‪ ،‬و الترفيع ‪ ،‬و التشفيع ‪ ،‬و قد بي‬
‫ذلك ف كتابه تعال بقوله ‪ :‬وقالت اليهود والنصارى نن أبناء ال وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل‬
‫أنتم بشر من خلق يغفر لن يشاء ويعذب من يشاء ول ملك السماوات والرض وما بينهما وإليه الصي‬
‫[ سورة الائدة ‪ ، 5 /‬الية ‪. ] 18 :‬‬
‫فأو جب للمحبوب أل يؤاخذ بذنوبه ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬هذا ‪ ،‬و اللة أقوى من النبوة ‪ ،‬لن النبوة قد تكون فيها العداوة ‪ ،‬كما قال تعال ‪ :‬إن من‬
‫أزواجكم وأولدكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن ال غفور رحيم [ سورة‬
‫التغابن ‪ ، 64/‬الية ‪. ]14 :‬‬
‫و ل يصح أن تكون عداوة مع خلة ‪ ،‬فإذا تسمية إبراهيم و ممد عليهما السلم باللة إما بانقطاعهما‬
‫إل ال و وقف حوائجهما عليه ‪ ،‬و النقطاع عمن دونه ‪ ،‬و الضراب عن الوسائط و السباب ‪ ،‬أو‬
‫لزيادة الختصاص منه تعال لما ‪ ،‬و خفي ألطافه عندها ‪ ،‬و ما خالل بواطنهما من أسرار إليته ‪ ،‬و‬
‫مكنون غيوبه و معرفته ‪ ،‬أو لستصفائه لما ‪ ،‬و استصفاء قلوبما عمن سواه ‪ ،‬حت ل ياللهما حب‬
‫لغيه ‪ ،‬و لذا قال بعضهم ‪ :‬الليل من ليتسع قلبه لسواه و هو عندهم معن قوله صلى ال عليه و سلم‬
‫‪ :‬و لو كنت متخذا خليلً لتذت أبا بكر خليل ‪ ،‬لكن أخوة السلم ‪.‬‬
‫و اختلف العلماء و أرباب القلوب ‪ :‬أيهما أرفع درجة ‪ :‬اللة أو درجة الحبة ؟‬
‫فجعلهما بعضهم سواء فل يكون البيب إل خليل ‪ ،‬و ل الليل إل حبيبا لكنه خص إبراهيم باللة ‪ ،‬و‬
‫ممدا بالحبة ‪.‬‬
‫ل غي‬‫و بعضهم قال ‪ :‬درجة اللة أرفع ‪ ،‬و احتج بقوله صلى ال عليه و سلم ‪ :‬لو كنت متخذا خلي ً‬
‫رب عز و جل فلم يتخذه ‪.‬‬
‫و قد أطلق الحبة لفاطمة ‪ ،‬و ابنيها ‪ ،‬و أسامة و غيهم ‪.‬‬
‫و أكثرهم جعل الحبة أرفع من اللة ‪ ،‬لن درجة البيب نبينا أرفع من درجة الليل إبراهيم ‪.‬‬
‫و أصل الحبة اليل إل ما يوافق الحب ‪ ،‬و لكن هذا ف حق من يصح اليل منه و النتف اع بالوفق ‪ ،‬و‬
‫هي درجة الخلوق ‪ ،‬فأما الالق ـ جل جلله ـ فمنه عن الغراض ‪ ،‬فمحبته لعبده تكينه من سعادته‬
‫‪ ،‬و عصمته و توفيقه و تيئة أسباب القرب ‪ ،‬و إفاضة رحته عليه ‪ ،‬و قصواها كشف الجب عن قلبه‬
‫حت يراه بقلبه ‪ ،‬و ينظر إليه ببصيته ‪ ،‬فيكون كما قال ف الديث ‪ :‬فإذا أحببته كنت سعه الذي يسمع‬
‫به ‪ ،‬و بصره الذي يبصر به ‪ ،‬و لسانه الذي ينطق به ‪.‬‬
‫و ل ينبغي أن يفهم من هذا سوى التجرد ل ‪ ،‬و النقطاع إل ال ‪ ،‬و العراض عن غي ال ‪ ،‬و صفاء‬
‫القلب ل ‪ ،‬و إخلص الركات ل ‪ ،‬كما قالت عائشة رضي ال عنه ‪ :‬كان خلقه القرآن ‪ ،‬برضاه‬
‫يرضى ‪ ،‬و بسخطه يسخط ‪ ،‬و من هذا عب بعضهم عن اللة بقوله ‪:‬‬
‫قد تللت مسلك الروح من و بذا سي الليل خليل‬
‫و إذا ما سكت كنت الغيل‬ ‫فإذا ما نطقت كنت حديثي‬
‫فإذا [ ‪ ] 72‬مزية اللة و خصوصية الحبة حاصلة لنبينا صلى ال عليه و سلم با دلت عليه الثار‬
‫الصحيحة النتشرة ‪ ،‬التلقاة بالقبول من المة ‪ ،‬و كفى بقوله تعال ‪ :‬قل إن كنتم تبون ال فاتبعون‬
‫يببكم ال ويغفر لكم ذنوبكم وال غفور رحيم ‪.‬‬
‫حكى أهل التفسي أن هذه الية لا نزلت قا ل الكفار ‪ :‬إنا يريد ممد أن نتخذه حنانا كما اتذت‬
‫النصارى عيسى بن مري ‪ ،‬فأنزل ال ـ غيظا لم و رغما على مقالتهم هذه الية ‪ :‬قل أطيعوا ال‬
‫والرسول ‪ ،‬فزاده شرفا بأمرهم بطاعته ‪ ،‬و قرنا بطاعته ‪ ،‬ث توعدهم على التول عنه بقوله ‪ :‬فإن تولوا‬
‫فإن ال ل يب الكافرين ‪.‬‬
‫و قد نقل المام أبو بكر بن فورك عن بعض التكلمي كلما ف الفرق بي الحبة و اللة يطول ‪ ،‬جلة‬
‫اشارته إل تفضيل مقام الحبة على اللة ‪ ،‬و نن نذكر منه طرفا يهدي إل ما بعده ‪.‬‬
‫فمن ذلك قولم ‪ :‬الليل يصل بالواسطة ‪ ،‬من قوله تعال ‪ :‬وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات‬
‫والرض وليكون من الوقني [ سورة النعام ‪ ، 6 /‬الية ‪. ] 75 :‬‬
‫و البيب يصل لبيبه به ‪ ،‬من قوله ‪ :‬فكان قاب قوسي أو أدن ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬الليل ‪ :‬الذي تكون مغفرته ف حد الطمع ‪ ،‬من قوله ‪ :‬والذي أطمع أن يغفر ل خطيئت يوم‬
‫الدين [ سورة الشعراء ‪ ، 26 /‬الية ‪. ] 82 :‬‬
‫و البيب الذي مغفرته ف حد اليقي ‪ ،‬من قوله ‪ :‬ليغفر لك ال ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته‬
‫عليك ويهديك صراطا مستقيما [ سورة الفتح ‪ ، 48 /‬الية ‪. ] 2 :‬‬
‫و الليل قال ‪ :‬ول تزن يوم يبعثون [ سورة الشعراء ‪ ، 26 /‬الية ‪. ] 87 :‬‬
‫و البيب قيل له ‪ :‬يوم ل يزي ال النب ‪ ،‬فابتدىء بالبشارة قبل السؤال ‪.‬‬
‫و الليل قال ف الحنة ‪ :‬حسب ال [ سورة الزمر ‪ ، 39 /‬الية ‪. ] 38 :‬‬
‫و البيب قيل له ‪ :‬يا أيها النب حسبك ال [ سورة النفال ‪ ، 8 /‬الية ‪. ] 64 :‬‬
‫و الليل قال ‪ :‬اجعل ل لسان صدق ف الخرين [ سورة الشعراء ‪ ، 26 /‬الية ‪ . ] 84 :‬و البيب‬
‫قيل له ‪ :‬ورفعنا لك ذكرك ‪ ،‬أعطي بل سؤال ‪.‬‬
‫و الليل قال ‪ :‬واجنبن وبن أن نعبد الصنام [ سورة إبراهيم ‪ ، 14 /‬الية ‪. ] 35 :‬‬
‫و البيب قيل له ‪ :‬إنا يريد ال ليذهب عنكم الرجس أهل البيت‬
‫و فيما ذكرناه تنبيه على مقصد أصحاب هذا القال من تفضيل القامات و الحوال ‪ ،‬و كل يعمل على‬
‫شاكلته فربكم أعلم بن هو أهدى سبيل [ سورة السراء ‪ ، 17 /‬الية ‪. ] 84 :‬‬

‫فصل‬
‫ف تفصيله بالشفاعة و القام الحمود‬

‫قال ال تعال ‪ :‬عسى أن يبعثك ربك مقاما ممودا [سورة السراء ‪ ، 17 /‬الية ‪. ] 79 :‬‬
‫أخبنا الشيخ أبو علي الغسان اليان فيما كتب إل بطه ‪ ،‬حدثنا سراج بن عبد ال القاضي ‪ ،‬حدثنا‬
‫أبو ممد الصيلي ‪ ،‬حدثنا أبو زيد ‪ ،‬و أبو أحد ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا ممد بن يوسف ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا ممد بن‬
‫إساعيل ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا إساعيل بن أبان ‪ ،‬حدثنا أبو الحوص ‪ ،‬عن آدم بن علي ‪ ،‬قال ‪ :‬سعت ابن‬
‫عمر يقول ‪ :‬إن الناس يصيون يوم القيامة جثى ‪ ،‬كل أمة تتبع نبيها ‪ ،‬يقولون ‪ :‬يا فلن ‪ ،‬اشفع لنا ‪ ،‬يا‬
‫فلن اشفع لنا ‪ ،‬حت تنتهي الشفاعة إل النب صلى ال عليه و سلم فذلك يوم يبعثه ال القام الحمود ‪.‬‬
‫و عن أب هريرة ‪ :‬سئل عنها رسول ال صلى ال عليه و سلم ـ يعن قوله ‪ :‬عسى أن يبعثك ربك‬
‫مقاما ممودا ‪ ،‬فقال ‪ :‬هي الشفاعة ‪.‬‬
‫و روى كعب بن مالك ‪ ،‬عنه صلى ال عليه و سلم ‪ :‬يشر الناس يوم القيامة فأكون أنا و أمت على تل‬
‫و يكسون رب حلة خضراء ‪ ،‬ث يؤذن ل فأقول ما شاء ال أن أقول ‪ ،‬فذلك القام الحمود ‪.‬‬
‫و عن ابن عمر [ ‪ ] 73‬رضي ال عنه ـ و ذكر حديث الشفاعة ـ قال ‪ :‬فيمشي حت يأخذ بلقة‬
‫النة ‪ ،‬فيومئذ يبعثه ال القام الحمود الذي وعده ‪.‬‬
‫و عن ابن مسعود عنه صلى ال عليه و سلم أنه قيامه عن يي العرش مقاما ل يقومه غيه ‪ ،‬يغبطه فيه‬
‫الولون و الخرون ‪.‬‬
‫و نوه عن كعب والسن ‪.‬‬
‫و ف رواية ‪ :‬هو القام الذي أشفع لمت فيه ‪.‬‬
‫عن ابن مسعود ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬إن لقائم القام الحمود ‪ .‬قيل ‪ :‬و ما هو‬
‫؟ قال ‪ :‬ذلك يوم ينل ال تبارك و تعال [ على كرسيه ] ‪ . .‬الديث ‪.‬‬
‫و عن أب موسى رضي ال عنه ‪ ،‬عنه صلى ال عليه و سلم ‪ :‬خيت بي أن يدخل نصف أمت النة‬
‫وبي الشفاعة فاخترت الشفاعة ‪ ،‬لنا أعم ‪ ،‬أترونا للمتقي ؟ ل ‪ ،‬و لكنها للمذنبي الطائي ‪.‬‬
‫و عن أب هريرة رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ماذا ورد عليك ف الشفاعة ؟ فقال ‪:‬‬
‫شفاعت لن شهد أن ل إله إل ال ملصا ‪ ،‬يصدق لسانه قلبه ‪.‬‬
‫و عن أم حبيبة ‪ ،‬قالت ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬أريت ما تلقى من بعدي ‪ ،‬و سفك‬
‫بعضهم دماء بعض ‪ ،‬و سبق ل من ال ما سبق للمم قبلهم ‪ ،‬فسألت ال أن يؤتين شفاعة يوم القيامة‬
‫فيهم ‪ ،‬ففعل ‪.‬‬
‫و قال حذيفة ‪ :‬يمع ال الناس ‪ ،‬ف صعيد واحد حيث يسمعهم الداعي ‪ ،‬و ينفذهم البصر ‪ ،‬حفاة عراة‬
‫كما خلقوا ‪ ،‬سكوتا ل تكلم نفس إل بإذنه ‪ ،‬فينادى ممد فيقول ‪ :‬لبيك و سعديك ‪ ،‬و الي ف يديك‬
‫‪ ،‬و الشر ليس إليك ‪ ،‬و الهتدي من هديت ‪ ،‬و عبدك بي يديك ‪ ،‬و لك و إليك ‪ ،‬ل ملجأ ول منجى‬
‫منك إل إليك ‪ ،‬تباركت و تعاليت ‪ ،‬سبحانك رب البيت ـ قال ‪ :‬فذلك القام الحمود الذي ذكر ال‬
‫‪.‬‬
‫و قال ابن عباس رضي ال عنه ‪ :‬إذا دخل أهل النار النار ‪ ،‬و أهل النة النة ‪ ،‬فتبقى آخر زمرة من النة‬
‫و آخر زمرة من النار ‪ ،‬فتقول زمرة النار لزمرة النة ‪ :‬ما نفعكم إيانكم ‪ ،‬فيدعون ربم ويضجون ‪،‬‬
‫فيسمعهم أهل النة فيسلون آدم وغيه بعده ف الشفاعة لم ‪ ،‬فكل يعتذر حت يأتوا ممدا صلى ال‬
‫عليه و سلم ‪ ،‬فيشفع لم ‪ ،‬فذلك القام الحمود ‪.‬‬
‫و نوه عن ابن مسعود أيضا ‪ ،‬و ماهد ‪.‬‬
‫و ذكر علي بن السن عن النب صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و قال جابر بن عبد ال ليزيد الفقي ‪ :‬سعت بقام ممد ـ يعن الذي بعثه ال فيه ؟‬
‫قلت ‪ :‬نعم ‪ .‬قال ‪ :‬فإنه مقام ممد الحمود الذي ير ج ال به من يرج ـ يعن من النار ـ و ذكر‬
‫حديث الشفاعة ف إخراج الهنميي ‪.‬‬
‫و عن أنس نوه ‪ ،‬و قال ‪ :‬فهذا القام الحمود الذي وعده ‪.‬‬
‫[ و عن سلمان ‪ :‬القام الحمود هو الشفاعة ف أمته يوم القيامة ‪.‬‬
‫و مثله عن أب هريرة رضي ال عنه ‪.‬‬
‫و قال قتادة ‪ :‬كان أهل العلم يرون القام الحمود هو شفاعته يوم القيامة ‪ ،‬وعلى أن القام الحمود‬
‫مقامه عليه الصلة و السلم للشفاعة مذاهب السلف من الصحابة و التابعي و عامة أئمة السلمي ‪.‬‬
‫و بذلك جاءت الشفاعة مفسرةً ف صحيح الخبار عنه عليه الصلة والسلم ‪ :‬وجاءت مقالة ف‬
‫تفسيها شاذ ًة عن بعض السلف ‪ ،‬يب أل تثبت ‪ ،‬إذا ل يعضدها صحيح أثر ‪ ،‬ول سند نظر ‪.‬‬
‫ولو صحت لكان لا تأويل غي مستنكر ‪ ،‬لكن ما فسره النب صلى ال عليه و سلم ف صحيح الثار‬
‫برده ‪ ،‬فل يب أن يلتفت إليه ‪ ،‬مع أنه ل يأت ف كتاب ول سنة ‪ ،‬و ل اتفق على القال أمة ‪ ،‬وف‬
‫إطلق ظاهره منكر من القول وشنعة ] ‪.‬‬
‫و ف رواية أنس و أبو هريرة وغيها ‪ ،‬دخل حديث بعضهم ف حديث بعض ‪ :‬قال صلى ال عليه و‬
‫سلم ‪ :‬يمع ال الولي و الخرين يوم القيامة فيهتمون ـ أو قال ‪ :‬فيلهمون فيقولون ‪ :‬لو استشفعنا‬
‫إل ربنا ‪.‬‬
‫و من طريق آخر ‪ ،‬عنه ‪ [ :‬ماج الناس بعضهم ف بعض ] ‪.‬‬
‫و عن أب هريرة ‪ :‬وتدنو الشمس ‪ ،‬فيبلغ الناس من الغم ما ل يطيقون ول يتملون ‪ ،‬فيقولون ‪ :‬أل‬
‫تنظرون من يشفع لكم ‪ ،‬فيأتون آدم فيقولون ‪ ،‬زاد بعضهم ‪ :‬أنت آدم أبو البشر ‪ ،‬خلقك ال بيده ‪،‬‬
‫ونفخ فيك من روحه ‪ ،‬و اسكنك جنته ‪ ،‬وأسجد لك ملئكته ‪ ،‬وعلمك أساء كل شيء ‪ ،‬اشفع لنا‬
‫عند ربك حت يرينا من مكاننا ‪ ،‬أل ترى [ ‪ ] 74‬ما نن فيه ؟ ‪.‬‬
‫فيقول ‪ :‬إن رب غضب اليوم غضبا ل يغضب مثله ‪ ،‬ول يغضب بعده مثله ‪ ،‬ونائي عن الشجرة‬
‫فعصيت ‪ ،‬نفسي ‪ ،‬نفسي ‪ ،‬اذهبوا إل غيي ‪ ،‬اذهبوا إل نوح ‪.‬‬
‫فيأتون نوحا فيقولون ‪ :‬أنت أول الرسل إل أهل الرض ‪ ،‬وساك ال عبدا شكورا ‪ ،‬أل ترى ما نن فيه‬
‫‪ ،‬أل ترى ما بلغنا ‍‍! أل تشفع لنا إل ربك ؟ فيقول ‪ :‬إن رب غضب اليوم غضبا ل يغضب قبله مثله ‪،‬‬
‫ول يغضب بعده مثله ‪ ،‬نفسي ! نفسي !‬
‫قال ـ ف رواية أنس ‪ :‬ويذكر خطيئته الت أصاب ‪ :‬سؤاله ربه بغي علم ‪.‬‬
‫وف رواية أب هريرة رضي ال عنه ‪ :‬وقد كانت ل دعوة دعوتا على قومي ‪ ،‬اذهبوا إل غيي ‪ .‬اذهبوا‬
‫إل إبراهيم ‪ ،‬فإنه خليل ال ‪.‬‬
‫فيأتون إبراهيم ‪ ،‬فيقولون ‪ :‬أنت نب ال وخليله من أهل الرض ‪ ،‬اشفع لنا إل ربك ‪ ،‬أل ترى ما نن‬
‫فيه ؟‬
‫فيقول ‪ :‬إن رب قد غضب اليوم غضبا ‪ . . .‬فذكر مثله ‪ ،‬ويذكر ثلث كلمات كذبن ‪ .‬نفسي ‪،‬‬
‫نفسي ‪ ،‬لست لا ‪ ،‬ولكن عليكم بوسى ‪ ،‬فإنه كليم ال ‪.‬‬
‫وف رواية ‪ :‬فإنه عبد آتاه ال التوراة ‪ ،‬وكلمه وقربه نيا ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فيأتون موسى ‪ ،‬فيقول ‪ :‬لست لا ‪ ،‬ويذكر خطيئته الت أصاب ‪ ،‬وقتله النفس ‪ ،‬نفسي ‪ ،‬نفسي ‪،‬‬
‫ولكن عليكم بعيسى ‪ ،‬فإنه روح ال وكلمته ‪.‬‬
‫فيأتون عيسى ‪ ،‬فيقول ‪ :‬لست لا ‪ ،‬ولكن عليكم بحمد ‪ ،‬عبد غفر ال له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ‪.‬‬
‫فأوتى ‪ ،‬فأقول ‪ :‬أنا لا ‪.‬‬
‫فأنطلق فأستاذن على رب ‪ ،‬فيؤذن ل ‪ ،‬فإذا رأيته وقعت ساجدا ‪.‬‬
‫وف رواية ‪ :‬فآت تت العرش ‪ ،‬فأخر ساجدا ‪.‬‬
‫وف رواية ‪ :‬فأقوم بي يديه ‪ ،‬فأحد بحامد ل أقدر عليها إل أن يلهمنيها ال ‪.‬‬
‫وف رواية ‪ :‬فيفتح ال علي من مامده ‪ ،‬وحسن الثناء عليه شيئا ل يفتحه على أحد قبلي ‪.‬‬
‫قال ـ ف رواية أب هريرة ‪ :‬فيقال ‪ :‬يا ممد ‪ ،‬ارفع رأسك ‪ ،‬سل ‪ ،‬تعطه ‪ ،‬و اشفع تشفع ‪ ،‬فأرفع‬
‫رأسي ‪ ،‬فأقول ‪ :‬يا رب ‪ ،‬أمت ‪ ،‬يا رب ‪ ،‬أمت ‪ .‬ف قول ‪ :‬أدخل من أمتك من ل حساب عليه من‬
‫الباب الين من أبواب النة ‪ ،‬و هم شركاء الناس فيما سوى ذلك من البواب ‪.‬‬
‫و ل يذكر ف رواية أنس هذا الفصل ‪ ،‬و قال ـ مكانه ‪ :‬ث أخر ساجدا ‪ ،‬فيقال ل ‪ :‬يا ممد ‪ ،‬ارفع‬
‫رأسك ‪ ،‬و قل يسمع لك ‪ ،‬و اشفع تشفع ‪ ،‬و سل تعطه ‪ .‬فأقول ‪ :‬يا رب ‪ ،‬أمت ‪ ،‬أمت ‪ .‬فيقال ‪:‬‬
‫انطلق ‪ ،‬فمن كان ف قلبه مثقال حبة من برة أو شعية من إيان فأخرجه ‪ ،‬فأنطلق فأفعل ‪.‬‬
‫ث أرجع إل رب ‪ ،‬فأحده بتلك الحامد و ذكر مثل الول ‪ ،‬و قال فيه ‪ :‬مثقال حبة من خردل ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فأفعل ‪ ،‬ث أرجع ‪ ...‬و ذكر مثل ما تقدم ‪ ،‬و قال فيه ‪ :‬من كان ف قلبه أدن أدن أدن من مثقال حبة‬
‫من خردل ‪ ،‬فأفعل ‪.‬‬
‫و ذكر ف الرة الرابعة ‪ :‬فيقال ل ‪ :‬ارفع رأسك ‪ ،‬و قل يسمع ‪ ،‬و اشفع تشفع ‪ ،‬و سل تعطه ‪.‬‬
‫فأقول ‪ :‬يا رب ‪ ،‬ائذن ل فيمن قال ‪ :‬ل إله إل ال ‪ .‬قال ‪ :‬ليس ذلك إليك ‪.‬‬
‫و لكن و عزت و كبيائي و عظمت و جبيائي لخرجن من النار من قال ‪ :‬ل إله إل ال ‪.‬‬
‫و من رواية قتادة عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬فأقول يا رب ‪ ،‬ما بقي ف النار إل من حبسه القرآن ‪ ،‬أي وجب عليه‬
‫اللود ‪.‬‬
‫و عن أب بكر ‪ ،‬و عقبة بن عامر ‪ ،‬و أب سعيد ‪ ،‬و حذيفة مثله ‪ ،‬قال ‪ :‬فيأتون [ ‪ ] 75‬ممدا فيؤذن له‬
‫‪ ،‬و تأت المانة و الرحم فتقومان جنبت الصراط ‪.‬‬
‫وذكر ف رواية أب مالك ‪ ،‬عن حذيفة ‪ :‬فيأتون ممدا فيشفع ‪ ،‬فيضرب الصراط فيمرون ‪ :‬أولم‬
‫كالبق ‪ ،‬ث كالريح ‪ ،‬و الطي ‪ ،‬و شد الرجال ‪ ،‬و نبيكم صلى ال عليه و سلم على الصراط يقول ‪:‬‬
‫اللهم سلم سلم ‪،‬حت يتاز الناس ‪ .‬و ذكر آخرهم جوازا ‪ . . .‬الديث ‪.‬‬
‫و ف رواية أب هريرة ‪ :‬فأكون أول من ييز ‪.‬‬
‫و عن ابن عباس ‪ ،‬عنه صلى ال عليه و سلم ‪ :‬يوضع للنبياء منابر يلسون عليها ‪ ،‬ويبقى منبي ل‬
‫أجلس عيله قائما ‪ ،‬بي يدي رب منتصبا ‪ ،‬فيقول ال تبارك و تعال ‪ :‬ما تريد بأمتك ؟ فأقول ‪ :‬يا‬
‫رب ‪ ،‬عجل حسابم ‪ ،‬فيدعى بم ‪ ،‬فيحاسبون ‪.‬‬
‫فمنهم من يدخل برحته ‪ ،‬و منهم من يدخل النة بشفاعت ‪ ،‬و ل أزال أشفع حت أعطى صكاكا‬
‫برجال قد أمر بم إل النار ‪ ،‬حت إن خازن النار ليقول ‪ :‬يا ممد ‪ ،‬ما تركت لغضب ربك ف أمتك من‬
‫نقمة ‪.‬‬
‫ومن طريق زياد النميي ‪ ،‬عن أنس ـ أن رسول ال صلى ال عليه و سلم قال ‪ :‬أنا أول من تنفلق‬
‫الرض عن ججمته و ل فخر ‪ ،‬و أنا سيد الناس يوم القيا مة و ل فخر ‪ ،‬و معي لواء المد يوم‬
‫القيامة ‪ ،‬و أنا أول من تفتح له النة و ل فخر ‪ ،‬فآت فآخذ بلقة النة ‪ ،‬فيقال ‪ :‬من هذا ؟ فأقول ‪:‬‬
‫ممد ‪ ،‬فيفتح ل ‪ ،‬فيستقبلن البار تعال ‪ ،‬فأخر له ساجدا ‪ . . .‬و ذكر نو ما تقدم ‪.‬‬
‫و من رواية أنس ‪ :‬سعت رسول ال صلى ال عليه و سلم يقول‪ :‬لشفعن يوم القيامة لكثر ما ف‬
‫الرض من حجر وشجر ‪.‬‬
‫فقد اجتمع من اختلف ألفاظ هذه الثار أن شفاعته ـ صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و مقامه الحمود من‬
‫أول الشفاعات إل آخرها ‪ ،‬من حي يتمع الناس للحشر ‪ ،‬و تضيق بم الناجر ‪ ،‬و يبلغ منهم العرق و‬
‫الشمس و الوقوف مبلغه ‪ ،‬و ذلك قبل الساب ‪ ،‬فيشفع حينئذ لراحة الناس من الوقف ‪ ،‬ث يوضع‬
‫الصراط ‪ ،‬و ياسب الناس ‪ ،‬كما جاء ف الديث عن أب هريرة و حذيفة ‪.‬‬
‫و هذا الديث أتقن ‪ ،‬فيشفع ف تعجيل من ل حساب عليه من أمته إل النة ـ كما تقدم ف الديث‬
‫ـ ث يشفع فيمن وجب عليه العذاب ‪ ،‬و دخل النار منهم حسب ما تقضيه الحاديث الصحيحة ‪ ،‬ث‬
‫فيمن قال ‪ :‬ل إله إل ال ‪ .‬و ليس هذا لسواه صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و ف الديث النتشر الصحيح ‪ :‬لكل نب دعوة يدعو با ‪ ،‬و اختبأت دعوت شفاعةً ل مت يوم القيامة ‪.‬‬
‫قال أهل العلم ‪ :‬معناه دعوة أعلم أنا تستجاب لم ‪ ،‬و يبلغ فيها مرغوبم ‪ ،‬و إل فكم لكل نب منهم‬
‫من دعوة مستجابة ‪ ،‬و لنبينا صلى ال عليه و سلم منها ما ل يعد ‪ ،‬لكن حالم عند الدعاء با بي‬
‫الرجاء و الوف ‪ ،‬و ضمنت لم إجابة دعوة فيما شاءوه يدعون با على يقي من الجابة ‪.‬‬
‫و قد قال ممد بن زياد ‪ ،‬و أبو صال ‪ ،‬عن أب هريرة ف هذا الديث ‪ :‬لكل نب دعوة دعا با ف أمته ‪،‬‬
‫فاستجيب له ‪ ،‬و أنا أريد أن أدخر ‪ ،‬دعوت شفاعة لمت يوم القيامة ‪.‬‬
‫و قي رواية أبو صال ‪ :‬لكل نب دعوة مستجابة ‪ ،‬فتعجل كل نب دعوته ‪.‬‬
‫و نوه ف رواية أب زرعة عن أب هريرة [ ‪. ] 76‬‬
‫و عن أنس مثل رواية ابن زياد ‪ ،‬عن أب هريرة ‪.‬‬
‫فتكون هذه الدعوة الذكورة مصوصةً بالمة مضمونة الجابة ‪ ،‬و ال فقد أخب صلى ال عليه و سلم‬
‫أنه سأل لمته أشياء من أمور الدين والدنيا و أعطي بعضها ‪ ،‬و منع بعضها ‪ ،‬وادخر لم هذه الدعوة‬
‫ليوم الفاقة ‪ ،‬و خاتة الحن ‪ ،‬و عظيم الشؤال و الرغبة ‪.‬‬
‫جزاه ال أحسن ما جزى نبيا عن أمته ‪ ،‬و صلى ال عليه و سلم كثيا ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف تفضيله ف النة بالوسيلة و الدرجة الرفعية و الكوثر و الفضيلة‬

‫حدثنا القاضي أبو عبد ال ممد بن عيسى التيمي ‪ ،‬و الفقيه أبو الوليد هشام بن أحد ‪ ،‬بقراءت‬
‫عليهما ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا أبو علي الغسان ‪ ،‬حدثنا النمري ‪ ،‬حدثنا ابن عبد الؤمن ‪ ،‬حدثنا أبو بكر‬
‫التمار ‪ ،‬حدثنا أبو داود ‪ ،‬حدثنا ممد بن سلمة ‪ ،‬حدثنا ابن وهب ‪ ،‬عن ابن ليعة ‪ ،‬و حيوة ‪ ،‬و سعيد‬
‫بن أب أيوب ‪ ،‬عن كعب بن علقمة ‪ ،‬عن عبد الرحن بن جبي ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو بن العاص ـ‬
‫أنه سع النب ـ صلى ال عليه و سلم ـ يقول ‪ :‬إذا سعتم الؤذن فقولوا مثل ما يقول ‪ ،‬ث صلوا علي ‪،‬‬
‫فإنه من صل علي مرة صلى ال عليه عشرا ‪ ،‬ث سلوا ال ل الوسيلة ‪ ،‬فإنا منلة ف النة ل تنبغي إل‬
‫لعبد من عباد ال ‪ ،‬و أرجو أن أكون أنا هو ‪ .‬فمن سأل ال ل الوسيلة حلت عليه الشفاعة ‪.‬‬
‫و ف حديث آخر ـ عن أب هريرة ‪ :‬الوسيلة أعلىدرجة ف النة ‪.‬‬
‫و عن أنس ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬بينا أنا أسي ف النة إذ عرض ل نر حافتاه قباب‬
‫اللؤلؤ ‪.‬‬
‫قلت لبيل ‪ :‬ما هذا ! قال ‪ :‬هذا الكوثر الذي أعطاكه ال ‪ .‬قال ‪ :‬ث ضرب بيده إل طينه ‪ ،‬ف‬
‫استخرج مسكا ‪.‬‬
‫و عن عائشة و عبد ال بن عمرو مثله ‪ ،‬قال ‪ [ :‬و مراه على الدر و الياقوت ‪ ،‬و ماؤه أحلى من العسل‬
‫‪ ،‬و أبيض من الثلج ] ‪.‬‬
‫و ف رواية ـ عنه ‪ [ :‬فإذا هو يري ‪ ،‬و ل يشق شقا ‪ ،‬عليه حوض ترد عليه أمت ‪ ] . . .‬و ذكر‬
‫حديث الوض ‪.‬‬
‫و نوه عن ابن عباس ‪.‬‬
‫و عن [ ابن عباس أيضا ‪ ،‬قال ‪ :‬الكوثر الي الذي أعطاه ال إياه ‪.‬‬
‫و قال سعيد بن جبي ‪ :‬و النهر الذي ف النة من الي الذي أعطاه ال ‪.‬‬
‫و عن حذيفة ـ فيما ذكر صلى ال عليه و سلم عن ربه ‪ :‬وأعطان الكوثر ‪ ،‬و هو نر ف النة ‪ ،‬يسيل‬
‫ف حوضي ‪.‬‬
‫و عن ابن عباس ‪ :‬ف قوله تعال ‪ :‬ولسوف يعطيك ربك فترضى ‪ ،‬قال ‪ :‬ألف قصر من لؤلؤ ترابن‬
‫السك ‪ ،‬و فيه ما يصلحهن ‪.‬‬
‫و ف رواية أخرى ‪ :‬وفيه ما ينبغي له من الزواج و الدم ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف بيان شبهة ترد على ما تقدم‬
‫فإن قلت ‪ :‬إذا تقرر من دليل القرآن ‪ ،‬و صحيح الثر ‪ ،‬و إجاع المة ـ كونه أكرم البشر ‪ ،‬و أفضل‬
‫النبياء ـ فما معن الحاديث الواردة بنهيه عن التفضيل ؟ كقوله ـ فيما حدثنا السدي ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا‬
‫السمرقندي ‪ ،‬حدثنا الفارسي ‪ ،‬حدثنا اللودي ‪ ،‬حدثنا ابن سفيان ‪ ،‬حدثنا مسلم ‪ ،‬حدثنا ابن مثن ‪،‬‬
‫حدثنا ممد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن قتادة ‪ :‬سعت أبا العالية يقول ‪ :‬حدثن ابن عم نبيكم صلى‬
‫ال عليه و سلم ـ يعن ابن عباس ‪ ،‬عن النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬قال ‪ :‬ما ينبغي لعبد أن يقول ‪ :‬أنا‬
‫خي من يونس بن مت ‪.‬‬
‫و ف غي هذا الطريق عن أب هريرة [ ‪ ] 77‬قال ـ يعن رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬ما ينبغي‬
‫لعبد ‪ ...‬الديث ‪.‬‬
‫و ف حديث أب هريرة ـ ف اليهودي الذي قال ‪ :‬و الذي اصطفى موسى على البشر ‪ ،‬فلطمه رجل من‬
‫النصار ‪ ،‬و قال ‪ :‬تقول ذلك و رسول ال صلى ال عليه و سلم بي أظهرنا ‪.‬‬
‫فبلغ ذلك النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل تفضلوا بي النبياء ‪.‬‬
‫و ف رواية ‪ :‬ل تبن على موسى فذكر الديث ‪.‬‬
‫و فيه ‪ :‬و ل أقول ‪ :‬إن أحدا أفضل من يونس بن مت ‪.‬‬
‫رواية عن أب هريرة ‪ [ :‬من قال ‪ :‬أنا خي من يونس بن مت فقد كذب ] ‪.‬‬
‫رواية عن ابن مسعود ‪ [ :‬ل يقولون أحدكم أنا خي من يونس بن مت ] ‪.‬‬
‫و ف حديثه الخر ‪ :‬فجاءه صلى ال عليه و سلم رجل ‪ ،‬فقال له ‪ :‬يا خي البية ‪ ،‬فقال ‪ :‬ذاك إبراهيم ‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫فاعلم أن للعلماء ف هذه الحاديث تأويلت ‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬أن نيه عن التفضيل كان قبل أن يعلم أنه سيد ولد آدم ‪ ،‬فنهى عن التفضيل ‪ ،‬إذ يتاج إل‬
‫توقيف ‪ ،‬و أن من فضل بل علم فقد كذب ‪.‬‬
‫و كذلك قوله ‪ :‬ل أقول إن أحدا أفضل منه ـ ل يقتضي تفضيله هو ‪ ،‬وإنا هو ف الظاهر كف عن‬
‫التفضيل ‪.‬‬
‫الوجه الثان ‪ :‬أنه قاله صلى ال عليه و سلم على طريق التواضع ‪ ،‬ونفى التكب والعجب ‪ ،‬وهذا ل يسلم‬
‫من العتراض ‪.‬‬
‫الوجه الثالث ‪ :‬أل يفضل بينهم تفضيلً يؤدي إل تنقص بعضهم ‪ ،‬أو الغض منه ‪ ،‬ل سيما ف جهة‬
‫يونس عليه السلم ‪ ،‬إذ أخب ال عنه با أخب لئل يقع ف نفس من ل يعلم منه بذلك غضاضة وانطاط‬
‫من رتبته الرفيعة ‪ ،‬إذ قال تعال عنه ‪ :‬إذ أبق إل الفلك الشحون ‪ .‬إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر‬
‫عليه ـ فربا ييل لن ل علم عنده حطيطته ‪ ،‬بذلك ‪.‬‬
‫الوجه الرابع ‪ :‬منع التفضيل ف حق النبوة و الرسالة ‪ ،‬فإن النبياء فيها على حد واحد ‪ ،‬إذ هي شيء‬
‫واحد ل يتفاضل ‪ ،‬و إنا التفاضل ف زيادة الحوال و الصوص ‪ ،‬و الكرامات ‪ ،‬و‬
‫الرتب ‪ ،‬و اللطاف ‪ ،‬و أما النبوة ف نفسها فل تتفاضل ‪ ،‬و إنا التفاضل بأمور أخر زائدة عليها ‪ ،‬و‬
‫لذلك منهم رسل ‪ ،‬و منهم أولو عزم من الرسل ‪ ،‬و منهم من رفع مكانا عليا ‪ ،‬و منهم من أوت الكم‬
‫صبيا ‪ ،‬و أوت بعضهم الزبر ‪ ،‬وبعضهم البينات ‪ ،‬ومنهم من كلم ال ‪ ،‬ورفع بعضهم فوق بعض‬
‫درجات ‪ ،‬قال ال تعال ‪ :‬ولقد فضلنا بعض النبيي على بعض وآتينا داود زبورا [ سورة السراء ‪/‬‬
‫‪ ، 17‬الية ‪. ] 55 :‬‬
‫و قال ‪ :‬تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض [ سورة البقرة ‪ ، 2 /‬الية ‪. ] 253 :‬‬
‫قال بعض أهل العلم ‪ :‬و التفضيل الراد لم هنا ف الدنيا ‪ ،‬و ذلك بثلثة أحوال ‪:‬‬
‫أن تكون آياته ومعجزاته أبر ‪ ،‬و أشهر ‪ ،‬أو تكون أمته أزكى و أكثر ‪ ،‬أو يكون ف ذاته أفضل و‬
‫أطهر ‪ ،‬و فضله ف ذاته راجع إل ما خصه ال به من كرامته ‪ ،‬و اختصاصه من كلم أو خلة او رؤية أو‬
‫ما شاء ال من ألطافه ‪ ،‬و تف وليته و اختصاصه ‪.‬‬
‫و قد روي أن النب صلى ال عليه و سلم قال ‪ :‬إن للنبوة أثقالً ‪ ،‬و إن ي ونس تفسخ منها تفسخ الربع‬
‫فحفظ رسول ال صلى ال عليه و سلم موضع الفتنة ‪ ،‬من أوهام من يسبق إليه بسببها حرج ف نبوته ‪،‬‬
‫أو قدح ف اصطفائه ‪ ،‬و حط عن رتبته ‪ ،‬و وهن ف عصمته ‪ ،‬شفقة منه صلى ال عليه و سلم على أمته‬
‫‪.‬‬
‫وقد يتوجه على هذا الترتيب ‪ ،‬وجه [ ‪ ] 78‬خامس ‪ ،‬و هو أن يكون [ أنا ] راجعا إل القائل نفسه ‪،‬‬
‫أي ل يظن أحد ـ و إن بلغ من الذكاء و العصمة و الطهارة ‪ ،‬ما بلغ ـ أنه خي من يونس ‪ ،‬لجل ما‬
‫حكى ال عنه ‪ ،‬فإن درجة النبوة أفضل وأعلى ‪ ،‬وإن تلك القدار ل تطه ‪ ،‬عنها حبة خردل و ل أدن‬
‫‪.‬‬
‫و سنيد ف القسم الثالث ف هذا بيانا إن شاء ال تعال ‪.‬‬
‫فقد بان لك الغرض ‪ ،‬وسقط با حررناه شبهة العترض ‪ [ ،‬و بال التوفيق ‪ ،‬و هو الستعان ل إله إل هو‬
‫]‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف أسائه ‪ :‬صلى ال عليه و سلم و ما تضمنته من فضيلته‬
‫حدثنا أبو عمران موسى بن أب تليد الفقيه ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا أبو عمر الافظ ‪ ،‬حدثنا سعيد بن نصر ‪،‬‬
‫حدثنا قاسم بن أصبغ ‪ ،‬حدثنا ممد بن وضاح ‪ ،‬حدثنا يي ‪ ،‬حدثنا مالك ‪ ،‬عن ابن شهاب ‪ ،‬عن‬
‫ممد بن جبي بن مطعم ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬ل خسة أساء ‪ :‬أنا‬
‫ممد ‪ ،‬و أنا أحد ‪ ،‬و أنا الاحي ‪ ،‬الذي يحو ال ب الكفر ‪،‬‬
‫و أنا الاشر الذي يشر الناس على قدمي‪ ،‬و أنا العاقب ‪.‬‬
‫و قد ساه ال تعال ف كتابه ممدا ‪ ،‬وأحد ‪.‬‬
‫فمن خصائصه تعال له أن ضمن أساءه ثناءه ‪ ،‬وطوى أثناء ذكره عظيم شكره ‪.‬‬
‫فأما اسه أحد فأفعل مبالغةً من صفة المد ‪.‬‬
‫وممد ‪ :‬مفعل ‪ ،‬مبالغة من كثرة المد ‪ ،‬فهو ـ صلى ال عليه و سلم ـ أجل من حد ‪ ،‬و أفضل من‬
‫حد ‪ ،‬و أكثر الناس حدا ‪ ،‬فهو أحد الحمودين ‪ ،‬و أحد الامدين ‪ ،‬و معه لواء المد يوم القيامة ليتم‬
‫له كمال المد ‪ ،‬ويتشهر ف تلك العرصات بصفة المد ‪ ،‬ويبعثه ربه هناك مقاما ممودا كما وعده ‪،‬‬
‫يمده فيه الولون والخرون بشفاعته لم ‪ ،‬ويفتح عليه فيه من الحامد ـ كما قال صلى ال عليه و‬
‫سل م ـ ما ل يعط غيه ‪ ،‬وسى أمته ف كتب أنبيائه بالمادين ‪ ،‬فحقيق أن يسمى ممدا وأحد ‪.‬‬
‫ث ف هذين السي من عجائب خصائصه ‪ ،‬وبدائع آياته ـ فن آخر ‪ ،‬و هو أن ال جل اسه حى أن‬
‫يسمى بما أحد قبل زمانه ‪.‬‬
‫أما أحد الذي أتى ف الكتب وبشرت به النبياء فمنع ال تعال بكمته أن يسمى به أحد غيه ‪ ،‬ول‬
‫يدعى به مدعو قبله حت ل يدخل لبس على ضعيف القلب أو شك ‪.‬‬
‫و كذلك ممد أيضا ل يسم به أحد من العرب و لغيهم إل أن شاع قبيل وجوده صلى ال عليه و‬
‫سلم و ميلده أن نبيا يبعث اسه ممد ‪ ،‬فسمى قوم قليل من العرب أبناءهم بذلك ‪ ،‬رجاء أن يكون‬
‫أحدهم هو ‪ .‬و ال أعلم حيث يمل رسالته ‪ ،‬وهم ‪ :‬ممد بن أحيحة بن اللح الوسي ‪ ،‬و ممد بن‬
‫مسلمة النصاري ‪ ،‬و ممد بن براء البكري ‪ ،‬و ممد بن سفيان بن ماشع ‪ ،‬و ممد بن حران‬
‫العفي ‪ ،‬و ممد بن خراعي السلمي ‪ ،‬ل سابع لم ‪.‬‬
‫ويقال ‪ :‬أول من تسمى بحمد ممد بن سفيان ‪ .‬واليمن تقول ‪ :‬بل ممد بن اليحمد من الزد ‪.‬‬
‫ث حى ال كل من تسمى به أن يدعي النبوة أو يدعيها أحد له ‪ ،‬او يظهر عليه سبب يشك أحدا ف‬
‫أمره حت تققت السمتان له صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬ول ينازع فيهما ‪.‬‬
‫وأما قوله صلى ال عليه و سلم ‪ :‬و أنا الاحي الذي يحو ال ب الكفر ففسر ف الديث ‪ :‬و يكون مو‬
‫الكفر إما من مكة و بلد العرب ‪ ،‬و ما زوي له من الرض ‪ ،‬و وعد أنه يبلغه ملك أمته ‪ ،‬أو يكون‬
‫الحو عاما ‪ ،‬بعن الظهور والغلبة ‪ ،‬كما [ ‪ ] 79‬قال تعال ‪ :‬ليظهره على الدين كله [ سورة التوبة ‪/‬‬
‫‪ ، 9‬الية ‪. ] 33 :‬‬
‫[ و قد ورد تفسيه ف الديث أنه الذي ميت به سيئات من اتبعه ] ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬و أنا الاشر الذي يشر الناس على قدمي أي على زمان و عهدي ‪ ،‬أي ليس بعدي نب ‪ ،‬كما‬
‫قال ‪ :‬و خات النبيي ‪.‬‬
‫وسي عاقبا ‪ ،‬لنه عقب غيه من النبياء ‪.‬‬
‫[ و ف الصحيح ‪ :‬انا العاقب الذي ليس بعدي نب ] ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬معن على قدمي ‪ ،‬أي يشر الناس بشاهدت ‪ ،‬كما قال تعال ‪ :‬لتكونوا شهداء على الناس‬
‫ويكون الرسول عليكم شهيدا [ سورة البقرة ‪ ، 2 /‬الية ‪. ] 143 :‬‬
‫[ و قيل على قدمي ‪ :‬على سابقت ‪ ،‬قال ال تعال ‪ :‬أن لم قدم صدق عند ربم [ سورة يونس ‪، 10 /‬‬
‫الية ‪. ] 2 :‬‬
‫و قيل ‪ :‬على قدمي ‪ :‬أي قدامي ‪ ،‬وحول ‪ ،‬أي يتمعون إل يوم القيامة ‪.‬‬
‫و قيل على قدمي ‪ :‬على سنت ] ‪.‬‬
‫ومعن قوله ‪ :‬ل خسة أساء ‪ :‬قيل ‪ :‬إنا موجودة ف الكتب التقدمة ‪ ،‬وعند أول العلم من المم السالفة‬
‫‪ [ ،‬و ال أعلم ] ‪.‬‬
‫و قد روي عنه صلى ال عليه و سلم ‪ :‬ل عشرة أساء و ذكر منها ‪ :‬طه ‪ ،‬و يس ‪ ،‬حكاه مكي ‪.‬‬
‫و قد قيل ف بعض تفسي طه ‪ :‬إنه ياطاهر ياهادي ‪ .‬وف يس ‪ :‬يا سيد ‪ ،‬حكاه السلمي عن الواسطي ‪،‬‬
‫وجعفر بن ممد ‪.‬‬
‫و ذكر غيه ‪ :‬ل عشرة أساء فذكر المسة الت ف الديث الول ‪ ،‬قال ‪ :‬و أنا رسول الرحة و رسول‬
‫الراحة ‪ ،‬و رسول اللحم ‪ ،‬وأنا القتفي ‪ ،‬قفيت النبيي ‪.‬‬
‫و أنا قيم ‪ ،‬و القيم ‪ :‬الامع الكامل ‪ ،‬كذا و جدته ‪ ،‬و ل أروه ‪.‬‬
‫و أرى أن صوابه قثم ـ بالثاء كما ذكرناه بعد عن الرب ‪ ،‬و هو أشبه بالتفسي ‪.‬‬
‫و قد وقع أيضا ف كتب النبياء ‪ :‬قال داود عليه السلم ‪ :‬اللهم ابعث لنا ممد امقيم السنة بعد الفترة ‪،‬‬
‫فقد يكون القيم بعناه ‪.‬‬
‫وروى النقاش عنه صلى ال عليه و سلم ‪ :‬ل ف القرآن سبعة أساء ‪ :‬ممد ‪ ،‬و أحد و يس ‪ ،‬و طه ‪ ،‬و‬
‫الدثر ‪ ،‬و الزمل ‪ ،‬و عبد الل ‪.‬‬
‫[ و ف حديث ـ عن جبي بن مطعم رضي ال عنه ‪ :‬هي ست ‪ :‬ممد ‪ ،‬و أحد ‪ ،‬و خات ‪ ،‬و عاقب ‪،‬‬
‫و حاشر ‪ ،‬و ماح ] ‪.‬‬
‫و ف حديث أب مو سى الشعري ـ أنه كان صلى ال عليه و سلم يسمي لنا نفسه أساء ‪،‬فيقول ‪ :‬أنا‬
‫ممد و أحد ‪،‬و القفي ‪ ،‬و نب التوبة ‪ ،‬و نب اللحمة ‪ ،‬و نب الرحة ‪.‬‬
‫و يروى ‪ :‬الرحة ‪ ،‬و الراحة ‪.‬‬
‫و كل صحيح إن شاء ال ‪.‬‬
‫و معن القفي معن القالب ‪.‬‬
‫و أما نب الرحة و التوبة ‪ ،‬و الرحة و الراحة ـ فقال تعال ‪ :‬وما أرسلناك إل رحة للعالي ‪ ،‬و كما و‬
‫صفه بأنه يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الكمة ‪ .‬و يهديهم إل صراط مستقيم ‪ .‬و بالؤمني رؤوف‬
‫رحيم [ سورة التوبة ‪ ، 9/‬الية ‪. ] 128‬‬
‫و قال ف صفة أمته ‪ :‬أنا أمة مرحومة ‪.‬‬
‫و قال ال تعال فيهم ‪ :‬وتواصوا بالصب وتواصوا بالرحة ‪ ،‬أي يرحم بعضهم بعضا ‪ ،‬فبعثه ربه تعال‬
‫رحة لمته و رحة للعالي ‪ ،‬و رحيما بم ‪ ،‬و مرتما و مستغفرا لم ‪ ،‬و جعل أمته مرحومة ‪ ،‬و‬
‫وصقها بالرحة ‪.‬‬
‫و أمرها صلى ال عليه و سلم بالتراحم ‪ ،‬فقال و أثن عليه فقال ‪ :‬إن ال يب من عباده الرحاء ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬الراحون يرحهم الرحن ‪ .‬ارحوا من ف الرض يرحكم من ف السماء ‪.‬‬
‫و أما رواية نب اللحمة فإشارة إل ما بعث به من القتال و السيف ـ صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و هي‬
‫صحيح ة ‪.‬‬
‫و روى حذيفة مثل حديث أب موسى ‪ ،‬و نب الرحة ‪ ،‬و نب اللحم ‪.‬‬
‫و رو ي الرب ف حديثه صلى ال عليه و سلم أنه قال ‪ :‬أتان ملك فقال ل ‪ :‬أنت قثم أي متمع ‪ .‬قال‬
‫‪ :‬و القثم ‪ :‬الامع للخي ‪ ،‬و هذا اسم هو ف أهل بيته معلوم ‪.‬‬
‫و قد جاءت من ألقابة ـ صلى ال عليه و سلم و ساته ف القرآن عدة كثية سوى ما ذكرناه ‪،‬‬
‫كالنور ‪ ،‬و السراج الني ‪ ،‬و النذرو النذير ‪ ،‬و البشر و البشي ‪ ،‬و الشاهد ‪،‬و الشهيد ‪ ،‬و الق البي ‪،‬‬
‫و خات النبيي ‪،‬و الرؤوف الرحيم ‪ ،‬و المي ‪ ،‬و قدم الصدق [‪ ، ]80‬و رحة للعالي ‪،‬و نعمة ال و‬
‫العروة الوثقى ‪ ،‬و الصراط الستقيم ‪ ،‬و النجم الثاقب و الكري ‪ ،‬و النب المي ‪ ،‬و داعي ال ـ ف‬
‫أوصاف كثية ‪ ،‬و سات جليلة ‪.‬‬
‫و جرى منها ف كتب ال التقدمة ‪ ،‬و كتب أنبيائه ‪ ،‬و أحاديث رسوله ‪ ،‬و إطلق المة جلة شافية ‪،‬‬
‫كتسميته بالصطفى ‪ ،‬و الجتب ‪ ،‬و أب القاسم ‪ ،‬و البيب ‪،‬و رسول رب العالي‪ ،‬و الشفيع الشفع ‪ ،‬و‬
‫التقي ‪ ،‬و الصلح ‪ ،‬و الطاهر ‪ ،‬و الهي و الصادق ‪ ،‬و الصدوق ‪ ،‬و الادي ‪ ،‬و سيد و لد آدم ‪ ،‬و‬
‫سيد الرسلي ‪ ،‬و إمام التقي ‪،‬و قائدالغر الحجلي ‪ ،‬و حبيب ال ‪،‬و خلي ل الرحن ‪،‬و صاحب‬
‫الوض الورود ‪ ،‬و الشفاعة ‪،‬و القام الحمود ‪ ،‬و صاحب الوسيلة و الفضيلة و الدرجة الرفيعة ‪ ،‬و‬
‫صاحب التاج ‪ ،‬و العراج ‪ ،‬و اللواء ‪ ،‬و القضيب ‪ ،‬و راكب الباق ‪ ،‬و الناقة ‪ ،‬و النجيب ‪ ،‬و صاحب‬
‫الجة و السلطان ‪ ،‬و الات ‪ ،‬و العلمة و البهان ‪ ،‬و صاحب الراوة و النعلي ‪.‬‬
‫و من أسائه ف الكتب ‪ :‬التوكل ‪ ،‬و الختار ‪ ،‬و مقيم السنة ‪ ،‬و القدس ‪ [ .‬وروح القدس ] ‪ ،‬و روح‬
‫الق ‪ ،‬و هو معن البارقليط ف النيل ‪.‬‬
‫و قال ثعلب ‪ :‬البارقليط ‪ :‬الذي يفرق بي الق و الباطل ‪.‬‬
‫و من أسائه ف الكتب السالفة ‪ ،‬ماذ ماذ ‪ ،‬و معناه طيب ‪ ،‬طيب ‪ ،‬و حطايا ‪،‬و الات ‪ ،‬و الات ‪،‬‬
‫حكاه الحبار ‪.‬‬
‫قال ثعلب ‪ :‬فالات الذي ختم [ ال به ] النبياء ‪ .‬و الات ‪ :‬أحسن النبياء خلقا و خلقا ‪.‬‬
‫و يسمى بالسريانية ‪ :‬مشفع و النحمنا ‪ ،‬و اسه ف التوراة أحيد ـ روي ذلك عن ابن سيين ‪.‬‬
‫و معن صاحب القضيب ‪ ،‬أي السيف ‪ ،‬و قع ذلك مفسرا ف النيل ‪ ،‬قال ‪ :‬معه قضيب من حديد‬
‫يقاتل به ‪ ،‬و أمته كذلك ‪.‬‬
‫و قد يمل على أنه القضيب المشوق الذي كان يسكه صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و هو الن عند اللفاء‬
‫‪.‬‬
‫و أما الراوة الت وصف با فه ي ف اللغة العصا ‪ ،‬و أراها ـ و ال أعلم ـ العصا الذكورة ف حديث‬
‫الوض ‪ :‬أذود الناس عنه بعصايـى ـ لهل اليمن ‪.‬‬
‫و أما التاج فالراد به العمامة ‪ ،‬و ل تكن حينئذ إل للعرب ‪ ،‬و العمائم تيجان العرب ‪.‬‬
‫و أوصافه و ألقابه ‪ ،‬و ساته ف الكتب كثية ‪ ،‬و فيها ذكرناه منها مقنع إن شاء ال ‪.‬‬
‫[و كانت كنيهة الشهورة أبا القاسم ‪.‬‬
‫و روي عن أنس أنه لا ولد إبراهيم جاءه جبيل فقال له ‪ :‬السلم عليك يا أبا إبراهيم ] ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف أسائه ‪ :‬صلى ال عليه و سلم و ما تضمنته من فضيلته‬

‫حدثنا أبو عمران موسى بن أب تليد الفقيه ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا أبو عمر الافظ ‪ ،‬حدثنا سعيد بن نصر ‪،‬‬
‫حدثنا قاسم بن أصبغ ‪ ،‬حدثنا ممد بن وضاح ‪ ،‬حدثنا يي ‪ ،‬حدثنا مالك ‪ ،‬عن ابن شهاب ‪ ،‬عن‬
‫ممد بن جبي بن مطعم ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬ل خسة أساء ‪ :‬أنا‬
‫ممد ‪ ،‬و أنا أحد ‪ ،‬و أنا الاحي ‪ ،‬الذي يحو ال ب الكفر ‪،‬‬
‫و أنا الاشر الذي يشر الناس على قدمي‪ ،‬و أنا العاقب ‪.‬‬
‫و قد ساه ال تعال ف كتابه ممدا ‪ ،‬وأحد ‪.‬‬
‫فمن خصائصه تعال له أن ضمن أساءه ثناءه ‪ ،‬وطوى أثناء ذكره عظيم شكره ‪.‬‬
‫فأما اسه أحد فأفعل مبالغةً من صفة المد ‪.‬‬
‫وممد ‪ :‬مفعل ‪ ،‬مبالغة من كثرة المد ‪ ،‬فهو ـ صلى ال عليه و سلم ـ أجل من حد ‪ ،‬و أفضل من‬
‫حد ‪ ،‬و أكثر الناس حدا ‪ ،‬فهو أحد الحمودين ‪ ،‬و أحد الامدين ‪ ،‬و معه لواء المد يوم القيامة ليتم‬
‫له كمال المد ‪ ،‬ويتشهر ف تلك العرصات بصفة المد ‪ ،‬ويبعثه ربه هناك مقاما ممودا كما وعده ‪،‬‬
‫يمده فيه الولون والخرون بشفاعته لم ‪ ،‬ويفتح عليه فيه من الحامد ـ كما قال صلى ال عليه و‬
‫سل م ـ ما ل يعط غيه ‪ ،‬وسى أمته ف كتب أنبيائه بالمادين ‪ ،‬فحقيق أن يسمى ممدا وأحد ‪.‬‬
‫ث ف هذين السي من عجائب خصائصه ‪ ،‬وبدائع آياته ـ فن آخر ‪ ،‬و هو ان ال جل اسه حى أن‬
‫يسمى بما أحد قبل زمانه ‪.‬‬
‫أما أحد الذي أتى ف الكتب وبشرت به النبياء فمنع ال تعال بكمته أن يسمى به أحد غيه ‪ ،‬ول‬
‫يدعى به مدعو قبله حت ل يدخل لبس على ضعيف القلب أو شك ‪.‬‬
‫و كذلك ممد أيضا ل يسم به أحد من العرب و لغيهم إل أن شاع قبيل وجوده صلى ال عليه و‬
‫سلم وميلده أن نبيا يبعث اسه ممد ‪ ،‬فسمى قوم قليل من العرب أبناءهم بذلك ‪ ،‬رجاء أن يكون‬
‫أحدهم هو ‪ .‬و ال أعلم حيث يمل رسالته ‪ ،‬وهم ‪ :‬ممد بن أحيحة بن اللح الوسي ‪ ،‬و ممد بن‬
‫مسلمة النصاري ‪ ،‬و ممد بن براء البكري ‪ ،‬و ممد بن سفيان بن ماشع ‪ ،‬و ممد بن حران‬
‫العفي ‪ ،‬و ممد بن خراعي السلمي ‪ ،‬ل سابع لم ‪.‬‬
‫ويقال ‪ :‬أول من تسمى بحمد ممد بن سفيان ‪ .‬واليمن تقول ‪ :‬بل ممد بن اليحمد من الزد ‪.‬‬
‫ث حى ال كل من تسمى به أن يدعي النبوة أو يدعيها أحد له ‪ ،‬او يظهر عليه سبب يشك أحدا ف‬
‫أمره حت تققت السمتان له صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬ول ينازع فيهما ‪.‬‬
‫وأما قوله صلى ال عليه و سلم ‪ :‬و أنا الاحي الذي يحو ال ب الكفر ففسر ف الديث ‪ :‬و يكون مو‬
‫الكفر إما من مكة و بلد العرب ‪ ،‬و ما زوي له من الرض ‪ ،‬و وعد أنه يبلغه ملك أمته ‪ ،‬أو يكون‬
‫الحو عاما ‪ ،‬بعن الظهور والغلبة ‪ ،‬كما [ ‪ ] 79‬قال تعال ‪ :‬ليظهره على الدين كله [ سورة التوبة ‪/‬‬
‫‪ ، 9‬الية ‪. ] 33 :‬‬
‫[ و قد ورد تفسيه ف الديث أنه الذي ميت به سيئات من اتبعه ] ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬و أنا الاشر الذي يشر الناس على قدمي اي على زمان و عهدي ‪ ،‬أي ليس بعدي نب ‪ ،‬كما‬
‫قال ‪ :‬و خات النبيي ‪.‬‬
‫وسي عاقبا ‪ ،‬لنه عقب غيه من النبياء ‪.‬‬
‫[ و ف الصحيح ‪ :‬انا العاقب الذي ليس بعدي نب ] ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬معن على قدمي ‪ ،‬أي يشر الناس بشاهدت ‪ ،‬كما قال تعال ‪ :‬لتكونوا شهداء على الناس‬
‫ويكون الرسول عليكم شهيدا [ سورة البقرة ‪ ، 2 /‬الية ‪. ] 143 :‬‬
‫[ و قيل ‪ :‬على قدمي ‪ :‬على سابقت ‪ ،‬قال ال تعال ‪ :‬أن لم قدم صدق عند ربم [ يونس ‪، 10 /‬‬
‫الية ‪. ] 2 :‬‬
‫و قيل ‪ :‬على قدمي ‪ :‬أي قدامي ‪ ،‬وحول ‪ ،‬أي يتمعون إل يوم القيامة ‪.‬‬
‫و قيل على قدمي ‪ :‬على سنت ] ‪.‬‬
‫ومعن قوله ‪ :‬ل خسة أساء ‪ :‬قيل ‪ :‬إنا موجودة ف الكتب التقدمة ‪ ،‬وعند أول العلم من المم السالفة‬
‫‪ [ ،‬و ال أعلم ] ‪.‬‬
‫و قد روي عنه صلى ال عليه و سلم ‪ :‬ل عشرة أساء و ذكر منها ‪ :‬طه ‪ ،‬و يس ‪ ،‬حكاه مكي ‪.‬‬
‫و قد قيل ف بعض تفسي طه ‪ :‬إنه ياطاهر ياهادي ‪ .‬وف يس ‪ :‬يا سيد ‪ ،‬حكته السلمي عن الواسطي ‪،‬‬
‫وجعفر بن ممد ‪.‬‬
‫و ذكر غيه ‪ :‬ل عشرة أساء فذكر المسة الت ف الديث الول ‪ ،‬قال ‪ :‬و أنا رسول الرحة و رسول‬
‫الراحة ‪ ،‬و رسول اللحم ‪ ،‬وأنا القتفي ‪ ،‬قفيت النبيي ‪.‬‬
‫و أنا قيم ‪ ،‬و القيم ‪ :‬الامع الكامل ‪ ،‬كذا و جدته ‪ ،‬و ل أروه ‪.‬‬
‫و أرى أن صوابه قثم ـ بالثاء كما ذكرناه بعد عن الرب ‪ ،‬و هو أشبه بالتفسي ‪.‬‬
‫و قد وقع أيضا ف كتب النبياء ‪ :‬قال داود عليه السلم ‪ :‬اللهم ابعث لنا ممد امقيم السنة بعد الفترة ‪،‬‬
‫فقد يكون القيم بعناه ‪.‬‬
‫وروى النقاش عنه صلى ال عليه و سلم ‪ :‬ل ف القرآن سبعة أساء ‪ :‬ممد ‪ ،‬و أحد و يس ‪ ،‬و طه ‪ ،‬و‬
‫الدثر ‪ ،‬و الزمل ‪ ،‬و عبد ال ‪.‬‬
‫[ و ف حديث ـ عن جبي بن مطعم رضي ال عنه ‪ :‬هي ست ‪ :‬ممد ‪ ،‬و أحد ‪ ،‬و خات ‪ ،‬و عاقب ‪،‬‬
‫و حاشر ‪ ،‬و مال ] ‪.‬‬
‫و ف حديث أب موسى الشعري ـ أنه ك ان صلى ال عليه و سلم يسمي لنا نفسه أساء ‪،‬فيقول ‪ :‬أنا‬
‫ممد و أحد ‪،‬و القفي ‪ ،‬و نب التوبة ‪ ،‬و نب اللحمة ‪ ،‬و نب الرحة ‪.‬‬
‫و كل صحيح إن شاء ال ‪.‬‬
‫و معن القفي معن القالب ‪.‬‬
‫و أما نب الرحة و التوبة ‪ ،‬و الرحة و الراحة ـ فقال تعال ‪ :‬وما أرسلناك إل رحة للعالي ‪ ،‬و كما و‬
‫صفه بأنه يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الكمة ‪ .‬و يهديهم إل صراط مستقيم ‪ .‬و بالؤمني رؤوف‬
‫رحيم [ سورة التوبة ‪ ، 9/‬الية ‪. ] 128‬‬
‫و قال ف صفة أمته ‪:‬أنا أمة مرحومة ‪.‬‬
‫و قال ال تعاى فيهم ‪ :‬وتواصوا بالصب وتواصوا بالرحة ‪ ،‬أي يرحم بعضهم بعضا ‪ ،‬فبعثه ربه تعال‬
‫رحة لمته و رحة للعالي ‪،‬و رحيما بم ‪ ،‬و مرتما و مستغفرا لم ‪ ،‬و جعل أمته مرحومة ‪ ،‬و وصقها‬
‫بالرحة ‪.‬‬
‫و أمرها ال بالتراحم ‪ ،‬فقال و أثن عليه فقال ‪ :‬إن ال يب من عباده الرحاء‬
‫‪ .‬و قال الراحون يرحهم الرحن ‪ .‬ارحوا من ف الرض يرحكم من ف السماء‬
‫و أما رواية نب اللحمة فإشارة إل عليه السلما بعث به من القتال و السيف ـص ‪ ،‬و هي صحيحة ‪.‬‬
‫و روى حذيفة مثل حيث أب موسى ‪ ،‬و نب الرحة ‪ ،‬و نب اللحم ‪.‬‬
‫و رو ي الرب ف حديثه صلى ال عليه و سلم أنه قال ‪ :‬أتان ملك فقال ل ‪ :‬أنت قثم أي متمع ‪ .‬قال‬
‫‪ :‬و القثم ‪:‬الامع للخي ‪ ،‬و هذا اسم هو ف أهل بيته معلوم ‪.‬‬
‫و قد جاءت من ألقابة ـ صلى ال عليه و سلم و ساته ف القرآن عدة كثية سوى ما ذكرناه ‪،‬‬
‫كالنور ‪ ،‬و السراج الني ‪ ،‬و النذرو النذير ‪ ،‬و البشر و البشي ‪ ،‬و الشاهد ‪،‬و الشهيد ‪ ،‬و الق البي ‪،‬‬
‫و خات النبيي ‪،‬و الرؤوف الرحيم ‪ ،‬و المي ‪ ،‬و قدم الصدق [‪ ، ]80‬و رحة للعالي ‪،‬و نعمة ال و‬
‫العروة الوثقى ‪ ،‬و الصراط الستقيم ‪ ،‬و النجم الثاقب و الكري‪،‬و النب المي ‪،‬و الداعي ال ـ ف‬
‫أوصاف كثية ‪،‬و سات جيلت ‪.‬‬
‫و جرى منها ف كتب ال التقدمة ‪ ،‬و كتب أنبيائه ‪ ،‬و أحاديث رسوله ‪ ،‬و إطلق المة جلةشافية‪،‬‬
‫كتسمية بالصطفى ‪ ،‬و الجتب ‪،‬و أب القاسم ‪ ،‬و البيب ‪،‬و رسول رب العالي‪ ،‬و الشفيع الشفع ‪ ،‬و‬
‫التقي ‪،‬و الصلح ‪ ،‬و الطاهر ‪ ،‬و الهي ن و الصادق ‪،‬و الصدوق ‪ ،‬و الادي ن و سيد و لد آدم ‪ ،‬و‬
‫سيد الرسلي ‪ ،‬و إمام التقي ‪،‬و قائدالغر الحجلي ‪ ،‬و حبيب ال ‪،‬و خليل الرحن ‪،‬و صاحب الوض‬
‫الورود ‪ ،‬و الشقاعة ‪،‬و القام الحمود ‪ ،‬و صاحب الوسيلة و الفضيلة و الدر جة الرفيعة ‪ ،‬و صاحب‬
‫التاج ن و العراج ‪ ،‬و اللواء ‪ ،‬و القضيب ‪ ،‬و راكب الباق ‪ ،‬و الناقة ‪ ،‬و النجيب ‪ ،‬و صاحب الجة و‬
‫السلطان ‪ ،‬و الات ‪ ،‬و العلمة و البهان ‪ ،‬و صاحب الراوةو النعلي ‪.‬‬
‫و من أسائه ف الكتب ‪ :‬التوكل ‪ ،‬و الختار ‪ ،‬و مقيمالسنة ‪ ،‬و القدس ‪ [ .‬وروح القدس ] ‪ ،‬وروح‬
‫الق ‪ ،‬و هو معن البارقليط ف النيل ‪.‬‬
‫و قال ثعلب ‪ :‬البارقليط ‪ :‬الذي يفرق بي الق و الباطل ‪.‬‬
‫و من أسائه ف الكتب السالفة ‪ ،‬ماذ ماذ ‪ ،‬و معناه طيب ‪ ،‬طيب ‪ ،‬و حطايا ‪،‬و الات ‪ ،‬و الات ‪،‬‬
‫حكاه الحبار ‪.‬‬
‫قال ثعلب ‪ :‬فالات الذي ختم [= به ]النبياء ‪ .‬و الات ‪ :‬أحسن النبياء خلقا و خلقا ‪.‬‬
‫و يسمى بالسريانية ‪ :‬مشفع و النحمنا ‪ ،‬و اسه ف التوراة أحيدـ روي ذلك عن ابن سيين ‪ .‬و معن‬
‫صاحب القضيب ‪ ،‬أي السيف ‪ ،‬و قع ذلك مفسرا ف النيل ‪ ،‬قال ‪ :‬معه قضيب من حديد يقاتل به ‪،‬‬
‫و أمته كذلك ‪.‬‬
‫و قد يمل على أنه القضيب المشوق الذي كان يسكه صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و هو اللن عند اللفاء‬
‫‪.‬‬
‫و أما الراوة الت وصف با فهي ف اللغة العصا ‪ ،‬و أراها ـ و ال أعلم ـ العصا الذكورة ف حديث‬
‫الوض ‪ :‬أذود الناس عنه بعصايـى ـ لهل اليمن ‪.‬‬
‫و أما التاج فالراد به العمامة ‪ ،‬و ل تكن حينئذ إل للعرب ‪ ،‬و العمائ تيجان العرب ‪.‬‬
‫و أوصافه و ألقابه ‪ ،‬و ساته ف الكتب كثية ‪ ،‬و فيها ذكرناه منها مقنع إن شاء ال‬
‫[و كانت كنيتة الشهورة أبا القاسم ‪.‬‬
‫وروي عن أنس أنه لا ولد إبراهيم جاءه جبيل فقال له ‪ :‬السلم عليك ياأبا إبراهيم ]‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف تشريف ال تعال له با ساه من أسائه السن و وصفه به من صفاتة العل‬

‫قال القاضي أبو الفضل وفقه ال تعال ‪ :‬ما أحرى هذا الفصل بفصول الباب الول ‪ ،‬لنراطه ف سلك‬
‫مضمونا ‪ ،‬و امتزاجه بعذب معينها ‪ ،‬لكن ل يشرح ال الصدر للهداية إل استنباطه ‪ ،‬و ل أنار الفكر ل‬
‫ستخراج جوهره و التقاطه إل عند الوض ف الفصل الذي قبله ‪ ،‬فرأينا أن نضيفه إليه ‪ ،‬و نمع به شله‬
‫‪.‬‬
‫فاعلم أن ال تعالىخص كثيا من النبياء بكرامة خلعها عليهم من أسائه ‪ ،‬كتسمية إسحاق ‪ ،‬و‬
‫إساعيل بعليم ‪ ،‬و حليم ‪ ،‬و إبراهيم بليم ‪ ،‬و نوح بشكور ‪ ،‬و عيسى و يي بب موسى بكري ‪ ،‬و‬
‫قوى ‪ ،‬و يوسف بفيظ عليم ‪ ،‬وأيوب بصابر ‪ ،‬و إساعيل بصادق الوعد ‪ ،‬كما [ ‪ ] 81‬الكتاب العزيز‬
‫من مواضع ذكرهم ‪.‬‬
‫و فضل ممدا صلى ال عليه و سلم ‪ :‬بأن حله منها ف كتابه العزيز ‪ ،‬و على ألسنة أنبيائه بعدة كثية‬
‫اجتمع لنا منها جلة بعد إعمال الفكر ‪ ،‬وإحضار الذكر ‪ ،‬إذ ل ند من جع منها فوق اسي ‪ ،‬و ل من‬
‫تفرغ فيها لتأليف فصلي ‪.‬‬
‫و حررنا منها ف هذا الفصل نو ثلثي اسا ‪ ،‬و لعل ال تعال ـ كما ألم إل ما علم منها و حققه ـ‬
‫يتم النعمة بإبانة ما ل يظهره لنا الن ‪ ،‬ويفتح غلقه ‪.‬‬
‫فمن أسائه تعال ‪ :‬الميد ‪ ،‬و معناه الحمود ‪ ،‬لنه حد نفسه ‪ ،‬و حده عباده ‪ ،‬و يكون أيضا بعن‬
‫الامد لنفسه و لعمال الطاعات ‪.‬‬
‫و سى ال تعال النب صلى ال عليه و سلم ممدا ‪ ،‬و أحد ‪ ،‬فمحمد بعن ممود ‪ ،‬و كذا وقع اسه ف‬
‫زبور داود ‪.‬‬
‫و أحد بعن أكب من حد ‪ ،‬و أجل من حد ‪ ،‬و أشار إل نو هذا حسان بقوله ‪:‬‬
‫و شق له من اسه ليجله فذو العرش ممود و هذا ممد‬
‫و من أسائه ‪ :‬الرؤوف الرحيم ‪ ،‬و ها بعن متقارب ‪.‬‬
‫و قد ساه ف كتابه بذلك ‪ ،‬فقال ‪ :‬بالؤمني رؤوف رحيم ‪.‬‬
‫و من أسائه تعال الق البي ‪ .‬و معن الق ‪ :‬الوجود ‪ ،‬و التحقق أمره ‪ ،‬و كذلك البي ‪ ،‬أي البي‬
‫أمره و إليته ‪.‬‬
‫بان ‪ ،‬و أبان بعن واحد ‪ .‬و يكون بعن البي لعباده أمر دينهم و معادهم ‪.‬‬
‫و سى النب ـ صلى ال عليه و سلم بذلك ف كتابه ‪ ،‬فقال ‪ :‬حت جاءهم الق ورسول مبي [ سورة‬
‫الزخرف ‪ ، 43 /‬الية ‪. ] 29 :‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬وقل إن أنا النذير البي [ سورة الجر ‪ ، 15 /‬الية ‪. ] 89 :‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬قد جاءكم الق من ربكم [ سورة يونس ‪ ، 10 /‬الي ة ‪. ] 108 :‬‬
‫و قال ‪ :‬فقد كذبوا بالق لا جاءهم ‪ ،‬قيل ‪ :‬ممد ‪ .‬و قيل القرآن ‪ .‬و معناه هنا ضد الباطل ‪ ،‬و التحقق‬
‫صدقه و أمره ـ و هو بعن الول ‪.‬‬
‫و البي ‪ :‬البي أمره و رسالته ‪ ،‬أو البي عن ال ما بعثه به ‪ ،‬كما قال تعال ‪ :‬لتبي للناس ما نزل إليهم [‬
‫سورة النحل ‪ ، 16 /‬الية ‪. ] 44 :‬‬
‫و من أسائه تعال ‪ :‬النور‪ ،‬و معناه ذو النور ‪ ،‬أي خالقه ‪ ،‬أو منور السموات و الرض بالنوار ‪ ،‬ومنور‬
‫قلوب الؤمني بالداية ‪.‬‬
‫وساه نور ا ‪ ،‬فقال ‪ :‬قد جاءكم من ال نور وكتاب مبي ‪ ،‬قيل ممد ‪ .‬و قيل القرآن ‪.‬‬
‫و قال فيه ‪ :‬وسراجا منيا ‪ ،‬سي بذلك لوضوح أمره ‪ ،‬و بيان نبوته ‪ ،‬و تنوير قلوب الؤمنينو العارفي با‬
‫جاء به ‪.‬‬
‫و من أسائه تعال ‪ :‬الشهيد ‪ ،‬و معناه العال ‪ .‬و قيل ‪ :‬الشاهد على عباده يوم القيامة ‪.‬‬
‫وساه شهيدا وشاهدا ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنا أرسلناك شاهدا ‪.‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬ويكون الرسول عليكم شهيدا ‪ ،‬و هو بعن الول ‪.‬‬
‫و من أسائه تعال ‪ :‬الكري ‪ ،‬و معناه الكثي الي ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬الفضل ‪ .‬و قيل العفو و قيل ‪ :‬العلي ‪.‬‬
‫و ف الديث الروي ف أسائه تعال ‪ :‬الكرم ‪.‬‬
‫وساه تعال كريا بق وله ‪ :‬إنه لقول رسول كري ‪ ،‬قيل ‪ :‬ممد ‪ .‬و قيل ‪ :‬جبيل ‪.‬‬
‫و قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬أنا أكرم ولد آدم ‪.‬‬
‫و معان السم صحيحة ف حقه صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و من أسائه تعال ‪ :‬العظيم ‪ ،‬و معناه الليل الشأن ‪ ،‬الذي كل شيء دونه ‪.‬‬
‫و قال ف النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬وإنك لعلى خلق عظيم [ سورة القلم ‪ ، 68 /‬الية ‪. ] 4 :‬‬
‫و وقع ف أول سفر من التوراة ـ عن إساعيل ‪ :‬وستلد عظيما لمة [ ‪ ] 82‬عظيمة ‪ ،‬فهو عظيم و على‬
‫خلق عظيم ‪.‬‬
‫و من أسائه تعال ‪ :‬البار ‪ ،‬و معناه الصلح ‪ ،‬و قيل القاهر ‪ .‬و قيل العلي العظيم الشأن ‪ .‬و قيل التكب‬
‫‪.‬‬
‫وسي النب صلى ال عليه و سلم ف كتاب داود ببار ‪ ،‬فقال ‪ :‬تقلد أيها البار سيفك ‪ ،‬فإن ناموسك و‬
‫شرائعك مقرونة بيبة يينك ‪.‬‬
‫و معناه ف حق النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬إما لصلحه المة بالداية و التعليم ‪ ،‬أو لقهره أعداءه ‪ ،‬أو‬
‫لعلو منلته على البشر ‪ ،‬و عظيم خطره ‪.‬‬
‫و نفى عنه تعال ـ ف القرآن ـ جبية التكب الت ل تليق به ‪ ،‬فقال ‪ :‬وما أنت عليهم ببار [ سورة ق‬
‫‪ ، 50/‬الية ‪. ] 45 :‬‬
‫و من أسائه تعال ‪ :‬البي ‪ ،‬و معناه الطلع بكنه الشيء ‪ ،‬العال بقيقته ‪ .‬و قيل معناه الخب ‪.‬‬
‫و قال ال تعال ‪ :‬الرحن فاسأل به خبيا [ سورة الفرقان ‪ ، 25 /‬الية ‪. ] 59 :‬‬
‫و قال القاضي بكر بن العلء ‪ :‬الأمور بالسؤال غي النب صلى ال عليه و سلم ‪ .‬و السؤول البي هو‬
‫النب صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و قال غيه ‪ :‬بل السائل النب صلى ال عليه و سلم ‪ .‬و السؤول هو ال تعال ‪ ،‬فالنب خبي بالوجهي‬
‫الذكورين ‪ ،‬قيل ‪ :‬لنه عال على غاية من العلم با أعلمه ال من مكنون علمه ‪ ،‬و عظيم معرفته ‪ ،‬مب‬
‫لمته با أذن له ف إعلمهم به ‪.‬‬
‫و من أسائه تعال ‪ :‬الفتاح ‪ ،‬و معناه الاكم بي عباده ‪ ،‬أو فاتح أبواب الرزق و الرحة ‪ ،‬و النغلق من‬
‫أمورهم عليهم ‪ ،‬أو يفتح قلوبم و بصائرهم لعرفة الق ‪ ،‬و يكون أيضا بعن الناصر ‪ ،‬كقوله تعال ‪:‬‬
‫إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ‪ ،‬أي إن تستنصروا فقد جاءكم النصر ‪ ،‬و قيل ‪ :‬معناه مبتدئ الفتح و‬
‫النصر ‪.‬‬
‫و سى ال تعال ممدا صلى ال عليه و سلم بالفاتح ف حديث السراء الطويل من رواية الربيع ابن أنس‬
‫‪ ،‬عن أب العالية و غيه ‪ ،‬عن أب هريرة رضي ال عنه ‪ ،‬و فيه ‪ :‬من قول ال تعال ‪ [ :‬وجعلتك فاتا‬
‫وخاتا ] ‪.‬‬
‫و فيه من قول النب صلى ال عليه و سلم ف ثنائه على ربه ‪ ،‬و تعديد مراتبه ‪ [ :‬و رفع ل ذكري ‪ ،‬و‬
‫جعلن فاتا و خاتا ] ‪ ،‬فيكون الفاتح هنا بعن الاكم ‪ ،‬أو الفاتح لبواب الرحة على أمته ‪ ،‬أو الفاتح‬
‫لبصائرهم لعرفة الق و اليان بال ‪ ،‬أو الناصر للحق ‪ ،‬أو البتديء بداية المة ‪ ،‬أو البدأ القدم ف‬
‫النبياء و الات لم ‪ ،‬كما قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬كنت أول النبياء ف اللق ‪ ،‬و آخرهم ف البعث‬
‫‪.‬‬
‫و من أسائه تعال ف الديث ‪ :‬الشكور ‪ ،‬و معناه الثيب على العمل القليل ‪ .‬و قيل الثن على الطيعي ‪،‬‬
‫و وصف بذلك نبيه نوحا عليه السلم فقال ‪ :‬إنه كان عبدا شكورا [ سورة السراء ‪ ، 17 /‬الية ‪:‬‬
‫‪.]3‬‬
‫و قد وصف النب صلى ال عليه و سلم نفسه بذلك ‪ ،‬فقال ‪ :‬أفل أكون عبدا شكورا أي معترفا بنعيم‬
‫رب ‪ ،‬عارفا بقدر ذلك ‪ ،‬مثنيا عليه ‪ ،‬مهدا نفسي ف الزيادة من ذلك ‪ ،‬لقوله تعال ‪ :‬لئن شكرت‬
‫لزيدنكم [ سورة إبراهيم ‪ ، 14 /‬الية ‪. ] 7 :‬‬
‫و من أسائه تعال ‪ :‬العليم ‪ ،‬و العلم ‪ .‬و عال الغيب و الشهادة ‪.‬‬
‫و وصفه نبيه صلى ال عليه و سلم بالعلم ‪ ،‬و خصه بزية منه ‪ ،‬فقال تعال ‪ :‬وع لك ما ل تكن تعلم‬
‫وكان فضل ال عليك عظيما [ سورة النساء ‪ ، 4‬الية ‪. ] 113 :‬‬
‫و قال ‪ :‬ويعلمكم الكتاب والكمة ويعلمكم ما ل تكونوا تعلمون ‪.‬‬
‫و من أسائه تعال ‪ :‬الول ‪ ،‬و الخر ‪ ،‬و معناها السابق [ ‪ ] 83‬للشياء قبل و جودها ‪ ،‬و الباقي بعد‬
‫فنائها ‪.‬‬
‫و تقيقه أنه ليس له أول و ل آخر ‪.‬‬
‫و قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬كنت أول النبياء ف اللق ‪ ،‬و آخرهم ف البعث ‪ .‬و فسر بذا قوله تعال‬
‫‪ :‬وإذ أخذنا من النبيي ميثاقهم ومنك ومن نوح ‪ ،‬فقدم ممدا صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و قد أشار إل نو منه عمر بن الطاب رضي ال عنه ‪.‬‬
‫و منه قوله ‪ :‬ىنحن الخرون السابقون ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬أنا أول من تنشق عنه الرض ‪ ،‬و أول من يدخل النة ‪ ،‬و أول شافع ‪ ،‬و أول مشفع و هو‬
‫خات النبيي ‪ ،‬و آخر الرسل صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و من أسائه تعال ‪ :‬القوي ‪ .‬و ذو القوة التي ‪ ،‬و معناه ‪ :‬القادر ‪.‬‬
‫و قد وصفه ال تعال بذلك ‪ ،‬فقال ‪ :‬ذي قوة عند ذي العرش مكي ‪ ،‬قيل ممد ‪ .‬و قيل جبيل ‪.‬‬
‫و من أسائه تعال ‪ :‬الصادق ‪ ،‬ف الديث الأثور ‪.‬‬
‫و ورد ف الديث أيضا اسه صلى ال عليه و سلم بالصادق و الصد وق ‪.‬‬
‫و من أسائه تعال ‪ :‬الول ‪ ،‬و الول ‪ ،‬و معناها الناصر ‪ ،‬و قد قال ال تعال ‪ :‬إنا وليكم ال ورسوله‬
‫[ سورة الائدة ‪ ، 5 /‬الية ‪. ] 55 :‬‬
‫و قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬أنا ول كل مؤمن ‪.‬‬
‫و قال ال تعال ‪ :‬النب أول بالؤمني من أنفسهم [ سورة الحزاب ‪ ، 33 /‬الية ‪. ] 6 :‬‬
‫و قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬من كنت موله فعلي موله ‪.‬‬
‫و من أسائه تعال ‪ :‬العفو ‪ ،‬و معناه الصفوح ‪.‬‬
‫و قد وصف ال تعال بذا نبيه ف القرآن ‪ ،‬و التوراة ‪ ،‬و أمره بالعفو ‪ ،‬فقال تعال ‪ :‬خذ العفو [ سورة‬
‫العراف ‪ ، 7 /‬الية ‪. ] 199 :‬‬
‫و قال ‪ :‬فاعف عنهم واصفح [ سورة الائدة ‪ ، 5 /‬الية ‪. ] 12 :‬‬
‫و قال له جبيل ـ و قد سأله عن قوله ‪ :‬خذ العفو ‪ ،‬قال ‪ :‬أن تعفو عمن ظلمك ‪.‬‬
‫و قال ف التوراة و النيل ف الديث الشهور ‪ ،‬ف صفته ‪ :‬ليس بفظ و ل غليظ ‪ ،‬و لكن يعفو و‬
‫يصفح ‪.‬‬
‫و من أسائه تعال ‪ :‬الادي ‪ ،‬و هو بعن توفيق ال لن أراد من عباده ‪ ،‬و بعن الدللة و الدعاء ‪ .‬قال‬
‫ال تعال ‪ :‬وال يدعو إل دار السلم ويهدي من يشاء إل صراط مستقيم ‪ .‬و أصل الميع من اليل ‪ .‬و‬
‫قيل ‪ :‬من ال تقدي ‪.‬‬
‫و قيل ف تفسي طه إنه يا طاهر ‪ ،‬يا هادي ‪ ،‬يعن النب صلى ال عليه و سلم ‪ .‬و قال ال تعال له ‪:‬‬
‫وإنك لتهدي إل صراط مستقيم [ سورة الشورى ‪ ، 42 /‬الية ‪. ] 52 :‬‬
‫و قال فيه ‪ :‬وداعيا إل ال بإذنه [ سورة الحزاب ‪ ، 33 /‬الية ‪. ] 46 :‬‬
‫فال تعال متص بالعن الول ‪ ،‬قال تعال ‪ :‬إنك ل تدي من أحببت ولكن ال يهدي من يشاء [ سورة‬
‫القصص ‪ ، 28 /‬الية ‪. ] 56 :‬‬
‫و بعن الدللة ينطلق على غيه تعال ‪.‬‬
‫و من أسائه تعال ‪ :‬الؤمن الهيمن ‪ ،‬قيل ‪ :‬ها بعن واحد ‪ ،‬فمعن الؤمن ف حقه تعال ‪ :‬الصدق وعده‬
‫عباده ‪ ،‬و الصدق قوله الق ‪ ،‬و الصدق لعباده الؤمني ورسله ‪ .‬و قيل ‪ :‬الوحد نفسه ‪ .‬و قيل ‪ :‬الؤمن‬
‫عباده ف الدنيامن ظلمه ‪ ،‬و الؤمني ف الخرة من عذابه ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬الهيمن بعن المي ‪ ،‬مصغر منه ‪ ،‬فقلبت المزة هاء ‪.‬‬
‫و قد قيل ‪ :‬إن قولم ف الدعاء ‪ :‬آمي ـ إنه اسم من أساء ال تعال ‪ ،‬و معناه معن الؤمن ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬الهيمن بعن الشاهد و الافظ ‪.‬‬
‫و النب صلى ال عليه و سلم أمي ‪ ،‬و مهيمن ‪ ،‬و مؤمن ‪ ،‬و قد ساه ال تعال أمينا ‪ ،‬فقال ‪ :‬مطاع ث‬
‫أمي [ سورة الت كوير‪ ، 81 /‬الية ‪. ] 21 :‬‬
‫و كان ـ صلى ال عليه و سلم ـ يعرف بالمي ‪ ،‬و شهر به قبل النبوة و بعدها ‪ ،‬و ساه العباس ‪ ،‬ف‬
‫شعره مهيمنا ف قوله [ ‪: ] 84‬‬
‫ث احتوى بيتك الهيمن من خندف علياء تتها النطق‬
‫قيل ‪ :‬الراد ‪ :‬يأيها الهيمن ‪ ،‬قاله القتيب ‪ ،‬و المام أبو القاسم القشيي ‪.‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬يؤمن بال ويؤمن للمؤمني ‪ ،‬أي يصدق ‪.‬‬
‫و قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬أنا أمنة لصحاب ‪ ،‬فهذا بعن الؤمن ‪.‬‬
‫و من أسائه تعال ‪ :‬القدوس ‪ ،‬و معناه النه عن النقائص الطهر من سات الدث ‪ ،‬و سي بيت‬
‫القدس ‪ ،‬لنه يتطهر فيه من الذنوب ‪ ،‬و منه ‪ ،‬الوادي القدس ‪ ،‬وروح القدس ‪.‬‬
‫و وقع ف كتب النبياء ف أسائه صلى ال عليه و سلم ‪ :‬القدس ‪ ،‬أي الطهر من الذنوب ‪ ،‬كما قال‬
‫تعال ‪ :‬ليغفر لك ال ما تقدم من ذنبك وما تأخر [ سورة الفتح ‪ ، 48 /‬الية ‪. ] 1 :‬‬
‫أو الذي يتطهر به من الذنوب ‪ ،‬و يتنه باتباعه عنه ‪ ،‬كما قال ‪ :‬ويزكيهم ‪.‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬ويرجهم من الظلمات إل النور [ سورة الائدة ‪ ، 5 /‬الية ‪. ] 16 :‬‬
‫أو يكون مقدسا بعن مطهرا ‪ ،‬من الخلق الذميمة و الوصاف ا لدنية ‪.‬‬
‫و من أسائه تعال ‪ :‬العزيز ‪ ،‬و معناه ‪ :‬المتنع الغالب ‪ ،‬أو الذي ل نظي له ‪ ،‬أو العز لغيه ‪ ،‬و قال تعال‬
‫‪ :‬ول العزة ولرسوله ‪ ،‬أي المتناع و جللة القدر ‪.‬‬
‫و قد وصف ال تعال نفسه بالبشارة و النذارة ‪ ،‬فقال ‪ :‬يبشرهم ربم برحة منه ورضوان [ سورة التوبة‬
‫‪ ، 9 /‬الية ‪. ] 21 :‬‬
‫و قال ‪ :‬أن ال يبشرك بيحي ‪ :‬و بكلمة منه [ سورة آل عمران ‪ ، 3 /‬الية ‪. ] 45 :‬‬
‫و ساه ال تعال مبشرا‪ ،‬و نذيرا ‪ :‬أي مبشرا لهل طاعته ‪ ،‬و نذيرا لهل معصيته ‪.‬‬
‫و من أسائه تعال فيما ذكره بعض الفسرين ‪ :‬طه ‪ ،‬و يس ‪ .‬و قد ذكر بعضهم أيضا أنما من أساء‬
‫ممد صلى ال عليه و سلم و شرف و كرم ‪.‬‬
‫فصل‬
‫ف بيان أن ال تعال ل يشبه شيئا من ملوقاته‬

‫قال القاضي أبو الفضل ‪ :‬وفقه ال ‪ ،‬و هأنا أذكرنكتةً أذيل با هذا الفصل ‪ ،‬و أختم با هذا القسم ‪ ،‬و‬
‫أزيح الشكال با فيما تقدم عن كل ضعيف الوهم ‪ ،‬سقيم الفهم ‪ ،‬تلصه من مهاوي التشبيه ‪ ،‬و‬
‫تزحزحه عن شبه التمويه ‪ ،‬و هو أن يعتقد أن ال تعال جل اسه ف عظمته و كبيائه و ملكوته ‪ ،‬و‬
‫حسن أسائه ‪ ،‬و علي صفاته ‪ ،‬ل يشبه شيئا من ملوقاته ‪ ،‬و ل يشبه به ‪ ،‬و أن ما جاء ما أطلقه الشرع‬
‫على الالق و على الخلوق ‪ ،‬فل تشابه بينهما ف العن القيقي ‪ ،‬إذ صفات القدي بلف صفات‬
‫الخلوق ‪ ،‬فكما أن ذاته ل تشبه الذوات كذلك صفاته ل تشبه صفات الخلوقي ‪ ،‬إذ صفاتم ل تنفك‬
‫عن العراض و الغراض ‪ ،‬و هو تعال ـ منه عن ذلك ‪ ،‬بل ل يزل بصفاته و أسائه ‪ ،‬و كفى ف هذا‬
‫قوله ‪ :‬ليس كمثله شيء [ سورة الشورى ‪ ، 42 /‬الية ‪. ] 11 :‬‬
‫و ل در من قال من العلماء العارفي الحققي ‪ :‬التوحيد إثبات ذات غي مشبهة للذوات و ل معطة عن‬
‫الصفات ‪.‬‬
‫و زاد هذه النكتة الواسطي ـ رحه ال ـ بيانا ‪ ،‬و هي مقصودنا ‪ ،‬فقال ‪ :‬ليس كذاته ذات ‪ ،‬و ل‬
‫كأسه اسم ‪ ،‬و ل كفعله فعل ‪ ،‬و ل كصفته صفة ‪ ،‬إل من جهة موافقة اللفظ اللفظ ‪ ،‬و جلت الذات‬
‫القدية أن تكون لا صفة حديثة ‪ ،‬كما استحال أن تكون للذات الحدثة صفة قدية ‪.‬‬
‫و هذا كله مذهب أهل الق و السنة و الماعة رضي ال عنهم ‪.‬‬
‫و قد فسر المام أبو القاسم القشيي رحه ال ـ قوله [ ‪ ] 85‬هذا ‪ ،‬ليزيد بيانا ‪ ،‬فقال ‪ :‬هذه الكاية‬
‫تشتمل على جوامع مسائل التوحيد ‪ ،‬و كيف تشبه ذاته ذات الحدثات ‪ ،‬و هي بوجودها مستغنية ‪ ،‬و‬
‫كيف يشبه فعله فعل اللق ‪ ،‬و هو لغي جلب أنس ‪ ،‬أو دفع نقص حصل ‪ ،‬و ل لواطر و أغراض وجد‬
‫‪ ،‬و ل بباشرة و معالة ظهر ‪ ،‬و فعل اللق ل يرج عن هذه الوجوه ‪.‬‬
‫و قال آخر ـ من مشاينا ‪ :‬ما توهتموه بأوهامكم ‪ ،‬أو أدركتموه بعقولكم فهو مدث مثلكم ‪.‬‬
‫و قال المام أبو العال الوين ‪ :‬من اطمأن إل موجود انتهى إليه فكره ‪ ،‬فهو مشبه ‪ ،‬و من اطمأن إل‬
‫النفي الحض فهو معطل و إن قطع بوجود اعتراف بالعجز عن درك حقيقته فهو موحد ‪.‬‬
‫و ما أحسن قول ذي النون الصري ‪ :‬حقيقة التوحيد أن تعلم أن قدرة ال تعال ف الشياء بل علج ‪،‬‬
‫وصنعه لا بل مزاج ‪ ،‬وعلة كل شيء صنعه ‪ ،‬و ل علة لصنعه ‪ ،‬و ما تصور ف و هك فال بلف‬
‫ه‪.‬‬
‫و هذا كلم عجيب نفيس مقق ‪ ،‬و الفصل الخر ‪ ،‬تفسي لقوله ‪ :‬ليس كمثله شيء [ سورة الشورى ‪/‬‬
‫‪ ، 42‬الية ‪. ] 11 :‬‬
‫و الثان‪ ،‬تفسي لقوله ‪ :‬ل يسأل عما يفعل وهم يسألون و الثالث ‪ ،‬تفسي لقوله ‪ :‬إنا قولنا لشيء إذا‬
‫أردناه أن نقول له كن فيكون [ سورة النحل ‪ ، 16 /‬الية ‪. ] 40 :‬‬
‫ثبتنا ال و إياك على التوحيد و الثبات ‪ ،‬و التنيه ‪ ،‬و جنبنا طرف الضللة و الغواية من التعطيل و‬
‫التشبيه بنه ورحته ‪.‬‬
‫الباب الرابع‬
‫فيما أظهره ال تعال على يديه من العجزات و شرفه به من الصائص و‬
‫الكرامات‬

‫قال القاضي أبو الفضل ‪ :‬حسب التأمل أن يقق أن كتابنا هذا ل نمعه لنكر نبوة نبينا صلى ال عليه و‬
‫سلم ‪ ،‬و ل لطاعن ف معجزاته ‪ ،‬فنحتاج إل نصب الباهي عليها ‪ ،‬وتصي حوزتا ‪ ،‬حت ل يتوصل‬
‫الطاعن إليها ‪ ،‬و نذكر شروط العجز و التحدي و حده ‪ ،‬و فساد قول من أبطل نسخ الشرائع ‪،‬‬
‫ورده ‪ ،‬بل ألفناه لهل ملته ‪ ،‬اللبي لدعوته ‪ ،‬الصدقي لنبوته ‪ ،‬ليكون تأكيدا ف مبتهم له ‪ ،‬و منماةً‬
‫لعمالم ‪ ،‬و ليزدادوا إيانا مع إيانم ‪.‬‬
‫و بنيتنا أن نثبت ف هذا الباب أمهات معجزاته ‪ ،‬و مشاهي آياته ‪ ،‬لتدل ‪ ،‬على عظيم قدره عند ربه ‪ .‬و‬
‫أتينا منها بالحقق و الصحيح السناد ‪ ،‬و أكثره ما بلغ القطع ‪ ،‬أو كاد ‪ ،‬و أضفنا إليها بعض ما وقع ف‬
‫مشاهي كتب الئمة ‪.‬‬
‫و إذا تأمل التأمل النصف ما قدمناه من جيل أثره ‪ ،‬و حيد سيه ‪ ،‬و براعة علمه ‪ ،‬ورجاحة عقله و‬
‫حلمه ‪ ،‬و جلة كماله ‪ ،‬و جيع خصاله ‪ ،‬و شاهد حاله ‪ ،‬و صواب مقاله ـ ل يتر ف صحة نبوته ‪ ،‬و‬
‫صدق دعوته ‪.‬‬
‫و قد كفى هذا غي واحد ف إسلمه و اليان به ‪.‬‬
‫فروينا عن الترمذي ‪ ،‬و ابن قانع وغيها بأسانيدهم ـ أن عبد ال بن سلم ‪ ،‬قال ‪ :‬لا قدم رسول ال‬
‫صلى ال عليه و سلم الدينة جئته لنظر إليه ‪ ،‬فلما استبنت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب ‪.‬‬
‫حدثنا به القاضي الشهيد أبو علي رحه ال ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا أبو السي الصيف ‪ ،‬و أبو الفضل بن خيون‬
‫‪ ،‬عن أب يعلى البغدادي ‪ ،‬عن أب علي [ ‪ ] 86‬السنجي ‪ ،‬عن ابن مبوب ‪ ،‬عن الترمذي ‪ ،‬حدثنا ممد‬
‫بن بشار ‪ ،‬حدثنا عبد الوهاب الثقفي ‪ ،‬و ممد بن جعفر ‪ ،‬و ابن أب عدي ‪ ،‬و يي بن سعيد ‪ ،‬عن‬
‫عوف بن أب جيلة العراب ‪ ،‬عن زرارة ابن أوف ‪ ،‬عن عبد ال بن سلم ‪ . . .‬الديث ‪.‬‬
‫و عن أب رمثة التيمي ‪ :‬أتيت النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و معي ابن ل ‪ ،‬فأريته ‪ ،‬فلما رأيته قلت ‪:‬‬
‫هذا نب ال ‪.‬‬
‫و روى مسلم و غيه أن ضمادا لا وفد عليه ‪ ،‬فقال له النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬إن المد ل نمده‬
‫ونستعينه ‪ ،‬من يهده ال فل مضل له ‪ ،‬و من يضلل فل هادي له ‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل‬
‫شريك له ‪ ،‬و أن ممدا عبده ورسوله قال له ‪ :‬أعد علي كلماتك هؤلء ‪ ،‬فلقد بلغن قاموس البحر‬
‫هات يدك أبايعك ‪.‬‬
‫و قال جامع بن شداد ‪ :‬كا ن رجل منا يقال له طارق ‪ ،‬فأخب أنه رأى النب صلى ال عليه و سلم‬
‫بالدينة ‪ ،‬فقال ‪ :‬هل معكم شيء تبيعونه ؟ قلنا ‪ :‬هذا البعي ‪ .‬قال ‪ :‬بكم ؟ قلنا ‪ :‬بكذا و كذا و سقا‬
‫من تر ‪ ،‬فأخذ بطامه ‪ ،‬و سار إل الدينة ‪ ،‬فقلنا ‪ :‬بعنا من رجل ل ندري من هو ‪ ،‬و معنا ظعينة ‪،‬‬
‫فقالت ‪ :‬أنا ضامنة لثمن البعي ‪ ،‬رأيت وجه رجل مثل القمر ليلة البدر ل ييس فيكم ‪.‬‬
‫فأصبحنا ‪ ،‬فجاء رجل بتمر فقال ‪ :‬أنا رسول رسول ال صلى ال عليه و سلم إليكم ‪ ،‬يأمركم أن‬
‫تأكلوا من هذا التمر ‪ ،‬و تكتالوا حت تستوفوا ‪ .‬ففعلنا ‪.‬‬
‫و ف خب اللندى ملك عمان ـ لا بلغه أن رسول ال صلى ال عليه و سلم يدعوه إل السلم ـ قال‬
‫اللندى ‪ :‬و ال ‪ ،‬لقد دلن على هذا النب المي أنه ل يأمر بي إل كان أول آخذ به ‪ ،‬و ل ينهي عن‬
‫شيء إل كان أول تارك له ‪ ،‬و أنه يغلب فل يبطر و يغلب فل يضجر ‪ ،‬و يفي بالعهد ‪ ،‬و ينجر الوعود‬
‫‪ ،‬و أشهد أنه نب ‪.‬‬
‫و قال نفطويه ـ ف قوله تعال ‪ :‬يكاد زيتها يضيء ولو ل تسسه نار ‪ :‬هذا مثل ضربه ال تعال لنبيه‬
‫صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬يقول ‪ :‬يكاد منظره يدل على نبوته و إن ل يتل قرآنا كما قال ابن رواح ة ‪:‬‬
‫لو ل تكن فيه آيات مبينة لكان منظره ينبيك بالب‬
‫و قد آن أن نأخذ ف ذكر النبوة و الوحي و الرسالة ‪ ،‬و بعده ف معجزة القرآن ‪ ،‬و ما فيه من برهان و‬
‫دللة ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف أن ال قادر على خلق العرفة ف قلوب عباده‬

‫اعلم أن ال جل اسه قادر على خلق العرفة ف قلوب عباده ‪ ،‬و العلم بذاته و أسائه و صفاته و جيع‬
‫تكليفاته ابتداء دون واسطة لو شاء ‪ ،‬كما حكي عن سنته ف بعض النبياء ‪ ،‬و ذكره بعض أهل التفسي‬
‫ف قوله ‪ :‬وما كان لبشر أن يكلمه ال إل وحيا [ سورة الشورى ‪ ، 42 /‬الية ‪. ] 51 :‬‬
‫و جائز أن يوصل إليهم جيع ذلك بواسطة تبلغهم كلمه ‪ ،‬و تكون تلك الواسطة ‪ ،‬إما من غي البشر ‪،‬‬
‫كاللئكة مع النبياء أو من جنسهم ‪ ،‬كالنبياء مع المم ‪ ،‬و ل مانع لذا من دليل العقل ‪.‬‬
‫و إذا جاز هذا و ل يستحل ‪ ،‬و جاءت الرسل با دل على صدقهم من معجزاته وجب تصديقهم ف‬
‫جيع ما أتوا به ‪ ،‬لن العجزة مع التحدي من النب صلى ال عليه و سلم قائم مقام قول ال ‪ :‬صدق‬
‫عبدي فأطيعوه و اتبعوه ‪ ،‬و شاهد على صدقه فيما يقوله ‪ ،‬و هذا كاف ‪.‬‬
‫و التطويل فيه خارج عن العرض [ ‪ ، ] 87‬فمن أراد تتبعه وجده مستوف ف مصنفات أئمتنا رحهم ال‬
‫‪.‬‬
‫فالنبوة ف لغة من هز مأخوذة من النبأ ‪ ،‬و هو الب ‪ ،‬و قد ل تمز على هذا التأويل تسهيلً‬
‫‪.‬‬
‫و العن أن ال تعال أطلعه على غيبه ‪ ،‬و أعلمه أنه نب يه ‪ ،‬فيكون نب منبأ فعيل بعن مفعول ‪ ،‬أو‬
‫يكون مبا عما بعثه ال تعال به ‪ ،‬و منبئا با أطلعه ال عليه فعيل بعن فاعل ‪ ،‬و يكون عند من ل‬
‫يهمزه من النبوة ‪ ،‬و هو ما ارتفع من الرض ‪ ،‬و معناه أن له رتبة شريفة ‪ ،‬و مكانة نبيهة عند موله‬
‫منيفة ‪ ،‬فالوصفان ف حقه مؤتلفان ‪.‬‬
‫و أما الرسول فهو الرسل ‪ ،‬و ل يأت فعول بعن مفعل ف اللغة إل نادرا ‪ .‬و إرساله أمر ال بالبلغ‬
‫إل من أرسله إليه ‪ ،‬و اشتقاقه من التتابع ‪ ،‬و منه قولم ‪ :‬جاء الناس أرسالً ‪ ،‬إذا اتبع بعضهم بعضا ‪،‬‬
‫فكأنه ألزم تكرير التبليغ ‪ ،‬أو ألزمت المة اتباعه ‪.‬‬
‫و اختلف العلماء ‪ :‬هل النب و الرسول بعن ‪ ،‬أو بعنيي ؟ فقيل ‪ :‬ها سواء ‪ ،‬و أصله من النباء و هو‬
‫العلم ‪ ،‬و استدلوا بقوله تعال ‪ :‬وما أرسلنا من قبلك من رسول ول نب ‪ ،‬فقد أثبت لما معا الرسال‬
‫‪ ،‬قال ‪ :‬و ل يكون النب إل رسولً ‪ ،‬و ل الرسول إل نبيا ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬ها مفترقان من وجه ‪ ،‬إذ قد اجتمعا ف النبوة الت هي الطلع على الغيب و العلم بواص‬
‫النبوة أو الرفعة لعرفة ذلك ‪ ،‬و حوز درجتها ‪ ،‬و افترقا ف زيادة الرسالة للرسول ‪ ،‬و هو المر بالنذار‬
‫و العلم كما قل نا ‪.‬‬
‫و حجتهم من الية نفسها التفريق بي السي ‪ ،‬و لو كانا شيئا واحدا لا حسن تكرارها ف الكلم‬
‫البليغ ‪ ،‬قالوا ‪ :‬و العن ‪ :‬ما أرسلنا من رسول إل أمة أو نب ليس برسل إل أحد ‪.‬‬
‫و قد ذهب بعضهم إل أن الرسول من جاء بشرع مبتدإ ‪ ،‬و من ل يأت به نب غي رسول ‪ ،‬و إن أمر‬
‫بالبلغ و النذار ‪.‬‬
‫و الصحيح ‪ ،‬و الذي عليه الماء الغفي ‪ ،‬أن كل رسول نب ‪ ،‬و ليس كل نب رسولً ‪.‬‬
‫و أول الرسل آدم ‪ ،‬و آخرهم ممد صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و ف حديث أب ذر رضي ال عنه ‪ :‬إن النبياء مائة ألف و أربعة و عشرون ألف نب ‪.‬‬
‫و ذكر أن الرسل ‪ ،‬منهم ثلثائة و ثلثة عشر ‪ ،‬أولم آدم عليه السلم ‪.‬‬
‫فقد بان لك معن النبوة و الرسالة ‪ ،‬و ليستا عند الحققي ذاتا للنب ‪ ،‬و ل وصف ذات ‪ ،‬خلفا‬
‫للكرامية ‪ ،‬و ف تطويل لم ‪ ،‬و تويل ‪ ،‬ليس عليه تعويل ‪.‬‬
‫و أما الوحي فأصله السراع ‪ ،‬فلما كان النب يتلقى ما يأتيه من ربه بعجل سي وحيا ‪ ،‬و سيت أنواع‬
‫اللامات وحيا ‪ ،‬تشبيها بالوحي إل النب ‪ ،‬و سي الط وحيا ‪ ،‬لسرعة حركة يد كاتبه ‪ ،‬و وحي‬
‫الاجب و اللحظ سرعة إشارتما و منه قوله تعال ‪ :‬فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ‪ ،‬أي أومأ و‬
‫رمز ‪ .‬و قيل ‪ :‬كتب ‪ ،‬و منه قولم ‪ :‬الوحا ‪ ،‬الوحا ‪ ،‬أي السرعة ‪.‬‬
‫و قيل أصل الوحي السر و لخفاء ‪ ،‬و منه سي اللام وحيا ‪ ،‬و منه ‪ :‬وإن الشياطي ليوحون إل‬
‫أوليائهم ‪ ،‬أي يوسوسون ف صدروهم ‪ ،‬و منه قوله ‪ :‬وأوحينا إل أم موسى ‪ ،‬أي ألقي ف قلبها ‪.‬‬
‫و قد قيل ذلك ف قوله تعال ‪ :‬وما كان لبشر أن يكلمه ال إل وحيا [ ‪ ، ] 88‬أي ما يلقيه ف قلبه دون‬
‫واسطة ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف معن تسمية من جاءت به النبياء معجزة‬
‫اعلم أن تسميتنا ما جاءت به النبياء معجزة ‪ ،‬هو أن اللق عجزوا عن التيان بثلها ‪ ،‬و هي على‬
‫ضربي ‪ :‬ضرب هو من نوع قدره البشر ‪ ،‬فعجزوا عنه ‪ ،‬فتعجيزهم عنه فعل ل دل على صدق نبيه ‪،‬‬
‫كصرفهم عن تن الوت ‪ .‬و تعجيزهم عن التيان بثل القرآن على رأي بعضهم ‪ ،‬و نوه ‪.‬‬
‫و ضرب هو خارج عن قدرته ‪ ،‬فلم يقدروا على التيان بثله ‪ ،‬كإحياء الوتى ‪ ،‬و قلب العصا حية ‪ ،‬و‬
‫إخراج ناقة من صخرة ‪،‬و كلم شجرة ‪ ،‬و نبع الاء من الصابع ‪ ،‬و انشقاق القمر ‪ ،‬ما ل يكن أن‬
‫يفعله أحد ‪ ،‬إل ال ‪ ،‬فكون ذلك على يد النب صلى ال عليه و سلم من فعل ال تعال و تديه من‬
‫يكذبه أن يأت بثله تعجيز له ‪.‬‬
‫و اعلم أن العجزات الت ظهرت على يد نبينا صلى ال عليه و سلم دل ئل نبوته و براهي صدقه ـ من‬
‫هذين النوعي معا ـ و هو أكثر الرسل معجرةً ‪ ،‬و أبرهم آيةً‪ ،‬و أظهرهم برهانا ‪ ،‬كما سنبينه ‪ ،‬و هي‬
‫ـ ف كثرتا ـ ل ييط با ضبط ‪ ،‬فإن واحدا منها ـ و هو القرآن ـ ل يصى عدد معجزاته بألف و‬
‫ل ألفي ‪ ،‬و ل أكثر ‪ ،‬لن النب صلى ال عليه و سلم قد تدى بسورة منه فعجز عنها ‪.‬‬
‫قال أهل العلم ‪ :‬إنا أعطيناك الكوثر ‪ .‬فكل آية أو آيات منه بعددها و قدرها معجزة ‪ ،‬ث فيها نفسها‬
‫معجزات على ما سنفصله فيما انطوى عليه من العجزات ‪.‬‬
‫ث معجزاته صلى ال عليه و سلم على قسمي ‪ :‬قسم منها علم قطعا ‪ ،‬و نقل إلينا متواترا كالقرآن ‪ ،‬فل‬
‫مرية ‪ ،‬و ل خلف ‪ ،‬بجيء النب به ‪ ،‬و ظهوره من قبله ‪ ،‬و استدلله بجته ‪ ،‬و إن أنكر هذا معاند‬
‫جاحد ‪ ،‬فهو كإنكاره وجود ممد صلى ال عليه و سلم ف الدنيا ‪.‬‬
‫و إنا جاء اعتراض الاحدين ف الجة به ‪ ،‬فهو ف نفسه و جيع ما تضمنه من معجز معلوم ضرورة ‪.‬‬
‫و وجه إعجازه معلوم ضرورةً و نظرا ‪ ،‬كما سنشرحه ‪.‬‬
‫قال بعض أئمتنا ‪ :‬و يري هذا الجرى على الملة أنه قد جرى على يديه صلى ال عليه و سلم آيات و‬
‫خوارق عادات إن ل يبلغ واحد منها معينا القطع فيبلغه جيعها ‪ ،‬فل مرية ف جريان معانيها على يديه ‪،‬‬
‫و ل يتلف مؤمن و ل كافر ـ أنه جرت على يديه عجائب ‪ ،‬و إنا خلف العاند ف كونا من قبل ال‬
‫‪.‬‬
‫و قد قدمنا كونا من قبل ال ‪ ،‬و أن ذلك بثابة قوله ‪ :‬صدقت ‪.‬‬
‫فقد علم وقوع مثل هذا أيضا من نبينا ضرورةً لتفاق معانيها ‪ ،‬كما يعلم ضرورة جود حات ‪ ،‬و‬
‫شجاعة عنترة ‪ ،‬و حلم أحنف ‪ ،‬لتفاق الخبار الواردة عن كل واحد منهم على كرم هذا‪ ،‬و شجاعة‬
‫هذا ‪ ،‬و حلم هذا ‪ ،‬و إن كان كل خب بنفسه ل يوجب العلم ‪ ،‬و ل يقطع بصحته ‪.‬‬
‫و القسم الثان ما ل يبلغ مبلغ الضرورة و القطع ‪ ،‬و هو على نوعي ‪ :‬نوع مشتهر منتشر ‪ ،‬رواه العدد ‪،‬‬
‫و شاع الب به عند الحدثي و الرواة و نقلة السي و الخبار ‪ ،‬كنبع الاء من بي الصابع ‪ ،‬و تكثي‬
‫الطعام ‪.‬‬
‫و نوع منه اختص به الواحد و الثنان ‪ ،‬و رواه العدد اليسي ‪ ،‬و ل يشتهر اشتهار غيه ‪ ،‬لكنه إذا جع‬
‫إل مثله اتفقا ف العن ‪ ،‬و اجتمعا على التيان بالعجز ‪ ،‬كما قدمناه ‪.‬‬
‫قال القاضي أبو الفضل [ ‪ : ] 89‬و أنا أقول صدعا بالق ‪ :‬إن كثيا من هذه ليات الأثورة عنه صلى‬
‫ال عليه و سلم معلومة بالقطع ‪:‬‬
‫أما انشقاق القمر فالقرآن نص بوقوعه ‪ ،‬و أخبعن و جوده ‪ ،‬و ل يعدل عن ظاهر إل بدليل ‪ ،‬و جاء‬
‫برفع احتماله صحيح الخبار من طرق كثية ‪ ،‬و ل يوهن عزمنا خلف أخرق منحل عرى الدين ‪ ،‬و‬
‫ل يلتفت إل سخافة مبتدع يلقي الشك على قلوب ضعفاء الؤمني ‪ ،‬بل نرغم بذا أنفه ‪ ،‬و ننبذ بالعراء‬
‫سخفه ‪.‬‬
‫و كذلك قصة نبع الاء ‪ ،‬و تكثي الطعام ـ رواها الثقات و العدد الكثي عن ا لماء الغفي ‪ ،‬عن العدد‬
‫الكثي من الصحابة ‪.‬‬
‫و منها ما رواه الكافة عن الكافة متصلً عمن حدث با من جلة الصحابة و إخبارهم أن ذلك كان ف‬
‫موطن اجتماع الكثي منهم ف يوم الندق ‪ ،‬و ف غزوة بواط ‪ ،‬و عمرة الديبية ‪ ،‬و غزوة تبوك ‪ ،‬و‬
‫أمثالا من مافل السلمي و ممع العساكر ‪ ،‬و ل يؤثر عن أحد من الصحابة مالفة للراوي فيما حكاه ‪،‬‬
‫و ل إنكار لا ذكر عنهم أنم رأوه كما رآه ‪ ،‬فسكوت الساكت منهم كنطق الناطق ‪ ،‬إذ هم النهون‬
‫عن السكوت على باطل ‪ ،‬و الداهنة ف كذب ‪ ،‬و ليس هناك رغبة و ل رهبةتنعهم ‪ ،‬ولو كان ما‬
‫سعوه منكرا عندهم و غي معروف لديهم لنكره ‪ ،‬كما أنكر بعضهم على بعض أشياء رواها من السنن‬
‫و السي و حروف القرآن ‪ .‬و خطأ بعضهم بعضا ‪ ،‬و وهه ف ذلك ‪ ،‬ما هو معلوم ‪ ،‬فهذا النوع كله‬
‫يلحق بالقطعي من معجزاته لا بيناه ‪.‬‬
‫و أيضا فإن أمثال الخبار الت ل أصل لا ‪ ،‬و بنيت على باطل ‪ ،‬ل بد بعد مرور الزمان و تداول الناس‬
‫و أهل البحث من انكشاف ضعفها ‪ ،‬و خول ذكرها ‪ ،‬كما يشاهد ف كثي من الخبار الكاذبة ‪ ،‬و‬
‫الراجيف الطارئة ‪ .‬و أعلم نبينا هذه الواردة من طريق الحاد ل تزداد مع مرور الزمان إل ظهورا ‪ ،‬و‬
‫مع تداول الفرق ‪ ،‬و كثرة طعن العدو ‪ ،‬و حرصه على توهينها ‪ ،‬و تضعيف أصلها ‪ ،‬و اجتهاد اللحد‬
‫على إطفاء نورها إل قوة و قبولً ‪ ،‬و للطاعني عليها إل حسرة و غليلً ‪.‬‬
‫و كذلك إخباره عن الغيوب ‪ ،‬و إنباؤه با يكون و كان معلوم من آياته على الملة بالضرورة ‪.‬‬
‫و هذا حق ل غطاء عليه ‪ ،‬و قد قال به من أئمتنا القاضي ‪ ،‬و الستاذ أبو بكر و غيها ‪ ،‬رحهم ال ‪،‬‬
‫و ما عندي أوجب قول القائل ‪ :‬إن هذه القصص الشهورة من باب خب الواحد إل قلة مطالعته للخبار‬
‫و روايتها ‪ ،‬و شغله بغي ذلك من العارف ‪ ،‬و إل فمن اعتن بطرق النقل ‪ ،‬و طالع الحاديث و السي‬
‫ل يرتب ف صحة هذه القصص الشهورة على الوجه الذي ذكرناه ‪.‬‬
‫و ل يبعد أن يصل العلم يالتواتر عند واحد و ل يصل عند آخر ‪ ،‬فإن أكثر الناس يعلمون ـ بالب ـ‬
‫كون بغداد موجودة ً ‪ ،‬و أنا مدينة عظيمة ‪ ،‬و دار المامة و اللفة ‪ ،‬و آحاد من الناس ل يعلمون‬
‫اسها ‪ ،‬فضلً عن وصفها ‪ ،‬و هكذا يعلم الفقهاء من أصحاب مالك بالضرورة و تواتر النقل عنه ـ أن‬
‫مذهبه إياب قراءة [ ‪ ] 90‬أم القرآن ف الصلة للمنفرد و المام ‪ ،‬وإجزاء النية ف أول ليلة من رمضان‬
‫عما سواه ‪ ،‬و أن الشافعي يرى ت جديد النية كل ليلة ‪ ،‬و القتصار ف السح على بعض الرأس ‪ ،‬و أن‬
‫مذهبهما القصاص ف القتل بالحدد و غيه ‪ ،‬و إياب النية ف الوضوء ‪ ،‬واشتراط الول ف النكاح ‪ ،‬و‬
‫أن أبا حنيفة يالفهما ف هذه السائل ‪ ،‬وغيهم من ل يشتغل بذاهبهم و ل روى أقوالم ل يعرف هذا‬
‫من مذاهبهم فضلً عمن سواه ‪.‬‬
‫و عند ذكرنا آحاد هذه العجزات نزيد الكلم فيها بيانا إن شاء ال تعال ‪.‬‬
‫فصل‬
‫ف إعجاز القرآن ـ الوجه الول‬
‫[ قال القاضي أبو الفضل رحه ال ]‬
‫اعلم ـ وفقنا ال و إياك ـ أن كتاب ال العزيز منطو على وجوه من العجاز كثية ‪ ،‬و تصيلها من‬
‫جهة ضبط أنواعها ف أربعة وجوه ‪:‬‬
‫أولا ‪ :‬حسن تأليفة ‪ ،‬و التئام كلمه ‪ ،‬و فصاحته ‪ ،‬و وجوه إيازه ‪ ،‬و بلغته الارقة عادة العرب ‪ ،‬و‬
‫ذلك أنم كانوا أرباب هذا الشأن ‪ ،‬و فرسان الكلم ‪ ،‬قد خصوا من البلغة و الكم با ل يص به‬
‫غيهم من المم ‪ ،‬و أوتوا من ذرابة اللسان ما ل يؤت إنسان ‪ ،‬و من فضل الطاب ما يقيد اللباب‬
‫جعل ال لم ذلك طبعا و خلقة ‪ ،‬و فيهم غريزة و قوة ‪ ،‬يأتون منه على البديهة بالعجب ‪ ،‬و يدلون به‬
‫إل كل سبب ‪ ،‬فيخطبون بديها ف القامات ‪ ،‬و‬
‫شديد الطب ‪ ،‬و يرتزون به بي الطعن و الضرب ‪ ،‬و يدحون و يقدحون ‪ ،‬و يتوسلون و يتوصلون ‪،‬‬
‫و يرفعون و يضعون ‪ ،‬فيأتون من ذلك بالسحر اللل ‪ ،‬و يطوقون من أوصافهم أجل من سط اللل ‪،‬‬
‫فيخدعون اللباب ‪ ،‬و يذللون الصعاب ‪ ،‬و يذهبون الحن ‪ ،‬و يهيجون الدمن ‪ ،‬و يرئون البان ‪ ،‬و‬
‫يبسطون يد العد البنان ‪ ،‬و يصيون الناقص كاملً و يتركون النبيه خاملً ‪.‬‬
‫منهم البدوي ذو اللفظ الزل ‪ ،‬و الق ول الفصل ‪ ،‬والكلم الفخم ‪ ،‬و الطبع الوهري ‪ ،‬و النع القوي‬
‫‪.‬‬
‫و منهم الضري ذو البلغة البارعة ‪ ،‬واللفاظ الناصعة ‪ ،‬و الكلمات الامعة ‪ ،‬و الطبع السهل ‪ ،‬و‬
‫التصرف ف القول القليل الكفلة ‪ ،‬الكثي الرونق ‪ ،‬الرقيق الاشية ‪.‬‬
‫و كل البابي لما ف البلغة الجة البالغة ‪ ،‬و القوة الدامغة ‪ ،‬و القدح الفال ‪،‬و الهيع الناهج ‪، ،‬‬
‫ليشكون أن الكلم طوع مزادهم ‪ ،‬و البلغةملك قيادهم ‪ ،‬قد حووا فنونا واستنبطوا عيونا ‪ ،‬و دخلوا‬
‫من كل باب من أبوابا ‪ ،‬و علوا صرحا لبلوغ أسبابا ‪ ،‬فقالوا ف الطي و الهي ‪ ،‬و تفننوا ف الغث و‬
‫السمي ‪ ،‬و تقاولوا ف القل و الكثر ‪ ،‬و تساجلوا ف النظم و النثر ‪ ،‬فما راعهم إل رسول كري ‪،‬‬
‫بكتاب عزيز ل يأتيه الباطل من بي يديه و ل من خلفه ‪ ،‬تنيل من حكيم حيد ‪ ،‬أحكت آياته ‪ ،‬و‬
‫فصلت كلماته ‪ ،‬و برت بلغته العقول ‪ ،‬و ظهرت فصاحته على كل مقول ‪ ،‬و تظافر إيازه و إعجازه‬
‫‪ ،‬و تظاهرت حقيقته و مازه ‪ ،‬و تبارت ف السن مطالعه و مقاطعه [ ‪ ، ] 91‬و حوت كل البيان‬
‫جوامعه و بدائعه ‪ ،‬و اعتدل مع إيازه حسن نظمه ‪ ،‬و انطبق على كثرة فوائده متار لفظه ‪ ،‬وهم أفسح‬
‫ما كانوا ف الباب مالً ‪ ،‬و أشهر ف الطابة رجالً ‪ ،‬و أكثر ف السجع و الشعر سجا ًل ‪ ،‬و أوسع ف‬
‫الغريب و اللغة مقالً ‪ ،‬بلغتهم الت با يتحاورون ‪ ،‬و منازعهم الت عنها يتناضلون ‪ ،‬صارخا بم ف كل‬
‫حي ‪ ،‬و مقرعا لم بضعا و عشرين عاما على رؤوس الل أجعي ‪ :‬أم يقولون افتراه قل فاتوا بسورة‬
‫مثله وادعوا من استطعتم من دون ال إن كنتم صادقي [ سورة يونس ‪ ، 10 /‬الية ‪. ] 38 :‬‬
‫وإن كنتم ف ريب ما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون ال إن كنتم‬
‫صادقي * فإن ل تفعلوا ولن تفعلوا ‪ [ .‬سورة البقرة ‪ ، 2 /‬الية ‪. ] 24 ، 23 :‬‬
‫و قل لئن اجتمعت النس والن على أن يأتوا بثل هذا القرآن ل يأتون بثله ولو كان بعضهم لبعض‬
‫ظهيا [ سورة السراء ‪ ، 17 /‬الية ‪. ] 88 :‬‬
‫و قل فاتوا بعشر سور مثله مفتريات ‪ .‬و ذلك أن الفتري أسهل و وضع الباطل و الختلق على الختيار‬
‫أقرب ‪ ،‬و اللفظ إذا تبع العن الصحيح كان أصعب ‪ ،‬و لذا قيل ‪ :‬فلن يكتب كما يقال له ‪ ،‬و فل‬
‫يكتب كما يريد ‪.‬‬
‫و للول على الثان فضل ‪ ،‬و بينهما شأو بعيد ‪.‬‬
‫فلم يزل يقرعهم صلى ال عليه و سلم أشد التقريع ‪ ،‬و يوبهم غاية التوبيخ ‪ ،‬و يسفه أحلمهم ‪ ،‬و‬
‫يط أعلمهم ‪ ،‬و يشتت نظامهم ‪ ،‬و يذم آلتهم و آباءهم ‪ ،‬و يستبيح إرضهم و ديارهم و أموالم ‪ ،‬و‬
‫هم ف كل هذا ناكصون عن معارضتيه ‪ ،‬مجمون عن ماثلته ‪ ،‬يادعون أنفسهم بالتشغيب و‬
‫التكذيب ‪ ،‬و الغراء بالفتراء ‪ ،‬و قولم ‪ :‬إن هذا إل سحر يؤثر ‪ ،‬و سحر مستمر ‪ ،‬و إفك افتراه ‪ ،‬و‬
‫أساطي الولي ‪ ،‬و الباهتة و الرضا بالدنية ‪ ،‬كقولم ‪ :‬قلوبنا غلف [ سورة البقرة ‪ ، 2 /‬الية ‪( :‬‬
‫‪ . ) 88‬و سورة النساء ‪ ، 4 /‬الية ‪. ] 155 :‬‬
‫و ف أكنة ما تدعونا إليه وف آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب ‪.‬‬
‫و ل تسمعوا لذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون [ سورة فصلت ‪ ، 41 /‬الية ‪. ] 26 :‬‬
‫و الدعاء مع العجز بقولم ‪ :‬لو نشاء لقلنا مثل هذا [ سورة النفال ‪ ، 8 /‬الية ‪. ] 31 :‬‬
‫و قد قال لم ال ‪ :‬و لن تفعلوا ‪ ،‬فما فعلوا و ل قدروا ‪ .‬و من تعاطى ذلك من سخفائهم ـ كمسيلمة‬
‫ـ كشف عواره جيعهم ‪ ،‬و سلبهم ال ما ألفوه ‪ ،‬من فصيح كلمهم ‪ ،‬و إل فلم يف على أهل اليز‬
‫منهم أنه ليس من نط فصاحتهم ‪ ،‬و ل جنس بلغتهم ‪ ،‬بل و لوا عنه مدبرين ‪ ،‬و أتوا مذعني من بي‬
‫مهتد و بي مفتون ‪.‬‬
‫و لذا لا سع ال وليد بن مغية من النب صلى ال عليه و سلم ‪:‬‬
‫إن ال يأمر بالعدل والحسان وإيتاء ذي القرب وينهى عن الفحشاء والنكر والبغي يعظكم لعلكم‬
‫تذكرون [ سورة النحل ‪ ، 16 /‬الية ‪. ] 90 :‬‬
‫قال ‪ :‬و ال ‪ ،‬إن له للوة ‪ ،‬و إن عليه لطلوةً ‪ ،‬و إن أسفله لغدق ‪ ،‬و إن أعله لثمر ‪ ،‬ما يقول هذا‬
‫بشر ‪.‬‬
‫و ذكر أبو عبيد أن أعرابيا سع رجلً يقرأ ‪:‬‬
‫فاصدع با تؤمر وأعرض عن الشركي فسجد ‪ ،‬و قال ‪ :‬سجدت لفصاحته ‪.‬‬
‫و سع آخر رجلً يقرأ ‪:‬‬
‫فلما استيأسوا منه خلصوا نيا [ سورة يوسف ‪ ، 12 /‬الية ‪. ] 80 :‬‬
‫فقال ‪ :‬أشهد أن ملوقا ل يقدر على مثل هذا الكلم ‪.‬‬
‫و حكي أن عمر بن الطاب ـ رضي ال عنه ـ كان يوما نائما ف السجد فإذا هو بقائم على رأسه‬
‫يتشهد شهادة الق ‪ ،‬و استخبه ‪ ،‬فأعلمه أنه من بطارقة الروم من يسن كلم العرب و غيها ‪ ،‬و أنه‬
‫سع رجلً من أسرى السلمي [ ‪ ] 92‬يقرأ آية من كتابكم فتأملتها ‪ ،‬فإذا [ هي ] قد جع فيها ما أنزل‬
‫على عيسى ابن مري من أحوال الدنيا و الخرة ‪ ،‬و هي قوله تعال ‪ :‬ومن يطع ال ورسوله ويش ال‬
‫ويتقه فأولئك هم الفائزون [ سورة النور ‪ ، 24 /‬الية ‪. ] 52 :‬‬
‫و حكى الصمعي أنه سع كلم جارية ‪ ،‬فقال لا ‪ :‬قاتلك ال ما أفصحك ! فقالت ‪ :‬أو يعد هذا‬
‫فصاحةً بعد قول ال تعال ‪ :‬وأوحينا إل أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه ف اليم ول تاف‬
‫ول تزن إنا رادوه إليك وجاعلوه من الرسلي ‪ ،‬فجمع ف آية واحدة بي أمرين و نيي ‪ ،‬و خبين ‪ ،‬و‬
‫بشارتي ‪.‬‬
‫فهذا نوع من إعجازه منفرد بذاته ‪ ،‬غي مضاف إل غيه على التحقيق و الصحيح من القولي ‪.‬‬
‫و كون القرآن من قبل النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و أنه أتى به ـ معلوم ضرورة ‪ ،‬و كونه ـ عليه‬
‫السلم ـ متحديا بع معلوم ضرورة ‪ ،‬و عجز العرب عن التيان بع معلوم ضرورة ‪ ،‬و كونه ف فصاحته‬
‫خارقا للعادة معلوم ضرورة للعالي بالفصاحة و وجوه البلغة ‪ ،‬و سبيل من ليس من أهلها علم ذلك‬
‫بعجز الفكرين من أهلها عن معارضته و اعتراف الفسرين بإعجاز بلغته ‪.‬‬
‫و أنت إذا تأملت قوله تعال ‪ :‬ولكم ف القصاص حياة [ سورة البقرة ‪ ، 2 /‬الية ‪. ] 179 :‬‬
‫و قوله ‪ :‬ولو ترى إذ فزعوا فل فوت وأخذوا من مكان قريب ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬ادفع بالت هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ول حيم ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا ساء أقلعي وغيض الاء وقضي المر واستوت على الودي وقيل‬
‫بعدا للقوم الظالي [ سورة هود ‪ ، 11 /‬الية ‪. ] 44 :‬‬
‫و قوله ‪ :‬فكل أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به‬
‫الرض ومنهم من أغرقنا [ سورة العنكبوت ‪ ، 29 /‬الية ‪. ] 40 :‬‬
‫و أشباهها من الي ‪ ،‬بل أكثر القرآن حققت ما بينته من إيار ألفاظها ‪ ،‬و كثرة معانيه ‪ ،‬و ديباجة‬
‫ل كثية ‪ ،‬و فصولً‬ ‫عبارتا ‪ ،‬و حسن تأليف حروفها ‪ ،‬و تلؤم كلمها ‪ ،‬و أن تت كل لفظة منها ج ً‬
‫جة ‪ ،‬و علوما زواخر ‪ ،‬ملئت الدواوين من بعض ما استفيد منها ‪ ،‬و كثرت القالت ف الستنبطات‬
‫عنها ‪.‬‬
‫ث هو ف سرده القصص الطوال ‪ ،‬و أخبار القرون السوالف ‪ ،‬الت يضعف ف عادة الفصحاء عندها‬
‫الكلم ‪ ،‬و يذهب ماء البيان ـ آية لتأمله ‪ ،‬من ربط الكلم بعضه ببعض ‪ ،‬و التئام سرده ‪ ،‬و تناصف‬
‫وجوهه ‪ ،‬كقصة يوسف على طولا ‪.‬‬
‫ث إذا ترددت قصصه اختلفت العبارات عنها على كثرة ترددها حت تكاد كل واحدة تنسي ف البيان‬
‫صاحبتها ‪ ،‬و تناصف ف السن وجه مقابلتها ‪ ،‬و ل نفور للنفوس من ترديدها ‪ ،‬و ل معاداة لعادها ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف إعجاز القرآن ـ الوجه الثان‬
‫الوجه الثان من إعجازه صورة نظمه العجيب ‪ ،‬و السلوب الغريب الخالف لساليب كلم العرب و‬
‫مناهج نظمها و نثرها الذي جاء عليه ‪ ،‬و وقفت مقاطع آية ‪ ،‬و انتهت فواصل كلماته إليه ‪ ،‬و ل يوجد‬
‫قبله و ل بعده نظي له ‪ ،‬و ل استطاع أحد ماثلة شيء منه ‪ ،‬بل حارت فيه عقولم ‪ ،‬و تدلت دونه‬
‫أحلمهم ‪ ،‬و ل يهتدوا إل مثله ف جنس كلمهم من نثر أو نظم ‪ ،‬أو سجع أو رجز ‪ ،‬أو شعر ‪.‬‬
‫و لا سع كلمه صلى ال عليه و سلم الوليد بن الغية ‪ ،‬و قرأ عليه القرآن ـ رق ‪ ،‬فجاءه أبو جهل‬
‫منكرا عليه [ ‪ ] 93‬ـ قال ‪ :‬و ال ما منكم أحد أعلم بالشعار من ‪ ،‬و ال ما يشبه الذي يقول شيئا‬
‫من هذا ‪.‬‬
‫و ف خبه الخر ـ حي جع قريشً عند حضور الوسم ‪ ،‬و قال ‪ :‬إن وفود العرب ترد فأجعوا فيه رأيا‬
‫‪ ،‬ل يكذب بعضكم بعضا ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬نقول كاهن ‪ .‬قال ‪ :‬و ال ما هو بكاهن ‪ .‬ما هو بزمزمته و ل‬
‫سجعه ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬منون ‪ :‬قال ‪ :‬ما ههو بجنون ‪ ،‬و ل بنقه و ل وسوسته ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬فنقول شاعر ‪ .‬قال ‪ :‬ماهو بشاعر ‪ .‬قد عرفنا الشعر كله ‪ ،‬رجزه ‪ ،‬و هزجه ‪ ،‬و قريضه ‪ ،‬و‬
‫مبسوطه ‪ ،‬و مقبوضه ‪ ،‬ما هو بشاعر ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬فنقول ساحر ‪ .‬قال ‪ :‬ما هو بساحر ‪ ،‬و ل نفثه و ل عقده ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬فما نقول ‪ :‬قال ‪ :‬ما أنتم بقائلي من هذا شيئا ‪ ،‬إل و أنا أعرف أنه باطل ‪ ،‬و إن أقرب القول‬
‫أنه ساحر ‪ ،‬فإنه سحر يفرق بي الرء و ابنه ‪ ،‬و الرء و أخيه ‪ ،‬و الرء وزوجه ‪ ،‬و الرء و عشيته ‪.‬‬
‫فتفرقوا و جلسوا على السبل يذرون الناس ‪ ،‬فأنزل ال تعال ف الوليد ‪ :‬ذرن ومن خلقت وحيدا *‬
‫وجعلت له مال مدودا * وبني شهودا * ومهدت له تهيدا * ث يطمع أن أزيد * كل إنه كان لياتنا‬
‫عنيدا * سأرهقه صعودا * إنه فكر وقدر * فقتل كيف قدر * ث قتل كيف قدر * ث نظر * ث عبس‬
‫وبسر * ث أدبر واستكب * فقال إن هذا إل سحر يؤثر [ سورة الدثر ‪ ، 74 /‬الية ‪. ] 24 ، 11‬‬
‫و قال عتبة بن ربيعة حي سع القرآن ‪ :‬يا قوم ‪ ،‬قد علمتم أن ل أترك شيئا إل و قد علمته و قرأته و‬
‫قلته ‪ ،‬و ال لقد سعت قولً و ال ما سعت مثله قط ‪ ،‬ما هو بالشعر ‪ ،‬ول بالسحر ‪ ،‬و ل بالكهانة ‪.‬‬
‫و قال النضر بن الارث نوه ‪.‬‬
‫و ف حديث إسلم أبو ذر و وصف أخاه أنيسا ‪ ،‬فقال ‪ :‬و ال ما سعت بأشعر من أخي أنيس ‪ ،‬لقد‬
‫ناقض اثن عشر شاعرا ف الاهلية ‪ ،‬أنا أحدهم ‪ ،‬و إنه انطلق إل مكة ‪ ،‬و جاء إ ل أب ذر بب النب‬
‫صلى ال عليه و سلم ‪ .‬قلت ‪ :‬فما يقول الناس ؟ قال ‪ :‬يقولون ‪ :‬شاعر ‪ :‬كاهن ‪ ،‬ساحر ‪ ،‬لقد سعت‬
‫قول الكهنة فما هو بقولم ‪ ،‬و لقد وضعته على أقراء الشعر فلم يلتئم ‪ ،‬و ما يلتئم على لسان أحد بعدي‬
‫أنه شعر ‪ ،‬و إنه لصادق ‪ ،‬و إنم لكاذبون ‪.‬‬
‫و الخبار ف هذا صحيحة كثية ‪.‬‬
‫و العجاز بكل واحد من النوعي ‪ :‬الياز و البلغة بذاتا ‪ ،‬أو السلوب الغريب بذاته ‪ ،‬كل واحد‬
‫منهما نوع إعجازه على التحقيق ‪ ،‬ل تقدر العرب على التيان بواحد منهما ‪ ،‬إذا كل واحد خارج عن‬
‫قدرتا ‪ ،‬مباين لفصاحتها و كلمها ‪ ،‬و إل هذا ذهب غي واحد من أئمة الحققي ‪.‬‬
‫و ذهب بعض [ الحققي ] القتدي بم إل أن العجاز ف مموع البلغة و السلوب ‪ ،‬و أتى على‬
‫ذلك بقول تجه الساع ‪ ،‬و تنفر منه القلوب ‪.‬‬
‫و الصحيح ما قدمناه ‪ ،‬و العلم بذا كله ضرورة قطعا ‪.‬‬
‫و من تفنن ف علوم البلغة ‪ ،‬و أرهف خاطره و لسانه أدب هذه الصناعة ل يف عليه ما قلناه ‪.‬‬
‫و قد اختلف أئمة أهل السنة ف وجه عجزهم عنه ‪ ،‬فأكثرهم يقول ‪ :‬إنه ما جع ف قوة جزالته ‪ ،‬و‬
‫نصاعة ألفاظه ‪ ،‬و حسن نظمه ‪ ،‬و إيازه ‪ ،‬و بديع تأليفه و أسلوبه ل يصح أن يكون ف مقدور البش ر‬
‫‪ ،‬و أنه من باب الوارق المتنعة عن إقدار اللق عليها ‪ ،‬كإحياء الوتى ‪ ،‬و قلب العصا ‪ ،‬و تسبيح‬
‫الصى ‪.‬‬
‫و ذهب الشيخ أبو السن إل أن ما يكن أن يدخل مثله تت مقدور البشر ‪ ،‬و يقدرهم ال عليه ‪ ،‬و‬
‫لكنه ل يكن هذا و ل يكون ‪ ،‬فمنهم ال هذ ‪ ، ] 94 [ 1‬و عجزهم عنه ‪.‬‬
‫و قال به جاعة من أصحابه ‪.‬‬
‫و على الطريقي فعجز العرب عنه ثابت ‪ ،‬و إقامة الجة عليهم با يصح أن يكون ف مقدور البشر ‪ ،‬و‬
‫تديهم بأن يأتوا بثله ـ قاطع ‪ ،‬و هو أبلغ ف التعجيز ‪ ،‬و أحرى بالتقريع ‪ ،‬و الحتجاج بجيء بشر‬
‫مثلهم بشيء ليس من قدرة البشر ل زم ‪ ،‬و هو أبر آية ‪ ،‬و أقمع دللة ‪.‬‬
‫و على كل حال فما أتوا ف ذلك بقال ‪ ،‬بل صبوا على اللء ‪ ،‬و القتل ‪ ،‬و ترعوا كاسات الصغار و‬
‫الذل ‪ ،‬و كانوا من شوخ النف ‪ ،‬و إباية الضيم ‪ ،‬بيث ل يؤثرون ذلك اختيارا ‪ ،‬و ل يرضونه إل‬
‫اضطرارا ‪ ،‬و إل فالعارضة لو كانت من قدرهم ‪ ،‬الشغل با أهون عليهم و أسرع بالنجح و قطع العذر‬
‫و إفحام الصم لديهم ‪ ،‬و هم من لم قدرة على الكلم ‪ ،‬و قدوة ف العرفة به لميع النام ‪ ،‬و ما‬
‫منهم إل من جهد جهده ‪ ،‬و استنفد ما عنده ف إخفاء ظهوره ‪ ،‬و إطفاء نوره ‪ ،‬فما جلوا ف ذلك‬
‫خبيئ ًة من بنات شفاههم ‪ ،‬و ل أتوا بنطفة من معي مياههم ‪ ،‬مع طول المد ‪ ،‬و كثرة العدد ‪ ،‬و تظاهر‬
‫الوالد و ما ولد ‪ ،‬بل أبلسوا فما نبسوا ‪ ،‬و منعوا فانقطعوا ‪ ،‬فهذان نوعان من إعجازه ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف إعجاز القرآن ـ الوجه الثالث‬

