Vous êtes sur la page 1sur 238

‫كتاب عمر والتشيع‬

‫(ثنائية القطيعة والشاركة )‬

‫حسن العلوي‬
‫كانون الثان (يناير) ‪.2007‬‬

‫‪1‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫إل ابن أعظمية النعمان بن ثابت إمام الساحل الشرقي‬
‫عثمان بن علي العبيدي‬
‫ل أنقذ سبع أرواح من الوت غرقا من بي الشود الت سقطت ف النهر على طريقها إل إمام‬
‫إليه رج ً‬
‫الساحل الغرب‬
‫وعند الثامنة تعانقت الروحان وهبط السدان معا تت مياه السر الشترك‪.‬‬

‫وحسبك أنك حب هذه السطور‪.‬‬

‫‪‬‬
‫حسن العلوي‬
‫دمشق الشام ‪1/1/2007‬‬

‫تدافعت حشود عابرة على جسر ف بغداد لقامة الهرجان السنوي لذكرى استشهاد المام موسى الكاظم‬
‫بن جعفر الصادق الدفون ف مقبة خصصها لقريش أبو جعفر النصور عام ‪ 150‬للهجرة‪ ،‬سيت بدافن قريش‪،‬‬
‫فدفن فيها ابنه ث المام موسى بن جعفر وحفيده‪ ،‬وعندما توف المام أبو حنيفة النعمان دفن ف مقبة اليزران‪،‬‬
‫على الانب الشرقي من دجلة‪ ،‬وهي لعامة الناس‪ ،‬فسميت الول بالكاظمية نسبة إل المام الكاظم على‬
‫الساحل الغرب‪ ،‬وسيت الثانية بالعظمية نسبة للمام العظم أب حنيفة‪ ،‬وعلى الانب الشرقي من دجلة‪ ،‬خرج‬
‫الشاب عثمان العبيدي‪ ،‬وهو من السكان الصليي‪ ،‬فرمى بنفسه إل النهر سبع مرات‪ ،‬أنقذ ف كل مر ٍة طفلً‬
‫أو رجلً أو امرأةً شيعية‪ ،‬وف الرة الثامنة أمسكه الغريق وقد أرهقه التعب‪ ،‬وخارت قواه‪ ،‬فلم يقدر على حله إل‬
‫الشاطئ‪ ،‬وغرق عثمان بثقل من كان يستنقذه!‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫أول الكـــلم‬

‫عابور النهر وصاعود الألوف‬

‫‪3‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫الكرادة والكتاب‬
‫ما لبن السبعي مرميّا إل العباب متارا‪ ،‬وأكثر من نصفه معطل عن العمل؟‬
‫لاذا ل يركن إل دعة الضيعة عند أصغر صغاره‪ ،‬أوف دمشق الشام وأكب كباره‪ ،‬وبينهما ثلث يتقحمّن الياة‬
‫بعد الامعة بشجاعة العال؟‪.‬‬
‫ما الذي يغريه ف تعب الواجهة وهو ف هذه السن؟‪.‬‬
‫أقول‪ :‬لو كان المر بيدي لركنت إل صُلب وسكينت‪ ،‬لكنّي خلقت غي مُوادع ولمُساكن‪ ،‬والمر أمر ضاحية‬
‫ت وترعرتُ فيها على ضفة دجلة اليمن‪ ،‬حيث هي اليوم بساتي النطقة الضراء‪ ..‬والياة‬
‫الكرادة وبساتينها الت ولد ُ‬
‫على ضفاف النار والغامرة صنوان‪ ،‬فأنت صاعود نلة عيطاء ف الامسة‪ ،‬وعابور دجلة سابا ف العاشرة‪ ،‬وقاحوم‬
‫ليل البساتي الت ل تعرف نور الكهرباء إل ف السنة الخية من الدراسة ف ثانوية الكرخ‪ .‬وأشجار البساتي حرة‬
‫ي منا ينتقل ف لظات من قعر النهر إل قمة نلة مترامية ف السماء‪ ،‬أو فوق غصن توت‪ .‬ولنا‬
‫وشبه مشاعة‪ ،‬وكان أ ّ‬
‫القدرة على التقاط الناضج‪ ،‬وانتظار موسه الذي نعد أيامه على الصابع‪.‬‬
‫كان النهر مصدر التحدي‪ ..‬يأكل منا بعضنا ونأكل منه جيعا‪ .‬وبواسق النخل تتحدى قممنا الصغية‪ ،‬وكان‬
‫علينا أن نعانق قممها فنصعد وتصعد اليام‪ ،‬فإذا َج َرفَ النهر شقيقا عُدنا إليه وكأن من ذهب كان قربانا يضحي به‬
‫ت من أعلى نلة‪ ،‬فقد سقط جدي وخال‪ ،‬ول يوت من يسقط من‬
‫الصيف للنهر الذي فقد نصف قوته‪ .‬فإذا سقط ُ‬
‫فوق نلة‪ .‬ول نعرف سرّ هذا السر؟‪.‬‬
‫ل أظن المر قد اختلف عل ّي كثيا‪ .‬والبار ل يكن ف الجهول‪ .‬ولشيء مهولً ف بساتي الكرادة حت مكامن‬
‫الفاعي ومتارب العقارب‪ ،‬فلم يدث أن لدغ أحدنا وهو شبه حافٍ ف لي ٍل دامس يبحث ف البستان عن شيء ف لعبة‬
‫الليل‪ ،‬بل الخاطرة وأكب الخاطرة أن تعب الألوف الجتماعي أو تصعد فوقه وهنا الشجاعة والقدام‪.‬‬
‫ع طويل‪ ،‬وبثا ف بستان الفاعي‬
‫أظن الكتاب أصبح مفهوما‪ ..،‬سباحة فوق نرٍ عريض وصعودا على جذ ٍ‬
‫والعقارب عن مفقودٍ بي البساتي والاء‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫أما صاحب الكتاب فكان من ذلك كله وهو فوق ذلك كله‪ ،‬ل يأنس العيش ف مقطع زمن حددته له القدار‪،‬‬
‫وأقعدته فيه العقائد‪ ،‬فصار ابن الكرادة الفتوح على الاء والسماء والتحرك مابي قعر النهر وقمة النخلة كاتبا‪ ،‬وكان‬
‫لبد إلّ أن يكون هكذا مفتوحا على ثلثة أجيال وسبعة أطياف‪.‬‬
‫فإذا َهرُم جيل فله جيلن‪ .‬وإذا نكث طيف فعنده الطياف الستة‪.‬‬
‫وسلمٌ على النخل ذي السعفات الطوال وسلمٌ على التشيّع‪.‬‬
‫وعلى ابن حنتمة ألف سلم‪.‬‬

‫حسـن العلـوي‬
‫بغداد ‪ -‬الكرادة‬
‫‪26/7/2006‬‬

‫ثنائية الكتاب‬
‫هذه كتابة حرة مفتوحة التاهات ف عمر بن الطاب‪ ،‬وف سياسة الطاب الشيعي إزاءه‪ ،‬ول أبتغيها كتابا‬
‫موصد البواب‪ ،‬وبثا مشروطا مكبلً بسلسل اليدولوجيا وشروط النتماء‪ .‬وهي ف ناتها كتابة تاريية ف إشكال‬
‫سياسي راهن‪ ،‬نطل منها على الطوفان العراقي‪ ،‬ف وقت ختم الات أن ل نب بعده‪ ،‬ول أمل لتقي ف دعاء نوح‬
‫الستجاب‪ ،‬ول سفينة للنجاة ول جبل يعصمنا‪ ،‬حت الودي مغمورٌ تت طوفان الدم‪ ،‬وماء الهوار يغور‪ ،‬وليست ف‬
‫مستوطنة الطيور السومرية مهاجرات قادمات من أقاصي الند ف طريقها إل أقاصي أوربا‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫والعراق منقسم على ثنائية عمر وعلي‪ ،‬الت تسلّكت ف قنواتا السرية إل السياسة الدولية‪ ،‬منذ مطلع القرن‬
‫الاضي‪ ،‬فيخطط إستراتيجيون بريطانيون طريقهم إل البصرة آملي كسب النبوذين الشيعة ف الرب على التراك‬
‫السنة‪.‬‬
‫وتغي الرب المريكية على دولة الفقيه الشيعي‪ ،‬الذي حجز ف طهران على موظفي أكب سفارة أمريكية ف خليج‬
‫العرب والنطقة‪ .‬ليكون العراق وليس باكستان وتركيا السنيتان والليفتان مكان الغارة ف حرب تستمر ثان سنوات‪،‬‬
‫فتتخم أساك نر كارون وشط العرب بلحوم النود قبل أن يي الوقت الجهول لرب أمريكية على السنة‪ .‬فجاءهم‬
‫الغيث من كهوف طورا بورا وهجوم تنظيم القاعدة على نيويورك بطائرات مدنية قطرت الرؤوس العليا لعماريات ماناتن‬
‫قبل انيارها مع ثلثة ألف أمريكي أعلن عن هلكهم ف الجوم‪.‬‬
‫وكان التوقع‪ ،‬وقد حددت الوليات التحدة المريكية‪ ،‬مساقط رؤوس الهاجي‪ ،‬أن تبدأ الرب المريكية على‬
‫السنة ف بلد هم فيه أغلبية مطلقة‪ .‬لكنهم وجدوا ف العراق موطنا للحروب ل يضيق برب أمريكية رفضت تركيا‬
‫اندلعها على أرضها وكذا الباكستان والسعودية ومصر رغم اختلفها السياسي مع شيعة إيران‪ ،‬ول برب أمريكية‬
‫على سنة العراق سترفض دول العال السلمي والعرب وهي سنية بالجاع الستسلم لا‪ .‬لكن ثنائية علي وعمر‪،‬‬
‫شكلت جاذبا لوجستيا مغريا ومضمون النتائج يوفر الناخ الصال لروب البيت البيض على الشيعة والسنة وحروب‬
‫ل بروف عمر النقوشة على جداريات القصر‪ ،‬ومادام شاه تبيز‬
‫الباب العال وغريه الصفوي‪ ،‬مادام قصر يلدز حاف ً‬
‫قد أقام مصنعا للكاشان المهور باسم عليّ‪ ،‬وستجد السياسة البيطانية وحليفتها المريكية‪ ،‬ما وجده الشاه والسلطان‬
‫شعبا ف بغداد يهلل للمنتصر على ساحلها الغرب وشعبا يستقبل الشاه النتصر‪ ،‬وقد وسع ف الصحن الشريف غرفا‬
‫جديدة بعد أن قذف على الساحل الشرقي جثثا ضاقت با بساتي العظمية‪ .‬أما أساك دجلة‪ ،‬فلم تعد تأكل صغياتا‪،‬‬
‫ففي ثنائية عمر وعلي‪ ،‬الساك تأكل البشر‪ ،‬مابي بغداد وخرّم شهر‪ ،‬ومابي القرن العاشر والقرن العشرين‪.‬‬
‫هو ذاته حقل اهتمامنا التليد يأتيك طارفا وطريا ف كتب ربع القرن الخي‪.‬‬
‫ففي الشيعة والدولة القومية عالنا ثلث قضايا أساسية‪ :‬أولا تعجيم الشيعة با يعل العرب ف العراق أقلية أمام‬
‫الكثرية غي العربية‪ ،‬لو نح مشروع التعجيم هذا‪ ،‬وبإبطالنا تعجيم الشيعة إنا ندعو لغلبية عربية تفظ الوجود‬
‫القومي ف العراق‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫والثانية أن كتاب الشيعة والدولة القومية‪ ،‬يستهدف نقد تذهب الدولة‪ ،‬وظهور مذهب حاكم يستأثر بالسلطة‬
‫وامتيازاتا‪ ،‬ومذهب مكوم ومروم ف دولة واحدة‪ ،‬تطرح خطابا قوميا ف الداخل والارج‪ .‬ومن العدالة انتصار‪.‬‬
‫كتابنا للمذهب الحكوم والحروم‪.‬‬
‫والثالثة أن الشيعة والدولة القومية ل يتحدث على الطلق عن حقوق طائفية بل عن حقوق مدنية‪ .‬وقد جاء ف‬
‫مقدمة الكتاب الصفحة ‪ 11‬الطبعة الثانية أن الكاتب ل يرجّح‪ ،‬حت هذه اللحظة مذهبا على آخر‪ ،‬وأنكر أن يكون‬
‫اللف ف العراق خلفا بي أب حنيفة وجعفر الصادق وأعطى مثلً أن السلطة الت سيت سنية ل تعرف شيئا عن‬
‫مذاهب السلم‪ ،‬ول تترم رئيس الذهب النفي المام العظم النعمان بن ثابت‪ ،‬فأقامت على أمتار من مسجده دار‬
‫سينما حرة ف عرض الفلم‪ ،‬وعلى شاطئه صالت تسمح باحتساء المور والرقص الختلط ف الوقت الناسب‪.‬‬
‫إن كتاب الشيعة والدولة القومية يدعو للغاء فكرة التمذهب‪ ،‬أما وقد سقط النظام القدي‪ ،‬وظهر نظام أعطى‬
‫للشيعة دورا أساسيا ف صناعة القرار السياسي وبرلانا هم فيه الغلبية شبه الطلقة‪ ،‬فقد أوشك أن يكون الشيعة هم‬
‫الذهب الاكم وأهل السنة هم الذهب الحكوم‪.‬‬
‫وبسبب نفوذ حركات إسلمية شيعية‪ ،‬شاعت ف الطاب الشيعي السياسي لغة تضعف موقفي ف مواجهة‬
‫مشروع تعجيم الشيعة الذي اعتن به وتعهده سنة السلطة ف نطاق نظري على القل‪ ،‬بينما أوشكت التاهات‬
‫الراهنة لبعض السياسات الشيعية ف العراق أن تكرس عجمة التشيع بأفكار ومشاريع وخطاب كان بعضه رد فعل‬
‫لمارسات نظام قومي عرب استأثر بالسلطة طائفيا ونكّل بواطنيه ف الغلبية العربية الداعي لقيام نظام حكم مشترك‪،‬‬
‫غي أن تبيرا ليل شيعة السلطة الالية نو عزلة خارج الحيط العرب سيجد معارضة الغلبية العربية ومثقفيها‬
‫الستقلي‪.‬‬
‫ف هذا الكتاب يستمر منهجنا من منطلقه العرب والعراقي واعتماد منهج تاريي يؤصل للصراع وييله إل‬
‫القائلي أول بالقطيعة التامة والكاملة والؤبدة بي المام علي وسلطة اللفاء الراشدين الثلثة واستخدام خطاب‬
‫تقليدي يتعرض فيه الدعاة والطباء لقامات الصحابة فيثيون حفيظة الغلبية العربية والسلمية‪ ،‬ف وقت ل يشكل‬
‫فيه الشيعة نسبة قادرة على تمل أعباء العزلة والقطيعة وهي تنتقل من توم التاريخ إل درابي الاضر‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫والكتاب يروج لنظرية الشاركة ف سعيه لرفع الصار عمن ينحدر الكاتب من أصلبم‪ ...‬وجدا بعمر وسيا‬
‫على طريق السلم الهلي الذي يبدأ عندي من لظة التصال مع التاريخ حت يسهل لدعاة الشاركة أن يتصافحوا ف‬
‫الاضر‪.‬‬
‫وبئس كتاب يزعم الدفاع عن عمر‪ ...‬فمن يتاج إل هيئة لكتب الدفاع هم الذين ل يكتشفوا عمر حت الن‪.‬‬
‫وجزء من الكتاب هو ليس الكتاب‪،‬وان كان التجزيئيون من أهل القطيعة سيفعلونا‪ ،‬مثلما جّزأوا التاريخ الشترك‬
‫لعلي وعمر ف القرار وروح السؤولية الت أدير با الركز الديد لدارة الشرق القدي على حصية من سعف النخيل‬
‫فوق تراب السجد النبوي‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫السفر إل ابن حنتمة‬
‫ليس ف ذاكرت القروية جديد يستحق التدوين‪ ،‬فكأي طفل ف ميطه‪ ،‬يرتسم عمر ف ميلت الصغية‪ ،‬شخصا‬
‫يشتغل ف وظيفة مسؤولة عن عذاب المام علي وعائلته‪ .‬ول يكن لعمر ف ذهن من عمل غي صب الذى على ابنة‬
‫الرسول وزوجها وولديها‪.‬‬
‫وربا أمتد دوره إل ناية العهد الموي‪ ،‬مشفوعا باسم يزيد قاتل السي ف سجع شعب يكرره الطفل‪ ،‬كلما أكل ثرة‬
‫لول مرة‪ ،‬أو لبس جديدا‪( ،‬إلبس جديد والعن عمر ويزيد!)‪ .‬وقد يكون عمر ف أذهاننا هو الذي قتل المام علي!‪ .‬ول‬
‫نكن نعرف أن المام علي توف بعد وفاة عمر!‪.‬‬
‫وعلى كراهة ميطنا ليزيد‪ ،‬فإن "العدو"الذي كان اسه يتردد بكثرة‪ ،‬هو عمر‪ .‬فقد كنت أراه ف ليلة مددة من‬
‫كل عام شخصا من سوقة الحلة‪ ،‬يري خلفه الصبيان‪ ،‬وقد لفت بطنه بخدة فوقها ثياب نسوية ما ترتديها الامل‪،‬‬
‫مصحوبا بزفّة من شعر الزجل الشعب ف يوم يسمى "فرحة الزهرة"‪.‬‬
‫فإذا سألنا الذين هم أس ّن منا قيل‪ :‬إنه اليوم الذي قتل فيه عمر بن الطاب ففرحت الزهراء بقتله‪ .‬ول نكن نعلم‬
‫أن فاطمة الزهراء توفيت قبل مقتل عمر بثلثة عشر عاما‪.‬‬
‫كنت أعيش ف ضاحية كرادة مري حي العباسية‪ ،‬مابي مبن الجلس الوطن العراقي والقصر المهوري ف النطقة‬
‫الضراء حاليا‪ ،‬حيث بستان جدي لمي‪ ،‬حت إذا دخلت الدرسة الثانوية ف الكرخ‪ ،‬الت يؤمها الطلب من (أبو غريب)‬
‫ل عن أبناء جانب الكرخ‪ ،‬اتيحت ل فرصة العيش مع طلب معظمهم من السنة‪،‬‬
‫واليوسفية والحمودية والكرادة‪ ،‬فض ً‬
‫فصحبن أحدهم وكان يتدرب على ترتيل القرآن إل جامع ماور يرتل فيه الافظ خليل إساعيل الذي صدمن بسؤال عن‬
‫أهل الكرادة‪ ،‬ولاذا هم يكرهون عمر؟‪.‬‬
‫فلم أملك جوابا‪ ،‬لكنه أيقظ ف ذهن عددا من التساؤلت المزوجة بالستغراب أحيانا‪ .‬فنحن ل نب عمر لنه‬
‫عمر وهل يوجد هناك من يب عمر؟!‪ .‬وف أيام أخرى صحبن صديق أخر ف الدرسة إل مركز حزب الستقلل‬
‫الجاور لدرستنا‪ ،‬وكان الطالب توفيق الؤمن‪ ،‬الذي يكبنا بعدة سنوات مسؤول الزب ف ثانوية الكرخ‪ ،‬قد سبقنا‬

‫‪9‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫إل الركز‪ .‬فاستمعت إل ماضرة عن القومية العربية فيها إشارات إل تاريخ المة ورجالا الوائل أمثال عمر بن‬
‫الطاب وخالد بن الوليد!‪.‬‬
‫كانت الحطة الول ثانوية الكرخ‪ ،‬والافظ خليل إساعيل والركز العام لزب الستقلل‪ ،‬وتوفيق الؤمن‪،‬‬
‫والعروبة ف أيامها الول تملن طفلً إل أحضان عمر قبل أن يأخذن عمر إل العروبة لحقا‪.‬‬
‫بدأت علمات التحول واضحة على قناعات ف حينّا الفقي‪ ،‬وكان شقيقي هادي العلوي الذي يكبن بعامي شبه‬
‫معتكف ف صومعة دينية‪ ،‬جعلت بيتنا الصغي حوزة علمية صغرى‪ .‬فكان ينعن من الستماع إل أغنية ف الراديو‪،‬‬
‫ويأخذ عل ّي عدم قيامي بالفرائض الواجبة‪ ،‬ث صرت أترد على الشاركة ف مهرجان " فرحة الزهرة " فيما انرط‬
‫شقيقي بكل وجدانه واهتماماته ف النشاط الوزوي رغم مواظبته على الدراسة الكاديية‪ ،‬ول تض سوى شهور حت‬
‫توفيت والدت ول تبلغ الربعي من عمرها‪ ،‬فكان من تأثي هذه الصدمة على شقيقي هادي العلوي أن شرع يتحول‬
‫عن أسلوبه الدين يوما بعد آخر‪ ،‬احتجاجا على القادير والجال‪ ،‬حت ترد نائيا من أي أثر دين وإن كان مازال‬
‫على صلة براجع التاريخ العرب والسلمي كالسعودي والطبي واليعقوب وابن خلكان وابن الثي والاحظ‪.‬‬
‫وهو مع موقفه السلب هذا ل يبح دائرة الضارة العربية السلمية‪ ،‬حت أواخر حياته() عندما تصدى بعنف‬
‫لسليمان رشدي‪ ،‬فانعكس ذلك على علقاته القدية مع كتاب اليسار الاركسي ومع الليباليي الذين انتصروا‬
‫لرشدي‪.‬‬
‫وبالعودة إل المسينات اليلدية‪ ،‬كان هادي يلقنن تلقي الستاذ لتلميذه مايقع عليه ف الراجع والكتب من‬
‫تقييم لشخصية عمر التماهية بشخصية علي‪.‬‬
‫أمّا والدي‪ ،‬وقد صار وعيي أكثر نضجا‪ ،‬فقد أثار استغراب‪ ،‬وهو سيد علوي‪ ،‬أنه ل يكن يمل ضغينة على عمر‬
‫كضغينة والدت‪ ،‬وكان من الذين ييلون المور إل النوايا وإل ال الذي سيحكم بي الناس‪.‬‬
‫وعن اللف التداول الشتعل ف أروقتنا بي علي وعمر‪ ،‬كان والدي يفضل المام علي بل شك‪ ،‬إذا ماقورن‬
‫بغيه من الصحابة‪ ،‬وفيما عدا ذلك كان ينظر إل عمر وأب بكر باحترام‪ .‬وقد شغلن موقفه فيما بعد‪ ،‬وما إذا كان‬
‫اعتداله غي التوقع موروثا عن أبيه السيد سلمان فقيه الكرادة وإمامها‪ ،‬فاكتشفت أن عاملً آخر هو الذي أثر فيه‪،‬‬

‫‪10‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫فقد كان صديقا حيما للقاضي مصلح الدين الدراجي‪ ،‬عضو الحكمة الكبى ف اللة‪ ،‬وهو من أهل السنّة وقد‬
‫يكون هذا الصديق الذي كان والدي يله ويسرف ف الديث عن عدالته وعلمه هو الذي أوجد هذا النعطاف فيه‪.‬‬
‫كان العام يضي فأقترب خطوة إل موقع متقدم ف رحلت إل ابن حنتمة‪ ،‬فإذ دخل عامل مهم بعد تولت هادي‬
‫العلوي‪ ،‬كانت مفاجأت كبية فيما سعت من والدي‪ ،‬ول اكتشف حت ذلك الي تلك العلقة بي عصا اليزران‬
‫بقبضتها اللدية البنية الت ل تفارق ين والدي ف النل والزقاق والعمل‪ ،‬وبي ِدرّة عمر‪.‬‬
‫ظل والدي حت أيامه الخية يفق الارة بدرته‪ ،‬إذا مارأى ف بعضهم خروجا على الذوق العام‪ ،‬أو خروجا على ما‬
‫هو شرعي‪ .‬وكان الناس ف تلك الحلة()‪ ،‬يتقبلون الفق عن طيب خاطر‪ ،‬وكأنا رحة!‪.‬‬
‫ول أكن حينها قد اكتشفت درة عمر‪ ،‬لكن صديقي الديد ف الثانوية الشرقية الت انتقلت إليها فهد السعدون‬
‫قد عرفن على والده وهو عقيد طيار متقاعد له اهتمامات تاريية وحاسة قومية‪ ،‬جعلته يكرر القول‪ ،‬بأن العروبة أهم‬
‫ل قوميا وليس خليفة‪ .‬وكان يعزو ناحات السلم إل درة‬
‫من السلم‪ ،‬لكنه يستثن عمر بن الطاب وينظر إليه بط ً‬
‫عمر‪ ،‬وإذ نت قدرات الفكرية وصرت أستقي العلومات من مصادرها‪ ،‬اكتشفت أن الرحوم عبد الالق السعدون إنا‬
‫كان يشي إل ما نقله ابن الوزي عن العامة أنا كانت تسخر بكامها‪ ،‬وتقول (ل ِدرّة عمر أهيب من سيوفكم)()‪.‬‬
‫وف كلية الداب انشرحت أمامنا أبواب التاريخ العرب‪ ،‬وحضرتْ مراجع الحداث إل صفوف الدرس اللغوي‬
‫والنحوي ف فترة كانت بغداد اللكية والمهورية الصق ببغداد الأمون‪ ،‬فاستمعنا إل أستاذنا علي الوردي عال‬
‫الجتماع يكتب لحات من التاريخ بنهج شعب ولغة مفهومة‪ ،‬ونتلس ملس مصطفى جواد يدثنا عن درابي بغداد‬
‫وأيامها العباسية‪ ،‬وعرفنا منهج عمر القتصادي من الؤرخ الختص بالنظم القتصادية ف السلم عبد العزيز الدوري‬
‫وعرفنا عروبته من عروبة ناجي معروف‪ .‬واستمعنا إليه ياور المام علي على لسان الدكتور الوردي‪ ،‬وهو من عائلة‬
‫شيعية تسكن حول ضريح المام موسى بن جعفر‪ ،‬لكنه يترق ميطه خارجا بعمر إل رحابة إنسانية تتسع له ساخرا‬
‫من الشعوذين‪ ،‬فيد على كتابه وعاظ السلطي ثانية أدباء وفقهاء‪ ،‬خسة منهم كانوا من رجال التشيع‪ .‬وخرجت إل‬
‫بلدة فوق جزيرة على الفرات مدرسا ف ثانوية حديثة‪ ،‬فصرت أحدثهم عن عمر‪ ،‬وهي مدينة ل تلتق بشيعي قبلي على‬
‫ما أظن‪ ،‬لن بعضهم كان يسأل عن الشيعة وكأنم من أهل المازون‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫وعند أهل حديثة تأكدت أن كتابات على الوردي تعيش ف هذه الدينة النائمة على حضن الفرات‪ ،‬ويعيش عمر‬
‫وعلي مثلما كان صال الديثي وكاتب السطور‪ ،‬فشغفت بعمر الذي تشرف ابن الثان بمل اسه‪ ،‬وكان هادي العلوي‬
‫يهديه النسخة الول من أي كتاب يصدر له ويلقبه بعمر الثالث‪.‬‬
‫وعند عمر ألتقي بشقيقي الذي طالت خلفاتنا منذ الطفولة حت الكهولة‪ ،‬وكان ما يمعنا ف رأي واحد‪ ،‬انتهاؤنا‬
‫من قراءة طه حسي‪ ،‬أو علي الوردي‪ ،‬وها من العجبي بالمامي علي وعمر‪ ،‬ونن هادي وأنا من العجبي بذين‬
‫الباحثي الكبيين‪.‬‬
‫وقبل وفاته بثلث سنوات أسررت هادي بأن بدأت بوضع دراسة عنوانا (الفتوح السفيانية) حيث يلس العليان‬
‫أو العمران على صفحات البحث متقابلي باعتبارها من مثلي الط الحمدي الول‪ ،‬فبارك ل مشروعي هذا ول أشأ‬
‫طبعه ونشره لا يثيه عل ّي من صخب واحتجاج قد ل أكون قادرا على صده‪ ،‬فرأيت أن أتوسع با يتصل منه بعمر‬
‫وأمامي مشاهد يوم القيامة ف العراق الحروق‪ .‬ويدفعن إل تدوين كتاب فيه وازع من حب المة واحترام التاريخ‬
‫وتميع الناس من بن قومي عرب الشيعة ف مراكز الكتل الكبى والنسجام معها كي ل يكونوا أقلية ملومة وصوتا‬
‫غي مسموع‪.‬‬
‫إن الوقف من الصحابة ومن عمر بالذات تتوقف عليه ف عصر ثورة التصالت أمور ل تكن مسوبة قبل هذه الثورة‪،‬‬
‫وسنواجه بتجريح الصحابة إشكالت اجتماعية حادة ف مناخ يسمح بنشر أحكام التكفي والترويج لا ف الفضائيات‪.‬‬
‫يدفعن إل كتاب عن عمر حاجة المة إل "حاد يدوها ل يتعال عليها ول يلدها وف الوقت نفسه ل يتملقها أو‬
‫ينافق حادٍ يب قومه و"قبيلته"‪ ،‬ويريد لم الي والتقدم‪ ،‬لكنه ل يكره الغي ول يتقرهم "()‪.‬‬
‫وإن لرجو ال أن أكون ف صف هذا الادي الذي ينكر على بعضهم هجاء المة وتاريها ولغتها وعقيدتا‪ ،‬ول‬
‫يرى ف المة خيا ل ف قديها ول ف حاضرها‪ .‬يدفعن إل عمر حاجة المة إل شيء من بعض عمر‪.‬‬

‫البــاب الول‬

‫‪12‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫كونية عمـر‬

‫البية ‪ ..‬والدولة ‪ ..‬والرعية‬

‫فـي وضـح البـريّة‬

‫ِدرّة البـل وقـانون الســماء‬

‫‪13‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫جاذبية العروض التاريي‬
‫بي منثور العناوين وتشابك الفكار‪ ،‬وانفلت السيطرة على حركة الوجدان وف لظة النسجام مع جاذبية العروض‬
‫التاريي ف شخصية عمر وسياسته‪ ،‬تترابط برية النشوء ونشوء الدولة بنشوء الضمان القانون للبشرية السلمية‪ ،‬مكومة‬
‫بصي إيديولوجي وروحي واحد‪ ،‬يتصل ف نايته العليا بالرادة اللية وف نايته الرضية بالذراع الحمدية‪ ،‬وتت ظللما‬
‫وبوح ّي منهما تفسح النشأة البية لعمر أن يسوح بنفس تتطلع إل حرية اللق الطلق‪ ،‬وتشكل الدولة الديدة منّظما‬
‫قانونيا لموح البية ف نفسه‪ ،‬فيتحقق قدر من التوازن ف شخصيته وسلوكه بي الرية والقانون‪ ،‬وبالجانسة بينهما يتحقق‬
‫الستجمام للمخلوق البشري ف هدفه السامي‪ .‬نظن أن هذا الزيج أنز عصرا عربيا‪ ،‬هو زيت العصور السلمية‪.‬‬
‫وف الطريق إل هذه الكونية يتدفق ذهن عمر وتُعتصر أذهان الصحابة لنتاج علقات نوذجية بي السلطة والناس‪،‬‬
‫وقبل ذلك بي السلطة وذاتا‪.‬‬
‫وكان المام علي الشريك الول‪ ،‬وليس الستشار الول‪ ،‬ف صياغة مشروع الدولة الناهضة وإدارتا‪ ،‬فيما منعت سياسة‬
‫عمر‪ ،‬القائمة على التمثيل الوسّع للمجتمع السلمي الول وتوزيع دقيق وذكي للمواقع الساسية با يشبه حكومات الوحدة‬
‫الوطنية والبهة الوطنية ف أيامنا هذه‪ ،‬حصول توترات داخلية كالت حصلت بعد رحيله البكر‪ ،‬وقد ساعد على تاوز ما ل‬
‫يظهر من الشكالت حق الجتهاد ف تدبي شؤون دولة ناشئة ل تقم على سابقة من النظم القدية‪ .‬وبانفتاح ثقاف على تارب‬
‫الشعوب‪ ،‬ل يد رئيس الدولة الديدة ما ينعه من استعارة تارب المم وتطويعها لصال الدارة الديدة‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫الكون البي‬
‫السماء فوقه ناعمة متدة إل ناية القدرة على النظر‪ ،‬والرض تته ناعمة منبسطة متدة إل ناية القدرة على البصر‪.‬‬
‫فإذا أخذته الرمال‪ ،‬وقد ضاعت الصوى شد حركة قدميه بواقع النجوم‪ ،‬وأعاده السرى إل ماء لبن عدي فيتوي‪،‬‬
‫ويرتوي القطيع الصغي الذي عهد الطاب إل صغيه رعيه ورعايته‪.‬‬
‫والرض ل تستغن ف مرابع الزيرة عن السماء‪ ،‬وإ ّل ضاع القطيع‪ ،‬وانقطع السبيل ودخل الناس ف التيه!‪.‬‬
‫أظنها ذاتا عناصر الدلية ف فكرة الوجود اللي عند العرب‪ ،‬الذي يهدي التائهي بضوء النجوم قبل أن يغمرهم نور‬
‫ال‪.‬‬
‫فمن الصعوبة إذن‪ ،‬تنكر العرب ف باديته للسماء‪ ،‬وصدوده عنها‪ ،‬فهل توصلنا إل قاعدة لسنا حذرين ف العلن‬
‫عنها‪ ،‬وتقضي بصعوبة انتشار اللاد ف الزيرة العربية؟‪ .‬وإن كان ذلك ل ينسينا برية النسان ف الزيرة وفهمه للمطلق‪،‬‬
‫وحصره الطلق بالرية والركة والنتقال‪ .‬والنطلق بالقليل من الضوابط والقل من القواعد القانونية العليا‪ ،‬فهو يؤمن‬
‫بفكرة ال وينتفع با‪ ،‬ول يؤمن با يترتب عليها من ضوابط ف متمع غي متثل إل لاجاته القبلية والعيشية‪ .‬وعمر بن‬
‫الطاب من هذه البيئة‪ ،‬وعليها ربا ونا‪ ،‬وربت سريرته ونا وعيه‪ ،‬فوق برية ليس فيها حواجز وتضاريس‪ ،‬فنشأ ملوقا‬
‫سهل النفس‪ ،‬منبسط السريرة‪ ،‬بعيد النظر‪ .‬ول تكن الياة خاضعة لسلطان يتزلف إليه‪ .‬ول ذهبت به طبيعة العيش إل‬
‫الداورة والداجاة‪ .‬فانكشفت سايكولوجيته عن وحدة ل ازدواج فيها‪ ،‬مشرقة واضحة‪ .‬وليس عنده لحد حاجة‪ .‬ومعه‬
‫ضرع العزى‪ ،‬وظهر الدابة‪ ،‬وشكيمة النفس فوق شكيمة القادير‪.‬‬
‫لقد تعاشق عمر والبية‪ ،‬با ل يتوفر مثاله لرجال سينتمي لحقا إل ميطهم‪.‬‬
‫فهو ل يشبه أبا بكر الذي تشايخ صبيا فثقلت حركة يديه ورجليه‪ .‬وليس له مثله عشر ًة سابقة مع ممد بن عبد ال‬
‫بن عبد الطلب الهموم بصي البشر قبل اتصال الوحي وبعده‪.‬‬
‫ول يكن كعثمان ابن الدينة وسليل المارة‪ ،‬الجرب العارف بياة الشعوب وأنظمة الدول ف تارته مابي الزيرة‬
‫والبشة وبلد الشام‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ول كان عمر كعلي بن أب طالب‪ ،‬وارث النبالة الاشية ف بيت قضت الرادة اللية أن يقام فيه بيت النبوة‪ .‬كان‬
‫عمر ف حي متواضع من أحياء قريش‪ ،‬ليس له تاريخ من الروب‪ ،‬ول أساطي يرددها الشعراء‪ ،‬ول أطلل ير عليها‬
‫أصحاب العلقات‪ .‬لكنه خرج إل ما وراء اليمة بعيدا ف عمق الياة‪ ،‬وإل ما وراء الديار الحصنة قريبا إل السواق‬
‫كاسبا ل تاجرا‪ ،‬خابرا نوايا الناس‪ ،‬عاركا دروبم‪ ،‬فارتبطت برية الطفولة ف ضنك العيش‪ .‬عاش عمر بريته الاهلية على‬
‫فرس اجرد‪ ،‬وترك للطبيعة الرة أن تطبع اتاهاته نو الرية ف مفهومها الاهلي الطلق‪ ،‬قبل أن يتداركها ف إطارها‬
‫السلمي النظم‪.‬‬
‫والبية تنتج إنسانا طبيعيا‪ ،‬خلوا من شائبة الداراة صفوا من كدر النفاق‪.‬‬
‫ول يكن يوم إسلمه آخر عهد له مع البية‪ .‬وسلوكه مع أخته وزوجها كان بريا خالصا ف لظة إسلمه‪ .‬فصرع ابن‬
‫أخيه سعيد كما لو كان ف حلبة عكاظ‪ .‬وأدمى وجه أخته كما اعتاد ف بريته‪ .‬ث عاد إل صفاء النفس‪ .‬وعادت رجولته‬
‫البية ف هاتف من الضمي‪.‬‬
‫واستمر الرجل بعد إسلمه على برية واضحة ف سلمة القصد وسهولة الياة‪ ،‬ومزاجية شفيفة ل تثقل على‬
‫الخر وقع كلمه‪ .‬وكانت من آثار البية عليه معترضاته الشهية الت ف أعلى مراحلها موقفه من نص ف صلح‬
‫الديبية‪.‬‬
‫وكان عمر بري الياة‪ ،‬وهو رئيس أكب دولة ف الشرق القدي‪ ،‬ف هزئه بالترف‪ ،‬وافتراشه الرض‪ ،‬وزهد عيشه‪،‬‬
‫وبساطة لباسه‪ .‬وف مهابة التباسط بعض منعكسات حياته البية الول‪.‬‬
‫ول أجد تفسيا لعلقة عمر بالبّرية دون غيه من اللفاء سوى الدرة من صلة مع بريته الول يوم كان مسؤو ًل عن‬
‫ف الفرات لشيت‬
‫رعي إبل وأغنام‪ ،‬وقد تول إل مسؤول عن رعية‪ ،‬متفظا بدور الراعي وهو يردد‪ :‬لو أن جديا مات بط ّ‬
‫أن ياسب ال به عمر‪ .‬وقيل ف الرواية صيغة‪ :‬لو أن عناقا "أنثى العزى" أخذت لخذ با عمر‪.‬‬
‫ويلحق بعيا ن ّد "أي هرب" من إبل الصدقة وهو على قتب يعدو‪ ،‬ويسأله المام علي ولّا عرف سره‪ ،‬قال لقد اذللت‬
‫اللفاء من بعدك‪ .‬وكان متيسرا لعمر أن يكلف أحدا غيه بالبحث عن ذلك البعي‪ ،‬لكنها مسؤولية الراعي وحده‪ ،‬وحيدا‬
‫ف البية‪ ،‬وكأن الياة ل تتغي‪ ،‬ول يكن عمر ساعتها أميا يكم أعظم دولة ناشئة ف الشرق‪ .‬فلعل ف قولنا هذا ماتلي له‬

‫‪16‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫قلوب بعض الكتاب ف العلمانية ومن أهل القطيعة‪ ،‬التسائلي باستهجان‪ :‬عن سبب ملحقة عمر بنفسه لكثي من القضايا‬
‫الصغية‪ ،‬وتت سلطته مليي التباع‪ .‬وعدّوا ذلك من الغلو والبالغة ف تعظيم عمر‪.‬‬
‫وف ظننا أن الستاذ عباس ممود العقاد ل يرسم شخصية عمر بدقة ف منهج استقراه واستقاه من حياة الندية‪.‬‬
‫إن عمر ليس نتاج مكوّن وحيد‪ ،‬وإذا كانت البية من بعض صغرى مكوناته‪ .‬فلم تكن جندية العقاد ذات صلة بتلك‬
‫الشخصية‪.‬‬
‫إن البية‪ ،‬ول بأس أن يدد مصطلحها العلمي الديث‪ ،‬أي الطبيعة‪ ،‬تعطي إحساسا فطريًا بالولدة الرة لرادة‬
‫الكائن البشري مضونا الكرم التجول ف جغرافيا اللمدود‪ ،‬وتت سيادة شبه مطلقة لطلق الرية‪ ،‬على حساب القانون‬
‫الذي يتنحى ف البية إل الراتب الدنيا‪ ،‬أعرافا وتقاليد‪ ،‬ل تؤسس قواعد قانونية عامة‪ .‬وما هو قانون ف العرف القبلي قد‬
‫ل يكون كذلك ف مفهوم دستوري واسع‪ ،‬والطبيعة سعة إل ما وراء المكن للحرية‪ ،‬وضيق إل حد قطع النفس ف‬
‫الساحات الخصصة للقانون‪.‬‬
‫وفيما يقترب من الاجة الادية ف التطور البشري لقانون ينظم الياة وعلقات النسان مع بعضهم ومع الكائنات‬
‫العليا‪ ،‬كان ظهور السلم ف الزيرة العربية استجابة متوقعة لتحقيق التوازن بي الرية والقانون‪.‬‬
‫إن شخصية الصحاب إل ما بعد عصر الصحابة بقليل يتعاون على تشكيلها وصياغتها عنصرا الطبيعة والسلم‪ ،‬أي‬
‫الرية والقانون وإذا كان البشر متلفي ف الستعداد الذهن والنفسي للنذاب نو أحد هذين القطبي‪ ،‬فإن النفوس القدر لا‬
‫النهوض بأدوار ف التأسيس الضاري ستنع نو القانون بدية قد تثي حفيظة الستقرات الطبيعية ف الجتمعات البية‪.‬‬
‫إن عمر بن الطاب شاخص مادي وروحي لجتماع الرية والقانون‪ .‬ولكون القانون طارفا أو ناشئا ف تلك‬
‫الجتمعات‪ ،‬وليل عمر نو إلزامية القانون‪ ،‬كانت وليته صعبة وثقيلة على قطاع من التمرسي على الياة بالقليل من‬
‫القانون‪.‬‬
‫وكان القانون ف شخصيته يتكلم بأطراف الدرّة ف قضايا الخالفات العابرة والصغية ويأخذ مداه ف مؤسسة القضاء‪،‬‬
‫الت كتبت القادير أن تنتعش بستخرجات هذا البي النادر‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫إن درة عمر‪ ،‬وسيأت حديث عنها‪ ،‬تشبه الشارات الضوئية ف أيامنا ف تنبيه الارة إل حق الركة والتوقف‪ ،‬فكانت‬
‫بداية بسيطة لعصر سيدخل الجتمع العرب فيه إل عال القضاء السلمي التشابك ف عروق الحتمالت والشكالت‬
‫ومزدحم اللول الطروحة ف مذاهب الفقه‪.‬‬
‫ودرة عمر الجلى تعبيا عن مشترك الذاكرة البية وقانون الدينة‪.‬‬
‫فت عكـاظ‬
‫التقى رجل راعيا ً‪ ،‬فقال له‪ :‬أشعرت أن ذلك العسر أسلم؟‪.‬‬
‫فقال الراعي‪ :‬إنه الذي كان يصارع ف سوق عكاظ‪ .‬فلما أجابه الرجل أنه هو ذاك‪ .‬قال الراعي‪ :‬أما وال ليوسعهم‬
‫خيا أو شرا‪.‬‬
‫وسبب شهرته ف الصارعة‪ ،‬أن له طريقة خاصة ف منازلته الصم على اللبة‪ .‬فيتركه زمنا ياوره ويتال لصرعه وهو‬
‫منه ف موقف الدافع ل يبذل من الهد‪ ،‬ما يبذله خصمه‪ ،‬فإذا شعر أن صاحبه قد هاضه ونال منه الهد انقض عليه فركب‬
‫أكتافه وألقاه على الرض صريعا‪ ،‬وهو السلوب الذي يستخدمه اللكم العالي ممد علي كلي ذاته‪ .‬فيتوجه عمر وسط‬
‫ترحيب الراهني عليه وكثرة منهم من النساء إل إحدى المارات حيث الميلت يته ّن دل ًل وعمر يشرب بالكبي وهو‬
‫الكاسب الرهان‪ ،‬ويشرب غيه بالصغي‪ ،‬وكان له شاربان مفتولن من نايتهما إل العلى على الطريقة التقليدية للرجل‬
‫الدرزي‪ .‬وقد اعتاد عمر أن ينفخ ويفتل شاربه قبل نزول اللبة‪ ،‬وهو يقول‪ :‬لست للخطاب إن ل أصرعه لول مالقاه‪.‬‬
‫كما عرف ف مسابقات اليل‪ ،‬وكانت له شهرة ف الصارعة‪ .‬وكان لسان حاله يقول ماقاله أبو نؤاس بعد أن تاب‬
‫فصام وصلى‪.‬‬
‫وأست سرح اللهو حيث‬ ‫ولقد نزت مـع الغواة‬
‫أساموا‬ ‫بدلوهـم‬