‫الوجه الثالث من العجاز ما انطوى عليه من الخبار بالغيبات ‪ ،‬و ما ل يكن و ل يقع ‪ ،‬فوجد ‪ ،‬كما‬
‫ورد ‪ ،‬و على الوجه الذي أخب به ‪ ،‬كقوله تعال ‪ :‬لتدخلن السجد الرام إن شاء ال آمني [ سورة‬
‫الفتح ‪ ، 48 /‬الية ‪. ] 27 :‬‬
‫و قوله تعال ‪ :‬وهم من بعد غلبهم سيغلبون [ سورة الروم ‪ ، 30 /‬الية ‪. ] 3 :‬‬
‫و قوله ‪ :‬ليظهره على الدين كله ولو كره الشركون [ سورة التوبة ‪ ، 9 /‬الية ‪. ] 33 :‬‬
‫و قوله ‪ :‬وعد ال الذين آمنوا منكم وعملوا الصالات ليستخلفنهم ف الرض كما استخلف الذين من‬
‫قبلهم وليمكنن لم دينهم الذي ارتضى لم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونن ل يشركون ب شيئا‬
‫ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون [ سورة النور ‪ ، 24 /‬الية ‪. ] 55 :‬‬
‫و قوله ‪ :‬إذا جاء نصر ال والفتح * ورأيت الناس يدخلون ف دين ال أفواجا * فسبح بمد ربك‬
‫واستغفره إنه كان توابا [ سورة النصر ‪ ، 110 /‬الية ‪. ] 3 ، 1 :‬‬
‫فكان جيع هذا ‪ ،‬كما قال ‪ ،‬فغلبت الروم فارس ف بضع سني ‪ ،‬و دخل الناس ف السلم أفواجا ‪ ،‬فما‬
‫مات صلى ال عليه و سلم و ف بلد العرب كلها موضع ل يدخ له السلم ‪.‬‬
‫و استخلف ال الؤمني ف الرض ‪ ،‬و مكن فيها دينهم ‪ ،‬و ملكهم إياها من أقصى الشارق إل أقصى‬
‫الغارب ‪ ،‬كما قال عليه السلم ‪ :‬زويت إل الرض ‪ ،‬فأريت مشارقها و مغاربا ‪ ،‬و سيبلغ ملك أمت‬
‫ما زوي ل منها ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬إنا نن نزلنا الذكر وإنا له لافظون ‪ ،‬فكان كذلك ‪ ،‬ل يكاد يعد من سعى ف تغييه و تبديل‬
‫مكمه من اللحدة و العطلة ‪ ،‬ل سيما القرامطة ‪ ،‬فأجعوا كيدهم و حولم و قوتم ‪ ،‬اليوم نيفا على‬
‫خسمائة عام ‪ ،‬فما قدروا على إطفاء شيء من نوره ‪ ،‬و ل تغيي كلمة من كلمه ‪ ،‬و ل تشكيك‬
‫السلمي ف حرف من حروفه ‪ ،‬و المد ل ‪.‬‬
‫و منه قوله ‪ :‬سيهزم المع ويولون الدبر [ سورة القمر ‪ ، 54 /‬الية ‪. ] 45 :‬‬
‫و قوله ‪ :‬قاتلوهم يعذبم ال بأيديكم ويزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمني [ سورة التوبة‬
‫‪ ، 9 /‬الية ‪. ] 14 :‬‬
‫و قوله ‪ :‬هو الذي أرسل رسوله بالدى ودين الق ليظهره على الدين كله ولو كره الشركون [ سورة‬
‫التوبة ‪ ، 9 /‬الية ‪. ] 33 :‬‬
‫‪0‬و قوله‪ :‬لن يضروكم إل أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الدبار ث ل ينصرون ‪ .‬فكان كل ذلك ‪.‬‬
‫و ما فيه من كشف أسرار النافقي و اليهود ‪ ،‬و مقالم و كذبم ف حلفهم ‪ ،‬و تقريعهم بذلك ‪ ،‬كقوله‬
‫‪ :‬ويقولون ف أنفسهم لول يعذبنا ال با نقول ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬يفون ف أنفسهم ما ل يبدون لك يقولون لو كان لنا من المر شيء ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم‬
‫ف بيوتكم لبز الذين كتب عليهم القتل إل مضاجعهم وليبتلي ال ما ف صدوركم وليمحص ما ف‬
‫قلوبكم وال عليم بذات الصدور ‪.‬‬
‫و قوله ومن الذين هادوا ساعون للكذب ساعون لقوم آخرين ل يأتوك يرفون الكلم من بعد مواضعه‬
‫يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن ل تؤتوه فاحذروا ومن يرد ال فتنته فلن تلك له من ال شيئا أولئك‬
‫الذين ل يرد ال أن يطهر قلوبم لم ف الدنيا خزي ولم ف الخرة عذاب عظيم [ سورة الائدة ‪5 /‬‬
‫الية ‪. ] 41 :‬‬
‫و قوله ‪ :‬من الذين هادوا يرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سعنا وعصينا واسع غي مسمع وراعنا ليا‬
‫بألسنتهم وطعنا ف الدين [‪ [ ]95‬سورة النساء ‪ ، 4 /‬الية ‪. ] 46 :‬‬
‫و قد قال مبديا ‪ ،‬ما قدره ال واعتقده الؤمني يوم بدر ‪ :‬وإذ يعدكم ال إحدى الطائفتي أنا لكم‬
‫وتودون أن غي ذات الشوكة تكون لكم سورة النفال ‪ ، 8/‬الية ‪. ] 7 :‬‬
‫و منه قوله تعال ‪ :‬إنا كفيناك الستهزئي [ سورة الجر ‪ ، 15 /‬الية ‪. ] 95 :‬‬
‫و لا نزلت بشر النب صلى ال عليه و سلم نذلك أصحابه بأن ال كفاه إياهم ‪ ،‬و كان الستهزئون نفرا‬
‫بكة ينفرون الناس عنه و يؤذونه فهلكوا ‪.‬‬
‫و قوله وال يعصمك من الناس ‪ ،‬فكان كذلك على كثرة من رام ضره ‪ ،‬و قصد قتله ‪ ،‬و الخبار بذلك‬
‫معروفة صحيحة ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف إعجاز القرآن ـ الوجه الرابع‬
‫الوجه الرابع ما أنبأ به من أخبار القرون السالفة ‪ ،‬و المم البائدة ‪ ،‬و الشرائع الداثرة ‪ ،‬ما كان ل يعلم‬
‫منه القصة الواحدة إل الفذ من أخبار أهل الكتاب الذي قطع عمره ف تعلم ذلك ‪ ،‬فيورده النب صلى‬
‫ال عليه و سلم على وجهه ‪ ،‬و يأت به على نصه ‪ ،‬فيعترف العال بذلك بصحته و صدقه ‪ ،‬و أن مثله ل‬
‫ينله بتعليم ‪.‬‬
‫و قد علموا أنه صلى ال عليه و سلم أمي ل يقرأ و ل يكتب ‪ ،‬و ل اشتغل بدارسة و ل مثافنة ‪ ،‬و ل‬
‫يغب عنهم ‪ ،‬و ل جهل حاله أحد منهم ‪.‬‬
‫و قدكان أهل الكتاب كثياما يسألونه ـ صلى ال عليه و سلم ـ عن هذا ‪ ،‬فينل عليه من القرآن ما‬
‫يتلو عليهم منه ذكرا ‪ ،‬كقصص النبياء مع قومهم ‪ ،‬و خب موسى و الضر ‪ ،‬و يوسف و إخوته ‪ ،‬و‬
‫أصحاب الكهف ‪ ،‬و ذي القرني‪ ،‬و لقمان و ابنه ‪ ،‬و أشباه ذلك من النبياء [و القصص] ‪ ،‬و بدء‬
‫اللق و ما ف التوراة ‪ ،‬و النيل ‪ ،‬و الزبور ‪ ،‬و صحف إبراهيم و موسى ‪ ،‬ما صدقه فيه العلماء با ‪ ،‬و‬
‫ل يقدروا على تكذيب ما ذكر منها ‪ ،‬بل أذعنوا لذلك ‪ ،‬فمن موفق آمن با سبق له من خي ‪ ،‬و من‬
‫شقي معاند حاسد ‪ ،‬و مع هذا ل يك عن واحد من النصارى و اليهود على شدة عداوتم له ‪ ،‬و‬
‫حرصهم على تكذيبه ‪ ،‬و طول احتجاجه عليهم با ف كتبهم ‪ ،‬و تقريعهم با انطوت عليه مصاحفهم ‪،‬‬
‫و كثرة سؤالم له صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و تعنيتهم إياه ـ عن أخبار أنبيائهم ‪ ،‬و أسرار علومهم ‪ ،‬و‬
‫مستودعات سيهم ‪ ،‬و إعلمه لم بكتوم شرائعهم و مضمنات كتبهم ‪ ،‬مثل سؤالم عن الروح ‪ ،‬و‬
‫ذي القرني ‪ ،‬و أصحاب الكهف ‪ ،‬و عيسى ‪ ،‬و حكم الرجم و ما حرم إسرائيل على نفسه ‪ ،‬و ما‬
‫حرم عليهم من النعام ‪ ،‬و من طيبات أحلت لم فحرمت عليهم ببغيهم ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬ذلك مثلهم ف التوراة ومثلهم ف النيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على‬
‫سوقه يعجب الزراع ليغيظ بم الكفار [ سورة الفتح ‪ ، 48 /‬الية ‪. ] 29 :‬‬
‫و غي ذلك من أمورهم الت نزل فيها القرآن ‪ ،‬فأجابم و عرفهم با أوحى إليه من ذلك أنه أنكر ذلك‬
‫أو كذبه ‪ ،‬بل أكثرهم صرح بصحة نبوته ‪ ،‬و صدق مقالته ‪ ،‬و اعترف بعناده و حسدهم إياه ‪ ،‬كأهل‬
‫بران ‪ ،‬و ابن صوريا ‪ ،‬و ابن أخطب و غيهم ‪.‬‬
‫و من باهت ف ذلك بعض الباهتة ‪ ،‬و ادعى أن فيما عندهم من ذلك لا حكاه مالفةً ـ دعي إل إقامة‬
‫حجته ‪ ،‬و كشف دعوته ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬قل فاتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقي * فم ن افترى على ال‬
‫الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالون ‪.‬‬
‫فقرع و وبخ ‪ ،‬و دعا إل إحضار مكن غي متنع ‪ ،‬فمن معترف با جحده ‪ ،‬و متواقح يلقي على‬
‫فضيحته من كتابه يده ‪.‬‬
‫و ل يؤثر أن واحدا منهم أظهر خلف قوله من كتبه ‪ ،‬و ل أبدى صحيحا و ل سقيما من صفحه ‪،‬‬
‫قال ال تعال ‪ :‬يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبي لكم كثيا ما كنتم تفون من الكتاب ويعفو عن‬
‫كثي قد جاءكم من ال نور وكتاب مبي * يهدي به ال من اتبع رضوانه سبل السلم ويرجهم من‬
‫الظلمات إل النور بإذنه ويهديهم إل صراط مستقيم [ سورة الائدة ‪ ، 5 /‬الية ‪. ] 16 ، 15 :‬‬

‫فصل‬
‫هذه الوجوه الربعة من العجاز ل نزاع فيها و ل مرية‬

‫هذه الوجوه الربعة من إعجازه بينة ل نزاع فيها و ل مرية ‪.‬‬


‫و من الوجوه البينة ف إعجازه من غي هذه الوجوه آي وردت بتعجيز قوم ف قضايا ‪ ،‬و إعلمهم أنم ل‬
‫يفعلونا فما فعلوا و ل قدروا على ذلك ‪ ،‬كقوله لليهود ‪ :‬قل إن كانت لكم الدار الخرة عند ال‬
‫خالصة من دون الناس فتمنوا الوت إن كنتم صادقي * ولن يتمنوه أبدا با قدمت أيديهم [ سورة البقرة‬
‫‪ ، 2 /‬الية ‪. ] 95 ، 94 :‬‬
‫قال أبو إسحاق الزجاج ‪ :‬ف هذه الية أعظم حجة و أظهر دللة على صحة الرسالة ‪ ،‬لنه قال ‪ :‬فتمنوا‬
‫الوت ‪ ،‬و أعلمهم أنم لن يتمنوه أبدا ‪ ،‬فلم يتمنه واحدا منهم ‪.‬‬
‫و عن النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬و الذي نفسي بيده ل يقولا رجل منهم إل غص بريقه يعن يوت‬
‫مكانه ‪.‬‬
‫فصرفهم ال عن تنيه و جزعهم ‪ ،‬ليظهر صدق رسوله ‪ ،‬و صحة ما أوحي إليه ‪ ،‬إذا ل يتمنه أحد‬
‫منهم ‪ ،‬و كانوا على تكذيبه أحرص لو قدروا ‪ ،‬و لكن ال يفعل ما يريد ‪ ،‬فظهرت بذلك معجزته ‪ ،‬و‬
‫بانت حجته ‪.‬‬
‫قال أبو ممد الصيلي ‪ :‬من أعجب أمرهم أنه ل يوجد منهم جاعة ‪ ،‬و ل واحد ‪ ،‬من يوم أمر ال‬
‫بذلك نبيه ـ يقدم عليه ‪ ،‬و ل ييب إليه ‪.‬‬
‫و هذا موجود مشاهد لن أراد أن يتحنه منهم ‪.‬‬
‫و كذلك آية الباهلة من هذا العن ‪ ،‬حيث وفد عليه أساقفة نران و أبوا السلم ‪ ،‬فأنزل ال تعال عليه‬
‫آية الباهلة بقوله ‪ :‬فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا‬
‫ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ث نبتهل فنجعل لعنة ال على الكاذبي [ سورة آل عمران ‪ ، 3 /‬الية ‪:‬‬
‫‪. ] 61‬‬
‫فامتنعوا منها ‪ ،‬و رضوا بأداء الزية ‪ ،‬و ذلك أن [ العاقب ] عظيمهم قال لم ‪ :‬قد علمتم أنه نب ‪ ،‬و‬
‫أنه ما لعن قوما نب قط فبقي كبيهم و ل صغيهم ‪.‬‬
‫و مثله قوله ‪ :‬وإن كنتم ف ريب ما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون ال‬
‫إن كنتم صادقي * فإن ل تفعلوا ولن تفعلوا ‪.‬‬
‫فأخبهم أنم ل يفعلون ‪ ،‬كما كان ‪.‬‬
‫و هذه الية أدخل ف باب الخبار عن الغيب ‪ ،‬و لكن فيها من التعجيز ما ف الت قبلها ‪.‬‬

‫فصل‬
‫من موجه العجاز ‪ :‬الروعة الت تلحق قلوب سامعي القرآن‬

‫و منها الروعة الت تلحق قلوب سامعيه و أساعهم عند ساعه ‪ ،‬و اليبة الت تعتريهم عند تلوته لقوة‬
‫حاله ‪ ،‬و إنافة خطره ‪ ،‬و هي على الكذبي به أعظم ‪ ،‬حت كانوا يستثقلون ساعه ‪ ،‬و يزيدهم نفورا ‪،‬‬
‫كما قال تعال ‪ ،‬و يودون انقطاعه لكراهتهم له ‪.‬‬
‫و لذا قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬إن القرآن صعب مستصعب على من كرهه ‪ ،‬و هو الكم ‪ ،‬و أما‬
‫الؤمن فل تزال روعته به ‪ ،‬و هيبته إياه ‪ ،‬مع تلوته ـ توليه انذابا ‪ ،‬و تكسبه هشاشة ‪ ،‬ليل قلبه إليه ‪،‬‬
‫و تصديقه به ‪ ،‬قال تعال ‪ :‬تقشعر منه جلود الذين يشون ربم ث تلي جلودهم وقلوبم إل ذكر ال‬
‫[ سورة الزمر ‪ ، 39 /‬الية ‪. ] 23 :‬‬
‫و قال ‪ :‬لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية ال وتلك المثال نضربا للناس‬
‫لعلهم يتفكرون [ سورة الشر ‪ ، 59 /‬الية ‪. ] 21 :‬‬
‫و يدل على أن هذا شيء خص به ـ أنه يعتري من ل يفهم معانيه ‪ ،‬و ل يعلم تفاسيه ‪ ،‬كما روي عن‬
‫نصران ـ أنه مر بقارئ ـ فوقف يبكي ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬مم بكيت ؟ قال ‪ :‬للشجا و النظم ‪.‬‬
‫و هذه الروعة قد اعترت جاعةً قبل السلم و بعده ‪ ،‬ف منهم من أسلم لا لول و هلة و آمن به ‪ ،‬و‬
‫منهم من كفر ‪.‬‬
‫فحكي ف الصحيح ‪ ،‬عن جبي بن مطعم ‪ ،‬قال ‪ :‬سعت النب صلى ال عليه و سلم يقرأ ف الغرب‬
‫بالطور ‪ ،‬فلما بلغ هذه الية ‪ :‬أم خلقوا من غي شيء أم هم الالقون * أم خلقوا السماوات والرض بل‬
‫ل يوقنون * أم عندهم خزائن ربك أم هم الصيطرون ـ كاد قلب أن يطي للسلم ‪.‬‬
‫و ف رواية ‪ :‬و ذلك أول ما وقر اليان ف قلب ‪.‬‬
‫و عن عتبية بن ربيعة أنه كلم النب صلى ال عليه و سلم فيما جاء به من خلف قومه ‪ ،‬فتل عليهم ‪:‬‬
‫حم * تنيل من الرحن الرحيم * كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون * بشيا ونذيرا فأعرض‬
‫أكثرهم فهم ل يسمعون * وقالوا قلوبنا ف أكنة ما تدعونا إليه وف آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب‬
‫فاعمل إننا عاملون * قل إنا أنا بشر مثلكم يوحى إل أنا إلكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه‬
‫وويل للمشركي * الذين ل يؤتون الزكاة وهم بالخرة هم كافرون * إن الذين آمنوا وعملوا الصالات‬
‫لم أجر غي منون * قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الرض ف يومي وتعلون له أندادا ذلك رب‬
‫العالي * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتا ف أربعة أيام سواء للسائلي * ث‬
‫استوى إل السماء وهي دخان فقال لا وللرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعي * فقضاهن سبع‬
‫ساوات ف يومي وأوحى ف كل ساء أمرها وزينا السماء الدنيا بصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز‬
‫العليم * فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثود [ سورة فصلت ‪ ، 41 /‬الية ‪، 1 :‬‬
‫‪. ] 13‬‬
‫فامسك عتبة بيده على ف النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و ناشده الرحم أن يكف ‪.‬‬
‫و ف رواية ‪ :‬فجعل النب صلى ال عليه و سلم يقرأ و عتبة مصغ ملق يديه خلف ظهره ‪ ،‬معتمد‬
‫عليهما ‪ ،‬حت انتهى إل السجدة ‪ ،‬فسجد النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و قام عتبة ل يدري با يراجعه ‪،‬‬
‫و رجع إل أهله ‪ ،‬و ل يرج إل قومه حت أتوه ‪ ،‬فاعتذر لم ‪ ،‬و قال ‪ :‬و ال لقد كلمن بكلم و ال‬
‫ما سعت أذناي بثله قط فما دريت ما أقول له ‪.‬‬
‫و قد حكي عن غي واحد من رام معارضته أنه اعترته روعة و هيبة كف با عن ذلك ‪.‬‬
‫فحكي أن ابن القفع طلب ذلك و رامه ‪ ،‬و شرع فيه ‪ ،‬فمر بصب يقرأ ‪ :‬وقيل يا أرض ابلعي ماءك ـ‬
‫فرجع فمحا ما عمل ‪ ،‬و قال ‪ :‬أشهد أن هذا ل يعارض ‪ ،‬و ما هو من كلم البشر ‪ ،‬و كان من أفصح‬
‫أهل وقته ‪.‬‬
‫و كان يي بن حكم الغزال بليغ الندلس ف زمنه ‪ ،‬فحكي أنه رام شيئا من هذا فنظر ف سورة‬
‫الخلص ليحذو على مثالا ‪ ،‬و ينسج ـ بزعمه ـ على منوالا ـ قال ‪ :‬فاعترتن خشية ورقة حلتن‬
‫على التوبة و النابة ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف وجهوه أخرى للعجاز‬
‫و من وجوه إعجازه العدودة كونه آيةً باقيةً ل تعدم ما بقيت الدنيا مع تكفل ال بفظه ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنا‬
‫نن نزلنا الذكر وإنا له لافظون [ سورة الجر ‪ ، 15 /‬الية ‪. ] 9 :‬‬
‫و قال ‪ :‬ل يأتيه الباطل من بي يديه ول من خلفه تنيل من حكيم حيد ‪.‬‬
‫و سائر معجزات النبياء انقضت بانقضاء أوقاتا ‪ ،‬فلم يبق إل خبها ‪ ،‬و القرآن العزيز ‪ ،‬الباهرة آياته ‪،‬‬
‫الظاهرة معجزاته على ما كان عليه اليوم ـ مدة خسمائة عام و خس و ثلثي سنةً لول نزوله إل و‬
‫قتنا هذا ـ حجته قاهرة ‪ ،‬و معارضته متنعة ‪ ،‬و العصار كلها طافحة بأهل البيان ‪ ،‬و حلة علم اللسان‬
‫‪ ،‬و أئمة البلغة ‪ ،‬و فرسان الكلم ‪ ،‬و جهابذة الباعة ‪ ،‬و اللحد فيهم كثي ‪ ،‬و العادي للشرع عتيد ‪،‬‬
‫فما منهم من أتى بشيء يؤثر ف معارضته ‪ ،‬و ل ألف كلمتي ف مناقضته ‪ ،‬و ل قدر فيه على مطعن‬
‫صحيح ‪ ،‬و ل قدح التكلف من ذهنه ف ذلك إل بزند شحيح ‪ ،‬بل الأثور عن كل من رام ذلك إلقاؤه‬
‫ف العجز بيديه ‪ ،‬و النكوص على عقبيه ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف وجوه أخرى للعجاز‬
‫و قد عد جاعةً من الثة و مقلدي المة ف إعجازه وجوها كثي ًة ‪ ،‬منها أن قارئه ل يله ‪ ،‬و سامعه ل‬
‫يجه ‪ ،‬بل الكباب على [ ‪ ] 97‬تلوته يزيد حلو ًة ‪ ،‬و ترديده يوجب له مبةً ‪ ،‬ل يزال غضا طريا ‪،‬‬
‫و غيه من الكلم ـ و لو بلغ ف السن و البلغة مبلغه ـ يل مع الترديد ‪ ،‬و يعادى إذا أعيد ‪ ،‬و‬
‫كتابنا يستلذ به ف اللوات ‪ ،‬و يونس بتلوته ف الزمات ‪ ،‬و سواه من الكتب ل يوجد فيها ذلك ‪،‬‬
‫حت أحدث أصحابا لونا و طرقا يستجلبون بتلك اللحون تنشيطهم على قراءتا ‪.‬‬
‫و لذا و صف رسول ال صلى ال عليه و سلم القرآن بأنه ل يلق على كثرة الرد ‪ ،‬و ل تنقضي عبه ‪،‬‬
‫و ل تفن عجائبه ‪ ،‬هو الفصل ليس بالزل ‪ ،‬ل يشبع منه العلماء ‪ ،‬و ل تزيغ به الهواء ‪ ،‬و ل تلتبس به‬
‫اللسنة ‪ ،‬هو الذي ل تنته الن حي سعته أن قالوا ‪ :‬إنا سعنا قرآنا عجبا * يهدي إل الرشد [ سورة‬
‫الن ‪ ، 72 /‬الية ‪. ] 2 ، 1 :‬‬
‫و منها جعه لعلوم و معارف ل تعهد العرب عامةً و ل ممد صلى ال عليه و سلم قبل نبوته خاصة ‪،‬‬
‫بعرفتها ‪ ،‬و ل القيام با ‪ ،‬و ل ييط با أحد من علماء المم ‪ ،‬و ل يشتمل عليها كتاب من ك تبهم ‪،‬‬
‫فجمع فيه من بيان علم الشرائع ‪ ،‬و التنبيه على طرق الجج العقليات ‪ ،‬و الرد على فرق المم ‪،‬‬
‫بباهي قوية ‪ ،‬و أدلة بينة سهلة اللفاظ ‪ ،‬موجزة القاصد ‪ ،‬رام التخذلقون بعد ـ أن ينصبوا أدلةً مثلها‬
‫فلم يقدروا عليها كقوله تعال ‪ :‬أوليس الذي خلق السماوات والرض بقادر على أن يلق مثلهم‬
‫[ سورة يس ‪ ، 36 /‬الية ‪. ] 81 :‬‬
‫و ‪ :‬قل يييها الذي أنشأها أول مرة [ سورة يس ‪ ، 36 /‬الية ‪. ] 79 :‬‬
‫و ‪ :‬لو كان فيهما آلة إل ال لفسدتا [ سورة النبياء ‪ ، 21 /‬الية ‪. ] 22 :‬‬
‫إل ما حواه من علوم السي ‪ ،‬و أنباء المم ‪ ،‬و الواعظ ‪ ،‬و الكم ‪ ،‬و أخبار الدار الخرة ‪ ،‬و ماسن‬
‫الداب و الشيم ‪.‬‬
‫قال ال ـ جل اسه ـ ‪ :‬ما فرطنا ف الكتاب من شيء [ سورة النعام ‪ ، 6 /‬الية ‪. ] 38 :‬‬
‫و ‪ :‬ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء [ سورة النحل ‪ ، 16 /‬الية ‪. ] 89 :‬‬
‫و ‪ :‬ولقد ضربنا للناس ف هذا القرآن من كل مثل [ سورة الورم ‪ ، 30 /‬الية ‪. ] 58 :‬‬
‫ل مضروبا‬ ‫و قال ـ صلى ال عليه و سلم ‪ :‬إن ال أنزل هذا القرآن آمرا و زاجرا ‪ ،‬و سنةً خاليةً ‪ ،‬و مث ً‬
‫‪ ،‬فيه نبؤكم ‪ ،‬و خب ما كان قبلكم ‪ ،‬و نبأ ما ب عدكم ‪ ،‬و حكم ما بينكم ‪ ،‬ل يلقه طول الرد ‪ ،‬و‬
‫ل تنقضي عجائبه ‪ ،‬هو الق ليس بالزل ‪ ،‬من قال به صدق ‪ ،‬و من حكم به عدل ‪ ،‬و من خاصم به‬
‫فلج ‪ ،‬و من قسم به أقسط ‪ ،‬و من عمل به أجر ‪ ،‬و من تسك به هدي إل صراط مستقيم ‪ ،‬و من‬
‫طلب الدى من غيه أضله ال ‪ ،‬و من حكم بغيه قصمه ال ‪ ،‬هو الذكر الكيم ‪ ،‬و النور البي ‪ ،‬و‬
‫الصراط الستقيم ‪ ،‬و حبل ال التي ‪ ،‬و الشفاء النافع ‪ ،‬عصمة لن تسك به ‪ ،‬و ناة لن اتبعه ‪ ،‬ل يعوج‬
‫فيقوم ‪ ،‬و ل يزيغ فيستعتب ‪ ،‬و ل تنقضي عجائبه ‪ ،‬و ل يلق على كثرة الرد ‪.‬‬
‫و نوه عن ابن مسعود ‪ ،‬و قال فيه ‪ :‬و ل يتلف و ل يتشانا ‪ ،‬فيه نبأ الولي و الخرين ‪.‬‬
‫و ف الديث ‪ :‬قال ال تعال لحمد صلى ال عليه و سلم ‪:‬إن منل عليك توراة حديثة ‪ ،‬تفتح با أعينا‬
‫عميا ‪ ،‬و آذانا صما ‪ ،‬و قلوبا غلفا ‪ ،‬فيها ينابيع العلم ‪ ،‬و فهم الكمة ‪ ،‬و ربيع القلوب ‪.‬‬
‫و عن كعب ‪ :‬عليكم بالقرآن ‪ ،‬فإنه فهم العقول ‪،‬و نور الكمة ‪.‬‬
‫و قال ال تعال ‪ :‬إن هذا القرآن يقص على بن إسرائيل أكثر الذي هم فيه يتلفون [ سورة النمل ‪27 /‬‬
‫‪ ،‬الية ‪. ] 76 :‬‬
‫و قال ‪ :‬هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمت قي [ سورة آل عمران ‪ ، 3 /‬الية ‪. ] 138 :‬‬
‫فجمع [‪ ]98‬فيه مع و جازة ألفاظه ‪ ،‬و جوامع كلمة أضعاف ما ف الكتب قبله الت ألفاظها على‬
‫الضعف منه مرات ‪.‬‬
‫و منها جعه فيه بي الدليل و مدلوله ‪ ،‬و ذلك أنه احتج بنظم القرآن ‪ ،‬و حسن رصفه و إيازه و بلغته‬
‫‪ ،‬و أثناء هذه البلغة أمره و نيه ‪ ،‬و وعده و وعيده ‪ ،‬فالتال له يفهم موضع الجة و التكليف معا من‬
‫كلم واحد و سورة منفردة ‪.‬‬
‫و منها أن جعله ف حيز النظوم الذي ل يعهد ‪ ،‬و ل يكن ف حيز النشور ‪ ،‬لن النظوم أسهل على‬
‫النفوس ‪ ،‬و أوعى للقلوب ‪ ،‬و أسع ف الذان ‪ ،‬و احلى على الفهام ‪ ،‬فالناس إليه أميل ‪ ،‬و الهواء إليه‬
‫أسرع ‪.‬‬
‫و منها تيسيه تعال حفظه لتعلميه ‪ ،‬و تقريبه على متحفظيه ‪ ،‬قال ال تعال ‪ :‬ولقد يسرنا القرآن للذكر‬
‫[ سورة القمر ‪ ، 54 /‬الية ‪. ] 17 :‬‬
‫و سائر المم ل يفظ كتبها الواحد منهم ‪ ،‬فكيف الماء على مرور السني عليهم ‪ .‬و القرآن ميسر‬
‫حفظه للغلمان ف أقرب مدة ‪.‬‬
‫و منها مشاكلة بعض أجزائه بعضا ‪ ،‬و حسن ائتلف أنواعها ‪ ،‬و التئام أقسامها ‪ ،‬و حسن التخلص من‬
‫قصة إل أخرى ‪ ،‬و الروج من باب إل غيه على اختلف معانيه ‪ ،‬و انقسام السورة الواحدة إل أمر و‬
‫ني ‪ ،‬و خب واستخبار‪ ،‬و وعد و وعيد ‪ ،‬و إثبات نبوة ‪ ،‬و توحيد و تفريد ‪ ،‬و ترغيب و ترهيب ‪ ،‬إل‬
‫غي ذلك من فوائده ‪ ،‬دون خلل يتخلل فصوله ‪.‬‬
‫و الكلم الفصيح إذا اعتروه مثل هذا ضعفت قوته ‪ ،‬و لنت جزالته ‪ ،‬و قل رونقه ‪ ،‬و تقلقت ألفاظه ‪.‬‬
‫فتأمل أول [ص] ‪ ،‬و ما جع فيها من أخبار الكفار و شقاقهم و تقريعهم بإهلك القرون من قبلهم ‪ ،‬و‬
‫ما ذكرمن تكذيبهم بحمد صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و تعجبهم ما أتى به ‪ ،‬و الب عن اجتماع ملئهم‬
‫على الكفر و ما ظهر من السد ف كلمهم ‪ ،‬و تعجيزهم و توهينهم ‪،‬و وعيدهم بزي الدنيا و‬
‫الخرة ‪،‬و تكذيب المم قبلهم ‪،‬و إهلك ال لم ‪ ،‬و وعيد هؤلء مثل مصابم ‪ ،‬و تصبي النب‬
‫علىأذاهم و تسليته بكل ما تقدم ذكره ‪ ،‬ث أخذ ف ذكر داود و قصص النبياء ‪ ،‬كل هذا ف أوجز‬
‫كلم و أحسن نظام ‪.‬‬
‫و منه الملة الكثية الت انطوت عليها الكلمات القليلة ‪ ،‬و هذا كله و كثي ما ذكرنا أنه ذكر ف‬
‫إعجاز القرآن ‪ ،‬إل و جوه كثية ذكرها الئمة ل نذكرها ‪ ،‬إذ أكثرها داخل ف باب بلغته ‪ ،‬فل يب‬
‫أن يعد فنا منفردا ف إعجازه ‪،‬إل ف باب تفضيل فنون البلغة ‪ ،‬و كذلك كثي ما قدمنا ذكره عنهم يع‬
‫د ف خواصه و فضائله ‪ ،‬ل إعجازه ‪.‬‬
‫و حقيقة العجاز الوجوه الربعة الت ذكرنا ‪ ،‬فليعتمد عليها ‪ ،‬و ما بعدها من خواص القرآن و عجائبه‬
‫الت ل تنقضي‪ .‬و ال و ل التوفيق ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف انشقاق القمر و حبس الشمس‬
‫قال ال تعال ‪ :‬اقتربت الساعة وانشق القمر * وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر [ سورة القمر‬
‫‪ ، 54 /‬الية ‪. ] 2 ، 1 :‬‬
‫أخب تعال بوقوع انشقاقه بلفظ الاضي ‪ ،‬و إعراض الكفرة عن آياته ‪ ،‬و أجع الفسرون و أهل السنة‬
‫على وقوعه ‪.‬‬
‫أخبنا السي بن ممد [ ‪ ] 99‬الافظ من كتابه ‪ ،‬حدثنا القاضي سراج بن عبد ال ‪ ،‬حدثنا‬
‫الصيلي ‪ ،‬حدثنا الروزي ‪ ،‬حدثنا الفربري ‪ ،‬حدثنا البخاري ‪ ،‬حدثنا مسدد ‪ ،‬حدثنا يي ‪ ،‬عن شعبة ‪،‬‬
‫و سفيان ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن أب معمر‪ ،‬عن ابن مسعود رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬انشق‬
‫القمر على عهد رسول ال صلى ال عليه و سلم فرقتي ‪ :‬فرقة فوق البل ‪ ،‬و فرقة دونه ‪ ،‬فقال رسول‬
‫ال صلى ال عليه و سلم اشهدوا ‪.‬‬
‫و ف رواية ماهد ‪:‬و نن مع النب صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و ف بعض طرق العمش ‪ :‬و نن بن ‪.‬‬
‫و رواه أيضا ـ عن ابن مسعود ـ السود ‪ ،‬و قال ‪ :‬حت رأيت البل بي فرجت القمر ‪.‬‬
‫و رواه عنه مسروق ـ أنه كان بكة ـ و زاد ‪ :‬فقال كفار قريش ‪ :‬سحركم ابن أب كبشة !‬
‫فقال رجل منهم ‪ :‬إن ممدا إن كان سحر القمر فإنه ل يبلغ من سحره أن يسحر الرض ‪ ،‬كلها ‪،‬‬
‫فاسألوا من يأتيكم من بلد آخر ‪ :‬هل رأوا هذا ؟ فأتوا ‪ ،‬فسألوهم فأخبوهم أنم رأوا مثل ذلك ‪.‬‬
‫و حكى السمرقندي عن الضحاك نوه ‪ ،‬و قال ‪ :‬فقال أبو جهل ‪ :‬هذا سحر ‪ ،‬فابعثوا إل أهل الفاق‬
‫حت تنظروا ‪ :‬أرأوا ذلك أم ل ؟‬
‫فأخبأهل الفاق أنم رأوه منشقا ‪ ،‬فقالوا ـ يعن الكفار ‪ :‬هذا سحر مستمر ‪.‬‬
‫و رواه أيضا ـ عن ابن مسعود ـ علقمة ‪ ،‬فهؤلء أربعة عن عبد ال ‪.‬‬
‫و قد رواه غي ابن مسعود ‪ ،‬كما رواه ابن مسعود ‪ ،‬منهم أنس ‪ ،‬و ابن عباس و ابن عمر ‪ ،‬و حذيفة ‪،‬‬
‫و علي ‪ ،‬و جبي بن مطعم ‪ ،‬فقال علي ـ من رواية أب حذيفة الرحب ‪ :‬انشق القمر و نن مع النب‬
‫صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و عن أنس ‪ :‬سأل أهل مكة النب صلى ال عليه و سلم أن يريهم آية ‪ ،‬فأراهم انشقاق القمر فرقتي حت‬
‫رأوا حراء بينهم ‪.‬‬
‫رواه عن أنس قتادة ‪.‬‬
‫و ف رواية معمر و غيه ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عنه ‪ :‬أراهم القمر مرتي انشقاقه ‪ ،‬فنلت ‪ :‬اقتربت الساعة‬
‫وانشق القمر [ سورة القمر ‪ ، 54 /‬الية ‪. ] 1 :‬‬
‫و رواه عن جبي بن مطعم ابنه ممد و ابن ابنه جبي بن ممد ‪.‬‬
‫و رواه عن ابن عباس عبيد ال بن عبد ال بن عتبة ‪.‬‬
‫و رواه عن ا بن عمر ماهد ‪ ،‬و رواه عن حذيفة أبو عبدالرحن السلمي و مسلم بن أب عمران الزدي‬
‫‪.‬‬
‫و أكثر طرق هذه اللحاديث صحيحة ‪ ،‬و الية مصرحة ‪ ،‬و ل يلتفت إل اعتراض مذول ‪ ،‬بأنه لو‬
‫كان هذا ل يف على أهل الرض ‪ ،‬إذ هو شيء ظاهر لميعهم ‪ ،‬إذ ل ينقل لنا عن أهل الرض أنم‬
‫رصدوه تلك الليلة فلم يروه انشق ‪ ،‬و لو نقل إلينا عمن ل يوز تالؤهم ـ لكثرتم ـ على الكذب ‪،‬‬
‫لا كانت علينا به حجة ‪ ،‬إذ ليس القمر ف حد واحد لميع أهل الرض ‪ ،‬فقد يطلع على قوم قبل أن‬
‫يطلع على آخرين ‪ ،‬و قد يكون من قوم بضد ما هو من مقابليهم من أقطار الرض ‪ ،‬أو يول بي قوم و‬
‫بينه سحاب أو جبال ‪ ،‬و لذا ند الكسوفات ف بعض البلد دون بعض ‪ ،‬و ف بعضها جزئية ‪ ،‬و ف‬
‫بعضها كلية ‪ ،‬و ف بعضها ل يعرفها إل الدعوون لعلمها ‪ ،‬ذلك تقدير العزيز العليم ‪.‬‬
‫و آية القمر كانت ليلً ‪ ،‬و العادة من الناس بالليل الدو و السكون و إياف البواب ‪ ،‬و قطع التصرف‬
‫‪ ،‬و ل يكاد يعرف من أمور [‪ ]100‬السماء شيئا ‪ ،‬إل من رصد ذلك ‪ ،‬واهتبل به‬
‫و لذلك ما يكون الكسوف القمري كثياف البلد ‪ ،‬و أكثرهم ل يعلم به حت ينجز ‪ ،‬و كثيا ما‬
‫يدث الثقات بعجائب يشاهدونا من أنوار و نوم طوالع عظام تظهر ف الحيان بالليل ف السماء ‪ ،‬و‬
‫ل علم عند أحد منها ‪.‬‬
‫و خرج الطحاوي ـ ف مشكل الديث ‪ ،‬عن أساء بنت عميس من طريقي ـ أن النب صلى ال عليه‬
‫و سلم كان يوحي إليه ‪ ،‬و رأسه ف حجر علي فلم يصل العصر حت غربت الشمس ‪ ،‬فقال النب صلى‬
‫ال عليه و سلم ‪ :‬أصليت ياعلي ؟ قال ‪:‬ل ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬اللهم إنه كان ف طاعتك و طاعة رسولك فاردد عليه الشمس ‪.‬‬
‫قالت أساء ‪ :‬فرأيتها غربت ‪ ،‬ث طلعت بعد ما غربت ‪ ،‬و وقفت على البال و الرض ‪ ،‬و ذلك‬
‫بالصهباء ف خيب ‪.‬‬
‫قال و هذان الديثان ثابتان و رواتما ثقات ‪.‬‬
‫و حكى الطحاوي أن أحد بن صال كان يقول ‪ :‬ل ينبغي لن يكون سبيله العلم التخلف عن حفظ‬
‫حديث أساء ‪ ،‬لنه من علمات النبوة ‪.‬‬
‫و روى يونس بن بكي ف زيادة الغازي ف روايته عن ابن إسحاق ‪ :‬اما أسري برسول ال صلى ال عليه‬
‫و سلم ‪ ،‬و أخب قومه بالرفقة و العلمة الت ف العي قالوا ‪ :‬مت تيء ؟ قال ‪ :‬يوم الربعاء ‪ ،‬فلما كان‬
‫ذلك اليوم أشرفت قريش ينظرون و قد ول النهار و ل تيء ؟ فدعا رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪،‬‬
‫فزيد له ف النهار ساعة ‪ ،‬و حبست عليه الشمس ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف نبع الاء من بي أصابعه و تكثيه بركة‬
‫[ قال الؤلف رحه ال ] ‪:‬‬
‫أما الحاديث ف هذا فكثية جدا ‪.‬‬
‫روى حديث نبع الاء من أصابعه صلى ال عليه و سلم جاعة من الصحابة ‪ ،‬منهم أنس ‪ ،‬و جابر ‪ ،‬و‬
‫ابن مسعود ‪:‬‬
‫حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن جعفر الفقيه بقراءت عليه ‪ ،‬حدثنا القاضي عيسى بن سهل ‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫القاسم حات بن ممد ‪ ،‬حدثنا أبو عمر بن الفخار ‪ ،‬حدثنا أبو عيسى ‪ ،‬حدثنا يي ‪ ،‬حدثنا مالك ‪ ،‬عن‬
‫إسحاق بن عبد ال بن أب طلحة ‪ ،‬عن أنس بن مالك رضي ال عنه ‪ :‬رأيت رسول ال صلى ال عليه و‬
‫سلم ‪ ،‬و حانت صلة العصر ‪ ،‬فالتمس الناس الوضوء فلم يدوه ‪ ،‬فأتى رسول ال صلى ال عليه و‬
‫سلم بوضوء ‪ ،‬فوضع رسول ال صلى ال عليه و سلم ف ذلك الناء يده ‪ ،‬و أمر الناس أن يتوضئوا منه‬
‫‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فرأيت الاء ينبع من بي أصابعه ‪ ،‬فتوضأ حت توضئوا من عند آخرهم ‪.‬‬
‫و رواه أيضا ـ عن أنس ـ قتادة ‪ ،‬و قال ‪ :‬بإناء فيه ماء يغمر أصابعه أو ل يكاد يغمر ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬كم كنتم ؟ قال ‪ :‬كنا زهاء ثلثائة ‪.‬‬
‫و ف رواية عنه ‪ :‬و هم بالزوراء عند السوق ‪.‬‬
‫و رواه أيضا حيد ‪ ،‬و ثابت و السن ‪ ،‬عن أنس ‪.‬‬
‫و ف رواية حيد ‪ :‬قلت ‪ :‬كم كانوا ؟ قال ‪ :‬ثاني ‪.‬‬
‫و نوه عن ثابت عنه ‪.‬‬
‫و عنه أيضا ‪ :‬و هم نو من سبعي رجلً ‪.‬‬
‫و أما ابن مسعود ففي الصحيح من رواية علقمة ‪ :‬بينما نن مع رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و‬
‫ليس معنا ماء ‪ ،‬فقال لنا رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬اطلبوا من معه فضل ماء ‪ ،‬فأتى باء فصبه ف‬
‫إناء ‪ ،‬ث وضع كفه فيه ‪ ،‬فجعل الاء [ ‪ ] 101‬ينبع من بي أصابع رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و ف الصحيح عن سال بن أب العد ‪ ،‬عن جابر رضي ال عنه ‪ :‬عطش الناس يوم الديبية و رسول ال‬
‫صلى ال عليه و سلم بي يديه ركوة ‪ ،‬فتوضأ منها ‪ ،‬و أقبل الناس نوه ‪ ،‬و قالوا ‪ :‬ليس عندنا ماء إل ما‬
‫ف ركوتك ‪ ،‬فوضع النب صلى ال عليه و سلم يده ف الركوة ‪ ،‬فجعل الاء يفور من بي أصابعه كأمثال‬
‫العيون ‪.‬‬
‫و فيه ‪ :‬فقلت ‪ :‬كم كنتم ؟ قالوا ‪ :‬لو كنا مائة ألف لكفانا ‪ ،‬كنا خس عشرة مائة ‪.‬‬
‫و روي مثله عن أنس ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬و فيه أنه كان بالديبية ‪.‬‬
‫و ف رواية الوليد بن عبادة الصامت عنه ‪ ،‬ف حديث مسلم الطويل ف ذكر غزوة بواط قال ‪:‬‬
‫قال ل رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬يا جابر ‪ ،‬ناد ‪ ،‬الوضوء ‪ . . .‬و ذكر الدي ث بطوله ‪ ،‬و أنه‬
‫ل يد إل قطرة ف عزلء شجب ‪ ،‬فأت به النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فغمزه و تكلم بشيء ل أدري ما‬
‫هو ‪ ،‬و قال ‪ :‬ناد بفنة الركب ‪ ،‬فأتيت با ‪ ،‬فوضعتها بي يديه ‪ ،‬و ذكر أن النب صلى ال عليه و سلم‬
‫بسط يده ف الفنة ‪ ،‬و فرق أصابعه ‪ ،‬و صب جابر عليه ‪ ،‬و قال ‪ :‬بسم ال [ كما أمره صلى ال عليه‬
‫و سلم ] ‪ ،‬قال ‪ :‬فرأيت الاء يفور من بي أصابعه ‪ ،‬ث فارت الفنة و استدارت حت امتلت ‪ ،‬و أمر‬
‫الناس بالستقاء ‪ ،‬فاستقوا حت رووا ‪.‬‬
‫فقلت ‪ :‬هل بقي أحد له حاجة ؟ فرفع رسول ال صلى ال عليه و سلم يده من الفنة و هي ملئ ‪.‬‬
‫و عن الشعب ‪ :‬أت النب صلى ال عليه و سلم ف بعض أسفاره بإداوة ماء ‪ ،‬و قيل ‪ :‬ما معنا يا رسول‬
‫ال ماء غيها ‪ ،‬فسكبها ف ركوة ‪ ،‬و وضع إصبعه و سطها ‪ ،‬و غمسها ف الاء ‪ ،‬و جعل الناس ييئون‬
‫و يتوضئون ث يقومون ‪.‬‬
‫قال الترمذي و ف الباب ‪ ،‬عن عمران بن حصي ‪.‬‬
‫و مثل هذا ف هذه الواطن الفلة و الموع الكثية ل تتطرق التهمة إل الحدث به ‪ ،‬لنم كانوا أسرع‬
‫شيء إل تكذيبه ‪ ،‬لا جبلت عليه النفوس من ذلك ‪ ،‬و لنم كانوا من ل يسكت على باطل ‪ ،‬فهؤلء‬
‫قد رووا هذا ‪ ،‬و أشاعوه ‪ ،‬و نسبوا حضور الماء الغفي له ‪ ،‬و ل ينكر أحد من الناس عليهم ما حدثوا‬
‫به عنهم أنم فعلوا و شاهدوه ‪ ،‬فصار متصديق جيعهم له ‪.‬‬

‫فصل‬
‫و ما يشبه هذا من معجزاته‬
‫و ما يشبه هذا من معجزاته تفجي الاء ببكته ‪ ،‬و انبعاثه بسه و دعوته فيما روى مالك ف الوطأ عن‬
‫معاذ بن جبل ف قصة غزوة تبوك ‪ ،‬و أنم وردوا العي و هي تبض بشيء من ماء مثل الشراك ‪ ،‬فغرفوا‬
‫من العي بأيديهم حت اجتمع ف شيء ‪ ،‬ث غسل رسول ال صلى ال عليه و سلم فيه و جهه و يديه ‪،‬‬
‫و أعادة فيها ‪ ،‬فجرت باء كثي ‪ ،‬فاستقى الناس ‪.‬‬
‫قال ـ ف حديث ابن إسحاق ‪ :‬فانرق من الاء ما له حس كحس الصواعق ‪.‬‬
‫ث قال ‪ :‬يوشك يا معاذ ‪ ،‬إن طالت بك حياة أن ترى ها هنا قد مليء جنانا ‪.‬‬
‫و ف حديث الباء ‪ ،‬و مسلمة بن الكوع ـ و حديثه أت ـ ف قصة الديبية ‪ ،‬و هم أربع عشرة مائة ‪،‬‬
‫و بئرها ل تروي خسي شاة ‪ ،‬فنحناها فلم نترك فيها قطرة ‪ ،‬فقعد رسول ال صلى ال عليه و سلم‬
‫على جباها ‪.‬‬
‫قال الباء ‪ ،‬و أت بدلو منها ‪ ،‬فبصق [ ‪ ] 102‬فدعا ‪.‬‬
‫و قال سلمة ‪ :‬فإما دعا ‪ ،‬و إما بصق فيها ‪ ،‬فجاشت ‪ ،‬فأرووا أنفسهم و ركابم ‪.‬‬
‫و ف غي هذه الروايتي ـ ف هذه القصة ـ من طريق ابن شهاب [ ف الديبية ] ‪:‬‬
‫فأخرج سهما من كنانته ‪ ،‬فو ضع ف قعر قليب ليس فيه ماء ؟ فروي الناس حت ى ضربوا بعطن ‪.‬‬
‫و عن أب قتادة ـ و ذكر أن الناس شكوا إل رسول ال صلى ال عليه و سلم العطش ف بعض‬
‫أسفاره ‪ ،‬فدعا باليضأة ‪ ،‬فجعلها ف ضبنه ‪ ،‬ث التقم فمها ‪ ،‬فال أعلم ـ نفث فيها أم ل ‪ ،‬فشرب‬
‫الناس حت رووا و ملئوا كل إناء معهم ‪ ،‬فخيل إل أنا كما أخذها من ‪ ،‬و كانوا اثني و سبعي رجلً‬
‫‪.‬‬
‫و روى مثله عمران بن حصي ‪.‬‬
‫و ذكر الطبي حديث أب قتادة على غي ما ذكره أهل الصحيح ـ و أن النب صلى ال عليه و سلم‬
‫خرج بم مدا لهل مؤتة عندما بلغه قتل المراء ‪:‬‬
‫و ذكر حديثا طويلً فيه معجزات و آيات للنب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و فيه إعلمهم أنم يفقدون الاء‬
‫ف غد ‪.‬‬
‫و ذكر حديث اليضأة ‪ ،‬قال ‪ :‬و القوم زهاء ثلثائة ‪.‬‬
‫و ف كتاب مسلم أنه قال لب قتادة ‪ :‬احفظ علي ميضأتك ‪ ،‬فإنه سيكون لا نبأ ‪ ..‬و ذكر نوه ‪.‬‬
‫و من ذلك حديث عمران بن حصي حي أصاب النب صلى ال عليه و سلم و أصحابه عطش ف بعض‬
‫أسفارهم ‪ ،‬فوجه رجلي من أصحابه ‪ ،‬و أعلمهما أنما يدان امرأةً بكان كذا معها بعي عليه مزادتان ‪.‬‬
‫‪ . .‬الديث ‪ ،‬فوجداها و أتيا با إل النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فج عل ف إناء من مزادتيها ‪ ،‬و قال‬
‫فيه ما شاء ال أن يقول ‪ ،‬ث أعاد الاء ف الزادتي ‪ ،‬ث فتحت عزاليهما ‪ ،‬و أمر الناس فملئوا أسقيتهم‬
‫حت ل يدعوا شيئا إل ملئوه ‪.‬‬
‫قال عمران ‪ :‬و تيل إل أنم ل تزدادا إل امتلءً ‪ ،‬ث أمر فجمع للمرأة من الزواد حت مل ثوبا ‪ .‬و‬
‫قال ‪ :‬اذهب ‪ ،‬فإنا ل نأخذ من مائك شيئا ‪ ،‬و لكن ال سقانا ‪ . . .‬الديث بطوله ‪.‬‬
‫و عن سلمة بن الكوع ‪ :‬قال نب ال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬هل من وضوء ؟ فجاء رجل بإداوة فيها‬
‫نطفة فأفرغها ف قدح ‪ ،‬فتوضأنا كلنا ندغفقه دغفقة أربع عشرة مائة ‪ [ . . .‬الديث بطوله ] ‪.‬‬
‫و ف حديث عمر ـ ف جيش العسرة ‪ :‬و ذكر ما أصابم من العطش ‪ ،‬حت إن الرجل لينحر بعيه ‪،‬‬
‫فيعصر فرثه فيشربه ‪ ،‬فرغب أبو بكر إل النب صلى ال عليه و سلم ف الدعاء ‪ ،‬فرفع يديه فلم يرجعهما‬
‫حت قالت السماء فانسكبت ‪ ،‬فملئوا ما معهم من آنية ‪ ،‬و ل تاوز العسكر ‪.‬‬
‫و عن عمر بن شعيب ـ أن أبا طالب قال للنب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و هو رديفه بذي الجاز ‪:‬‬
‫عطشت و ليس عندي ماء ‪ ،‬فنل النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و ضرب بقدمه الرض ‪ ،‬فخرج الاء ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬اشرب ‪.‬‬
‫و الديث ف هذا الباب كثي ‪ ،‬و منه الجابة بدعاء الستسقاء و ما جانسه ‪.‬‬
‫فصل‬
‫و من معجزاته تكثي الطعام و دعائه‬

‫حدثنا القاضي الشهيد أبو علي رحه ال ‪ ،‬حدثنا العذري ‪ ،‬حدثنا الرازي ‪ ،‬حدثنا اللودي ‪ ،‬حدثنا ابن‬
‫سفيان ‪ ،‬حدثنا مسلم بن الجاج ‪ ،‬حدثنا سلمة بن شبيب ‪ ،‬حدثنا السن بن أعي ‪ ،‬حدثنا معقل ‪ ،‬عن‬
‫ل أتى النب صلى ال عليه و سلم [ ‪ ] 103‬يستطعمه ‪ ،‬فأطعمه شطر‬ ‫أب الزبي ‪ ،‬عن جابر ـ أن رج ً‬
‫وسق شعي ‪ ،‬فما زال يأكل منه و امرأته و ضيفه حت كاله ‪ ،‬فأتى النب صلى ال عليه و سلم ‪،‬‬
‫فأخبه ‪ ،‬فقال ‪ :‬لو ل تكله لكلتم منه و لقام بكم ‪.‬‬
‫و من ذلك حديث أب طلحة الشهور ‪ ،‬و إطعامه صلى ال عليه و سلم ثاني أو سبعي رجلً من‬
‫أقراص من شعي جاء با أنس تت يده ‪ ،‬أي إبطه ‪ ،‬فأمر با ففتت ‪ ،‬و قال فيهما ما شاء ال أن يقول ‪.‬‬

‫و حديث جابر ف إطعامه صلى ال عليه و سلم يوم الندق ألف رجل من صاع شعي و عناق ‪.‬‬
‫و قال جابر ‪ :‬فأقسم بال لكلوا حت تركوه و انرفوا ‪ ،‬و إن برمتنا لتغط كما هي ‪ ،‬و إن عجيننا‬
‫ليخبز ‪.‬‬
‫و كان رسول ال صلى ال عليه و سلم بصق ف العجي و البمة ‪ ،‬و بارك ‪.‬‬
‫رواه عن جابر سعيد بن ميناء ‪ ،‬و أين ‪.‬‬
‫[ و عن ثابت مثله ‪ ،‬عن رجل من النصار و امر أته ‪ ،‬و ل يسمهما ‪ ،‬قال ‪ :‬و جيء بثل الكف ‪،‬‬
‫فجعل رسول ال صلى ال عليه و سلم يبسطها ف الناء و يقول ما شاء ال ‪ ،‬فأكل منه من ف البيت و‬
‫الجرة و الدار ‪ ،‬و كان ذلك قد امتل من قدم معه صلى ال عليه و سلم لذلك ‪ ،‬و بقي بعد ما شبعوا‬
‫مثل ما كان ف الناء ] ‪.‬‬
‫و حديث أب أيوب أنه صنع لرسول ال صلى ال عليه و سلم و لب بكر من الطعام زهاء ما يكفيهما ‪،‬‬
‫فقال له النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬ادع ثلثي من أشراف النصار فدعاهم فأكلوا حت تركوا ‪ ،‬ث‬
‫قال ‪ :‬ادع ستي فكان مثل ذلك ‪ ،‬ث قال ‪ :‬ادع سبعي فأكلوا حت تركوا ‪ ،‬و ما خرج منهم أحد حت‬
‫أسلم و بايع ‪.‬‬
‫قال أبو أيوب ‪ :‬فأكل من طعامي مائة و ثانون رجلً ‪.‬‬
‫و عن سرة بن جندب ‪ :‬أتى النب صلى ال عليه و سلم بقصعة فيها لم ‪ ،‬فتعاقبوها من غدوة حت الليل‬
‫‪ ،‬يقوم قوم و يقعد آخرون ‪.‬‬
‫و من ذلك حديث عبد الرحن بن أب بكر ‪ :‬كنا مع النب صلى ال عليه و سلم ثلثي و مائة ‪ ،‬و ذكر‬
‫ف الديث أنه عجن صاع من طعام ‪ ،‬و صنعت شاة ‪ ،‬فشوي سواد بطنها قال ‪ :‬و أي ال ‪ ،‬ما من‬
‫الثلثي و مائة إل وقد حز له حزةً من سواد بطنها ث جعل منا قصعتي ‪ ،‬فأكل نا منها أجعون ‪ ،‬و‬
‫فضل ف القصعتي ‪ ،‬فحملته على البعي ‪.‬‬
‫و من ذلك حديث عبد الرحن بن أب عمرة النصاري ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬و مثله لسلمة بن الكوع ‪ ،‬و أب‬
‫هريرة ‪ ،‬و عمر بن الطاب رضي ال عنه ‪ ،‬فذكروا ممصة أصابت الناس مع النب صلى ال عليه و سلم‬
‫ف بعض مغازيه ‪ ،‬فدعا ببقية الزواد ‪ ،‬فجاء الرجل بالثية من الطعام ‪ ،‬و فوق ذلك ‪ ،‬و أعلهم الذي‬
‫أتى بالصاع من التمر ‪ ،‬فجمعه على نطع ‪.‬‬
‫قال سلمة ‪ :‬فحزرته كربضة العن ‪ ،‬ث دعا الناس بأو عيتهم ‪ ،‬فما بقي ف اليش وعاء إل ملئوه و بقي‬
‫منه ‪.‬‬
‫و عن أب هريرة ‪ :‬أمرن النب صلى ال عليه و سلم أن ادعو له أهل الصفة ‪ ،‬فتتبعتهم حت جعتهم ‪،‬‬
‫فوضعت بي أيدينا صفحة ‪ ،‬فأكلنا ما شئنا ‪ ،‬و فرغنا و هي مثلها حي وضعت إل أن فيها أثر الصابع‬
‫‪.‬‬
‫و عن علي بن أب طالب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ :‬جع رسول ال صلى ال عليه و سلم بن عبد الطلب ‪ ،‬و‬
‫كانوا أربعي ‪ ،‬منهم قوم يأكلون الذعة ‪ ،‬و يشربون الفرق ‪ ،‬فصنع لم مدا من طعام فأكلوا حت‬
‫شبعوا ‪ ،‬و بقي كما هو ‪ ،‬ث دعا بعس ‪ ،‬فشربوا حت رووا ‪ ،‬و بقي كأنه ل يشرب منه ‪.‬‬
‫و قال أنس ‪ :‬إن النب صلى ال عليه و سلم حي اب تن بزينب أمره أن يدعو له قوما ساهم ‪ ،‬و كل‬
‫من لقيت ‪ ،‬حت امتل البيت و الجرة ‪ ،‬و قدم إليهم تورا ‪ ،‬فيه قدر [ ‪ ] 104‬مد من تر جعل حيسا ‪،‬‬
‫فوضعه قدامه ‪ ،‬و غمس ثلث أصابعه ‪ ،‬و جعل القوم يتغدون و يرجون ‪ ،‬و بقي التور نوا ما كان ‪،‬‬
‫و كان القوم أحدا ‪ ،‬أو اثني و سبعي ‪.‬‬
‫و ف رواية أخرى ف هذه القصة أو مثلها ‪ ،‬إن القوم كانوا زهاء ثلثائة ‪ ،‬و أنم أكلوا حت شبعوا ‪ .‬و‬
‫قال ل ‪ :‬ارفع ‪ ،‬فل أدري حي وضعت كانت أكثر أم حي رفعت ‪.‬‬
‫و ف حديث جعفر بن ممد ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن علي رضي ال عنه ـ أن فاطمة طبخت قدرا لغذائها و‬
‫وجهت عليا إل النب صلى ال عليه و سلم ليتغدى معهما ‪ ،‬فأمر فغرفت منها لميع نسائه صفحةً‬
‫صفحةً ‪ ،‬ث له صلى ال عليه و سلم و لعلي ‪ ،‬ث لا ‪ ،‬ث رفعت القدر ‪ ،‬و إنا لتفيض ‪ ،‬قال ‪ :‬فأكلنا‬
‫منها ما شاء ال ‪.‬‬
‫و أمر عمر بن الطاب أن يزود أربعمائة راكب من أحس ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ما هي إل أصوع ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬اذهب ‪ ،‬فذهب فزودهم منه ‪ ،‬و كان قدر الفصيل الرابض ‪ ،‬من التمر ‪ ،‬و بقي باله ‪.‬‬
‫من ‪ ،‬رواية دكي الحسي ‪ ،‬و من رواية جرير ‪.‬‬
‫و مثله من رواية النعمان بن مقرن الب بعينه ‪ ،‬إل أنه قال ‪ :‬أربعمائة راكب من مزينة ‪.‬‬
‫و من ذلك حديث جابر ف دين أبيه بعد موته ‪ ،‬و قد كان بذل لغرماء أبيه أصل ماله ‪ ،‬فلم يقبلوه ‪ ،‬و‬
‫ل يكن ف ترها سني كفاف دينهم ‪ ،‬فجاءه النب صلى ال عليه و سلم بعد أن أمره بدها ‪ ،‬و جعلها‬
‫بيادر ف أصولا ‪ ،‬فمشى فيها ‪ ،‬و دعا ‪ ،‬فأوف منه جابر غرماء أبيه ‪ ،‬و فضل مثل ما كانوا يدون كل‬
‫سنة ‪.‬‬
‫و ف رواية مثل ما أعطاهم ‪ ،‬قال ‪ :‬و كان الغرماء يهود ‪ ،‬فعجبوا من ذلك ‪.‬‬
‫و قال أبو هريرة رضي ال عنه ‪ :‬أصاب الناس ممصة ‪ .‬فقال ل رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬هل‬
‫من شيء قلت ‪ :‬نعم ‪ ،‬شيء من التمر ف الزود ‪ .‬قال ‪ :‬فأتن به فأدخل يده فأخرج قبضة ‪ ،‬فبسطها و‬
‫دعا بالبكة ‪ ،‬ث قال ‪ :‬ادع عشرة فأكلوا حت شبعوا ‪ ،‬ث عشرة كذلك ‪ ،‬حت أطعم اليش كلهم و‬
‫شبعوا ‪ .‬قال ‪ :‬خذ ما جئت به ‪ ،‬وأدخل يدك ‪ ،‬و اقبض منه و ل تكبه ‪ ،‬فقبضت على أكثر ما جئت به‬
‫‪ ،‬فأكلت منه و أطعمت حياة رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و أب بكر ‪ ،‬و عمر ‪ ،‬إل أن قتل‬
‫عثمان ‪ ،‬فانتهب من ‪ ،‬فذهب ‪.‬‬
‫و ف رواية‪ :‬فقد حلت من ذلك التمر كذا و كذا من و سق ف سبيل ال ‪.‬‬
‫و ذكرت مثل هذه الكاية ف غزوة تبوك ‪ ،‬و أن التمر كان بضع عشرة ترة ‪.‬‬
‫و منه أيضا حديث أب هريرة حي أصابه الوع ‪ ،‬فاستتبعه النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فوجد لبنا ف‬
‫قدح قد أهدي إليه ‪ ،‬و أمره أن يدعو أهل الصفة ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فقلت ‪ :‬ما هذا اللب فيهم ؟ كنت أحق أن أصب منه شربة أتقوى با ‪ .‬فدعوتم ‪.‬‬
‫و ذكر أمر النب صلى ال عليه و سلم أن يسقيهم ‪ ،‬فجعلت أعطي الرجل فيشرب حت يروى ‪ ،‬ث‬
‫يأخذه الخر حت روي جيعهم ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فأخذ النب صلى ال عليه و سلم القدح ‪ ،‬و قال ‪ :‬بقيت أنا و أنت ‪ ،‬اقعد فاشرب فشربت ‪ ،‬ث‬
‫قال ‪ :‬اشرب و ما زال يقولا و أشرب حت قلت ‪ :‬ل ‪ ،‬و الذي بعثك بالق ‪ ،‬ما أجد له مسلكا [‬
‫‪ ، ] 105‬فأخذ القدح فحمد ال و سى و شرب الفضلة ‪.‬‬
‫و ف حديث خال بن عبد العزى أنه أجزر النب صلى ال عليه و سلم شاةً ‪ ،‬و كان عيال خالد كثيا‬
‫يذبح الشاة فل تبد عياله عظما عظما ‪ ،‬و إن النب صلى ال عليه و سلم أكل من هذه الشاة و جعل‬
‫فضلتها ف دلو خالد ‪ ،‬و دعا له بالبكة ‪ ،‬فنثر ذلك لعياله ‪ ،‬فأكلوا و أفضلوا ـ ذكر خبه الدولب ‪.‬‬
‫و ف حديث الجري ف إنكاح النب صلى ال عليه و سلم لعلي فاطمة ـ أن النب صلى ال عليه و سلم‬
‫أ مر بللً بقصعة من أربعة أمداد أو خسة ‪ ،‬و يذبح جزورا ليوليمتها ـ قال ‪ :‬فأتيته بذلك فطعن ف‬
‫رأسها ‪ ،‬ث أدخل الناس رفقةً رفقةً يأكلون منها حت فرغوا ‪ ،‬و بقيت منها فضلة ‪ ،‬فبك فيها ‪ ،‬و أمر‬
‫بملها إل أزواجه ‪ ،‬و قال ‪ :‬كلن و أطعمن من غشيكن ‪.‬‬
‫و ف حديث أنس ‪ :‬تزوج رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فصنعت أمي أم سليم حيسا ‪ ،‬فجعلته ف‬
‫تور ‪ ،‬فذهبت به إل رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬ضعه ‪ ،‬و ادع ل فلنا و فلنا ‪ ،‬و من‬
‫لقيت ‪.‬‬
‫فدعوتم ‪ ،‬و ل أدع أحدا لقيته إل دعوته ‪ ،‬و ذكر أنم كانوا زهاء ثلثائة حت ملئوا الصفة و‬
‫الجرة ‪ ،‬فقال لم النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬تلقوا عشرة عشرة ‪ ،‬و وضع النب صلى ال عليه و‬
‫سلم يده على الطعام ‪ ،‬فدعا فيه ‪ ،‬و قال ما شاء ال أن يقول ‪ ،‬فأكلوا حت شبعوا كلهم ‪ ،‬فقال ل ‪:‬‬
‫ارفع فما أدري حي وضعت كانت أكثر أم حي رفعت ‪.‬‬
‫و أكثر أحاديث هذه الفصول الثلثة ف الصحيح ‪ .‬و قد اجتمع على معن حديث هذا الفصل بضعة‬
‫عشر من الصحابة ‪ ،‬رواه عنهم أضعافهم من التابعي ‪ ،‬ث من ل ينعد بعدهم ‪.‬‬
‫و أكثرها ف قصص مشهورة ‪ ،‬و مامع مشهودة ‪ ،‬و ل يكن التحدث عنها إ ل بالق ‪ ،‬و ل يسكت‬
‫الاضر لا على ما أنكر منها ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف كلم الشجرة و شهادتا له بالنبوة و إجابتها دعوته‬

‫حدثنا أحد بن ممد بن غلون الشيخ الصال فيما أجاز فيه عن أب عمر الطلمنكي ‪ ،‬عن أب بكر بن‬
‫الهندس ‪ ،‬عن أب القاسم البغوي ‪ ،‬حدثنا أحد بن عمران الخنسي ‪ ،‬حدثنا أبو حيان التيمي ـ و كان‬
‫صدوقا ـ عن ماهد ‪ ،‬عن ابن عمر ‪ ،‬قال ‪ :‬كنا مع رسول ال صلى ال عليه و سلم ف سفره ‪ ،‬فدنا‬
‫منه أعراب ‪ ،‬فقال ‪ ،‬يا أعراب ‪ ،‬أين تريد ؟ قال ‪ :‬إل أهلي ‪ .‬قال ‪ :‬هل لك إل خي ؟ قال ‪ :‬و ما هو ؟‬
‫قال ‪ :‬تشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له ‪ ،‬و أن ممدا عبده و رسوله قال ‪ :‬من يشهد لك على‬
‫ما تقول ؟ قال ‪ :‬هذه الشجرة السمرة ‪ ،‬و هي بشاطئ الوادي ‪ ،‬و ادعها فإنا تيبك ‪.‬‬
‫فأقبلت تد الرض حت قامت بي يديه ‪ ،‬فاستشهدها ثلثا ‪ ،‬فشهدت أنه كما قال ‪ ،‬ث رجعت إل‬
‫مكانا ‪.‬‬
‫و عن بريدة ‪ :‬سأل أعراب النب صلى ال عليه و سلم آية ‪ ،‬فقال له ‪ :‬قل لتلك الشجرة رسول ال صلى‬
‫ال عليه و سلم يدعوك ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فمالت الشجرة عن يينها و شالا و بي يديها و خلفها ‪ ،‬فتقطعت عروقها ‪ ،‬ث جاءت [ ‪] 106‬‬
‫تد الرض تر مغبةً حت وقفت بي يدي رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فقالت ‪ :‬السلم عليك يا‬
‫رسول ال ‪.‬‬
‫قال العراب ‪ :‬مرها فلترجع إل منبتها ‪ ،‬فرجعت ‪ ،‬فدلت عروقها فاستوت ‪.‬‬
‫فقال العراب ‪ :‬ائذن ل أسجد لك ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬لو أمرت أحدا أن يسجد لحد لمرت الرأة أن تسجد لزوجها ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فأذن ل أن أقبل يديك و رجليك ‪ ،‬فأذن له ‪.‬‬
‫و ف الصحيح أ ف حديث جابر بن عبد ال الطويل ‪ :‬ذهب رسول ال صلى ال عليه و سلم يقضي‬
‫حاجته ‪ ،‬فلم ير شيئا يستتر به ‪ ،‬فإذا بشجرتي ف شاطىء الوادي ‪ ،‬فانطلق رسول ال صلى ال عليه و‬
‫سلم إل إحداها ‪ ،‬فأخذ بغصن من أغصانا ‪ ،‬فقال ‪ :‬انقادي علي بإذن ال فانقادت معه كالبعي‬
‫الخشوش الذي يصانع قائده ‪.‬‬
‫و ذكر أنه فعل بالخرى مثل ذلك ‪ ،‬حت إذا كان بالصنف بينهما قال ‪ :‬التئما علي بإذن ال فالتأمتا ‪.‬‬
‫رواية أخرى ‪ :‬فقال ‪ :‬يا جابر ‪ ،‬قل لذه الشجرة ‪ :‬يقول لك رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬القي‬
‫بصاحبتك حت أجلس خلفكما ففعلت ‪ ،‬فرجعت حت لقت بصاحبتها فجلس خلفهما ‪ ،‬فخرجت‬
‫أحضر ‪ ،‬و جلست أحدث نفسي ‪ ،‬فالتفت فإذا برسول ال صلى ال عليه و سلم مقبلً و الشجرتان قد‬
‫افترقتا ‪ ،‬فقامت كل واحدة منهما على ساق ‪ ،‬فوق ف رسول ال صلى ال عليه و سلم و قفةً ‪ ،‬فقال‬
‫برأسه هكذا يينا و شالً ‪.‬‬
‫و روى أسامة بن زيد نوه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ف بعض مغازيه ‪ :‬هل تعن‬
‫مكانا لاجة رسول ال صلى ال عليه و سلم ؟ فقلت ‪ :‬إن الوادي ما فيه موضع بالناس ‪ .‬فقال ‪ :‬هل‬
‫ترى من نل أو حجارة ؟ قلت ‪ :‬أرى نلت متقاربات ‪ .‬قال ‪ :‬انطلق و قل ‪ :‬لن ‪ :‬إن رسول ال‬
‫صلى ال عليه و سلم يأمركن أن تأتي لخرج رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و قل للحجارة مثل‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫فقلت ذلك لن ‪ ،‬فو الذي بعثه بالق ‪ ،‬لقد رايت النخلت يتقاربن حت اجتمعن ‪ ،‬و الجارة يتعاقدن‬
‫حت صرن زكاما خلقهن ‪.‬‬
‫فلما قضى حاجته قال ل ‪ :‬قل لن يفترقن ‪ ،‬فو الذي نفسي بيده لرأيتهن و الجارة يفترقن حت عدن‬
‫إل مواضعهن ‪.‬‬
‫و قال يعلى بن سيابة ‪ :‬كنت مع النب صلى ال عليه و سلم ف مسي ‪ . . .‬و ذكر نوا من هذين‬
‫الديثي ‪ ،‬و ذكر ‪ :‬فأمر و ديتي فانضمتا ‪ .‬و ف رواية ‪ :‬أشاءتي ‪.‬‬
‫و عن غيلن بن سلمة الثقفي مثله ‪ :‬ف شجرتي ‪.‬‬
‫و عن ابن مسعود ‪ ،‬عن النب صلى ال عليه و سلم مثله ف غزاة حني ‪.‬‬
‫و عن يعلى بن مرة ـ و هو ابن سي ابة ـ أيضا ‪ ،‬و ذكر أشياء رآها من رسول ال صلى ال عليه و‬
‫سلم ‪ ،‬فذكر أن طلحة أو سرةً جاءت فأطافت به ‪ ،‬ث رجعت إل منبتها ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال‬
‫عليه و سلم ‪ :‬إنا استأذنت أن تسلم علي ‪.‬‬
‫و ف حديث عبد ال بن مسعود رضي ال عنه ‪ :‬آذنت النب صلى ال عليه و سلم بالن ليلة [ ‪] 107‬‬
‫استمعوا له ـ شجرة ‪.‬‬
‫و عن ماهد ‪ ،‬عن ابن مسعود ف هذا الديث ‪ :‬إن الن قالوا ‪ :‬من يشهد لك ؟ قال ‪ :‬هذه الشجرة ‪.‬‬
‫تعال يا شجرة ‪ ،‬فجاءت تر عروقها لا قعاقع ‪. . .‬‬
‫و ذكر مثل الديث الول أو نوه ‪.‬‬
‫قال القاضي أبو الفضل ‪ :‬فهذا ابن عمر ‪ ،‬و بريدة ‪ ،‬و جابر ‪ ،‬و ابن مسعود ‪ ،‬و يعلى بن مرة ‪ ،‬و أسامة‬
‫بن زيد ‪ ،‬و أنس بن مالك ‪ ،‬و علي بن أب طالب ‪ ،‬و ابن عباس ‪ ،‬و غيهم ـ و قد اتفقوا على هذه‬
‫القصة نفسها أو معناها ‪.‬‬
‫و قد رواها عنهم من التابعي أضعافهم ‪ ،‬فصارت ف انتشارها من القوة حيث هي ‪.‬‬
‫و ذكر ابن فورك أنه صلى ال عليه و سلم سار ف غزوة الطائف ليلً ‪ ،‬و هو وسن ‪ ،‬فاعترضته سدرة ‪،‬‬
‫فانفرجت له نصفي حت جاز بينهما ‪ ،‬و بقيت على ساقي إل وقتنا هذا ‪ ،‬و هي هناك معروفة معظمة‬
‫‪.‬‬
‫و من ذلك حديث أنس رضي ال عنه ـ أن جبيل عليه السلم قال للنب صلى ال عليه و سلم ـ‬
‫ورآه حزينا ‪ :‬أتب أن أريك آية ؟ قال ‪ :‬نعم فنظر رسول ال صلى ال عليه و سلم إل شجرة من وراء‬
‫الوادي ‪ ،‬فقال ‪ :‬ادع تلك الشجرة ‪ ،‬فجاءت تشي حت قامت بي يديه ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬مرها فلترجع ‪ ،‬فعادت إل مكانا ‪.‬‬
‫و عن علي نو هذا ‪ ،‬و ل يذكر فيها جبيل ‪ ،‬قال ‪ :‬اللهم أرن آية ل أبال من كذبن بعدها فدعا‬
‫شجرة ‪ ...‬و ذكر مثله ‪.‬‬
‫و حزنه صلى ال عليه و سلم لتكذيب قومه و طلبه الية لم ل له ‪.‬‬
‫و ذكر ابن إسحاق أن النب صلى ال عليه و سلم أرى ركانة مثل هذه الية ف شجرة دعاها فأتت حت‬
‫وقفت بي يديه ‪ ،‬ث قال ‪ :‬ارجعي ‪ ،‬فرجعت ‪.‬‬
‫و عن السن أنه صلى ال عليه و سلم شكا إل ربه من قومه و أنم يوفونه ‪ ،‬و سأله آية يعلم با أل‬
‫مافة عليه ‪ ،‬فأوحى إليه ائت وادي كذا فيه شجرة ‪ ،‬فادع غصنا منها يأتك ‪ .‬ففعل ‪ ،‬فجاء يط الرض‬
‫خطا حت انتصب بي يديه ‪ ،‬فحبسه ما شاء ال ‪ ،‬ث قال له ‪ [ :‬ارجع كما جئت ] فرجع ‪ ،‬فقال ‪ [ :‬يا‬
‫رب ‪ ،‬علمت أن ل مافة علي ] ‪.‬‬
‫و نو منه عن عمر ‪ ،‬و قال فيه ‪ :‬أرن آية ل أبال من كذبن بعدها ‪ ...‬و ذكر نوه ‪.‬‬
‫و عن ابن عباس رضي ال عنهما أنه صلى ال عليه و سلم قال لعراب ‪ [ :‬أرأيت إن دعوت هذا العذق‬
‫من هذه النخلة أتشهد أن رسول ال ؟ ] قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬فدعاه فجعل ينقر حت أتاه ‪ .‬فقال ‪ :‬ارجع فعاد‬
‫إل مكانه‬
‫و خرجه الترمذي ‪ ،‬و قال ‪ :‬هذا حديث صحيح ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف قصة حني الذع‬

‫و يعضد هذه الخبار حديث أني الذع ‪ ،‬و هو ف نفسه مشهور منتشر ‪ ،‬و الب به متواتر ‪ ،‬قد خرجه‬
‫أهل الصحيح ‪ ،‬ورواه من الصحابة بضعة عشر ‪ ،‬منهم أب بن كعب ‪ ،‬و جابر بن عبد ال ‪ ،‬و أنس بن‬
‫مالك ‪ ،‬و عبد ال بن عمر ‪ ،‬و عبد ال بن عباس ‪ ،‬و سهل بن سعد ‪ ،‬و أبو سعيد الدري و بريدة ‪ ،‬و‬
‫أم سلمة ‪ ،‬و الطلب بن أب وداعة ‪ ،‬كلهم يدث بعن هذا الديث ‪.‬‬
‫قال الترمذي ‪ :‬و حديث أنس صحيح ‪.‬‬
‫قال جابر بن عبد ال [ ‪ : ] 108‬كان السجد مسقوفا على جذوع نل ‪ ،‬فكان النب صلى ال عليه و‬
‫سلم إذا خطب يقوم إل جذع منها ‪ ،‬فلما صنع له النب سعنا لذلك الذع صوتا كصوت العشار ‪.‬‬
‫و ف رواية أنس ‪ :‬حت ارتج السجد بواره ‪.‬‬
‫و ف رواية سهل ‪ :‬وكثر بكاء الناس لا رأوا به ‪.‬‬
‫و ف رواية الطلب [و أب ] ‪ :‬حت تصدع وانشق ‪ ،‬حت جاء النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فوضع يده‬
‫عليه فسكت ‪.‬‬
‫زاد غيه ‪ :‬فقال النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬إن هذا بكى لا فقد من الذكر ‪.‬‬
‫و زاد غيه ‪ :‬والذي نفسي بيده ‪ :‬لو ل التزمه ل يزل هكذا إل يوم القيامة ‪ .‬تزنا على رسول ال صلى‬
‫ال عليه و سلم ‪ ،‬فأمر به صلى ال عليه و سلم فدفن تت النب ‪.‬‬
‫كذا ف حديث الطلب ‪ ،‬و سهل بن سعد ‪ ،‬و إسحاق ‪ ،‬عن أنس ‪.‬‬
‫[ و ف بعض الروايات عن سهل ‪ :‬فدفنت تت منبه ‪ ،‬أو جعلت ف السقف ] ‪.‬‬
‫و ف حديث أب ‪ :‬فكان إذا صلى النب صلى ال عليه و سلم إليه ‪ ،‬فلما هدم السجد أخذه أب ‪ ،‬فكان‬
‫عنده إل أن أكلته الرض ‪ ،‬وعاد رفاتا ‪.‬‬
‫وذكر السفراين أن النب صلى ال عليه و سلم دعاه إل نفسه ‪ ،‬فجاء يرق الرض ‪ ،‬فالتزمه ‪ ،‬ث أمره‬
‫فعاد إل مكانه ‪.‬‬
‫و ف حديث بريده ‪ :‬فقال رسول ال النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬إن شئت أدرك إل الائط الذي كنت‬
‫فيه تنبت لك عروقك ‪ ،‬و يكمل خلقك ‪ ،‬و يدد لك خوص و ثرة ‪ ،‬و إن شئت أغرسك ف النة ‪،‬‬
‫فيأكل أولياء ال من ثرك ‪ .‬ث أصغى له النب صلى ال عليه و سلم يسمع ما يقول ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬تغرسن ف النة ‪ ،‬فيأكل من أولياء ال ‪ ،‬و أكون ف مكان ل أبلى فيه ‪.‬‬
‫فسمعه من يليه ‪.‬‬
‫فقال النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬قد فعلت ث قال ‪ :‬اختار دار البقاء على دار الفناء ‪.‬‬
‫فكان السن إذا حدث بذا بكى ‪ ،‬و قال ‪ :‬يا عباد ال ‪ ،‬الشبة تن إل رسول ال صلى ال عليه و‬
‫سلم شوقا إليه لكانه ‪ ،‬فأنتم أحق أن تشتاقوا إل لقائه ‪.‬‬
‫رواه ـ عن جابر ـ حفص بن عبيد ال و يقال ‪ :‬عبيد ال بن حفص ‪ ،‬و أين ‪ ،‬و أبو نضرة ‪ ،‬و ابن‬
‫السيب ‪ ،‬و سعيد بن أب كرب ‪ ،‬و كريب ‪ ،‬و أبو صال ‪.‬‬
‫و رواه عن أنس بن مالك السن ‪ ،‬و ثابت ‪ ،‬و إسحاق بن أب طلحة ‪.‬‬
‫و رواه عن ابن عمر ‪ :‬نافع ‪ ،‬و أبو حية ‪ ،‬و رواه أبو نضرة ‪ ،‬و أبو الوداك ‪ ،‬عن أب سعيد ‪ ،‬و عمار بن‬
‫أب عمار ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬و أبو حازم ‪ ،‬و عباس بن سهل ‪ ،‬عن سهل بن سعد ‪ ،‬و كثي بن زيد عن‬
‫الطلب ‪ ،‬و عبد ال بن بريدة عن أبيه ‪ ،‬و الطفيل بن أب عن أبيه ‪.‬‬
‫قال القاضي أبو الفضل ‪ :‬فهذا حديث كما تراه خرجه أهل الصحة ‪ ،‬و رواه من الصحابة من ذكرنا ‪،‬‬
‫و غيهم من التابعي ضعفهم ‪ ،‬إل من ل نذكره ‪ ،‬و بن دون هذا العدد يقع العلم لن اعتن بذا الباب‬
‫‪ .‬و ال الثبت على الصواب ‪.‬‬
‫فصل‬
‫و مثل هذا ف سائر المادات‬

‫[ ‪ ] 109‬حدثنا القاضي أبو عبد ال ممد بن عيسى التميمي ‪ ،‬حدثنا القاضي أبو عبد ال ممد بن‬
‫الرابط ‪ ،‬حدثنا الهلب ‪ ،‬حدثنا أبو السن القابسي ‪ ،‬حدثنا الروزي ‪ ،‬حدثنا الفربري ‪ ،‬حدثنا البخاري‬
‫‪ ،‬حدثنا ممد بن الثن ‪ ،‬حدثنا أبو أحد الزبيي ‪ ،‬حدثنا إسرائيل ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن إبراهيم ‪،‬عن‬
‫علقمة ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ ،‬قال ‪ :‬لقد كنا نسمع تسبيح الطعام و هو يؤكل ‪.‬‬
‫و ف غي هذه الرواية عن ابن مسعود ‪ :‬كنا نأكل مع رسول ال صلى ال عليه و سلم الطعام و نن‬
‫نسمع تسبيحه ‪.‬‬
‫و قال أنس ‪ :‬أخذ النب صلى ال عليه و سلم كفا من حصى ‪ ،‬فسبحن ف ف يد رسول ال صلى ال‬
‫عليه و سلم حت سعنا التسبيح ‪ ،‬ث صبهن ف يد أب بكر رضي ال عنه فسبحن ‪ ،‬ث ف أيدينا فما‬
‫سبحن ‪.‬‬
‫و روى مثله أبو ذر ‪ ،‬و ذكر أنم سبحن ف كف عمر و عثمان ‪.‬‬
‫و قال علي كنا بكة مع رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فخرج إل بعض نواحيها ما استقبله شجرة و‬
‫ل جبل إل قال له ‪ :‬السلم عليك يا رسول ال ‪.‬‬
‫و عن جابر بن سرة عنه صلى ال عليه و سلم ‪ :‬إن لعرف حجرا بكة كان يسلم علي ‪ .‬قيل ‪ :‬إنه‬
‫الجر السود ‪.‬‬
‫و عن عائشة رضي ال عنها ‪ :‬لا استقبلن جبيل عليه السلم بالرسالة جعلت ل أمر بجر و ل شجر‬
‫إل قال ‪ :‬السلم عليك يارسول ال ‪.‬‬
‫و عن جابر بن عبد ال ‪ :‬ل يكن النب صلى ال عليه و سلم ير بجر و ل شجر إل سجد له ‪.‬‬
‫و ف حديث العباس ‪ ،‬إذا اشتمل عليه النب صلى ال عليه و سلم و على بنيه ‪ ،‬بلءة ‪ ،‬و دعالم بالستر‬
‫من النار كستره إياهم بلءته ‪ ،‬فأمنت أسكفة الباب و حوائط البيت ‪ :‬آمي آمي‪.‬‬
‫و عن جعفر بن ممد ‪ ،‬عن أبيه ‪ :‬مرض النب صلى ال عليه و سلم فأتاه جبيل بطبق فيه رمان و عنب‬
‫فأكل منه النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فسبح ‪.‬‬
‫و عن أنس ‪ :‬صعد النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و أبو بكر ‪ ،‬و عمر ‪ ،‬و عثمان‪ ،‬أحدا ‪ ،‬فرجف بم ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬اثبت أحد ‪ ،‬فإنا عليك نب و صديق ‪ ،‬و شهيدان ‪.‬‬
‫و مثله عن أب هريرة ف حراء ‪ ،‬و زاد معه ‪ :‬علي و طلحة ‪ ،‬و الزبي ‪ ،‬و قال ‪ :‬فإنا عليك نب ‪ ،‬أو‬
‫صديق ‪،‬أو شهيد ‪.‬‬
‫و الب ف حراء أيضا عن عثمان ‪ ،‬قال ‪ :‬و معه عشر من أصحابه أنا فيهم ‪.‬‬
‫و زاد عبد الرحن و سعدا ‪ ،‬قال ‪ :‬و نسيت الثني ‪.‬‬
‫و ف حديث سعيد بن زيد أيضا مثله ‪ ،‬و زاد عشرة ‪ ،‬و زاد نفسه ‪.‬‬
‫و قد روي أنه حي طلبته قريش قال له ثبي ‪ :‬اهبط يا رسول ال ‪ ،‬فإن أخاف أن يقتلوك على ظهري‬
‫فيعذبن ال ‪.‬‬
‫فقال حراء ‪ :‬إل يا رسول ال ‪.‬‬
‫و روى ابن عمر رضي ال عنهما أن النب صلى ال عليه و سلم قرأ على النب ‪ :‬وما قدروا ال حق قدره‬
‫‪ ،‬ث قال ‪ :‬يجد البار نفسه ‪ ،‬أنا البار ‪ ،‬أنا البار ‪ ،‬أنا الكبي التعال ‪ ،‬فرجف النب حت قلنا ‪ :‬ليخرن‬
‫عنه ‪.‬‬
‫و عن ابن عباس ‪ :‬كان حول البيت ستون و ثلثائة صنم مثبته الرجل بالرصاص بالجارة ‪ ،‬فلما دخل‬
‫رسول ال صلى ال عليه و سلم السجد عام الفتح جعل يشي بقضيب ف يده إليها و ل يسها و يقول ‪:‬‬
‫جاء الق و زهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ‪ ،‬فما أشار إل وجه صنم إل وقع لقفاه ‪ ،‬و ل لقفاه إل‬
‫وقع لوجهه ‪ ،‬حت ما بقي منها صنم ‪.‬‬
‫و مثله ف حديث ابن مسعود ‪ ،‬و قال ‪ :‬فجعل يطعنها و يقول ‪ :‬جاء الق و ما يبدىء الباطل و ما يعيد‬
‫‪.‬‬
‫و من ذلك حديثه مع الراهب ف ابتداء أمره ‪ ،‬إذ خرج تاجرا مع عمه ‪ ،‬و كان الراهب ل يرج‬
‫لحد ‪ ،‬فخرج يتخللهم ‪ ،‬حت أخذ بيد رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬هذا سيد العالي ‪،‬‬
‫يبعثه ال رحة للعالي ‪.‬‬
‫فقال له أشياخ من قريش ‪ :‬ما علمك ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنه ل يبق شجر و ل حجر إل خر ساجدا له ‪ ،‬و ل‬
‫تسجد إل لنب ‪ ...‬و ذكر القصة ‪ ،‬ث قال ‪ :‬فأقبل صلى ال عليه و سلم و عليه غمامة تظلله ‪ ،‬فلما دنا‬
‫من القوم وجدهم سبقوه إل فء الشجرة ‪ ،‬فلما جلس مال الفيء إليه ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف اليات ف ضروب اليوانات‬
‫حدثنا سراج بن عبد اللك ‪ ،‬حدثنا أبو السن الاقظ ‪ ،‬حدثنا أب ‪ ،‬حدثنا القاضي يونس ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫حدثنا أبو الفضل الصلقي ‪ ،‬حدثنا ثابت بن قاسم بن ثابت ‪ ،‬من أبيه و جده ‪ ،‬قال حدثنا أبو العلء‬
‫أحد بن عمران ‪ ،‬حدثنا ممد بن فضيل ‪ ،‬حدثنا يونس بن عمرو حدثنا ماهد عن عائشة رضي ال‬
‫عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬كان عندنا داجن ‪ ،‬فإذا كان عندنا رسول ال صلى ال عليه و سلم قر و ثبت مكانه ‪،‬‬
‫فلم ييء و ل يذهب ‪،‬و إذا خرج رسول ال صلى ال عليه و سلم جاء و ذهب ‪.‬‬
‫و روى عن عمر أن رسول ال صلى ال عليه و سلم كان ف مفل من أصحابه إذ جاء أعراب قد صاد‬
‫ضبا ‪ ،‬فقال ‪ ،‬ما هذا ؟ قالوا ‪ :‬نب ال ‪ .‬فقال ‪ :‬و اللت و العزى ‪ ،‬ل آمنت بك أو يؤمن هذا الضب ‪،‬‬
‫و طرحه بي يدي النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فقال النب صلى ال عليه و سلم يا ضب ‪ ،‬فأجابه بلسان‬
‫مبي يسمعه القوم جيعا ‪ :‬لبيك و سعديك يا زين من واف القيامة ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬من تعبد ؟ قال ‪ :‬الذي ف السماء عرشه ‪ ،‬و ف الرض سلطانه ‪ ،‬و ف البحر سبيله ‪ ،‬و ف النة‬
‫رحته ‪ ،‬و ف النار عقابه ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فمن أنا ؟ قال ‪ :‬رسول ال رب العالي ‪ ،‬و خات النبيي ‪ ،‬و قد أفلح من صدقك ‪ ،‬و خاب من‬
‫كذبك ‪.‬‬
‫فأسلم العراب ‪.‬‬
‫و من ذلك قصة كلم الذئب الشهورة عن أب سعيد الذري ‪:‬‬
‫بينا راع يرعى غنما له عرض الذئب لشاة منها ‪ ،‬فأخذها الراعي منه ‪ ،‬فأقعى الذئب ‪ ،‬و قال للراعي ‪:‬‬
‫أل تتقي ال ! حلت بين و بي رزقي ! قال الراعي ‪ :‬العجب من ذئب يتكلم بكلم النس ! فقال‬
‫الذئب ‪ :‬أل أخبك بأعجب من ذلك ؟ رسول ال بي الرتي يدث الناس بأنباء ما قد سبق ‪.‬‬
‫فأتى الراعي النب ال فأخبه ‪ ،‬فقال النب ‪ :‬قم فحدثهم ‪ ،‬ث قال ‪ :‬صدق ‪.‬‬
‫و الديث فيه قصة ‪ ،‬و ف بعضه طول ‪.‬‬
‫و روي حديث الذئب عن أب هريرة ‪.‬‬
‫و ف بعض الطرق عن اب هريرة رضي ال عنه ‪ ،‬فقال الذئب ‪ :‬أنت أعجب ! و اقفا على غنمك ‪ ،‬و‬
‫تركت نبيا ل يبعث ال نبيا قط أعظم منه عنده [‪ ]111‬قدرا ‪ ،‬قد فتحت له أبواب النة ‪ ،‬و أشرف‬
‫أهلها على أصحابه ‪ ،‬ينظرون قتالم ‪ ،‬و ما بينك و بينه إ ل هذا الشعب ‪ ،‬فتصي من جنود ال ‪.‬‬
‫قال الراعي ‪ :‬من ل بغنمي ؟ قال الذئب ‪ :‬أنا أرعاها حت ترجع ‪.‬‬
‫فأسلم الرجل إليه غنمه و مضى ‪.‬‬
‫و ذكر قصته و إسلمه و وجوده النب صلى ال عليه و سلم يقاتل ‪ ،‬فقال له النب صلى ال عليه و سلم‬
‫‪ :‬عد إل غنمك تدها بوفرها ‪.‬‬
‫فوجدها كذلك ‪ ،‬و ذبح الذئب شاة منها ‪.‬‬
‫و عن أهبان بن أوس ‪ :‬و أنه كان صاحب القصة ‪ ،‬و الحدث با و مكلم الذئب ‪.‬‬
‫و عن سلمة بن عمرو بن الكوع ‪ :‬و أنه كان صاحب هذه القصة أيضا ‪ ،‬و سبب إسلمه بثل حديث‬
‫أب سعيد‪.‬‬
‫و قد روى ابن وهب مثل أنه جرى لب سفيان بن حرب ‪ ،‬و صفوان بن أمية ‪ ،‬مع ذئب وجداه أخذ‬
‫ظبيا ‪ ،‬فدخل الظب الرم ‪،‬فانصرف الذئب ‪ ،‬فعجبا من ذلك فقال الذئب ‪ :‬أعجب من ذلك من ذلك‬
‫ممد بنعبد ال بالدينة يدعوكم إل النة و تدعونه إل النار ‪.‬‬
‫فقال أبو سفيان ‪ :‬و الت و العزى ‪ ،‬لئن ذكرت هذا بكة لتتركنها خلوفا‬
‫و قد روي مثل هذا الب ‪ ،‬و أنه جرى لب جهل و أصحابه ‪.‬‬
‫و عن عباس بن مرداس لا تعجب من كلم ضمار صنمه ‪ ،‬و إنشاده الشعر الذي ذكر فيه النب صلى ال‬
‫عليه و سلم ‪ ،‬فإذا طائر سقط ‪ ،‬فقال ‪ :‬ياعباس ‪ ،‬أتعجب من كلم ضمار ‪ ،‬و ل تعجب من نفسك ؟‬
‫إن رسول ال صلى ال عليه و سلم يدعو إل السلم و أنت جالس ‪ ،‬فكان سبب إسلمه ‪.‬‬
‫و عن جابر بن عبد ال رضي ال عنهما ‪ ،‬عن رجل أتى النب صلى ال عليه و سلم و آمن به و هو على‬
‫بعض حصون خيب ‪ ،‬و كان ف غنم يرعاها لم ‪ ،‬فقال يا رسول ال ‪ ،‬كيف بالغنم ؟‬
‫قال ‪ :‬احصب و جوهها ‪ ،‬فإن ال سيؤدي عنك أمانتك ‪ ،‬و يردها إل أهلها ‪.‬‬
‫ففعل ‪ ،‬فسارت شاة حت دخلت إل أهلها ‪.‬‬
‫و عن أنس رضي ال عنه ‪ :‬دخل النب صلى ال عليه و سلم حائط أنصاري و أبو بكر و عمر و رجل‬
‫من النصار رضي ال عنهم ‪،‬و ف الائط غنم فسجدت له ‪ .‬فقال أبو بكر ‪ :‬نن أحق بالسجود لك‬
‫منها ‪ ...‬الديث ‪.‬‬
‫و عن أب هريرة رضي ال عنه ‪:‬دخل النب صلى ال عليه و سلم حائطا ‪ ،‬فجاء بعي فسجد له ‪ ،‬و ذكر‬
‫مثله ‪.‬‬
‫و مثله ف المل ‪ ،‬عن ثعلبة بن مالك ‪ ،‬و جابر بن عبد ال ‪ ،‬و يعلى بن مرة و عبد ال بن جعفر ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬و كان ليدخل أحد الائط إل شد عليه المل ‪ ،‬فلما دخل عليه النب صلى ال عليه و سلم دعاه ‪،‬‬
‫فوضع مشفره ‪ ،‬على الرض ‪ ،‬وبرك بي يديه ‪ ،‬فخطمه ‪ ،‬و قال ‪ :‬ما بي السماء و الرض شيء إل‬
‫يعلم أن رسول ال إل عاصي الن و النس ‪.‬‬
‫و مثله عن عبد ال بن أب أوف ‪.‬‬
‫و ف خب آخر ف حديث المل أن النب صلى ال عليه و سلم سألم عن شأنه ‪ ،‬فاخبوه أنم أرادوا‬
‫ذبه ‪.‬‬
‫و ف رواية أن النب صلى ال عليه و سل م قال لم ‪ :‬إنه شكا كثرة العمل ‪ ،‬و قلة العلف من صغره‬
‫فقالوا ‪ :‬نعم ‪.‬‬
‫و قد روي ف قصة العضباء و كلمها النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و تعريفها له بنفسها ‪ ،‬و مبادرة‬
‫العشب إليها ف الرعي و تنب الوحوش عنها ‪ ،‬و ندائهم لا ‪ :‬إنك لحمد ‪ ،‬و إنا ل تأكل و ل تشرب‬
‫بعد موته حي ماتت ‪.‬‬
‫ذكره السفراين ‪.‬‬
‫و روى ابن و هب ‪ ،‬أن حام مكة أظلت النب صلى ال عليه و سلم يوم فتحها ‪ ،‬فدعا لا بالبكة ‪.‬‬
‫و روي عن أنس ‪ ،‬و زيد بن أرقم ‪ ،‬و الغية بن شعبة ـ أن النب صلى ال عليه و سلم قال ‪ :‬ليلة الغار‬
‫أمر ال شجرة ‪ ،‬فنبتت تاه النب صلى ال عليه و سلم فسترته ‪ ،‬و أمر حامتي فوقفتا بفم الغار ‪.‬‬
‫و ف حديث آخر ‪ :‬وأن العنكبوت نسجت على بابه ‪ ،‬فلما أتى الطالبون له ‪ ،‬ورأوا ذلك قالوا ‪ :‬لو‬
‫كان فيه أحد ل تكن المامتا ن ببابه و النب صلى ال عليه و سلم يسمع كلمهم ‪ ،‬فانصرفوا ‪.‬‬
‫و عن عبد ال بن قرط ‪ :‬قرب إل رسول ال صلى ال عليه و سلم بدنات خس أو سبع ‪ ،‬لينحرها يوم‬
‫عيد ‪ ،‬فازدلفن إليه بأيهن يبدأ ‪.‬‬
‫و عن أم سلمة ‪ :‬كان النب صلى ال عليه و سلم ف صحراء ‪ ،‬فنادته ظبية ‪ ،‬يا رسول ال ‪ ،‬قال ‪ :‬ما‬
‫حاجتك ؟ قالت ‪ :‬صادن هذا العراب ‪ ،‬و ل خفشان ف ذلك البل ‪ ،‬فأطلقن حت أذهب فأرضعهما‬
‫و أرجع ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬و تفعلي ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ .‬فأطلقها ‪ ،‬فذهبت و رجعت ‪ ،‬فأوثقها ‪ ،‬فانتبه العراب و قال ‪ :‬يا رسول‬
‫ال ‪ ،‬ألك حاجة ؟ قال ‪ :‬تطلق هذه الظبية فأطلقها فخرجت تعدو ف الصحراء ‪ ،‬و تقول ‪ :‬أشهد أن ل‬
‫إله إل ال ‪ ،‬و أنك رسول ال ‪.‬‬
‫و من هذا الباب ماروي من تسخي السد لسفينة مول رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬إذا و جهه إل‬
‫معاذ باليمن فلقي السد فعرفه أنه مول رسول ال صلى ال عليه و سلم و معه كتابه ‪ ،‬فهمهم و تنحى‬
‫عن الطريق ‪ ،‬و ذكر ف منصرفه مثل ذلك ‪.‬‬
‫و ف رواية أخرى عنه ـ أن سفينة تكسرت به ‪ ،‬فخرج إل جزيرة فإذا السد ‪ ،‬فقلت له ‪ :‬أنا مول‬
‫رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فجعل يغمرن بنكبه حت أقامن على الطريق ‪.‬‬
‫و أخذ ـ عليه السلم ـ بأذن شاة لقوم من عند القيس بي إصبعه ‪ ،‬ث خلها فصار لا ميسما ‪ ،‬و‬
‫بقي ذلك الثر و ف نسلها بعد ‪.‬‬
‫و ما روي عن إبراهيم بن حاد بسنده من كلم المار الذي أصابه بيب ‪ ،‬و قال له ‪ :‬اسي يزيد بن‬
‫شهاب ‪. .‬‬
‫فسماه النب صل ى ال عليه و سلم يعفورا ‪ ،‬و أنه كان يوجهه إل دور أصحابه ‪ ،‬فيضرب عليهم الباب‬
‫برأسه ‪ ،‬و يستدعيهم ‪ ،‬و أن النب صلى ال عليه و سلم لا مات تردى ف بئر جزعا و حزنا ‪ ،‬فمات ‪.‬‬
‫و حديث الناقة الت شهدت عند النب صلى ال عليه و سلم لصاحبها أنه ما سرقها ‪ ،‬و أنا ملكه ‪.‬‬
‫و ف العن ‪ :‬الت أتت رسول ال صلى ال عليه و سلم ف عسكره ‪ ،‬و قد أصابم عطش ‪ ،‬و نزلوا على‬
‫غي ماء ‪ ،‬و هم زهاء ثلثائة ‪ ،‬فحلبها رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فأروى الند ‪ ،‬ث قال لرافع ‪:‬‬
‫[ أملكها و ما أراك ] فربطها فوجدها قد انطلقت ‪.‬‬
‫رواه ابن قانع و غيه ‪ ،‬و فيه ‪ :‬فقال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬إن الذي جاء با هو الذي ذهب‬
‫با [ ‪. ] 113‬‬
‫و قال ‪ :‬لفرسه ـ عليه السلم ـ و قد قام إل الصلة ف بعض أسفاره ‪ :‬ل تبح ‪ ،‬بارك ال فيك حت‬
‫نفرغ من صلتنا و جعله قبلته ‪ ،‬فما حرك عضوا حت صلى صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫[ و يلتحق بذا ما رواه الواقدي ـ أن النب صلى ال عليه و سلم لا وجه رسله إل اللوك ‪ ،‬فخرج ستة‬
‫نفر منهم ف يوم واحد ‪ ،‬فأصبح كل رجل منهم يتكلم بلسان القوم الذين بعثه إليهم ] ‪.‬‬
‫و الدي ث ف هذا الباب كثي ‪ ،‬و قد جئنا منه بالشهور ‪ ،‬و ما وقع ف كتب الئمة ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف إحياء الوتى و كلمهم ‪ ،‬و كلم الصبيان و الراضع‬
‫و شهادتم لم بالنبوة صلى ال عليه و سلم‬