‫فـإذا عصـارة كـ ّل ذاك‬ ‫وبـلغت مابلـغ أمـرؤ‬


‫أثـا ُم‬ ‫بشـبابه‬

‫‪18‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫قامته تربو على مترين‬
‫يوصف عمر بن الطاب بانه ضخم جسيم‪ ،‬مديد القامة‪ ،‬تعلو هامته هامات المع كلها‪ .‬فإذا كانت أعلى قامة ف‬
‫العدل تزيد على الائة والتسعي سنتيمترا ف قياساتنا فإن هامة تعلو هامات المع كلها ستربو على الترين إ ّل قليلً‪.‬‬
‫وسيكون تقدير وزنه‪ ،‬مابي مائة وعشرة كيلوغرامات ال مائة وخسة وعشرين تقريبا وهذا ظن لنقطع به‪.‬‬
‫يروى أن الناس جعوا ف مكة على صعيد واحد‪ ،‬فإذا رجل قد علهم جيعا فكان هو عمر بن الطاب‪ ،‬وف رواية‬
‫لبن سعد ف الطبقات أنه علهم بثلثة اذرع! وهذا من البالغة غي العقولة‪.‬‬
‫يقول ممد حسي هيكل ف كتابه الفاروق عمر‪ ":‬لقد بلغ من إكبار الؤرخي لسيته أن أضافوا أمورا أدن إل‬
‫ص با النبياء‪ ،‬وإن ذكروا ما ل يستطيع الؤرخ اثباته‪ ،‬وعمر ف غي حاجة ال شيء من ذلك يضاف ال‬
‫العجزات الت خ ّ‬
‫سيته‪ ،‬ولو أن الؤرخي القدمي ل يضيفوا هذه الوارق إل عمر لغنوا من جاء بعدهم عن بذل الهد ف تحيصها‬
‫ولنّبوهم الختلف على مبلغ صحتها‪ .‬ولا طفف ذلك من قدر عمر‪.‬‬
‫هل وأد ابنته؟‬
‫أصحيح أنه وأد ابنته على طريقة بعض قبائل العرب ف بعض أماكنهم والجهول من أزمانم‪..‬؟‪.‬‬
‫لعلها فرية كبى أراد با أتباعه ومبوه أن يبهنوا على ما أحدثه فيه السلم من انعطاف وما كان هو عليه ف‬
‫جاهليته من جهل وقسوة تكون ذروتا أن يدفن الب ابنته حيّة وكأنا ظاهرة يومية وعرف ل تيد عنه‪ ،‬فيما يروى أن‬
‫عمه عمرو بن نفيل كان بسبب إحساسه النسان ونبذه لتلك العادة الت فرضت أخبارها علينا يدفع ثن من يراد وأدها‬
‫فيتبناها أو أن يترك لهلها ما ًل يعيلون به الوؤدة‪.‬‬
‫ل أو جلي ثنا لشراء ابنته لتبقى حية؟ إذا كان عمر ل يد ف قبيلته من يعيل طفلة؟ كما‬
‫فلماذا ل يدفع لبن أخيه ج ً‬
‫يقول العقاد‪.‬‬
‫ولاذا ل يئد ابنته حفصة الت ولدت قبل البعثة النبوية‪ ،‬وهل عرف عن بن عدي أنم يئدون بناتم‪ ،‬أم أن العروف‬
‫والسائد ف الروايات أن زعماءهم كانوا على سُنة عمرو بن َنفَيل‪.‬؟‬

‫‪19‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫عندما أم ّر على هذه الرواية أتذكر الرحوم حندش ابن عمة والدت ممد بن ممود وهو دليمي من قرية الكرابلة هذه‬
‫الت صارت اسا يتداوله صحافيو العال لرفضها الوجود المريكي‪ ،‬أقول أتذكر حندش بطيبته وفطرته ونقائه يبارك لصديقه‬
‫ل بي حشد من أهل الكرادة‪ :‬سبحان ال سبحان ال‪ ،‬كيف يتغي النسان‬
‫الاج مهدي عودته من أداء فريضة الج قائ ً‬
‫بالج وماذا يفعل اليان‪ ،‬أتذكر يا حاج مهدي قبل ثلثة شهور كيف كنت تسرق الدجاج من بيت جوري؟؟‪.‬‬
‫إن الؤرخي الذين يتحدثون عن وأد عمر لبنته‪ ،‬ل يتلفون عن رأي حندش بالجي مهدي‪.‬‬
‫إن التشهي بعمر الاهلي‪ ،‬ل يدم عمر السلمي‪ ،‬وخياركم ف الاهلية خياركم ف السلم‪.‬‬
‫أما حياة عمر بأسلوب الياة الاهلية‪ ،‬فهو ل ينتقص منه مثلما ل ينتقص من أي صحاب قادم إل السلم من العصر‬
‫الاهلي‪.‬‬
‫البية أم الندية‬
‫يقول عباس ممود العقاد ف عبقريته‪:‬‬
‫" إن طبيعة الندي ف صفتها الثلى‪ ،‬هي أصدق مفتاح للشخصية العمرية ف أهم الصائص الت تتمع لطبيعة الندي‬
‫ف صفتها الثلى‪ ،‬كالشجاعة والزم والصرامة والشونة والغية على الشرف والنجدة والنخوة والنظام والطاعة وتقدير‬
‫الواجب واليان بالق وحب الناز ف حدود التبعات أو السؤوليات‪.‬‬
‫هذه الصائص تتجمع ف ألوف السني من تارب المم ف تعبئة اليوش‪ ،‬حت عرف الناس أخيا أنا لزمة للجندي‬
‫ف أمثل حالته‪ ،‬وكل هذه الصائص عمرية ل شك فيها‪ .‬وعمر وحده واضح بي أمثاله ف جيع هذه الصائص "‪.‬‬
‫ونقول‪ :‬إن هذا التشخيص ل يتسق مع ما عرف عن موسوعية العقاد وتنوع أدواته ف التحليل العلمي‪ ،‬فيدور بعمر‬
‫حول فرضية جعلها مفتاحا لشخصه‪ ،‬وهي ل تشكل ف مراتبها العليا سوى سلك دقيق غي مشع ف الشخصية العمرية‬
‫النسوجة با يصعب إحصاؤه من خيوط الرير الناعمة والصوف الشنة والكتانية التينة‪.‬‬
‫شخصية مركبة ف نسيج مركب ومنشور بألوان البّية والعقيدة والياة والزاج والضرورة والطموح والستجابة‬
‫والتحدي والتطبيقات الفتوحة للنصوص وإبداع ما اعتب ف ما بعد نصوصا سارت عليها المم والشعوب السلمية‪ ،‬ما ل‬
‫يصح اختزاله بوضع البام والنصر على رأس خيط منها ليكون ذلك مفتاحا لشخصية عمر‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫والعقاد شاعر كبي وناقد ل غيه يفهم شخصية الشاعر‪ .‬لكنه ابن مدينة القاهرة ل يرج إل البية ليى عمر هناك‬
‫ل للخطاب‪ ،‬وينشأ على يومياتا وخلئقها‪ .‬وأعجب منه أنه ل يكتشف ف عمر شخصية الشاعر‪ ،‬ليس بعناها‬
‫يرعى إب ً‬
‫السائب‪ ،‬بل بإحساسه وقدرته على اللتقاط ورهافته‪ .‬شاعر له عشق الرية والعدل والناس‪ .‬فأي جندي هذا الذي يشبه‬
‫عمر وإن كان القصود من جندية العقاد الفروسية بعناها الواسع؟‪.‬‬
‫يبدو تليل العقاد من البساطة ف هذه النقطة‪ ،‬وليس ف غيها‪ ،‬وكأنه يدخل ف صالة النادي العسكري ويتطلع إل‬
‫لئحة التعليمات العلقة عن أخلق الندي وشروطه‪ ،‬فيمليها فقرة بعد أخرى بتسلسل يبدأ من الشجاعة والشهامة واللياقة‬
‫البدنية وطريقة الشية العسكرية شديدة الوطأة على الرض‪ ،‬وتنتهي بالطاعة وحسن أدائه للواجب‪.‬‬
‫إن واقع عمر والرويات عنه وخطوط شخصيته ل تؤشر على كثي من شروط النادي العسكري‪ .‬فهو يكره الوطأ‬
‫الشديد على الرض خشية أن يكون الشي مرحا وقد تعرض لعمرو بن العاص لا رآه يشي مشية الضباط فخفقه بالدرة‪،‬‬
‫لكنه يشي سريعا لنه أروح القدمي‪ ،‬وهذه حالة طبية معروفة لسكان البادية‪ .‬من جانب آخر‪ ،‬لسنا نعرف أن العسكريي‬
‫ف العال إ ّل أقلية تتفظ با تصفهم لوائح الثكنات العسكرية‪ ،‬نوة وندة وشهامة‪.‬‬
‫إن مزاجية عمر القائمة على اليوية والنفتاح‪ ،‬تتعارض وجودية العسكري وبواعث البداع ف الرويات عنه‪،‬‬
‫وتتعارض مع إلزامية ترسم حياة الندي وعقله‪ ،‬وتضعه على سكة إن مال عنها سقط على الرض‪ ،‬وليس كالندية حقل‬
‫تتكرر فيه الشاهد الرتيبة والكلمات والركات‪.‬‬
‫من الثابت والبديهي أن صاحبنا على سكة صاحبيه‪ ،‬ل ييد عنها لكنه قد يتزود من وقود شخصي وطاقة ذاتية‪،‬‬
‫ليستمر على مواصلة سيه‪ ،‬وقد يفتح للسكة فروعا عندما تصل به إل حافة مغلقة‪ .‬وإذا ما منع عمر مشية اليلء‪ ،‬فقد‬
‫ل أقبل مرخيا يديه طارحا رجليه يتبختر‪ ،‬بعد أن عجز عن ترويض مشيته بصورة طبيعية‪ ،‬فكأنه رأى فيه ميوعة‬
‫جلد رج ً‬
‫النثى!‪.‬‬
‫أغلب الظن أن العقاد‪ ،‬وقد استمالته الندية فالبسها قميصا لعمر سع قول الشّفاء بنت عبد ال‪:‬‬
‫إنه كان إذا تكلم أسع‪ ،‬وإذا مشى أسرع‪ ،‬وإذا ضرب أوجع‪ ،‬وهو الناسك حقا‪ .‬والعقاد الديب والشاعر عان‬
‫ويعان ما تفعله القافية‪ ،‬وما يفعله السجع وضروراته‪ ،‬فيملي على الساجع مفرداته ليستقيم الصوت الواحد‪ ،‬وإن جنح به‬
‫العن على غي قصده‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫صحيح أن عمر كان إذا تكلم أسع‪ ،‬وكانت لقريش قبل السلم مؤسسة خاصة تشرف على كلم الجاج‪ ،‬فل‬
‫تترك أحدهم يعلو الضجيع‪ ،‬وهي الت ورد ذكرها ف القرآن الكري وتدعى عمارة السجد‪ ،‬ول تكن العرب تمس ف‬
‫الكلم‪ ،‬با ل يسمع لنه من فعل النساء أو من فعل الوسواس الناس‪.‬‬
‫أما أن يكون عمر إذا ضرب أوجع‪ ،‬فهو غي صحيح‪ ،‬إل إذا كان الضرب أقامة لد‪ ،‬وهو متروك لغيه عادة‪ .‬أما أن‬
‫تقصد الشفاء درة عمر فلم تكن توجع‪ ،‬ولذا عرفت ف استخدامها جلة (علهم بالدرة) أو (خفقهم)‪.‬‬
‫ول تستخدم الدرة لليذاء والياع أو للعقوبات‪ ،‬بل كانت عصا الشارة والتنبيه فلم يضق با كبار الصحابة الذين‬
‫علهم با‪.‬‬
‫ولو استمر سجع الشفاء بنت عبد ال لقالت مثل ما نقول اليوم‪ ،‬وإذا أكل شبع‪ ،‬يوم ل يكن عمر يصل ح ّد الشبع ف‬
‫وجبة زهيدة‪.‬‬
‫أسلم على طريقته البية‪ :‬بالصوت أم بصدمة الصوت‬
‫يقول العقاد‪ :‬وقد تعددت الروايات ف إسلم عمر واختلف بعض هذه الروايات ف اللفظ واتفق ف الغزى‪ ،‬وجعل‬
‫أناس ينظرون فيها‪ ،‬كأنا الصحيح منها ل يكون إل رواية واحدة وسائرها باطل ل يشتمل على حقيقة‪ ،‬فلم ل تكون‬
‫ل من الشو‬
‫صحاحا كلها؟‪ .‬ول ل تكون أسبابا متعددات ف أوقات متلفات؟‪ .‬فمن الستطاع العقول أن نسقط منها قلي ً‬
‫هنا وهناك ث نلص منها إل جلة أسباب ل تعارض بينها ف الوهر‪ ،‬وقد يعزز بعضها بعضا ف نسق السية وف لباب‬
‫النتيجة‪.‬‬
‫الرواية الول‪:‬‬
‫روى عن عمر رضي ال عنه أنه قال‪( :‬كنت للسلم مباعدا‪ ،‬وكنت صاحب خر ف الاهلية أحبها وأشربا‪ ،‬وكان لنا‬
‫ملس يتمع فيه رجال من قريش‪ .‬فخرجت أريد جلسائي أولئك فلم أجد منهم أحدا‪ .‬فقلت‪ :‬لو أنن جئت فلنا المار!‪.‬‬
‫وخرجت فجئته فلم أجده‪ .‬قلت‪ :‬لو أنن جئت الكعبة فطفت با سبعا أو سبعي!‪ .‬فجئت السجد أريد أن أطوف بالكعبة‬
‫فإذا رسول ال صلى ال عليه وسلم قائم يصلي‪ ،‬وكان إذا صلى استقبل الشام وجعل الكعبة بينه وبي الشام واتذ مكانه‬
‫بي الركني‪ :‬الركن السود والركن اليمان‪ ،‬فقلت حي رأيته‪ :‬وال لو أن استمعت لحمد الليلة حت أسع ما يقول‪ ،‬وقام‬

‫‪22‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫بنفسي أنن لو دنوت أسع منه لروعنه‪ ،‬فجئت من قبل الجر فدخلت تت ثيابا ما بين وما بينه إل ثياب الكعبة‪ ،‬فلما‬
‫سعت القرآن رق له قلب فبكيت ودخلن السلم)‪.‬‬
‫وبتنجيم سيته واستقراء قراراته وانعطافاته‪ ،‬وما يروى عنه نتوقف عند لظة يتوقف فيها عمر أو يتحرك منها‪ ،‬وهو ف‬
‫هذه وتلك يضع إل ما نسميه بنظرية الصدمة‪.‬‬
‫إن إسلم عمر يقترن ف الروايتي الختلفتي باستماعه إل الصوت القرآن مثلما هي حالة الكثي من أسلموا تت‬
‫التأثي البلغي والروحي لذا الصوت‪.‬‬
‫ف الرواية الول دخل عمر إل الكعبة متفيا وراء ثيابا والنب يقرأ القرآن فاستهواه ذلك فأعلن إسلمه‪ .‬ل نرجح‬
‫هذه الرواية لفتقارها إل عنصر الصدمة‪.‬‬
‫ل كان يكتب ويقرأ وهو العروف بناقضة السلم ومناضلة‬
‫إن عمر من مثقفي الاهلية وهو واحد من (‪ )17‬رج ً‬
‫ق له قلبه فيبكي ويسلم؟‪.‬‬
‫القرآن‪ ،‬فهل يعقل أن ل يكون سع القرآن ف ست سنوات خلت ول ير ّ‬
‫الرواية الثانية‪:‬‬
‫وروى ابن اسحق ف سبب إسلمه‪( :‬أن عمر خرج يوما متوشحا بسيفه يريد رسول ال صلى ال عليه وسلم ورهطا‬
‫من أصحابه قد اجتمعوا ف بيت عند الصفا وهم قريب من أربعي بي رجال ونساء‪ ،‬ومع رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫عمه حزة بن عبد الطلب وأبو بكر بن أب قحافة الصديق وعلي بن أب طالب ف رجال من السلمي رضي ال عنهم‪ .‬فلقيه‬
‫نعيم بن عبد ال فقال له‪ :‬أين تريد يا عمر؟‪ .‬فقال‪ :‬أريد ممدا هذا الصابئ الذي فرق أمر قريش وسفّه أحلمها وعاب‬
‫دينها وسب آلتها فأقتله‪ .‬فقال نعيم‪ :‬وال لقد غرتك نفسك يا عمر!‪.‬أترى بن عبد مناف تاركيك تشي على الرض وقد‬
‫قتلت ممدا؟‪ .‬أفل ترجع إل أهل بيتك فتقيم أمرهم؟‪ .‬قال‪ :‬وأي أهل بيت؟‪ .‬قال‪ :‬أختك وابن عمك سعيد بن زيد بن‬
‫عمرو‪ ،‬وأختك فاطمة بنت الطاب‪ ،‬فقد وال أسلما وتابعا ممدا على دينه‪ ..‬فعليك بما‪..‬‬
‫قال‪ :‬فرجع عمر عامدا إل أخته وختنه‪ ،‬وعندها خباب ف مدع لم أو ف بعض البيت‪ ،‬وأخذت فاطمة بنت الطاب‬
‫الصحيفة فجعلتها تت فخذها‪ ،‬وقد سع عمر حي دنا إل البيت قراءة خباب عليهما‪ ،‬فلما دخل قال‪ :‬ما هذه الينمة الت‬
‫سعت؟‪ .‬قال له‪ :‬ما سعت شيئا!‪ .‬قال‪ :‬بلى وال‪ ،‬لقد أخبت أنكما تابعتما ممدا على دينه‪ ،‬وبطش بتنه سعيد بن زيد‪،‬‬
‫فقامت إليه أخته فاطمة لتكفه عن زوجها‪ ،‬فضربا فشجها‪..‬‬

‫‪23‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫فلما فعل ذلك قالت له أخته‪ :‬نعم قد أسلمنا وآمنا بال ورسوله فاصنع ما بدا لك‪ ،‬فلما رأى عمر ما بأخته من الدم‬
‫ندم على ما صنع فارعوى‪ ،‬وقال لخته‪ :‬أعطن هذه الصحيفة الت سعتكم تقرأون آنفا‪ ،‬أنظر ما هذا الذي جاء به ممد‪..‬‬
‫وقرأ سورة طه‪ ،‬فلما قرأ منها صدرا قال‪ :‬ما أحسن هذا الكلم وأكرمه‪ ،‬لا سع ذلك خباب خرج إليه فقال له‪ :‬ياعمر‪،‬‬
‫وال إن لرجو أن يكون ال قد خصك بدعوة نبيه‪ ،‬فإن سعته أمس وهو يقول‪ :‬اللهم أيد السلم بأب الكم ابن هشام أو‬
‫بعمر بن الطاب‪ ،‬فال ال ياعمر!‪ .‬فقال له عند ذلك عمر‪ :‬دلن يا خباب على ممد حت آتيه فأسلم‪ ،‬فقال له خباب‪ :‬هو‬
‫ف بيت عند الصفا معه فيه نفر من أصحابه‪ ،‬فأخذ عمر سيفه فتوشحه ث عمد إل رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه‬
‫فضرب عليهم الباب‪ ،‬وقام رجل من أصحاب رسول ال فنظر من خلل الباب فرآه متوشحا بالسيف‪ ،‬فرجع إل رسول ال‬
‫وهو فزع‪ ،‬فقال‪ :‬يارسول ال!‪ .‬هذا عمر بن الطاب متوشحا السيف‪ ،‬فقال حزة بن عبد الطلب‪ :‬تأذن له‪ ،‬فإن كان يريد‬
‫خيا بذلناه له‪ ،‬وإن كان يريد شرا قتلناه بسيفه!‪ .‬فقال رسول ال‪ :‬ائذن له‪ .‬ونض إليه حت لقيه بالجرة فأخذ بجزته أو‬
‫بجمع ردائه ث جذبه جذبة شديدة وقال‪ :‬ما جاء بك يا ابن الطاب؟‪ .‬فو ال ما أرى أن تنتهي حت ينل ال بك قارعة‪،‬‬
‫فقال عمر‪ :‬يارسول ال!‪ .‬جئتك لومن بال وبرسوله وبا جاء من عند ال!‪..‬‬
‫هاتان الروايتان ها أجع الروايات للسباب (الباشرة) الت قربت بي عمر والسلم‪ .‬وتتفرع منهما روايات منوعة‬
‫يزيد بعضها تارة أن عمر قد أوفد لقتل النب من قبل قريش‪ ،‬ويزيد بعضها تارة أخرى آيات من القرآن الكري قرأها عمر‬
‫ف بيت أخته غي اليات الت تقدمت الشارة إليها ف سورة طه‪ .‬وأشبهها بالتصديق أنه لا أطلع على الصحيفة قرأ فيها اسم‬
‫" الرحن الرحيم " فذعر وألقاها‪ .‬ث رجع إل نفسه فتناولا وجعل كلما م ّر باسم من أساء ال ذعر‪ .‬فلما بلغ "‪ ..‬ومالكم ل‬
‫تؤمنون بال والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم أن كنتم مؤمني‪ "..‬قال‪ :‬أشهد أن ل اله إل ال‪ ،‬وأن ممدا‬
‫رسول ال‪ .‬وهذه على اختلفها روايات متقاربة يبدو لنا أنا قصة واحدة‪.‬‬
‫إذا كان ذلك صحيحا‪ ،‬فما الذي كان يستفزه ف كتاب ل يسمع منه آية واحدة‪ ،‬فإذا استبعدنا الرواية الول‪ ،‬فالثانية‬
‫الت أوردها ابن إسحاق تنتهي هي الخرى باعلن عمر إسلمه لظة قراءته اليات الول من سورة طه‪.‬‬
‫مناقشة الرواية‬
‫يبدو منهج العقاد هنا وكأنه يستخدم مهاراته الدبية وآليات الدل الصوري وماورات الناطقة للتوفيق بي‬
‫التعارضات وجع النقيضي وجعلهما واحدا مع اختلف الرواية‪ .‬ولعله يتحاشى الوقوع ف منلق الشكوك الاصة‬

‫‪24‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫بصداقية رواة ثقاة‪ .‬أما منهجنا ف فحص الروايات فيعتمد على استيعاب الوحيات النفسية الت نتذوق با الب العمري‪.‬‬
‫إذعانا لنصيحة الستاذ العقاد نسقط الشو ف هذه الرواية بناقشتها أو ًل على ضوء التحليل النفسي لشخصية عمر‬
‫ونظرية الصدمة وملئمة الرواية للواقع الجتماعي آنذاك‪.‬‬
‫‪ -1‬ل نظن أن عمر خرج ليقتل النب‪ .‬إذ كيف سيتمكن من ذلك وهو يتوجه إليه والنب ف بيت ماط بفرسان‬
‫الصحابة أمثال المزة بن عبد الطلب وعلي بن أب طالب وعدد كبي منهم‪.‬‬
‫‪ -2‬ل نعتقد أن نصيحة نعيم بن عبد ال وتديد عمر با سيفعله بنو عبد مناف به ف حال قتله للنب قد غيّر فيه لن‬
‫ذلك سيعزز من عزية عمر العروف بعنفوانه وإقدامه‪.‬‬
‫إن قارئ عمر وعارف سايكولوجيته سيفض رواية يبدو فيها عمر وكأنه شخصية مهزوزة يثن إرادته تويف عابر‬
‫سبيل‪ ،‬فكيف والمر يتعلق بسألة على مستوى اغتيال النب ممد؟‪.‬‬
‫الرجح هو أن عمر كان ف زيارة روتينية لشقيقته فاطمة وزوجها سعيد ابن عمها وف بيت فاطمة واجه عمر عددا من‬
‫الصدمات التلحقة‪.‬‬
‫الصدمة الول‪ :‬ساعه هينمة أو صوتا خافتا‪.‬‬
‫الصدمة الثانية‪ :‬وجود الصحاب الباب بن الرت‪.‬‬
‫الصدمة الثالثة‪ :‬إحساسه السريع بأنما قد أسلما‪ .‬أي أن السلم أصبح ف عقر داره‪ .‬ومن أسلمت هي أخته وابن‬
‫عمه‪ ،‬فأين هو مقام عمر ومكانه ف العائلة؟‪ .‬الصدمة‪ ،‬أن تصبح أخته وابن عمه وها عدويان من قريش تلميذين بإمرة ألقي‬
‫مول أم انار بنت سباع الزاعية الذي أهداه والدها إليها‪.‬‬
‫إن الباب ف تلك اللحظة ل يكن بالنسبة لعمر العضو السادس ف أول خلية إسلمية شكلها أبو بكر‪ ،‬وإنا هو عبد‬
‫لسباع بن عبد العزى‪.‬‬
‫الصدمة الرابعة‪ :‬أنه أهان ابن عمه سعيد أمام زوجته‪ ،‬وأهان أخته أمام هذا الول الغريب‪.‬‬
‫وعليك أن تقترب من وجدان عمر ومنظومته القيمية ليتسم أمامك حجم ر ّد فعله‪ ،‬وهو الاضع دائما للشعور بالث‬
‫وعتاب الضمي لعمال هي أقل ما حدث له ف بيت أخته‪ .‬فإذا نض نضت من لوعيه احتجاجات ضاربة وصراعات‬
‫متضاربة‪ ،‬فماذا كان عليه أن يفعل؟‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫لقد أستفرغ شحنة الغضب بوطأه ابن عمه على الرض‪ ،‬ونفحه أخته ف وجهها فبدا يستعيد توازنه‪ ،‬فيأخذ الصحيفة‬
‫ويقرأ ث يصاب بالذعر‪ ،‬ويتوقف بعد ذكر البسملة قبل أن يستعيد عزمه لقراءة اليات الول من سورة طه‪.‬‬
‫ف ظننا أنه أسلم عند قراءة البسملة وإذا كان اسم ال معروفا‪ ،‬وليس له ذلك الوقع فإن (الرحن الرحيم) استلت من‬
‫عمر جبوت القسوة‪ ،‬وكأنا علج عاجل لزمة الشعور بالذنب فانلت عنده عقدة وانزاح عن صدره تأنيب الضمي‪ ،‬فهو‬
‫الن ف بطن الرحة والرحة ف بطنه تت ظلل الرحن الذي تنتشر رحته على وجه فاطمة الدمي وظهر سعيد العفر‬
‫بالتراب وامتعاض الشاهد‪.‬‬
‫فعسى أن يغفر ال لنا إن نن استبعدنا جلة قيلت حقا ف حوار عمر مع أخته طالا أن إنكار بعض فقرات الوار يبقى‬
‫ملحا على أصابع الكتابة‪ .‬ننكر أن ترأ أخت لعمر صفعه بكلمات مثل إنك نس أو إننا أسلمنا رغما عن انفك‪ ،‬لن مثل‬
‫هذا الكلم ليصدر ل عن فتاة جاهلية شقيقها عمر بن الطاب‪ ،‬ول عن سيدة مسلمة نبيها بعث بكارم الخلق‪ ،‬ول‬
‫نكاد نصدق أن عمر استجاب لا كالطفل فغسل يديه وتوضأ قبل أن يسك بالصحيفة‪ ،‬وهو بعد لا ينطق بالشهادة‪ ،‬ول‬
‫يكن اليان قد مل قلبه ول يكن الرجل من صنف الذين يستجيبون لوامر امرأة‪ ،‬وكأنه طفل بي يديها‪.‬‬
‫لكن الرواية أرادت أن تنح شقيقة عمر هذا المتياز السلمي‪.‬‬
‫أجل‪ ،‬لقد أسلم عمر بالصوت القرآن عندما أحدثت البسملة فيه تلك الصدمة‪.‬‬
‫رقم اسلمه ‪: 67‬‬
‫ل وإحدى وعشرين امرأة فيكون رقمه ف اللئحة الول للمسلمي‬
‫الشهور أن عمر بن الطاب اسلم بعد ‪ 45‬رج ً‬
‫‪.67‬‬
‫وقيل‪ :‬إنه أسلم بعد هجرة السلمي إل البشة‪ ،‬وكانوا تسعي بي رجل وامرأة‪ ،‬فيكون رقم عمر ف تلك اللئحة‬
‫يتجاوز الائة‪.‬‬
‫وف رواية أقرب إل مزاجه وواقع حياته‪ ،‬وتسند إل عمر نفسه أنه كان يقول‪ :‬كنت للسلم مباعدا وكنت صاحب‬
‫خر ف الاهلية‪ ،‬أحبها واشربا وكان لنا ملس يتمع فيه رجال من قريش‪ ،‬فخرجت ليلة أريد جلسائي أولئك ف ملسهم‬
‫فلم أجد فيه منهم أحدا‪ ،‬فقلت لو أن جئت فلنا المار وكان بكة يبيع المر‪ ،‬فخرجت إليه فلم أجده‪ ..‬وبقية الرواية‬
‫تنتهي بالكعبة ولقائه بالنب وإسلمه‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫لتتعارض هذه الرواية مع قولنا بإسلمه بالصدمة وبالاتف الوجدان‪ ،‬بل هي تؤكد أمرين‪ :‬الول أن بيئة عمر‬
‫"الاصة" وميط صداقاته صار للنسار حد شعوره بالوحدة والغربة وهم ذهبوا إل الدين الديد‪ .‬والثان أن هذه الالة ل‬
‫ل ل يكن معظمهم من رواد ذلك الوسط وهم معروفون بانتماءاتم الجتماعية‪ ،‬فيكون‬
‫تكون وعدد من أسلم هو ‪ 45‬رج ً‬
‫رقمه ف السلم تاوز الائة كثيا‪ ،‬وإن كان حب الؤرخي له يعلهم يتزلون ف زمنه الاهلي لصال زمنه السلمي‪،‬‬
‫فيستعجلون عليه بأرقام متقدمة لينتقص من دوره طولا‪ ،‬وليطيل ف قامته قصرها‪ .‬فحيث تقفر الانات والحلت ويهجر‬
‫ل وإحدى وعشرين امرأة ول‬
‫المار حانته فمعن ذلك أن غالبية الجتمع قد أسلم‪ .‬ومتمع مكة ل يكن يتكون من ‪ 45‬رج ً‬
‫من تسعي هاجروا إل البشة‪ ،‬فإذا أسلموا وهاجروا أقفرت مكة من أهلها!‪.‬‬
‫إن رقم عمر ف لئحة السلمي قد يرتفع إل ضعف أعلى رقم حدده الؤرخون لو أخذنا بروايته‪ .‬وعمر فيها كما كان‬
‫ف غيها صادقا مع نفسه واضحا مع الناس‪ ،‬فصدقت مروياته ووضحت ملمه‪.‬‬

‫دولة الـمشروع الـمحمدي‬

‫التجانس بعـدالـة التوازن‬

‫‪27‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫عبقري السقيفة‪:‬‬
‫ليس من شأن هذا الكتاب الولوج ف بطون العقائد‪،‬ول القتراب من هوامشها وحواشيها‪ ،‬وليس ف منهجنا‬
‫الوقوف بي مشتجر اللف وسطا‪ ،‬ول نذهب إل سوق الشتجار براية اللل الحر‪.‬‬
‫وكقارئ يفزعن ما تقع عليه عين من ماولت التوفيق الت تصفق لا الصالة‪ ،‬وتبتسم لا النصة‪ ،‬حت إذا انفرط‬
‫المع وولوا الدبر‪ ،‬عاد أي منهم إل كهفه القدي‪.‬‬
‫ول نرج ف هذا الكتاب عن أفكار تضمنتها كتبنا الطبوعة‪ ،‬ل سيما الشيعة والدولة القومية‪ ،‬الذي ل نتعرض فيه‬
‫للف الذاهب وتفضيل مذهب على آخر أو الترويج لذهب ضد آخر‪ .‬فمثل هذا القل سيكون خاصا بالشتغلي ف‬
‫العلوم الدينية والفقهية‪ .‬ونن نشتغل بعلوم الفكر العام والسياسة العامة‪ .‬فإذا اهتزت مشاعرنا لرأي أو لوقف أو‬
‫لجراء‪ ،‬فلن ف ذلك قربا عاطفيا أو إنسانيا أو اجتماعيا لا نبغيه وليس لطابعه الذهب الاص‪.‬‬
‫وبذا النظور ندخل سقيفة بن ساعدة الت ل يكن للنص الدين رأي فيها‪ .‬فقد كانت من اجتهاد الصحاب سعد‬
‫بن عبادة وجع من النصار‪.‬‬
‫والسقيفة سقف ليس تته نوافذ‪ .‬مشرع لرياح النوب والشمال‪ .‬وزمان متقن مأزوم ف يوم قد ينقطع عن يوم‬
‫قبله‪ ،‬أو يتصل بيومه السابق‪ ،‬فتمتد السلسلة الزمنية والروحية للمشروع السلمي إل حيث نن الن ف اليوم الول‬
‫من الشهر الول للعام الجري السابع والعشرين بعد الربعمئة واللف‪.‬‬
‫عرب مسلمون ومسلمون عجم نتلف ف الختلف‪ ،‬ونتفق ف التفاق‪ ،‬وننشق بأنفسنا فرقا وطوائف‪ ،‬لكن‬
‫مشروع ابن آمنة آمن متماسك‪ ،‬واحده ال ونبيه ممد والشهادة قائمة والصلة قائمة‪.‬‬
‫إن دور عمر ف الكان الفتوح منحه دورا مفتوحا ف زمان دائم‪ .‬أنبته تلك اللحظة الضارية الت أغرب ما فيها‬
‫وما ف ذلك الكان غياب القدس عنها‪ .‬فلم ينص عليها ف قرآن‪ ،‬ول يشر إليها ف حديث شريف‪ .‬ول يكن لعمر دور‬
‫ف تأسيس ذلك الكان الذي قدح فكرة خاطفة لصحاب من النصار‪ ،‬فأجتمع إل جع من قومه مدفوعا بالنية الطيبة‬
‫وبإحساس استراتيجي وشعور بالسؤولية ف وقت قضى ال فيه أمره‪ ،‬وتوف النب ممد صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫وسيحدث فراغ ف إدارة الشروع الحمدي إن تركت المور على غاربا‪ .‬فكانت دعوة النصاري سعد بن عبادة‬

‫‪28‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫إل اجتماع السقيفة‪ ،‬هي اللبنة الول لستمرار الشروع الحمدي ف غياب صاحبه‪ .‬ث جاء دور عمر بن الطاب‬
‫ليختطف اللحظة ويدد أطار الؤسسة الديدة ورجالا الذين سيتحملون السؤولية‪.‬‬
‫وقد ضرب عمر ضربته وكأن ل يقل قائلنا اليوم إل فيه وعنه‪.‬‬
‫وآل أن يكونما فكانا‬ ‫فت خبط الدن والناس طرا‬
‫ل يكن الوحي حاضرا ف غياب الرسول‪ .‬وليس للقرآن رأي ف السقيفة‪ ،‬فهي فكرة بشرية خالصة‪ ،‬وقرار‬
‫سياسي ورغبة جاعة من الصحابة صيها عمر با أوت له من حيوية قريش ومهارتا ف تصريف الزمات حدثا ليزال‬
‫الرجل يواجه العترضي عليه!‪ .‬فبدا مُجيل اللحظة‪ ،‬وقابض الزمن برغبة ليس لا سقف‪ ،‬لعل يوم السقيفة هو اليوم‬
‫الول والخي لفراغ السلطة‪ ،‬فيتقدم اليوم التال متصلً باليوم السابق حي كان للمشروع صاحبه منذ أربع وعشرين‬
‫ساعة‪ .‬ول يدث الفراغ‪ ،‬ول حت الفجوة ول تترك فرصة لسباب اللف أن تتنفس ف حينها لكنها ظلت تلحق‬
‫تاريخ عمر وتاريخ السلم‪ ،‬فتصي السقيفة مكان الكيد عند فئة‪ ،‬ومكان الفتح عند باقي السلمي‪.‬‬
‫إن السقيفة كانت الكان الذي غاب عنه القدس‪ ،‬فكان بداية الزمان لياتنا القدسة بعد أربعة عشر قرنا‪ .‬وكان‬
‫عمر قامع الفرقة ف ذلك اليوم وحَ ّق له أن يظى بلقب قفل المة‪.‬‬
‫حركة عمر ف السقيفة أنبت حركة حضارية لمة كانت تتشكل على الرض‪ ،‬فصارت حركة خلف مذهب‬
‫يتصاعد مع التصاعد الضاري للمة‪ ،‬ومشكلة دينية تقوم على رفضها عقائد وعلى احترامها عقائد‪ .‬وبالحتكام إل‬
‫العايي السياسية ف نشوء الدول والضارات‪ ،‬تصبح السقيفة بأعمدتا الربعة الت أنبت أربعة خلفاء ل يتكرروا ف‬
‫التاريخ‪ .‬قرارا وليس مؤترا بأن ل توت الدولة الناشئة بوت مؤسسها‪.‬‬

‫الذر من شبح القيصرية‬


‫ل يطط عمر لفهوم دولة كبى بالمتداد الذي وصلت إليه‪ .‬وهي تنساح إل أبعد ما كان ف ذهنه‪ .‬وحت الوطن‬
‫العرب‪ ،‬كان ف تصوره ليتد ال ماوراء الدود الفلسطينية ذ الصرية عند معب رفح الال‪ ،‬والذي تاوزه عمرو بن‬
‫العاص‪ ،‬وهو يشاغل مبعوث عمر إليه‪ ،‬حت يدخل إل الراضي الصرية فيفتح كتاب الليفة وعند ابن العاص إحساس‬
‫ومعرفة سابقة بعدم رغبة عمر ف توسع الفتوحات والعبور إل مصر‪ ،‬فلم يفتح الكتاب إلّ بعد تأكده من اجتياز‬

‫‪29‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫الدود‪ ،‬فأبلغ الليفة أن جيش الفتح ف الراضي الصرية ووضعه أمام المر الواقع ووضع نفسه تت مراقبته‬
‫الستمرة وملمة مكاتيبه ومبعوثيه‪ .‬أما عبد ال بن أب سرح‪ ،‬فكانت قواته ترح ف سهول ليبيا‪.‬‬
‫ل من‬
‫وعلى جبهة البصرة‪ ،‬كان عمر يرغب بعدم ذهاب قواته إل ما بعد الحواز (عربستان الالية) متمنيا جب ً‬
‫نار يفصله عن بلد فارس‪ ،‬فل يقاتلهم ول يقاتلونه‪ ،‬لكن قادة الفتوح تملوا مسؤولية إقناعه بالتوغل ف بلد فارس‬
‫وملحقة مراكز القيادة الكسروية التنقلة والستقرة آنئذٍ ف خراسان‪ ،‬وتبن الحنف بن قيس هذه السؤولية ف‬
‫الدبلوماسية مع عمر والعسكرية ف النطلق إل خراسان بعد أن اقتنع عمر بأن وجود كسرى ف جوارهم سيثي‬
‫الكثي من التاعب وقد انتقضت مدن كثية ف بلد فارس فأعاد عمر فتحها ثانية‪ .‬وف ظننا أن شبح الكسروية‬
‫والقيصرية والوف من الوقوع ف نوذجها‪ ،‬هو الذي كان يدد رغبة عمر ف الوقوف عند مشارف ماكان يعتبه‬
‫وطنا عربيا ول يتجاوزه‪.‬‬
‫وكان القليل من الروقات القيصرية والكسروية يدفع الدولة الراشدة للتفكي ببناء مؤسسات وتقاليد‪،‬‬
‫واستخدام مهارات ليس للجزيرة العربية عهد با‪ .‬وكان بعض قادة الفتوح يتحركون ف فسحة قيصرية‪ ،‬مدودة‬
‫لكنها مفيدة‪ ،‬وناجحة‪ ،‬فضلً عن أمثلة النسياح إل أبعد من الشارف القصوى لركة الفتوح عند عمر‪.‬‬
‫كانت الدبلوماسية ترب أول نشاطاتا ف وفد يبعثه الليفة إل سعد بن أب وقاص ف طريقه لناظرة كسرى‬
‫يزدجرد‪ ،‬فيضيف سعد إليه آخرين أختيوا بواصفات دولة قيصرية وكسروية تأخذ بالقيافة واحجام الطول وعرض‬
‫الناكب‪ ،‬وسعة التجربة‪ .‬وملحظة اندار البعوث من أسر ذات تقاليد "ارستقراطية " بصطلح يومنا‪ ،‬وكان ذلك من‬
‫بعض أسباب ناح الوفد ف كسب الناظرة‪.‬‬
‫كان عمر يأخذ ببدأ الضرورة فيلتقط برامج وآليات العمل الداري من دولت كسرى وقيصر‪ ،‬فيستحدث‬
‫مكاتب الديوان والسجلت وتأرخة الحداث بعام هجرة النب صلى ال عليه وسلم‪ ،‬بعد مناقشة مستفيضة انتهت‬
‫بترجيح مقترح المام علي‪.‬‬
‫إن النب ممد (ص) أنكر ف الكسروية والقيصرية‪ ،‬زخارفها البيوقراطية وترفها السلطان وأمورا دينية‪،‬‬
‫وسياسية‪ ،‬لكن ذلك النقد ل يستهدف رفض تربتها التكنوقراطية وتطور أساليب الدارة‪ .‬وتوزيع العمل وتوثيق‬
‫السجلت‪ .‬وتنظيم وسائل التصال ف البعوث الدبلوماسية‪ ،‬ومؤسسات البيد‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫وكان عمر يرب أول ماولت الستفادة من ذلك أو بعض ذلك‪ ،‬فاستطاعت الدولة الراشدة مع حذرها البالغ‪،‬‬
‫من اختراق هذا الشبح الذي كان من السباب الت عرقلت نو مؤسسات الدولة الراشدة با ل يعلها قادرة على‬
‫الستجابة لحتمالت الستقبل‪ ،‬فلم يتحول اجتماع السجد النبوي إل ملس شورى كامل العضوية والصلحية وبناء‬
‫هيكل للدولة شاسعة الطراف وضوابط لتعتمد فقط على شخصية الليفة‪.‬‬
‫إن النب (ص) الذي رفض استبدال الصي بقعد وثي ف جوابه الاص بعمر وانتقال الديث عن طريقه‪ ،‬حّل‬
‫عمر مسؤولية نبوية بعدم استبدال حصران النخيل بعروش قيصر وكسرى‪.‬‬
‫وهذا بعض سرّ نزوع عمر ف زهد الدولة‪ ،‬كي لتصل أو يصل با إل مشارف كسروية ففضلها ممدية على‬
‫غرار بري وطبيعي وعفوي‪ .‬وهنا الشترك الوثق والوضح بي سايكولوجية علي وعمر وروحية كلٍ منهما وسرّ‬
‫مبدأ الشاركة‪ ،‬وكلٌ منهما قد نَفِس الخر على النوم فوق التراب‪.‬‬
‫لقد كان المام علي وعمر يشتركان ف هذا الذر بدرجة أكثر حساسية ما لدى أصحابما الخرين‪ ،‬الذين لو‬
‫أتيح لبعض منهم إدارة دفة الدولة ف القام الول لخذوا الكثي ما تنب عمر وعلي أخذه من تربة الدولتي‬
‫الكسروية والقيصرية‪.‬‬
‫وكان متوقعا وشبه حتمي سيورة الدولة الراشدة إل الكسروية والقيصرية فوقع الحذور النبوي وحصل‬
‫النقسام بي الفهوم الراشدي للدولة والفهوم القيصري للمويي‪ ،‬وكان مفترضا وقوع الناع بي العمريي‬
‫والمويي‪ ،‬وف أكثر من مرة‪ ،‬كان المويون يشون تربة عمر‪ ،‬فإذا اكتشف أحد زعمائهم ف خليفة منهم‪ ،‬ميلً إل‬
‫الزهد أو الساواة أو رجوع الدولة إل بعض ماكان ف عصرها الراشدي خرجت عبارتم الشهية‪ ..‬اتريدها عمرية؟‪.‬‬
‫لكن أسبابا لسنا بصددها هنا استدارت باللف العمري الموي إل ثنائية اللف العمري والعلوي‪ .‬فخرج‬
‫المويون من هذا الصراع بهارة عالية وساعدهم على النجاح تيار القطيعة الذي استجمع الوصاف والحداث‬
‫والسالك الموية ونسبها إل عمر‪ ،‬فأصبح ابن الطاب أمويا بفهوم أهل القطيعة وباجتلب المويي لسه‬
‫يصنون به دولتهم من الطعون‪ .‬ونسبتها إل عمر بن الطاب لترسيس طعنه باحتضان القادة المويي وهو‬
‫مايتمناه الخرون من سعيهم الذي ل ينقطع إل يومنا هذا‪ ،‬باجتلب تاريخ عمر وسيته إل جانب دولتهم‬
‫يصنون به سيتم من طعون الفقهاء وتيارات العارضة عند الشيعة والوارج وسواها‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫سـياسة التعيينات‪:‬‬
‫وف تليل سـياسة التعيينات‪ ،‬استخدم عمر أسلوب البيد ف مراقبة الولة‪ ,‬إذ يكلف رجلً بالسـي ف أحياء‬
‫الولية‪ ،‬مُناديا أنّ من له بريد إل الليفة فعليه أن يسلمه إليه‪ ،‬وهذا يمله بدوره إل عمر متوما ل يطلع عليه أمراء‬
‫الولية ول عاملها‪ ،‬فيعرف عمر ماذا يري ف المصار يوما بيوم‪.‬‬
‫وهذه الطريقة بصطلحنا الاضر‪ ،‬تمل طابعا إستخباريا اعتدنا أن نسميه التقرير الزب‪ .‬والرسالة ف لغة‬
‫السلمي سوى أنّ عمر بن الطاب جعل الستخبارات علنّيةً وليست سرّية‪ .‬حت ل يكيد الناس لبعضهم ويتحولوا إل‬
‫جواسيس ولعل هذا هو الفارق بي الستخبارات العمرية وبي مفهوم التجسس‪.‬‬
‫اعتاد عمر أن يقرأ البيد وحده وييب على مُرسليه باستحضار الوال أو بإرسال مثله الشخصي الذي هو ف‬
‫العادة الصحاب ممد بن مسلمة النصاري‪ ،‬والذي كان يتمتع بصلحيات التحقيق مع العمال واعتقالم وتريهم‪،‬‬
‫ويعتب قراره نائيا على الغلب‪.‬‬
‫كان عمر يدعم جهاز الولية بصحاب ٍة من الرعيل الول ومن هم ف مدارج اليان أعلى درجة من أمي الولية‬
‫وبعض قادتا‪.‬‬
‫بعد أن أخفقت تربته الول بتعيي هؤلء الصحابة ولةً‪ ،‬كسلمان الفارسي ف الدائن‪ ،‬وبلل ف بعض وليات‬
‫الشام‪ ،‬اكتشف أن العلى ف درجة اليان والقدم ف السلم‪ ،‬قد ل يكون هو القدر على إدارة الزمات وتصريفها‬
‫ف فترة التأسيس الول للدولة‪ ،‬والعرب مازالت على لقاحيتها تنفر من الذعان للسلطة الركزية‪ ،‬فكيف وهي سلطة‬
‫عمر الصارمة إزاء الختللت الجتماعية؟ ما دعاه إل اختيار أسلوب إداري آخر يقضي بالتفريق بي درجة اليان‬
‫ودرجة الكفاءة والهلية‪ ،‬ففضّل من نسميهم اليوم بالتكنوقراط وحي ينفّذ هذه الفكرة فسيكون رجال قريش عمالً‬
‫وأمراء وقادة إداريي ف الرتبة العليا‪.‬‬
‫وف إحدى الروايات أن عمر بن الطاب استقبل سيد بن كلب امرؤ القيس بن عدي بن أوس‪ ،‬وكان ل يزال‬
‫على نصرانيته وبضور المام علي بن أب طالب وولديه السن والسي‪ ،‬حيث أعلن إسلمه‪ ،‬فلم يتردد عمر كما‬
‫تقول بنت الشاطىء ف كتابا (سكينة بنت السي) أن يعقد له اللواء على من أسلم من قضاعة بالشام ودعا عمر‬
‫برمح وقلّده إياه‪ ،‬وليس للرجل سابقة ف السلم لكن له سابقة ف الزعامة والدارة والسمعة الطيبة‪.‬ومن‬

‫‪32‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫الصادفات ف ذلك اللقاء أن امرأ القيس بن عدي قد زوّج ثلثا من بناته لكلٍ من المام علي والمام السن‬
‫والمام السي‪ ،‬وكانت بنته الرباب من نصيب المام الُسي‪ ،‬وهي الت أنبت له سُكينة‪.‬‬
‫أشرنا أن عمر كان يكلف ف مثل هذه الالة صحابةً من الرعيل الول ليكونوا مراقبي‪ ،‬فاختار مثلً عبد ال بن‬
‫مسعود للقضاء وبيت الال ف الكوفة وعثمان بن حنيف على سَقي الفرات‪ ،‬وعمار بن ياسر على الصلة وأرزاق‬
‫الند‪ .‬وكان عبد ال بن مسعود حرفيا‪ ،‬يتصرف مع سياسة النفاق من بيت الال‪ ،‬وكأنه مدير مكتب للمحاسبة‬
‫القانونية ف وول ستريت‪ ،‬فل يتساهل بدينارٍ‪ ،‬وقد ترتف يداه وهو يأخذ من بيت الال ليوزعه خشية أن يذهب الال‬
‫إل غي مستحقيه‪ .‬ولو كنا نصنع مصطلحنا‪ ،‬وننتج لغتنا ول نستعي النتوج اللغوي والصطلحي من صانعيه‬
‫الوربيي‪ ،‬لكان مصطلح السعودية كافيا للدللة على ما يعنيه مصطلح الحاسبة القانونية‪.‬‬
‫وف أكثر من مرة كلّف عمر بلل البشي للتحقيق مع العمال والولة وشلت واحدة من تلك الهمات التحقيق‬
‫مع خالد بن الوليد لنحه الشعث بن قيس عشرة آلف دينار‪ ،‬فوضع عمر له سيناريو التحقيق بأن ينع بلل قلنسوة‬
‫خالد ويربط با يديه إل اللف‪ ،‬بضور أب عبيدة بن الراح‪ ،‬فاستسلم من ل يستسلم للباطرة فحن رأسه لتكون‬
‫العمامة بي يدي بلل وأرسل يديه إل الوراء ليشدها با إل بعض‪ .‬يقول الؤرخون السلميون والفقهاء والدعاة من‬
‫بعدهم إن مبادىء السلم هي الت أذعن لا خالد بن الوليد وهذا صحيح‪ ،‬فما ينع من أن يكون إل جانب هذه‬
‫البادىء سببٌ أخر أو عامل آخر يُدعى عمر بن الطاب‪ .‬لن أشك أن يدث هذا الذي حصل لالد مع رج ٍل غي‬
‫عمر ل قبله ول بعده إل ف استثناءات ل يكن التهم هو خالد ول الحقق هو بلل‪ .‬أقول‪ ....‬هل كان خالد بن الوليد‬
‫سيذعن لمر بلل‪ ،‬لو كان أبو ذر بد ًل من عمر ودرجة إيان أبو ذر وأسلوبه ل تقاسان بالقاسات التقليدية؟‪.‬‬
‫هل كان غي عمر قادرا أن يقاضي شرحبيل بن حسنة ويسحبه إل الدينة‪ ،‬ويضع سعد بن أب وقّاص موضع‬
‫التهم فيحقق معه ممد بن مسلمة؟‪.‬‬
‫كانت لعمر ف سياسة التعيينات جرأتان وسابقتان وقوتان‪:‬‬
‫جرأته ف تكليف رجال قريش السابقي ورجال مكة شديدي الِراس‪ ،‬وبعضهم من أسلم قبيل الفتح قليلً أو بعده‬
‫ليعودوا من قادة ف معسكر قريش إل قادة ف دولة السلم‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫وجرأته الثانية ف الحاسبة والكافأة واستبدال الولة والعمال بسهولةٍ ويسر‪ .‬ويسرد أكثر من راوٍ بأن أبا بكر‬
‫س ّن أول ماولت الفادة من خبة قريش ولكنه ل ينع نزعة عمر ف شدة الحاسبة والرقابة والقالة‪ ،‬وإن كان شديدا‬
‫على أهل الردة وحازما‪.‬‬
‫ويتمتع عامل البيد باستقلل إداري ول يرتبط إلّ بالليفة‪ ،‬وكانت قرارات عمر تشمل العاملي ف إدارة الولية‬
‫من الاشية ليس صعودا إل الوال بل بدًأ منه وبه‪ .‬إن الولة الذين أطيح بم هم من ذروة قريش أو من قادة‬
‫الفتوحات ومن مصّروا المصار ووسعوا دار السلم‪ .‬وعمر يعلن بعد عزل الوال عن سبب عزلِه حت ل تُنسج عنه‬
‫الروايات‪ ،‬وكان يقول ف عزل سعد بن أب وقاص إنه ل يعزله عن سخطةٍ‪.‬‬
‫وكان يكرر أن من الي له أن يعزل كل يوم واليا من أن يبقي ظالا ساعة نار‪ .‬وبالغ عمر ف تطبيق هذا البدأ‪،‬‬
‫فعزل ولة لسباب طفيفة كأن ل يرج لزيارة مريض وإسعاف ضعيف‪ ،‬أو يتجب الوال ف مكتبه‪ ،‬وكان أكثر ما‬
‫يغضبه خبٌ ينم عن نيّة لنظام الجابة‪ ،‬فيتحسس من وضع البواب الكبية ف بيوت الولة والمراء وُيعَ ّد ذلك‬
‫تأسيسا لنظام القِلع والقصور المبطورية‪ .‬وقد أرسل مبعوثه الشخصي ممد بن مسلمة النصاري‪ ،‬ومعه قادحة‬
‫النار لرق البواب الت قيل لعمر إن واليه ســعد بن أب وقّاص قد أقامها على بيتٍ بناه بعد فتح فارس‪،‬‬
‫وسُــمي بقـصر سَـ َعدْ وجرى بي البعوث الشـخصي وسعد حوار‪ .‬وعزل عامله على ميسان (العمارة) النعمان‬
‫بن عدي‪ .‬يقول علي ممد بن الصلب ف كتابه عمر بن الطاب‪ :‬إن عمر عيّن النعمان بن عدي أميا على ميسان‪،‬‬
‫وهي مدينة العمارة العراقية‪ .‬فذهب إليها وامتنعت زوجته أن ترافقه‪ ،‬فأراد أن يبعث ف نفسها الرغبة ف صحبته ما‬
‫يعرف عن غية النساء‪ ،‬فكتب إليها أبياتا من فضل القول ل تثل حقيقةً ف كثيٍ وقليلٍ‬
‫بيسان يُسقى ف زجاجٍ وحنتمِ‬ ‫فمن مُبلغ السناء أن حليلها‬
‫سمِ‬
‫وصناجـةٌ تدو على كل ميَ ْ‬ ‫إذا شئتُ غنّتن دهاقيُ قري ٍة‬
‫تنادُمنـا ف الوسـق التهدمِ‬ ‫لعّـل أمي الؤمني يسـؤوُ ُه‬
‫فلما سعها عمر عزله‪.‬‬
‫الستبطان العمري وتوزيع السؤوليات‪:‬‬

‫‪34‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫وُهبَ عمر القدرة على معرفة الرجال وقراءة نفسياتم‪،‬با كان يسمى آنذاك بالستبطان‪ .‬وشي ٌء من الارمون‬
‫ل فيهم كان ل‬
‫الجتماعي والتجانس ف الركة والداء يربط أهل الدارة ببعضهم وبعمر‪ ،‬ول ينفي ذلك أنّ رج ً‬
‫يرتاح للخر‪ ،‬وأن بي هذا وذاك ما ينغّص تلك العلقة‪ ،‬فإذا اختلف اثنان أو فريقان استحال اللف بضور عمر إل‬
‫وفاق‪ .‬وف عمر روح جامعة وهَبهَا ال لناسٍ معدودين وإلّ كيف اتفق رجاله مع بعضهم فتفرقوا ف غيابه؟‪.‬‬
‫أمامي قائمة برجال الدارة والقضاء وضع عمر كل واحدٍ منهم ف موضعه الدقيق وصُولً إل تقيق التجانس‬
‫ببدأ التوازن‪.‬‬
‫إن مبدأ التجانس بالتوازن مأخوذٌ به ف عصرنا هذا‪ ،‬فالتاد ل يعن اتادَ التجانسي وفقَ أحادية النس والعُنصر‬
‫والدين والذهب والطبقة ومثل هذه الحادية نادرة الوجود ف معظم الجتمعات البشرية والطريق إل تانس الختلفي‬
‫هو ف تشكيل إداري متوازن بالقدر واللوان‪.‬‬
‫ولذا اختار عمر عبد ال بن مسعود لقضاء الكوفة وبيت الال وعمار بن ياسر لصلةِ الكوفة وسلمان بن ربيعة‬
‫لقضاء البصرة وقيس بن أب العاص القريشي لقضاء مصر ونافع الزاعي لولية مكة ويُعلى بن أمية لولية صنعاء‬
‫وسفيان بن عبد ال الثقفي لولية الطائف وأبو موسى الشعري اليمن لولية البصر ِة وأبقى زيد بن ثابت قاضيا على‬
‫الدينة‪.‬‬
‫أمّا رؤساء أركان اليوش وقادة الفيالق واللوية فهم طراز آخر ل يأخذ فيه ببدأ التوازن ولا عُرفت قريش‬
‫بقدرتا العسكرية الدارية كان نصيبها كبيا وإن ل يكن غالبا‪.‬‬
‫فكان من قادته خالد بن الوليد قبل عزله وعبيدة بن الراح ويزيد بن أب سفيان والنعمان بن الُقرن والثن بن‬
‫حارثة وشرحبيل بن حسنة‪ .‬ولن هؤلء عسكريون أقحاح وهو يدرك أن علقة العسكري بقواني الفكر والفقه‬
‫وعلوم التفسي والديث هي ف مرتبة أدن ما اعتن به فقهاءٌ ودعاةٌ دأب عمر على إرسالم مع اليوش فتشكلت ما‬
‫يسمى الن مؤسسة التوجيه العنوي‪.‬‬
‫وكان يستبطن أصحابه فإذا اكتشف ف أحدهم جانبا خاصا به ذخره لهمة ستأت وكان قد عرف ف بعضهم قوة‬
‫الضور الشخصي وقوة الجة ف الوار آخذا بعي العتبار أن ل يكون الوفودون إل ماورة اللوك والقادة الجانب‬
‫من ذوي الصول التواضعة ‪،‬فكأنه يعال النوع بنوعه النظي الطبقي بنظيه الجتماعي من يسمون عند العرب بأهل‬

‫‪35‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫الحساب فشكّل وفده لناظرة ملك الفرس من النعمان بن القرن وبسر بن أب رُهم الهن وحنظلة بن الربيع التميمي‬
‫والفرات بن حيان العجلي وعدي بن سهيل والغية بن زرارة‪.‬‬
‫الستفادة من الباء‬
‫كتب عمر إل أمراء اليش ف العراق أن يستفيدوا من خبة العسكريي القُدماء ف اليش الساسان وإن كانوا‬
‫على دين الجوسية لنم متدربون وخباء ف الشأن العسكري والجتماعي‪ ،‬وكان بعض هؤلء العسكريي‪ ،‬إن ل يكن‬
‫معظمهم‪ ،‬ملصي ف نصائحهم‪ ،‬فساعدت خبتم قادة اليش السلمي على رسم الطط العسكرية ف ضوء الرائط‬
‫والعلومات والساليب الفنية الت يتزنا العسكريون الفُرس‪.‬‬
‫إنّ رغبة عمر ف الحتفاظ بالباء الفرس قد تدعم ظننا أنه ل يكن ف أعماقه راغبا ف قتل الُرمزان وقد يكون‬
‫فكّر ف الستفادة من خبته الكبية ف شؤون فارس فقبل إسلمه‪ ،‬وهو أدرى أن النطق بالشهادتي يعل الرء مسلما‬
‫ول يعله ف الال مؤمنا‪.‬‬
‫لنعتمد ف هذا الستنتاج على أن من يأمر بالستفادة من العسكريي الصغار بسبب خبتم فما الذي ينعه من أن‬
‫يستفيد من خبة الكبار؟‪.‬‬
‫ف هذا السياق نضع رغبة عمر ف الستفادة من قادة عسكريي شاركوا ف تزعم حركة الردّة ف خلفة أب بكر‪ ،‬ول‬
‫يُوافق الليفة آنذاك رغم إعلن توبتهم على إرسالم ف الهاد أو تعيينهم براتب عليا‪ .‬فرأى عمر غي ذلك وأرسلهم إل‬
‫الثغور حيث كشفوا عن مهارات قيادية عالية ساعدت ف فتح بلد فارس‪ ،‬ومن هؤلء طليحة السدي وعمرو بن معدي‬
‫يكرب‪.‬‬
‫إلزام الوال بالكشف عن أمواله‪:‬‬
‫تنفرد النظمة الدستورية الديثة بالزام رئيس الوزراء النتخب والوزير عند تعيينه‪ ،‬وعلى رؤساء البنوك الركزية‬
‫والحافظي وشاغلي الدرجات الاصة الكشف عن حساباتم قبل توليهم السؤولية لقياس نو ثروته بعد التولية وقياس‬
‫أمانته با‪.‬‬
‫وكان عمر ف مطلع التاريخ الجري‪ ،‬قد سبق الدستوريي العاصرين بإخضاع الولة والقادة والمراء بالعلن‬
‫عن حيازتم من الموال السائلة والموال الامدة‪ .‬وعمر يراقب نو هذه الموال‪.‬فيستدعي من يرتفع عنده الرقم‬
‫‪36‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫على العدل العقول‪ ،‬ويشاطره نصف أمواله‪ .‬أو أن يرسل مندوبه الشخصي‪ ،‬مراقب السابات العام ممد بن سلمة‬
‫النصاري‪ ،‬إل مراكز الوليات فيعقد مع الوال جلسة للتحقيق ف أمانته‪ .‬وينع نصف ماله إذا كان النمو غي طبيعي‪.‬‬
‫وكان من شله التحقيق وقرار الناصفة أبو هريرة وعمرو بن العاص وآخرون‪.‬‬
‫ينع دخول الولة والمراء ليلً‬
‫وكما قيّد عمر حركة الصحابة الوائل ومنعهم من السفر‪ ،‬منع دخول العمال والمراء والقادة إل الدينة ليلً‬
‫قافلي من المصار‪ ،‬واوجب عليهم وعلى رواحلهم الناقلة أن تدخل نارا حت يتسن لعامة أهل الدينة أن يروا ما‬
‫تمله وتنقله رواحلهم من متاع وأموال‪ ،‬فإذا عثروا على ما يزيد عن العقول أحالوا القادم إل الساءلة وقد تصادر‬
‫الزيادات أو يشاطرها الليفة ف نصفها إل بيت الال‪.‬‬
‫ولا ل تكن البنوك والسابات السرية معروفة‪ ،‬وعيون الليفة تراقب حركة الوال ف سكنه ولباسه وخيوله وهو‬
‫ف الارج‪ ،‬فليس لن يور على بيت الال أو يكسب بطرق غي شرعية إل أن يمل موجوداته إل الدينة‪،‬فيلقي عمر‬
‫القبض عليهم وهم ف الرم الشهود‪.‬‬
‫وتسمى هذه الالة ف أيامنا بالرقابة الشعبية على السلطة ول يؤخذ بذا السلوب ف خلفة عثمان‪.‬‬
‫يول الوال إل راعي غنم‪:‬‬
‫كان عمر يعال الولة بإدخالم ف ميدان العمل‪ ،‬مثلما فعل الصينيون مع آخر إمباطور قبل ناح ثورة ماوتسي‬
‫يونغ‪ ،‬عندما عينوه بستانيا ف حديقة عامة‪ .‬فقد بلغه أن عياض بن غان واليه على إحدى مدن الشام قد اتذ لنفسه‬
‫زمرة من الصدقاء يسامرونه ويسهرون عنده‪ ،‬وقيل إن هذا الوال قد أخذه ترف القصور وجعل لنفسه ولزمرته‬
‫حامات خاصة‪ ،‬فاستدعاه إل الدينة وتركه ينتظر ثلثة أيام ث أذن له بالدخول‪ ،‬وكان قد أحضر له جبّة صوف ما‬
‫يرتديه الرعاة وعصا وثلثائة شاة من أموال الصدقة‪ ،‬وطلب إليه أن يرعى با ف الباري وليسمنها‪ ،‬وتركه هكذا‬
‫ثلثة شهور ث استدعاه وأعاده إل عمله‪.‬‬
‫جرى ذلك وعياض ينفذ أمر عمر صامتا‪ ،‬ولعله فهم أن العناية بأغنام السلمي هي أكثر أجرا وأسلم له من رعاية‬
‫زمرة من الترفي‪.‬‬
‫نظرية منع التراكم‬
‫‪37‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫عمر مستعجل فالحداث أسرعت ف زمنه‪ ،‬وأسرع الزمن‪ ،‬وتراكضت اليول‪ ،‬وعابرات اليوش تطوي‬
‫السافات والعارك الكبى تسم بأيام‪ ،‬والقادسية الت ل يكن لا نظي ل تدم أكثر من ثلثة أيام‪.‬‬
‫فكيف ل يستعجل الرجل وهو أروح القدمي ومن طبيعة الروح أن يُغذّ السي بطوات أسرع وأقوى من رجل‬
‫بقدمي عاديتي‪.‬‬
‫وكان على مبدأ (تنظيف يومه من أزماته) فل يدع لزمة أو ثروة أو ظلم فرصة للتراكم‪ .‬فيطفئ قدحة الفتنة‬
‫ونفوذ التنفذ وبارقة الظال‪ .‬فل تبيت شكوى من فساد ليلتها تت مدته وليؤجل مالفة يأت با البيد‪ ،‬صغر الشتكى‬
‫عليه أم كب‪ ،‬صغرت الشكوى أم كبت‪ .‬وهو يعال الفوة بالدرة‪ ،‬والطيئة بلسة قضاء على قارعة الطريق‪ ،‬وإن‬
‫كان التهم صحابيا كبيا‪ .‬فقضى بسياسة عدم التراكم على الفساد‪ .‬الذي تراكم بعده ول يستطع الليفة من إطفائه‪.‬‬
‫ول يذكر عنه أنه توسّد حصية‪ ،‬وافترش رملته وأخذه النوم‪ ،‬وبانبه أزمة ساهرة‪.‬‬
‫وتتمع عنده السرعة وروح العدل‪ ،‬فكان القضاء عنده سريعا وعادلً‪ ،‬ورفع عدل عمر خراج العراق إل مائة‬
‫مليون درهم وانزله ظلم الجاج إل ثانية عشرة مليونا‪.‬‬
‫إن النظام الذي أقامه عمر بن الطاب‪ ،‬كما يقول طه حسي ف "الفتنة الكبى" ل يكن مستلهما من أمة أخرى‪.‬‬
‫ل يكن نظام الكم السلمي ف ذلك العهد نظام حكم مطلقا ولنظاما ديقراطيا على نو ما عرف اليونان ولنظاما‬
‫ملكيا أو جهوريا أو قيصريا مقيدا على نو ما عرف الرومان وإنا كان نظاما عربيا خالصا‪ ،‬بيّّن السلم له حدوده‬
‫العامة من جهة وحاول السلمون أن يلئوا ما بي هذه الدود من جهة أخرى‪.‬‬
‫وليتج أحد بشدة عمر‪ ،‬فالرجل بالتأكيد كان شديدا لكنه ل يكن عنيفا‪ .‬وكان لينا ول يكن ضعيفا‪.‬‬
‫عمر والعارضة السياسية‪:‬‬
‫تتقلص الروايات وتشح العلومات الاصة بنشاط سياسي معارض لعمر بن الطاب ف وليته‪ ،‬لكن ذلك ل ينفي‬
‫وجودها‪ ،‬وقد تكون صامتة أو أن ردّ الفعل عليها كان صامتا‪ .‬فلم يكن لتلك العارضة شعراء ناطقون بلسانا حت‬
‫تسمع أصواتم‪ ،‬ول يكن لعمر جهاز قمع مزود بسلسل الديد حت يسمع صريرها‪ ،‬ول يتأسس سجن سياسي بعد‪،‬‬
‫ول تتشكل أجهزة الشرطة التقليدية‪ ،‬لكنه كان يتلك آلية استخبارية تعرف ماذا ف حامات المراء والولة‪ ،‬وهذه‬
‫أول دولة ف التاريخ توجه نشاطها المن نو إدارتا الرسية ومقاماتا العليا‪ ،‬وليس لا عيون على الناس ول نسمع عن‬

‫‪38‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫جلسات تقيق وماكمة‪ ،‬أبطالا من عامة الناس بل كانت مثل هذه اللسات تعقد لحاكمة قادة من طراز خالد بن‬
‫الوليد وسعد بن أب وقاص والغية بن شعبة وعمرو بن العاص وأب موسى الشعري وأب هريرة الدوسي‪.‬‬
‫لبد أن زعماء قريش وأصحاب الصال الذين رأوا عطاء العبيد السابقي ف السلم أكثر من عطائهم وجدوا فيه‬
‫إخلل ف القانون الجتماعي الذي نشأوا عليه‪.‬‬
‫وكانت بعض فروع قريش لسيما المويي غي مرتاحة لسياسة عمر الالية والدارية‪ ،‬ول نقرأ ف الصادر أن‬
‫للمام علي بن أب طالب الذي وضعه الوروث الذهب غريا وخصما ف جدول الصراع مع عمر‪ ،‬رسالة احتجاج ضد‬
‫تلك السياسة‪.‬‬
‫يقول هاشم معروف السن وهو مؤرخ شيعي معاصر ف كتابه سية الئمة الثن عشر‪:‬‬
‫" إن أحدا من الؤرخي ل ينقل عن المام علي أنه وقف موقف العارض للفة بن الطاب وبدا منه ما يسيء إل‬
‫صلته به‪ ،‬بل رضي لنفسه أن يكون كغيه من الناس‪ ،‬ول ينطق إل بلسان البرة الطهار بنحه النصيحة ويزوده‬
‫برأيه‪ ،‬كلما أشكل عليه أمر من المور "‪ .‬وكانت قريش والتنفذون منها هم الذين ينادونه فيما بينهم بابن حنتمة أو‬
‫العيسر ويعيبون عليه لبس القطوانية وهي عباءة يصنعها الكوفيون‪ ،‬ول ينقل الؤرخون عن المام علي أنه تاوش‬
‫الكلم مع عمر‪ ،‬أو تساجل معه كما يتساجل العارضون‪.‬‬
‫منا شـي عمرية ضد أمراء الدولة‪:‬‬
‫ل يكتف عمر باستخدام مبدأ الكفاءة والستفادة من أصحاب البة وإن ل يكونوا من الهاجرين الولي بإصدار‬
‫مراسيم التعيي وترك حبالم على غواربم‪.‬‬
‫ففي مراسلته إليهم وهم قادة ف الثغور أو ولة ف المصار يظهر عمر صرامة إذا ما وجد بعضهم ميلً عن نجه‬
‫السياسي‪.‬‬
‫فإذا كان القائد من طراز عمرو بن العاص وخالد بن الوليد ردوا عليه با يفظ لم ارستقراطيتهم ودينهم‪.‬‬
‫فيكتب إليه عمرو‪ :‬أما بعد‪ ،‬فأما ما ظهر ل من مال‪ ،‬فإنا قدمنا بلدا رخيصة السعار‪ ،‬كثية الغزو‪ ،‬فجعلنا ما‬
‫أصبنا ف الفضول الت اتصل بأمي الؤمني نبؤها‪ ،‬ووال لو كانت خيانتك حل ًل ما خنتك‪ ،‬وقد ائتمنتن‪ ،‬فإن لنا‬

‫‪39‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫أحسابا إذا رجعنا إليها أغنتنا عن خيانتك‪ .‬وذكرت أن عندك من الهاجرين الولي من هو خي منّا‪ ،‬فإذا كان ذاك فو‬
‫ال ما دققت لك يا أمي الؤمني بابا‪ ،‬ول فتحت لك قفلً‪.‬‬
‫فكتب إليه عمر‪ :‬أما بعد‪ ،‬فإن لست من تسطيك الكتاب وتشقيقك الكلم ف شيء ولكنكم معشر المراء‬
‫قعدت على عيون الموال‪ ،‬ولن تعدموا عذرا‪ ،‬وإنا تأكلون النار‪ ،‬وتتعجلون العار‪ ،‬وقد وجهت إليك ممد بن مسلمة‪،‬‬
‫فسلم إليه شطر مالك‪.‬‬
‫فلما قدم ممد صنع له عمرو طعاما ودعاه فلم يأكل‪ ،‬وقال‪ :‬هذه تقدمة الشر‪ ،‬ولو جئتن بطعام الضيف لكلت‪،‬‬
‫ح عن طعامك‪ ،‬وأحضر ل مالك‪ ،‬فأحضره‪ ،‬فأخذ شطره‪ .‬فلما رأى عمرو كثرة ما اخذ منه‪ ،‬قال‪ :‬لعن ال زمانا‬
‫فن ّ‬
‫صرت فيه عاملً لعمر‪ ،‬وال لقد رأيت عمر وأباه على كل واحد منهما عباءة قطوانية لتاوز مأبض ركبتيه‪ ،‬وعلى‬
‫عنقه حزمة حطب‪ ،‬والعاص بن وائل ف مزررات الديباج‪ .‬فقال ممد‪ :‬أيها عنك ياعمرو!‪ .‬فعمر وال خي منك‪ ،‬وأما‬
‫أبوك وأبوه فإنما ف النار‪ ،‬ولول السلم للفيت معتلقا شاة‪ ،‬يسرك غزرها‪ ،‬ويسوءك بكؤها‪ .‬قال‪ :‬صدقت فاكتم‬
‫علي‪ ،‬قال‪ :‬أفعل‪.‬‬
‫مظاهرة على بابه!‬
‫يكن أن تكون أول مظاهرة سياسية ف تاريخ العرب وبعناها الديث قد اجتمعت بباب عمر قادمة من أحياء‬
‫العرب‪ ،‬احتجاجا على شدته‪ ،‬لكن الظاهرة انقسمت إزاء هذا الشعار‪ ،‬فرأى بعضهم ف هذه الشدة حزما يثي‬
‫العجاب‪ ،‬وأصل خروج الظاهرة العفوية يرتبط برد فعل شعب ضد موقف عمر من جبلة بن اليهم‪ ،‬وهو من ملوك‬
‫بن غسان ف الشام أسلم بعد أن رأى مصي هرقل فتوجه إل الدينة مع (‪ )500‬من أهل بيته‪ ،‬واعد له عمر استقبالً‬
‫ل مع ما تعارفت عليه نفسه وهو‬
‫شعبيا كان الول ف تاريخ الدينة والول ف تاريخ عمر خروجا على عادته وتساه ً‬
‫العروف بكراهة الظاهرة والهرجانات ورؤية اللوك على خيول مطهمة معقودة الذناب‪ ،‬وتاج بن اليهم يأخذ بأبصار‬
‫الناس فتنبهر الدينة وعمر صامد حابس لشاعره‪ ،‬خاضع لول مرة لرسوم الستقبال اللكي‪ ،‬مقدرا أن ضيفه مازال‬
‫طري النتساب للسلم‪ ،‬تليد النتساب إل طقوس اللكية‪.‬‬
‫ولشك أن مقبض الدرة قد ترطب بعرق يده‪ .‬وقد يكون تذكر لظتها مشهد أمراء الشام يزيد بن أب سفيان‬
‫وخالد بن الوليد على خيولم فحصبهم بالجارة‪ ،‬وهم بلشك أعلى مقاما عنده من جبلة‪ .‬كان عمر يراقب هذا‬

‫‪40‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫اللك كيف يرج ويتبختر؟‪ .‬ويتحدث من زاوية الفم أو بأطراف النف‪ ،‬فدعاه إل زيارة الكعبة وأظن أن عمر أعد‬
‫سيناريو الزيارة مسبقا‪ ،‬وإذ ها يطوفان بالبيت الرام وطيء أزار اللك رجل من بن فزارة‪ ،‬فضرب وهو يقيل عثرته‪،‬‬
‫وجهَ الفِزاري بكفه فشكا الرجل إل عمر‪ ،‬فعقد كعادته جلسة ماكمة للملك الزائر الداخل ف السلم حديثا!‪.‬‬
‫قال عمر لبلة‪ :‬عليك أن ترضي الرجل أو أن أقيده منك‪ ،‬فأنكر جبلة ماسع وكيف ذلك وهو سوقة وأنا ملك‬
‫وهنا كان على عمر أن يلقن ضيفه الدرس النسان الول ف نظرية السواء السلمي‪ ..‬وأنت لتفضله بشيء إل‬
‫بالتقوى والعافية‪.‬‬
‫قال جبلة‪ ..‬لقد ظننت يا أمي الؤمني أن أكون ف السلم أعز من ف الاهلية‪.‬‬
‫قال عمر‪ :‬دع عنك هذا‪ ،‬فإنك أم ل ترض الرجل عقدته منك‪ .‬قال جبلة‪ :‬إذن سأعود نصرانياًَ!‪.‬‬
‫فطلب جبلة أن ينتظره هذه الليلة‪ ،‬وتقول الرواية انه خرج ف جنح الظلم متسلل ووصل بلد الروم حيث‬
‫استقبله هرقل وأقطعه ربوعا ملكية شاسعة‪.‬‬
‫ولا علم الناس بأن اللك الغسان فرّ هاربا مرتدا عن السلم حل بعضهم السؤولية على شدة عمر معه‪ ،‬فاصطدم‬
‫التظاهرون أمام بيت الليفة‪ ،‬وكادت أن تصل فتنة‪.‬‬
‫الطبـاق العمري‬
‫حركته تشبه حركة الناس العاديي‪ ،‬ولذا رأى الناس فيه صور ًة منهم‪ ،‬ول يشعر أحد أنه مكوم باكم‪ ،‬فقلص‬
‫السافة بي الاكم والحكوم وهذه سة تلقّاها المام علي مثلما تلقاها عُمر عن النب‪ ،‬تعلُ الاكم مكوما‪ .‬وهو‬
‫مكوم بالنصوص‪ ،‬فعاشَ سنوات حكمه العشر وكأنه يقود حركة معارضة‪ .‬لحركة سلطة فحسب‪ ،‬وعرض مقطعا‬
‫كما عرض المام علي ف تاريخ السياسة العالية يستحيل فيها رئيس الدولة‪ ،‬زعيما للمعارضة ف آن‪ .‬فياقب سي‬
‫الدارة بعي العارض ويبعث برسائله إل الولة وكأنا مناشي العارضة السرية‪.‬‬
‫وعمر ل يعد نفسه من المراء وأهل السلطان وهو أمي الؤمني‪ ،‬وأغلب الظن أن إضافة المي إل الؤمني‬
‫أخضعت ولو على مستوى الياء النفسي هذا المي إل الؤمني وفقا لنطوق الضاف إليه الذي يعد الالك والضاف‬
‫ملوكا‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ل يصطنع لنفسه طقوسا خاصة‪ ،‬ولعالا يتعرف الناس عليه بهِ‪ ،‬لكنك إذا تابعت تاريه‪ ،‬وحدقت ف حركته‬
‫اليومية‪ ،‬فستشكل أمامك صورة عالٍ خاص‪ ،‬واضح اللمح والسمات‪ ،‬يقوم على العفوية والبساطة وعدم التصنع‬
‫والسهولة‪ ،‬فينعكس هذا على طقوس العبادات عنده ل تَكلف فيها ول اصطناع‪.‬‬
‫كان ينع جلبة الظاهر الدينية‪ ،‬ويقاوم السابقة قبل أن تتفشى‪ ،‬ويأخذ على بعضهم الغُلو ف العبادات‪« ،‬فمن‬
‫أدركته الصلة فليصلِ وإ ّل فليمضِ إل سبيله"‬
‫وينع أن يضفي التقديس على غي الُقدس‪ ،‬والقدس عنده قرآن وسنة ويبقى من هو خارجها خُلوا من القداسةِ‪.‬‬
‫ومع بساطته كان رجل الستراتيجية‪.‬‬
‫ولعمر كاريزما كما نقول ف أيامنا هذه‪ ،‬وأجل ما فيه عندي‪ ،‬أن أراه يُسرع ف أ َم ْر من هامش المور فيندفع‬
‫لظة ث ينسحب قبل مرور اللحظة التالية‪ ،‬فيتأث وهو غي آث‪ ،‬وتتحول حركة خاطفة من درت ِه يعلو با كتف رجلٍ أو‬
‫امرأة إل حركةٍ ضد نفسه‪ ،‬فيطالب الُخفَقي خطأً أن يفقوه‪ ،‬وهو من يارس النقد الذات على نفسهِ برارة‪ ...‬ثكلتكَ‬
‫أمك يا ابن الطاب أأفقه منك امرأة‪ ،‬ثكلتك أمك يا ابن الطاب إن ل تقلها‪ ،‬وأراه لظتها يسارع إل رأس المام‬
‫علي فيقبله ول أقامن ال ف أرضٍ ليس فيها أبو السن‪.‬‬
‫وعمر ليس له باط ٌن وظاهر‪ ،‬وليست له سياستان سرية ومُعلنة‪ ،‬وليست له جلتان واحدة لنفسه وأخرى للناس‪.‬‬
‫ليس لعمر مثنيات‪ ،‬وقد أتاحت له عشر سنوات من اللفة الستقرة تنفيذ البامج السلمية واجبة التنفيذ‬
‫فأطبقت النظرية على الياة‪.‬‬
‫إن مناهج الدعاة قد تغري السامع والقارئ باذبية الرواية‪ ،‬وجال الستشهاد‪ ،‬ما تزهو به النظرية السلمية‪،‬‬
‫فتنسب إل صحاب وخليفة أو تابع وفقيه‪ ،‬وكأنا حسمت بالستشهاد النظري‪ ،‬إشكالً لستشكل‪ ،‬أو اعتراضا لناقد‪.‬‬
‫لكنك وأنت ف الشاهد العمرية‪ ،‬قد تتوقف عن ترتيب الروايات‪ ،‬وصياغة الستشهادات وأمامك حركة الناس تتحد‬
‫بركة القرآن‪ ،‬فتتيسر الستجابة من طرفيها‪...‬استجابة النظرية للحياة‪ ،‬واستجابة الياة للنظرية‪.‬‬
‫وكأنك ترى عقيدة السماء تتمشى فوق أدي الرض‪ ،‬وتر مع الارة‪ .‬أو كأنّ الناس عرجوا إل السماء معلقي‬
‫على تعاليمها‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ف عصره‪ ،‬اختفى اللف البدي الذي كان بي أهل الرض وسكنة السماء!‪ .‬والرض تسمو والسماء تدنو أو‬
‫تتدان‪ ،‬ليولد ما نسميه الطباق العمري‪ .‬وشخصيته مكشوفة حيّ على الصلة‪.‬‬
‫ليكيد والكيد سلوك باطن‪ ،‬ول يبّ ف الس ّر ما ل يبه ف ال َعلَن‪ .‬إذا ضاق بوقف أو مشهد‪ ،‬فهو ليكتم ضيقه‬
‫ول يصب على الخالِف‪.‬‬
‫إن علماء النفس يسمون هذه الشخصية بالنبساطيّة‪.‬‬
‫منبسط النفس مثل الرض الت خرج منها وعاد إليها ل التواء فيها ول زوايا ول يجبَ الرؤية حاجز من‬
‫تضاريس النفس‪ .‬والعي تتد حت الفق‪ ،‬فإذا ارتفعت أخذت من صفاء السماء ف ندٍ والجاز صفاء النفس والرُوح‪.‬‬
‫وأخذ من وضوح الصحراء والسماء وضوح العقيدة وتسهيل الياة للناسِ‪ .‬عاش جاهلية واضحة‪ ،‬وأ َسلَم ف‬
‫ح وكان غادره من‬
‫ح الصُب ُ‬
‫وضح النهار‪ ،‬وهاجر ف وضح الشمس‪ ،‬وحكم ف وضح الشريعة‪ ،‬وغُدرَ به قبل أن يتوض َ‬
‫أهل العُتمة‪.‬‬
‫فتساءل بعد أن استعاد وَعيه‪ :‬أعن مل منكم؟‪.‬‬
‫فذكروا له اسم الغادر‪ .‬والمد ل الذي ل يعل موته على يد رجلٍ سجد ل ولو سجدة‪.‬‬
‫وعُمر ل تقتله العرب‪.‬‬
‫كيف صُيّر الرج ُل زعيم فرقة ورئيس مذهب وعنوانا لطائفة‪ ،‬وهو الذي كان يُنكر على الناس اختصاصهم‬
‫بجالس خشية أن يدعوهم ذلك لن تكون لم آراء متفرقة متباينة تنتهي بالتحزب والنقسام‪.‬‬
‫روى ابن عباس أن عُمر قال لناس من قريش‪ :‬بلغن أنكم تتخذون مالس‪ ،‬ل يلس اثنان معا حت يُقال من‬
‫صحاب ُة فلن؟ من جلساء فلن؟ حت توميت الجالس أي تاشاها الناس‪.‬‬
‫وأ َي ال إن هذا سريعٌ ف دينكم‪ .‬سريع ف شرفكم‪ .‬سريع ف ذات بينكم‪.‬‬
‫ولكأن بن يأت بعدكم‪ ،‬فيقول‪ :‬هذا رأي فلن‪ ،‬قد قسموا السلم أقساما‪ .‬أفيضوا مالسكم بينكم‪ ،‬وتالسوا‬
‫معا‪ ،‬فإنه أدوم للفتكم وأطيب لكم ف الناس‪.‬‬
‫أتُراه أصدر فتوى بتحري العمل السري؟ لعله فعل‪ ،‬ولو أصاخ الناس سعا لفتواه لتجنبوا الكثي من كوارث‬
‫الحزاب والنظمات السرية والساء الستعارة بالباء والبناء زورا وبتانا‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫خل فـة السلم الهلي‬
‫كانت خلفته نزهة ف زورق على بية زرقاء‪ ،‬ل ريح اليمي تزعجها ول الشمول تضربا‪ ،‬فكانت الياة‬
‫والجراءات واليام وحركة التاريخ تسيل بدوء وسلمة وسلسة‪ .‬وبصيغة اسم التفضيل‪ ،‬ستأخذ خلفته منّا أجل‬
‫الفردات فهي‪ :‬أسهل خلفة ف انتقالا إليه من أب بكر وحركة سيها‪ .‬وهي أسلم خلفة فلم تسفك فيها دماء ول‬
‫تواجه احتجاجات‪ ،‬ولعلها الفترة الذهبية الت عزّ تكرارها ف تاريخ اللفة السلمية‪ ،‬كونا جدارا ل يتشقق ونسيجا‬
‫ل يتهلهل‪.‬‬
‫فصارت اللفة الول ف التاريخ العرب الت تلو من التمرد‪ ،‬وانفرد عهد عمر بعدم ظهور معارضة مسلحة أو‬
‫انشقاق‪ ،‬بينما واجه أبو بكر ف أيامه الول عدم مبايعة المام علي وانشقاق الردة وترد القبائل العربية على خلفته‪.‬‬
‫وف خلفة عثمان كان النشقاق اجتماعيا وطبقيا‪ ،‬اتذ صيغة العارضة السياسية والفكرية الت انتهت بالجوم‬
‫على داره وقتله بوحشية‪.‬‬
‫أما المام علي فقد تكالبت على عهده ثلثة انشقاقات كبى‪ ،‬فعالها مرة بالسيف ومرة بالسلم كانشقاق‬
‫أصحاب المل‪ ،‬وانشقاق معاوية‪ ،‬وانشقاق الوارج‪ ،‬لقد شنت على المام علي حرب استناف متعددة البهات‪،‬‬
‫لكنها موحّدة العوامل والسباب‪.‬‬
‫أما عمر بن الطاب فقد حصد ثار السلم الهلي وغنائم الفتوحات ف بلد كسرى وقيصر ورضى الصحابة‪،‬‬
‫فأتيح له أن يقدم أوضح تشكيل لارطة السلم على الرض‪ ،‬لكن رأيا يقول‪ :‬إن العارضة ف زمن عمر كانت‬
‫مؤجلة‪ ،‬فانفجرت ف عهد عثمان‪.‬‬
‫ونقول‪ :‬ان ذلك سيكون صحيحا‪ ،‬لو أن البنية الجتماعية والشخصية لركة العارضة ف عهد عثمان هي نفسها‬
‫الت كانت صامتة ف عهد عمر‪ ،‬ول يظهر ف تاريه الكشوف الزوايا والبعاد‪ ،‬أن القاليم أو العراب‪ ،‬والفقراء‪،‬‬
‫وبعض الصحابة وأبنائهم‪ ،‬قد احتجوا على سياسته‪ ،‬إنا صدرت إشارات عن بعض رجال قريش وقادتا با يعن‬
‫ضيقهم من شدة عمر وجرأته بنعهم من السفر ومساواتم بن كانوا من عبيدهم ومواليهم‪ ،‬وهذا التاه وجد انفراجا‬
‫لزمته ف عهد عثمان‪.‬‬
‫مفهوم جديد للدولة ونظام سياسي خاص‬

‫‪44‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫إنه بالتأكيد نظام غي مسبوق كما يقول طه حسي‪ ،‬فل يشبه أنظمة الرومان واليونان‪ ،‬ول يتصل بشكل النظمة‬
‫العاصرة‪.‬‬
‫ل يكونوا يعرفون ما اصطلح عليه اليوم بالنظام الديقراطي‪ ،‬لكن جوانب كثية منه تقوم على ما قامت عليه‬
‫أساليب الكم الديقراطي‪.‬‬
‫ول يكن الؤسسون‪ ،‬قد تعرفوا على مشكلت النظام البيوقراطي‪ ،‬عندما عزفوا عن البيوقراطية‪ .‬وسارت‬
‫العلقة بي السلطة والجتمع على شيء من التواحد من جهة واختزال الوسائل ف الخاطبات من جهة‪.‬‬
‫كان النظام السلمي يمل نزعات اشتراكية واضحة وهو يأخذ باقتصاد السوق‪ ،‬ول يعرف تديد اللكيات وبالكثي‬
‫ما عرف ف النظام الرأسال لحقا بنظام الضرائب على الدخل‪ .‬ولكن اقتصاديات الرض مزيج من النص والبداع والتأثر‬
‫بالتجارب القدية للمباطوريات الفتوحة‪.‬‬
‫وطبيعي أل يعرف عصر أب بكر التوزع السياسي بي السلطة والعارضة ول أن يعرف الناس آلية العمل عندما‬
‫يكونون معارضي‪ ،‬فكانوا يلجأون إل آلية السلح‪ ،‬قبل أن تظهر المعيات الباطنية والفرق السرية‪ ،‬وكانت هذه‬
‫بشكل عام تنتهي بمل السلح ضد السلطة تعبيا عن رفضها النضواء ف النظام السياسي القائم عندئذ‪ ،‬ويكن أن‬
‫يسجل للتشيع ف أصله المامي الوسع ذ أن المامية اتهت بعد مقتل المام السي إل نبذ العنف الثوري‪ ،‬واعتماد‬
‫أساليب تربوية وثقافية وإعلمية ف نشر أفكار مدرسة أهل البيت‪.‬‬
‫ول يتزعم أي إمام بعد السي‪ ،‬حركة مسلحة أو يقف وراءها‪ ،‬واستقل الفرع الزيدي بزعامة زيد بن علي بن‬
‫السي بالعمل السلح والثورات الشعبية السلحة عند الشيعة‪.‬‬
‫ف العصر السلمي الول يتحول الصحاب الكبي والرجل البسيط والرأة العادية إل معارض ف ملس الليفة‬
‫ضد قرار أو رأي يصدر عنه‪ ،‬فإذا تطابق رأي العترض مع النص‪ ،‬أخذ به وتنازل الليفة عن قراره أو رأيه ف ذات‬
‫اللحظة‪.‬‬
‫لكن عمر بن الطاب كان يعترض على قرارات وإجراءات معمول با ف زمن سابق لزمنه‪ ،‬وقد يتوقف عن‬
‫الخذ با صدر عن أب بكر ذاته‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ســيا سـته القُرشـــية‬
‫السيادة منوعة اللقيم‬

‫‪46‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫عمـر وعثـــمان‬
‫ها ف النهج السلفي واحد‪ ،‬وعند منهج القطيعة الشيعي واحد‪ .‬لكنهما متلفان ف مناهج التحليل العلمي‬
‫الستقل‪.‬‬
‫ل أظن عثمان بن عفان مرّ بأيام الفتوة ول مرت عليه فترة الصبا‪ ،‬على مافيه من جاه ووسامة‪ ،‬ووجاهة الثراء‬
‫والنتساب الرستقراطي‪،‬وكان وزنه الجتماعي أرزن من أقرانه‪ ،‬وشخصيته أقرب إل مسالك الشيوخ‪ ،‬فأضفى عليه‬
‫ذلك هالة من الوقار ف سن مبكرة‪.‬‬
‫وبالقارنة مع شخصية عمر ستبدو جليا حيوية عمر الت رافقته إل فجر اغتياله‪ .‬كان عمر واحدا من أبناء البية‬
‫مشربا بتقاليدها‪ ،‬وحياته متصلة بياة الناس البسطاء‪ .‬وهم يعيشون على سطح طبقي واحد‪ ،‬وحركته تشبه حركة‬
‫الناس العاديي‪ ،‬وحركة عثمان تشبه حركة أبناء المراء‪ ،‬فرأى الناس ف عمر بعد استخلفه صورة منهم‪ ،‬وقد قلص‬
‫عمر الساحة بينه وبي الناس‪ ،‬ول يكن سهلً على عثمان أن يترسم خطى عمر‪ ،‬فيعسّ ف الليل ويفق بالدرة ويلتحف‬
‫الرمل ويلس على قارعة الطريق أو يقوم يهنأ بعيه بالقطران أو يعدو على قتبٍ باحثا عن بعي ند من إبل الصدقة‪ ،‬أو‬
‫ينفي شابا وسيما لنه وسيم‪ ،‬ولير ببال عثمان أن يسأل عن طفل يبكي طارقا باب أمه لعرفة أسباب بكائه‪ ،‬ول كان‬
‫مكنا لعثمان حت مرد التفكي بسك ستارة معلقة على نافذة أحد ولته فيمزقها‪.‬‬
‫لقد نشأ كل منهما على إحساس طبقي واجتماعي وتربوي‪ ،‬فصار عمر الاكم الوحيد ف التاريخ‪ ،‬الذي ليس له‬
‫معارضة سياسية أو سجون سياسية‪ .‬أما جهازه المن فكان مصصا لراقبة المراء والقادة والولة ورجال السلطة ول‬
‫يرج عنهم إل الناس‪.‬‬
‫أما عثمان‪ ،‬ففي القسم الثان من خلفته تكاملت أسباب الدولة القائمة على فكرة التعال كما يقول هشام جعيط‬
‫ف كتابه (الفتنة) الصادر عن دار الطليعة‪.‬‬
‫ويرى أن عثمان كان ف أعماقه مسكونا بفكرة تعال الدولة‪ ،‬الرتبطة بفكرة تعال ال‪ .‬وأنه ل يكن مرد ألعوبة بي‬
‫يدي مروان‪ .‬لعله التقاط ذكي وسيكون ميسورا لنا السؤال عما إذا كانت فكرة التعال إذا ارتبطت بفكرة تعال ال غائبة‬