‫حدثنا أبو الوليد هشام بن أحد الفقيه بقراءت عليه ‪ ،‬القاضي أبو الوليد ممد بن رشد ‪ ،‬و القاضي أبو‬
‫عبد ال ممد بن عيسى التميمي ‪ ،‬و غيه واحد ساعا و إذانا ‪ ،‬قالوا ‪ :‬حدثنا أبو علي الافظ قال ‪:‬‬
‫حدثنا أبو عمر الافظ ‪ ،‬حدثنا أبو زيد عبد الرحن بن يي ‪ ،‬حدثنا أحد بن سعيد ‪ ،‬حدثنا ابن العراب‬
‫‪...‬‬
‫حدثنا أبو داود ‪ ،‬حدثنا و هب بن بقية ‪ ،‬عن خالد ـ هو الطحان ‪ ،‬عن ممد بن عمرو ‪ ،‬عن أب سلمة‬
‫‪ ،‬عن أب هريرة رضي ال عنه ـ أن يهودية أهدت للنب صلى ال عليه و سلم بيب شاة مصلية ستها ‪،‬‬
‫فأكل رسول ال صلى ال عليه و سلم منها ‪ ،‬و أكل القوم ‪ ،‬فقال ‪ :‬ارفعوا أيديكم ‪ ،‬فإنا أخبتن أنا‬
‫مسمومة ‪.‬‬
‫فمات بشر بن الباء ‪.‬‬
‫و قال لليهودية ‪ :‬ما حلك على ما صنعت ؟ قالت ‪ :‬إن كنت نبيا ل يضرك الذي صنعت ‪ ،‬و إن كنت‬
‫ملكا أرحت الناس منك ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فأمربا فقتلت ‪.‬‬
‫و قد روى هذا الديث أنس ‪ ،‬و فيه ‪ :‬قالت ‪ :‬أردت قتلك ‪ .‬فقال ‪ :‬ماكان ال ليسلطك على ذلك ‪.‬‬
‫فقالوا ‪ :‬نقتلها ؟‬
‫قال ‪ :‬ل‬
‫و كذالك رو ى عن أب هريرة ـ من غي وهب ‪ ،‬قال ‪ :‬فما عرض لا ‪.‬‬
‫و رواه أيضا جابر بن عبد ال ‪ ،‬و فيه ‪ :‬أخبن هذه الذراع قال ‪ :‬و ل يعاقبها ‪.‬‬
‫و ف رواية السن ‪ :‬أن فخذها تكلمن أنا مسمومة ‪.‬‬
‫و ف رواية أب سلمة بن عبدالرحن قالت ‪ :‬إن مسمومة ‪.‬‬
‫و كذلك ذكر الب ابن إسحاق ‪ ،‬و قال فيه ‪ :‬فتجاوزعنها ‪.‬‬
‫و ف الديث الخر ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬قال ‪ :‬فما زلت أعرفها ف لوات رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و ف حديث أب هريرة ـ أن رسول ال صلى ال عليه و سلم قال ـ ف و جعه الذي مات فيه ‪ :‬ما‬
‫زالت أكلة خيب تعادن ‪ ،‬فالن أوان قطعت أبري ‪.‬‬
‫و حكى ابن إسحاق ‪ :‬إن كان السلمون ليون أن رسول ال صلى ال عليه و سلم مات شهيدا مع ما‬
‫أكرمه ال به من النبوة ‪.‬‬
‫و قال ابن سحنون ‪ :‬أجع أهل الديث أن رسول ال صلى ال عليه و سلم قتل اليهودية الت سته ‪.‬‬
‫و قد ذكرنا اختلف الروايات ف ذلك عن أب هريرة ‪ ،‬و أنس ‪ ،‬و جابر ‪.‬‬
‫و ف رواية ابن عباس رضي ال عنهما ـ أنه دفعها لولياء بشر بن الباء فقتلوها ‪.‬‬
‫و كذلك قد اختلف ف قتله للذي سحره ‪ ،‬قال الواقدي ‪ :‬و عفوه عنه أثبت عندها ‪.‬‬
‫و روى الديث البزار ‪ ،‬عن أب سعيد ‪ ،‬فذكر مثله ‪ ،‬إل أنه قال ف آخره ‪ :‬فبسط يده و قال ‪ :‬كلوا‬
‫بسم ال ‪ ،‬فأكلنا ‪ ،‬و ذكر اسم ال ‪ ،‬فلم تضر منا أحدا ‪.‬‬
‫قال القاضي أبو الفيصل ‪ :‬و قد خرج حديث الشاة السمومة أهل الصحيح ‪ ،‬و خرجه الئمة ‪ ،‬و هو‬
‫حديث مشهور ‪.‬‬
‫و اختلف أئمة النظر ف هذا الباب ‪ ،‬فمن قائل يقول ‪ :‬هو كلم يلقه ال تعال ف الشاة [‪ ]114‬و‬
‫يسمعها منها دون تغيي أشكالا ‪ ،‬و نقلهاعن هيئتها ‪.‬‬
‫وهو مذهب الشيخ أب السن ‪ ،‬و القاضي أب بكر رحهما ال ‪.‬‬
‫و آخرون ذهبوا إل إياد الياة با ‪ ،‬ث الكلم بعده ‪.‬‬
‫و حكي هذا أيضا عن شيخنا أب السن ‪ ،‬و كل متمل ‪ ،‬و ال أعلم ‪ ،‬إذ ل نعل الياة شرطا لوجود‬
‫الروف و الصوات ‪ ،‬إذ ل يستحيل و جودها مع عدم الياة بجردها ‪.‬‬
‫فأما إذا كانت عبارة عن الكلم النفسي فل بد من شرط الياة لا ‪ ،‬إذ ل يوجد كلم النفس إل من‬
‫حي ‪ ،‬خلفا للجبائي من بي سائر متكلمي الفرق ف إحالة و جود الكلم اللفظي و الروف و‬
‫الصوات إل من حي مركب على تركيب من يصح منه النطق بالروف و الصوات ‪.‬‬
‫و التزم ذلك ف الصى ‪ ،‬و الذع ‪ ،‬و الذراع ‪ ،‬و قال ‪ :‬إن ال خلق فيها حياة ‪ ،‬و خرق لا فما ـ‬
‫ولسانا ‪ ،‬وآلة أمكنها با من الكلم ‪.‬‬
‫و هذا لو كان لكان نقله و التهمم به آكد من التهمم بنقل تسبيحه أو حنينه ‪ ،‬و ل ينقل أحد من أهل‬
‫السي و الرواية شيئا من ذلك ‪ ،‬فدل على سقوط دعواه ‪ ،‬مع أنه ل ضرورة إليه ف النظر ‪ ،‬و الوفق ال‬
‫‪.‬‬
‫و روى وكيع ـ رفعه عن فهد بن عطية ـ أن النب صلى ال عليه و سلم أت بصب قد شب ل يتكلم‬
‫قط ‪ ،‬فقال ‪ :‬من أنا ؟ فقال رسول ال ‪.‬‬
‫و روي عن معرض بن معيقيب‪ :‬رأيت من النب صلى ال عليه و سلم عجبا ‪ ،‬جيء بصب يوم ولد ‪...‬‬
‫فذكر مثله ‪.‬‬
‫و هو حديث مبارك اليمامة ‪ ،‬و يعرف بديث شاصونه ‪ :‬اسم راوية ‪ ،‬و فيه ‪ :‬فقال له النب صلى ال‬
‫عليه و سلم ‪ :‬صدقت بارك ال فيك ‪.‬‬
‫ث إن الغلم ل يتكلم بعدها حت شب ‪ ،‬فكان يسمى مبارك اليمامة ‪.‬‬
‫و كانت هذه القصة بكة ف حجة الوداع ‪.‬‬
‫و عن السن ‪ :‬أتى رجل النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فذكر أنه طرح بنية له ف وادي كذا ‪ ،‬فانطلق‬
‫معه إل الوادي ‪ ،‬و ناداها باسها ‪ :‬يا فلنة ‪ ،‬أجيب نإذن ال فخرجت و هي تقول ‪ :‬لبييك و سعديك !‬
‫فقال لا ‪ :‬إن أبويك قد أسلما ‪ ،‬فإن أحببت أن أدرك عليهما ؟ قالت ‪ :‬ل حاجة ل فيهما ‪ ،‬و جدت‬
‫ال خيا ً منهما ‪.‬‬
‫و عن أنس أن شابا من النصار توف و له أم عجوز عمياء ‪ ،‬فسجيناه ‪ ،‬و عزيناه ‪ ،‬فقالت ‪ :‬مات ابن ؟‬
‫قلنا ‪ :‬نعم ‪ .‬قالت ‪ :‬اللهم إن كنت تعلم أن هاجرت إليك و إل نبيك رجاء أن تعينن على كل شدة‬
‫فل تملن علي هذه الصيبة ‪.‬‬
‫فما برحنا أن كشف الثوب عن وجهه ‪ ،‬فطعم و طعمنا ‪.‬‬
‫و روي عن عبد ال بن عبيد ال النصاري ‪ :‬كنت فيمن دفن ثابت بن قيس بن شاس ‪ ،‬و كان قتل‬
‫باليمامة ‪ ،‬فسمعناه حي أدخلناه القب يقول ‪ :‬ممد رسول ال ‪ ،‬أبو بكر الصديق ‪ ،‬عمر الشهيد ‪،‬‬
‫عثمان الب الرحيم ‪ ،‬فنظرنا فإذا هو ميت ‪.‬‬
‫و ذكر عن النعمان بن بشي أن زيد بن خارجة خر ميتا ف بعض أزقة الدينة ‪ ،‬فرفع وسجي إذ سعوه‬
‫بي العشاءين و النساء يصرخن حوله يقول ‪ :‬أنصتوا ‪،‬أنصتوا ‪ ،‬فحسر عن و جهه ‪ ،‬فقال ‪ :‬ممد [‬
‫‪ ]115‬رسول ال ‪ ،‬النب المي ‪ ،‬و خات النبيي ‪ ،‬كان ذلك ف الكتاب الول ‪ ،‬ث قال صدق ‪،‬‬
‫صدق ‪ ،‬و ذكر أبا بكر ‪ ،‬وعمر ‪ ،‬و عثمان ‪ ،‬ث قال ‪ :‬السلم عليك يا رسول ال ‪،‬ورحة ال و‬
‫بركاته ‪ ،‬ث عاد ميتا كما كان ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف إبراء الرضى و ذوي العاهات‬

‫أخبنا أبو السن علي بن مشرف فيما أجازنيه و قرأته على غيه ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا أبو إسحاق البال ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬حدثنا أبو ممد بن النحاس ‪ ،‬حدثنا ابن الورد ‪ ،‬عن البقي ‪ ،‬عن ابن هشام ‪ ،‬عن زباد البكائي ‪،‬‬
‫عن ممد بن إسحاق ‪ ،‬حدثنا ابن شهاب ‪ ،‬و عاصم بن عمر بن قتادة و جاعة ذكرهم بقضية أحد‬
‫بطولا ‪ ،‬قال ‪ :‬و قالوا ‪ :‬قال سعد بن أب وقاص ‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه و سلم ليناولن السهم ل‬
‫نصل له ‪ ،‬فيقول ‪ :‬ارم به و قد رمى رسول ال صلى ال عليه و سلم يومئذ عن قوسه حت اندقت‪ ،‬و‬
‫أصيب يومئذ عي قتادة ـ يعن ابن النعمان ـ حت و قعت على و جنته ‪ ،‬فردها رسول ال صلى ال‬
‫عليه و سلم ‪ ،‬فكانت أحسن عينيه ‪.‬‬
‫و روى قصة قتادة عاصم بن عمر بن قتادة ‪ ،‬و يزيد بن عياض بن عمر بن قتادة ‪.‬‬
‫و رواها أبو سعيد الدري عن قتادة ‪.‬‬
‫و بصق على أثر سهم ف وجه أب قتادة ف يوم ذي قرد ‪ ،‬قال ‪ :‬فما ضرب علي و ل قاح ‪.‬‬
‫و روى النسائي ‪ ،‬عن عثمان بن حنيف ـ أن أعمى قال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ادعو ال أن يكشف ل عن‬
‫بصري ‪.‬‬
‫قال ‪ [ :‬فانطلق فتوضأ ‪ :‬ث صلى ركعتي ‪ ،‬ث قل ‪ ،‬اللهم إن أسألك و أتوجه إليك بنب ممد نب الرحة‬
‫‪ ،‬يا ممد ‪ ،‬إن أتوجه بك إل ربك أن يكشف عن بصري ‪ ،‬اللهم شفعه ف ] ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فرجع و قد كشف ال عن بصره ‪.‬‬
‫و روي أن ابن السنة أصابه استسقاء ‪ ،‬فبعث إل النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فأخذ بيده حثوة من‬
‫الرض ‪ ،‬فتفل عليها ‪ ،‬ث أعطاها رسوله ‪ ،‬فأخذها متعجبا ‪ ،‬يرى أنه قد هزىء به ‪ ،‬فأتاه با ‪ ،‬و هو‬
‫على شفا ‪ ،‬فشربا ‪ ،‬فشفاه ال ‪.‬‬
‫و ذكر العقيلي عن حبيب بن فديك ‪ ،‬و يقال فريك ـ أن أباه ابيضت عيناه ‪ ،‬فكان ل يبصر بما‬
‫شيئا ‪ ،‬فنفث رسول ال صلى ال عليه و سلم ف عينيه ‪ ،‬فأبصر ‪ ،‬فرأيته يدخل اليط ف البرة ‪ ،‬و هو‬
‫ابن ثاني ‪.‬‬
‫و رمي كلثوم بن الصي يوم أحد ف نره ‪ ،‬فبصق رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فبأ ‪.‬‬
‫و تفل على شجة عبد ال بن أنيس فلم تد ‪.‬‬
‫و تفل ف عين علي يوم خيب ‪ ،‬و كان رمدا ‪ ،‬فأصبح بارئا ‪.‬‬
‫و نفث علي ضربة بساق سلمة بن الكوع يوم خيب فبئت ‪ ،‬و ف رجل زيد بن معاذ حي أصابا‬
‫السيف إل الكعب ‪ ،‬حي قتل ابن الشرف ‪ ،‬فبئت ‪ .‬و على ساق علي ابن الكم يوم الندق إذا‬
‫انكسرت ‪ ،‬فبىء مكانه ‪ ،‬و ما نزل عن فرسه ‪.‬‬
‫و اشتكى علي بن أب طالب ‪ ،‬فجعل يدعو ‪ ،‬فقال النب صلى ال عليه و سلم ‪ [ :‬اشفه ‪ ،‬أو عافه ] ث‬
‫ضرب برجله ‪ ،‬فما اشتكى ذلك الوجع بعد ‪.‬‬
‫و قطع أبو جهل يوم بدر يد معوذ بن عفراء [ ‪ ، ] 116‬فجاء يمل يده ‪ ،‬فبصق عليها رسول ال صلى‬
‫ال عليه و سلم ‪ ،‬و ألصقها فلصقت ‪ .‬رواه ابن وهب ‪.‬‬
‫و من روايته أيضا أن خبيب بن يساف أصيب يوم بدر مع رسول ال صلى ال عليه و سلم بضربة على‬
‫عاتقه حت مال شقه ‪ ،‬فرده رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و نفث عليه حت صح ‪.‬‬
‫و أتته امرأة من خثعم ‪ ،‬معها صب به بلء ل يتكلم ‪ ،‬فأت باء فمضمض فاه ‪ ،‬و غسل يديه ‪ ،‬ث أعطاها‬
‫ل يفضل عقول الناس ‪.‬‬ ‫إياه ‪ ،‬و أمرها بسقيه و مسه به ‪ ،‬فبأ الغلم ‪ ،‬و عقل عق ً‬
‫و عن ابن عباس ‪ :‬جاءت امرأة بابن لا به جنون ‪ ،‬فمسح صره ‪ ،‬فثع ثعة فخرج من جوفه مثل الرو‬
‫السود ‪ ،‬فشفي ‪.‬‬
‫و انكفأت القدر على ذراع ممد بن حاطب و هو طفل ‪ ،‬فسمح عليه و دعا له ‪ ،‬و تفل فيه فبأ لينه ‪.‬‬
‫و كانت ف كف شرحبيل العفي سلعة تنعه القبض على السيف و عنان الدابة ‪ ،‬فشكاها للنب صلى‬
‫ال عليه و سلم ‪ ،‬فما زال يطحنها بكفه حت رفعها ‪ ،‬و ل يبق ى لا أثر ‪.‬‬
‫و سألته جارية طعاما ‪ ،‬و هو يأكل ‪ ،‬فناولا من بي يديه ‪ ،‬و كانت قليلة الياء ‪ ،‬فقالت إنا أريد من‬
‫الذي ف فيك ‪ ،‬فناولا ما ف فيه ‪ ،‬و ل يكن يسأل شيئا فيمنعه ‪.‬‬
‫فلما استقر ف جوفها ألقي عليها من الياء ما ل تكن امرأة بالدينة أشد حياء منها ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف إجابة دعائه صلى ال عليه و سلم‬

‫و هذا باب واسع جدا ‪ ،‬و إجابة دعوة النب صلى ال عليه و سلم لماعة با دعا لم و عليهم متواتر‬
‫على الملة ‪ ،‬معلوم ضرورةً ‪.‬‬
‫و قد جاء ف حديث حذيفة رضي ال عنه ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه و سلم إذا دعا لرجل‬
‫أدركت الدعوة ولده و ولد ولده ‪.‬‬
‫حدثنا أبو ممد العتاب بقراءت عليه ‪ ،‬حدثنا أبو القاسم حات بن ممد ‪ ،‬حدثنا أبو السن القابسي ‪،‬‬
‫حدثنا أبو زيد الروزي ‪ ،‬حدثنا ممد بن يوسف ‪ ،‬حدثنا ممد بن إساعيل ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن أب‬
‫السود ‪ ،‬حدثنا حرمي ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أنس رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قالت أمي ‪ :‬يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬خادمك أنس ‪ ،‬ادع ال له ‪ .‬قال ‪ :‬اللهم أكثر ماله و ولده ‪ ،‬و بارك له فيما آتيته ‪.‬‬
‫و من رواية عكرمة ‪ :‬قال أنس ‪ :‬فوا ال إن مال لكثي ‪ ،‬و إن ولدي و ولد ولدي ليعادون اليوم على‬
‫نو الائة ‪.‬‬
‫و ف رواية ‪ :‬و ما أعلم أحدا أصاب من رخاء العيش ما أصبت ‪ ،‬و لقد دفنت بيدي هاتي مائةً من‬
‫ولدي ‪ ،‬ل أقول سقطا و ل ولد ولد ‪.‬‬
‫و منه دعاؤه لعبد الرحن بن عوف بالبكة ‪ ،‬قال عبد الرحن ‪ :‬فلو رفعت حجرا لرجوت أن أصيب‬
‫تته ذهبا ‪ ،‬و فتح الل ه عليه ‪ ،‬و مات فحفر الذهب من تركته بالفؤوس حت ملت فيه اليدي ‪ ،‬و‬
‫أخذت كل زوجة ثاني ألفا وكن أربعا ‪ .‬و قيل مائة ألف ‪ .‬و قيل ‪ :‬بل صولت إحداهن ‪ ،‬لنه طلقها‬
‫ف مرضه على نيف و ثاني ألفا ‪ ،‬و أوصى بمسي ألفا بعد صدقاته الفاشية ف حياته ‪ ،‬و عوارفه‬
‫العظيمة ‪ :‬أعتق يوما ثلثي عبدا ‪ ،‬و تصدق مرةً بعي فيها سبعمائة بعي ‪ ،‬و ردت عليه تمل من كل‬
‫شيء [ ‪ ، ] 117‬فتصدق با و با عليها ‪ ،‬و بأقتابا و أحلسها ‪.‬‬
‫و دعا لعاوية بالتمكي ف البلد ‪ ،‬فنال اللفة ‪ .‬و لسعد بن أب وقاص رضي ال عنه أن ييب ال‬
‫دعوته ‪ ،‬فما دعا على أحد إل استجيب له ‪.‬‬
‫و دعا بعز السلم بعمر رضي ال عنه ‪ ،‬أو بأب جهل ‪ ،‬فاستجيب له ف عمر ‪.‬‬
‫قال ابن مسعود رضي ال عنه ‪ :‬ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر ‪.‬‬
‫و أصاب الناس ف بعض مغازيه عطش ‪ ،‬فسأله عمر الدعاء ‪ ،‬فدعا ‪ ،‬فجاءت سحابة ‪ ،‬فسقتهم حاجتهم‬
‫‪ ،‬ث أقلعت ‪.‬‬
‫و دعا ف الستسقاء ‪ ،‬فسقوا ‪ ،‬ث شكوا إليه الطر ‪ ،‬فدعا ‪ ،‬فصحوا ‪.‬‬
‫و قال لب قتادة ‪ :‬أفلح و جهك ‪ ،‬اللهم بارك له ف شعره و بشره ‪ ،‬فمات و هو ابن سبعي سنةً ‪ ،‬و‬
‫كأنه ابن خس عشرة سنة ‪.‬‬
‫و قال للنابغة ‪ :‬ل يفضض ال فاك فما سقطت له سن ‪.‬‬
‫و ف رواية ‪ :‬فكان أحسن الناس ثغرا ‪ ،‬إذا سقطت له سن نبتت له أخرى ‪ ،‬و عاش عشرين و مائة سنة‬
‫‪ ،‬و قيل ‪ :‬أكثر من هذا ‪.‬‬
‫و دعا لبن عباس ‪ :‬اللهم فقهه ف الدين ‪ ،‬و عمله التأويل فسمي بعد الب و ترجان القرآن ‪.‬‬
‫و دعا لعبد ال بن جعفر بالبكة ف صفقة يينه ‪ ،‬فما اشترى شيئا إل ربح فيه ‪ .‬و دعا للقمداد بالبكة ‪،‬‬
‫فكانت عنده غرائز الال ‪.‬‬
‫و دعا بثله لعروة بن أب العد ‪ ،‬فقال ‪ :‬فلقد كنت أقوم بالكناسة ‪ ،‬فما أرجع حت أربح أربعي ألفا ‪.‬‬
‫و قال البخاري ف حديث ‪ :‬فكان لو اشترى التراب ربح فيه ‪.‬‬
‫و روي مثل هذا لغرقدة أيضا ‪.‬‬
‫وندت له ناقة ‪ ،‬فدعا فجاءه با إعصار ريح ‪ ، ،‬حت ردها عليه ‪.‬‬
‫و دعا لم أب هريرة فأسلمت ‪.‬‬
‫و دعا لعلي أن يكفى الر و القر ‪ ،‬فكان يلبس ف الشتاء ثياب الصيف ‪ ،‬و ف الصيف ثياب الشتاء ‪ ،‬و‬
‫ل يصيبه حر و ل برد ‪.‬‬
‫و دعا لفاطمة ابنته ال أل ييعها ‪ ،‬قالت ‪ :‬فما جعت بعد ‪.‬‬
‫و سأله الطفيل بن عمرو آيةً لقومه ‪ ،‬فقال ‪ :‬اللهم نور له فسطع نور بي عينيه ‪ ،‬فقال ‪ :‬أخاف أن‬
‫يقولوا مثله ‪ ،‬فتحول إل طرف سوطه ‪ ،‬ف كان يضيء ف الليلة الظلمة ‪ ،‬فسمي ذا النور ‪.‬‬
‫و دعا على مضر فأقحطوا‪ ،‬حت استعطفته قريش ‪ ،‬فدعا لم فسقوا ‪.‬‬
‫و دعا على كسرى حي مزق كتابه أن يزق ال ملكه ‪ ،‬فلم تبق له باقية ‪ ،‬و ل بقيت لفارس رياسة ف‬
‫أقطار الدنيا ‪.‬‬
‫و دعا على صب قطع عليه الصلة أن يقطع ا ل أثره ‪ ،‬فأقعد ‪.‬‬
‫و قال لرجل يأكل بشماله ‪ :‬كل بيمينك فقال ‪ :‬ل أستطيع ‪ .‬فقال ‪ :‬ل استطعت فلم يرفعها إل فيه ‪.‬‬
‫و قال لعتبة بن أب لب ‪ :‬اللهم سلط عليه كلبا من كلبك ‪ ،‬فأكله السد ‪.‬‬
‫[ و قال لمرأة ‪ :‬أكلك السد فأكلها ]‬
‫و حديثه الشهور ‪ ،‬من رواية عبد ال بن مسعود رضي ال عنه ‪ ،‬ف دعائه على قريش حي وضعوا‬
‫السل على رقبته و هو ساجد مع الفرث و الدم ‪ ،‬وساهم ‪ .‬قال ‪ :‬فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر ‪.‬‬
‫و دعا على الكم بن أب العاص ‪ ،‬و كان يتلج بوجهه ‪ ،‬و يغمز عند النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬أي‬
‫ل ‪ ،‬فرآه ‪ ،‬فقال ‪ :‬كذلك كن ‪ ،‬فلم يزل يتلج إل أن مات ‪.‬‬
‫و دعا علي ملم بن جثامة فمات لسبع ‪ ،‬فلفظته الرض ‪ ،‬ث و روي فلفظته مرات ‪ ،‬فألقوه بي‬
‫صدين ‪ ،‬و رضموا عليه بالجارة ‪.‬‬
‫و الصد ‪ :‬جانب الوادي [ ‪. ] 118‬‬
‫و جحده رجل بيع فرس ـ و هي الت شهد فيها خزية للنب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فرد الفرس بعد‬
‫النب صلى ال عليه و سلم على الرجل ‪ ،‬و قال ‪ :‬اللهم إن كان كاذبا فل تبارك له فيها ‪ .‬فأصبحت‬
‫شاصية برجلها ‪ ،‬أي رافعةً ‪.‬‬
‫و هذا الباب أكثر من أن ياط به ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف كرامته و بركاته و انقلب العيان له فيما لسه أو باشره‬

‫أخبنا أحد بن ممد ‪ ،‬حدثنا أبو ذر الروي ‪ ،‬إجازة ‪ ،‬حدثنا القاضي أبو علي ساعا ‪ ،‬و القاضي أبو‬
‫عبد ال بن عبد الرحن و غيها ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬حدثنا أبو الوليد القاضي ‪ ،‬حدثنا أبو ذر ‪ ،‬حدثنا أبو إسحاق‬
‫‪ ،‬و أبو اليثم ‪ :‬قالوا ‪ :‬حدثنا الفربري ‪ ،‬حدثنا البخاري ‪ ،‬حدثنا يزيد بن زريع ‪ ،‬حدثنا سعيد ‪ ،‬عن‬
‫قتادة ‪ ،‬عن أنس بن مالك رضي ال عنه ـ أن أهل الدينة فزعوا مرةً ‪ ،‬فركب رسول ال صلى ال عليه‬
‫و سلم فرسا لب طلحة كان يقطف ‪ ،‬أو به فطاف ‪ .‬و قال غيه ‪ :‬يبطأ ‪ ،‬فلما رجع قال ‪ :‬وجدنا‬
‫فرسك برا فكان بعد ل يارى ‪.‬‬
‫و نس جل جابر ‪ ،‬و كان قد أعيا ‪ ،‬فنشط حت كان ما يلك زمامه ‪.‬‬
‫و صنع مثل ذلك بفرس لعيل الشجعي ‪ ،‬خفقها بخفقة معه ‪ ،‬و برك عليها ‪ ،‬فلم يلك رأسها‬
‫نشاطا ‪ ،‬و ابع من طبنها باثن عشرألفا ‪.‬‬
‫[ و ركب حارا قطوفا لسعد بن عبادة فرده هلجا ل يساير ] ‪.‬‬
‫و كانت شعرات من شعره ف قلنسوة خالد بن الوليد ‪ ،‬فلم يشهد با قتالً إل رزق النصر ‪.‬‬
‫و ف الصحيح ـ عن أساء بنت أب بكر رضي ال عنها ـ أنا أخرجت جبة طيالسة ‪ ،‬و قالت ‪ :‬كان‬
‫رسول ال صلى ال عليه و سلم يلبسها ‪ ،‬فنحن نغسلها للمرضى يستشفى با ‪.‬‬
‫و حدثنا القاضي أبو علي ‪ ،‬عن شيخه أب القاسم بن الأمون ‪ :‬قال ‪ :‬و كانت عندنا قصعة من قصاع‬
‫النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فكنا نعل فيها الاء للمرضى ‪ ،‬فيستشفون با ‪.‬‬
‫و أخذ جهجاه الغفاري القضيب من يد عثمان رضي ال عنه ليكسره على ركبته ‪ ،‬فصاح الناس به ‪،‬‬
‫فأخذته فيها الكلة فقطعها ‪ ،‬و مات قبل الول ‪.‬‬
‫و سكب من فضل و ضوئه ف بئر قباء فما نزفت بعد ‪.‬‬
‫و بزق ف بئر كانت ف دار أنس ‪ ،‬فلم يكن بالدينة أعذب منها ‪.‬‬
‫و مر على ماء‪ ،‬فسأل عنه ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬اسه بيسان ‪ ،‬و ماؤه ملح ‪ ،‬فقال ‪ :‬بل هو نعمان و ماؤه طيب‬
‫فطاب ‪.‬‬
‫و أت بدلو من ماء زمزم ‪ ،‬فمج فيه ‪ ،‬فصارت أطيب من السك ‪.‬‬
‫و أعطى السن و السي لسانه فمصاه ‪ ،‬و كان يبكيان عطشا فسكتا ‪.‬‬
‫و كان لم مالك عكة تدي فيها للنب صلى ال عليه و سلم سنا ‪ ،‬فأمرها النب صلى ال عليه و سلم‬
‫أل تعصرها ‪ ،‬ث دفعها إليها ‪ ،‬فإذا هي ملوءة سنا ‪،‬فيأتيها بنوها يسألونا الدم ‪ ،‬و ليس عندهم شيء ‪،‬‬
‫فتعمد إليها ‪ ،‬فتجد فيها سنا ‪ ،‬فكانت تقيم أدمها حت عصرتا ‪.‬‬
‫و كان يتفل ف أفواه الصبيان الراضع فيجزئهم ريقه إل الليل ‪.‬‬
‫و من ذلك بركة يده فيما لسه و غرسه ‪ ،‬و لسلمان رضي ال عنه حي كاتبه مواليه على ثلثائة ودية‬
‫يغرسها لم ‪ ،‬كلها تعلق و تطعم و على أربعي أوقية من ذهب ‪ ،‬فقام صلى ال عليه و سلم و غرسها له‬
‫بيده إل واحدة [ ‪ ] 119‬غرسها غيه ‪ ،‬فأخذت كلها إل تلك الواحدة ‪ ،‬فقلعها النب صلى ال عليه و‬
‫سلم و ردها ‪ ،‬فأخذت ‪.‬‬
‫و ف كتاب البزار ‪ :‬فأطعم النخل من عامه إل الواحدة ‪ ،‬فقلعها رسول ال صلى ال عليه و سلم و‬
‫غرسها فأطعمت من عامها ‪.‬‬
‫و أعطاه مثل بيضة الدجاجة من ذهب بعد أن أدارها على لسانه ‪ ،‬فوزن منها لواليه أربعي أوقية و بقي‬
‫عنده مثل ما أعطاهم ‪.‬‬
‫و ف حديث حنش بن عقيل ‪ :‬سقان رسول ال صلى ال عليه و سلم شربةً من سويق شرب أولا و‬
‫شربت آخرها ‪ ،‬فما برحت أجد شبعها إذا جعت ‪ ،‬وريها إذا عطشت ‪ ،‬و بردها إذا ظمئت ‪.‬‬
‫و أعطى قتادة بن النعمان ‪ ،‬و صلى معه العشاء ف ليلة مظلمة مطية ـ عرجونا ‪ ،‬و قال ‪ :‬انطلق به ‪،‬‬
‫فإنه سيضيء لك من بي يديك عشرا و من خلفك عشرا ‪ ،‬فإذا دخلت بيتك ف سترى سوادا فاضربه‬
‫حت يرج ‪ ،‬فإنه الشيطان ‪.‬‬
‫فانطلق فأضاء له العرجون حت دخل بيته ‪ ،‬و وجد السواد فضربه حت خرج ‪.‬‬
‫و منها دفعه لعكاشة جدل حطب ‪ ،‬و قال ‪ :‬اضرب به حي انكسر سيفه يوم بدر ‪ ،‬فعاد ف يده سيفا‬
‫صارما ‪ ،‬طويل القامة ‪ ،‬أبيض ‪ ،‬شديد الت ‪ ،‬فقاتل به ‪ ،‬ث ل يزل عنده يشهد به الواقف إل أن‬
‫استشهد ف قتال أهل الردة ‪.‬‬
‫و كان هذا السيف يسمى [ العون ] ‪.‬‬
‫و دفعه لعبد ال بن جحش يوم أحد ‪ ،‬و قد ذهب سبفه ـ عسيب نل ‪ ،‬فرجع ف يده سيفا ‪.‬‬
‫و منه بركته ف درور الشياه الوائل باللب الكثي ‪ ،‬كقصة شاة أم معبد ‪ ،‬وأعن معاوية بن ثور ‪ ،‬و شاة‬
‫أنس ‪ ،‬و غنم حليمة مرضعته و شارفها ‪ ،‬و شاة عبد ال بن مسعود ‪ ،‬و كانت ل ين عليها فحل ‪ ،‬و‬
‫شاة القداد ‪.‬‬
‫و من ذلك تزويده أصحابه سقاء ماء بعد أن أوكأه ‪ ،‬و دعا فيه ‪ ،‬فلما حضرت الصلة نزلوا فحلوه ‪،‬‬
‫فإذا به لب طيب و زبدة ف فمه ـ من رواية حاد بن سلمة ‪.‬‬
‫و مسح على رأس عمي بن سعد ‪ ،‬و برك ‪ ،‬فمات و هو ابن ثاني ‪ ،‬فما شاب ‪.‬‬
‫و روي مثل هذه القصص عن غي واحد ‪ ،‬منهم السائب بن يزيد ‪ ،‬و مدلوك ‪.‬‬
‫و كان يوجد لعتبة بن فرقد طيب يغلب طيب نسائه ‪ ،‬لن رسول ال صل ى ال عليه و سلم مسح بيده‬
‫على بطنه و ظهره ‪.‬‬
‫و سلت الدم عن وجه عائذ بن عمرو ‪ ،‬و كان خرج يوم حني ‪ ،‬و دعا له ‪ ،‬فكانت له غرة كغرة‬
‫الفرس ‪.‬‬
‫و مسح على رأس قيس بن زيد الذامى ‪ ،‬و دعا له ‪ ،‬فهلك و هو ابن مائة سنة ‪ ،‬و رأسه أبيض ‪ ،‬و‬
‫موضع كف النب صلى ال عليه و سلم و ما مرت يده عليه من شعره أسود ‪ ،‬كان يدعى الغر ‪.‬‬
‫و روي مثل هذه الكاية لعمرو بن ثعلبة الهن ‪.‬‬
‫و مسح وجه آخر ‪ ،‬فما زال على وجهه نور ‪.‬‬
‫و مسح وجه قتادة بن ملحان ‪ ،‬فكان لوجهه بريق حت كان ينظر ف وجهه كما ينظر ف الرأة ‪.‬‬
‫و وضع يده على رأس حنظلة بن حزي ‪ ،‬و برك عليه ‪ ،‬فكان حنظلة يؤت بالرجل قد ورم وجهه ‪ ،‬و‬
‫الشاة قد ورم ضرعها ‪ ،‬فيوضع [ ‪ ] 120‬على موضع كف النب صلى ال عليه و سلم فيذهب الورم ‪.‬‬
‫و نضح ف وجه زينب بنت أم سلمة نضحة من ماء ‪ ،‬فما يعرف كان ف وجه امرأة من المال ما با ‪.‬‬
‫و مسح على رأس صب به عاهة ‪ ،‬فبأ ‪ ،‬و استوى شعره ‪ ،‬و على غي واحد من الصبيان و الرضى و‬
‫الجاني ‪ ،‬فبءوا ‪.‬‬
‫و أتاه رجل به أدرة ‪ ،‬فأمره أن ينضحها باء من عي مج فيها ‪ ،‬ففعل ‪ ،‬فبأ ‪.‬‬
‫و عن طاوس ‪ :‬ل يؤ ت النب صلى ال عليه و سلم بأحد به مس ‪ ،‬فصك ف صدره إل ذهب ‪.‬‬
‫و الس ‪ :‬النون ‪.‬‬
‫و مج ف دلو من بئر ‪ ،‬ث صب فيها ‪ ،‬ففاح منها ريح السك ‪.‬‬
‫و أخذ قبضة من تراب يوم حني ‪ ،‬و رمى با ف وجوه الكفار ‪ ،‬و قال ‪ [ :‬شاهت الوجوه ] فانصرفوا‬
‫يسحون القذى عن أعينهم ‪.‬‬
‫[ و شكا إليه أبو هريرة رضي ال عنه النسيان ‪ ،‬فأمره ببسط ثوبه ‪ ،‬و غرف بيده فيه ‪ ،‬ث أمره بضمه ‪،‬‬
‫ففعل ‪ ،‬فما نسي شيئا بعد ‪.‬‬
‫و ما يروى عنه ف هذا كثي ‪.‬‬
‫و ضرب صدر جرير بن عبد ال ‪ ،‬و دعا له ‪ ،‬و كان ذكر له أنه ل يثبت على اليل ‪ ،‬فصار من أفرس‬
‫العرب و أثبتهم ‪.‬‬
‫و مسح على رأس عبد الرحن بن زيد بن الطاب و هو صغي ‪ ،‬و كان دميما ‪ ،‬و دعا له بالبكة ‪،‬‬
‫ففرع الرجال ‪ ،‬طولً و تاما ] ‪.‬‬

‫فصل‬
‫فيما أطلع عليه من الغيوب و ما يكون‬

‫و من ذلك ما أطلع عليه من الغيوب و ما يكون ‪ .‬و الحاديث ف هذا الباب بر ل يدرك قعره ‪ ،‬و ل‬
‫ينف غمره ‪.‬‬
‫و هذه العجزة من جلة معجزاته العلومة على القطع الواصل إلينا خبها على التواتر ‪ ،‬لكثرة رواتا ‪ ،‬و‬
‫اتفاق معانيها على الطلع على الغيب ‪:‬‬
‫حدثنا المام أبو بكر ممد بن الوليد الفهري إجازة ‪ ،‬و قرأته على غيه ‪ :‬قال أبو بكر ‪ :‬حدثنا أبو علي‬
‫التستري ‪ ،‬حدثنا أبو عمر الاشي ‪ ،‬حدثنا اللؤلؤي ‪ ،‬حدثنا أبو داود ‪ ،‬حدثنا عثمان بن أب شيبة ‪،‬‬
‫حدثنا جرير ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن أب وائل ‪ ،‬عن حذيفة ‪ ،‬قال ‪ :‬قام فينا رسول ال صلى ال عليه و‬
‫سلم مقاما ‪ ،‬فما ترك شيئا يكون ف مقامه ذلك إل قيام الساعة إل ‪ ،‬حدثه ‪ ،‬حفظه من حفظه ‪ ،‬و‬
‫نسيه من نسيه ‪ ،‬قد علمه أصحاب هؤلء ‪ ،‬و إنه ليكون منه الشيء فأعرفه فأذكره كما يذكر الرجل‬
‫وجه الرجل إذا غاب عنه ‪ ،‬ث إذا رآه عرفه ‪.‬‬
‫ث قال حذيفة ‪ :‬ما أدري ‪ ،‬أنسي أصحاب أم تناسوه ‪ ، ،‬و ال ما ترك رسول ال صلى ال عليه و سلم‬
‫من قائد فتنة إل أن تنقضي الدنيا يبلغ من معه ثلثائة فصاعدا إل قد ساه لنا با سه ‪ ،‬و اسم أبيه ‪ ،‬و‬
‫قبيلته ‪.‬‬
‫و قال أبو ذر ‪ :‬لقد تركنا رسول ال صلى ال عليه و سلم و ما يرك طائر جناحيه ف السماء ‪ ،‬إل‬
‫ذكرنا منه علما ‪.‬‬
‫و قد خرج أهل الصحيح و الئمة ما أعلم به أصحابه صلى ال عليه و سلم ما وعدهم به من الظهور‬
‫على أعدائه ‪ ،‬و فتح مكة ‪ ،‬و بيت القدس ‪ ،‬و اليمن ‪ ،‬و الشام ‪ ،‬و العراق ‪.‬‬
‫و ظهور المن ‪ ،‬حت تظعن الرأة من الية إل مكة ‪ ،‬ل تاف إل ال ‪.‬‬
‫و أن الدينة ستغزى ‪ ،‬و تفتح خيب على يدي علي ف غد يومه ‪.‬‬
‫و ما يفتح ال على أمته من الدنيا ‪ .‬و يؤتون من زهرتا ‪.‬‬
‫و قسمتهم كنوز كسرى و قيصر ‪.‬‬
‫و ما يدث بينهم من الفتون و الختلف و الهواء ‪.‬‬
‫و سلوك سبيل من قبلهم ‪ ،‬و افتراقهم [ ‪ ] 121‬على ثلث و سبعي فرقة ‪ ،‬الناجية منها واحدة ‪.‬‬
‫و أنا ستكون لم أناط ‪ ،‬و يغدو أحدهم ف حلة ‪ ،‬و يروح ف أخرى ‪ ،‬و توضع بي يديه صحفة و‬
‫ترفع أخرى ‪ ،‬و يسترون بيوتم كما تستر الكعبة ‪.‬‬
‫ث قال آخر الديث ‪ :‬و أنتم اليوم خي منكم يومئذ ‪ ،‬و أنم إذا مشوا الطيطاء و خدمتهم بنات فارس و‬
‫الروم رد ال بأسهم بينهم ‪ ،‬و سلط شرارهم على خيارهم ‪.‬‬
‫و قتالم الفرس ‪ ،‬و الزر ‪ ،‬و ال روم ‪ ،‬و ذهاب كسرى و فارس حت ل كسرى و ل فارس بعده ‪ ،‬و‬
‫ذهاب قيصر حت ل قيصر بعده ‪.‬‬
‫و ذكر أن الروم ذات قرون إل آخر الدهر ‪.‬‬
‫و بذهاب المثل فالمثل من الناس ‪ ،‬و تقارب الزمان ‪ ،‬و قبض العلم ‪ ،‬و ظهور الفت ‪ ،‬و الرج ‪.‬‬
‫و قال ‪ [ :‬و يل للعرب من شر قد اقترب ] ‪.‬‬
‫و أنه زويت له الرض فأري مشارقها و مغاربا ‪ ،‬و سيبلغ ملك أمته ما زوي له منها ‪.‬‬
‫و كذلك كان ‪ ،‬امتدت ف الشارق والغارب ما بي أرض الند أقصى الشرق إل بر طنجة حيث ل‬
‫عمارة و راءه ‪ ،‬و ذلك ما ل تلكه أمة من المم ‪ ،‬و ل تتد ف النوب و ل ف الشمال مثل ذلك ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬ل يزال أهل الغرب ظاهرين على الق حت تقوم الساعة ـ ذهب ابن الدين إل أنم العرب ‪،‬‬
‫لنم الختصون بالسقي بالغرب ـ و هي الدلو ‪ .‬و غيه يذهب إل أنم أهل الغرب ‪ ،‬و قد ورد‬
‫الغرب كذا ف الديث بعناه ‪.‬‬
‫و ف حديث آخر ‪ ،‬من رواية أب أمامة ‪ :‬ل تزال طائفة من أمت ظاهرين على الق ‪ ،‬قاهرين لعدوهم ‪،‬‬
‫حت يأتيهم أمر ال و هم كذلك ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬و أين هم ‪ ،‬قال ‪ :‬بيت القدس ‪.‬‬
‫و أخب بلك بن أمية ‪ ،‬و ولية معاوية ‪ ،‬و وصاه ‪ ،‬و اتاذ بن أمية مال ال دول ‪ ،‬و خروج ولد العباس‬
‫بالرايات السود ‪ ،‬و ملكهم أضعاف ما ملكوا ‪ ،‬و خروج الهدي ‪ ،‬و ما ينال أهل بيته و تقتيلهم و‬
‫تشريدهم ‪ ،‬و قتل علي ‪ ،‬و أن أشقاها الذي يضب هذه من هذه ‪ ،‬أي ليته من رأسه ‪ ،‬و أنه قسيم‬
‫النار ‪ ،‬يدخل أولياؤه النار ‪ ،‬فكان فيمن عاداه الوارج و الناصبة ‪ ،‬و طائفة من ينسب إليه من الروافض‬
‫كفروه ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬يقتل عثمان و هو يقرأ ف الصحف و أن ال عسى أن يلبسه قميصا ‪ ،‬و أنم يريدون خلعه ‪ ،‬و‬
‫أنه سيقطر دمه على قوله ‪ :‬فسيكفيكهم ال ‪.‬‬
‫و أن الفت ل تظهر ما دام عمر حيا ‪.‬‬
‫و بحاربة الزبي لعلي ‪ ،‬و بنباح كلب الوأب على بعض أزواجه ‪ ،‬و أنه يقتل حولا قتلى كثي ‪ ،‬و‬
‫تنجو بعد ما كادت ‪ ،‬فنبحت على عائشة عند خروجها إل البصرة ‪ .‬و أن عمارا تقلته الفئة الباغية ‪،‬‬
‫فقتله أصحاب معاوية ‪.‬‬
‫و قال لعبد ال بن الزبي ‪ :‬ويل للناس منك ‪ ،‬و ويل لك من الناس [ ‪. ] 122‬‬
‫و قال ف قزمان ـ و قد أبلى مع السلمي ‪ :‬إنه من أهل النار فقتل نفسه ‪.‬‬
‫و قال ـ ف جاعة فيهم أبو هريرة ‪ ،‬و سرة بن جندب ‪ ،‬و حذيفة ‪ :‬آخركم موتا ف النار فكان‬
‫بعضهم يسأل عن بعض ‪ ،‬فكان سرة آخرهم موتا ‪ ،‬هرم و خرف ‪ ،‬فاصطلى بالنار فاحترق فيها ‪.‬‬
‫[ و قال ف حنظلة الغسيل ‪ :‬سلوا زوجته عنه ‪ ،‬فإن رأيت اللئكة تغسله فسألوها فقالت ‪ :‬إنه خرج‬
‫جنبا ‪ ،‬و أعجله الال عن الغسل ‪.‬‬
‫قال أبو سعيد رضي ال عنه ‪ :‬و وجدنا رأسه يقطر ماء ] ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬اللفة ف قريش ‪.‬‬
‫و لن يزال هذا المر ف قريش ما أقاموا الدين ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬يكون ف ثقيف كذاب و مبي فرأوها ‪ :‬الجاج ‪ ،‬و الختار ‪.‬‬
‫و أن مسيلمة يعقره ال ‪.‬‬
‫و إن فاطمة أول أهله لوقا به ‪.‬‬
‫و أنذر بالردة ‪ ،‬و بأن اللفة بعده ثلثون سنة ‪ ،‬ث تكون ملكا ‪ ،‬فكانت ذلك بدة السن بن علي ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬إن هذا المر بدا نبوة و رحةً ‪ ،‬ث يكون رحةً و خلفةً ‪ ،‬ث يكون ملكا عضوضا ‪ ،‬ث يكون‬
‫عتوا و جبوتا و فسادا ف المة ‪.‬‬
‫و أخب بشأن أويس القرن ‪ ،‬و بأمراء يؤخرون الصلة عن وقتها ‪ ،‬و سيكون ف أمته ثلثون كاذبا فيهم‬
‫أربع نسوة ‪.‬‬
‫و ف حديث آخر ‪ :‬ثلثون دجالً كذابا ‪ ،‬آخرهم الدجال الكذاب ‪ ،‬كلهم يكذب على ال و رسوله ‪.‬‬

‫و قال ‪ :‬يوشك أن يكثر فيكم العجم ‪ ،‬يأكلون فيئكم ‪ ،‬و يضربون رقابكم ‪.‬‬
‫و ل تقوم الساعة حت يسوق الناس بعصاه رجل من قحطان ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬خيكم قرن ‪ ،‬ث الذين يلونم ‪ ،‬ث الذين يلونم ‪ .‬ث يأت بعد كذلك قوم يشهدون و ل‬
‫يستشهدون ‪ ،‬و يونون و ل يؤتنون ‪ ،‬و ينذرون و ل يوفون ‪ [ ،‬و يظهر فيهم السمن ] ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬ل يأت زمان إل و الذي بعده شر منه ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬هلك أمت على يدي أغيلمة من قريش ‪.‬‬
‫قال أبو هريرة راويه ‪ :‬لو شئت سيتهم لكم ‪ :‬بنو فلن ‪ ،‬و بنو فلن ‪.‬‬
‫و أخب بظهور القدرية و الرافضة ‪.‬‬
‫و سب آخر هذه المة أولا ‪.‬‬
‫و قلة النصار حت يكونوا كاللح ف الطعام ‪ ،‬فلم يزل أمرهم يتبدد حت ل يبق لم جاعة ‪.‬‬
‫و أنم سيقلون بعده أثرةً ‪.‬‬
‫و أخب بشأن الوارج و صفتهم ‪ ،‬و الخدج الذي فيهم ‪ ،‬و أن سيماهم التحليق ‪.‬‬
‫و يرى رعاء الغنم رؤوس الناس ‪ ،‬و العراة الفاة يتبارون ف البنيان ‪.‬‬
‫و أن تلد المة ربتها ‪.‬‬
‫و أن قريشا و الحزاب ل يغزونه أبدا ‪ ،‬و أنه هو يغزوهم ‪.‬‬
‫و أخب بالوتان الذي يكون بعد فتح بيت القدس ‪.‬‬
‫و ما وعد من سكن البصرة ‪ ،‬و أنم يغزون ف البحر كاللوك على السراة ‪. . .‬‬
‫و أن الدين لو كان منوطا بالثريا لناله رجال من أبناء فارس ‪.‬‬
‫و هاجت ريح ف غزاة ‪ ،‬فقال ‪ :‬هاجت لوت منافق ‪ ،‬فلما رجعوا إل ا لدينة وجدوا ذلك ‪.‬‬
‫و قال لقوم من جلسائه ‪ :‬ضرس أحدكم ف النار أعظم من أحد ‪.‬‬
‫قال أبو هريرة ‪ :‬فذهب القوم ـ يعن ماتوا ‪ ،‬و بقيت أنا و رجل ‪ ،‬فقتل مرتدا يوم اليمامة ‪.‬‬
‫و أعلم بالذي غل خرزا من خرز يهود ‪ ،‬فوجدت ف رحله ‪ .‬و بالذي غل الشملة ‪ ،‬و حيث هي ‪.‬‬
‫و ناقته حي ضلت‪ ،‬و كيف تعلقت [ ‪ ] 123‬بالشجرة بطامها ‪.‬‬
‫و بشأن كتاي حاطب إل أهل مكة ‪.‬‬
‫و بقضية عمي مع صفوان حي ساره و شارطه على قتل النب صلى ال عليه و سلم ‪ .‬فلما جاء‬
‫عميللنب صلى ال عليه و سلم قاصدا لقتله ‪ ،‬و أطلعه رسول ال صلى ال عليه و سلم على المر و‬
‫السر أسلم ‪.‬‬
‫و أخب بالال الذي تركه عمه العباس رضي ال عنه عند أم الفضل بعد أن كتمه ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬ما علمه غيي و غيها ‪ ،‬فأسلم ‪.‬‬
‫و أعلم بأنه سيقتل أب بن خلف ‪.‬‬
‫و ف عتبة بن أب لب يأكله كلب ال ‪.‬‬
‫و عن مصارع أهل بدر ‪ ،‬فكان كما قال ‪.‬‬
‫و قال ف السن ‪ :‬إن ابن هذا سيد ‪ ،‬و سيصلح ال به بي فئتي ‪.‬‬
‫و لسعد ‪ :‬لعلك تلف حتىينتفع بك أقوام و يستضر بك آخرون ‪.‬‬
‫و أخب بقتل أهل مؤتة يوم قتلوا و بينهم ميسرة شهر أو أزيد ‪.‬‬
‫و بوت النجاشي يوم مات بأرضه ‪.‬‬
‫وأخب في وز إذا ورد عليه رسولً من كسرى بوت كسرى ذلك اليوم ‪ ،‬فلما حقق فيوز القصة أسلم‬
‫‪.‬‬
‫و أخب أبا ذر رضي ال عنه بتطريده كما كان ‪ ،‬و وجده ف السجد نائما ‪ ،‬فقال له ‪ :‬كيف بك إذا‬
‫أخرجت منه ؟ قال ‪ :‬أسكن السجد الرام أحد قال ‪ :‬فإذا أخرجت منه ‪ ...‬الديث ‪.‬‬
‫و بعيشه وحده ‪ ،‬و موته وحده ‪.‬‬
‫و أخب أن أسرع أزواجه به لوقا أطولن يدا ‪ ،‬فكانت زينب لطول يدها بالصدقة ‪.‬‬
‫و أخب بقتل السي بالطف ‪ ،‬و أخرج بيده تربة ‪ ،‬و قال ‪ :‬فيها مضجعة ‪.‬‬
‫و قال ف زيد بن صوحان ‪ :‬يسبقه عضو منه إل النة فقطعت يده ف الهاد ‪.‬‬
‫و قال ف الذين كانوا معه على حراء ‪ :‬اثبت فإنا عليك نب و صديق و شهيد ‪ ،‬فقتل علي ‪ ،‬و عمر و‬
‫عثمان ‪ ،‬و طلحة ‪ ،‬و الزبي ‪ ،‬و طعن سعد ‪.‬‬
‫و قال لسراقة ‪ :‬كيف بك إذا ألبست سواري كسرى ؟ فلما أت بما عمر ألبسهما إياه ‪ ،‬و قال ‪ :‬المد‬
‫ال الذي سلبهما كسرى و ألبسهما سراقة ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬تبن مدينة بي دجلة و دجيل و قطربل و الصراة ‪،‬تب إليها خزائن الرض ‪ ،‬يسف با يعن‬
‫بغداد ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬سيكون ف هذه المة رجل يقال له ‪ :‬الوليد ‪ ،‬هو شر لذه المة من فرعون لقومه ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬ل تقوم الساعة حت تقتتل فئتان دعواها واحدة ‪.‬‬
‫و قال اعمر ف سهيل بن عمرو ‪ :‬عسى أن يقوم مقاما يسرك ياعمر ! فكان كذلك ‪ ،‬قام بكة مقام أب‬
‫بكر يوم بلغهم موت النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و خطب بنحو خطبته ‪ ،‬و ثبتهم و قوى بصائرهم ‪.‬‬
‫و قال لالد حي و جهه لكيدر ‪ :‬إنك تده يصيد البقر فوجدت هذه المور كلها ف حياته و بعد‬
‫موته كما قال صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫إل ما أخب به جلساءه من أسرارهم و بواطنهم ‪،‬و اطلع عليه من أسرار النافقي و كفرهم ‪ ،‬و قولم فيه‬
‫و ف الؤمني ‪ ،‬حت إن كان بعضهم ليقول لصاحبه ‪ :‬اسكت ‪ ،‬فوال لو ل يكن عنده من يبه لخبته‬
‫حجارة البطحاء ‪.‬‬
‫و إعلمه بصفة السحر الذي سحره به لبيد بن العصم ‪ ،‬و كونه ف مشط و مشاقة ‪ ،‬ف [‪] 124‬‬
‫جف طلع نلة ذكر ‪ ،‬و أنه ألقى ف بئر ذروان ‪ ،‬فكان كما قال ‪ ،‬و وجد على تلك الصفة ‪.‬‬
‫و إعلمه قريشا نأكل الرضة ما ف صحيفتهم الت تظاهروا با على بن هاشم ‪ ،‬و قطعوا با رحهم ‪ ،‬و‬
‫أنا أبقت فيها كل اسم ال ‪ ،‬فوجدوها كما قال ‪.‬‬
‫و وصفه لكفار قريش بيت القدس حي كذبوه ف خب السراء ‪ ،‬و نعته إياه نعت من عرفه ‪.‬‬
‫و أعلمهم بعيهم الت مر عليها ف طريقه ‪ ،‬و أنذرهم بوقت وصولا ‪ ،‬فكان كله كما قال ‪.‬‬
‫إل ما أخب به من الوادث الت تكون و ل يأت بعد ‪ ،‬منها ما ظهرت مقدماتا ‪ ،‬كقوله ‪ :‬عمران بيت‬
‫القدس خراب يثرب ‪ ،‬و خراب يثرب خروج اللحمة ‪ ،‬و خروج اللحمة فتح القسطنطينية ‪.‬‬
‫و من أشراط الساعة و آيات حلولا ‪ ،‬و ذكر النشر و الشر ‪ ،‬و أخبار البرار و الفجار ‪ ،‬و النة و‬
‫النار ‪ ،‬و عرصات القيامة ‪.‬‬
‫و بسب هذا الفصل ان يكون ديوانا مفردا يشتمل على أجزاء و حده ‪ ،‬و فيما أشرنا إليه من نكت‬
‫الحاديث الت ذكرنا كفاية ‪ ،‬و أكثرها ف الصحيح ‪ ،‬و عند الئمة ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف عصمة ال تعال له من الناس‬

‫و قال ال تعال ‪ :‬وال يعصمك من الناس [ سورة الائدة ‪ ، 5 /‬الية ‪. ] 67 :‬‬


‫و قال تعال ‪ :‬واصب لكم ربك فإنك بأعيننا [ سورة الطور ‪ ، 52 /‬الية ‪. ] 48 :‬‬
‫و قال ‪ :‬أليس ال بكاف عبده [ سورة الزمر ‪ ، 39/‬الية ‪. ] 36 :‬‬
‫و قيل ‪ :‬بكاف ممدا صلى ال عليه و سلم أعداءه الشركي ‪ .‬و قيل غي هذا ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬إنا كفيناك الستهزئي [ سورة الجر ‪ ، 15 /‬الية ‪. ] 95 :‬‬
‫و قال ‪ :‬وإذ يكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يرجوك ويكرون ويكر ال وال خي الاكرين‬
‫[ سورة النفال ‪ ، 8 /‬الية ‪. ] 30 :‬‬
‫أخبنا القاضي الشهيد أبو علي الصدف بقرائت عليه ‪ ،‬و الفقيه الافظ أبو بكر ممد عبد ال العافري ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬حدثنا أبو السن الصيف ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا أبو يعلى البغدادي ‪ ،‬حدثنا أبو علي السنجي ‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫العباس الروزي ‪ ،‬حدثنا أبو عيسى الافظ ‪ ،‬حدثنا عبد بن حيد ‪ ،‬حدثنا مسلم بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا‬
‫الارث بن عبيد ‪ ،‬عن سعيد الريري ‪ ،‬عن عبد ال بن شفيق ‪ ،‬عن عائشة رضي ال عنها ‪ ،‬قالت ‪:‬‬
‫كان النب صلى ال عليه و سلم يرس حت نزلت هذه الية ‪ :‬وال يعصمك من الناس ـ فأخرج رسول‬
‫ال صلى ال عليه و سلم رأسه من القبة ‪ ،‬فقال لم ‪ :‬يأيها الناس ‪ ،‬انصرفوا ‪ ،‬فقد عصمن رب عز وجل‬
‫‪.‬‬
‫و روى أن النب صلى ال عليه و سلم كان إذا نزل منلً اختار له أصحابه شجرة يقيل تتها ‪ ،‬فأتاه‬
‫أعراب فاخترط سيفه ث قال ‪ :‬من ينعك من ؟ فقال ‪ :‬ال عز و جل فرعدت يد العراب ‪ ،‬و سقط‬
‫سيفه ‪ ،‬و ضرب برأسه الشجرة حت سال دماغه ‪ ،‬فنلت الية ‪.‬‬
‫و قد رويت هذه القصة ف الصحيح ‪ ،‬و أن غورث بن الارث صاحب هذه القصة ‪ ،‬و أن النب صلى‬
‫ال عليه و سلم عفا عنه ‪ ،‬فرجع إل قومه ‪ ،‬و قال ‪ :‬جئتكم من عند خي الناس ‪.‬‬
‫و قد حكيت مثل هذه الكاية ‪ ،‬و أنا جرت له يوم بدر ‪ ،‬و قد انفرد من أصحابه لقضاء حاجته ‪،‬‬
‫فتبعه رجل من النافقي ‪ ...‬و ذكر مثله ‪.‬‬
‫و قد روي أنه وقع له مثلها ف غزوة غطفان بذي أمر ‪ ،‬مع رجل اسه دعثور بن الارث ‪ ،‬و أن [‬
‫‪ ] 125‬الرجل أسلم ‪ ،‬فلما رجع إل قومه الذين أغروه ـ و كان سيدهم و أشجعهم ـ قالوا له ‪ :‬أين‬
‫ما كنت تقول ‪ ،‬و قد أمكنك ؟ فقال ‪ :‬إن نظرت إل رجل أبيض طويل دفع ف صدري ‪ ،‬فوقعت‬
‫لظهري ‪ ،‬و سقط السيف ‪ ،‬فعرفت أنه ملك ‪ ،‬و أسلمت ‪.‬‬
‫و فيه نز لت ‪ :‬يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة ال عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف‬
‫أيديهم عنكم واتقوا ال وعلى ال فليتوكل الؤمنون [ سورة الائدة ‪ ، 5 /‬الية ‪. ] 11 :‬‬
‫و ف رواية الطاب أن غورث بن الارث الحارب أراد أن يفتك بالنب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فلم يشعر‬
‫به إل و هو قائم على رأسه منتضيا سيفه ‪ ،‬فقال ‪ :‬اللهم اكفنيه با شئت ‪ ،‬فانكب من وجهه من زلة‬
‫زلها بي كتفيه ‪ ،‬و نذر سيفه من يده ‪.‬‬
‫الزلة ‪ :‬وجع الظهر ‪.‬‬
‫و قيل ف قصته غي هذا ‪ ،‬و ذكر فيه نزلت ‪ :‬يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة ال عليكم إذ هم قوم أن‬
‫يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا ال وعلى ال فليتوكل الؤمنون [ سورة الائدة ‪، 5 /‬‬
‫الية ‪. ] 11 :‬‬
‫و قيل ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه و سلم ياف قريشا ‪ ،‬فلما نزلت هذه الية استلقى ‪ ،‬ث قال ‪:‬‬
‫من شاء فليخذلن ‪.‬‬
‫و ذكر عبد بن حيد ‪ ،‬قال ‪ :‬كانت حالة الطب تضع العضاه ـ و هي جر ـ على طريق رسول ال‬
‫صلى ال عليه و سلم فكأنا يطؤها كثيبا أهيل ‪.‬‬
‫و ذكر ابن اسحاق عنها أنا لا بلغها نزول ‪ :‬تبت يدا أب لب وتب ‪ ،‬و ذكرها با ذكرها الل ه مع‬
‫زوجها من الذم ـ أنت رسول ال صلى ال عليه و سلم و هو جالس ف السجد و معه أبو بكر ‪ ،‬و ف‬
‫يدها فهر من الجارة ‪.‬‬
‫فلما وقفت عليهما ل تر إل أبا بكر ‪ ،‬و أخذ ال تعال ببصرها عن نبيه صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فقالت ‪:‬‬
‫يا أبا بكر ‪ ،‬أين صاحبك ؟ فقد بلغن أنه يهجون ‪ ،‬و ال لو وجدته لضربت بذا الفهر فاه ‪.‬‬
‫و عن الكم بن أب العاصي ‪ :‬تواعدنا على النب صلى ال عليه و سلم حت إذا رأيناه سعنا صوتا خلفنا‬
‫ما ظننا أنه بقي بتهامة أحد ‪ ،‬فوقعنا مغشيا علينا ‪ ،‬فما أفقنا حت قضى صلته و رجع إل أهله ‪.‬‬
‫ث تواعدنا ليلة أخرى ‪ ،‬فجئنا حت إذا رأيناه جاءت الصفا و الروة ‪ ،‬فحالت بيننا و بينه ‪.‬‬
‫و عن عمر رضي ال عنه ‪ :‬تواعدت أنا و أبو جهم بن حذيفة ليلة قتل رسول ال صلى ال عليه و‬
‫سلم ‪ ،‬فجئنا منله ‪ ،‬فسمعنا له ‪ ،‬فافتح و قرأ ‪ :‬الاقة * ما الاقة إل ‪ :‬فهل ترى لم من باقية [ سورة‬
‫الافة ‪ ، 69 /‬اليات ‪. ] 8 ، 1 :‬‬
‫فضرب أبو جهم على عضد عمر ‪ ،‬و قال ‪ :‬انج ‪ ،‬و فرا هاربي ‪ ،‬فكانت من مقدمات إسلم عمر‬
‫رضي ال عنه ‪.‬‬
‫و منه العبة الشهورة ‪ ،‬و الكفاية التامة عندما أخافته قريش ‪ ،‬و أجعت على قتله و بيتوه ‪ ،‬فخرج‬
‫عليهم من بيته ‪ ،‬فقام على رؤوسهم ‪ ،‬و قد ضرب ال تعال على أبصارهم ‪ ،‬و ذر التراب على‬
‫رؤوسهم ‪ ،‬و خلص منهم ‪.‬‬
‫و حايته عن رؤيتهم ف الغار با هيأ ال له من اليات ‪ ،‬و من العنكبوت الذي نسج عليه ‪ ،‬حت قال‬
‫أمية بن خلف ـ حي قالوا ‪ :‬تدخل الغار ‪ :‬ما أربكم فيه ‪ ،‬و عليه من نسج العنكبوت ما أرى أنه قبل‬
‫أن يولد ممد ‪.‬‬
‫و وقعت حامتان على فم الغار ‪ ،‬فقالت قريش ‪ :‬لو كان فيه أحد لا كانت هناك المام ‪.‬‬
‫و قصته مع سراقة بن مالك بن جعشم حي الجرة ‪ ،‬و قد [ ‪ ] 126‬جعلت قريش فيه و ف أب بكر‬
‫العائل ‪ ،‬فأنذر به ‪ ،‬فركب فرسه و اتبعه حت إذا قرب مه دعا عليه النب صلى ال عليه و سلم ‪،‬‬
‫فساخت قوائم فرسه ‪ ،‬فخر عنها ‪ ،‬و استقسم ‪ ،‬بالزلم ‪ ،‬فخرج له ما يكره ‪.‬‬
‫ث ركب و دنا حت سع قراءة النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و هو ل يلفت ‪ ،‬و أبو بكر رضي ال عنه‬
‫يلتفت فقال للنب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬أتينا ‪ .‬فقال ‪ :‬ل تزن إن ال معنا فساخت ثانية إل ركبتها ‪،‬‬
‫و خر عنها ‪ ،‬فزجرها فنهضت و لقوئمها مثل الدخان ‪ ،‬فناداهم بالمان ‪ ،‬فكتب له النب صلى ال عليه‬
‫و سلم أمانا ‪ ،‬كتبه ابن فهية ‪ ،‬و قيل أبو بكر ‪ ،‬و أ خبهم بالخبار ‪ ،‬و أمره النب صلى ال عليه و‬
‫سلم أل يترك أحدا يلحق بم ‪.‬‬
‫فانصرف يقول للناس ‪ :‬كفيتم ما ها هنا ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬بل قال لما ‪ :‬أراكما دعوتا علي ‪ ،‬فادعوا ل ‪.‬‬
‫فنجا ‪ ،‬و وقع ف نفسه ظهور النب صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و ف خب آخر ‪ :‬أن راعيا عرف خبها ‪ ،‬فخرج يشتد ‪ ،‬يعلم قريشا ‪ ،‬فلما ورد مكة ضرب على قلبه ‪،‬‬
‫فما يدري ما يصنع ‪ ،‬و أنسي ما خرج له حت رجع إل موضعه ‪.‬‬
‫و جاءه ـ فيما ذكر ابن إسحاق و غيه ـ أبو جهل ‪ ،‬بصخرة و هو ساجد ‪ ،‬و قريش ينظرون ‪،‬‬
‫ليطرحها عليه ‪ ،‬فلزقت بيده ‪ ،‬و بست يداه إل عنقه ‪ ،‬و أقبل يرجع القهقرى إل خلفه ‪ ،‬ث سأله أن‬
‫يدعو له ‪ ،‬ففعل ‪ ،‬فانطلقت يداه ‪ ،‬و كان قد تواعد مع قريش بذلك ‪ ،‬و حلف لئن رآه ليدمغنه ‪،‬‬
‫فسألوه عن شأنه ‪ ،‬فذكر أنه عرض ل دونه فحل ‪ ،‬ما رأيت مثله قط ‪ ،‬هم ب أن يأكلن ‪.‬‬
‫فقال النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬ذاك جبيل ‪ ،‬لو دنا لخذه ‪.‬‬
‫و ذكر السمرقندي أن رجلً من بن الغية أتى النب صلى ال عليه و سلم ليقتله ‪ ،‬فطمس ال على بصره‬
‫‪ ،‬فلم ير النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و سع قوله ‪ ،‬فرجع إل أصحابه فلم يرهم حت نادوه ‪.‬‬
‫و ذكر أن هاتي القصت ين ‪ ،‬نزلت ‪ :‬إنا جعلنا ف أعناقهم أغلل فهي إل الذقان فهم مقمحون *‬
‫وجعلنا من بي أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم ل يبصرون [ سورة يس‪ ، 36 /‬الية ‪8 :‬‬
‫‪]9،‬‬
‫و من ذلك ما ذكره ابن أسحاق ‪ ،‬و غيه ف قصته ‪ ،‬إذ خرج إل بن قريظة ‪ ،‬ف أصحابه ‪ ،‬فجلس إل‬
‫جدار بعض آطامهم ‪ ،‬فانبعث عمرو بن جحاش أحدهم ليطرح عليه رحى ‪ ،‬فقام النب صلى ال عليه و‬
‫سلم فانصرف إل الدينة و أعلمهم بقصتهم ‪.‬‬
‫و قد قيل ‪ :‬أن قوله تعال ‪ :‬يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة ال عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم‬
‫أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا ال وعلى ال فليتوكل الؤمنون ف هذه القصة نزلت ‪.‬‬
‫و حكى السمرقندي أنه خرج إل بن النضي يستعي ف عقل الكلبيي اللذين قتلهما عمرو بن أمية ‪،‬‬
‫فقال له حيي بن أخطب ‪ :‬اجلس يا أبا القاسم حت نطعمك ونعطيك ما سألتنا ‪.‬‬
‫فجلس النب صلى ال عليه و سلم مع أب بكر و عمر رضي ال عنهما ‪ ،‬و توامر حيي معهم على قتله ‪،‬‬
‫فأعلم جبيل عليه السلم النب صلى ال عليه و سلم بذلك ‪ ،‬فقام كأنه يريد حاجته حت دخل الدينة ‪.‬‬
‫و ذكر أهل التفسي و الديث ‪ ،‬عن أب هريرة رضي ال عنه ـ أن أبا جهل وعد قريشا لئن رأى ممدا‬
‫يصلي ليطأن رقبته ‪.‬‬
‫فلما صلى النب صلى ال عليه و سلم أعلموه ‪ ،‬فأقبل ‪ ،‬فلما قرب منه ول هاربا ناكصا على [ ‪] 127‬‬
‫عقبيه ‪ ،‬متقيا بيديه ‪ ،‬فسئل فقال ‪ :‬لا دنوت منه أشرقت على خندق ملوء نارا كدت أهوي فيه ‪ ،‬و‬
‫أبصرت هولً عظيما ‪ ،‬و خفق أجنحة قد ملت الرض ‪.‬‬
‫فقال النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬تلك اللئكة ‪ ،‬لو دنا ل ختطفته عضوا عضوا ‪.‬‬
‫ث أنزل على النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬كل إن النسان ليطغى * أن رآه استغن * إن إل ربك‬
‫الرجعى * أرأيت الذي ينهى * عبدا إذا صلى * أرأيت إن كان على الدى * أو أمر بالتقوى * أرأيت‬
‫إن كذب وتول * أل يعلم بأن ال يرى * كل لئن ل ينته لنسفعا بالناصية * ناصية كاذبة خاطئة *‬
‫فليدع ناديه * سندع الزبانية * كل ل تطعه واسجد واقترب [ سورة العلق‪ ، 96 /‬الية ‪، 6 :‬‬
‫‪]9‬‬
‫و روي أن شيبة بن عثمان الجب أدركه يوم حني ‪ ،‬و كان حزة قد تقل أباه و عمه ‪ ،‬فقال ‪ :‬اليوم‬
‫أدرك ثأري من ممد ‪.‬‬
‫فلما اختلط الناس أتاه من خلفه ‪ ،‬و رفع سيفه ليصبه عليه ‪ ،‬قال ‪ :‬فلما دنوت منه ارتفع إل شواظ من‬
‫نار أسرع من البق ‪ ،‬فوليت هاربا ‪ ،‬و أحس ب النب صلى ال عليه و سلم فدعان ‪ ،‬فوضع يده على‬
‫صدري ‪ ،‬و هو أبغض اللق إل ‪ ،‬فما رفعها إل و هو أحب اللق إل ‪ [ ،‬و قال ل ‪ :‬ادن فقاتل‬
‫فتقدمت أمامه أضرب بسيفي و أقيه بنفسي ‪ ،‬و لو لقيت أب تلك الساعة لوقعت به دونه ] ‪.‬‬
‫و عن فضالة بن عمرو ‪ :‬أردت قتل النب صلى ال عليه و سلم عام الفتح ‪ ،‬و هو يطوف بالبيت ‪ ،‬فلما‬
‫دنوت منه قال ‪ :‬أفضالة ؟ قلت ‪ :‬نعم ‪ .‬قال ‪ :‬ما كنت تدث به نفسك ؟ قلت ‪ :‬ل شيء ‪ .‬فضحك و‬
‫استغفر ل ‪ ،‬و وضع يده على صدري ‪ ،‬فسكن قلب ‪ ،‬فو ال ما رفعها حت ما خلق ال شيئا أحب إل‬
‫منه ‪.‬‬
‫ومن مشهور ذلك خب عامر بن الطفيل ‪ ،‬و أربد بن قيس ـ حي و فدا على النب صلى ال عليه و سلم‬
‫‪ ،‬و كان عامر قال له ‪ :‬أنا أشغل عنك وجه ممد فاضربه أنت ‪ .‬فلم يره فعل شئيا ‪ ،‬فلما كلمه ف ذلك‬
‫قال له ‪ :‬و ال ما همت أن أضربه إل وجدتك بين و بينه ‪ ،‬أفأضربك ‪.‬‬
‫و من عصمته له تعال أن كثيا من اليهود و الكهنة أنذروا به و عينوه لقريش ‪ ،‬و أخبهم بسطوته‬
‫بم ‪ ،‬و حضوهم عل قتله ‪ ،‬فعصمه ال تعال حت بلغ فيه أمره ‪.‬‬
‫و من ذلك نصره بالرعب أمامه مسية شهر ‪ ،‬كما قال صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬

‫فصل‬
‫من معجزاته الباهرة‬

‫و من معجزاته الباهرة ما جعه ال له من العارف و العلوم ‪ ،‬و خصه به من الطلع على جيع مصال‬
‫الدنيا و الدين ‪ ،‬و معرفته بأمور شرائعه ‪ ،‬و قواني دينه ‪ ،‬و سياسة عباده ‪ ،‬و مصال أمته ‪ ،‬و ما كان ف‬
‫المم قبله ‪ ،‬و قصص النبياء و الرسل و البابرة و القرون الاضية من لدن آدم إل زمنه ‪ ،‬و حفظ‬
‫شرائعهم و كتبهم ‪ ،‬و وعي سيهم ‪ ،‬و سرد أنبائهم ‪ ،‬و أيام ال فيهم ‪ ،‬و صفات أعيانم و اختلف‬
‫آرائهم ‪ ،‬و العرفة بددهم و أعمارهم ‪ ،‬و حكم حكمائهم ‪ ،‬و ماجة كل أمة من الكفرة ‪ ،‬و معارضة‬
‫كل فرقة من الكتابيي با ف كتبهم ‪ ،‬و إعلمهم بأسرارها و مبآت علومها ‪ ،‬و إخبارهم با كتموا من‬
‫ذلك و غيوه ‪.‬‬
‫إل الحتواء على لغات العرب ‪ ،‬و غريب ألفاظ فرقها ‪ ،‬و الحاطة بضروب فصاحاتا ‪ ،‬و الفظ‬
‫ليامها و أمثالا ‪ ،‬و حكمها و معان أشعارها ‪ ،‬و التخصيص بوامع كلمها ‪.‬‬
‫إل العرفة بضرب المثال الصحيحة ‪ ،‬و الكم البينة لتقريب التفهيم للغامض ‪ ،‬و التبيي للمشكل ‪ ،‬إل‬
‫تهيد قواعد الشرع الذي ل تناقض فيه و ل تاذل ‪ ،‬مع اشتمال شريعته على ماسن الخلق و مامد‬
‫الداب [‪ ]128‬و كل شيء مستحسن مفضل ‪ ،‬ل ينكر منه مل حد ذو عقل سليم شيئا إل من جهت‬
‫الذلن ‪.‬‬
‫بل كل جاحد له و كافر من الاهلية به إذا سع ما يدعو إليه صوبه ‪ ،‬و استحسنه دون طلب إقامة‬
‫برهان عليه ‪.‬‬
‫ث ما أحل لم من الطيبات ‪ ،‬و حرم عليهم من البائث ‪،‬و صان به أنفسهم و أعراضهم و أموالم من‬
‫ل ‪ ،‬و التخويف بالنار آجلً[ما ل يعلم علمه و ل يقوم به ‪،‬إل من مارس الدرس‬ ‫العاقبات و الدودعاج ً‬
‫و العكوف على الكتب ‪ ،‬و مثافنة بعض هذا ] ‪.‬‬
‫إل الحتواء على ضروب العلوم ‪ ،‬و فنون العارف ‪ ،‬كالطب ‪ ،‬و العبارة ‪ ،‬و الفرائض ‪ ،‬و الساب ‪ ،‬و‬
‫النسب ‪ ،‬و غي ذلك من العلوم ما اتذ أهل هذه العارف كلمه صلى ال عليه و سلم فيها قدوة و‬
‫أصولً ف علمهم ‪ ،‬كقوله صلى ال عليه و سلم ‪ :‬الرؤيا لول عابر ‪ .‬وهي على رجل طائر‬
‫‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬الرؤيا ثلث ‪ ،‬رؤيا حق ‪ ،‬و رؤيا يدث با الرجل نفسه ‪ ،‬و رؤيا تزين من الشيطان ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬إذا تقارب الزمان ل تكد رؤيا الؤمن تكذب ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬أصل كل داء البدة ‪.‬‬
‫و ما روي عنه ف حديث أب هريرة رضي ال عنه من قوله ‪ :‬العدة حوض البدن ‪ ،‬و العروق إليها واردة‬
‫و إن كان هذا حديثا ل نصححه و كونه موضوعا تكلم عليه ال دار قطن ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬خي ما تداويتم به السعوط و اللدود ‪ ،‬و الجامة ‪ ،‬و الشي ‪.‬‬
‫و خي الجامة يوم سبع عشرة ‪ ،‬و تسع عشرة ‪ ،‬و إحدى و عشرين ‪.‬‬
‫و ف العود الندي سبعة أشفية ‪ ،‬منها ذات النب ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬ما مل ابن آدم وعاء شرا من بطن ‪ ،‬فإن كان ل بد فثلث للطعام ‪ ،‬و ثلث للشراب ‪ ،‬و ثلث‬
‫للنفس ‪.‬‬
‫و قوله ـ و قد سئل عن سبأ ‪ :‬أرجل هو أم امرأة ‪ ،‬أم أرض ؟ فقال ‪ :‬رجل ولد عشرة ‪ :‬تيامن منهم‬
‫ستة ‪ ،‬و تشاءم أربعة ‪ ...‬الديث بطوله ‪.‬‬
‫و كذلك جوابه ف نسب قضاعة ‪ ،‬و غي ذلك ما اضطرت العرب على شغلها بالنسب إل سؤاله عما‬
‫اختلفوا فيه من ذلك ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬حي رأس العرب و نابا ‪ :‬و مذحج هامتها و غلصمتها ‪ .‬و الزذ كاهلها و ججمتها ‪ ،‬و‬
‫هدان غاربا و ذروتا ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق ال السموات و الرض ‪.‬‬
‫و قوله ف الوض ‪ :‬زواياه سواء ‪.‬‬
‫و قوله ـ ف حديث الذكر ‪ :‬و إن السنة بعشر أمثالا ‪ ،‬فتلك مائة وخسون على اللسان ‪ ،‬و ألف و‬
‫خسمائة ف اليزان ‪.‬‬
‫و قوله و هو بوضع ‪ :‬نعم موضع المام هذا ‪.‬‬
‫و قوله ما بي الشرق و الغرب قبلة ‪.‬‬
‫و قوله لعيينة ‪ ،‬أو القرع ‪ :‬أنا أفرس باليل منك ‪.‬‬
‫و قوله لكتابه ‪ :‬ضع القلم على أذنك ‪ ،‬فإنه أذكر للممل ‪.‬‬
‫هذا مع أنه صلى ال عليه و سلم كان ل يكتب ‪ ،‬و لكنه أوت علم كل شيء ‪ ،‬حت قد وردت آثار‬
‫بعرفته حروف الط و حسن تصويرها ‪:‬‬
‫كقوله ‪ : :‬ل تدوا بسم ال الرحن الرحيم رواه ابن شعبان من طريق ابن عباس ‪.‬‬
‫و قوله ف الديث الخر الذي يروى عن معاوية أنه كان يكتب بي يديه صلى ال عليه و سلم فقال له‬
‫‪ :‬ألق الدواة ‪ ،‬و حرف القلم ‪ ،‬و أقم الباء ‪ ،‬و فرق السي ‪ ،‬و ل تعور اليم ‪ ،‬و حسن ال ‪ ،‬و مد‬
‫الرحن ‪ ،‬وجود الرحيم ‪.‬‬
‫و هذا ‪ ،‬و إن ل تصح الرواية أنه صلى ال عليه و سلم كتب فل يبعد [ ‪ ] 129‬أن يرزق علم هذا و‬
‫ينع القراءة و الكتابة ‪.‬‬
‫و أما علمه صلى ال عليه و سلم بلغات العرب ‪ ،‬و حفظه معان أشعارها ‪ ،‬فأمر مشهور ‪ ،‬قد نبهنا على‬
‫بعضه أول الكتاب ‪.‬‬
‫و كذلك حفظه لكثي من لغات المم ‪ ،‬كقوله ف الديث ‪ :‬سنة ‪ ،‬سنة و هي حسنة بالبشية ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬و يكثر الرج و هو القتل با ‪.‬‬
‫و قوله ـ ف حديث أب هريرة ‪ :‬أشكنب درد أي وجع البطن بالفارسية ‪.‬‬
‫إل غي ذلك مال يع ل بعض هذا و ل يقوم به و ل ببعضه إل من مارس الدرس و الكوف على الكتب‬
‫و مثافنة أهلها عمره ‪.‬‬
‫و هو رجل كما قال ال تعال ـ أمي ‪ ،‬ل يكتب و ل يقرأ ‪ ،‬و ل عرف بصحبه من هذه صفته ‪ ،‬و ل‬
‫نشأ بي قوم لم علم و ل قراءة لشيء من هذه المور ‪ ،‬و ل عرف هو ـ قبل بشيء منها ‪ ،‬قال ال‬
‫تعال ‪ :‬و ما كنت تتلو من قبله من كتاب و ل تطه بيمينك إذا لرتاب البطلون [ سورة العنكبوت ‪ ، 29 /‬الية‬
‫‪. ] 48 :‬‬
‫إنا كانت غاية معارف العرب النسب و أخبار أوائلها ‪ ،‬و الشعر ‪ ،‬و البيان ‪ ،‬و إنا حصل ذلك لم بعد‬
‫التفرغ لعلم ذلك ‪ ،‬و الشتغال بطلبه ‪ ،‬و مباحثة أهله عنه ‪.‬‬
‫وهذا الفن نقطة من بر علمه صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و ل سبيل إل جحد اللحد لشيء ما ذكرناه ‪ ،‬و ل وجد الكفرة حيلة ف دفع ما نصصناه إل قولم ‪:‬‬
‫أساطي الولي ‪ :‬إنا يعلمه بشر ‪.‬‬
‫فرد ال قولم بقوله ‪ :‬لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عرب مبي [ سورة النحل ‪ ، 16/‬الية ‪]103 :‬‬
‫‪.‬‬
‫ث ما قالوه مكابرة العيان ‪ ،‬فإن الذي نسبوا تعليمه إليه إما سلمان ‪ ،‬أو العبد الرومي ‪ ،‬و سلمان إنا‬
‫عرفه بعد الجرة ‪ ،‬و نزول الكثي من القرآن ‪ ،‬و ظهور ما ل ينع د من اليات ‪.‬‬
‫و أما الرومي فكان أسلم و كان يقرأ على النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و اختلف ف اسه ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬بل كان النب صلى ال عليه و سلم يلس عنده عند الروة ‪ ،‬و كلها أعجمي اللسان ‪ ،‬و هو‬
‫الفصحاء اللد ‪ ،‬و الطباء السن ‪ ،‬قد عجزوا عن معارضة ما أتى به ‪ ،‬و التيان بثله ‪ ،‬بل عن فهم رصفه‬
‫‪ ،‬و صورة تأليفه و نظمه ‪ ،‬فكيف بأعجمي ألكن !‍ ‪.‬‬
‫نعم ‪ ،‬و قد كان سلمان ‪ ،‬أو بلعام الرومي ‪ ،‬أو يعيش ‪ ،‬أو جب ‪ ،‬أو يسار ـ على اختلفهم ف اسه ـ‬
‫بي أظهرهم يكلمونه مدى أعمارهم ‪ ،‬فهل حكي عن واحد منهم شيء من مثل ما كان ييء به ممد‬
‫صلى ال عليه و سلم ؟ و هل عرف واحد منهم بعرفة شيء من ذلك ؟ و ما منع العدو حينئذ على‬
‫كثرة عدده ‪ ،‬و دؤوب طلبه ‪ ،‬و قوة حسده ‪-‬أن يلس إل هذا فيأخذ عليه أيضا ما يعارض به و يتعلم‬
‫منه ما يتج به على شغبه ‪ ،‬كفعل النضر بن الارث با كان يخرق به من أخبار كتبه ‪.‬‬
‫و ل غاب للنب صلى ال عليه و سلم عن قومه ‪ ،‬و ل كثرت اختلفاته إل بلد أهل الكتاب ‪ ،‬فيقال ‪:‬‬
‫إنه استمد منهم ‪ ،‬بل ل يزل بي أظهرهم يرعى ف صغره و شبابه ‪ ،‬على عادة أبنائهم ‪ ،‬ث ل يرج عن‬
‫بلدهم إل سفرة أو سفرتي ‪ ،‬ل يطل فيهما مكثه مدة يتمل فيها تعليم القليل ‪ ،‬فكيف الكثي !‍ ‪.‬‬
‫بل كان ف سفره ف صحبة قومه و رفاقة عشيته ‪ ،‬ل يغب عنهم ‪ ،‬و ل خالف حاله [ ‪ ] 130‬مدة‬
‫مقامه بكة من تعليم و اختلف إل حب أو قس ‪ ،‬أو منجم أو كاهن ‪.‬‬
‫بل لو كان هذا بعد كله لكان ميء ما أتى به من معجز القرآن قاطعا لكل عذر ‪ ،‬و مدحضا لكل‬
‫حجة ‪ ،‬و مليا لكل أمر ‪.‬‬
‫فصل‬
‫من خصائصه و كراماته و باهر آياته أنباؤه مع اللئكة و الن‬

‫و من خصائصه صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و كراماته ‪ ،‬و باهر آياته أنباؤه مع اللئكة و الن ‪ ،‬و إمداد ال‬
‫له باللئكة ‪ ،‬و طاعة الن له ‪ ،‬و رؤية كثي من أصحابم لم ‪ ،‬قال ال تعال ‪ :‬وإن تظاهرا عليه فإن ال‬
‫هو موله وجبيل وصال الؤمني واللئكة بعد ذلك ظهي [ سورة التحري ‪ ، 66 /‬الية ‪. ] 4 :‬‬
‫و قال ‪ :‬إذ يوحي ربك إل اللئكة أن معكم فثبتوا الذين آمنوا [ سورة النفال ‪ ، 8 /‬الية ‪. ] 12 :‬‬
‫و قال ‪ :‬إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أن مدكم بألف من اللئكة مردفي * وما جعله ال إل‬
‫بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إل من عند ال إن ال عزيز حكيم [ سورة النفال ‪ ، 8 /‬الية ‪:‬‬
‫‪. ] 10 ، 9‬‬
‫و قال ‪ :‬وإذ صرفنا إليك نفرا من الن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إل‬
‫قومهم منذرين [ سورة الحقاف ‪ ، 46 /‬الية ‪. ] 29 :‬‬
‫حدثنا سفيان بن العاص الفقيه بسماعي عليه ‪ ،‬حدثنا أبو الليث السمرقندي ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا عبد الغافر‬
‫الفارسي ‪ ،‬حدثنا أبو أحد اللودي ‪ ،‬حدثنا ابن سفيان ‪ ،‬حدثنا مسلم ‪ ،‬حدثنا عبيد ال بن معاذ ‪،‬‬
‫حدثنا أب ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن سليمان الشيبان ‪ ،‬سع زر بن حبيش ‪ ،‬عن عبد ال ‪ ،‬قال ‪ :‬لقد رأى من‬
‫آيات ربه الكبى ـ قال ‪ :‬رأى جبيل عليه السلم ف صورته ‪ ،‬له ستمائة جناح ‪.‬‬
‫و الب ف مادثته مع جبيل و إسرافيل و غيهم من اللئكة ‪ ،‬و ما شاهده من كثرتم و عظم صور‬
‫بعضهم ليلة السراء مشهور ‪.‬‬
‫و قد رآهم بضرته جاعة من أصحابه ف مواطن متلفة ‪ [ ،‬فرأى أصحابه جبيل عليه السلم ف صورة‬
‫رجل يسأله عن السلم و اليان ] ‪.‬‬
‫و رأى ابن عباس ‪ ،‬و أسامة بن زيد ‪ ،‬و غيها عنده جبيل ف صورة دحية ‪.‬‬
‫و رأى سعد عن يينه يساره جبيل و ميكائيل ف صورة رجلي عليهما ثياب بيض ‪.‬‬
‫و مثله غي واحد ‪.‬‬
‫و سع بعضهم زجر اللئكة خليها يوم بدر ‪.‬‬
‫و بعضهم رأى تطاير الرؤوس من الكفار ‪ ،‬و ل يرون الضارب ‪.‬‬
‫و رأى أبو سفيان بن الارث يومئذ رجالً بيضاعلى خيل بلق بي السماء و الرض ‪ ،‬ما يقوم لا شيء‬
‫‪.‬‬
‫و قد كانت اللئكة تصافح عمران بن الصي ‪.‬‬
‫و أرى النب صلى ال عليه و سلم لمزة جبيل ف الكعبة ‪ ،‬فخر مغشيا عليه ‪.‬‬
‫و رأى عبد ال بن مسعود الن ليلة الن ‪ ،‬و سع كل امهم ‪ ،‬و شبههم برجال الزط ‪.‬‬
‫و ذكر ابن سعد أن مصعب بن عمي لا قتل يوم أحد أخذ الراية ملك على صورته ‪ ،‬فكان النب صلى‬
‫ال عليه و سلم يقول له ‪ :‬تقدم يا مصعب فقال له اللك ‪ :‬لست بصعب ‪ ،‬فعلم أنه ملك ‪.‬‬
‫وقد ذكر غي واحد من الصنفي عن عمر بن الطاب رضي ال عنه ـ أنه قال ‪ :‬بينا نن جلوس مع‬
‫النب صلى ال عليه و سلم إذ أقبل شيخ بيده عصا ‪ ،‬فسلم على النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فرد عليه ‪،‬‬
‫وقال ـ صلى ال عليه و سلم ‪ :‬نغمة الن! من أنت ؟ قال أنا هامة بن اليم بن لقس بن إبليس ‪،‬‬
‫فذكر أنه لقي نوحا ومن بعده ‪ ...‬ف حديث طويل ‪ ،‬وأن النب صلى ال عليه و سلم علمه سورا من‬
‫القرآن ‪.‬‬
‫وذكر الواقدي قتل خالد عند هدمه العزى للسوداء الت خرجت له ناشرة شعرها عريانة ‪ ،‬فجزلا‬
‫بسيفه ‪ ،‬وأعلم النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فقال له ‪ :‬تلك العزى ‪.‬‬
‫وقال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬إن شيطانا تفلت البارحة ليقطع علي صلت ‪ ،‬فأمكنن ال منه ‪ ،‬فأخذته‬
‫فأردت أن أربطه إل سارية من سواري السجد حت تنظروا إليه كلكم ‪ ،‬فذكرت دعوة أخي سليمان ‪:‬‬
‫رب اغفر ل وهب ل ملكا ل ينبغي لحد من بعدي إنك أنت الوهاب ‪ .‬ف رده ال خاسئا ‪.‬‬
‫وهذا باب واسع‪.‬‬

‫فصل‬
‫من دلئل نبوته وعلمات رسالته‬
‫ومن دلئل نبوته وعلمات رسالته ما ترادفت به الخبار عن الرهبان والحبار وعلماء أهل الكتاب ‪،‬‬
‫من صفته وصفة أمته ‪ ،‬واسه وعلماته ‪ ،‬وذكر الات الذي بي كتفيه ‪ ،‬وما وجد من ذلك ف أشعار‬
‫الوحدين التقدمي ‪ ،‬من شعر تبع ‪ ،‬و الوس بن الارثة ‪ ،‬وكعب ابن لؤي ‪ ،‬وسفيان بن ماشع ‪ ،‬وقس‬
‫بن ساعدة ‪.‬‬
‫وما ذكر عن سيف بن ذي يزن وغيهم ‪ ،‬وعرف به من أمره زيد بن عمرو بن نفيل ‪ ،‬و ورقة بن‬
‫نوفل ‪ ،‬وعثكلن الميي ‪ ،‬وعلماء يهود ‪ ،‬وشامول عالهم صاحب تبع ـ من صفته وخبه ‪.‬‬
‫وما ألفي من ذلك ف التوراة والنيل ما قد جعه العلماء وبينوه ‪ ،‬ونقله عنهما ثقاه من أسلم منهم ‪،‬‬
‫مثل ابن سلم ‪ ،‬وابن سعية ‪ ،‬وابن يامي ‪ ،‬ومييق ‪ ،‬وكعب ‪ ،‬وأشباههم من أسلم من علماء يهود ‪،‬‬
‫وبيا ‪ ،‬ونصطور البشة ‪ ،‬وصاحب بصرى ‪ ،‬وضغاطر ‪ ،‬وأسقف الشام ‪ ،‬والارود ‪ ،‬وسلمان ‪،‬‬
‫والنجاشي ‪ ،‬ونصارى البشة ‪ ،‬وأساقف نران ‪ ،‬وغيهم من أسلم من علماء النصارى ‪.‬‬
‫وقد اعترف بذلك هرقل ‪ ،‬وصاحب رومة عالا النصارى ‪ ،‬ورئيساهم ‪ ،‬ومقوقس صاحب مصر ‪،‬‬
‫والشيخ صاحبه ‪ ،‬وابن صوريا ‪ ،‬وابن أخطب ‪ ،‬وأخ وه ‪ ،‬وكعب بن أسد ‪ ،‬والزبي بن باطيا ‪ ،‬وغيهم‬
‫من علماء اليهود ‪ ،‬من حله السد والنفاسة على البقاء على الشقاء ‪.‬‬
‫والخبار ف هذا كثية ل تنحصر‪.‬‬
‫وقد قرع أساع اليهود والنصارى با ذكر أنه ف كتبهم من صفته وصفة أصحابه ‪ ،‬واحتج عليهم با‬
‫انطوت عليه من ذلك صحفهم ‪ ،‬وذمهم بتحريف ذلك وكتمانه ‪ ،‬وليهم ألسنتهم ببيان أمره ‪ ،‬ودعوتم‬
‫إل الباهلة على الكاذب ‪ ،‬فما منهم إل من نفر عن معارضته ‪ ،‬وإبداء ما ألزمهم من كتبهم إظهاره ‪.‬‬
‫ولو وجدوا خلف قوله لكان إظهاره أهون عليهم من بذل النفوس والموال وتريب الديار ونبذ القتال‬
‫‪ ،‬وقد قال لم ‪ :‬قل فاتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقي [ سورة آل عمران ‪ ، 3/‬الية ‪] 93 :‬‬
‫إل ما أنذر به الكهان ‪ ،‬مثل شافع بن كليب ‪ ،‬وشق ‪ ،‬وسطيح ‪ ،‬وسراد بن قارب ‪ ،‬وخنافر ‪ ،‬وأفعى‬
‫بران ‪ ،‬وجذل بن جذل الكندي ‪ ،‬وابن خلصة الدوسي ‪ ،‬وسعدى بنت كريز ‪ ،‬وفاطمة بنت النعمان ‪،‬‬
‫ومن لينعد كثرة ‪.‬‬
‫إل ما ظهر على ألسنة الصنام من نبوته ‪ ،‬وحلول وقت رسالته ‪ ،‬وسع من هواتف الان ‪ ،‬ومن ذبائح‬
‫النصب ‪ ،‬وأجواف الصور ‪ ،‬وما وجد من اسم النب صلى ال عليه و سلم والشهادة له بالرسالة مكتوبا‬
‫ف الجارة والقبو ر بالط القدي ما أكثره مشهور ‪ ،‬وإسلم من أسلم بسبب ذلك معلوم مذكور ‪.‬‬

‫فصل‬
‫فيما ظهر من اليات عند مولده‬

‫ومن ذلك ما ظهر من اليات [ ‪ ] 132‬عند مولده ‪ ،‬و ما حكته أمه و من حضره من العجائب ‪ ،‬و‬
‫كونه رافعا رأسه عندما وضعته شاخصا ببصره إل السماء ‪ ،‬و ما رأته من النور الذي خرج معه‬
‫ولدته ‪ ،‬و ما رأته إذ ذاك أم عثمان بن أب العاص من تدل النجوم ‪ ،‬و ظهور النور عند ولدته ‪ ،‬حت‬
‫ما تنظر إل النور ‪.‬‬
‫و قول الشفاء أم عبد الرحن بن عوف ‪ :‬لا سقط صلى ال عليه و سلم على يدي و استهل سعت قائلً‬
‫يقول ‪ :‬رحك ال ‪ ،‬و أضاء ل ما بي الشرق و الغرب حت نظرت إل قصور الروم ‪.‬‬
‫و ما تعرفت به حليمة وزوجها ظئراه من بركته ‪ ،‬و درور لبنها له ‪ ،‬و لب شارفها و خصب غنمه ‪ ،‬و‬
‫سرعة شبابه ‪ ،‬و حسن نشأته ‪.‬‬
‫و ما جرى من العجائب ليلة مولده ‪ ،‬من ارتاج إيوان كسرى ‪ ،‬و سقوط شرفاته ‪ ،‬و غيض بية طبية‬
‫‪ ،‬و خود نار فارس ‪ ،‬وكان لا ألف عام ل تمد ‪.‬‬
‫و أنه كان إذا أكل مع عمه أب طالب و آله و هو صغي سبعوا و روروا ‪ ،‬فإذا غاب فأكلوا ف غيبته ل‬
‫يشبعوا ‪.‬‬
‫و كان سائر ولد أب طالب يصبحون شعثا و يصبح صلى ال عليه و سلم صقيلً دهينا كحيلً ‪.‬‬
‫[ قالت أم أين حاضنته ‪ :‬ما رأيته صلى ال عليه و سلم شكا ج وعا قط و ل عطشا صغيا و ل‬
‫كبيا ] ‪.‬‬
‫و من ذلك حراسة السماء بالشهب ‪ ،‬و قطع رصد الشياطي ‪ ،‬و منعهم استراق السمع ‪.‬‬
‫و ما نشأ عليه من بعض الصنام ‪ ،‬و العفة عن أمور الاهلية ‪ ،‬و ما خصه ال به من ذلك و حاه حت‬
‫ف ستره ف الب الشهور عند بناء الكعبة ‪ ،‬إذ أخذ إزاره ليجعله على عاتقه ‪ ،‬ليحمل عليه الجارة و‬
‫تعرى ‪ ،‬فسقط إل الرض حت رد إزاره عليه ‪.‬‬
‫فقال له عمه ‪ :‬ما بالك ؟ فقال ‪ :‬إن قد نيت عن التعري ‪.‬‬
‫ومن ذلك إطلل ال له بالغمام ف سفره ‪.‬‬
‫و ف رواية أن خدية و نساؤها رأينه لا قدم ‪ ،‬و ماكان يظلنه ‪ ،‬فذكرت ذلك ليسرة ‪ ،‬فأخبها أنه‬
‫رأى ذلك منذ خرج معه ف سفره ‪.‬‬
‫[ وقد روي ان حليمة رأت غمامة تظله ‪ ،‬وهو عندها ‪.‬‬
‫وروي ذلك عن أخيه من الرضاعة ] ‪.‬‬
‫و من ذلك انه نزل ف بعض أسفاره قبل مبعثه تت شجرة يابسة ‪ ،‬فاعشوشب ما حولا و أينعت هي‬
‫فأشرقت و تدلت عليه أغضانا بحضر من رآه ‪.‬‬
‫و ميل فء الشجرة إليه ف الب الخر حت أظلته ‪.‬‬
‫و ما ذكر من أنه كان ل ظل لشخصيته ف شس و ل قمر ‪ ،‬لنه كان نورا ‪.‬‬
‫و أن الذباب كان ل يقع على جسده و ل ثيابه ‪.‬‬
‫و من ذلك تبيب اللوة إليه حت أوحي إليه ‪ ،‬ث إعلمه بوته و دنو أجله ‪ ،‬و أن قبه ف الدينة و ف‬
‫بيته ‪ ،‬و أن بي بيته و منبه روضة من رياض النة ‪ ،‬و تيي ال له عند موته ‪ ،‬و ما اشتمل عليه حديث‬
‫الوفاة من كراماته ‪ ،‬و تشريفه ‪ ،‬وصلة اللئكة على جسده على ما رويناه ف بعضها ‪.‬‬
‫و استئذان ملك الوت عليه ‪ ،‬و ل يستأذن على غيه قبله ‪.‬‬
‫و نداؤهم الذي سعوه أل ينعوا القميص عنه عند غسله ‪.‬‬
‫و ما روي من تعزية الضر و اللئكة أهل بيته عند موته ‪.‬‬
‫إل ما ظهر على أصحابه من كرامته و بركته ف حياته و موته ‪ ،‬كاستسقاء عمر بعمه ‪ ،‬و تبك غي‬
‫واحد بذريته [ ‪. ] 133‬‬

‫فصل‬
‫معجزات نبينا أظهر من سائر معجزات الرسل من وجهي‬

‫قال القاضي أبو الفضل ‪ :‬قد أتينا ف هذا الباب على نكت من معجزاته واضحة ‪ ،‬و جل من علمات‬
‫نبوته مقنعة ‪ ،‬ف واحد منها الكفاية و الغنية ‪ ،‬و تركنا الكثي سوى ما ذكرنا ‪ ،‬و اقتصرنا من الحاديث‬
‫الطوال على عي الغرض و فص القصد ‪ ،‬و من كثي الحاديث و غريبها على ما صح و اشتهر إل‬
‫يسيا من غريبه ما ذكره مشاهي الئمة ‪ ،‬و حذفنا السناد ف جهورها ‪ ،‬طلبا للختصار ‪.‬‬
‫و يسب هذا الباب لو تقصي أن يكون ديوانا جامعا يشتمل على ملدات عدة ‪.‬‬
‫و معجزات نبينا صلى ال عليه و سلم أظهر من سائر معجزات الرسل بوجهي ‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬كثرتا ‪ ،‬و أنه ل يؤت نب معجزةً إل و عند نبينا مثلها ‪ ،‬أو ما هو أبلغ منها ‪.‬‬
‫و قد نبه الناس على ذلك ‪ ،‬فإن أردته فتأمل فصول هذا الباب ‪ ،‬و معجزات من تقدم من النبياء ـ‬
‫تقف على ذلك إن شاء ال تعال ‪.‬‬
‫و أما كونا كثية فهذا القرآن ‪ ،‬و كله معجز ‪ ،‬و أقل ما يقع العجاز فيه عند بعض أئمة الحققي‬
‫سورة ‪ :‬إنا أعطيناك الكوثر ‪ ،‬أو آية ف قدرها ‪.‬‬
‫و ذهب بعضهم إل أن كل آية منه كيف كانت معجزة ‪.‬‬
‫و زاد آخرون أن كل جلة منتظمة منه مع جزة ‪ ،‬و إن كانت من كلمة أو كلمتي ‪.‬‬
‫و الق ما ذكرناه أولً ‪ ،‬لقوله تعال ‪ :‬قل فاتوا بسورة مثله ‪ ،‬فهو أقل ما تداهم به ‪ ،‬مع ما ينصر هذا‬
‫من نظر و تقيق يطول بسطه ‪.‬‬
‫و إذا كان هذا ففي القرآن من الكلمات نو من سبعة و سبعي ألف كلمة و نيف على عدد بعضهم ‪،‬‬
‫و عدد كلمات ‪ :‬إنا أعطيناك الكوثر عشر كلمات ‪ ،‬فتجزؤ القرآن على نسبة عدد إنا أعطيناك الكوثر‬
‫أزيد من سبعة آلف جزء ‪ ،‬كل واحد منها معجز ف نفسه ‪.‬‬
‫ث إعجازه ـ كما تقدم ـ بوجهي ‪ :‬طريق بلغته ‪ ،‬و طريق نظمه ‪ ،‬فصار ف كل جزء من هذا العدد‬
‫معجزتان ‪ ،‬فتضاعف العدد من هذا الوجه ‪.‬‬
‫ث فيه وجوه إعجاز أخر من الخبار بعلوم الغيب ‪ ،‬فقد يكون ف السورة الواحدة من هذه التجزئة الب‬
‫عن أشياء من الغيب ‪ ،‬كل خب منها بنفسه معجز ‪ ،‬فتضاعف العدد كرة أخرى ‪.‬‬
‫ث وجوه العجاز الخر الت ذكرناها توجب التضعيف ‪ ،‬هذا ف حق القرآن ‪ ،‬فل يكاد يأخذ العد‬
‫معجزاته ‪ ،‬و ل يوي الصر براهينه ‪.‬‬
‫ث الحاديث الواردة ‪ ،‬و الخبار الصادرة عنه صلى ال عليه و سلم ف هذه البواب و عما دل على‬
‫أمره ما أشرنا إل جله يبلغ نوا من هذا ‪.‬‬
‫الوجه الثان ‪ :‬و ضوح معجزاته صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فإن معجزات الرسل كانت بقدر هم أهل‬
‫زمانم ‪ ،‬و بسب الفن الذي سا فيه قرنه ‪.‬‬
‫فلما كان موسى غاية أهل السحر بعث إليهم موسى بعجزة تشبيه ما يدعون قدرتم عليه ‪ ،‬فجاءهم‬
‫منها ما خرق عادتم ‪ ،‬و ل يكن ف قدرتم [‪ ، ] 134‬و أبطل سحرهم ‪.‬‬
‫و كذلك زمن عيسى أغن ما كان الطب ‪ ،‬و أوفر ما كان أهله ‪ ،‬فجاءهم أمر ل يقدرون عليه ‪ ،‬و‬
‫أتاهم ما ل يتسبوه من إحياء اليت ‪ ،‬و إبراء الكمه و البرص دون معالة و ل طب ‪.‬‬
‫و هكذا سائر معجزات النبياء ‪.‬‬
‫ث إن ال تعال بعث ممدا صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و جلة معارف العرب و علومها أربعة ‪ :‬البلغة ‪ ،‬و‬
‫الشعر ‪ ،‬و الب ‪ ،‬و الكهانة ‪ ،‬فأنزل عليه القرآن الارق لذه الربعة فصول من الفصاحة ‪ ،‬و الياز ‪،‬‬
‫و البلغة الارجة عن نط كلمهم ‪ ،‬و من النظم الغريب ‪ ،‬و السلوب العجيب الذي ل يهتدوا ف‬
‫النظوم إل طريقه ‪ ،‬و ل علموا ف أساليب الوزان منهجه ‪ ،‬و من الخبار عن الكوائن و الوادث و‬
‫السرار و الخبآت و الضمائر ‪ ،‬فتوجد على ما كانت ‪ ،‬و يعترف الخب عنها بصحة ذلك و صدقه ‪ ،‬و‬
‫إن كان أ'دى العدو ‪.‬‬
‫فأبطل الكهانة الت تصدق مر ًة و تكذيب عشرا ‪ ،‬ث اجتثها من أصلها برحم الشهب ‪ ،‬و رصد النجوم ‪.‬‬

‫و جاء من الخبار عن القرون السالفة ‪ ،‬و أنباء النبياء ‪ ،‬و المم البائدة ‪ ،‬و الوادث الاضية ـ ما‬
‫يعجز من تفرغ لذا العلم عن بعضه على الوجوه الت بسطناها و بينا العجز فيها ‪.‬‬
‫ث بقيت هذه العجزة الامعة لذا الوجوه إل الفصول الخر الت ذكرناها ف معجزات القرآن ثابتةً إل‬
‫يوم القيامة بينة الجة لكل أمة تأت ‪ ،‬ل يفى وجوه ذلك على من نظر فيه ‪ ،‬و تأمل وجوه إعجازه ‪.‬‬
‫إل ما أخب به من الغيوب على هذه السبيل ‪ ،‬فل ير عصر و ل زمن إل يظهر فيه صدقه بظهور مبه‬
‫على ما أخب ‪ ،‬فيتجدد اليان ‪ ،‬و يتظاهر البهان ‪ ،‬و ليس الب كالعيان كما قيل ‪.‬‬
‫و للمشاهدة زيادة ف اليقي ‪ ،‬و النفس أشد طمأنينة إل عي اليقي منها إل علم اليقي ‪ ،‬و إن كان كل‬
‫عندها حقا ‪.‬‬
‫و سائر معجزات الرسل انقرضت بانقراضهم ‪ ،‬و عدمت بعدم ذواتا ‪ ،‬و معجزة نبينا صلى ال عليه و‬
‫سلم ل تبيد و ل تنقطع ‪ ،‬و آياته تتجدد و ل تضمحل ‪ ،‬و لذا أشار صلى ال عليه و سلم بقوله فيما‬
‫حدثنا القاضي الشهيد أبو علي ‪ ،‬حدثنا القاضي أبو الوليد ‪ ،‬حدثنا أبو ذر ‪ ،‬حدثنا أبو ممد ‪ ،‬و أبو‬
‫إسحاق ‪ ،‬و أبو اليثم ‪ ،‬قالوا ‪ :‬حدثنا الفربري ‪ ،‬حدثنا عبد العزيز بن عبد ال ‪ ،‬حدثنا الليث ‪ ،‬عن‬
‫سعيد ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أب هريرة رضي ال عنه ‪ ،‬عن النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬قال ‪ :‬ما من النبياء‬
‫نب إل أعطي من اليات ما مثله آمن عليه البشر ‪ ،‬و إنا كان الذي أوتيت وحيا أوحاه ال إل ‪ ،‬فأرجو‬
‫أن أكثرهم تابعا يوم القيامة ‪.‬‬
‫هذا معن الديث عن بعضهم ‪ ،‬و هو الظاهر و الصحيح إن شاء ال ‪.‬‬
‫و ذهب غي واحد من العلماء ف تأويل هذا الديث و ظهور معجزة نبينا صلى ال عليه و سلم إل معن‬
‫آخر من ظهورها بكونا وحيا و كلما ل يكن التخييل فيه ‪ ،‬و ل التحيل عليه ‪ ،‬و ل التشيبه ‪ ،‬فإن‬
‫غيها من معجزات الرسل قد رام العاندون لا بأشياء طمعوا ف التخييل با على الضعفاء كإلقاء السحرة‬
‫حبالم و عصيهم [ ‪ ] 135‬و شبه هذا ما ييله الساحر ‪ ،‬أو يتحيل فيه ‪.‬‬
‫و القرآن كلم ليس للحيلة و ل للسحر ‪ ،‬و ل التخييل فيه عمل ‪ ،‬فكان من هذا الوجه عندهم أظهر من‬
‫غيه من العجزات ‪ ،‬كما ل يتم لشاعر و ل لطيب أن يكون شاعرا أو خطيبا بضرب من اليل و‬
‫التمويه ‪.‬‬
‫و التأويل الول أخلص و أرضى ‪.‬‬
‫و ف هذا التأويل الثان ما يغمض عليه الفن ‪ ،‬و يغضى ‪.‬‬
‫و وجه ثا لث على مذهب من قال بالصرفة ‪ ،‬و أن العارضة كانت ف مقدور البشر ‪ ،‬فصرفوا عنها ‪ ،‬أو‬
‫على أحد مذهب أهل السنة من أن التيان بثله من جنس مقدورهم ‪ ،‬و لكن ل يكن ذلك قبل ‪ ،‬و ل‬
‫يكون بعد ‪ ،‬لن ال تعال ل يقدرهم ‪ ،‬و ل يقدرهم عليه ‪.‬‬
‫و بي الذهبي فرق بي ‪ ،‬و عليهما جيعا فترك العرب التيان با ف مقدورهم ‪ ،‬أو ما هو من جنس‬
‫مقدورهم ‪ ،‬و رضاهم بالبلء و اللء ‪ ،‬و السباء و الذلل ‪ ،‬و تغيي الال ‪ ،‬و سلب النفوس و الموال‬
‫‪ ،‬و التقريع و التوبيخ ‪ ،‬و التعجيز و التهديد و الوعيد أبي آية للعجز عن التيان بثله ‪ ،‬و النكول عن‬
‫معارضته ‪ ،‬و أنم منعوا عن شيء هو من جنس مقدورهم ‪.‬‬
‫و إل هذا ذهب المام أبو العال الوين و غيه ‪ ،‬قال ‪ :‬و هذا عندنا أبلغ ف خرق العادة بالفعال‬
‫البديعة ف أنفسها ‪ ،‬كقلب العصا حي ًة و نوها ‪ ،‬فإنه قد يسبق إل بال الناظر بدارا أن ذلك من‬
‫اختصاص صاحب ذلك بزية معرفة ف ذلك الفن ‪ ،‬و فضل علم إل أن يرد ذلك صحيح النظر ‪.‬‬
‫و أما التحدي للخلئق مئي من السني بكلم من جنس كلمهم ليأتوا بثله فلم يأتوا ‪ ،‬فلم يبق بعد‬
‫توفر الدواعي على العارضة ث عدمها إل منع ال اللق عنها بثابة ما لو قال نب ‪ :‬آيت أن ينع ال القيام‬
‫عن الناس مع مقدرتم عليه ‪ ،‬و ارتفاع الزمانة عنهم ‪ ،‬فكان ذلك ‪ ،‬و عجزهم ال تعال عن القيام ـ‬
‫لكان ذلك من أبر آية ‪ ،‬و أظهر دللة ‪ .‬و بال التوفيق ‪.‬‬
‫و قد غاب عن بعض العلماء وجه ظهور آيته على سائر آيات النبياء ‪ ،‬حت احتاج للعذر عن ذلك بدقة‬
‫أفهام العرب ‪ ،‬و ذكاء ألبابا ‪ ،‬و وفور عقولا ‪ ،‬و أنم أدركوا العجزة فيه بفطنتهم ‪ ،‬و جاءهم من ذلك‬
‫بسب إدراكهم ‪ ،‬و غيهم من القبط و بن إسرائيل و غيهم ل يكونوا بذه السبيل ‪ ،‬بل كانوا من‬
‫الغباوة و قلة الفطنة بيث جوز عليهم فرعون أنه ربم ‪ ،‬و جوز عليهم السامري ذلك ف العجل بعد‬
‫إيانم ‪ ،‬و عبدوا السيح مع أجاعهم على صلبه ‪ ،‬و ما قتلوه و ما صلبوه و لكن شبه لم ‪ ،‬فجاءتم من‬
‫اليات الظاهرة البينة للبصار بقدر غلظ أفهامهم ما ل يشكون فيه ‪ ،‬و مع هذا فقالوا ‪ :‬لن نؤمن لك‬
‫حت نرى ال جهرة ‪ .‬و ل يصبوا على الن و السلوى ‪ ،‬و استبدلوا الذي هو أدن بالذي هو خي ‪.‬‬
‫و العرب على جاهليتها أكثرها يعترف بالصانع ‪ ،‬و إنا كانت تتقرب بالصنام إل ال زلفى ‪.‬‬
‫و منهم من آمن بال وحده من قبل الرسول صلى ال عليه و سلم [ ‪ ] 136‬بدليل عقله و صفاء لبه ‪.‬‬
‫و لا جاءهم الرسول بكتاب ال فهموا حكمته ‪ ،‬و تبينوا بفضل إدراكهم لول وهلة معجزته ‪ ،‬فآمنوا به‬
‫‪ ،‬و ازدادوا كل يوم إيانا ‪ ،‬و رفضوا الدنيا كلها ف صحبته ‪ ،‬و هجروا ديارهم و أموالم ‪ ،‬و قتلوا‬
‫آباءهم و أبناءهم ف نصرته ‪ ،‬و أتى ف معن هذا با يلوح له رونق ‪ ،‬و يعجب منه زبرج لو احتيج إليه و‬
‫حقق ‪ ،‬لكنا قدمنا من بيان معجزة نبينا صلى ال عليه و سلم و ظهورها ما يغن عن ركوب بطون هذه‬
‫السالك و ظهورها ‪.‬‬
‫و بال أستعي ‪ [ .‬و هو حسب ‪ ،‬و نعم الوكيل ] ‪.‬‬
‫آخر القسم الول ‪ ،‬و يليه القسم الثان‬
‫القسم الثان‬
‫فيما يب على النام من حقوقه عليه السلم‬

‫الباب الول‬
‫ف فرض اليان به و وجوب طاعته واتباع سنته‬

‫إذا تقرر با تقدم ثبوت نبوته وصحة رسالته ‪ ،‬وجب اليان به وتصديقه فيما أتى به ‪ ،‬قال ال تعال ‪:‬‬
‫فآمنوا بال ورسوله والنور الذي أنزلنا [ سورة التغابن ‪ : 64 /‬الية ‪. ] 8‬‬
‫و قال ‪ :‬إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * لتؤمنوا بال ورسوله [ سورة الفتح ‪ : 48 /‬الية ‪9 ، 8 :‬‬
‫]‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬فآمنوا بال ورسوله النب المي الذي يؤمن بال وكلماته واتبعوه لعلكم تتدون [ سورة‬
‫العراف ‪ ، 7 /‬الية ‪. ] 158 :‬‬
‫فاليان بالنب ممد صلى ال عليه و سلم واجب متعي ل يتم إيان إل به ‪ ،‬ول يصح إسلم إل معه ‪،‬‬
‫قال ال تعال ‪ :‬ومن ل يؤمن بال ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيا [ سورة الفتح ‪ ، 48 /‬الية ‪13 :‬‬
‫]‪.‬‬
‫حدثنا أبو ممد الشن الفقيه بقراءت عليه ‪ ،‬حدثنا المام أبو علي الطبي ‪ ،‬حدثنا عبد الغافر‬
‫الفارسي ‪ ،‬حدثنا ابن عمرويه ‪ ،‬حدثنا ابن سفيان ‪ ،‬حدثنا أبو السي ‪ ،‬حدثنا أمية بن بسطام ‪ ،‬حدثنا‬
‫يزيد بن زريع ‪ ،‬حدثنا روح ‪ ،‬عن العلء بن عبد الرحن بن يعقوب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أب هريرة رضي ال‬
‫عنه ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬قال ‪ :‬أمرت أن أقاتل الناس حت يشهدوا أن ل إله إل ال ‪،‬‬
‫ويؤمنوا ب وبا جئت به ‪ ،‬فإذا فعلوا ذلك عصموا من دماءهم وأموالم إل بقها ‪ ،‬وحسابم على ال ‪.‬‬
‫قال القاضي أبوالفضل ‪:‬‬
‫واليان به _ صلى ال عليه و سلم هو تصديق نبوته و رسالة ال له ‪ ،‬وتصديقه ف جيع ما جا به و ما‬
‫قاله ‪ ،‬و مطابقة تصديق القلب بذلك شهادة اللسان بأنه رسول ال ‪ ،‬فإذا اجتمع التصديق به بالقلب ‪،‬‬
‫والنطق بالشهادة بذلك اللسان ‪ ،‬ث اليان به والتصديق له كما ورد ف الديث نفسه من رواية عبد ال‬
‫بن عمر رضي ال عنهما ‪ :‬أمرت أن أقاتل الناس حت يشهدوا أن ل إله إل ال ‪ ،‬وأن ممدا رسول ال ‪.‬‬

‫وقد زاده وضوحا ف حديث جبيل ‪ ،‬إذقال ‪ :‬أخبن عن السلم ‪ ،‬قال النب صلى ال عليه و سلم ‪:‬‬
‫أن تشهد أن ل إله إل ال ‪ ،‬وأن ممدا رسول ال ‪ ...‬وذكر أركان السلم ‪.‬‬
‫فقد قرر أن اليان به متاج إل العقد بالنان ‪ ،‬والسلم به مضطر إل النطق باللسان [ ‪. ] 137‬‬
‫وهذه الال الحمودة التامة ‪.‬‬
‫وأما الال الذمومة فالشهادة باللسان دون تصديق القلب ‪ ،‬وهذا هو النفاق ‪ ،‬قال ال تعال ‪ :‬إذا جاءك‬
‫النافقون قالوا نشهد إنك لرسول ال وال يعلم إنك لرسوله وال يشهد إن النافقي لكاذبون ‪ ،‬أي‬
‫كاذبون ف قولم ذلك عن اعتقادهم وتصديقهم ‪ ،‬وهم ل يعتقدونه ‪ ،‬فلما ل تصدق ذلك ضمائرهم ل‬
‫ينفعهم أن يقولوا بألسنتهم ما ليس ف قلوبم ‪ ،‬فخرجوا عن اسم اليان ‪ ،‬و ل يكن لم ف الخرة‬
‫حكمه ‪ ،‬إذ ل يكن معهم إيان ‪ ،‬ولقوا بالكافرين ف الدرك السفل من النار ‪ ،‬وبقي عليهم حكم‬
‫السلم ‪ ،‬بإظهار شهادة السلم ‪ ،‬ف أحكام الدنيا التعلقة بالئمة وحكام السلمي الذين أحكامهم‬
‫على الظواهر ‪ ،‬با أظهروه من عل مة السلم ‪ ،‬إذ ل يعل للبشر سبيل إل السرائر ‪ ،‬ول أمروا بالبحث‬
‫عنها ‪ ،‬بل نى النب صلى ال عليه و سلم عن التحكم عليها ‪ ،‬و ذم ذلك ‪ ،‬و قال ‪ :‬هل شققت عن قلبه‬
‫‪.‬‬
‫و للفرق بي القول و العقد ما جعل ف حديث جبيل ‪ :‬الشهادة من السلم ‪ ،‬والتصديق من اليان ‪.‬‬
‫و بقيت حالتان أخريان بي هذين ‪:‬‬
‫إحداها ـ أن يصدق بقلبه ث يترم ـ قبل اتساع وقت للشهادة بلسانه ‪ ،‬فاختلف فيه ‪ ،‬فشرط بعضهم‬
‫من تام اليان القول و الشهادة به ‪ ،‬و رآه بعضهم مؤمنا مستوجبا للجنة ‪ ،‬لقوله صلى ال عليه و سلم‬
‫‪ :‬يرج من النار من كان ف قلبه مثقال ذر ة من إيان ‪ ،‬فلم يذكر سوى ما ف القلب ‪.‬‬
‫و هذا مؤمن بقلبه ‪ ،‬غي عاص و ل مفرط بترك غيه ‪.‬‬
‫و هذا هو الصحيح ف هذا الوجه ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬أن يصدق بقلبه و يطول مهله ‪ ،‬و علم ما يلزمه من الشهادة ‪ ،‬فلم ينطق با جلة و ل استشهد‬
‫ف عمره و ل مرة ‪ ،‬فهذا اختلف فيه أيضا ‪ ،‬فقيل ‪ :‬هو مؤمن ‪ ،‬لنه مصدق ‪ ،‬و الشهادة من جلة‬
‫العمال ‪ ،‬فهو عاص بتركها غي ملد ف النار ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬ليس بؤمن حت يقارن عقده شهادة اللسان ‪ ،‬إذ الشهادة إنشاء عقد ‪ ،‬و التزام ايان ‪ ،‬و هي‬
‫مرتبطة مع العقد ‪ ،‬و ل يتم التصديق مع الهلة إل با ‪.‬‬
‫و هذا هو الصحيح ‪.‬‬
‫و هذا نبذ يفضي إل متسع من الكلم ف السلم و اليان و أبوابما ‪ ،‬و ف الزيادة فيهما و النقصان ‪،‬‬
‫و هل التجزي متنع على مرد التصديق ل يصح فيه جلة ‪ ،‬و إنا يرجع إل ما زاد عليه من عمل ‪ ،‬و قد‬
‫يعرض فيه لختلف صفاته و تباين حالته ‪ ،‬من قوة يقي ‪ ،‬و تصميم اعتقاد ‪ ،‬و وضوح معرفة ‪ ،‬و‬
‫دوام حالة ‪ ،‬و حضور قلب ‪.‬‬
‫و ف بسط هذا خروج عن غرض التأليف ‪ ،‬و فيما ذكرنا غنية فيما قصدنا إن شاء ال ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف وجوب طاعته‬

‫و أما وجوب طاعته ‪ ،‬فإذا وجب اليان به و تصديقه فيما جاء به وجبت طاعته ‪ ،‬لن ذلك ما أتى‬
‫به ‪ ،‬قال ال تعال ‪ :‬يا أيها الذين آمنوا أطيعوا ال ورسوله [ سورة النفال ‪ ، 8 /‬الية ‪. ] 20 :‬‬
‫و قال ‪ :‬قل أطيعوا ال والرسول [ سورة آل عمران ‪ ، 3 /‬الية ‪. ] 32 :‬‬
‫و قال ‪ :‬وأطيعوا ال والرسول لعلكم ترحون [ سورة آل عمران ‪ ، 3 /‬الية ‪. ] 132 :‬‬
‫و قال ‪ :‬وإن تطيعوه تتدوا [ سورة النور ‪ ، 24 /‬الية ‪. ] 54 :‬‬
‫و قال ‪ :‬من يطع الرسول فقد أطاع ال [ سورة النساء ‪ ، 4 /‬الية ‪. ] 80 :‬‬
‫و قال ‪ :‬وما آتاكم الرسول فخذوه وما ناكم عنه فانتهوا [ سورة الشر ‪ ، 59 /‬الية ‪. ] 7 :‬‬
‫و قال [ ‪ : ] 138‬ومن يطع ال والرسول فأولئك مع الذين أنعم ال عليهم من النبيي والصديقي‬
‫والشهداء والصالي وحسن أولئك رفيقا [ سورة النساء ‪ ، 4 /‬الية ‪. ] 69 :‬‬
‫و قال ‪ :‬وما أرسلنا من رسول إل ليطاع بإذن ال ‪ ،‬فجعل تعال طاعة رسوله طاعته ‪ ،‬و قرن طاعته‬
‫بطاعته ‪ ،‬و وعد على ذلك بزيل الثواب ‪ ،‬و أوعد على مالفته بسوء العقاب ‪ ،‬و أوجب امتثال أمره ‪،‬‬
‫و اجتناب نيه ‪.‬‬
‫قال الفسر ون و الئمة ‪ :‬طاعة الرسول التزام سنته و التسليم لا جاء به ‪.‬‬
‫و قالوا ‪ :‬و ما أرسل ال من رسول إل فرض طاعته على من أرسله إليه ‪.‬‬
‫و قالوا من يطع الرسول ف سنته يطع ال ف فرائضه ‪.‬‬
‫و سئل سهل بن عبد ال عن شرائع السلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬وما آتاكم الرسول فخذوه [ سورة الشر ‪/‬‬
‫‪ ، 59‬الية ‪. ] 7 :‬‬
‫و قال السمرقندي ‪ :‬يقال ‪ :‬أطيعوا ال ف فرائضه ‪ ،‬و الرسول ف سنته ‪ .‬و قيل ‪ :‬أطيعوا ال فيما حرم‬
‫عليكم ‪ ،‬و الرسول فيما بلغكم ‪.‬‬
‫و يقال ‪ :‬أطيعوا ال بالشهادة له بالربوبية ‪ ،‬و النب بالشهادة له بالنبوة ‪.‬‬
‫حدثنا أبو ممد بن عتاب بقراءت عليه ' حدثنا حات بن ممد ‪ ،‬حدثنا أبو السن علي بن ممد بن‬
‫خلف ‪ ،‬حدثنا ممد بن أحد ‪ ،‬حدثنا ممد بن يوسف ‪ ،‬حدثنا البخاري ‪ ،‬حدثنا عبدان ‪ ،‬أخبنا عبد‬
‫ال ‪ ،‬حدثنا يونس ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬أخبن أبو سلمة ابن عبد الرحن ـ أنه سع أبا هريرة يقول ‪ :‬إن‬
‫رسول ال صلى ال عليه و سلم قال ‪ :‬من أطاعن فقد أطاع ال ‪ ،‬و من عصان فقد عصى ال ‪ ،‬و من‬
‫أطاع أميي فقد أطاعن ‪ ،‬و من عصى أميي فقد عصان ‪.‬‬
‫فطاعة الرسول من طاعة ال ‪ ،‬إذ ال أمر بطاعته ‪ ،‬فطاعته امتثال لا أم ر ال به ‪ ،‬و طاعة له ‪.‬‬
‫و قد حكى ال عن الكفار ف دركات جهنم ‪ :‬يوم تقلب وجوههم ف النار يقولون يا ليتنا أطعنا ال‬
‫وأطعنا الرسول ‪ ،‬فتمنوا طاعته حيث لينفعهم التمن ‪.‬‬
‫و قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬نيتكم عن شيء فاجتنبوه ‪ ،‬و إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم‬
‫و ف حديث أب هريرة رضي ال عنه ‪ ،‬عنه صلى ال عليه و سلم ‪ :‬كل أمت يدخلون النة إل من أب ‪.‬‬

‫قالوا ‪ :‬يارسول ال ‪ ،‬و من يأب ؟ قال ‪ :‬من أطاعن دخل النة ‪ ،‬و من عصان فقد أب ‪.‬‬
‫و ف الديث الخر الصحيح ‪ ،‬عنه صلى ال عليه و سلم ‪ :‬مثلي و مثل ما بعثن ال به كمثل رجل أتى‬
‫قوما ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا قوم ‪ ،‬إن رأيت اليش بعين ‪ ،‬و إن أنا النذير العريان ‪ ،‬فالنجاء ‪ ،‬فأطاعه طائفة من‬
‫قومه ‪ ،‬فأدلوا ‪ ،‬فانطلقوا ‪ ،‬فانطلقوا على مهلهم فنجوا ‪ ،‬و كذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانم ‪،‬‬
‫فصبحهم ‪ ،‬اليش فأهلكهم و اجتاحهم ‪ ،‬فذلك مثل من أطاعن ‪ ،‬و اتبع ما جئت به ‪ ،‬و مثل من‬
‫عصان و كذب ما جئت به من الق ‪.‬‬
‫و ف الديث الخر ف مثله ‪ :‬كمثل من بن دارا و جعل فيها مأدبة ‪ ،‬و بعث داعيا ‪ ،‬فمن أجاب‬
‫الداعي دخل الدار ‪ ،‬و آكل من الأد بة ‪ ،‬و من ل يب الداعي ل يدخل الدار و ل يأكل من الأدبة ‪،‬‬
‫فالدار النة ‪ ،‬و الداعي ممد صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فمن أطاع ممدا فقد أطاع ال ‪ ،‬و من عصى‬
‫ممدا فقد عصى ال ‪ ،‬و ممد فرق بي الناس ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف وجوب اتباعه ‪ ،‬و امتثال أمره ‪ ،‬و القتداء بديه‬
‫و أما وجوب اتباعه و امتثال سنته و القتداء بديه ‪ ،‬فقد قال تعال ‪ :‬قل إن كنتم تبون ال فاتبعون‬
‫يببكم ال ويغفر لكم ذنوبكم [ سورة آل عمران ‪ ، 3 /‬الية ‪. ] 31‬‬
‫و قال ‪ :‬فآمنوا بال ورسوله النب المي الذي يؤمن بال وكلماته واتبعوه لعلكم تتدون [ سورة‬
‫العراف ‪ ، 7 /‬الية ‪. ] 158 :‬‬
‫و قال ‪ :‬فل وربك ل يؤمنون حت يكموك فيما شجر بينهم ث ل يدوا ف أنفسهم حرجا ما قضيت‬
‫ويسلموا تسليما ‪ ،‬أي ينقادون لكمك ‪ ،‬يقال ‪ :‬سلم ‪ ،‬واستسلم ‪ ،‬و أسلم ‪ ،‬إذا انقاد ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لن كان يرجو ال واليوم الخر ومن يتول فإن ال هو الغن‬
‫الميد [ سورة المتحنة ‪ ، 60 /‬الية ‪. ] 6 :‬‬
‫قال ممد بن علي الترمذي ‪ :‬السوة ف الرسول القتداء به و التباع لسنته ‪ ،‬و ترك مالفته ف قول أو‬
‫فعل ‪.‬‬
‫و قال غي واحد من الفسرين بعناه ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬هو عتاب للمتخلفي عنه ‪.‬‬
‫و قال سهل ـ ف قوله تعال ‪ :‬صراط الذين أنعمت عليهم ـ قال ‪ :‬بتابعة السنة ‪ ،‬فأمرهم تعال‬
‫بذلك ‪ ،‬و وعدهم الهداء باتباعه ‪ ،‬لن ال تعال أ رسله بالدى و دين الق ليزكيهم الكتاب و الكمة‬
‫‪ ،‬و يهديهم إل صراط مستقيم ‪ ،‬و وعدهم مبته تعال ف الية الخرى و مغفرته إذا اتبعوه ‪ ،‬و آثروه‬
‫على أهوائهم ‪ ،‬و ما تنح إليه نفوسهم ‪ ،‬و أن صحة إيانم بانقيادهم له ‪ ،‬و رضاهم بكمه ‪ ،‬و ترك‬
‫العتراض عليه ‪.‬‬
‫و روى عن السن أن أقواما قالو ا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إنا نب ال ‪ .‬فأنزل ال تعال ‪ :‬قل إن كنتم تبون‬
‫ال فاتبعون يببكم ال ويغفر لكم ذنوبكم وال غفور رحيم [ سورة آل عمران ‪ ، 3/‬الية ‪. ] 31 :‬‬
‫و روي أن الية نزلت ف كعب بن الشرف و غيه ‪ ،‬و أنم قالوا ‪ :‬نن أبناء ال و أحباؤه ‪ ،‬و نن‬
‫أشد حبا ال ‪ ،‬فانزل ال الية ‪.‬‬
‫و قال الزجاج ‪ :‬معناه إن كنتم تبون ال أن تقصدوا طاعته ‪ ،‬فافعلوا ماأمركم به ‪ ،‬إذ مبة العبد ال و‬
‫رسوله طاعته لما ‪ ،‬و رضاه با أمرا ‪ ،‬و مبة ال لم عفوه عنهم ‪ ،‬و إنعامه عليهم برحته ‪.‬‬
‫و يقال ‪ :‬الب من ال عصمة و توفيق ‪ ،‬و من العباد طاعة ‪ ،‬كما قال القائل ‪:‬‬
‫تعصي الله وأنت تظهر حبه هذا لعمري ف القياس بديع‬
‫إن الحب لن يب مطيع‬ ‫كان حبك صادقا لطعته‬
‫و يقال ‪ :‬مبة العب د ال تعظيمه له و هيبته منه ‪ ،‬و مبة ال له رحته له ‪ ،‬و إرادته الميل له ‪ ،‬و تكون‬
‫بعن مدحه و ثنائه عليه ‪.‬‬
‫قال القشيي ‪ :‬فإذا كان بعن الرحة و الرادة و الدح كان من صفات الذات ‪.‬‬
‫و سيأت بعد ف ذكر مبة العبد غي هذا بول ال تعال ‪.‬‬
‫حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن جعفر الفقيه ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا أبو الصبغ عيسى ابن سهل ‪ ،‬و حدثنا أبو‬
‫السن يونس بن مغيث الفقيه بقراءت عليه ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا حات بن ممد ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا أيو حفص‬
‫الهن ‪ ،‬حدثنا أبو بكر الجري ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن موسى الوزي ‪ ،‬حدثنا داود بن رشيد ‪ ،‬حدثنا‬
‫الوليد بن مسلم ‪ ،‬عن ثور ‪ ،‬بن يزيد ‪ ،‬عن خالد بن معدان ‪ ،‬عن عبد الرحن بن عمرو السلمي ‪ ،‬و‬
‫حجر الكلعي ‪ ،‬عن العرباض بن سارية ف حديثه ف موعظة النب صلى ال عليه و سلم أنه قال ‪:‬‬
‫فعليكم بسنت و سنة اللفاء الراشدين الهديي ‪ ،‬عضوا عليها بالنواجذ ‪ ،‬و إياكم و مدثات المور ‪،‬‬
‫فإن كل مدثة بدعة ‪ ،‬و كل بدعة ضللة ‪.‬‬
‫زاد ف حديث جابر بعناه ‪ :‬و كل ضللة ف النار ‪.‬‬
‫و ف حديث أب رافع عنه صلى ال عليه و سلم ‪ :‬ل ألفي أحدكم متكئا على أريكته ‪ ،‬يأتيه المر من‬
‫أمري ‪ ،‬ما أمرت به ‪ ،‬أو نيت عنه ‪ ،‬فيقول ‪ ] 140 [ :‬ل أدري ‪ ،‬ما وجدنا ف كتاب ال اتبعناه ‪.‬‬
‫و ف حديث عائشة رضي ال عنها ‪ :‬صنع رسول ال صلى ال عليه و سلم شيئا ترخص فيه فتنه عنه‬
‫قوم ‪ ،‬فبلغ ذلك النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فحمد ال ‪ ،‬ث قال ‪ :‬ما بال قوم يتنهون عن الشيءأصنعه‬
‫‪ ،‬فوال إن لعلمهم با ال ‪،‬و أشهدهم له خشية ‪.‬‬
‫و روى عنه صلى ال عليه و سلم أنه قال ‪ :‬القرآن صعب على من كرهه ‪ ،‬و هو الكم حدثنا فمن‬
‫استمسك بديثي و فهمه و حفظه جاء مع القرآن ‪ ،‬و من تاون بالقرآن و حديثي خسر الدنيا‬
‫والخرة ‪ ،‬أمرت أمت أن يأخذوا بقول ‪ ،‬و يطيعوا أمري ‪ ،‬و يتبعوا سنت ‪ ،‬فمن رضي بقول فقد رضي‬
‫بالقرآن قال ال تعال ‪ :‬وما آتاكم الرسول فخذوه وما ناكم عنه فانتهوا واتقوا ال إن ال شديد العقاب‬
‫[ سورة الشر ‪ ، 59 /‬الية ‪. ] 7 :‬‬
‫و قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬من اقتدى ب فهو من ‪ ،‬و من رغب عن سنت فليس من ‪.‬‬
‫و عن أب هريرة رضي ال عنه ‪ ،‬عن النب صلى ال عليه و سلم أنه قال ‪ :‬إن أحسن الديث كتاب‬
‫ال ‪ ،‬و خي الدي هدي ممد و شر المور مدثاتا ‪.‬‬
‫و عن عبد ال بن عمرو بن العاص رضي ال عنه قال ‪ :‬قال النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬العلم ثلثة ‪:‬‬
‫فما سوى ذلك فهو فضل ‪ :‬آية مكمة ‪ ،‬أو سنة قائمة ‪ ،‬أو فريضة عادلة ‪.‬‬
‫و عن السن بن أب السن رضي ال عنه ‪ :‬قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬عمل قليل ف سنة خي من عمل‬
‫كثي ف بدعة ‪.‬‬
‫و قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬إن ال تعال يدخل العبد النة بالسنة تسك با ‪.‬‬
‫و عن أب هريرة رضي ال عنه ‪ ،‬عن النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬قال ‪ :‬التمسك بسنت عند فساد أمت‬
‫له أجر مائة شهيد ‪.‬‬
‫و قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬إن بن إسرائيل افترقوا على اثنتي وسبعي ملة ‪ ،‬و إن أمت تفترق على‬
‫ثلث و سبعي ‪ ،‬كلها ف النار إل واحدة ‪ .‬قالوا ‪ :‬و من هم يا رسول ال ؟ قال ‪ :‬الذي انا عليه اليوم و‬
‫أصحاب ‪.‬‬
‫و عن أنس قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬من أحيا سنت فقد أحيان ‪،‬و من أحيان كان معي ف النة ‪.‬‬
‫و عن عمرو بن عوف الزن أن النب صلى ال عليه و سلم قال لبلل بن الارث ‪ :‬من أحيا سنة من‬
‫سنت قد أميتت بعدي ‪ ،‬فإن له من الجر مثل من عمل با من غي أن ينقص من أجورهم شيئا ‪ ،‬ومن‬
‫ابتدع بدعة ضللة ترضي ال ورسوله كان عليه مثل آثام من عمل با ‪ ،‬ل ينقص ذلك من أوزار الناس‬
‫شيئا ‪.‬‬

‫فصل‬
‫فيما و رد عن السلف و الئمة من اتباع سنته و القتداء بديه و سيته‬

‫و أما ما و رد عن السلف و الئمة من اتباع سنته و افقتداء بديه و سيته ‪ ،‬فحدثنا الشيخ أبو عمر أن‬
‫موسى بن عبد الرحن بن أب تليد الفقيه ساعا عليه ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا أبو عمر الافظ ‪ ،‬حدثنا سعيد بن‬
‫نصر ‪ ،‬حدثنا قاسم بن أصبغ ‪ ،‬و وهب بن مسرة ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا ممد بن وضاح ‪ ،‬حدثنا يي بن‬
‫يي ‪ ،‬حدثنا مالك ‪ ،‬عن ابن شهاب ‪ ،‬عن رجل من آل خالد بن أسيد ـ أنه سأل عبد ال بن عمر ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬يا أبا عبد الرحن ‪،‬أنا ند صلة الوف تعال و صلة الضر ف [ ‪ ] 141‬القرآن ‪ ،‬و ل ند‬
‫صلة السفر ؟ فقال ابن عمر ‪ :‬يا بن أخي ‪ ،‬إن ال بعث إلينا ممدا صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و ل نعلم‬
‫شيئا ‪ ،‬فإنا نفعل كما رأيناه نفعل ‪.‬‬
‫و قال عمر بن عبد العزيز ‪ :‬سن رسول ال صلى ال عليه و سلم و ولة المر بعده سننا ‪ ،‬الخذ با‬
‫تصديق بكتاب ال ‪ ،‬و استعمال بطاعة ال ‪ ،‬و قوة على دين ال ‪ ،‬ليس لحد تغيها و ل تبديلها و ل‬
‫النظر ف رأي من خالفها ‪ ،‬من اقتدى با فهو مهتد ‪ ،‬و من انتصر با منصور ‪ ،‬و من خالفها و اتبع غي‬
‫سبيل الؤمني وله ال ما تول ‪ ،‬و أصل اه جهنم و ساءت مصيا ‪.‬‬
‫و قال السن بن أب السن ‪ :‬عمل قليل ف سنة خي من عمل كثي ف بدعة ‪.‬‬
‫و قال ابن شهاب ‪ :‬بلغنا عن رجال من أهل العلم ‪ ،‬قالوا ‪ :‬العتصام بالسنة ناة ‪.‬‬
‫و كتب عمر بن الطاب إل عماله بتعلم السنة و الفرائض و اللحن ‪ ،‬أي اللغة ‪ ،‬و قال ‪ :‬إن ناسا‬
‫يادلوكم ـ يعن بالقرآن ‪ ،‬فخذوهم بالسنن ‪ ،‬فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب ال ‪.‬‬
‫و ف خبه ـ حي صلى بذي الليفة ركعتي ‪ ،‬فقال ‪ :‬أصنع كما رأيت رسول ال صلى ال عليه و‬
‫سلم يصنع ‪.‬‬
‫و عن علي ـ حي صلى فقال له عثمان ‪ :‬ترى أن اني الناس عنه و تفعله ! قال ‪ :‬ل أكن أدع سنة‬
‫رسول ال صلى ال عليه و سلم لقول أحد من الناس ‪.‬‬
‫و عنه ‪ :‬أل إن لست بنب و ل يوحى إل ‪ ،‬و لكن أعمل بكتاب ال و سنة ممد صلى ال عليه و سلم‬
‫ما استطعت ‪.‬‬
‫و كان ابن مسعود يقول ‪ :‬القصد ف السنة خي من الجتهاد ف البدعة ‪.‬‬
‫و قال ابن عمر ‪ :‬صلة السفر ركعتان ‪ ،‬من خالف السنة كفر ‪.‬‬
‫و قال أب بن كعب ‪ :‬عليكم بالسبيل و السنة ‪ ،‬فإنه ما على الرض من عبد على السبيل و السنة ذكر‬
‫ال ف نفسه ففاضت عيناه من خشية ربه ‪ ،‬فيعذبه ال أبدا ‪ ،‬و ما على الرض من عبد على السبيل و‬
‫السنة ذكر ال ف نفسه فاقشعر جلده من خشية ال إل كان مثله كمثل شجرة قد يبس ورقها ‪ ،‬فهي‬
‫كذلك إذا أصابتها ريح شديدة ‪ ،‬فتحات عنها ورقها إل حط ال خطاياه كما تات عن الشجرة ورقها‬
‫‪ ،‬فإن اقتصادا ف سبيل و سنة خي من اجتهاد ف خلف سبيل و سنة ‪ ،‬و موافقة بدعة ‪ ،‬و انظروا أن‬
‫يكون عملكم إن كان اجتهادا و اقتصادا أن يكون على منهاج النبياء و سنتهم ‪.‬‬
‫و كتب بعض عمال عمر بن عبد العزيز إل عمر بال بلده ‪ ،‬و كثرة لصوصه ‪ ،‬هل يأخذهم بالظنة أو‬
‫يملهم على البينة و ما جرت عليه السنة ؟‬
‫فكتب إليه عمر ‪ :‬خذهم بالبينة و ما جرت عليه السنة ‪ ،‬فإن ل يصلحهم الق فل أصلحهم ال ‪.‬‬
‫و عن عطاء ـ ف قوله ‪ :‬فإن تنازعتم ف شيء فردوه إل ال والرسول ‪ :‬أي إل كتاب ال و سنة رسول‬
‫ال صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و قال الشافعي ‪ :‬ليس ف سنة رسول ال صلى ال عليه و سلم إل اتباعها ‪.‬‬
‫و قال عمر ـ و نظر إل الجر السود ‪ :‬إنك حجر ل تنفع و ل [ ‪ ] 142‬تضر ‪ ،‬و لول أن رأيت‬
‫رسول ال صلى ال عليه و سلم يقبلك ما قبلتك ‪ ،‬ث قبله ‪.‬‬
‫و رئي عبد ال بن عمر يدير ناقته ف مكان ‪ ،‬فسئل عنه ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل أدري إل أن رأيت رسول ال صلى‬
‫ال عليه و سلم فعله ‪ ،‬ففعلته ‪.‬‬
‫و قال أبو عثمان اليي ‪ :‬من أمر السنة على نفسه قولً و فعلً نطق بالكمة ‪ ،‬و من أمر الوى على‬
‫نفسه نطق بالبدعة ‪.‬‬
‫و قال سهل التستري ‪ :‬أصول مذهبنا ثلثة ‪ :‬القتداء بالنب صلى ال عليه و سلم ف الخلق و‬
‫الفعال ‪ ،‬و الكل من اللل ‪ ،‬و إخلص النية ف جيع العمال ‪.‬‬
‫و جاء ف تفسي قوله تعال ‪ :‬والعمل الصال يرفعه ـ إنه القتداء برسول ال صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و حكي عن أحد بن حنبل ‪ :‬قال ‪ :‬كنت يوما مع جاعة تردوا و دخلوا الاء ‪ ،‬فاستعملت الديث من‬
‫كان يؤمن بال و اليوم الخر فل يدخل المام إل بئزر و ل أترد ‪ ،‬فرأيت تلك الليلة قائلً ل ‪ :‬يا‬
‫أحد أبشر ‪ ،‬فإن ال قد غفر لك باستعمالك السنة ‪ ،‬و جعلك إماما يقتدى بك ‪.‬‬
‫قلت من أنت ؟ قال ‪ :‬جبيل ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف أن مالفة أمره و تبديل سنته ضلل‬

‫و مالفة أمره و تبديل سنته ضلل و بدعة متوعد من ال تعال عليه بالذلن و العذاب ‪ ،‬قال ال تعال‬
‫‪ :‬فليحذر الذين يالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم [ سورة النور ‪ ، 24‬الية ‪:‬‬
‫‪. ] 63‬‬
‫و قال ‪ :‬ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبي له الدى ويتبع غي سبيل الؤمني نوله ما تول ونصله‬
‫جهنم وساءت مصيا [ سورة النساء ‪ ، 4 /‬الية ‪. ] 115 :‬‬
‫حدثنا أبو ممد عبد ال بن أب جعفر ‪ ،‬و عبد الرحن بن عتاب بقراءت عليهما ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا أبو‬
‫القاسم حات بن ممد ‪ ،‬حدثنا أبو السن القابسي ‪ ،‬حدثنا أبو السي بن مسرور الدباغ ‪ ،‬حدثنا أحد‬
‫بن أب سليمان ‪ ،‬حدثنا سحنون ابن سعيد ‪ ،‬حدثنا ابن القاسم ‪ ،‬حدثنا مالك ‪ ،‬عن العلء بن عبد‬
‫الرحن ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أب هريرة ـ أن رسول ال صلى ال عليه و سلم خرج إل القبة ‪ ...‬و ذكر‬
‫الديث ف صفة أمته ‪ ،‬و فيه ‪ :‬فليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعي الضال ‪ ،‬فأناديهم ‪ :‬أل هلم ‪،‬‬
‫فيقال ‪ :‬إنم قد بدلوا بعدك ‪ .‬فأقول ‪ :‬فسحقا ‪ ،‬فسحقا ‪ ،‬فسحقا ‪.‬‬
‫و روى عن أنس أن النب صلى ال عليه و سلم قال ‪ :‬من رغب عن سنت فليس من ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬من أدخل ف أمرنا ما ليس منه فهو رد ‪.‬‬
‫و روى ابن أب رافع ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬قال ‪ :‬ل ألفي أحدكم متكئا على‬
‫أريكته يأتيه المر من أمري ما أمرت به أو نيت عنه ‪ ،‬فيقول ‪ :‬ل أدري ‪ ،‬ما وجدنا ف كتاب ال‬
‫اتبعناه ‪.‬‬
‫زاد ف حديث القدام ‪ :‬أل و إن ما حرم رسول ال صلى ال عليه و سلم مثل ما حرم ال ‪.‬‬
‫و قال صلى ال عليه و سلم ـ ‪ :‬و جيء بكتاب ف كتف ـ ‪ :‬كفى بقوم حقا ـ أو قال ‪ :‬ضللً ـ‬
‫أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إل غي نبيهم ‪ ،‬أو كتاب غي كتابم ‪ ،‬فنلت ‪ :‬أول يكفهم أنا أنزلنا عليك‬
‫الكتاب يتلى عليهم إن ف ذلك لرحة وذكرى لقوم يؤمنون ‪.‬‬
‫و قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬هلك التنطعون ‪.‬‬
‫و قال [ ‪ ] 143‬أبو بكر الصديق رضي ال عنه ‪ :‬لست تاركا شيئا كان رسول ال صلى ال عليه و‬
‫سلم يعمل به إل عملت به ‪ ،‬إن أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ ‪.‬‬

‫الباب الثان‬

‫ف لزوم مبته صلى ال عليه و سلم‬


‫قال ال تعال ‪ :‬قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيتكم وأموال اقترفتموها‬
‫وتارة تشون كسادها ومساكن ترضونا أحب إليكم من ال ورسوله وجهاد ف سبيله فتربصوا حت‬
‫يأت ال بأمره وال ل يهدي القوم الفاسقي [ سورة التوبة ‪ ، 9 /‬الية ‪. ] 24 :‬‬
‫فكفى بذا حضا و تنبيها و دللة و حجة على إلزام مبته ‪ ،‬و وجوب فرضها ‪ ،‬و عظم خطرها ‪ ،‬و‬
‫استحاقه لا صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬إذ قرع تعال من كان ماله و أهله و ولده أحب إليه من ال و‬
‫رسوله ‪ ،‬و أوعدهم بقوله تعال ‪ :‬فتربصوا حت يأت ال بأمره [ سورة التوبة ‪ ، 9 /‬الية ‪. ] 24 :‬‬
‫ث فسقهم بتمام الية ‪ ،‬و أعلمهم أنم من ضل و ل يهده ال ‪.‬‬
‫حدثنا أبو علي الغسان الافظ فيما أجازنيه ‪ ،‬و هو ما قرأته على غي واحد ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا سراج بن‬
‫عبد ال القاضي ‪ ،‬حدثنا أبو ممد الصيلي تعال حدثنا الروزي ‪ ،‬حدثنا أبو عبد ال ممد بن يوسف ‪،‬‬
‫حدثنا ممد بن إساعيل ‪ ،‬حدثنا يعقوب بن أبراهيم ‪ ،‬حدثنا ابن علية ‪ ،‬عن عبد العزيز بن صهيب ‪ ،‬عن‬
‫أنس رضي ال عنه ـ أن رسول ال أن رسول ال صلى ال عليه و سلم قال ‪ :‬ل يؤمن أحدكم حت‬
‫أكون أحب إليه من ولده و والده و الناس أجعي ‪.‬‬
‫و عن أب هريرة نوه ‪.‬‬
‫و عن أنس ‪ ،‬عنه صلى ال عليه و سلم ‪ :‬ثلث من كن فيه وجد حلوة اليان ‪ :‬أن يكون ال ورسوله‬
‫أحب إليه ما سواها ‪ .‬و أن يب الرء ل يبه إل ل ‪ ،‬و أن يكره أن يعود ف الكفر كما يكره أن‬
‫يقذف ف النار ‪.‬‬
‫و عن عمر بن الطاب رضي ال عنه أنه قال للنب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬لنت أحب إل من شيء إل‬
‫نفسي الت بي جنب ‪.‬‬
‫فقال النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬لن يؤمن أحدكم حت أكون أحب إليه من نفسه ‪.‬‬
‫فقال عمر ‪ :‬و الذي أنزل عليك الكتاب لنت أحب إل من نفسي الت بي جنب ‪.‬‬
‫فقال النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬الن يا عمر ‪.‬‬
‫قال سهل ‪ :‬من ل ير ولية الرسول عليه ف جيع الحوال ‪ ،‬و يرى نفسه ف ملكه صلى ال عليه و سلم‬
‫ل يذوق حلوة سنته ‪ ،‬لن النب صال ال عليه و سلم قال ل يؤمن أحدكم حت يكون أحب إليه من‬
‫نفسه ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف ثواب مبته صلى ال عليه و سلم‬

‫حدثنا أبو ممد بن عتاب بقراءت عليه ‪ ،‬حدثنا أبو القاسم حات بن ممد ‪ ،‬حدثنا أبو السن علي بن‬
‫خلف ‪ ،‬حدثنا أبو زيد الروزي ‪ ،‬حدثنا ممد بن يوسف ‪ ،‬حدثنا ممد بن إساعيل ‪ ،‬حدثنا عبد ال ‪،‬‬
‫حدثنا أب ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن عمرو بن مرة ‪ ،‬عن سال بن أب العد ‪ ،‬عن أنس رضي ال عنه ‪-‬أن‬
‫ل أتى النب صلى ال عليه و سلم فقال ‪ :‬مت الساعة يا رسول ال ؟ قال ‪ :‬ما أعددت لا ؟ قال ‪ :‬ما‬
‫رج ً‬
‫أعددت لا من كثي صلة و ل صوم و ل صدقة ‪ ،‬و لكن أحب ال و رسوله ‪ .‬قال ‪ :‬أنت مع من‬
‫أحببت ‪.‬‬
‫و عن صفوان بن قدامة ‪ :‬هاجرت إل النب صلى ال عليه و سلم فأتيته ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ناولن‬
‫يدك أبايعك ‪ .‬فناولن يده ‪ ،‬فقلت يا رسول ال ‪ ،‬إن أحبك ‪ .‬قال ‪ :‬الرء مع من أحب ‪.‬‬
‫وروى هذا اللفظ عن النب صلى ال عليه و سلم عبد ال بن مسعود تعال و أبو موسى ‪ ،‬و أنس ‪ ،‬و‬
‫عن أب ذر بعناه ‪.‬‬
‫و عن علي أن النب صلى ال عليه و سلم أخذ بيد حسن و حسي ‪ ،‬فقال ‪ :‬من أحبن و أحب هذين و‬
‫أباها و أمهما كان معي ف درجت يوم القيامة ‪.‬‬
‫وروي أن رجلً أتى النب صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬لنت أحب إل من أهلي و مال ‪،‬‬
‫و إن لذكرك فما أصبحت أجيء فأنظر إليك ‪ ،‬و إن ذكرت موت و موتك تعال فعرفت أنك إذا‬
‫دخلت النة رفعت مع النبيي ‪ ،‬و إن دخلتها ل أراك ‪ .‬فأنزل ال تعال ‪ :‬ومن يطع ال والرسول فأولئك‬
‫مع الذين أنعم ال عليهم من النبيي والصديقي والشهداء والصالي وحسن أولئك رفيقا فدعا به فقرأها‬
‫عليه ‪.‬‬
‫وف حديث آخر ‪ :‬كان رجل عند النب صلى ال عليه و سلمينظر إليه ل يطرف ‪ ،‬فقال ما بالك ؟ قال‬
‫‪ :‬بأب و أمي ! أتتع من النظر إليك ‪ ،‬فإذا كان يوم القيامة رفعك ال بتفضيله ‪ ،‬فأنزل ال الية ‪.‬‬
‫و ف حديث أنس رضي ال عنه ‪ :‬من أحبن كان معي ف النة ‪.‬‬

‫فصل‬
‫فيما روي عن السلف و الئمة من مبتهم للنب صلى ال عليه و سلم و شوقهم له‬

‫حدثنا القاضي الشهيد ‪ ،‬حدثنا الرازي ‪ ،‬حدثنا اللودي ‪ ،‬حدثنا ابن سفيان ‪ ،‬حدثنا مسلم ‪ ،‬حدثنا‬
‫قتيبة ‪ ،‬حدثنا يعقوب بن عبد الرحن ‪ ،‬عن سهيل ‪ ،‬عن أبيه عن أب هريرة رضي ال عنه ‪-‬أن رسول ال‬
‫صلى ال عليه و سلم قال من أشد أمت ل حبا يكونون بعدي ‪ ،‬يود أحدهم لو رآن بأهله و ماله ‪.‬‬
‫و مثله عن أب ذر ‪.‬‬
‫و قد تقدم حديث عمر رضي ال عنه ‪ ،‬و قوله للنب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬لنت أحب إل من نفسي‬
‫‪ .‬و ما تقدم عن الصحابة ف مثله ‪.‬‬
‫و عن عمرو بن العاص رضي ال عنه ‪ :‬ما كان أحد أحب إل من رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫وعن عبدة بنت خالد بن معدان ‪ ،‬قالت ‪ :‬ما كان خالد يأوي إل فراش إل و هو يذكر من شوقه إل‬
‫رسول ال صلى ال عليه و سلم و إل أصحابه من الهاجرين و النصار يسميهم و يقول ‪ :‬هم أصلي و‬
‫فصلي ‪ ،‬و إليهم ين قلب ‪ ،‬طال شوقي ‪ ،‬فجعل رب قبضي إليك حت يغلبه النوم ‪.‬‬
‫وروي عن أب بكر رضي ال عنه أنه قال للنب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬و الذي بعثك بالق لسلم أب‬
‫طالب كان أقر لعين من إسلمه ‪-‬يعن أباه أبا قحافة ‪ ،‬و ذلك أن إسلم أب طالب كان أقر لعينك ‪.‬‬
‫ونوه عن عمر بن الطاب ‪ ،‬قاله للعباس رضي ال عنه ‪ :‬أن تسلم أحب إل من أن يسلم الطاب ‪،‬‬
‫لن ذلك أحب إل رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و عن ابن إسحاق ان امرأة من النصار قتل أبوها و أخوها وزوجها يوم أحد مع رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فقالت ‪ :‬ما فعل رسول ال صلىال عليه و سلم ؟ قالوا ‪ :‬خيا ‪ ،‬هو بمد ال كما تبي‬
‫‪ .‬قالت ‪ :‬أرونيه حت أنظر إليه ‪ .‬فلما رأته قالت ‪ :‬كل مصيبة بعدك جلل ‪.‬‬
‫و سئل علي بن أب طالب رضي ال عنه ‪ :‬كيف كان حبكم لرسول ال صلى ال عليه و سلم [‬
‫‪ ] 145‬و سلم ؟ قال ‪ :‬كان و ال أحب إلينا من اموالنا و أولدنا و أبائنا و أمهاتنا ‪ ،‬ومن الاء البارد‬
‫على الظمأ ‪.‬‬
‫و عن زيد بن أسلمك ‪ :‬خرج عمر رضي اللله عنه ليلة يرس الناس ‪ ،‬فرأى مصباحا ف بيت ‪ ،‬و إذا‬
‫عجوز تنفش صوفا ‪ ،‬و تقول ‪:‬‬
‫صلى عليه الطيبون الخيار‬ ‫على ممد صلة البرار‬
‫يا ليت شعري و النايا أطوار‬ ‫قد كنت قواما بكا بالسحار‬
‫هل تمعن و حبيب الدار‬
‫تعن النب صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫فجلس عمر رضي ال عنه يبكي ‪ ،‬و ف الكاية ط ول ‪.‬‬
‫وروي أن عبد ال بن عمر خدرت رجله تعال فقيل له ‪ :‬اذكر أحب الناس إليك يزل عنك ‪.‬‬
‫فصاح ‪ :‬يا ممداه ! فانتشرت ‪.‬‬
‫و لا احتضر بلل رضي ال عنه نادت امرأته ‪ :‬و احزاناه ! فقال ‪ :‬واطرباه ! غدا ألقى الحبة ‪ .‬ممدا‬
‫و حزبه ‪.‬‬
‫[ و مثله عن حذيفة بن اليمان رضي ال عنهما ] ‪.‬‬
‫و يروى أن امرأة قالت لعائشة رضي ال عنها ‪ :‬اكشفي ل قب رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪،‬‬
‫فكشفته لا تعال فبكت حت ماتت ‪.‬‬
‫و لا أخرج أهل مكة زيد بن الدثنة من الرم ليقتلوه قال ابو سفيان ابن حرب ‪ :‬أنشدك بال يا زيد ‪،‬‬
‫أتب أن ممدا الن عندنا مكانك تضرب عنقه ‪ ،‬و إنك ف أهلك ؟‬
‫فقال زيد ‪ :‬و ال ما أحب أن ممدا الن ف مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة و إن جالس ف أهلي ‪.‬‬
‫فقال أبو سفيان ‪ :‬ما رأيت من الناس أحدا يب أحدا كحب أصحاب ممد ممدا ! ‪.‬‬
‫وعن ابن عباس ‪ :‬كان الرأة إذا أتت النب صلى ال عليه و سلم حلفها بال ‪ :‬ما خرجت من بغض زوج‬
‫و ل رغبة بأرض عن ارض ‪ ،‬وما خرجت إل حبا ل ورسوله ‪.‬‬
‫ووقف ابن عمر على ابن الزبي رضي ال عنهما بعد قتله تعال فاستغفر له ‪ ،‬و قال ‪ :‬كنت و ال ما‬
‫علمت صواما قواما تب ال ور سوله ‪.‬‬
‫فصل‬
‫ف علمة مبته صلى ال عليه و سلم‬

‫اعلم أن من أحب شيئا آثره و آثر موافقته ‪ ،‬و إل ل يكن صادقا ف حبه ‪ ،‬و كان مدعيا ‪ .‬فالصادق ف‬
‫حب النب صلى ال عليه و سلم من تظهر علمة ذلك عليه ‪ ،‬و أولا القتداء به ‪ ،‬و استعمال سنته ‪ ،‬و‬
‫اتباع أقواله و أفعاله ‪ ،‬و اجتناب نواهيه ‪ ،‬والتأدب بآدابه ف عسره و يسره ‪ ،‬و منشطه و مكرهه ‪ ،‬و‬
‫شاهد هذا قوله تعال ‪ :‬قل إن كنتم تبون ال فاتبعون يببكم ال [ سورة آل عمران ‪ ، 3/‬الية ‪:‬‬
‫‪. ] 31‬‬
‫وإيثار ما شرعه و حض عليه على هوى نفسه تعال و موافقة شهوته ‪ ،‬قال ال تعال ‪ :‬والذين تبوؤوا‬
‫الدار واليان من قبلهم يبون من هاجر إليهم ول يدون ف صدورهم حاجة ما أوتوا ويؤثرون على‬
‫أنفسهم ولو كان بم خصاصة [ سورة الشر ‪ ، 59/‬الية ‪. ] 9 :‬‬
‫و إسخاط العباد ف رضا ال تعال ‪.‬‬
‫حدثنا القاضي أبو علي الافظ ‪ ،‬حدثنا أبو السن الصيف ‪ ،‬و أبو الفضل ابن خيون ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا أبو‬
‫يعلى البغدادي ‪ ،‬حدثنا ممد بن مبوب ‪ ،‬حدثنا أبو عيسى ‪ ،‬حدثنا مسلم بن حات ‪ ،‬حدثنا ممد بن‬
‫عبد ال النصاري ‪ ،‬عن أبيه [ ‪ ] 146‬عن علي بن زيد ‪ ،‬عن سعيد بن السيب ‪ ،‬قال ‪ :‬قال أنس ب ن‬
‫مالك رضي ال عنه ‪ :‬قال ل رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬يا بن ‪ ،‬إن قدرت أن تصبح و تسي‬
‫ليس ف قلبك غش لحد فافعل ‪.‬‬
‫ث قال ل ‪ :‬يا بن ‪ ،‬و ذلك من سنت ‪ ،‬و من أحيا سنت فقد أحبن ‪ ،‬و من أحبن كان معي ف النة ‪.‬‬
‫فمن اتصف بذه الصفة فهو كامل الحبة ل و رسوله ‪ ،‬و من خالفها ف بعض هذه المور فهو ناقص‬
‫الحبة ‪ ،‬و ل يرج عن اسها ‪.‬‬
‫و دليله قوله صلى ال عليه و سلم للذي حده ف المر فلعنه بعضهم ‪ ،‬و قال ‪ :‬ما أكثر ما يؤتى به !‬
‫فقال النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬ل تلعنه ‪ ،‬فإنه يب ال و رسوله ‪.‬‬
‫و من علمات مبة النب صلى ال عليه و سلم كثرة ذكره له ‪ ،‬فمن أحب شيئا أكثر ذكره ‪.‬‬
‫و منها كثرة شوقه إل لقائه ‪ ،‬فكل حبيب يب لقاء حبيبه ‪.‬‬
‫و ف حديث الشعريي عند قدومهم الدينة أنم كانوا يرتزوون ‪ :‬غدا نلقى الحبة ‪ .‬ممدا و صحبه ‪.‬‬
‫و تقدم قول بلل ‪.‬‬
‫و مثله قال عمار قبل قتله ‪ .‬و ما ذكرناه من قصة خالد بن معدان ‪.‬‬
‫و من علماته مع كثرة ذكره رسول ال تعظيمه له و توفيه عند ذكره تعال و إظهار الشوع و‬
‫النكسار مع ساع إسه ‪.‬‬
‫قال إسحاق التجيب ‪ :‬كان أصحاب النب ص ل ال عليه و سلم بعده ل يذكرونه إل خشعوا و‬
‫اقشعرت جلودهم و بكوا ‪.‬‬
‫و كذلك كثي من التابعي منهم من يفعل ذلك مبة له و شوقا إليه ‪ ،‬و منهم من يفعله تيبا و توقيا ‪.‬‬
‫و منها مبته لن أحب النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬ومن هو بسببه من آل بيته و صحابته من الهاجرين‬
‫و النصار ‪ ،‬و عداوة من عاداهم ‪ ،‬و بغض من أبغضهم و سبهم ‪ ،‬فمن أحب شيئا أحب من يبه ‪.‬‬
‫و قد قال النب صلى ال عليه و سلم ف السن و السي ‪ :‬اللهم أحبهما فأحبهما ‪.‬‬
‫و ف رواية ‪-‬ف السن ‪ :‬اللهم إن أحبه فأحب من يبه ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬من أحبهما فقد أحبن ‪ ،‬و من أحبن فقد أحب ال ‪ ،‬و من أبغضهما فقد أبغضن ‪ ،‬و من‬
‫أبغضن فقد أبغض ال ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬ال ال ف أصحاب ‪ ،‬ل تتخذوهم غرضا بعدي ‪ ،‬فمن أحبهم فبحب أحبهم ‪ ،‬و من أبغضهم‬
‫فببغضي أبغضهم ‪ ،‬و من آذاهم فقد آذان ‪ ،‬و من آذان فقد آذى ال ‪ ،‬و من آذى ال يوشك أن يأخذه‬
‫‪.‬‬
‫و قال رسول ال ف فاطمة رضي ال عنها ‪ :‬إنا بضعة من ‪ ،‬يغضبن ما أغضبها ‪.‬‬
‫و قال لعائشة رسول ال قي أسامة بن زيد ‪ :‬أحبيه فإن أحبه ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬آية اليان حب النصار ‪ ،‬و آية النفاق بغض هم ‪.‬‬
‫و ف حديث ابن عمر ‪ :‬من أحب العرب فبحب أحبهم ‪ ،‬و من أبغضهم فببغضي أبغضهم ‪ ،‬فبالقيقة من‬
‫أحب شيئا أحب كل شيء يبه ‪.‬‬
‫و هذه سية السلف حت ف الباحات و شهوات النفس ‪.‬‬
‫و قد قال أنس حي رأى النب صلى ال عليه و سلم يتتبع الدباء من حوال القصعة ‪ :‬فما زلت أحب‬
‫الدباء من يومئذ ‪.‬‬
‫و هذا السن بن علي ‪ ،‬و عبد ال بن عباس ‪ ،‬وابن جعفر ـ أتوا سلمى و سألوها أن تصنع لم [‬
‫‪ ] 147‬طعاما ما كان يعجب رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و كان ابن عمر يلبس النعال السبتية ‪ ،‬و يصبغ بالصفرة ‪ ،‬إذ رأى النب صلى ال عليه و سلم يفعل نو‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫و منها بغض من أبغض ال ورسوله ‪ ،‬ومعاداة من عاداه ‪ ،‬ومانبة من خالف سنته و ابتدع ف دينه ‪ ،‬و‬
‫استثقاله كل أمر يالف شريعته ‪ ،‬قال ال تعال ‪ :‬ل تد قوما يؤمنون بال واليوم الخر يوادون من حاد‬
‫ال ورسوله [ سورة الجادلة ‪ ، 58/‬الية ‪. ] 22 :‬‬
‫و هؤلء أصحابه صلى ال عليه و سلم قد قتلوا أحباءهم ‪ ،‬و قاتلوا آباءهم و أبناءهم ف مرضاته ‪.‬‬
‫و قال له عبد ال بن عبد ال بن أب ‪ :‬لو شئت لتيتك برأسه ‪-‬يعن أباه ‪.‬‬
‫و منها ان يب القرآن الذي أت به صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و هذي به و اهتدى ‪ ،‬و تلق به حت قالت‬
‫عائشة رضي ال عنها ‪ :‬كان خلقه القرآن ‪ ،‬و حبه للقرآن تلوته ‪ ،‬و العمل به و تفهمه ‪.‬‬
‫ويب سنته ‪ ،‬و يقف عند حدودها ‪.‬‬
‫قال سهل بن عبد ال ‪ :‬علمة حب ال حب القرآن ‪ ،‬وعلمة حب القرآن حب النب صلى ال عليه و‬
‫سلم ‪ ،‬وعلمة حب النب صلى ال عليه و سلم حب السنة ‪ ،‬وعلمة حب السنة حب الخرة ‪ ،‬وعلمة‬
‫حب الخرة بغض الدنيا ‪ ،‬وعلمة بغض الدنيا أل يدخر منها إل زاذا وبلغة إل الخرة ‪.‬‬
‫وقال ابن مسعود ‪ :‬ل يسأل أحد عن نفسه إل القرآن ‪ ،‬فإن كان يب القرآن فهو يب ال ورسوله ‪.‬‬
‫ومن علمة حبه للنب صلى ال عليه و سلم شفقته على أمته ‪ ،‬ونصحه لم ‪ ،‬وسعيه ف مصالهم ‪ ،‬ورفع‬
‫الضار عنهم ‪ ،‬كما كان الرسول صلى ال عليه و سلم بالؤمني رؤوفا رحيما ‪.‬‬
‫ومن علمة تام مبته زهد مدعيها ف الدنيا ‪ ،‬وإيثار الفقر ‪ ،‬واتصافه به ‪.‬‬
‫وقد قال عليه الصلة والسلم لب سعيد الدري ‪ :‬إن الفقر إل من يبن منكم أسرع من السيل من‬
‫أعلى الوادي ‪ ،‬أو البل إل أسفله ‪.‬‬
‫وف حديث عبد ال بن مغفل ‪ :‬قال رجل للنب صلى ال عليه و سلم يا رسول ال ‪ ،‬إن أحبك ‪ .‬فقال ‪:‬‬
‫انظ ر ما تقول ‪ .‬قال ‪ :‬وال إن أحبك ـ ثلث مرات ‪ .‬قال ‪ :‬إن كنت تبن فأعد للفقر تفافا ‪.‬‬
‫ث ذكر نو حديث أب سعيد بعناه ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف معن الحبة للنب صلى ال عليه و سلم وحقيقتها‬

‫اختلف الناس ف تفسي مبة ال ومبة النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬وكثرت عباراتم ف ذلك ‪ ،‬و ليست‬
‫ترجع بالقيقة إل اختلف مقال ‪ ،‬و لكنها اختلف أحوال ‪:‬‬
‫فقال سفيان ‪ :‬الحبة اتباع الرسول صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬كأنه التفت إل قوله تعال ‪ :‬قل إن كنتم‬
‫تبون ال فاتبعون يببكم ال ويغفر لكم ذنوبكم وال غفور رحيم [ سورة آل عمران ‪ ، 3 /‬الية ‪. ] 31 :‬‬

‫وقال بعضهم ‪ :‬مبة الرسول اعتقاد نصرته ‪ ،‬والذب عن سنته ‪ ،‬والنقياد لا ‪ ،‬و هيبة مالفته ‪.‬‬
‫و قال بعضهم ‪ :‬الحبة ‪ :‬دوام الذكر للمحبوب ‪.‬‬
‫و قال آخر ‪ :‬إيثار الحبوب ‪.‬‬
‫و قال بعضهم ‪ :‬الحبة الشوق إل الحبوب ‪.‬‬
‫و قال بعضهم ‪ :‬الحبة مواطأة القلب لراد الرب ‪ ،‬يب ما أحب ‪ ،‬ويكره ما كره ‪.‬‬
‫و قال آخر ‪ :‬الحبة ميل القلب إل موافق له ‪.‬‬
‫و أكثر العبارت التقدمة إشارة إل ثرات الحبة دون حقيقتها ‪.‬‬
‫و حقيقة الحبة اليل إل ما يوافق النسان ‪ ،‬و تكون موافقته له إما لستلذاذه بإدراكه ‪ ،‬كحب الصور‬
‫الميلة ‪ ،‬والصوات السنة ‪ ،‬والطعمة والشربة اللذيذة ‪ ،‬وأشباهها ما كل طبع سليم مائل إليها‬
‫لوافقتها له ‪ ،‬أو لستلذاذه بإدراكه باسة عقله و قلبه معان باطنة شريفة ‪ ،‬كمحبة الصالي و العلماء و‬
‫أهل العروف ‪ ،‬و الأثور عنهم السي الميلة و الفعال السنة ‪ ،‬فإن طبع النسان مائل إل الشغف‬
‫بأمثال هؤلء حت يبلغ التعصب بقوم ‪ ،‬و التشيع من أمة ف آخرين ما يؤدي إل اللء عن الوطان ‪ ،‬و‬
‫هتك الرم ‪ ،‬و احترام النفوس ‪ ،‬أو يكون حبه إياه لوافقته له من جهة إحسانه له و إنعامه عليه ‪ ،‬فقد‬
‫جبلت النفوس على حب من أحسن إليها ‪.‬‬
‫فإذا تقرر هذا نظرت هذه السباب كلها ف حقه صلى ال عليه و سلم فعلمت أنه صلى‬
‫ال عليه و سلم جامع لذه العان الثلثة الوجبة للمحبة ‪:‬‬
‫أما جال الصورة و الظاهر ‪ ،‬و كمال الخلق و الباطن ‪ ،‬فقد قررنا منها قبل فيما مر ف الكتاب ما ل‬
‫يتاج إل زيادة ‪.‬‬
‫و أما إحسانه و أنعامه على أمته فكذلك قد مر منه ف أوصاف ال تعال له من رأفته بم ‪ ،‬و رحته‬
‫لم ‪ ،‬و هدايته إياهم ‪ ،‬و شفقته عليهم ‪ ،‬و استنفاذهم به من النار ‪ ،‬و أنه بالؤمني رؤوف رحيم ‪ ،‬و‬
‫رحة للعالي ‪ ،‬و مبشرا و نذيرا ‪ ،‬و داعيا إل ال بإذنه و سراجا منيا ‪ ،‬و يتلوا عليهم آياته ‪ ،‬و‬
‫يزكيهم ‪ ،‬و يعلهم الكتاب و الكمة ‪ ،‬و يهديهم إل ى صراط مستقيم ‪.‬‬
‫فأي إحسان أجل قدرا ‪ ،‬و أعظم خطرا من إحسانه إل جيع الؤمني ؟ و أي إفضال أعم منفعة و أكثر‬
‫فائدة من إنعامه على كافة السلمي ‪ ،‬إذ كان ذريعتهم إل الداية ‪ ،‬و منقذهم من العماية ‪ ،‬و داعيهم‬
‫إل الفلح ‪ ،‬و وسيلتهم إل ربم ‪ ،‬و شفيعهم و التكلم عنهم ‪ ،‬و الشاهد لم ‪ ،‬و الوجب لم البقاء‬
‫الدائم و النعيم السرمد ‪.‬‬
‫فقد استبان لك أنه صلى ال عليه و سلم مستوجب للمحبة القيقية شرعا با قدمناه من صحيح الثار ‪،‬‬
‫و عادة و جبلةً با ذكرناه آنفا ‪ ،‬لفاضته الحسان ‪ ،‬و عمومه الجال ‪ ،‬فإذا كان النسان يب من‬
‫منحه ف دنياه مرةً أو مرتي معروفأً ‪ ،‬أو استنقذه من هلكة أو مضرة مدة التأذي با قليل منقطع ـ فمن‬
‫منحه ما ل يبيد من النعيم ‪ ،‬و وقاه ما ل يفن من عذاب الحيم أول بالب ‪.‬‬
‫و إذا كان يب بالطبع ملك لسن سيته ‪ ،‬أو حاكم لا يؤثر من قوام طريقته ‪ ،‬أو قاص بعيد الدار لا‬
‫يشاد من علمه أو كرم شيمته ـ فمن جع هذه الصال على غاية مراتب الكمال أحق بالب ‪ ،‬و أول‬
‫باليل ‪.‬‬
‫و قد قال علي رضي ال عنه ف صفته صلى ال عليه و سلم ‪ :‬من رآه بديه ًة هابه ‪ ،‬و من خالطه معرفةً‬
‫أحبه ‪.‬‬
‫و ذكرنا عن بعض الصحابة أنه كان ليصرف بصره عنه مبةً فيه [ ‪. ] 149‬‬

‫فصل‬
‫ف وجوب مناصحته صلى ال عليه و سلم‬

‫قال ال تعال ‪ :‬ول على الذين ل يدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا ل ورسوله ما على الحسني من‬
‫سبيل وال غفور رحيم [ سورة التوبة ‪ ، 9 /‬الية ‪. ]) 91 ( :‬‬
‫قال أهل التفسي ‪ :‬إذا نصحوا ل و رسوله ‪ :‬إذا كانوا ملصي مسلمي ف السر و العلنية ‪.‬‬
‫حدثنا القاضي الفقيه أبو الوليد بقراءت عليه ‪ ،‬حدثنا حسي بن ممد ‪ ،‬حدثنا يوسف بن عبد ال ‪،‬‬
‫حدثنا ابن عبد الؤمن ‪ ،‬حدثنا أبو بكر التمار ‪ ،‬حدثنا أبو داود ‪ ،‬حدثنا أحد بن يونس ‪ ،‬حدثنا زهي ‪،‬‬
‫حدثنا سهيل بن أب صال ‪ ،‬عن عطاء بن يزيد ‪ ،‬عن تيم الداري ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫و سلم ‪ :‬إن الدين النصيحة ‪ .‬إن الدين النصيحة ‪ .‬إن الدين النصيحة ‪ .‬قالوا ‪ :‬لن يا رسول ال ؟ قال ‪:‬‬
‫ل و لكتابه و لرسوله ‪ ،‬و أئمة السلمي و عامتهم واجبة ‪.‬‬
‫قال أئمتنا ‪ :‬النصيحة ل و لرسوله و أئمة السلمي و عامتهم واجبة ‪.‬‬
‫قال المام سليمان البست ‪ :‬النصيحة كلمة يعب با عن جلة إرادة الي للمنصوح له ‪ ،‬و ليس يكن أن‬
‫يعب عنها بكلمة واحدة تصرها ‪ .‬و معناها ف اللغة الخلص ‪ ،‬من قولم ‪ :‬نصحت العسل ‪ ،‬إذا‬
‫خلصته من شعه ‪.‬‬
‫و قال أبو بكر بن أب إسحاق الفاف ‪ :‬النصح فعل الشيء الذي به الصلح و اللءمة ‪ ،‬مأخوذ من‬
‫النصاح ‪ ،‬و هو اليط الذي ياط به الثوب ‪.‬‬
‫و قال أبو إسحاق الزجاج نوه ‪.‬‬
‫فنصيحة ال تعال صحة العتقاد له بالوحدانية ‪ ،‬و وصفه با هو أهله ‪ ،‬و تنيهه عما ل يوز عليه ‪ ،‬و‬
‫الرغبة ف مابه ‪ ،‬و البعد من مساخطه ‪ ،‬و الخلص ف عبادته ‪.‬‬
‫و النصيحة لكتابه اليان به ‪ ،‬و العمل با فيه ‪ ،‬و تسي تلوته ‪ ،‬و التخشع عنده ‪ ،‬و التعظيم له ‪ ،‬و‬
‫تفهمه و التفقه فيه ‪ ،‬و الذب من تأويل الغالي ‪ ،‬و طعن اللحدين ‪.‬‬
‫و النصيحة لرسوله التصديق بنبوته ‪ ،‬وبذل الطاعة له فيما أمر به ونى عنه ‪ ،‬قاله أبو سليمان ‪.‬‬
‫و قال أبو بكر ‪ :‬و مؤازرته ونصرته وحايته حيا و ميتا ‪ ،‬و إحياء سنته بالطلب ‪ ،‬والذب عنها ‪ ،‬و‬
‫نشرها ‪ ،‬والتخلق بأخلقه الكرية وآدابه الميلة ‪.‬‬
‫وقال أبو إبراهيم [ إسحاق ] التجيب ‪ :‬نصيحة رسول ال صلى ال عليه و سلم التصديق با جاء به ‪ ،‬و‬
‫العتصام بسنته ‪ ،‬و نشرها ‪ ،‬و الض عليها ‪ ،‬و الدعوة إل ال و إل كتابه و إل رسوله ‪ ،‬و إليها و إل‬
‫العمل با ‪.‬‬
‫و قال أحد بن ممد ‪ :‬من مفروضات ال قلوب اعتقاد النصيحة لرسول ال صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫قال أبو بكر الجري و غيه ‪ :‬النصح له يقتضي نصحي ‪ :‬نصحا ف حياته ‪ ،‬ونصحا بعد ماته ‪ ،‬ففي‬
‫حياته نصح أصحابه له بالنصر والحاماة عنه و معاداة من عاداه ‪ ،‬والسمع و الطاعة له ‪ ،‬و بذل النفوس‬
‫والموال دونه ‪ ،‬كما قال ال تعال ‪ :‬رجال صدقوا ما عاهدوا ال عليه فمنهم من قضى نبه ومنهم من‬
‫ينتظر وما بدلوا تبديل [ سورة الحزاب ‪ ، 33 /‬الية ‪. ] 23 :‬‬
‫و قال ‪ :‬وينصرون ال ورسوله أولئك هم الصادقون [ سورة الشر ‪ ، 59 /‬الية ‪. ] 8 :‬‬
‫و أما نصيحة السلمي له بعد وفاته فالتزام التوقي و الجلل ‪ ،‬و شدة الحبة له ‪ ،‬و الثابرة على تعلم‬
‫سنته [ ‪ ، ] 150‬و التفقه ف شريعته ‪ ،‬و مبة آل بيته و أصحابه ‪ ،‬و مانبة من رغب عن سنته و انرف‬
‫عنها ‪ ،‬و بغضه و التحذير منه ‪ ،‬و الشفقة على أمته ‪ ،‬و البحث عن تعرف أخلقه و سيه و آدابه ‪ ،‬و‬
‫الصب على ذلك ‪.‬‬
‫فعلى ما ذكره تكون النصيحة إحدى ثرات الحبة ‪ ،‬و علمة من علماتا كما قدمنا ‪.‬‬
‫و حكى المام أبو القاسم القشيي أن عمرو بن الليث أحد ملوك خراسان و مشاهي الثوار العرف‬
‫بالصفار ـ رئي ف النوم ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬ما فعل ال بك ؟ فقال ‪ :‬غفر ل ‪ ،‬فقيل ‪ :‬باذا ؟ قال ‪ :‬صعدت‬
‫ذروة جبل يوما فأشرفت على جنودي ‪ ،‬فأعجبتن كثرتم ‪ ،‬فتمنيت أن حضرت رسول ال صلى ال‬
‫عليه و سلم فأعنته ونصرته ‪ ،‬فشكر ال ل ذلك و غفر ل ‪.‬‬
‫و أما النصح لئمة السلمي فطاعتهم ف الق ‪ ،‬و معونتهم فيه ‪ ،‬وأمرهم به ‪ ،‬و تذكيهم إياه على‬
‫أحسن وجه و تنبيههم على ما غفلوا عنه و كتم عنهم من أمور السلمي ‪ ،‬و ترك الروج عليهم ‪ ،‬و‬
‫تضريب الناس و إفساد قلوبم عليهم ‪.‬‬
‫و النصح لعامة السلمي إرشادهم إل مصالهم ‪ ،‬و معونتهم ف أمر دينهم و دنياهم بالقول و الفعل ‪ ،‬و‬
‫تنبيه غافلهم ‪ ،‬و تبصي جاهلهم ‪ ،‬و رفد متاجهم ‪ ،‬و ستر عوراتم ‪ ،‬و دفع الضار عنهم ‪ ،‬و جلب‬
‫النافع إليهم ‪.‬‬

‫الباب الثالث‬

‫ف تعظيم أمره و وجوب توقيه و بره‬


‫قال ال تعال ‪ :‬يا أيها النب إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ‪ .‬لتؤمنوا بال ورسوله وتعزروه وتوقروه [‬
‫سورة الفتح ‪ ، 48 /‬الية ‪. ] 9 :‬‬
‫و قال يا أيها الذين آمنوا ل تقدموا بي يدي ال ورسوله [ سورة الجرات ‪ ، 49 /‬الية ‪. ] 1 :‬‬
‫و ‪ :‬يا أيها الذين آمنوا ل ترفعوا أصواتكم فوق صوت النب ول تهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض‬
‫أن تبط أعمالكم وأنتم ل تشعرون * إن الذين يغضون أصواتم عند رسول ال أولئك الذين امتحن ال‬
‫قلوبم للتقوى لم مغفرة وأجر عظيم * إن الذين ينادونك من وراء الجرات أكثرهم ل يعقلون [ سورة‬
‫الجرات ‪ ، 49 /‬الية ‪.] 2،4‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬ل تعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا [ سورة النور ‪ ، 24/‬الية ‪. ] 63 :‬‬

‫فأوجب ال تعال تعزيزه و توقيه ‪ ،‬و ألزم إكرامه و تعظيمه ‪.‬‬


‫قال ابن عباس ‪ :‬تعزروه ‪ :‬تلوه ‪ .‬و قال البد ‪ :‬تعزروه ‪ :‬تبالغوا ف تعظيمه ‪.‬‬
‫و قال الخفش ‪ :‬تنصرونه ‪ .‬و قال الطبي ‪:‬تعينونه ‪.‬‬
‫و قرىء ‪ :‬تعززوه ـ بزايي ـ من العز ‪.‬‬
‫و ني عن التقدم بي يديه بالقول ‪ ،‬و سوءالدب بسبقه بالكلم ‪ ،‬على قول ابن عباس و غيه ‪ ،‬و هو‬
‫اختيار ثعلب ‪.‬‬
‫قال سهل بن عبد ال ‪ :‬ل تقولوا قبل أن يقول ‪ ،‬و إذا قال فاستمعوا له و أنصتوا ‪.‬‬
‫و نوا عن التقدم و التعجل بقضاء أمر قبل قضائه فيه ‪ ،‬و أن يفتاتوا يشيء ف ذلك من قتال أو غيه من‬
‫أمر دينهم ‪ ،‬و ل يسبقوه به ‪.‬‬
‫و إل هذا يرجع قول السي ‪ ،‬و ماهد ‪ ،‬و الضحاك ‪ ،‬و السدي ‪ ،‬و الثوري ‪.‬‬
‫ث و عظهم و حذرهم مالفة ذلك ‪ ،‬فقال ‪ :‬واتقوا ال إن ال سيع عليم‬
‫قال الاوردي ‪ :‬اتقوا ـ يعن ف التقدم ‪.‬‬
‫و قال السلمي ‪ :‬اتقوا ال ف إهال حقه و تضييع حرمته ‪ ،‬إنه سيع لقولكم ‪ ،‬عليم بفعلكم ‪.‬‬
‫ث ناهم عن رفع الصوت فوق صوته ‪،‬و الهر له بالقول كما يهر بعضهم لبعض و يرفع صوته ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬كما ينادي بعضهم [‪ ]151‬بعضا باسه ‪.‬‬
‫قال أبو ممد مكي ‪ :‬أي ل تسابقوه بالكلم ‪ ،‬و تغلظوا له بالطاب ‪ ،‬و ل تنادوه باسه نداء بعضكم‬
‫بعضا ‪ ،‬و لكن عظموه و نادوه بأشرف ما يب أن ينادي به ‪ :‬يا رسول ال يا نب ال ‪.‬‬
‫و هذا كقوله ف الية الخرى ‪ :‬ل تعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا على أحد التأويلي‬
‫‪.‬‬
‫و قال غيه ل تاطبوه إل م ستفهمي ‪.‬‬
‫ث خوفهم ال تعال ببط أعمالم إن هم فعلوا ذلك ‪ ،‬و حذرهم منه ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬نزلت الية ف وفد بن تيم ـ و قيل ‪ :‬ف غيهم ‪ ،‬أتوا النب صلى ال عليه و سلم فنادوه ‪ :‬يا‬
‫ممد ‪ ،‬يا ممد ‪ ،‬اخرج إلينا ‪ .‬فذمهم ال تعال بالهل ‪ ،‬و وصفهم بأن أكثرهم ل يعقلون ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬نزلت الية ف ماورة كانت بي أب بكر و عمر بي يدي النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و‬
‫اختلف جرى بينهما ‪ ،‬حت ارتفعت أصواتا ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬نزلت ف ثابت بن قيس بن شاس خطيب النب صلى ال عليه و سلم ف مفاخرة بن تيم ‪ ،‬و‬
‫كان ف أذنيه صمم ‪ ،‬فكان يرفع صوته ‪ ،‬فلما نزلت هذه الية أقام ف منله ‪ ،‬و خشي أن يكون حبط‬
‫عمله ‪ ،‬ث أتى النب صلى ال عليه و سلم فقال ‪ :‬يا نب ال ‪ ،‬لقد خشيت أن أكون هلكت ‪ ،‬نانا ال أن‬
‫نهر بالقول ‪ ،‬و أنا امرؤ جهي الصوت ‪.‬‬
‫فقال النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬أما ترضى أن تعيش حيدا ‪ ،‬و تقتل شهيدا ‪ ،‬و تدخل النة ! فقتل‬
‫يوم اليمامة ‪.‬‬
‫وروي أن أبا بكر لا نزلت هذه الية قال ‪ :‬و ال يا رسول ال ‪ ،‬ل أكلمك بعدها إل كأخي السرار ‪.‬‬
‫وأن عمر كان إذا حدثه كأخي السرار ‪،‬ما كان يسمع رسول ال صلى ال عليه و سلم بعد هذه الية‬
‫حت يستفهمه ‪ ،‬فأنزل ال تعال فيهم ‪ :‬إن الذين يغضون أصواتم عند رسول ال أولئك الذين امتحن‬
‫ال قلوبم للتقوى لم مغفرة وأجر عظيم [ سورة الجرات ‪ ، 49/‬الية ‪. ] 3 :‬‬
‫و قيل ‪ :‬نزلت ‪ :‬إن الذين ينادونك من وراء الجرات ـ ف غي بن تيم ‪ ،‬نادوه باسه ‪:‬‬
‫وروى صفوان بن عسال ‪ :‬بينا النب صلى ال عليه و سلم ف سفر إذا ناداه أعراب بصوت له جهوري ‪:‬‬
‫أبا ممد ‪ .‬قلنا له ‪ :‬اغضض من صوتك ‪ ،‬فإنك قد نيت عن رفع الصوت ‪.‬‬
‫و قال ال تعال ‪ :‬يا أيها الذين آمنوا ل تقولوا راعنا [ سورة البقرة ‪ ، 2 /‬الية ‪. ] 104 :‬‬
‫قال بعض الفسرين ‪ :‬هي لغة كانت ف النصار ‪ ،‬نوا عن قولا تعظيما للنب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و‬
‫تبجيل له ‪ ،‬لن معناها ‪ :‬ارعنا نرعك ‪ ،‬فنهوا عن قولا ‪ ،‬إذا مقتضاها كأنم ل يرعونه إل برعايته لم ‪،‬‬
‫بل حقه أن يرعى على كل حال ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬كانت اليهود تعرض با للنب صلى ال عليه و سلم بالرعونة ‪ ،‬فنهى السلمون عن قولا ‪ ،‬قطعا‬
‫للذريعة ‪ ،‬و منعا للتشبيه بم ف قولا ‪ ،‬لشاركة اللفظة ‪ .‬و قيل غي هذا ‪.‬‬

‫فصل ‪ :‬ف عادة الصحابة ف تعظيمه و توقيه [ ‪ ] 152‬و إجلله‬


‫حدثنا القاضي أبو علي الصدف ‪ ،‬و أبو بر السدي بسماعي عليهما ف آخرين ‪ ،‬قالوا ‪ :‬حدثنا أحد بن‬
‫عمر ‪ ،‬حدثنا أحد بن السن ‪ ،‬حدثنا ممد بن عيسى ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن سفيان ‪ ،‬حدثنا مسلم ‪،‬‬
‫حدثنا ممد بن مثن ‪ ،‬و أبو معن الرقاشي ‪ ،‬و إسحاق بن منصور ‪ ،‬قالوا حدثنا الضحاك بن ملد ‪،‬‬
‫أخبنا حيوة بن شريح ‪ ،‬حدثنا يزيد بن أب حبيب ‪ ،‬عن ابن شاسة الهري ‪ ،‬قال ‪ :‬حضرنا عمر ابن‬
‫العاص ‪...‬‬
‫فذكر حديثا طويلً فيه عن عمرو ‪ ،‬قال ‪ :‬و ما كان أحد أحب إل من رسول ال صلى ال عليه و سلم‬
‫‪ ،‬و ل أجل ف عين منه ‪ ،‬و ما كنت أطيق أن أمل عين منه إجللً له ‪ ،‬و لو سئلت أن أصفه ما أطقت‬
‫‪ ،‬لن ل أكن أمل عين منه ‪.‬‬
‫و روى الترمذي عن أنس ـ أن رسول ال صلى ال عليه و سلم كان يرج على أصحابه من الهاجرين‬
‫و النصار و هم جلوس ‪ ،‬فيهم أبو بكر ‪ ،‬و عمر ‪ ،‬فل يرفع أحد منهم إليه بصره إل أبو بكر و عمر ‪،‬‬
‫فإنما كانا ينظران إليه و ينظر إليهما ‪ ،‬و يتبسمان إليه و يبتسم إليهما ‪.‬‬
‫و روى أسامة بن شريك ‪ ،‬قال أتيت النب صلى ال عليه و سلم و أصحابه حوله كأنا ع ل رؤوسهم‬
‫الطي ‪.‬‬
‫وف حديث صفته ‪ :‬إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنا على رؤوسهم الطي ‪.‬‬
‫و قال عروة بن مسعود ـ حي و جهته قريش عام القضية إل رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و رأى‬
‫من تعظيم أصحابه له ما رأى ‪ ،‬و أنه ل يتوضأ إل ابتدروا و ضوءه ‪ ،‬و كادوا يقتتلون عليه ‪ ،‬و ل يبصق‬
‫بصاقا ‪ ،‬و ل يتنخم نامة إل تلقوها بأكفهم فدلكوا با و جوههم و أجسادهم ‪ ،‬و ل تسقط منه شعرة‬
‫إل ابتدروها ‪ ،‬و إذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره ‪،‬و إذا تكلم خفضوا أصواتم عنده ‪ ،‬و ما يدون إليه النظر‬
‫تعظيما له ‪.‬‬
‫فلما رجع إل قريش قال ‪ :‬يا معشر قريش ‪ ،‬إن جئت كسرى ف ملكه ‪ ،‬و قيصر ف ملكه و النجاشي‬
‫ف ملكه ‪ ،‬و إن و ال ما رأيت ملكا ف قوم قط مثل ممد ف أصحابه ‪.‬‬
‫و ف رواية ‪ :‬إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم ممدا أصحابه ‪ .‬و قد رأيت قوما ل يسلمونه‬
‫أبدا ‪.‬‬
‫و عن أنس ‪ :‬لقد رأيت رسول ال صلى ال عليه و سلم و اللق يلقه ‪ ،‬و قد أطاف به أصحابه ‪ ،‬فما‬
‫يريدون أن تقع شعره إل ف يد رجل ‪.‬‬
‫و من هذا لا أذنت قريش لعثمان ف الطواف بالبيت حي وجهه النب صلى ال عليه و سلم إليهم ف‬
‫القضية أب ‪ ،‬و قال ‪ :‬ما كنت لفعل حت يطوف به رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و ف حديث طلحة ‪ :‬إن أصحاب رسول ال صلى ال عليه و سلم قالوا لعراب جاهل ‪ :‬سله عمن‬
‫قضلى نبه ـ و كانوا يهابونه و يوقرونه ‪ ،‬فسأله ‪ ،‬فاعرض عنه ‪ ،‬إذ طلع طلحة ‪ ،‬فقال رسول ال‬
‫صلى ال عليه و سلم ‪ :‬هذا من قض نبه ‪.‬‬
‫و ف حديث قيلة ‪ :‬فلما رأيت رسول ال صلى ال عليه و سلم جالسا القرفصاء أرعدت من الفرق و‬
‫ذلك [ ‪ ] 153‬هيبة له و تعظيما ‪.‬‬
‫و ف حديث الغية ‪ :‬كان أصحاب رسول ال صلى ال عليه و سلم يقرعون بابه بالظافي ‪.‬‬
‫و قال الباء بن عازب ‪ :‬لقد كنت أريد أن أسأل رسول ال صلى ال عليه و سلم عن المر فأؤخره‬
‫سني من هيبته ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف تعظيم النب بعد موته‬

‫و اعلم أن حرمة النب صلى ال عليه و سلم بعد موته ‪ ،‬و توقيه و تعظيمه ‪ ،‬لزم كما كان حال‬
‫حياته ‪ ،‬و ذلك عند ذكره صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و ذكر حديثه و سنته ‪ ،‬و ساع اسه و سيته ‪ ،‬و‬
‫معاملة آله و عترته ‪ ،‬و تعظيم أهل بيته و صحابته ‪.‬‬
‫و قال أبو إبراهيم التجيب ‪ :‬واجب على كل مؤمن مت ذكره ‪ ،‬أو ذكر عنده ـ أن يضع و يشع ‪ ،‬و‬
‫يتوقر و يسكن من حركته ‪ ،‬و يأخذ ف هيبته و إجلله با كان يأخذ به نفسه لو كان بي يديه ‪ ،‬و‬
‫يتأدب با أدبنا ال به ‪.‬‬
‫قال القاضي أبو الفضل ‪ :‬و هذه كانت سية سلفنا الصال و أئمتنا الاضي رضي ال عنهم ‪.‬‬
‫حدثنا القاضي أبو عبد ال ممد بن عبد الرحن الشعري ‪ ،‬و أبو القاسم أحد ابن بقي الاكم ‪ ،‬و غي‬
‫واحد ‪ ،‬فيما أجازونيه ‪ ،‬قالوا ‪ :‬أنبأنا أبو العباس أحد بن عمر ابن دلاث ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا أبو السن علي‬
‫بن فهر ‪ ،‬حدثنا أبو بكر ممد بن أحد ابن الفرج ‪ ،‬حدثنا أبو السن عبد ال بن النتاب ‪ ،‬حدثنا‬
‫يعقوب بن إسحاق ابن أب إسرائيل ‪ ،‬حدثنا ابن حيد ‪ ،‬قال ناظر أبو جعفر أمي الؤمني مالكا ف‬
‫مسجد رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فقال له مالك ‪ :‬يا أمي الؤمني ‪ ،‬ل ترفع صوتك ف هذا‬
‫السجد ‪ ،‬فإن ال تعال أدب قوما فقال ‪ :‬ل ترفعوا أصواتكم فوق صوت النب ول تهروا له بالقول‬
‫كجهر بعضكم لبعض أن تبط أعمالكم وأنتم ل تشعرون [ سورة الجرات ‪ ، 49 /‬الية ‪. ] 2 :‬‬
‫و مدح قوما فقال ‪ :‬إن الذين يغضون أصواتم عند رسول ال أولئك الذين امتحن ال قلوبم للتقوى لم‬
‫مغفرة وأجر عظيم [ سورة الجرات ‪ ، 49 /‬الية ‪. ] 3 :‬‬
‫و ذم قوما فقال ‪ :‬إن الذين ينادونك من وراء الجرات أكثرهم ل يعقلون و إن حرمته كحرمته حيا ‪.‬‬
‫فاستكان لا أبو جعفر ‪ ،‬و قال ‪ :‬يا أبا عبد ال ‪ ،‬أأستقبل القبلة و أدعوا أم أستقبل رسول ال صلى ال‬
‫عليه و سلم ؟ فقال ‪ :‬و ل تصرف وجهك عنه و هو وسيلتك و وسيلة أبيك آدم عليه السلم إل ال‬
‫تعال يوم القيامة ؟ بل استقبله و استشفع به ‪ ،‬فيشفعك ال ‪ ،‬قال ال تعال ‪ :‬ولو أنم إذ ظلموا أنفسهم‬
‫جاؤوك فاستغفروا ال واستغفر لم الرسول لوجدوا ال توابا رحيما [ سورة النساء ‪ ، 4 /‬الية ‪] 64 :‬‬
‫‪.‬‬
‫و قال مالك ـ وقد سئل عن أيوب السختيان ‪ :‬ما حدثتكم عن أحد إل و أيوب أفضل منه ‪:‬‬
‫و قال ‪ :‬وحج حجتي ‪ ،‬فكنت أرمقه و ل أسع منه ‪ ،‬غي أنه كان إذا ذكر النب صلى ال عليه و سلم‬
‫بكى حت أرحه ‪.‬‬
‫فلما رأيت منه ما رأيت ‪ ،‬و إجلله للنب صلى ال عليه و سلم كتب عنه ‪.‬‬
‫و قال مصعب بن عبد ال ‪ :‬كان مالك إذا ذكر النب صلى ال عليه و سلم يتغي لونه ‪ ،‬و ينحن حت‬
‫يصعب ذلك على جلسائه ‪ ،‬فقيل له يوما ف ذلك ‪ ،‬فقال لو رأيتم ما رأيت لا أنكرت علي ما ترون ‪ ،‬و‬
‫لقد كنت أرى ممد ابن النكدر ‪ ،‬وكان سيد القراء ل نكاد نسأله عن حديث أبدا إل يبكي حت‬
‫نرحه ‪.‬‬
‫و لقد كنت أرى جعفر بن ممد الصادق ‪ ،‬و كان كثي الدعابة و التبسم ‪ ،‬فإذا ذكر [ ‪ ] 154‬عنده‬
‫النب صلى ال عليه و سلم اصفر ‪ .‬و ما رأيته يدث عن رسول ال صلى ال عليه و سلم إل على طهارة‬
‫‪.‬‬
‫و قد اختلفت إليه زمانا فما كنت أراه إل على ثلث خصال ‪ :‬إما مصليا ‪ ،‬و إما صامتا ‪ ،‬و إما يقرأ‬
‫القرآن ‪ ،‬و ل يتكلم فيما ل يعنيه ‪ ،‬و كان من العلماء و العباد الذين يشون ال عز و جل ‪.‬‬
‫و لقد كان عبد الرحن بن القاسم يذكر النب صلى ال عليه و سلم فينظر إل لونه كأنه نزف منه الدم ‪،‬‬
‫و قد جف لسانه ف فمه هيبةً لرسول ال صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و لقد كنت آت عامر بن عبد ال بن الزبي فإذ ا ذكر عنده النب صلى ال عليه و سلم بكى حت ل يبقى‬
‫ف عينيه دموع ‪.‬‬
‫و لقد رأيت الزهري ـ و كان من أهنأ الناس و أقربم ‪ ،‬فإذا ذكر عنده النب صلى ال عليه و سلم‬
‫فكأنه ما عرفك و ل عرفته ‪.‬‬
‫و لقد كنت آت صفوان بن سليم ‪ ،‬و كان من التعبدين الجتهدين ‪ ،‬فإذا ذكر النب صلى ال عليه و‬
‫سلم بكى ‪ ،‬فل يزال يبكي حت يقوم الناس عنه و يتركوه ‪.‬‬
‫و روي عن قتادة أنه كان إذا سع الديث أخذه العويل و الزويل ‪.‬‬
‫و لا كثر على مالك الناس قيل له ‪ :‬لو جعلت مستمليا يسمعهم ؟ فقال ‪ :‬قال ال تعال ‪ :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا ل ترفعوا أصواتكم فوق صوت النب و حرمته حيا و ميتا سواء ‪.‬‬
‫[ و كان ابن سيين ربا يضحك ‪ ،‬فإذا ذكر عنده حديث النب صلى ال عليه و سلم خشع ] ‪.‬‬
‫و كان عبد الرحن بن مهدي إذا قرأ حديث النب صلى ال عليه و سلم أمرهم بالسكوت ‪ ،‬و قال ‪ :‬ل‬
‫ترفعوا أصواتكم فوق صوت النب ‪ ،‬و يتأول أنه يب له من النصات عند قراءة حديثه ما يب له عند‬
‫ساع قوله ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف سية السلف ف تعظيم رواية حديث الرسول و سننه‬

‫حدثنا السي بن ممد الافظ ‪ ،‬حدثنا أبو الفضل بن خيون ‪ ،‬حدثنا أبو بكر البقان و غيه ‪ ،‬حدثنا‬
‫أبو السن الدار قطن ‪ ،‬حدثنا علي بن مبشر ‪ ،‬حدثنا أحد ابن سنان القطان ‪ ،‬حدثنا يزيد بن هارون ‪،‬‬
‫حدثنا السعودي ‪ ،‬عن مسلم البطي ‪ ،‬عن عمرو بن ميمون ‪ ،‬قال ‪ :‬اختلفت إل ابن مسعود سنةً ‪ ،‬فما‬
‫سعته يقول ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬إل أنه حدث يوما فجرى على لسانه ‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬ث عله كرب ‪ ،‬حت رأيت العرق يتحدر عن جبهته ‪ ،‬ث قال ‪ :‬هكذا إن‬
‫شاء ال ‪ ،‬أو فوق ذا ‪ ،‬أو ما دون ذا ‪ ،‬أو ما هو قريب من ذا ‪.‬‬
‫و ف رواية ‪ :‬فتربد وجهه ‪.‬‬
‫و ف رواية ‪ :‬و قد تغرغرت عيناه ‪ ،‬و انتفخت أوداجه ‪.‬‬
‫و قال إبراهيم بن عبد ال بن قري النصاري قاضي الدينة ‪ :‬مر مالك بن أنس على أب حازم ‪ ،‬و هو‬
‫يدث ‪ ،‬فجازه ‪ ،‬و قال ‪ :‬إن ل أجد موضعا أجلس فيه ‪ ،‬فكرهت أن آخذ حديث رسول ال صلى ال‬
‫عليه و سلم و أنا قائم ‪.‬‬
‫و قال مالك ‪ :‬جاء رجل إل ابن السيب ‪ ،‬فسأله عن حديث و هو مضطجع ‪ ،‬فجلس و حدثه ‪ ،‬فقال‬
‫له الرجل ‪ :‬و ددت [ ‪ ] 155‬أنك ل تتعن ‪ ،‬فق ال ‪ :‬إن كرهت أن أحدثك عن رسول ال صلى ال‬
‫عليه و سلم و أنا مضطجع ‪.‬‬
‫[ و روي عن ممد بن سيين أنه قد يكون يضحك ‪ ،‬فإذا ذكر عنده حديث النب صلى ال عليه و سلم‬
‫خشع ] ‪.‬‬
‫و قال أبو مصعب ‪ :‬كان مالك بن أنس ل يدث بديث رسول ال صلى ال عليه و سلم إل و هو‬
‫على وضوء ‪ ،‬إجللً له ‪.‬‬
‫و حكى مالك ذلك عن جعفر بن ممد ‪.‬‬
‫و قال مصعب بن عبد ال ‪ :‬كان مالك بن أنس إذا حدث عن رسول ال صلى ال عليه و سلم توضأ و‬
‫تيأ ‪ ،‬و لبس ثيابه ‪ ،‬ث يدث ‪.‬‬
‫قال مصعب ‪ :‬فسئل عن ذلك ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنه حديث رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫قال مطرف ‪ :‬كان إذا أتى الناس مالكا خرجت إليهم الارية فتقول لم ‪ :‬يقول لكم الشيخ ‪ :‬تريدون‬
‫الديث أو السائل ؟ فغن قالوا السائل خرج إليهم ‪ ،‬و إن قالوا الديث دخل مغتسله ‪ ،‬و اغتسل و‬
‫تطيب ‪ ،‬و لبس ثيابا جددا ‪ ،‬و لبس ساجه و تعمم ‪ ،‬و وضع على رأسه رداء ‪ ،‬و تلقى له منصة ‪،‬‬
‫فيجرخ فيجلس عليها ‪ ،‬و عليه الشوع ‪ ،‬و ل يزال يبخر بالعود حت يفرغ من حديث رسول ال صلى‬
‫ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫قال [ غيه ] ‪ :‬و ل يكن يلس على تلك النصة إل إذا حدث عن رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫قال ابن أب ي أويس ‪ :‬فقيل لالك ف ذلك ‪ ،‬فقال ‪ :‬أحب أن أعظم حديث رسول ال صلى ال عليه و‬
‫سلم ‪ ،‬و ل أحدث به إل عن طهارة متمكنا ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬و كان يكره أن يدث ف الطريق ‪ ،‬أو و هو قائم ‪ ،‬أو مستعجل ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬أحب أن أفهم حديث رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫[ قال ضرارة بن مرة ‪ :‬كانوا يكرهون أن يدثوا بديث على غي وضوء ‪.‬‬
‫و نوه عن قتادة ‪.‬‬
‫و كان العمش إذا حدث و هو على غي وضوء تيمم ‪.‬‬
‫و كان قتادة ل يدث إل على طهارة ‪ ،‬ول يقرأ حديث النب صلى ال عليه و سلم إل على وضوء ] ‪.‬‬
‫قال عبد ال بن مبارك ‪ :‬كنت عند مالك ‪ ،‬و هو يدثنا ‪ ،‬فلدغته عقرب ست عشرة مرةً ‪ ،‬و هو يتغي‬
‫لونه و يصفر و ل يقطع حديث رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫فلما فرغ من الجلس ‪ ،‬و تفرق الناس عنه قلت له ‪ :‬يا أبا عبد ال ‪ ،‬لقد رأيت اليوم منك عجبا ‪ .‬قال‪:‬‬
‫نعم ‪ ،‬لدغتن عقرب ست عشرة مرة ‪ ،‬و أنا صابر ف جيع ذلك ‪ ،‬و إنا صبت إجللً لديث رسول‬
‫ال صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫قال ابن مهدي ‪ :‬مشيت يوما مع مالك إل العقيق ‪ ،‬فسألته عن حديث ‪ ،‬فانتهزن و قال ل ‪ :‬كنت ف‬
‫عين أجل من أن تسأل عن حديث رسول ال صلى ال عليه و س ل و نن نشي ‪.‬‬
‫و سأله جرير بن عبد الميد القاضي عن حديث و هو قائم ‪ ،‬فأمر ببسه ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬إنه قاض ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫القاضي أحق من أدب ‪.‬‬
‫و ذكر أن هشام بن هشام بن الغازي سأل مالكا عن حديث و هو واقف فضرب عشرين سوطا ‪ ،‬ث‬
‫أشفق عليه ‪ ،‬فحدثه عشرين حديثا ‪ ،‬فقام هشام ‪ :‬وددت لو زادن سياطا و يزيدن حديثا ‪.‬‬
‫قال عبد ال بن صال ‪ :‬كان ماك و الليث ل يكتبان الديث إل وها طاهران ‪.‬‬
‫و كان قتادة يستحب أل تقرأ أحاديث النب صلى ال عليه و سلم [ ‪ ] 156‬إل على وضوء ‪ ،‬و ل‬
‫يدث إل على طهارة ‪.‬‬
‫و كان العمش إذا أراد أن يدث و هو على وضوء تيمم ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف توقيه ‪ ،‬و بر آله ‪ ،‬و ذريته ‪ ،‬و أمهات الؤمني أزواجه‬
‫ومن توقيه صلى ال عليه و سلم وبره ـ بر آله و ذريته و أمهات الؤمني أزواجه ‪ ،‬كما حض عليه‬
‫صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و سلكه السلف الصال رضي ال عنهم ‪.‬‬
‫قال ال تعال ‪ :‬إنا يريد ال ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيا [ سورة الحزاب ‪/‬‬
‫‪ ، 33‬الية ‪. ] 33 :‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬وأزواجه أمهاتم [ سورة الحزاب ‪ ، 33 /‬الية ‪. ] 6 :‬‬
‫أخبنا الشيخ أبو ممد بن أحد العدل من كتابه ‪ ،‬و كتبت من أصله ‪ :‬حدثنا أبو السن القرئ الفرغان‬
‫‪ ،‬حدثتن أم القاسم بنت الشيخ أب بكر الفاف ‪ ،‬قالت ‪ :‬حدثن أب ‪ ،‬حدثنا حات ـ هو ابن عقيل ‪،‬‬
‫حدثنا يي ـ هو ابن إساعيل ‪ ،‬حدثنا يي ـ هو المان ‪ ،‬حدثنا وكيع ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن سعيد بن‬
‫مسروق ‪ ،‬عن يزيد بن حيان ‪ ،‬عن زيد بن أرقم ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪:‬‬
‫أنشدكم رسول ال أهل بيت ‪ . . .‬ثلثا ‪.‬‬
‫قلنا لزيد ‪ :‬من أهل بيته ؟ قال ‪ :‬آل علي ‪ ،‬و آل جعفر ‪ ،‬و آل عقيل ‪ ،‬و آل العباس ‪.‬‬
‫و قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬إن تارك فيكم ما إن أخذت به ل تضلوا ‪ :‬كتاب ال ‪ ،‬و عترت أهل‬
‫بيت ‪ ،‬فانظر وا كيف تلفون فيهما ‪.‬‬
‫و قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬معرفة آل ممد صلى ال عليه و سلم براءة من النار ‪ ،‬و حب آل ممد‬
‫جواز على الصراط ‪ ،‬و الولية لل ممد أمان من العذاب ‪.‬‬
‫قال بعض العلماء ‪ :‬معرفتهم هي معرفة مكانم من النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و إذا عرفهم بذلك‬
‫عرف وجوب حقهم و حرمتهم بسببه ‪.‬‬
‫و عن عمر بن أب سلمة ‪ :‬لا نزلت ‪ :‬إنا يريد ال ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيا‬
‫ـ و ذلك ف بيت أم سلمة ـ دعا فاطمة و حسنا و حسينا ‪ ،‬فجللهم بكساء ‪ ،‬و علي خلف ظهره‬
‫[ فجلله بكسائه ] ‪ ،‬ث قال ‪ :‬اللهم هؤلء أهل بيت ‪ ،‬فأذهب عنهم الرجس ‪ ،‬و طهرهم تطهيا ‪.‬‬
‫و عن سعد بن أب وقاص ‪ :‬لا نزلت آية الباهلة دعا النب صلى ال عليه و سلم عليا و حسنا و السي‬
‫و فاطمة ‪ ،‬و قال ‪ :‬اللهم هؤلء أهلي ‪.‬‬
‫و قال النب صلى ال عليه و سلم ف علي ‪ :‬من كنت موله فعلي موله ‪ ،‬اللهم و ال من واله ‪ ،‬و عاد‬
‫من عاداه ‪.‬‬
‫و قال فيه ‪ :‬ل يبك إل مؤمن ‪ ،‬و ل يبغضك إل منافق ‪.‬‬
‫و قال للعباس و الذي نفسي بيده ‪ ،‬ل يدخل قلب رجل اليان حت يبكم ل و لرسوله ‪ .‬و من آذى‬
‫عمي فقد آذان ‪ ،‬و إنا ع م الرجل صنو أبيه ‪.‬‬
‫و قال العباس ‪ :‬اغد علي يا عم مع ولدك ‪ ،‬فجمعهم و جللهم بلءته ‪ ،‬و قال ‪ :‬هذا عمي و صنو أب ‪،‬‬
‫و هؤلء أهل بيت ‪ ،‬فاسترهم من النار كستري إياهم فأمنت أسكفة الباب و حوائط البيت ‪ :‬آمي ‪.‬‬
‫آمي ‪.‬‬
‫و كان يأخذ أسامة بن زيد ‪ ،‬و السن ‪ ،‬و يقول ‪ :‬اللهم إن أحبهما فأحبهما ‪.‬‬
‫و قال أبو بكر ‪ :‬ارقبوا ممدا ف أهل بيته ‪.‬‬
‫و قال أيضا ‪ :‬و الذي نفسي بيده لقرابة [ ‪ ] 157‬رسول ال صلى ال عليه و سلم أحب إل أن أصل‬
‫من قرابت ‪.‬‬
‫و قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬أحب ال من أحب حسنا و حسينا ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬من أحبن و أحب هذين ـ و أشار إل حسن و حسي و أباها و أمهما ـ كان معي ف‬
‫درجت يوم القيامة ‪.‬‬
‫و قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬من أهان قريشا أهانه ال ‪.‬‬
‫و قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬قدموا قريشا و ل تقدموها ‪.‬‬
‫و قال صلى ال عليه و سلم لم سلمة ‪ :‬ل تؤذين ف عائشة ‪.‬‬
‫و عن عقبة بن الارث ‪ :‬رأيت أبا بكر رضي ال عنه ‪ ،‬و جعل السن على عنقه و هو يقول ‪ :‬بأب‬
‫شيبه بالنب ‪ ،‬ليس شبيها بعلي ـ و علي رضي ال عنه يضحك ‪.‬‬
‫و روي عن عبد ال بن السن بن حسي ‪ ،‬قال ‪ :‬أت يت عمر بن عبد العزيز ف حاجة ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل ‪:‬‬
‫إذا كانت لك حاجة فأرسل إل أو اكتب ‪ ،‬فإن أستحيي من ال أن يراك على باب ‪.‬‬
‫و عن الشعب ‪ :‬صلى زيد بن ثابت على جنازة أمه ‪ ،‬ث قربت له بغلته ليكبها ‪ ،‬فجاء ابن عباس فأخذ‬
‫بركابه ‪ ،‬فقال زيد ‪ :‬خل عنه يا بن عم رسول ال ‪ .‬فقال ‪ :‬هكذا نفعل بالعلماء ‪ .‬فقبل زيد يد ابن‬
‫عباس ‪ ،‬و قال ‪ :‬هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا ‪.‬‬
‫و رأى ابن عمر ممد بن أسامة بن زيد ‪ ،‬فقال ‪ :‬ليت هذا عبدي ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬هو ممد بن أسامة ‪.‬‬
‫فطأطأ ابن عمر رأسه و نقر بيده الرض ‪ ،‬و قال ‪ :‬لو رآه رسول ال صلى ال عليه و سلم لحبه ‪.‬‬
‫و قال الوزاعي ‪ :‬دخلت بنت أسامة بن زيد صاحب رسول ال صلى ال عليه و سلم على عمر بن‬
‫عبد العزيز و معها مول لا يسك بيدها ‪ ،‬فقام لا عمر ‪ ،‬و مشى إليها حت جعل يدها بي يديه ‪ ،‬و‬
‫يداه ف ثيابه ‪ ،‬و مشى با حت أجلسها على مسله ‪ ،‬و جلس بي يديها ‪ ،‬و ماترك لا حاج ًة إل قضاها‬
‫‪.‬‬
‫و لا فرض عمر بن الطاب لبنه عبد ال ف ثلثة آلف ‪ ،‬و لسامة بن زيد ف ثلثة آلف و خسمائة‬
‫ـ قال عبد ال لبيه ‪ :‬ل فضلته ‪ ،‬فو ال ما سبقن إل مشهد ؟ فقال له ‪ :‬لن زيدا كان أحب إل‬
‫رسول ال صلى ال عليه و سلم من أبيك ‪ ،‬و أسامة أحب إليك منك ‪ ،‬فآثرت حب رسول ال صلى‬
‫ال عليه و سلم على حب ‪.‬‬
‫و بلغ معاوية أن كابس بن ربيعة يشبه برسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فلما دخل عليه من باب الدار‬
‫قام عن سريره و تلقاه و قبل بي عينيه ‪ ،‬و أقطعه الرغاب لشبهه صورة رسول ال صلى ال عليه و سلم‬
‫‪.‬‬
‫و روي أن مالكا رحه ال لا ضربه جعفر بن سليمان ‪ ،‬و نال منه ما نال ‪ ،‬و حل مغشيا عليه دخل‬
‫عليه الناس فأفاق ‪ ،‬فقال ‪ :‬أشهدكم أن جعلت ضارب ف حل ‪.‬‬
‫فسئل بعد ذلك ‪ ،‬فقال ‪ :‬خفت أن أموت ‪ ،‬فألقى النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فأستحي منه أن يدخل‬
‫بعض آله النار بسبب ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬إن النصور أقاده من جعفر ‪ ،‬فقال له ‪ :‬أعوذ بال ! و ال ما ارتفع منها سوط عن جسمي [‬
‫‪ ] 158‬إل و قد جعلته ف حل لقرابته من رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و قال أبو بكر بن عياش ‪ :‬لو أتان أبو بكر و عمر و علي لبدأت باجة علي قبلهما ‪ ،‬لقرابته من رسول‬
‫ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و لن أخر من السماء إل الرض أحب إل من أن أقدمه عليهما ‪.‬‬
‫و قيل لبن عباس ‪ :‬ما تت فلنة ـ لبعض أزواج النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فسجد ‪ ،‬فقيل له ‪:‬‬
‫أتسجد هذه الساعة ؟ فقال ‪ :‬أليس قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬إذا رأيتم آيةً فاسجدوا و أي‬
‫آية أعظم من ذهاب أزواج النب صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫[ و كان أبو بكر و عمر يزوران أم أين مولة النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و يقولن ‪ :‬كان رسول ال‬
‫صلى ال عليه و سلم يزورها ‪.‬‬
‫و لا وردت حليمة السعدية على النب صلى ال عليه و سلم بسط لا رداءه و قضى حاجتها ‪ ،‬فلما توف‬
‫وفدت على أب بكر و عمر فصنعا با مثل ذلك ] ‪.‬‬

‫فصل‬
‫من توقيه و بره توقي أصحابه و برهم‬

‫و من توقيه و بره صلى ال عليه و سلم ـ توقي أصحابه و برهم و معرفة حقهم ‪ ،‬و القتداء بم ‪ ،‬و‬
‫حسن الثناء عليهم ‪ ،‬و الستغفار لم ‪ ،‬و المساك لم ‪ ،‬و المساك عما شجر بينهم ‪ ،‬و معاداة من‬
‫عاداهم ‪ ،‬و الضراب عن أخبار الؤرخي ‪ ،‬و جهلة الرواة ‪ ،‬و ضلل الشيعة و البتدعي القادحة ف‬
‫أحد منهم ‪ ،‬و أن يلتمس لم فيما نقل عنهم من مثل ذلك فيما كان بينهم من الفت أحسن التأويلت ‪،‬‬
‫و يرج لم أصواب الخارج ‪ :‬إذ هم أهل ذلك ‪ ،‬و ل يذكر أحد منهم بسوء ‪ ،‬و ل يغمص عليه أمر ‪،‬‬
‫بل تذكر حسناتم و فضائلهم ‪ ،‬و حيد سيتم ‪ ،‬و يسكت عما وراء ذلك ‪ ،‬كما قال صلى ال عليه و‬
‫سلم ‪ :‬إذا ذكر أصحاب فأمسكوا ‪.‬‬
‫قال ال تعال ‪ :‬ممد رسول ال والذين معه أشداء على الكفار رحاء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون‬
‫فضل من ال ورضوانا سيماهم ف وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم ف التوراة ومثلهم ف النيل‬
‫كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بم الكفار وعد ال الذين‬
‫آمنوا وعملوا الصالات منهم مغفرة وأجرا عظيما [ سورة الفتح ‪ ، 48 /‬الية ‪. ] 29 :‬‬
‫و قال ‪ :‬والسابقون الولون من الهاجرين والنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي ال عنهم ورضوا عنه‬
‫وأعد لم جنات تري تتها النار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم [ سورة التوبة ‪ ، 9 /‬الية ‪:‬‬
‫‪. ] 100‬‬
‫و قال ال تعال ‪ :‬لقد رضي ال عن الؤمني إذ يبايعونك تت الشجرة [ سورة الفتح ‪ ، 48 /‬الية ‪:‬‬
‫‪. ]18‬‬
‫و قال ‪ :‬رجال صدقوا ما عاهدوا ال عليه فمنهم من قضى نبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديل‬
‫[ سورة الحزاب ‪ ، 33 /‬الية ‪. ] 23 :‬‬
‫حدثنا القاضي أبو علي ‪ ،‬حدثنا أبو السي ‪ ،‬و أبو الفضل ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا أبو يعلى ‪ ،‬حدثنا أبو علي‬
‫السنجي ‪ ،‬حدثنا ممد بن مبوب ‪ ،‬حدثنا الترمذي ‪ ،‬حدثنا السن بن الصباح ‪ ،‬حدثنا سفيان بن‬
‫عيينة ‪ ،‬عن زائدة ‪ ،‬عن عبد اللك بن عمي ‪ ،‬عن ربعي بن حراش ‪ ،‬عن حذيفة رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬اقتدوا باللذين من بعدي ‪ :‬أب بكر ‪ ،‬و عمر ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬أصحاب كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ‪.‬‬
‫و عن أنس رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬مثل أصحاب كمثل اللح ف‬
‫الطعام ‪ ،‬ل يصلح الطعام إل به ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬ال ل ف اصحاب ‪ ،‬ل تتخذوهم غرضا بعدي ‪ ،‬فمن أحبهم فبحب أحبهم ‪ ،‬و من أبغضهم‬
‫فببغضي أبغضهم ‪ ،‬و من آذاهم فقد آذان ‪ ،‬و من آذان فقد آذى ال ‪ ،‬و من آذى ال يوشك أن يأخذ‬
‫‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬ل تسبوا أصحاب ‪ ،‬فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم و ل نصيفه ‪.‬‬
‫و قال ‪ ] 159 [ :‬من سب أصحاب فعليه لعنة ال و اللئكة و الناس أجعي ‪ ،‬ل يقبل ال منه صرفا و‬
‫ل عدلً ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬إذا ذكر أصحاب فأمسكوا ‪.‬‬
‫وقال ـ ف حديث جابر ‪ :‬إن ال اختار أصحاب على جيع العالي سوى النبيي والرسلي ‪ ،‬واختار ل‬
‫منهم أربعة ‪ :‬أبا بكر ‪ ،‬وعمر ‪ ،‬وعثمان ‪ ،‬وعليا ‪ ،‬فجعلهم خي أصحاب ‪ ،‬وف أصحابم كلهم خي ‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬من أحب عمر فقد أحبن ‪ ،‬ومن أبغض عمر فقد أبغضن ‪.‬‬
‫وقال مالك بن أنس ‪ ،‬وغيه ‪ :‬من أبغض الصحابة و سبهم فلبيس له ف فءالسلمي حق ‪ ،‬و نزع بآية‬
‫الشر ‪ :‬وما أفاء ال على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ول ركاب ولكن ال يسلط رسله على‬
‫من يشاء وال على كل شيء قدير * ما أفاء ال على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القرب‬
‫واليتامى والساكي وابن السبيل كي ل يكون دولة بي الغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما‬
‫ناكم عنه فانتهوا واتقوا ال إن ال شديد العقاب ‪ ...‬إل قوله تعال ‪ :‬والذين جاؤوا من بعدهم يقولون‬
‫ربنا اغفر لنا ولخواننا الذين سبقونا باليان ول تعل ف قلوبنا غل للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم‬
‫[ سورة الشر‪ ، 59/‬اليات ‪. ] 10 ، 5 :‬‬
‫وقال ‪ :‬من غاظه أصحاب ممد فهو كافر ‪ ،‬قال ال تعال ‪ :‬ليغيظ بم الكفار [ سورة الفتح ‪، 48 /‬‬
‫الية ‪. ] 29 :‬‬
‫وقال عبد ال بن البارك ‪ :‬خصلتان من كانتا فيه نا ‪ :‬الصدق ‪ ،‬وحب أصحاب ممد صلى ال عليه و‬
‫سلم ‪.‬‬
‫قال أيوب السختيان ‪ :‬من أحب أبا بكر فقد أقام الدين ‪ ،‬و من أحب عمر فقد أوضح السبيل ‪ ،‬و من‬
‫أحب عثمان فقد استضاء بنور ال ‪ ،‬و من أحب عليا فقد أخذ بالعروة الوثقى ‪ ،‬و من أحسن الثناء على‬
‫أصحاب ممد صلى ال عليه و سلم فقد برئ من النفاق ‪ ،‬و من انتقض أحدا منهم فهو مبتدع مالف‬
‫للسنة والسلف الصال ‪ ،‬وأخاف أل يصعد له عمل إل السماء حت يبهم جيعا ‪ ،‬ويكون قلبه سليما ‪.‬‬
‫و ف حديث خالد بن سعيد أن النب صلى ال عليه و سلم قال ‪ :‬أيها الناس ‪ ،‬إن راض عن أب بكر‬
‫فاعرفوا له ذلك ‪ .‬أيها لناس ‪ ،‬إن راض عن عمر ‪ ،‬و عن علي ‪ ،‬و عن عثمان ‪ ،‬و طلحة ‪ ،‬و الزبي ‪ ،‬و‬
‫سعد ‪ ،‬و سعيد ‪ ،‬و عبد الرحن بن عوف ‪ ،‬فاعرفوا لم ذلك ‪ .‬أيها الناس ‪ ،‬إن ال غفر لهل بدر و‬
‫الديبية ‪ ،‬أيها الناس ‪ ،‬احفظون ف أصحاب وأصهاري وأختان ‪ ،‬ل يطالبنكم أحد منهم بظلمة ‪ ،‬فإنا‬
‫مظلمة ل توهب ف القيامة غدا ‪.‬‬
‫وقال رجل للمعاف بن عمران ‪ :‬أين عمر بن عبد العزيز من معاوية ؟ قغضب و قال ‪ :‬ل يقاسب‬
‫أصحاب النب صلى ال عليه و سلم أحد ‪ ،‬معاوية صاحبه وصهره ‪ ،‬وكاتبه وأمينه على وحي ال ‪.‬‬
‫وأت النب صلى ال عليه و سلم بنازة رجل فلم يصل عليه ‪ ،‬وقال ‪ :‬كان يبغض عثمان ‪ ،‬فأبغضه ال ‪.‬‬
‫وقال صلى ال عليه و سلم ف النصار ‪ :‬اعفوا عن مسيئهم ‪ ،‬و اقبلوا من مسنهم ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬احفظون ف أصحاب و أصهاري ‪ ،‬فإنه من حفظن فيهم حفظه ال ف الدنيا و الخرة ‪ ،‬و من‬
‫ل يفظن فيهم تلى ال منه ‪ ،‬و من تلى ال منه يوشك أن يأخذه ‪.‬‬
‫و عنه صلى ال عليه و سلم ‪ :‬من حفظن ف أصحاب كنت له حافظا يوم القيامة ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬من حفظن ف أصحاب و رد علي الوض ‪ ،‬و من ل يفظن ف أصحاب ل يرد علي الوض ‪،‬‬
‫و ل يرن إل من بعيد ‪.‬‬
‫قال مالك ـ رحه ال ‪ :‬هذا النب مؤدب اللق الدي هدانا ال به ‪ ،‬و جعله رحة للعالي ‪ ،‬يرج ف‬
‫جوف الليل إل البقيع فيدعوا لم و يستغفر كالودع لم ‪ ،‬و بذلك أمره ال ‪ ،‬و أمر النب ببهم ‪ ،‬و‬
‫موالتم ‪ ،‬و معاداة من عاداهم ‪.‬‬
‫و روى عن كعب ‪ :‬ليس أحد من أصحاب ممد صلى ال عليه و سلم إل له شفاعة يوم القيامة ‪.‬‬
‫و طلب من الغية بن نوفل أن يشفع له يوم القيامة ‪.‬‬
‫قال سهل بن عبد ال التسترى ‪ :‬ل يؤمن بالرسول من ل يوقر أصحابه ‪ ،‬و ل يعز أوامره ‪.‬‬

‫فصل‬
‫و من إعظامه و إكباره‬

‫و من إعظامه و إكباره إعظام جيع أسبابه ‪ ،‬و إكرام مشاهده و أمكنته من مكة و الدينة ‪ ،‬و معاهده ‪،‬‬
‫و ما لسه ـ صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬أو أعرف به ‪.‬‬
‫و روي عن صفية بنت ندة ‪ ،‬قالت ‪ :‬كان لب مذورة قصة ف مقدم رأسه إذا قعد و رأسها أصابت‬
‫الرض ‪ .‬فقيل له ‪ :‬أل تلفها ؟ فقال ‪ :‬ل أكن بالذي أحلفها ‪ ،‬و قد مسها رسول ال صلى ال عليه و‬
‫سلم بيده ‪.‬‬
‫و كانت ف قلنسوة خالد بن الوليد شعرات صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فسقطت قلنسوته ف بعض حروبه ‪،‬‬
‫فشد عليها شدة أنكر عليه أصحاب النب صلى ال عليه و سلم كثرة من قتل فيها ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل أفعلها‬
‫بسبب القلنسوة ‪ ،‬بل لا تضمنه من شعره صلى ال عليه و سلم لئل أسلب بركتها و تقع ف أيدي‬
‫الشركي ‪.‬‬
‫[ ورئي ابن عمر واضعا يده على مقعد النب صلى ال عليه و سلم من النب ‪ ،‬ث وضعها على وجهه ] ‪.‬‬
‫و لذا كان مالك رحه ال ل يركب بالدينة دابة حدثنا و كان يقول ‪ :‬أستحي من ال أن أطأ تربة فيها‬
‫رسول ال بافر دابة ‪.‬‬
‫و روي عنه أنه وهب للشافعي كراعا كثيا كان عنده ‪ ،‬فقال له الشافعي ‪ :‬أمسك منها دابة ‪ .‬فأجابه‬
‫بثل هذا الواب ‪.‬‬
‫و قد حكى أبو عبد الرحن السلمي عن أحد بن فضلويه الزاهد رسول ال و كان من الغزاة الرماة ـ‬
‫أنه قال ‪ :‬ما مسست القوس بيدي إل على طهارة منذ بلغن أن النب صلى ال عليه و سلم أخذ القوس‬
‫بيده ‪.‬‬
‫و قد أفت مالك فيمن قال ‪ :‬تربة الدينة ردية ـ يضرب ثلثي درة ‪ ،‬و أمر ببسه ‪ ،‬و كان له قدر ‪ ،‬و‬
‫قال ‪ :‬ما أحوجه إل ضرب عنقه ! تربة دفن فيها النب صلى ال عليه و سلم يزعم أنا غي طيبة ‪.‬‬
‫و ف الصحيح أنه قال صلى ال عليه و سلم ـ ف الدينة ‪ :‬من أحدث فيها حدثا أو آوى مدثا فعليه‬
‫لعنة ال و اللئكة و الناس أجعي ‪ ،‬ل يقبل ال منه صرفا و ل عدلً ‪.‬‬
‫و حكي أن جهجاها الغفاري أخذ قضيب النب صلى ال عليه و سلم من يد عثمان رضي ال عنه ‪ ،‬و‬
‫تناول ليكسره على ركبته ‪ ،‬فصاح به الناس ‪ ،‬فأخذته الكله ف ركبته فقطعها ‪ ،‬و مات قبل الول ‪.‬‬
‫و قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬من حلف على منبي كاذبا فليتبوأ مقعده من النار ‪.‬‬
‫و حدثت أن أبا الفضل الوهري لا ورد الدينة زائرا ‪ ،‬و قرب من بيوتا ترجل و مشى باكيا منشدا ‪:‬‬
‫و لا رأينا رسم من ل يدع لنا فؤادا لعرفان الرسوم و ل لبا‬
‫لن بان عنه أن نلم به ركبا‬ ‫نزلنا عن الكوار نشي كرا مةً‬
‫و حكى عن بعض الريدين أنه لا أشرف على مدينة الرسول أنشد يقول متمثلً [ ‪: ] 161‬‬

‫قمر تقطع دونه الوهام‬ ‫رفع الجاب لنا فلح لناظر‬


‫فظهورهن على الرجال حرام‬ ‫و إذا الطي بنا بلغن ممدا‬
‫قربننا من ير من وطيء الثرى و لا علينا حرمة و ذمام‬

‫و حكي عن بعض الشايخ أنه حج ماشيا ‪ ،‬فقيل له ف ذلك ‪ ،‬فقال ‪ :‬العبد البق ل يأت إل بيت موله‬
‫راكبا ! لو قدرت أن أمشي على رأسي ما مشيت على قدمي ‪.‬‬
‫قال القاضي ‪ :‬و جدير لواطن عمرت بالوحي و التنيل ‪ ،‬و تردد با جبيل و ميكائيل ‪ ،‬و عرجت منها‬
‫اللئكة و الروح ‪ ،‬و ضجت عرصاتا بالتقديس و التسبيح ‪ ،‬و اشتملت تربتها على جسد سيد البشر ‪،‬‬
‫و انتشر عنها من دين ال و سنة رسوله ما انتشر ‪ ،‬مدارس آيات ‪ ،‬و مساجد و صلوات ‪ ،‬و مشاهد‬
‫الفضائل و اليات ‪ ،‬و معاهد الباهي و العجزات ‪ ،‬و مناسك الدين ‪ ،‬و مشاعر السلمي ‪ ،‬و مواقف‬
‫سيد الرسلي ‪ ،‬و متبوأ خات النبيي ‪ ،‬حيث انفجرت النبوة ‪ ،‬و أين فاض عبابا ‪ ،‬و مواطن مهبط‬
‫الرسالة ‪ ،‬و أول أرض مس جلد الصطفى ترابا ـ أن تعظم عرصاتا ‪ ،‬و تتنسم نفحاتا ‪ ،‬و تقبل‬
‫ربوعها و جدرانا ‪:‬‬

‫هدي النام و خص باليات‬ ‫يا دار خي الرسلي و من به‬


‫عندي لجلك لوعة و صبابة و تشوق متوقد المرات‬
‫من تكلم الدران و العرصات‬ ‫و علي عهد إن ملت ماجري‬
‫لعفرن مصون شيب بينها من كثرة التقبيل و الرشفات‬
‫لول العوادي ‪ ،‬و العادي زرتا أبدا و لو سحبا على الوزجنات‬
‫لكن سأهدي من حفيل تيت لقطي تلك الدار و الجرات‬
‫تغشاه بالصال و البكرات‬ ‫أزكى من السك الفتق نفحةً‬
‫و نوامي التلسيم و البكات‬ ‫و تصه بزواكي الصلوات‬

‫فصل‬
‫ف حكم الصلة على النب صلى ال عليه و سلم‬

‫اعلم أن الصلة على النب صلى ال عليه و سلم فرض على الملة ‪ ،‬غي مدد بوقت ‪ ،‬لمر ال تعال‬
‫بالصلة عليه ‪ ،‬و حل الئمة و العلماء له على الوجوب ‪ ،‬و أجعوا عليه ‪.‬‬
‫و حكى أبو جعفر الطبي أن ممل الية عنده على الندب ‪ ،‬و ادعى فيه الجاع ‪ ،‬و لعله فيما زاد على‬
‫مرة ‪ ،‬و الواجب منه الذي يسقط به الرج و مأث ترك الفرض ـ مرة ‪ ،‬كالشهادة له بالنبوة ‪ ،‬و ما عدا‬
‫ذلك فمندوب مرغب فيه ‪ ،‬من سنن السلم و شعار أهله ‪.‬‬
‫قال القاضي أبو السن بن القصار ‪ :‬الشهور عن أصحابنا أن ذلك واجب ف الملة على النسان ‪ ،‬و‬
‫فرض عليه أن يأت با مرةً من دهره مع القدرة على ذلك ‪.‬‬
‫و قال القاضي أبو بكر بن بكي ‪ :‬افترض ال على خلقه أن يصلوا على نبيه و يسلموا تسليما ‪ ،‬و ل‬
‫يعل ذلك لوقت معلوم ‪ ،‬فالواجب أن يكثر الرء منها ‪ ،‬و ل يغفل عنها ‪.‬‬
‫قال القاضي أبو ممد بن نصر ‪ :‬الصلة على النب صلى ال عليه و سلم واجبة ف الملة ‪.‬‬
‫قال القاضي أبو عبد ال بن ممد بن سعيد ‪ :‬ذهب مالك و أصحابه و غيهم من أهل العلم أن الصلة‬
‫على النب صلى ال عليه و سلم فرض ب الملة بعقد اليان ‪ ،‬ل تتعي ف الصلة ‪ ،‬و أن من صلى علي‬
‫مرةً واحدةً من عمره سقط الفرض عنه ‪.‬‬
‫و قال أصحاب الشافعي ‪ :‬الفرض منها الذي أمر ال تعال به رسوله صلى ال عليه و سلم هو ف الصلة‬
‫‪.‬‬
‫و قالوا ‪ :‬زو أما ف غيها فل خلف أنا غي واجبة ‪.‬‬
‫و أما ف الصلة فحكى المامان أبو جعفر الطبي و الطحاوي و غيها إجاع جيع التقدمي و‬
‫التأخرين من علماء المة على أن الصلة على النب صلى ال عليه و سلم ف التشهد غي واجبة ‪.‬‬
‫و شذ الشافعي ف ذلك ‪ ،‬فقال ‪ :‬من ل يصل على النب صلى ال عليه و سلم من بعد التشهد الخي و‬
‫قبل السلم فصلته فاسدة ‪ ،‬و إن صلى عليه قبل ذلك ل تزه ‪ ،‬و ل سلف له ف هذا القول و ل سنة‬
‫يتبعها ‪.‬‬
‫و قد بلغ ف إنكار هذه السألة عليه لخالفته فيها من تقدمه ـ جاعة ‪ ،‬و شنعوا عليه اللف فيها ‪،‬‬
‫منهم [ ‪ ] 163‬الطبي ‪ ،‬و القشيي ‪ ،‬و غي واحد ‪.‬‬
‫و قال أبو بكر بن النذر ‪ :‬يستحب أل يصلي أحد صلةً إل صلى فيها على رسول ال صلى ال عليه و‬
‫سلم ‪ ،‬فإن ترك ذلك فصلته مزئة ف مذهب مالك ‪ ،‬و أهل الدينة ‪ ،‬و سفيان الثوري ‪ ،‬و أهل الكوفة‬
‫من أصحاب الرأي و غي هم ‪ .‬و هو قول جل أهل العلم ‪.‬‬
‫و حكي عن مالك و سفيان أنا ف التشهد الخي مستحبة ‪ ،‬و أن تاركها ف التشهد مسيء ‪.‬‬
‫و شذ الشافعي فأوجب على تاركها ف الصلة العادة ‪ ،‬و أوجب إسحاق العادة مع تعمد تركها دون‬
‫النسيان ‪.‬‬
‫و حكى أبو ممد بن أب زيد ‪ ،‬عن ممد بن الواز ـ أن الصلة على النب صلى ال عليه و سلم فريضة‬
‫‪.‬‬
‫قال أبو ممد ‪ :‬يريد ليست من فرائض الصلة ‪ ،‬و قاله ممد بن عبد الكم و غيه ‪.‬‬
‫و حكى ابن القصار و عبد الوهاب ـ أن ممد بن الوازيراها فرضةً ف الصلة كقول الشافعي ‪.‬‬
‫[ و حكى أبو يعلى العبدي الالكي عن الذهب ‪ .‬فيها ثلثة أقوال ف الصلة ] ‪:‬‬
‫الوجوب ‪ ،‬و السنة ‪ ،‬و الندب ‪.‬‬
‫و قد خالف الطاب من أصحاب الشافعي و غيه ـ الشافعي ف هذه السألة ‪،‬‬
‫قال الطاب ‪ :‬و ليست بواجبة ف الصلة ‪ ،‬و هو قول جاعة الفقهاء إل الشافعي ‪ ،‬و ل أعلم له فيها‬
‫قدوةً ‪.‬‬
‫و الدليل على أنا ليست من فروض الصلة عمل السلف الصال قبل الشافعي ‪ ،‬و إجاعهم عليه ‪.‬‬
‫و قد شنع الناس عليه ف هذه السألة جدا ‪.‬‬
‫و هذا تشهد ابن مسعود الذي اختاره الشافعي ‪ ،‬و هو الذي علمه له النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬ليس‬
‫فيه الصلة على النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و كذلك كل من روى التشهد عن النب صلى ال عليه و‬
‫سلم ‪ ،‬كأب هريرة ‪ ،‬و ابن عباس ‪ ،‬و جابر و ابن عمر ‪ ،‬و أب سعيد الدري ‪ ،‬و أب موسى‬
‫الشعري ‪ ،‬و عبد ال بن الزبي ـ ل يذكروا فيه صلة على النب صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و قد قال ابن عباس ‪ ،‬و جابر ‪ :‬كان النب صلى ال عليه و سلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من‬
‫القرآن ‪.‬‬
‫و نوه عن أب سعيد ‪.‬‬
‫و قال ابن عمر ‪ :‬كان أبو بكر يعلمنا التشهد على النب كما يعلمون الصبيان ف الكتاب ‪.‬‬
‫و علمه أيضا على النب عمر بن الطاب رضي ال عنه ‪.‬‬
‫و ف الديث ‪ :‬ل صلة لن ل يصل علي ‪.‬‬
‫قال ابن القصار ‪ :‬معناه ‪ :‬كاملةً ‪ ،‬أو لن ل يصل علي مرة ف عمره ‪.‬‬
‫و ضعف أهل الديث كلهم رواية هذا الديث ‪.‬‬
‫و ف حديث أب جعفر ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ ،‬عن النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬من صلى صلةً ل يصل‬
‫فيها علي و على أهل بيت ل تقبل منه ‪.‬‬
‫قال الدار قطن ‪ :‬الصواب أنه من قول أب جعفر ممد بن علي بن السي ‪ :‬لو صليت صلةً ل أصل‬
‫فيها على النب صلى ال عليه و سلم و ل على أله بيته لرأيت أ نا ل تتم ‪.‬‬
‫الباب الرابع‬

‫ف حكم الصلة عليه و التسليم و فرض ذلك و فضيلته‬


‫قال ال تعال ‪ :‬إن ال وملئكته يصلون على النب يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [ سورة‬
‫الحزاب ‪ ، 33 /‬الية ‪. ] 56 :‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬معناه ‪ :‬إن ال و ملئكته يباركون على النب ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬إن ال يترحم على النب ‪ ،‬و ملئكته يدعون له ‪.‬‬
‫قال البد ‪ :‬و أصل الصلة الترحم ‪ ،‬فهي من ال رحة ‪ ،‬و من اللئكة رقة و استدعاء للرحة من ال ‪.‬‬
‫و قد ورد ف الديث ‪ :‬صفة اللئكة على من جلس ينتظر الصلة ‪ :‬اللهم اغفر له ‪ ،‬اللهم ارحه فهذا‬
‫دعاء ‪.‬‬
‫و قال أبو بكر القشيي ‪ :‬الصلة من ال تعال لن دون النب صلى ال عليه و سلم رحة ‪ ،‬و للنب صلى‬
‫ال عليه و سلم تشريف و زيادة تكرمة ‪.‬‬
‫و قال أبو العالية ‪ :‬صلة ال ثناؤه عليه عند اللئكة ‪ ،‬و صلة اللئكة الدعاء ‪.‬‬
‫قال القاضي أبو الفضل ‪ :‬و قد فرق النب صلى ال عليه و سلم ف حديث تعليم الصلة بي لفظ الصلة‬
‫و لفظ البكة ‪ ،‬فدل أنما [ ‪ ] 162‬بعنيي ‪.‬‬
‫و أما التسليم الذي أمر ال تعال به عباده فقال القاضي أبو بكر بن بكي ‪ :‬نزلت هذه الية على النب‬
‫صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فأمر ال أصحابه أن يسلموا عليه ‪ ،‬و كذلك من بعدهم أمرو أن يسلموا على‬
‫النب صلى ال عليه و سلم عند حضورهم قبه ‪ ،‬و عند ذكره ‪.‬‬
‫و ف معن السلم عليه ثلثة وجوه ‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬السلمة لك و معك ‪ ،‬و يكون السلم مصدرا كاللذاذ و اللذاذة ‪.‬‬
‫الثان ‪ :‬أي السلم على حفظك و رعايتك متول له ‪ ،‬و كفيل به ‪ ،‬و يكون هنا السلم اسم ال ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أن السلم بعن السالة له و النقياد ‪ ،‬كما قال ‪ :‬فل وربك ل يؤمنون حت يكموك فيما‬
‫شجر بينهم ث ل يدوا ف أنفسهم حرجا ما قضيت ويسلموا تسليما [ سورة النساء ‪ ، 4 /‬الية ‪65 :‬‬
‫]‪.‬‬
‫فصل‬
‫ف الواطن الت يستحب فيها الصلة و السلم على النب‬

‫من ذلك ف تشهد الصلة كما قدمناه ‪ ،‬و ذلك بعد التشهد و قبل الدعاء ‪:‬‬
‫[ ‪ ] 164‬حدثنا القاضي أبو علي بقرائي عليه ‪ :‬حدثنا المام أبو القاسم البلخي ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا‬
‫الفارسي ‪ ،‬عن أب القاسم الزاعي ‪ ،‬عن اليثم بن كليب ‪ ،‬عن أب عيسى الافظ ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا ممود‬
‫بن غيلن ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن يزيد القرئ ‪ ،‬حدثنا حيوة بن شريح ‪ ،‬حدثن أبو هانئ الولن ـ أن‬
‫عمرو بن مالك النب ‪ ،‬أخبه أنه سع فضالة بن عبيد يقول ‪ :‬سع النب صلى ال عليه و سلم رجلً‬
‫يدعو ف صلته ‪ ،‬فلم يصل على النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فقال النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬عجل‬
‫هذا ‪ .‬ث دعاه فقال له و لغيه ‪ :‬إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ال و الثناء عليه ‪ ،‬ث ليصل على النب ‪،‬‬
‫ث ليدع بعد با شاء ‪.‬‬
‫و يروى من غي هذا السند بتمجيد ال ‪ ،‬و هو أصح ‪.‬‬
‫و عن عمر بن الطاب رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬الدعاء و الصلة معلق بي السماء و الرض ‪ ،‬فل يصعد‬
‫إل ال منه شيء حت يصلي على النب صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و عن علي ‪ ،‬عن النب صلى ال عليه و سلم بعناه ‪ ،‬و قال و على آل ممد ‪.‬‬
‫و روي أن الدعاء مجوب حت يصلي الداعي على النب صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و عن ابن مسعود ‪ :‬إذا أراد أحدكم أن يسأل ال شيئا فليبدأ بدحه و الثناء عليه با هو أهله ‪ ،‬ث يصلي‬
‫على النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬ث ليسأل ‪ ،‬فإنه أجدر أن ينجح ‪.‬‬
‫و عن جابر رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬ل تعلون كقدح الراكب ‪،‬‬
‫فإن الراكب يل قدحه ث يضعه ‪ ،‬و يرفع متاعه ‪ ،‬فإن احتاج إل شراب شربه أو الوضوء توضأ ‪ ،‬و إل‬
‫هراقه ‪ ،‬و لكن اجعلون ف أول الدعاء و أوسطه و آخره ‪.‬‬
‫و قال ابن عطاء ‪ :‬للدعاء أركان و أجنحة و أسباب و أوقات ‪ ،‬فإن وافق أركانه قوي ‪ ،‬و إن وافق‬
‫أجنحته طار ف السماء ‪ ،‬و إن وافق مواقيته فاز ‪ ،‬و إن وافق أسبابه أنح ‪ ،‬فأركانه حضور القلب ‪ ،‬و‬
‫الرقة ‪ ،‬و الستكانة و الشوع ‪ ،‬و تعلق القلب بال ‪ ،‬و قطعه السباب ‪.‬‬
‫و أجنحة الصدق ‪ ،‬و مواقيته السحار ‪ ،‬و أسبابه الصلة على ممد صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و ف الديث ‪ :‬الدعاء بي الصلتي علي ل يرد ‪.‬‬
‫و ف حديث آخر ‪ :‬كل دعاء مجوب دون السماء ‪ ،‬فإذا جاءت الصلة علي صعد الدعاء ‪.‬‬
‫و ف دعاء ابن عباس الذي رواه عنه حنش ‪ ،‬فقال ف آخره ‪ :‬و استجب دعائي ‪ ،‬ث تبدأبالصلة على‬
‫النب صلى ال عليه و سلم فتقول ‪ :‬اللهم إن أسألك أن تصلي على ممد عبدك و نبيك و رسولك‬
‫أفضل ما صليت على أحد من خلقك أجعي آمي ‪.‬‬
‫و من مواطن الصلة عليه عند ذكره و ساع اسه ‪ ،‬أو كتابته ‪ ،‬أو عند الذان ‪.‬‬
‫و قد قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي ‪.‬‬
‫و كره ابن حبيب ذكر النب صلى ال عليه و سلم عند الذبح ‪.‬‬
‫و كره سحنون الصلة عليه عند التعجب ‪ ،‬و قال ‪ :‬الصلة يصلى عليه [ ‪ ] 165‬إل على طريق‬
‫الحتساب و طلب الثواب ‪.‬‬
‫قال أصبغ ‪ ،‬عن ابن القاسم ‪ :‬موطنان ل يذكر فيهما إل ال ‪ :‬الذبيحة ‪ ،‬و العطاس ‪ ،‬فل تقل فيهما بعد‬
‫ذكر ال ‪ :‬ممد رسول ال ‪ .‬و لو قال بعد ذكر ال ‪ :‬صلى ال على ممد ل يكن تسميةً له مع ال ‪.‬‬
‫و قاله أشهب ‪ ،‬قال ‪ :‬و ل ينبغي أن تعل الصلة على النب صلى ال عليه و سلم فيه استنانا ‪.‬‬
‫و روى النسائي ‪ ،‬عن أوس بن أوس ‪ ،‬عن النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬المر بالكثار من الصلة عليه‬
‫يوم المعة ‪ ،‬و من مواطن الصلة و السلم دخول السجد ‪:‬‬
‫قال أبو إسحاق بن شعبان ‪ :‬و ينبغي لن دخل السجد أن يصلي على النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و‬
‫على آله ‪ ،‬و يترحم عليه ‪ ،‬و على آله ‪ ،‬و يبارك عليه و على آله ‪ ،‬و يسلم تسليما ‪ ،‬و يقول ‪ :‬اللهم‬
‫اغفر ل ذنوب ‪ ،‬و افتح ل أبواب رحتك ‪.‬‬
‫و إذا خرج فعل مثل ذلك ‪ ،‬و جعل موضع رحتك ـ فضلك ‪.‬‬
‫و قال عمرو بن دينار ـ ف قوله تعال ‪ :‬فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم ـ قال ‪ :‬إن ل يكن ف‬
‫البيت أحد فقل ‪ :‬السلم على النب و رحة ال و بركاته ‪ ،‬السلم علينا و على عباد ال الصالي ‪.‬‬
‫السلم على أهل البيت و رحة ال و بركاته ‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬الراد بالبيوت هنا الساجد ‪.‬‬
‫و قال النخعي ‪ :‬إذا ل يكن ف السجد أحد فقل ‪ :‬السلم على رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و إذا‬
‫ل يكن ف البيت أحد فقل ‪ :‬السلم علينا و على عباد ال الصالي ‪.‬‬
‫و عن علقمة ‪ :‬إذا دخلت السجد أقول ‪ :‬السلم عليك أيها النب و رحة ال و بركاته ‪ ،‬صلى ال و‬
‫ملئكته على ممد ‪.‬‬
‫و نوه عن كعب ‪ :‬إذا دخل ‪ ،‬و إذا خرج ‪ ،‬و ل يذكر الصلة ‪.‬‬
‫و احتج ابن شعبان لا ذكر بديث فاطمة بنت رسول ال صلى ال عليه و سلم ـ أن النب صلى ال‬
‫عليه و سلم كان يفعله إذا دخل السجد ‪.‬‬
‫و مثله عن أب بكر بن عمرو بن حزم ‪ .‬و ذكر السلم و الرحة ‪.‬‬
‫و قد ذكرنا هذا الديث آخر القسم ‪ ،‬و الختلف ف ألفاظه ‪.‬‬
‫و من مواطن الصلة عليه أيضا الصلة على النائز ‪.‬‬
‫و ذكر عن أب أمامة أنا من السنة ‪.‬‬
‫و من مواطن الصلة الت مضى عليها عمل المة ‪ ،‬و ل تنكرها ‪ :‬الصلة على النب صلى ال عليه و سلم‬
‫و آله ف الرسائل ‪ ،‬و ما يكتب بعد البسملة ‪ ،‬و ل يكن هذا ف الصدر الول ‪ ،‬و أحدث عند ولية بن‬
‫هاشم ‪ ،‬فمضى به عمل الناس ف أقطار الرض ‪.‬‬
‫و منهم من يتم به أيضا الكتب ‪.‬‬
‫و قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬من صلى علي ف كتاب ل تزل اللئكة تستغفر له ما دام اسي ف ذلك‬
‫الكتاب ‪.‬‬
‫و من مواطن السلم على النب صلى ال عليه و سلم تشهد الصلة ‪:‬‬
‫حدثنا أبو القاسم خلف بن إبراهيم القرىء الطيب رحه ال ‪ ،‬و غيه قال ‪ :‬حدثتن كرية بنت ممد ‪،‬‬
‫قالت ‪ :‬حدثنا أبو اليثم ‪ ،‬حدثنا ممد بن يوسف ‪ ،‬حدثنا ممد بن إساعيل ‪ ،‬حدثنا أبو نعيم ‪ ،‬حدثنا‬
‫العمش ‪ ،‬عن شقيق بن سلمة ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود ‪ ،‬عن النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬قال ‪ :‬إذا‬
‫صلى أحدكم فليقل ‪ :‬التحيات ل و الصلة [ ‪ ] 166‬و الطيبات ‪ ،‬السلم عل يك أيها النب و رحة و‬
‫بركاته ‪ .‬السلم علينا و على عباد ال الصالي ‪ ،‬فإنكم إذا قلتموها أصابت كل عبد صال ف السماء و‬
‫الرض ‪.‬‬
‫هذا أحد مواطن التسليم عليه ‪ ،‬و سنته أول التشهد ‪.‬‬
‫و قد روى مالك عن ابن عمر أنه كان يقول ذلك إذا فرغ من تشهده و أراد أن يسلم ‪.‬‬
‫و استحب مالك ف [ البسوط ] أن يسلم بثل ذلك قبل السلم ‪.‬‬
‫قال ممد بن مسلمة ‪ :‬أراد ما جاء عن عائشة و ابن عمر أنما كانا يقولن عند سلمهما ‪ :‬السلم‬
‫عليك أيها النب و رحة ال و بركاته ‪ .‬السلم علينا و على عباد ال الصالي ‪ .‬السلم عليكم ‪.‬‬
‫و استحب أهل العلم أن ينوي النسان حي سلمه كل عبد صال ف السماء و الرض من اللئكة و‬
‫بن آدم و الن ‪.‬‬
‫قال مالك ف [ الجموعة ] ‪ :‬و أحب للمأموم إذا سلم إمامه أن يقول ‪ :‬السلم على النب و رحة ال و‬
‫بركاته ‪ ،‬السلم علينا و على عباد ال الصالي ‪ .‬السلم عليكم ‪.‬‬
‫فصل‬
‫ف كيفية الصلة عليه و التسليم‬