‫‪47‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫عن النب وأب بكر وعمر وعلي‪ .‬وأغلب الظن أن فكرة التعال هنا ترتبط بطفولة عثمان وارستقراطيته ولصلة لا بغي‬
‫ذلك‪ .‬كان عمر بن الطاب كاسبا‪ ،‬وكان عثمان تاجرا كبيا تغن له النساء ف تنوية الطفال‪.‬‬
‫وكان تاريخ كل من عمر وعثمان متلفا ف الاهلية‪ .‬إذ ل يذهب عثمان إل حلبات اللكمة ول يشترك ف‬
‫سباقات اليل‪ ،‬ول يعرف عنه كثرة الشروب‪.‬‬
‫وف التحليل السيكولوجي‪ ،‬كان عثمان بعد إسلمه يعان من أزمة وحرج اجتماعي‪ ،‬وكان ف مأزق قيمي‪ .‬إذ‬
‫خرج وحيدا من بن أمية إل السلم ف أيامه الول‪ ،‬فخذل قومه‪ ،‬وكانت آيات القرآن تصب اللعنة على الشركي‬
‫والنافقي‪ ،‬والسلمون يعرفون أسباب النول ومن هو الفاسق والنافق ومدى قرابته من عثمان‪ .‬وكانت قبيلة عثمان‬
‫تقود قريش ف حروبا ضد السلم‪ ،‬وعثمان يول اليش السلمي بعدات القتال والنتقال وإن بلغت أرقاما ليس‬
‫لغي عثمان بن عفان أن يسدد قيمتها‪.‬‬
‫إن شعورا كهذا ل يدخل إل نفس عمر‪ ،‬فهو من حي متواضع من أحياء قريش‪ ،‬وقبيلته عدي ل يكن لا دور كبي‬
‫ف الروب ضد السلم‪ ،‬وأن عمر نفسه أعطى جهده للدفاع عن معتقدات قبيلته‪ ،‬فلم يسلم ف وقت مبكر‪ .‬ول يترك‬
‫أقرباءه يقاتلون اليش الذي انتسب إليه كما هي حال عثمان‪ .‬حت إذا أسلم ل يكن هو من أوائل الارجي على‬
‫قبيلته‪ ،‬وقد أسلم قبله ابن عمه زيد وأخته فاطمة‪ .‬فليس لديه شيء من الحساس بالذنب والث أو من عتاب الضمي‬
‫فيما يتعلق برحلتيه الاهلية والسلمية‪.‬‬
‫وكان من الطبيعي‪ ،‬وعثمان تت ضغط هذا العامل النفسي‪ ،‬أن يعوض بن قومه عما فاتم ليضي نفسه قبل أن‬
‫يرضيهم‪ ،‬فكان سخاؤه عليهم يوازي به سخاءه على اليش السلمي‪ .‬ولدى عثمان مسوغ‪ .‬فأقرباؤه قد أعلنوا‬
‫إسلمهم والسلم يب ما قبله‪.‬‬
‫فتيسرت أو لعله هو الذي يسر الوسائل الادية والشرعية استنادا إل موقعه وصلحياته لتسيي الال وسواه لن يعتقد أنه‬
‫مطلوب ولو نفسيا لرد ماعليه من ديون أدبية أكثر منها مادية‪ .‬ول يكن عمر قد م ّر بذات التجربة‪.‬‬
‫ومن مطوء الحكام والتقويات التاريية شيوع القول بضعف عثمان‪ ،‬وكأنه ل يلع ولة قريش القوياء مثل‬
‫الغية بن شعبة وعمرو بن العاص‪ ،‬وسيعد عثمان أكثر جرأة أدبية وقوة إرادة عندما يعي عبد ال بن أب سرح واليا‬

‫‪48‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫على مصر ووليد بن عقبة واليا على الكوفة ويعب مشاهد ورسوما لعمر فعطل قراره بإمساك قريش والصحابة الكبار‬
‫عن مغادرة الدينة‪ ،‬والنتشار ف البلد الفتوحة‪ ،‬وفتح أمامهم آفاقا جديدة‪.‬‬
‫ومنعت عثمان عن النول إل الحياء والصفق ف السواق نزعة ارستقراطية بتعبينا العاصر‪ ،‬تقابلها نزعة شعبية‬
‫لعمر هيأته لسن قواني ف الضمان الجتماعي ورعاية الطفال الرضع ومنع الجتماعات السرية‪.‬‬
‫كان عمر من طبقة أو من حي بلغة العرب هو دون حي أمية‪ ،‬وكانت له أعرافه وملعبه وكان عثمان ينحدر من‬
‫سللة لا أعراف صارمة وليست لا ملعب مفتوحة‪.‬‬
‫السلم وقريش‪:‬‬
‫خرج منها السلم إل العال وخرج عليها وخرجت عليهِ‪ ،‬وحي قرر النب الجرة التحق منها نفر معدود وعاد‬
‫إليها بعد ثان سنوات وعديد جيشه اللوف‪ ،‬فخُيّل لبعض أنصاره أن فتح مكة سيكون ناية قريش فيما كان الفتح‬
‫بدايتها الديدة ونَصرها الؤزر (وهي الكسورة) وخيوط حلمها ف دولة ليست لوثان الكعبة بل على أرض الزيرة‬
‫بشاركة خاصة ورقابة صارمة من السماء والاكمون ُه ُم ُهمُ‪.‬‬
‫واللفة ف قريش‪ ،‬وهذا بعض س ّر ما وراء قرار القائد القرشي حامل الهمة السماوية والكلّف اللي‪ ،‬بإصداره‬
‫عفوا عاما عن مقاتليها وزعيمهم‪ ،‬ول يستثن سوى أحد عشر رجلً وجدوا طريقهم فيما بعد إل الرية وصوت النب‬
‫يعلو والفرح يل قلبه‪...‬ل يُقت ُل قرشيٌ صَبا بعد اليوم‪.‬‬
‫ومنذ الجرة والكتاب النل يقدّم الهاجرين ف تسلسل الية قبل النصار‪.‬‬
‫ول يهجرُ النب انتسابه القرشي ف متدم الصراع مع قريش‪ ،‬فيسأل شاعره حسان بن ثابت‪ ...‬كيف تجو قريشا‬
‫وأنا منها؟‪.‬‬
‫فيقول حسان‪ :‬أَسّلكَ كما تَسّلُ الشعرة من العجي يا رسول ال‪.‬‬
‫وف نفس النب لو كان هذا العجي بل شعرة‪ .‬صافيا للسلم‪ .‬وقد تقق ذلك ف فتح مكة‪.‬‬
‫ب مترامي الحياء والبيوت ينفرد بصائص ل تتوفر لغي شعب‬
‫ش ُر ف مصنفات القبائل‪ ،‬وهي شع ٌ‬
‫إن قريشا لتُح َ‬
‫قريش ف الزيرة‪ ،‬وتقوم على الهارة ف السياسة والقتصاد‪ .‬وتتاج السياسة إل الدبلوماسية‪ ،‬فإذا أخفقت كانت‬
‫الرب وقريش تعرف هذا الفن وذاك‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫وهي ف اقتصاد الزيرة مثل وول ستريت ف أمريكا والِست ف لندن‪.‬‬
‫وشخصية القرشي أميلُ إل الواقعية بفعل السياسة والقتصاد وأفصح ف التعبي عما يسمى بالباغماتية مع شيء‬
‫من الوعي الستراتيجي والقدرة على التكيف والتأقلم مع الواقع‪.‬‬
‫وهذه من خصائص التُجار‪ ،‬وقد يُفسّر منحى قريش هذا أنا كانت تفتقر إل الشعراء‪ ،‬وأن أبناءها ل يُهيموا ل ف وادي‬
‫عبقر ول ف وديان عذرا‪.‬‬
‫فإذا ظهر منهم شاعر كبي كعمر بن أب ربيعة بعد عقود‪ ،‬كان الرجل زعيم الواقعية ف الغزل‪.‬‬
‫إن السلم ُوِلدَ ف قريش‪ ،‬لكنها ل تكن الاضنة الوف‪ ،‬مثلما كانت الوس والزرج وقبائل الدينة‪ ،‬فإذا انتصر‬
‫السلم حصدت‪ ،‬وهي الاسرة‪ ،‬ثار النتصار‪.‬‬
‫إن قريش منذ فتح مكة وتوّل زعمائها وقادتا إل السلم صارت الالك الرسي للمركز الول ف الدولة‪ .‬ل‬
‫يقترب من هذا الوقع قرشيٌ غي مُعتقد بق الرومة‪ ،‬حت أقرّ عُمر وهو ف منعطف تأسيسي بعد وفاة الرسول وثيقة‬
‫خطية بإعلن سيادة قريش ف الدولة السلمية واللفة فيها وليس ف غيها‪.‬‬
‫أمّا المام علي‪ ،‬وهو من زعماء قريش وفرعها السلم بن هاشم‪ ،‬فقد استوعب معن العفو الحمدي عن قريش‬
‫بعد فتح مكة‪ ،‬لكن قريش ل تستوعب رؤيته على منصة الزعامة‪.‬‬
‫وما ساعد قريشا ف استرجاع مكانتها إل جانب العفو النبوي تلك القاعدة الفريدة ف السلم الذي يب ما‬
‫قبله‪ .‬أي يدفن ماضي السلم ليس ف حفرة بل ف ُجبٍ عميق وتدفن معه موبقات الفعل والقول وأدوار وصراعات‪،‬‬
‫فقطع النب على متمعه الديد أية ماولة لتذكي بعضهم بتاريخ بعض‪.‬‬
‫أما علقة عمر الليفة بقريش فقد اتهت نو منحىً آخر‪ ،‬فبعد قرار منع السفر الذي أحال بي رجالا والنتشار‬
‫ف البلد الفتوحة حُلما ف بناء إقطاعيات ومراكز تارية‪ ،‬ما يضعف قوة الراكز ف دولة مترامية الصقاع وف آليات‬
‫اتصال بدائية‪ ،‬توترت العلقة بي عمر وقريش‪ ،‬فوقف ف منفذ حدودي هو شِعب الرة قائلً‪ :‬إنه سيأخذ قريشا من‬
‫حلقيهما‪.‬‬
‫وكان رد قريش عليه بالفخر ف انتسابه ليٍ متواضع منها وعدم مشاركة قبيلته عدي بدور كبيٍ ف الروب‪،‬‬
‫وهي تعبّر عن نيةٍ غي صافية عندما تكنّيه بابن حنتمة بأحاديثها الاصة‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ذكرنا أن عمرو بن العاص بعد فتحه مصر قد تعرض لساءلة ماليّة‪ ،‬وكان مندوب عمر إليه ممد بن مَسلمة‪،‬‬
‫فاستكثر ابن العاص ذلك‪ ،‬فغمز عمر قائلً‪ :‬كنت أراه وأباه وعلى كل واحدٍ منهما عباءة قطوانية ل تستر ركبتيهما‪،‬‬
‫وكان العاص بن وائل (والده)على مزرارة الديباج‪.‬‬
‫وكان آخرون يكررون عليه كلما مشابا‪ :‬فقد كنت وضيعا فرفعك ال‪ ،‬وراعيا فحملك على رقابنا‪.‬‬
‫إن انتقادات قريش لعمر ل ترتفع نبتا بعد إعلن إسلمه‪ ،‬وإنا بعد إعلن خلفته‪.‬‬
‫أمّا موقفهما من المام علي فقبل استلمه اللفةِ وبعدها‪ .‬لسيما وقد مال نو أحياء وقبائل ل يكن لا نفوذ‬
‫قريش‪.‬‬
‫كان عُمر يستخدم طريقتي ل يشأ المام علي السي فيهما‪ .‬رغم أنه ل يعترض عليهما‪ ،‬ينقل طه حسي ف (الفتنة‬
‫الكبى) حوارا بي المام علي وعثمان يتج فيه المام على تقريب الخي أقرباءه ف المارة والوليات‪ ،‬فيقول عثمان‬
‫لعلي‪ :‬إن عمر ولّى الغية بن شعبه على الكوفة والبصرة‪ ،‬وولّى معاوية على دمشق‪ ،‬فقال له المام علي‪ :‬إن عمر كان‬
‫يراقب ولته وييفهم وإن ولتك يستبدون بالمر من دونِك‪.‬‬
‫وعندما قيلَ‪ :‬إن المام علي عيّن ثلثا من أبناء عمه ولًة قال طه حسي‪ :‬إن سية علي مع ولت ِه من بن عمه هي سية‬
‫عمرُ‪ ،‬فكان شديدا عليهم‪ ،‬مراقبا لم‪ ،‬ل يتحرج عن عزلم إن قصرّوا‪ .‬على حي ل يعزل عثمان واليا من بن أمية وآل أب‬
‫معيط إ ّل حي أكرهته المصار على ذلك‪.‬‬
‫كان هدف عمر تطويع قريش بإشراكها ف إدارة السلطة والفادة من مهاراتا ف السياسة والقتصاد والرب‬
‫والدارة‪ ،‬فأخذ منها ما يستفاد منه ف بناء الدولة الديدة ف الوقت الذي كان فيه زعماء قريش تت إمرته وطوّع‬
‫يديه‪.‬‬
‫وإن كان التذمر القرشي واضحا ف رؤي ِة من كانوا ف عداد العبيد‪ ،‬أصحاب قرار وأمراء وول ٍة وقضاة ومندوبي‬
‫عن الليفة مُخولي بنع عمامة خالد بن الوليد وربط يديه با من اللف كما فعل بلل بأمر من عمر الذي كان يقدّم‬
‫اسم بلل أو سلمان الفارسي على أب سفيان عند القابلت‪.‬‬
‫ل ينهج علي نج عمر ف الستفادة من قريش‪ ،‬ول كانت قريش لينةً طائع ًة معه‪ ،‬كما كانت مع عمر ول هي‬
‫ستخضع لقرا ٍر يصدر من الليفة علي بن أب طالب بعزل أحد رجالا عن ولية أو إمارة وليس لحدٍ منها أن يستسلم‬

‫‪51‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫لعمار بن ياسر ف ولية المام علي‪ ،‬كما استسلم زعماء قريش لحمد بن مسلمة النصاري‪ ،‬عندما كان يشاطر بعض‬
‫أموالم لصال بيت الال‪.‬‬
‫إن مرونة عمر مع قريش أوسع من مرونة المام علي معها‪ ،‬وشدة عمر عليها أكثر من شدة المام‪ ،‬ول يكن‬
‫المام علي يوافق على مرونة واسعة كهذه‪ ،‬ول تكن قريش ستقبل منه شدة كتلك عليهم‪.‬‬
‫ومُختصر القول‪ :‬إن المام علي ما كان يرضيه رؤية التنفذين من قريش نافذين ف السلم ول كانت قريش قد‬
‫استكانت لمامته منذ اليام الول‪ ،‬فلم يتهيأ للمام علي الستعانة بم فيستخدم الرونة أو الشدة‪ ،‬وليس أمام المام‬
‫قبل انشقاق قريش عليه‪ ،‬متسعٌ شرعي وقد أعلنوا إسلمهم وتقبله النب (ص) بعد فتح مكة‪ .‬والمام علي مُريد قبل‬
‫أن يكون وبعد أن يكون حاكما أو ثائرا‪.‬‬
‫حلقيم قريش‬
‫عُمر منها لنه قرشي‪ ،‬من القائلي بدور أساسي لا ف إدارة الدولة الديدة‪ ،‬وهو ليس منها ف النوع القرشي نو‬
‫السيادة والستحواذ ما يتعارض مع مبدأ العدالة‪ ،‬حينها سيكون مع العدالة على قريش‪ .‬فرضيت على سياسة عمر‬
‫حينا وغضبت عليه أحيانا‪.‬‬
‫إنّ عُمر الذي وَضَعَ موضعَ التطبيق شعارَ اللفة ف قريش‪ ،‬فجال على بيوت الصحابة‪ ،‬وخاض أخطر معركة ف‬
‫تاريخ السلم بعد وفاة النب (ص)‪ ،‬ليأخذ البيعة للقرشي أب بكر‪ ،‬وُيفِهمَ النصار أن اللفة ستبقى ف قريش‪ ،‬هو‬
‫الذي قال‪( :‬سآخذ قريش من حلقيمها)‪.‬‬
‫وإذا كان يُعزز من نفوذ قريش‪ ،‬أو على القل ل يُهمل رجالَا من الذين تأخر إسلمهم‪ ،‬فإنه كان يُحذر من‬
‫فتيان قريش ذوي الرومة فيها‪ ،‬وهو الذي حجرَ عليها وعليهم‪ ،‬ومنعهم من مغادرة الدينة ف أول قرار يصدر ف‬
‫تاريخ العرب بنع السفر‪.‬‬
‫غي أن عمر ل يكن على وفاق تام مع هذه الفئة ومثلها القوى الفرع الموي وسياسة عمر إزاء قريش أن يُرخي‬
‫سمَ‪ ":‬لئن عشتُ لذه الليلة من قابلٍ‪ ،‬للقنّ أخرى الناسَ بأولهم‪،‬‬
‫ويَشدُ‪،‬يُعطي ويُراقب حت إذا امتلت بالثروة أق َ‬
‫حت يكونوا بالعطاء سواء"‪.‬‬
‫وف رواية أخرى يقول‪:‬‬

‫‪52‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫إن رسول ال ق َدرَ فوضع الفضولَ ف مواضعها‪ ،‬وتبلغَ بالتزجية‪ ،‬وإن قدرت فو ال لضعنّ الفضول مواضعها ول‬
‫تبلغنّ بالتزجية‪.‬‬
‫أي أن يأخذ الموال الزائدة ويتبلغ بالتزجية كنايةً عن عيش الكفاف‪.‬‬
‫وقد خَُبرَ عُمر حياة قريش ورجالا‪ ،‬و َع َرفَ ما يستبطن رجالا فاستبطنهم‪ ،‬وتدث فيهم حديث عال النفس‪،‬‬
‫ورسم شخصياتم بأسلوب الروائي العاصر‪ ،‬وكان أمينَا على علمهِ وخبتهِ‪ ،‬فيعطي الرج َل منهم ف السلب والياب‪،‬‬
‫فعنيت فئة بسلبه وأخذت أخرى بالياب‪ .‬ول يت عمر حت ملّته قريش كما يقول الشُعب‪.‬‬
‫وعمر كما يقول الوردي يتهم أشراف قريش بأنم ل يلصون ف الهاد للسلم وليعرضون أنفسهم للموت ف‬
‫سبيله‪.‬‬
‫يقال‪ :‬إن خالدا بن الوليد رأى عكرمة بن أب جهل (وهو ابن عمه) مصروعا ف إحدى معارك الشام فوضع رأسه‬
‫على فخذه‪ ،‬وأخذ ينظر إليه ويقول‪ ":‬زعم ابن حنتمة أننا ل نستشهد "‪.‬‬
‫يقول الطبي‪ :‬إن قريشا ملت عمر بن الطاب‪ ،‬فهو قد حصرها ف الدينة ومنع عليها التجول ف‬
‫المصار‪ ،‬وقال بصريح العبارة‪ :‬أل إن قريشا أن يتخذوا مال ال معونات دون عباده‪ .‬ألّ فأما وابن الطاب‬
‫حي‪ ،‬فل‪ ،‬أن قائم دون شعب الرة آخذ بلقيم قريش‪ .‬وحجزها أن يتهافتوا ف النار‪.‬‬
‫ومن الغرائب الت قام با عمر‪ ،‬والكلم للوردي‪ ،‬أنه عيّن عمار بن ياسر واليا على الكوفة‪ ،‬وعيّن سلمان‬
‫الفارسي واليا على الدائن‪ ،‬ول يكن ذلك هينا على قريش‪.‬‬
‫يقول طه حسي‪:‬‬
‫كان زعماء قريش وسادتم يسون أنم الطلقاء‪ ،‬وأنم أقل درجةً من الذين سبقوا إل السلم وأبلوا فيه بلءً‬
‫حسنا‪ ،‬فكان ذلك يغيظهم ويفظهم ويشعرهم بشيء يشبه ما نسميه عقدة النقص أو مركب النقص‪.‬‬
‫ث كانوا يعرفون رأي عمر خاصة فيهم‪ ،‬فكان ذلك يغيظهم من عمر‪ ،‬ويدعوهم إل أن يسنوا البلء ف الهاد‪،‬‬
‫ليظهروا لعمر أن رأيه فيهم جائر‪ ،‬عن القصد‪ ،‬وليظهروا ذلك للناس‪ ،‬وليظهروا ذلك لنفسهم قبل أن يظهروه للناس‪.‬‬
‫وهذا هو تأويل ما روي من أن خالد بن الوليد أتى بعكرمة بن أب جهل‪ ،‬وقد صرع ف يوم من أيام الشام‪ ،‬فوضع‬
‫رأسه على فخذه وجعل ينظر عليه‪ ،‬ويقول‪:‬‬

‫‪53‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫زعم ابن حنتمة أننا ل نستشهد! وابن حنتمة عمر‪.‬‬
‫كان عمر إذن يسوس قريشا هذه السياسة العنيفة على علم بدخائل نفوسها وبعد هها وحرصها على الستمساك‬
‫با بلغت والوصول إل ما تبلغ‪ ،‬حت ولو خاضت إليه الغمرات خوضا‪.‬‬
‫وقد روي أن النب رخص لعبد الرحن بن عوف ف لبس الرير لكّة كانت به‪ ،‬فيُقبل عبد الرحن ذات يوم على‬
‫عمر ومعه فت من بنيه قد لبس قميصا من حرير‪,‬فينظر إليه عمر‪ ،‬ث يقول‪ :‬ما هذا؟ ث يدخل يده ف جيب القميص‬
‫فيشقه إل أسفله‪.‬‬
‫قال عبد الرحن‪ :‬أل تعلم أن رسول ال (صلى ال عليه وسلم)‪ ،‬قد رخص ل ف لبس الرير؟‪.‬‬
‫قال عمر‪ :‬بلى! لشكوى شكوتا‪ ،‬فأما لبنيك فل‪.‬‬
‫وعلى هذا النحو‪ ،‬كان يشفق على الهاجرين أن يتوسعوا فيما رخص لم فيه النب (ص)‪ ،‬ويشفق على غي‬
‫الهاجرين من قريش أن يتوسعوا حت فيما ل يرخص فيه النب (ص)‪ .‬وقد قام عمر دون معاوية يأب عليه غزو البحر‬
‫إشفاقا على السلمي من هوله‪.‬‬
‫وأكب الظن أنه كان يرى غزو البحر هذا الذي كان معاوية يلح فيه مغامرة من هذه الغامرات‪ ،‬الت ل تترد‬
‫قريش ف ركوبا‪ ،‬وكان يرى أن الق عليه للمسلمي أن ينبهم مغامرات فتيان قريش‪.‬‬
‫نستنتج من لئحة ع َرضَها طه حسي لعمّال عُمر ف المصار أنه أعطى لقريش ثلثة عُمّال من بي (‪ )12‬عاملً‪،‬‬
‫ووزّع السؤوليات الخرى على عمّال‪ ،‬واحدةٌ لزاعة‪ ،‬وثلثة لثقيف‪ ،‬وواحدة لليمن‪ ،‬وواحدة لبن َسهْم‪ ،‬وواحدة‬
‫للنصار وواحدة لكنانة‪.‬‬
‫لكن أيا من هؤلء ال ُعمّال عندما يسمى‪ ،‬فسنكون أمام الساء ذات الدوار الكبية ف معسكر قريش سابقا ومعسكر‬
‫السلم لحقا من نصفهم اليوم بالتكنوقراط كعمرو بن العاص ومعاوية بن أب سفيان وأب موسى الشعري‪..‬‬
‫وقد أقرهم عثمان على أعمالم لدة عام بوصية من عُمر‪ ،‬فقد أشفق عُمر كما يقول طه حسي أن يتعجل المام‬
‫َبعَده ف الستمتاع بالسُلطان‪ ،‬فيعزل ويولّي ويقطع بذلك ما استأنف العمال من أعمالم‪ ،‬ويضطرب لذلك أمر‬
‫السلم والسلمي ف المصار والثغور‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫وف استقرائنا للسباب العتمدة ف سياسة العزل والتعيينات ل نعثر على حالة واحدة كان سبب العزل فيها‬
‫سياسيا‪ ،‬ول عثرنا ف أسباب التعيي على دافع سياسي أو شخصي وكانت مسافته واحدة مع رجال الدارة عند‬
‫ترشيحهم للتعيي وعند عزلم لسببٍ ما‪.‬‬
‫وف سياسة التعيينات تبز ثقة الرجل بنفسه‪ ،‬وهو ييطها بقادة عسكريي من الطراز الول‪ ،‬ودهاة يصعب على‬
‫غي عمر ترويضهم!‪.‬‬
‫ويردّ علي الوردي على من ينكر على عثمان سياسة التعيينات‪ ،‬لن عمر هو الذي عيّن معاوية‪ ،‬فيقول‪ :‬إن‬
‫معاوية مع عمر هو غيه مع عثمان " أوشك الوردي أن يرى معاوية ف زمن عمر مكوما ومع عثمان حاكماً‬
‫عمر وخالد بن الوليد‬
‫لشيوع الرواية بعزل عمر بن الطاب خالدا بن الوليد مرتي‪ ،‬كنا نؤثر عبورها وقد اشبعت نقاشا ونقدا ودفاعا‪.‬‬
‫فالدرسة السلفية تنفي أو على القل ل تقترب من قصة زواجه من زوجة قتيله مالك بن نويرة ف حروب الردة‪ .‬وقد‬
‫تسبها من فعل أعداء السلم‪ ،‬وتصر الشكال بي الثني با نصح به عمر بن الطاب أبا بكر الصديق بتقليص‬
‫صلحيات الولة والمراء ومنهم خالد بن الوليد‪ ،‬وأن ليعطي شا ًة مال يرجع إل الليفة‪ .‬فرفض خالد بن الوليد تديد‬
‫صلحيات‪.‬‬
‫ولتتعرض الكتب السلفية لرواية تقول‪ :‬إن عمر بن الطاب أبلغ بواسطة بريده الاص أن خالد بن الوليد يتدلك‬
‫بالمرة‪ ،‬فكتب عمر‪" :‬أن ال قد حرم ظاهر المرة وباطنها ومسّها‪ ،‬فل تسوها أجسادكم"‪.‬‬
‫فأجابه خالد "إنا قد فتناها فعادت غسولً‪ ،‬غي خر"‪.‬‬
‫ول يعجب عمر هذا الواب‪ ،‬فرد عليه مغضبا‪ ،‬كما يقول ممد حسي هيكل‪" :‬إن آل الغية ابتلوا بالفاء فل‬
‫أماتكم ال عليه "‪ .‬وف قصة تبعه للشعث بن قيس بعشرة الف درهم اعترض عمر أن هذا الال يب أن يبس على‬
‫ضعَفةَ الهاجرين وليس أعطيات لذوي البأس والشرف واللسان‪ .‬فيما كان عمر يفرض عليه أن ليعطي شا ًة أو بعيا‬
‫َ‬
‫إل بأذنه‪ .‬فكان جواب خالد أما أن تدعن وعملي وإل وشأنك وعملي‪.‬‬
‫وسح عمر لبلل أن يأخذ عمامة خالد ويشد با يديه من اللف‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ول نظن أن عمر بن الطاب قد فعل ذلك مع عامة السلمي‪ ،‬ومازلنا نتذكر غضبه على أب موسى الشعري لنه‬
‫شهر بشارب المر الذي شكا الشعري عنده‪ ،‬وكان واليا على البصرة‪ .‬فطلب إل الوال العتذار منه وقبول شهادته‬
‫إن تاب وعوضه بال عما لقه من إهانة‪ .‬فكيف يهان خالد بن الوليد بسلسلة من التامات تتدرج ف لئحة التام‬
‫على الصورة التالية‪ :‬تمة قتل مالك بن نويرة‪ ،‬ول يكن من أهل الردة‪.‬‬
‫زواجه من أرملة مالك‪.‬‬
‫استحمامه بالمرة‪.‬‬
‫تبعه بعشرة الف درهم للشعث بن قيس‪.‬‬
‫فإذا أضفنا إليها لئحة أخرى من هذا الغرار يستعرضها خليل عبد الكري ف كتابه إياه واتامه بقتل النساء‬
‫وحرق البيوت ف غزواته‪ ،‬فسيكون خالد بن الوليد نوذجا لضابط إفريقي أو من أمريكا اللتينية وما إل ذلك من ل‬
‫يلتزمون بأخلقيات العسكر‪.‬‬
‫وف اعتقادنا أن الكثي من هذه الروايات مردود لتعارضه مع طبيعة الياة ف تلك الرحلة البكرة من بدء التطبيقات‬
‫التجريبية للسلم وتت إشراف عمر شخصيا‪ .‬ولعلي أنفي بعضها على القل‪ ،‬لسيما رواية استحمامه بالمرة والوار بي‬
‫عمر وخالد حولا‪ ،‬وكأن خالد ناشيء ل يعرف موقف السلم من المرة‪ ،‬أو كأن صاحب الرواية يصوّره على صورة‬
‫أباطرة الشام ف وقت ل يكن لؤلء الباطرة حامات من هذا القبيل‪ .‬وانفي عن خالد أن يقتل امرأة ضعيفة‪ .‬أما ما حدث‬
‫ف قتل مالك فالقاعدة الفقهية تقول‪ :‬إن السلب للقاتل‪ .‬لكن عمر ل يقتنع بذه السوغات‪.‬‬
‫أما من قتل خطأ ف غزوات خالد‪ ،‬فالعروف عسكريا حت ف الناورات‪ ،‬سقوط عدد من القتلى بالنيان‬
‫الصديقة‪.‬‬
‫ول يأسف القائد العسكري على قتلى يقعون من قبل جيشه‪ ،‬وفقا لقاعدة النيان الصديقة‪.‬‬
‫ل فيطيعه‪ ،‬هو‬
‫إن رجلً عسكريا بجم خالد بن الوليد يتقبل إمارة من يصدر الليفة قرارا بتأميه حت لو كان طف ً‬
‫طراز مترف من الذين وهبوا عبقريةً عسكرية تون أمامها أخطاء القادة‪.‬‬
‫يروى عن خالد بن الوليد بعد أن عزله عمر بن الطاب‪ ،‬وكان أميا على قنسرين ف بلد الشام‪:‬‬
‫لقد استعملن على الشام حت إذا كانت بثينة وعسلً عزلن‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫فقام إليه رجل فقال‪:‬‬
‫أجد أنا الفتنة‬
‫فقال خالد‪ :‬أما وابن الطاب حي فل‪.‬‬
‫والبثينة هي النطة‪ .‬وعلى لونا سيت النساء بذا السم‪.‬‬
‫الغية وأم جيْل‪:‬‬
‫نعتمد على مصْدر من مؤسسي الدرسة الصرية العروفة برجعيتها العادلة ومنهجها العلمي وتساميها عن‬
‫شطحات الفِرق وغ ّل الرواة‪ ،‬فيقول ممد حسي هيكل ف كتابه الفاروق عمر بطبعته العاشرة‪" :‬إن أم جيل كانت‬
‫إحدى نساء بن هلل وأنا كانت تغشى المراء والشراف فغشيت الغية بنِ شُعبه‪ ،‬وهو على ولية البصرة فأطعنه‬
‫ق قصة أم جيل هذه‪ ،‬وأنا كانت تغشى المراء والشراف ويقول‪:‬‬
‫فيها قوم عند عمر فعزله عن وليته ِ‪ .‬والطبي يسو ُ‬
‫ض النساء يفعل َن ذلك ف زمانا‪ ،‬أي ف عهد عُمر‪.‬‬
‫وكان بع ُ‬
‫فأُستدعي الغية لحكمةٍ عُليا برئاسة عُمر‪ ،‬فشهد ثلثة ضد التهم‪ ،‬وارتبك الرابع وتلجلج حت قيل ف ذلك‬
‫كلم خطي أن الشاهد رأى ف وجه عُمر ملمح من عدم الرضا ومن الرج إذا ما ثبت ذلك على بن شعبة وأقيم‬
‫عليه الد‪ ،‬فصدر القرار بباء ِة التهم وما يترتب على كذبِ الشهود من حد‪ ،‬لكن عُمر ل يوافق على إعادة الغية إل‬
‫ولية البصرة وأبقاه ف الدينة‪.‬‬
‫يقول علي الوردي ف عدالةٍ كهذه‪ ،‬وهي وجهة نظر لفكرٍ خالص النية لوجهِ العلمانية "إن الذي يريد أن يعدل‬
‫بي الناس يب عليه أن يراعي مشاعرهم قبل أن يراعي نص القانون‪ ،‬فالنص القانون قد يستخدمه العادل والظال‬
‫معا"‪.‬‬
‫عمر ومكمة نورنبغ لب سفيان‪:‬‬
‫خرجت مكمة نورنبغ الت شكلها اللفاء ضد مرمي الرب النازيي بعد سقوط برلي‪ ،‬تنفيذَا لتصريح أصدرته أمريكا‬
‫وفرنسا وبريطانيا والتاد السوفيات ضد مرتبكي الروب العدوانية‪،‬من كونا خاصة بالظرف الذي ظهرت فيه إل سابقة‬
‫دولية‪ .‬وقد أوشك عمر بن الطاب أن يعقد مكمة على هذا الغرار‪ ،‬لو ترك له اليار عند فتح مكة‪ ،‬لحاكمة مرمي الرب‬
‫من قريش‪ ،‬وف القدمة منهم أبو سفيان بن حرب‪.‬‬
‫‪57‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫لكن شفاعة العباس بن عبد الطلب أو دوره حال دون ذلك‪.‬‬
‫كان العباس يشى أن يدخل الرسول مكة عنوة قبل أن يستأمنوه حت ل تلك قريش آخر الدهر‪ .‬فخرج على‬
‫بغلة رسول ال البيضاء‪ .‬وطلب إل المام علي أن يبعث بعض الصحابة أو الارة فيخب أهل مكة بكان رسول ال‬
‫ليأتوا إليه ويستأمنوه قبل أن يدخلها عنوة‪.‬‬
‫وإذ كان يسي عليها ويلتمس ما خرج له‪ ،‬فإذ سع صوتا لب سفيان وبديل بن ورقاء وها يتراجعان‪ ،‬وأبو سفيان‬
‫يقول‪ :‬مارأيت كاليوم قط نيانا ولعسكرا‪.‬‬
‫فعرف العباس صوته‪ ،‬وقال‪ :‬ويك يا أبا سفيان‪ .‬هذا رسول ال ف الناس‪ ،‬قال‪ :‬فما اليلة؟‪.‬‬
‫قال العباس‪ :‬لئن ظفر بك ليضربن عنقك‪ ،‬فاركب معي هذه البغلة حت آت بك رسول ال‪ ،‬فأستأمنه لك‪ .‬فركب أبو‬
‫سفيان خلف العباس‪ ،‬وكلما مروا بنار من نيان السلمي‪ ،‬قالوا‪ :‬من هذا؟‪ .‬فإذا رأوا بغلة رسول ال قالوا‪ :‬ع ّم رسول ال‬
‫على بغلته‪ .‬حت مروا بنار عمر بن الطاب (والنار تعن الاجز العسكري)‪ .‬فقال من هذا؟‪ .‬وقام‪ ،‬فلما رأى أبا سفيان على‬
‫عجز البغلة‪ ،‬قال عمر‪ :‬أبو سفيان عدو ال‪ .‬المد ال الذي أمكن ال منك بغي عقد ول عهد‪ ،‬ث خرج يشتد نو رسول‬
‫ال‪ ،‬وركضت البغلة فسبقته‪ .‬فدخل العباس على الرسول‪ .‬ودخل عمر‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول ال‪ .‬هذا أبو سفيان‪ .‬فلضرب‬
‫عنقه‪ .‬فاعترض العباس قائلً‪ :‬يا رسول ال إن أجرته فجلس إل جانب الرسول‪ .‬وأقسم أن ل يناجيه رجل دونه‪ .‬وكان‬
‫عمر يكثر ف شأن أب سفيان ويفصل القول‪ ،‬وكأنه مدع عام‪ .‬يتلو حيثيات الرية‪ .‬فأوقفه العباس وغمزه قائلً‪ :‬أما وال أن‬
‫ل يا عباس‪.‬‬
‫لو كان من رجال عدي بن كعب ما قلت هذا‪ .‬ولكنك عرفت أنه من رجال بن عبد مناف‪ .‬فقال عمر‪ :‬مه ً‬
‫وال لسلمك يوم أسلمت أحب إل من إسلم أب لو أسلم‪.‬‬
‫فأمر النب (ص) بإرسال أب سفيان مع العباس‪ ،‬وبات عنده‪ .‬ول يكن أبو سفيان قد أسلم حت صباح اليوم التال‪.‬‬
‫أقول‪ :‬لو جرى تثقيف الناس بتاريهم لعلم خلق مهموم بربط عمر حت هذه اللحظة بتاريخ المويي أن الرجل وحده‬
‫عند فتح مكة كان مهموما بإنزال القصاص بأب سفيان وجاعته‪ .‬لكن لرسول ال رؤية إلية‪.‬‬
‫عمر والسلفية‪:‬‬
‫السلفية مدرسة أخلقية أكثر منها علمية‪ .‬وتاريية أكثر منها سياسية‪ .‬ومافظة أكثر منها متحركة‪ .‬ومن يتعامل‬
‫مع جانبها الخلقي سيكتشف فيها دعوة للسلم الهلي‪ ،‬لكن ف بطون التاريخ‪ .‬فهي تيل إل التسوية بي الفرقاء‬

‫‪58‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫وتدعو إل نظرية وحدة الصحابة وعدالتهم ول تتساهل مع اختلف الناس على رأي ييل لذا عن ذاك‪.‬‬
‫ف السياسة السلمية كانت السلفية منهجا وفكرا ورجالً هي الفضلى عند أهل السلطة‪ ،‬مادام السلفيون ل‬
‫يتحرشون بأمن الدولة‪ ،‬خوف الفتنة‪ .‬وف الق أنم يرصون على أن ل تضيع الدولة‪ ،‬وليس على السلطان ذاته‪.‬‬
‫فكيف هي مع السلطان الظال مادامت ل تقرّ بظلمه؟‪.‬‬
‫وجوابا أن ظلم السلطان ل يلغي إسلم الدولة‪ ،‬فالسلطان قد يكون ظالا‪ ،‬وقد يكون بعيدا عن التزاماته‬
‫الشرعية‪ ،‬لكن الجتمع إسلمي‪ .‬والياة إسلمية‪ ،‬والقضاء إسلمي والدولة إسلمية‪.‬‬
‫إن أحكامهم منعكسات لقناعات إيانية‪ .‬وهم حسنو الظن برجال صدر السلم وإن اختلف بعضهم عن بعض‪.‬‬
‫وقاتل بعضهم بعضا‪ .‬وليس صحيحا أن السلفيي أعداء للمام علي وكارهون لهل البيت‪ ،‬إل من كان منهم ناصبيا‬
‫سفيان الوى‪ ،‬وليس منهم من يفضل معاوية على المام علي‪ ،‬وهم ملتزمون بقاعدة التراتب الرباعي‪ .‬ومن خرج عن‬
‫هذا التراتب خرج منهم‪ .‬وقد ل يرضيهم ف كاتب السطور أنه من ل يأخذ بنظرية التراتب الزمن للخلفاء‪.‬‬
‫أما منتقدو النهج السلفي‪ ،‬فهم ليسوا فقط الخذين بالنهج العلمي الديث‪ ،‬ف دراسة التاريخ‪ .‬بل هم أولً‬
‫النتمون إل الدارس الثورية ف الفرق السلمية‪ ،‬ومنهم مفكرو التشيع‪.‬‬
‫لقد واجهت السلفية أربعة اتاهات نقدية صارمة ف البلد العربية‪ .‬كالنهج العلمي الليبال لدرسة طه حسي‪.‬‬
‫والنهج الاركسي الذي سار عليه اليسار العرب كحسي مروة وهادي العلوي وأحد عباس صال وصادق العظم‬
‫وآخرين‪ .‬ث منهج العلمانية النقة الت ظهرت مؤخرا بتحريضها على القدس‪ .‬واستخفافها بالدين والروح والغيب‪ ،‬ث‬
‫مدرسة التشيع وهي القدم ف التاريخ‪.‬‬
‫ولو أريد ل أن أفصح عن ميل لنهج أرجحه فليس سوى منهج طه حسي والدرسة الصرية‪ .‬وواقع الال أن‬
‫الركات الدينية والسياسية ف أيامنا هذه ل ترج عن الفهم السلفي للتاريخ الاص با‪ ،‬فإذا كان السلفيون السنة‬
‫يرون ف الصحابة سلفهم الصال‪ ،‬فالئمة الثنا عشر عند أهل التشيع هم السلف الصال القدس العصوم‪ .‬كما‬
‫للساعيليي والزيديي سلفهم الصال‪ .‬وللماركسيي سلفهم اللينين الاركسي الصال وياول أصحاب الشروع‬
‫القومي العرب أن يتفقوا على سلف صال لم‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ولو اعتن هؤلء القوم بياثهم العرب السلمي الذي أغفلوه‪ ،‬لكتشفوا ف عمر بن الطاب ما توصل إليه أبو‬
‫عمرو الاحظ ف كتاب (العثمانية) وقد بدا له الرجل متعربا‪ .‬والتعرب ف لغة عصر الاحظ هو مب العرب‪ ،‬والنافح‬
‫عنهم كيد أعدائهم‪ .‬ومانع السب عن نسائهم‪ .‬وراسم خارطتهم القومية الول‪ .‬والتعربون غي الستعربي‪ ،‬ولو كان‬
‫دعاتنا متعربي لعلوا عمر بن الطاب سلفهم الصال‪.‬‬