‫حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن جعفر الفقيه بقراءت عليه ‪ ،‬حدثنا القاضي أبو الصبغ ‪ ،‬حدثنا أبو عبد ال‬
‫بن عتاب ‪ ،‬حدثنا أبو بكر بن واقد و غيه ‪ ،‬قالوا ‪ :‬حدثنا أبو عيسى ‪ ،‬حدثنا عبيد ال ‪ ،‬حدثنا يي ‪،‬‬
‫حدثنا مالك ‪ ،‬عن عبد ال بن أب بكر بن حزم ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عمرو بن سليم الزرقي ـ أنه قال ‪:‬‬
‫أخبن أبو حيد الساعدي ـ أنم قالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬كيف نصلي عليك ؟ فقال ‪ :‬قولوا ‪ :‬اللهم صل‬
‫على ممد و أزواجه و ذريته ‪ ،‬كما صليت على آل إبراهيم ‪ ،‬و بارك عل ممد و أزواجه و ذريته كما‬
‫باركت على آل إبراهيم إنك حيد ميد ‪.‬‬
‫و ف رواية مالك ‪ ،‬عن أب مسعود النصاري ‪ ،‬قال ‪ :‬قولوا ‪ :‬اللهم صلي على ممد و على آله كما‬
‫صليت على آل إبراهيم ‪ ،‬و بارك على ممد كما باركت على آل إبراهيم ف العالي ‪ ،‬إنك حيد ميد‬
‫‪.‬و السلم ـ كما قد علمتم ‪.‬‬
‫و ف رواية كعب بن عجزة ‪ :‬اللهم صل على ممد و آل ممد كما صليت على إبراهيم ‪ ،‬و بارك على‬
‫ممد و آل ممد كما باركت على إبراهيم ‪ ،‬إنك حيد ميد ‪.‬‬
‫و عن عقبة بن عمرو ف حديثه ‪ :‬اللهم صل على ممد النب المي ‪ ،‬و على آل ممد ‪.‬‬
‫و ف رواية أب سعيد الدري اللهم صل على ممد عبدك و رسولك ‪ . . .‬و ذكر معناه ‪.‬‬
‫و حدثنا القاضي أبو عبد ال التميمي ساعا عليه ‪ ،‬و أبو علي السن بن طريف النحوي بقراءت عليه ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬حدثنا أبو عبد ال بن سعدون الفقيه ‪ ،‬حدثنا أبو بكر الطوعي ‪ [ ،‬حدثنا أبو عبد ال الاكم ‪،‬‬
‫عن أب بكر بن أب دارم الافظ ‪ ،‬عن علي ابن أحد العجلي ] ‪ ،‬عن حرب بن السن ‪ ،‬عن يي بن‬
‫الساور ‪ ،‬عن عمرو ابن خالد ‪ ،‬عن زيد بن علي بن السي ‪ ،‬عن أبيه علي ‪ ،‬عن أبيه السي ‪ ،‬عن أبيه‬
‫علي بن\ أب طالب ‪ ،‬قال ‪ :‬عدهن ف يدي رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و قال ‪ :‬عدهن ف يدي‬
‫جبيل ‪ ،‬و قال ‪ :‬هكذا نزلت من عند رب العزة ‪ ،‬اللهم صل [ ‪ ] 167‬على ممد و على آل ممد‬
‫كما صليت على إبراهيم و على آل إبراهيم ‪ ،‬إنك حيد ميد ‪ ،‬اللهم و ترحم على ممد و على آل‬
‫ممد كما ترحت على إبراهيم ‪ ،‬إنك حيد ميد ‪ .‬اللهم و تنن على ممد و على آل ممد كما تننت‬
‫على إبراهيم و على آل إبراهيم ‪ ،‬إنك حيد ميد ‪.‬‬
‫و عن أب هريرة ‪ ،‬عن النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬من سره أن يكتال بالكيال الوف إذا صلى علينا‬
‫أهل البيت فليقل ‪ :‬اللهم ص ل على ممد النب ‪ ،‬و أزواجه أمهات الؤمني ‪ ،‬و ذريته و أهل بيته ‪ ،‬كما‬
‫صليت على إبراهيم ‪ ،‬إنك حيد ميد ‪.‬‬
‫و ف رواية زيد بن خارجة النصاري ‪ :‬سألت النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬كيف نصلي عليك ؟‬
‫فقال ‪ :‬صلوا و اجتهدوا ف الدعاء ‪ ،‬ث قولوا ‪ :‬اللهم بارك على ممد و على آل ممد كما باركت على‬
‫إبراهيم إنك حيد ميد ‪.‬‬
‫و عن سلمة الكندي كان علييعلمنا الصلة على النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬اللهم داحي الدحوات ‪،‬‬
‫و بارئ السموكات ‪ ،‬اجعل شرائف صلواتك ‪ ،‬و نوامي بركاتك ‪ ،‬و رأفة تننك على ممد عبدك و‬
‫رسولك ‪ ،‬الفاتح لا أغلق ‪ ،‬و الات لا سبق ‪ ،‬و العلن الق بالق ‪ ،‬و الدامغ ليشات الباطيل ‪ ،‬كما‬
‫حل ‪ ،‬فاضطلع بأمرك لطاعتك ‪ ،‬مستوفرا ف مرضاتك ‪ ،‬واعيا لوحيك ‪ ،‬حافظا لعهدك ‪ ،‬ماضيا على‬
‫نفاذ أمرك ‪ ،‬حت أورى قبسا لقابس ‪ ،‬آلء ال تصل بأهله أسبابه ‪ ،‬به هديت القلوب بعد خوضات‬
‫الفت و الث ‪ ،‬و أنج موضحات العلم ‪ ،‬و نائرات الحكام ‪ ،‬و منيات السلم ‪ ،‬فهو أمينك‬
‫الأمون ‪ ،‬و خازن علمك الخزون ‪ ،‬و شهيدك يوم الدين ‪ ،‬و بعيثك نعم ًة ‪ ،‬و رسولك بالق رحةً ‪،‬‬
‫اللهم أفسح له ف عدنك ‪ ،‬و اجره مضاعفات الي من ف ضلك ‪ ،‬مهنئات له غي مكدرات من فوز‬
‫ثوابك الحلول ‪ ،‬و جزيل عطائك العلول ‪.‬‬
‫اللهم أعل على بناء الناس بناه ‪ ،‬و أكرم مثواه لديك و نزله ‪ ،‬و أت له نوره ‪ ،‬واجز من ابتعاثك له‬
‫مقبول الشهادة ‪ ،‬و مرضى القالة ‪ ،‬ذا منطق عدل ‪ ،‬و خطة فصل ‪ ،‬و برهان عظيم ‪.‬‬
‫و عنه أيضا ف الصلة على النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬إن ال و ملئكته يصلون على النب يأيها الذين‬
‫آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما ‪.‬‬
‫لبيك اللهم رب و سعديك ‪ ،‬صلوات ال الب الرحيم و اللئكة القربي ‪ ،‬و النبيي و الصديقي ‪ ،‬و‬
‫الشهداء و الصالي ‪ ،‬و ما سبح لك من شيء يا رب العالي ‪ ،‬على ممد بن عبد ال ‪ ،‬خات النبيي ‪ ،‬و‬
‫سيد الرسلي ‪ ،‬و إمام التقي ‪ ،‬و رسول رب العالي ‪ ،‬الشاهد البشي ‪ ،‬الداعي إليك بإذنك ‪ ،‬السراج‬
‫الني ‪ ،‬و عليه السلم ‪.‬‬
‫و عن عبد ال بن مسعود ‪ :‬اللهم اجعل صلواتك و بركاتك و رحتك على سيد الرسلي [ ‪ ، ] 168‬و‬
‫إمام التقي ‪ ،‬و خات النبيي ‪ ،‬ممد عبدك و رسولك ‪ ،‬إمام الي ‪ ،‬و رسول الرحة ‪.‬‬
‫اللهم ابعثه مقاما ممودا يغبطه فيه الولون و الخرون ‪.‬‬
‫اللهم صل على ممد و على آل ممد كما صليت على إبراهيم ‪ ،‬إنك حيد ميد ‪ ،‬و بارك على ممد و‬
‫على آل ممد كما باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حيد ميد ‪.‬‬
‫و كان السن البصري يقول ‪ :‬من أراد أن يشرب بالكأس الوف من حوض الصطفى فليقل ‪ :‬اللهم‬
‫صل على ممد و على آله و أصحابه و أولده و أزواجه و ذريته و أهل بيته و أصهاره و أنصاره و‬
‫أشباعه و مبيه و أمته ‪ ،‬و علينا ‪ ،‬معهم أجعي ‪ .‬يا أرحم الراحي ‪.‬‬
‫و عن طاوس ‪ ،‬عن ابن عباس ـ أنه كان يقول ‪ :‬اللهم تقبل شفاعة ممد الكبى ‪ ،‬و ارفع درجته العليا‬
‫‪ ،‬و آته سؤله ف الخرة و الول ‪ ،‬كما آتيت إبراهيم و موسى ‪.‬‬
‫و عن وهيب بن الورد أنه كان يقول ف دعائه ‪ :‬اللهم أعط ممدا أفضل ما سألك لنفسه ‪ ،‬و أعط‬
‫ممدا أفضل ما سألك له أحد من خلقك ‪ .‬و أعط ممدا أفضل ما أنت مسؤول له إل يوم القيامة ‪.‬‬
‫و عن ابن مسعود رضي ال عنه أنه كان يقول ‪ :‬إذا صليتم على النب صلى ال عليه و سلم فأحسنوا‬
‫الصلة عليه ‪ ،‬فإنكم ل تدرون ‪ ،‬لعل ذلك يعرض عليه ‪ ،‬و قولوا ‪ :‬اللهم اجعل صلواتك و رحتك و‬
‫بركاتك على سيد الرسلي ‪ ،‬و إمام التقي ‪ ،‬و خات النبيي ‪ ،‬ممد عبدك و رسولك إمام الي و قائد‬
‫الي ‪ ،‬و رسول الرحة ‪.‬‬
‫اللهم ابعثه مقاما ممودا يغبط ه فيه الولون و الخرون ‪ ،‬اللهم صل على ممد و على آل ممد ‪ ،‬كما‬
‫صليت على إبراهيم إنك حيد ميد ‪.‬‬
‫اللهم بارك على ممد و على آل ممد كما باركت على إبراهيم إنك حيد ميد ‪.‬‬
‫ما يؤثر ف تطويل الصلة و تكثي الثناء على أله البيت و غيهم ـ كثي ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬و السلم كما قد علمتم ‪ :‬هو ماعلمهم ال ف التشهد من قوله ‪ ،‬السلم عليك أيها النب و‬
‫رحة ال و بركاته ‪ ،‬السلم علينا و على عباد ال الصالي ‪.‬‬
‫و ف تشهد علي ‪ :‬السلم على نب ال ‪ ،‬السلم على أنبياء ال و رسله ‪ ،‬السلم على رسول ال ‪،‬‬
‫السلم على ممد بن عبد ال ‪ ،‬السلم علينا و على الؤمني و الؤمنات ‪ ،‬من غاب منهم و من شهد ‪.‬‬
‫اللهم اغفر لحمد ‪ ،‬و تقبل شفاعته ‪ ،‬و اغفر لهل بيته ‪ ،‬و اغفر ل و لوالدي و ما ولدا ‪ ،‬و ارحهما ‪.‬‬
‫السلم علينا و على عباد ال الصالي ‪ ،‬السلم عليك أيها النب و رحة ال و بركاته ‪.‬‬
‫جاء ف هذا الديث عن علي ‪ :‬الدعاء للنب صلى ال عليه و سلم بالغفران ‪.‬‬
‫[ و ف حديث الصلة عليه أيضا قبل ‪ :‬الدعاء له بالرحة ‪ ،‬و ل يأت ف غيه من الحاديث الرفوعة‬
‫العروفة ‪.‬‬
‫و قد ذهب أبو عمر بن عبد الب و غيه إل أنه ل يدع ى صلى ال عليه و سلم بالرحة ‪ ،‬و إنا يدعى‬
‫له بالصلة و البكة الت تتص به ‪ ،‬و يدعى لغيه بالرحة و الغفرة ‪.‬‬
‫و قد ذكر أبو ممد بن أب زيد ف الصلة على النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬اللهم ارحم ممدا و آل‬
‫ممد كما ترحت على إبراهيم و آل إبراهيم ‪.‬‬
‫و ل يأت هذا ف حديث صحيح ‪ .‬و حجته قوله ف السلم ‪ :‬السلم عليك أيها النب و رحة ال و‬
‫بركاته ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف فضيلة الصلة على النب و التسليم عليه و الدعاء له‬

‫حدثنا أحد بن ممد الشيخ الصال من كتابه ‪ ،‬حدثنا القاضي يونس بن مغيث ‪ ،‬حدثنا أبو بكر بن‬
‫معاوية ‪ ،‬حدثنا النسائي ‪ ،‬أخبنا سويد بن نصر ‪ ،‬أخبنا عبد ال عن حيوة بن شريح ‪ ،‬قال ‪ :‬أخبنا‬
‫كعب بن علقمة ‪ ،‬أنه سع عبد الرحن بن جبي مول نافع ـ أنه سع عبد ال بن عمرو يقول ‪ :‬سعت‬
‫رسول ال صلى ال عليه و سلم يقول ‪ :‬إذا سعتم الؤذن قولوا مثل ما يقول ‪ ،‬و صلوا [ ‪ ] 169‬علي ‪،‬‬
‫فإنه من صلى علي مرةً واحدةً صلى ال عشرا ‪ ،‬ث سلوا ل الوسيلة فإنا منلة ف النة ل تنبغي إل لعبد‬
‫من عباد ال ‪ ،‬و أرجو أن أكون أنا هو ‪ ،‬فمن سأل ل الوسيلة حلت عليه الشفاعة ‪.‬‬
‫و روى أنس بن مالك أن النب صلى ال عليه و سلم قال ‪ :‬من صلى علي صلةً صلى ال عليه عشر‬
‫صلوات ‪ ،‬و حط عنه عشر خطيئات ‪ ،‬و رفع له عشر درجات ‪.‬‬
‫و ف رواية ‪ :‬و كتب له عشر حسنات ‪.‬‬
‫و عن أنس ‪ ،‬عنه صلى ال عليه و سلم ‪ :‬إن جبيل نادان ‪ ،‬فقال ‪ :‬من صلى عليك صلةً صلى ال عليه‬
‫عشرا ‪ ،‬و رفعه عشر درجات ‪.‬‬
‫و ف رواية عبد الرحن بن عوف ‪ ،‬عنه صلى ال عليه و سلم ‪ :‬لقيت ج بريل فقال ل ‪ :‬إن أبشرك أن‬
‫ال تعال يقول ‪ :‬من سلم عليك سلمت عليه ‪ ،‬و من صلى عليك صليت عليه ‪.‬‬
‫و نوه من رواية أب هريرة ‪ ،‬و مالك بن أوس بن الدثان ‪ ،‬و عبيد ال ابن أب طلحة ‪.‬‬
‫و عن زيد بن الباب ‪ :‬سعت النب صلى ال عليه و سلم يقول ‪ :‬من قال ‪ :‬اللهم صل على ممد و أنزله‬
‫النل القرب عندك يوم القيامة وجبت له شفاعت ‪.‬‬
‫و عن ابن مسعود ‪ :‬أول الناس ب يوم القيامة أكثرهم علي صلة ‪.‬‬
‫و عن أب هريرة ‪ ،‬عنه صلى ال عليه و سلم ‪ :‬من صلى علي ف كتاب ل تزل اللئكة تستغفر له ما‬
‫بقي اسي ف ذلك الكتاب ‪.‬‬
‫و عن عامر بن ربيعة ‪ :‬سعت النب صلى ال عليه و سلم يقول ‪ :‬من صل علي صلة صلت عليه اللئكة‬
‫ما صلى علي ‪ ،‬فليقلل من ذلك عبد أو ليكثر ‪.‬‬
‫و عن أب بن كعب ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه و سلم إذا ذهب ربع الليل قام فقال أيها الناس ‪،‬‬
‫اذكروا ال ‪ ،‬جاءت الراجفة تتبعها الرادفة ‪ ،‬جاء الوت با فيه ‪.‬‬
‫فقال أب بن كعب ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن أكثر الصلة عليك ‪ ،‬فكم أجعل لك من صلت ؟‬
‫قال ‪ :‬ما شئت ‪ .‬قال ‪ :‬الربع ؟ قال ‪ [ :‬ما شئت ‪ ،‬و إن زدت فهو خي ] ‪ .‬قال الثلث ؟ قال ‪ [ :‬ما‬
‫شئت ‪ ،‬و إن زدت فهو خي ] ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬النصف ؟ قال ‪ [ :‬ما شئت ‪ ،‬و إن زدت فهو خي ] ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬قال ‪ :‬الثلثي ؟ قال ‪ [ :‬ما شئت ‪ ،‬و إن زادت فهو خي ] ‪ .‬قال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬فأجعل صلت‬
‫كلها لك ؟ قال ‪ [ :‬إذا تكفى ويغفر ذنبك ] ‪.‬‬
‫و عن أب طلحة ‪ :‬دخلت على النب صلى ال عليه و سلم فرأيت من بشره و طلقته ما ل أره ‪،‬‬
‫فسألته ‪ ،‬فقال ‪ :‬و ما ينعن و قد خرج جبيل آنفا ‪ ،‬فأتان ببشارة من رب عز و جل ‪ :‬إن ال بعثن‬
‫إليك أبشرك أنه ليس أحد من أمتك يصلي عليك إل صلى عليه و ملئكته با عشرا ‪.‬‬
‫و عن جابر بن عبد ال ‪ ،‬قال ‪ :‬قال النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬من قال حي يسمع النداء ‪ :‬اللهم رب‬
‫هذه الدعوة التامة و الصلة القائمة آت ممدا لوسيلة و الفضيلة ‪ ،‬و ابعثه مقاما ممودا الذي وعدته ـ‬
‫حلت له الشفاعة يوم القيامة ‪.‬‬
‫و عن سعد بن أب وقاص ‪ ،‬من قال حي يسمع الؤذن ‪ :‬و أنا أشهد أن ل إله إل ال وحده [ ‪] 170‬‬
‫ل شريك له ‪ ،‬و أن ممدا عبده ورسوله ‪ ،‬رضيت بال ربا و بحمد رسول ‪ ،‬و بالسلم دينا ـ غفر‬
‫له ‪.‬‬
‫و روى ابن وهب أن النب صلى ال عليه و سلم قال ‪ :‬من سلم علي عشرا فكأنا أعتق رقبة ‪.‬‬
‫و ف بعض الثار ‪ :‬ليد عن علي أقوام ما أعرفهم إل بكثرة صلتم علي ‪.‬‬
‫و ف آخر ‪ :‬إن أناكم يوم القيامة من أهوالا و مواطنها أكثركم علي صلةً ‪.‬‬
‫و عن أب بكر ‪ :‬الصلة على النب صلى ال عليه و سلم أمق للذنوب من الاء البارد للنار ‪ ،‬و السلم‬
‫عليه أفضل من عتق الرقاب ‪.‬‬
‫فصل‬
‫ف ذم من ل يصل على النب صلى ال عليه و سلم و إثه‬

‫حدثنا القاضي الشهيد أبو علي رحه ال ‪ ،‬حدثنا أبو الفضل بن خيون ‪ ،‬و أبو السي الصيف ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫حدثنا أبو يعلى ‪ ،‬حدثنا السنجي ‪ ،‬حدثنا ممد ابن مبوب ‪ ،‬حدثنا أبو عيسى ‪ ،‬حدثنا أحد بن إبراهيم‬
‫الدورقي ‪ ،‬حدثنا ربعي ابن إبراهيم ‪ ،‬عن عبد الرحن بن إسحاق ‪ ،‬عن سعيد بن أب سعيد ‪ ،‬عن أب‬
‫هريرة ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪:‬‬
‫رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي ‪ ،‬و رغم أنف رجل دخل رمضان ث انسلخ قبل أن يغفر له‬
‫‪ ،‬و رغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكب فلم يدخله النة ‪.‬‬
‫قال عبد الرحن ‪ :‬و أظنه قال ‪ :‬أو أحدها ‪.‬‬
‫و ف حديث آخر ‪ :‬أن النب صلى ال عليه و سلم صعد النب فقال ‪[ :‬آمي ] ث صعد ‪ ،‬فقال ‪ [ :‬آمي ]‬
‫‪ ،‬فسأله معاذ عن ذلك ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن جبيل أتان فقال ‪ :‬يا ممد ‪ ،‬من سيت بي يديه فلم يصل عليك‬
‫فمات فدخل النار ‪ ،‬فأبعده ال ‪ ،‬قل آمي ‪ ،‬فقلت آمي ‪.‬‬
‫و قال فيمن أدرك رمضان فلم يقبل منه فمات مثل ذلك ‪.‬‬
‫و من أدرك أبويه أو أحدها فلم يبها فمات مثله ‪.‬‬
‫و عن علي بن أب طالب ‪ :‬عنه صلى ال عليه و سلم أنه قال ‪ :‬ا لبخيل كل البخيل الذي ذكرت عنده‬
‫فلم يصل علي ‪.‬‬
‫و عن جعفر بن ممد ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬من ذكرت عنده فلم يصل‬
‫علي أخطيء به طريق النة ‪.‬‬
‫و عن علي بن أب طالب ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه و سلم قال ‪ :‬إن البخيل كل البخيل من ذكرت‬
‫عنده فلم يصل علي ‪.‬‬
‫و عن أب هريرة ‪ ،‬قال أبو القاسم صلى ال عليه و سلم ‪ :‬أيا قوم جلسوا ملسا ث تفرقوا قبل أن‬
‫يذكروا ال و يصلوا على النب صلى ال عليه و سلم كانت عليهم من ال ترة إن شاء عذبم و إن شاء‬
‫غفر لم ‪.‬‬
‫و عن أب هريرة رضي ال عنه ‪ :‬من نسي الصلة علي نسي طريق النة ‪.‬‬
‫و عن قتادة ‪ ،‬عنه صلى ال عليه و سلم ‪ :‬من الفاء أن أذكر عند الرجل فل يصلي علي ‪.‬‬
‫و عن جابر ‪ ،‬عنه صلى ال عليه و سلم ‪ :‬ما جلس قوم ملسا ث تفرقوا على غي صلة على النب صلى‬
‫ال عليه و سلم إل تفرقوا على أنت من ريح اليفة ‪.‬‬
‫و عن أب سعيد ‪ ،‬عن النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬قال ‪ :‬ل يلس قوم ملسا ل يصلون فيه على النب‬
‫صلى ال عليه و سلم [ ‪ ] 171‬إل كان عليهم حسرةً و إن دخلوا النة لا يرون من الثواب ‪.‬‬
‫و حك ى أبو عيسى الترمذي ‪ ،‬عن بعض أهل العلم ‪ ،‬قال ‪ :‬إذا صلى الرجل على النب صلى ال عليه و‬
‫سلم مرة ف الجلس أجزأ عنه ما كان ف ذلك الجلس ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف تصيصه صلى ال عليه و سلم بتبليغ صلة من صلى عليه و سلم من النام‬

‫حدثنا القاضي عبد ال التميمي ‪ ،‬حدثنا السي بن ممد ‪ ،‬حدثنا أبو عمر الافظ ‪ ،‬حدثنا ابن عبد‬
‫الؤمن ‪ ،‬حدثنا ابن داسة ‪ ،‬حدثنا أبو داود ‪ ،‬حدثنا ابن عوف ‪ ،‬حدثنا القرىء ‪ ،‬حدثنا حيوة ‪ ،‬عن أب‬
‫صخر حيد بن زياد ‪ ،‬عن يزيد بن عبد ال ابن عبد ال بن قسيط ‪ ،‬عن أب هريرة رضي ال عنه ـ أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه و سلم قال ‪ :‬ما من أحد يسلم علي إل رد ال علي روحي حت أرد عليه‬
‫السلم ‪.‬‬
‫و ذكر أبو بكر بن أب شيبة ‪ ،‬عن أب هريرة ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬من صلى‬
‫علي عند قبي سعته ‪ ،‬و من صلى علي نائيا بلغته ‪.‬‬
‫و عن أب مسعود ‪ :‬إن ال ملئكة سياحي ف الرض ببلغون عن أمت السلم ‪.‬‬
‫و نوه عن أب هريرة ‪.‬‬
‫و عن ابن عمر ‪ :‬أكثروا من السلم على نبيكم كل جعة ‪ ،‬فإنه يؤت به منكم ف كل جعة ‪.‬‬
‫و ف رواية ‪ :‬فإن أحدا ل يصلي علي إل عرضت صلته علي حي يفرغ منها ‪.‬‬
‫و عن السن ‪ ،‬عنه صلى ال عليه و سلم ‪ :‬حيثما كنتم فصلوا علي ‪ ،‬فإن صلتكم تبلغن ‪.‬‬
‫و عن ابن عباس ‪ :‬ليس أحد من أمة ممد يسلم عليه و يصلي عليه إل بلغه ‪.‬‬
‫و ذكر بعضهم أن العبد إذا صلى على النب صلى ال عليه و سلم عرض عليه اسه ‪.‬‬
‫و عن السن بن علي ‪ :‬إذا دخلت السجد فسلم على النب صلى ال عليه و سلم فإن رسول ال صلى‬
‫ال عليه و سلم قال ‪ :‬ل تتخذوا بيت عيدا ‪ ،‬و ل تتخذوا بيوتكم قبورا ‪ ،‬و صلوا علي حيث كنتم ‪،‬‬
‫فإن صلتكم تبلغن حيث كنتم ‪.‬‬
‫و ف حديث أوس ‪ :‬أكثروا علي من الصلة يوم المعة ‪ ،‬فإن صلتكم معروضة علي ‪.‬‬
‫و عن سليمان بن سحيم ‪ :‬رأيت النب صلى ال عليه و سلم ف النوم ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬هؤلء‬
‫الذين يأتونك فيسلمون عليك ‪ ،‬أتفقه سلمهم ؟ قال ‪ :‬نعم و أرد عليهم ‪.‬‬
‫و عن ابن شهاب ‪ :‬بلغنا أن رسول ال صلى ال عليه و سلم قال ‪ :‬أكثروا من الصلة علي ف الليلة‬
‫الزهراء ‪ ،‬و اليوم الزهر ‪ ،‬فإنما يؤديان عنكم ‪ ،‬و إن الرض ل تأكل أجساد النبياء ‪ ،‬و ما من مسلم‬
‫يصلي علي إل حلها ملك حت يؤديها إل و يسميه حت إنه ليقول ‪ :‬إن فلنا يقول كذا و كذا ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف الختلف ف الصلة على غي النب صلى ال عليه و سلم و سائر النبياء عليهم السلم‬

‫قال القاضي و فقه ال ‪ :‬عامة أهل العلم متفقون على جواز الصلة على غي النب صلى ال عليه و سلم‬
‫‪.‬‬
‫و روي عن إبن عباس أنه ل توز الصلة على غي النب صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫وروي عنه ‪ :‬ل تنبغي الصلة على أحد إل النبيي ‪.‬‬
‫و قال سفيان ‪ :‬يكره أن يصلي إل على نب ‪.‬‬
‫و وجدت بط بعض شيوخي ‪ :‬مذهب مالك أنه ليوز أن يصلي على أحد من ألنبياء سوى ممد‬
‫صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و هذا [‪ ]172‬غي معروف من مذهبه ‪ ،‬و قد قال مالك ف البسوطة ليحي بن‬
‫إسحاق ‪ :‬أكره الصلة على غي النبياء ‪ ،‬و ما ينبغي لنا أن نتعدى ما أمرنا به ‪.‬‬
‫و قال يي بن يي ‪ :‬لست آخذ بقوله ‪ ،‬ول بأس بالصلة على النبياء كلهم و على غيهم ‪ ،‬و احتج‬
‫بديث ابن عمر ‪ ،‬و با جاء ف حديث تعليم النب صلى ال عليه و سلم الصلة عليه ‪ ،‬و فيه ‪ :‬و على‬
‫أزواجه ‪ ،‬و على آله ‪.‬‬
‫و قد جاء معلقا عن أب عمران القابسي ‪ :‬روي عن ابن عباس رضي ال عنهما كراهة الصلة على غي‬
‫النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬قال ‪ :‬و به نقول ‪ .‬و ل تكن تستعمل فيما مضى ‪.‬‬
‫و قد روى عبد الرزاق عن أب هريرة رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪:‬‬
‫صلوا على أنبياء ال و رسله ‪ ،‬فإن ال بعثهم كما بعثن ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬و السانيد عن ابن عباس لينة ‪ ،‬و الصلة ف لسان العرب بعن الترحم و الدعاء ‪ ،‬و ذلك على‬
‫الطلق حت ينع منه حديث صحيح أو إجاع ‪.‬‬
‫و قد قال تعال ‪ :‬هو الذي يصلي عليكم وملئكته ليخرجكم من الظلمات إل النور وكان بالؤمني‬
‫رحيما [ سورة الحزاب ‪ ، 33 /‬الية ‪. ] 43 :‬‬
‫و قال ‪ :‬خذ من أموالم صدقة تطهرهم وتزكيهم با وصل عليهم إن صلتك سكن لم وال سيع عليم‬
‫[ سورة التوبة ‪ ، 9 /‬الية ‪. ] 103 :‬‬
‫و قال ‪ :‬أولئك عليهم صلوات من ربم ورحة [ سورة البقرة ‪ ، 2 /‬الية ‪. ] 157 :‬‬
‫و قال النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬اللهم صل على آل أب أوف ‪ ،‬و كان إذا أتاه قوم بصدقتهم ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫اللهم صل على آل فلن ‪.‬‬
‫و ف حديث الصلة ‪ :‬اللهم صل على ممد ‪ ،‬و على أزاجه و ذريته ‪.‬‬
‫و ف حديث آخر ‪ :‬و على آل ممد ‪ :‬قيل أتباعه ‪ [ ،‬و قيل ‪ :‬آل بيته ] ‪ .‬و قيل ‪ :‬أمته ‪ .‬و قيل ‪:‬‬
‫التباع ‪ ،‬و الرهط ‪ ،‬و العشية ‪ .‬و قيل ‪ :‬آل الرجل ولده ‪ .‬و قيل ‪ :‬قومه ‪ .‬و قيل ‪ :‬أهله الذين حرمت‬
‫عليهم الصدقة ‪.‬‬
‫و ف رواية أنس ‪ :‬سئل النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬من آل ممد ؟ قال ‪ :‬كل تقي ‪.‬‬
‫و يي على مذهب السن أن الراد بآل ممد ـ ممد نفسه ‪ ،‬فإنه كان يقول ف صلته على النب ‪:‬‬
‫اللهم اجعل صلواتك و بركاتك على آل ممد ـ يريد نفسه ‪ ،‬لنه كان ل يل بالفرض ‪ ،‬و يأت بالنفل‬
‫‪ ،‬لن الفرض الذي أمر ال تعال به هو الصلة على ممد نفسه ‪.‬‬
‫و هذا مثل قوله صلى ال عليه و سلم ‪ :‬لقد أوت مزمارا من مزامي آل داود يريد من مزامي داود ‪.‬‬
‫و ف حديث أب حيد الساعدي ف الصلة ‪ :‬اللهم صل على ممد و أزواجه و ذريته ‪.‬‬
‫و ف حديث ابن عمر أنه كان يصلي على النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و على أب بكر و عمر ـ ذكره‬
‫مالك ف الوطأ من رواية يي الندلسي ‪.‬‬
‫و الصحيح من رواية غيه ‪ :‬و يدعو لب بكر و عمر ‪.‬‬
‫و روى ابن وهب ‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪ :‬كنا ندعو لصحابنا بالغيب ‪ ،‬فنقول ‪ :‬اللهم اجعل منك على‬
‫فلن صلوات قوم أبرار الذين يقومون بالليل و يصومون بالنهار ‪.‬‬
‫قال القاضي أبو الفضل ‪ :‬و الذي ذهب إليه الحققون ‪ ،‬و أميل إليه ما قاله مالك و سفيان رحهما ال ‪،‬‬
‫و روي عن ابن عباس ‪ ،‬و اختاره غي واحد من الفقهاء و التكلمي ـ أنه ل يصلى على غي النبياء‬
‫عند ذكرهم ‪ ،‬بل هو شيء يتص به النبياء ‪ ،‬توقيا لم و تعزيزا ‪ ،‬كما يص ال تعال عند ذكره‬
‫بالتنيه و التقديس و التعظيم ‪ ،‬و ل يشاركه فيه غيه ‪ ،‬كذلك يب تصيص النب صلى ال عليه و سلم‬
‫و سائر النبياء بالصلة و التسليم ‪ ،‬و ل يشارك فيه سواهم ‪ ،‬كما أمر ال به بقوله ‪ :‬صلوا عليه وسلموا‬
‫تسليما [ سورة الحزاب ‪ ، 33 /‬الية ‪. ] 56 :‬‬
‫و يذكر من سواهم من الئمة و غيهم بالغفران و الرضا ‪ ،‬كما قال تعال ‪ :‬يقولون ربنا اغفر لنا‬
‫ولخواننا الذين سبقونا باليان [ سورة الشر ‪ ، 9 /‬الية ‪. ] 10 :‬‬
‫و قال ‪ :‬والسابقون الولون من الهاجرين والنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي ال عنهم [ سورة‬
‫التوبة ‪ ، 9 /‬الية ‪. ] 100 :‬‬
‫و أيضا فهو أمر ل يكن معروفا ف الصدر الول ‪ ،‬كما قال أبو عمران ‪ ،‬و إنا أحدثته الرافضة و‬
‫التشيعة ف بعض الئمة ‪ ،‬فشاركوهم عند الذكر لم بالصلة ‪ ،‬و ساووهم بالنب صلى ال عليه و سلم‬
‫ف ذلك ‪.‬‬
‫و أيضا فإن التشبيه بأهل البدع منهي عنه ‪ ،‬فتجب مالفتهم فيما التزموه من ذلك ‪.‬‬
‫و ذكر الصلة على الل و الزواج مع النب صلى ال عليه و سلم بكم التبع و الضافة إليه ل على‬
‫التخصيص‪.‬‬
‫[ قالوا ] ‪ :‬و صلة النب صلى ال عليه و سلم على من صلى عليه مراها مرى الدعاء و الواجهة ‪ ،‬ليس‬
‫فيها معن التعظيم و التوقي ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬و قد قال تعال ‪ :‬ل تعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ‪ ،‬فكذلك يب أن يكون‬
‫الدعاء له مالفا لدعاء الناس بعضهم لبعض ‪.‬‬
‫و هذا اختيار المام أب الظفر السفراين من شيوخنا ‪ [ ،‬و به قال ابن عبد الب ] ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف حكم زيارة قبه صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و فضيلة من زاره و سلم عليه‬

‫و زيارة قبه صلى ال عليه و سلم سنة من سنن السلمي ممع عليها ‪ ،‬و فضيلة مرغب فيها ‪ :‬روى عن‬
‫ابن عمر رضي ال عنه ‪.‬‬
‫حدثنا القاضي أبو علي ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا أبو الفضل بن خيون ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا السن بن جعفر ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫حدثنا أبو السن علي بن عمر الدارقطن ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا القاضي الحاملي ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا ممد بن عبد‬
‫الرزاق ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا موسى بن هلل ‪ ،‬عن عبد ال بن عمر ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر رضي ال عنهما‬
‫‪ ،‬أنه قال ‪ :‬قال ‪ :‬النب صلى ال عليه و سلم من زار قبي و جبت له شفاعت ‪.‬‬
‫و عن أنس بن مالك ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬من زارن ف الدينة متسبا كان ف‬
‫جواري ‪ ،‬و كنت له شفيعا يوم القيامة‬
‫و ف حديث آخر ‪ :‬من زارن بعد موت فكأنا زارن ف حيات ‪.‬‬
‫و كره مالك أن يقال ‪ :‬زرنا قب النب صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و قد اختلف ف معن ذلك ‪ ،‬فقيل ‪ :‬كرامة السم ‪ ،‬لا ورد من قوله صلى ال عليه و سلم ‪ :‬لعن ال‬
‫زوارات القبور ‪.‬‬
‫و هذا يرده قوله ‪ :‬نيتم عن زيارة القبور فزوروها ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬من زار قبي ‪ ،‬فقد أطلق اسم الزيارة ‪.‬‬
‫و قيل لن ذلك لا قيل أن أفضل من الزور ‪.‬‬
‫و هذا أيضا ليس بشيء‪ ،‬إذ ليس كل زائر بذه الصفة ‪ ،‬و ليس عموما ‪ ،‬و قد ورد ف حديث أهل النة‬
‫‪ :‬زيارتم لربم ‪ ،‬و ل ينع هذا اللفظ ف حقه تعال ‪.‬‬
‫و قال أبو عمران رحه ال ‪ :‬إنا كره مالك أن يقال ‪ :‬طواف الزيارة ‪ ،‬و زرنا قب النب صلى ال عليه و‬
‫سلم ‪ ،‬لستعمال الناس ذلك بينهم بعضهم لبعض ‪ ،‬فكرة تسوية النب صلى ال عليه و سلم مع الناس‬
‫بذا اللفظ ‪ ،‬و أحب أن يص بأن يقال ‪ :‬سلمنا على النب صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و أيضا فإن الزيارة مباحة بي الناس ‪ ،‬و واجب شد الرحال إل قبه ‪ ،‬يريد بالوجوب هنا ندب و‬
‫ترغيب و تأكيد ‪ ،‬ل وجوب فرض ‪.‬‬
‫و الول عندي أن منعه و كراهة مالك له لضافته إل قب النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و أنه لو قال ‪:‬‬
‫زرت النب ل يكرهه ‪ ،‬لقوله صلى ال عليه و سلم ‪ :‬اللهم ل تعل قبي وثنا يعبد بعدي ‪ ،‬اشتد غضب‬
‫ال على قوم اتذوا قبور أنبيائهم مساجد ‪.‬‬
‫فحمى إضافة هذا اللفظ إل القب ‪ ،‬و التشبه بفعل أولئك ‪ ،‬قطعا للذريعة و حسما للباب و ال أعلم ‪.‬‬
‫قال إسحاق بن إبراهيم الفقيه ‪ :‬و ما ل يزل من شأن من حج الرور بالدينة ‪ ،‬و القصد إل الصلة ف‬
‫مسجد رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و التبك برؤية روضته و منبه و قبه ‪ ،‬و ملسه ‪ ،‬و ملمس‬
‫يديه ‪ ،‬و مواطئ قدميه ‪ ،‬و العمود الذي كان يستند إليه ‪ ،‬و ينل جبيل بالوحي فيه عليه ‪ ،‬و بن عمره‬
‫و قصده من الصحابة و أئمة السلمي ‪ ،‬و العتبار بذلك كله ‪.‬‬
‫[ ‪ ] 174‬و قال ابن أب فديك ‪ :‬سعت بعض من أدركت يقول ‪ :‬بلغنا أنه من وقف عند قب النب‬
‫صلى ال عليه و سلم فتل هذه الية ‪ :‬إن ال وملئكته يصلون على النب ـ قال ‪ :‬صلى ال عليك يا‬
‫ممد ـ من يقولا سبعي مرة ناداه ملك ‪ :‬صلى ال عليك يا فلن ‪ ،‬و ل تسقط له حاجة ‪.‬‬
‫و عن يزيد بن أب سعيد الهري ‪ :‬قدمت على عمر بن عبد العزيز ‪ ،‬فلما ودعته قال ل ‪ :‬إليك حاجة ‪،‬‬
‫إذا أتيت الدينة سترى قب النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فأقره من السلم ‪.‬‬
‫و قال غيه ‪ :‬و كان يبد إليه البيد من الشام ‪.‬‬
‫قال بعضهم ‪ :‬رأيت أنس بن مالك أتى قب النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فوقف فرفع يديه حت ظننت أنه‬
‫افتتح الصلة ‪ ،‬فسلم على النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬ث انصرف ‪.‬‬
‫و قال مالك ـ ف رواية ابن وه ب ‪ :‬إذا سلم النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و دعا ‪ ،‬يقف و وجهه إل‬
‫القب الشريف ل إللى القبلة ‪ ،‬و يدنو ‪ ،‬و يسلم ‪ ،‬و ل يس القب بيده ‪.‬‬
‫و قال ف البسوط ‪ :‬ل أرى أن يقف عند قب النب صلى ال عليه و سلم يدعو ‪ ،‬و لكن يسلم و يضي ‪.‬‬

‫قال ابن أب مليكة ‪ :‬من أحب أن يقوم وجاه النب صلى ال عليه و سلم فليجعل القنديل الذي عند القب‬
‫على رأسه ‪.‬‬
‫و قال نافع ‪ :‬كان ابن عمر يسلم على القب ‪ ،‬رأيته مائة مرة و أكثر ييء إل القب فيقول ‪ :‬السلم على‬
‫النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬السلم على أب بكر ‪ ،‬السلم على أب ‪ ،‬ث ينصرف ‪.‬‬
‫[ و رئي ابن عمر واضعا يده على مقعد النب صلى ال عليه و سلم من النب ‪ ،‬ث وضعها على وجهه ‪.‬‬
‫و عن ابن قسيط و العتب ‪ :‬كان أصحاب النب صلى ال عليه و سلم إذا خل السجد جسوا رمانة النب‬
‫الت تلي القب بيامنهم ‪ ،‬ث استقبلوا القبلة يدعون ] ‪.‬‬
‫و ف الوطأ ـ من رواية [ ‪ ] 176‬يي بن يي الليثي ـ أنه كان يقف على قب النب صلى ال عليه و‬
‫سلم فيصلي على النب ‪ ،‬و على أب بكر ‪ ،‬و عمر ‪.‬‬
‫و عن ابن القاسم و القعنب ‪ :‬و يدعو لب بكر ‪ ،‬و عمر ‪.‬‬
‫قال مالك ـ ف رواي ة ابن وهب ‪ :‬يقول السلم ‪ :‬السلم عليك أيها النب و رحة ال و بركاته ‪.‬‬
‫قال ف البسوط ‪ :‬و يسلم على أب بكر ‪ ،‬و عمر ‪.‬‬
‫قال القاضي أبو الوليد الباجي ‪ :‬و عندي أنه يدعو للنب صلى ال عليه و سلم بلفظ الصلة ‪ ،‬و لب بكر‬
‫‪ ،‬و عمر ‪ ،‬كما ف حديث ابن عمر من اللف ‪.‬‬
‫و قال ابن حبيب ‪ :‬و يقول إذا دخل مسجد الرسول ‪ :‬بسم ال ‪ ،‬و سلم على رسول ال عليه السلم ‪،‬‬
‫السلم علينا من ربنا ‪ ،‬و صلى ال و ملئكته على ممد ‪.‬‬
‫اللهم اغفر ل ذنوب ‪ ،‬و افتح ل أبواب رحتك و جنتك ‪ ،‬و احفظن من الشيطان الرجيم ‪ ،‬ث اقصد إل‬
‫الروضة ‪ ،‬و هي ما بي القب و النب فاركع فيها ركعتي قبل وقوفك بالقب تمد ال فيهما و تسأله تام‬
‫ما خرجت إليه و العون عليه ‪.‬‬
‫و إن كانت ركعتاك ف غي الروضة أجزأتاك ‪ ،‬و ف الروضة أفضل ‪.‬‬
‫و قد قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬ما بي منبي و قبي روضة من رياض النة ‪ ،‬و منبي على ترعة من‬
‫ترع النة ‪.‬‬
‫ث تقف متواضعا متوقرا ‪ ،‬فتصلي عليه و تثن با يضرك ‪ ،‬و تسلم على أب بكر و عمر ‪ ،‬و تدعو لما‬
‫‪.‬‬
‫و أكثر من الصلة ف مسجد النب صلى ال عليه و سلم بالليل و النهار ‪ ،‬و ل ت دع أن تأت مسجد‬
‫قباء و قبور الشهداء ‪.‬‬
‫و قال مالك [ ‪ ] 175‬ـ ف كتاب ممد ‪ :‬و يسلم على النب صلى ال عليه و سلم فادخل و خرج‬
‫ـ يعن ف الدينة ـ و فيما بي ذلك ‪.‬‬
‫و قال ممد ‪ :‬و إذا خرج جعل آخر عهده الوقوف بالقب ‪ ،‬و كذلك من خرج مسافرا ‪.‬‬
‫و روى ابن وهب عن فاطمة بنت النب صلى ال عليه و سلم ـ أن النب صلى ال عليه و سلم قال ‪ :‬إذا‬
‫دخلت السجد فصل على النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و قل ‪ :‬اللهم اغفر ل ذنوب ‪ ،‬و افتح ل أبواب‬
‫رحتك ‪ .‬و إذا خرجت فصل على النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و قل ‪ :‬اللهم اغفر ل ذنوب ‪ ،‬و افتح‬
‫ل أبواب فضلك ‪.‬‬
‫و ف رواية أخرى ‪ :‬فليسلم ـ مكان ‪ :‬فليصل فيه ‪ ،‬و يقول إذا خرج ‪ :‬اللهم إن أسألك من فضلك ‪.‬‬
‫و ف أخرى ‪ :‬اللهم احفظن من الشيطان الرجيم ‪.‬‬
‫و عن ممد بن سيين ‪ :‬كان الناس يقولون إذا دخلوا السجد ‪ :‬صلى ال و ملئكته على ممد ‪ .‬السلم‬
‫عليك أيها النب و رحة ال ‪ ،‬باسم ال دخلنا ‪ ،‬و باسم ال خرجنا ‪ ،‬و على ال توكلنا ‪.‬‬
‫و كانوا يقولون إذا خرجوا مثل ذلك ‪.‬‬
‫و عن فاطمة أيضا ‪ :‬كان النب صلى ال عليه و سلم إذا دخل السجد قال ‪ :‬ص ل ال على ممد و‬
‫سلم ‪ .‬ث ذكر مثل حديث فاطمة قبل هذا ‪.‬‬
‫و ف رواية ‪ :‬حد ال و سى ‪ ،‬و صلى على النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و ذكر مثله ‪.‬‬
‫و ف رواية ‪ :‬باسم ال ‪،‬و السلم على رسول ال ‪.‬‬
‫و عن غيها ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه و سلم إذا دخل السجد قال ‪ :‬اللهم افتح ل أبواب‬
‫رحتك ‪ ،‬و يسر ل أبواب رزقك ‪.‬‬
‫و عن أب هريرة ‪ :‬إذا دخل أحدكم السجد فليصل على النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و ليقل ‪ :‬اللهم‬
‫افتح ل ‪.‬‬
‫و قال مالك ف السبوط ‪:‬و ليس يلزم من دخل السجد و خرج منه من أهل الدينة الوقو ف بالقب ‪ ،‬و‬
‫إنا ذلك للغرباء ‪.‬‬
‫و قال فيه أيضا ‪ :‬ل بأس لن قدم من سفر أن يقف على قب النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فيصلي عليه و‬
‫يدعو له و لب بكر و عمر ‪.‬‬
‫فقيل له ‪ :‬فإن ناسا من أهل الدينة ل يقدمون من سفر و ليريدونه ‪ ،‬يفعلون ذلك ف اليوم مرة أو‬
‫أكثر ‪ ،‬ربا وقفوا ف المعة أو ف اليام الرة أو اليام الرة و الرتي أو أكثر عند القب فيسلمون و‬
‫يدعون ساعة ! ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬ل يبلغن هذا على أحد من أهل الفقه ببلدنا ‪ ،‬و تركه واسع ‪ ،‬و ل يصلح آخر هذه المة إل ما‬
‫أصلح أولا ‪ ،‬و ل يبلغن ع ن أول هذه المة و صدرها أنم كانوا يفعلون ذلك ‪ ،‬و يكره إل لن جاء‬
‫من سفر أو أراده ‪.‬‬
‫قال ابن القاسم ‪ :‬و رأيت أهل الدينة إذا خرجوا منها أو دخلوها أتوا القب فسلموا ‪ ،‬قال ‪ :‬و ذلك رأيي‬
‫‪.‬‬
‫قال الباجي ‪ :‬ففرق بي أهل الدينة و الغرباء ‪ ،‬لن الغرباء قصدوا لذلك ‪ ،‬و أهل الدينة مقيمون با ل‬
‫يقصدوها من أجل القب و التسليم ‪.‬‬
‫و قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬اللهم ل تعل قبي و ثنا يعبد ‪ ،‬اشتد غضب ال على قوم اتذوا قبور‬
‫أنبيائهم مساجد ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬ل تعلوا قبي عيدا ‪.‬‬
‫و من كتاب أحد بن سعيد[ ‪ ] 176‬الندي ـ فيمن و قف بالقب ‪ :‬ل يلصق به ‪ ،‬و ل يسه ‪ ،‬و ل‬
‫يقف عنده طويلً ‪.‬‬
‫و ف العتبية ‪ :‬يبدأ بالركوع قبل السلم ف مسجد النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و أحب مواضع التنقل‬
‫فيه مصلى النب حيث العمود الخلق ‪.‬‬
‫و أما ف الفريضة فالتقدم إل الصفوف و التنقل فيه للغرباء أحب إل من التنقل ف البيوت ‪.‬‬
‫القسم الثالث ‪ :‬فيما يستحيل ف حقه ‪ ،‬و ما يوز عليه شرعا ‪ ،‬و ما‬
‫يتنع و يصح من المور البشرية أن يضاف إليه ‪.‬‬

‫فصل‬
‫عصمة النب صلى ال عليه و سلم ف أقواله و أفعاله‬

‫و أما أقواله صلى ال عليه و سلم فقامت الدلئل الواضحة بصحة العجزة على صدقه ‪ ،‬و أجعت المة‬
‫فيما كان طريقه البلغ أنه معصوم فيه من الخبار عن شيء منها بلف ما هو به ‪ ،‬ل قصدا و عمدا ‪،‬‬
‫و ل سهوا و غلطا ‪.‬‬
‫أما تعمد اللف ف ذلك فمنتف ‪ ،‬بدليل العجزة القائمة مقام قول ال فيما قال اتفاقا ‪ ،‬و بإطباق أهل‬
‫اللة إجاعا ‪.‬‬
‫و أما وقوعه على جهة الغلط ف ذلك فبهذه السبيل عند الستاذ أب إسحاق السفراين و من قال‬
‫بقوله ‪ ،‬و من جهة الجاع فقط ‪ ،‬و ورود الشرع بانتقاء ذلك ‪ ،‬و عصمة النب صلى ال عليه و سلم ل‬
‫من مقتضى العجزة نفسها عند القاضي أب بكر الباقلن و من وافقه لختلف بينهم ف مقتضى دليل‬
‫العجزة ل تطول بذكره ‪ ،‬فنخرج عن غرض الكتاب ‪ ،‬فلنعتمد على ما وقع عليه إجاع السلمي رسول‬
‫أنه ل يوز عليه خلف ف القول ف إبلغ الشريعة ‪ ،‬و العلم با أخب به عن ربه ‪ ،‬و ما أوحاه إليه من‬
‫وحيه ‪ ،‬ل على وجه العمد ‪ ،‬و ل على غي عمد ‪ ،‬ول ف حال الرضا و السخط ‪ ،‬و الصحة و الرض ‪.‬‬

‫و ف حديث عبد ال بن عمرو ‪ :‬قلت يا رسول ال ‪ ،‬أكتب كل ما أسع من ك ؟ قال ‪ [ :‬نعم ] ‪ .‬قلت‬
‫‪ :‬ف الرضا و الغضب ؟ قال ‪ [ :‬نعم ‪ ،‬فإن ل أقول ف ذلك كله إل حقا ] ‪.‬‬
‫و لند ما أشرنا إليه من دليل العجزة عليه بيانا ‪ ،‬فنقول ‪:‬‬
‫إذا قامت العجزة على صدقه ‪ ،‬و أنه ل يقول إل حقا ‪ ،‬و ل يبلغ عن ال إل صدقا ‪ ،‬و أن العجزة‬
‫قائمة مقام قول ال له ‪ :‬صدقت فيما تذكره عن ‪ ،‬وهو يقول ‪ :‬إن رسول ال إليكم لبلغكم ما أرسلت‬
‫به إليكم ‪ ،‬و أبي لكم ما نزل عليكم ‪ ،‬وما ينطق عن الوى * إن هو إل وحي يوحى [ سورة النجم ‪/‬‬
‫‪ ، 53‬الية ‪. ] 4 ، 3‬‬
‫و قد جاءكم الرسول بالق من ربكم [ سورة النساء ‪ ، 4/‬الية ‪. ] 170 :‬‬
‫وما آتاكم الرسول فخذوه وما ناكم عنه فانتهوا ‪ ،‬فل يصح أن يوجد منه ف هذا الباب خب بلف‬
‫مبه على أي وجه كان ‪.‬‬
‫و لو جوزنا عليه الغلط و السهو لا تيز لنا من غيه ‪ ،‬و ل اختلط الق بالباطل ‪ ،‬فالعجزة مشتملة على‬
‫تصديقه جلة واحدة من غي خصوص ‪ ،‬فتنيه النب عن ذلك كله واجب برهانا و إجاعا كما قاله أبو‬
‫إسحاق ‪.‬‬

‫فصل‬
‫سؤالت لبعض الطاعني‬

‫و قد توجهت هنا لبعض الطاعني [‪ ] 195‬سؤالت ‪ ،‬منها ‪:‬‬


‫ما روي من أن النب صلى ال عليه و سلم لا قرأ والنجم ‪ ،‬و قال ‪ :‬أفرأيتم اللت والعزى * ومناة الثالثة‬
‫الخرى ‪-‬قال ‪ :‬تلك الغرانيق العل ‪ ،‬و إن شفاعتها لترتى و يروى ‪ :‬ترتضى ‪ .‬و ف رواية ‪ :‬إن‬
‫شفاعتها لترتي ‪ ،‬و إنا لع الغرانيق العل ‪.‬‬
‫و ف أخرى ‪ :‬و الغرانقة العل ‪ ،‬تلك للشفاعة ترتى ‪.‬‬
‫فلما ختم السورة سجد ‪ ،‬و سجد معه السلمون و الكفار لا سعوه أثن على آلتهم ‪.‬‬
‫و ما وقع ف بعض الروايات أن الشيطان ألقاها على لسانه ‪ ،‬و أن النب صلى ال عليه و سلم كان تن‬
‫أن لو نزل عليه شيء يقارب بينه و بي قومه ‪.‬‬
‫و ف رواية أخرى ‪ :‬أل ينل عليه شيء ينفرهم عنه ‪ ،‬و ذكر هذه القصة ‪ ،‬و أن جبيل عليه السلم جاء‬
‫فعرض عليه السورة ‪ ،‬فلما بلغ الكلمتي قال له ‪ :‬ما جئتك باتي ‪ .‬فحزن لذلك النب صلى ال عليه و‬
‫سلم ‪ ،‬فأنزل ال تعال تسلية له ‪ :‬وما أرسلنا من قبلك من رسول ول نب إل إذا تن ألقى الشيطان ف‬
‫أمنيته فينسخ ال ما يلقي الشيطان ث يكم ال آياته وال عليم حكيم [ سورة الج ‪ ، 22 /‬الية ‪52 :‬‬
‫]‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيه وإذا لتذوك خليل * ولول أن‬
‫ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليل [ سورة السراء ‪ ، 17 /‬الية ‪. ] 74 ، 73 :‬‬
‫فاعلم ـ أكرمك ال أن لنا ف الكلم على مشكل هذا الديث مأخذين ‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬ف توهي أصله ‪ ،‬و الثان على تسليمه ‪.‬‬
‫أما الأخذ الول فيكفيك أن هذا حديث ل يرجه أحد من أهل الصحة ‪ ،‬و ل رواه ثقة بسند سليم‬
‫متصل ‪ ،‬و إنا أولع به و بثله الفسرون و الؤرخون الولعون بكل غريب ‪ ،‬التلقفون من الصحف كل‬
‫صحيح و سقيم ‪.‬‬
‫و صدق القاضي بكر بن العلء الالكي حيث قال ‪ :‬لقد بلي الناس ببعض أهل الهواء و التفسي ‪ ،‬و‬
‫تعلق بذلك اللحدون مع ضعف نقلته و اضطراب رواياته ‪ ،‬و انقطاع إسناده ‪ ،‬و اختلف كلماته ‪،‬‬
‫فقائل يقول ‪ :‬إنه ف الصلة ‪ ،‬و آخر يقول ‪ :‬قالا ف نادي قومه حي أنزلت عليه السورة ‪ ،‬و آخر يقول‬
‫‪ :‬قالا و قد أصابته سنة ‪ ،‬و آخر يقول ‪ :‬بل حدث نفسه فسها ‪ ،‬و آخر يقول ‪ :‬إن الشيطان قالا على‬
‫لسانه ‪ ،‬و إن النب صلى ال عليه و سلم لا عرضها على جبيل قال ‪ :‬ما هكذا أقرأتك ‪ ،‬و آخر يقول ‪:‬‬
‫بل أعلمهم الشيطان أن النب صلى ال ع ليه و سلم قرأها ‪ ،‬فلما بلغ النب صلى ال عليه و سلم ذلك‬
‫قال ‪ :‬و ال ما هكذا نزلت ـ إل غي ذلك من اختلف الرواة ‪.‬‬
‫و من حكيت هذه الكاية عنه من الفسرين و التابعي ل يسندها أحد منهم ‪ ،‬و ل رفعها إل صاحب ‪،‬‬
‫و أكثر الطرق عنهم فيها ضعيفة واهية ‪ ،‬و الرفوع فيه حديث شعبة ‪ :‬عن أب بشر ‪ ،‬عن سعيد بن جبي‬
‫‪ ،‬عن ابن عباس قال فيما أحسب ـ الشك ف الديث ـ أن النب صلى ال عليه و سلم كان بكة ‪...‬‬
‫و ذكر القصة ‪.‬‬
‫قال أبو بكر البزار ‪ :‬هذا الديث ل نعلمه يروى عن النب صلى ال عليه و سلم بإسناد متصل يوز‬
‫ذكره إل هذا ‪ ،‬و ل يسنده عن شعبة إل أمية بن خالد ‪ ،‬و غيه يرسله عن سعيد بن جبي ‪ ،‬و إنا‬
‫يعرف عن الكلب ‪ ، ،‬عن أب صال ‪ ،‬عن ابن عباس فقد بي لك أبو بكر رحه ال أنه ل يعرف من‬
‫طريق يوز ذكره سوى هذا ‪.‬‬
‫و فيه من [ ‪ ] 196‬الضعف ما نبه عليه مع و قوع الشك فيه ‪ ،‬كما ذكرناه ‪ ،‬الذي ل يوثق به ‪ ،‬و ل‬
‫حقيقة معه ‪.‬‬
‫و أما حديث الكلب فمما ل توز الراوية عنه و ل ذكره لقوة ضعفه و كذبه ‪ ،‬كما أشار إليه الباز ‪:‬‬
‫رحه ال ‪.‬‬
‫و الذي منه ف الصحيح أن النب صلى ال عليه و سلم قرأ ‪ :‬والنجم ـ و هو بكة ‪ ،‬فسجد معه‬
‫السلمون و الشركون و الن و النس ‪.‬‬
‫هذا توهينه من طريق النقل فأما من جهة العن فقد قامت الجة ‪ ،‬و أجهت المة على عصمته صلى ال‬
‫عليه و سلم و نزاهته عن مثل هذه الرذيلة ‪ ،‬إما من تنيه أن ينل عليه مثل هذا من مدح آلة غي ال ‪ ،‬و‬
‫هو كفر ‪ ،‬أو أن يتسور عليه الشيطان ‪ ،‬ويشبه عليه القرآن حت يعل فيه ما ليس منه ‪ ،‬و يعتقد النب‬
‫صلى ال عليه و سلم أن من القرآن ما ليس منه حت ينبهه جبيل عليه السلم ‪ ،‬و ذلك كله متنع ف‬
‫حقه صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬أو يقول ذلك النب صلى ال عليه و سلم من قيل نفسه عمدا ‪ ،‬و ذلك‬
‫كفر ‪ ،‬أو سهوا ‪ ،‬و هو معصوم من هذا كله ‪.‬‬
‫و قد قررنا بالباهي و الجاع عصمته صلى ال عليه و سلم من جريان الكفر على قلبه أو لسانه ‪ ،‬ل‬
‫عمدا و ل سهوا ‪ ،‬أو أن يشبه عليه ما يلقيه اللك با يلقي الشيطان ‪ ،‬أو يكون للشيطان عليه سبيل ‪،‬‬
‫أو أن يتقول على ال ‪ ،‬ل عمدا و ل سهوا ‪ ،‬ما ل ينل عليه ‪ ،‬و قد قال ال تعال ‪ :‬ولو تقول علينا‬
‫بعض القاويل * لخذنا منه باليمي * ث لقطعنا منه الوتي [ سورة الاقة ‪ ، 69 /‬الية ‪46 ، 44 [ :‬‬
‫]‪.‬‬
‫قال تعال ‪ :‬إذا لذقنا ك ضعف الياة وضعف المات ث ل تد لك علينا نصيا [ سورة السراء ‪، 17/‬‬
‫الية ‪. ] 75‬‬
‫و وجه ثان ‪ ،‬و هو استحالة هذه القصة نظرا و عرفا ‪ ،‬و ذلك أن هذا الكلم لو كان ـ كما روي‬
‫لكان بعيد اللتئام ‪ ،‬لكونه متناقص القسام ‪ ،‬متزج الدح بالذم ‪ ،‬متخاذل التأليف و النظم ‪ .‬و لا كان‬
‫النب صلى ال عليه و سلم و ل من بضرته من السلمي ‪ ،‬و صناديد الشركي من يفى عليه ذلك ‪ ،‬و‬
‫هذا ل يفى على أدن متأمل ‪ ،‬فكيف بن رجع حلمه ‪ ،‬و اتسع ف باب البيان و معرفة فصيح الكلم‬
‫علمه ‪.‬‬
‫و وجه ثالث أنه علم من عادة النافقي ‪ ،‬و معاندي الشركي ‪ ،‬و ضعفة القلوب ‪ ،‬و الهلة من‬
‫السلمي ـ نفوزهم لول وهلة ‪ ،‬و تليط العدو على النب صلى ال عليه و سلم لقل فتنة ‪ ،‬و تعييهم‬
‫السلمي ‪ ،‬و الشمات بم الفينة بعد الفينة ‪ ،‬و ارتداد من ف قلبه مرض من أظهر السلم لدن شبهة ‪،‬‬
‫و ل يك أحد ف هذه القصة شيئا سوى هذه الرواية الضعيفة الصل ‪ ،‬و لو كان ذلك لوجدت قريش‬
‫با على السلمي الصولة ‪ ،‬و لقامت با اليهود عليهم الجة ‪ ،‬كما فعلوا مكابرة ف قصة السراء حت‬
‫كانت ف ذلك لبعض الضعفاء ردة ‪ ،‬و كذلك ما روى ف قصة القضية ‪ ،‬و ل فتنة أعظم من هذه البينة‬
‫لو وجدت ‪ ،‬و ل تشغيب للمعادي حينئذ أشد من هذه الادثة لو أمكنت ‪ ،‬فما روى عن معاند فيها‬
‫كلمة ‪ ،‬و ل عن مسلم بسببها بنت شفة ‪ ،‬فدل على بطلها و اجتثاث أصلها ‪.‬‬
‫و ل شك ف إدخال بعض شياطي النس أو [ ‪ ] 197‬الن هذا الديث على بعض مغفلي الحدثي ‪،‬‬
‫ليلبس به على ضعفاء السلمي ‪.‬‬
‫و وجه رابع ‪ :‬ذكر الرواة لذه القضية أن فيها نزلت ‪ :‬وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك‬
‫لتفتري علينا غيه وإذا لتذوك خليل * ولول أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليل [ سورة‬
‫السراء ‪ ، 17 /‬اليتان ‪. ] 74 ،73 :‬‬
‫و هاتان اليتان يردان الب الذي رووه ‪ ،‬لن ال تعال ذكر أنم كادوا يفتنونه حت يفتري ‪ ،‬و أنه ثبته‬
‫لكاد يركن إليهم ‪.‬‬
‫فمضمون هذا و مفهومه أن ال تعال عصمه من أن يفتري ‪ ،‬و ثبته حت ل يركن إليهم قليلً ‪ ،‬فكيف‬
‫كثيا ! و هم يروون أخبارهم الواهية أنه زاد على الركون و الفتراء بدح آلتهم و أنه قال صلى ال‬
‫عليه و سلم ‪ :‬افتريت على ال ‪ ،‬وقلت ما ل يقل ‪ ،‬و هذا ضد مفهوم الية ‪ ،‬و هي تضعف الديث لو‬
‫صح ‪ ،‬فكيف و ل صحة له ‪.‬‬
‫و هذا مثل قوله تعال ف الية الخرى ‪ :‬ولول فضل ال عليك ورحته لمت طائفة منهم أن يضلوك وما‬
‫يضلون إل أنفسهم وما يضرونك من شيء [ سورة النساء ‪ ، 4 /‬الية ‪. ] 113 :‬‬
‫و قد روي عن ابن عباس ‪ :‬كل ما ف القرآن كاد فهو ما ل يكون ‪ ،‬قال ال تعال ‪ :‬يكاد سنا برقه‬
‫يذهب بالبصار ‪ ،‬و ل يذهب ‪ .‬و أكاد أخفيها ‪ ،‬و ل يفعل ‪.‬‬
‫قال القشيي القاضي ‪ :‬و لقد طالبته قريش و ثقيف إذ مر بآلتهم أن يقبل بوجهه إليها و وعدوه اليان‬
‫به إن فعل ‪ ،‬فما فعل ‪ ،‬و ل كان ليفعل ‪.‬‬
‫قال ابن النباري ‪ :‬ما قارب الرسول و ل ركن ‪.‬‬
‫و قد ذكرت ف معن هذه الية تفاسي أخر ما ذكرناه من نص ال على عصمة رسوله يرد سفسافها ‪،‬‬
‫فلم يبق ف الية إل أن ال تعال امت على رسوله بعصمته و تثبيته ما كاده به الكفار ‪ ،‬و راموا من‬
‫فتنته ‪ ،‬و مرادنا من ذلك تنيهه و عصمته صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و هو مفهوم الية ‪.‬‬
‫و أما الأخذ الثان فهو مبن على تسليم الديث لو صح ‪ ،‬و قد أعاذنا ال من صحته ‪ ،‬و لكن على كل‬
‫حال فقد أجاب على ذلك أئمة السلمي بأجوبة ‪ ،‬منها الغث و السمي ‪ ،‬فمنها ما روى قتادة و مقاتل‬
‫ـ أن النب صلى ال عليه و سلم أصابته سنة عند قراءته هذه السورة فج رى هذا الكلم على لسانه‬
‫بكم النوم ‪.‬‬
‫و هذا ل يصح ‪ ،‬إذ ل يوز على النب مثله ف حالة من أحواله ‪ ،‬و ل يلقه ال على لسانه ‪ ،‬و ل‬
‫يستول الشيطان عليه ف نوم و ل يقظة لعصمته ف هذا الباب من جيع العمد و السهو ‪.‬‬
‫و ف قول الكلب ‪ :‬إن النب صلى ال عليه و سلم ـ حدث نفسه ‪ ،‬فقال ذلك الشيطان على لسانه ‪.‬‬
‫و ف رواية ابن شهاب ‪ ،‬عن أب بكر بن عبد الرحن ‪ ،‬قال ‪ :‬وسها ‪ ،‬فلما أخب بذلك قال ‪ :‬إنا ذلك‬
‫من الشيطان ‪.‬‬
‫و كل هذا ل يصح أن يقوله النب صلى ال عليه و سلم ل سهوا و ل قصدا ‪ ،‬و ل يتقوله الشيطان على‬
‫لسانه ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬لعل النب صلى ال عليه و سلم قال ف أثناء تلوته على تقدير التقرير و التوبيخ للكفار ‪ ،‬كقول‬
‫إبراهيم عليه السلم ‪ :‬هذا رب ـ على أحد التأويلت ‪.‬‬
‫و كقوله ‪ :‬بل فعله كبيهم هذا بعد السكت و بيان الفصل بي الكلمي ‪ ،‬ث رجع إل تلوته ‪.‬‬
‫و هذا [ ‪ ] 198‬مكن مع بيان الفصل و قرينة تدل على الراد ‪ ،‬و أنه ليس من التلو ‪ ،‬و هو أحد ما‬
‫ذكره القاضي أبو بكر ‪.‬‬
‫و ل يعترض على هذا با روي أنه كان ف الصلة ‪ ،‬فقد كان الكلم قبل فيها غي منوع ‪.‬‬
‫و الذي يظهر و يترجح ف تأويله عنده و عند غيه من الحققي على تسليمه أن النب صلى ال عليه و‬
‫سلم كان ـ كما أمره ربه ـ يرتل القرآن ترتيل ‪ ،‬و يفصل الي تفصيل ف قراءته ‪ ،‬كما رواه الثقات‬
‫عنه ‪ ،‬فيمكن ترصد الشيطان لتلك السكتات و دسه فيها ما اختلقه من تلك الكلمات ماكيا نغمة النب‬
‫صلى ال عليه و سلم بيث يسمعه من دنا إليه من الكفار ‪ ،‬فظنوها من قول النب صلى ال عليه و‬
‫سلم ‪ ،‬و أشاعوها ‪ ،‬و ل يقدح ذلك عند السلمي بفظ السورة قبل ذلك على ما أنزلا ال و تققهم‬
‫من حال النب صلى ال عليه و سلم ف ذم الوثان و عيبها على ما عرف منه ‪.‬‬
‫[ و قد حكى موسى بن عقبة ف مغازيه نو هذا ‪ ،‬و قال ‪ :‬إن السلمي ل يسمعوها ‪ ،‬و إنا ألقى‬
‫الشيطان ذلك ف أساع الشركي و قلوبم ] ‪ ،‬و يكون ما روي من حزن النب صلى ال عليه و سلم‬
‫لذه الشاعة و الشبهة ‪ ،‬و سبب هذه الفتنة ‪.‬‬
‫و قد قال ال تعال ‪ :‬وما أرسلنا من قبلك من رسول ول نب إل إذا تن ألقى الشيطان ف أمنيته فينسخ‬
‫ال ما يلقي الشيطان ث يكم ال آياته وال عليم حكيم ‪ ،‬فمعن تن ‪ :‬تل ‪ ،‬قال ال تعال ‪ :‬ل يعلمون‬
‫الكتاب إل أمان ‪ ،‬أي تلوة ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬ف ينسخ ال ما يلقي الشيطان ‪ ،‬أي يذهبه ‪ ،‬و يزيل اللبس به ‪ ،‬و يكم آياته ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬معن الية هو ما يقع للنب صلى ال عليه و سلم من السهو إذا قرأ فينتبه لذلك و يرجع عنه ‪.‬‬
‫و هذا نو قول الكلب ف الية ‪ :‬إنه حدث نفسه ‪ ،‬و قال ‪ :‬إذا تن ‪ ،‬أي حدث نفسه ‪.‬‬
‫و ف رواية أب بكر بن عبد الرحن نوه ‪.‬‬
‫و هذا السهو ف القراءة إنا يصح فيما ليس طريقه تغيي العان ‪ ،‬و تبديل اللفاظ ‪ ،‬و زيادة ما ليس من‬
‫القرآن ‪ ،‬بل السهو عن إسقاط آية منه أو كلمة ‪ ،‬و لكنه ل يقر على هذا السهو ‪ ،‬بل ينبه عليه ‪ ،‬و‬
‫يذكر به للحي على ما سنذكره ف حكم ما يوز عليه من السهو و ما ل يوز ‪.‬‬
‫و ما يظهر ف تأويله أيضا أن ماهدا روى هذه القصة ‪ :‬و الغرانقة العل ‪ ،‬فإن سلمنا القصة قلنا ‪ :‬ل‬
‫يبعد أن هذا كان قرآنا ‪ ،‬و الراد بالغرانقة العل ‪ ،‬و أن شفاعتهن لترتى ‪ :‬اللئكة على هذه الرواية ‪.‬‬
‫و بذا فسر الكلب الغرانقة أنا اللئكة ‪ ،‬و ذلك أن الكفار كانوا يعتقدون الوثان و اللئكة بنات ال ‪،‬‬
‫كما حكى عنهم ورد عليهم ف هذه السورة بقوله ‪ :‬ألكم الذكر وله النثى ‪ ،‬فأنكر ال هذا من قولم ‪،‬‬
‫و رجاء الشفاعة من اللئكة صحيح ‪ ،‬فلما تأوله الشركون على أن الراد بذا الذكر آلتهم ‪ ،‬و لبس‬
‫عليهم الشيطان ذلك ‪ ،‬و زينة ف قلوبم و ألقاه ‪ ،‬إليهم نسخ ال ما ألقى الشيطان ‪ ،‬و أحكم آياته ‪ ،‬و‬
‫رفع تلوة تلك اللفظتي اللتي وجد الشيطان بما سبيل لللباس ‪ ،‬كما نسخ كثي من القرآن و رفعت‬
‫تلوته ‪ ،‬و كان ف إنزال ال تعال لذلك حكمة ‪ ،‬و ف نسخه حكمة ‪ ،‬ليضل به من يشاء و يهدي من‬
‫يشاء ‪ ،‬و ما يضل به إل الفاسقي ‪ ،‬و ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين ف قلوبم مرض والقاسية‬
‫قلوبم وإن الظالي لفي شقاق بعيد * وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له‬
‫قلوبم وإن ال لاد الذين آمنوا إل صراط مستقيم [ سورة الج ‪ ، 22 /‬اليتان ‪. ] 54 ، 53 :‬‬
‫و قيل ‪ :‬إن النب صلى ال عليه و سلم ـ لا قرأ هذه السورة ‪ ،‬و بلغ ذكر اللت و العزى و مناة الثالثة‬
‫الخرى خاف الكفار أن يأت بشيء من ذمها فسبقوا إل مدحها بتلك الكلمتي ليخلطوا ف تلوة النب‬
‫صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و يشغبوا عليه على عادتم و قولم ‪ :‬ل تسمعوا لذا القرآن والغوا فيه لعلكم‬
‫تغلبون [ سورة فصلت ‪ ،‬الية ‪. ] 26 :‬‬
‫و نسب هذا الفعل إل الشيطان لمله لم عليه ‪ ،‬و أشاعوا ذلك و أذاعوه ‪ ،‬و أن النب ـ صلى ال عليه‬
‫و سلم ـ قاله ‪ ،‬فحزن لذلك من كذبم و افترائهم عليه ‪ ،‬فسله ال‬

‫تعال بقوله ‪:‬‬


‫وما أرسلنا من قبلك من رسول ول نب إل إذا تن ألقى الشيطان ف أمنيته ‪ ،‬و بي للناس الق من ذلك‬
‫من الباطل ‪ ،‬و حفظ القرآن ‪ ،‬و أحكم آياته ‪ ،‬و دفع ما لبس به العدو ‪ ،‬كما ضمنه تعال من قوله ‪ :‬إنا‬
‫نن نزلنا الذكر وإنا له لافظون [ سورة الجر ‪ ، 15 /‬الية ‪. ] 9 :‬‬
‫و من ذلك ما روي من قصة يونس عليه السلم ـ و أنه وعد قومه بالعذاب عن ربه ‪ ،‬فلما تابوا كشف‬
‫عنهم العذاب ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل أرجع كذابا أبدا ‪ ،‬فذهب مغاضبا ‪.‬‬
‫فاعلم ـ أكرمك ال ـ أن ليس ف خب من الخبار الواردة ف هذا الكتاب أن يونس ـ عليه السلم‬
‫ـ قال لم ‪ :‬إن ال مهلككم ‪ ،‬و إنا فيه أنه دعا عليهم باللك ‪ ،‬و الدعاء ليس بب يطلب صدقة من‬
‫كذبه ‪ ،‬لكنه قال لم ‪ :‬إن العذاب مصبحكم وقت كذا ‪ ،‬فكان ذلك ‪ ،‬كما قال ‪ ،‬ث رفع ال تعال‬
‫عنهم العذاب و تداركهم ‪ ،‬قال ال تعال ‪ :‬فلول كانت قرية آمنت فنفعها إيانا إل قوم يونس لا آمنوا‬
‫كشفنا عنهم عذاب الزي ف الياة الدنيا ومتعناهم إل حي [ سورة يونس ‪ ، 10 /‬الية ‪. ] 98 :‬‬
‫و روي ف الخبار انم رأوا دلئل العذاب و مايله ‪ ،‬قاله ابن مسعود ‪.‬‬
‫و قال سعيد بن جبي ‪ :‬غشاهم العذاب كما يغشى الثواب القب ‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬فما معن ما روي من أن عبد ال بن أب سرح كان يكتب لرسول صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬ث‬
‫ارتد مشركا ‪ ،‬و صار إل قريش تعال فقال لم ‪ :‬إن كنت أصرف ممدا حيث أريد ‪ ،‬كان يلى على‬
‫[ عزيزحكيم ] فأقول أو [ عليم حكيم ] ؟ فيقول ‪ :‬نعم ‪ ،‬كل صواب ‪.‬‬
‫و ف حديث أخر ‪ :‬فيقول له النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬اكتب كذا فيقول ‪ :‬أكتب كذا ؟ فيقول ‪:‬‬
‫اكتب كيف شئت و يقول ‪ :‬اكتب عليما حكيما ‪ ،‬فيقول أكتب ‪ :‬سيمعا بصيا ‪ ،‬فيقول له ‪ :‬اكتب‬
‫كيف شئت ‪.‬‬
‫و ف الصحيح عن أنس رضي ال عنه ـ أن نصرانيا كان يكتب للنب صلى ال عليه و سلم بعد ما‬
‫أسلم ث ارتد ‪ ،‬و كان يقول ‪ :‬ما يدري ممد إل ما كتبت له ‪.‬‬
‫فاعلم ـ ثبتنا ال و إياك على الق ‪ ،‬و ل جعل للشيطان و تلبيسه الق بالباطل إلينا سبيلً ـ أن مثل‬
‫هذه الكاية أولً ل توقع ف قلب مؤمن رينا ‪ ،‬إذ هي حكاية عمن ارتد و كفر بال ‪ ،‬و نن ل نقبل‬
‫خب السلم التهم ‪ ،‬فكيف بكافر اف ترى هو و مثله على ال و رسله ما هو أعظم من هذا ! ‪.‬‬
‫و العجب لسليم العقل بشغل بثل [ ‪ ] 200‬هذه الكاية سره ‪ ،‬و قد صدرت من عدو كافر مبغض‬
‫للدين ‪ ،‬مفتر على ال و رسوله ‪ ،‬و ل ترد عن أحد من السلمي ‪ ،‬و ل ذكر أحد من الصحابة أنه‬
‫شاهد ما قاله و افتراه على نب ال ‪ ،‬و إنا يفتري الكذب الذين ل يؤمنون بآيات ال ‪ ،‬و أولئك هم‬
‫الكاذبون ‪.‬‬
‫[ و ما و قع من ذكرها ف حديث أنس رضي ال عنه و ظاهر حكايتها ‪ ،‬فليس فيه ما يدل على أنه‬
‫شاهدها ‪ ،‬و لعله حكى ما سع ‪.‬‬
‫و قد علل البزار حديثه ذلك ‪ ،‬و قال ‪ :‬رواه ثابت عنه ‪ ،‬و ل يتابع عليه ‪ ،‬و رواه حيد عن أنس ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫و أظن إنا سعه من ثابت ‪.‬‬
‫قال القاضي أبو الفضل ـ و فقه ال ‪ :‬و لذا ‪ ،‬و ال أعلم ‪ ،‬ل يرج أهل الصحيح حديث ثابت و ل‬
‫حيد ‪ .‬و الصحيح حديث عبد العزيز بن رفيع عن أنس رضي ال عنه الذي خرجه أهل الصحة و‬
‫ذكرناه ‪ ،‬و ليس فيه عن أنس قول شيء من ذلك من قبل نفسه إل من حكايته عن الرتد النصران ] ‪ ،‬و‬
‫لو كانت صحيحة لا كان فيها قدح و ل تو هيم للنب صلى ال عليه و سلم فيما أوحي إليه ‪ ،‬و ل‬
‫جواز للنسيان و الغلط عليه و التحريف فيما بل غه و ل طعن ف نظم القرآن ‪ ،‬و أنه من عند ال ‪ ،‬إذ‬
‫ليس فيه لو صح ـ أكثر من أن الكاتب قال له ‪ :‬عليم حكيم ـ و كتبه ‪ ،‬فقال له النب ـ صلى ال‬
‫عليه و سلم ‪ :‬كذلك هو ‪ ،‬فسبقه لسانه أو قلمه لكلمة أو كلمتي ما نزل على الرسول قبل إظهار‬
‫الرسول لا ‪ ،‬إذ كان ما تقدم ما أمله الرسول يدل عليها و يقتضي وقوعها بقوة قدرة الكاتب على‬
‫الكلم و معرفته به ‪ ،‬و جودة حسه و فطنته ‪ ،‬كما يتفق ذلك للعارف إذا سع البيت أن يسبق إل قافيته‬
‫‪ ،‬أو مبتدأ الكلم السن إل ما يتم به ‪ ،‬و ل يتفق ف جلة الكلم ‪ ،‬كما ل يتفق ذلك ف آية و ل سورة‬
‫‪.‬‬
‫و كذلك قوله صلى ال عليه و سلم ‪ :‬كل صواب إن صح ‪ ،‬فقد يكون هذا فيما كان فيه من مقاطع‬
‫الي و جهان و قراءتان أنزلتا جيعا على النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فأملى إحداها ‪ ،‬و توصل الكاتب‬
‫بفطنته و معرفته بقتضى الكلم إل الخرى ‪ ،‬فذكرها للنب ـ صلى ال عليه و سلم كما قدمناه ‪،‬‬
‫فصوبا له النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬ث أحكم ال من ذلك ما أحكم ‪ ،‬و نسخ ما نسخ كما قد وجد‬
‫ذلك ف بعض مقاطع الي ‪ ،‬مثل قوله تعال ‪ :‬إن تعذبم فإنم عبادك وإن تغفر لم فإنك أنت العزيز‬
‫الكيم [ س ورة الائدة ‪ ، 5/‬الية ‪. ] 118 :‬‬
‫و هذه قراءة المهور و قد قرأ جاعة ‪ [ :‬فإنك أنت الغفور الكيم ] ‪ .‬و ليست من الصحف ‪.‬‬
‫و كذلك كلمات جاءت على وجهي ف غي القاطع ‪ ،‬قرأ بما جيعا المهور ‪ ،‬وثبتنا ف الصحف ‪،‬‬
‫مثل ‪ :‬وانظر إل العظام كيف ننشزها و ننشزها و يقتضي الق ـ و يقص الق ‪.‬‬
‫و كل هذا ل يوجب رينا ‪ ،‬و ل ينسب للنب ـ صلى ال عليه و سلم ـ غلطة و ل وها ‪.‬‬
‫و قد قيل ‪ :‬إن هذا يتمل أن يكون فيما يكتبه عن النب ـ صلى ال عليه و سلم ـ إل الناس غي‬
‫القرآن ‪ ،‬فيصف ال و يسميه ف ذلك كيف يشاء ‪.‬‬
‫فصل‬
‫فيما يتصل بأمور الدنيا و أحوال نفسه‬

‫هذا القول فيما طريقه البلغ ‪ ،‬و أما ما ليس سبيله من الخبار الت ل مستند لا إل الحكام ‪ ،‬و ل‬
‫أخبار العاد ‪ ،‬و ل تضاف إل وحي ‪ ،‬بل ف أمور الدنيا و أحوال نفسه ـ فالذي يب اعتقاده تنيه‬
‫النب ـ صلى ال عليه و سلم ـ أن يقع خبه ف شيء من ذلك بلف مبه ‪ ،‬ل عمدا و ل سهوا و‬
‫ل غلطا ‪ ،‬و أنه معصوم من ذلك ف حال رضاه و ف سخطه ‪ ،‬و جده و مزحه و صحته و مرضه ‪.‬‬
‫و دليل ذلك اتفاق السلف و إجاعهم عليه ‪ ،‬و ذلك أنا نعلم من دين الصحابة و عادتم مبادرتم إل‬
‫تصديق جيع أحواله ‪ ،‬و الثقة بميع أخباره ف أي باب كانت ‪ ،‬و عن أي شيء وقعت ‪ ،‬و أنه ل يكن‬
‫لم توقف و ل تردد ف شيء منها ‪ ،‬و ل استثبات عن حاله عند ذلك ‪ ،‬هل وقع فيها سهو أم ل ؟‬
‫و لا [ ‪ ] 201‬احتج ابن أب القيق اليهودي على عمر حي أجلهم من خيب بإقرار رسول ال ـ‬
‫صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و احتج عليه عمر رضي ال عنه بقوله ـ صلى ال عليه و سلم ‪ :‬كيف بك إذا‬
‫أخرجت من خيب ؟ فقال اليهودي ‪ :‬كانت هزيلة من أب القاسم ‪ .‬فقال عمر ‪ :‬كذبت يا عدو ال ‪.‬‬
‫و أيضا فإن أخباره و آثاره و سيه و شائله م عتن با مستقصى تفاصيلها ‪ ،‬و ل يرد ف شيء منها‬
‫استدراكه صلى ال عليه و سلم لغلط ف قول قاله ‪ ،‬أو اعترافه بوهم ف شيء أخببه ‪ ،‬و لو كان ذلك‬
‫لنقل كما نقل من قصته عليه السلم ف رجوعه صلى ال عليه و سلم عما أشار به على النصار ف‬
‫تلقيح النخل ـ و كان ذلك رأيا ل خبا ‪ ،‬و غي ذلك من المور الت ليست من هذا الباب ‪ ،‬كقوله‬
‫صلى ال عليه و سلم ‪ :‬و ال ل أحلف على يي ‪ ،‬فأرى غيها خيا منها إل فعلت الذي حلفت عليه‬
‫و كفرت عن يين ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬إنكم تتصمون إل ‪ ...‬الديث ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬اسق يا زبي حت يبلغ الاء الدر كما سنبي كل ما ف هذا من مشكل ما ف هذا الباب و الذي‬
‫بعده إن شاء ال ‪ ،‬مع أشباهها ‪.‬‬
‫و أيضا فإن الكذب مت عرف من أحد ف شيء من الخبار بلف ما هو على أي وجه كان استريب‬
‫بيه ‪ ،‬و اتم ف حديثه ‪ ،‬و ل يقع قوله ف النفوس موقعا ‪ ،‬و لذا ما ترك الحدثون و العلماء الديث‬
‫عمن عرف بالوهم و الغفلة و سوء الفظ ‪ ،‬و كثرة الغلط للمروءة ‪ ،‬مع ثقة ‪.‬‬
‫و أيضا فإن تعمد الكذب ف أمور الدنيا معصية ‪ ،‬و الكثار منه كبية بإجاع ‪ ،‬مسقط للمروءة ‪.‬‬
‫و كل هذا ما ينه عنه منصب النب وة ‪ ،‬و الرة الواحدة منه فيا يستبشع و يستشنع و يشيع ما يل‬
‫بصاحبها ‪ ،‬و يزري بقائلها ل حقة بذلك ‪.‬‬
‫و أما فيما ل يقع هذا الوقع فإن عددناها من الصغائر فهل يري على حكمها ف اللف فيها ؟ متلف‬
‫فيه ‪ .‬و الصواب تنيه النبوة عن قليله و كثيه ‪ ،‬سهوه و عمده ‪ ،‬إذ عمدة النبوة البلغ و العلم و‬
‫التبي ‪ ،‬و تصديق ما جاء به النب صلى ال عليه و سلم ‪ .‬و تويز شيء من هذا قادح ف ذلك ‪ ،‬و‬
‫مشكك فيه ‪ ،‬مناقض للمعجزة ‪ ،‬فلنقطع عن يقي بأنه ل يوز على النبياء خلف ف القول ف وجه من‬
‫الوجوه ‪ ،‬ل بقصد و ل بغي قصد ‪ ،‬و ل تتسامح مع من سامح ف تويز ذلك عليهم حال السهو ما‬
‫ليس طريقه البلغ ‪ ،‬نعم ‪ ،‬و بأنه ل يوز عليهم الكذب قبل النبوة ‪ ،‬و ل التسام به ف أمورهم و‬
‫أحوال دنياهم ‪ ،‬لن ذلك كان يزري و يريب ‪ ،‬و ينفر القلوب عن تصديقهم بعد ‪.‬‬
‫و انظر أحوال أهل عصر النب صلى ال عليه و سلم من قريش و غيها من المم و سؤالم عن حاله ف‬
‫صدق لسانه ‪ ،‬و ما عرفوا به من ذلك و اعترفوا به ما عرف ‪ ،‬و اتفق النقل على عصمة نبينا صلى ال‬
‫عليه و سلم منه قبل و بعد ‪ ،‬و قد ذكرنا من الثار فيه ف الباب الثان أول الكتاب ما يبي ل ك صحة‬
‫ما أشرنا إليه ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف حديث السهو‬

‫فإن قلت ‪ :‬فما معن قوله صلى ال عليه و سلم ف حديث السهو الذي حدثنا به الفقيه أبو إسحاق [‬
‫‪ ] 202‬إبراهيم بن جعفر حدثنا القاضي أبو الصبغ بن سهل ‪ ،‬حدثنا حات بن ممد ‪ ،‬حدثنا أبو عبد‬
‫ال بن الفخار ‪ ،‬حدثنا أبو عيسى ‪ ،‬حدثنا عبيد ال ‪ ،‬حدثنا يي ‪ ،‬عن مالك ‪ ،‬عن داود بن الصي ‪،‬‬
‫عن أب سفيان مول ابن أب أحد أنه قال ‪ :‬سعت أبا هريرة رضي ال عنه يقول ‪ :‬صلى رسول ال صلى‬
‫ال عليه و سلم صلة العصر ‪ ،‬فسلم ف ركعتي ‪ ،‬فقام ذو اليدين ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أقصرت‬
‫الصلة أم نسيت ؟ فقال النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬كل ذلك ل يكن ‪.‬‬
‫و ف الرواية الخرى ‪ :‬ما قصرت و ما نسيت ‪ ..‬الديث بقصته ‪ ،‬فأخبه بنفي الالتي ‪ ،‬و أنا ل‬
‫تكن ‪ ،‬و قد كان أحد ذلك كما قال ذو اليدين ‪ :‬قد كان بعض ذلك يا رسول ال ‪...‬‬
‫فاعلم ـ وفقنا ل و إياك ـ أن للعلماء ف ذلك أجوبة ‪ ،‬بعضها بصدد النصاف ‪ ،‬و منها ما هو بنية‬
‫التعسف و العتساف ‪ ،‬و هأنا أقول ‪:‬‬
‫أما على القول بتجويز الوهم و الغلط فيما ليس طريقه من القول البلغ ‪ ،‬و هو الذي زيفناه من القولي‬
‫ـ فل اعتراض بذا الديث و شبهه ‪.‬‬
‫و أما على مذهب من ينع السهو ف أفعاله جلة ‪ ،‬و يرى أنه ف مثل هذا عامد لصورة النسيان ليسن ‪،‬‬
‫فهو صادق ف خبه ‪ ،‬لنه ل ينس و ل قصرت ‪ ،‬و لكنه على هذا القول تعمد هذا الفعل ف هذه‬
‫الصورة لن اعتراه مثله ‪ ،‬و هو قول مرغوب عنه و نذكره ف موضعه‬
‫و أما على إحالة السهو عليه ف القوال و تويز السهو عليه فيما ليس طريقه القول ـ كما سنذكره ـ‬
‫ففيه أجوبة ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫أن النب صلى ال عليه و سلم أخب عن اعتقاده و ضميه ‪ ،‬أما إنكار القصر فحق و صدق باطنا و‬
‫ظاهرا ‪ .‬و أما النسيان فأخب ـ صلى ال عليه و سلم ـ عن اعتقاده ‪ ،‬و أنه ل ينس ف ظنه ‪ ،‬فكأنه‬
‫قصد الب عن ظنه و إن ل ينطق به ‪ ،‬و هذا صدق أيضا ‪.‬‬
‫و وجه ثان ‪ :‬أن قوله ‪ :‬و ل أنس ـ راجع إل السلم ‪ ،‬أي إن سلمت قصدا ‪ ،‬و سهوت عن العدد ‪،‬‬
‫أي ل أسه ف نفس السلم ‪ ،‬و هذا متمل ‪ ،‬و فيه بعد ‪.‬‬
‫و وجه ثالث ـ و هو أبعدها ـ ما ذهب إليه بعضهم ‪ ،‬و إن احتمله اللفظ من قوله ‪ :‬كل ذلك ل‬
‫يكن ‪ :‬أي ل يتمع القصر و النسيان ‪ ،‬بل كان أحدها ‪ .‬و مفهوم اللفظ خلفه مع الرواية الخرى‬
‫الصحيحة ‪ ،‬و هو قوله ‪ :‬ما قصرت الصلة و ما نسيت ‪.‬‬
‫هذا ما رأيت فيه لئمتنا ‪ ،‬و كل من ه ذه الوجوه متمل للفظ على بعد بعضها و تعسف الخر منها ‪.‬‬
‫قال القاضي أبو الفضل رحه ال ‪ :‬و الذي أقول ـ و يظهر ل أنه أقرب من هذه الوجوه كلها ـ أن‬
‫قوله صلى ال عليه و سلم ‪ :‬ل أنس إنكار للفظ الذي نفاه عن نفسه ‪ ،‬و أنكره على غيه بقوله ‪ :‬بئس‬
‫ما لحدكم أن يقول ‪ :‬نسيت آية كذا و كذا ‪ ،‬و لكنه نسي ‪.‬‬
‫و بقوله ف بعض روايات الديث الخر ‪ :‬لست أنسى ‪ ،‬و لكن أنسى ‪ .‬فلما قال له السائل ‪ :‬أقصرت‬
‫الصلة أم نسيت ؟ أنكر قصرها كما كان ‪ ،‬و نسيانه هو من قبل نفسه ‪ ،‬وإنه إن كان جرى شيء من‬
‫ذلك فقد نسي حت سأل غيه ‪ ،‬فتحقق أنه نسي ‪ ،‬و أجرى عليه ذلك [ ‪ ] 203‬ليسن ‪ ،‬فقوله على‬
‫هذا ‪ :‬ل أنس و ل تقتصر ‪ ،‬و كل ذلك ل يكن ـ صدق و حق ‪ ،‬ل تقصر ‪ ،‬و ل ينس حقيقة ‪ ،‬و‬
‫لكنه نسي ‪.‬‬
‫و وجه آخر استثرته من كلم بعض الشايخ ‪ ،‬و ذلك أنه قال ‪ :‬إن النب صلى ال عليه و سلم كان‬
‫يسهو و ل ينسى ‪ ،‬و لذلك نفى عن نفسه النسيان ‪ ،‬قال ‪ :‬لن النسيان غفلة و آفة ‪ ،‬و السهو إنا هو‬
‫شغل بال ‪ ،‬قال ‪ :‬فكان النب صلى ال عليه و سلم يسهو ف صلته و ل يغفل عنها ‪ ،‬و كان يشغله عن‬
‫ل با ل غفلة عنها ‪.‬‬‫حركات الصلة ما ف الصلة ‪ ،‬شغ ً‬
‫فهذا إن تقق على هذا العن ل يكن ف قوله ‪ :‬ما قصرت و ل نسيت خلف ف قول ‪.‬‬
‫[ و عندي أن قوله ‪ :‬ما قصرت الصلة و ما نسيت بعن الترك الذي هو أحد وجهي النسيان ‪ ،‬أراد ـ‬
‫و ال أعلم ـ أن ل أسلم من ركعتي تاركا لكمال الصلة ‪ ،‬و لكن نسيت ‪ ،‬و ل يكن من تلقاء‬
‫نفسي ‪.‬‬
‫و الدليل على ذلك قوله ف الديث الصحيح ‪ :‬إن لنسى أو أنسى لسن ] ‪.‬‬
‫و أما قصة كلمات إبراهيم الذكورة ف الديث أنا كذباته الثلث النصوصة ف القرآن منها اثنتان ‪:‬‬
‫قوله ‪ :‬إن سقيم ‪ .‬و قوله ‪ :‬قالوا أأنت فعلت هذا بآلتنا يا إبراهيم * قال بل فعله كبيهم هذا ‪ .‬و قوله‬
‫للملك عن زوجته ‪ :‬إنا أخت ـ فاعلم ـ أكرمك ال أن هذه كلها خارجة عن الكذب ‪ ،‬ل ف القصد‬
‫و ل ف غيه ‪ ،‬و هي داخلة ف باب العاريض الت فيها مندوحة عن الكذب ‪.‬‬
‫أما قوله ‪ :‬إن سقيم ـ فقال السن و غيه ‪ :‬معناه سأسقم ‪ ،‬أي إن كل ملوق معرض لذلك ‪ ،‬فاعتذر‬
‫لقومه من الروج معهم إل عيدهم بذا ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬بل سقيم با قدر علي من الوت ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬سقيم القلب با أشاهده من كفركم و عنادكم ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬بل كانت المى تأخذه عند طلوع نم معلوم ‪ ،‬فلما رآه اعتذر ب عادته ‪.‬‬
‫و كل هذا ليس فيه كذب ‪ ،‬بل هو خب صحيح صدق ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬بل عرض بسقم حجته عليهم ‪ ،‬و ضعف ما أراد بيانه لم من جهة النجوم الت كانوا يشتغلون‬
‫با ‪ ،‬و أنه أثناء نظره ف ذلك ‪ ،‬و قبل استقامة حجته عليهم ف حال سقم و مرض حال ‪ ،‬مع أنه ل‬
‫يشك هو و ل ضعف إيانه ‪ ،‬و لكنه ضعف ف استدلله عليهم و سقم نظره ‪ ،‬كما يقال ‪ :‬حجة سقيمة‬
‫‪ ،‬و نظر معلول ‪ ،‬حت ألمه ال باستلله و صحة حجته عليهم بالكواكب و الشمس و القمر ـ ما‬
‫نصه ال تعال ‪ ،‬و قد قد منا بيانه ‪.‬‬
‫و أما قوله ‪ :‬بل فعله كبيهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون ـ فإنه علق خبه بشرط نطقه ‪ ،‬كأنه قال‬
‫‪ :‬إن كان ينطق فهو فعله على طريق التبكيت لقومه ‪ .‬و هذا صدق أيضا ‪ ،‬و ل خلف فيه ‪.‬‬
‫و ما قوله ‪ :‬أخت ـ فقد بي ف الديث ‪ ،‬و قال ‪ :‬فإنك أخت ف السلم ‪ ،‬و هو صدق ‪ ،‬و ال تعال‬
‫يقول ‪ :‬إنا الؤمنون إخوة [ سورة الجرات ‪ ، 49 /‬الية ‪. ] 10 :‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬فهذا النب صلى ال عليه و سلم قد ساها كذبات ‪ ،‬و قال ‪ :‬ل يكذب إبراهيم إل ثلث‬
‫كذبات و قال ـ ف حديث الشفاعة ‪ :‬و يذكر كذباته فمعناه أنه ل يتكلم بكلم صورته صورة‬
‫الكذب و إن كان حقا ف الباطن إل هذه الكلمات ‪.‬‬
‫و لا كان مفهوم ظاهرها خلف باطنها أشفق إبراهيم عليه الصلة و السلم من مؤاخذته با ‪.‬‬
‫و أما الديث ‪ :‬كان النب صلى ال عليه و سلم إذا أراد غزوة ورى بغيها ـ فليس فيه خلف ف القول‬
‫‪ ،‬إنا هو ستر مقصده ‪ ،‬لئل يأخذ عدوه حذره ‪ ،‬و كتم وجه ذهابه بذكر السؤال عن موضع آخر و‬
‫البحث عن أخباره و التعريض بذكره ‪ ،‬ل أنه [ ‪ ] 204‬يقول ‪ :‬تهزوا إل غزوة كذا ‪ ،‬أو وجهتنا إل‬
‫موضع كذا خلف مقصده ‪ ،‬فهذا ل يكن ‪ ،‬و الول ليس فيه خب يدخله اللف ‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬فما معن قول موسى عليه السلم ـ و قد سئل ‪ :‬أي الناس أعلم ؟ فقال ‪ :‬أنا أعلم ‪ ،‬فعتب‬
‫ال عليه ذلك ‪ ،‬إذ يرد العلم إليه ـ الديث ‪ ،‬و فيه قال ‪ :‬بل عبد لنا بجمع البحرين أعلم منك ‪.‬‬
‫و هذا خب قد أنبأنا ال أنه ليس كذلك ‪.‬‬
‫فاعلم أنه قد وقع ف هذا الديث من بعض طرقه الصحيحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬هل تعلم أحدا أعلم منك‬
‫؟‪.‬‬
‫فإذا كان جوابه على علمه فهو خب حق و صدق ل خلف فيه و ل شبهة ‪.‬‬
‫و على الطريق الخر فمحمله على ظنه و معتقده ‪ ،‬كما لو صرح به ‪ ،‬لن حاله ف النبوة و الصطفاء‬
‫يقتضي ذلك ‪ ،‬فيكون إخباره بذلك أيضا عن اعتقاده و حسب انه صدقا ل خلف فيه ‪.‬‬
‫و قد يريد بقوله ‪ :‬أنا أعلم با تقتضيه وظائف النبوة من علوم التوحيد ‪ ،‬و أمور الشريعة ‪ ،‬و سياسة‬
‫المة ‪ ،‬و يكون الضر أعلم منه بأمور أخر ما ل يعلمه أحد إل بإعلم ال من علوم غيبه ‪ ،‬كالقصص‬
‫الذكورة ف خبها ‪ ،‬فكان موسى عليه السلم أعلم على الملة با تقدم ‪ .‬و هذا أعلم على الصوص‬
‫با أعلم ‪.‬‬
‫و يدل عليه قوله تعال ‪ :‬وعلمناه من لدنا علما [ سورة الكهف ‪ ، 18 /‬الية ‪. ] 65 :‬‬
‫و عتب ال ذلك عليه ـ فيما قاله العلماء ـ إنكار هذا القول عليه ‪ ،‬لنه ل يرد العلم إليه ‪ ،‬كما قالت‬
‫اللئكة ‪ :‬ل علم لنا إل ما علمتنا ‪ ،‬أو لنه ل يرض قوله شرعا ‪ ،‬و ذلك ـ و ال أعلم ـ لئل يقتدي‬
‫به فيه من ل يبلغ كماله ف تزكية نفسه و علو درجته من أمته ‪ ،‬فيهلك لا تضمنه من مدح النسان‬
‫نفسه ‪ ،‬و يورثه ذلك من الكب و العجب و التعاطي و الدعوى ‪ ،‬و إن نزه عن هذه الرذائل النبياء‬
‫فغيهم بدرجة سبيلها و درك ليلها إل من عصمه ال ‪ ،‬فالتحفظ أول لنفسه ‪ ،‬و ليقتدى به ‪ ،‬و لذا قال‬
‫صلى ال عليه و سلم ـ تفظا من مثل هذا ما قد أعلم به ‪ :‬أنا سيد ولد آدم و ل فخر ‪.‬‬
‫و هذا الديث إحدى حجج القائلي بنبوة الضر ‪ ،‬لقوله فيه ‪ :‬أنا أعلم من موسى ‪ .‬و ل يكون الول‬
‫أعلم من النب ‪.‬‬
‫و أما النبياء فيتفاضلون ف العارف ‪.‬‬
‫و بقوله ‪ :‬وما فعلته عن أمري ‪ ،‬فدل أنه بوحي ‪ .‬و من قال ‪ :‬إنه ليس بنب قال ‪ :‬يتمل أن يكون فعله‬
‫بأمر نب آخر ‪.‬‬
‫و هذا يضعف ‪ ،‬لنه ما علمنا أنه كان ف زمن موسى نب غيه إل أخاه هارون ‪ ،‬و ما نقل أحد من أهل‬
‫الخبار ف ذلك شيئا يعول عليه ‪.‬‬
‫و إذا جعلنا [ أعلم منك ] ليس على العموم ‪ ،‬و إنا هو على الصوص ‪ ،‬و ف قضايا معينة ـ ل يتج‬
‫إل إثبات نبوة الضر ‪ ،‬و لذا قال بعض الشيوخ ‪ :‬كان موسى أعلم من الضر فيما أخذ عن ال ‪ ،‬و‬
‫الضر أعلم فيما رفع إليه من موسى ‪.‬‬
‫و قال آخر ‪ :‬إنا أليء موسى إل الضر للتأديب ل للتعليم ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف عصمة النبياء من الفواحش و الكبائر الوبقات‬

‫و أما ما يتعلق بالوارح من العمال ‪ ،‬و ل يرج من جلتها القول باللسان فيما عدا الب الذي و قع‬
‫فيه الكلم و العتماد بالقلب فيما عدا التوحيد ‪ ،‬و ما قدمناه من معارفه الختصة به ـ فأجع السلمون‬
‫على عصمة النبياء من الفواحش و الكبائر الوبقات ‪ ] 205[ .‬و مستند المهور ف ذلك الجاع‬
‫الذي ذكرناه ‪.‬‬
‫و هو مذهب القاضي أب بكر ‪ ،‬و منعها غيه بدليل العقل مع الجاع ‪ ،‬و هو قول الكافة و اختاره‬
‫الستاذ أبو اسحاق ‪.‬‬
‫و كذلك ل خلف أنم معصومون من كتمان الرسالة و التقصي ف التبليغ ‪ ،‬لن كل ذلك تقتضي‬
‫العصمة منه العجزة ‪ ،‬مع الجاع على ذلك من الكافة ‪.‬‬
‫و المهور قائلون بأنم معصومون من ذلك من قبل ال معتصمون باختيارهم و كسبهم إل حسينا‬
‫النجار ‪ ،‬فإنه قال ‪ :‬ل قدرة لم على العاصي أصلً ‪.‬‬
‫و أما الصغائر فجوزها جاعة من السلف و غيهم على النبياء ‪ ،‬و هو مذهب أب جعفر الطبي و غيه‬
‫من الفقهاء و الحدثي و التكلمي ‪ .‬و سنورد بعد هذا ما احتجوا به ‪.‬‬
‫و ذهب طائفة أخرى إل الوقف ‪ ،‬و قالوا ‪ :‬العقل ل ييل و قوعها منهم ‪ ،‬و ل يأت ف الش رع قاطع‬
‫بأحد الوجهي ‪.‬‬
‫و ذهبت طائفة أخرى من الحققيب و التكلمي إل عصمتهم من الصغائر كعصمتهم من الكبائر ‪ ،‬قالوا‬
‫‪ :‬ل ختلف الناس ف الصغائر و تعيينها من الكبائر و إشكال ذلك ‪ ،‬وقول ابن عباس و غيه ‪ :‬إن كل‬
‫ما عصي ال به فهو كبية ‪ ،‬و أنه إنا سي منها الصغي بالضافة إل ما هو أكب منه ‪ ،‬و مالفة الباري ف‬
‫أمر كان يب كونه كبية ‪.‬‬
‫قال القاضي أبو ممد عبد الوهاب ‪ :‬ل يكن أن يقال ‪ :‬إن ف معاصي ال صغية إل على معن أنا تغتفر‬
‫باجتناب الكبائر ‪ ،‬و ل يكون لا حكم مع ذلك بلف الكبائر إذا ل يتب منها فل يبطها شيء ‪ .‬و‬
‫الشيئة ف العفو عنها إل ال تعال ‪ ،‬و هو قول القاضي أب بكر و جاعةأئمة الشعرية و كثي من أئمة‬
‫الفقهاء ‪.‬‬
‫قال القاضي رحه ال ‪ :‬و قال بعض أئمتنا ‪ :‬و ل يب على القولي أن يتلف أنم معصومون عن تكرار‬
‫الصغائر و كثرتا ‪ ،‬إذ يلحقها ذلك بالكبائر ‪ ،‬و ل ف صغية أدت إل إزالة الشمة ‪ ،‬و أسقطت الروءة‬
‫‪ ،‬و أوجبت الزراء و الساسة ‪ ،‬فهذا أيضا ما يعصم عنه النبياء إجاعا ‪ ،‬لن مثل هذا يط منصبه‬
‫التسم به ‪ ،‬و يزري بصاحبه ‪ ،‬و ينفر القلوب عنه ‪ ،‬و النبياء منهون عن ذلك بل يلحق بذا ما كان‬
‫من قبل الباح ‪ ،‬فأدى إل مثله ‪ ،‬لروجه با أدى إليه عن اسم الباح إل الظر ‪.‬‬
‫و قد ذهب بعضهم إل عصمتهم من مواقعه الكروه قصدا ‪.‬‬
‫و قد استدل بعض الئمة على عصمتهم من الصغائر بالصي إل امتثال أفعالم ‪ ،‬و اتباع آثارهم و‬
‫سيهم مطلقا ‪.‬‬
‫و جهور الفقهاء على ذلك من أصحاب مالك و الشافعي و أب حنيفة من غي التزام قرينة ‪ ،‬بل مطلقا‬
‫عند بعضهم ‪ ،‬و إن اختلفوا حكم ذلك ‪.‬‬
‫و حكى ابن خويز منذا ذو أبو الفرج ‪ ،‬عن مالك ‪ ،‬التزام ذلك وجوبا ‪ ،‬و هو قول البري و ابن‬
‫القصار و أكثر أصحابنا ‪.‬‬
‫و قول أكثر أهل العراق و ابن سريج و الصطخري ‪ ،‬و ابن خيان من الشافعية ‪.‬‬
‫و أثر الشافعية على أن ذلك ندب ‪.‬‬
‫و ذهب طائفة إل الباحة ‪.‬‬
‫و قيد بعضهم التباع فيما كان من المور الدينية و علم به مقصد القربة ‪.‬‬
‫و من قال بالباحة ف أفعاله ل يقيد ‪ .‬قال ‪ :‬فلو جوزنا عليهم الصغائر ل يكن القتداء بم ف أفعالم ‪،‬‬
‫إذ ليس كل فعل من أفعاله يتميز مقصده [ ‪ ] 206‬من القربة أو الباحة ‪ ،‬أو الطر ‪ ،‬أو العصية ‪ .‬و ل‬
‫يصح أن يؤمر الرء بامتثال أمر لعله معصية ‪ ،‬ل سيما على من يرى من الصوليي تقدي ا لفعل على‬
‫القول إذا تعارضا ‪.‬‬
‫و نزيد هذا حجة بأن نقول ‪ :‬من جوز الصغائر و من نفاها عن نبينا صلى ال عليه و سلم ممعون على‬
‫أنه ل يقر على منكر من قول أو فعل ‪ ،‬و أنه مت رأى شيئا فسكت عنه صلى ال عليه و سلم دل على‬
‫جوازه ‪ ،‬فكيف يكون هذا حاله ف حق غيه ‪ ،‬ث يوز و قوعه منه ف نفسه ‪.‬‬
‫و على هذا الأخذتب عصمتهم من مواقعه الكروه ‪ ،‬كما قيل ‪ .‬و إذ الظر أو الندب على القتداء‬
‫بفعله يناف الزجر و النهي عن فعل الكروه ‪.‬‬
‫و أيضا فقد علم من دين الصحابة قطعا القتداء بأفعال النب صلى ال عليه و سلم كيف توجهت ‪ ،‬و‬
‫من كل فن كالقتداء باقواله ‪ ،‬فقد نبذوا خواتيمهم حي نبذ خاته ‪ ،‬و خلعوا نعالم حي خلع ‪ ،‬و‬
‫احتجاجهم برؤية ابن عمر إياه جالسا لقضاء حاجته مستقبلً بيت القدس ‪.‬‬
‫و احتج غي واحد منهم ف غي شيء ما بابه العبادة أو العادةبقوله ‪ :‬رأيت رسول ال صلى ال عليه و‬
‫سلم يفعله ‪ ،‬و قال ‪ :‬هل خبتيها أن أقبل و أنا صائم ! و قالت عائشة ـ متجة ‪ :‬كنت أفعله أنا و‬
‫رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و غضب رسول ال صلى ال عليه و سلم الذي أخب بثل هذا عنه ‪ ،‬و قال ‪ :‬يل ال لرسوله ما يشاء ‪:‬‬
‫إن ي لخشاكم ال و أعلمكم بدوده ‪.‬‬
‫و الثار ف هذا أكثر من أن نيط عليها ‪ ،‬لكنه يعلم من مموعها على القطع اتباعهم أفعاله و اقتداؤهم‬
‫با ‪ .‬و لو جوزوا عليه الخالفة ف شيء منها لا اتسق هذا ‪ ،‬و لنقل عنهم و ظهر بثهم عن ذلك ‪ ،‬و لا‬
‫أنكر صلى ال عليه و سلم على الخر قوله و اعتذاره با ذكرناه ‪.‬‬
‫و أما الباحات فجائز وقوعها منهم ‪ ،‬إذ ليس فيها قدح ‪ ،‬بل هي مأذون فيها ‪ ،‬و أيديهم كأيدي غيهم‬
‫مسلطة عليها ‪،‬إل أنم با خصوا به من رفيع النلة ‪ ،‬و شرحت له صدورهم من أنوار العرفة ‪ ،‬و‬
‫اصطفوا به من تعلق همهم با ال و الدار الخرة ـ ل يأخذون من الباحات إل الضرورات ما يتقوون‬
‫به على سلوك طريقهم ‪ ،‬و صلح دينهم ‪ ،‬و ضرورة دنياهم ‪ ،‬و ما أخذ على هذه السبيل التحق‬
‫طاعة ‪ ،‬و صار قربة ‪،‬كما بينا منه أول الكتاب طرفا ف نبينا صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فبان لك عظيم‬
‫فضل ل على نبينا و على سائر أنبيائه عليهم السلم بأن جعل أفعالم قربات و طاعات بعيدة عن وجه‬
‫الخالفة و رسم العصية ‪.‬‬
‫فصل‬
‫ف عصمة النبياء قبل النبوة‬

‫و قد اختلف ف عصمتهم من العاصي قبل النبوة ‪ ،‬فمنعها قوم ‪ ،‬و جوزها آخرون ‪ .‬و الصحيح أن شاء‬
‫ال تنيههم من كل عيب ‪ ،‬و عصمتهم من كل ما يوجب الريب ‪ ،‬فكيف و السألة تصورها كالمتنع ‪،‬‬
‫فإن العاصي و النواهي إنا تكون بعد تقرر الشرع ‪.‬‬
‫و قد اختلف الناس ف حال نبينا صلى ال عليه و سلم قبل أن يوحى إليه ‪ ،‬قل كان متبعا لشرع [‪207‬‬
‫] قبله أم ل ؟ فقال جاعة ‪ :‬ل يكن متبعا لشيء ‪ ،‬و هذا قول المهور ‪ ،‬فالعاصي على هذا القول غي‬
‫موجودة و ل معتبة ف حقه حينئذ ‪ ،‬إذ الحكام الشرعية إنا تتعلق بالوامر و النواهي و تقرر الشريعة ‪.‬‬

‫ث اختلف حجج القائلي بذه القالة عليها ‪ ،‬فذهب سيف السنة ‪ ،‬و مقتدى فرق المة القاضي أبو بكر‬
‫إل أن طريق العلم بذلك النقل و موارد الب من طريق السمع ‪ ،‬و حجته أنه لو كان ذلك لنقل ‪ ،‬و لا‬
‫أمكن كتمه و ستره ف العادة ‪ ،‬إذ كان من مهم أمره ‪ ،‬و أول ما اهتبل به سيته ‪ ،‬و لفخر به أهل تلك‬
‫الشريعة ‪ ،‬و ل حتجوا به عليه ‪ ،‬و ل يؤثر شيء من ذلك جلة ‪.‬‬
‫و ذهبت طائفة إل امتناع ذلك عقلً ‪ ،‬قالوا ‪ :‬لنه يبعد أن يكون متبوعا من عرف تابعا ‪ ،‬و بنوا هذا‬
‫على التحسي و التقبيح ‪ ،‬و هي طريقة غي سديدة ‪ ،‬و استناد ذلك إل النقل كما تقدم للقاضي أب بكر‬
‫أول و أظهر ‪.‬‬
‫و قالت فرقة أخرى بالوقف ف أمره صلى ال عليه و سلم و ترك قطع الكم عليه بشيء ف ذلك ‪ ،‬إذ ل‬
‫يل أحد الوجهي منها العقل ‪ ،‬و ل استبان ف أحدها طريق النقل ‪ ،‬و هو مذهب أب العال ‪.‬‬
‫و قالت فرقة ثالثة ‪ :‬إنه كان عاملً بشرع من قبله ‪ ،‬ث اختلفوا ‪ :‬هل يتعي ذلك الشرع أم ل ؟ فوقف‬
‫بعضهم عن تعيينه ‪ ،‬و أحجم ‪ .‬و جسر بعضهم على التعيي و صمم ‪ .‬ث اختلفت هذه العينة فيمن كان‬
‫يتبع ‪ ،‬فقيل نوح ‪ ،‬و قيل إبراهيم ‪ ،‬و قيل موسى ‪ ،‬و قيل عيسى صلوات ال عليهم ‪ .‬فهذه جلة‬
‫الذاهب ف هذه السألة ‪.‬‬
‫و الظهر فيها ما ذهب إليه القاضي أبو بكر ‪ ،‬و أبعدها مذاهب العيني ‪ ،‬إذ لو كان شيء من ذلك‬
‫لنقل كما قدمنا ‪ ،‬و ل يف جلة ‪ ،‬و ل حجة لم ف أن عيسى آخر النبياء ‪ ،‬فلزمت شريعته من جاء‬
‫بعدها ‪ ،‬إذ ل يثبت عموم دعوة عيسى ‪ ،‬بل الصحيح أنه ل يكن لنب دعوة عامة إل لنبينا صلى ال عليه‬
‫و سلم ‪ ،‬و ل حجة أيضا للخرة ف قوله ‪ :‬أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا ‪ ،‬و ل للخرين ف قوله تعال ‪:‬‬
‫شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ‪ ،‬فتحمل هذه الية على اتباع ف التوحيد ‪ ،‬كقوله تعال ‪ :‬أولئك‬
‫الذين هدى ال فبهداهم اقتده [ سورة النعام ‪ ، 6 /‬الية ‪. ] 90 :‬‬
‫و قد سى ال تعال فيهم من ل يبعث ‪ ،‬و ل تكن له شريعة تصه ‪ ،‬كيوسف بن يعقوب على قول من‬
‫يقول ‪ :‬إنه ليس برسول ‪.‬‬
‫و قد سى ال تعال جاعة منهم ف هذه الية شرائعهم متلفة ل يكن المع بينها ‪ ،‬فدل أن الراد ما‬
‫اجتمعوا عليه من التوحيد و عبادة ال تعال ‪.‬‬
‫و بعد هذا فهل يلزم من قال بنع التباع هذا القول ف سائر النبياء غي نبينا صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬أو‬
‫يالفون نبيهم ؟ ‪.‬‬
‫أما من منع التباع عقلً فيطرد أصله ف كل رسول بل مرية ‪ .‬و أما من مال إل النقل فأينما تصور له و‬
‫تقرر اتبعه ‪.‬‬
‫و من قال بالوقف فعلى أصله ‪ .‬و من قال بوجوب التباع لن قبله فيلتزمه بساق حجته ف كل نب ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف الكلم على الحاديث الذكور فيها السهو منه صلى ال عليه و سلم‬

‫ف الكلم على الحاديث [ ‪ ] 209‬الذكور فيها السهو منه صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫فقد قدمنا ف الفصول قبل هذا ما يوز فيه عليه السهو صلى ال عليه و سلم و ما يتنع ‪ ،‬و أحلناه ف‬
‫الخبار جلة ‪ ،‬و ف القوال الدينية قطعا ‪ ،‬و أجزنا وقوعه ف الفعال الدينية على الوجه الذي رتبناه ‪ ،‬و‬
‫أشرنا إل ما ورد ف ذلك ‪ ،‬و نن نبسط القول فيه و نقول ‪ :‬الصحيح من الحاديث الواردة ف سهوه‬
‫صلى ال عليه و سلم ف الصلة ثلثة أحاديث ‪:‬‬
‫أولا ‪ :‬حديث ذي اليدين ف السلم من اثنتي ‪.‬‬
‫الثان ‪ :‬حديث ابن بينة ف القيام من اثنتي ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬حديث ابن مسعود رضي ال عنه ‪ :‬أن النب صلى ال عليه و سلم صلى الظهر خسا ‪.‬‬
‫و هذه الحاديث مبنية على السهو ف الفعل الذي قررناه ‪ ،‬و حكمة ال فيه ليست به ‪ ،‬إذ البلغ بالفعل‬
‫أجلى منه بالقول ‪ ،‬و أرفع للحتمال ‪ ،‬و شرطه أل يقر على السهو ‪ ،‬بل يشعر به ليتفع اللتباس ‪ ،‬و‬
‫تظهر فائدة الكمة فيه كما قدمناه ‪ ،‬فإن النسيان و السهو ف الفعل ف حقه صلى ال عليه و سلم غي‬
‫مضاد للمعجزة ‪ ،‬و ل قادح ف التصديق ‪ ،‬و قد قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬إنا أنا بشر أنسى كما‬
‫تنسون ‪ ،‬فإذا نسيت فذكرون ‪.‬‬
‫و قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬رحم ال فلنا ‪ ،‬لقد أذكرن كذا و كذا آية كنت أسقطهن ـ و يروى ‪:‬‬
‫أنسيهن ‪.‬‬
‫و قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬إن لنسى ‪ ،‬أو أنسى ‪ ،‬لسن ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬هذا اللفظ شك من الراوي ‪ .‬و قد روى ‪ :‬إن ل أنسى ‪ ،‬و لكن أنسى لسن ‪.‬‬
‫و ذهب ابن نافع ‪ ،‬و عيسى بن دينار أنه ليس بشك ‪ ،‬فإن معناه التقسيم ‪ ،‬أي أنسى أنا ‪ ،‬أو ينسين ال‬
‫‪.‬‬
‫قال القاضي أبو الوليد الباجي ‪ :‬يتمل ما قاله أن يريد أن أنسى ف اليقظة ‪ ،‬و أنسى ف النوم ‪ ،‬أو‬
‫أنسى على سبيل عادة البشر من الذهول عن الشيء و السهو ‪ ،‬و أنسى مع إقبال عليه و تفرغي له ‪،‬‬
‫فأضاف أحد النسياني إل نفسه ‪ ،‬إذ كان له بعض السبب فيه ‪ ،‬و نفى الخر عن نفسه ‪ ،‬إذ هو فيه‬
‫كالضطر ‪.‬‬
‫و ذهبت طائفة من أصحاب العان و الكلم على الديث إل أن النب صلى ال عليه و سلم كان يسهو‬
‫ف الصلة و ل ينسى ‪ ،‬لن النسيان ذهول و غفلة و آفة ‪ ،‬قال ‪ :‬و النب صلى ال عليه و سلم منه عنها‬
‫‪ ،‬و السهو شغل ‪ ،‬فكان النب صلى ال عليه و سلم يسهو ف صلته ‪ ،‬و يشغله عن حركات ال صلة‬
‫ما ف الصلة ‪ ،‬شغلً با ل غفلة عنها ‪.‬‬
‫و احتج بقوله ف الرواية الخرى ‪ :‬إن ل أنسى ‪.‬‬
‫و ذهبت طائفة إل منع هذا كله عنه ‪ ،‬و قالوا ‪ :‬إن سهوه عليه السلم كان عمدا و قصدا ليسن ‪.‬‬
‫و هذا قول مرغوب عنه ‪ ،‬متناقض القاصد ‪ ،‬ل يلى منه بطائل ‪ ،‬لنه كيف يكون معتمدا ساهيا ف‬
‫حال ‪ .‬و ل حجة لم ف قولم ‪ :‬إنه أمر بتعمد صورة النسيان ليسن ‪ ،‬لقوله ‪ :‬إن لنسى أو أنسى ‪ .‬و‬
‫قد أثبت أحد الوصفي ‪ ،‬و نفى مناقضة التعمد و القصد ‪ ،‬و قال ‪ :‬إنا أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون‬
‫‪ [ ،‬فإذا نسيت فذكرون ] ‪.‬‬
‫و قد مال إل هذا عظيم من الحققي من أئمتنا ‪ ،‬و هو أبو الظفر السفراين ‪ ،‬و ل يرتضه غيه منهم ‪،‬‬
‫و ل أرتضيه ‪ ،‬و ل حجة لاتي الطائفتي ف قوله ‪ :‬إن ل أنسى [ ‪ ، ] 210‬و لكن أنسى ‪ ،‬إذ ليس‬
‫فيه نفي حكم النسيان بالملة ‪ ،‬و إنا فيه نفي لفظه و كراهة لقبه ‪ ،‬كقوله ‪ :‬بئس ما لحدكم أن يقول‬
‫‪ :‬نسيت آية كذا ‪ ،‬و لكنه نسي ‪ ،‬أو نفي الغفلة و قلة الهتمام بأمر الصلة عن قلبه ‪ ،‬لكن شغل با‬
‫عنها ‪ ،‬و نسي بعضها ببعضها ‪ ،‬كما ترك الصلة يوم الندق حت خرج وقتها ‪ ،‬و شغل بالتحرز من‬
‫العدو عنها ‪ ،‬فشغل بطاعة عن طاعة ‪.‬‬
‫و قي ل ‪ :‬إن الذي ترك يوم الندق أربع صلوات ‪ :‬الظهر ‪ ،‬و العصر ‪ ،‬و الغرب ‪ ،‬و العشاء ‪ ،‬و به‬
‫احتج من ذهب إل جواز تأخي الصلة ف الوف ‪ ،‬إذا ل يتمكن من أدائها إل وقت المن ‪ ،‬و هو‬
‫مذهب الشاميي ‪.‬‬
‫و الصحيح أن حكم الصلة الوف كان بعد هذا ‪ ،‬فهو ناسخ له ‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬فما تقول ف نومه صلى ال عليه و سلم عن الصلة يوم الوادي ‪ ،‬و قد قال ‪ :‬إن عين تنامان‬
‫و ل ينام قلب ‪.‬‬
‫فاعلم أن للعلماء ف ذلك أجوبة ‪ ،‬منها ‪ :‬أن الراد بأن هذا حكم قلبه عند نومه و عينيه ف غالب‬
‫الوقات ‪ ،‬و قد يندر منه غي ذلك ‪ ،‬كما يندر منة غيه خلف عادته ‪.‬‬
‫و يصحح هذا التأويل قوله صلى ال عليه و سلم ف الديث نفسه ‪ :‬إن ال قبض أرواحنا ‪.‬‬
‫و قول بلل فيه ‪ :‬ما ألقيت علي نومه مثلها قط ‪ ،‬و لكن مثل هذا إنا يكون منه لمر يريده ال من‬
‫إثبات حكم ‪ ،‬و تأسيس سنة ‪ ،‬و إظهار شرع ‪ ،‬كما قال ف الديث الخر ‪ :‬لو شاء ال ليقظنا ‪ ،‬و‬
‫لكن أراد أن يكون لن بعدكم ‪.‬‬
‫الثان ـ أن قلبه ل يستغرقه النوم حت يكون منه الدث فيه ‪ ،‬لا روي أنه كان مروسا ‪ ،‬و أنه كان‬
‫ينام حت ينفخ ‪ ،‬و حت يسمع غطيطه ث يصلي و ل يتوصأ ‪.‬‬
‫و حديث ابن عباس الذكور فيه و ضوءه عند قيامه من النوم ‪ ،‬فيه نومه مع أهله ‪ ،‬فل يكن الحتجاج‬
‫به على و ضوئه بجرد النوم إذ لعل ذلك للمسته الهل أو لدث آخر ‪ ،‬فكيف و ف آخر الديث‬
‫نفسه ‪ :‬ث نام حت سعت غطيطه ‪ ،‬ث أقيمت الصلة فصلى و ل يتوضأ ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬ل ينام قلبه من أجل أنه يوحى إليه ف النوم ‪ ،‬و ليس ف قصة الوادي إل نوم عينه عن رؤية‬
‫الشمس ‪ .‬و ليس هذا من فعل القلب ‪ ،‬و قد قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬إن ال قبض أرواحنا و لو شاء‬
‫لردها إلينا ف حي غي هذا ‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬فلول عادته من استغراق النوم لا قال لبلل ‪ :‬أكل لنا الصبح ‪.‬‬
‫فقيل ف الواب ‪ :‬إنه كان من شأنه ـ صلى ال عليه و سلم ـ التفليس بالصبح ‪ ،‬و مراعاة أول الفجر‬
‫ل تصح من نامت عينه ‪ ،‬إذ هو ظاهر يدرك بالوارح ‪ ،‬فوكل بللً براعاة أوله ليعلمه بذلك ‪ ،‬كما لو‬
‫شغل بشغل غي النوم عن مراعاته ‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬فما معن نيه صلى ال عليه و سلم عن القول ‪ :‬نسيت ‪ ،‬و قد قال صلى ال عليه و سلم ‪:‬‬
‫إن أنسى كما تنسون ‪ ،‬فإذا نسيت فذكرون ‪ .‬و لقد أذكرن كذا و كذا آية كنت أنسيتها ‪.‬‬
‫فاعلن ـ أكرمك ال ـ أنه ل تعارض ف هذه اللفاظ ‪ ،‬أما نيه عن أن يقال ن سيت آية كذا‬
‫فمحمول على ما نسخ حفظه من القرآن ‪ ،‬أي إن الغفلة ف هذا ل تكن منه ‪ ،‬و لكن ال تعال اضطره‬
‫إليها ليمحو ما يشاء و يثبت ‪ .‬و ما كان من سهو أو غفلة من [ ‪ ] 211‬قبله تذكرها صلح أن يقال‬
‫فيه ‪ :‬أنسى ‪.‬‬
‫و قد قيل ‪ :‬إن هذه منه صلى ال عليه و سلم على طريق الستحباب أن يضيف الفعل إل خالقه ‪ ،‬و‬
‫الخر على طريق الواز لكتساب العبد فيه ‪ ،‬و إسقاطه ـ صلى ال عليه و سلم ـ لا أسقط من هذه‬
‫اليات جائز عليه بعد بلغ ما أمر ببلغه ‪ ،‬و توصيله إل عباده ‪ ،‬ث يستذكرها من أمته ‪ ،‬أو من قبل‬
‫نفسه ‪ ،‬إل ما قضى ال نسخه و موه من القلوب و ترك استذكاره ‪.‬‬
‫و قد يوز أن ينسى النب صلى ال عليه و سلم ما هذا سبيله كرة ‪ ،‬و يوز أن ينسيه منه قبل البلغ ما‬
‫ل يغي نظما ‪ ،‬و ل يلط حكما ‪ ،‬ما ل يدخل خللً ف الب ‪ ،‬ث يذكره إياه و يستحيل دوام نسيانه له‬
‫‪ ،‬لفظ ال كتابه ‪ ،‬و تكليفه بلغه ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف الرد على من أجاز عليهم الصغائر‬

‫اعلم أن الجوزين للصغائر على النبياء من الفقهاء و الحدثي و من شايعهم على ذلك من التكلمي‬
‫احتجوا على ذلك بظواهر كثية من القرآن و الديث إن التزموا ظواهرها أفضت بم إل تويز الكبائر‬
‫و خرق الجاع ‪ ،‬و هو ما ل يقول به مسلم ‪ ،‬فكيف و كل ما احتجوا به ما اختلف الفسرون ف‬
‫معناه ‪ ،‬و تقابلت الحتمالت ف مقتضاه ‪ ،‬و جاءت أقاويل فيها للسلف بلف ما التزموه من ذلك ‪،‬‬
‫فإذا ل يكن مذهبهم إجاعا ‪ ،‬و كان اللف فيما احتجوا به قديا ‪ ،‬و قامت الدللة على خطأ قولم ‪،‬‬
‫و صحة غيه ‪ ،‬وجب تركه ‪ ،‬و الصي إل ما صح ‪.‬‬
‫و ها نن نأخذ ف النظر فيها إن شاء ال ‪.‬‬
‫فمن ذلك قوله تعال لنبينا ممد صلى ال عليه و سلم ‪:‬‬
‫ليغفر لك ال ما تقدم من ذنبك وما تأخر [ سورة الفتح ‪ ، 48 /‬الية ‪. ] 2 :‬‬
‫و قوله ‪ :‬واستغفر لذنبك وللمؤمني والؤمنات [ سورة ممد ‪ ، 47 /‬الية ‪. ] 19 :‬‬
‫و قوله ‪ :‬ووضعنا عنك وزرك * الذي أنقض ظهرك [ سورة الشرح ‪ ، 94 /‬الية ‪. ] 3 ، 2 :‬‬
‫و قوله ‪ :‬عفا ال عنك ل أذنت لم [ سورة التوبة ‪ ، 9 /‬الية ‪. ] 43 :‬‬
‫و قوله ‪ :‬لول كتاب من ا ل سبق لسكم فيما أخذت عذاب عظيم [ سورة النفال ‪ ، 8 /‬الية ‪] 68 :‬‬
‫‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬عبس وتول * أن جاءه العمى الية ‪.‬‬
‫و ما قص من قصص غيه من النبياء ‪ ،‬كقوله ‪ :‬وعصى آدم ربه فغوى [ سورة طه ‪ ، 20 /‬الية ‪:‬‬
‫‪. ] 121‬‬
‫و قوله ‪ :‬فلما آتاها صالا جعل له شركاء فيما آتاها فتعال ال عما يشركون [ سورة العراف ‪7 /‬‬
‫الية ‪. ] 190 :‬‬
‫و قوله ‪ :‬ربنا ظلمنا أنفسنا وإن ل تغفر لنا وترحنا لنكونن من الاسرين [ سورة العراف ‪ ، 7 /‬الية ‪:‬‬
‫‪. ] 23‬‬
‫و قوله ـ عن يونس ‪ :‬سبحانك إن كنت من الظالي [ سورة النبياء ‪ ، 21 /‬الية ‪. ] 87 :‬‬
‫و ما ذكر من قصته و قصة داود ‪ ،‬و قوله ‪ :‬وظن داود أنا فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب * فغفرنا‬
‫له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب [ سورة ص ‪ ، 38 /‬الية ‪. ] 25 ، 24 :‬‬
‫و قوله ‪ :‬ولقد هت به وهم با ‪ ،‬و ما قص من قصته مع إخوته ‪.‬‬
‫و قوله ـ عن موسى ‪ :‬فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان [ سورة القصص ‪، 28 /‬‬
‫الية ‪. ] 15 :‬‬
‫و قول النب ـ صلى ال عليه و سلم ف دعائه ‪ :‬اغفر ل ما قدمت و ما أخرت ‪ ،‬و ما أسررت وما‬
‫أعلنت و نوه م ن أدعيته صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و ذكر النبياء ف الوقف ذنوبم ف حديث الشفاعة ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬إنه ليغان على قلب فأستغفر ال ‪.‬‬
‫و ف حديث أب هريرة ‪ :‬إن لستغفر ال و أتوب إليه ف اليوم أكثر من سبعي مرة ‪ .‬و قوله تعال ـ‬
‫عن نوح ‪ :‬وإل تغفر ل وترحن أكن من الاسرين ‪.‬‬
‫و قد كان [ ‪ ] 212‬قال ال له ‪ :‬ول تاطبن ف الذين ظلموا إنم مغرقون [ سورة هود ‪ ، 11 /‬الية‬
‫‪. ] 37 :‬‬
‫و قال ـ عن إبراهيم ‪ :‬والذي أطمع أن يغفر ل خطيئت يوم الدين [ سورة الشعراء ‪ ، 26 /‬الية ‪:‬‬
‫‪ . ] 82‬و قوله ـ عن موسى ‪ :‬تبت إليك [ سورة العراف ‪ ، 7 /‬الية ‪. ] 143 :‬‬
‫و قوله ‪ :‬ولقد فتنا سليمان ‪ ...‬إل ما أشبه هذه الظواهر ‪.‬‬
‫قال القاضي رحه ال ‪ :‬فأما احتجاجهم بقوله ‪ :‬ليغفر لك ال ما تقدم من ذنبك وما تأخر ‪ :‬فهذا قد‬
‫اختلف فيه الفسرون ‪ ،‬فقيل ‪ :‬الراد ما كان قبل النبوة و بعدها ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬الراد ما وقع لك من ذنب وما ل يقع ـ أعلمه أنه مغفور له ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬التقدم ما كان قبل النبوة ‪ ،‬و التأخر عصمتك بعدها ‪ ،‬حكاه أحد بن نصر ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬الراد بذلك أمته ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬الراد ما كان عن سهو و غفلة ‪ ،‬و تأويل ‪ ،‬حكاه الطبي ‪ ،‬و اختاره القشيي ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬ما تقدم لبيك آدم ‪ ،‬و ما تأخر من ذنوب أمتك ‪ ،‬حكاه السمرقندي و السلمي عن ابن عطاء‬
‫‪.‬‬
‫و بثله و الذي قبله يتأول قوله ‪ :‬واستغفر لذنبك وللمؤمني والؤمنات ‪،‬‬
‫قال مكي ‪ :‬ماطبة النب صلى ال عليه و سلم ها هنا هي ماطبة لمته ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬إن النب صلى ال عليه و سلم لا أمر أن يقول ‪ :‬وما أدري ما يفعل ب ول بكم ـ سر بذلك‬
‫الكفار ‪ ،‬فأنزل ال تعال ‪ :‬ليغفر لك ال ما تقدم من ذنبك وما تأخر الية ‪ ،‬و بآل الؤمني ف الية‬
‫الخرى بعدها ‪ ،‬قاله ابن عباس ‪ ،‬فمقصد الية ‪ :‬إنك مغفور لك غي مؤاخذ بذنب إن لو كان ‪ .‬قال‬
‫بعضهم ‪ :‬الغفرة ها هنا تبئة من العيوب ‪.‬‬
‫و أما قوله ‪ :‬ووضعنا عنك وزرك * الذي أنقض ظهرك ‪ ،‬فقيل ‪ :‬ما سلف من ذنبك قبل النبوة ‪ ،‬و هو‬
‫قول ابن زيد و السن ‪ ،‬و معن قول قتادة ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬معناه أنه حفظ قبل نبوته منها ‪ ،‬و عصم ‪ ،‬و لول ذلك لثقلت ظهره ‪ ،‬حكى معناه السمرقندي‬
‫‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬الراد بذلك ما أثقل ظهره من أعباء الرسالة حت بلغها ‪ ،‬حكاه الاوردي ‪ ،‬و السلمي ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬حططنا عنك ثقل أيام الاهلية ‪ ،‬حكاه مكي ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬ثقل شغل سرك و حيتك و طلب شريعتك حت شرعنا ذلك لك ‪ ،‬حكى معناه القشيي ‪.‬‬
‫و قيل العن ‪ :‬خففنا عليك ما حلت بفظنا لا استحفظت ‪ ،‬و حفظ عليك ‪.‬‬
‫و معن أنقض ظهرك ‪ ،‬أي كاد ينقضه ‪ ،‬فيكون العن على من جعل ذلك لا قبل النبوة ـ اهتمام النب‬
‫صلى ال عليه و سلم بأمور فعلها قبل نبوته ‪ ،‬و حرمت عليه بعد النبوة ‪ ،‬فعدها أوزار ‪ ،‬و ثقلت عليه ‪،‬‬
‫و أشفق منها ‪.‬‬
‫أو يكون الوضع عصمة ال له و كفايته من ذنوب لو كانت لنقضت ظهره ‪.‬‬
‫أو يكون من ثقل الرسالة ‪ ،‬أو ما ثقل عليه و شغل قلبه من أمور الاهلية ‪ ،‬و إعلم ال تعال له بفظ ما‬
‫استحفظه من وحيه ‪.‬‬
‫و أما قوله ‪ :‬عفا ال عنك ل أذنت لم ـ فأمر ل يتقدم للنب صلى ال عليه و سلم من ال تعال ني‬
‫فيعد معصية ‪ ،‬و ل عده ال تعال عليه معصية ‪ ،‬بل ل يعده أهل العلم معاتبة ‪ .‬و غلطوا من ذهب إل‬
‫ذلك ‪ ،‬قال نفطويه [ ‪ : ] 213‬و قد حاشاه ال تعال من ذلك ‪ ،‬بل كان ميا ف أمرين ‪ ،‬قالوا ‪ :‬و‬
‫قد كان له أن يفعل ما شاء فيما ل ينل عليه فيه وحي ‪ ،‬فكيف و قد قال ال تعال ‪ :‬فأذن لن شئت‬
‫منهم ‪ .‬فلما أذن لم أعلمه ال با ل يطلع عليه من سرهم أنه لو ل يأذن لم لقعدوا ‪ ،‬و أنه ل حرج‬
‫عليه فيما فعل ‪ ،‬و ليس عفا هنا بعن غفر ‪ ،‬بل كما قال النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬عفا ال لكم عن‬
‫صدقة اليل و الرقيق ‪ .‬و ل تب عليهم قط ‪ ،‬أي ل يلزمكم ذلك ‪.‬‬
‫و نوه للقشيي ‪ ،‬قال ‪ :‬و إنا يقول العفو ‪ :‬ل يكون إل عن ذنب ـ من ل يعرف كلم العرب ‪ ،‬و‬
‫معن عفا ال عنك ـ أي ل يلزمك ذنبا ‪.‬‬
‫قال الداودي ‪ :‬روي أنا تكرمة ‪.‬‬
‫و قال مكي ‪ :‬هو استفتاح كلم ‪ ،‬مثل أصلحك ال و أعزك ‪.‬‬
‫و حكى السمرقندي أن معناه عفاك ال ‪.‬‬
‫و أما قوله ف أسارى بدر ‪ :‬ما كان لنب أن يكون له أسرى حت يثخن ف الرض تريدون عرض الدنيا‬
‫وال يريد الخرة وال عزيز حكيم * لول كتاب من ال سبق لسكم فيما أخذت عذاب عظيم ‪ .‬فليس‬
‫فيه إلزام ذنب للنب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬بل فيه بيان ما خص به وفضل من بي سائر النبياء ‪ ،‬فكأنه‬
‫قال ‪ :‬ما كان هذا لنب غيك ‪ ،‬كما قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬أحلت ل الغنائم ‪ ،‬و ل تل لنب قبلي ‪.‬‬

‫فإن قيل ‪ :‬فما معن قوله تعال ‪ :‬تريدون عرض الدن ا وال يريد الخرة وال عزيز حكيم [ سورة‬
‫النفال ‪ ، 8 /‬الية ‪. ]67 :‬‬
‫قيل ‪ :‬العن بالطاب لن أراد ذلك منهم ‪ ،‬و ترد غرضه لعرض الدنيا وحده ‪ ،‬و الستكثار منها ‪ ،‬و‬
‫ليس الراد بذا النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و ل عليه أصحابه ‪ ،‬بل قد روى عن الضحاك أنا نزلت‬
‫حي انزم الشركون يوم بدر ‪ ،‬و اشتغل الناس بالسلب و جع الغنائم عن القتال ‪ ،‬حت خشي عمر أن‬
‫يعطف عليهم العدو ‪.‬‬
‫ث قال تعال ‪ :‬لول كتاب من ال سبق لسكم فيما أخذت عذاب عظيم ‪ ،‬فاختلف الفسرون ف معن‬
‫الية ‪ ،‬فقيل ‪ :‬معناها لول أنه سبق من أن ل أعذب أحدا إل بعد النهي لعذبتكم ‪.‬‬
‫فهذا ينفي أن يكون أمر السرى معصية ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬العن لو ل إيانكم بالقرآن ‪ ،‬و هو الكتاب السابق فاستوجبتم به الصفح ـ‬
‫لعوقبتم على الغنائم ‪.‬‬
‫و يزاد هذا القول تفسيا و بيانا بأن يقال ‪ :‬لو ل ما كنتم مؤمني بالقرآن ‪ ،‬و كنتم من أحلت لم‬
‫الغنائم لعوقبتم ‪ ،‬كما عوقب من تعدى ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬لول أنه سبق ف اللوح الحفوظ أنا حلل لكم لعوقبتم ‪.‬‬
‫فهذا كله ينفي الذنب و العصية ‪ ،‬لن من فعل ما أحل له ل يعص ‪ ،‬قال ال تعال ‪ :‬فكلوا ما غنمتم‬
‫حلل طي با [ سورة النفال ‪ ، 8 /‬الية ‪. ] 69 :‬‬
‫و قيل ‪ :‬بل كان صلى ال عليه و سلم قد خي ف ذلك ‪ ،‬و قد روي عن علي رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫جاء جبيل عليه السلم إل النب صلى ال عليه و سلم يوم بدر ‪ ،‬فقال ‪ :‬خي أصحابك ف الساري ‪،‬‬
‫إن شاءوا القتل ‪ ،‬و إن شاءوا الفداء ‪ ،‬على أن يقتل منهم ف العام القبل مثلهم ‪.‬‬
‫فقالوا ‪ :‬الفداء و يقتل منا ‪.‬‬
‫و هذا دليل على صحة ما قلناه ‪ ،‬و أنم ل يفعلوا إل ما أذن لم فيه ‪ ،‬و لكن بعضهم مال إل أضعف‬
‫الوجهي ما كان الصلح غيه من الثخان و القتل ‪ ،‬فعوتبوا على ذلك ‪ ،‬و بي لم ضعف اختيارهم و‬
‫تصويب اختيار غيهم ‪ ،،‬و كلهم غي عصاة ول مذنبي ‪ ،‬و إل نو هذا أشار الطبي ‪.‬‬
‫و قوله ـ صلى ال عليه و سلم ف هذه القضية ‪ :‬لو نزل من السماء عذاب ما نا منه إل عمر ‪[ .‬‬
‫‪ ] 412‬ـ إشارة إل هذا من تصويب رأيه و رأي من أخذ بأخذه ‪ ،‬ف إعزاز الدين و إظهار كلمته ‪،‬‬
‫و إبادة عدوه ‪ ،‬و أن هذه القضية لو استوجبت عذابا نا منه عمر و مثله ‪ ،‬و عي عمر لنه أول من‬
‫أشار بقتلهم ‪ ،‬و لكن ال ل يقدر عليهم ف ذلك عذابا لله لم فيما سبق ‪.‬‬
‫و قال الداودي ‪ :‬و الب بذا ل يثبت ‪ ،‬و لو ثبت لا جاز أن يظن أن النب صلى ال عليه و سلم حكم‬
‫لا ل نص فيه و ل دليل من نص ‪ ،‬و ل جعل المر فيه إليه ‪ ،‬و قد نزهه ال تعال عن ذلك ‪.‬‬
‫و قال القاضي بكر بن العلء ‪ :‬أخب ال تعال نبيه ف هذه الية أن تأويله وافق ما كتبه له من إحلل‬
‫الغنائم و الفداء ‪ ،‬و قد كان قبل هذا فادوا ف سرية عبد ال بن جحش الت قتل فيها ابن الضرمي‬
‫بالكم بن كيسان و صاحبه ‪ ،‬فما عتب ال ذلك عليهم ‪ ،‬و ذلك قبل بدر بأزيد من عام ‪.‬‬
‫فهذا كله يدل على أن فعل النب صلى ال عليه و سلم ف شأن السرى كان على تأويل و بصية ‪ ،‬و‬
‫على ما تقدم قبل مثله ‪ ،‬فلم ينكره ال تعال عليهم ‪ ،‬لكن ال تعال أراد ـ لعظم أمر بدر و كثرة‬
‫أسراها ‪ ،‬و ال أعلم ـ إظهار نعمته ‪ ،‬و تأكيد منته ‪ ،‬بتعريفهم ما كتبه ف اللوح الحفوظ من حل ذلك‬
‫لم ‪ ،‬ل على وجه عتاب و إنكار و تذبيب ‪ .‬هذا معن كلمه ‪.‬‬
‫و أما قوله ‪ :‬عبس وتول * أن جاءه العمى [ سورة عبس ‪ ، 80 /‬الية ‪. ] 1 :‬‬
‫فليس له إثبات ذنب له صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬بل إعلم ال أن ذلك التصدي له من ل يتزكى ‪ ،‬و ان‬
‫الصواب و الول ـ لو كشف لك حال الرجلي ـ القبال على العمى ‪.‬‬
‫و فعل النب صلى ال عليه و سلم لا فعل ‪ ،‬و تصديه لذلك الكافر ‪ ،‬كان طاعة ل و تبليغا عنه و‬
‫استئلفا له ‪ ،‬كما شرعه ال له ‪ ،‬ل معصية ‪ ،‬و ل مالفة له ‪.‬‬
‫و ما قصه ال عليه من ذلك إعلم بال الرجلي و توهي أمر الكافر عنده و الشارة إل العراض عنه ‪،‬‬
‫بقوله ‪ :‬وما عليك أن ل يزكى [ سورة عبس ‪ ، 80 /‬الية ‪. ] 3 :‬‬
‫و قيل ‪ :‬أراد بـ [ عبس ] ‪ ،‬و [ تول ] ـ الكافر الذي كان مع النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬قاله أبو‬
‫تام ‪.‬‬
‫و أما قصة آدم عليه السلم ‪ ،‬و قوله تعال ‪ :‬فأكل منها ـ بعد قوله ‪ :‬ول تقربا هذه الشجرة فتكونا من‬
‫الظالي ‪ .‬و قوله أل أنكما عن تلكما الشجرة ‪ ،‬و تصريه تعال عليه بالعصية بقوله تعال ‪ :‬وعصى آدم‬
‫ربه فغوى ‪ ،‬أي جهل ‪.‬‬
‫و قيل أخطأ ‪ ،‬فإن ال تعال قد أخب بعذره بقوله ‪ :‬ولقد عهدنا إل آدم من قبل فنسي ول ند له عزما ‪،‬‬
‫قال ابن زيد ‪ :‬نسي عداوة إبليس له ‪ ،‬و ما عهد ال إليه من ذلك بقوله ‪ :‬إن هذا عدو لك ولزوجك‬
‫الية ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬نسي ذلك با أظهر لما ‪.‬‬
‫و قال ابن عباس ‪ :‬إنا سي النسان إنسانا لنه عهد إليه فنسي ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬ل يقصد الخالفة است حللً لا ‪ ،‬و لكنهما اغترا بلف إبليس لما ‪ :‬إن لكما لن‬
‫الناصحي ‪ ،‬و توها أن أحدا ل يلف بال حانثا ‪.‬‬
‫و قد روي عذر آدم بثل هذا ف بعض الثار ‪.‬‬
‫و قال ابن جبي ‪ :‬حلف بال لما حت غرها ‪ ،‬و الؤمن يدع ‪.‬‬
‫و قد قيل ‪ :‬نسي ‪ ،‬و لو ينو الخالفة ‪ ،‬فلذلك قال ‪ :‬ول ند له عزما ‪ ،‬و أي قصدا [ ‪] 215‬‬
‫للمخالفة ‪.‬‬
‫و أكثر الفسرين على أن العزم هنا الزم و الصب ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬كان عند أكله سكران ‪ ،‬و هذا فيه ضعف ‪ ،‬لن ال تعال وصف خر النة أنا ل تسكر ‪ ،‬فإذا‬
‫كان ناسيا ل تكن معصية ‪ ،‬و كذلك إن كان ملبسا عليه غالطا ‪ ،‬إذ التفاق على خروج الناسي و‬
‫الساهي عن حكم التكليف ‪.‬‬
‫قال الشيخ أبو بكر بن فورك و غيه ‪ :‬إنه يكن أن يكون ذلك قبل النبوة ‪ ،‬و دليل ذلك قوله تعال ‪:‬‬
‫وعصى آدم ربه فغوى * ث اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ‪ ،‬فذكر أن الجتباء و الداية كانا بعد العصيان‬
‫‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬بل أكلها متأولً ‪ ،‬و هو يعلم أنا الشجرة الت ني عنها ‪ ،‬لنه تأول ني ال عن شجرة‬
‫مصوصة ل على النس ‪ ،‬و لذا قيل ‪ :‬إنا كانت التوبة من ترك التحفظ ‪ ،‬ل من الخالفة ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬تأول أن ال ل ينهه عنه ا ني تري ‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬فعلى كل حال فقد قال ال تعال ‪ :‬وعصى آدم ربه ‪ ،‬و قال ‪ :‬فتاب عليه وهدى ‪ .‬و قوله ف‬
‫حديث الشفاعة ‪ :‬و يذكر ذنبه ‪ ،‬و قال ‪ :‬إن نيت عن أكل الشجرة فعصيت ‪ ،‬فسيأت الواب عنه و‬
‫عن أشباهه مملً آخر الفصل إن شاء ال ‪.‬‬
‫و أما قصة يونس فقد مضى الكلم على بعضها آنفا ‪ ،‬و ليس ف قصة يونس نص على ذنب ‪ ،‬و إنا‬
‫فيها ‪ :‬أبق و ذهب مغاضبا و قد تكلمنا عليه ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬إنا نقم ال عليه خروجه عن قومه فارا من نزول العذاب ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬بل لا وعدهم العذاب ث عفا ال عنهم قال ‪ :‬و ال ل ألقاهم بوجه كذاب أبدا ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬بل كانوا يقتلون من كذب فخاف ذلك ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬ضعف عن حل أعباء الرسالة ‪ .‬و قد يقدم الكلم أنه ل يكذبم ‪.‬‬
‫و هذا كله ليس فيه نص على معصية إل على قول مرغوب عنه ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬إذ أبق إل الفلك الشحون ـ قال الفسرون تباعد ‪.‬‬
‫و أما قوله ‪ :‬إن كنت من الظالي ‪ ،‬فالظلم وضع الشيء ف غي موضعه ‪ ،‬فهذا اعتراف منه عند بعضهم‬
‫بذنبه ‪ ،‬فإما أن يكون لروجه عن قومه بغي إذن ربه ‪ ،‬أو لضعفه عماحله ‪ ،‬أو لدعائه بالعذاب على‬
‫قومه ‪ .‬و قد دعا نوح بلك قومه فلم يؤاخذ ‪.‬‬
‫و ق ال الواسطي ف معناه ‪ :‬نزه ربه عن الظلم ‪ ،‬و أضاف الظلم إل نفسه اعترافا و استحقاقا ‪ .‬و مثل‬
‫هذا قول آدم و حواء ‪ :‬ربنا ظلمنا أنفسنا ‪ ،‬إذ كانا السبب ف وضعهما غي الوضع الذي أنزل فيه ‪ ،‬و‬
‫اخراجهما من النة ‪ ،‬و إنزالما إل الرض ‪.‬‬
‫و أما قصة داود عليه السلم فل يب أن يلتفت إل ما سطره فيه الخباريون من أهل الكتاب الذين‬
‫بدلوا و غيوا ‪ ،‬و نقله بعض الفسرين ‪ .‬و ل ينص ال على شيء من ذلك ‪ ،‬و ل ورد ف حديث‬
‫صحيح ‪ .‬و الذي نص عليه قوله ‪ :‬وظن داود أنا فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب * فغفرنا له ذلك‬
‫وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب [ سورة ص ‪ ، 38 /‬الية ‪. ] 25 ، 24 :‬‬
‫و قوله فيه ‪ :‬أواب ‪.‬‬
‫فمعن فتناه ‪ :‬اختبناه ‪ .‬و أواب ‪ :‬قال قتادة ‪ :‬مطيع ‪.‬‬
‫و هذا التفسي أول ‪.‬‬
‫و قال ابن عباس ‪ ،‬و ابن مسعود ‪ :‬ما زاد داود على أن قال للرجل ‪ :‬انزل ل عن امرأتك و أكفلنيها ‪،‬‬
‫فعاتبه ال على ذلك ‪ ،‬و نبهه عليه ‪ ،‬و أنكر عليه [ ‪ ] 216‬شغله بالدنيا ‪ ،‬و هذا الذي ينبغي أن يعول‬
‫عليه من أمره ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬خطبها على خطبته ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬بل أحب بقلبه أن تستشهد ‪.‬‬
‫و حكى السمرقندي أن ذنبه الذي اس تغفر منه قوله لحد الصمي ‪ :‬لقد ظلمك ‪ ،‬فظلمه بقول‬
‫خصمه ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬بل لا خشي على نفسه ‪ ،‬و ظن من الفتنة با بسط له من اللك و الدنيا ‪.‬‬
‫و إل نفي ما أضيف ف الخبار إل داود من ذلك ـ ذهب أحد بن نصر ‪ ،‬و أبو تام ‪ ،‬و غيها من‬
‫الحققي ‪.‬‬
‫و قال الداودي ‪ :‬ليس ف قصة داود و أوريا خب يثبت ‪ ،‬و ل يظن بنب مبة قتل مسلم ‪.‬‬
‫[ و قيل ‪ :‬إن الصمي اللذين اختصما إليه رجلن ف نعاج غنم ‪ ،‬على ظاهر الية ] ‪.‬‬
‫و أما قصة يوسف و إخوته فليس على يوسف فيها تعقب ‪ ،‬و أما إخوته فلم تثبت نبوتم فليزم الكلم‬
‫على أفعالم ‪ .‬و ذكر السباط و عدهم ف القرآن عند ذكر النبياء ليس صريا ف كونم من أهل‬
‫النبياء ‪.‬‬
‫قال الفسرون ‪ :‬يريد من نبئ من أنباء السباط ‪.‬‬
‫و قد قيل ‪ :‬إنم كانوا حي فعلوا بيوسف ما فعلوه صغار السنان ‪ ،‬و لذا ل ييزوا يوسف حي‬
‫اجتمعوا به ‪ ،‬و لذا قالوا ‪ :‬أرسله معنا غدا نرتع و نلعب ‪ ،‬و إن ثبتت لم نبوة فبعد هذا ‪ ،‬و ال أعلم ‪.‬‬

‫و أما قول ال تعال فيه ‪ :‬ولقد هت به وهم با لول أن رأى برهان ربه ـ فعلى طريق كثي من الفقهاء‬
‫الحدثي أن هم النفس ل يؤاخذ به ‪ ،‬و ليس سيئة ‪ ،‬لقوله صلى ال عليه و سلم ـ عن ربه ‪ [ :‬إذا هم‬
‫عبدي بسيئة فلم يعلمها كتبت له حسنة ] ‪ ،‬فل معصية ف هه إذا ‪.‬‬
‫و أما على مذهب الحققي من الفقهاء و التكلمي فإن الم إذا وطنت عليه النفس سيئة ‪ .‬و أما ما ل‬
‫توطن عليه النفس من هومها و خواطرها فهو العفو عنه ‪.‬‬
‫هذا هو الق ‪ ،‬فيكون ـ إن شاء ال ـ هم يوسف من هذا ‪ ،‬و يكون قوله ‪ :‬وما أبرئ نفسي إن‬
‫النفس لمارة بالسوء إل ما رحم رب إن رب غفور رحيم [ سورة يوسف ‪ ، 1 /‬الية ‪. ] 53 :‬‬
‫ي ما أبرئها من هذا الم ‪ ،‬أو يكون ذلك منه على طريق التواضع و العتراف بخالفة النفس لا زكي‬
‫قبل و برىء ‪ ،‬فكيف و قدحكى أبو حات عن أب عبيدة ـ أن يوسف ل يهم ‪ ،‬و ان الكلم فيه تقدي و‬
‫تأخي ‪ ،‬أي ‪ :‬و لقد هت به ‪ ،‬و لول أن رأى برهان ربه لم با ‪ ،‬و قد قال ال تعال ـ عن الرأة ـ ‪:‬‬
‫لقد راودته عن نفسه فاستعصم ‪ .‬و قال تعال ‪ :‬كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء ‪ .‬قال تعال ‪:‬‬
‫وغلقت البواب وقالت هيت لك قال معاذ ال إنه رب أحسن مثواي الية ‪.‬‬
‫قيل ف رب ال تعال ‪ .‬و قيل ‪ :‬اللك ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬هم با ‪ ،‬أي بزجرها و وعظها‬
‫و قيل هم با ‪ ،‬أي غمها امتناعه عنها ‪.‬‬
‫و قي ل هم با ‪ :‬نظر إليها ‪.‬‬
‫و قيل هم بضربا و دفعها ‪.‬‬
‫و قيل هذا كله كان قبل نبوته ‪.‬‬
‫و قد ذكر بعضهم ‪ :‬ما زال النساء يلن إل يوسف ميل شهوة حت نبأه ال ‪ ،‬فألقى عليه هيبة النبوة ‪،‬‬
‫فشغلت هيبته كل من رآه عن حسنه ‪.‬‬
‫و أما خب موسى صلى ال عليه و سلم مع قتيله الذي و كزه فقد نص ال تعال أنه من عدوه ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫كان من القبط الذين على دين فرعون ‪.‬‬
‫و دليل السورة ف هذا كله أنه قبل نبوة موسى ‪.‬‬
‫و قال قتادة ‪ :‬وكزه بالعصا ‪ ،‬و ل يتعمد قتله ‪ ،‬فعلى هذا ل معصية ف ذلك ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬هذا من عمل الشيطان ‪ .‬و قوله ‪ ] 217 [ :‬ظلمت نفسي فاغفر ل ـ قال ابن جريح ‪ :‬قال‬
‫ذلك من أجل أنه ل ينبغي لنب أن يقتل حت يؤمر ‪.‬‬
‫و قال النقاش ‪ :‬ل يقتله عن عمد مريدا للقتل ‪ ،‬و إنا وكزه و كزة يريد با دفع ظلمة ‪ ،‬قال ‪ :‬و قد قيل‬
‫‪ :‬إن هذا كان قبل النبوة ‪ ،‬و هو مقتضى التلوة ‪.‬‬
‫و قوله تعال ـ ف قصته ‪ : :‬وفتناك فتونا ‪ ،‬أي ابتليناك ابتلء بعد ابتلء ‪ .‬قبل ف هذه القصة و ما جرى‬
‫له مع فرعون ‪ .‬و قيل ‪ :‬إلقاؤه ف التابوت و اليم ‪ ،‬و غيذلك ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬معناه أخلصناك إخلصا ‪ ،‬قاله ابن جبي و ماهد ‪ ،‬من قولم ‪ :‬فتنت الفضة ف النار إذا خلصتها‬
‫‪ .‬و أصل الفتنة معن الختبار ‪ ،‬و إظهار ما بطن ‪ ،‬إل أنه استعمل ف عرف الشرع ف اختبار أدى إل ما‬
‫يكره ‪.‬‬
‫و كذلك ما روي ف الب الصحيح ‪ ،‬من ان ملك الوت جاءه فلطم عينه ففقأها ‪. . .‬‬
‫ألديث ‪ ..‬ليس فيه ما يكم به على موسى بالتعدي و فعل ما ليب له ‪ ،‬إذ هو ظاهر المر ‪ ،‬بي‬
‫الوجه ‪ ،‬جائز الفعل ‪ ،‬لن موسى دافع عن نفسه من أتاه لتلفها ‪ ،‬و قد تصور به ف صورة آدمي ‪ ،‬و‬
‫ل يكن أنه علم حينئذ أنه ملك الوت ‪ ،‬فدافعه عن نفسه مدافعة أدت إل ذهاب عي تلك الصور الت‬
‫تصور له فيها اللك امتحانا من ال ‪ ،‬فلما جاءه بعد ‪ ،‬و أعلمه ال تعال أنه رسوله إليه استسلم ‪.‬‬
‫و للمتقدمي و التأخرين على هذا الديث أجوبةهذا أسدها عندي ‪ ،‬و هو تأويل شيخنا المام أب عبد‬
‫ال الازري ‪.‬‬
‫و قد تأوله قديا ابن عائشة و غيه على صكه و لطمه بالجة ‪ ،‬و فقء عي حجته ‪ ،‬و هو كلم‬
‫مستعمل ف هذا الباب ف اللغة معروف ‪.‬‬
‫و أما قصة سليمان و ما حكى فيها أهل التفاسي من ذنبه و قوله ‪ :‬ولقد فتنا سليمان ‪ ،‬فمعناه ابتلينا ‪ ،‬و‬
‫ابتلؤه ‪ :‬ما حكي عن النب صلى ال عليه و سلم انه قال ‪ :‬لطوفن الليلة على مائة امراة أو تسع‬
‫وتسعي كلهن يأتي بفارس ياهد ف سبيل ال ‪ .‬فقال له صاحبه ‪ :‬قل إن شاء ال ‪ ،‬فلم يقل ‪ .‬فلم‬
‫تمل منهم إل امرأة واحدة جاءت بشق رجل ‪ .‬قال النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬و الذي نفسي بيده لو‬
‫قال إن شاء ال لاهدوا ف سبيل ال ‪.‬‬
‫قال أصحاب العان ‪ :‬و الشق هو السد الذي ألقى على كرسيه حي عرض عليه ‪ ،‬وهي عقوبته و منته‬
‫‪.‬‬
‫و قيل بل مات فألقي على كرسيه ميتا ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬ذنبه حرصه على ذلك و تنيه ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬لنه ل يستثن لا استغرقه من الرص ‪ ،‬و غلب عليه من التمن ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬عقوبته أن سلب ملكه ‪ ،‬و ذنبه أن احب بقلبه أن يكون الق لختانه على خصمهم ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬أوخذ بذنب قارفه بعض نسائه ‪ .‬و ل يصح ما نقله الخباريون من تشبه الشيطان به ‪ ،‬و تسلطه‬
‫على ملكه تعال و تصرفه ف ف أمته بالور ف حكمه ‪ ،‬لن الشياطي ل يسلطون على مثل هذا ‪ ،‬و قد‬
‫عصم النبياء من مثله [‪. ] 218‬‬
‫و إن سئل ‪ :‬ل ل يقل سليمان ف القصة الذكورة ‪ :‬إن شاء ال ـ فعنه أجوبة ‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬ما روي ف الديث الصحيح أنه نسى أن يقولا ‪ ،‬و ذلك لينفذ مراد ال تعال ‪.‬‬
‫و الثان ‪ :‬أنه ل يسمع صاحبه و شغل عنه ‪.‬‬
‫و قوله ‪ :‬وهب ل ملكا ل ينبغي لحد من بعدي ‪ .‬ل يفعل هذا سليمان غيه على الدنيا و ل نفاسة‬
‫با ‪ ،‬و لكن مقصده ف ذلك ـ على ما ذكره الفسرون ـ أل يسلط عليه أحد كما سلط عليه‬
‫الشيطان الذي سلبه إياه مدة امتحانه على قول من قال ذلك ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬بل أراد أن يكون له من ال فضيلة و خاصة يتص با كاختصاص غيه من أنبياء ال و رسله‬
‫بواص منه ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬ليكون ذلك دليلً و حجة على نبوته ‪ ،‬كالنة الديد لبيه ‪ ،‬و إحياء الوتى لعيسى ‪ ،‬و‬
‫اختصاص ممد صلى ال عليه و سلم بالشفاعة ‪ ،‬و نو هذا ‪.‬‬
‫و أما قصة نوح عليه السلم فظاهرة العذر ‪ ،‬و إنه أخذ فيها بالتأويل و ظاهر اللفظ ‪ ،‬لقوله تعال ‪ [ :‬و‬
‫أهلك ] ‪ ،‬فطلب مقتضى هذا اللفظ ‪ ،‬و أراد علم ما طوي عليه من ذلك ‪ ،‬ل أنه شك ف وعد ال تعال‬
‫‪ ،‬فتبي ال عليه أنه ليس من أهله الذين وعده بنجاتم لكفره و عمله الذي هو غي صال ‪ ،‬و قد أعلمه‬
‫أنه مغرق الذين ظلموا ‪ ،‬و ناه عن ماطبته فيهم ‪ ،‬فووخذ بذا التأويل ‪ ،‬و عتب عليه ‪ ،‬و أشفق هو من‬
‫إقدامه على ربه لسؤاله ما ل يؤذن له ف السؤال فيه ‪ ،‬و كان نوح ـ فيما حكاه النقاش ـ ل يعلم‬
‫بكفر ابنه ‪.‬‬
‫و قيل ف الية غي هذا ‪ ،‬و كل هذا ل يقضي على نوح بعصية سوى ما ذكرنا من تأويله و إقدامه‬
‫بالسؤال فيما ل يؤذن له فيه ‪ ،‬و ل نى عنه ‪.‬‬
‫و ما روي ف الصحيح من أن نبيا قرصته نلة فحرق قرية النمل ‪ ،‬فأوحى ال إليه ‪ :‬أن قرصتك نلة‬
‫أحرقت أمة من المم تسبح ‪ ...‬فليس ف هذا الديث أن هذا الذي أتى معصية ‪ ،‬بل فعل ما رآه‬
‫مصلحة و صوابا بقتل من يؤذي جنسه ‪ ،‬و ينع النفعة ما أباح ال ‪.‬‬
‫أل ترى أن هذا النب كان نازلً تت الشجرة ‪ ،‬فلما آذته النملة تول برجله عنها مافة تكرار الذى‬
‫عليه و ليس فيما أوحى ال إليه ما يوجب معصية ‪ ،‬بل ندبه إل احتمال الصب و ترك التشفي ‪ ،‬كما قال‬
‫تعال ‪ :‬ولئن صبت لو خي للصابرين ‪ ،‬إذا ظاهر فعله إنا كان لجل أنا آذته هو ف خاصته ‪ ،‬فكان‬
‫انتقاما لنفسه ‪ ،‬و قطع مضرة يتوقعها من بقية النمل هناك ‪ ،‬و ل يأت ف كل هذا أمرا ني عنه ‪،‬‬
‫فيعصى به ‪ ،‬و ل نص فيما أوحى ال إليه بذلك ‪ ،‬و ل بالتوبة و الستغفار منه ‪ .‬و ال أعلم ‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬فما معن قوله عليه السلم ‪ :‬ما من أحد إل أل بذنب أو كاد إل يي بن زكريا ‪ ،‬أو كما قال‬
‫النب صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫فالواب عنه ‪ :‬كما تقدم م ن ذنوب النبياء الت وقعت عن غي قصد و عن سهو و غفلة ] ‪.‬‬
‫فصل‬
‫معقود لدفع شبه نشأت ما قدمه‬

‫فإن قلت ‪ :‬فإذا نفيت عنهم صلوات ال عليهم الذنوب و العاصي با ذكزته من اختلف الفسرين و‬
‫تأويل الحققي ـ فما معن قوله تعال ‪ :‬وعصى آدم ربه فغوى ‪ ،‬و ما تكرر ف القرآن و الديث‬
‫الصحيح من اعتراف النبياء بذنوبم و توبتهم و استغفارهم [‪ ، ] 219‬و بكائهم على ما سلف‬
‫منهم ‪ ،‬وإشفاقهم‪ .‬و هل يشفق و يتاب و يستغفر من ل شيء ؟ ‪.‬‬
‫فاعلم ـ و فقنا ال و إياك ـ أن درجة النبياء ف الرفعة و العلو و العرفة با ال ‪ ،‬و سنته ف عباده و‬
‫عظم سلطانه ‪ ،‬و قوة بطشه ‪ ،‬ما يملهم على الوف منه جل جلله ‪ ،‬و الشفاق من الؤاخذة با ل‬
‫يؤاخذ به غيهم ‪ ،‬و أنم ـ ف تصرفهم بأمور ل ينهوا عنها ‪،‬و ل أمروا با ‪ ،‬ث أخذوا عليها ‪ ،‬و‬
‫عوتبوا بسببها ‪ ،‬أو حذروا من الؤاخذة با ‪ ،‬و أتوها على وجه التأويل أو السهو ‪ ،‬أو تزيد من أمور‬
‫الدنيا الباحة ـ خائفون و جلون ‪ ،‬و هي ذنوب بالضافة إل علي منصبهم ‪ ،‬و معاص بالنسبة إل‬
‫كمال طاعتهم ‪ ،‬ل أنا كذنوب غيهم و معاصيهم ‪ ،‬فإن الذنب مأخوذ من الشيء الدن الرذل ‪ ،‬و منه‬
‫ذنب كل شيء أي آخره ‪ .‬و أذناب الناس رذالم ‪ ،‬فكأن هذه أدن أفعالم ‪ ،‬و أسوأ ما ير ي من‬
‫أحوالم لتطهيهم و تنيههم ‪ ،‬و عمارة بواطنهم و ظواهرهم بالعمل الصال ‪ ،‬و الكلم الطيب ‪ ،‬و‬
‫الذكر الظاهر و الفي ‪ ،‬و الشية ال ‪ ،‬و إعظامه ف السر و العلنية ‪ ،‬و غيهم يتلوث من الكبائر و‬
‫القبائح و الفواحش ما تكون بالضافة إليه هذه النات ف حقه كالسنات ‪ ،‬كما قيل ‪ :‬حسنات البرار‬
‫سيئات القربي ‪ ،‬أي يرونا بالضافة إل علي أحوالم كالسيئات ‪.‬‬
‫و كذلك العصيان الترك و الخالفة ‪ ،‬فعلى مقتضى اللفظة كيفما كانت من سهو أو تأويل فهي مالفة و‬
‫ترك ‪.‬‬
‫قوله تعال ‪ :‬غوى ‪ ،‬أي جهل أن تلك الشجرة هي الت ني عنها ‪،‬و الغي ‪ :‬الهل ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬أخطأ ما طلب من اللود ‪ ،‬إذ أكلها و خابت أمنيته ‪.‬‬
‫و هذا يوسف عليه السلم قد أوخذ بقوله لحد صاحب السجن ‪ :‬اذكرن عند ربك فأنساه الشيطان‬
‫ذكر ربه فلبث ف السجن بضع سني [ سورة بوسف ‪ 12/‬الية ‪. ] 42 :‬‬
‫قيل ‪ :‬أنسي يوسف ذكره ال ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬أنسي صاحبه أن يذكره لسيده اللك ‪ ،‬قال النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬لول كلمة يوسف‬
‫مالبث ف السجن ما لبث ‪.‬‬
‫قال ابن دينار ‪ :‬لا قال ذلك يوسف قيل له ‪ :‬اتذت من دون وكيل ‪ ،‬لطيلن حبسك ‪ .‬فقال ‪ :‬يارب ‪،‬‬
‫أنسى قلب كثر ة البلوى ‪.‬‬
‫و قال بعضهم ‪ :‬يؤاخذ النبياء بثا قيل الذر ‪ ،‬لكانتهم عنده ‪ ،‬و ياوز عن سائر اللق لقلة مبالته بم‬
‫ف أضعاف ما أتوا به من سوء الدب ‪.‬‬
‫و قد قال الحتج للفرقة الول على سياق ما قلناه ‪ :‬إذا كان النبياء يؤاخذون بذا ما ل يؤاخذ به‬
‫غيهم من السهو و النسيان ‪ ،‬و ما ذكرته ‪ ،‬و حالم أرفع فحالم إذًا ف هذا أسوأ حالً من غيهم ‪.‬‬
‫فاعلم ـ أكرمك ال ـ أنا ل نثبت لك الؤاخذة ف هذا على حد مؤاخذة غيهم ‪ ،‬بل نقول ‪ :‬إنم‬
‫يؤاخذون بذلك ف الدنيا ‪ ،‬ليكون ذلك زيادة ف درجاتم ‪ ،‬و يبتلون بذلك ‪ ،‬ليكون استشعارهم له‬
‫سببا لنماة رتبهم ‪ ،‬كما قال ‪ :‬ث اجتباه ربه فتاب عليه وهدى [ سورة طه ‪ ، 20/‬الية ‪. ]122:‬‬
‫قال [ ‪ ] 220‬لداود ‪ :‬فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب [ سورة ص ‪ ، 23/‬الية ‪:‬‬
‫‪. ] 25‬‬
‫قال ـ بعد قول موسى ‪ :‬تبت إليك ‪ :‬إن اصطفيتك على الناس ‪.‬‬
‫و قال ـ بعد ذكر فتنة سليمان و إنابته ‪ :‬فسخرنا له الريح تري بأمره رخاء حيث أصاب * والشياطي‬
‫كل بناء وغواص * وآخرين مقرني ف الصفاد * هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغي حساب * وإن له‬
‫عندنا لزلفى وحسن مآب [ سورة ص‪ ، 38/‬الية ‪. ] 40 ، 36 :‬‬
‫و قال بعض التكلمي ‪ :‬زلت النبياء ف الظاهر زلت ‪ ،‬و ف القيقة كرامات وزلف ‪ ،‬وأشار إل نو‬
‫ما قدمناه ‪.‬‬
‫و أيضا فلينبه غيهم من البشر منهم ‪ ،‬أو من ليس ف درجتهم بؤاخذتم بذلك ‪ ،‬فيستشعروا الذر ‪،‬‬
‫ويعتقدوا الحاسبة ليلتزموا الشكر على النعم ‪ ،‬ويعدوا الصب على الحن بلحظة ما وقع بأهل هذا‬
‫النصاب الرفيع العصوم ‪ ،‬فكيف بن سواهم ‪ ،‬ولذا قال صال الري ‪ :‬ذكر داود بسطة للتوابي ‪.‬‬
‫قال ابن عطاء ‪ :‬ل يكن ما نص ال تعال عليه من قضية صاحب الوت نقصا له ‪ ،‬و لكن استزادة من‬
‫نبينا صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و أيضا فيقال لم ‪ :‬فإنكم و من وافقكم تقولون بغفران الصغائر باجتناب الكبائر ‪.‬‬
‫و ل خلف ف عصمة النبياء من الكبائر ‪ ،‬فما جوزت من وقوع الصغائر عليهم هي مغفورة على هذا ‪،‬‬
‫فما معن الؤاخذة با إذا عندكم و خوف النبياء و توبتهم منها ‪ ،‬و هي مغفورة لو كانت ؟‬
‫فما أجابوا به فهو جوابنا عن الؤاخذة بأعمال السهو و التأويل ‪.‬‬
‫و قد قيل ‪ :‬إن كثرة استغفار النب صلى ال عليه و سلم و توبته ‪ ،‬و غيه من النبياء على و جه ملزمة‬
‫الضوع و العبودية ‪ ،‬و العتراف بالتقصي ‪ ،‬شكرا الل ه على نعمه ‪ ،‬كما قال ـ صلى ال عليه و‬
‫سلم ـ و قد أمن من الؤاخذة ما تقدم و تأخر ‪ :‬أفل أكون عبدا شكورا ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬إن أخشاكم ال ‪ ،‬و أعلمكم با أتقي ‪.‬‬
‫قال الارث بن أسد ‪ :‬خوف اللئكة و النبياء خوف إعظام و تعبد ال ‪ ،‬لنم آمنون ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬فعلوا ذلك ليقتدي بم ‪ ،‬و تست بم أمهم ‪ ،‬كما قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬لو تعلمون ما‬
‫أعلم لضحكتم قليلً و لبكيتم كثيا ‪.‬‬
‫و أيضا فإن ف التوبة و الستغفار معن آخر لطيفا أشار إليه بعض العلماء ‪ ،‬و هو استدعاء مبة ال ‪،‬‬
‫قال ال تعال ‪ :‬إن ال يب التوابي ويب التطهرين [ سورة البقرة ‪ ،2 /‬الية ‪. ] 222 :‬‬
‫فإحداث الرسل و النبياء الستغفار و التوبة و النابة و الوبة ف كل حي ـ استدعاء لحبة ال !‬
‫والستغفار فيه معن التوبة ‪ ،‬وقد قال ال لنبيه ـ بعد أن غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ‪ :‬لقد تاب‬
‫ال على النب والهاجرين والنصار [ سورة التوبة ‪ ، 9 /‬الية ‪. ] 117 :‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬فسبح بمد ربك واستغفره إنه كان توابا [ سورة النصر ‪ ، 110 /‬الية ‪. ] 3 :‬‬

‫فصل‬
‫ف تنيه النب عما ل يب أن يضاف إليه‬

‫قد استبان لك أيها أبا الناظر با قررناه ‪ ،‬ما هو الق من عصمته صلى ال عليه و سلم عن الهل با ل‬
‫و صفاته ‪ ،‬و كونه علىحاله تناف العلم بشيء من ذلك كله بعد النبوة عقلً و اجاعا ‪ ،‬و قبلها سعا و‬
‫ل ‪ ،‬و ل بشيء ما قرره من أمور الشرع ‪ ،‬و أداه عن ربه من الوحي قطعا عقلً و شرعا ‪ ،‬و عصمته‬ ‫نق ً‬
‫عن الكذب و خلف القول منذ نبأه ال و أرسله قصدا أو غي قصد ‪ ،‬و استحالة ذلك عليه شرعا و‬
‫إجاعا ‪ ،‬و نظرا و برهانا ‪ ،‬و تنيهه عنه قبل النبوة قطعا ‪ ،‬و تنيهه [ ‪ ] 221‬عن الكبائر إجاعا و‬
‫عن الصغائر تقيقا ‪ ،‬و عن استدامة السهو و الغفلة ‪ ،‬و استمرار الغلط و النسيان عليه فيما شرعه‬
‫للمة ‪ ،‬و عصمته ف كل حالته ‪ ،‬من رضا و غضب ‪ ،‬و جد و مزح ‪ ،‬فيجب عليك أن تتلقاه‬
‫باليمي ‪ ،‬و تشد عليه يد الضني و تقدر هذه الفصول حق قدرها ‪ ،‬و تعلم عظيم فائدتا و خطرها ‪،‬‬
‫فإن من يهل ما يب للنب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬أو يوز له ‪ ،‬أو يستحيل عليه ‪ ،‬و ل يعرف صور‬
‫أحكامه ‪ ،‬ل يأمن أن يعتقد ف بعضها خلف ما هي عليه ‪ ،‬و ل ينهه عما ل يب أن يضاف إليه ‪،‬‬
‫فيهلك من حيث ل يدري ‪ ،‬و يس قط ف هوة الدرك السفل من النار حدثنا إذ ظن الباطل به ‪ ،‬و‬
‫اعتقاده ما ل يوز عليه يل بصاحبه دار البوار ‪.‬‬
‫و لذا ما احتاط عليه السلم على الرجلي اللذين رأياه ليلً ‪ ،‬و هو معتكف ف السجد مع صفية ‪ ،‬فقال‬
‫لما ‪ :‬إنا صفية ‪ .‬ث قال لما ‪ :‬إن الشيطان يري من ابن آدم مرى الدم ‪ ،‬و إن خشيت أن يقذف ف‬
‫قلوبكما شيئا فتهلكا ‪.‬‬
‫هذه ـ أكرمك ال ـ إحدى فوائد ما تكلمنا عليه ف هذه الفصول ‪ ،‬و لعل جاهلً ل يعلم بهله إذا‬
‫سع شيئا منها برى أن الكلم فيها جلة من فصول العلم ‪ ،‬و أن السكوت أول ‪ .‬و قد استبان لك أنه‬
‫متعي للفائدة الت ذكرناها ‪.‬‬
‫و فائدة ثانية يضطر إليها ف أصول الفقه ‪ ،‬و تبن عليها مسائل ل تنعد من الفقه ‪ ،‬يتخلص با من‬
‫تشغيب متلفي الفقهاء ف عدة منها ‪ ،‬وهي الكم ف أقوال النب صلى ال عليه و سلم و أفعاله ‪ ،‬و هو‬
‫باب عظيم ‪ ،‬و أصل كبي من أصول الفقه ‪ ،‬و ل بد من بنائه على صدق النب صلى ال عليه و سلم ف‬
‫إخباره و بلغه ‪ ،‬و أنه ل يوز عليه السهو فيه تعال و عصمته من الخالفة ف أفعاله عمدا ‪ ،‬و بسب‬
‫اختلفهم ف وقوع الصغائر وقع خلف ف امتثال الفعل ‪ ،‬بسط بيانه ف كتب ذلك العلم حدثنا فل‬
‫نطول به ‪.‬‬
‫و فائدة ثالثة يتاج إليها الاكم و الفت فيمن أضاف إل النب صلى ال عليه و سلم شيئا من هذه‬
‫المور ‪ ،‬و وصفه با ‪ ،‬فمن ل يعرف ما يوز و ما يتنع عليه ‪ ،‬و ما وقع الجاع فيه و اللف ‪ ،‬كيف‬
‫يصمم ف الفتيا ف ذلك ‪ ،‬و من أين يدري ؟ هل ما قاله فيه نقص أو مدح ‪ ،‬فإما أن يترىء على سفك‬
‫دم مسلم حرام ‪ ،‬أو يسقط حقا ‪ ،‬أو يضيع حرمه للنب صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و اسبيل هذا ما قد اختلف أرباب الصول و أئمة العلماء و الحققي ف عصمة اللئكة ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف القول ف عصمة اللئكة‬

‫أجع السلمون على أن اللئكة مؤمنون فضلء ‪ ،‬واتفق أئمة السلمي أن حكم الرسلي منهم حكم‬
‫النبيي سواء ف العصمة ما ذكرنا عصمتهم منه ‪ ،‬وأنم ف حقوق النبياء والتبليغ إليهم كالنبياء مع‬
‫المم ‪.‬‬
‫واختلفوا ف غي الرسلي منهم ‪ ،‬فذهبت طائفة إل عصمة جيعهم عن العاصي ‪ ،‬واحتجوا بقوله تعال ‪:‬‬
‫ل يعصون ال ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ‪ .‬و بقوله ‪ :‬وما منا إل له مقام معلوم * وإنا لنحن الصافون‬
‫* وإنا لنحن السبحون ‪ ] 222 [ .‬و بقوله ‪ :‬ومن عنده ل يستكبون عن عبادته ول يستحسرون *‬
‫يسبحون الليل والنهار ل يفترون ‪ .‬و بقوله ‪ :‬إن الذين عند ربك ل يستكبون عن عبادته ويسبحونه وله‬
‫يسجدون ‪ .‬و بقوله ‪ :‬كرام بررة و ل يسه إل الطهرون ‪ ،‬و نوه من السمعيات ‪.‬‬
‫و ذهبت طائفة إل أن هذا خصوص للمرسلي منهم و القربي ‪ .‬و احتجوا بأشياء ذكرها أهل الخبار و‬
‫التفاسي ‪ ،‬نن نذكرها إن شاء ال بعد ‪ ،‬و نبي الوجه فيها إن شاء ال ‪.‬‬
‫و الصواب عصمة جيعهم ‪ ،‬و تنيه نصابم الرفيع عن جيع ما يط من رتبتهم ومنلتهم عن جليل‬
‫مقدارهم ‪.‬‬
‫ورأيت بعض شيوخنا أشرا أن ل حاجة بالفقيه إل الكلم ف عصمتهم ‪ ،‬و أنا أقول ‪ :‬إن للكلم ف‬
‫ذلك ما للكلم ف عصمة النبياء من الفوائد الت ذكرناها سوى فائدة الكلم ف القوال و الفعال ‪،‬‬
‫فهي ساقطة ها هنا ‪.‬‬
‫فما احتج به من ل يوجب عصمة جيعهم قصة هاروت و ماروت ‪ ،‬و ما ذكر فيها أهل الخبار و نقله‬
‫الفسرين ‪ ،‬و ما روي عن علي و ابن عباس ف خبها و ابتلئهما ‪.‬‬
‫فاعلم ـ أكرمك ال ـ أن هذه الخبار ل يرو منها شيء ل سقيم و ل صحيح عن رسول ال صلى‬
‫ال عليه و سلم ‪ ،‬و ليس هو شيئا يؤخذ بقياس ‪.‬‬
‫و الذي منه ف القرآن اختلف الفسرون ف معناه ‪ ،‬و أنكر ما قال بعضهم فيه كثي من السلف كما‬
‫سنذكره ‪ .‬وهذه الخبار من كتب اليهود وافترائهم ‪ ،‬كما نصه ال أول اليات من افترئهم بذلك على‬
‫سليمان و تكفيهم إياه ‪.‬‬
‫و قد انطوت القصة على شنع عظيمة ‪ .‬و ها نن نب ف ذلك ما يكشف غطاء هذه الشكالت إن‬
‫شاء ال ‪:‬‬
‫فاختلف أولً ف هاروت و ماروت ‪ ،‬هل ها ملكان أو إنسيان ؟ وهل ها الراد باللكي أم ل ؟ و هل‬
‫القراءة ملكي أو ملكي ؟ و هل ما ف قوله ‪ :‬وما أنزل على اللكي ‪ .‬وما يعلمان من أحد ـ نافية أو‬
‫موجبة ! ‪.‬‬
‫فأكثر الفسرين أن ال تعال امتحن الناس باللكي لتعليم السحر وتبيينه ‪ ،‬و أن عمله كفر ‪ ،‬فمن تعلمه‬
‫كفر ‪ ،‬و من تركه آمن ‪ ،‬و قال ال تعال ‪ :‬إنا نن فتنة فل تكفر و تعليمها الناس له تعليم إنذار ‪ ،‬أي‬
‫يقولن لن جاء يطلب تعلمه ‪ :‬ل تفعلوا كذا ‪ :‬فإنه يفرق بي الرء و زوجه ‪ ،‬و ل تتحيلوا بكذا ‪ ،‬فإنه‬
‫سحر ‪ ،‬فل تكفروا ‪.‬‬
‫فعلى هذا فعل اللكي طاعة ‪ ،‬و تصر فهما فيما أمرا به ليس بعصية ‪ ،‬و هي لغيها فتنة ‪.‬‬
‫و روى ابن وهب ‪ ،‬عن خالد بن أب عمران ـ أنه ذكر عنده هاروت و ماروت ‪ ،‬و أنما يعلمان‬
‫السحر ‪ ،‬فقال ‪ :‬نن ننههما عن هذا ‪.‬‬
‫فقرأ بعضهم ‪ :‬وما أنزل على اللكي ‪ .‬فقال خالد ‪ :‬ل ينل عليهما ‪.‬‬
‫فهذا خالد على جللته و علمه نزههما عن تعليم السحر الذي قد ذكر غيه أنما مأذون لما ف تعليمه‬
‫بشريطة أن يبينا أنه كفر ‪ ، ،‬و أنه امتحان من ال و ابتلء ‪ ،‬فكيف ل ينههما عن كبائر العاصي و‬
‫الكفر الذكورة ف تلك الخبار ‪.‬‬
‫و قول خالد ‪ ] 223 [ :‬ل ينل ‪ :‬يريد أن ما نافية ‪ ،‬و هو قول ابن عباس ‪ ،‬قال مكي ‪ :‬و تقدير‬
‫الكلم ‪ :‬و ما كفر سليمان ـ يريد بالسحر الذي افتعلته الشياطي ‪ ،‬فاتبعتهم ف ذلك اليهود ‪ ،‬و م ا‬
‫أنزل على اللكي ‪ ،‬قال مكي ‪ :‬ها جبيل و ميكائيل ‪:‬‬
‫ادعى اليهود عليهما الجيء به ‪ ،‬كما ادعوا على سليمان ‪ ،‬فأكذبم ال ف ذلك ‪.‬‬
‫و لكن الشياطي كفروا يعلمون الناس السحر ببابل هاروت و ماروت قيل ‪ :‬ها رجلن تعلماه ‪.‬‬
‫قال السن ‪ :‬هاروت و ماروت علجان من أهل بابل ‪ ،‬و قرأ ‪ :‬و ما أنزل على اللكي ـ بكسر اللم ‪،‬‬
‫و تكون [ ما ] ايابا على هذا ‪.‬‬
‫و كذلك قراءة عبد الرحن بن أبزى ـ بكسر اللم ‪ ،‬و لكنه قال ‪ :‬اللكان هنا داود و سليمان ‪ ،‬و‬
‫تكون [ ما ] نفيا على ما تقدم ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬كانا ملكي من بن اسرائيل ‪ ،‬فمسخهما ال ‪ ،‬حكاه السمرقندي ‪.‬‬
‫و القراءة بكسر اللم شاذة ‪ ،‬فحمل الية على تقدير أب ممد مكي حسن ينه اللئكة و يذهب‬
‫الرجس عنهم ‪ ،‬و يطهرهم تطهيا ‪.‬‬
‫و قد وصفهم ال مطهرون ‪ ،‬و كرام بررة ‪ ،‬و ل يعصون ال ما أمرهم ‪.‬‬
‫و ما يذكرونه قصة إبليس ‪ ،‬و أنه كان من اللئكة و رئيسا فيهم ‪ ،‬و من خزان النة ‪ ...‬إل آخر ما‬
‫حكوه ‪ ،‬و أنه استثناه من اللئكة بقوله ‪ :‬فسجدوا إل إبليس‬
‫و هذا أيضا ل يتفق عليه ‪ ،‬بل الكثر ينفون ذلك ‪ ،‬و أنه أبو الن ‪ ،‬كما أن آدم أبو النس ‪ ،‬و هو قول‬
‫السن ‪ ،‬و قتادة ‪ ،‬و ابن زيد ‪.‬‬
‫و قال شهر بن حوشب ‪ :‬كان من الن الذين طردتم اللئكة ف الرض حي أفسدوا ‪ ،‬و الستثناء من‬
‫غي النس شائع ف كلم العرب سائغ ‪ ،‬و قد قال ال تعال ‪ :‬ما لم به من علم إل اتباع الظن [ سورة‬
‫النساء ‪ ، 4 /‬الية ‪. ] 157 :‬‬
‫و ما رووه من الخبار أن خلقا من اللئكة عصوا ال فحرقوا ‪ ،‬و أمروا أن يسجدوا لدم فأبوا‬
‫فحرقوا ‪ ،‬ث آخرون كذلك ‪ ،‬حت سجدوا له من ذكر ال إل إبليس ‪ ،‬ف أخبار ل أصل لا تردها‬
‫صحاح الخبار ‪ ،‬فل يشتغل با ‪ .‬و ال أعلم ‪.‬‬
‫الباب الثان ‪ :‬فيما يصهم ف المور الدنيوية ويطرأ عليهم من العوارض البشرية‬
‫قد قدمنا أنه ـ صلى ال عليه و سلم ـ و سائر النبياء و الرسل من البشر ‪ ،‬و أن جسمه ‪ ،‬و ظاهره‬
‫خالص للبشر ‪ ،‬يوز عليه من الفات و التغييات ‪ ،‬و اللم و السقام ‪ ،‬و ترع كأس المام ما يوز‬
‫على البشر ‪ ،‬و هذا كله ليس بنقيصة فيه ‪ ،‬لن الشيء إنا يسمى ناقصا بالضافة إل ما هو أت و أكمل‬
‫من نوعه ‪ ،‬و قد كتب ال تعال على أهل هذه الدار ‪ :‬فيها تيون ‪ ،‬و فيها توتون ‪ ،‬و منها ترجون ‪، ،‬‬
‫و خلق جيع البشر بدرجة الغي ‪ ،‬فقد مرض صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و اشتكى ‪ ،‬و أصابه الر و القر ‪،‬‬
‫و أدركه الوع و العطش ‪ ،‬و لقه الغضب و الضجر ‪ ،‬و ناله العياء و التعب ‪ ،‬و مسه الضعف و‬
‫الكب ‪ ،‬و سقط فجحش شقه ‪ ،‬و شجه الكفار ‪ ،‬و كسروا رباعيته ‪ ،‬و سقي السم ‪ ،‬و سحر ‪224 [ ،‬‬
‫] و تداوى ‪ ،‬و احتجم ‪ ،‬و تنشر و تعوذ ‪ ،‬ث قضى نبه فتوف صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و لق بالرفيق‬
‫العلى ‪ ،‬و تلص من دار المتحان و البلوى ‪ ،‬و هذه سات البشر الت ل ميص عنها ‪ ،‬و أصاب غيه‬
‫من النبياء ما هو أعظم منه ‪ ،‬فقتلوا قتلً ‪.‬‬
‫و رموا ف النار ‪ ،‬و وشروا بالياشي ‪ .‬و منهم من وقاه ال ذلك ف بعض الوقات ‪ .‬و منهم من عصمه‬
‫كما عصم بعد نبينا من الناس ‪ ،‬فلئن ل يكف نبينا ربه يد ابن قميئة يوم أحد ‪ ،‬و ل حجبه عن عيون‬
‫عداه عند دعوته أهل الطائف ‪ ،‬فلقد أخذ على عيون قريش عند خروجه إل ثور ‪ ،‬و أمسك عنه سيف‬
‫غورث ‪ ،‬و حجر أب جهل ‪ ،‬و فرس سراقة ‪ ،‬و لئن ل يقه من سحر ابن العصم فلقد وقاه ما هو أعظم‬
‫‪ ،‬من سم اليهودية ‪.‬‬
‫و هكذا سائر أنبيائه مبتلى و معاف ‪ ،‬و ذلك من تام حكمته ‪ ،‬ليظهر شرفهم ف هذه القامات ‪ ،‬و يبي‬
‫أمرهم ‪ ،‬و يتم كلمته فيهم ‪ ،‬و ليحقق بامتحانم بشريتهم ‪ ،‬و يرتفع اللتباس عن أهل الضعف فيهم لئل‬
‫يضلوا با يظهر من العجائب على أيديهم ضلل النصارى بعيسى ابن مري ‪ ،‬و ليكون ف منهم تسلية‬
‫لمهم ‪ ،‬و وفور لجورهم عند ربم تاما على الذي أحسن إليهم ‪.‬‬
‫قال بعض الحققي ‪ :‬و هذه الطوارئ و التغيات الذكورة إنا تتص بأجسامهم البشرية القصود با‬
‫مقاومة البشر ‪ ،‬و معاناة بن آدم لشاكلة النس ‪.‬‬
‫و أما بواطنهم فمنهة غالبا عن ذلك معصومة منه ‪ ،‬متعلقة بالل العلى و اللئكة لخذها عنهم ‪ ،‬و‬
‫تلقيها الوحي منهم ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬و قد قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬إن عين تنامان و ل ينا م قلب ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬إن لست كهيئتكم ‪ ،‬إن أبيت يطعمن رب و يسقين ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬لست أنسى ‪ ،‬و لكن أنسى ‪ ،‬ليست ب ‪.‬‬
‫فأخب أن سره و باطنه و روحه بلف جسمه و ظاهره ‪ ،‬و أن الفات الت تل ظاهره من ضعف و‬
‫جوع ‪ ،‬و سهر و نوم ‪ ،‬ل يل منها شيء باطنه ‪ ،‬بلف غيه من البشر ف حكم الباطن ‪ ،‬لن غيه إذا‬
‫نام استغرق النوم جسمه و قلبه ‪ ،‬و هو صلى ال عليه و سلم ف نومه حاضر القلب كما هو ف يقظته‬
‫حت قد جاء ف بعض الثار أنه كان مروسا من الدث ف نومه لكونه قلبه يقظان كما ذكرناه ‪.‬‬
‫و كذلك غيه إذا جاع ضعف لذلك جسمه ‪ ،‬و خارت قوته ‪ ،‬فبطلت بالكلية جلته ‪ ،‬و هو صلى ال‬
‫عليه و سلم قد أخب أنه ل يعتريه ذلك ‪ ،‬و أنه بلفهم ‪ ،‬لقوله ‪ :‬لست كهيئتكم ‪ :‬إن أبيت يطعمن‬
‫رب و يسقين ‪.‬‬
‫و كذلك أقول ‪ :‬إنه ف هذه الحوال كلها ‪ ،‬من وصب و مرض ‪ ،‬و سحر و غضب ‪ ،‬ل يز على‬
‫باطنه ما يل به ‪ ،‬و ل فاض منه على لسانه و جوارحه ما ل يريق به ‪ ،‬كما يعتري غيه من البشر ما‬
‫نأخذ بعد ف بيانه ‪.‬‬

‫فصل‬
‫الخبار الت وردت ف أنه صلى ال عليه و سلم سحر‬

‫فإن قلت ‪ :‬فقد جاءت الخبار الصحيحة أنه صلى ال عليه و سلم سحر كما حدثنا الشيخ أبو ممد‬
‫العتاب بقراءت عليه ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا حات بن ممد ‪ ،‬حدثنا أبو السن علي بن خلف ‪ ،‬حدثنا ممد بن‬
‫أحد [ ‪ ، ] 225‬حدثنا ممد بن يوسف ‪ ،‬حدثنا البخاري ‪ ،‬حدثنا عبيد بن إساعيل ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا أبو‬
‫أسامة ‪ ،‬عن هاشم بن عروة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عائشة رضي ال عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬سحر رسول ال صلى ال‬
‫عليه و سلم حت إنه ليخيل إليه أنه فعل الشيء و ما فعله ‪.‬‬
‫و ف رواية أخرى ‪ :‬حت كان ييل إليه أنه كان يأت النساء و ل يأتيهن ‪ ..‬الديث ‪.‬‬
‫و إذا كان هذا من التباس المر على السحور فكيف حال النب صلى ال عليه و سلم ف ذلك ؟ و كيف‬
‫جاز عليه ـ و هو معصوم ؟ ‪.‬‬
‫فاعلم ـ وفقنا ال و إياك ـ أن هذا الديث صحيح متفق عليه ‪ ،‬و قد طعنت فيه اللحدة ‪ ،‬و تدرعت‬
‫به لسخف عقولا و تلبيسها على أمثالا إل التشكيك ف الشرع ‪ ،‬و قد نزه ال الشرع و النب عما‬
‫يدخل ف أمره لبسأً و إنا السحر مرض من المراض ‪ ،‬و عارض من العلل ‪ ،‬يوز عليه كأنواع المراض‬
‫ما ل ينكر و ل يقدح ف نبوته ‪.‬‬
‫و أما ما و رد أنه كان ييل إليه أنه فعل الشيء و ل يفعله فليس ف هذا ما يدخل عليه داخله ف شيء‬
‫من تبلغيه أو شريعته ‪ ،‬أو يقدح ف صدقه ‪ ،‬لقيام الدليل و الجاع على عصمته من هذا ‪ ،‬و إنا هذا ‪،‬‬
‫فيما يوز طروءة عليه ف أمر دنياه الت ل يبعث بسببها ‪ ،‬و ل فضل من أجلها ‪ ،‬و هو فيها للفات‬
‫كسائر البشر ‪ ،‬فغي بعيد أن ييل إليه من أمورها ما ل حقيقة له ‪ ،‬ث ينجلي عنه ‪ ،‬كما كان ‪.‬‬
‫و أيضا فقد فسر هذا الفصل الديث الخر من قوله ‪ :‬حت ييل إليه أنه يأت أهله و ل يأتيهن ‪.‬‬
‫و قد قال سفيان ـ و هذا أشد ما يكون من السحر ‪ ،‬و ل يأت ف خب منها أنه نقل عنه ف ذلك قول‬
‫بلف ما كان أخب أنه فعله و ل يفعله ‪ ،‬و إنا كانت خواطر و تيلت ‪.‬‬
‫و قد قيل ‪ :‬إن الراد بالديث أنه ‪ :‬كان يتخيل الشيء أنه فعله ‪ ،‬و ما فعله ‪ ،‬لكنه تييل ل يعتقد صحته‬
‫‪ ،‬فتكون اعتقاداته كلها على السداد ‪ ،‬و أقواله على الصحة ‪.‬‬
‫هذا ما وقفت عليه لئمتنا من الجوبة عن هذا الديث مع ما أوضحناه من معن كلمهم ‪ ،‬و زدناه‬
‫بيانا من تلوياتم ‪ .‬و كل وجه منها مقنع ‪ ،‬لكنه قد ظهر ل ف الديث تأويل أجلى و أبعد من مطاعن‬
‫ذوي الضاليل يستفاد من نفس الديث ‪ ،‬و هو أن عبد الرزاق قد روى هذا الديث عن ابن السيب ‪،‬‬
‫و عروة بن الزبي ‪ ،‬و قال فيه عنهما ‪ :‬سحر يهود بن زريق رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فجعلوه‬
‫ف بئر حت كاد رسول ال صلى ال عليه و سلم أن ينكر بصره ‪ ،‬ث دله ال على ما صنعوا فاستخرجه‬
‫من البئر ‪.‬‬
‫[ و روي نوه عن ‪ ،‬عن الواقدي ‪ ،‬و عن عبد الرحن بن كعب ‪ ،‬و عمر بن الكم ] ‪.‬‬
‫و ذكر عن عطاء الرسان ‪ ،‬عن يي بن يعمر ‪ :‬حبس رسول ال صلى ال عليه و سلم عن عائشة‬
‫سنة ‪ ،‬فبينا هو نائم أتاه ملكان ‪ ،‬فقعد أحدها عند رأسه و الخر عند رجليه ‪ ...‬الديث ‪.‬‬
‫قال عبد الرزاق ‪ :‬حبس رسول ال صلى ال عليه و سلم عن عائشة خاصة سنة حت أنكر بصره ‪.‬‬
‫[ و روى ممد بن سعد ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬مرض رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فحبس عن النساء‬
‫و الطعام و الشراب ‪ ،‬فهبط عليه ماكان ‪ ...‬و ذكر القصة ] ‪.‬‬
‫فقد استبان لك من مضمون هذه الروايات أن السحر إنا تسلط على ظاهره و جوارحه [ ‪ ، ] 226‬ل‬
‫على قلبه و اعتقاده و عقله ‪ ،‬و أنه إنا أثر ف بصره ‪ ،‬و حبسه عن وطء نسائه [ و طعامه ‪ ،‬و أضعف‬
‫جسمه و أمرضه ] ‪ ،‬و يكون معن قوله ‪ :‬ييل إليه أنه يأت أهله و ل يأتيهن ‪ ،‬أي يظه ر له من نشاطه‬
‫و متقدم عادته القدرة على النساء ‪ ،‬فإذا دنا منهن أصابته أخذة السحر ‪ ،‬فلم يقدر على إتيانن ‪ ،‬كما‬
‫يعتري من أخذ و اعترض ‪.‬‬
‫و لعله لثل هذا أشار سفيان بقوله ‪ :‬و هذا أشد ما يكون من السحر ‪ .‬و يكون قول عائشة ف الرواية‬
‫الخرى ‪ :‬إنه ليخيل إليه أنه فعل الشيء و ما فعله ‪ ،‬من باب ما اختل من بصره ‪ ،‬كما ذكر ف‬
‫الديث ‪ ،‬فيظن أنه رأى شخصا من بعض أزواجه ‪ ،‬أو شاهد فعلً من غيه ‪ ،‬و ل يكن على ما ييل‬
‫إليه لا أصابه ف بصره و ضعف نظره ‪ ،‬ل لشيء طرأ عليه ف ميزه ‪.‬‬
‫و إذا كان هذا ل يكن فيما ذكر من إصابته السحر له و تأثيه فيه ما يدخل لبسا و ل يد به اللحد‬
‫العترض أنسا ‪.‬‬
‫فصل‬
‫ف أحواله صلى ال عليه و سلم ف أمور الدنيا‬

‫هذه حاله ف جسمه ‪ ،‬فأما أحواله ف أمور الدنيا فنحن نسبها على أسلوبنا التقدم بالعقد و القول و‬
‫الفعل ‪.‬‬
‫أما العقد منها فقد يعتقد ف أمور الدنيا الشيء على وجه و يظهر خلفه ‪ ،‬أو يكون منه على شك أو‬
‫ظن بلف أمور الشرع ‪ ،‬كما حدثنا أبو بر سفيان بن العاصي و غي واحد ساعا و قراءة ‪ ،‬قالوا ‪:‬‬
‫حدثنا أبو العباس أحد بن عمر ‪ ، ،‬قال ‪ :‬حدثنا أبو العباس الرازي ‪ ،‬حدثنا أبو أحد بن عمرويه ‪،‬‬
‫حدثنا ابن سفيان ‪ ،‬حدثنا مسلم ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن الرومي ‪ ،‬و عباس العنبي ‪ ،‬و أحد العقري ‪ ،‬قالوا‬
‫‪ :‬حدثنا النضر بن ممد ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثن عكرمة ‪ ،‬حدثنا أبو النجاشي ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا رافع بن خديج ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬قدم رسول ال صلى ال عليه و سلم الدينة و هم يأبرون النخل ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما تصنعون ؟ قالوا ‪:‬‬
‫كنا نصنعه ‪ .‬قال ‪ :‬لعلكم لو ل تفعلوا كان خيا ‪ ،‬فتركوه ‪ ،‬فنقصت ‪ ،‬فذكروا ذلك له ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنا‬
‫أنا بشر ‪ ،‬إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به ‪ ،‬و إذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنا أنا بشر ‪.‬‬
‫و ف رواية أنس ‪ :‬أنتم أعلم بأمر دنياكم ‪.‬‬
‫و ف حديث آخر ‪ :‬إنا ظننت ظنا ‪ ،‬فل تؤاخذون بالظن ‪.‬‬
‫و ف حديث ابن عباس ف قصة الرص ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬إنا أنا بشر فما‬
‫حدثتكم عن ال فهو حق ‪ ،‬و ما قلت فيه من قبل نفسي فإنا أنا بشر أخطيء و أصيب ‪.‬‬
‫و هذا على ما قررناه فيما قاله من قبل نفسه ف أمور الدنيا و ظنه من أحوالا ‪ ،‬ل ما قاله من قبل نفسه‬
‫و اجتهاده ف شرع شرعه ‪ ،‬و سنة سنها ‪.‬‬
‫و كما حكى ابن إسحاق أنه صلى ال عليه و سلم لا نزل بأدن مياه بدر قال له الباب بن النذر ‪:‬‬
‫أهذا منل أنزلكه ال ليس لنا أن نتقدمه ‪ ،‬أم هو الرأي و الرب و الكيدة ؟‬
‫قال ‪ [ :‬ل ‪ ،‬بل هو الرأي و الرب و الكيدة ] ‪ .‬قال ‪ :‬فإنه ليس بنل ‪ ،‬انض حت نأت أدن ماء من‬
‫القوم ‪ ،‬فننله ‪ ،‬ث نعور ما وراءه من القلب ‪ ،‬فنشرب و ل يشربون ‪ .‬فقال ‪ [ :‬أشرت بالرأي ] ‪ ،‬و‬
‫فعل ما قاله ‪.‬‬
‫و قد قال له ال [ ‪ ] 227‬تعال ‪ :‬وشاورهم ف المر [ سورة آل عمران ‪ ، 3 /‬الية ‪. ] 159 :‬‬
‫و أراد مصالة بعض عدوه على ثلث ثر الدينة ‪ ،‬فاستشار النصار ‪ .‬فلما أخبوه برأيهم رجع عنه ‪.‬‬
‫فمثل هذا و أشباهه من أمور الدنيا الت ل مدخل فيها لعلم ديانة و ل اعتقادها و ل تعليمها ‪ ،‬يوز عليه‬
‫ف ه ما ذكرناه ‪ ،‬إذ ليس ف هذا كله نقيصة و ل مطة ‪ ،‬و إنا هي أمور اعتيادية يعرفها من جربا ‪ ،‬و‬
‫جعلها هة ‪ ،‬و شغل نفسه با ‪ ،‬و النب ـ صلى ال عليه و سلم ـ مشحون القلب بعرفة الربوبية ملن‬
‫الوانح بعلوم الشريعة ‪ ،‬مقيد البال بصال المة الدينية و الدنيوية ‪ ،‬و لكن هذا إنا يكون ف بعض‬
‫المور ‪ ،‬و يوز ف النادر فيما سبيله التدقيق ف حراسة الدنيا و استثمارها ‪ ،‬ل ف الكثي الؤذن بالبله و‬
‫الغفلة ‪.‬‬
‫و قد تواتر بالنقل عنه صلى ال عليه و سلم من العرفة بأمور الدنيا و دقائق مصالها ‪ ،‬و سياسة فرق‬
‫أهلها ما هو معجز ف البشر ما قد نبهها عليه ف باب معجزاته من هذا الكتاب ‪.‬‬

‫فصل‬
‫فيما يعتقد من أمور أحكام البشر الارية على يديه و قضاياهم‬

‫و أما ما يعتقد ف أمور أحكام البشر الارية على يديه و قضاياهم ‪ ،‬و معرفة الحق من البطل ‪ ،‬و علم‬
‫الصلح من الفسد ‪ ،‬فبهذه السبيل ‪ ،‬لقوله صلى ال عليه و سلم ‪ :‬إنا أنا بشر ‪ ،‬و إنكم تتصمون إل ‪،‬‬
‫و لعل بعضكم أن يكون ألن بجته من بعض ‪ ،‬فأقضي له على نو ما أسع ‪ ،‬فمن قضيت له من حق‬
‫أخيه بشيء فل يأخذ منه شيئا ‪ ،‬فإنا أقطع له قطعة من النار ‪.‬‬
‫حدثنا الفقيه أبو الوليد رحه ال ‪ ،‬حدثنا السي بن ممد الافظ ‪ ،‬حدثنا أبو عمر ‪ ،‬حدثنا أبو ممد ‪،‬‬
‫حدثنا أبو بكر ‪ ،‬حدثنا أبو داود ‪ ،‬حدثنا ممد بن كثي ‪ ،‬أخبنا سفيان ‪ ،‬عن هشام بن عروة ‪ ،‬عن‬
‫أبيه ‪ ،‬عن زينب بنت أم سلمة ‪ ،‬قالت ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ...‬الديث ‪.‬‬
‫و ف رواية الزهري ‪ ،‬عن عروة ‪ :‬فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض ‪ ،‬فأحسب أنه صادق فأقضي له‬
‫‪.‬‬
‫و تري أحكامه صلى ال عليه و سلم على الظاهر و موجب غلبات الظن بشهادة الشاهد ‪ ،‬و يي‬
‫الالف ‪ ،‬و مراعاة الشبه ‪ ،‬و معرفة العفاص و الوكاء ‪ ،‬مع مقتضى حكمه ال ف ذلك ‪ ،‬فإنه تعال لو‬
‫شاء لطلعه على سرائر عباده و مبآت ضمائر أمته ‪ ،‬فتول الكم بينهم بجرد يقينه وعلمه دون حاجة‬
‫إل اعتراف أو بينة أو يي أو شبهة ‪ ،‬و لكن لا أمر ال أمته باتباعه و القتداء به ف أفعاله و أحواله و‬
‫قضاياه و سيه ‪ ،‬و كان هذا لو كان ما يتص بعلمه و يؤثره ال به ‪ ،‬ل يكن للمة سبيل إل القتداء به‬
‫ف شيء من ذلك ‪ ،‬و ل قامت حجة بقضية من قضاياه لحد ف شريعته ‪ ،‬لنا ل نعلم ما أطلع عليه هو‬
‫ف تلك القضية لكمه هو إذا ف ذلك بالكنون من إعلم ال له با أطلعه عليه من سرائرهم ‪ ،‬و هذا ما‬
‫ل تعلمه المة ‪ ،‬فأجرى ال تعال أحكامه على ظواهرهم الت يستوي ف ذلك هو و غيه من البشر ‪،‬‬
‫ليتم اقتداء أمته به ف تعيي قضاياه ‪ ،‬و تنيل أحكامه ‪ ،‬و يأتون ما أتوا من ذلك [ ‪ ] 228‬على علم و‬
‫يقي من سنته ‪ ،‬إذ البيان بالفعل أوقع منه بالقول ‪ ،‬و أدفع لحتمال اللفظ و تأويل التأول ‪ ،‬و كان‬
‫حكمه على الظاهر أجلى ف البيان ‪ ،‬و أوضح ف وجوه الحكام ‪ ،‬و أكثر فائدة لوجبات التشاجر و‬
‫الصام ‪ ،‬و ليقتدي بذلك كله حكام أمته ‪ ،‬و يستوثق با يؤثر عنه ‪ ،‬و ينضبط قانون شريعته ‪ ،‬و طي‬
‫ذلك عنه من علم الغيب الذي استأثر به عال الغيب فل يظهر على غيبه أحدا إل من ارتضى م ن رسول‬
‫‪ ،‬فيعلمه منه با شاء ‪ ،‬و يستأثر با شاء ‪ ،‬و ل يقدح هذا ف نبوته ‪ ،‬و ل يفصم عروة عن عصمته ‪.‬‬

‫فصل‬
‫و أما أقواله الدنيوية‬

‫و أما أقواله الدنيوية من أخباره عن أحواله و أحوال غيه و ما يفعله أو فعله ـ فقد قدمنا أن اللف‬
‫فيها متنع عليه ف كل حال ‪ ،‬و على أي وجه ‪ ،‬من عمد أو سهو ‪ ،‬أو صحة أو مرض ‪ ،‬أو رضا أو‬
‫غضب ‪ ،‬و أنه معصوم منه صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫هذا فيما طريقه الب الحض ما يدخله الصدق و الكذب ‪ ،‬فأما العاريض الوهم ظاهرها خلف باطنها‬
‫فجائز ورودها منه ف المور الدنيوية ل سيما لقصد الصلحة ‪ ،‬كتوريته عن وجه مغازيه لئل يأخذ‬
‫العدو جذره ‪.‬‬
‫و كما روي من مازحته و دعابته لبسط أمته و تطييب قلوب الؤمني من صحابته ‪ ،‬و تأكيدا ف تببهم‬
‫و مسرة نفوسهم ‪ ،‬كقوله ‪ :‬لحلنك على ابن الناقة ‪ .‬و قوله للمرأة الت سألته عن زوجها ‪ :‬أهو الذي‬
‫بعينه بياض ‪.‬‬
‫و هذا كله صدق ‪ ،‬لن كل جل ابن ناقة ‪ ،‬و كل إنسان بعينه بياض و قد قال صلى ال عليه و سلم ‪:‬‬
‫إن لمزح و ل أقول إل حقا ‪.‬‬
‫هذا كله فيما بابه الب ‪ ،‬فأما ما بابه غي الب ما صورته صورة المر و النهي ف المور الدنيوية فل‬
‫يصح منه أيضا ‪ ،‬ول يوز عليه أن يأمر أحدا بشيء أو ينهي أحدا عن شيء وهو يبطن خلفه ‪.‬‬
‫وقد قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬ما كان لنب أن تكون له خائنة العي ‪ ،‬فكيف أن تكون له خيانة قلب‬
‫‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬فما معن إذا قوله تعال ف قصة زيد ‪ :‬وإذ تقول للذي أنعم ال عليه وأنعمت عليه أمسك‬
‫عليك زوجك واتق ال وتفي ف نفسك ما ال مبديه وتشى الناس وال أحق أن تشاه [ سورة‬
‫الحزاب ‪ ، 33 /‬الية ‪. ] 37 :‬‬
‫فاعلم ـ أكرمك ال ‪ ،‬و ل تسترب ف تنيه النب صلى ال عليه و سلم عن هذا الظاهر‬
‫و أن يأمر زيدا بإمساكها وهو يب تطليقه إياها ‪ ،‬كما ذكر عن جاعة من الفسرين ‪.‬‬
‫و أصح ما ف هذا ما حكاه أهل التفسي عن علي بن حسي ـ أن ال تعال كان أعلم نبيه أن زينب‬
‫ستكون من أزواجه ‪ ،‬فلما شكاها إليه زيد قال له ‪ :‬أمسك عليك زوجك واتق ال ‪ .‬و أخفى ف نفسه‬
‫ما أعلمه ال به من أنه سيتزوجها ما ال مبديه و مظهره بتمام التزويج وتطليق زيد لا ‪.‬‬
‫وروى نوه عمرو بن فائد ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬قال ‪ :‬نزل جبيل على النب يعلمه أن ال يزوجه زينب بنت‬
‫جحش ‪ ،‬فذلك الذي أخفى ف نفسه ويصحح هذا قول الفسرين ف قوله تعال بعد هذا ‪ :‬وكان أمر ال‬
‫مفعول ‪ ،‬أي ل بد لك [ ‪ ] 229‬أن تتزوجها ‪.‬‬
‫ويوضح هذا أن ال ل يبد من أمره معها غي زواجه لا ‪ ،‬فدل أنه الذي أخفاه صلى ال عليه و سلم ما‬
‫كان أعلمه به تعال ‪.‬‬
‫و قوله تعال ف القصة ‪ :‬ما كان على النب من حرج فيما فرض ال له سنة ال ف الذين خلوا من قبل‬
‫وكان أمر ال قدرا مقدورا [ سورة الحزاب ‪ ، 33 /‬الية ‪. ] 37 :‬‬
‫فدل أنه ل يكن عليه حرج ف المر ‪.‬‬
‫قال الطبي ‪ :‬ما كان ال ليؤث نبيه فيما أحل مثال فعله لن قبله من الرسل ‪ ،‬قال ال تعال ‪ :‬سنة ال ف‬
‫الذين خلوا من قبل ‪ ،‬أي من النبيي فيما أحل لم ‪ ،‬ولو كان على ما روي ف حديث قتادة من وقوعها‬
‫من قلب النب صلى ال عليه و سلم عندما أعجبته ‪ ،‬ومبته طلق زيد لا لكان فيه أعظم الرج ‪ ،‬وما ل‬
‫يليق به من مد عينيه لا ني عنه من زهرة الياة الدنيا ‪ ،‬و لكان هذا نفس السر الذموم الذي ل يرضاه‬
‫ول يتسم به التقياء ‪ ،‬فكيف سيد النبياء ؟ ‪.‬‬
‫قال القشيي ‪ :‬و هذا إقدام عظيم من قائله ‪ ،‬و قلة معرفة بق النب صلى ال عليه و سلم و بفضله ‪.‬‬
‫و كيف يقال ‪ :‬رآها فأعجبته وهي بنت عمه ‪ ،‬و ل يزل يراها منذ ولدت ‪ ،‬و ل كان النساء‬
‫يتجب منه صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و هو زوجها لزيد ‪ ،‬و إنا جعل ال طلق زيد لا ‪ ،‬و تزويج النب‬
‫صلى ال عليه و سلم إياها ‪ ،‬لزالة حرمة التبن و إبطال سنته ‪ ،‬كما قال ‪ :‬ما كان ممد أبا أحد من‬
‫رجالكم ‪ .‬و قال ‪ :‬لكي ل يكون على الؤمني حرج ف أزواج أدعيائهم [ سورة الحزاب ‪، 33 /‬‬
‫الية ‪. ] 40 :‬‬
‫و نوه لبن فورك ‪.‬‬
‫و قال أبو الليث السمرقندي ‪ :‬فإن قيل ‪ :‬فما الفائدة ف أمر النب صلى ال عليه و سلم لزيد بإمساكها ؟‬
‫فهو أن ال أعلم نبيه أنا زوجته ‪ ،‬فنهاه النب صلى ال عليه و سلم عن طلقها ‪ ،‬إذ ل تكن بينهما ألفة ‪،‬‬
‫و أخفى ف نفسه ما أعلمه ال به فلما طلقها زيد خشي قول الناس ‪ :‬يتزوج إمرأة ابنه ‪ ،‬فأمره ال‬
‫بزواجها ليباح مثل ذلك لمته ‪ ،‬كما قال تعال ‪ :‬لكي ل يكون على الؤمني حرج ف أزواج أدعيائهم‬
‫إذا قضوا منهن وطرا [ سورة الحزاب ‪ ، 33 /‬الية ‪. ] 37 :‬‬
‫و قد قيل ‪ :‬كان أمره لزيد بإمساكها قمعا للشهوة ‪ ،‬و ردا للنفس عن هواها ‪ .‬و هذا إذا جوزنا عليه‬
‫أنه رآها فجأة و استحسنها ‪ .‬و مثل هذا ل نكرة فيه ‪ ،‬لا طبع عليه ابن آدم من استحسانه للحسن ‪ ،‬و‬
‫نظرة الفجاءة معفو عنها ‪ ،‬ث قمع نفسه عنها ‪ ،‬و أمر زيدا بإمساكها ‪ ،‬و إنا تنكر تلك الزيادات ف‬
‫القصة ‪ .‬و التعوي ل و الول ما ذكرناه عن علي بن حسي ‪ ،‬و حكاه السمرقندي ‪ ،‬و هو قول ابن‬
‫عطاء ‪ ،‬و صححه و استحسنه القاضي القشيي ‪ [ ،‬و عليه عول أبو بكر بن فورك ‪ ،‬و قال ‪ :‬إنه معن‬
‫ذلك عند الحققي من أهل التفسي ‪ ،‬قال ‪ :‬و النب صلى ال عليه و سلم منه عن استعمال النفاق ف‬
‫ذلك ‪ ،‬و إظهار خلف ما ف نفسه ‪ ،‬و قد نزهه ال عن ذلك بقوله تعال ‪ :‬ما كان على النب من حرج‬
‫فيما فرض ال له ‪ ،‬و من ذلك بالنب صلى ال عليه و سلم فقد أخطأ ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬و ليس معن الشية هنا الوف ‪ ،‬و إنا معناه الستحياء ‪ ،‬أي يستحي منهم أن يقولوا ‪ :‬تزوج‬
‫زوجة ابنة ] ‪.‬‬
‫و أن خشيته صلى ال عليه و سلم من الناس كانت من إرجاف النافقي و اليهود و تشغيبهم على‬
‫السلمي بقولم ‪ :‬تزوج زوجة ابنه بعد نيه عن نكاح حلئل البناء ‪ ،‬كما كان ‪ ،‬فعتبة ال على هذا ‪،‬‬
‫و نزهه عن اللتفاف إليهم فيما أحله له ‪ ،‬كما عتبه على مراعاة رضا أزواجه ف سورة التحري بقوله ‪:‬‬
‫ل ترم ما أحل ال لك تبتغي مرضاة أزواجك وال غفور رحيم ‪ .‬و كذلك قوله له ها هنا ‪ :‬وتشى‬
‫الناس وال أحق أن تشاه [ سورة الحزاب ‪ ، 33 /‬الية ‪. ] 37 :‬‬
‫و قد روي عن السن و عائشة ‪ :‬لو كتم رسول ال ـ صلى ال عليه و سلم ـ شيئا كتم هذه الية لا‬
‫ف من عتبه [ ‪ ] 230‬و إبداء ما أخفاه ‪.‬‬
‫فصل‬
‫ف معن الديث ف وصيته صلى ال عليه و سلم‬

‫فإن قلت ‪ :‬قد قررت عصمته صلى ال عليه و سلم ف أقواله ف جيع أحواله ‪ ،‬و أنه ل يصح منه فيها‬
‫خلف و ل اضطراب ف عمد و ل سهو ‪ ،‬و ل صحة و ل مرض ‪ ،‬و ل جد و ل هزل ‪ ،‬و ل رضا و ل‬
‫غضب ‪ .‬و لكن ما معن الديث ف وصيته صلى ال عليه و سلم الذي حدثنا به القاضي الشهيد أبو‬
‫علي رحه ال ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا القاضي أبو الوليد ‪ ،‬حدثنا أبو ذر ‪ ،‬حدثنا أبو ممد ‪ ،‬و أبو اليثم ‪ ،‬و أبو‬
‫إسحاق ‪ ،‬قالوا ‪ :‬حدثنا ممد ابن يوسف ‪ ،‬حدثنا ممد بن إساعيل ‪ ،‬حدثنا علي بن عبد ال ‪ ،‬حدثنا‬
‫عبد الرزاق ابن هام ‪ ،‬أنبأنا معمر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عبيد ال بن عبد ال ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬قال ‪ :‬لا‬
‫حضر رسول ال صلى ال عليه و سلم و ف البيت رجال فقال النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬هلموا‬
‫أكتب كتابا لن تضلوا بعده ‪.‬‬
‫فقال بعضهم ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه و سلم قد غلبه الوجع ‪ ...‬الديث ‪.‬‬
‫و ف رواية ‪ :‬ائتون أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعدي أبدا ‪ ،‬فتنازعوا فقالوا ‪ :‬ماله أهجر ! استفهموه ‪،‬‬
‫فقال دعون ‪ ،‬فإن الذي أنا فيه خي ‪.‬‬
‫و ف بعض طرقه ‪ :‬أن النب صلى ال عليه و سلم يهجر ‪.‬‬
‫و ف رواية ‪ :‬هجر ‪ .‬و يروى ‪ :‬أهجر ‪ .‬و يروى ‪ :‬أهجرا ‪.‬‬
‫و فيه فقال عمر ‪ :‬إن النب صلى ال عليه و سلم قد اشتد به الوجع ‪ ،‬و عندنا كتاب ال حسبنا ‪.‬‬
‫و كثر اللغط ‪ ،‬فقال ‪ :‬قوموا عن ‪.‬‬
‫و ف رواية ‪ :‬و اختلف أهل البيت و اختصموا ‪ ،‬فمنهم من يقول ‪ :‬قربوا يكتب لكم رسول ال صلى‬
‫ال عليه و سلم كتابا ‪.‬‬
‫و منهم من يقول ما قال عمر ‪.‬‬
‫قال أئمتنا ف هذا الديث ‪ :‬النب صلى ال عليه و سلم غي معصوم من المراض ‪ ،‬و ما يكون من‬
‫عوارضها من شدة وجع و غشي و نوه ما يطرأ على جسمه ‪ ،‬معصوم أن يكون منه من القول أثناء‬
‫ذلك ما يطعن ف معجزته ‪ ،‬و يؤدي إل فساد ف شريعته من هذيان و اختلل كلم ‪.‬‬
‫و على هذا ل يصح ظاهر رواية من روى ف الديث ‪ :‬هجر إذ معناه هذى يقال ‪ :‬هجر هجرا ‪ ،‬إذا‬
‫هذى ‪ .‬و أهجر هجرا ‪ ،‬إذا أفحش ‪ ،‬و أهجر تعديه هجر ‪ ،‬و إنا الصح و الول أهجر ‪ ،‬على طريق‬
‫النكار على من قال ‪ :‬ل نكتب ‪.‬‬
‫و هكذا روايتنا فيه ف صحيح البخاري من رواية جيع الرواة ف حديث الزهري التقدم ‪ ،‬و ف حديث‬
‫ممد بن سلم ‪ ،‬عن عيينة ‪ ،‬و كذا ضبطه الصيلي بطه ف كتابه ‪ ،‬و غيه من هذه الطرق ‪ ،‬و كذا‬
‫رويناه عن مسلم ف حديث سفيان ‪ ،‬و عن غيه ‪.‬‬
‫و قد تمل عليه رواية من رواه هجر على حذف ألف الستفهام ‪ ،‬و التقدير ‪:‬‬
‫أهجر ‪ ،‬أو أن يمل قول القائل هجر أو أهجر دهشة من قائل ذلك و حية لعظيم ما شاهد من حال‬
‫الرسول صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و شدة وجعه ‪ ،‬و هو القام الذي اختلف فيه عليه ‪ ،‬و المر الذي هم‬
‫بالكتاب فيه ‪ ،‬حت ل يضبط هذا القائل لفظه ‪ ،‬و أجرى الجر مرى شدة الوجع ‪ ،‬ل أنه اعتقد أنه‬
‫يوز عليه الجر ‪ ،‬كما حلهم الشفاق على حراسته ‪ ،‬و ال تعال يقول ‪ :‬وال يعصمك من الناس ‪ ،‬و‬
‫نو هذا ‪.‬‬
‫و أما على [ ‪ ] 261‬رواية ‪ :‬أهجرا ـ و هي رواية أب إسحاق الستملي ف الصحيح ف حديث ابن‬
‫جبي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬من رواية قتيبة ـ فقد يكون هذا راجعا إل الختلفي عنده صلى ال عليه و‬
‫سلم ‪ ،‬و ماطبة لم من بعضهم ‪ ،‬أي جئتم باختلفكم على رسول ال صلى ال عليه و سلم و بي يديه‬
‫ـ هجرا و منكرا من القول ‪.‬‬
‫و الجر ـ بضم الاء ‪ :‬الفحش ف النطق ‪.‬‬
‫و قد اختلف العلماء ف معن هذا الديث ‪ ،‬و كيف اختلفوا بعد أمره لم ـ عليه السلم ـ أن يأتوه‬
‫بالكتاب ‪ ،‬فقال بعضهم ‪ ،‬أوامر النب صلى ال علي ه و سلم يفهم إجابا من ندبا من إباحتها بقرائن ‪،‬‬
‫فلعله قد ظهر من قرائن قوله صلى ال عليه و سلم لبعضهم ما فهموا أنه ل تكن منه عزمة ‪ ،‬بل أمر رده‬
‫إل اختيارهم ‪ ،‬و بعضهم ل يفهم ذلك ‪ ،‬فقال ‪ :‬استفهموه ‪ ،‬فلما اختلفوا كف عنه ‪ ،‬إذا ل يكن‬
‫عزمة ‪ ،‬و لا رأوه من صواب رأي عمر ‪ ،‬ث هؤلء قالوا و يكون امتناع عمر إما إشفاقا على النب صلى‬
‫ال عليه و سلم من تكليفه ف تلك الال إملء الكتاب ‪ ،‬أو تدخل عليه مشقة من ذلك ‪ ،‬كما قال ‪ :‬أن‬
‫النب صلى ال عليه و سلم اشتد به الوجع ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬خشي عمر أن يكتب أمورا يعجزون عنها فيحصلون ف الرج بالخالفة ‪ ،‬و رأى أن الفق‬
‫بالمة ف تلك المور سعة الجتهاد ‪ ،‬و حكم النظر ‪ ،‬و طلب الصواب ‪ ،‬فيكون الصيب و الخطيء‬
‫مأجورا ‪.‬‬
‫و قد علم عمر تقرر الشرع ‪ ،‬و تأسيس اللة ‪ ،‬و أن ال تعال قال ‪ :‬اليوم أكملت لكم دينكم ‪ .‬و قوله‬
‫صلى ال عليه و سلم أوصيكم بكتاب ال و عترت ‪.‬‬
‫و قول عمر ‪ :‬حسبنا كتاب ال ـ رد على من نازعه ‪ ،‬ل على أمر النب صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و قد قيل ‪ :‬إن عمر تطرق النافقي و من ف قلبه مرض لا كتب ف ذلك الكتاب ف اللوة ‪ ،‬و أن‬
‫يتقولوا ف ذل ك القاويل ‪ ،‬كادعاء الرافضة الوصية و غي ذلك ‪.‬‬
‫[ و قيل ‪ :‬إنه كان من النب صلى ال عليه و سلم لم على طريق الشورة و الختيار ‪ .‬هل يتفقون على‬
‫ذلك أم يتلفون ؟ فلما اختلفوا تركه ] ‪.‬‬
‫و قالت طائفة أخرى ‪ :‬إن معن الديث أن النب صلى ال عليه و سلم كان ميبا ف هذا الكتاب لا‬
‫طلب منه ‪ ،‬ل أنه ابتدأ بالمر به ‪ ،‬بل اقتضاه منه بعض أصحابه ‪ ،‬فأجاب رغبتهم ‪ ،‬و كره ذلك غيهم‬
‫للعلل الت ذكرناها ‪.‬‬
‫و استدل ف مثل هذه القصة بقول العباس لعلي ‪ :‬انطلق بنا إل رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فإن‬
‫كان المر فينا علمناه ‪ ،‬و كراهة علي هذا ‪ ،‬و قوله ‪ :‬و ال ل أفعل ‪ ...‬الديث ‪.‬‬
‫و استدل بقوله ‪ :‬دعون ‪ ،‬فإن الذي أنا فيه خي ‪ ،‬أي الذي أنا فيه خي من إرسال المر و ترككم و‬
‫كتاب ال ‪ .‬و أن تدعون ما طلبتم ‪.‬‬
‫و ذكر أن الذي طلب كتابه أمر اللفة بعده ‪ ،‬و تعيي ذلك ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف وجه حديث ‪ ....‬إنا ممد بشر ‪...‬‬

‫فإن قيل ‪ :‬فما وجه حديثه أيضا الذي حدثناه الفقيه أبو ممد الشن بقراءت عليه ‪ ،‬حدثنا أبو علي‬
‫الطبي ‪ ،‬حدثنا عبد الغافر الفارسي ‪ ،‬حدثنا أبو أحد اللودي ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن سفيان ‪،‬‬
‫حدثنا مسلم بن حجاج ‪ ،‬حدثنا قتيبة ‪ ،‬حدثنا ليت ‪ ،‬عن سعيد بن أب سعيد ‪ ،‬عن سال مول‬
‫النصريي ‪ ،‬قال ‪:‬سعت أبا هريرة يقول سعت رسول ال صلى ال عليه و سلم يقول اللهم إنا ممد بشر‬
‫[ ‪ ، ] 232‬يغضب كما يغضب البشر ‪ ،‬و إن قداتذت عندك عهدا لن تلفنيه ‪ ،‬فأيا مؤمن آذيته أو‬
‫سببته أو جلدته فاجعلها كفارة له ‪ ،‬و قربه تقربه با إليك يوم القيامة ‪.‬‬
‫و ف رواية ‪ :‬فأي أحد دعوت عليه دعوة ‪.‬‬
‫و ف رواية ‪ :‬ليس لا بأهل ‪ .‬و ف رواية ‪ :‬فأيا رجل من السلمي سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له‬
‫زكاة و صلة و رحة ‪.‬‬
‫و كيف يصح أن يلعن النب صلى ال عليه و سلم من ل يستحق اللعن ‪ ،‬و يسب من ل يستحق‬
‫السب ‪ ،‬و يلد من ل يستحق اللد ‪ ،‬أو يفعل مثل ذلك عند الغضب ‪ ،‬و هو معصوم عن هذا كله ؟ ‪.‬‬

‫فاعلم ـ شرح ال صدرك ـ أن قوله صلى ال عليه و سلم أولً ‪ :‬ليس لا بأهل ‪ ،‬أي عندك يا ر ب ‪،‬‬
‫ف باطن أمره ‪ ،‬فإن حكمه صلى ال عليه و سلم على الظاهر ‪ ،‬كما قال ‪ :‬و للحكمة الت ذكرناها ‪،‬‬
‫فحكم صلى ال عليه و سلم بلده ‪ ،‬أو أدبه بسبه أو لعنه با افتضاه عنده حال ظاهره ‪ ،‬ث دعا صلى ال‬
‫عليه و سلم لشفقته على أمته ‪ ،‬و رأفته و رحته له مؤمني ‪ ،‬الت و صفه ال با ‪ ،‬و حذره أن يتقبل ال‬
‫فيمن دعا عليه دعوة ـ أن يعل دعاءه و لعنه له رحة ‪ ،‬فهو معن قوله ‪ :‬ليس لا بأهل ‪ ،‬ل أنه صلى‬
‫ال عليه و سلم يمله الغضب و يستفزه الضجر لن يفعل مثل هذا بن ل يستحقه من مسلم ‪.‬‬
‫و هذا معن صحيح ‪ ،‬و ل يفهم من قوله ‪ :‬أغضب كما يغضب البشر ـ أن الغضب حله على ما ل‬
‫يب فعله ‪ ،‬بل يوز أن يكون الراد بذا أن الغضب ل حله على معاقبته بلعنه أو سبه ‪ ،‬و أنه ما كان‬
‫يتمل و يوز عفوه عنه ‪ ،‬أو كان ما خي بي العاقبة فيه و العفو عنه ‪.‬‬
‫و قد يمل على أنه خرج مرج الشفاق و تعليم أمته الوف و الذر من تعدي حدود ال تعال ‪.‬‬
‫و قد يمل ما ورد من دعائه هنا ‪ ،‬و من دعواته على غي واحد ف غي موطن ‪ ،‬على غي العقد و القصد‬
‫‪ ،‬بل با جرت به عادة العرب ‪ ،‬و ليس الراد با الجابة ‪ ،‬كقوله ‪ :‬تربت يينك ‪.‬‬
‫و ل أشبع ا ل بطنك ‪ .‬و وعقري حلقي ‪ .‬و غيها من دعواته ‪.‬‬
‫و قد ورد ف صفته ف غي حديث ـ أنه صلى ال عليه و سلم ل يكن فحاشا و قال أنس ل يكن سبابا‬
‫‪ ،‬و ل فاحشا ‪ ،‬و ل لعانا ‪ ،‬و كان يقول لحدنا عند العتبة ‪ ،‬ماله ! ترب جبينه ! ‪.‬‬
‫فيكون حل الديث على هذا العن ‪ ،‬ث أشفق صلى ال عليه و سلم من موافقة أمثالا إجابة ‪ ،‬فعاهد‬
‫ربه ‪ ،‬كما قال ف الديث ‪ ،‬أن يعل ذلك للمقول زكاة و رحة و قربة ‪.‬‬
‫و قد يكون ذلك إشفاقا على الدعو عليه ‪ ،‬و تأنيسا له ‪ ،‬لئل يلحقه من استشعار الوف و الذر من‬
‫لعن النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و تقبل دعائه ‪ ،‬ما يمله على اليأس و القنوط ‪.‬‬
‫و قد يكون ذلك سؤالً منه لربه لن جلده ‪ ،‬أو سبه على حق و بوجه صحيح أن يعل ذلك له كفارة لا‬
‫أصابه ‪ ،‬و تحيه لا اجترم ‪ ،‬و أن تكون عقوبته له ف الدنيا سبب العفو و الغفران ‪ ،‬كما جاء ف الديث‬
‫الخر ‪ :‬و من أصاب من ذلك شيئا فعوقب به ف الدنيا فهو له كفارة ‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬فما معن حديث الزبي و قول النب صلى ال عليه و سلم [ ‪ ] 233‬حي تاصمه مع‬
‫النصاري ف شراج الرة ‪ :‬اسق يا زبي حت يبلغ الكعبي ‪ .‬فقال له النصاري ‪ :‬إن كان ابن عمتك يا‬
‫رسول ال ! فتلون وجه رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬ث قال ‪ :‬اسق يازبي ث احبس حت يبلغ‬
‫الدر ‪ . .‬الديث ‪.‬‬
‫فالواب أن النب صلى ال عليه و سلم منه أن يقع بنفس مسلم منه ف هذه القصة أمر يريب ‪ ،‬و لكنه‬
‫صلى ال عليه و سلم ندب الزبي أولً إل القتصار على بعض حقه على طريق التوسط و الصلح ‪ ،‬فلما‬
‫ل يرض بذلك الخر ‪ ،‬ول و قال ما ل يب استوف النب صلى ال عليه و سلم للزبي حقه ‪.‬‬
‫و لذا ترجم البخاري على هذا الديث ‪ :‬باب ‪ .‬إذا أشار المام بالصلح فأب حكم عليه بالكم ‪.‬‬
‫و ذكر ف آخر الديث ‪ :‬فاستوعى رسول ال حينئذ للزبي حقه ‪.‬‬
‫و قدجعل السلمون هذا الديث أصلً ف قضيته ‪.‬‬
‫و فيه القتداء به صلى ال عليه و سلم ف كل ما فعله ف حال غضبه و رضاه ‪ ،‬و أنه ـ و إن نى أن‬
‫يقضي القاضي و هو غضبان ‪ ،‬فإنه ف حكمه ف حال الغضب و الرضا سواء لكونه فيهما معصوما ‪ .‬و‬
‫غضب النب صلى ال عليه و سلم ف هذا إنا كان ال تعال ل لنفسه‪ ،‬كما جاء ف الديث ‪.‬‬
‫و كذلك الديث ف إقادته عكاشة من نفسه ل يكن لتعد حله الغضب عليه ‪ ،‬بل و قع ف الديث‬
‫نفسه أن عكاشة قال له ‪ :‬و ضربتن بالقضيب ‪ ،‬فل أدري أعمد ا ‪ ،‬أم أردت ضرب الناقة ؟ فقال النب‬
‫صلى ال عليه و سلم ‪ :‬أعيذك با ال يا عكاشة أن يتعمدك رسول ال ‪.‬‬
‫و كذلك ف حديثه الخر مع العراب حي طلب عليه السلم القتصاص منه ‪ ،‬فقال العراب قد عفوت‬
‫عنك ‪ .‬و كان النب صلى ال عليه و سلم قد ضربه بالسوط لتعلقه بزمام ناقته مرة بعد أخرى ‪ ،‬و النب‬
‫صلى ال عليه و سلم ينهاه و يقول له ‪ :‬تدرك حاجتك ‪ ،‬و هو يأب ‪ ،‬فضربه بعد ثلث مرات ‪.‬‬
‫و هذا منه ـ صلى ال عليه و سلم ـ لن ل يقف عند نيه صواب و موضع أدب ‪ ،‬لكنه عليه الصلة‬
‫السلم ‪:‬أشفق إذ كان حق نفسه من المر حت عفا عنه ‪.‬‬
‫و أما حديث سواد بن عمرو ‪ :‬أتيت النب صلى ال عليه و سلم و أنا متخلق ‪ ،‬فقال عليه الصلة السلم‬
‫‪ :‬و رس ! و رس ! حط ‪ ،‬حط ! و غشين بقضيب ف يده ف بطن فاوجعن ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬القصاص يا رسول ال ‪ .‬فكشف ل عن بطنه‪.‬‬
‫و إنا ضربه صلى ال عليه و سلم لنكر رآه به ‪ ،‬و لعله ل يرد بضربه بالقضيب إل تنبيهه ‪ ،‬فلما كان‬
‫منه إياع ل يقصده طلب التحلل منه على ما قدمنا ‪.‬‬
‫فصل‬
‫ف أفعاله ‪ .‬صلى ال عليه و سلم الدنيوية‬