‫مستطـرف الرعية‬
‫هوم العقيدة والكينونة البشرية‬

‫‪60‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫احترام الكرامة النسانية‬
‫كان لعمر والٍ على الية يكثر من الزل‪ ،‬وقد حدث مرة‪ ،‬أن دعا رجلً‪ ،‬فأمال عليه بالطعام والشراب‪ ،‬مادعا‬
‫ل ما‬
‫به‪ ،‬فمسح بلحيته‪ ،‬فركب الرجل من العراق إل الدينة ليشكو عمر قائل‪ :‬لقد خدمت كسرى وقيصر فما أتى إ ّ‬
‫أتى ف مُلكك‪ .‬قال‪ :‬وماذاك؟ قال‪ :‬نزل ب عاملك فلن فأملنا عليه بالطعام والشراب مادعا به‪ ،‬فاحتبس الزل فدعان‬
‫فمسح بلحيت‪ .‬فأرسل إليه عمر‪ ،‬فقال‪ :‬هيه؟ أمال عليك بالطعام والشراب مادعوت به ث مسحت بلحيته؟‪.‬‬
‫وال لول‪ ،‬أن تكون سُّن ًة ماتركت ف ليتك طاقة إلّ نتفتها‪ .‬ولكن اذهب فو ال ل تلي عملً أبدا‪.‬‬
‫وأبلغ عمر أن قائدا عسكريا كان يمع رجاله ويطلب إليهم أن يبوه بكل ذنب أذنبوه‪ ،‬وهم يعترفون بذنوبم‬
‫طاعة له‪ ،‬فقال عمر‪ :‬ماله ل أم له يعمد إل ستر ستره ال فيهتكه؟ وال ل يعمل ل أبدا‪.‬‬
‫وكتب عمر لرجل كتابا بتعيينه واليا‪ .‬فدخل الرجل عليه‪ ،‬فرأى بعض أولد عمر ف حجر أبيهم يُقبلّهم‪ ،‬فقال الوال‬
‫الرشح مستغربا‪ :‬تفعل هذا يا أمي الؤمني؟ فو ال ما قبلّت ولدا ل قط!‪ .‬فقال عمر‪ :‬فأنت وال بالناس أقل رحة‪ ،‬لتعمل‬
‫ل عملً‪ ،‬وردّه‪ ،‬ول يستعمله‪ ..‬أي ألغى قرار تعيينه!‪.‬‬
‫وعزل قائدا عسكريا أمر أحد جنوده أثناء فتح فارس بالنول إل النهر ف يوم شديد البد لينظر للجيش ماضة‬
‫يعب منها‪ ،‬فتوف الرجل بعد دخوله الاء‪ ،‬وكان عمر يتجول ف سوق الدينة حينما بلغه الب‪ ،‬فاستدعى أمي اليش‪،‬‬
‫ووبّخه قبل عزله‪.‬‬
‫إعفاء العيل من خدمة العلم‪:‬‬
‫أعفى عمر بن الطاب العيل الوحيد لبيه من الذهاب إل الهاد إل بوافقة أبيه‪ ،‬وكان قانون التجنيد اللزامي‬
‫العراقي قد أخذ بذا البدأ بإطلق‪ ،‬واستمر العمل به إل أن استلم السلطة الرئيس صدام حسي فعطّل هذا الستثناء‬
‫العُمري اللّب‪ ،‬ومازال العمل مستمرا به ف نظام التجنيد اللزامي السوري حاليا‪.‬‬
‫ل عاجزا‪ ،‬فالتقى مع عمر بن الطاب وقرأ له‬
‫وملخص الرواية أن شابا اشترك ف فتوح الشام تاركا والده كه ً‬
‫أبياتا كتبها إل ابنه خراش‪.‬‬
‫أل من مبلـغ عنّي خراشـا وقـد يأتيـك بالنبـأ البعيد‬
‫‪61‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫أل فاعلم خراش بأن خي الـ مهاجـر بـعد هجرته زهيد‬
‫كمخضوب اللبـان ول يعيد‬ ‫رأيتـك وابتغـاء البّدونـي‬
‫فتأثر عمر وكتب بعودة خراش إل أبيه وأمر بأن ل يغزو من كان له أب شيخ ال بعد أن يأذن له‪.‬‬
‫أبو العيال ياطبُ الذاهبي إل الثغور‪:‬‬
‫" ولكم عل ّي ألّ ألقيكم ف الهالك ول أجركم " أي أبقيكم مدةً طويلة " ف ثغوركم‪ ،‬وإذا غبتم ف البعوث‪ ،‬فأنا‬
‫أبو العيال‪ .‬حت ترجعوا إليهم "‬
‫ولنه أبو العيال أصدر قرارا بنفي نصر بن الجاج فاتن النساء‪ ،‬حرصا على نساء الجاهدين‪ .‬وهو يقول‪:‬‬
‫" لو سَلمن ال لدفعنّ عن كل أرملةٍ بيث ل تتاج لحدٍ بعدي‪".‬‬
‫والرملة كما هو العروف عندنا‪ ،‬هي من فقدت زوجها‪ ،‬وكانت الرأ ُة ف العصور الت صُنعت فيه اللغة العربية‬
‫تلتصق بالرمال عَوزَا وفقرا لفقدِ مُعيلها فيعلوها الرمل‪ ...‬و تترمل!‬
‫يوع ما جاع الناس‬
‫اشفق عليهم بسّري وعلنيت مااستمرأوا الترف وما رددوا اسم عمر‪ ،‬وهم سلطي الاضر‪ ،‬الذين يتدللون على‬
‫الزمان كما اشتهت شهواتا قبّ البطون وحام على قول القائل‪ ،‬فإذا حاربوا فقراء شعبهم شهروا‪ ،‬عليهم سيفا‬
‫ينسبون لعمر‪ ،‬وادعوا شهادة ل يفظونا حبا لعمر ضد الارجي عليه! وعمر ألصق بن وقع عليهم سيفه السروق‪،‬‬
‫واسه النتحل‪ ،‬وإ ّل فما الذي يمع الترفي بانب من شخصية عمر‪ ،‬وهم يرفعون لفتة شد الزام على البطون ف‬
‫سنوات الصار والوع وعمر يوع ماجاع الناس ول يشبع بشبعهم‪.‬‬
‫حدث بعدما اشتدت الجاعة أن جيء عمر ببز مفتون بسمن‪ ،‬فدعا رجلً بدويا فأكل معه فجعل البدوي يتبع‬
‫باللقمة الودك إل جانب الصفحة‪ ،‬فقال له عمر‪ :‬كأنك مقفر من الودك؟ وأجابه الرجل‪ :‬أجل! ما أكلت سنا ول زيتا‬
‫ل له منذ كذا وكذا إل اليوم‪ .‬فحلف عمر ل يذوق لما ول سنا حت ييا الناس‪ ،‬وظل على هذا العهد‬
‫ول رأيت آك ً‬
‫حت أذن ال فعاد الطر وزال عن الناس الدب‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ب من لب‪ ،‬فاشتراها غلم له بأربعي درها‪ ،‬وذهب‬
‫وقد كان جادا ف هذا العهد كل الدّ‪ .‬قدمت ُعكّة من سن ووط ٌ‬
‫إليه الغلم فقال له‪ :‬قد أبر ال يينك وعظم أجرك‪ .‬قدم السوق وطب من لب وعكة من سن فابتعتهما بأربعي‪ .‬قال عمر‪:‬‬
‫أغليت فتصدق بما فإن أكره أن آكل إسرافا‪ .‬وأطرق هنيهة ث قال‪ :‬كيف يعنين شأن الرعية إذا ل يسن ما يسهم‪.‬‬
‫قال عمر لرسوله الذي بعثه يلتقي عي الشام‪ ":‬أما ما لقيت من الطعام فمل به إل أهل البادية‪ .‬فأما الظروف فاجعلها‬
‫لُحفا يلبسونا‪ ،‬أما البل فأنرها لم يأكلون من لومها ويملون من ودكها ول تنتظر أن يقولوا ننتظر با اليا‪ .‬وأما الدقيق‬
‫فيصطنعون ويرزون حت يأت أمر ال بالفرج"‪.‬‬
‫ل يبعث عمر جباته عام الرمادة ليقبضوا الزكاة‪ ،‬بل أخّرهم إل أن ارتفع الدب‪ .‬فلما أطمأن الناس إل العيش‬
‫وكثرت عندهم مادته أمر الباة أن يسيوا إليهم وأن يأخذوا من كل قادر حصتي‪ :‬حصة عن عام الرمادة‪ ،‬وأخرى‬
‫عن العام الذي بعده‪ ،‬وأن يقسموا إحدى الصتي على العوزين‪ ،‬ويقدموا عليه بالثانية‪ .‬بذلك زاد ف تفيف الفقر عن‬
‫الفقراء‪ ،‬ث ل يرهق غيهم ول يملهم ما ل طاقة لم به‪.‬‬
‫عزل الصابي بأمراض معدية‬
‫رأى عمر امرأة مذومة تطوف بالكعبة فقال لا‪ :‬يا أمة لو تقعدين ف بيتك ل تؤذين الناس فقعدت فم ّر با رجل‬
‫بعد ذلك فقال‪ :‬إن الذي قد ناك قد مات فأخرجي فقالت‪ :‬وال ما كنت ل طيعه حيا وأعصيه ميتا‪.‬‬
‫أهدى أبو موسى الشعري لمرأة عمر عاتكة بنت زيد طنفسة فرآها عمر عندها فقال‪ :‬أن لك هذه؟‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬أهداها ل أبو موسى الشعري‪ ،‬فأخذها عمر فضرب با رأسها حت نفض رأسها وطلب الشعري وأوت‬
‫به وقد أتعب وهو يقول‪ :‬لتعجل عليّ يا أمي الؤمني‪.‬‬
‫فقال عمر‪ :‬ما يملك أن تدي لنسائي ث أخذها عمر فضرب با فوق رأسه وقال‪ :‬خذها فل حاجة لنا فيها‪.‬‬
‫يفظ عروبة السيحي حت ل ينفّره من السلم‪:‬‬
‫يقول ممد حسي هيكل ف الزء الول من كتابه "الفاروق عمر" وإنا أصر نصارى بن تغلب على أل يؤدوا‬
‫الزية إن كان ف قومهم عزّ وامتناع يرون ف أداء الزية آية خضوع ومذلة ل تليق بم ول تتفق وما عرف الناس لم‬
‫من إكرام وكرامة‪ .‬وكرامتهم وقوتم ها اللتان جعلتا الوليد بن عقبة يريدهم على السلم ليكون لم به قوة ومنعة‪.‬‬
‫ولقد كان تشدد عمر معهم ف أمر الزية بادئ الرأي ث قبول صدقتهم مضاعفة بعد مشورة المام علي بن أب طالب‪،‬‬
‫‪63‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫سياسة منه يمد عليها‪ ،‬مع مالفتها لوقف أب بكر من أهل الردة‪ ،‬ومالفتها لوقفه هو من أعدائه القوياء ف فارس‬
‫والروم‪ .‬فبنو تغلب عرب‪ ،‬وكان عمر حريصا على عزة العرب‪ .‬ولئن أقام على نصرانيته منهم من أقام ليجعن هؤلء‬
‫جيعا إل السلم ولو بعد حي‪ .‬والرفق ف هذا الوقف أبلغ‪ .‬وقد دلت اليام على حسن فراسة عمر وبعد نظره إذ‬
‫نصرت تغلب السلمي من بعد نصرا عزيزا‪ ،‬وأيدتم على أعدائهم ف مواقف كثية‪.‬‬
‫ل يكتف عمر بقبول الصدقة من هؤلء النصارى! بل رأى أن ما بينهم وبي الوليد بن عقبة من خلف قد يدفعهم‬
‫إل إخراجه فيضعف صبه فيسطو عليهم‪ .‬لذلك عزله عنهم وأمر عليهم فرات بن حيان كيما يطمئن إل استتباب‬
‫المن واستقرار الطمأنينة ف ربوعهم‪ .‬ت ذلك كله ف السنة السابعة عشرة من الجرة فتم استقرار السلطان للمسلمي‬
‫بالشام من أقصى النوب إل أقصى الشمال‪.‬‬
‫عهد عمر إل النصارى ف بيت القدس‬
‫" بسم ال الرحن الرحيم‪ .‬هذا ما أعطى عبد ال عمر أمي الؤمني أهل إيليا من المان‪ :‬أعطاهم أمانا لنفسهم‬
‫وأموالم‪ ،‬ولكنائسهم وصلبانم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها‪ ،‬إنه ل تسكن كنائسهم ول تدم ول ينتقص منها ول‬
‫من حيزها‪ ،‬ول من صليبهم ول من شيء من أموالم‪ ،‬ول يكرهون على دينهم ول يضار أحد منهم‪ ،‬ول يسكن‬
‫بإيليا معهم أحد من اليهود‪ ،‬وعلى أهل إيليا أن يعطوا الزية كما يعطى أهل الدائن‪ .‬وعليهم أن يرجوا منها الروم‬
‫واللصوص‪ .‬فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حت يبلغوا مأمنهم‪ ،‬ومن أقام منهم فهو آمن وعليه مثل ما‬
‫على أهل إيليا من الزية ومن أحّب من أهل إيليا أن يسي بنفسه وماله مع الروم ويلى بيعهم وصلبهم فإنم على‬
‫أنفسهم وعلى بيعهم وصلبهم أن يبلغوا مأمنهم‪ .‬ومن كان با من أهل الرض فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما‬
‫على أهل إيليا من الزية‪ ،‬ومن شاء سار مع الروم ومن شاء رجع إل أهله‪ .‬فإنه ل يؤخذ منهم شيء حت يصد‬
‫حصادهم‪ .‬وعلى ما ف هذا الكتاب عهد ال وذمة رسوله وذمة اللفاء‪ ،‬وذمة الؤمني إذا أعطوا الذي عليهم من‬
‫الزية"‪ .‬وختم عمر الكتاب بتوقيعه‪.‬‬
‫سفط ناوند‬
‫عثر السلمون ف غنائم ناوند على سفطي() ملوءين جوهرا نفيسا من ذخائر كسرى فأرسلهما حذيفة بن اليمان‬
‫أمي اليش إل عمر مع السائب بن القرع‪ ،‬فلمّا أوصلهما له‪ ،‬قال‪ ":‬ضعها ف بيت الال‪ ،‬والق بندك"‪.‬‬
‫‪64‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫فركب راحلته ورجع‪ ،‬فأرسل عمر وراءه رسولً يّب السي ف أثره حت لقه بالكوفة فأرجعه‪.‬‬
‫فلما رآه عمر قال‪ :‬مال وللسّائب‪ ،‬ماهو إل أن نت الليلة الت خرجت فيها‪ ،‬فباتت اللئكة تسحبن إل‬
‫السفطي يشتعلن نارا؟ يتوعدون بالك ّي إن ل أقسمها‪ ،‬فخذها عنّي‪ ،‬وبعهما ف أرزاق السلمي‪ .‬فبيعا بسوق الكوفة‪.‬‬
‫وبعد معركة ناوند تسارع زعماء الفرس من هدان‪ ،‬وطبستان‪ ،‬وأصبهان‪ ،‬وطلبوا الصّلح‪ ،‬و ّت لم ذلك على‬
‫التوال‪.‬‬
‫خضياء الوال‬
‫حذر النب (ص) ف واحدة من أبلغ صور الكلم العرب الرجال من الطمئنان للمرأة الميلة ف منبت سيء قائلً‪:‬‬
‫إياكم وخضراء الدمن‪ ،‬وشاعت كلمة الضراء ف الدللة على الرأة الميلة الزاهية الذابة الغرية الت تعيش ف حأة‬
‫العفن‪ ،‬مثلها مثل العشب الخضر الزاهي الذي ينبت عادة فوق الزابل والدمن فتنجذب البل إليه فإذا اقتربت من‬
‫أنوفها عافتها البل لزفرة فيها‪.‬‬
‫أما الضياء عند عمر فهي الزوجة أو الرأة الدللة أو الت لا على زوجها تأثي وغنج‪ .‬لقد بلغه أن زوجة ماشع‬
‫بن مسعود كانت تدد بيتها أكثر من مرة فعّد ذلك من السرف والتبذير وربا د ّل ذلك عند عمر على أن لجاشع‬
‫فضلً من الال‪ ،‬فكتب إليه‪:‬‬
‫" بلغن أن الضياء تُحدّث بيوتا فإذا أتاك كتاب هذا فعزمت عليك أل تضعه من يدك حت تتك ستورها "‪ .‬أي‬
‫تزيل الديكورات والضافات الت أحدثتها الضياء‪.‬‬
‫فأتاه الكتاب وهو ف ملس فانطلق بالكتاب إل داره ومعه بعض مالسيه فهدموا ما جددته الضياء‪.‬‬
‫ينع زوجاته من السياسة‪:‬‬
‫وكان عمر ينع أزواجه من التدخل ف شؤون الدولة‪ .‬فعندما كتب على بعض عماله فكلمته امرأته فيه قائلة‪ :‬يا‬
‫أمي الؤمني فيم وجدت عليه‪ ،‬أي ما الذي أغضبك منه؟‪.‬‬
‫قال‪ :‬يا عدوة ال‪ ،‬وفيم أنت وهذا إنا أنت لعبة يلعب بك ث تتركي‪ .‬وف رواية‪ :‬فأقبلي على مغزلك ول تعرضي‬
‫فيما ليس من شأنك‪ .‬ولعلي أقرب إل تصديق الرواية الثانية‪ ،‬حيث يدد عمر مهمة الرأة ف ذلك الوقت أما أن تكون‬
‫لعبة فهو ما ل يتوافق والذائقة العمرية‪ .‬لكن الراوي أراد أل يغال ف عزل الرأة لغراض الفراش‪ ،‬فيما عمر أعطاها‬
‫‪65‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫الغزل ويعن به الوظيفة النسانية وليس التحديد‪ .‬وهو القائل‪ :‬وال لئن سلمن ال لدعّن أرامل أهل العراق ل يتجن‬
‫إل أحد بعدي أبدا‪.‬‬
‫ويستمع إل امرأ ٍة برزت على ظهر الطريق‪ ،‬وهو خارج من السجد‪ ،‬فسلم عليها فردت عليه السلم‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫ياعمر‪ .‬عهدتك وأنت تسمى عميا بسوق عكاظ تذعر الصبيان بعصاك فلم تذهب اليام حت سيت عمر‪ .‬ول تذهب‬
‫اليام حت سيت أمي الؤمني‪ .‬فاتق ال ف الرعية‪ ،‬واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد‪.‬‬
‫فقال جارود العبدي وكان مرافقا لعمر‪ :‬أكثرت يا امرأة على أمي الؤمني‪.‬‬
‫فقال عمر‪ :‬دعها‪ .‬أما تعرف هذه؟ هذه خولة بنت ثعلبة الت سع ال قولا فوق سبع سنوات‪ .‬وعمر أحق أن‬
‫يسمع لا وكان يشي إل آية كرية نزلت فيها‪:‬‬
‫)قد سع ال قول الت تادلك ف زوجها(‪.‬‬
‫ينع التشهي بشارب المرة‬
‫قضى أبو موسى الشعري وال البصرة على رجل شرب المرة بضربه وتسويد وجهه والتطواف به ف الدينة‪،‬‬
‫وني الناس أن يالسوه‪ .‬فأوشك الرجل أن يهم بقتل الشعري‪ ،‬لكنه رأى من الكمة أن يتوجه إل الدينة ليشكوه‬
‫عند عمر‪ ،‬فقال عمر للمشتكي‪:‬‬
‫إن كنت من شرب المر فلقد شرب الناس المرة ف الاهلية‪ ،‬وأمر له بكسوة ومائت درهم‪ .‬وكتب لب‬
‫موسى الشعري بأن يأمر الناس ان يالسوه ويالطوه‪ ،‬حت قبل التوبة فإذا تاب فاقبل شهادته‪.‬‬
‫وكانت المرة قد شاعت ف الجتمع أثناء الفتوحات‪ .‬وهي مشكلة جعلت عمر ف أول قضاء شرعي لد‬
‫حدّ شارب المرة ل ف زمن الرسول ول ف ولية أب بكر‪،‬‬
‫الشارب‪ ،‬أن يعقد ملسا يستفت به الصحابة حيث ل ُت َ‬
‫فاقترح المام علي حده بثماني جلدة‪ ،‬وهذا هو حد القذف‪ .‬إذ اعتب المام كل شارب خرة خارجا عن إرادته فاقدا‬
‫للسيطرة على عقله ولسانه فيأخذ بالشك والقدح والقذف‪.‬‬
‫إن القضاء عند عمر يفرق بي الد القانون للعقوبة‪ ،‬وبي التشهي باعتباره مساسا مباشرا بكرامة النسان‪.‬‬
‫ينفي الوسيم البطران!‬

‫‪66‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫سع عمر‪ ،‬وهو ف ال َعسّ‪ ،‬امرأة تتغن ببيت من الشعر‪ ،‬عن فت يدعى النصر بن حجاج‪ ،‬ولو أن ال أعطاها رجلً‬
‫على تامه!‪.‬‬
‫وف اليوم التال استفسر عمر عن هذا السم‪ ،‬وأمر باستدعائه فشخص الفت أمامه وهو على جانب من الوسامة‪،‬‬
‫فسأله عن عمله‪ ،‬ولا أيقن أن الفت بطران‪ ،‬يعتاش من العطاء‪ ،‬ويتجول ف حارات الدينة‪ .‬وكانت أوصافه أقرب إل‬
‫وسامة الغن المريكي الشهي " إلفس برسلي"‪ ،‬قضى عمر بلقة شعره التهدل‪ .‬فإذا به أكثر وسامة !‪ .‬فقرر نفيه إل‬
‫البصرة‪ ،‬ليكون قريبا من ثغور الجاهدين‪ ،‬بعيدا عن نسائهم اللئي قد يُفتّ به‪ ،‬ول يوافق عمر على توسلته بالعودة‬
‫إل الدينة قائلً‪:‬‬
‫أما وأنا حي‪ ...‬فل!‪.‬‬
‫ول ندري إذا ما أعاده عثمان بن عفان ف خلفته‪ ،‬مع من أعيدوا من الطرودين إل الدينة؟‪.‬‬
‫إن قصص عمر وحركته واجتهاده‪ ،‬تكسر القول بوحدة الصحابة‪ ،‬وتنحه فرادة هي مزيج من صلبة العتقد‪،‬‬
‫وانفتاح الياة‪ ،‬وطول التجربة‪ ،‬والشجاعة ف الرأي‪ ..،‬واللام الاص‪ ،‬والرص على مصال الناس‪ ..‬وامتلك الزاج‬
‫الميل‪.‬‬
‫ينع ثياب اليطان‬
‫ف زيارته إل الشام دخل عمر إل بيت أحد ولِتهِ هناك يزيد بن أب سفيان‪ ،‬فرأى قماشا يتدل على الائط‪،‬‬
‫فاستغرب أن تلبس اليطان ثيابا زاهية من مصنوعات حلب أو دمشق‪ ،‬فاته إليها قبل أن يأخذ مكانه ف اللوس‬
‫وشرّعَ يُقطع أوصالا‬
‫قائلً‪" :‬ويك أتلبس اليطان ما لو ألبسته قوما من الناس لسترهم من الرِ والبد"‪.‬‬
‫يفضل لغة الصحافة‪:‬‬
‫وأنت تصغي لرواية عن عمر تطوي القرون والتواريخ‪ ،‬فتراه على شاشة التلفزيون قاضيا يتحدث ف القوق‬
‫الدستورية للمتهم‪ ،‬وداعية اشتراكيا مهموما بالسحوقي‪ ،‬وتراه قائدا عسكريا يشرح على خارطة الائط حركة‬
‫الفيالق ويؤشر على منافذ التسلل خطوط الرجعة‪ .‬أمّا أن يفرق هذا الرجل بي مفهوم الديب ووظيفته والصحفي‬
‫ووظيفته با يلتبس المر علينا ف عصر الثورة العلمية والنترنت‪ ،‬فهو الصدمة ل شخصيا كون أمتهن الصحافة‪.‬‬
‫‪67‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫تقول الرواية‪:‬‬
‫إن رجلً يدعى صحّار العبدي ُب ِعثَ إل عمر عندما فتح السلمون أرض مكران ف بلد فارس‪ ،‬فوصله مع‬
‫أصحاب الغنائم‪ .‬وكان من عادته أن يسأل القادم من الرض الفتوحة عن أهل تلك البلد وعاداتم وطبيعة الرض‪،‬‬
‫ض سهلها جبل‪ .‬وماؤها وشل‪ .‬وثرها دقل()‪ .‬وعدوها‬
‫وكيف يعيش العرب خارج الزيرة‪ .‬فانطلق العبدي قائلً‪:‬أر ٌ‬
‫بطل‪ .‬وخيها قليل وشرّها طويل‪ .‬والكثي فيها قليل‪ .‬والقليل با ضائع وما وراءها شرٌ منها‪.‬‬
‫فقال عمر‪ :‬أسجّاع أنت أم مب؟‪ .‬أجابه‪ :‬بل مب!‪.‬‬
‫والسجاع هو الطيب الذي يتحدث ساعة قبل أن يصل إل البضاعة‪ ،‬فيأخذه السجع وينسيه التحليل العلمي‪ ،‬أو‬
‫الوصف الطبيعي للشياء وهذا فعل الصحفي الذي عرفه عمر آنذاك ومن نسميه اليوم بالندوب الحلي والخب ف‬
‫الريدة‪.‬‬
‫لقد أستكثر عمر على التحدث خروجه من الواقع إل البلغة‪ .‬وطالبه بأن تكون لغته مثل مرر الخبار الحلية ف‬
‫وكالة النباء العراقية سابقا‪.‬‬
‫فكتب عمر إل أمي اليش أن ل يوز مكران وأن يقصر إل مادون النهر‪.‬‬
‫جرائم النس ف عهده‪..‬‬
‫أحصينا لدى ممد الصلب ف كتابهِ العمري الامع الانعَ خسا وعشرين جنحةً وجناية من هذه الت تنشرها‬
‫الصحافة العربية عن سجلت الشرطة اليومية ف أيامنا هذه وهي تعكس جانبا من حركة الرية اليومية ف عهد عمر‬
‫خلوا من جريةٍ سياسية لن تعاليم الليفة ل تتحدث عن حظر النشاط السياسي أو مراقبة الناشطي‪ ،‬فَلم يُسجن أو‬
‫يعاقب شخصٌ يتفظ برأي مالف لرأي الكومة‪ ،‬ول تُراقب حركة أب لؤلؤة ما سهّل له فع َل الغتيال الشي على‬
‫تلك الصورة السهلة‪.‬‬
‫ومن بي (‪ )25‬حادثة مسجلة احت ّل النس الرتبة الول واستق ّل بإحدى عش َر قضية يشك ّل الزنا مورها الساسي أو‬
‫أن تتصل بقضية زواج غي شرعي‪ ،‬وتشي الالت الدونة إل مفارقات جريئة ل يلك القارىء العاصر إ ّل أن يقد َر المانة‬
‫العلمية والصحفية للمؤرخي العرب‪ ،‬الذين ل يغفلوا تدوي َن أخبار الزنا ولو كان التهم با صحابيا كالغية بن شعبة‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ف‬
‫إن أخبار النس ف عصر الصحابة ف الكتب السلمية ل تُور ُد إ ّل إذا كان التهم قد أخذ حكم الباءة فيما ُتسِر ُ‬
‫ج البحث الخرى ف استعراض تفاصيل الرائم النسية با يُخرجها من التاريخ إل التشهي السياسي‪.‬‬
‫مناه ُ‬
‫من طرائف هذا السجل أن امرأ ًة قد تسرّت بغلمها أي عاشرته العاشرة الزوجية فلما سُئلت قالت‪ ،‬أليس ال‬
‫يقول ما ملكَت أيانكم فهذا مُلك يين‪.‬‬
‫ك ملكُ يينك‪.‬‬
‫ورُفع المر إل عُمر فقال لا‪ :‬ل يلّ ل ِ‬
‫وف رواية أخرى‪ :‬وفرّق بينهما وج َلدَها مئةَ جلدة تعزيرا ل حدّا واسقط عنها الد لهلها بالتحري‪.‬‬
‫ومعروف شرعا أن الرجل وَحدَه له حق التسري والعاشرة الزوجية مع ما ملكت يَميُنهُ من النساء‪.‬‬
‫والذي يبدو أن هذه الرأة أرادت أن تتساوى ف هذا الق مع الرجلِ‪ .‬ول أظنها جاهلةً مادامت أشارت إل‬
‫النص‪.‬‬
‫وأوت عمر بجنون ٍة قد زنت فاستشار الناس فأمر با أن ترجم لكن القدر أنقذها عندما مرّ با المام علي بن أب‬
‫طالب‪ ،‬فقال‪ :‬ارجعوا با وقالَ لعمر أما علمت أن القلم قد رُفع‪ ،‬فذكر الديث وف أخره قال عمر بلى‪ ،‬فقال المام‬
‫ل غي مسلم اغتصب مسلمةً واستكرهها‬
‫ص َلبَ رج ً‬
‫علي ما بال هذه تُرجم‪ .‬فأرسلها وجعل عمر يُكبّر‪ ،‬لكنّه أي عمر َ‬
‫على الزن‪.‬‬
‫وكان عمر ل يُعاقب الُستكرهات على الزن‪ .‬وقد أُت بنساء من إماء المارة استكرههن غلمان من غلمان المارة‬
‫فضرب الغلمان ول يضرب الماء‪.‬‬
‫وتدخل المام علي مر ًة أخرى فأنقذ متهمةً بالزن كانت استسقت راعيا فأب أن يسقيها إ ّل أن تكنه من نفسها‬
‫ففعلت‪ ،‬ورُفع أمرها إل عمر فقال لعلي‪ :‬ما ترى فيها يا أبا السن‪.‬‬
‫قال المام‪ :‬إنا مضطرة فأعطاها عمر شيئا وتركها‪.‬‬
‫وكما يتزوجُ الرجلُ أكثر من واحد ٍة ف وقتٍ واحدٍ‪ ،‬تزوجت امرأة رجلً على زوجها وقد تكتمت على زواجها‬
‫فرجها عُمر ول يَر ِجمُ الزوج لعدم عِل ِمهِ بزواجها‪.‬‬
‫النس والشاهي‪:‬‬

‫‪69‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫كما تطارد عدسات الصورين حت الوت زوايا الياة الاصة بالشاهي لتنشر أخبارهم الشخصية مكبّرةً بانشيت‬
‫عريض ف صحف التابلويد الفاضحة‪ .‬كانت عيون الرواةِ تُحصي على مشاهي الصحابة ومتمع الدينة عثراتِ القدم‬
‫ث ما هو أفضحُ لغيهم تُسِترَ بالهال وعدم الكتراث‪.‬‬
‫وشطحات اللسان ولو ح َد َ‬
‫وبأسباب تتصل بثراء الفتوحات واتساع الجتمع وتلون أطيافه‪ ،‬أُثقل هذا العصر بقصص النس والشاهي ما‬
‫التقطه مؤرخون مترفون ثقاة كالطبي والبلذري وابن الثي ولو كان اللقوط صحابيا أو قائدا عسكريا بجم خالد‬
‫بن الوليد والغية بن ُشعْبَه‪.‬‬
‫فماذا كان موقف عمر من قصص النس ف عهده؟‬
‫تبدو ل أن سياسته تشبه السياسة البيطانية والوربية بشك ٍل عام حاليا باعتبار الديث ف أسرار الياة الشخصية‬
‫مُباحا عندهم إذا كان صاحب القِصة من يعملُ ف الدمة العامة كالرؤساء والمراء والوزراء ورجال العمال‪ .‬ويُح ّرمُ‬
‫الديث ف هذه القصص إذا شلت ناسا بُسطا ْء من عامة الجتمع‪.‬‬
‫وبذا يكن أن نلص إل حل الشكال بي موقفي لعمر‪ :‬أحدها ينحو منحى الشهار وإقامة الحاكمة وتنفيذ‬
‫الكم‪ .‬وآخر هو الستار وقد عزل واليا على مدينةٍ صغي ٍة حي بلغه أنه كان يَجمعُ الن َد ويطلب إليهم الكشف عن‬
‫أسرارهم الاصة وما يفعلونه وراء الكواليس‪ .‬فقالَ له عمر‪ :‬أتكشف ما ستره ال؟‬
‫وف حادثةٍ أخرى عرضَ عليه رجل قصة ابنته الت جنحت والوقف منها وبعد أن فصّل له الرج ُل فروعَ القصة‬
‫َف َردَعُه قائلً‪ :‬أتكشف ما ستره ال‪ :‬انكحها نكاح العفيفة‪.‬‬
‫ول ينبغي أن يُفهم من كلمنا أن عمر كان يتساهل مع الرية النسية‪ .‬إنّه إنا ينع الشهار وتداول الب‬
‫النسي‪ ،‬لكنه ل يسكت عن جريةٍ جنسية‪.‬‬
‫وف السياق ذاته يورد الفقهاء مسائل النس ف كتبهم إل ح ّد طغيانا على مسائل القوق الدنية والسياسية ف‬
‫الجتمع السلمي‪ ،‬ما أنكره المام المين على فقهاء عصره احتجاجا على انشغالم با اساه بقضايا اليض والنفاس‪.‬‬
‫وتُدرس جرائم النس ف كتب القضاء السلمي وما صدر فيها من أحكام‪.‬‬
‫أربعة خلفاء وأربع دعاوى‪:‬‬

‫‪70‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫وجد اللفاء الراشدون الربعة أنفسهم أمام إشكال قانون سياسي إزاء متهمي بالقتل‪ ،‬فماذا عليهم أن يفعلوا‬
‫إزاءهم‪ ،‬وكان أي منهم يواجه من شركائه الصحابة رأيا متلفا‪.‬‬
‫إن عمر بن الطاب كان مصرا على معاقبة خالد بن الوليد التهم بقتل مالك بن نويرة‪ ،‬لكن الليفة أبو بكر‬
‫رأى غي ذلك فقبل تبيرا لالد ل يقبله عمر‪ ،‬ومازالت التهمة ملتصقة بابن الوليد ف كتابات جيع الؤرخي عدا‬
‫أصحاب النهج السلفي‪ ،‬لكن عمر يواجه إشكالً ماثلً مع الرمزان القائد الفارسي الذي غدر بعد إعطائه‬
‫المان‪ ،‬ث ألقي القبض عليه وهو متهم بقتل اثني من الصحابة فعرض إسلمه الش فقبل به عمر‪.‬‬
‫أما عثمان فهو الخر يواجه ف اليوم الول لستخلفه مشكلة عبيد ال بن عمر الذي قتل الرمزان ورجلً‬
‫مسيحيا وابنة أب لؤلؤة‪ .‬وكان رأي بعض الصحابة ومنهم علي بن أب طالب أن يقتل عبيد ال بم‪ .‬فعفا عثمان ودفع‬
‫الدّيات من جيبه وكانت تلك بداية مشكلة مع عبيد ال ضد المام علي الذي كان يصر على معاقبته كإصرار عمر‬
‫على معاقبة ابن الوليد‪ ،‬وترسم القادير وضعا ماثلً لوضع عثمان عندما استخلف المام علي بعد مقتل عثمان فطالبه‬
‫الصحابة بقتل قاتله‪ ،‬والتهم هذه الرة هو ممد بن أب بكر‪ ،‬فالتبست المور واشتبكت الراء قبل اشتباك السيوف ف‬
‫معركة المل وماتلها من انشقاق معاوية على مركز اللفة‪.‬‬
‫العفو عن الرمزان‪:‬‬
‫لا أسر الرمزان حل إل عمر من تستر إل الدينة‪ ،‬ومعه رجال من السلمي‪ ،‬منهم الحنف بن قيس‪ ،‬وأنس بن‬
‫مالك‪ ،‬فأدخلوه الدينة ف هيئته وتاجه وكسوته‪ ،‬فوجدوا عمر نائما ف جانب السجد‪ ،‬فجلسوا عنده ينتظرون انتباهه‪،‬‬
‫فقال الرمزان‪ :‬أين عمر؟ قالوا‪ :‬ها هو ذا‪ ،‬قال‪ :‬أين حرسه؟ قالوا‪ :‬ل حاجب له ول حارس‪ .‬قال‪ :‬فينبغي أن يكون‬
‫هذا نبيا‪ ،‬قالوا‪ :‬إنه يعمل بعمل النبياء‪ .‬واستيقظ عمر‪ ،‬فقال‪ :‬الرمزان؟ فقالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬ل أكلمه أو ل يبقى عليه‬
‫من حليته شيء‪ ،‬فرموا ما عليه‪ ،‬وألبسوه ثوبا صفيقا‪ ،‬فلما كلمه عمر‪ ،‬أمر أبا طلحة أن ينتضى سيفه ويقوم على‬
‫رأسه‪ ،‬ففعل‪ .‬ث قال له‪ :‬ما عذرك ف نقض الصلح ونكث العهد؟ ‪ -‬وقد كان الرمزان صال أو ًل ذ ث نقض وغدر ذ‬
‫فقال‪ :‬أخبك‪ ،‬قال‪ :‬قل‪ ،‬قال‪ :‬وأنا شديد العطش! فاسقن ث أخبك‪ .‬فأحضر له ماء‪ ،‬فلما تناوله جعلت يده ترعد‪،‬‬
‫قال‪ :‬ما شأنك؟ قال‪ :‬أخاف أن أمد عنقي وأنا أشرب فيقتلن سيفك‪ .‬قال‪ :‬ل بأس عليك حت تشرب‪ ،‬فألقى الناء‬
‫عن يده‪ ،‬فقال‪ :‬ما بالك؟ أعيدوا عليه الاء‪ .‬ول تمعوا عليه بي القتل والعطش‪ ،‬قال‪ :‬إنك قد أمنتن‪ ،‬قال‪ :‬كذبت!‬

‫‪71‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫قال‪ :‬ل أكذب‪ ،‬قال أنس‪ :‬صدق يا أمي الؤمني‪ ،‬قال‪ :‬ويك يا أنس! أنا أومن قاتل مزأة بن ثور والباء بن مالك!‬
‫وال لتأتين بالخرج أو لعاقبنك‪ ،‬قال‪ :‬أنت يا أمي الؤمني قلت‪ :‬لبأس عليك حت تشرب‪ .‬وقال له ناس من‬
‫السلمي ذلك فأقبل على الرمزان وقال خدعتن وال ل أخدع إل لسلم فأسلم فعرض له على ألفي أي خصص له‬
‫راتبا وأنزله الدينة‪.‬‬

‫ســياســته العـلـــويــة‬

‫التأسيس الشترك والدارة الماعية ‪.‬‬


‫وأهل البيت على الراس‬

‫‪72‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫علي الؤسس ل الستشار‪:‬‬
‫بنوايا بيضاء ورغبة ملصة لتوشيج النسيج السلمي يكتب ممد الاجي مؤلفه علي بن أب طالب مستشار أمي‬
‫للخلفاء الراشدين‪ .‬وبذات النية والدف والتاه يكتب الدكتور الفقيه ممد سعيد رمضان البوطي عن التعاون التميز‬
‫الصاف بي عمر وعلي‪ ،‬فيقول‪ " :‬إن المام علي هو الستشار الول لعمر ف سائر القضايا والشكلت وما اقترح علي‬
‫على عمر رأيا إل واته عمر إل تنفيذه عن قناعة "‪.‬‬
‫ويستعرض الدكتور علي ممد الصلب ف مفصله عن عمر بن الطاب جوانب من هذه الستشارات الكبية‬
‫منها والصغية‪.‬‬
‫وف تذوق لغوي وذائقة تاريية وسياسية ل أجد ف مصطلح الستشار إل ماتعافه نفسي‪ ،‬أما أن يكون أو ًل فليس‬
‫ذاك عندي سوى أن جعلنا من المام علي واحدا من عشرات الستشارين‪ .‬وهو ما تستنكره سية ابن هشام وطبقات‬
‫ابن سعد وتاريخ الطبي ومروج السعودي‪ .‬فالريد الراضع حليب القرآن ف يوم مولده والولود ف رحاب الكعبة‬
‫والفت والسيف والذر والصهر والمامة وبيت النبوة ف بيته ليس موظفا تت الطلب يتاج إليه ف يوم وينسى شهرا‬
‫أو شهورا‪.‬‬
‫ل يكن مركز إدارة الصراع العالي الذي تأسس ف السجد النبوي‪ ،‬والدينة عاصمة العال الديد‪ ،‬دائرة حكومية‬
‫فيها رئيس ووزراء تنفيذيون وجلة مستشارين من ل يلصق بم اللقب إل لعجز ف القدرة على القيادة أو لبطالة‪.‬‬
‫ل نشك أن مصطلح الستشار الستخدم ف الكتابات التأخرة عند التوفيقيي أو ف الدرسة السلفية إنا يراد به‬
‫الردّ على فريق من السلمي القائلي باعتكاف المام علي ف حجرة واصّرارهم على أخذ المام علي إليها ليعلن‬
‫القطيعة الكاملة ليس فقط بي علي وعمر وعلي ودار اللفة‪ ،‬بل بي علي ومركز إدارة الصراع الديد وإخراجه من‬
‫دائرة الصراع‪ ،‬فيقول العلمة السيد كاظم القزوين ف كتابه (المام علي من الهد إل اللحد) إن المام علي كان‬
‫جليس البيت منذ وفاة النب إل ظهور اسه ف هيئة الشورى‪ ،‬الذي أوصى به عمر قبيل وفاته عام ‪ 23‬للهجرة‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫وليس هذا من القطوع به عند جيع فقهاء التشيع‪ ،‬فالعلمة الؤرخ هاشم معروف السن ف كتابه (سية الئمة‬
‫الثن عشر) يقول غي هذا ويرى أن أية معارضة ل تصدر من المام علي على خلفة عمر ل ف القول ول ف الفعل‪،‬‬
‫وهو ذاته ماقال به الرجع الشيعي الكبي الشيخ ممد حسي آل كاشف الغطاء ف كتابه (أصل الشيعة وأصولا)‪.‬‬
‫ومرجع ماذهب إليه القائلون بصطلح الستشار أن آلية إصدار القرار ف ولية عمر تعتمد على مبدأ الشورى‬
‫الذي توسع به الليفة الثان بالقارنة مع ولية أب بكر وولية عثمان بن عفان‪ .‬فلم يوسع أبو بكر فيها حرصا على أن‬
‫ليرج عما سار عليه النب (ص) قبله‪.‬‬
‫ولكون عثمان قد أحيط بستشارين من السلمي الدد القادمي من الفرع الموي فلم يعد قدماء الصحابة‬
‫يدون ف ملسه ماكان متوفرا ومتاحا لم ف شورى عمر‪ .‬وقد يكون مصطلح الستشار اشتقاقا لغويا غي سليم عن‬
‫مصدر الشورى إذ ل يُدعى عضو الشورى مستشارا ول تستخدم حت الن صيغة اسم الفاعل لذا الصدر‪.‬‬
‫وف الشورى مشاورة ومناقشة ف ملس يتساوى فيه العضاء ف الكانة النوعية كمنتخبي والكمية كأعداد ف‬
‫التصويت‪ ،‬وإن كانت آلية عمر ف الشورى تيل إل الترجيح وليس إل التصويت‪.‬‬
‫وبسبب ثقل المام علي واتساع خبته وعمق صلته بالسلم وتفرغه الكاديي لدراسة القرآن والديث‬
‫الشريف ف فترة اعتكافه بعد مبايعة أب بكر‪ ،‬والت استمرت ستة أشهر فقط‪ ،‬فيما أحالا فريق من السلمي إل قطيعة‬
‫مازالت قائمة حت يومنا هذا‪ ،‬كان رأي المام مرجّحا والقترح الذي يشي به إل عمر كما يقول البوطي مقبولً عند‬
‫عمر عن قناعة‪.‬‬
‫كان الشريف الرضي فقيها وشاعرا معاصرا لب العلء العري ومن أحفاد المام موسى الكاظم ييز العمل مع‬
‫السلطان‪ ،‬ول يرى ف الدولة العباسية دولة غصبية أو مغتصبة‪ ،‬خلفا للسائد الشيعي‪.‬‬
‫ويشترك معه شقيقه الشريف الرتضى ف هذا الرأي‪ ،‬وكانت لما صلة طيبة مع دار اللفة أعادت إل الذهان‬
‫اليام العمرية ذ العلوية‪.‬‬
‫لكن الشريف الرضي ل يستسغ ف أعماقه أن يكون أقل من الليفة شأنا ومكانة مع أنه ل يكن المام ول الفقيه‬
‫الول فخاطب الليفة ذات يوم بقصيدة تبدو ل الن وكأنا تنقّط على معجمات الروف ف مصطلح الستشارة‬
‫والستشار‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ف دوحة العلياء ل نتفّرق‬ ‫عطفا أمي الؤمني فإننا‬
‫وكلها الرضي والليفة ف العال معرّق‪ .‬لكن الرضي ح ّر مطلق من مسؤولية اللفة والليفة مطوقا‪.‬‬
‫ول يكون القبول ف علقة المام الول علي بن أب طالب بعمر بن الطاب بأقل من مقبول علقة الشريف‬
‫بالليفة‪.‬‬
‫ف يوم السقيفة‪:‬‬
‫عمر منع الفراغ وعلي منع النشقاق‬
‫هل أوصى النب (ص) للمام علي من بعده ف غدير خم‪ ،‬وهو حديث توثقه الراجع السلمية الول عند‬
‫الفريقي‪ ،‬ويتلفون فيه على حدود الولية وكيفية التعامل مع خب الولية ف كتاب عن عمر والتشيع وما بي الثني‬
‫خلف على النص هو الصل ف ظهور التشيع عند بعض الؤرخي؟‪.‬‬
‫وما الوقف ف قول عمر ف النب (ص) حينما حضرته الوفاة وطلب أن تدون له وصية (انه ليهجر)؟‪.‬‬
‫وما الوقف من السقيفة؟‪.‬‬
‫أما إيراد الروايات فل يزيد الديث معلومة جديدة على التداول ف أروقة السجال منذ وفاة النب (ص) حت‬
‫اليوم‪.‬‬
‫وإذا كان مؤرخو السلم وفقهاء وأئمة الذاهب ل يتوصلوا إل اتفاق مشترك فهل سينتهي السجال با يقوله كاتب‬
‫ل يرج من ضلع الوزة ول دخل الدرس ف مشيخة السلم ول وضع نفسه ف مشتجر اللف؟‪.‬‬
‫السبيل السلم أن نتعامل مع تلك التساؤلت والحداث والسجالت بطريقة المام علي‪ ،‬الذي تتحدث‬
‫ل ستة شهور قرر ف ناية المر أن‬
‫الروايات عن اعتراضه واحتجاجه وعدم ذهابه إل بيعة أب بكر فدخل ف القطيعة فع ً‬
‫ل يكون أوائل بناة مشروع الدولة السلمية سببا ف تقويضها وهي مهددة بارتداد قبائل العرب‪ ،‬حت ل يبق مع مركز‬
‫اللفة سوى الوس والزرج وقريش وثقيف‪ ،‬فأنى المام شهور القطيعة وقرر البدء برحلة الشاركة ف العملية‬
‫السياسية قائدا بارزا واسا لمعا ف تاريخ التأسيس السلمي الول‪.‬‬
‫وف فترة احتجابه سيطر المام علي على مستوى لدرجة الحتجاج ل يتحول فيه اللف إل معارضة والعارضة‬
‫إل حركة مسلّحة خلفا للمألوف العرب الطويل وتقاليد العارضة والحتجاج‪ ،‬الت كانت ل تضع حواجز بي الرأي‬