‫و أما أفعاله صلى ال عليه و سلم الدنيوية فحكمه فيها من توف العاصي و الكروهات ما قد قدمناه ‪ ،‬و‬
‫من جواز السهو الغلط ف بعضها ما ذكرناه ‪.‬‬
‫و كله غي قادح ف النبوة ‪ ،‬بلى ‪ ،‬إن هذا فيها على الندور ‪ ،‬إذ عامة أفعاله على السداد و الصواب ‪ ،‬بل‬
‫أكثرها أو كلها جارية مرى العبادات و القرب على ما بينا إذ كان صلى ال عليه و سلم ل يأخذ منها‬
‫لنفسه إل ضرورتة ‪ ،‬و ما يقيم رمق جسمه ‪ ،‬و فيه مصلحة ذاته الت با يعبد ربه ‪ ،‬و يقيم شريعته ‪ ،‬و‬
‫يسوس أمته ‪ ،‬و ما كان فيما بينه و بي الناس من ذلك فبي معروف يصنعه ‪ ،‬أو بر [ ‪ ] 234‬يوسعه ‪،‬‬
‫أو كلم حسن يقوله أو يسمعه ‪ ،‬أو تألف شارد ‪،‬أو قهر معاند ‪ ،‬أو مداراة حاسد ‪ ،‬و كل هذا لحق‬
‫بصال أعماله ‪ ،‬متتظم ف زاكي وظائف عباداته ‪ ،‬و قدكان يالف ف أفعاله الدنيوية بسب اختلف‬
‫الوال ‪ ،‬و يعد للمور أشباهها ‪ ،‬فيكب ـ ف تصرفه لا قرب ـ المار ‪ ،‬و ف أسفاره الراحلة ‪ ،‬و‬
‫يركب البغلة ف معارك الرب دليلً على الثبات ‪ ،‬و يركب اليل و يعدها ليوم الفزع و إجابه الصارخ‬
‫‪.‬‬
‫و كذلك ف لباسه و سائر أحواله بسب اعتبار مصاله و مصال أمته ‪.‬‬
‫و كذلك يفعل الفعل ف أمور الدنيا مساعدة لمته و سياسة و كراهية للفها و إن كان قد يرى غيه‬
‫خيا منه ‪ ،‬كما يترك الفعل لذا ‪ ،‬و قد يرى فعله خيا منه و قديفعل هذا ف المور الدينية ما له الية‬
‫ف أحد و جهيه ‪ ،‬كخروجه من الدينة لحد ‪ ،‬و كان مذهبه التحصن با ‪ ،‬و تركه قتل النافقي ‪ ،‬و هو‬
‫على يقي من أمرهم مؤالفة لغيهم ‪ ،‬و رعاية للمؤمني من قرابتهم ‪ ،‬و كراهة لن يقول الناس ‪ :‬إن‬
‫ممدا يقتل أصحابه ‪ ،‬كما جاء ف الديث ‪ ،‬و تركه بناء الكعبة على قواعد إبراهيم مراعاة لقلوب‬
‫قريش و تعظيمهم لتغييها ‪ ،‬و حذرا من نفار قلوبم لذلك ‪ ،‬و تريك متقدم عداوتم للدين و أهله ‪،‬‬
‫فقال لعائشة ف الديث الصحيح ‪ :‬لول حدثان قومك بالكفر لتمت البيت على قواعد إبراهيم ‪.‬‬
‫و يفعل الفعل ث يتركه ‪ ،‬لكون غيه خيا منه ‪ ،‬كانتقاله من أدن مياه بدر إل أقربا للعدو من قريش ‪،‬‬
‫و قوله ‪ :‬لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الدي ‪.‬‬
‫و بسط وجهه للكافر و العدو رجاء استئلفه ‪.‬‬
‫و يصب للجاهل ‪ ،‬رواية يقول كان إن من شرار الناس من اتقاه الناس لشره ‪ .‬و يبذل له الرغائب‬
‫ليحبب إليه شريعته و دين ربه ‪ .‬و يتول ف منله ما يتول الادم من مهنته ‪ ،‬و يتسمت ف ملئه ‪ ،‬حت‬
‫ل يبدو شيء من أطرافه ‪ ،‬و حت كأن على رؤوس جلسائه الطي ‪ ،‬و يتحدث مع جلسائه بديث‬
‫أولم ‪ ،‬و يتعجب ما يتعجبون منه ‪ ،‬و يضحك ما يضحكون منه ‪ ،‬قد وسع الناس بشره و عدله ‪ ،‬ل‬
‫يستفزه الغضب ‪ ،‬و ل يقصر عن الق و ل يبطن على جلسائه ‪ ،‬يقول ما كان لنب أن تكون له خائنة‬
‫العي ‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬فما معن قوله لعائشة رضي ال عنها ف داخل عليه ‪ :‬بئس ابن العشية ‪ .‬فلما دخل ألن له‬
‫القول و ضحك معه ‪ ،‬فلما سأله عن ذلك قال كان إن من شرالناس من اتقاه الناس لشره ‪.‬‬
‫و كيف جاز أن يظهر لما خلف ما يبطن ‪ ،‬و يقول ف ظهره ما قال ؟‬
‫فالواب أن فعله صلى ال عليه و سلم كان استئلفا لثله ‪ ،‬و تطييبا لنفسه ‪ ،‬ليتمكن إيانه ‪ ،‬و يدخل ف‬
‫السلم بسبب أتباعه ‪ ،‬و يراه مثله فينجذب بذلك إل السلم ‪ .‬و مثل هذا على هذا الوجه قد خرج‬
‫من حد مداراة الدنيا إل السياسة الدينية ‪ .‬و قد كان النب يستألفهم بأموال ال العريضة فكيف بالكلمة‬
‫اللينة ؟ ‪.‬‬
‫قال صفوان ‪ :‬لقد أعطان [ ‪ ] 235‬و هو أبغض اللق إيلي ‪ ،‬فما زال يعطين حت صار أحب اللق‬
‫إل ‪.‬‬
‫و قوله فيه ‪ :‬بئس ابن العشية ـ هو غي غيبة ‪ ،‬بل هو تعريف ما علمه منه لن ل يعلم ليحذر حاله ‪ ،‬و‬
‫يترز منه ‪ ،‬و ل يوثق بانبه كل الثقة و ل سيما و كان مطاعا متبوعا ‪.‬‬
‫و مثل هذا إذا كان لضرورة و دفع مضرة ل يكن بغيبة ‪ ،‬بل كان جائزا ‪ ،‬بل واجبا ف بعض الحيان‬
‫كعادة الحدثي ف تريح الرواة و الزكي ف الشهود ‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬فما معن الفضل الوارد ف حديث بريرة من قوله صلى ال عليه و سلم لعائشة ‪ ،‬و قد أخبته‬
‫أن موال بريرة أبو بيعها إل أن يكون لم الولء ‪ ،‬فقال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬اشتريها و اشترطي لم‬
‫الولء ‪.‬‬
‫ففعلت ‪ ،‬ث قام خطيبا ‪،‬فقال ‪ :‬ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست ف كتاب ال ‪ ،‬كل شرط ليس ف‬
‫كتاب ال فهو باطل و النب ـ صلى ال عليه و سلم ـ قد أمرها بالشرط لم ‪ ،‬و عليه باعوها ‪ ،‬و‬
‫لوله ـ و ال أعلم ـ لا باعوها من عائشة ‪ ،‬كما ل يبيعوها قبل حت شرطوا ذلك عليها ‪ ،‬ث أبطله‬
‫صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و هو قد حرم الغش و الديعة ‪.‬‬
‫فاعلم ـ أكرمك ال ـ أن النب صلى ال عليه و سلم منه عما يقع ف بال الاهل من هذا ‪ ،‬و لتنيه‬
‫النب صلى ال عليه و سلم عن ذلك ما قد أنكر قوم هذه الزيادة ‪ :‬قوله ‪ :‬اشتر لم الولء ‪ ،‬إذ ليست ف‬
‫أكثر طرق ا لديث ‪ ،‬و مع ثباتا فل اعتراض با ‪ ،‬إذ يقع لم بعن عليهم ‪ ،‬قال ال تعال ‪ :‬أولئك لم‬
‫اللعنة ‪ .‬و قال ‪ :‬وإن أسأت فلها [ سورة السراء ‪ ،17/‬الية ‪. ] 7 :‬‬
‫فعلى هذا اشترطي عليهم الولء لك ‪ ،‬و يكون قيام النب صلى ال عليه و سلم و وعظه لا سلف من‬
‫شرط الولء لنفسهم قبل ذلك ‪.‬‬
‫و وجه ثان ‪ :‬أن قوله صلى ال عليه و سلم ‪ :‬اشترطي لم الولء ‪،‬ليس على معن المر ‪ ،‬لكن على‬
‫معن التسوية و العلم بأن شرطه لم ل ينفعم بعد بيان النب صلى ال عليه و سلم لم قبل أن الولء لن‬
‫أعتق ‪ ،‬فكأنه قال ‪ :‬اشترطي أو ل تشترطي ‪ ،‬فإنه شرط غي نافع ‪.‬‬
‫و إل هذا ذهب الداودي و غيه ‪ ،‬و توبيخ النب صلى ال عليه و سلم لم ‪ ،‬و تقريعهم على ذلك يدل‬
‫على علمهم به قبل هذا ‪.‬‬
‫الوجه الثالث ‪ :‬أن معن قوله ‪ :‬اشترطي لم الولء ‪ ،‬أي أظهري لم حكمه ‪ ،‬و بين سنتة بأن الولء إنا‬
‫هو لن أعتق ‪ .‬ث بعد هذا قام هو صلى ال عليه و سلم مبينا ذلك و موبا على مالفة ما تقدم منه فيه ‪.‬‬

‫فإن قيل ‪ :‬فما معن فعل يوسف عليه السلم بأخيه ‪ ،‬إذ جعل السقاية ف رحله و أخذه باسم سرقتها ‪ ،‬و‬
‫ما جرى علىإخوته ف ذلك و قوله تعال ‪ :‬إنكم لسارقون ‪ ،‬و ل يسرقوا ‪.‬‬
‫فاعلم ـ أكرمك ال ـ أن الية تدل على أن فعل يوسف كان عن أمر ال ‪ ،‬لقوله تعال ‪ :‬كذلك كدنا‬
‫ليوسف ما كان ليأخذ أخاه ف دين اللك إل أن يشاء ال نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم‬
‫عليم [ سورة يوسف ‪ ،12/‬الية ‪. ] 76 :‬‬
‫فإذا كان كذلك فل اعتراض به ‪ ،‬كان فيه ما فيه ‪.‬‬
‫و أيضا فإن يوسف كان أعلم أخاه بأن أنا أخوك فل تبتئس ‪ ،‬فكان ما جرى عليه بعد هذا من و فقه و‬
‫رغبته ‪ ،‬و على يقي من عقب الي له به ‪ ،‬و إزاحة السوء و الضرة [ ‪ ]236‬عنه بذلك ‪.‬و أما قوله ‪:‬‬
‫أيتها العي إنكم لسارقون ‪ ،‬فليس من قول يوسف ‪ .‬فيلزم عليه جواب لل شبهه ‪ .‬و لعل قائله إن حسن‬
‫له التأويل كائنا من كان ظن على صورة الال ذلك و قد قيل قال ذلك لفعلهم قبل بيوسف و بيعهم له‬
‫و قيل غي هذا ‪ :‬و ل يلزم أن نقول النبياء ما ل تأت انم قالوه ‪ ،‬حت يطلب اللص منه ‪ ،‬و ل يلزم‬
‫ال عتزار عن زلت غيهم ‪.‬‬

‫فصل‬
‫بيان الكمة ف إجراء المراض و شدتا عليه و على غيه من النبياء‬
‫فإن قيل ‪ :‬فما الكمة ف إجراء المراض و شدتا عليه و على غيه من النبياء على‬
‫جيعهم السلم ؟ و ما الوجه فيما ابتلهم ال به من البلء ‪ ،‬وامتحانم با امتحنوا به كأيوب ‪ ،‬و‬
‫يعقوب و دانيال ‪ ،‬و يي ‪ ،‬و زكريا ‪ ،‬و عيسى ‪ ،‬و إبراهيم ‪ ،‬و يوسف ‪ ،‬و غيهم ‪ ،‬صلوات ال‬
‫عليهم ‪ ،‬و هم خيته من خلقه و احباؤه و أصفياؤه ‪.‬‬
‫فاعلم ـ وفقنا ال و إياك ـ أن أفعال ال تعال كلها عدل ‪ ،‬و كلماته جيعها صدق ل مبدل‬
‫لكلماته ‪ ،‬يبتلي عباده كما قال تعال لم ‪ :‬لننظر كيف تعملون [ سورة يونس ‪ ، 10/‬الية ‪. ]14 :‬‬
‫و ليبلوكم أيكم أحسن عمل [ سورة هود ‪ ، 49 /‬الية ‪. ] 7 :‬‬
‫وليعلم ال الذين آمنوا [ سورة آل عمران ‪ ، 3 /‬الية ‪. ]140 :‬‬
‫ولا يعلم ال الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين [ سورة آل عمران ‪ ،3/‬الية ‪. ] 142 :‬‬
‫ولنبلونكم حت نعلم الجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم [ سورة ممد ‪ ،47/‬الية ‪. ] 31 :‬‬
‫فامتحانه إياهم بضروب الحن زيادة ف مكانتهم ‪ ،‬و رفعه ف درجاتم ‪ ،‬و أسباب لستخراج حالت‬
‫الصب و الرضا ‪ ،‬و الشكر و التسليم ‪ ،‬و التوكل ‪ ،‬و التفويض ‪ ،‬و الدعاء ‪ ،‬و التضرع منهم ‪ ،‬و تأكيد‬
‫لبصائرهم ف رحة المتحني ‪ ،‬و الشفقة على البتلي ‪ ،‬و تذكرة لغيهم ‪ ،‬و موعظة لسواهم ليتأسوا ف‬
‫البلء بم ‪ ،‬فيتسلوا ف الحن با جرى عليهم ‪ ،‬و يقتدوا بم ف الصب ‪ ،‬و مو لنات فرطت منهم ‪ ،‬أو‬
‫غفلت سلفت لم ‪ ،‬ليلقوا ال طيبي مهذبي ‪ ،‬و ليكون أجرهم أكمل ‪ ،‬و ثوابم أوفر و أجزل ‪.‬‬
‫حدثنا القاضي أبو علي الافظ ‪ ،‬حدثنا أبو السي الصيف و أبو الفضل ابن خيون ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا أبو‬
‫يعلى البغدادي ‪ ،‬حدثنا أبو علي السنجي ‪ ،‬حدثنا ممد ابن مبوب ‪ ،‬حدثنا أبو عيسى الترمزي ‪ ،‬حدثنا‬
‫قتيبة ‪ ،‬حدثنا حاد بن زيد ‪ ،‬عن عاصم بن بدلة ‪ ،‬عن مصعب بن سعد ‪ ،‬عن أبيه حدثنا قال ‪ :‬قلت يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬أي الناس أشد بلء ؟ قال النبياء ‪ ،‬ث المثل فالمثل ‪ ،‬يبتلى الرجل على حسب دينه ‪ ،‬فما‬
‫يبح البلء بالعبد حت يتركه يشي على الرض و ما عليه خطيئة ‪.‬‬
‫و كما قال تعال ‪ :‬وكأين من نب قاتل معه ربيون كثي فما وهنوا لا أصابم ف سبيل ال وما ضعفوا‬
‫وما استكانوا وال يب الصابرين * وما كان قولم إل أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا ف أمرنا‬
‫وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين * فآتاهم ال ثواب الدنيا وحسن ثواب الخرة وال يب‬
‫الحسني [ سورة آل عمران ‪ ،3/‬اليات ‪. ]148 ، 146 :‬‬
‫و عن أب هريرة ‪ :‬ما يزال البلء بالؤمن و الؤمنة ف نفسه و ولده و ماله حت يلقى ال و ما عليه خطيئة‬
‫‪.‬‬
‫و عن أنس ‪ ،‬عنه صلى ال عليه و سلم ‪ :‬إذا أراد ال بعبده الي عجل له العقوبة ف الدنيا ‪ ،‬و إذا أراد‬
‫ال بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حت يواف به يوم القيامة ‪.‬‬
‫و ف حديث آخر إذا أحب ال عبدا ابتله ليسمع تضرعه ‪.‬‬
‫و حكى السمرقندي أن كل من كان أكرم على ال تعال كان بلؤه أشد كي يتبي فضله ‪ ،‬و‬
‫يتسوجب الثواب ‪ ،‬كما روي عن لقمان أنه قال ‪ :‬يابن ‪ ،‬الذهب و الفضة يتبان بالنار ‪ ،‬و الؤمن‬
‫يتب بالبلء ‪.‬‬
‫و قد حكي أن ابتلء يعقوب بيوسف كان سببه التفاته ف صلواته إليه ‪ ،‬و يوسف نائم مبة [ ‪] 237‬‬
‫له ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬بل اجتمع يوما هو و ابنه يوسف على أكل حل مشوي ‪ ،‬و ها يضحكان ‪ ،‬وكان لم جار‬
‫يتيم ‪ ،‬فشم ريه و اشتهاه و بكى ‪ ،‬و بكت له جدة له عجوز لبكائه ‪ ،‬و بينهما جدار ‪ ،‬و ل علم عند‬
‫يعقوب و ابنه ‪ ،‬فعوقب يعقوب بالبكاء أسفا على يوسف إل أن سالت حدقتاه ‪ ،‬و ابيضت عيناه من‬
‫الزن ‪ .‬فلما علم بذلك كان بقية حياته يأمر مناديا ينادي على سطحه ‪ :‬أل من كان مفطرا فليتغذ عن‬
‫آل يعقوب ‪ .‬و عوقب يوسف بالحنة الت نص ال عليها ‪.‬‬
‫و روى عن الليث أن سبب بلء أيوب أنه دخل مع أهل قريته على ملكهم فكلموه ف ظلمه ‪ ،‬و أغلظوا‬
‫له إل أيوب ‪ ،‬فإنه رفق به مافة على زرعه ‪ ،‬فعاقبه ال ببلئه ‪.‬‬
‫و منحه سليمان لا ذكرناه من نيته ف كون الق ف جنبه أصهاره ‪ ،‬أو للعمل بالعصية ف داره ‪ ،‬و ل‬
‫علم عنده ‪.‬‬
‫و هذه فائدة شدة الرض و الوجع بالنب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬قالت عائشة ‪ :‬ما رأيت الوجع على‬
‫أحد أشد منه على رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و عن عبد ال ‪ :‬رأيت النب صلى ال عليه و سلم ف مرضه ‪ ،‬يوعك و عكا شديدا ‪ ‍،‬قال ‪ :‬أجل ‪ ،‬إن‬
‫أوعك كما يوعك رجلن منكم ‪ .‬قلت ‪ :‬ذلك أن الجر مرتي ‪ ،‬قال ‪ :‬أجل ‪ ،‬ذلك كذلك ‪.‬‬
‫و ف ي حديث أب سعيد أن رجلً وضع يده على النب صلى ال عليه و سلم فقال ‪ :‬و ال ما أطيق‬
‫أضع يدي عليك من شدة حاك ‪ .‬فقال النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬إنا معشر النبياء يضاعف لنا‬
‫البلء ‪ ،‬إن كان النب ليبتلى بالقمل حت يقتله ‪ ،‬و إن كان النب ليبتل ى بالفقر ‪ ،‬و إن كانوا ليفرحون‬
‫بالبلء كما تفرحون بالرخاء ‪.‬‬
‫و عن أنس ‪ ،‬عنه صلى ال عليه و سلم أن عظم الزاء مع عظم البلء ‪ ،‬و إن ال إذا أحب قوما ابتلهم‬
‫‪ ،‬فمن رضي فله الرضا ‪ ،‬و من سخط فله السخط ‪.‬‬
‫و قد قال الفسرون ف قوله تعال ‪ :‬من يعمل سوءا يز به ‪ ،‬إن السلم يزى بصائب الدنيا فتكون له‬
‫كفارة ‪ .‬و روى هذا عن عائشة و أب ‪ ،‬و ماهد ‪.‬‬
‫و قال أبو هريرة ‪ ،‬عنه صلى ال عليه و سلم ‪ :‬من يرد ال به خيا يصب منه ‪.‬‬
‫و قال ف رواية عائشة ‪:‬ما من مصيبة تصيب السلم إل يكفر ال با عنه حت الشوكة يشاركها ‪.‬‬
‫و قال ف رواية أب سعيد ‪ :‬ما يصيب الؤمن من نصب و ل وصب ‪ ،‬و قيل و ل هم و ل حزن ‪ ،‬و ل‬
‫أذى و ل غم ‪ ،‬حت الشوكة يشاكلها إل كفر ال با من خطاياه ‪.‬‬
‫و ف حديث ابن مسعود ‪ :‬ما من مسلم يصيبه أذى إل حات ال عنه خطاياه كما تات ورق الشجر ‪.‬‬
‫و حكمة أخرى أودعها ال ف المراض لجسامهم ‪ ،‬و تعاقب الوجاع عليها و شدتا عند ماتم ‪،‬‬
‫لتضعف قوى نفوسهم ‪ ،‬فيسهل خروجها عند قبضهم ‪ ،‬و تف عليهم مؤنة النع ‪ ،‬و شدة السكرات‬
‫بتقدم الرض ‪ ،‬و ضعف السم و النفس لذلك ‪.‬‬
‫و هذا خلف موت الفجاء ة و أخذه ‪ ،‬كما يشاهد من اختلف أحوال الوتى ف الشدة و اللي ‪ ،‬و‬
‫الصعوبة و السهولة ‪ .‬و قد قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬مثل الؤمن مثل خامة [ ‪ ] 238‬الزرع تفيئها‬
‫الريح هكذا و هكذا ‪.‬‬
‫و ف رواية أب هريرة عنه ‪ :‬من حيث أتتها الريح تكفؤها ‪ ،‬فإذا سكنت اعتدلت ‪ ،‬و كذلك الؤمن يكفأ‬
‫بالبلء ‪ .‬و مثل الكافر كمثل الرزة صماء معتدلة حت يقصمه ال ‪.‬‬
‫معناه أن الؤمن مرزا ‪ ،‬مصاب بالبلء و المراض ‪ ،‬راض بتصريفه بي أقدار ال تعال ‪ ،‬منطاع لذلك ‪،‬‬
‫لي الانب برضاه و قلة سخطه ‪ ،‬كطاعة خامة الزرع و انقيادها للرياح ‪ ،‬و تايلها لبوبا و ترتها من‬
‫حيث ما أتتها ‪ ،‬فإذا أزاح ال عن الؤمن رياح البليا ‪ ،‬و اعتدل صحيحا كما اعتدلت خامة الزرع عند‬
‫سكون رياح الو رجع إل شكر ربه معرفة نعمته عليه بلئه ‪ ،‬منتظرا رحته و ثوابه عليه ‪.‬‬
‫فإذا كان بذه السبيل ل يصعب عليه مرض الوت ‪ ،‬و ل نزوله ‪ ،‬و ل اشتدت عليه سكراته و نزعه ‪،‬‬
‫لعادته با تقدم من اللم و معرفة ما له فيها من الجر و توطينه نفسه على الصائب و رقتها و ضعفها‬
‫بتوال الرض أو شدته ‪ ،‬و الكافر بلف هذا ‪ ،‬معاف ف غالب حاله ‪ ،‬متع بصحة جسمه ‪ ،‬كالرز ة‬
‫الصماء ‪ ،‬حت إذا أراد ال هلكه قصمه لينه على غرة ‪ ،‬و أخذه بغتة من غي لطف و ل رفق ‪ ،‬فكان‬
‫موته أشد عليه حسرة ‪ ،‬و مقاساة نزعه مع قوة نفسه و صحة جسمه أشد ألا و عذابا ‪ ،‬و لعذاب‬
‫الخرة أشد ‪ ،‬كانعاف الرزة ‪ .‬و كما قال تعال ‪ :‬فأخذناهم بغتة وهم ل يشعرون [ سورة العراف‬
‫‪ ، 7 /‬الية ‪. ] 95 :‬‬
‫و كذلك عادة ال تعال ف أعدائه ‪ ،‬كما قال تعال ‪ :‬فكل أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا‬
‫ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الرض ومنهم من أغرقنا ‪ ،‬ففجأ جيعهم بالوت على‬
‫حال عتو و غفلة و صبحهم به على غي استعداد بغتة ‪ ،‬و لذا ما كره السلف موت الفجاءة ‪.‬‬
‫و منه ف حديث إبراهيم ‪ :‬كانوا يكرهون أخذة كأخذة السف ‪ :‬أي الغضب ‪ ،‬يريد موت الفجاءة ‪ .‬و‬
‫حكمه ثالثة أن المراض نذير المات ‪ ،‬و بقدر شدة الوف من نزول الوت ‪ ،‬فيستعد من أصابته ‪ ،‬و‬
‫علم تعاهدها له ‪ ،‬للقاء ربه ‪ ،‬و يعرض عن دار الدنيا الكثية النكاد ‪ ،‬و يكون قلبه معلقا بالعاد ‪،‬‬
‫فيتنصل من كل ما يشى تباعته من قبل ال ‪ ،‬و قبل العباد ‪ ،‬و يؤدي القوق إل أهلها ‪ ،‬و ينظر فيما‬
‫يتاج إليه من وصية فيمن يلفه أو أمر يعهده ‪.‬‬
‫و هذا نبي ا صلى ال عليه و سلم الغفور له ما تقدم و ما تأخر ‪ ،‬قد طلب التنصل ف مرضه من كان له‬
‫عليه مال أو حق ف بدن ‪ ،‬و أقاد من نفسه و ماله ‪ ،‬و أمكن من القصاص منه ‪ ،‬على ما ورد حديث ف‬
‫الفضل ‪ ،‬و حديث الوفاة ‪ ،‬و أوصى بالثقلي بعده ‪ :‬كتاب ال ‪ ،‬و عترته و بالنصار عيبته ‪ ،‬و دعى إل‬
‫كتب كتاب لئل تضل أمته بعده ‪ ،‬إما ف النص على اللفة ‪ ،‬أو ال أعلم براده ‪ .‬ث رأى المساك عنه‬
‫أفضل و خيا ‪.‬‬
‫و هكذا سية عباد ال الؤمني و أوليائه التقي ‪.‬‬
‫و هذا كله يرمه غالبا الكفار ‪ ،‬لملء ال لم ‪ ،‬ليزدادوا إثا ‪ ،‬و ليستدرجهم من حيث ل يعلمون ‪،‬‬
‫قال ال تعال ‪ :‬ما ينظرون إل صيحة واحدة تأخذهم وهم يصمون * فل يستطيعون توصية ول إل‬
‫أهلهم يرجعون [ سورة يس ‪ ، 36 /‬اليتان ‪. ] 50 ، 49 :‬‬
‫و لذلك قال صلى ال عليه و سلم ف رجل مات فجأة ‪ :‬سبحان ال ! كأنه على غضب ‪ ،‬الحروم من‬
‫حرم وصيته ‪ .‬و قال ‪ :‬موت الفجأة راحة للمؤمن ‪ ،‬و أخذه أسف للكافر و الفاجر ‪ ،‬و ذلك لن الوت‬
‫يأت الؤمن ‪ ،‬و هو غالبا مستعد له منتظر للوله ‪ ،‬فهان أمر عليه كيفما جاء ‪ ،‬و أقضى إل راحته من‬
‫نصب الدنيا و أذاها ‪ ،‬كما قال صل ى ال عليه و سلم ‪ :‬مستريح و مستراح منه ‪ .‬و تأت الكافر و‬
‫الفاجر منيته على غي استعداد و ل أهبة و ل مقدمات منذرة مزعجة ‪ ،‬بل تأتيهم بغتة فتبهتهم ‪ ،‬فل‬
‫يستطيعون ردها و ل هم ينظرون ‪ ،‬فكان الوت أشد شيء عليه ‪.‬‬
‫و فراق الدنيا أفظع أمر صدمه ‪ ،‬و أكره شيء له ‪ ،‬و إل هذا العن أشار صلى ال عليه و سلم بقوله ‪:‬‬
‫من أحب لقاء ال أحب ال لقاءه ‪ ،‬و من كره لقاء ال كره ال لقاءه ‪.‬‬
‫القسم الرابع‬
‫ف تصرف وجوه الحكام فيمن تنقصه أو سبه صلى ال عليه و سلم‬

‫قال القاضي أبو الفضل رضي ال عنه ‪ :‬قد تقدم من الكتاب و السنة و إجاع المة ما يب من القوق‬
‫للنب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و ما يتعي له من بر و توقي ‪ ،‬و تعظيم و إكرام ‪ ،‬و بسب هذا حرم ال‬
‫تعال أذاه ف كتابه ‪ ،‬و أجعت المة على قتل متنقصه من السلمي و سابه ‪ ،‬قال ال تعال ‪ :‬إن الذين‬
‫يؤذون ال ورسوله لعنهم ال ف الدنيا والخرة وأعد لم عذابا مهينا [ سورة الحزاب ‪ ، 33 /‬الية ‪:‬‬
‫‪. ] 57‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬والذين يؤذون رسول ال لم عذاب أليم [ سورة التوبة ‪ ، 9 /‬الية ‪. ] 61 :‬‬
‫و قال ال تعال ‪ :‬وما كان لكم أن تؤذوا رسول ال ول أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان‬
‫عند ال عظيما [ سورة الحزاب ‪ ، 33 /‬الية ‪. ] 53 :‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬ف تري التعريض به ‪ :‬يا أيها الذين آمنوا ل تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسعوا وللكافرين‬
‫عذاب أليم [ سورة البقرة ‪ ، 2 /‬الية ‪. ] 104 :‬‬
‫و ذلك أن اليهود كانوا يقولون ‪ :‬راعنا يا ممد ‪ ،‬أي أرعنا سعك ‪ ،‬و اسع منا ‪ ،‬و يعرضون بالكلمة ‪،‬‬
‫يريدون الرعونة ‪ ،‬فنهى ال الؤمني عن التشبه بم ‪ ،‬و قطع الذريعة بنهي الؤمني عنها ‪ ،‬لئل يتوصل با‬
‫الكافر و النافق إل سبه و الستهزاء به ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬بل لا من مشاركة اللفظ ‪ ،‬لنا عند اليهود بعن اسع ل سعت ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬بل لا فيها من قله الدب ‪ ،‬و عدم توقي النب صلى ال عليه و سلم و تعظيمه ‪ ،‬لنا ف لغة‬
‫النصار بعن ارعنا نرعك ‪ ،‬فنهوا عن ذلك ‪ ،‬إذ مضمنه أنم ل يرعونه إل برعايته لم ‪ ،‬و هو ـ صلى‬
‫ال عليه و سلم ـ واجب الرعاية بكل حال ‪ ،‬و هذا هو صلى ال عليه و سلم قد نى عن التكن بكنيته‬
‫‪ ،‬فقال ‪ :‬تسموا باسي ‪ ،‬و ل تكنوا بكنيت ‪ ،‬صيانة لنفسه ‪ ،‬و حاية عن أذاه ‪ ،‬إذ كان صلى ال عليه و‬
‫سلم استجاب لرجل نادى ‪ :‬يا أبا القاسم ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل أعنك ‪ ،‬إنا دعوت هذا ‪ ،‬فنهى حينئذ عن التكن‬
‫بكنيته لئل يتأذى بإجابة دعوة غيه لن ل يدعه ‪ ،‬و يد بذلك النافقون و الستهزئون ذريعة إل أذاه‬
‫دعوة غيه فينادونه ‪ ،‬فإذا التفت قالوا ‪ :‬إنا أردنا هذا ـ لسواه ـ تعنيتا له ‪ ،‬و استخفافا بقه على‬
‫عادة الجان و الستهزئي ‪ ،‬فحمى صلى ال عليه و سلم حى أذاه [ ‪ ] 240‬بكل وجه ‪ ،‬فحمل مققوا‬
‫العلماء نيه عن هذا على مدة حياته ‪ ،‬و أجازوه بعد وفاته لرتفاع العلة ‪.‬‬
‫و للناس ف هذا الديث مذاهب ليس هذا موضعها ‪ ،‬و ما ذكرناه هو مذهب المهور ‪ ،‬و الصواب إن‬
‫شاء ال ‪ .‬و إن ذلك على طريق تعظيمه و توقيه ‪ ،‬و على سبيل الندب و الستحباب ‪ ،‬ل على‬
‫التحري ‪ ،‬و لذلك ل ينه عن اسه ‪ ،‬لنه قد كان ال منع من ندائه به بقوله ‪ :‬ل تعلوا دعاء الرسول‬
‫بينكم كدعاء بعضكم بعضا ‪ ،‬و إنا كان السلمون يدعونه برسول ال ‪ ،‬و بنب ال ‪ ،‬و قد يدعوه ـ‬
‫بكنيته أبا القاسم ـ بعضهم ف بعض الحوال ‪.‬‬
‫و قد روى أنس رضي ال عنه ‪ ،‬عنه صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬ما يدل على كراهة التسمي باسه ‪ ،‬و‬
‫تنيهه عن ذلك ‪ ،‬إذا ل يوقر ‪ ،‬فقال ‪ :‬تسمون أولدكم ممدا ث تلعنوهم ‪.‬‬
‫و روى أن عمر رضي ال عنه كتب إل أهل الكوفة ‪ :‬ليسمى أحد باسم النب صلى ال عليه و سلم ‪،‬‬
‫حكاه أبو جعفر الطبي ‪.‬‬
‫[ و حكى ممد بن سعد أنه نظر إل رجل اسه ممد ‪ ،‬و رجل يسبه و يقول له ‪ :‬فعل ال بك يا ممد‬
‫و صنع ‪ .‬فقال عمر لبن أخيه ممد بن زيد بن الطاب ‪ :‬ل أرى ممدا صلى ال عليه و سلم يسب‬
‫بك ‪ ،‬و ال ل تدعى ممدا ما دمت حيا ‪ ،‬و ساه عبد الرحن ‪ ،‬و أراد أن ينع أن يسم ى أحد بأساء‬
‫النبياء إكراما لم بذلك ‪ ،‬و غي أساء جاعة تسموا بأساء النبياء ‪ ،‬ث أمسك ] ‪.‬‬
‫و الصواب جواز هذا كله بعده صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬بدليل إطباق الصحابة على ذلك ‪.‬‬
‫و قد سى جاعة منهم ابنه ممدا ‪ ،‬و كناه بأب القاسم ‪.‬‬
‫و روي أن النب صلى ال عليه و سلم أذن ف ذلك لعلي رضي ال عنه ‪.‬‬
‫و قد أخب صلى ال عليه و سلم أن ذلك اسم الدي و كنيته ‪.‬‬
‫[ و قد سي به النب صلى ال عليه و سلم ممد بن طلحة ‪ ،‬و ممد بن عمرو بن حزم ‪ ،‬و ممد بن‬
‫ثابت بن قيس ‪ ،‬و غي واحد ‪ ،‬و قال ‪ :‬ما ضر أحدكم أن يكون ف بيته ممد و ممدان و ثلثة ] ‪.‬‬
‫و قد فصلت الكلم ف هذا القسم على بابي كما قدمناه ‪:‬‬
‫الباب الول ‪ :‬ف بيان ما هو ـ ف حقه صلى ال عليه و سلم ـ سب أو نقص ‪ ،‬من تعريض أو نص‬
‫اعلم ـ وفقنا ال و إياك ـ أن جيع من سب النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬أو عابه ‪ ،‬أو ألق به نقصا‬
‫ف نفسه أو نسبه أو دينه ‪ ،‬أو خصلة من خصاله ‪ ،‬أو عرض به ‪ ،‬أو شبهه بشيء على طريق السب له ‪،‬‬
‫أو الزراء عليه ‪ ،‬أو التصغي لشأنه ‪ ،‬أو الغض منه ‪ ،‬و العيب له ‪ ،‬فهو ساب له ‪ ،‬و الكم فيه حكم‬
‫الساب ‪ ،‬يقتل كما نبينه ‪ ،‬و ل نستثن فصلً من فصول هذا الباب على هذا القصد ‪ ،‬و ل نتري فيه‬
‫تصريا كان أو تلويا ‪ .‬و كذلك من لعنه أو دعا عليه ‪ ،‬أو تن مضرة له ‪ ،‬أو نسب إليه ما ل يليق‬
‫بنصبه على طريق الذم ‪ ،‬أو عبث ف جهته العزيزة بسخف من الكلم و هجر ‪ ،‬و منكر من القول و‬
‫زور ‪ ،‬أو عيه بشيء ما جرى من البلء و الحنة عليه ‪ ،‬أو غمصه ببعض العوارض البشرية الائزة و‬
‫العهودة لديه ‪.‬‬
‫و هذا كله إجاع من العلماء و أئمة الفتوى من لدن الصحابة رضوان ال عليهم إل هلم جرا ‪.‬‬
‫و قال أبو بكر بن النذر ‪ :‬أجع عوام أهل العلم على أن من سب النب صلى ال عليه و سلم يقتل ‪ ،‬و‬
‫من قال ذلك مالك بن أنس ‪ ،‬و الليث ‪ ،‬و أحد ‪ ،‬و إسحاق ‪ ،‬و هو م ذهب الشافعي ‪.‬‬
‫قال القاضي أبو الفضل ‪ :‬و هو مقتضى قول أب بكر الصديق رضي ال عنه ‪ ،‬و ل تقبل توبته عند هؤلء‬
‫الذكورين ‪:‬‬
‫و بثله قال أبو حنيفة ‪ ،‬و أصحابه ‪ ،‬و الثوري و أهل الكوفة ‪ ،‬و الوزاعي ف السلم ‪ ،‬لكنهم قالوا ‪:‬‬
‫هي ردة ‪.‬‬
‫روى مثله الوليد بن مسلم عن مالك ‪.‬‬
‫و حكى الطبي مثله عن أب حنيفة و أصحابه فيمن تنقصه صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬أو برئ منه أو كذبه‬
‫‪.‬‬
‫و قال سحنون فيمن سبه ‪ :‬ذلك ردة كالزندقة ‪.‬‬
‫و على هذا وقع اللف ف استتابته و تكفيه ‪ ،‬و هل قتله حد أو كفر ‪ ،‬كما سنبينه ف الباب الثان إن‬
‫شاء ال تعال ‪ ،‬و ل نعلم خلفا ف استباحة دمه بي علماء المصار و سلف المة ‪ ،‬و قد ذكر غي‬
‫واحد الجاع على قتله و تكفيه ‪ ،‬و أشار بعض الظاهرية ـ و هو أبو ممد علي بن أحد الفارسي إل‬
‫اللف ف تكفي الستخف به ‪.‬‬
‫و العروف ما قدمناه ‪ ،‬قال ممد بن سحنون ‪ :‬أجع العلماء أن شات النب صلى ال عليه و سلم التقص‬
‫له كافر ‪ .‬و الوعيد جار عليه بعذاب ال ‪ ،‬و حكمه عند المة القتل ‪ ،‬و من شك ف كفره و عذابه كفر‬
‫‪.‬‬
‫و احتج إبراهيم بن حسي بن خالد الفق يه ف مثل هذا بقتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة لقوله ـ‬
‫عن النب صلى ال عليه و سلم صاحبكم ‪.‬‬
‫و قال أبو سليمان الطاب ‪ :‬ل أعلم أحدا من السلمي اختلف ف وجوب قتله إذا كان مسلما ‪.‬‬
‫و قال ابن القاسم ـ عن مالك ف كتاب ابن سحنون ‪ ،‬و البسوط ‪ ،‬و العتبية ‪ ،‬و حكاه مطرف عن‬
‫مالك ف كتاب ابن حبيب ‪ :‬من سب النب صلى ال عليه و سلم من السلمي قتل ‪ ،‬و ل يستتب ‪.‬‬
‫قال ابن القاسم ف العتبية ‪ :‬من سبه أو شتمه أو عابه أو تنقصه فإنه يقتل ‪ ،‬و حكمه عند المة القتل‬
‫كالزنديق ‪.‬‬
‫و قد فرض ال تعال توقيه و بره ‪ .‬و ف البسوط ـ عن عثمان بن كنانة ‪ :‬من شتم النب صلى ال عليه‬
‫و سلم من السلمي قتل أو صلب حيا و ل يستتب و المام مي ف صلبه حيا أو قتله ‪.‬‬
‫و من رواية أب الصعب ‪ ،‬و ابن أب أويس ‪ :‬سعنا مالكا يقول ‪ :‬من سب رسول ال صلى ال عليه و‬
‫سلم ‪ ،‬أو شتمه ‪ ،‬أو عابة ‪ ،‬أو تنقصه ـ قتل مسلما كان أو كافرا ‪ ،‬و ل يستتاب ‪.‬‬
‫و ف كتاب ممد ‪ :‬أخبنا أصحاب مالك أنه قال ‪ :‬من سب النب صلى ال عليه و سلم أو غيه من‬
‫النبيي من مسلم أو كافر قتل و ل يستتب ‪.‬‬
‫و قال أصبغ ‪ :‬يقتل على كل حال أسر ذلك أو ظهره ‪ ،‬و ل يستتاب ‪ ،‬لن توبته ل تعرف ‪.‬‬
‫و قال عبد ال بن الكم ‪ :‬من سب النب صلى ال عليه و سلم أو كافر قتل و ل يستتب ‪.‬‬
‫و حكى الطبي مثله عن أشهب ‪ ،‬عن مالك ‪.‬‬
‫و روى ابن وهب ‪ ،‬عن مالك ‪ :‬من قال ‪ :‬إن رداء النب صلى ال عليه و سلم ـ و يروى زر النب صلى‬
‫ال عليه و سلم ـ وسخ ‪ ،‬أراد عيبه ـ قتل ‪.‬‬
‫قال بعض علمائنا ‪ :‬أجع العلماء على أن من دعا على نب من النبياء بالويل ‪ ،‬أو بشيء من الكروه ـ‬
‫أنه يقتل بل استتابة ‪.‬‬
‫و أفت أبو السن القابسي فيمن قال ف النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬المال يتيم أب طالب [ ‪] 242‬‬
‫ـ بالقتل ‪.‬‬
‫و أفت أبو ممد بن أب زيد بقتل رجل سع قوما يتذاكرون صفة النب صلى ال عليه و سلم إذ مر بم‬
‫رجل قبيح الوجه و اللحية ‪ ،‬فقال لم ‪ :‬تريدون تعرفون صفته ‪ ،‬هي ف صفة هذا الار ف خلقه و ليته ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬و ل تقبل توبته ‪.‬‬
‫و قد كذب ـ لعنه ال ‪ ،‬و ليس يرج من قلب سليم اليان ‪.‬‬
‫و قال أحد بن أب سليمان صاحب سحنون ‪ :‬من قال ‪ :‬إن النب صلى ال عليه و سلم كان أسود يقتل‬
‫‪.‬‬
‫و قال ف رجل قيل له ‪ :‬ل ‪ ،‬و حق رسول ال ‪ .‬فقال فعل ال برسول ال كذا و كذا ـ و ذكر كلما‬
‫قبيحا ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬ما تقول يا عدو ال ؟ فقال أشد من كلمه الول ‪ ،‬ث قال ‪ :‬إنا أردت برسول ال‬
‫العقرب ‪ .‬فقال ابن أب سليمان للذي سأله ‪ :‬اشهد عليه و أنا شريكك ـ يريد ف قتله و ثواب ذلك ‪.‬‬
‫قال حبيب بن الربيع ‪ :‬لن ادعاءه التأويل ف لفظ صراح ل يقبل ‪ ،‬لنه امتهان ‪ ،‬وهو غي معزز لرسول‬
‫ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬ول موقر له ‪ ،‬فوجب إباحة دمه ‪.‬‬
‫وأفت أبو عبد ال بن عتاب ف عشار ‪ ،‬قال لرجل ‪ :‬أد واشك إل النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و قال ‪:‬‬
‫إن سألت أو جعلت فقد جهل وسأل النب صلى ال عليه و سلم ـ بالقتل ‪.‬‬
‫وأفت فقهاء الندلس بقتل ابن حات التفقه الطليطلي و صلبه با شهد عليه به من استخفافه بق النب‬
‫صلى ال عليه و سلم وتسميته إياه أثناء مناظرته باليتيم ‪ ،‬وخت حيدرة ‪ ،‬و زعمه أن زهده ل يكن‬
‫قصدا ‪ ،‬و لو قدر على الطيبات أكلها ‪ ،‬إل أشباه لذا ‪.‬‬
‫و أفت فقهاء القيوان و أصحاب سحنون بقتل إبراهيم الفزاري ‪ ،‬و كان شاعرا متفننا ف كثي من‬
‫العلوم ‪ ،‬و كان من يضر ملس القاضي أب العباس بن طالب للمناظرة ‪ ،‬فرفعت عليه أمور منكرة من‬
‫هذا الباب ف الستهزاء بال وأنبيائه ونبينا صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فأحضر له القاضي يي بن عمر‬
‫وغيه من الفقهاء ‪ ،‬وأمر بقتله وصلبه ‪ ،‬فطعن بالسكي ‪ ،‬وصلب منكسا ‪ ،‬ث أنزل وأحرق بالنار ‪.‬‬
‫وحكى بعض الؤرخي أنه لا رفعت خشبته ‪ ،‬و زالت عنها اليدي استدارت ‪ ،‬و حولته عن القبلة ‪،‬‬
‫فكان آية للجميع ‪ ،‬و كب الناس ‪ ،‬و جاء كلب فولغ ف دمه ‪ ،‬فقال يي بن عمر ‪ :‬صدق رسول ال‬
‫صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و ذكر حديثا عنه صلى ال عليه و سلم أنه قال ‪ :‬ل يلغ الكلب ف دم مسلم ‪.‬‬
‫و قال القاضي أبو عبد ال بن الرابط ‪ :‬من قال ‪ :‬إن النب صلى ال عليه و سلم هزم يستتاب ‪ ،‬فإن تاب‬
‫و إل قتل ‪ ،‬لنه تنقص ‪ ،‬إذ ل يوز ذلك عليه ف خاصته ‪ ،‬إذ هو على بصية من أمره ‪ ،‬ويقي من‬
‫عصمته ‪.‬‬
‫و قال حبيب بن ربيع القروي ‪ :‬مذهب مالك و أصحابه أن من قال فيه صلى ال عليه و سلم ‪ :‬ما فيه‬
‫نقص ـ قتل دون استتابة ‪.‬‬
‫و قال ابن عتاب ‪ :‬الكتاب و السنة موجبان أن من قصد النب صلى ال عليه و سلم بأذى أو نقص ‪،‬‬
‫معرضا أو مصرحا ‪ ،‬و إن قل ـ فقتله واجب ‪ ،‬فهذا الباب كله ما عده ا لعلماء سبا أو تنقصا يب‬
‫قتل قائله ‪ ،‬ل يتلف ف ذلك متقدمهم ول متأخرهم ‪ ،‬و إن اختلفوا ف حكم قتله على ما أشرنا إليه [‬
‫‪ ] 243‬و نبيه بعد ‪.‬‬
‫و كذلك أقول حكم من غمصه أو عيه برعاية الغنم أو السهو أو النسيان أو السحر ‪ ،‬أو ما أصابه من‬
‫جرح أو هزية لبعض جيوشه ‪ ،‬أو أذى من عدوه ‪ ،‬أو شدة من زمنه ‪ ،‬أو باليل إل نسائه ‪ ،‬فحكم هذا‬
‫كله لن قصد به نقصه القتل ‪.‬‬
‫و قد مضى من مذاهب العلماء ف ذلك ‪ ،‬و يأت ما يدل عليه ‪.‬‬
‫فصل‬
‫ف الجة ف إياب قتل من سبه أو عابه صلى ال عليه و سلم‬

‫فمن القرآن لعنه تعال لؤذ به ف الدنيا و الخرة ‪ ،‬و قرانه تعال أذاه بأذاه ‪ ،‬و ل خلف ف قتل من‬
‫سب ال ‪ ،‬و أن اللعن إنا يستوجبه من هو كافر ‪ ،‬و حكم الكافر القتل ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن الذين يؤذون ال‬
‫ورسوله لعنهم ال ف الدنيا والخرة وأعد لم عذابا مهينا [ سورة الحزاب ‪ ، 33 /‬الية ‪. ] 57 :‬‬
‫و قال ـ ف قاتل الؤمن مثل ذلك ‪ ،‬فمن لعنته ف الدنيا القتل ‪ ،‬قال ال تعال ‪ :‬لئن ل ينته النافقون‬
‫والذين ف قلوبم مرض والرجفون ف الدينة لنغرينك بم ث ل ياورونك فيها إل قليل * ملعوني أينما‬
‫ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيل [ سورة الحزاب ‪ ، 33 /‬الية ‪. ] 61 ، 60 :‬‬
‫و قال ـ ف الحاربي ‪ ،‬و ذكر عقوبتهم إنا جزاء الذين ياربون ال ورسوله ويسعون ف الرض فسادا‬
‫أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلف أو ينفوا من الرض ذلك لم خزي ف الدنيا [‬
‫سورة الائدة ‪ ، 5 /‬الية ‪. ] 33 :‬‬
‫و قد يقع القتل بعن اللعن ‪ ،‬قال ال تعال ‪ :‬قتل الراصون ‪ .‬و قاتلهم ال أن يؤفكون ‪ ،‬أي لعنهم ال ‪،‬‬
‫و لنه فرق بي أذاها و أذى الؤمني ‪ ،‬و ف أذى الؤمني ما دون القتل ‪ ،‬من الضرب و النكال ‪ ،‬فكان‬
‫حكم مؤذي ال و نبيه أشد من ذلك ‪ ،‬و هو القتل ‪ .‬و قال تعال ‪ :‬فل وربك ل يؤمنون حت يكموك‬
‫فيما شجر بينهم ث ل يدوا ف أنفسهم حرجا ما قضيت ويسلموا تسليما [ سورة النساء ‪ ، 4 /‬الية ‪:‬‬
‫‪. ] 65‬‬
‫فسلب اسم اليان عمن وجد ف صدره حرجا من قضائه ‪ ،‬و ل يسلم له ‪ ،‬و من تنقضه فقد ناقض هذا‬
‫‪.‬‬
‫و قال ال تعال ‪ :‬يا أيها الذين آمنوا ل ترفعوا أصواتكم فوق صوت النب ول تهروا له بالقول كجهر‬
‫بعضكم لبعض أن تبط أعمالكم وأنتم ل تشعرون [ سورة الجرات ‪ ، 49 /‬الية ‪. ] 2 :‬‬
‫و ل يبط العمل إل الكفر ‪ ،‬و الكافر يقتل ‪.‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬وإذا جاؤوك حيوك با ل ييك به ال ث قال ‪ :‬حسبهم جهنم يصلونا فبئس الصي‬
‫[ سورة الجادلة ‪ ، 58 /‬الية ‪. ] 8 :‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬ومنهم الذين يؤذون النب ويقولون هو أذن ‪ .‬ث قال ‪ :‬والذين يؤذون رسول ال لم عذاب‬
‫أليم [ سورة التوبة ‪ ، 9 /‬الية ‪. ] 61 :‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬ولئن سألتهم ليقولن إنا كنا نوض ونلعب قل أبال وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * ل‬
‫تعتذروا قد كفرت بعد إيانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنم كانوا مرمي [ سورة التوبة‬
‫‪ ، 9 /‬الية ‪. ] 66 ، 65 :‬‬
‫قال أهل التفسي ‪ :‬كفرت بقولكم ف رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و أما الجاع فقد ذكرناه ‪.‬‬
‫و أما الثار فحدثنا الشيخ أبو عبد ال أحد بن غلبون ‪ ،‬عن الشيخ أب ذر الروي إجازة ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا‬
‫أبو السن الدار قطن ‪ ،‬و أبو عمر ابن حيوة ‪ ،‬حدثنا ممد بن نوح ‪ ،‬حدثنا عبد العزيز بن ممد بن‬
‫السن بن زبالة ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن موسى بن جعفر ‪ ،‬عن علي بن موسى ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده ‪ ،‬عن‬
‫ممد بن علي بن السي ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن السي بن علي ‪ ،‬عن أبيه ـ أن رسول ال صلى ال عليه و‬
‫سلم قال ‪ :‬من سب نبينا فاقتلوه ‪ ،‬و من سب أصحاب فاضربوه ‪.‬‬
‫و ف الديث الصحيح ‪ :‬أمر النب صلى ال عليه و سلم بقتل كعب ابن الشرف ‪ .‬و قوله ‪ :‬من لكعب‬
‫بن الشرف ! فإنه يؤذي ال و رسوله ‪ .‬و وجه إليه من قتله غيلة دون دعوة ‪ ،‬بلف غيه من‬
‫الشركي ‪ ،‬و علل قتله بأذاه له ‪ ،‬فدل أن قتله إياه لغي الشراك ‪ ،‬بل للذى ‪.‬‬
‫و كذلك قتل أبا رافع ‪ ،‬قال الباء ‪ :‬و كان يؤذي رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و يعي عليه ‪.‬‬
‫و كذلك أمره يوم الفتح بقتل ابن خطل [ ‪ ] 244‬و جاريته اللتي كانتا تغنيان بسبه صلى ال عليه و‬
‫سلم ‪.‬‬
‫و ف حديث آخر أن رجلً كان يسبه ـ صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬من يكفين عدوي ؟ فقال‬
‫خالد ‪ :‬أنا ‪ .‬فبعثه صلى ال عليه و سلم فقتله ‪.‬‬
‫و كذلك ل يقل جاعة من كان يؤذيه من الكفار و يسبه ‪ ،‬كالنضر بن الارث ‪ ،‬و عقبة بن أب معيط ‪.‬‬

‫و عهد بقتل جاعة منهم قبل الفتح و بعده ‪ ،‬فقتلوا إل من بادر بإسلمه قبل القدرة عليه ‪.‬‬
‫و قد روى البزار ‪ ،‬عن ابن عباس ـ أن عقبة بن أب معيط نادى ‪ :‬يا معشر قريش ‪ ،‬مال أقتل من بينكم‬
‫صبا ! فقال له صلى ال عليه و سلم ‪ :‬بكفرك و افترائك على رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و ذكر عبد الرزاق أن النب صلى ال عليه و سلم سبه رجل ‪ ،‬فقال ‪ :‬من يكفين عدوي ؟ فقال الزبي ‪:‬‬
‫أنا ‪ ،‬فبارزه فقتله الزبي ‪.‬‬
‫و روى أيضا أن امرأة كانت تسبه صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬فقال ‪ :‬من يكفين عدوي ؟ فخرج‬
‫إليها خالد بن الوليد فقتلها ‪.‬‬
‫و روى أن رجلً كذب على النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فبعث عليا و الزبي إليه ليقتله ‪.‬‬
‫و روى ابن قانع أن رجلً جاء إل النب صل ى ال عليه و سلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬سعت أب‬
‫يقول فيك قو ًل قبيحا فقتلته ! فلم يشق ذلك على النب صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و بلغ الهاجر بن أب أمية أمي اليمن لب بكر رضي ال عنه أن امرأة هناك ف الردة غنت بسب النب‬
‫صلى ال عليه و سلم فقطع يدها ‪ ،‬و نزع ثنيتها ‪ ،‬فبلغ أبا بكر رضي ال عنه ذلك ‪ ،‬فقال له ‪ :‬لول ما‬
‫فعلت لمرتك بقتلها ‪ ،‬لن حد النبياء ليس يشبه الدود ‪ .‬و عن ابن عباس ‪ :‬هجت امرأة من خطمة‬
‫النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬من ل با ؟ فقال رجل من قومها ‪ :‬أنا رسول ال ‪ .‬فنهض فقتلها ‪،‬‬
‫فأخب النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل ينتطح فيها عنان ‪.‬‬
‫و عن ابن عباس أن أعمى كانت له أم ولد تسب النب صلى ال عليه و سلم فيزجرها فل تنجر ‪ ،‬فلما‬
‫كانت ذات ليلة جعلت تقع ف النب صلى ال عليه و سلم و تشتمه ‪ ،‬فقتلها ‪ ،‬و أعلم النب صلى ال‬
‫عليه و سلم بذلك ‪ ،‬فأهدر دمها ‪.‬‬
‫و ف حديث أب برزة السلمي ‪ :‬كنت يوما جالسا عند أب بكر الصديق ‪ ،‬فغضب على رجل من‬
‫السلمي ـ و حكى القاضي إساعيل و غي واحد من الئمة ف هذا الديث أنه سب أبا بكر ‪.‬‬
‫و رواه النسائي ‪ :‬أتيت أبا بكر ‪ ،‬و قد أغلظ لرجل فرد عليه ‪ ،‬قال ‪ :‬فقلت ‪ :‬يا خليفة رسول ال ‪،‬‬
‫دعن أضرب عنقه ‪ .‬فقال ‪ :‬اجلس ‪ ،‬فليس ذلك لحد إل لرسول ال صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫قال القاضي أبو ممد بن نصر ‪ :‬و ل يالف عليه أحد ‪ ،‬فاستدل الئمة بذا الديث على قتل من‬
‫أغضب النب صلى ال عليه و سلم بكل ما أغضبه أو أذاه أو سبه ‪.‬‬
‫و من ذلك كتاب عمر بن عبد العزيز إل عامله بالكوفة ‪ ،‬و قد استشاره ف قتل رجل سب عمر رضي‬
‫ل سب رسول ال‬ ‫ال عنه ‪ ،‬فكتب إليه عمر ‪ :‬إنه ل يل قتل امرئ مسلم بسب أحد من الناس إل رج ً‬
‫صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فمن سبه [ ‪ ] 245‬فقد حل دمه ‪.‬‬
‫و سأل الرشيد مالكا ف رجل شتم النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و ذكر له أن فقهاء العراق أفتوه بلده ‪،‬‬
‫فغضب مالك ‪ ،‬و قال ‪ :‬يا أمي الؤمني ‪ ،‬ما بقاء المة بعد شتم نبيها ! من شتم النبياء قتل ‪ ،‬و من‬
‫شتم أصحاب النب صلى ال عليه و سلم جلد ‪.‬‬
‫قال القاضي أبو الفضل رحه ال تعال ‪ :‬كذا وقع ف هذه الكاية ‪ ،‬رواها غي واحد من أصحاب‬
‫مناقب مالك و مؤلفي أخباره و غيهم ‪ ،‬و ل أدري من هؤلء الفقهاء بالعراق الذين أفتوا الرشيد با‬
‫ذكر ! و قد ذكرنا مذهب العراقيي يقتله ‪ ،‬و لعلهم من ل يشهر بعلم ‪ ،‬أو من ل يوثق بفتواه ‪ ،‬أو ييل‬
‫به هواه ‪ ،‬أو يكون ما قاله يمل على غي السب ‪ ،‬فيكون اللف ‪ :‬هل هو سب أو غي سب ؟ أو‬
‫يكون رجع و تاب من سبه ‪ ،‬فلم يقله لالك على أصله ‪ ،‬و إل فالجاع على قتل من سبه كما قدمناه ‪.‬‬

‫و يدل على قتله من جهة النظر و العتبار أن من سبه أو تنقصه صلى ال عليه و سلم فقد ظهرت علمة‬
‫مرض قلبه ‪ ،‬و برهان سر طويته و كفره ‪ ،‬و لذا ما حكم له كثي من العلمء بالردة ‪ ،‬و هي رواية‬
‫الشاميي عن مالك و الوزاعي ‪ ،‬و قول الثوري ‪ ،‬و أبو حنيفة ‪ ،‬و الكوفيي ‪.‬‬
‫و القول الخر أنه دليل على الكفر فيقتل حدا ‪ ،‬و إن ل يكم له بالكفر إل أن يكون متماديا على قوله‬
‫‪ ،‬غي منكر له ‪ ،‬و ل مقلع عنه ‪ ،‬فهذا كافر ‪ ،‬و قوله ‪ :‬إما صريح كفر كالتكذيب و نوه ‪ ،‬أو من‬
‫كلمات الستهزاء و الذم ‪ ،‬فاعترافه با و ترك توبته عنها دليل استحلله لذلك ‪ ،‬و هو كفر أيضا ‪،‬‬
‫فهذا كافر بل خلف ‪ ،‬قال ال تعال ف مثله ‪ :‬يلفون بال ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد‬
‫إسلمهم [ سورة التوبة ‪ ، 9 /‬الية ‪. ] 74 :‬‬
‫قال أهل التفسي ‪ :‬هي قول هم ‪ :‬إن كان ما يقول ممد حقا لنحن شر من المي ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬قول بعضهم ‪ :‬ما مثلنا و مثل ممد إل قول القائل ‪ :‬سن كلبك يأكلك ‪ ،‬و لئن رجعنا إل‬
‫الدينة ليخرجن الغر منها الذل ‪.‬‬
‫و قد قيل إن قائل مثل هذا إن كان مستترا به إن حكمه حكم الزنديق يقتل ‪ ،‬و لنه قد غي دينه ‪ ،‬و قد‬
‫قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬من غي دينه فاضربوا عنقه ‪ ،‬و لن لكم النب صلى ال عليه و سلم ف‬
‫الرمة مزية على أمته ‪ ،‬و ساب الر من أمته يد ‪ ،‬فكانت العقوبة لن سبه صلى ال عليه و سلم‬
‫القتل ‪ ،‬لعظيم قدره ‪ ،‬و شفوف منلته على غيه ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ل ل يقتل النب اليهودي الذي قال له ‪ :‬السام عليكم ؟‬

‫فإن قلت ‪ :‬فلم ل يقتل النب صلى ال عليه و سلم اليهودي الذي قال له ‪ :‬السام عليكم‪ ،‬و هذا دعاء‬
‫عليه ‪ ،‬و ل قتل الخر الذي قال له ‪ :‬إن هذه لقسمة ما أريد با وجه ال ‪ ،‬و قد تأذى النب صلى ال‬
‫عليه و سلم من ذلك ‪ ،‬و قال ‪ :‬قد أوذي موسى بأكثر من هذا فصب ‪ ،‬و ل قتل النافقي الذين كانوا‬
‫يؤذونه ف أكثر الحيان ‪.‬‬
‫فاعلم ـ وفقنا ال و إياك ـ أن النب صلى ال عليه و سلم كان أول السلم يستألف عليه الناس و ييل‬
‫قلوبم ‪ ،‬و يبب إليهم اليان ‪ ،‬و يزينه ف قلويهم و يداريهم ‪ ،‬و يقول لصحابه ‪ :‬إنا بعثتم مبشرين و‬
‫ل تبعثوا منفرين ‪.‬‬
‫و يقول ‪ :‬يسروا و ل تعسروا ‪ ،‬و سكنوا و ل تنفروا ‪.‬‬
‫و يقول [‪ : ] 246‬ل يتحدث الناس أن ممدا يقتل أصحابه ‪.‬‬
‫و كان صلى ال عليه و سلم يداري الكفار و النافقي ‪ ،‬و يمل صحبتهم ‪ ،‬و يغضي عنهم ‪ ،‬و يتمل‬
‫من أذاهم و يصب على جفائهم ما ل يوز لنا اليوم الصب لم عليه ‪ ،‬و كان يرفقهم بالعطاء و‬
‫الحسان ‪ ،‬و بذلك أمره ال تعال ‪ ،‬فقال تعال ‪ :‬ول تزال تطلع على خائنة منهم إل قليل منهم فاعف‬
‫عنهم واصف ح إن ال يب الحسني [ سورة الائدة ‪ ،5/‬الية ‪. ]13 :‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬ادفع بالت هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ول حيم [ سورة فصلت ‪، 41/‬‬
‫الية ‪. ] 34:‬‬
‫و ذلك لاجة الناس للتألف أول السلم ‪ ،‬و جع الكلمة عليه ‪ ،‬فلما استقر و أظهره ال على الدين كله‬
‫قتل من قدر عليه ‪ ،‬و اشتهر أمره ‪ ،‬كفعله بابن خطل ‪ ،‬و من عهد بقتله يوم الفتح ‪ ،‬و من أمكنه قتله‬
‫غيلة من يهود و غيهم ‪ ،‬أو غلبه من ل ينظمه قبل سلك صحبته ‪ ،‬و النراط ف جلة مظري اليان له‬
‫من كان يؤذيه ‪ ،‬كابن الشرف ‪ ،‬و أب رافع ‪ ،‬و النضر ‪ ،‬و عقبة ‪.‬‬
‫و كذلك نذر دم جاعة سواهم ‪ ،‬ككعب بن زهي ‪ ،‬و ابن الزبعري و غيها من آذاه حت ألقوا بأيديهم‬
‫‪ ،‬و لقوه مسلمي ‪.‬‬
‫و بواطن النافقي مستترة ‪ ،‬و حكمه صلى ال عليه و سلم على الظاهر ‪ ،‬و أكثر تلك الكلمات إنا كان‬
‫يقولا القائل منهم خفية و مع أمثاله ‪ ،‬و يلفون عليها إذا نيت ‪ ،‬و ينكرونا ‪ ،‬و يلفون با ال ما‬
‫قالوا ‪ ،‬و لقد قالوا كلمة الكفر ‪ ،‬و كان مع هذا يطمع ف فيئتهم ‪ ،‬و رجوعهم إل السلم و توبتهم ‪،‬‬
‫فيصب صلى ال عليه و سلم على هناتم و جفوتم ‪ ،‬كما صب أولوا العزم من الرس ل حت فاء كثي‬
‫منهم باطنا ‪ ،‬كما فاء ظاهرا ‪ ،‬و أخلص سرا كما أظهر جهرا ‪ ،‬و نفع ال بعد بكثي منهم ‪ ،‬و قام‬
‫منهم للدين و زراء و أعوان و حاة و انصار كما جاءت به الخبار ‪.‬‬
‫و بذا أجاب بعض أئمتنا رحهم ال عن هذا السؤال ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬لعله ل يثبت عنده صلى ال عليه و سلم من أقوالم ما رفع ‪ ،‬وإنا نقله الواحد و من ل يصل‬
‫رتبة الشهادة ف مثل هذا الباب ‪ ،‬من صب أو عبد أو امرأة ‪ ،‬و الدماء ل تستباح إل بعدلي ‪.‬‬
‫و على هذا يمل أمر اليهود من السلم ‪ ،‬و أنم لووا ألسنتهم ‪ ،‬و ل يبينوه ‪ ،‬أل ترى كيف نبهت عليه‬
‫عائشة ‪ ،‬و لوكان صرح بذلك ل تنفرد بعلمه ‪ ،‬و لذا نبه النب صلى ال عليه و سلم أصحابه على‬
‫فعلهم ‪ ،‬و قلة صدقهم ف سلمهم ‪ ،‬و خيانتهم ف ذلك ليا بألسنتهم ‪ ،‬و طعنا ف الدين ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن‬
‫اليهود إذا سلم أحدهم فإنا يقول ‪ :‬السام عليكم ‪ ،‬فقولوا ‪ :‬عليكم ‪.‬‬
‫و كذلك قال بعض أصحابنا البغداديي ‪ :‬إن النب صلى ال عليه و سلم ل يقتل النافقي بعلمه فيهم ‪ ،‬و‬
‫ل يأت أنه قامت بينة على نفاقهم ‪ ،‬فلذلك تركهم ‪.‬‬
‫و أيضا فإن المر كان سرا و باطنا ‪ ،‬و ظاهرهم السلم و اليان ‪ ،‬و إن كان من أهل الذمة بالعهد و‬
‫الوار ‪ ،‬و الناس قريب عهدهم بالسلم ‪ ،‬و ل يتميز بعد البيث من الطيب ‪.‬‬
‫و قد شاع عن الذكورين ف العرب كون من يتهم بالنفاق من جلة الؤمني و صحابة سيد الرسلي ‪ ،‬و‬
‫أنصار الدين بكم ظاهرهم ‪ ،‬فلو قتلهم النب صلى ال عليه و سلم لنفاقهم و ما يبدر منهم ‪ ،‬و علمه با‬
‫أسروا [ ‪ ] 247‬ف أنفسهم لوجد النفر ما يقول ‪ ،‬و لرتاب الشارد ‪ ،‬و أرجف العاند ‪ ،‬و ارتاع من‬
‫صحبه النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و الدخول ف السلم غي واحد ‪ ،‬و لزعم الزاعم ‪ ،‬و ظن العدو‬
‫الظال ـ أن القتل إنا كان للعداوة و طلب أخذ الترة ‪.‬‬
‫و قد رأيت معن ما حررته منسوبا إل مالك بن أنس رحه ال ‪ ،‬ولذا قال صلى ال عليه و سلم ل‬
‫يتحدث الناس أن ممدا يقتل أصحابه ‪ .‬و قال ‪ :‬أؤلئك الذين نان ال عن قتلهم ‪.‬‬
‫و هذا بلف إجراء الحكام الظاهرة عليهم من حدود الزنا و القتل و شبهه ‪ ،‬لظهورها و استواء الناس‬
‫ف علمها ‪.‬‬
‫و قد قال ممد بن الواز ‪ :‬لو أظهر النافقون نفاقهم لقتلهم النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و قاله القاضي‬
‫أبو السن بن القصار ‪.‬‬
‫و قال قتادة ف تفسي قوله تعال ‪ :‬لئن ل ينته النافقون و الذين ف قلوبم مرض والرجفون ف الدينة‬
‫لنغرينك بم ث ل ياورونك فيها إل قليل * ملعوني أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيل * سنة ال ف الذين‬
‫خلوا من قبل ولن تد لسنة ال تبديل [ سورةالحذاب ‪ ، 33/‬الية ‪. ] 62 ، 60 :‬‬
‫قال ‪ :‬معناه إذا أظهروا النفاق ‪.‬‬
‫و حكى ممد بن مسلمة ف البسوط ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ـ أن قوله تعال ‪ :‬يا أيها النب جاهد الكفار‬
‫والنافقي واغلظ عليهم ‪ ،‬نسخها ما كان قبلها ‪.‬‬
‫و قال بعض مشاينا ‪ :‬لعل القائل ‪ :‬هذه قسمة ما أريد وجه ال ‪ :‬و قوله ‪ :‬اعدل ـ ل يفهم النب صلى‬
‫ال عليه و سلم منه الطعن عليه و التهمة له ‪ ،‬و إنا رآها من وجه الغلط ف الرأي ‪ ،‬و أمور الدنيا و‬
‫الجتهاد ف مصال أهلها ‪ ،‬فلم ير ذلك سبا ‪ ،‬و رأى أنه من الذى له العفو عنه و الصب عليه ‪ ،‬فلذلك‬
‫ل يعاقبه ‪.‬‬
‫و كذلك يقال ف اليهود إذا قالوا ‪ :‬السام عليكم ـ ليس فيه صريح سب و ل دعاء إل با ل بد منه من‬
‫الوت الذي ل بد من لاقه جيع البشر ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬بل الراد تسأمون دينكم ‪ .‬و السأم و السآمة ‪ :‬اللل ‪.‬‬
‫و هذا دعاء على سآمة الدين ليس بصريح سب ‪ ،‬و لذا ترجم البخاري على هذا الديث ‪ ،‬باب ـ إذا‬
‫عرض الذمي أو غيه بسبب النب صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫قال بعض علمائنا ‪ :‬و ليس هذا بتعريض بالسب ‪ ،‬و إنا هو تعريض بالذى ‪.‬‬
‫قال القاضي أبو الفضل ‪ :‬قد قدمنا أن الذى و السب ف حقه صلى ال عليه و سلم سواء ‪.‬‬
‫و قال القاضي أبو ممد بن نصر ميبا عن هذا الديث ببعض ما تقدم ‪ ،‬ث قال ‪ :‬و ل يذكر ف الديث‬
‫‪ :‬هل كان هذا اليهودي من أهل العهد و الذمة أو الرب ‪ ،‬و ل يترك موجب الدلة للمر الحتمل ‪.‬‬
‫و الول ف ذلك كله و الظهر من هذه الوجوه مقصد الستئلف و الدارة على الدين لعلهم يؤمنون ‪.‬‬
‫و لذلك ترجم البخاري على حديث القسمة و الوارج ‪ :‬باب ـ من ترك قتال الوارج للتألف ‪.‬‬
‫و لئل ينفر الناس عنه ‪ ،‬و لا ذكرنا معناه عن مالك ‪ ،‬و قررناه قبل ‪.‬‬
‫و قد صب لم صلى ال عليه و سلم على سحره و سه ‪ ،‬و هو أعظم من سبه إل أن نصره ال عليهم ‪،‬‬
‫و أذن له ف قتل من حينه منهم و إنزالم من صياصيهم ‪ ،‬و قذف ف قلوبم الرعب ‪ ،‬وكتب [ ‪] 248‬‬
‫على من شاء منهم اللء ‪ ،‬و أخرجهم من ديارهم ‪ ،‬و خرب بيوتم بأيديهم و أيدي الؤمني ‪ ،‬و‬
‫كاشفهم بالسب ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا إخوةالقردة و النازير ‪ ،‬و حكم فيهم سي وف السلمي ‪ ،‬و أجل هم من‬
‫جوارهم [ و أورثهم أرضهم و ديارهم و أموالم ‪ ،‬لتكون كلمة ال هي العليا و كلمة الذين كفروا‬
‫السفلى ] ‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬فقد جاء ف الديث الصحيح ‪ ،‬عن عائشة رضي ال عنها ـ أنه صلى ال عليه و سلم ما‬
‫انتقم لنفسه ف شيء يؤتى إليه قط ‪ ،‬إل أن تنتهك حرمة ال ‪ ،‬فينتقم ل ‪.‬‬
‫فاعلم أن هذا ل يقتضي أنه ل ينتقم من سبه أو آذاه أو كذبه ‪ ،‬فإن هذه من حرمات ال الت انتقم لا ‪،‬‬
‫و إنا يكون ما ل ينتقم له فيما تعلق بسوء أدب أو معاملة من القول أو الفعل بالنفس و الال ما ل‬
‫يقصد فاعله به أذاه ‪ ،‬لكن ما جبلت عليه العراب من الفاء ‪ ،‬و الهل ‪ ،‬أو جبل عليه البشر من الغفلة‬
‫‪ ،‬كجبذ العراب بإزاره حت أثر ف عنقه ‪ ،‬و كرفع صوت الخر عنده ‪ ،‬و كحجد العراب شراءه منه‬
‫فرسه الت شهد فيها خزية ‪ ،‬و لا كان من تظاهر زوجيه عليه ‪ ،‬و أشباه هذا ما يسن الصفح عنه ‪.‬‬
‫[ و قد قال بعض علمائنا ‪ :‬إن أذى النب صلى ال عليه و سلم حرام ل يوز بفعل مباح و ل غيه ‪.‬‬
‫و أما غيه فيجوز بفعل مباح ما ل يوز للنسان فعله ‪ ،‬و إن تأذى به غيه ‪ .‬و احتج بعموم قوله تعال‬
‫‪ :‬إن الذين يؤذون ال ورسوله لعنهم ال ف الدنيا والخرة ‪ ،‬و بقوله صلى ال عليه و سلم ف حديث‬
‫فاطمة ‪ :‬إنا بضعة من ‪ ،‬يؤذين ما يؤذيها ‪ ،‬أل و إن ل أحرم ما أحل ال ‪ ،‬و لكن ل تتمع ابنة رسول‬
‫ال و ابنة عدو ال عند رجل أبدا ] أو يكون هذا ما آذاه به كافر و جاء بعد ذلك إسلمه ‪ ،‬كعفوه عن‬
‫اليهودي الذي سحره ‪ ،‬و عن العراب الذي أراد قتله ‪ ،‬و عن اليهودية الت سته ‪ ،‬و قد قيل ‪ :‬قتلها ‪.‬‬
‫و مثل هذا ما يبلغه من أذى أهل الكتاب و النافقي ‪ ،‬فصفح عنهم رجاء استئلفهم و استئلف غيهم‬
‫كما قررناه قبل ‪ ،‬و بال التوفيق ‪.‬‬

‫فصل‬
‫الوجه الثان ‪ :‬إذا كان غي قاصد للسب ‪..‬‬

‫تقدم الكلم ف قتل القاصد لسبه و الزراء به ‪ ،‬و غمصه بأي وجه كان من مكن أو مال ‪ ،‬فهذا وجه‬
‫بي ل إشكال فيه ‪.‬‬
‫الوجه الثان لحق به ف البيان و اللء ‪ ،‬و هو أن يكون القائل لا قال ف جهته صلى ال عليه و سلم‬
‫غي قاصد للسب و الزراء ‪ ،‬و ل معتقد له ‪ ،‬و لكنه تكلم ف جهته صلى ال عليه و سلم بكلمة‬
‫الكفر ‪ ،‬من لعنه أو سبه أو تكذيبه أو إضافة ما ل يوز عليه ‪ ،‬أو نفى ما يب له ما هو ف حقه صلى‬
‫ال عليه و سلم نقيصة ‪ ،‬مثل أن ينسب إليه إتيان كبية ‪ ،‬أو مداهنة ف تبليغ الرسالة ‪ ،‬أو ف حكم بي‬
‫الناس ‪ ،‬أو يغض من مرتبته ‪ ،‬أو شرف نسبه ‪ ،‬أو وفور علمه أو زهده ‪ ،‬أو يكذب با اشتهر من أمور‬
‫أخب با صلى ال عليه و سلم و تواتر الب با عنه عن قصد لرد خبه ‪ ،‬أو يأتى بسفه من القول ‪ ،‬و‬
‫قبيح من الكلم ‪ ،‬و نوع من السب ف جهته ‪ ،‬و إن ظهر بدليل حاله أنه ل يعتمد ذمه ‪ ،‬و ل يقصد‬
‫سبه ‪ ،‬إما لهالة حلته على ما قاله ‪ ،‬أو لضجر أو سكر اضطره إليه ‪ ،‬أو قلة مراقبة و ضبط للسانه و‬
‫عجرفة و تور ف كلمه ‪ ،‬فحكم هذا الوجه حكم الوجه الول القتل دون تلعثم ‪ ،‬إذ ل يعذر أحد ف ا‬
‫لكفر بالهالة ‪ ،‬و ل بدعوى زلل اللسان ‪ ،‬و ل بشيء ما ذكرناه ‪ ،‬إذ كان عقله ف فطرته سليما ‪ ،‬إل‬
‫من أكره و قلبه مطمئن باليان ‪.‬‬
‫و بذا أفت الندلسيون على ابن حات ف نفيه الزهد عن رسول ال صلى ال عليه و سلم الذي قدمناه ‪.‬‬
‫و قال ممد بن سحنون ـ ف الأسور يسب النب صلى ال عليه و سلم ف أيدي العدو ‪ :‬يقتل إل أن‬
‫يعلم تنصره أو إكراهه ‪.‬‬
‫و عن [ ‪ ] 249‬أب ممد بن أب زيد ‪ :‬ل يعذر بدعوى زلل اللسان ف مثل هذا ‪.‬‬
‫و أفت أبو السن القابسي ـ فيمن شتم النب صلى ال عليه و سلم ف سكره ‪ :‬يقتل ‪ ،‬لنه يظن به أنه‬
‫يعتقد هذا و يفعل ف صحوه ‪.‬‬
‫و أيضا فإنه حد ل يسقطه السكر ‪ ،‬كالقذف ‪ ،‬و القتل ‪ ،‬و سائر الدود ‪ ،‬لنه أدخله على نفسه ‪ ،‬لن‬
‫من شرب المر على علم من زوال عقله با ‪ ،‬و إتيان ما ينكر منه ‪ ،‬فهو كالعامد لا بسببه ‪.‬‬
‫و على هذا ألزمناه الطلق و العتاق ‪ ،‬و القصاص و الدود ‪.‬‬
‫و ل يعترض على هذا بديث حزة و قوله للنب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬و هل أنتم إل عبيد لب ! ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فعرف النب صلى ال عليه و سلم أنه ثل فانصرف ‪ ،‬لن المر كانت حنيئذ غي مرمة ‪ ،‬فلم‬
‫يكن ف جناياتا إث ‪ ،‬و ك ان حكم ما يدث عنها معفوا عنه كما يدث من النوم و شرب الدواء‬
‫الأمون ‪.‬‬

‫فصل‬
‫الوجه الثالث ـ أن يقصد إل تكذيبه فيما قاله و أتى به ‪..‬‬

‫الوجه الثالث أن يقصد إل تكذيبه فيما قاله و أتى به ‪ ،‬أو ينفي نبوته أو رسالته ‪ ،‬أو وجوده ‪ ،‬أو يكفر‬
‫به ‪ ،‬انتقل بقوله ذلك إل دين آخر غي ملته أم ل ‪ ،‬فهذا كافر بإجاع ‪ ،‬يب قتله ‪ ،‬ث ينظر فإن كان‬
‫مصرحا بذلك كان حكمه أشبه بكم الرتد ‪ ،‬و قوي اللف ف استتابته ‪.‬‬
‫و على القول الخر ل يسقط عنه توبته لق النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬إن كان ذكره بنقيصة فيما قاله‬
‫من كذب أو غيه ‪ ،‬و إن كان مستسرا بذلك فحكمه حكم الزنديق ل تسقط قتله التوبة عندنا كما‬
‫سنبينه ‪.‬‬
‫قال أبو حنيفة و أصحابه ‪ :‬من بريء من ممد ‪ ،‬أو كذب به ‪ ،‬فهو مرتد حلل الدم إل أن يرجع ‪.‬‬
‫و قال ابن القاسم ـ ف السلم إذا قال ‪ :‬إن ممدا ليس بنب ‪ ،‬أو ل يرسل ‪ ،‬أو ل ينل عليه قرآن ‪ ،‬و‬
‫إنا هو شيء تقوله ‪ :‬يقتل ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬و من كفر برسول ال صلى ال عليه و سلم و أنكره من السلمي ‪ ،‬فهو بنلة الرتد ‪ ،‬و كذلك‬
‫من أعلى بتكذيبه أنه كالرتد يستتاب ‪.‬‬
‫و كذلك قال فيمن تنبأ ‪ ،‬و زعم أنه يوحى إليه ‪ ،‬و قاله سحنون ‪.‬‬
‫قال ابن القاسم ‪ :‬دعا إل ذلك سرا و جهرا ‪.‬‬
‫قال أصبغ ‪ :‬و هو كالرتد ‪ ،‬لنه قد كفر بكتاب ال مع الفرية على ال ‪.‬‬
‫و قال أشهب ـ ف يهودي تنبأ أو زعم أنه أرسل إل الناس ‪ ،‬أو قال ‪ :‬بعد نبيكم نب ـ أنه يستتاب إن‬
‫كان معلنا بذلك ‪ ،‬فإن تاب و إل قتل ‪ ،‬و ذلك لنه مكذب للنب صلى ال عليه و سلم ف قوله ‪ ،‬ل نب‬
‫بعدي ‪ ،‬مفتر على ال ف دعواه عليه الرسالة و النبوة ‪.‬‬
‫و قال ممد بن سحنون ‪ :‬من شك ف حرف ما جاء به النب صلى ال عليه و سلم عن ال فهو كافر‬
‫جاحد ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬من كذب النب صلى ال عليه و سلم كان حكمه عند المة القتل ‪.‬‬
‫و قال أحد بن أب سليمان صاحب سحنون ‪ :‬من قال ‪ :‬إن النب صلى ال عليه و سلم أسود ـ قتل ‪،‬‬
‫ل يكن النب صلى ال عليه و سلم بأسود ‪.‬‬
‫و قال نوه أبو عثمان الداد ‪ ،‬قال ‪ :‬لو قال ‪ :‬إنه مات قبل أن يلتحي ‪ ،‬أو إنه كان بتاهرت و ل يكن‬
‫بتهامة قتل ‪ ،‬لن هذا نفي ‪.‬‬
‫قال حبيب بن ربيع تبديل صفته و مواضعه كفر ‪ ،‬و الظهر [ ‪ ] 250‬له كافر ‪ ،‬و فيه الستتابة و السر‬
‫له زنديق ‪ ،‬يقتعل دون استتابة ‪.‬‬

‫فصل‬
‫الوجه الرابع ـ أن يأت من الكلم بجمل و يلفظ من القول بشكل يكن حله على النب‬
‫أو غيه ‪..‬‬

‫الوجه الرابع أن يأت من الكلم بجمل ‪ ،‬و بلفظ من القول بشكل يكن حله على النب صلى ال عليه و‬
‫سلم أو غيه ‪ ،‬أو يتردد ف الراد به من سلمته من الكروه أو شره ‪ ،‬فها هنا متردد النظر و حية العب ‪،‬‬
‫و مظنة اختلف الجتهدين ‪ ،‬و وقفة استباء القلدين ‪ ،‬ليهلك من هلك عن بينة ‪ ،‬و يي من حي عن‬
‫بينة ‪ ،‬فمنهم من غلب حرمة النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و حى حى عرضه ‪ ،‬فجسر على القتل ‪ ،‬و‬
‫منهم من عظم حرمة الدم ‪ ،‬و درأ الد بالشبهة لحتمال القول ‪.‬‬
‫و قد اختلف أئمتنا ف رجل أغضبه غريه ‪ ،‬فقال له ‪ :‬صل على النب ممد ‪ ،‬فقال له الطالب ‪ :‬ل صلى‬
‫ال على من صلى عليه ‪ ،‬فقيل لسحنون ‪ :‬هل هو كمن شتم النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬أو شتم‬
‫اللئكة الذين يصلون عليه ‪ ،‬قال ‪ :‬ل ‪ ،‬إذا كان على ما وصفت من الغضب ‪ ،‬لنه ل يكن مضمرا‬
‫الشتم ‪.‬‬
‫و قال أبو إسحاق البقي ‪ ،‬و أصبغ بن الفرج ‪ :‬ل يقتل ‪ ،‬لنه إنا شتم الناس ‪ ،‬و هذا نو قول سحنون‬
‫‪ :‬لنه ل يعذره بالغضب ف شتم النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و لكنه لا احتمل الكلم عنده ‪ ،‬و ل تكن‬
‫معه قرينة على شتم النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬أو شتم اللئكة صلوات ال عليهم ‪ ،‬و ل مقدمة يمل‬
‫عليها كلمه ‪ ،‬بل القرينة تدل على أن مراده الناس غي هؤلء ‪ ،‬لجل قول الخر له ‪ :‬صل على النب ‪،‬‬
‫فحمل قوله و سبه لن يصلي عليه الن لجل أمر الخر له بذا عند غضبه ‪.‬‬
‫هذا معن قول سحنون ‪ ،‬و هو مطابق لعلة صاحبيه ‪.‬‬
‫و ذهب الارث بن مسكي القاضي و غيه ف مثل هذا إل القتل ‪.‬‬
‫و توقف أبو السن القابسي ف قتل رجل قال ‪ :‬كل صاحب فندق قرنان ‪ ،‬و لو كان نبيا مرسلً ‪ ،‬فأمر‬
‫بشده بالقيود و التضييق عليه حت تستفهم البينة عن جلة ألفاظه ‪ ،‬و ما يدل على مقصده ‪ ،‬هل أراد‬
‫أصحاب الفنادق الن فمعلوم أنه ليس فيهم نب مرسل ‪ ،‬فيكون أمره أخف ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬و لتكن ظاهر لفظه العموم لكل صاحب فندق من التقدمي و التأخرين ‪ .‬و قد كان فيمن تقدم‬
‫من النبياء و الرسل من اكتسب الال ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬و دم السلم ل يقدم عليه إل بأمر بي ‪ .‬و ما ترد إليه التأويلت ل بد من إنعام النظر فيه ‪ .‬هذا‬
‫معن كلمه ‪.‬‬
‫و حكي عن أب ممد بن أب زيد رحه ال ـ فيمن قال ‪ :‬لعن ال العرب ‪ ،‬و لعن ال بن إسرائيل ‪ ،‬و‬
‫لعن ال بن آدم ‪ ،‬و ذكر أنه ل يرد النبياء ‪ ،‬و إنا أردت الظالي منهم ـ إن عليه الدب بقدر إجتهاد‬
‫السلطان ‪.‬‬
‫و كذلك أفت ـ فيمن قال ‪ :‬لعن ال من حرم السكر ‪ ،‬و قال ‪ :‬ل أعلم من حرمه ‪.‬‬
‫و فيمن لعن حديث ‪ :‬ل يبع حاضر لباد ‪ .‬و لعن من جاء به ـ إنه إن كان يعذر بالهل و عدم معرفة‬
‫السنن فعليه الدب الوجيع ‪ ،‬و ذلك أن هذا ل يقصد بظاهرة حاله سب ال و ل سب رسوله ‪ ،‬و إنا‬
‫لعن من حرمه من الناس على نو فتوى سحنون و أصحابه ف السألة التقدمة ‪.‬‬
‫و مثل هذا ما يري ف كلم سفهاء الناس [ ‪ ] 251‬ف قول بعضهم لبعض ‪ :‬يا بن ألف خنير ‪ ،‬و ابن‬
‫مائة كلب ‪ ،‬وشبهه من هجر القول ‪.‬‬
‫و ل شك أنه يدخل ف مثل هذا العدد من آبائه و أجداده جاعة من النبياء ‪ ،‬و لعل بعض هذا العدد‬
‫منقطع إل آدم عليه السلم ‪ ،‬فينبغي الزجر عنه ‪ ،‬و تبيي ما جهله قائله منه و شدة الدب فيه ‪.‬‬
‫و لو علم أنه قصد سب من ف آبائه من النبياء على علم لقتل ‪.‬‬
‫و قد يقيض القول ف نو هذا لو قال لرجل هاشي ‪ :‬لعن ال بن هاشم ـ و قال ‪ :‬أردت الظالي منهم‬
‫‪ ،‬أو قال لرجل من ذرية النب صلى ال عليه و سلم قولً قبيحا ف أبائه أو من نسله أو ولده على علم‬
‫من ه أنه من ذرية النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و ل تكن قرينة ف السألتي تقتضي تصيص بعض أبائه ‪،‬‬
‫و إخراج النب صلى ال عليه و سلم من سبه منهم ‪.‬‬
‫[ و قد رأيت لب موسى عيسى بن مناس ـ ف من قال لرجل ‪ :‬لعنك ال إل آدم عليه السلم ـ أنه‬
‫إن ثبت عليه ذلك قتل ] ‪.‬‬
‫و قد كان اختلف شيوخنا فيمن قال لشاهد شهد عليه بشيء ث قال له ‪ :‬تتهمن ؟ قال له الخر ‪:‬‬
‫النبياء يتهمون ‪ ،‬فكيف أنت ؟ فكان شيخنا أبو إسحاق بن جعفر يرى قتله ‪ ،‬لبشاعة ظاهر اللفظ ‪.‬‬
‫و كان القاضي أبو ممد بن منصور يتوقف عن القتل لحتمل اللفظ عنده أن يكون خبا عمن أتمهم‬
‫من الكفار ‪.‬‬
‫و أفت فيها قاضي قرطبة أبو عبد ال ابن الاج بنحو هذا ‪.‬‬
‫و شدد القاضي أبو ممد تصفيده ‪ ،‬و أطال سجنه ‪ ،‬ث استحلفه بعد على تكذيب ما شهد به عليه ‪ ،‬إذ‬
‫دخل ف شهادة بعض من شهد عليه وهن ‪ ،‬ث أطلقه ‪.‬‬
‫و شاهدت شيخنا القاضي أبو عبد ال ممد بن عيسى أيام قضائه أتى برجل هاتر رجلً ‪ ،‬ث قصد إل‬
‫كلب فضربه برجله و قال له ‪ :‬قم يا ممد ‪ ،‬فأنكر الرجل أن يكون قال ذلك ‪ ،‬و شهد عليه لفيف من‬
‫الناس ‪ ،‬فأمر به إل السجن ‪ ،‬و تقصى عن حاله ‪ ،‬و هل يصحب من يستر اب بدينه ؟ فلما ل يد ما‬
‫يقوي الريبة باعتقاده ضربه بالسوط و أطلقه ‪.‬‬

‫فصل‬
‫الوجه الامس ـ أل يقصد نقصا ‪. .‬‬

‫الوجه الامس أل يقصد نقصا ‪ ،‬و ل يذكر عيبا و ل سبا ‪ ،‬لكنه ينع بذكر بعض أوصافه ‪ ،‬أو‬
‫يستشهد ببعض أحواله صلى ال عليه و سلم الائزة عليه ف الدنيا على طريق ضرب الثل ‪ ،‬و الجة‬
‫لنفسه أو لغيه ‪ ،‬أو على التشبه به ‪ ،‬أو عند هضمية نالته ‪ ،‬أو غضاضة لقته ‪ ،‬ليس على طريق التأسي‬
‫و طريق التحقيق ‪ ،‬بل على مقصد الترفيع لنفسه أو لغيه ‪ ،‬أو على سبيل التمثيل و عدم التوقي لنبيه‬
‫صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬أو على قصد الزل و التندير بقوله ‪ ،‬كقول القائل ‪ :‬إن قيل ف السوء فقد قيل‬
‫ف النب ‪ ،‬و إن كذبت فقد كذب النبياء ‪ ،‬أو إن أذنبت فقد أذنبوا ‪ ،‬أو أنا أسلم من ألسنة الناس و ل‬
‫يسلم منهم أنبياء ال و رسوله ‪ ،‬أو قد صبت كما صب أولوا العزم ‪ ،‬أو كصب أيوب ‪ ،‬أو قد صب نب‬
‫ال عن عداه ‪ ،‬وحلم على أكثر ما صبت ‪ ،‬و كقول التنب ‪:‬‬
‫ال غريب كصال ف ثود‬ ‫أنا ف أمة تداركها‬
‫و نوه من أشعار التعجرفي ف القول ‪ ،‬التساهلي ف الكلم ‪ ،‬كقول العري ‪:‬‬
‫غي أن ليس فيكما من فقي‬ ‫كنت موسى وافته بنت شعيب‬
‫على أن آخر البيت شديد ‪ ،‬و داخل ف باب الزراء و الت حقي بالنب [ ‪ ] 252‬صلى ال عليه و سلم‬
‫‪ ،‬و تفضيل حال غيه عليه ‪.‬‬
‫و كذلك قوله ‪:‬‬
‫قلنا ممد من أبيه بديل‬ ‫لول انقطاع الوحي بعد ممد‬
‫هو مثله ف الفضل إل أنه ل يأته برسالة جبيل‬
‫فصدر البيت الثان من هذا الفصل شديد ‪ ،‬لتشبيهه غي النب ف فضله بالنب ‪ ،‬و العجز متمل لوجهي ‪:‬‬
‫أحدها أن هذا الفضيلة نقصت المدوح ‪ ،‬و الخر استغناؤه عنها ‪ .‬و هذا أشد ‪.‬‬
‫و نو منه قول الخر ‪:‬‬
‫صفقت بي جناحي جبين‬ ‫و إذا ما رفعت راياته‬
‫و قول الخر من أهل العصر ‪:‬‬
‫فصب ال قلب رضوان‬ ‫فر من اللد و استجار بنا‬
‫و كقول حسان الصيصي من شعراء الندلس ف ممد بن عباد العروف بالعتمد و وزيره أب بكر بن‬
‫زيدون ‪:‬‬
‫و حسان حسان و أنت ممد‬ ‫كأن أبا بكر أبو بكر الرضا‬
‫و إنا أكثرنا شاهدنا مع استثقالنا حكايتها لتعريف أمثلتها و لتساهل كثي من الناس ف ولوج هذا الباب‬
‫الضنك ‪ ،‬و استخفافهم فادح هذا العبء و قلة علمهم بعظيم ما فيه من الوزر ‪ ،‬و كلمهم منه با ليس‬
‫لم به علم ‪ ،‬و يسبونه هينا و هو عند ال عظيم ‪ ،‬ل سيما الشعراء ‪ .‬و أشدهم فيه تصريا ‪ ،‬و للسانه‬
‫تسريا ‪ ،‬و ل لسانه تسريا ابن هانءالندلسي‪ ،‬و ابن سليمان العري ‪ ،‬بل قد خرج كثي من كلمهما‬
‫إل حد الستخفاف و النقص و صريح الكفر ‪.‬‬
‫و قد أجبنا عنه ‪ ،‬و غرضنا الن الكلم ف الفصل الذي سقنا أمثلته ‪ ،‬فإن هذه كلها و إن ل تتضمن سبا‬
‫‪ ،‬و ل أضافت إل اللئكة و النبياء نقصا ‪ ،‬و لست أعن عجزى بيت العري ‪ ،‬و ل قصد قائلها إزراء‬
‫و غضا ‪ ،‬فما وقر النبوة ‪ ،‬و ل عظم الرسالة ‪ ،‬و ل عزز حرمة الصطفاء ‪ ،‬و ل عزز حظوة الكرامة‬
‫حت شبه من شبه ف كرامة نالا ‪ ،‬أو معرة قصد النتقاء منها ‪ ،‬أو ضرب مثل لتطيب ملسه ‪ ،‬أو إغلء‬
‫ف وصف لتحسي كلمه بن عظم ال خطره ‪ ،‬و شرف قدره ‪ ،‬و ألزم توقيه و بره ‪ ،‬و نى عن جهر‬
‫القول له ‪ ،‬و رفع الصوت عنده ‪.‬‬
‫فحق هذا إن درئ عنه القتل الدب و السجن و قوة تعزيزه بسب شنعة مقاله ‪ ،‬و مقتضى قبح ما نطق‬
‫به ‪ ،‬و مألوف عادته لثله ‪ ،‬أو ندوره ‪ ،‬و قرينة كلمه ‪ ،‬أو ندمه على ما سبق منه ‪ ،‬و ل يزل التقدمون‬
‫ينكرون مثل هذا من جاء به ‪ ،‬و قد أنكر الرشيد على أب نواس قوله ‪:‬‬
‫فإن يك باقي سحر فرعون فيكم فإن عصا موسى بكف خصيب‬
‫و قال له ‪ :‬يا بن اللخناء ‪ ،‬أنت الستهزئ بعصا موسى ! و أمر بإخ راجه عن عسكره من ليلته ‪.‬‬
‫و ذكر القتب أن ما أخذ عليه أيضا ‪ ،‬و كفر فيه ‪ ،‬أو قارب ـ قوله ف ممد المي و تشبيهه إياه بالنب‬
‫صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬حيث قال ‪:‬‬
‫تنازع الحدان الشبه فاشتبها خلقا و خلقا كما قد الشرا كان‬
‫[ ‪ ] 253‬و قد أنكروا عليه أيضا قوله ‪:‬‬
‫كيف ل يدنيك من أمل من رسول ال من نفره‬
‫لن حق الرسول و موجب تعظيمه و إنافة منلته أن يضاف إليه ‪ ،‬و ل يضاف ‪.‬‬
‫فالكم ف أمثال هذا ما بسطناه ف طريق الفتيا على هذا النهج جاءت فتيا إمام مذهبنا مالك بن أنس‬
‫رحه ال و أصحابه ‪:‬‬
‫ففي النوادر من رواية ابن أب مري عنه ف رجل عي رجلً بالفقر ‪ ،‬فقال ‪ :‬تعين بالفقر و قد رعى النب‬
‫صلى ال عليه و سلم الغنم ؟ فقال مالك ‪ :‬قد عرض بذكر النب صلى ال عليه و سلم ف غي موضعه ‪،‬‬
‫أرى أن يؤدب ‪ ،‬قال ‪ :‬و ل ينبغي لهل الذنوب إذا عوتبوا أن يقولوا ‪ :‬قد أخطأت النبياء قبلنا ‪.‬‬
‫و قال عمر بن عبد العزيز لرجل ‪ :‬انظر لنا كاتبا يكون أبوه عربيا ‪ .‬فقال كاتب له ‪ :‬قد كان أبو النب‬
‫كافرا ‪ ،‬فقال ‪ :‬جعلت هذا مثلً ! فعزله ‪ ،‬و قال ‪ :‬ل تكتب ل أبدا ‪.‬‬
‫و قد كره سحنون أن يصلى على النب صلى ال عليه و سلم عند التعجب إل على طريق الثواب و‬
‫الحتساب ‪ ،‬توقيا له و تعظيما ‪ ،‬كما أمرنا ال ‪.‬‬
‫و سئل القابسي عن رجل قال لرجل قبيح كأنه وجه نكي ‪ ،‬و لرجل عبوس كأنه وجه مالك الغضبان ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬أي شيء أراد بذا ‪ ،‬و نكي أحد فتان القب ‪ ،‬و ها ملكان ‪ ،‬فما الذي أراد ! أروع دخل عليه‬
‫حي رآه من وجهه ‪ ،‬أم عاف النظر إليه لدمامة خلقه ‪ ،‬فإن كان هذا فهو شديد ‪ ،‬لنه جرى مرى‬
‫التحقي و التهوين ‪ ،‬فهو أشد عقوبة ‪ ،‬و ليس فيه تصريح بالسب للملك ‪ ،‬و إنا السب واقع على‬
‫الخاطب ‪ .‬و ف الدب بالسوط و السجن نكال للسفهاء ‪ ،‬قال ‪ :‬و أما ذاكر مالك خازن النار فقد‬
‫جفا الذي ذكره عندما أنكر حاله من عبوس الخر إل أن يكون العبس له يد فيهب بعبسته ‪ ،‬فيشبهه‬
‫القائل على طريق الذم لذا ف فعله ‪ ،‬و لزومه ف ظلمه صفة مالك اللك الطيع لربه ف فعله ‪ ،‬فيقول‬
‫كأنه ل يغضب غضب مالك ‪ ،‬فيكون أخف ‪ ،‬و ما كان ينبغي له التعرض لثل هذا ‪ ،‬و لو كان أثن‬
‫على العبوس يعبسته ‪ ،‬و احتج بصفة مالك كان أشد ‪ ،‬و يعاقب العاقبة الشديدة ‪ ،‬و ليس ف هذا ذم‬
‫للملك ‪ ،‬و لو قصد ذمه لقتل ‪.‬‬
‫و قال أبو السن أيضا ف شاب معروف ب الي قال لرجل شيئا ‪ ،‬فقال الرجل ‪:‬‬
‫اسكت ‪ ،‬فإنك أمي ‪ .‬فقال الشاب ‪ :‬أليس كان النب صلى ال عليه و سلم أميا ! فشنع عليه مقاله ‪ ،‬و‬
‫كفره الناس ‪ ،‬و أشفق الشاب ما قال ‪ ،‬و أظهر الندم عليه ‪ ،‬فقال أبو السن ‪ :‬أما إطلق الكفر عليه‬
‫فخطأ ف استشهاده بصفة النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و كون النب أميا له ‪ ،‬و كون هذا أميا نقيصة فيه‬
‫و جهالة ‪.‬‬
‫و من جهالته احتجاجه بصفة النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬لكنه إذا استغفر و تاب ‪ ،‬و اعترف و لأ إل‬
‫ال فيترك ‪ ،‬لن قوله ل ينتهي إل حد القتل ‪ ،‬و ما طريقه الدب فطوع فاعله بالندم عليه يوجب الكف‬
‫عنه ‪.‬‬
‫و نزلت أيضا مسألة استفت فيها بعض قضاة الندلس شيخا القاضي أبا ممد ابن منصور رحه ال ف‬
‫رجل تنقصه ‪ ] 256 [ .‬آخر بشيء ‪ ،‬فقال له ‪ :‬إنا تريد نقصي بقولك ‪ ،‬و أنا بشر ‪ ،‬و جيع البشر‬
‫يلحقهم النقص حت النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فأفتاه بإطالة سجنه ‪ ،‬و إياع أدبه ‪ ،‬إذ ل يقصد‬
‫السب ‪ ،‬و كان بعض فقهاء الندلس أفت بقتله ‪.‬‬

‫فصل‬
‫الوجه السادس ـ أن يقول ذلك حاكيا عن غيه‬

‫الوجه السادس أن يقول القائل ذلك حاكيا عن غيه ‪ ،‬و آثرا له عن سواه ‪ ،‬فهذا ينظر ف صورة‬
‫حكايته و قرينة مقالته ‪ ،‬و يتلف الكم باختلف ذلك على أربعة وجوه ‪ :‬الوجوب ‪ ،‬و الندب ‪ ،‬و‬
‫الكراهة ‪ ،‬التحري ‪ ،‬فإن كان أخب به على وجه الشهادة و التعريف بقائله ‪ ،‬و النكار و العلم بقوله ‪،‬‬
‫و التنفي منه ‪ ،‬و التجريح له ـ فهذا ما ينبغي امتثاله ‪ ،‬و يمد فاعله ‪ ،‬و كذلك إن حكاه ف كتاب أو‬
‫ف ملس على طريق الرد له و النقض على قائله ‪ ،‬و للفتيا با يلزمه ‪.‬‬
‫و هذا منه ما يب ‪ ،‬و منه ما يستحب بسب حالت الاكي لذلك و الحكي عنه ‪ ،‬فإن كان القائل‬
‫لذلك من تصدى لن يؤخذ عنه العلم أو رواية الديث ‪ ،‬أو يقطع بكمه أو شهادته ‪ ،‬أو فتياه ف‬
‫القوق ـ وجب على سامعه الشادة با سع منه و التنفي للناس عنه ‪ ،‬و الشهادة عليه با قاله ‪ ،‬و‬
‫وجب على من بلغه ذلك من أئمة السلمي إنكاره ‪ ،‬و بيان كفره ‪ ،‬و فساد قوله ‪ ،‬لقطع ضرره عن‬
‫السلمي ‪ ،‬و قياما بق سيد الرسلي ‪ ،‬و كذلك إن كان من يعظ العامة ‪ ،‬أو يؤدب الصبيان فإن من‬
‫هذه سريرته ل يؤمن على إلقاء ذلك ف قلوبم ‪ ،‬فيتأكد ف هؤلء ا لياب لق النب صلى ال عليه و‬
‫سلم ‪ ،‬و لق شريعته ‪.‬‬
‫و إن ل يكن القائل بذه السبيل فالقيام بق النب صلى ال عليه و سلم واجب ‪ ،‬و حاية عرضه متعي ‪،‬‬
‫و نصرته عن الذى حيا و ميتا مستحق على كل مؤمن ‪ ،‬لكنه إذا قام بذا من ظهر به الق ‪ ،‬و فصلت‬
‫به القضية ‪ ،‬و بان به المر سقط عن الباقي الفرض ‪ ،‬و بقي الستحباب ف تكثي الشهادة عليه ‪ ،‬و‬
‫عضد التحذير منه ‪.‬‬
‫و قد أجع السلف على بيان حال التهم ف الديث ‪ ،‬فكيف بثل هذا ؟ ‪.‬‬
‫و قد سئل أبو ممد بن أب زيد عن الشاهد يسمع مثل هذا ف حق ال تعال ‪ :‬أيسعه أل يؤدي‬
‫شهادته ؟ قال ‪ :‬إن رجا نفاذ الكم بشهادته فليشهد ‪.‬‬
‫و كذلك إن علم أن الاكم ل يرى القتل با شهد به ‪ ،‬و يرى الستتابة و الدب فليشهد ‪ ،‬و يلزمه‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫و أما الباحة لكاية قوله لغي هذين القصدين ‪ ،‬فل أرى لا مدخلً ف هذا الباب ‪ ،‬فليس التفكه بعرض‬
‫رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و التمضمض بسوء ذكره لحد ‪ ،‬ل ذاكرا و ل آثرا لغي غرض‬
‫شرعي بباح ‪.‬‬
‫و أما للغراض التقدمة فمتردد بي الياب و الستحباب ‪.‬‬
‫و قد حكى ال تعال مقالت الفترين عليه و على رسله ف كتابه على وجه النكار لق ولم ‪ ،‬و‬
‫التحذير من كفرهم ‪ ،‬و الوعيد عليه ‪ ،‬و الرد عليهم با تله ال علينا ف مكم كتابه ‪.‬‬
‫و كذلك وقع من أمثاله ف أحاديث النب ال صلى ال عليه و سلم الصحيحة على الوجوه التقدمة ‪ ،‬و‬
‫أجع السلف و اللف من أئمة الدى على حكايات مقالت الكفرة و اللحدين ف كتبهم مالسهم‬
‫ليبينوها للناس ‪ ،‬و ينقضوا شبهها عليهم [ ‪ ، ] 255‬و إن كان ورد لحد بن حنبل إنكار لبعض هذا‬
‫على الارث ابن أسد ‪ ،‬فقد صنع أحد مثله ف رده على الهمية و القائلي بالخلوق ‪.‬‬
‫هذه الوجوه السائغة الكاية عنها ‪ ،‬فأما ذكرها على غي هذا من حكاية سبه و الزراء بنصبه على وجه‬
‫الكايات و السار و الطرف و أحاديث الناس و مقالتم ف الغث و السمي ‪ ،‬و مضاحك الجان ‪ ،‬و‬
‫نوادر السخفاء ‪ ،‬و الوض ف قيل و قال ‪ ،‬و ما ل يعن ـ فكل هذا منوع ‪ ،‬و بعضه أشد ف النع و‬
‫العقوبة من بعض ‪ ،‬فما كان من قائله الاكي له على غي قصد أو معرفة بقدار ما حكاه ‪ ،‬أو ل تكن‬
‫عادته ‪ ،‬أو ل يكن الكلم من البشاعة حيث هو ‪ ،‬و ل يظهر على حاكيه استحسانه و استصوابه ـ‬
‫زجر عن ذلك ‪ ،‬و ني عن العودة إليه ‪ ،‬وإن قوم ببعض الدب فهو مستوجب له ‪ ،‬و إ‪ ،‬كان لفظه من‬
‫الب شاعة حيث هو كان الدب أشد ‪.‬‬
‫و قد حكي أن رجلً سأل مالكا عمن يقول ‪ :‬القرآن ملوق ‪ .‬فقال مالك ‪ :‬كافر فاقتلوه ‪ .‬فقال ‪ :‬إنا‬
‫حكيته عن غيي ‪ .‬فقال مالك ‪ :‬إنا سعناه منك ‪.‬‬
‫و هذا من مالك على طريق الزجر و التغليظ ‪ ،‬بدليل أنه ل ينفذ قتله ‪.‬‬
‫و إن اتم هذا الاكي فيما حكاه أنه اختلقه ‪ ،‬و نسبه إل غيه ‪ ،‬أو كانت تلك عادة له ‪ ،‬أو ظهر‬
‫استحسانه لذلك ‪ ،‬أو كان مولعا بثله ‪ ،‬و الستخفاف له ‪ ،‬أو التحفظ لثله ‪ ،‬و طلبه ‪ ،‬و رواية أشعار‬
‫هجوه صلى ال عليه و سلم و سبه ‪ ،‬فحكم هذا حكم الساب نفسه ‪ ،‬يؤاخذ بقوله ‪ ،‬و ل تنفعه نسبته‬
‫إل غيه ‪ ،‬فيبادر بقتله و يعجل إل الاوية أمه ‪.‬‬
‫قال أبو عبيد القاسم بن سلم ـ فيمن حفظ شطر بيت ما هجي به النب صلى ال عليه و سلم فهو‬
‫كفر ‪.‬‬
‫و قد ذكر بعض من ألف ف الجاع ـ إجاع السلمي على تري رواية ما هجي به النب صلى ال عليه‬
‫و سلم ‪ ،‬و كتابته و قراءته ‪ ،‬و تركه مت وجد دون مو و رحم ال أسلفنا التقي التحرزين لدينهم ‪،‬‬
‫فقد أسقطوا من أحاديث الغازي و السي ما كان هذا سبيله ‪ ،‬و تركوا روايته إل أشياء ذكروها يسية‬
‫و غي مستبشعة ‪ ،‬على نو الوجوه الول ‪ ،‬ليوا نقمة ال من قائلها ‪ ،‬و أخذه الفتري عليه بذنبه ‪.‬‬
‫و هذا أبو عبيد القاسم بن سلم رحه ال قد ترى فيما اضطر إل الستشهاد به من أهاجي أشعار‬
‫العرب ف كتبه ‪ ،‬فكن عن اسم الهجو بوزن اسه ‪ ،‬استباء لدينه ‪ ،‬و تفظا من الشاركة ف ذم أحد أو‬
‫نشره ‪ ،‬فكيف با يتطرق إل عرض سيد البشر صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬

‫فصل‬
‫الوجه السابع ـ أن يذكر ما يوز على النب ‪ ،‬أو يتلف ف جوازه‬

‫الوجه السابع أن يذكر ما يوز على النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬أو يتلف ف جوازه عليه ‪ ،‬و ما يطرأ‬
‫من المور البشرية به ‪ ،‬و تكن إضافتها إليه ‪ ،‬أو يذكر ما امتحن به ‪ ،‬و صب ف ذات ال على شدته من‬
‫مقاساة أعدائه ‪ ،‬و أذاهم له ‪ ،‬و معرفة ‪ ،‬ابتداء حاله و سيته ‪ ،‬و ما لقيه من بؤس زمنه ‪ ،‬و مر عليه من‬
‫معاناة عيشه ‪ ،‬كل ذلك على طريق الرواية ‪ ،‬و مذاكرة العلم ‪ ،‬و معرفة ما صحت منه العصمة للنبياء ‪،‬‬
‫و ما يوز عليهم ـ فهذا فن خارج عن هذه الفنون الستة ‪ ،‬إذ ليس فيه غمص و ل نقص ‪ ،‬و ل إزراء‬
‫و ل استخفاف ‪ ،‬ل ف ظاهر اللفظ [ ‪ ] 256‬و ل ف مقصد اللفظ ‪ ،‬لكن يب أن يكون الكلم فيه‬
‫مع أهل العلم و فهماء طلبة الدين من يفهم مقاصده ‪ .‬و يققون فوائده ‪ ،‬و ينجب ذلك من عساه ل‬
‫يفقه ‪ ،‬أو يشى به فتنته ‪ ،‬فقدكره بعض السلف تعليم النساء سورة يوسف ‪ ،‬لا انطوت عليه من تلك‬
‫القصص لضعف معرفتهن ‪ ،‬و نقص عقولن و إدراكهن ‪ ،‬فقد قال صلى ال عليه و سلم ال ـ مبا‬
‫عن نفسه باستيجار لرعاية الغنم ف ابتداء حاله ‪ ،‬و قال ‪ :‬ما من نب إل و قد رعى الغنم ‪.‬‬
‫و أخبنا الل ه تعال بذلك عن موسى عليه السلم ‪ ،‬و هذا ل غضاضة فيه جلة واحدة لن ذكره على‬
‫وجهه ‪ ،‬بلف من قصد به الغضاضة و التحقي ‪ ،‬بل كانت عادة جيع العرب ‪.‬‬
‫نعم ‪ ،‬ف ذلك للنبياء حكمة بالغة ‪ ،‬و تدريج ل تعال لم إل كرامته ‪ ،‬و تدريب برعايتها لسياسة‬
‫أمهم من خليقته با سبق لم من الكرامة ف الزل ‪ ،‬و متقدم العلم ‪.‬‬
‫و كذلك قد ذكر ال يتمه و عيلته على طريق النة عليه ‪ ،‬و التعريف بكرامته له ‪ ،‬فذكر الذاكر لا على‬
‫وجه تعريف حاله ‪ ،‬و الب عن مبتدئه ‪ ،‬و التعجب من منح ال قبله ‪ ،‬و عظيم منته عنده ليس فيه‬
‫غضاضة ‪ ،‬بل فيه دللة على نبوته و صحة دعوته ‪ ،‬إذ أظهره ال تعال بعد هذا على صناديد العرب و‬
‫من ناوأه من أشرافهم شيئا فشيئا ‪ ،‬و نى أمره حت قهرهم ‪ ،‬و تكن من ملك مقاليدهم ‪ ،‬و استباحة‬
‫مالك كثي من المم غيهم ‪ ،‬بإظهار ال تعال له ‪ ،‬و تأييده بنصره و بالؤمني ‪ ،‬و ألف بي قلوبم ‪ ،‬و‬
‫إمداده باللئكة السومي ‪ ،‬و لو كان ابن ملك أو ذا أشيع متقدمي لسب كثي من الهال أن ذلك‬
‫موجب ظهوره ‪ ،‬و مقتضى علوه ‪ ،‬و لذا قال هرقل ـ حي سأل أبا سفيان عنه ‪ :‬هل ف آبائه من‬
‫ملك ؟ فقال ‪ :‬ل ‪ .‬ث قال ‪ :‬و لو كان ف آبائه ملك لقلنا ‪ :‬رجل يطلب ملك أبيه ‪ ،‬و إذا اليتيم من‬
‫صفته و إحدى علماته ف الكتب التقدمة و أخبار المم السالفة ‪.‬‬
‫و كذا و قع ذكره ف كتاب أرميا ‪ ،‬و بذا وصفه ابن ذي يزن لعبد الطلب ‪ ،‬و بيا لب طالب ‪.‬‬
‫و كذلك إذا وصف بأنه أمي كما وصفه ال به ـ فهي مدحه له و فضيلة ثابتة فيه ‪ ،‬و قاعدة معجزته ‪،‬‬
‫إذ معجزته العظمى ف القرآن العظيم إنا هي متعلقة بطريق العارف و العلوم ‪ ،‬مع ما منح صلى ال عليه‬
‫و سلم ‪ ،‬و فضل به من ذلك ‪ ،‬كما قدمناه ف القسم الول ‪.‬‬
‫و وجود مثل ذلك من رجل ل يقرأ و ل يكتب و ل يدارس و ل لقن ـ مقتضى العجب ‪ ،‬و منتهى‬
‫العب ‪ ،‬و معجزة البشر ‪.‬‬
‫و ليس ف ذلك نقيصة ‪ ،‬إذ الطلوب من الكتابة و القراءة العرفة ‪ ،‬و إنا هي آلة لا ‪ ،‬و واسطة موصلة‬
‫إليها غي مرادة ف نفسها ‪ ،‬فإذا حصلت الثمرة و الطلوب استغن عن الواسطة و السبب ‪.‬‬
‫و المية ف غيه نقيصة ‪ ،‬لنا سبب الهالة ‪ ،‬و عنوان الغباوة ‪ ،‬فسبحان من باين أمره من أمر غيه ‪ ،‬و‬
‫جعل شرفه فيما فيه مطة سواه ‪ ،‬و جعل حياته فيما فيه هلك من عداه ‪ ،‬هذا شق قلبه ‪ ،‬و إخراج‬
‫حشوته ‪ ،‬كان تام حياته ‪ ،‬و غاية قوة نفسه ‪ ،‬و ثبات روعه ‪ ،‬و هو فيمن سواه منتهى هلكه و حتم‬
‫موته و فنائه ‪ ،‬و هلم جرا إل سائر ما روي من أخباره و سيه ‪ ،‬و تقلله من الدنيا [ ‪ ] 257‬و من‬
‫اللبس و الطعم و الركب ‪ ،‬و تواضعه و مهنته نفسه ف أموره ‪ ،‬و خدمة بيته زهدا و رغبة عن الدنيا ‪،‬‬
‫و تسوية بي حقيها و خطيها ‪ ،‬لسرعة فناء أمورها ‪ ،‬و تقلب أحوالا ‪ ،‬كل هذا من فضائله و مآثره و‬
‫شرفه كما ذكرناه ‪ ،‬فمن أورد سيئا منها موردة و قصد با مقصدة كان حسنا ‪ ،‬و من أورد ذلك على‬
‫غي وجهه ‪ ،‬و علم منه بذلك سوء قصده لق بالفصول الت قدمناها ‪.‬‬
‫و كذلك ما ورد من أخباره و أخبار سائر النبياء عليهم السلم ف الحاديث ما ف ظاهره إشكال‬
‫يقتضي أمورا ل تليق بم بال ‪ ،‬و يتاج إل تأويل و تردد احتمال ‪ ،‬فل‬
‫يب أن يتحدث منها إل بالصحيح ‪ ،‬و ل يروى منها إل العلوم الثابت ‪.‬‬
‫و رحم ال مالكا ‪ ،‬فلقد كره التحدث بثل ذلك من الحاديث الوهة للتشبيه و الشكلة العن ‪ ،‬و قال‬
‫‪ :‬ما يدعو إل التحدث بثل هذا ؟ فقيل له ‪ :‬إن ابن عجلن يدث با ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل يكن من الفقهاء ‪ ،‬و‬
‫ليت الناس وافقوه على ترك الديث با ‪ ،‬و ساعدوه على طيها ‪ ،‬فأكثرها ليس تته عمل ‪.‬‬
‫و قد حكي عن جاعة من السلف ‪ ،‬بل عنهم على الملة ـ أنم كانوا يكرهون الكلم فيما ليس تته‬
‫عمل ‪ ،‬و النب صلى ال عليه و سلم أوردها على قوم عرب يفهمون كلم العرب على وجهه ‪ ،‬و‬
‫تصرفاتم ف حقيقته و مازه ‪ ،‬و استعارته ‪ ،‬و بليغه و إيازه ‪ ،‬فلم تكن ف حقهم مشكلةً ‪ ،‬ث جاء من‬
‫غلبت عليه العجمة ‪ ،‬داخلته المية ‪ ،‬فل يكاد يفهم من مقاصد العرب إل نصها و صريها ‪ ،‬و ل‬
‫يتحقق بإشاراتا إل غرض الياز ‪ ،‬و وحيها و تبليغها ‪ ،‬و تلويها ‪ ،‬فتفرقوا من تأويلها [ و حلها على‬
‫ظاهرها ] شذر مذر ‪ ،‬فمنهم من آمن به ‪ ،‬و منهم من كفر ‪.‬‬
‫فأما ما ل يصح من هذه الحاديث فواجب أل يذكر منها شيء ف حق ال و ل ف حق أنبيائه ‪ ،‬و ل‬
‫يتحدث با ‪ ،‬و ل يتكلف الكلم على معانيها ‪ .‬و الصواب طرحها ‪ ،‬و ترك الشغل با إل أن تذكر‬
‫على وجه التعريف بأنا ضعيفة القاد واهية السناد ‪.‬‬
‫و قد أنكر الشياخ على أب بكر بن فورك تكلفه ف مشكلة الكلم على أحاديث ضعيفة موضوعة ل‬
‫أصل لا ‪ ،‬أو منقولة عن أهل الكتاب الذين يلبسون الق بالباطل كان يكفيه طرحها ‪ ،‬و يغنيه عن‬
‫الكلم التنبيه على ضعفها ‪ ،‬إذ القصود بالكلم على مشكل ما فيها إزالة اللبس ‪ ،‬و اجتثاثها من‬
‫أصلها ‪ ،‬و طرحها أكشف للبس و أشفى للنفس ‪.‬‬
‫فصل‬
‫اللتزام عند ذكر النب بالواجب من توقيه و تعظيمه‬

‫و ما يب على التكلم فيما يوز على النب صلى ال عليه و سلم و ما ل يوز ‪ ،‬و الذاكر من حالته ما‬
‫قدمناه ف الفصل قبل هذا على طريق الذاكرة و التعليم ـ أن يلتزم ف كلمه ـ عند ذكره صلى ال‬
‫عليه و سلم ‪ ،‬و ذكر تلك الحوال ـ الواجب من توقيه و تعظيمه ‪ ،‬و يراقب حال لسانه ‪ ،‬و ل‬
‫يهمله ‪ ،‬و تظهر عليه علمات الدب عند ذكره ‪ ،‬فإذا ذكر ما قاساه من الشدائد ظهر عليه الشفاق و‬
‫الرتاض ‪ ،‬و الغيط على عدوه ‪ ،‬و مودة الفداء للنب صلى ال عليه و سلم لو قدر عليه ‪ ،‬و النصرة له‬
‫لو أمكنته ‪.‬‬
‫و إذا أخذ ف أبواب العصمة ‪ ،‬و تكلم على ماري أعماله و أقواله صلى ال عليه و سلم ترى أحسن [‬
‫‪ ] 258‬اللفظ و أدب العبارة ما أمكنه ‪ ،‬و اجتنب بشيع ذلك ‪ ،‬و هجر من العبارة ما يقبح ‪ ،‬كلفظة‬
‫الهل و الكذب و العصية ‪ ،‬فإذا تكلم ف القوال قال ‪ :‬هل يوز عليه اللف ف القول و الخبار‬
‫بلف ما وقع سهوا أو غلطا ‪ ،‬و نوه من العبارة ‪ ،‬و يتجنب لفظة الكذب جلةً واحدةً ‪.‬‬
‫و إذا تكلم على العلم قال ‪ :‬هل يوز أل يعلم إل ما علم ؟ و هل يكن أل يكون عنده علم من بعض‬
‫الشياء حت يوح ى إليه ‪ ،‬و ل يقول يهل ‪ ،‬لقبح اللفظ و بشاعته ‪.‬‬
‫و إذا تكلم ف الفعال قال ‪ :‬هل يوز منه الخالفة ف بعض الوامر و النواهي و مواقعة بعض الصغائر ؟‬
‫فهو أول و آدب من قوله ‪ :‬هل يوز أن يعصي أو يذنب أو يفعل كذا و كذا ‪ ،‬من أنواع العاصي ؟‬
‫فهذا من حق توقيه صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و ما يب له من تعزيز و إعظام ‪.‬‬
‫و قد رأيت بعض العلماء ل يتحفظ من هذا ‪ ،‬فقبح منه ‪ ،‬و ل أستصوب عبارته فيه ‪.‬‬
‫و وجدت بعض الائرين قوله لجل ترك تفظه ف العبارة ما ل يقله ‪ ،‬و شنع عليه با يأباه ‪ ،‬و يكفر‬
‫قائله ‪.‬‬
‫و إذا كان مثل هذا بي الناس مستعملً ف آدابم و حسن معاشرتم و خطابم ‪ ،‬فاستعماله ف حقه‬
‫صلى ال عليه و سلم أوجب ‪ ،‬و التزامه آكد ‪.‬‬
‫فجودة العبارة تقبح الشيء أو تسنه ‪ ،‬و تريرها و تذيبها تعظم المر أو تونه ‪ ،‬و لذا قال صلى ال‬
‫عليه و سلم ‪ :‬إن من البيان لسحرا ‪.‬‬
‫فأما ما أورده على جهة النفي عنه و التنيه فل حرج ف تسريح العبارة و تصريها فيه ‪ ،‬كقوله ‪ :‬ل‬
‫يوز عليه الكذب جلةً ‪ ،‬و ل إتيان الكبائر بوجه ‪ ،‬و ل الور ف الكم على حال ‪ ،‬و لكن مع هذا‬
‫يب ظهور توقيه و تعظيمه عند ذكره مردا ‪ ،‬فكيف عند ذك ر مثل هذا ‪.‬‬
‫و قد كان السلف تظهر عليهم حالت شديدة عند مرد ذكره ‪ ،‬كما قدمناه ف القسم الثان ‪.‬‬
‫و قد كان بعضهم يلتزم مثل ذلك عند تلوة آي من القرآن ‪ ،‬حكى ال تعال فيها مقال عداه ‪ ،‬و من‬
‫كفر بآياته ‪ ،‬و افترى عليه الكذب ‪ ،‬فكان يفض با صوته إعظاما لربه ‪ ،‬و إجللً له ‪ ،‬و إشفاقا من‬
‫التشبه بن كفر به ‪.‬‬
‫الباب الثان‬

‫ف حكم سابه و شاته و متنقصه و مؤذيه و عقوبته‬


‫قد قدمنا ما هو سب و أذى ف حقه صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و ذكرنا إجاع العلماء على قتل فاعل ذلك‬
‫و قائله ‪ ،‬أو تيي المام ف قتله أو صلبه على ما ذكرناه ‪ ،‬و قررنا الجج عليه ‪.‬‬
‫و بعد فاعلم أن مشهور مذهب مالك و أصحابه ‪ ،‬و قول السلف و جهور العلماء قتله حدا ل كفرا‬
‫إن أظهر التوبة منه ‪ ،‬و لذا ل تقبل عندهم توبته ‪ ،‬و ل تنفعه استقالته و ل فيئته كما قدمناه قبل ‪ ،‬و‬
‫حكمه حكم الزنديق ‪ ،‬و مسر الكفر ف هذا القول ‪ ،‬و سواء كانت توبته على هذا بعد القدرة عليه‬
‫والشهادة على قوله ‪ ،‬أو جاء تائبا من قبل نفسه ‪ ،‬لنه حد ل تسقطه التوبة كسائر الدود ‪.‬‬
‫قال الشيخ أبو السن القابسي رحه ال ‪ :‬إذا أقر بالسب ‪ ،‬و تاب منه ‪ ،‬و أظهر التوبة ـ قتل بالسب ‪،‬‬
‫لنه هو حده ‪.‬‬
‫[ ‪ ] 259‬و قال أبو ممد بن أب زيد ف مثله ‪ ،‬و أما ما بينه و بي ال فتوبته تنفعه ‪.‬‬
‫و قال ابن سحنون ‪ :‬من شتم النب صلى ال عليه و سلم من الوحدين ‪ ،‬ث تاب عن ذلك ل تزل توبته‬
‫عنه القتل ‪.‬‬
‫و كذلك قد اختلف ف الزنديق إذا جاء تائبا ‪ ،‬فحكى القاضي أبو السن بن القصار ف ذ لك قولي ‪:‬‬
‫قال ‪ :‬من شيوخنا من قال ‪ :‬أقتله بإقراره ‪ ،‬لنه كان يقدر على ستر نفسه ‪ ،‬فلما اعترف خفنا أنه خشي‬
‫الظهور عليه فبادر لذلك ‪.‬‬
‫و منهم من قال ‪ :‬أقبل توبته ‪ ،‬لن أستبدل على صحتها بجيئه ‪ ،‬فكأننا وقفنا على باطنه ‪ ،‬بلف من‬
‫أسرته البينة ‪.‬‬
‫قال القاضي أبو الفضل ‪ :‬و هذا قول أصبغ ‪ ،‬و مسألة ساب النب صلى ال عليه و سلم أقوى ‪ ،‬ل‬
‫يتصور فيها اللف على الصل التقدم ‪ ،‬لنه حق متعلق للنب صلى ال عليه و سلم و لمته بسبه ل‬
‫تسقطه التوبة كسائر حقوق الدميي ‪.‬‬
‫و الزنديق إذا تاب بعد القدرة عليه فعند مالك ‪ ،‬و الليث ‪ ،‬و إسحاق ‪ ،‬و أحد ‪ ،‬ل تقبل توبته ‪.‬‬
‫و عند الشافعي تقبل ‪.‬‬
‫و اختلف فيه أب حنيفة و أب يوسف ‪.‬‬
‫و حكى ابن النذر ‪ ،‬عن علي بن أب طالب رضي ال عنه ‪ :‬يستتاب ‪.‬‬
‫قال ممد بن سحنون ‪ :‬و ل يزل القتل عن السلم بالتوبة من سبه صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬لنه ل ينتقل‬
‫من دين إل غيه ‪ ،‬و إنا فعل شيئا حده عندنا القتل ل عفو فيه لحد ‪ ،‬كالزنديق ‪ ،‬لنه ل ينتقل من‬
‫ظاهر إل ظاهر ‪.‬‬
‫و قال القاضي أبو ممد بن نصر متجا لسقوط اعتبار توبته ‪ :‬و الفرق بينه و ب ين من سب ال تعال‬
‫على مشهور القول باستتابته ـ أن النب صلى ال عليه و سلم بشر ‪ ،‬و البشر جنس تلحقه العرة إل من‬
‫أكرمه ال بنبوته ‪ ،‬و البارئ تعال منه عن جيع العايب قطعا ‪ ،‬و ليس من جنس تلحق العرة بنسه ‪ ،‬و‬
‫ليس سبه صلى ال عليه و سلم كالرتداد القبول فيه التوبة ‪ ،‬لن الرتداد معن ينفرد به الرتد ‪ ،‬ل حق‬
‫فيه لغيه من الدميي ‪ ،‬فقبلت توبته ‪ .‬و من سب النب صلى ال عليه و سلم تعلق فيه حق لدمي ‪،‬‬
‫فكان كالرتد يقتل حي ارتداده أو يقذف ‪ ،‬فإن توبته ل تسقط عند حد القتل و القذف ‪.‬‬
‫و أيضا فإن توبة الرتد إذا قبلت ل تسقط ذنوبه من زنا و سرقة و غيها ‪ ،‬و ل يقتل ساب النب صلى‬
‫ال عليه و سلم لكفره ‪ ،‬لكن لعن يرجع إل تعظيم حرمته و زوال العرة به ‪ ،‬و ذلك ل تسقطه التوبة ‪.‬‬