‫‪75‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫واللف واللف والتعبي السلح عنه‪ ،‬فلم يكن ثة برلان تتحادث داخله العارضة‪ ،‬ول صالة يتمع إليها السلطة‬
‫والعارضة‪ ،‬والقاعدة العربية العمول با ف تاريخ العرب والسلمي أن العتراض السياسي ينتهي ف أقصر زمن‬
‫بالحتكام إل السيف‪ .‬وقومي تيم والفلة ورائيا‪.‬‬
‫خرج المام علي على تقليد سائد ف اللجوء إل قوة السلح أو حت إل حجج اللسان‪ ،‬فأحال شهور القطيعة‬
‫الستة إل معتكف علمي لدراسة القرآن ومراجعة الحاديث النبوية وترتيب الوراق والولويات وأوراقه الشخصية‬
‫وتنشيط الذاكرة وتسجيل شهادته ف أسباب النول‪ ،‬فأسست ف شهور القطيعة الستة لول مرة ف تاريخ العرب‬
‫والسلمي ظاهرة السياسي الثقف والليفة الفقيه ومن يسمى الن آية ال أو الرجع الدستوري ف الدولة‪ .‬فجددت‬
‫تلك الرحلة عشرين عاما من التلمذة الروحية لريد النب (ص) والتربية العائلية لربيب ابن عمه والشاركة اليومية ف‬
‫حياة داخل مسكن واحد فكب مقامه الكبي ف نفوس السلمي وأضيفت لنفوذه الروحي أسباب الورع والزهد والبعد‬
‫عن الَنفَس ف الرياسة وتعالٍ عن اللف‪ ،‬ول يكن لرجل بدور المام ف بناء السلم إن يبتعد ف القطيعة إل أكثر ما‬
‫انتهى إليه قراره‪ .‬وكان من الطبيعي أن يكون أصحاب المام وهم من رجال الصحبة الوائل قد بايعوا معه ومعهم‬
‫الاشيون الذين ل يباعوا بعد‪ ،‬ول يقاطع أي من أصحاب المام وبن هاشم مركز اللفة‪ ،‬واندموا ف الدولة الديدة‬
‫ول ًة وقادةً وأمراء مابي البصرة والكوفة والدائن‪.‬‬
‫كانت سابقة للمام علي قد تبدو فريدة ف التقاليد السياسية للخلف ف الدولة السلمية‪ ،‬حيث ل يلجأ إل‬
‫الثورة ول إل شيء من التنظيم السياسي لزب معارض فاعتمدت الشيعة المامية بعد مقتل المام السي ذلك نظرية‬
‫عمل مقابل فريق شيعي آخر تزعمه المام زيد بن علي بن السي‪ ،‬وكان تواصلً للطريقة العربية ف ربط العارضة‬
‫بالثورة الت عبّر عنها المام السي ف معركة الطف بكربلء‪.‬‬
‫لبد أن اتاهات داخل الفرع المامي كانت ف وضع حرج بي إعلن الصالة والشاركة حيث تصال المام‬
‫علي وبي فكرة الروج على اللفة إل الثورة السلحة ف النظرية الزيدية‪ ،‬فتكون قد خرجت على شروطها‪ ،‬ول‬
‫تتمل تلك التاهات رؤية المام علي ف السجد النبوي إل جانب أب بكر وعمر وأب ذر وسلمان وعمار بن ياسر‬
‫ومعهم صحابة قادمون من العسكر السفيان‪ ،‬الذين دخلوا السلم بعد فتح مكة‪ ،‬استفادت تلك التاهات من‬
‫انقطاع المام علي ف الشهور الستة الول عن مركز اللفة لصياغة نظرية القطيعة الستمرة ورفض الروي عن‬

‫‪76‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫تصال المام مع مركز اللفة واستبعادها أن تكون علقة المام حسنة مع عمر بن الطاب الذي يّمله مياث‬
‫التشيع الرسي مسؤولية عدم الخذ بديث الغدير ومنع النب (ص) من تدوين وصيته وأخذه بيعة أهل السقيفة لب‬
‫بكر ومهاجة بيت المام علي وكسر ضلع الزهراء وإسقاط جنينها‪.‬‬
‫حدث ذلك ف يوم واحد‪ ،‬وهو اليوم العمري عند فريق الغلبية من أهل التشيع الكرر كل يوم والوجود ف‬
‫التاريخ والنقوش ف الذاكرة والوروث للجيال‪ .‬هو ليس يوما ف التاريخ‪ ،‬إنا اليوم الذي ألغى التاريخ‪ ،‬فخرجت‬
‫حركة ذلك اليوم عن كونا فعلً سياسيا وخطة قرشية إل البعد العياري القدس الذي ترب على ضوء القبول به‬
‫ورفضه نوايا التباع واختبار القائق‪ ،‬ودخل مصطلح السقيفة أو يوم السقيفة وأهل السقيفة ف العجم السياسي‬
‫للتشيع با يفقد الكان دللته الكانية إل دللته العيارية‪ ،‬ويكتسب ميكافيلية مبكرة معجونة بالكيد والصرار على‬
‫التآمر والتفاق على استلب الق وانتهاك القدس النبوي‪ .‬ولذا كان السؤال الكثر إحراجا عند السائل يصوّب نو‬
‫كاتب السطور من موقفٍ عند السقيفة ستتبناه هذه السطور‪ ،‬وكيف سيكون الوقف الشرعي إزاءه وإزائي؟‪.‬‬
‫أما جواب فليس معقدا وليس فيه من الحراج ما يعل الروج منه صعبا‪.‬‬
‫وسيكون التعامل مع مصطلح السقيفة بطريقة سياسية واقعية‪ ،‬والسقيفة مكان غاب عنه القدس‪ ،‬وهي فعل‬
‫بشري خالص‪ ،‬لكنها يوم التأسيس الثان للدولة السلمية بعد اليوم الذي أعلن فيه النب (ص) نزول الوحي وليس‬
‫مهما‪ ،‬أمام مشروع دولة ناهضة وكبى‪ ،‬من سيكون الرجل الول ف السلطة سواء كانت البيعة لسعد بن عبادة أم‬
‫لعلي بن أب طالب أم لب بكر مادام مؤتر السقيفة سياسيا ل يأت به قرآن ولحديث نبوي ولسنة ولسابقة‪.‬‬
‫وأظنه موقفا مشتركا للمؤرخي والكتاب والعاملي ف السياسة العربية‪ ،‬الذين هم خارج ميدان اللف الفقهي‬
‫ف موضوع الولية نصا كانت أم انتخابا‪ .‬وعندهم أن السقيفة يوم تقرر فيه مواصلة العمل ف مشروع الدولة فلم يؤد‬
‫اللف إل انشقاق مسلح وانقسام بي أتباع وأتباع وظهور إمامي أو خليفتي ‪.‬‬
‫والسؤال الذي يوّجه من كاتب السطور إل سائليه‪ ،‬لو أن المام علي بن أب طالب ذهب إل اتاذ قرار بإعلن‬
‫خلفته وحوله صحابة مؤيدون وأتباع‪ ،‬وحدث النشقاق السلح‪ ،‬هل كان ليوم السقيفة أن يواصل بي مرحلتي رحل‬
‫النب فيها عن الول وبدأت الثانية متصلة بالول‪ ،‬دون فراغ ف السلطة والدارة؟‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫أقول‪ ..‬إذا كانت براعة عمر بن الطاب‪ ،‬الت سأتدث عنها ف صفحات لحقة قد سجلت ليوم السقيفة أن يل‬
‫الفراغ‪ ،‬فالذي منع النشقاق وحال دون النقسام هو المام علي بن أب طالب الذي أكتفى بالحتجاج العلمي والعيش‬
‫مع البحث العلمي ف القرآن وإل جانبه زوجته بنت النب ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقد أكل الزن جسدها النحيل فلم‬
‫تقاوِم سوى تلك الشهور لتبقى حيةً‪ ،‬وقد فارق والدها الياة‪.‬‬
‫إن المام علي رافض النشقاق‪ ،‬ول يكن من روافض خلفة الشيخي‪.‬‬
‫الفقه الشترك‬
‫يقول ممد حسي هيكل‪ :‬جاءوا إل عمر يوما بامرأة‪ ،‬وأقرت‪ ،‬فأمر برجها‪ .‬فقال علي بن أب طالب‪ :‬لعل با‬
‫عذرا؟‪.‬‬
‫ث قال لا‪ :‬ماحلك على ما فعلت؟ قالت‪ :‬كان ل خليط‪ ،‬وف إبله ماء ولب‪ ،‬ول يكن ف إبلي ماء ول لب‪،‬‬
‫فظمئت فاستسقيته فأب أن يسقين حت أعطيه نفسي‪ ،‬فأبيت عليه ثلثا‪ .‬فلما ظمئت وظننت أن نفسي ستخرج أعطيته‬
‫الذي أراد‪ ،‬فسقان‪ .‬فقال علي‪ :‬ال اكب!‪( .‬فمن اضطّر غي باغ ول عاد فل إث عليه إن ال غفور رحيم)‪ .‬وف السنن‬
‫للبيهقي عن أب عبد الرحن السلمى أن عمر أت بامرأة جهدها العطش‪ ،‬فمرت على راع فاستسقت فأب أن يسقيها إل‬
‫أن تكنه من نفسها ففعلت‪ ،‬فشاور الناس ف رجها فقال علي‪ :‬هذه مضطرة أرى أن تلى سبيلها‪ ،‬ففعل‪.‬‬
‫وروى أن غلمانا لاطب بن أب بلتعة سرقوا ناقة لرجل من مزينة‪ ،‬فأتى بم عمر فأقروا‪ ،‬فأمر كثي بن الصلت‬
‫بقطع أيديهم‪ .‬فلما ولّى رده ث قال‪ :‬أما وال لول أن أعلم أنكم تستعملونم وتيعونم حت إن أحدهم لو أكل ما‬
‫حرم ال عليه حل له‪ ،‬لقطعت أيديهم‪.‬‬
‫ث قال‪ :‬يامزن‪ ،‬بكم أريدت منك ناقتك؟‪ .‬قال‪ :‬بأربعمائة‪ .‬قال عمر لبن حاطب‪ :‬اذهب فأعطه ثانائة‪ ،‬وأعفِ‬
‫الغلمان السارقي من الد‪ ،‬لن حاطبا اضطرهم إل السرقة لوعهم وحاجتهم إل سد رمقهم‪.‬‬
‫ومن صميم الفقه الذي واجه به عمر التطور الديد ف الياة العربية اجتهاده ف تفصيل ما ل يرد عنه نص صريح‬
‫ف كتاب ال‪ ،‬فقد وضع القرآن نظاما للتوريث ل يكن معروفا قبل السلم‪ ،‬وفرض لكل ذي حق من الورثة حقه‪.‬‬
‫على أن من التفاصيل مال يكن عليه نص ف هذا النظام‪ .‬وقد رفعت لعمر مسائل أخرى ل يكن عليها نص ف كتاب‬
‫ول سنة‪ ،‬فلم يكن بد للها من اجتهاد الرأي‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫من ذلك السألة العروفة بالسألة العمرية‪ ،‬أو السألة الجرية‪ ،‬فقد قسمت تركة فأصاب أخو الورث لمه فرضه‪،‬‬
‫ول يبق لخي الورث الشقيق ما يرثه‪ .‬فلما رفع المر إل عمر أفت بأن الخ الشقيق أخ لم وأخ لب معا‪ ،‬فليس من‬
‫النصاف أن يرم لنه شقيق‪ ،‬ولذلك قال‪ :‬هبوا أباه كان حجرا‪ ،‬وف رواية كان حارا‪ ،‬وورثه من التركة على أنه أخ‬
‫لم يشترك مع غيه من الخوة لم‪.‬‬
‫وقد واجه عمر الشيء الكثي من مشاكل الياث بعد طاعون عمواس بالشام‪ ،‬فقد هلك ألوف بذا الطاعون‪،‬‬
‫وتداخلت مواريثهم تداخل كان يشغل دور القضاء ف أية أمة‪ .‬وكان ما صنعه أن قسم الواريث فورث بعض‬
‫وأخرجها إل الحياء من ورثة كل منهم‪ .‬وتستطيع أن تتصور الدقة ف هذا المر‪ ،‬وما يكن أن يثور بسببه من نزاع‪.‬‬
‫وليس من غرضي أن أفصل شيئا من ذلك‪ ،‬وإنا أشي إليه تنويها باجتهاد عمر ف مشكلة عويصة حلها ف أسابيع حل‬
‫رضيه السلمون جيعا مع تعلقه بنافعهم الاصة‪ ،‬وهذا دليل بالغ وحجة على أن الناس يطمئنون إل اجتهاد الرأي ما‬
‫قام على أساس عادل نزيه‪.‬‬
‫أنتقل الن إل مسألة كان اجتهاد عمر فيها متأثرا بسياسته العامة لمور المباطورية الناشئة‪ ،‬وبرصه على‬
‫مواجهة أطوارها الديدة‪،‬وكان له أثره ف ازدياد رقعتها فسحة وسعة‪ ،‬ذلك اجتهاده ف شأن الرض الت فتحت عنوة‬
‫بالعراق والشام‪.‬‬
‫وقد رأيت السلمي ف العراق والشام انتصروا بالقادسية‪ ،‬وفتحوا الدائن وجلولء وحص وحلب وغيها من الدن‬
‫ل‬
‫وغنموا منها‪ ،‬فكان ما غنموه يفرز خُسه ويرسل إل أمي الؤمني‪ ،‬وتقسم أربعة أخاسه بي الند النتصرين‪ ،‬وذلك عم ً‬
‫بقوله تعال‪ " :‬واعلموا أنّما غنمتم من شيء فأن ل خسه وللرسول ولذي القرب واليتامى والساكي وابن السبيل "()‪.‬‬
‫فلما فتحوا أرض السواد بالعراق أرادوا قسمتها على هذا النحو‪ ،‬يكون خسها لبيت الال‪ ،‬ويقسم سائرها بي الند‬
‫الذين اشتركوا ف فتحها‪ .‬وخالفهم عمر عن رأيهم ف قسمة الرض‪ ،‬وقال‪ :‬فكيف بن يأت من السلمي فيجدون‬
‫الرض بعلوجها قد قسمت وورثت عن الباء وحيزت! ما هذا برأي‪ .‬قال عبد الرحن بن عوف‪ :‬ما الرض والعلوج إل‬
‫ما أفاء ال عليهم! أي على الفاتي ورد عليه عمر‪ :‬ما هو إل كما تقول‪ ،‬ولست أرى ذلك‪ ،‬وال ما يفتح بعدي بلد‬
‫ل على السلمي‪ .‬فإذا قسمت أرض العراق بعلوجها‪ ،‬وأرض الشام بعلوجها‬
‫فيكون فيه كبي نيل‪ ،‬بل عسى أن يكون ك ّ‬
‫فماذا تس ّد به الثغور ويكون للذرية والرامل بذا البلد وبغيه من أرض الشام والعراق!‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ل يسترح الفاتون إل قول عمر‪ ،‬فأكثروا عليه‪ ،‬وقالوا‪ :‬أتقف ما أفاء ال علينا بأسيافنا على قوم ل يضروا! أما‬
‫عمر فأصر على رأيه‪ ،‬ول يزد على أن قال‪ :‬هذا رأيي‪ ،‬فلما رأوا إصراره عليه قالوا‪ :‬فاستشر‪ .‬فجمع الهاجرين الولي‬
‫فاختلفوا‪ :‬بقى عبد الرحن بن عوف على رأيه أن تقسم لم حقوقهم‪ ،‬ورأى عثمان وعلى وطلحة رأى عمر‪ .‬وأرسل‬
‫عمر إل عشرة من كباء النصار وأشرافهم‪ ،‬خسة من الوس وخسة من الزرج وقال لم‪ ":‬إن ل أزعجكم إل‬
‫لتشتركوا ف أمانت فيما حلت من أموركم‪ ،‬فإن واحد كأحدكم وأنتم اليوم تقرون بالق‪ ،‬خالفن من خالفن ووافقن‬
‫من وافقن‪ ،‬ولست أريد أن تعبوا هذا الذي هو هواي‪ ،‬فلكم من ال كتاب ينطق بالق‪ .‬فوال لئن كنت نطقت بأمر‬
‫أريده ما أريد به إل الق!" قالوا‪ ":‬قل نسمع ياأمي الؤمني؟" قال عمر‪ ":‬قد سعتم كلم هؤلء القوم الذين زعموا أن‬
‫أظلمهم حقوقهم‪ ،‬وإن أعوذ بال أن أركب ظلما! لئن كنت ظلمتهم شيئا هو لم وأعطيته غيهم لقد شقيت‪ .‬لكن‬
‫رأيت أنه ل يبق شيء يفتح بعد أرض كسرى‪ ،‬وقد غنمنا ال أموالم وأرضهم وعلوجهم‪ ،‬فقسمت ما غنموا من أموال‬
‫بي أهله‪ ،‬وأخرجت المس فوجهته على وجهه‪ ،‬وأنا ف توجيهه‪ .‬وقد رأيت أن أحبس الرضي بعلوجها وأضع عليهم‬
‫فيها الراج وف رقابم الزية يؤدونا‪ ،‬فتكون فيئا للمسلمي‪ :‬القاتلة والذرية ولن يأت بعدهم‪ .‬أرأيتم هذه الثغور‪ ،‬ل‬
‫بد لا من رجال يلزمونا!‬
‫أرأيتم هذه الدن العظام‪ ،‬ل بد لا من أن تشحن باليوش‪ ،‬ولبد من إدرار العطاء عليهم! فمن أين يعطي هؤلء‬
‫إذا قسمت الرضون والعلوج؟!"‬
‫المام علي يقترح على عمر‪ :‬التاريخ الجري‬
‫وعقد عمر اجتماعا للمهاجرين والنصار‪ .‬فقال‪ :‬مت نكتب التاريخ؟‪ .‬فقال له علي بن أب طالب‪ :‬منذ خرج النب‬
‫(ص) من أرض الشرك‪ ،‬يعن من يوم هاجر‪ ،‬فكتب ذلك عمر بن الطاب‪ .‬وبدأ العمل بالتاريخ الجري‪ ،‬منذ ذلك الي‪.‬‬
‫المام علي يؤيد مصصات لعمر!‬
‫أب عمر أن يأخذ نفقة من بيت الال مقابل عمله كخليفة‪ ،‬حت دخلت عليه ف ذلك خصاصة‪ ،‬ول تعد له تارة‬
‫تكفيه وقد انشغل عنها بأمور الرعية‪ ،‬فعقد ملسا للشورى‪ ،‬فأشار عثمان بن عفان إليه‪ ،‬أن‪ ..‬كُل وأطعِم‪.‬‬
‫فسأل عمر المام علي ما تقول أنت ف ذلك؟‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫قال المام‪ :‬غداء وعشاء‪ ،‬فأخذ عمر بذلك‪ ،‬وقد بيّ َن عمر حظه من بيت الال‪ .‬فقال‪ :‬إن أنزلت نفسي من مال‬
‫ال بنلة قيّم اليتيم‪ ،‬إن استغنيت عنه تركت‪ ،‬وإن افتقرت إليه أكلت بالعروف‪.‬‬
‫علي ينصح بذهاب عمر إل فلسطي‬
‫تناول عمر كتابا من قائد اليش السلمي ف فلسطي يدعوه فيه للحضور هناك فقرأه على السلمي ف السجد‬
‫ل له‪ :‬إنك إن أقمت وإن ل تسر إليهم رأوا أنك بأمرهم‬
‫واستشارهم فيه‪ .‬ورأى عثمان بن عفان أن ل يبح عمر الدينة قائ ً‬
‫مستخف ولقتالم مستعد فلم يلبثوا إل اليسي حت ينلوا على الصغار ويعطوا الزية‪ .‬وخالف علي بن أب طالب رأي‬
‫عثمان وأشار إل عمر بالسي إل إيلياء فقد أصاب السلمي جهد عظيم من القتال وطول القام فإذا أنت قدمت عليهم كان‬
‫لك وللمسلمي المن والعافية والصلح والفتح ولست أأمن أن ييئسوا منك ومن الصلح ويسكوا حصنهم ويأتيهم الدد‬
‫من بلدهم وطاغيتهم ل سيما وبيت القدس معظم عندهم واليه يجون‪ .‬وآثر عمر رأي علي وأخذ به فاستخلفه على‬
‫الدينة وأمر الناس بالتأهب للسي معه‪.‬‬
‫ودخل إل بيت القدس ف قصة معروفة‪.‬‬
‫المام علي ل ينصح عمر بالذهاب ال بلد فارس‪:‬‬
‫ف العامي الخيين من خلفة عمر بن الطاب‪ ،‬استكملت فئات اجتماعية ف الكوفة‪ ،‬أسباب الرفاه‪ ،‬فضربم‬
‫البطر‪ ،‬فضعفت روح الندفاع‪ ،‬وتراخت النفوس‪ ،‬فانضاف ذلك إل ماعرف عند القبائل العربية الت تشكل منها‬
‫الجتمع الكوف‪ ،‬من ميل إل الصومة والشاكسة‪ ،‬فتنافسوا مع بعضهم البعض‪ ،‬ول يكن وال الكوفة سعد بن أب‬
‫وقاص إداريا حازما‪ ،‬مثلما كان قائدا عسكريا فريدا‪ .‬وقد استبطن عمر هذا الانب ف سعد‪ .‬فاستدعاه إل الدينة‪،‬‬
‫وكان طبيعيا لهاز الستطلع الفارسي التغلغل ف الدن الفتوحة‪ ،‬أن ينقل صورة ما عن اضطراب الكوفة الت هي‬
‫مركز النشاط‪ ،‬وقاعدة الفتح الول‪ ،‬ما بث ف قادة اليش الفارسي قوة ارتدادية وتشكيل بؤر ثورية لطرد العرب من‬
‫بلدهم فتقدمت قوات منهم لستعادة بعض الدن من سلطة العرب‪ ،‬وكان القائد الفارسي الغيزان يدير حربا نفسية‪.‬‬
‫ويتقدم نو مدينة هدان الستراتيجية‪ ،‬حت خيل لهل الكوفة النشغلي بصراعاتم‪ ،‬أن الغيزان على أبوابم‪،‬‬
‫فأبلغ مركز اللفة ف الدينة بذه التطورات‪ .‬وكان البعوث الشخصي لعمر‪ ،‬ممد بن سلمة قد اخفق هذه الرة ف‬
‫معالة الشكالت بي أهل الكوفة وسعد بن أب وقاص‪ ،‬فاستدعى عمر أهل الدينة إل الصلة ف السجد النبوي‬
‫‪81‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫وارتقى النب‪ ،‬ونقل لم أخبار الوضع العسكري على الثغور‪ ،‬وما قيل عن كثرة العدو واستعداداته‪ ،‬وأن الكوفة‬
‫أصبحت مهددة بالسقوط!‪ .‬وهذا أسلوب ممدي التزم به اللفاء الراشدون‪ ،‬ويقضي بكاشفة الناس بأسرار الواقع‬
‫العسكري والسياسي‪ ،‬مثلما هو‪ ،‬على طريقة الدول الديقراطية الديثة‪ ،‬وعليه سار المام علي ف حربه مع معاوية‪،‬‬
‫ول يلتزم الخي به‪ ،‬إذ اعتب ذلك اختراقا يبيح "للعدو " الوقوع على معلومات عسكرية ل يب الطلع عليها‪.‬‬
‫واعتب ذلك من أسباب ناح سياسة معاوية كما أعلن ذلك مرة‪.‬‬
‫أقول‪ :‬إن عمر بعد أن عقد الؤتر الاص وصول إل الشترك‪ ،‬عرض على الؤترين استعداده للتوجه شخصيا إل‬
‫العراق‪ .‬وأشار بعض الاضرين بأن يسي الليفة باليوش إل العراق‪ ،‬ويدعو قواته باليمن والشام لواجهة الركة‬
‫الرتدادية والت كان مركزها ف ناوند‪ .‬وأشار عليه آخرون بأن يقيم ف الدينة ويرسل اليوش من تلك المصار‬
‫لوقف الغزو الفارسي التوقع‪.‬‬
‫أما المام علي فقد رفض فكرة ذهاب عمر إل الثغور‪ ،‬ورفض فكرة استدعاء الند من اليمن والشام‪ ،‬وعرض‬
‫مقطعا يوجز مالدى المام علي من فكر استراتيجي ف جانب‪ ،‬وحرصه على سلمة عمر بن الطاب ف جانب آخر‬
‫قائلً‪:‬‬
‫" يا أمي الؤمني‪ ،‬إنك إن أشخصت ذ أي استدعيت ذ أهل الشأم شأمهم صارت الروم إل ذراريهم‪ ،‬وإن‬
‫أشخصت أهل اليمن من ينهم سارت البشة إل ذراريهم‪ ،‬وإنك إن أشخصت من هذه الرض‪ ،‬انقضت عليك‬
‫الرض من أطرافها وأقطارها‪ ،‬حت يكون ما تدع وراءك أهم اليك ما بي يديك من العورات ذ والعيالت‪ ،‬وإنا‬
‫مكانك من العرب مكان النظام من الرز يمعه ويسكه‪ ،‬فإن تفرق ما فيه وذهب ث ل يتمع بذافيه أبدا‪ .‬وان‬
‫العاجم إن ينظروا إليك غدا قالوا هذا أمي العرب وأصل العرب‪ ،‬فكان ذلك أشد لكلبهم فتألبوا عليك‪ ،‬أما ما‬
‫ذكرت من عدد القوم‪ ،‬فإنا ل نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة‪ ،‬ولكنا كنا نقاتل بالنصر‪ ،‬فاقم مكانك‪ ،‬واكتب إل أهل‬
‫الكوفة فهم إعلم العرب ورؤساؤهم‪ ،‬فليذهب منهم الثلثان‪ ،‬وليقم الثلث‪ ،‬واكتب إل أهل البصرة يدونم"‪.‬‬
‫اقتنع عمر برأي المام‪ ،‬وسرّ به‪ ،‬وطلب إل مؤتر السجد النبوي أن يرشح أميا للجيش الذي سيتوجه إل قتال‬
‫الفيزان وقواته‪ ،‬واقترح أن يكون المي الرشح عراقيا‪ .‬فوقع الختيار على النعمان بن القرن‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫فصاح الاضرون‪ ..‬هو‪ ..‬لا‪ .‬فوضع المي العراقي خطة عسكرية للهجوم‪ ،‬بدأت باستطلع سري تسلسل‬
‫خلله عمرو بن معدي يكرب إل مقربة من قلب القوات الفارسية ف ناوند فعاد ومعه خارطة ومعلومات خاصة‬
‫سرعان ما أخذ با النعمان والتحم اليشان وسالت الدماء فزلق جواده واستثمر الفرس كبوة الواد فأصابه سهم ف‬
‫خاصرته وكان إل جانبه شقيقه نعيم بن مقرن‪ ،‬فسجاه بثوبه‪ ،‬وأخذ اللواء من يده ودفعه إل الذيفة بن اليمان‪ ،‬وسار‬
‫باللواء إل حيث كان النعمان وانتهت العركة بنصر كبي وترير ناوند الت أصبحت ف وسط العراق العرب‪ ،‬وهي‬
‫الت يرد ذكرها ف الخبار اليومية باعتبارها موقعا مناسبا لرمي الثث القطوعة الرؤوس لعراقيي من عامة الناس‪.‬‬
‫وكان الذيفة بن اليمان‪ ،‬من أصحاب المام علي وأشد الوالي له‪ ،‬وهو قائد جيش عمر الذي منع الغزو‬
‫الفارسي وطرد الفرس من قلب العراق ف أخطر مواجهات الفتوح وف ناوند تلتقى الرادتان والعبقريتان وتنجح‬
‫العرب‪.‬‬
‫لكن منطق السياسة الطائفية ومناهج القطيعة تقضي بأن تقدم جاعة تمل اسم‪ ،‬جيش الفاروق عمر‪ ،‬لذبح الارة‬
‫السلمي وهم ف طريقهم إل منطقة قد تبعد قليل عن مكان قوات تمل اسم أهل البيت والوالي للمام علي فتداهم‬
‫بيوت الدائن وتتار عشواء وتقتل عشواء لتضع الثث الكبلة اليادي والعصوبة الرؤوس ف موقع ناوند ذاته!‪.‬‬
‫عمر يبسط رداءه للمام علي‬
‫إن السيد شرف الدين صاحب "الراجعات" ل ينكر العلقة الطيبة الت كانت قائمة بي عمر والمام علي‪ ،‬فيؤيد‬
‫الرواية الت تتحدث عن بسط عمر رداءه للمام قائلً‪ :‬وسأل علي عمر أيام خلفته‪ ،‬فقال له‪ :‬أرأيت لو جاءك قوم من بن‬
‫إسرائيل‪ ،‬فقال لك أحدهم‪ :‬أنا ابن عم موسى أكانت له عندك إثرة على أصحابه‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ ،‬فأنا وال أخو رسول ال‬
‫وابن عمه‪ ،‬فنع عمر رداءه فبسطه‪ ،‬وقال‪ :‬وال ل يكون لك ملس غيه حت نتفرق‪ ،‬فلم يزل جالسا عليه‪ ،‬وعمر بي‬
‫يديه حت تفرقوا بوعا لخي رسول ال وابن عمه!‪.‬‬
‫عمر يُقبّل رأس المام علي‪:‬‬
‫شكا رجل عليا إل عمر فلما جلس عمر لينظر ف الدعوى‪ ،‬قال عمر لعلي‪ :‬ساو خصمك يا أبا السن! فتغي‬
‫وجه علي‪ ،‬وقضى عمر ف الدعوى‪ ،‬ث قال لعلي‪ :‬أغضبت يا أبا السن! لن سويت بينك وبي خصمك؟ فقال علي‪:‬‬

‫‪83‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫بل لنك ل تسو بين وبي خصمي يا أمي الؤمني! إذ كرمتن‪ ،‬فناديتن يا أبا السن! بكنيت‪ ،‬ول تناد خصمي بكنيته‪،‬‬
‫فقبّل عمر رأس علي وقال‪ :‬ل أبقان ال بأرض ليس فيها أبو السن‪.‬‬
‫عمر للمام السي‪ :‬انتم على الراس‪:‬‬
‫عن الدكتور علي ممد الصلب ف كتابه عمر بن الطاب وقد جع فيه كل جيل ف عمر‪ .‬وكل جليل لعمر‪.‬‬
‫جاء فيما رواه السي بن علي‪ :‬أن عمر قال ل ذات يوم‪ :‬أي بن! لو جعلت تأتينا‪ ،‬وتغشانا؟ فجئت يوما وهو‬
‫خال "بعاوية‪ ،‬وابن عمر بالباب ل يؤذن له‪ ،‬فرجعت‪ ،‬فلقين بعد‪ ،‬فقال‪ :‬يا بن ل أرك أتيتنا؟ قلت‪ :‬جئت‪ ،‬وأنت خال"‬
‫بعاوية‪ ،‬فرأيت ابن عمر رجع‪ ،‬فرجعت‪ .‬فقال‪ :‬أنت أحق بالذن من عبد ال بن عمرو‪ ،‬إنا أنت من رؤوسنا ما ترى!‬
‫ال‪ ،‬ث أنتم‪ ،‬ووضع يده على رأسه‪.‬‬
‫وروى ابن سعد عن جعفر بن ممد الباقر عن أبيه علي بن السي‪ ،‬قال قدم على عمر حلل من اليمن‪ ،‬فكسا‬
‫الناس‪ ،‬فراحوا ف اللل‪ ،‬وهو بي القب والنب جال‪ ،‬والناس يأتونه‪ ،‬فيسلمون عليه ويدعون له‪ ،‬فخرج السن‪،‬‬
‫والسي من بيت أمهما فاطمة يتخطيان الناس‪ ،‬ليس عليهما من تلك اللل شيء‪ ،‬وعمر مقطب بي عينيه‪ ،‬ث قال‪:‬‬
‫وال ما هنأ ل ما كسوتكم! قالوا‪ :‬يا أمي الؤمني! كسوت رعيتك‪ ،‬فأحسنت‪ ،‬قال‪ :‬من أجل الغلمي يتخطيان‬
‫الناس‪ ،‬وليس عليهما من شيء‪ ،‬كبت عنهما‪ ،‬وصغرا عنها‪ ،‬ث كتب إل واليه ف اليمن أن ابعث بلتي لسن‪،‬‬
‫وحسي‪ ،‬وعجل‪ .‬فبعث إليه بلتي‪ ،‬فكساها‪.‬‬
‫وعن أب جعفر‪ :‬أنه لا أراد أن يفرض للناس بعدما فتح ال عليه‪ ،‬جع ناسا من أصحاب النب (ص) فقال عبد‬
‫الرحن بن عوف‪ :‬أبدأ بنفسك‪ ،‬فقال‪ :‬ل وال ! بالقرب من رسول ال (ص)‪ ،‬ومن بن هاشم رهط رسول ال (ص)‪،‬‬
‫وفرض للعباس‪ ،‬ث لعلي‪ ،‬حت وال بي خس قبائل‪ ،‬حت انتهى ال بن عدي بن كعب‪ ،‬فكتب من شهد بدرا من بن‬
‫أمية بن عبد شس‪ ،‬ث القرب‪ ،‬فالقرب‪ ،‬ففرض العطيات لم‪ ،‬وفرض للحسن والسي لكانما من رسول ال‬
‫(ص)‪.‬‬
‫يقول العلمة شبلي النعمان ف كتاب " الفاروق" حول عنوان " رعاية القوق والداب بي الل والصحاب "‪:‬‬
‫إن عمر ذ رضي ال عنه ذ ل يكن يبت برأي ف مهمات المور قبل أن يستشي عليا الذي كان يشي عليه بغاية من‬
‫النصح‪ ،‬ودافع من الخلص‪ ،‬ولا سافر إل بيت القدس‪ ،‬استخلفه ف جيع شؤون اللفة على الدينة‪ ،‬وقد تثل مدى‬

‫‪84‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫النسجام‪ ،‬والتضامن بينهما حينما زوجه علي من السيدة أم كلثوم‪ ،‬الت كانت بنت فاطمة وسى أحد أولده عمر‪،‬‬
‫كما سى أحدهم أبا بكر‪ ،‬وسى الثالث عثمان ول يسمي النسان أبناءه إل بأحب الساء‪ ،‬وبن يرى فيهم القدوة‬
‫الثالية‪.‬‬
‫وكان عمر يستشيه ف المور الكبية منها‪ ،‬والصغية‪ ،‬وقد استشاره حي فتح السلمون بيت القدس‪ ،‬وحي‬
‫فتحت الدائن‪ ،‬وعندما أراد عمر التوجه إل ناوند‪ ،‬وقتال الفرس‪ ،‬وحي أراد أن يرج لقتال الروم‪ ،‬وف موضوع‬
‫التقوي الجري وغي ذلك من المور‪ ،‬وكان علي طيلة حياة عمر ناصحا لعمر خائفا عليه‪ ،‬وكان عمر يب عليا‪،‬‬
‫وكانت بينهما مودة‪ ،‬ومبة‪ ،‬وثقة متبادلة‪ ،‬ومع ذلك يأب أناس إل أن يزوروا التاريخ‪ ،‬ويقصوا بعض الـروايات‪ ،‬الت‬
‫تناسب أمزجتهم‪ ،‬ومشاربم‪ ،‬ليصوروا لنا فترة اللفاء الراشدين عبارة عن‪ :‬أن كل واحد منهم كان يتربص بالخر‬
‫الدوائر‪ ،‬لينقض عليه‪.‬‬
‫عطاء أهل البيت ف عهده‬
‫إن النتقادات الت رميت با سياسة العطاء ف ولية عمر بن الطاب لتزال متواصلة‪ ،‬لكونا جرت على تصنيف‬
‫الشمولي إل مراتب تأخذ بنظر العتبار القرب والقرابة من النب صلى ال عليه وسلم‪ ،‬والقِدم ف السلم على رأس‬
‫الشروط الول‪ ،‬وهو يعتقد أن من غي العدل مساواة من قاتل رسول ال ومن قاتل معه‪ ،‬وليس من العدل عنده أن‬
‫تكون مصصات العطاء واحدة لزوجة النب أو لعمه أو لبن عمه‪ ،‬ولحفاده مع عامة الناس لشعور عمر بأن هذه‬
‫الساواة ستغب أهية البيت النبوي‪ ،‬وهو ل يأخذ من حصة الناس‪ ،‬فيعطيها للعائلة الحمدية‪ ،‬ولقدماء السلمي‪ .‬وإنا‬
‫يزيد حصتهم بعد أن يوزع الصص وينال كل واحد منهم نصيبه‪ ،‬وكان لذا البدأ دور ف ظهور الثراء عند شرية‬
‫من أقرباء النب صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫كعمه العباس بن عبد الطلب‪ ،‬وابنه‪ ،‬وأم الؤمني عائشة‪ ،‬وكثي من الصحابة الوائل سواء كانوا من أشراف‬
‫قريش كعبد بن الرحن بن عوف‪ ،‬وطلحة والزبي‪ ،‬أم من عبيدهم ومواليهم السابقي‪ ،‬كبلل البشي‪ ،‬والبّاب بن‬
‫الرت‪ ،‬وصهيب الرومي‪..‬‬
‫بعن أن حصة المام السن والمام السي كانت أكثر من حصة أبناء الصحابة الخرين‪ .‬لكن تعفف المام‬
‫علي وفرضه الزهد والكفاف على نفسه وعائلته جعلت تلك الموال توزع على فقراء السلمي‪ ،‬لن المام علي كان‬

‫‪85‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫يأخذ بآية تري الكن‪ ،‬وقد اختلف الفقهاء والفسرون‪ ،‬ما إذا كانت منسوخة بآية الزكاة‪ .‬فل يفظ ف بيته مال سائل‪،‬‬
‫ول جامد‪ ،‬ول يتمتع عياله برفاه الفتوحات‪ ،‬وعلى هذا جرى أصحابه كأب ذر الغفاري‪ ،‬وسلمان الفارسي‪ ،‬ول يرِ‬
‫عليه صحابة آخرون‪ ،‬منهم عمه العباس وعائلته مادام ما يكسبه حللً طيبا‪.‬‬
‫ولّا ولّ المام علي‪ ،‬عاد إل التسوية ف العطاء‪ ،‬وألغى مبدأ التفضيل‪ ،‬فشمل ذلك قدماء الصحابة‪ ،‬وأهل البيت‬
‫الذين كانت حصتهم أكب ف عهد عمر من أموال العطاء‪.‬‬
‫وكان هادي العلوي نشر رسالة فقهية ناقش فيها آية الكن‪ ،‬واعتب القول بأنا من النسوخ‪ ،‬بداية تول خطي ف‬
‫اليل‪ ،‬عن الزهد السلمي‪ ،‬لصال الطبقة الرستقراطية الديدة‪ ،‬فاصطدم رأيه بعموم السياسيي السلميي الشيعة‪ ،‬إذ‬
‫ل يعتب الثرياء وكانزو الموال من الفقهاء والتجار موالي للمام علي‪ ،‬على قاعدة تري الكن‪.‬‬
‫وبالعودة إل سياسة عمر ف العطاء‪ ،‬فقد تن لو عاش إل " قابل " أي إل العام التال‪ ،‬ليأخذ الفضول من اغتنوا‬
‫بالموال‪ ،‬ويعيد توزيعها على مبدأ التسوية‪.‬‬
‫وعند هذا يعود العليّان لللتقاء مرة أخرى‪ ،‬لكن النجر السموم كان قد أخذ مكانه ف أمعاء عمر‪ ،‬وأحال بينه‬
‫وبي ذلك اللقاء النتظر على سياسة العطاء‪.‬‬
‫أما موقفي الشخصي‪ ،‬فمازلت على حاسة القالت الت كتبتها ف الستينات والسبعينات إعجابا بسياسة عدم‬
‫الساواة ف العطاء‪ ،‬لنا تأخذ بق القِدم‪ .‬وامتياز العائلة النبوية‪ ...‬ول أساوي من قاتل رسول ال(ص)‪ ،‬ومن قاتل‬
‫معه‪.‬‬
‫عمر والعلويون ضد الجتثاث !‪.‬‬
‫أظهر أبو بكر ف معالة حركة الرتداد ف اليام الول من خلفته بعد وفاة الرسول (ص) حزما يتعاشق بالعنف ما ل‬
‫يكن متوقعا من شيخ مسال طالا عرض نفسه وسيطا لدرئ الذى عن أسرى قريش والتهمي بقضايا وجنح فيستحيل عند‬
‫خلفته قائدا ثوريا صارما ل يلي‪.‬‬
‫وبلغة الصحافة اليومية استحال أبو بكر من جناح المائم إل جناح الصقور‪ ،‬ول يتساهل مع الرتدين حت بعد‬
‫أن عادوا إل السلم من جديد وأعلنوا توبتهم‪ ،‬وأرسلوا بوفود الصلح إليه‪ ،‬لكنه ل يترك لم شرطا فأملى شروطه‬
‫كاملةً‪ :‬فل يول أي زعيم ف القبائل الرتدة‪ ،‬وإن أعلن توبته وعودته إل السلطة الركزية‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ول يتسلم مسؤولية إدارية ول يرسل أيا منهم إل الهاد‪ .‬ومن يراجع لئحة أب بكر‪ ،‬الت أصدرها ف حروب‬
‫الردة يد فيها سابقة واضحة الفقرات لقواني الجتثاث السائدة ف أيامنا هذه‪.‬‬
‫أما عمر العروف بشدته‪ ،‬والذي وصفه النب (ص) بأنه يشبه النب نوح ف القسوة على قومه‪ ،‬فقد تول إل‬
‫صفوف المائم عندما أملى أبو بكر بضور عمر على وفد الصلح ف حروب الردة خيارين‪ .‬أما الرب الجلية وإما‬
‫السلم الخزية‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬هذه الجلية فقد عرفناها فما الخزية؟‪.‬‬
‫قال أبو بكر‪ :‬ننع عنكم اللفة والكراع‪ ،‬ونغنم ما أصبنا منكم‪ ،‬وتردون علينا ما أصبتم منا‪ ،‬وتدون قتلنا‪ ،‬أي‬
‫تدفعون الدية‪ ،‬وتُترَكون أقواما يتبعون أذناب البل‪.‬‬
‫نض عمر فوافقه على شروط واعترض على أخذ الديات منهم على قتل السلمي بعذر شرعي مقبول‪ ،‬وإن كنت‬
‫أميل إل وجود عامل آخر دفع عمر إل العتراض لرؤيته زعماء القبائل ف ذلك الوضع الذليل‪ ،‬فأراد أن يفف عنهم‬
‫ماداموا قد عادوا إل السلم مرة أخرى‪ .‬قائلً حول رفض الدية‪ :‬إن قتلنا قاتلت على أمر ال وأجورها على ال‬
‫وليس لا ديّات‪ ،‬فتتابع القوم على ما قال عمر‪ .‬وتعجب مع عجب طه حسي أن يستثن أبا بكر من زعماء الردة‪،‬‬
‫الشعث بن قيس الكندي ذلك الذي أسلم أيام النب (ص) ث ارتد بعد وفاته‪ .‬وألب قومه حت ورطهم ف الرب‪،‬‬
‫وأسرع إل الدينة تائبا‪ ،‬فلم يعصم دمه من أب بكر فحسب‪ .‬ولكنه أصهر إليه وتزوج اخته أم فروة ث هل ف أيام‬
‫عمر‪ ،‬وظهر ف أيام عثمان‪ .‬وانتهى به الطاف إل المام علي لكنه كما يقول طه حسي ل يلص له نفسه وقلبه ول‬
‫يكن ناصحا له!‪.‬‬
‫ول يستطع أن يثن صاحبه وشيخه عن قراره باجتثاث الرتدين إل يوم وفاة أب بكر وإعلن خلفة عمر‪ ،‬وقد‬
‫انشغل ف أسبوعه الول براجعة قرارات أب بكر مع أهل الردة فقرر عمر ما يلي‪:‬‬
‫إطلق سراح السرى من القبائل العربية وتريرهم ووضع سابقة لعدم جواز سب الرأة العربية فحرر السبايا‬
‫وأعادهن إل قبائلهن‪.‬‬
‫رأى من الفيد للدولة أن يستخدم ذوي الكفاءات العسكرية العالية لزعماء الردة بإرسالم إل الثغور والستفادة‬
‫من تاربم ف وضع الطط العسكرية على أن ل يول أي تائب من الرتدين ف مناصب قيادية عليا‪ .‬فاستدعى طلحة‬