‫قال القاضي أبو الفضل ‪ :‬يريد ـ و ال أعلم ‪ :‬لن سبه ل يكن بكلمة تقتضي الكفر ‪ ،‬و لكن بعن‬
‫الزراء و الستخفاف ‪ ،‬أو لن بتوبته و إظهار إنابته ارتفع عنه اسم الكفر ظاهرا ‪ ،‬و ال أعلم‬
‫بسريرته ‪ ،‬و بقي حكم السب عليه ‪.‬‬
‫[ و قال أبو عمران القابسي ‪ :‬من سب النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬ث ارتد عن السلم قتل و ل م‬
‫يستتب ‪ ،‬لن السب من حقوق الدميي الت ل تسقط عن الرتد ] ‪ .‬و كلم شيوخنا هؤلء مبن على‬
‫القول بقتله ‪ ،‬حدا ل كفرا ‪ ،‬و هو يتاج إل تفصيل ‪.‬‬
‫و أما على رواية الوليد بن مسلم عن مالك وافقه على ذلك من ذكرناه و قال به من أهل العلم ـ فقد‬
‫صرحوا أنه ردة ‪ ،‬قالوا ‪ :‬و يستتاب منها ‪ ،‬فإن تاب نكل ‪ ،‬و إن أب قتل ‪ ،‬فحكم له بكم الرتد مطلقا‬
‫ف هذا الوجه ‪.‬‬
‫و الوجه الول أشهر و أظهر لا قدمناه ‪ ،‬و نن نبسط الكلم فيه ‪ ،‬فنقول [ ‪: ] 260‬‬
‫من ل يره رده فهو يوجب القتل فيه حدا ‪ ،‬و إنا نقول ذلك مع فصلي ‪ :‬إما مع إنكاره ما شهد به عليه‬
‫‪ ،‬و إظهاره القلع و التوبة عنه ‪ ،‬فنقتله حدا لثبات كلمة الكفر عليه ف حق النب صلى ال عليه و سلم‬
‫‪ ،‬و تقيه ما عظم ال من حقه ‪ ،‬و أجرينا حكمه ف ميائه ‪ ،‬و غي ذلك حكم الزنديق إذا ظهر عليه و‬
‫أنكر أو تاب ‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬فكيف تثبتون عليه الكفر ‪ ،‬و يشهد عليه [ بكلمة الكفر ] و ل تكمون عليه بكمه من‬
‫الستتابة و توابعها !‬
‫قلنا ‪ :‬نن و إن أثبتنا له حكم الكافر فل نقطع عليه بذلك ‪ ،‬لقراره بالتوحيد و النبوة ‪ ،‬و إنكاره ما‬
‫شهد به عليه ‪ ،‬أو زعمه أن ذلك كان منه وهلً و معص يةً ‪ ،‬و أنه مقلع عن ذلك نادم عليه ‪ ،‬و ل يتنع‬
‫إثبات بعض أحكام الكفر على بعض الشخاص و إن ل تثبت له خصائصه ‪ ،‬كقتل الصلة ‪.‬‬
‫و أما من علم أنه سبه معتقدا استحلله فل شك ف كفره بذلك ‪.‬‬
‫و كذلك إن كان سبه ف نفسه كفر ‪ ،‬كتكذيبه أو تكفيه و نوه ‪ ،‬فهذا ما ل إشكال فيه ‪ ،‬و يقتل و‬
‫إن تاب منه ‪ ،‬لنا ل نقبل توبته ‪ ،‬و نقتله بعد التوبة حدا ‪ ،‬لقوله ‪ ،‬و متقدم كفره ‪ ،‬و أرمه بعد إل ال‬
‫الطلع على صحة إقلعه ‪ ،‬العال بسره ‪.‬‬
‫و كذلك من ل يظهر التوبة ‪ ،‬و اعتراف با شهد به عليه ‪ ،‬و صمم عليه ـ فهذا كافر بقوله و‬
‫باستحلله ‪ .‬هتك حرمة ال و حرمة نبيه صلى ال عليه و سلم يقتل كافرا بل خلف ‪.‬‬
‫فعلى هذه التفصيلت خذ كلم العلماء ‪ ،‬و نزل متلف عباراتم ف الحتجاج عليها ‪ ،‬و أجر اختلفهم‬
‫ف الوارثة و غيها على ترتيبها تتضح لك مقاصدهم إن شاء ال تعال ‪.‬‬

‫فصل‬
‫استتابة الساب و الشات كالستتابة للمرتد‬

‫إذا قلنا بالستتابة حيث تصح فالختلف فيها على الختلف ف توبة الرتد ‪ ،‬إذ ل فرق ‪.‬‬
‫و قد اختلف السلف ف وجوبا و صورتا و مدتا ‪ ،‬فذهب جهور أهل العلم إل أن الرتد يستتاب ‪.‬‬
‫و حكى ابن القصار أنه إجاع من الصحابة على تصويب قول عمر ف الستتابة ‪ ،‬و ل ينكره واحد‬
‫منهم ‪ ،‬و هو قول عثمان ‪ ،‬و علي ‪ ،‬و ابن مسعود ‪ ،‬و به قال عطاء بن أب رباح ‪ ،‬و النخعي ‪ ،‬و‬
‫الثوري ‪ ،‬و مالك ‪ ،‬و أصحابه ‪ ،‬و الوزاعي ‪ ،‬و الشافعي ‪ ،‬و أحد ‪ ،‬و إسحاق ‪ ،‬و أصحاب الرأي ‪.‬‬
‫و ذهب طاوس ‪ ،‬ممد بن السن ‪ ،‬و عبيد بن عمي ‪ ،‬و السن ف إحدى الروايتي عنه ـ أنه ل‬
‫يستتاب ‪ ،‬و قاله عبد العزيز بن أب سلمة ‪ ،‬و ذكره عن معاذ ‪ ،‬و أنكره سحنون عن معاذ ‪ ،‬و حكاه‬
‫الطحاوي عن أب يوسف ‪ ،‬و هو قول أهل الظاهر ‪ ،‬قالوا ‪ :‬و تنفعه توبته عند ال ‪ ،‬و لكن ل ندرأ‬
‫القتل عنه ‪ ،‬لقوله صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬من بدل دينه فاقتلوه ‪.‬‬
‫و حكي أيضا عن عطاء ‪ :‬إن كان من ولد ف السلم ل يستتب ‪ ،‬و يستتاب السلمي ‪.‬‬
‫و جهور العلماء على أن الرتد و الر تدة ف ذلك سواء ‪.‬‬
‫و روي عن علي رضي ال عنه ‪ :‬ل تقل الرتدة ‪ ،‬و تسترق ‪ ،‬و قاله عطاء ‪ ،‬و قتادة ‪.‬‬
‫و روي عن ابن عباس ‪ :‬ل تقتل النساء ف الردة ‪ ،‬و به قال أبو حنيفة ‪.‬‬
‫قال مالك ‪ :‬و الر و العبد و الذكر و النثى ف ذلك سواء ‪.‬‬
‫و أما مدتا فمذهب المهور ‪ ،‬و روي عن عمر ‪ ،‬أنه يستتاب ثلثة أيام يبس فيها ‪ ،‬و قد [ ‪] 261‬‬
‫اختلف فيه عن عمر ‪ ،‬و هو أحد قول الشافعي ‪ ،‬و قول أحد ‪ ،‬و إسحاق ‪ ،‬و استحسنه مالك ‪ ،‬و قال‬
‫‪ :‬ل يأت الستظهار إل بي ‪ ،‬و ليس عليه جاعة الناس ‪..‬‬
‫قال الشيخ أبو ممد بن أب زيد ‪ :‬يريد ف الستثناء ثلثا ‪.‬‬
‫و قال مالك أيضا ‪ :‬أخذ به ف الرتد قول عمر ‪ :‬يبس ثلثة أيام ‪ ،‬و يعرض عليه كل يوم ‪ ،‬فإن تاب و‬
‫إل قتل ‪.‬‬
‫و قال أبو السن بن القصار ف تأخيه ثلثا روايتان عن مالك ‪ :‬هل ذلك واجب أو مستحب ؟ و‬
‫استحسن الستتابة و الستيناء ثلثا أصحاب الرأي ‪.‬‬
‫و روي عن أب بكر الصديق أنه استتاب امرأة فلم تتب فقتلها ‪ ،‬و قاله الشافعي مرة ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن ل يتب‬
‫قتل مكانه ‪ .‬و استحسنه الزن ‪.‬‬
‫و قال الزهري ‪ :‬يدعى إل السلم ثلث مر ات ‪ ،‬فإن أب قتل ‪.‬‬
‫و روي عن علي رضي ال عنه ‪ :‬يستتاب شهرين ‪ .‬و قال النخعي ‪ :‬يستتاب أبدا ‪ ،‬و به أخذ الثوري ما‬
‫رجيت توبته ‪ .‬و حكى ابن القصار عن أب حنيفة ـ أنه يستتاب ثلث مرات ف ثلثة أيام أو ثلث‬
‫جع كل يوم أو جعة مرة ‪.‬‬
‫و ف كتاب ممد ‪ ،‬عن القاسم ‪ :‬يدعى الرتد إل السلم ثلث مرات ‪ ،‬فإن أب ضربت عنقه ‪.‬‬
‫و اختلف على هذا هل يهدد أو يشدد عليه أيام الستتابة ليتوب أم ل ؟ فقال مالك ‪ :‬ما علمت ف‬
‫الستتابة تويعا و ل تعطشا ‪ ،‬و يؤتى من الطعام با ل يضره ‪.‬‬
‫و قال أصبغ ‪ :‬يوف أيام الستتابة بالقتل ‪ ،‬و يعرض عليه السلم ‪.‬‬
‫و ف كتاب أب السن الطابثي ‪ :‬يوعظ ف تلك اليام ‪ ،‬و يذكر بالنة ‪ ،‬و يوف بالنار ‪.‬‬
‫قال أصبغ ‪ :‬و أي الواضع حبس فيها من السجون مع الناس أو وحده إذا استوثق منه سواء ‪ ،‬و يوقف‬
‫ماله إذا خيف أن يتلفه على السلمي ‪ ،‬و يطعم منه ‪ ،‬و يسقى ‪.‬‬
‫و كذلك يستتاب كلما رجع و ارتد أبدا ‪ ،‬و قد استتاب رسول ال صلى ال عليه و سلم نبهان الذي‬
‫ارتد أربع مرات أو خسا ‪.‬‬
‫و قال ابن وهب ‪ ،‬عن مالك ‪ :‬يستتاب أبدا كلما رجع ‪ ،‬و هو قول الشافعي ‪ ،‬و أحد ‪ ،‬و قاله ابن‬
‫القاسم ‪.‬‬
‫و قال إسحاق ‪ :‬يقتل ف الرابعة ‪.‬‬
‫و قال أصحاب الرأي ‪ :‬إن ل يتب ف الرابعة قتل دون استتابة ‪ ،‬و إن تاب ضرب ضربا وجيعا ‪ ،‬و ل‬
‫يرج من السجن حت يظهر عليه خشوع التوبة ‪.‬‬
‫قال ابن النذر ‪ :‬و ل نعلم أحدا أوجب على الرتد ف الرة الول أدبا إذا رجع ‪ .‬و هو على مذهب‬
‫مالك و الشافعي و الكوف ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف حكم من ل تتم الشهادة عليه ‪..‬‬

‫هذا حكم من ثبت عليه ذلك با يب ثبوته من إقرار أو عدول ل يدفع فيهم ‪ ،‬فأما من ل تتم الشهادة‬
‫عليه با شهد عليه الواحد أو اللفيف من الناس ‪ ،‬أو ثبت قوله لكن احتمل و ل يكن صريا ‪.‬‬
‫و كذلك إن تاب على القول بقبول توبته فهذا يدرأ عنه القتل ‪ ،‬و يتسلط عليه اجتهاد المام بقدر شهرة‬
‫حاله ‪ ،‬و قوة الشهادة عليه ‪ ،‬و ضعفها ‪ ،‬و كثرة السماع عنه ‪ ،‬و صورة حاله من التهمة ف الدين و‬
‫النب بالسفه و الجون ‪ ،‬فمن قوي أمره أذاقه من شديد النكال من التضيق ف السجن ‪ ،‬و الشد ف القيود‬
‫إل الغاية الت [ ‪ ] 262‬هي منتهى طاقته لا ل ينعه القيام لضرورته ‪ ،‬و ل يقعده عن صلته ‪ ،‬و هو‬
‫حكم كل من وجب عليه القتل ‪ ،‬لكن وقف عن قتله لعن أوجبه ‪ ،‬و تربص به لشكال و عائق اقتضاه‬
‫أمره ‪ ،‬و حالت الشدة ف نكاله تتلف بسب اختلف حاله ‪.‬‬
‫و قد روى الوليد عن مالك و الوزاعي أنا ردة ‪ ،‬فإذا تاب نكل ‪.‬‬
‫و لالك ف العتبية و كتاب ممد ‪ ،‬من رواية أشهب ‪ :‬إذا تاب الرتد فل عقوبة عليه و قاله سحنون ‪.‬‬
‫و أفت أبو عبد ال بن عتاب فيمن سب النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فشهد عليه شاهدان ع دل أحدها‬
‫ـ بالدب الوجع و التنكيل و السجن الطويل حت تظهر توبته ‪.‬‬
‫و قال القابسي ف مثل هذا ‪ :‬و من كان أقصى أمره القتل فعاق عائق أشكل ف القتل ل ينبع أن يطلق‬
‫من السجن ‪ ،‬و يستطال سجنه ‪ ،‬و لو كان فيه من الدة ما عسى أن يقيم ‪ ،‬و يمل عليه من القيد ما‬
‫يطيق ‪.‬‬
‫و قال ف مثله من أشكل أمره ‪ :‬يشد ف القيود شدا ‪ ، ،‬و يضيق عليه ف السجن حت ينظر فيما يب‬
‫عليه ‪.‬‬
‫و قال ف مسألة أخرى مثلها ‪ :‬و ل تراق الدماء إل بالمر الواضح ‪ ،‬و ف الدب بالسوط و السجن‬
‫نكال للسفهاء ‪ ،‬و يعاقب عقوبة شديدة ‪ ،‬فأما إن ل يشهد عليه سوى شاهدين ‪ ،‬و أثبت من عداوتما‬
‫أو جرحتهما ما أسقطهما عنه ‪ ،‬و ل يسمع ذلك من غيها فأمره أخف لسقوط الكم عنه ‪ ،‬و كأنه ل‬
‫يشهد عليه ‪ ،‬إل أن يكون ما ل يليق به ذلك ‪ ،‬و يكون الشاهدان من أهل التبيز فأسقطهما بعداوة ‪،‬‬
‫فهو و إن ل ينفذ الكم عليه بشهادتما فل يدفع الظن صدقهما ‪ ،‬و للحاكم هنا ف تنكيله موضع‬
‫اجتهاد ‪.‬‬
‫و ال ول الرشاد ‪.‬‬

‫فصل‬
‫حكم الذمي إذا صرح بسبه ‪ ،‬أو عرض ‪..‬‬

‫هذا حكم السلم ‪ ،‬فأما الذمي إذا صرح بسبه أو عرض ‪ ،‬أو استخف بقدره ‪،‬‬
‫أو وصفه بغي الوجه الذي ‪ ،‬كفر به ـ فل خلف عندنا ف قتله إن ل يسلم ‪ ،‬لنا ل نعطه الذمة أو‬
‫العهد على هذا ‪ ،‬و هو قول عامة الفقهاء ‪ ،‬إل أبا حنيفة و الثوري و أتباعهما من أهل الكوفة ‪ ،‬فإنم‬
‫قالوا ‪ :‬ل يقتل ‪ ،‬ما هو عليه من الشرك أعظم ‪ ،‬و لكن يؤدب و يعزز ‪.‬‬
‫و استدل بعض شيوخنا على قتله بقوله تعال ‪ :‬وإن نكثوا أيانم من بعد عهدهم وطعنوا ف دينكم‬
‫فقاتلوا أئمة الكفر إنم ل أيان لم لعلهم ينتهون [ سورة التوبة ‪ ، 9/‬الية ‪. ]12 :‬‬
‫و يستدل عليه أيضا بقتل النب صلى ال عليه و سلم ل بن الشرف و أشباهه ‪ ،‬و لنا ل نعاهدهم ‪ ،‬و‬
‫ل نعطهم الذمة على هذا ‪ ،‬و ل يوز لنا أن نفعل ذلك معهم ‪ ،‬فإذا أتوا ما ل يعطوا عليه العهد و ل‬
‫الذمة فقد نقضوا ذمتهم ‪ ،‬و صاروا كفارا يقتلون لكفرهم ‪.‬‬
‫و أيضا فإن ذمتهم ل تسقط حدود السلم عنهم ‪ ،‬من القطع ف سرقة أموالم ‪ ،‬و القتل لن قتلوه منهم‬
‫‪ ،‬و إن كان ذلك حل ًل عندهم فكذلك سبهم النب صلى ال عليه و سلم يقتلون به ‪.‬‬
‫و وردت لصحابنا ظ واهر تقتضي اللف إذا ذكره الذمي بالوجه الذي كفر به ‪ ،‬ستقف عليها من‬
‫كلم ابن القاسم و ابن سحنون بعد ‪.‬‬
‫[ ‪ ] 263‬و حكى أبو العصب اللف فيها عن أصحابه الدنيي ‪ .‬و اختلفوا إذا سبه ث أسلم ‪ ،‬فقيل ‪:‬‬
‫يسقط إسلمه قتله ‪ ،‬لن السلم يب ما قبله ‪ ،‬بلف السلم إذا سبه ث تاب ‪ ،‬لن نعلم باطنه الكافر‬
‫ف بغضه له ‪ ،‬و تنقصه بقلبه ‪ ،‬لكنا منعناه من إظهاره ‪ ،‬فلم يزدنا ما أظهره إل مالفة للمر ‪ ،‬و نقض‬
‫للعهد ‪ ،‬فإذا رجع عن دينه الول إل السلم سقط ما قبله ‪ ،‬قال ال تعال ‪ :‬قل للذين كفروا إن ينتهوا‬
‫يغفر لم ما قد سلف [ سورة النفال ‪ ، 8/‬الية ‪. ] 38 :‬‬
‫و السلم بلفه ‪ ،‬إذا كان ظننا يباطنه حكم ظاهره ‪ ،‬و خلف ما بدا منه الن ‪ ،‬فلم نقبل بعد رجوعه ‪،‬‬
‫و ل استنمنا إل باطنه ‪ ،‬إذ قد بدت سرائره ‪ ،‬و ما ثبت عليه من الحكام باقية عليه ل يسقطها شيء ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬ل يسقط إسلم الذمي الساب قتله ‪ ،‬لنه حق النب صلى ال عليه و سلم وجب عليه ‪ ،‬لنتهاكه‬
‫حرمته ‪ ،‬و قصده إلاق النقيصة و العرة به ‪ ،‬فلم يكن رجوعه إل السلم بالذي يسقطه ‪ ،‬كما وجب‬
‫عليه من حقوق السلمي من قبل إسلمه منقتل و قذف ‪ ،‬و إذا كنا ل نقبل توبة السلم فإنا ل نقبل توبة‬
‫الكافر أول ‪.‬‬
‫و قال مالك ف كتاب ابن حبيب و البسوط ‪ ،‬و ابن القاسم ‪ ،‬و ابن الاجشون ‪ ،‬و ابن عبد الكم ‪ ،‬و‬
‫أصبغ ـ فيمن شتم نبينا من أهل الذمة أو أحدا من النبياء عليهم السلم قتل إل أن يسلم ‪ ،‬و قاله ابن‬
‫القاسم ف العتبية ‪ ،‬و عند ممد ‪ ،‬و ابن سحنون ‪.‬‬
‫و قال سحنون و أصبغ ‪ :‬ل يقال له أسلم ‪ ،‬و ل ل تسلم ‪ ،‬و لكن إن أسلم فذلك له توبة ‪.‬‬
‫و ف كتاب ممد ‪ :‬أخبنا أصحاب مالك أنه قال ‪ :‬منسب رسول ال صلى ال عليه و سلم أو غيه من‬
‫النبياء من مسلم أو كافر قتل و ل يستتب ‪.‬‬
‫و روي لنا عن مالك ‪ :‬إل أن يسلم الكافر ‪.‬‬
‫و قد روى ابن وهب ‪ ،‬عن ابن عمر ـ أن راهبا تناول النب صلى ال عليه و سلم ! فقال ابن عمر ‪:‬‬
‫فهلً قتلتموه ! ‪.‬‬
‫و روى عيسى عن ابن القاسم ف ذمي قال ‪ :‬إن ممدا ل يرسل إلينا ‪ ،‬إنا أرسل إليكم ‪ ،‬و إنا نبينا‬
‫موسى أو عيسى ‪ ،‬و نو هذا ‪ :‬ل شيء عليهم ‪ ،‬لن ال تعال أقرهم على مثله ‪.‬‬
‫و أما إن سبه فقال ‪ :‬ليس بنب ‪ ،‬أو ل يرسل ‪ ،‬أو ل ينل عليه القرآن ‪ ،‬و إنا شيء تقوله أو نو هذا‬
‫فيق تل ‪.‬‬
‫و قال ابن القاسم ‪ :‬و إذا قال النصران ‪ :‬ديننا خي من دينكم ‪ ،‬و إنا دينكم دين المي ‪ ،‬و نو هذا من‬
‫القبيح أو سع الؤذن يقول ‪ :‬أشهد أن ممدا رسول ال ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬كذلك يعطيكم ال ‪ ،‬ففي هذا الدب الوجع و السجن الطويل ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬و أما إن شتم النب صلى ال عليه و سلم وسلم شتما يعرف فإنه يقتل إل أن يسلم ‪ ،‬قاله مالك‬
‫غي مرة ‪ ،‬و ل يقل يستتاب ‪.‬‬
‫قال ابن القاسم ‪ :‬و ممل قوله عندي إن أسلم طائعا ‪.‬‬
‫و قال ابن سحنون ف سؤالت سليمان بن سال ف اليهودي يقول للمؤذن ‪ ،‬إذا تشهد ‪ :‬كذبت ـ‬
‫يعاقب العقوبة الوجعة مع السجن الطويل ‪.‬‬
‫و ف النوادر من رواية سحنون عنه ‪ :‬من شتم النبياء من اليهود و النصارى بغي الوجه الذي به كفروا‬
‫ضربت عنقه إل أن يسلم ‪.‬‬
‫قال ممد بن سحنون ‪ :‬فإن قيل ‪ :‬ل قتلته ف سب النب صلى ال عليه و سلم و من دينه سبه و‬
‫تكذيبه ؟ قيل ‪ :‬لنا ل نعطهم [‪ ] 264‬العهد على ذلك ‪ ،‬و ل على قتلنا ‪ ،‬و أخذ أموالنا ‪ ،‬فإذا قتل‬
‫واحد منا قتلناه ‪ ،‬و إن كان من دينه استحلله ‪ ،‬فكذلك إظهاره لسب نبينا صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫قال سحنون ‪ :‬كما لو بذل لنا أهل الرب الزية ع ل اقرارهم على سبه ل يز لنا ذلك ف قول قائل ‪.‬‬
‫و كذلك ينتقص عهد من سب منهم ‪ ،‬و يل لنا دمه فكما ل يصن السلم من سبه من القتل كذلك‬
‫ل تصنه الذمة ‪.‬‬
‫قال القاضي أبو الفضل ‪ :‬ما ذكره ابن سحنون عن نفسه و عن أبيه مالف لقول ابن القاسم فيما خفف‬
‫عقوبتهم فيه ما به كفروا ‪ ،‬فتأمله ‪.‬‬
‫و يدل على أنه خلف ما روي عن الدنيي ف ذلك ‪ ،‬فحكى أبو الصعب الزهري ‪ ،‬قال ‪ :‬أتيت‬
‫بنصران قال ‪ :‬و الذي اصطفى عيسى على ممد ‪ ،‬فاختلف على فيه ‪ ،‬فضربته حت قتلته ‪ ،‬أو عاش يوما‬
‫و ليلة ‪ ،‬و أمرت من جر برجله ‪ ،‬و طرح على مزبلة ‪ ،‬فأكلته الكلب ‪.‬‬
‫و سئل أبو الصعب عن نصران قال ‪ :‬عيسى خلق ممدا ‪ .‬فقال ‪ :‬يقتل ‪.‬‬
‫و قال ابن القاسم ‪ :‬سألنا مالكا عن نصران بصر شهد عليه أنه قال ‪ :‬مسكي ممد ‪ ،‬يبك أنه ف النة‬
‫‪ ،‬ماله ل ينفع نفسه ! إذ كانت الكلب تأكل ساقيه ‪ ،‬لو قتلوه استراح منه الناس ‪.‬‬
‫قال مالك ‪ :‬أرى أن تضرب عنقه ‪.‬‬
‫قال و لقد كدت أل أتكلم فيها بشيء ‪ ،‬ث رأيت أنه ل يسعن الصمت ‪.‬‬
‫قال ابن كنانة ف البسوطة ‪ :‬من شتم النب صلى ال عليه و سلم من اليهود و النصارى فأرى للمام أ ن‬
‫يرقه بالنار ‪ ،‬و إن شاء قتله ث حرق جثته ‪ ،‬و إن شاء أحرقه بالنار حيا إذا تافتوا ف سبه ‪.‬‬
‫و قد كتب إل مالك من مصر ـ مسألة ابن قاسم التقدمة ‪ ،‬قال ‪ :‬فأمرن مالك ‪ ،‬فكتبت بأن يقتل ‪ ،‬و‬
‫أن يضرب عنقه ‪ ،‬فكتبت ‪،‬ث قلت ‪ :‬يا أبا عبد ال ‪ ،‬و أكتب ‪ :‬ث يرق بالنار ؟ فقال كان إنه لقيق‬
‫بذلك ‪ ،‬و ما أوله به ‪.‬‬
‫فكتبته بيدي بي يديه ‪ ،‬فما أنكره و ل عابه ‪ ،‬و نفذت الصحيفة بذلك فقتل و حرق ‪.‬‬
‫و أفت عبيد ال ابن يي و ابن لبابة ف جاعة سلف أصحابنا الندلسيي بقتل نصرانية استهلت بنفي‬
‫الربوبية و بنوة عيسى ال ‪ ،‬و بتكذيب ممد ف النبوة ‪ ،‬و بقبول إسلمها و درأ القتل عنها به ‪.‬‬
‫و به قال غي واحد من التأخرين منهم القابسي ‪ ،‬و ابن الكتاب ‪.‬‬
‫و قال أبو القاسم بن اللب ف كتابه ‪ :‬من سب ال ورسوله من مسلم أو كافر قتل و ل يستتاب ‪.‬‬
‫و حكى القاضي أبو ممد ف الذمي يسب ـ روايتي ف درء القتل عنه بإسلمه ‪.‬‬
‫و قال ابن سحنون ‪ :‬و حد القذف و شبهه من حقوق العباد ل يسقطه عن الذمي إسلمه ‪ ،‬و إنا‬
‫يسقط عنه بإسلمه حدود ال ‪.‬‬
‫فأما حد القذف فحق للعباد ‪ ،‬كان ذلك لنب أو غيه ‪ ،‬فأوجب على الذمي إذا قذف النب صلى ال‬
‫عليه و سلم ث أسلم حد القذف ‪.‬‬
‫و لكن انظر ماذا يب عليه ؟ هل حد القذف ف حق النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و هو القتل لزيادة‬
‫حرمة النب صلى ال عليه و سلم على غيه ‪ ،‬أم هل يسقط القتل بإسلمه ‪ ،‬و يد ثاني ؟ فتأمله ‪.‬‬

‫فصل‬
‫من مياث من قتل بسبب النب ‪ ،‬و غسله ‪ ،‬و الصلة عليه‬

‫اختلف العلماء ف مياث من قتل بسبب النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬فذهب سحنون إل أنه لماعة‬
‫السلمي من قبل أن شتم النب صلى ال عليه و سلم كفر يشبه كفر الزندقة ‪.‬‬
‫ل به‬
‫و قال أصبغ ‪ :‬مياثه لورثته من السلمي إن كان مستسرا بذلك ‪ ،‬و إن كان مظهرا له مسته ً‬
‫فمياثه للمسلمي ‪ ،‬و يقتل على كل حال و ل يستتاب ‪.‬‬
‫و قال أبو السن القابسي ‪ :‬إن قتل و هو منكر للشهادة عليه فالكم ف مياثه على ما أظهره من إقراره‬
‫ـ يعن لورثته ‪ ،‬و القتل حد ثبت عليه ليس من الياث ف شيء ‪.‬‬
‫و كذلك لو أقر بالسب و أظهر التوبة لقتل ‪ ،‬إذ هو حده ‪ .‬و حكمه ف مياثه ‪ ،‬و سائر أحكامه حكم‬
‫السلم ‪.‬‬
‫و لو أقر بالسب ‪ ،‬و تادى عليه ‪ ،‬و أب التوبة منه ‪ ،‬فقتل على ذلك كان كافرا ‪ ،‬و مياثه للمسلمي ‪،‬‬
‫و ل يغتسل و ل يصلى عليه ‪ ،‬و ل يكفن و تستر عورته ‪ ،‬و يوارى كما يفعل بالكفار ‪.‬‬
‫و قول الشيخ أب السن ف الجاهرالتمادي بي ل يكن اللف فيه ‪ ،‬لنه كافر مرتد غي تائب مقلع ‪.‬‬
‫و هو مثل قول أصبغ ‪ ،‬و كذلك ف كتاب ابن سحنون ف الزنديق يتمادى على قوله ‪.‬‬
‫و مثله لبن القاسم ف العتبية و لماعة من أصحاب مالك ف كتاب ابن حبيب فيمن أعلن كفره مثله ‪.‬‬
‫قال ابن القاسم ‪ :‬و حكمه حكم الرتد ل يرثه ورثته من السلمي ‪ ،‬و ل من أهل الدين الذي ارتد‬
‫إليه ‪ ،‬و ل توز وصاياه و ل عتقه ‪ ،‬و قاله أصبغ ‪ ،‬قتل على ذلك أو مات عليه ‪.‬‬
‫و قال أبو ممد بن أب زيد ‪ :‬و إنا يتلف ف مياث الزنديق الذي يستهل بالتوبة ‪ ،‬فل تقبل منه ‪ ،‬فأما‬
‫التمادي فل خلف أنه ل يورث ‪.‬‬
‫و قال أبو ممد فيمن سب ال تعال ث مات و ل تعدل عليه بينة ‪ ،‬أو ل تقبل ‪ :‬إنه يصلى عليه ‪.‬‬
‫و روى أصبغ عن ابن القاسم ف كتاب ابن حبيب فيمن كذب برسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و‬
‫أعلن دينا ما يفارق به السلم ـ أن مياثه للمسلمي ‪.‬‬
‫و قال بقول مالك ‪ :‬إن مياث الرتد للمسلمي ‪ ،‬و ل ترثه ورثته ـ ربيعة ‪ ،‬و الشافعي ‪ ،‬و أبو ثور ‪ ،‬و‬
‫ابن أب ليلى ‪ ،‬و اختلف فيه عن أحد ‪.‬‬
‫و قال علي بن أب طالب رضي ال عنه ‪ ،‬و ابن مسعود ‪ ،‬و ابن السيب ‪ ،‬و السن ‪ ،‬و الشعب ‪ ،‬و عمر‬
‫بن عبد العزيز ‪ ،‬و الكم ‪ ،‬و الوزاعي ‪ ،‬و الليث ‪ ،‬و إسحاق ‪ ،‬و أبو حنيفة ـ ترثه ورثته من‬
‫السلمي ‪.‬‬
‫و قيل ذلك فيما كسبه قبل ارتداده ‪ ،‬و ما يكسبه ف الرتداد فللمسلمي ‪.‬‬
‫قال القاضي أبو الفضل ‪ :‬و تفصيل أب السن ف باقي جوابه حسن بي ‪ ،‬و هو على رأي أصبغ ‪ ،‬و‬
‫خلف قول سحنون ‪ ،‬و اختلفهما على قول مالك ف مياث الزنديق ‪ ،‬فمرة ورثه ورثته من السلمي‬
‫قامت بذلك بينة فأنكرها ‪ ،‬أو اعترف بذلك و أظهر التوبة ‪.‬‬
‫و قاله أصبغ ‪ ،‬و ممد بن مسلمة ‪ ،‬و غي واحد من أصحابه ‪ ،‬لنه مظهر للسلم بإنكاره أو توبته ‪ ،‬و‬
‫حكمه حكم النافقي الذين كانوا على عهد رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و روى ابن نافع عنه ف العتبية ‪ ،‬و كتاب ممد ـ أن مياثه لماعة السلمي ‪ ،‬لن ماله تبع لدمه ‪.‬‬
‫و قال به أيضا جاعة من أصحابه ‪ ،‬و قاله أشهب ‪ ،‬و الغية ‪ ،‬و عبد اللك ‪ ،‬و ممد ‪ ،‬و سحنون ‪.‬‬
‫و ذهب [ ‪ ] 266‬ابن القاسم ف العتبية إل أنه إن اعترف با شهد عليه به و تاب فقتل فل يورث ‪ .‬و‬
‫إن ل يقر حت قتل أو مات ورث ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬و كذلك كل من أسر كفرا فإنم يتوارثون بوراثة السلم ‪.‬‬
‫و سئل أبو القاسم ابن الكا تب عن النصران يسب النب صلى ال عليه و سلم فيقتل ‪ ،‬هل يرثه أهل دينه‬
‫أم السلمون ؟‬
‫فأجاب بأنه للمسلمي ليس على جهة الياث ‪ ،‬لنه ل توارث بي أهل ملتي ‪ ،‬و لكن لنه من فيئهم ‪،‬‬
‫لنقضه العهد ‪ ،‬و هذا معن قوله و اختصاره ‪.‬‬
‫الباب الثالث‬

‫ف حكم من سب ال تعال و ملئكته و كتبه ‪ ،‬و أنبياءه ‪ ،‬و آل النب و‬


‫أزواجه وصحبه‬
‫ل خلف أن ساب ال تعال من السلمي كافر حلل الدم ‪ .‬و اختلف ف استتابته ‪ ،‬فقال ابن القاسم ف‬
‫البسوط ‪ ،‬و ف كتاب ابن سحنون ‪ ،‬و ممد ‪ ،‬و رواه ابن القاسم عن مالك ف كتاب إسحاق بن يي‬
‫‪ :‬من سب ال تعال من السلمي قتل و ل يستتب إل أن يكون افتراء على ال بارتداده إل دين دان به‬
‫و أظهره فيستتاب ‪ ،‬و إن ل يظهره ل يستتب ‪.‬‬
‫و قال ف البسوطة مطرف و عبد اللك مثله ‪.‬‬
‫و قال الخزومي ‪ ،‬و ممد بن سلمة ‪ ،‬و ابن أب حازم ‪ :‬ل يقتل السلم بالسب حت يستتاب ‪.‬‬
‫و كذلك اليهودي و النصران ‪ ،‬فإن تابوا قبل منهم ‪ ،‬و إن ل يتوبوا قتلوا و ل بد من الستتابة ‪ ،‬و ذلك‬
‫كله كالردة ‪ ،‬و هو الذي حكاه القاضي بن نصر عن الذهب ‪.‬‬
‫و أفت أبو ممد بن أب زيد فيما حكي عنه ف رجل لعن رجلً و لعن ال ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنا أردت أن ألعن‬
‫الشيطان فزل لسان ‪ ،‬فقال ‪ :‬يقتل بظاهر كفره ‪ ،‬و ل يقبل عذره ‪.‬‬
‫و أما فيما بينه و بي ال تعال فمعذور ‪.‬‬
‫و اختلف فقهاء قرطبة ف مسألة هارون بن حبيب أخي عبد اللك الفقيه ‪ ،‬و كان ضيق الصدر ‪ ،‬كثي‬
‫التبم ‪ ،‬و كان قد شهد عليه بشهادات ‪ ،‬منها أنه قال عند استقلله من مرض ‪ :‬لقيت ف مرضى هذا ما‬
‫لو قتلت أبا بكر و عمر ل أستوجب هذا كله ‪.‬‬
‫فأفت إبراهيم بن حسي بن خالد بقتله ‪ ،‬و أن مضمن قوله توير ل تعال و تظلم منه ‪ ،‬و التعريض فيه‬
‫كالتصريح ‪.‬‬
‫و أفت أخوه عبد اللك بن حبيب ‪ ،‬و إبراهيم بن حسي بن عاصم ‪ ،‬و سعيد بن سليمان القاضي بطرح‬
‫القتل عنه ‪ ،‬إل أن القاضي رأى عليه التثقيل ف البس ‪ ،‬و الشدة ف الدب ‪ ،‬لحتمال كلمه ‪ ،‬و صرفه‬
‫إل التشكي ‪ ،‬فوجه من قال ف ساب ال بالستتابة ـ إنه كفر و ردة مضة ل يتعلق با حق لغي ال ‪،‬‬
‫فأشبه قصد الكفر بغي سب ال ‪ ،‬و إظهار النتقال إل دين آخر من الديان الخالفة للسلم ‪.‬‬
‫و وجه ترك استتابته أنه لا ظهر منه ذلك بعد إظهار السلم قبل اتمناه و ظننا أن لسانه ل ينطق به إل‬
‫و هو معتقد له ‪ ،‬إذ ل يتساهل ف هذا أحد ‪ ،‬فحكم له بكم الزنديق ‪ ،‬و ل تقبل توبته ‪ ،‬و إذا انتقل‬
‫من دين إل آخر ‪ ،‬و أظهر السب بعن الرتداد فهذا قد أعلم أنه خلع ربقة السلم من عنقه ‪ ،‬بلف‬
‫الول [ ‪ ] 267‬التمسك به ‪ ،‬و حكم هذا حكم ا لرتد ‪ :‬يستتاب على مشهور مذاهب أكثر أهل‬
‫العلم ‪ ،‬و هو مذهب مالك و أصحابه على ما بيناه قبل ‪ ،‬و ذكرنا اللف ف فصوله ‪.‬‬

‫فصل‬
‫حكم من أضاف إل ال تعال ما ل يليق به‬

‫و أما من أضاف إل ال تعال ما ل يليق به ليس على طريق السب و ل الردة و قصد الكفر ‪ ،‬و لكن‬
‫على طريق التأويل و الجتهاد و الطأ الفضي إل الوى و البدعة ‪ ،‬من تشبيه أو نعت بارحة أو نفي‬
‫صفة كمال ‪ ،‬فهذا ما اختلف السلف ‪ ،‬و اللف ف تكفي قائله و معتقده ‪.‬‬
‫و اختلف قول مالك و أصحابه ف ذلك ‪ ،‬و ل يتلفوا ف قتالم إذا تيزوا فئةً ‪ ،‬و أنم يستتابون ‪ ،‬فإن‬
‫تابوا و إل قتلوا و إنا اختلفوا ف النفرد منهم ‪ ،‬و أكثر قول مالك و أصحابه ترك القول بتكفيهم ‪ ،‬و‬
‫ترك قتلهم ‪ ،‬و البالغة ف عقوبتهم ‪ ،‬و إطالة سجنهم ‪ ،‬حت يظهر إقلعهم ‪ ،‬و تستبي توبتهم ‪ ،‬كما‬
‫فعل عمر رضي ال عنه بصبيغ ‪.‬‬
‫و هذا قول ممد بن الواز ف الوارج و عبد اللك بن الاجشون ‪ ،‬و قول سحنون ف جيع أهل‬
‫الهواء ‪ ،‬و به فسر قول مالك ف الوطأ ‪ ،‬و ما رواه عن عمر بن عبد العزيز و جده و عمه ‪ ،‬من قولم‬
‫ف القدرية يستتابون ‪ ،‬فإن تابوا و إل قتلوا ‪.‬‬
‫و قال عيسى عن ابن القاسم ـ ف أهل الواء من الباضية و القدرية و شبههم من خالف الماعة من‬
‫أهل البدع و التحريف ‪ ،‬لتأويل كتاب ال ‪ :‬يستتابون أظهروا ذلك أو أسروه ‪ .‬فإن تابوا إل قتلوا ‪ ،‬و‬
‫مياثهم لورثتهم ‪.‬‬
‫و قال مثله أيضا ابن القاسم ف كتاب ممد ف أهل القدر و غيهم ‪ ،‬قال ‪ :‬و استتابتهم أن يقال لم ‪:‬‬
‫اتركوا ما أنتم عليه ‪.‬‬
‫و مثله له ف البسوط ف الباضية و القدرية و سائر أهل البدع ‪ ،‬قال ‪ :‬و هم مسلمون ‪ ،‬و إنا قتلوا‬
‫لرأيهم السوء ‪ ،‬و بذا عمل عمر بن عبد العزيز ‪.‬‬
‫قال ابن القاسم ‪ :‬من قال ‪ :‬إن ال ل يكلم موس تكليما استتيب ‪ ،‬فإن تاب و إل قتل ‪.‬‬
‫و ابن حبيب و غيه من أصحابنا يرى تكفيهم و تكفي أمثالم من الوارج و القدرية و الرجئة ‪.‬‬
‫و قد روي أيضا عن سحنون مثله فيمن قال ‪ :‬ليس ل كلم ‪ ،‬إنه كافر ‪.‬‬
‫و اختلفت الروايات عن مالك ‪ ،‬فاطلق ف رواية الشاميي ‪ :‬أب مسهر ‪ ،‬و مروان ابن ممد الطاطري‬
‫الكفر عليهم ‪ ،‬و قد شوور ف زواج القدري ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل تزوجه ‪ ،‬قال ال تعال ‪ :‬ولعبد مؤمن خي من‬
‫مشرك ولو أعجبكم [ سورة البقرة ‪ ، 2 /‬الية ‪. ] 221 :‬‬
‫و قال ‪ :‬من وصف شيئا من ذات ال تعال ‪ ،‬و أشار إل شيء من جسده ‪ :‬يد ‪ ،‬أو سع ‪ ،‬أو بصر ‪،‬‬
‫قطع ذلك منه ‪ ،‬لنه شبه ال بنفسه ‪.‬‬
‫و قال فيمن قال ‪ :‬ا لقرآن ملوق ـ كافر فاقتلوه ‪.‬‬
‫و قال أيضا ـ ف رواية ابن نافع ـ يلد ‪ ،‬و يوجع ‪ ،‬ضربا ‪ ،‬و يبس حت يتوب ‪.‬‬
‫و ف رواية بشر بن بكر التنيسي عنه ‪ :‬يقتل و ل تقبل توبته ‪.‬‬
‫قال القاضي أبو عبد ال البنكان ‪ ،‬و القاضي أبو عبد ال التستري من أئمة العراقيي ‪ :‬جوابه متلف ‪،‬‬
‫يقتل الستبصر الداعية ‪.‬‬
‫و على هذا اللف اختلف قوله ف إعادة الصلة خلفهم ‪.‬‬
‫و حكى ابن النذر ‪ ،‬عن الشافعي ‪ :‬ل [ ‪ ] 268‬يستتاب القدري ‪.‬‬
‫و أكثر أقوال السلف تكفيهم ‪ ،‬و من قال به الليث ‪ ،‬و ابن عيينة و ابن ليعة ‪ ،‬و روي عنهم ذلك‬
‫فيمن قال بلق القرآن ‪ ،‬و قاله ابن البارك ‪ ،‬و الودي ‪ ،‬و وكيع ‪ ،‬و حفص بن غياث ‪ ،‬و أبو إسحاق‬
‫الفزاري ‪ ،‬و هشيم ‪ ،‬و علي بن عاصم ف آخرين ‪ ،‬و هو من قول أكثر الحدثي و الفقهاء و التكلمي‬
‫فيهم و ف الوارج و القدرية و أهل الهواء الضلة و أصحاب البدع التأولي ‪ ،‬و هو قول أحد بن‬
‫حنبل ‪ ،‬و كذلك قالوا ف الواقفة و الشاكة ف هذه الصول ‪.‬‬
‫و من روي عن معن القول الخر بترك تكفيهم علي بن أب طالب ‪ ،‬و ابن عمر ‪ ،‬و السن البصري ‪،‬‬
‫و هو رأي جاعة من الفقهاء و النظار و التكلمي ‪ ،‬و احتجوا بتو ريث الصحابة و التابعي ورثة أهل‬
‫حروراء ‪ ،‬و من عرف بالقدر من مات منهم ‪ ،‬و دفنهم ف مقابر السلمي ‪ ،‬و جري أحكام السلم‬
‫عليهم ‪.‬‬
‫قال إساعيل القاضي ‪ :‬و إنا قال مالك ف القدرية و سائر أهل البدع ‪ :‬يستتابون ‪ ،‬فإن تابوا و إل‬
‫قتلوا ‪ ،‬لنه من الفساد ف الرض ‪ ،‬كما قال ف الحارب ‪ :‬إن رأى المام قتله ‪ ،‬و إن ل يقتل ‪ ،‬قتله ‪،‬‬
‫و فساد الحارب إنا هو ف الموال و مصال الدنيا ‪ ،‬و إن كان قد يدخل أيضا ف أمر الدين من سبيل‬
‫الج و الهاد ‪ ،‬و فساد أهل البدع معظمه على الدين ‪ ،‬و قد يدخل ف أمر الدنيا با يلقون بي السلمي‬
‫من العداوة ‪.‬‬
‫فصل‬
‫ف تقيق القول ف إكفار التأولي‬

‫قد ذكرنا مذاهب السلف ف إكفار أهل البدع و الهواء التأولي من قال قو ًل يؤديه مساقه إل كفر ‪ ،‬و‬
‫هو إذا وقف عليه ل يقول با يؤديه قوله إليه ‪.‬‬
‫و على اختلفهم اختلف الفقهاء و التكلمون ف ذلك ‪ ،‬فمنهم من صوب التكفي الذي قال به المهور‬
‫من السلف ‪ ،‬و منهم من أباه و ل ير إخراجهم من سواد الؤمني ‪ ،‬و هو قول أكثر الفقهاء و‬
‫التكلمي ‪ ،‬و قالوا ‪ :‬هم فساق عصاة ضلل ‪ ،‬و نوارثهم من السلمي ‪ ،‬و نكم لم بأحكامهم ‪ ،‬و‬
‫لذا قال سحنون ‪ :‬ل إعادة على من صلى خلفهم ‪ ،‬قال ‪ :‬و هو قول جيع أصحاب مالك [ كلهم ] ‪:‬‬
‫الغية ‪ ،‬و ابن كنانة ‪ ،‬و أشهب ‪ ،‬قال ‪ :‬لنه مسلم ‪ ،‬و ذنبه ل يرجه من السلم ‪.‬‬
‫و اضطرب آخرون ف ذلك ‪ ،‬و وقفوا على القول بالتكفي وضده ‪ .‬و اختلف قول مالك ف ذلك ‪ ،‬و‬
‫توقفه عن إعادة الصلة خلفهم منه و إل نو من هذا ذهب القاضي أبو بكر إمام أهل التحقيق و الق ‪،‬‬
‫و قال ‪ :‬إنا من العوصات ‪ ،‬إذا القوم ل يصرحوا بالكفر ‪ ،‬و إنا قالوا قولً يؤدي إليه ‪.‬‬
‫و اضطرب قوله ف السألة على نو اضطراب قول إمامه مالك بن أنس حت قال ف بعض كلمه ‪ :‬إن‬
‫هم على رأي من كفرهم بالتأويل ل تل مناكحتهم ‪ ،‬و ل أكل ذبائحهم ‪ ،‬و ل الصلة على ميتهم ‪.‬‬
‫و يتلف ف موارثتهم على اللف ف مياث الرتد ‪.‬‬
‫و قال أيضا ‪ :‬نورث ميتهم ورثتهم من السلمي ‪ ،‬و ل نورثهم هم من السلمي ‪ ،‬و أكثر ميله إل تركه‬
‫التكفي بالآل ‪ ،‬و كذلك اضطراب فيه قول شيخه أب السن الشعري ‪ ،‬و أكثر قوله ترك التكفي ‪ ،‬و‬
‫أن الكفر خصلة واحدة ‪ ،‬و هو الهل [ ‪ ] 269‬بوجود الباري تعال ‪.‬‬
‫و قال مرةً ‪ :‬من اعتقد أن ال جسم ‪ ،‬أو السيح ‪ ،‬أو بعض من يلقاه ف الطرق ‪ ،‬فليس بعارف به و هو‬
‫كافر ‪.‬‬
‫و لثل هذا ذهب أبو العال رحه ال ف أجوبته لب ممد عبد الق ‪ ،‬و كان سأله عن السالة ‪ ،‬و اعتذر‬
‫له بأن الغلط فيها يصعب ‪ ،‬لن إدخال كافر ف اللة ‪ ،‬أو إخراج مسلم عنها عظيم ف الدين ‪.‬‬
‫و قال غيها من الحققي ‪ :‬الذي يب الحتراز من التكفي ف أهل التأويل ‪ ،‬فإن استبحاة الوحدين‬
‫خطأ ‪ ،‬و الطأ ف ترك ألف كافر أهون من الطأ ف سفك مجمة من دم مسلم واحد ‪.‬‬
‫و قد قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬فإذا قالوها ـ يعن الشهادة ـ عصموا من دماءهم و أموالم إل‬
‫بقها ‪ ،‬و حسابم على ال ‪.‬‬
‫فالعصمة مقطوع با من الش هادة ‪ ،‬و ل ترتفع و يستباح خلفها إل بقاطع ‪ ،‬و ل قاطع من شرع و ل‬
‫قياس عليه ‪.‬‬
‫و ألفاظ الحاديث الواردة ف الباب معرضة للتأويل ‪ ،‬فما جاء منها ف التصريح بكفر القدرية ‪ ،‬و قوله‬
‫‪ :‬ل سهم لم ف السلم ‪ ،‬و تسميته الرافضة بالشرك ‪ ،‬و إطلق اللعنة عليهم ‪ ،‬و كذلك ف الوارج و‬
‫غيهم من أهل الهواء ‪ ،‬فقد يتج با من يقول بالتفكي ‪ ،‬و قد ييب الخر عنها بأنه قد ورد ف‬
‫الديث مثل هذه اللفاظ ف غي الكفرة على طريق التغليط ‪ ،‬و كفر دون كفر ‪ ،‬و إشراك دون إشراك‬
‫‪.‬‬
‫و قد ورد مثله ف الرياء و عقوق الوالدين ‪ ،‬و الزوج ‪ ،‬و الزور ‪ ،‬و غي معصية ‪.‬‬
‫و إذا كان متملً للمرين فل يقطع على أحدها إل بدليل قاطع ‪.‬‬
‫و قوله ف الوارج ‪ :‬هم من شر البية ‪ ،‬و هذه صفة الكفار ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬شر قبيل تت أدي السماء ‪ ،‬طوب لن قتلهم أو قتلوه ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬فإذا وجدتوهم فاقتلوهم قتل عاد ‪.‬‬
‫فظاهر هذا الكفر ل سيما مع تشبيههم بعاد ‪ ،‬فيحتج به من يرى تكفيهم ‪ ،‬فيقول له الخر ‪ :‬إنا ذلك‬
‫من قتلهم لروجهم على السلمي و بغيهم عليهم ‪ ،‬بدليل من الديث نفسه ‪ :‬يقتلون أهل السلم ‪،‬‬
‫فقتلهم ها هنا حد ل كفر ‪.‬‬
‫و ذكر عاد تشبيه للقتل و حله ل للمقتول ‪ ،‬و ليس كل من حكم بقتله يكم بكفره ‪ .‬و يعارضه بقول‬
‫خالد ف الديث ‪ :‬دعن أضرب عنقه يا رسول ال ‪ .‬فقال ‪ :‬لعله يصلي ‪.‬‬
‫فإن احتجوا بقوله صلى ال عليه و سلم ‪ :‬يقروؤن القرآن ل ياوز حناجرهم ـ فأخب أن اليان ل‬
‫يدخل قلوبم ‪.‬‬
‫و كذلك قوله ‪ :‬يرقون من الدين مروق السهم من الرمية ‪ ،‬ث ل يعودون إليه حق يعود السهم على فوقه‬
‫‪.‬‬
‫و بقوله ‪ :‬سبق الفرث و الدم يدل على أنه ل يتعلق من السلم بشيء ‪.‬‬
‫أجابه الخرون ‪ :‬إن معن ل ياوز حناجرهم ‪ :‬ل بفهمون معانيه بقلوبم ‪ ،‬و ل تنشرح له صدورهم ‪،‬‬
‫و ل تعمل به جوارحهم ‪ ،‬و عارضوهم بقوله ‪ ،‬و يتمارى ف الفوق ‪.‬‬
‫و هذا يقتضي التشكك ف حاله ‪.‬‬
‫و احتجوا بقول أب سعيد الدري ف هذا الديث ‪ :‬سعت رسول ال صلى ال عليه و سلم يقول ‪:‬‬
‫يرج ف هذه المة ـ و ل يقل ‪ :‬من هذه [ ‪ ، ] 270‬و ترير أب سعيد الرواية ‪ ،‬و إتقانه اللفظ ‪.‬‬
‫أجابم الخرون بأن العبارة ‪ :‬ف ل تقتضي تصريا بكونم من غي المة ‪ ،‬بلف لفظة من الت هي‬
‫للتبعيض ‪ .‬و كونم من المة مع أنه قد روي عن أب ذر ‪ ،‬و علي ‪ ،‬و أب أمامة و غيهم ف هذا‬
‫الديث ‪ :‬يرج من أمت و سيكون من أمت ‪ ،‬و حروف العان مشتركة ‪ ،‬فل تعويل على إخراجهم من‬
‫المة ب [ ف ] ‪ ،‬و ل على إدخالم فيها ب [ من ] ‪ ،‬لكن أبا سعيد رضي ال عنه أجاد ما شاء ف‬
‫التنبيه الذي نبه عليه ‪ .‬و هذا ما يدل على سعة فقه الصحابة و تقيقهم للمعان و استنباطها من‬
‫اللفاظ ‪ ،‬و تريرهم لا ‪ ،‬و توقيهم ف الرواية هذه الذاهب العروفة لهل السنة ‪.‬‬
‫و لغيهم من الفرق فيها مقالت كثية مضطربة سخيفة ‪ ،‬أقر با قول جهم و ممد بن شبيب ‪ :‬إن‬
‫الكفر بال الهل به ‪ ،‬ل يكفر أحد بغي ذلك ‪.‬‬
‫و قال أبو الذيل ‪ :‬إن كل متأول كان تأويله تشبيها ل بلقه ‪ ،‬و تويرا له ف فعله ‪ ،‬و تكذيبا لبه‬
‫فهو كافر ‪.‬‬
‫و كل من أثبت شيئا قديا ل يقال له ال فهو كافر ‪.‬‬
‫و قال بعض التكلمي ‪ :‬إن كان من عرف الصل و بن عليه ‪ ،‬و كان فيما هو من أوصاف ال فهو‬
‫كافر ‪ ،‬و إن ل يكن من هذا الباب ففاسق ‪ ،‬إل أن يكون من ل يعرف الصل فهو مطئ غي كافر ‪.‬‬
‫و ذهب عبيد ال بن السن العنبي إل تصويب أقوال الجتهدين ف أصول الدين فيما كان عرضه‬
‫للتأويل ‪ ،‬و فارق ف ذلك فرق المة ‪ ،‬إذ أجعوا سواه على أن الق ف أصول الدين ف واحد ‪ ،‬و‬
‫الخطئ فيه آث عاص فاسق ‪ .‬و إنا اللف ف تكفيه ‪.‬‬
‫و قد حكى القاضي أبو بكر الباقلن مثل قول عبيد ال عن داود الصبهان ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬و حكى قوم عنهما أنما قال ذلك ف كل من علم ال سبحانه من حاله استفراغ الوسع ف طلب‬
‫الق من أهل ملتنا أو من غيهم ‪.‬‬
‫و قال نو هذا القول الاحظ ‪ ،‬و ثامة ‪ ،‬ف أن كثيا من العامة و النساء و البله و مقلدة النصارى و‬
‫اليهود و غيهم ل حجة ل عليهم ‪ ،‬إذ ل تكن لم طباع يكن معها الستدلل ‪.‬‬
‫و قد نا الغزال من هذا النحى ف كتاب التفرقة ‪.‬‬
‫و قائل هذا كله كافر بالجاع على كفر من ل يكفر أحدا من النصارى و اليهود و كل من فارق دين‬
‫السلمي ‪ ،‬أو وقف ف تكفيهم ‪ ،‬أو شك ‪.‬‬
‫قال القاضي أبو بكر ‪ :‬لن التوقيف و الجاع على كفرهم ‪ ،‬فمن وقف ف ذلك فقد كذب النص ‪ ،‬و‬
‫التوقيف ‪ ،‬أو شك فيه ‪ .‬و التكذيب أو الشك فيه ل يقع إل من كافر ‪.‬‬
‫فصل‬
‫ف بيان ما هو من القالت كفر ‪ ،‬و ما يتوقف أو يتلف فيه ‪ ،‬و ما ليس بكفر‬

‫اعلم أن تقيق هذا الفصل و كشف اللبس فيه مورده الشرع ‪ ،‬و ل مال للعقل فيه ‪ ،‬و الفصل البي ف‬
‫هذا أن كل مقالة صرحت بنفي الربوبية أو الوحدانية أو عبادة أحد غي ال ‪ ،‬أو مع ال ـ فهو كفر ‪،‬‬
‫كمقالة الدهرية ‪ ،‬و سائر فرق أصحاب الثني من الديصانية أو الانوية و أشباههم من الصائبي و‬
‫النصارى و الجوس [ ‪ ، ] 271‬و الذين أشركوا بعبادة الوثان أو اللئكة ‪ ،‬أو الشياطي ‪ ،‬أو‬
‫الشمس ‪ ،‬أو النجوم أو النار أو أحد غي ال من مشركي العرب ‪ ،‬و أهل الند و الصي و السودان و‬
‫غيهم من ل يرجع إل كتاب ‪.‬‬
‫و كذلك القرامطة و أصحاب اللول و التناسخ من الباطنية و الطيارة من الرافضة و الناحية و البيانية و‬
‫الغرابية ‪.‬‬
‫و كذلك من اعترف بإللية ال و وحدانيته ‪ ،‬و لكنه اعتقد أنه غي حي أو غي قدي ‪ ،‬و أنه مدث أو‬
‫مصور ‪ ،‬أو ادعى له ولدا أو صاحبة أو والدا ‪ ،‬أو أنه متولد من شيء أو كائن عنه ‪ ،‬أو أن معه ف‬
‫الزل شيئا قديا غيه ‪ ،‬أو أن ث صانعا للعال سواه ‪ ،‬أو مدبرا غيه ‪ ،‬فذلك كله كفر بإجاع‬
‫السلمي ‪ ،‬كقول الليي من الفلسفة و ا لنجمي و الطبائعيي ‪ .‬و كذلك من ادعى مالسة ال ‪ ،‬و‬
‫العروج إليه ‪ ،‬و مكالته ‪ ،‬أو حلوله ف أحد الشخاص ‪ ،‬كقول بعض التصوفة و الباطنية ‪ ،‬و النصارى ‪،‬‬
‫و القرامطة ‪.‬‬
‫و كذلك نقطع على كفر من قال بقدم العال ‪ ،‬أو بقائه ‪ ،‬أو شك ف ذلك على مذهب بعض الفلسفة‬
‫و الدهرية ‪ ،‬أو قال بتناسخ الرواح و انتقالا أبد الباد ف الشخاص ‪ ،‬و تعذيبها أو تنعيمها فيها بسب‬
‫زكائها و خبثها ‪ .‬و كذلك من اعترف باللية و الوحدانية ‪ ،‬و لكنه جحد النبوة من أصلها عموما ‪ ،‬أو‬
‫نبوة نبينا صلى ال عليه و سلم خصوصا ‪ ،‬أو أحد من النبياء الذين نص ال عليهم بعد علمه بذلك ‪،‬‬
‫فهو كافر بل ريب ‪ ،‬كالباهة ‪ ،‬و معظم اليهود و الروسية من النصارى ‪ ،‬و الغرابية من الروافض‬
‫الزاعمي أن عليا كان البعوث إليه جبيل ‪ ،‬و كالعطلة و القرامطة و الساعيلية و العنبية من الرافضة ‪،‬‬
‫و إن كان بعض هؤلء قد أشركوا ف كفر آخر مع من قبلهم ‪.‬‬
‫و كذلك من دان بالوحدانية و صحة النبوة ‪ ،‬و نبوة نبينا صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و لكن جوز على‬
‫النبياء الكذب فيما أتوا به ‪ ،‬ادعى ف ذلك الصلحة بزعمه أو ل يدعها فهو كافر بإجاع ‪ ،‬كالتفلسفي‬
‫‪ ،‬و بعض الباطنية ‪ ،‬و ا لروافض ‪ ،‬و غلة التصوفة ‪ ،‬و أصحاب الباحة ‪ ،‬فإن هؤلء زعموا أن ظواهر‬
‫الشرع ‪ ،‬و أكثر ما جاءت به الرسل من الخبار عما كان و يكون من أمور الخرة و الشر و القيامة ‪،‬‬
‫و النة و النار ‪ ،‬ليس منها شيء على مقتضى لفظها و مفهوم خطابا ‪ ،‬و إنا خاطبوا با اللق على‬
‫جهة الصلحة لم ‪ ،‬إذ ل يكنهم التصريح لقصور أفهامهم ‪ ،‬فمضمن مقالتم إبطال الشرائع ‪ ،‬و تعطيل‬
‫الوامر و النواهي ‪ ،‬و تكذيب الرسل ‪ ،‬و الرتياب فيما أتوا به ‪.‬‬
‫و كذلك من أضاف إل نبينا صلى ال عليه و سلم تعمد الكذب فيما بلغه و أخب به ‪ ،‬أو شك ف‬
‫صدقه ‪ ،‬أو سبه ‪ ،‬أو قال ‪ :‬إنه ل يبلغ ‪ ،‬أواستخف به ‪ ،‬أو بأحد من النبياء ‪ ،‬أو أزرى عليهم ‪ ،‬أو‬
‫آذاهم ‪ ،‬أو قتل نبيا ‪ ،‬أو حاربه ‪ ،‬فهو كافر بإجاع ‪.‬‬
‫و كذلك نكفر من ذهب مذهب القدماء ف أن ف كل جنس من اليوان نذيرا أو نبيا من القردة و‬
‫النازير و الدواب و الدود ‪ .‬و يتج بقوله تعال ‪ :‬وإن من أمة إل خل فيها نذير ‪ .‬إذ ذلك يؤدي إل أن‬
‫يوصف أنبياء هذه الجناس بصفاتم الذمومة ‪ .‬و فيه من الزراء على هذا النصب [ ‪ ] 272‬النيف ما‬
‫فيه ‪ ،‬مع إجاع السلمي على خلفه ‪ ،‬وتكذيب قائله ‪.‬‬
‫وكذلك نكفر من ا عترف من الصول الصحيحة با تقدم ‪ ،‬و بنبوة نبينا صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و لكن‬
‫قال ‪ :‬كان أسود ‪ ،‬أو مات قبل أن يلتحي ‪ ،‬و ليس الذي كان بكة و الجاز ‪ ،‬أو ليس بقرشي ‪ ،‬لن‬
‫وصفه بغي صفاته العلومة نفي له و تكذيب به ‪.‬‬
‫وكذلك من ادعى نبوة أحد مع نبينا صلى ال عليه و سلم أو بعده ‪ ،‬كالعيسوية من اليهود القائلي‬
‫بتخصيص رسالته إل العرب ‪ ،‬و كالرمية القائلي بتواتر الرسل ‪ ،‬وكأكثر الرافضة القائلي بشاركة‬
‫علي ف الرسالة للنب صلى ال عليه و سلم و بعده ‪ ،‬وكذلك كل إمام عند هؤلء يقوم مقامه ف النبوة و‬
‫الجة ‪ ،‬و كالبزيعية و البيانية منهم القائلي بنيوة بزيع و بيان و أشباه هؤلء ‪ .‬أو من ادعى النبوة‬
‫لنفسه ‪ ،‬أو جوز اكتسابا و البلوغ بصفاء القلب إل مرتبتها ‪ ،‬كالفلسفة و غلة التصوفة ‪.‬‬
‫و كذلك من ادعى منهم أنه يوحى إليه و إن ل يدع النبوة ‪ ،‬أو أنه يصعد إل السماء و يدخل إل‬
‫النة ‪ ،‬و يأكل من ثارها ‪ ،‬و يعانق الور العي ‪ ،‬فهؤلء كلهم كفار مكذبون للنب صلى ال عليه و‬
‫سلم ‪ ،‬لنه أخب النب صلى ال عليه و سلم أنه خات النبيي ‪ ،‬ل نب بعده ‪ .‬و أخب عن ال تعال أنه خات‬
‫النبيي ‪ ،‬و أنه أرسل كافة للناس ‪.‬‬
‫و أجعت المة على حل هذا الكلم على ظاهره ‪ ،‬و أن مفهومه الراد منه دون تأويل و ل تصيص ‪،‬‬
‫فل شك ف كفر هؤلء الطوائف كلها قطعا إجاعا و سعا ‪.‬‬
‫و كذلك وقع الجاع على تكفي كل من دافع نص الكتاب ‪ ،‬أو خص حديثا ممعا على نقله مقطوعا‬
‫به ‪ ،‬ممعا على حله على ظاهره ‪ ،‬كتكفي الوارج بإبطال الرجم ‪ ،‬و لذا نكفر من دان بغيملة‬
‫السلمي من اللل ‪ ،‬أو وقف فيهم ‪ ،‬أو شك ‪ ،‬أو صحح مذهبهم ‪ ،‬و إن أظهر مع ذلك السلم ‪ ،‬و‬
‫اعتقده ‪ ،‬و اعتقد إبطال كل مذهب سواه ‪ ،‬فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلف ذلك ‪.‬‬
‫و كذلك نقطع بتكفي كل قائل قال قو ًل يتوصل به إل تضليل المة و تكفي جيع الصحابة ‪ ،‬كقول‬
‫الكميلية من الرافضة بتكفي جيع المة بعد النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬إذ ل تقدم عليا ‪ .‬و كفرت‬
‫عليا ‪ ،‬إذ ل يتقدم و يطلب حقه ف التقدي ‪ ،‬فهؤلء قد كفروا من وجوه ‪ ،‬لنم أبطلوا الشريعة بأسرها‬
‫‪ ،‬إذ قد انقطع نقلها و نقل القرآن ‪ ،‬إذ ناقلوه كفرة على زعمهم ‪ ،‬و إل هذا ـ و ال أعلم ـ أشار‬
‫مالك ف أحد قوليه بقتل من كفر الصحابة ‪.‬‬
‫ث كفروامن وجه آخر بسبهم النب صلى ال عليه و سلم على مقتضى قولم و زعمهم أنه عهد إل علي‬
‫رضي ال عنه و هو يعلم انه يكفر بعده على قولم ‪ ،‬لعنة ال عليهم ‪ ،‬و صلى ال على رسوله و آله ‪.‬‬
‫و كذلك نكفر بكل فعل أجع السلمون أنه ل يصدر من كافر و إن كان صاحبه مصرحا بالسلم مع‬
‫فعله ذلك الفعل ‪ ،‬كالسجود للصنم ‪ ،‬و للشمس و القمر ‪ ،‬و الصليب و النار ‪ ،‬و السعي إل الكنائس و‬
‫البيع مع أهلها بزيهم ‪ :‬من شد الزناني ‪ ،‬و فحص الرؤوس ‪ ،‬فقد أجع السلمون أن هذا [ الفعل ] ل‬
‫يوجد [ ‪ ] 273‬إل من كافر ‪ ،‬و أن هذه الفعال علمة على الكفر و إن صرح فاعلها بالسلم ‪.‬‬
‫و كذلك أجع السلمون على تكفي كل من استحل القتل أو شرب المر أو الزنا ما حرم ال بعد علمه‬
‫بتحريه ‪ ،‬كأصحاب الباحة من القرامطة و بعض غلة التصوفة ‪.‬‬
‫و كذلك نقطع بتكفي كل من كذب و أنكر قاعدة من قواعد الشرع ‪ ،‬و ما عرف يقينا بالنقل التواتر‬
‫من فعل الرسول ‪ ،‬و وقع الجاع التصل عليه ‪ ،‬كمن أنكر وجوب المس الصلوات أو عدد ركعاتا و‬
‫سجداتا ‪ ،‬و يقول ‪ :‬إنا أوجب ال علينا ف كتابه الصلة على الملة ‪ ،‬و كونا خسا ‪ ،‬و على هذه‬
‫الصفات و الشروط ل أعلمه ‪ ،‬إذ ل يرد فيه ف القرآن نص جلي ‪ ،‬و الب به عن الرسول صلى ال عليه‬
‫و سلم خب و احد ‪.‬‬
‫و كذلك أجع السلمون على تكفي من قال من الوارج ‪ :‬إن الصلة طرف النهار ‪ ،‬و على تكفي‬
‫الباطنية ف قولم ‪ :‬إن الفرائض أساء رجال أمروا بوليتهم ‪ ،‬و البائث و الحارم أساء رجال أمروا‬
‫بالباء منهم ‪.‬‬
‫و قول بعض التصوفة ‪ :‬إن العبادة و طول الجاهدة إذا صفت نفوسهم أفضت بم إل إسقاطها و إباحة‬
‫كل شيء لم ‪ ،‬و رفع عهد الشرائع عنهم ‪.‬‬
‫و كذلك إن أنكر منكر مكة ‪ ،‬أو البيت ‪ ،‬أو السجد الرام ‪ ،‬أو صفة الج ‪ ،‬أو قال ‪ :‬الج واجب ف‬
‫القرآن ‪ ،‬و استقبال القبلة كذلك ‪ ،‬و لكن كونه على هذه اليئة التعارفة ‪ ،‬أن تلك البقعة هي مكة و‬
‫البيت و السجد الرام ‪ ،‬ل أدري هي تلك أو غيها ‪ ،‬و لعل الناقلي أن النب صلى ال عليه و سلم‬
‫فسرها بذه التفاسي غلطوا و وهوا ‪ ،‬فهذا و مثله ل مرية ف تكفيه إن كان من يظن به علم ذلك ‪ ،‬و‬
‫من يالط السلمي ‪ [ ،‬و امتدت صحبته لم‪ ،‬إل أن يكون حديث عهد بإسلم ‪ ،‬فيقال له ‪ :‬سبيلك أن‬
‫تسأل عن هذا الذي ل تعلمه بعد كافة السلمي ] ‪ ،‬فل تد بينهم خلفا ‪ ،‬كافة ًعن كافة ‪ ،‬إل‬
‫معاصري الرسول صلى ال عليه و سلم ـ أن هذه المور كما قيل لك ‪ ،‬و أن تلك البقعة هي مكة و‬
‫البيت الذي فيها هو الكعبة ‪ ،‬و القبلة الت صلى لا الرسول صلى ال عليه و سلم و السلمون ‪ ،‬و حجوا‬
‫إليها ‪ ،‬و طافوا با ‪ ،‬و ان تلك الفعال هي صفة عبادة الج ‪ ،‬و الراد به ‪ ،‬و هي الت فعلها النب صلى‬
‫ال عليه و سلم و السلمون ‪ ،‬و أن صفات الصلةالذكورة هي الت فعل النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و‬
‫شرح مراد ال بذلك ‪ ،‬و أبان حدودها ‪ ،‬فيقع لك العلم كما وقع لم ‪ ،‬و ل ترتاب بذلك بعد ‪ ،‬و‬
‫الرتاب ف ذلك ‪ ،‬أو النكر بعد البحث و صحبة السلمي كافر باتفاق ‪ ،‬ل يعذر بقوله ‪ :‬ل أدري ‪ ،‬و‬
‫ل يصدق فيه ‪ ،‬بل ظاهره التستر عن التكذيب ‪ ،‬إذ ل يكن أنه ل يدري ‪.‬‬
‫و أيضا فإنه إذا جوز على جيع المة الوهم و الغلط فيما نقلوه من ذلك ‪ ،‬و أجعوا أنه قول الرسول و‬
‫فعله و تفسي مراد ال به ـ أدخل السترابة ف جيع الشريعة ‪ ،‬إذ هم الناقلون لا و للقرآن ‪ ،‬و انلت‬
‫عرا الدين كرةً ‪ ،‬و من قال هذا كافر ‪.‬‬
‫و كذلك من أنكرالقرآن ‪ ،‬أو حرفا منه ‪ ،‬او غيه شيئا منه ‪ ،‬أو زاد فيه ‪ ،‬كفعل الباطنية و الساعيلي ‪،‬‬
‫أو زعم أنه ليس بجة للنب صلى ال عليه و سلم [ ‪ ، ] 274‬أو ليس فيه حجة و ل معجزة ‪ ،‬كقول‬
‫هشام الفوطي ‪ ،‬و معمر الضمري ‪ :‬إنه ل يدل على ال ‪ ،‬و ل حجة فيه لرسوله ‪ ،‬و ل يدل على ثواب‬
‫و ل عقاب ‪ ،‬و ل حكم ‪ ،‬و ل مالة ف كفرها بذلك القول ‪.‬‬
‫و كذلك تكفيها بإنكارها أن يكون ف سائر معجزات النب صلى ال عليه و سلم حجة له ‪ ،‬أو ف‬
‫خلق السموات و الرض دليل على ال ‪ ،‬لخالفتهم الجاع و النقل التواتر عن النب صلى ال عليه و‬
‫سلم باحتجاجه بذا كله و تصريح القرآن به ‪.‬‬
‫و كذلك من أنكر شيئا ما نص فيه القرآن ـ بعد علمه ـ أنه من القرآن الذي ف أيدي الناس و‬
‫مصاحف السلمي ‪ ،‬و ل يكن جاهلً به ‪ ،‬و ل قريب عهد بالسلم ‪ ،‬و احتج لنكاره إما بأنه ل يصح‬
‫النقل عنده ‪ ،‬و ل بلغه العلم به ‪ ،‬أو لتجويزه الوهم على ناقليه ‪ ،‬فنكفره بالطريقي التقدمي ‪ ،‬لنه‬
‫مكذب [ للقرآن ‪ ،‬مكذب ] للنب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬لكنه تستر بدعواه ‪.‬‬
‫و كذلك من أنكر النة أو النار ‪ ،‬أو البعث أو الساب أو القيامة فهو كافر بإجاع للنص عليه ‪ ،‬و‬
‫إجاع المة على صحة نقله متواترا ‪ ،‬و كذلك من اعتراف بذلك ‪ ،‬و لكنه قال ‪ :‬إن الراد بالنة و النار‬
‫‪ ،‬و الشر و النشر ‪ ،‬و الثواب و العقاب ـ معن غي ظاهره ‪ ،‬و إنا لذات روحانية‪ ،‬و معان باطنة ‪،‬‬
‫كقول النصارى و الفلسفة و الباطنية و بعض التصوفة ‪ ،‬و زعمهم أن معن القيامة الوت أو فناء‬
‫مض ‪ ،‬و انتقاض هيئة الفلك ‪ ،‬و تليل العال ‪ ،‬كقول بعض الفلسفة ‪.‬‬
‫و كذلك نقطع بتكفي غلة الرافضة ف قولم ‪ :‬إن الئمة أفضل من النبياء ‪.‬‬
‫فأما من أنكر ما عرف بالتواتر من الخبار و السي و البلد الت ل ترجع إل إبطال شريعة ‪ ،‬و ل تفضي‬
‫إل إنكار قاعدة من الدين ‪ ،‬كإنكار غزوة تبوك أو مؤتة ‪ ،‬أو وجود أب بكر و عمر ‪ ،‬أو قتل عثمان ‪ ،‬و‬
‫خلفة علي ‪ ،‬ما علم بالنقل ضرورة ‪ ،‬و ليس ف إنكاره جحد شريعة ‪ ،‬فل سبيل إل تكفيه بحد ذلك‬
‫‪ ،‬و إنكاره وقوع العلم له ‪ ،‬إذ ليس ف ذلك أكثر من الباهتة ‪ ،‬كإنكار هشام و عباد وقعة المل ‪ ،‬و‬
‫ماربة علي من خالفه ‪.‬‬
‫فأما إن ضعف ذلك من أجل تمة الناقلي ‪ ،‬و وهم السلمي أجع ‪ ،‬فنكفره بذلك لسريانه إل إبطال‬
‫الشريعة ‪.‬‬
‫فأما من أنكر الجاع الجرد الذي ليس طريقه النقل التواتر عن الشارع فأكثر التكلمي من الفقهاء و‬
‫النظار ف هذا الباب قالوا بتكفيكل من خالف الجاع الصحيح الامع لشروط الجاع التفق عليه‬
‫عموما ‪.‬‬
‫و حجتهم قوله تعال ‪ :‬ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبي له الدى ويتبع غي سبيل الؤمني نوله ما‬
‫تول ونص له جهنم وساءت مصيا [ سورة النساء ‪ ، 4 /‬الية ‪. ] 115 :‬‬
‫و قوله صلى ال عليه و سلم ‪ :‬من خالف الماعة قيد شب فقد خلع ربقة السلم من عنقه ‪ .‬و حكوا‬
‫الجاع على تكفي من خالف الجاع ‪.‬‬
‫و ذهب آخرون إل الوقوف عن القطع بتكفي من خالف الجاع [ الذي يتص بنقله العلماء ‪.‬‬
‫و ذهب آخرون إل التوقف ف تكفي من خالف الجاع ] الكائن عن نظر ‪ ،‬كتكفي النظام بإنكاره‬
‫الجاع ‪ ،‬لنه بقوله هذا مالف إجاع السلف على احتجاجهم به ‪ ،‬خارق للجاع ‪.‬‬
‫قال القاضي أبو بكر ‪ :‬القول عندي أن الكفر بال هو الهل بوجوده ‪ ،‬و اليان بال [ ‪ ] 275‬هو‬
‫العلم بوجوده ‪ ،‬و أنه ل يكفر أحد بقول و ل رأي إل أن يكون هو الهل بال ‪ ،‬فإن عص بقول أو‬
‫فعل نص ال و رسوله ‪ ،‬أو أجع السلمون ‪ ،‬أنه ل يوجد إل من كافر ‪ ،‬أو يقوم دليل على ذلك ‪ ،‬فقد‬
‫كفر ‪ ،‬ليس لجل قوله أو فعله ‪ ،‬لكن لا يقارنه من الكفر ‪ ،‬فالكفر بال ل يكون إل بأحد ثلثة أمور ‪:‬‬
‫أحدها الهل بال تعال ‪ .‬و الثان أن يأت فعلً أو يقول قولً يب ال و رسوله ‪ ،‬أو يمع السلمون ‪ ،‬أن‬
‫ذلك ل يكون إل من كافر ‪ ،‬كالسجود للصنم ‪ ،‬و الشي إل الكنائس بالتزام الزنار مع أصحابا ف‬
‫أعيادهم ‪ ،‬أو أن يكون ذلك القول أو الفعل ل يكن معه العلم بال تعال ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فهذان الضربان ‪ ،‬وإن ل يكونا جهلً بال فهما علم أن فاعلهما كافر منسلخ من اليان ‪ ،‬فأما‬
‫من نفى صفة من صفات ال تعال الذاتية ‪ ،‬أو جحدها مستبصرا ف ذلك ‪ ،‬كقوله ‪ :‬ليس بعال ول قادر‬
‫ول مريد ول متكلم ‪ ،‬وشبه ذلط من صفات الكمال الواجبة له تعال ‪ ،‬فقد نص أئمتنا على الجاع‬
‫على كفر من نفى عنه تعال الوصف با ‪ ،‬وأعراه عنها ‪.‬‬
‫وعلى هذا حل قول سحنون ‪ :‬من قال ‪ :‬ليس ل كلم ‪ ،‬فهو كافر ‪ ،‬و هو ل يكفر التأولي كما‬
‫قدمناه ‪.‬‬
‫فأما من جهل صفة من هذه الصفات فاختلف العلماء ها هنا ‪ ،‬فكفره بعضهم ‪ ،‬وحكي ذلك عن أب‬
‫جعفر الطبي و غيه ‪ ،‬و قال به أبو السن الشعري مرة ‪.‬‬
‫و ذهبت طائفة إل أن هذا ل يرجه عن اسم اليان ‪ ،‬و إليه رجع الشعري ‪ ،‬قال ‪ :‬لنه ل يعتقد ذلك‬
‫اعتقادا يقطع بصوابه ‪ ،‬ويراه دينا وشرعا وإنا نكفر من اعتقد أن مقاله حق ‪.‬‬
‫واحتج هؤلء بديث السوداء ‪ ،‬وأن النب صلى ال عليه و سلم إنا طلب منها التوحيد ل غي ‪ ،‬وبديث‬
‫القائل ‪ :‬لئن قدر ال علي ـ وف رواية فيه ‪ :‬لعلي أضل ال‬
‫‪ .‬ث قال ‪ :‬فغفر ال له ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬ولو بوحث أكثر الناس عن الصفات وكوشفوا عنها لا وجد من يعلمها إل القل ‪.‬‬
‫وقد أجاب الخر عن هذا الديث بوجوه ‪ ،‬منها أن قدر بعن قدر ‪ ،‬ول يكون شكه ف القدرة على‬
‫إحيائه ‪ ،‬بل ف نفس البعث الذي ل يعلم إل بشرع ‪ ،‬و لعله ورد عندهم به شرع يقطع عليه ‪ ،‬فيكون‬
‫الشك به حينئذ فيه كفرا ‪.‬‬
‫فأما ما ل يرد شرع فهو من موزات العقول ‪ ،‬أو يكون قدر بعن ضيق ‪ ،‬و يكون ما فعله إزراء عليها و‬
‫غضبا لعصيانا ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬قال ما قاله و هو غي عاقل لكلمه و ل ضابط للفظه ما استول عليه من الزع والشية الت‬
‫أذهبت لبه ‪ ،‬فلم يؤاخذ به ‪.‬‬
‫[ و قيل ‪ :‬كان هذا ف زمن الفترة ‪ ،‬و حيث ينفع مرد التوحيد ] ‪.‬‬
‫و قيل ‪ :‬بل هذا من ماز كلم العرب الذي صورته الشك ‪ ،‬و معناه التحقيق ‪ ،‬و هو يسمى تاهل‬
‫العارف ‪ ،‬و له أمثلة ف كلمهم ‪ ،‬كقوله تعال ‪ :‬لعله يتذكر أو يشى ‪ .‬و قوله ‪ :‬وإنا أو إياكم لعلى‬
‫هدى أو ف ضلل مبي [ سورة سبأ ‪ ، 34 /‬الية ‪. ] 24 :‬‬
‫فأما من أثبت الوصف و نفى الصفة فقال ‪ :‬أقول عال و لكن ل علم له ‪ ،‬و متكلم و لكن ل كلم له ‪.‬‬
‫و هكذا ف سائر الصفات على مذهب العتزل ة [ ‪ : ] 276‬فمن قال بالآل لا يؤديه إليه قوله ‪ ،‬و‬
‫يسوقه إليه مذهبه ـ كفره ‪ ،‬لنه إذا نفى العلم انتفى وصف عال ‪ ،‬إذ ل يوصف بعال إل من له علم‬
‫فكأنم صرحوا عنده با أدى إليه قوله لم ‪ .‬و هكذا عند هذا سائر فرق أهل التأويل من الشبهة و‬
‫القدرية و غيهم ‪.‬‬
‫و من ل ير أخذهم بآل قولم ‪ ،‬و ل ألزمهم موجب مذهبهم ‪ ،‬ل ير إكفارهم ‪ ،‬قال ‪ :‬لنم إذا وقفوا‬
‫على هذا قالوا ‪ :‬ل نقول ليس بعال ‪ ،‬و نن ننتفي من القول بالآل الذي ألزمتوه لنا ‪ ،‬و نعتقد نن و‬
‫أنتم أنه كفر ‪ ،‬بل نقول ‪ :‬إن قولنا ل يؤول إليه على ما أصلناه ‪.‬‬
‫فعلى هذين الأخذين اختلف الناس ف إكفار أهل التأويل ‪ ،‬و إذا فهمته اتضح لك الوجب لختلف‬
‫الناس ف ذلك ‪.‬‬
‫و الصواب ترك إكفارهم و العراض عن التم عليهم بالسران و إجراء حكم السلم عليهم ف‬
‫قصاصهم و وراثاتم ‪ ،‬و مناكحاتم ‪ ،‬و دياتم ‪ ،‬و الصلة عليهم ‪ ،‬و دفنهم ف مقابر السلمي ‪ ،‬و‬
‫سائر معاملتم ‪ ،‬لكنهم يغلط عليهم بوجيع الدب ‪ ،‬و شديد الزجر و الجر ‪ ،‬حت يرجعوا عن بدعتهم‬
‫‪.‬‬
‫و هذه كانت سية الصدر الول فيهم ‪ ،‬فقد كان نشأ على زمان الصحابة و بعدهم ف التابعي من قال‬
‫بذه القوال من القد ر و رأى الوارج و العتزال ‪ ،‬فما أزاحو لم قبا ‪ ،‬و ل قطعوا لحد منهم مياثا‬
‫‪ ،‬لكنهم هجروهم و أدبوهم بالضرب و النفي و القتل على قدر أحوالم ‪ ،‬لنه فساق ضلل عصاة‬
‫أصحاب كبائر عند الحققي و أهل السنة من ل يقل بكفرهم منهم خلفا لن رأى غي ذلك ‪ .‬و ال‬
‫الوفق للصواب ‪ .‬قال القاضي أبو بكر و أما مسائل الوعد و الوعيد ‪ ،‬و الرؤية و الخلوق ‪ ،‬و خلق‬
‫الفعال ‪ ،‬و بقاء العراض ‪ ،‬و التولد و شبهها من الدقائق ـ فالنع ف إكفار التأولي فيها أوضح ‪ ،‬إذ‬
‫ليس ف الهل بشيء منها جهل بال تعال ‪ ،‬و ل أجع السلمون على إكفار من جهل شيئا منها ‪.‬‬
‫و قد قدمنا ف الفصل قبله من الكلم و صورة اللف ف هذا ما أغن عن إعادته بول ال تعال ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف حكم الساب إذا كان ذميا‬
‫هذا حكم السلم الساب ل تعال ‪ .‬و أما الذمي فروي عن عبد ال بن عمر ف ذمي تناول من حرمه ال‬
‫تعال غي ما هو عليه من دينه ‪ ،‬و حاج فيه ‪ ،‬فخرج ابن عمر عليه بالسيف فطلبه فهرب ‪.‬‬
‫و قال مالك ف كتاب ابن حبيب و البسوطة و ابن القاسم ف البسوط ‪ ،‬و كتاب ممد و ابن سحنون ‪:‬‬
‫من شتم ال من اليهود و النصارى بغي الوجه الذي به كفروا قتل و ل يستتب ‪.‬‬
‫قال ابن القاسم ‪ :‬إل أن يسلم ‪ .‬قال ف البسوطة ‪ :‬طوعا ‪.‬‬
‫قال أصبغ ‪ :‬لن الوجه الذي به كفروا هو دينهم ‪ ،‬و عليه عوهدوا من دعوى الصاحبة و الشريك و‬
‫الولد ‪.‬‬
‫و أما غي هذا من الفرية و الشتم فلم يعاهدوا عليه ‪ ،‬فهو نقض للعهد ‪.‬‬
‫قال ابن القاسم ف كتاب ممد ‪ :‬و من شتم من غي أهل الديان ال تعال بغي الوجه الذي ذكر ف‬
‫كتابه قتل إل أن يسلم ‪.‬‬
‫و قال الخزومي ف البسوطة ‪ ،‬و ممد بن سلمة ‪ ،‬و ابن أب حازم ‪ :‬ل يقتل حت يستتاب مسلما كان‬
‫أو كافرا ‪ ،‬فإن تاب و إل قتل [ ‪. ] 277‬‬
‫و قال مطرف و عبد اللك مثل قول مالك ‪.‬‬
‫و قال أبو ممد بن أب زي د ‪ :‬من سب ال تعال بغي الوجه الذي به كفر قتل إل أن يسلم ‪.‬‬
‫و قد ذكرنا قول ابن اللب قبل ‪ ،‬و ذكرنا قول عبيد ال ‪ ،‬و ابن لبابة ‪ ،‬و شيوخ الندلسيي ف‬
‫النصرانية و فتياهم بقتلها لسبها ‪ ،‬بالوجه الذي كفرت به ‪ ،‬ل و للنب ‪ ،‬و إجاعهم على ذلك ‪ ،‬و هو‬
‫نو القول الخر فيمن سب النب صلى ال عليه و سلم منهم بالوجه الذي كفر به ‪ ،‬و ل فرق ف ذلك‬
‫بي سب ال و سب نبيه ‪ ،‬لنا عاهدناهم على أل يظهروا لنا شيئا من كفرهم ‪ ،‬و أل يسمعونا شيئا من‬
‫ذلك ‪ ،‬فمت فعلوا شيئا منه فهو نقض لعهدهم ‪.‬‬
‫و اختلف العلماء ف الذمي إذا تزندق ‪ ،‬فقال مالك ‪ ،‬و مطرف ‪ ،‬وابن عبد الكم ‪ ،‬و أصيغ ‪ :‬ل‬
‫يقتل ‪ ،‬لنه خرج من كفر إل كفر ‪.‬‬
‫و قال عبد الل بن الاجشون ‪ :‬يقتل لنه دين ل يقر عليه أحد ‪ ،‬و ل تؤخذ عليه جزية ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف مفترى الكذب على ال تبارك و تعال بادعاء اللية‬
‫هذا حكم من صرح بسبه و إضافة ما ل يليق بلله و إلهيته ‪ ،‬فأما مفتري الكذب عليه تبارك و تعال‬
‫بادعاء اللهية أو الرسالة أو الناف أن يكون ال خالقه أو ربه ‪ ،‬أو قال ‪ :‬ليس رب ‪ ،‬أو التكلم با ل‬
‫يعقل من ذلك ف سكره أو غمرة جنونه فل خلف ف كفر قائل ذلك و مدعيه مع سلمة عقله كما‬
‫قدمنا ‪ ،‬لكنه تقبل توبته على الشهور ‪ ،‬و تنفعه إنابته ‪ ،‬و تنجيه من القتل فيئته ‪ ،‬لكنه ل يسلم من عظيم‬
‫النكال ‪ ،‬و ل يرفه عن شديد العقاب ‪ ،‬ليكون ذلك زجرا لثله عن قوله ‪ ،‬و له عن العودة لكفره أو‬
‫جهله ‪ ،‬إل من تكرر منه ذلك ‪ ،‬و عرف استهانته با أتى به ‪ ،‬فهو دليل على سوء طويته ‪ ،‬و كذب‬
‫توبته ‪ ،‬و صار كالزنديق الذي ل نأمن باطنه ‪ ،‬و ل نقبل رجوعه ‪ .‬و حكم السكران ف ذلك حكم‬
‫الصاحي ‪.‬‬
‫و أما الجنون و العتوه فما علم أنه قاله من ذلك ف حال غمرته و ذهاب ميزه بالكلية فل نظر فيه ‪ ،‬و‬
‫ما فعله من ذلك ف حال ميزه و إن ل يكن معه عقله و سقط تكليفه أدب على ذلك لينجر عنه ‪ ،‬كما‬
‫يؤدب على قبائح الفعال ‪ ،‬و يوال أدبه على ذلك حت يكف عنه ‪ ،‬كما تؤدب البهيمة على سوء اللق‬
‫حت تراض ‪.‬‬
‫و قد حرق علي بن أب طالب رضي ال عنه من ادعى له اللية ‪ ،‬و قد قتل عبد اللك بن مروان الارث‬
‫التنب و صلبه ‪ ،‬و فعل ذلك غي واحد من اللفاء و اللوك بأشباههم ‪.‬‬
‫و أجع علماء و قتهم على صواب فعلهم ‪ ،‬و الخالف ف ذلك من كفرهم كافر ‪.‬‬
‫و أجع فقهاء بغداد أيام القتدر من الالكية و قاضي قضاتا أبو عمر الالكي على قتل اللج و صلبه ‪،‬‬
‫لدعواه اللية ‪ ،‬و القول باللول ‪ ،‬و قوله ‪ :‬أن الق ‪ ،‬مع تسكه ف الظاهر بالشريعة ‪ ،‬و ل يقبلوا توبته‬
‫‪.‬‬
‫و كذلك حكموا ف ابن أب الغراقيد ‪ ،‬و كان على نو مذهب اللج بعد هذا أيام الراضي بال ‪ ،‬و‬
‫قاضي قضاة بغداد يومئذ أبو السي بن أب عمر [ ‪ ] 278‬الالكي ‪.‬‬
‫و قال ابن عبد الكم ف البسوط ‪ :‬من تنبأ قتل ‪.‬‬
‫و قال أبو حنيفة و أصحابه ‪ :‬من حجد أن ال تعال خالقه أو ربه ‪ ،‬أو قال ‪ :‬ليس ل رب ‪ ،‬فهو مرتد ‪.‬‬

‫و قال ابن القاسم ف كتاب ابن حبيب ‪ ،‬و ممد ف العتيبة فيمن تنبأ يستتاب أسر ذلك أو أعلنه ‪ ،‬و هو‬
‫كالرتد ‪.‬‬
‫و قال سحنون و غيه ‪ ،‬و قاله أشهب ف يهودي تنبأ ‪ ،‬و ادعى أنه رسول إلينا إن كان معلنا بذلك‬
‫استتيب ‪ ،‬فإن تاب و إل ا قتل ‪.‬‬
‫و قال أبو ممد بن أب زيد فيمن لعن بارئه ‪ ،‬و ادعى أن لسانه زل ‪ ،‬و إنا أراد لعن الشيطان ـ يقتل‬
‫بكفره ‪ ،‬و ل يقبل عذره ‪.‬‬
‫و هذا على القول الخر من أنه ل تقبل توبته ‪.‬‬
‫و قال أبو السن القابسي ف سكران ‪ ،‬قال ‪ :‬أنا ال ‪ ،‬أنا ال ‪ ،‬إن تاب أدب ‪ ،‬فإن عاد إل مثل قوله‬
‫طولب مطالبة الزنديق ‪ ،‬لن هذا كفر التلعبي ‪.‬‬
‫فصل‬
‫فيمن تكلم بسقط القول و سخف اللفظ ‪ ،‬من ل يضبط كلمه‬

‫و أما من تكلم من سقط القول و سخف اللفظ من ل يضبط كلمه و أهل لسانه با يقتضي‬
‫الستخاف بعظمة ربه و جللة موله ‪ ،‬أو تثل ف بعض الشياء ببعض ما عظم ال من ملكوته ‪ ،‬أو‬
‫نزع من الكلم لخلوق با ل يليق إل ف حق خالقه غي قاصد للكفر و الستخفاف ‪ ،‬و ل عامد‬
‫لللاد ‪ ،‬فإن تكرر هذا منه ‪ ،‬وعرف به ‪ ،‬دل على تلعبه بدينه ‪ ،‬و استخفافه برمة ربه ‪ ،‬و جهله‬
‫بعظيم عزته و كبيائه ‪ ،‬و هذا كفر ل مرية فيه ‪.‬‬
‫و كذلك إن كان ما أورده يوجب الستخفاف و التنقص لربه ‪.‬‬
‫و قد أفت ابن حبيب و أصبغ بن خليل من فقهاء قرطبة بقتل العروف بابن أخي عجب ‪ ،‬و كان خرج‬
‫يوما ‪ ،‬فأخذه الطر ‪ ،‬بدأ الراز يرش جلوده ‪.‬‬
‫و كان بعض الفقهاء با ‪ :‬أبو زيد صاحب الثمانية ‪ ،‬و عبد العلى بن وهب ‪ ،‬و أبان بن عيسى ‪ ،‬قد‬
‫توقفوا عن سفك دمه ‪ ،‬و أشاروا إل أنه عبث من القول يكفي فيه الدب ‪.‬‬
‫و أفت بثله القاضي حينئذ موسى بن زياد ‪ ،‬فقال ابن حبيب ‪ :‬دمه ف عنقي ‪ ،‬أيشتم رب عبدناه ‪ ،‬ث ل‬
‫ننتصر له ‪ ،‬إنا إذا لعبيد سوء ‪ ،‬و ما نن له بعابدين ‪ ،‬و بكى و رفع الجلس إل المي با عبد الرح من‬
‫بن الكم الموي ‪.‬‬
‫و كان عجب عمة هذا الطلوب من حظاياه ‪ ،‬و أعلم باختلف الفقهاء ‪ ،‬فخرج الذن من عنده بالخذ‬
‫بقول ابن حبيب و صاحبه ‪ ،‬و أمر بقتله ‪ ،‬فقتل و صلب بضرة الفقهي ‪ ،‬و عزل القاضي لتهمته‬
‫بالداهنة ف هذه القصة ‪ ،‬و وبخ بقية الفقهاء و سبهم ‪.‬‬
‫و أما من صدرت عنه من ذلك النة الواحدة و الفلتة الشاردة ‪ ،‬ما ل تكن تنقصا و إزراء ـ فيعاقب‬
‫عليها و يؤدب بقدر مقتضاها و شنعة معناها ‪ ،‬و صورة حال قائلها ‪ ،‬و شرح سببها و مقارنا ‪.‬‬
‫و قد سئل ابن القاسم رحه ال عن رجل نادى رجلً باسه ‪ ،‬فأجابه ‪ :‬لبيك ‪ ،‬اللهم لبيك ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬إن كان جاهلً ‪ ،‬أو قاله على وجه سفه فل شيء عليه ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬القاضي أبو الفضل ‪ :‬و شرح قوله أنه ل قتل عليه ‪ ،‬و الاهل يزجر و يعلم ‪ ،‬و السفيه يؤدب ‪ ،‬و‬
‫لو قالا على اعتقاد إنزاله منلة ربه لكفر [ ‪. ] 279‬‬
‫هذا مقتضى قوله ‪.‬‬
‫و قد أسرف كثي من سخفاء الشعراء و متهميهم ف هذا الباب ‪ ،‬و استخفوا عظيم هذه الرمة ‪ ،‬فأتوا‬
‫من ذلك با ننه كتابنا و لساننا و أقلمنا عن ذكره ‪ ،‬و لول أنا قصدنا نص مسائل حكيناها ما ذكرنا‬
‫شيئا ما يثقل ذكره علينا ما حكيناه ف هذه الفصول ‪.‬‬
‫فأما ما ورد ف هذا من أهل الهالة و أغاليط اللسان ‪ ،‬كقوله بعض العراب ‪:‬‬
‫رب العباد ما لنا و مالكا قد كنت تسقينا فما بدا لكا‬
‫أنزل علينا الغيث ل أبا لكا‬
‫ف أشباه لذا من كلم الهال ‪.‬‬
‫و من ل يقومه ثقاف تأديب الشريعة و العلم ف هذا الباب ‪ ،‬فقل ما يصدر إل من جاهل يب تعليمه و‬
‫زجره و الغلط له عن العودة إل مثله ‪.‬‬
‫قال أبو سليمان الطاب ‪ :‬و هذا تور من القول ‪ ، ،‬و ال منه عن هذه المور ‪.‬‬
‫و قد روينا عن بن عبد ال أنه قال ‪ :‬ليعظم أحدكم ربه أن يذكر اسه ف كل شيء حت يقول ‪ :‬أخزي‬
‫ال الكلب ‪ ،‬و فعل به كذا و كذا ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬و كان بعض من أدركنا من مشاينا قل ما يذكر اسم ال تعال إل فيما يتصل بطاعته ‪ .‬و كان‬
‫يقول للنسان ‪ :‬جزيت خيا ‪ .‬و قل ما يقول ‪ :‬جزاك ال خيا ‪ ،‬إعظاما لسه تعال أن يتهن ف غيه‬
‫قربة ‪.‬‬
‫و حدثنا الثقة أن المام أبا بكر الشاشي كان يعيب على أهل الكلم كثرة خوضهم فيه تعال و ف ذكر‬
‫صفاته ‪ ،‬إجللً لسه تعال و يقول ‪ :‬هؤلء يتمندلون بال عز و جل ‪.‬‬
‫و ينل الكلم ف هذا الباب تنيله ف باب ساب النب صلى ال عليه و سلم على الوجوه الت فصلناها ‪.‬‬
‫و ال الوفق ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف حكم من سب سائر أنبياء ال تعال و ملئكته و استخف بم أو كذبم‬

‫و حكم من سب سائر أنبياء ال تعال و ملئكته ‪ ،‬و استخف بم أو كذبم فيما أتوا به ‪ ،‬أو أنكرهم و‬
‫جحدهم ‪ ،‬و حكم نبينا صلى ال عليه و سلم على مساق ما قدمناه ‪ ،‬قال ال تعال ‪ :‬إن الذين يكفرون‬
‫بال ورسله ويريدون أن يفرقوا بي ال ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا‬
‫بي ذلك سبيل * أولئك هم الكافرون حقا [ سورة النساء ‪ ، 4 /‬اليتان ‪. ] 151 ، 150 :‬‬
‫و قال تعال ‪ :‬قولوا آمنا بال وما أنزل إلينا وما أنزل إل إبراهيم وإساعيل وإسحاق ويعقوب والسباط‬
‫وما أوت موسى وعيسى وما أوت النبيون من ربم ل نفرق بي أحد منهم ونن له مسلمون [ سورة‬
‫البقرة ‪ ، 2 /‬الية ‪. ] 136 :‬‬
‫و قال ‪ :‬كل آمن بال وملئكته وكتبه ورسله ل نفرق بي أحد من رسله [ سورة البقرة ‪ ، 2 /‬الية ‪:‬‬
‫‪. ] 285‬‬
‫قال مالك ف كتاب ابن حبيب و ممد ‪ ،‬و قال ابن القاسم ‪ ،‬و ابن الاجشون و ابن عبد الكم و أصبغ‬
‫و سحنون فيمن شتم النبياء أو أحدا منهم أو تنقصه قتل و ل يستتب ‪ .‬و من سبهم من أهل الذمة قتل‬
‫إل أن يسلم ‪.‬‬
‫و روى سحنون عن ابن القاسم ‪ :‬من سب النبياء من اليهود أو النصارى بغي الوجه الذي ب كفر‬
‫ضرب عنقه إل أن يسلم ‪.‬‬
‫و قد تقدم اللف ف هذا الصل ‪.‬‬
‫و قال القاضي بقرطبة سعيد ابن سليمان ف بعض أجوبته ‪ :‬من سب ال و ملئكته قتل ‪.‬‬
‫و قال سحنون ‪ :‬من شتم ملكا من اللئكة فعليه القتل ‪.‬‬
‫و ف النوادر عن مالك فيمن قال ‪ :‬إن جبيل أخطأ بالوحي ‪ ،‬و إنا كان النب علي بن أب طالب‬
‫استتيب ‪ ،‬فإن تاب و إل قتل ‪.‬‬
‫و نوه عن سحنون [ ‪ . ] 280‬و هذا قول الغرابية من الروافض ‪ ،‬سوا بذلك لقولم ‪ :‬كان النب صلى‬
‫ال عليه و سلم أشبه بعلي من الغراب بالغراب ‪.‬‬
‫و قال أبو حنيفة و أصحابه على أصلهم ‪ :‬من كذب بأحد من النبياء ‪ ،‬أو تنقص أحدا منهم ‪ ،‬أو برىء‬
‫منه فهو مرتد ‪.‬‬
‫و قال أبو السن القابسي ف الذي قال لخر ‪ ،‬كأنه وجه مالك القضبان ‪ ،‬لو عرف أنه قصد ذم اللك‬
‫قتل ‪.‬‬
‫قال القاضي أبو الفضل ‪ :‬و هذا كله فيمن تكلم فيهم با قلناه علىجملة اللئكة و النبيي ‪ ،‬أو على‬
‫معي من حققنا كونه من اللئكة و النبيي من نص ال عليه ف كتابه ‪،‬أو حققنا علمه بالب التواتر ‪ ،‬و‬
‫ال مشتهر التفق عليه بالجاع القاطع ‪ ،‬كجبيل ‪ ،‬و ميكائيل ‪ ،‬و مالك ‪ ،‬و خزنة النة ‪ ،‬و جهنم و‬
‫الزبانيه ‪ ،‬و حلةالعرش الذكورين ف القرآن من اللئكة ‪ ،‬و من سي فيه من النبياء ‪ ،‬و كعزرائيل ‪ ،‬و‬
‫إسرافيل ‪ ،‬و رضوان ‪ ،‬و الفظة ‪ ،‬و منكر و نكي من اللئكة التفق على قبول الب بما ‪ ،‬فأما من ل‬
‫تثبت الخبار بتعينه ‪ ،‬و ل وقع الجاع على كونه من اللئكة أو النبياء ‪ ،‬كهاروت و ماروت ف‬
‫اللئكة و الضر ‪ ،‬و لقمان ‪ ،‬و ذي القرني ‪ ،‬و مري ‪ ،‬و آسية ‪ ،‬و خالد ابن سنان الذكور أنه نب أهل‬
‫الرس ‪ ،‬و زرادشت الذي يدعي الجوس الؤرخون نبوته ‪ ،‬فليس الكم ف سابم و الكافر بم كالكم‬
‫فيمن قدمناه إذ ل تثبت لم تلك الرمة ‪ ،‬و لكن يزجر من تنقصهم وآذاهم ‪ ،‬و يؤدب بقدر حال‬
‫القول فيهم ‪ ،‬ل سيما من عرفت صديقيته و فضله منهم ‪ ،‬و إن ل تثبت نبوته ‪.‬‬
‫و أما إنكار نبوتم أو كون الخر من اللئكة فإن كان التكلم ف ذلك من أهل العلم فل حرج ل‬
‫ختلف العلماء ف ذلك ‪ ،‬و إن كان من عوام الناس زجر عن الوض ف مثل هذا ‪ ،‬فإن عاد أدب ‪ ،‬إذ‬
‫ليس لم الكلم ف مثل هذا ‪.‬‬
‫و قد كره السلف الكلم ف مثل هذا ما ليس تته عمل لهل العل م ‪ ،‬فكيف للعامة ‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف حكم من استخف بالقرآن أو الصحف أو بشيء فيه ‪ ،‬أو سبهما‬

‫اعلم أن من استخف بالقرآن أو الصحف أو بشيء منه ‪ ،‬أو سبهما ‪،‬أو جحده ‪ ،‬أو حرفا منه أو آية أو‬
‫كذب به أو بشيء منه ‪،‬أو كذب بشيء ما صرح به فيه من حكم أو خب ‪ ،‬أو أثبت ما نفاه أو نفى ما‬
‫أثبته على علم منه بذلك ‪ ،‬أو شك ف شيء من ذلك فهو كافر عند أهل العلم بإجاع ‪ ،‬قال ال تعال ‪:‬‬
‫ل يأتيه الباطل من بي يديه ول من خلفه تنيل من حكيم حيد [ سورة فصلت ‪ ، 41/‬الية ‪. ] 42 :‬‬

‫حدثنا الفقيه أبو الوليد هشام بن أحد رحه ال ‪ ،‬حدثنا أبو علي ‪ ،‬حدثنا ابن عبد الب ‪ ،‬حدثنا ابن عبد‬
‫الؤمن ‪ ،‬حدثنا ابن داسة ‪ ،‬حدثنا أبو داود ‪ ،‬حدثنا أحد بن حنبل حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬حدثنا ممد‬
‫بن عمرو ‪ ،‬عن أب سلمة ‪ ،‬عن أب هريرة عن النب صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬قال ‪ :‬الراء ف القرآن كفر ‪،‬‬
‫تؤول بعن الشك و بعن الدال و عن ابن عباس ‪ ،‬عن النب صلى ال عليه و سلم من جحد آية من‬
‫كتاب ال من السلمي فقد حل ضرب عنقه و كذلك إن جحد التوراة و النيل و كتب ال النلة ‪،‬أو‬
‫كفر با ‪ ،‬أو لعنها ‪ ،‬أو سبها ‪،‬أو استخف با فهو كافر ‪.‬‬
‫و قد [‪ ] 281‬أجع الس لون أن القرآن التلو ف جبع أقطار الرض الكتوب ف الصحف بأيدي‬
‫السلمي ‪ ،‬ما جعه الدفتان من أول المد ل رب العالي إل آخر ‪ :‬قل أعوذ برب الناس أنه كلم ال و‬
‫وحيه النل على نبيه ممد صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و أن جيع ما فيه حق ‪ ،‬و أن من نقص منه حرفا‬
‫قاصدا لذلك ‪،‬أو بدله برف آخر مكانه ‪ ،‬أو زاد فيه حرفا ما ل يشتمل عليه الصحف الذي وقع‬
‫الجاع عليه ‪ ،‬و أجع على انه ليس من القرآن عامدا لكل هذا ـ أنه كافر ‪.‬‬
‫و لذا رأى مالك قتل من سب عائشة رضي ال عنها بالفرية ‪ ،‬لنه خالف القرآن ‪ ،‬و من خالف القرآن‬
‫قتل ‪ ،‬لنه كذب با فيه ‪.‬‬
‫و قال ابن القاسم كان منا إن ال تعال ل يكلم موسى تكليما يقتل ‪ ،‬و قاله عبد الرحن بن مهدي ‪.‬‬
‫و قال ممد بن سحنون فيمن قال ‪ :‬العوذتان ليستا من كتاب ال يضرب عتقه إل أن يتوب ‪.‬‬
‫و كذلك كل من كذب برف منه ‪ .‬قال ‪ :‬و كذلك إن شهد شاهد على من قال ‪ :‬إن ال ل يكلم‬
‫موسى تكليما ‪ ،‬و شهد آخر عليه أنه قال ‪ :‬إن ال ما اتذ إبراهيم خليلً ‪ ،‬لنما اجتمعا علىأنه كذب‬
‫النب صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و قال أبو عثمان بن الداد ‪ :‬جيع من ينت حل التوحيد متفقون أن الحد لرف من التنيل كفر ‪.‬‬
‫و كان أبو العالية إذا قرأ عنده رجل ل يقل له ليس كما فرأت ‪ ،‬و يقول ‪ :‬أما أنا فأقرأ كذا ‪ ،‬فبلغ ذلك‬
‫إبراهيم ‪ ،‬فقال ‪ :‬أراه سع أنه من كفر برف منه فقد كفر به كله ‪.‬‬
‫و قال أصبغ بن الفرج كان من كذب ببعض القرآن فقد كذب به كله ‪ ،‬و من كذب به فقد كفر به و‬
‫من كفر به فقد كفر با ال ‪.‬‬
‫و قد سئل القابسي عمن خاصم يهوديا فحلف له بالتوراة ‪ ،‬فقال الخر لعن ال التوراة ‪ ،‬فشهد عليه‬
‫بذلك شاهد ‪ ،‬ث شهد آخر أنه سأله عن القضية فقال ‪ :‬إنا لعنت توراة اليهود ‪ ،‬فقال أبو السن ‪:‬‬
‫الشاهد الواحد ل يوجب القتل ‪ ،‬و الثان علق المر بصفة تتمل التأويل ‪ ،‬إذ لعله ل يرى اليهود‬
‫متمسكي بشيء من عند ال لتبديلهم و تريفهم ‪.‬‬
‫و لو اتفق الشاهدان على لعن التوراة مردا لضاق التأويل ‪.‬‬
‫و قد اتفق فقهاء بغداد على استتابه ابن شنبوذ القريءأحد أئمة القرئي التصدرين با مع ابن ماهد ‪،‬‬
‫لقراءته و إقرائه بشواذ من الروف ما ليس ف الصحف ‪ ،‬و عقدوا عليه بالرجوع عنه و التوبة عنه‬
‫سجل أشهد فيه بذلك على نفسه ف ملس الوزير أب علي بن مقلة سنة ثلث و عشرين و ثلثائة ‪ ،‬و‬
‫ك ان فيمن أفت عليه بذلك أبو بكر البري و غيه ‪.‬‬
‫و أفت أبو ممد بن أب زيد بالدب فيمن قال لصب ‪ :‬لعن ال معلمك و ما علمك ‪ .‬قال ‪ :‬أردت سوء‬
‫الدب ‪ ،‬و ل أرد القرآن ‪.‬‬
‫قال أبو ممد ‪ :‬و أما من لعن الصحف فإنه يقتل ‪.‬‬
‫فصل‬
‫ف حكم ساب آل بيت النب‬

‫و سب آل بيته و أزواجه و أصحابه صلى ال عليه و سلم و تنقصهم حرام ملعون فاعله ‪.‬‬
‫حدثنا القاضي الشهيدأبو علي رحه ال ‪ ،‬حدثنا أبو السي [ ‪ ] 282‬الصيف و أبو الفضل العدل ‪،‬‬
‫حدثنا أبو يعلى ‪ ،‬حدثنا أبو علي السنجي ‪ ،‬حدثنا ابن مبوب ‪ ،‬حدثنا الترمذي ‪ ،‬حدثنا ممد بن يي ‪،‬‬
‫حدثنا يعقوب بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا عبيدة بن أب رابطة ‪ ،‬عن عبد الرحن بن زياد ‪ ،‬عن عبد ال بن مغفل‬
‫‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬ال ‪ ،‬ال ف أصحاب ‪ ،‬قيل ل تتخذوهم غرضا بعدي ‪،‬‬
‫فمن أحبهم فبحب أحبهم ‪ ،‬و من أبغضهم فببغضي أبغضهم ‪ ،‬و من آذاهم فقد آذان ‪ ،‬و من آذان فقد‬
‫آذى ال ‪ ،‬و من آذى ال يوشك أن يأخذه ‪.‬‬
‫و قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬ل تسبوا أصحاب ‪ ،‬فمن سبهم فعليه لعنة ال و اللئكة و‬
‫الناس أجعي ‪ ،‬ل يقبل ال منه صرفا و ل عدلً ‪.‬‬
‫و قال صلى ال عليه و سلم ‪ :‬ل تسبوا أصحاب ‪ ،‬فإنه ييء قوم ف آخر الزمان يسبون أصحاب فل‬
‫تصلوا عليهم ‪ ،‬و ل تصلوا معهم ‪ ،‬و ل تناكحوهم ‪ ،‬و ل تالسوهم ‪ ،‬وإن مرضوا فل تعودوهم ‪.‬‬
‫وعنه صلى ال عليه و سلم ‪ :‬من سب أصحاب فاضربوه ‪.‬‬
‫وقد أعلم النب صلى ال عليه و سلم أن سبهم وأذاهم يؤذيه ‪ ،‬وأذى النب صلى ال عليه و سلم حرام ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬ل تؤذون ف أصحاب ‪ ،‬و من آذاهم فقد آذان ‪.‬‬
‫و قال ‪ :‬ل تؤذون ف عائشة ‪.‬‬
‫و قال ـ ف فاطمة ‪ :‬بضعة من يؤذين ما آذاها ‪.‬‬
‫و قد اختلف العلماء ف هذا ‪ ،‬فمشهور مذهب مالك ف ذلك الجتهاد والدب الوجع ؟ قال مالك‬
‫رحه ال ‪ :‬من شتم النب صلى ال عليه و سلم قتل ‪ ،‬ومن شتم أصحابه أدب ‪.‬‬
‫و قال أيضا ‪ :‬من شتم أحدا من أصحاب النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬أبا بكر ‪ ،‬أو عمر ‪ ،‬أو عثمان ‪،‬‬
‫أو معاوية ‪ ،‬أو عمرو بن العاص ‪ ،‬فإن قال ‪ :‬كانوا على ضلل وكفر قتل ‪ ،‬و إن شتمهم بغي هذا من‬
‫مشاتة الناس نكل نكالً شديدا ‪.‬‬
‫و قال ابن حبيب ‪ :‬من غل من الشيعة إل بغض عثمان و الباءة منه أدب أدبا شديدا ‪ ،‬و من زاد إل‬
‫بعض أب بكر و عمر فالعقوبة عليه أشد ‪ ،‬و يكرر ضربه ‪ ،‬و يطال سجنه حت يوت ‪ ،‬و ل يبلغ به‬
‫القتل إل ف سب النب صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و قال سحنون ‪ :‬من كفر أحدا من أصحاب النب صلى ال عليه و سلم ‪ :‬عليا ‪ ،‬أو عثمان ‪ ،‬أو غيها‬
‫ـ يوجع ضربا ً ‪.‬‬
‫وحكى أبو ممد بن أب يزيد ‪ ،‬عن سحنون ‪ :‬من قال ف أب بكر و عمر و عثمان و علي ‪ :‬إنم كانوا‬
‫على ضللة و كفر قتل ‪ .‬و من شتم غيهم من الصحابة بثل ذلك نكل النكال الشديد ‪.‬‬
‫وروي عن مالك ‪ :‬من سب أبا بكر جلد ‪ ،‬و من سب عائشة قتل ‪ .‬قيل له ‪ :‬ل ؟ قال ‪ :‬من رماها فقد‬
‫خالف القرآن ‪.‬‬
‫و قال ابن شعبان عنه ‪ :‬لن ال يقول ‪ :‬يعظكم ال أن تعودوا لثله أبدا إن كنتم مؤمني ‪ ،‬فمن عاد لثله‬
‫فقد كفر ‪.‬‬
‫وحكى أبو السن الصقلي أن القاضي أبا بكر بن الطيب قال ‪ :‬إن ال تعال إذا ذكر ف القرآن ما نسبه‬
‫إليه الشركون سبح نفسه لنفسه ‪ ،‬كقوله ‪ :‬وقالوا اتذ الرحن ولدا سبحانه ‪ ...‬ف آي كثية ‪.‬‬
‫و ذكر تعال ما نسبه النافقون إل عائشة فقال ‪ :‬ولول إذ سعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بذا‬
‫سبحانك هذا بتان عظيم ـ سبح نفسه ف تبئتها من السوء ‪ ،‬كما سبح نفسه ف تبئته من السوء ‪.‬‬
‫[‪ ] 283‬و هذا يشهد لقول مالك ف قتل من سب عائشة ‪.‬‬
‫و معن هذا ‪ ،‬و ال أعلم ‪ ،‬أن ال ‪ ،‬لا عظم سبها كما عظم سبه ‪ ،‬و كن سبها سبا لنبيه ‪ ،‬و قرن سب‬
‫نبيه و أذاه بأذاه تعال ‪ ،‬و كان حكم مؤذيه تعال القت ل كان مؤذي نبيه كذلك كما قدمناه ‪.‬‬
‫و شتم رجل عائشة بالكوفة ‪ ،‬فقدم إل موسى بن عيسى العباسي ‪ ،‬فقال ‪ :‬من حضر هذا ؟ فقال ابن‬
‫أب ليلى ‪ :‬أنا ‪ ،‬فجلده ثاني ‪ ،‬وحلق رأسه ‪ ،‬وأسلمه إل الجامي ‪.‬‬
‫[ وروي عن عمر بن الطاب أنه نذر قطع لسان عبيد ال بن عمر ‪ ،‬إذ شتم القداد بن السود ‪ ،‬فكلم‬
‫ف ذلك ‪ ،‬فقال ‪ :‬دعون أقطع لسانه حت ل يشتم أحد بعد أصحاب النب صلى ال عليه و سلم ] ‪.‬‬
‫وروى أبو ذر الروي أن عمر بن الطاب أت بأعراب يهجو النصار ‪ ،‬فقال ‪ :‬لول أن له صحبة‬
‫لكفيتموه ‪.‬‬
‫قال مالك ‪ :‬من انتقص أحدا من أصحاب النب صلى ال عليه و سلم فليس له ف هذا الفيء حق ‪ ،‬قد‬
‫قسم ال الفيء ف ثلثة أنصاف ‪ ،‬فقال ‪ :‬للفقراء الهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالم يبتغون‬
‫فضل من ال ورضوانا وينصرون ال ورسوله أولئك هم الصادقون [ سورة الشر‪ ، 59 /‬الية ‪. ] 8 :‬‬

‫ث قال ‪ :‬والذين تبوؤوا الدار واليان من قبلهم يبون من هاجر إليهم ول يدون ف صدورهم حاجة ما‬
‫أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بم خصاصة [ سورة الشر ‪ ، 59 /‬الية ‪. ] 9 :‬‬
‫و هؤلء هم النصار ‪.‬‬
‫ث قال ‪ :‬والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولخواننا الذين سبقونا باليان ول تعل ف‬
‫قلوبنا غل للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم [ سورة الشر ‪ ، 59 /‬الية ‪. ] 10 :‬‬
‫فمن تنقصهم فل حق له ف فء السلمي ‪.‬‬
‫و ف كتاب ابن شعبان ‪ :‬من قال ف واحد منهم إنه ابن زانية وأمه مسلمة حد عند بعض أصحابنا حدين‬
‫‪ :‬حدا له ‪ ،‬و حدا لمه ‪ ،‬و ل أجعله كقاذف الماعة ف كلمة لفضل هذا على غيه ‪ ،‬و لقوله صلى‬
‫ال عليه و سلم ‪ :‬من سب أصحاب فاجلدوه ‪ ،‬قال ‪ :‬و من قذف أم أحدهم و هي كافرة حد حد‬
‫الفرية ‪ ،‬لنه سب له ‪ ،‬فإن كان أحد من ولد هذا الصحاب حيا قام با يب له ‪ ،‬و إل فمن قام به من‬
‫السلمي كان على المام قبول قيامه ‪ ،‬قال ‪ :‬و ليس هذا كحقوق غي الصحابة لرمة هؤلء بنبيهم‬
‫صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬و لو سعه المام ‪ ،‬و أشهد عليه ‪ ،‬كان ول القيام به ‪ ،‬قال ‪ :‬و من سب غي‬
‫عائشة من أزواج النب صلى ال عليه و سلم ففيها قولن ‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬يقتل ‪ ،‬لنه سب النب صلى ال عليه و سلم بسب حليلته ‪.‬‬
‫و الخر ‪ :‬أنا كسائر الصحابة ‪ ،‬يلد حد الفتري ‪ ، ،‬قال ‪ :‬و بالول أقول ‪.‬‬
‫و روى أبو مصعب ‪ ،‬عن مالك ـ فيمن انتسب إل بيت النب صلى ال عليه و سلم يضرب ضربا‬
‫وجيعا ‪ ،‬ويشهر ‪ ،‬ويبس طويلً حت تظهر توبته ‪ ،‬لنه استخفاف بق الرسول صلى ال عليه و سلم ‪.‬‬
‫و أفت أبو الطرف الشعب فقيه مالقة ف رجل أنكر تلحيف امرأة بالليل ‪ ،‬و قال ‪ :‬لو كانت بنت أب‬
‫بكر الصديق ما حلفت إل بالنهار ‪ ،‬و صوب قوله بعض التسمي بالفقه ‪ ،‬فقال أبو الطرف ‪ :‬ذكر هذا‬
‫لبنة أب بكر ف مثل هذا يوجب عليه الضرب الشديد و السجن الطويل ‪.‬‬
‫و الفقيه الذي صوب قوله أحق باسم الفسق من اسم الفقه ‪ ،‬فيتقدم له ف ذلك ‪ ،‬و يزجر ‪ ،‬و ل تقبل‬
‫فتواه ول شهادته ‪ ،‬و هي جرحة ثابتة فيه ‪ ،‬و يبغض ف ال ‪.‬‬
‫[ و قال أبو عمران ف رجل قال ‪ :‬لو شهد علي أبو بكر الصديق ‪ :‬أنه إن كان ف مثل هذا ل يوز فيه‬
‫الشاهد الوحد ‪ ،‬فل شيء عليه ‪ ،‬و إن كان أراد غي هذا فيضرب ضربا يبلغ به حد الوت ] ‪ ،‬و‬
‫ذكروها رواية ‪.‬‬
‫قال القاضي أبو الفضل ‪ :‬هنا انتهى القول بنا فيما حررناه [ ‪ ، ] 284‬و انتجز الغرض الذي انتحيناه ‪،‬‬
‫و استوف الشرط الذي شرطناه ‪ ،‬ما أرجو أن يكون ف كل قسم منه للمريد مقنع ‪ ،‬و ف كل باب‬
‫منهج إل بغيته و منع ‪.‬‬
‫و قد سفرت فيه عن نكت تستغرب و تستبدع ‪ ،‬و كرعت ف مشارب من التحقيق ل يورد لا قبل ف‬
‫أكثر التصانيف مشرع ‪ ،‬و أودعته غي ما فصل ‪ ،‬وددت لو وجدت من بسط قبلي الكلم فيه ‪ ،‬أو‬
‫مقتدى يفيدنيه عن كتاب أو فيه ‪ ،‬لكتفي با أرويه عما أرويه ‪.‬‬
‫و إل ال تعال جزيل الضراعة ف النة بقبول ما منه لوجهه ‪ ،‬و العفو عما تلله من تزين و تصنع لغيه ‪،‬‬
‫و أن يهب لنا ذلك بميل كرمه و عفوه لا أو دعناه من شرف مصطفاه ‪ ،‬و أمي وحيه ‪ ،‬و أسهرنا به‬
‫جفوننا لتتبع فضائله ‪ ،‬و أعملنا فيه خواطرنا من إبراز خصائصه و وسائله ‪ ،‬و يمي أعراضنا عن ناره‬
‫الوقدة لمايتنا كري عرضه ‪ ،‬و يعلنا‬
‫من ل يذاد إذا ذيد البدل عن حوضه ‪ ،‬و يعله لنا و لن تمم باكتتابه و اكتسابه سببا يصلنا بأسببابه ‪،‬‬
‫و ذخية ندها يوم تد كل نفس ما عملت من خي و حضرا نوز با رضاه ‪ ،‬و جزيل ثوابه ‪ ،‬و يصنا‬
‫بصيصي زمرة نبينا وجاعته ‪ ،‬و يشرنا ف الرعيل الول و أهل الباب الين من أهل شفاعته ‪ ،‬و نمده‬
‫تعال على ما هدى إليه من جعه و ألم ‪ ،‬و فتح البصية لدرك حقائق ما أودعناه و فهم ‪ ،‬و نستعيذه‬
‫جل اسه من دعاء ل يسمع ‪ ،‬و علم ل ينفع ‪ ،‬و عمل ل يرفع ‪ ،‬فهم الواد الذي ل ييب من أمله ‪،‬‬
‫ول ينتصر من خذله ‪ ،‬و ل يرد دعوة القاصدين ‪ ،‬و ل يصلح عمل الفسدين ‪ ،‬و هو حسبنا و نعم‬
‫الوكيل ‪ ،‬و صلته على سيدنا ونبينا ممد خات النبيي وعلى آله وصحبه أجعي ‪ ،‬وسلم تسليما كثيا ‪.‬‬

‫ت بول من ال وقوة‬

‫الفراغ من تنسيق اللف واعدادة اليوم الثلثاء ‪ 13‬مايو الوافق ‪ 12‬ربيع الول ممود بن عبد الوهاب السالي غفر ال لة ولوالدية‬
‫ولسلمي اجعي‬

Vous aimerez peut-être aussi