‫‪87‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫بن خويلد السدي وعمرو بن معدي يكرب الزيدي وأرسلهما بهمة عسكرية إل العراق وفارس‪ .‬وقد أبلى كل‬
‫منهما بلء حسنا وساهوا ف إناح الطط العسكرية كما استعان بم ف وفد التفاوض الذي شكله إل كسرى‬
‫انيشيوان‪.‬‬
‫وسياسة عمر كان لا أمثلة ف الدعوات العلوية‪ ،‬فإذ تعرض العلويون لسياسة الستئصال والجتثاث ف الوان‬
‫الموي‪ ،‬فاستثمرت ذلك الركة العباسية للتشهي بالمويي‪ ،‬وليس حبا أو احتراما لياة العلويي‪ .‬باشرت الدولة‬
‫العباسية بسياسة استئصال واجتثاث جذري لكل أموي زعما منها أنا تثأر للعلويي والاشيي وكان القائد العباسي‬
‫داود بن علي أكثر أقرانه حاسة لسياسة الستئصال‪ .‬وبعض الشعراء يشجعون عليها ويطالبون بالزيد فتبن الزعيم‬
‫العلوي الثائر عبد ال بن السن العارضة العلنية ضد سياسة اجتثاث واستئصال المويي فقال لداود بن علي‪ " :‬يا ابن‬
‫أخي إذا قتلت هؤلء كلهم فمن تباهى بلك ال "‪.‬‬
‫وكان هذا العلوي يظن أن إثارة هذا الانب ستكون كافية لنع سفك دماء المويي‪ ،‬لكن داود بن علي العباسي‬
‫واصل حلة الجتثاث والستئصال حت النهاية‪ .‬فيما واصل عبد ال بن السن العلوي احتجاجاته ضد الستئصال‬
‫الدموي لبن أمية‪.‬‬
‫لقد اجتمع رأي عمر والعلويي فيما بعد على رفض سياسة الجتثاث وان كان الطلوب اجتثاثه تائبا من أهل الردة أم‬
‫أمويا متهما بقتل العلويي‪.‬‬
‫فيتصدى ضحاياه بعد حي لنع وقوع الستئصال عليه رحة إلية وكرما علويا‪.‬‬
‫تقول سية الليثي ف كتابا "جهاد الشيعة " إن عبد ال بن السن العلوي أبدى سخطه على السياسة الت‬
‫انتهجها الوال العباسي داود بن علي ف التنكيل بأنصار بن أمية حيث أسرف ف سفك دمائهم‪.‬‬
‫وعند فتح مكة وضع النب (ص) لئحة بأحد عشر مطلوبا‪ .‬كان منهم عبد ال بن أب ربيعة‪ .‬والرث بن هشام‪ ،‬ول‬
‫يشمل بالعفو العام فلجأ الطلوبان إل بيت شقيقة المام‪ ،‬علي‪ ،‬وتكنّى أم هان بنت أب طالب‪ ،‬فعثر عليهما المام علي‪،‬‬
‫وكان مدججا بالديد‪ ،‬فلم تتعرف عليه اخته الت وقفت بي علي وبينهما وحالت دون قتلهما حت بعد أن اكتشفت هوية‬
‫شقيقها‪ .‬وقيل ف رواية أغلقت عليهما الباب وذهبت إل النب (ص) وشكت إليه‪ .‬أسوة بثاله الاذب عمر بن الطاب‬
‫وبده الجاهد عبد ال بن السن‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫لقد نح عمر ف منع الجتثاث‪ ،‬وأخفق عبد ال بن السن وحفيده لن الخيين ل يتلكا السلطة‪ .‬ول يلك أي‬
‫منهما بعضا من قوة عمر وإن سارا على سيته‪.‬‬
‫والمد ل أن العلوي كاتب السطور والذي طارده نظـام البعث ف العراق ربع قرن لستئصاله وقف بعد‬
‫سقوط نظام الزب ف ‪ 9/4/2003‬على منصات التلفزيون وأمام اليكروفونات ناصحا أصدقاءه ف السلطة الديدة‬
‫بعدم الضي ف سياسة الستئصال وكان من أبرز معارضي قانون الجتثاث‪.‬‬
‫المام علي يرثي عمر‬
‫يروى عن أب طلحة كما يقول الؤرخ الصري ممد حسي هيكل ف كتابه الفاروق عمر أنه قال‪ :‬ما من أهل‬
‫بيت من العرب حاضر ولبد إل وقد دخل عليهم بقتل عمر نقص ف دينهم وف دنياهم‪ .‬وروي عن السن انه قال‪:‬‬
‫أي أهل بيت ل يدوا() فقد عمر فهم أهل بيت سوء‪.‬‬
‫وكان الضعفاء والبؤساء أقوى شعورا لوقع الكارثة الت نزلت بم وكان لم حصنا حصينا ويستغرب هيكل أن‬
‫ل يورد الؤرخون من رثاء أصحاب الرأي يومئذ لعمر مثلما أوردوا لب بكر من رثاء يوم قبض‪ .‬وقد دخل المام‬
‫علي بن أب طالب على عمر إثر وفاته فألفاه مسجى بثوب ف ناحية من غرفته فرفع الثوب عن وجهه‪ .‬يرحك ال أبا‬
‫حفص ما أحد أحب إلّ بعد النب (ص) أن التقى ال بصحيفته منك‪ .‬والكثر تواترا أن عليا وقف على عمر بعد أن‬
‫غسل وكفن وحل إل سريره فأثن عليه وقال وال ما على الرض رجل أحب إلّ من أن ألقى ال بصحيفته من هذا‬
‫السجى بالثوب‪ .‬فلما صليّ على عمر جاء عبد ال بن سلم‪ ،‬فقال‪ :‬لئن كنتم سبقتمون بالصلة عليه لتسبقون‬
‫بالثناء عليه‪.‬‬
‫أحد عشر عاما و ‪ 18‬الف صلة‬
‫مازال البحث جاريا ورغبتنا متواصلة ف العثور على أحد عشر عاما ف مطلع التاريخ الجري‪ ،‬فقدت أو‬
‫بالحرى أم متوياتا مفقودة‪ .‬وتتصل بياة المام علي وأين أمضى تلك السنوات عند ما كان عمر خليفة‪ .‬العروف‬
‫فقط لدينا عنوان مسكن المام ف حي بالدينة يلتف حول مسجد بناه الرسول والصحابة ف اليام اللول للهجرة‬
‫النبوية‪ ،‬وعلى بعد أذرع كان بيت لعائشة‪ ،‬وثالث لعمر‪ ،‬ورابع للعباس بن عبد الطلب‪ ،‬والامس لعثمان بن عفان‪،‬‬
‫والسادس لسعد بن أب وقاص‪ ،‬والسابع لطلحة بن عبد ال والثامن لزبي بن العوام‪ ،‬والتاسع لسعد بن عبادة والعاشر‬
‫‪89‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫لعبد الرحن بن عوف حت لنصل بترقيم الي إل أقل من نصف ألف‪ ،‬حيث تنداح مساكن الصحابة وأهل الدينة‪.‬‬
‫نعرف أيضا أنم مسلمون‪ ،‬والسلمون مرتبطون بواقيت الصلة المسة‪ ،‬وليس لم إل مسجد واحد‪ ،‬يقيمون فيه‬
‫الصلة‪ .‬نعرف أن العرب تلتقي ف مال الضيافة‪ ،‬وتتسامر على ضوء القمر‪ ،‬وتتزاوج وقد تر الرأة الواحدة على‬
‫أربعة رجال‪ ،‬إذا ما ترملت‪ ،‬أو طلقت‪ ،‬فينشأ ف البيت الواحد ثلثة أبناء من أباء متلفي إذا وضعنا جدولً حسابيا‬
‫لنحصي أعداد الصوات الت أقيمت ف السجد النبوي‪ ،‬حيث سكان أهل الدينة القدماء والدد يتوجهون للصلة فيه‬
‫منذ افتتاحه ف العام الول للهجرة حت اغتيال عمر‪ ،‬فسيبو الرقم على (‪ )41‬ألف مرة‪ ،‬منها (‪ )18‬ألف مرة التقى‬
‫فيها السلمون للصلوات ف عهد عمر‪ ،‬وسيكون سكان الي الذي يتوسطه السجد‪ ،‬قد التقوا هناك (‪ )41‬ألف لقاء‬
‫نستقطع منها أيام الغياب‪ ،‬الت يكون فيها بعض هؤلء السكان مسافرين إل مكان آخر‪ ،‬وهم قلما يسافرون‪ .‬وقد‬
‫جرت العادة أن يلس الصلون مع إمامهم ف حلقات بعد كل صلة‪ ،‬يتساءلون عن أمور دينهم ودنياهم‪ ،‬فإذا امتدت‬
‫اللسة نصف ساعة بعد كل صلة‪ ،‬فسيكون مواطنو الدينة قد التقوا ف عهد عمر عند السجد (‪ )9000‬ساعة‪ ،‬عدا‬
‫ساعات الغياب‪ .‬فهل كان من بي هؤلء الصلي رجل يدعى عليا‪ ،‬وأخر يسمى عمر‪ ،‬وثالث يدعى عثمان‪ ،‬أم تراهم‬
‫كانوا يصلون ف بيوتم؟!‪ ،‬وإذا ما حضروا والتقوا تسعة آلف ساعة‪ ،‬هل كان الواحد منهم يلس وظهره على‬
‫الخر‪ ،‬أل يتحدثوا ف أمر هذه الدولة الديدة وشؤونا‪ ،‬ويتشاوروا ف أزمتها؟‪ .‬أو يتحدثون عن عرسهم الديد‪.‬‬
‫الطلوب أن يتفرغ جيل من الدعاة والباحثي‪ ،‬للبحث عن هذه السنوات الفقودة ف حياة المام علي‪ ،‬والت حجبها‬
‫الفريقان إل قليلً لكي ل يرى أتباع علي العاصرون‪ ،‬أن إمامهم كان إل جنب عمر‪ ،‬إذنا لفم‪ ،‬ولكي ل يعترف‬
‫الفريق الخر أن عمر كان على هذه الصلة بعلي‪ .‬نشعر بالاجة إل مزيد من السئلة الساذجة‪ ،‬لنقفو أثر المام‪،‬‬
‫خارجاتً من بيته ليسأل عن صغرى بناته أم كلثوم‪ ،‬الت طلبها عمر‪ ،‬فاستجاب علي ليولد لما زيد حفيدا مشتركا‪.‬‬
‫أل يدث أن زار المام علي ابنته‪ ،‬وداعب حفيده‪ ،‬وقد رأى بأم عينيه‪ ،‬كيف كان جد أولده يلطف السن والسي‬
‫فيكبان ظهره وهو يصلي‪ ،‬أم أن المام قاطع ابنته‪ ،‬لنا تزوجت من عمر دون رغبته!‪ .‬فتكون أم كلثوم مارقة‪ ،‬وهو‬
‫ما ل يدث لبنات العرب حت ونن ف عصر الشاعية النسية؟‪.‬‬
‫أم لن الزواج ل يصل كما يقول بعض مؤرخي الشيعة؟‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫إن العثور على الحاضر الشفوية لـ ‪ %10‬فقط‪ ،‬من ‪ 18‬ألف جلسة و ‪ 9000‬ساعة‪ ،‬سيجهز الؤرخي‬
‫والدعاة بادة تزيد على ما كتبه الطبي والبلذري أضعافا!‪ .‬فكيف اختفت إحدى عشر سنة‪ ،‬و ‪ 18‬ألف صلة‪ ،‬و‬
‫‪ 9000‬ساعة‪ ،‬ومن وضع الجر على سكان الدينة‪ ،‬فمنعهم من التجوال‪ ،‬ومكثوا ف بيوتم ل يرى الواحد منهم‬
‫الخر‪ ،‬ول يزاوجه و ل يضاحكه أم أنم كانوا حيي‪ ،‬مثل أحياء فلسطي وإسرائيل‪ ،‬يترامى فيها الطفال‪ ،‬بالجارة‬
‫على جال السلطة‪ ،‬أو أن تكون سلطة الدينة ف وضع البحث عن الارقي والنشقي عن دين ال؟‪ .‬لبد من أنّ واحدا‬
‫من هذه الشاهد‪ ،‬كان قائما‪ .‬والذي يبدو أن الصراع السياسي والطائفي قد فضل مشهد الحياء الفلسطينية على‬
‫الشهد النبوي ف مسجده‪ .‬وهذا اجتهاد الفعل أما برهان النقل‪ ،‬فلم يذكر الؤرخون أن المام علي كان ل يضر إل‬
‫الصلة ف السجد احتجاجا مثلً على الليفة‪ .‬وإنا ذكروا أن سعد بن عبادة مرشح الزرج وصاحب السقيفة‪ ،‬هو‬
‫الذي قاطع الصلة ف السجد أيام أب بكر وف السنة الول من خلفة عمر‪.‬‬

‫عـمــر والـعــراقـيـون‬
‫حرر مصر فأوف له الصريون‬
‫وحرر أرض السواد فكبا أهلها!‬

‫‪91‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫العراق العمري‪:‬‬
‫تارييا وبإجاع ل يرج عليه مؤرخ‪ ،‬أن عمر بن الطاب هو ناشر السلم العراقي ومؤسس العراق العرب الول‪.‬‬
‫ولو كان عمر من أباطرة المم والشعوب‪ ،‬الت مرت على العراق فأقامت أو رحلت‪ ،‬لكان "العمريون"هو السم‬
‫الذي يتسمى به سكان الرافدين‪ ،‬بد ًل من لقبهم الوطن حاليا‪ ،‬مثلما سُمي أهل تلك البلد بالسومريي والشوريي‬
‫والبابليي ث العثمانيي‪.‬‬
‫وتاريخ العراق العمري يبدأ ف العام الثان عشر للهجرة بقرار بناء مدينة البصرة‪ ،‬ث الكوفة من بعدها‪ ،‬لتشكل‬
‫هاتان الدينتان الذر الزروع لضارة عربية إسلمية‪ ،‬ستنشأ وتربو وتيّء لب جعفر النصور بناء الدينة الثالثة الت‬
‫استعصم فيها‪ ،‬فصارت بغداد مركز تلك الضارة‪ ،‬والبصرة والكوفة جناحيها اللذين طارت بما من الصي إل أبواب‬
‫فرنسا‪.‬‬
‫إن عمر من هذا الانب مؤسس حضارة رافدية مثلما كان سرجون الول وحوراب ونبوخذ نصر‪.‬‬
‫ولعله أضاف إل سكان بلد الضارات الرافدية‪ ،‬حضار ًة أخرى إل جانب السومرية والبابلية والكادية‬
‫والشورية‪.‬‬
‫وسيكون الهتمام بعمر والقتراب منه من باب الهتمام بالتاريخ العراقي وتكري مؤسسيه الوائل‪.‬‬
‫وسيكون حُب عمر بن الطاب من حُب العراق والعتزاز به من باب اعتزاز الشعوب برجال استقللا وإناء‬
‫شخصيتها الضارية الت كانت نب الناهبي‪ ،‬والعراق آنذاك ف منطقة فراغ‪ ،‬إذ ل يغط الحتلل الفارسي للعراق‬
‫الكتلة السكانية والغرافية وإنا عاش مصورا ف قطع صغية‪ ،‬وانتشر بأسلوب الرخبيل على جزر ل تشكل أكثر من‬
‫ربع مساحته الغرافية‪ ،‬بينما أنساح العراق العمري على جغرافية العراق من بصرتا إل موصلها‪.‬‬
‫إن عمر بن الطاب بدوره هذا‪ ،‬إنا مَنَح دورا للعراقيي ولبقاع مغمورة كالبصرة ومهجورة كالكوفة وغي‬
‫معروفة كبغداد أن تكون جاذبا لستقطاب القبائل العربية الكبى‪ ،‬فاستقرت الضرية ف البصرة واليمانية ف الكوفةِ‬
‫وبما أخذ العراق شكله العرب الول‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫وخلل وقت ل يسب بداول الزمن‪ ،‬صارت الكوفة مركز القيادة لركة الفتوحات‪ ،‬وأصبحت مصائر دول عريقة‬
‫وشعوب آسيوي ٍة تتد من جنوب العراق ومن بر قزوين حت مشارف الصي‪ ،‬مرهون ًة بالقرار الذي سيصدر من الكوفة‪.‬‬
‫والعرب ف العراق لبدّ أن يكون خارجا إل مدينته الالية من الكوفة‪ ،‬ولو كان جنوبيا‪ ،‬إذا ل تتحرك اليوش‬
‫العربية صاعدةً من البصرة‪ ،‬بل نازلةً من الكوفة إل مدن الفرات النوبية‪ ،‬أو عابرةً إل دجلة ومنها إل بر القزوين‪،‬‬
‫بعد أن تكون قد التفتت إل الشمال لتتربع الوصل على جذرها العرب القادم من الكوفة‪.‬‬
‫و بفضلِ عمر مؤسس البصرة ومُصر الكوفة‪ ،‬تعرفت العرب على مدارس النحو واللغة وعلوم الكلم والفلسفة‪.‬‬
‫إن دور عمر ف العراق مثل دوره ف مصر‪ ،‬والعراق العمري صنو مصر العمرية الت أضافت إل حضارتا حضارةً‬
‫جديدة ومدنا جديدة‪.‬‬
‫الفرق أن الصريي كانوا مع عمر أنقى ومع تاريه أوف‪.‬‬
‫افتخر الصريون ببطلهم الديد‪،‬فأنصفوه وحلوه أسلوبا للدارة‪ ،‬وأنوذجا للزهد والتسامي‪ ،‬وروحا للعدالة‬
‫اللية‪ .‬فيما كبا أهل العراق كبوتم‪ ،‬فلم يكتب فيه مثقف ينتسب إل ثقافة التسنن‪ .‬أو آخر منسوب على التشييع‬
‫سوى علي الوردي وآخرين خارج الحيط الدين‪.‬‬
‫إن مؤسس العراق العرب أهلهُ العروبيون‪ ،‬فلم يصدر كتاب مستقل فيه عن مؤرخي "فطاحل"‪ ،‬وأُدباء "فُحول"‪،‬‬
‫أمثال الشيخ ممد بجت الثري والدكتور عبد العزيز الدُوري‪ ،‬وأستاذ التاريخ العرب ناجي معروف‪ ،‬كما ل تصدر‬
‫الؤسسة الدينية ومركزها العظمية أو الوصل كتابا يُعرّف العراقيي بؤسس حضارتم السلمية ومّصر بصرتم‬
‫وكوفتهم‪.‬‬
‫بيد أن الصريي أخلصوا الو ّد لؤسس حضارتم العربية‪ .‬فكتب العقاد عبقرياته منشورةً ف غرف الدرس وعلى‬
‫أرصفة الدن العربية‪ .‬وكتب طه حسي "الشيخان" و"الفتنة الكبى" بزئيها مُنصفا مستلهما روح السلم ومنهج‬
‫البحث العلمي الديث‪.‬‬
‫وكتبت بنت الشاطىء والستشار عبد الليم الندي وأبو زُهرة وعبد الرحن الشرقاوي ف المام علي وف تلك‬
‫الفترة السلمية الثية‪ ،‬فتشكلت الدرسة الصرية مرجعا سنوليه الهتمام ف صفحات قادمة‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫أمّا العراق فَخُل ٌو من هذا النهج‪ ،‬وتلك الدرسة‪ ،‬رغم كونه ميدان الصراع الطائفي القدي والاضر‪ ،‬وإذ يعزو‬
‫الُطلعون على أسبابه إل جهل الناس بتاريهم السلمي‪ ،‬فَلم يسأل أح ٌد إل من تُعزى أسباب هذا الهل‪.‬‬
‫إنم يكتبون من فوق‪ ،‬ناشرين طُعونم على العامة‪ ،‬وكأنم يتوقعون أن يولد العراقي وهو يرضع العلم‪ ،‬ويتسي‬
‫أكواب الثقافة من مشارب ل يتلكها أساسا‪.‬‬
‫إن الجتمع بؤسساته الدينية والدولة بؤسساتا الثقافية هي الت تتحمل السؤولية عن جهل الناس بتاريهم‪ ،‬ول‬
‫تلتفت الوزات العلمية الشيعية والدارس الدينية السُنية إل التعريف بثروة من التراث السلمي القيم ف معماريات‬
‫الئمة والشيوخ والولياء‪ ،‬فياها الناس شاخصة‪ ،‬ول يعرفون شيئا عن أسرار القيمي ف ثراها سوى ما يقدمه السدنة‬
‫من أوراد وإذكار‪.!..‬‬
‫إن وزارات الثقافة العراقية كان يكن لا أن تنهض بهمة تُجنّب العراقيي شيئا من هذا الصراع‪ ،‬لو عُنيت‬
‫بإصدار سلسلة كتب للتعريف بن تنتسب إليهم تلك العماريات‪ ،‬لكن وزارة الثقافة أصدرت مرةً كتابا عن ألعاب‬
‫الصبيان ف سامراء متجاهلةً معمارية سامراء العباسية‪ ،‬تلف أحزانا ملتويةً إل السماء‪ ،‬وتمل شاخصة السلم‬
‫العَلوي ف معمارية المامي علي الادي والسن العسكري‪ ،‬الت تعرف عليها الناس مقطوعة الساء ومزقة الحشاء!‪.‬‬
‫ومن الفارقات أن حكومات العراق ذات الطابع السُن‪ ،‬ف قرارها‪ ،‬وف أغلبيتها خلل الثماني عاما الاضية‪ ،‬ل‬
‫تلتفت إل هذا الانب فتنشر كتابا مستقلً بأب حنيفة القيم ف العظمية‪ ،‬وبعماريته الفقهية‪ ،‬ول توقفت يوما ف باب‬
‫الشيخ ودخلت مسجد الشيخ السن عبد القادر الكيلن‪ ،‬فلم يُعرف عنه سوى أنه (أبو قبقاب)‪.‬‬
‫إن علماء السنة وشيوخها ومثقفيها ل يُنصفوا إمامهم العظم‪ ،‬ول ينشروا علم العلماء الدفون ف مساجد الشيخ‬
‫معروف الكرخي والشيخ جنيد والشيخ السهروردي وآخرين‪.‬‬
‫ومثلهم ف التقصي والغفال كان فقهاء التشيع‪ ،‬وحوزاتم العلمية الت ل تنشر بعد ألف عام على تأسيسها كتابا‬
‫عن المام علي بن أب طالب يطلع عليه جيل عن جيل‪ ،‬ول كتابا مستقلً عن المام الُسي‪ ،‬لكن بعض أتباعهم من‬
‫الدرجات الوسطى ربا اهتموا اهتماما خاصا بفاجعة كربلء فكتبوا عن الفاجعة دون الكتابة عن السي‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫وباستثناء كتابات ف التاريخ العام للعتبات القدسة‪ ،‬ومدن التشييع العراقي وكتب الرجال‪ ،‬وقد صدرت من‬
‫خارج الوزات العلمية‪ ،‬فلم يتوفر لشيعة العراق كتاب يُعرفهم بأئمتهم على الطريقة‪ ،‬الت كتب فيها العقاد وطه‬
‫حسي والشرقاوي وأبو زهرة‪.‬‬
‫ومن الغريب أن الذين أعتنوا بذا الانب من التاريخ السلمي‪ ،‬هم من خارج الطار الدين‪ ،‬ومن الحسوبي‬
‫على العلمانية‪ ،‬وربا اتموا بالزندقة واللاد‪ ،‬كالدكتور علي الوردي وهادي العلوي وفيصل السامر‪.‬‬
‫أما التاريخ العام فقد حظي باهتمام فريق من علماء التاريخ كالدكتور عبد العزيز الدوري والدكتور مصطفى‬
‫جواد والدكتور جواد علي والستاذ ناجي معروف‪ ،‬من ابتعدوا عن تاريخ سي الئمة والفقهاء الذين تدور حولم‬
‫اهتماماتنا‪.‬‬
‫الكوفة ججمة العرب‬
‫ولنا مركز القوة العربية الول وفاتة فارس فقد أحبّها عُمَر وفضّلها على الدن الت أقامها‪ ،‬كالبصرة ف العراق‪،‬‬
‫والفسطاس ف مصر‪ ،‬ول يُعرف ِلعُمر عشقُ الشام با نعرفه عنه من عشق الكوفة‪ ،‬فأطلق عليها أجل اسي تمِلهما‬
‫مدينة‪ :‬رأس السلم مرةً وججمة العرب مر ًة أخرى‪.‬‬
‫فهي العروبة والسلم وليست الشقاق والنفاق كما تزعمون‪.‬‬
‫أما البصرة فكانت ف مركز هامشي ل يتوجه إليها سوى قبائل غي متمرسة ف القتال كما يقول هشام جعيط ف‬
‫كتاب الفتنة وكان مركزها هامشيا ولَعلها قامت ف بعض الحيان بدور مساعد للكوفة‪.‬‬
‫وإن كان ذلك ل يعن أنّه فضّل أهلها على أهل البصرة‪ ،‬وإنا كان الهتمام بسبب دورها أمّا العطا ُء فكان واحدا‬
‫لهل البصرة وأهل الكوفة ولعطاء غيهم من القاتلي‪.‬‬
‫ومع ذلك فقد َن ِفسَ أهل البصرة كما يقول ممد حسي هيكل ف كتابه الفاروق على أهل الكوفة موقع ب َلدِهم‬
‫وما تدر عليهم من الي‪.‬‬
‫وكان وف ٌد من البصرة قدم إل الدينة وشكا من سوء أحوالم الناخية فقال الحنف بن قيس ِلعُمر‪:‬‬
‫يا أمي الؤمني إن مفتاح الي بيد ال وإن إخواننا من أهل النصار نزلوا منازل المم الالية بي الياه العذبة‬
‫والنان اللتفة وإنا نزلنا سبخ ًة ملتفة ل يف نداها ول ينبُت َمرْعَاها فليس لنا زرعٌ ول قرع‪ ،‬ويرج الرجل الضعيف‬

‫‪95‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ب الاء ف فرسخي وترج الرأة لذلك فَتُربقُ وَل ْدهَا كما يُربقُ العن "أي يربط بالبل" ياف بادرة العدو‪ ،‬وأكلِ‬
‫يستعذ ُ‬
‫السبع‪ ،‬فان ل ترفع خسيستنا وتب فاقتنا نكن كقومٍ هلكوا‪.‬‬
‫اتذ عمر ساعتها قرارين‪ ،‬أن يزيد عطاءَهم وأمر عامله على الكوفة أبا موسى الشعري ليجري لم نرا على بُعد‬
‫ث الاءُ هناك أعذب ل يتلوث بياه البحر َبعْد‪.‬‬
‫ثلثة فراسِخ إل شال البصرة حي ُ‬
‫وكانت قبائل البصرة تتنافس مع قبائل الكوفة‪ ،‬ونافست الدينتان على أمادها ودخلت القبائل ف هذا التنافس‬
‫فدَخَ َل معها شعرُ التفاخر‪ ،‬وهو أول تفاخرٍ للمكان بعد الفخر بالقبيلة‪.‬‬
‫فهل كانت تلك بداية لختلف أهل البصرة وأهل الكوفة ف علم النحو‪ ،‬فيكون لكل منهم مدرسة خاصة وأن‬
‫يتلفا ف الذائقة البلغية‪ ،‬فيكون لدرسة الكوفة ذوق أقرب إل طبيعة البداوة ونقاء الصحراء وسهولة القاصد‬
‫والفكار‪ ،‬فيما جنحت البصرة نو التعقيد مُستعين ًة بعلم النطق والرياضيات ف كتابة النحو والبلغة؟‪.‬‬
‫ول يكن ذلك كافيا لسترِ الكوفة وحايتها عن الطعون على مرّ القرون العربيّة‪.‬‬
‫وأهل الكوفة ما يزالون يوصمون بالتمرد والحتجاج ومناكدة الولة وإثارة القلقِل وأضيفت إليهم طعون بعد‬
‫ضرِبَ الثل ف الكوفة حت سُميت حص بالكوفة‬
‫مقتلِ المام السي ف معركة الطف وخذلنه بعد تأييدهم‪َ ،‬ف ُ‬
‫الصغرى لكثرة احتجاجها على الولة‪.‬‬
‫ف واحد‪ :‬كونما على أطراف البادية وارتياح القبائل العربية للسكن فيهما‬
‫وف ظننا أن ما يمع الكوفة وحص ظر ٌ‬
‫وخضوعهما لذات الؤثرات‪.‬‬
‫ض معروفة برملتها المراء غي الأهولة‪ ،‬فأخذت اسها من رملتها الت تسمى عند‬
‫الكوفة ناشئة ول تكن سوى أر ٍ‬
‫العرب بالكوفة لمرتا‪ .‬وإنا كان ظاهرها عامرا ويُدعى بالية ملكة الناذرة الشهية ِ‪ ،‬والعروفة بالعصر الاهلي‬
‫باسم الغَري قبل أن تأخذ لقبها الال وتسمى بالنجف‪ ،‬والنجف هي ما ارتفع من الكان ولذا يُسمي الصريون ثريات‬
‫الضوء بالنجفة لنا مرتفعة ومتألقة‪.‬‬
‫وكانت الية معروفةً بدياراتا السيحية الدهونة بالطلء البيض فكأنا تبدو من بعيد نوما متألقة‪ ،‬فكيف وصل‬
‫الصريون إل هذه النتيجة ول يصل إليها العراقيون؟‪.‬‬
‫هذا شيء عن كوفة الفرات‪ ،‬فعن أي كوفةٍ تتحدثون؟‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫كوفة السلم ف عنفوانه العُمري وصراعه مع الارج الجنب الناكر للسلم‪ ،‬أم كوفة السلم ف مثاله العَلوي‬
‫تصارع النشق عن اللفة لتستعيد وحدة الدولة العربية السلمة كما رسها عمر بن الطاب؟‪.‬‬
‫سنحتكم ف الواب إل الكوفة ذاتا‪ ،‬وإل مناهجها الول‪ ،‬فهي ف عهدها الول بنت لعمر ولفقهه وتاريه‪ ،‬وأبو‬
‫حنيفة النعمان بن ثابت هو فقيه الكوفة وعند هذا الرجل يلتقي العُمران والعَليان ف الدرس الفقهي الواحد‪ ،‬وليس‬
‫ج والُخدرون بالال الموي والترياق الصفوي‪.‬‬
‫سذّ ِ‬
‫على حلبةِ اللكمة كما يشطح الاهلون وال ُ‬
‫ب آخر‬
‫الكوفة ججمة عمر ورأس علي‪ ،‬توأم الط الحمدي‪ ،‬الذي سارت عليه قاطرة العرب‪ .‬لكن فيها من جان ٍ‬
‫س بفقه الدينة الحافظ‬
‫صراعا شفيفا ليس بي عمر وعلي‪ ،‬بل صراع مدارس وثقافة وتربية ورأي يُمسك مالك بن أَن ْ‬
‫ويسك أبو حنيفة بفقه الكوفة النفتح أو الراديكال كما يُسمى ف أيامنا‪.‬‬
‫ح بي الدينتي سياحة‬
‫ونترك الستشار عبد الليم الندي ف كتابه عن أب حنيفة الصادر عن دار العارف ف القاهرة يَسو ُ‬
‫العال العارف بدقائِقها‪.‬‬
‫كان للمدينة من السلطان الروحي ما عب عنه مالك لليث بن سعد بقوله‪" :‬إن الناس تبع لهل الدينة الت إليها كانت‬
‫الجرة وبا نزل القرآن"‪.‬‬
‫وكانت حضارتا بسيطة غي معقدة ول مشوبة بتخليط‪ ،‬الشاكل فيها قلئل‪ ،‬والوقائع تتشابه وتتشاكل‪ .‬فإذا‬
‫عرضت مسألة‪ ،‬فإن أشباها ف السوابق حِكما ف النصوص‪ :‬يسيطر على أهلها اعتقادهم أنم لن يصنعوا خيا ما صنع‬
‫آباؤهم‪ ،‬لنم تابعون وآباؤهم متبوعون‪ ،‬ومن عقيدة التابع أنه ليس كالتبوع‪ ،‬وأنه لن يكون جيل التابعي ول أي‬
‫جيل بعده أو قبله كجيل الصحابة رضوان ال عليهم‪.‬‬
‫أما الكوفة ففي ذلك القليم من أقصى الزيرة حيث ل تك ُن مادة الفقه والحاديث والسنن هي الواء الذي‬
‫يتنفس الناس فيه ف كل مكان كالدينة‪ ،‬فإذا أقبل بنوها على العلم أقبلوا من تسامح الحيط الواسع الذي ينادي‬
‫بالجتهاد بالرأي‪ ،‬حيث الناس من كل الجناس‪ ،‬يقبلون على الدين الديد تؤنسهم مدينة كبية وتكتنفهم معاملت‬
‫وتارات ونوازع شت وفنون حضارة تتاج ف كل وقت إل الرأي الديد‪ ،‬ل تغن عنه النصوص القليلة التداولة‪.‬‬
‫جاءوا يدلون بدلوهم ف الدلء‪ ،‬يتحرون ويتقرون ل تكد تدأ رحلتهم بعد‪ ،‬ول تكن لتهدأ إل بعد أن تستنفدها شت‬
‫ضروب النشاط الادي والفكري أو يعتورها الكلل والرم‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫لقد تلزم الجتهاد والهاد ف تاريخ السلم‪ ،‬وتالف الركود الفكري والركود العسكري من ألف عام‪:‬‬
‫قامت مدرسة الكوفة تقول باللق والبتكار‪ ،‬واستعصم أبو حنيفة فيها مستمسكا بالرأي وبالتشدد ف قبول‬
‫الحاديث ورواتا وعارض فقهاء الدينة وأشياعهم‪.‬‬
‫ث تطاول اللف الفقهي فتحول إل خصام‪ ،‬وأعلنت حرب الذاهب بي كلمات قارصة كقول القائل‪ " :‬وضع‬
‫أبو حنيفة أشياء ف العلم‪ ،‬مضغ الاء أحسن منها‪ ".‬ومستشنعات من اللفاظ سنرى أمثا ًل منها بعد‪ :‬وغدا فقه العراق‬
‫ِهمّ الجاز القيم العقد‪"...‬‬
‫لكن سياسة عثمان أولَت البصرة اهتماما جعلَها الركز الساسي لرسال اليوش الت زحفت إل كرمان‬
‫وسجستان وخراسان سنة ‪ 31‬للهجرة وعُن عثمان بالبصرة وأهلها عناية عمر بالكوفة وأهلها‪.‬‬
‫إن المام عليا عندما فكّر ف جعل الكوفة عاصمةً للخلفة فكأنه يستلمها من عُمر بعد معركة المل بي البصرة‬
‫العثمانية والكوفة العمرية وكان المام علي يسعى لن تستعيد الكوفة مدها السابق‪.‬‬
‫وبتعبي الذاهب والفرق كانت الكوفة من شيعة عمر وعلي وعمار بن ياسر‪.‬‬
‫والبصرة من شيعة عثمان وعائشة والزُبي وطلحة بن عبيد ال‪ ،‬والفريقان ها‪ ،‬من أتباع ممد (ص)‪.‬‬
‫إن الؤرخي يتداولون بظلم معلوماتٍ وأحكاما عن أهل الكوفة كمثال للشخصية العربية العروفة عندهم‬
‫بالشقاق والنفاق وقطع العناق والرزاق‪ ،‬فيما أخذت الكوفة قطعَ العناق والشقاق مرةً من قبائل الردة الت‬
‫استوطنتها‪ ،‬ومر ًة من انشقاق البصرة على خليفتها الشرعي‪ ،‬وبقيت الكوفة عربيةً خالصة ول يكن للعراقيي الصليي‬
‫عليها شي ٌء من عناصر النفوذ والقوة وشعبها متسلح بتقاليده اللقاحية الصارمة وعقيدته السلمية النافذة‪ .‬فتعرب با‬
‫من تعرّب من ل يكن عربيا ول تتعرق الكوفة إلّ ف القرن الثان للهجرة‪.‬‬
‫أي أن العراقيي ل يقتلوا المام السي‪،‬لن أهل الكوفة ل يكونوا عراقيي آنذاك‪.‬‬
‫واستمرت مدينة أُحادية النس قبل أن تتحول ف القرن الثان إل مدينة عالية متعددة الثقافات والعراق‪.‬‬
‫إن الكوفة ف فجرها الول هي على ما رأيتم‪.‬‬
‫والكوفة ف فجرها الثان هي مدينة الثقافة والعلوم والشعر واللغة مهمومة بموم النُعمان بن ثابت ومدرسته‬
‫وبنحو الكسائي ومدرسته‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫أهل الكوفة ليسوا عراقيي !‬
‫مازلت مُترددا ف أي منهما سيكون نَسَبا تنتسبُ إليه الكوفة‪ ،‬وهل َيصِحّ القول‪ :‬إنا عراقية وأهلها عراقيون‪،‬‬
‫وليس فيها من العراق إلّ أرضها وموقعها على الريطة‪.‬‬
‫أهل الكوفة هم أه َل اليام من الحاربي الوائل ف مأثرة الفتح وعناصر من الشاركي السابقي ف حروبِ الردة‪،‬‬
‫الذين تابوا وشاركوا ف فتح بلد فارس فاستوطنت الكوفة‪ ،‬ول تكن من قبل مأهولة قبل صعود قبائل عربية من اليمن‬
‫ومُضر ومذحج وكندة وتيم وأسد‪ ،‬فتشكل منها الركز العسكري العرب الكبي ف العال الساسان السابق ومركز‬
‫القوة العربية‪ ،‬وكان أهل الكوفة هم الذين سيطروا أساسا على وسط إيران وشاله‪ ،‬من ميديا وقوقس وجرجان إل‬
‫طبستان وأذربيجان‪.‬‬
‫ولن مُجتمعها من تلك الصول القبليّة العريقة العروفة بثقافتها اللقاحية أي رفضها للسيطرة الركزية والضوع‬
‫لقو ٍة فوقها وتردها على الخر الُتسلط‪ ،‬فقد ُطعِنَت الكوفة بالنشقاق والنفاقِ‪ ،‬كونا عراقية‪ ،‬ول تكن َبعْد قد تأثرت‬
‫بناخ العراق‪.‬‬
‫نلة العراق أم زيتون الشام‪:‬‬
‫ل عن فاكهة الشام وعلقة العرب بالزيتونة‪ ،‬الت يلتقونا حديثا‪ ،‬أقولُ‪:‬‬
‫بعد استطراد تاريي وسياسي أشغلنا قلي ً‬
‫ي فهل تُفضِل عليها مرارة الزيتون؟‪.‬‬
‫إن العرب فضلت رُطَبةَ التمر على الت ِ‬
‫أل ترى أن العرب حت الن ل يستسيغون الزيتون مثلما يتلفتون ف موائدهم بثا عن الرُ َطبِ الفقود‪.‬‬
‫أقولُ‪ :‬إن الشجرة العربية الفضلة هي النخلة بل منازع وليست الزيتونة وسنحتكم إل أحاديث نبويّة وشواهد‬
‫ح النخلة منجما لغوي ُا ترج منه الصطلحات إل يومنا هذا‪ ،‬فتستقل با ل تستقل شجر ٌة أخرى‬
‫من شعر العرب لتصب َ‬
‫باسمٍ خاص لغصانا وهو السَعفُ‪ ،‬وجعلوا من سُعفتها أداة لغاثة الستغيث وجب الكسور فقالوا‪ :‬أسع ْفهُ‪ ،‬أي قدّم‬
‫إليه السَعفة فأغاثه ونّاه من الغرق أو طبّبه با ومنها عرفنا السعاف الطب‪ .‬فهل رأيتم أثرا للزيتونة ف لغة العرب؟‪.‬‬
‫كان َعصُر عمر امتحانا لقبائل الزيرة واليمن لختيار شجرتم ومدينتهم‪ .‬فصدقوا للنخلة وانتسبوا للبصرة‬
‫والكوفة‪ ،‬فكيف استطالت صراعات الذاهب فصارَ العراق لعلي والشام ِلعُمر‪ ،‬فريقي متصارعي‪ ،‬وهُما جيش واحد‬
‫ومدينة واحدة وسلوك ممدي ل ينشطر الواحد فيه شطرين إلّ بناشي القطيعة؟‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫الـمثــالب الـلـيـلـة‬
‫إذا كـان عمـر خاطـئـا‬
‫فالشـــورى خـاطئـة!‬

‫‪100‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫الجتهدات العمرية‪:‬‬
‫أحصينا لدى الدكتور على ممد الصلب أربعا وثلثي مسألة فقهية اختار عمر العمل با‪ ،‬وعنه أخذتا الدارس‬
‫الفقهية السلمية كلها‪ ،‬أو بعضها‪.‬‬
‫ومع ذلك فالؤرخ الدكتور ممد حسي هيكل ل يرى ف عمر ميلً نظريا أو أن ما يصدر عنه من اجتهادات‬
‫جاءت من هذا الانب وهذا صحيح‪.‬‬
‫إن الياة الجتماعية ومستجدات السياسة اليومية‪ ،‬والتغيات الكبى الت أحدثتها الفتوحات والتساع الغراف‬
‫والسكان للدولة الناشئة‪ ،‬هي الت أملت على عمر بن الطاب هذه الختيارات‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫كراهة الصلة ف جلود الثعالب()‪.‬‬
‫إن جلد اليتة يطهر بالدباغ إذا كانت طاهرة ف حال الياة‪.‬‬
‫إنه إذا شرط‪ :‬أنه مت حلّ القّ‪ ،‬ول يوفّ‪ ،‬فالرهن بالدين‪ ،‬فهو مبيع بالدين الذي عليك‪ ،‬فهو شرط فاسد‪.‬‬
‫إذا وجد الغري عي ماله عند الفلس‪ ،‬فهو أحق با‪.‬‬
‫أن عي الدابة تضمن بربع قيمتها‪.‬‬
‫أن الشفعة ل تكون إل ف الشاع غي القسوم‪.‬‬
‫توز الساقاة ف جيع الشجر‪.‬‬
‫لتلزم البة إل بالقبض‪.‬‬
‫من وهب لغي ذي رحم‪ ،‬فله الرجوع ما ل يثب عليها‪ ،‬ومن وهب لذي رحم‪ ،‬فليس له الرجوع‪.‬‬
‫إن مدة تعريف اللقطة سنة‪.‬‬
‫يوز أخذ اليسي من اللقطة‪ ،‬والنتفاع به من غي تعريف‪.‬‬
‫إن اللقطة إذا تاوزت الدة العتبة‪ ،‬فلم يعرف مالكها‪،‬صارت كسائر أمواله غنيا كان‪ ،‬أو فقيا‪.‬‬
‫اللقيط يقر بيد من وجده‪ ،‬إن كان أمينا‪.‬‬
‫جواز الرجوع ف الوصية‪ ،‬وقال‪ :‬يغي الرجل ما شاء من وصيته‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫إن الخوات مع البنات عصبة‪ ،‬لن ما فضل‪.‬‬
‫إن للجدات وإن كثرت السدس‪ ،‬وهو قول أب بكر‪ .‬ف أم‪ ،‬وأخت‪ ،‬وجد‪ ،‬للخت النصف‪ ،‬وللم ثلث ما بقي‪،‬‬
‫وما بقي للجد‪ .‬إذا كان زوج‪ ،‬وأبوان‪ ،‬أعطى الزوج النصف‪ ،‬والم ثلث ما بقي‪ ،‬وما بقي فللب‪ ،‬وإذا كانت زوجة‪،‬‬
‫وأبوان‪ ،‬أعطيت الزوجة الربع‪ ،‬والم ثلث ما بقي‪ ،‬وما بقي فللب‪ ،‬وهاتان السألتان تسميان بالعمريتي‪ ،‬لن عمر ذ‬
‫رضي ال عنهذ قضى فيهما بذا اختيار توريث ذوي الرحام إذا ل يكن ذوي فرض‪ ،‬ول عصبة‪.‬‬
‫يستهدي بالنص لتوليد النصوص‬
‫تشكلت ف عهده دولة كبى بأجهزة صغية ومؤسسات صغرى وبآليات شبه بدائية‪ ،‬وبثل عليا سامية أضفت‬
‫على الدولة طابعها‪ ،‬فحكمت الدولة ل بنظومة إدارية أو بشبكة أمنية متراصة‪ ،‬بل بنظومة قيم متعاشقة‪ .‬وباجتهادات‬
‫قائمة على شراكة‪ .‬فكأن حكمه أقرب إل حكم البهة الوطنية ف أيامنا‪ ،‬ف جانب الشاركة‪ .‬لكن دولة أخرى ل‬
‫تتوصل بعد ال التطبيقات العمرية للمثل العليا ف السلم‪ .‬وهو ماسيّناه بالطباق العمري‪ .‬حيث تنعدم الفروق بي‬
‫النص النظري والقطع التطبيقي على الرض‪ ،‬فاستكملت ف زمنه أحكام الليات القرآنية والحاديث النبوية‪ ،‬فعاد إل‬
‫فقهاء الصحابة وعلى رأسهم المام علي ليتشاوروا ف مراجعة النص‪ ،‬ويستخرجوا أحكاما تتواءم مع مستجدات‬
‫الواقع السلمي الديد‪ ،‬فنسب إل عهده الكثي من التطورات الفقهية والفكرية‪.‬‬
‫ولذا فلم تكن نسبة السائل الفقهية إل عمر مبالغا فيها‪ ،‬لنا ف الساس حصيلة للية وضعت لتوسيع الشاركة‬
‫ف التطورات السياسية والعسكرية والفقهية‪.‬‬
‫تري زواج التعة‬
‫ل أتوقع أن تكون لزواج التعة الذي حرمه عمر هذه الساسية لدى بيئت الشيعية‪ ،‬حت عندما نددت بامش‬
‫سريع بأهل التعة ف كتاب (الشيعة والدولة القومية)‪.‬‬
‫وكنت أحسب أن معيار تليلها وتريها مرهون بالعايي الجتماعية‪ ،‬وقد عشت خسي عاما ف ميطي البغدادي‬
‫بي الكرادة الشرقية وكرادة مري‪ ،‬وكلتاها كانت شيعية‪ ،‬فلم أسع قارئا حسينيا أو حديثا على لسان أب وجد‪،‬‬
‫يدور حول التعة‪ ،‬وهكذا ينطق با دون مضاف‪ .‬وهي ترد مفردةً على غي العبارة الفقهية "زواج التعة"‪.‬‬
‫ولكنن كنت أسع أن بعض الرجال الوسرين يذهبون إل إيران ويستمتعون بالنساء هناك()‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫وعند خروجي إل سوريا ولبنان‪ ،‬كثر السموع عن زواج التعة‪ ،‬بكم وجودي كمعارض سياسي سابق قريبا من‬
‫بيئة إسلمية مضة وكان جواب على إشكال التحليل والتحري‪ ،‬أن لست إسلميا‪ ،‬وأن اللل فيها والرام ل أستمده‬
‫من نص فقهي لل إشكال كهذا‪ ،‬وإنا من موقف الجتمع إزاءه وهل هو من الفضائل الت يصرح با أم من الالت‬
‫الت إذا حدثت فعلى نطاق الستور؟!‪.‬‬
‫ل أحب تكرار السؤال الكرر والوجه إل التحدثي عن حللا‪ ،‬وإذا كانوا يوافقون على تزويج أحد نسائهم‬
‫زواج متعة!‪ .‬ول أدخل ف مساجلت يثار فيها زواج السيار عند أهل السنة وأنواع أخرى بدأت تنشأ ف حجر‬
‫موصدة وأمام عيون مفتوحة‪.‬‬
‫أقول‪ ..‬لست بذا الصدد‪،‬ولكن أرى ف التعة مشهدا ل يتقبله العرف العام‪ ،‬والذوق العام‪ ،‬والشرف العام‪،‬‬
‫ل مع شقيقت يتغي ثلث مرات بالسنة‪ ،‬إذا كان زواج التعة بشروطه وعدته‪،‬‬
‫والتقليد العام‪ ،‬إذ ليعقل أن أرى رج ً‬
‫وإ ّل فالارجون على الشروط يكن لم أن يروا مئة رجل لشقيقة واحدة ف العام الواحد!‪ .‬فإذا كان ذلك مقبولً ف‬
‫الشرع‪ ،‬فلست من يتقيد بذا اللل‪ .‬وهذه مسألة اجتماعية ل أقترب فيها من نص يللها أو يرمها‪ ،‬ولو كان مرّمها‬
‫من أهل الاهلية‪ .‬لا تغي ف المر شيء ولتبعته عرب الاضر‪ ،‬عن طيب خاطر‪ ،‬مادام ذلك نابعا من طبيعة الجتمع‬
‫وأخلقياته الت درج عليها‪ ،‬وِلمَ ل والكثي من مرّمات الاهلية‪ ،‬بقيت على حالا ف السلم؟‪.‬‬
‫وف رواق علمي خالص‪ ،‬تثار روايات استفهام على جلة إجراءات وقرارات دينية وسياسية واجتماعية ما يروى‬
‫ويسمع من نقد بعيد عن منابر القطيعة والتشهي‪ ،‬طففناها مسرعي ف ثنايا الصفحات مادامت طفيفة‪.‬‬
‫أما العلمات العريضة‪ ،‬فتستوجب مراجعة أوف وأكرم ومنها‪:‬‬
‫هل اغتال عمر‪،‬سعد بن عبادة النصاري زعيم الزرج‪ ،‬وأول مرشح ف السقيفة؟‪.‬‬
‫هل كان مصيبا باجلء اليهود والنصارى من جزيرة العرب؟‪.‬‬
‫من أين يستمد صلحياته ف الجتهاد با ل يكن لغيه؟‪.‬‬
‫هل يتلك عمر حق إدخال عبارة الصلة خي من النوم ف أذان الصبح؟‬
‫هل كان الزهد مطلوبا منه ف عصر الفتوحات؟‪.‬‬
‫لاذا ل تتفظ سيته بالكم والوصايا؟‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫مشكلت الدرة الت يفق با الناس؟‪.‬‬
‫هل أحرق مكتبة السكندرية؟‪.‬‬
‫ف بعض هذه التساؤلت تلتبس الثالب بالكارم‪ ،‬وقد ينتهي التطواف با إل شاطيء الفضائل‪ ،‬وتكون ذاتا‪..‬‬
‫الثالب الليلة؟‪.‬‬
‫مثلما كان الوقف ف السقيفة من وجهة نظر سياسية‪ ،‬وكما هي الال مع تري التعة من وجهة نظر اجتماعية‪ ،‬فلنكتم‬
‫أنفسنا لخر الطاف‪.‬‬
‫غي أن اعتراضات فقهية تتصدر لئحة الستفهام الول ضد اجتهادات عمر بن الطاب ف قضايا خطية‪.‬‬
‫ولننا نتعامل بالسياسي والجتماعي‪ ،‬وننأى الوض فيما نن لسنا مؤهلي له ف مسائل اللف الفقهي‪ ،‬فكان‬
‫طبيعيا أن تندرج اجتهادات عمر معنا‪ ،‬حيث اندرجت ف الدرسة الصرية‪ ،‬وعند التنويريي‪ ،‬وهي عندنا من مفاخر‬
‫العقل السلمي‪ ،‬دونا حاجة إل شيء من التوسل بالسوغات الفقهية والستدارات النطقية لتمييع الجتهدات العمرية‬
‫وحشدها ف مسائل التباع والتقليد‪ ،‬وهي ما انفرد با عمر‪ ،‬فأبدع بالمكن وأعطى السلم زخا ظل الفقهاء يفتقرون‬
‫إليه‪.‬‬
‫وما يتيح حرية البحث ف النتقادات الوجهة إل عمر بن الطاب‪ ،‬أنه ل يدخل ف العصمة حسب القواعد‬
‫السلمية‪ ،‬وكان على ظننا يتعمد إشهار بشريته فيمنع اعتبار ما يقوله إ ّل رأيه هو وليس رأي ال‪ .‬ويعلو صوته ف‬
‫انتقاد خطأ وقع فيه‪ ،‬وترتفع نبته درجة أعلى عند تصيص من قال بطئه امرأة كانت أم رجلً‪ ..‬صحابيا كبيا أم‬
‫عابر سبيل‪ .‬ول يكن وهو "يلد" نفسه‪ ،‬إثر حوار يُخَطّأ فيه‪ ،‬إ ّل متعمدا تقيقا لبشريته واحتمالت الطأ والصواب‪.‬‬
‫إن الانب البشري ف عمر بن الطاب يغري الناس ف مساءلته واستجوابه دونا حرج‪ ،‬ول أخفي انبهاري بذا‬
‫الانب‪ ،‬وإباحة سري‪ ،‬ف اليل نوه‪ ،‬والرأة على الكتابة فيه‪ ،‬إن بشرية عمر تعل "مثالب القطيعة" جليلة وانتقادات‬
‫الحايدين قابلة للرأي وضده‪.‬‬
‫الصلة خي من النوم‬
‫أرى أن أذان الفجر ينطوي على روح طبقية ف ذات النب (ص)‪ ،‬ثائرة على البطرين والدللي والكسال‬
‫والفارغي الذين ينامون حت الضحى‪ ،‬وكنا نتمن لو كان صوت الؤذنِ حيا‪ ،‬تس فيه برارة الوجدان‪ ،‬وليس مسجلً‬

‫‪104‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫على شريط مروط‪.‬‬
‫إن بعض التحدثي ينسبون إل عمر بن الطاب إضافة جلة والصلة خي من النوم إل الذان‪ ،‬فهل لدينا من‬
‫العرفة التاريية والفقهية مايدفعنا إل تأييد هذا الرأي أو نفيه؟‪.‬‬
‫إن بعض الؤرخي إذا كانوا من أهل الذاهب‪ ،‬فهم مثل أهل السياسة والعقائد الذين يكتبون التاريخ الديث على‬
‫ضوء عقائدهم‪ ،‬وليس على منعكس الحداث والوقائع‪ .‬لكن الرواية تعكس شخصية صاحبها وعندي شيء من الثقة‬
‫بالقدرة على فحص الرواية العمرية على ضوء سايكولوجية الرجل‪ ،‬وما نتعارف عليه بعاله الاص ف الذائقة والعرفة‪،‬‬
‫والوجدان والسلوب‪ ،‬وسيكون اجتهادنا أنا ل تصدر عن عمر‪ ،‬ليس بالدليل النقلي‪ ،‬كما قلنا وإنا بواءمتها مع‬
‫روحية عمر وأسلوبه‪ ،‬وها معروفان لدينا‪.‬‬
‫العتقد أنا ترتبط بالسنوات الول للبعثة النبوية‪ ،‬والناس ل يعتادوا بعد على الستفاقة ف ذلك الوقت‪ ،‬إل لل أو‬
‫مرض أو َهمّ من هوم العشق‪ ،‬فيسألون النجوم مت تغيب ليوا ف الصباح التال من يبون رؤيته‪ ،‬فل بد من حث‬
‫السلمي على اليقظة البكرة‪ ،‬وإفهامهم أن الصلة أفضل وأجل من الستغراق بالنوم‪.‬‬
‫وننكر أن يكون ذلك حصل ف خلفة عمر‪ ،‬ورغبة منه‪ ،‬لن الدينة تعودت على صلة الفجر بعد تلك‬
‫السنوات‪ ،‬وصار مألوفا أن تبدأ نارها قبيل ظهور الط البيض ف الفق‪ ،‬فيستمر بعضهم يقظا‪ ،‬ويعود آخرون إل‬
‫افتراش أرضهم‪.‬‬
‫وف جانب السلوب ننكر أن تكون العبارة لعمر‪ ،‬وهي تشي إل طلب شفيف‪ ،‬يدل على مرحلة مبكرة تستدعي‬
‫الرفق الشديد بالسلمي الناشئي والذر من أن يغلبهم النوم‪ ،‬فيما السلم ف عهد عمر قد تذر وتذرت طقوسه ف‬
‫نفوس السلمي‪،‬حت صارت العبادة عادة‪.‬‬
‫أما آخر ما نزعم به لنكار صدورها عن عمر‪ ،‬أنا لو ل تصدر ف زمن الرسول (ص) واجتهد عمر إضافتها لسباب‬
‫موجبة لوردت العبارة بلغة ناهية أو آمرة مشبعة بإحساس القوة الت وصل إليها السلمون ف عصره‪ ،‬وليست من طبيعة‬
‫عمر تلك الوادعة والليونة‪ ،‬فيترك الكلفي مستغرقي بنومهم‪ ،‬وهو الذي يعال أسباب صراخ الطفل الذي ل ينم ليلته‪.‬‬
‫وهو صاحب العسس‪ ،‬جّواب الليل‪ .‬فكيف يدع البطرين نائمي والصلة قائمة؟‪.‬فيلمسهم با هو بديهي‪ .‬والبديهي أن‬
‫الصلة خي من النوم!‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫كان عمر على طريقته هذه‪ ،‬سيخرج النائمي والدرة تعلو رؤوسهم‪ ،‬ولو كانوا قادة من وزن سعد بن أب وقاص أو‬
‫شعراء من وزن حسان بن ثابت‪.‬‬
‫أقول لو أن الضرورة دفعت بعمر لضافة عبارة‪ ،‬الصلة خي من النوم إل الذان‪ ،‬لكان النص كما أتيله هذه‬
‫الساعة يل مسامعي على الصورة الفترضة معاذ ال‪.‬‬
‫حيّ على الفلح ذ حيّ على الفلح‬
‫لخي ف نائم‪ ،‬والفجر لح‬
‫استغفر ال ل ولكم‪.‬‬
‫هل كان الزهد مطلوبا ف ثراء الفتوحات ؟‬
‫يرى كتّاب علمانيون أن زهد عمر فيه بعض التكلف والصطناع‪ ،‬وقد يكون غي مبر ف دولة انفتحت على‬
‫بيت الال‪ ،‬فيها خزائن الاس والذهب وأموال الراج من أغن دولتي ف الشرق القدي‪ ،‬وطَفر معدل الدخل الفردي‬
‫إل أكثر من مئة ضعف‪ ،‬ودخلت أموال إل الدينة فقيل أن بعض الصحابة كانوا يكسرون أحجار الذهب بالفؤوس‪.‬‬
‫ويدعمُ القائلي بذا الرأي أ ّن الدولة السلمية ل تكن ترّم الثراء‪ ،‬والشرع يدفع السلمي إل التجارة الت ترد ف‬
‫النص القرآن والديث الشريف ف موارد الثناء‪.‬‬
‫إ ّن المام علي ييبُ على سؤال العترضي من أهل العلمنة والداثة ف حوار مع الربيع بن زياد الارثي منقولً‬
‫سكَ‬
‫عن الحنف بن قيس أنّ الارثي جاءَ إل علي وقال‪ :‬يا أمي الؤمني إنّ أخي عاصم بن زياد لبس العباءة وتن ّ‬
‫وهجر أهله فقال له المام‪:‬‬
‫عليّ به‪ ،‬فجاءه وقد ائتزر بعباءة وارتدى بأخرى‪ ،‬أشعث أغب‪ ،‬فقال له‪ :‬ويك يا عاصم‪ ،‬أما تستحي من أهلك‪.‬‬
‫أما ترحم وِلدك؟‪.‬‬
‫أل تسمع قوله تعال‪ ):‬ويّلُ لم الطيبات(‪ ،‬أترى أن اللّه أباحها لك ولمثالك‪ ،‬وهو يكره أن تنَا َل منها‪ ،‬أما سعت‬
‫قول رسولَ ال (ص) إ ّن لنفسك عليك حقا ولولدك عليكَ حقا؟‪.‬‬
‫فقال له عاصِم‪:‬‬
‫فما بالك يا أمي الؤمني ف خشونة ملبسكَ وخشونة مطعمك وإن أقتدي بزيك؟‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫فقال له المام‪ :‬ويك إنّ ال فرض على أئمة الق أن يتصفوا بأوصاف أفقر رَعيتهم‪ ،‬لئل يزدري الفقي بفقره‪،‬‬
‫وليحمد ال على غناه‪.‬‬
‫ودخَلَ سويد بن غفلة على المام علي ف بيت المارة بالكوفة‪ ،‬وبي يديه رغيف من شعي وقدح من لب‪،‬‬
‫والرغيف يابس‪ ،‬فأنكر سُويد علي ِه ذلك فالتفت إليه المام قائلً‪:‬‬
‫و َيكَ يا سُويد ما شبع رسول ال (ص) من خبزٍ ثلثا تباعا‪ ،‬حت لقي ال‪ ،‬ولنُخل له طعام‪.‬‬
‫ي رثٍ‪ ،‬وهو جالسٌ عليه‬
‫وف رواية ثانية عن سُويد أنّه قال‪ :‬دخلتُ على عليٍ يوما‪ ،‬وليس ف داره سوى حص ٍ‬
‫فقلتُ يا أمي الؤمني أنت ملك السلمي والاكم عليهم وعلى بيت الال‪ ،‬وتأتيك الوفود‪ ،‬وليس ف بيتك سوى هذا‬
‫الصي فقال‪:‬‬
‫إن البيت ل يتأثث ف دار النقلة‪.‬‬
‫وف النص تتركز الجابة على مبدأ قد نتعارف عليه بإشعاع النموذج أو جاذبية الثال يتصل بتعفف الاكم‬
‫فيتعفف من معه‪.‬‬
‫وهذا جانب أخلقي وسياسي كان له دور ف انذاب الجتمع السلمي نو حكامه الزاهدين‪.‬‬
‫ويتصل البدأ الثان بالألوف السلمي الدين‪ ،‬الذي يعافَ متاع الياة الدنيا‪ ،‬زاهدا بدار النقلة مطمئنا إل ما‬
‫ستوفره دار القامةِ‪.‬‬
‫ل يستمر زهدُ اللفاء بعد أب بكر وعمر وعلي ويعزو مؤرخون كطه حسي وعلماء اجتماع مثل علي الوردي‬
‫ومفكرون يساريون كهادي العلوي وحسي مروة إل عثمان بن عفان مسؤولية الروج على زهد عمر وعلي إل حياةٍ‬
‫أكث َر رفاها وترفا‪.‬‬
‫يقول هادي العلوي ف كتابه فصول من تاريخ السلم السياسي‪:‬‬
‫إن البناء الذي شرع عمر بن الطاب ف إرسائهِ على صعيد السياسة الداخلية انار بعد مقتله مباشرةً‪ ،‬وذلك حي‬
‫ض با عثمان إجراءات عُمر عدم متانة‬
‫توصلت الرستقراطية السلمية إل تعيي عثمان ف حي أثبتت السرعة الت نق َ‬
‫الساس الذي قامت عليه‪ ،‬وقد عبّرت سياسة عثمان‪ .‬عن نقاو ِة موقفهِ (الطبقي) كان انيازه الاسم إل الرستقراطية‬
‫قد رافقه وقطَعَ أوهى الصلتِ‪ ،‬الت ربا كانت تمع السلم الرسي بالعناصر الستضعفة ف الجتمع الديد‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫قد ل أتفق مع هذا التحليل‪ ،‬لعدم اعتمادي أساسا على النهج الطبقي ف تفسي التاريخ‪ ،‬ولِظن أن التطور‬
‫الجتماعي الذي أحدثته الفتوحات ف زمن عمر واستمر إل خلفة عثمان كان سينقل الدولة الديدة إل مرحلة‬
‫أخرى ل يكن للجزيرة العربية عهدٌ با‪ ،‬وكان رأس الدولة سيتصرف سواءً كان عثمان أم غيه على ضوء العناصر‬
‫الديدة والواقع الرأسال الديد لذه الدولة‪.‬‬
‫لكن عثمان كان دائما يدفعُ ثن التطورات الفاجئة اقتصادية أم سياسية أم إدارية‪ ،‬لن نصيبه الُق ّدرَ قد وضعهُ‬
‫خليفةً لعمر وأمامه إمام تتطلعُ إليه قلوب الستضعفي من أهل السلم الوّل‪.‬‬
‫إن عثمان كان ف مأزق سيكون مثله أي ُمرَشح من الستة الذين تنافسوا على اللفة ف ملس الشورى‪.‬‬
‫كان المام علي يستحوذ على أحلم ومشاعر عامة فقراء الدينة وأرجاء الدولة السلمية‪ ،‬فيما التاهات العامة‬
‫للدولة ل يكن باستطاعتها أن تضعَ للتاهات الطبقية الت يعزُزها تعفف عمر وزهد علي‪ .‬ول يستوعب هذا الط أن‬
‫يُقاوِم النقلة‪ ،‬الت أحدثتها الفتوحات ف الجتمع والقتصاد والثقافة وما يترتب على ذلك من تأثي ف الزاج والطموح‬
‫لدى السلمي‪.‬‬
‫باعتقادي فإن أول من استجاب لذه النقلة القتصادية والضارية هو عثمان‪ ،‬الذي ل يد ف مزاجهِ وتربيته منذ‬
‫الطفولة‪ ،‬وحت الشيخوخة ما يتناقض ومفهوم الرفاه‪ .‬وقد نشأ أميا ف ميطه وصاحب ثروة ومولً للحركة السلمية‬
‫الديدة الت قادها النب (ص)‪.‬‬
‫وكان التطور الذي حدث عند عائشة مشابا لواقع عثمان‪ ،‬فهي زوجة مؤسس الدولة السلمية‪ ،‬وقائدها‬
‫نب السلمي وابنة أول خليفة ف السلم‪ ،‬والصحابية الت كان الصحابة يتنافسون على رواية حديثها‪ ،‬وقد امتدّ‬
‫با العُمْر إل ما بعد الثماني‪ ،‬وأصابت حِصَتَها من الغنائم طيلة سبعي عاما‪ .‬وسيكون لعائشة دور المية‬
‫الُعاصِرة‪ ،‬وهي تُطّلُ على أعرابِ وفقراء متمردين على الليفة فتُعب بكلم ينقله الطبي‪ ،‬ويد فيه الاركسيون‬
‫مبتَغاهم لوصفها مثلة الرستقراطية السلمية الديدة‪.‬‬
‫تقول عائشة‪:‬‬

‫‪108‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫إن المر ل يستقيم ولذه الغوغاء أمرٌ‪ ،‬ويردد الزبي بن العوام شيئا من روح حديثها‪ ،‬وقد تول هذا الصحاب إل‬
‫طبقة جديدة مدعوما بشرف الصُحبة ونبالة النَسَب القريب من النب (ص) ليقول عمن يُسميهم بغوغاء المصار‪ ،‬وقد‬
‫ظاهرهم العراب والعبيد يتزاحون لجوم على بيتِ الليفةِ الثالت فيقُتلُوَنهُ‪.‬‬
‫( إذا ل يُفطَم الناس من أمثالا‪ .‬ل يب َق إمام إ ّل قَتَلهُ هذا الضرب)‪.‬‬
‫ليس لعمر حكم ووصايا ‍‬
‫يضفي النهج الكلسيكي على عمر بن الطاب معظم العناصر والسمات الت يشترك فيها من هم ف درجة أدن‬
‫من النبياء حواريي وصحابة أئمة ومريدين وأتباعا من الرعيل الول‪.‬‬
‫ومن هذه السمات أن يكون الواري والصحاب والمام ف عداد الكماء‪ ،‬الذين ينقطعون إل أنفسهم‪ ،‬فيتعلقون‬
‫بعال الثل اللية‪ ،‬وتتحد ميلة الصحاب والمام والواري والفقيه الول بالنشور الروحي‪ ،‬ويستحيل الواحد منهم‬
‫حكيما كلقمان أو أفلطون أو كونفيشيوس‪.‬‬
‫إن بعض الدارسي والتحدثي صنفوا عمر بن الطاب ف هذا الطراز النقطع إل فكره والقيم مع ميلتهِ‪.‬‬
‫أما تيار القطيعة فلطالا تدث عن فقر الياث العمري من الكم والوصايا‪ ،‬وهي عندي من الثالب الليلة‬
‫وسنرى دليل قولنا هذا‪.‬‬
‫إن عمر ليس معدودا ف الكماء ول تتسق ظروف الكمة مع مزاجه أو طبيعة عملهِ ف الاهلية والسلم‪.‬‬
‫فهو أولً رجل عملي واقعي‪ ،‬يعيش تفاصيل الياة اليومية‪ ،‬ويبه الصغي فيها با يبه الكبي‪ ،‬فيما الكيم منقطعِ‬
‫ج من عزلته‬
‫معتكف‪ ،‬جسده على الرض وعيناه إل السماء أو أن تستديرا نو الكائنات الصغية مشغولً با لعله ير ُ‬
‫قواعد للناسِ‪.‬‬
‫وعمر من أصحاب الشاريع الكبية‪ ،‬وهؤلء أقل الناس كلما وأوجزهم نصائح وأبعدهم عن الوصايا‪ ،‬فإذا‬
‫ع على تاربم‬
‫ل حافلً غي مُسجل على لسانم بل هو مطبو ٌ‬
‫انقضى عهدهم تركوا للشعراء وللتقطي الكمة سج ً‬
‫اليومية‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ل يكن عمر بن الطاب مسوبا على الفكرين والبدعي‪ ،‬لكنه كان يتلك حاسةً مشبعةً بروح العدالة‪ ،‬وروحا‬
‫شعرية شفيفة‪ ،‬ول يضع عمر أمامه فكرةً يكرهها على أن تتحول إل الياة بالقوة‪ ،‬وإنا تتحول التجربة عنده إل‬
‫فكرة‪.‬‬
‫إنه أقرب إل صنف التكنولوجيا وليس من صنف التنظي الثال‪.‬‬
‫ل يقرأ عمر بن الطاب كتابا ف أخطار الجرة الريفية على القتصاد الوطن‪ ،‬عندما قرر إجلء أبناء القبائل الذين‬
‫لأوا إل الدينة النورة ف عام الرمادة بعد عودة الطر والظهور الول للعشب والاء ف الزيرة‪ ،‬عند انتهاء الفاف ف‬
‫ذلك العام‪.‬‬
‫ول يكن عمر يبحث ف الثيولوجيا ول ف النثربولوجيا حي منع أبناء الشعوب الفتوحة من القامة ف الدينة‪.‬‬
‫فهو ف ذلك الوقت كان معنيا ببناء متمع ناشىء متجانس وبتجربة حديثة العهد‪ ،‬قد تتضرر من اتصالا واحتكاكها‬
‫بثقافات سابقة وتارب عريقة لليهودية والسيحية والجوسية ولنظريات الكم الساسان والرومان‪.‬‬
‫لكن بعض الصحابة كانوا يستقدمون معهم أشخاصا معدودين كاصطحاب سعد بن وقاص شخصا يدعى جُفينة‪،‬‬
‫واصطحاب الغية بن شعبة لرجل يُدعى فيوز الكن بأب لؤلؤة‪ .‬وهو الذي اغتال عمر بن الطاب بنجر مسموم‪.‬‬
‫إن عمر منع ف السنوات الول الحتكاك الجنب بجتمع الدينة حفاظا على نقائه وسلمةِ دينه ووحدته‪ ،‬وف‬
‫ذهن عمر حذر أن ل يتمع دينان ف جزيرة العرب‪ ،‬وكما يقول أبو يوسف صاحب الراج‪ ،‬فإن الفاروق خاف من‬
‫النصارى على السلمي‪.‬‬
‫وهكذا أجلى نصارى نران ويهود خيب من قلب الزيرة إل الشام والعراق وشل الجلء مراكزهم النظمة‬
‫ومؤسساتم وأبقى الفراد البُسطاء الذين ل يشكلون خطرا ‪.‬‬
‫يذكر أن النب ممد (ص) قد أبقى اليهود والنصارى ف أيامه وأجلهم عمر ف أيامه‪.‬‬
‫وعمر يعطي للمستجدات الجتماعية والقتصادية حقها ودورها‪ ،‬فقد انتزع أرضا أقطعها النب (ص) إل بلل‬
‫بن الارث الُزن‪ ،‬وطلب عمر منه أن يتفظ بزء يسي ويُوزع باقي الرض على مستحقيها‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫سّره غي الخفي ومفتاح سيته وشرط فهمه وتفهمه مصورٌ ف قاعدة وشرط عدم المتثال السريع‪ ،‬فهو ل‬
‫يركض إذا ركض أقرانه من صبيان بن عدي وراء صوتٍ أو صخبٍ‪ ،‬ول يستسلم لرأي استسلم الريد‪ ،‬وف‬
‫شخصيته حصانة داخلية تول بينه الستقبال السريع للمعلومة والفكرة والب‪.‬‬
‫وعلى صعيد التنفيذ فهو ل يقدم على أَم ٍر دون أن يناقشه حت يقتنع به‪ .‬على أن يفتح أذنيه للصغاء قبل أن يفتح‬
‫صدره للمناقشة والعتراض‪.‬‬
‫وكانت روح العارضة تل صدره‪ ،‬وكأنه ليس رئيس هذه الدولة وأميها فيندد بخالفات الولة ويقاضي رجال‬
‫الصف الول من الصحابة‪.‬‬
‫ويفق رؤوسهم بالدرة‪ ،‬وإن كان الخفوق بستوى سعد بن أب وقاص وأب موسى الشعري وطلحة والزُبي‬
‫والغية بن شُعبه‪.‬‬
‫كان إحساسه بالعدالة يلتقط ظلم الولة وجنوح المراء‪ ،‬فيبدو دوره أقرب إل رئيس الحكمة الدستورية ف‬
‫دولة ديقراطية‪.‬‬
‫أجلء اليهود والنصارى عن جزيرة العرب ‪:‬‬
‫كان قرار عُمر إجلء السيحيي واليهود من شبه الزيرة العربية مفاجئا‪ ،‬فهم ف الحكام أهل ذمة وحقوقهم على الدولة‬
‫ع فيها‪ .‬وهم ف الواطنة عرب‪ ،‬وعمر بن الطاب مُتعرب‪ ،‬والتعربون كما يقول الاحظ ف كتاب العثمانية‬
‫وواجباتم مقطو ٌ‬
‫هم من لم ميل وحب للعرب تاريا ولُغ ًة ومَصالِح‪.‬‬
‫فعلى أي مُسوغ قام قرار الليفة؟‪.‬‬
‫من حق الستشرقي التقاط هذا الجراء‪ ،‬ووضعه على سطور التشريح والنقد والنتقاد‪ ،‬فكأنه قرار يصدر من‬
‫خارج عُمر‪ .‬لو فَصلّنا ثيابه ومزا َجهُ وعقيدَت ُه فما الذي َحصَلَ؟‪.‬‬
‫إذا كان الدافع الشية من الكيد‪ ،‬فقد أُُت ِهمَ اليهود على مرّ العصور وتغيّ‍ر المكنة بذه الثلبة الت أُلصقت بم‬
‫بق أم بغي حق‪ ،‬فما الذي فعله النصارى حت يلي الزيرة منهِم؟‬
‫ب فقهاء ومؤرخون على هذه التساؤلت بقواعد الفقهِ وأحكامه ما لسنا ضليعي به‪ ،‬لسيما والكتاب يبتعد‬
‫أجا َ‬
‫عن ملمسةِ الوانب الفقهيةِ‪ ،‬ويركز على ما هو سياسي واجتماعي حت ف تناول السائل الدينية‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ل دورٌ ف رأيه‪ ،‬فيقولُ‪:‬‬
‫وهو رأي‪ .‬وعمر يرفض أن يكون ِ‬
‫انه رأيي‪ .‬فإن أصبت فهو ل‪ ،‬وإن أخطأت فهو عليّ‪.‬‬
‫ص عليهِ‪.‬‬
‫أمّا ما هو ل فهو منصو ٌ‬
‫وَلكَ أن تقول بطأ ف قرار لعُمر‪ ،‬وتعترض مثلما اعترضت امرأة ف السجد النبوي على مسألة تديد مهور‬
‫النساء‪ ،‬فذكرته بالية الت أط َل َقتْ الهور واعتذر وقال حكمته الشهورة‪ :‬اخطأ عمر وأصابت امرأة‪.‬‬
‫فهل أخطأ ولاذا ل يعترض عليه أعضاء الحكمة الدستورية ف ملس الشورى الُنعقد خس جلسات ف اليوم بعدَ‬
‫الصلوات المس‪.‬؟‬
‫ولننا لسنا من أهل الفقه‪ ،‬فسنقتصر الجابة على مُقرارات سياسية واجتماعية وما يتعلق بما‪ ،‬فنقول ف دوافع هذا‬
‫القرار‪ :‬إن صحو ًة ديني ًة كانت رياحها تضرب أناء الزيرة قبل السلم‪ ،‬الذي لو تأخر ظهوره نصف قرن لكانت الزيرة‬
‫العربية حاليا جزيرة مسيحية مع أقليّة يهودية وموسية‪.‬‬
‫ولن جوارها‪ ،‬الدولة الرومانية ف بلد الشام‪ ،‬كانت السيحية مُرشحةًُ لذا الدور‪ ،‬فقطع ظهور السلم عليها‬
‫فرصة النتشار العرب‪ .‬والنافسة كانت ستكون شرسة ف الزيرة لو تأخر ظهور السلم قليلً‪.‬‬
‫أمّا اليهود فهم وبسبب عدم أخذهم بأسلوب التبشي‪ ،‬فلم يكن ثة خوف من انتشارهم‪ ،‬لكنهم أصحاب‬
‫مهارات ل يرت ِق إليها سُكان الزيرة‪ ،‬لسيما الهارة الالية والدارية والتنظيمية ما كانت بدايةَ تأسيس الدولة السلمية‬
‫تفتقر إليه وتتاجه‪.‬‬
‫وكان مكنا لو ل يرِ عليهم ذلك الجراء وفيض الموال يزخ عليهم من بلد الشام وبلد فارس ومصر وظهور‬
‫طبقة رجال العمال من الصحابة‪ ،‬وهم تّار مُتمرسون‪ ،‬وباتساع الموال والؤسسات أن ترى مع كلُ رجل أعمال‬
‫صحاب مدير أعمال يهودي يصرف أعماله‪ ،‬وصاحب الال يدري أو ل يدري‪ ،‬كما هي حال أهل الليج ف أيامنا‬
‫هذه‪ ،‬فلكل رجل أعمال مدير لعماله من مسيحيي لبنان الاهرين أو من مسيحيي أوروبا‪.‬‬
‫ونَميل إل سبب آخر ربا فكّر عمر به‪ ،‬وال أعلم‪ ،‬لتفسي قرار إجلء اليهود والسيحيي من الزيرة العربية‪،‬‬
‫حاجة المم والدول ف سنوات نشوئها الول للتجانس الجتماعي‪ ،‬الذي بدونه قد تقع مكوناتا الناشئة تت ضغط‬

‫‪112‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫النموذج الضاري لديانات متمرسة ومقتدرة على أن تد لا مكانا ف زحة انشغال الجتمع السلمي بآثر‬
‫الفتوحات‪.‬‬
‫إحراق عمر مكتبة السكندرية‬
‫ف التداول التاريي أن عمر بن الطاب أمر عمرو بن العاص إحراق مكتبة السكندرية‪ ،‬الت أنشئت ف عهد‬
‫البطالسة‪ ،‬وفيها ‪ 700‬ألف ملد‪ ،‬فأسعفت آلف المامات بوقود لدة ستة أشهر‪.‬‬
‫يرى ممد حسي هيكل ف كتابه الفاروق إن هذه الرواية "إحراق عمر مكتبة السكندرية"‪ ،‬نشأت ف بيئات شيعية‪.‬‬
‫قائلً‪ " :‬ولعل هذه السطورة نمت ف بيئات الشيعة‪ ،‬فذكرها أبو السن القفطي ف كتابه‪" :‬تاريخ الكماء"‪ ،‬ونقلها عنه‬
‫أبو الفرج بن العِبى‪ ،‬وكلها عاش ف القرن الثالث عشر اليلدي‪ ،‬وقد تداولا عنهما من جاء بعدها من الؤرخي‪ .‬وقد‬
‫أحكموا حبكها‪ .‬وف وسعك أن تتبيّن هذا الحكام من طريقة روايتها‪ .‬فقد ذكروا أن قسيسا من القبط يدعى حنّا()‬
‫النحوي عزله ممع الساقفة لزيغ ف عقيدته‪ ،‬كان قد اتصل بعد الفتح بعمرو بن العاص‪ ،‬فلقى عنده حظوة لذكائه وصفاء‬
‫ذهنه وغزارة علمه‪ .‬فلما اطمأن إل إقبال عمرو عليه‪ ،‬قال له يوما‪ ":‬لقد رأيت الدينة كلها وختمت على ما فيها من‬
‫التحف‪ .‬ولست أطلب إليك شيئا ما تنتفع به‪ ،‬بل شيئا ل نفع له عندك وهو عندنا نافع "‪.‬‬
‫وسأله عمرو‪ :‬ما يعن بقوله‪ ،‬فأجاب‪ ":‬أعن بقول ما ف خزائن الروم من كتب الكمة "‪ .‬فقال له عمرو‪ ":‬إن‬
‫ذلك أمر ليس ل أن أقتطع فيه رأيا دون إذن الليفة"‪ .‬ث إنه بعث إل عمر يسأله رأيه ف المر‪ ،‬فجاءه الرد من الدينة‬
‫وفيه ما يأت‪ ":‬وأما ما ذكرت من أمر الكتب فإذا كان ماجاء با يوافق ما جاء ف كتاب ال فل حاجة لنا به‪ ،‬وإذا‬
‫خالفه فل أرب لنا فيها وأحرقها "‪ .‬فلما جاء هذا الكتاب إل عمرو‪ ،‬وأمر بالكتب فوزّعت على حامات السكندرية‬
‫لتوقد با‪ ،‬فما زالوا يوقدون به ستة أشهر‪ .‬هذه خلصة وجيزة لرواية القفطي‪ ،‬وقد أردفها بقوله‪ ":‬فاسع لا جرى‬
‫وأعجب!"‬
‫أنت ترى براعة البك ف هذه القصة‪ .‬فحوار بي حنا وعمرو‪ ،‬وكتاب من عمرو إل الليفة‪ ،‬ورّد من الليفة‬
‫يأمر بإحراق الكتبة‪ ،‬وتفصي ٌل دقيق للطريقة الت نفّذ با هذا المر‪ .‬كيف يبقى بعد ذلك كله أي ريب ف صحة هذه‬
‫الوقائع؟! وكيف يال الؤرخي السلمي فيها الشك وقد كتبت ف القرن السادس السلمي حي جد التفكي والنقد‪،‬‬
‫وأصبح جهد الؤلفي مقصورا على نقل الروايات الت ذكرها من سبقهم دون تحيصها لعرفة صحيحها من باطلها‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫فليثبت الؤرخون السلمون هذه القصة العجيبة كما هي‪ ،‬ولينقلها اللف منهم عن السلف‪ ،‬وليذكرها الؤرخون‬
‫السيحيون مؤمني بصحتها‪ ،‬وليعلّقوا عليها با يشاءون‪ ،‬فهم ل يكونوا يتصوّرون السلم والسلمي إل اقترنا ف‬
‫أذهانم بالتعصب الذموم والقسوة الوحشية‪ .‬ولتبق هذه الوقائع مقطوعا بصحتها حت يلقي عليها النقد العلمي ضياءه‬
‫الكشاف فيظهر بطلنا‪ ،‬فيزيفّها "جبّن"‪ ،‬ويزيّفها "سدّيو"‪ ،‬ويزيفها "رينان"‪ ،‬ويزيفها "جستاف ليبون"‪ ،‬ويزيفها "بتلر"‪،‬‬
‫ويزيفها غي هؤلء من الؤرخي‪ ،‬ث تزيفها دوائر العارف البيطانية والسلمية وغيها ويزيفها تاريخ الؤرخ‪ ،‬ويذكر‬
‫ف تزييفها ونفيها ما قرره علماء السلمي صراحة من" أن ما يغنم ف الرب من كتب اليهود والسيحيي الدينية ل‬
‫يوز بال أن يقدم طعاما للنار‪ ،‬وأن مؤلفات العلماء والؤرخي والشعراء وعلماء الطبيعة والفلسفة ي ّق النتفاع با‬
‫لي الؤمني"‪ .‬ول تسب أن الؤرخي اكتفوا ف نفي هذه السطورة بالسناد إل مثل هذا العتبار العام‪ ،‬فقد تناولوها‬
‫بالتمحيص حت ثبت لم أنا لتثبت له‪ ،‬ث نفوا حوادثها واحد ًة واحدة نفيا علميا دقيقا مستندا إل أوثق الصادر"‪.‬‬
‫إبطال الرواية‬
‫ويبطل ممد حسي هيكل هذه الرواية ونوجز مناقشته ف هذه النقاط‪.‬‬
‫إن الباحثي الستشرقي‪ ،‬ومنهم الستشرق البيطان ألفرد باتلرسون صاحب كتاب " فتح العرب لصر" اكتشفوا‬
‫زيف رواية إحراق الكتبة‪ ،‬ونفوا أن يتحدث حنا النحوي إل عمرو بن العاص ف أمر الكتبة‪ ،‬لنه مات قبل دخول‬
‫السلمي مصر بـ ‪115‬عاما‪.‬‬
‫وإن مكتبة البطالسة ل تكن قائمة عند فتح العرب مصر‪ .‬وقد احترقت سنة ‪ 48‬للميلد أثناء هجوم قيصر على‬
‫السكندرية‪ .‬وإحراق الصريي السفن حت ليصل إليهم‪ ،‬فوصلت النيان إل الكتبة‪ .‬وجاءت على متوياتا‪ .‬وليس‬
‫صحيحا أن الكتبات الت نقلت متوياتا بعد احتراق مكتبة البطالسة‪ ،‬وأقامت أخرى كانت باقية عند الفتح‪ ،‬فقد‬
‫أهديت الكتبة إل كيلوباترا عوضا عن السارة الت لقتها بضياع مكتبة أبائها ملوك مصر البطالسة‪.‬‬
‫ويأخذ الستشرقون على الؤرخ عدم حياده إذ تنتهي الرواية بقوله استنكارا لا فعله عمر فاسع لا جرى واعجب‪.‬‬
‫أما الستاذ عباس ممود العقاد ف عبقرية عمر فيتوقف عند هذه الرواية‪ ،‬ويصها بست صفحات من الكتاب‬
‫وباهتمام ل يوله لوضوعات أكب منها أهية لصلة العقاد بقضايا الفكر وأهية الكتبات عنده وسخر من رواية إشعال‬
‫المام بجلدات مكتوبة على الرق الذي ل يشتعل!‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ل تكن الرواية شيعية‬
‫ول يتحدث العقاد عن بيئات شيعية صدرت عنها الرواية‪ ،‬با كان يوحي عند هيكل أن أبا السن القفطي وابن‬
‫العبي من بعده كانا من أهل التشيع‪ ،‬لكن العقاد يثي نقاطا جديدة‪ ،‬فيلقي الضوء على القفطي أو ابن القفطي‪ ،‬وكان‬
‫له أب معجب بصلح الدين اليوب‪ ،‬فوله قضاء القدس‪ .‬أخطر مهمة ف الروب الصليبية‪ ،‬وعاصر ابن القفطي‪ ،‬عبد‬
‫اللطيف البغدادي العجب مثله بصلح الدين‪ ،‬فتلقيا ف القدس‪ ،‬وسع منه هذه السطورة الت توسع ابن القفطي ف‬
‫نقلها‪ ،‬فكان أول من ألف هذه السطورة من حاشية صلح الدين لتزكية حاكم مصر الديد‪.‬‬
‫وبذا القطع يبطل القول بأن الشيعة كانوا وراء الحرقة الكذوبة‪.‬‬
‫وصلح الدين حارب الشيعة‪ ،‬فليس معقولً أن تصدر من مؤسسته السنية رواية شيعية تسيء إل عمر بن‬
‫الطاب‪.‬‬
‫وبالقدر الاص بكاتب السطور الستبطن‪ .‬مناهج القطيعة‪ ،‬والقيم سبعي عاما ف البيئات الشيعية الالصة‪ ،‬له أن‬
‫ينفي دورا للشيعة ف ترويج خب حرق الكتبة‪ ،‬رغم أنن أجد احتمالً لمكان أن يكون الشيعة وراء الب الدوّن ف‬
‫القرن السادس الجري ف عصر اللف الذهب واتاذ الدولة السلجوقية إجراءات ضدهم وخروج فقهائهم من بغداد‬
‫إل ظاهر الكوفة وتأسيس جامعة النجف السلمية‪.‬‬
‫وهذه اللحظة لتقوم أساسا لنتحال تلك السطورة لتعارضها مع حركة التشهي بعمر وسقفه العروف ف‬
‫تيار القطيعة‪ ،‬والذي يدور حول تنكيل عمر بأهل البيت "واغتصاب اللفة من علي" و"مواجهة الرسول"‬
‫و"صلته باليهود والنصارى" وكسر ضلع الزهراء و"إسقاط جنينها مسن" والسكوت على أب بكر ف وضع اليد‬
‫على عقار كان للرسول ويدعى فدك‪ ،‬ول يرتق مستوى التشهي" إل مافوق ذلك! فيشمل إقدام عمر على حرق‬
‫مكتبة تضم الياث الوثن والسيحي فيحرم البشرية من الستفادة منها‪.‬‬
‫لقد عشت ف ميطي منذ سنوات الوعي حت الن ستي عاما‪ ،‬ل اسع قارئا وخطيبا من العروفي بكراهيتهم‬
‫لعمر‪ ،‬وهو يشي إل إحراق مكتبة السكندرية‪ ،‬والسبب أن هذا العمل ل يعد من معايب عمر‪ ،‬وهو يرق كتب‬
‫الوثنيي والسيحيي‪ ،‬ويفضلون رواية إحراق بيت فاطمة على إحراق مكتبة السكندرية!‪ .‬ويروجون لا كلما مرّ‬
‫اسم عمر على متحدث منهم!‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫شطحات الدرة‬
‫درّة عمر ليست آلة للقمع ول عصا للهانة‪ ،‬ولهي ما يسميه العسكريون بعصا التبختر الضغوطة تت البط‬
‫بي ذراع الرجل وجنبه‪ ،‬وإنا هي كما نكرر القول شطبة من غصن رمان على الكثر‪ ،‬أخذت اسها من وظيفتها‬
‫الول‪ ،‬حينما كانت تستعمل لداعبة فخذ الصان لثه على السراع وملمسة ضرع الناقة أو البقرة لكي تدر حليبها‬
‫فسميت بالدرة‪ .‬ومعن هذا أنا ل تصلح لليذاء والياع‪ ،‬لكنها عندي أداة إشارة وتنبيه لغافل او لخالف‪ ،‬فكأنا‬
‫تتحرك مثل عصا الايسترو على مسرح الوبرا ف توزيع هارمون‪ ،‬ل يعلوه صخب‪ ،‬ول لغو من القول‪ ،‬ول استخفاف‬
‫بالداب‪ ،‬ول طفيف من الروج على القبول الجتماعي‪ ،‬والدين‪ .‬أما ما زاد على ذلك فهو من مهمة من سينفذ‬
‫القصاص جلدا بالسوط أو بعصا العقاب‪ .‬وإل ما كان لعمر أن يفق با كبار الصحابة‪ ،‬ومنهم البشرون بالنة‪ ،‬ول ير‬
‫فيها الخفوق إهانة أو أذى يوجع السد والنفس‪.‬‬
‫ولعله ل يكن ينظر إل من هو أمامه سوى أنه من الرعية‪ ،‬فيعلوه بالدرة اذا ما خالف هامشا من تلك المور‪.‬‬
‫وكان من الخفوقي با طلحة والزبي بن العوام وسعد بن أب وقاص وعمرو بن العاص وأبو موسى الشعري والغية‬
‫بن شعبة‪.‬‬
‫لكن الرويات ل تتحدث أنه خفق أًحدا من بن هاشم ما يثي التساؤل العريض عما وراء ذلك؟‪.‬‬
‫فلماذا خفق با كبار الصحابة‪ ،‬ول يفق با صغار بن هاشم‪ ،‬وهم عنده سواء‪ ،‬ومالفة الوامش توجب الفق‬
‫صدرت عن هاشي أم من غيه‪ .‬أل يفسر هذا أن عمر كان يضع بن هاشم ف مواضع أخرى؟‪ .‬فإذا كان عمر يتوقف‬
‫عند عامة بن هاشم فماذا كان مقام زعمائهم كالعباس بن عبد الطلب وابنه؟‪.‬‬
‫يروى أن عمر خفق رجال ونساءً ف الرم‪ ،‬كانوا يتوضأون سواسية‪ ،‬ففرقهم‪ ،‬ث قال لرجل من إدارة الرم‪:‬‬
‫أل آمر أن تتخذ حياضا للرجال وحياضا للنساء؟‪.‬‬
‫ث اندفع فلقيه المام علي‪ ،‬فقال عمر‪ :‬أخاف أن أكون هلكت‪.‬‬
‫قال المام علي‪ :‬وما أهلكك؟‪.‬‬
‫قال‪ :‬ضربت رجالً ونساءً ف حرم ال‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫قال المام علي‪ :‬إنك راع من الرعاة‪ ،‬فإن كنت على نصح وإصلح‪ ،‬فلن يعاقبك ال‪ ،‬وإن كنت ضربتهم عن‬
‫غش فأنت الظال‪.‬‬
‫ويروى أن رجل جاء إل عمر فقال‪ :‬يا أمي الؤمني انطلق معي‪ ،‬فأعن على فلن فإنه ظلمن‪ .‬وكان عمر‪،‬‬
‫مشغولً ببعض المور العامة‪ .‬وقد يكون‪ ،‬وال اعلم‪ ،‬أنه شعر أن استجابته لثل هذه الدعوات‪ ،‬تول مركز اللفة إل‬
‫مركز شرطة ف قرية‪ ،‬فانتفض عمر وخفقه بالدرة قائلً‪:‬‬
‫تتركون عمر وهو مقبل عليكم أي عندما يقوم بولته ف أحياء الدينة ذ حت إذا اشتغل بأمور السلمي‬
‫أتيتموه‪ .‬فانصرف الرجل متذمرا‪ .‬فهاجم عمر الاضع دائما لعتاب الضمي شعور عاجل بالث‪ ،‬فاستدعاه على الفور‪،‬‬
‫وألقى إليه بالدرة وطلب إليه أن يفقه با‪ .‬لكن الرجل تركها ل‪ .‬فأخذه معه إل بيته وصلى ركعتي‪ ،‬فما كان من‬
‫الحنف بن قيس وكان معه إل أن يوجه كلما لعمر لو وجه بعضه لأمور الدود أو ضابط المارك على حدود عربية‬
‫لرمك من دخول البلد وتتركك ف عراء عرعر وحفر الباطن‪ ،‬أو عند الرطبة وأبو الشامات‪ .‬فلم ياطبه بلقبه أميا‬
‫للمؤمني قائلً‪ :‬يا ابن الطاب كنت وضيعا فرفعك ال‪ .‬وكنت ضا ًل فهداك ال‪ .‬وكنت ذليلً فأعزك ال‪ .‬ث حلك‬
‫على رقاب السلمي‪ ،‬فجاء رجل يستعديك فضربته فماذا تقول غدا لربك إذا أتيته؟‪.‬‬
‫ويتتم الحنف روايته قائلً‪:‬‬
‫فجعل أي عمر يعاتب نفسه معاتبة ظننت أنه خي أهل الرض‪.‬‬
‫ل كان عرض الطريق‪ ،‬وأراد عمر بذلك إماطته عن سبيل الناس‪ .‬فلم تصب الدرة إل ذيل ثوبه‪ ،‬فم ّر‬
‫وخفق بالدرة رج ً‬
‫عام فلقيه ف السوق‪ ،‬فقال له عمر‪:‬‬
‫إنـي أردت الج هذا العام‪ ،‬وأخذه إل بيته‪ .‬ويده بيده فأخرج كيسا من (‪ )600‬درهم‪ ،‬فقال له‪:‬‬
‫استعن با‪ .‬واعلم أنا من الفقة الت خفقتك عام أول‪.‬‬
‫فأجابه الرجل‪ :‬وال يا أمي الؤمني ما ذكرتا حت ذكرتنيها‪.‬‬
‫قال عمر‪ :‬وال مانسيتها‪.‬‬
‫لاذا يدث لعمر ذلك كله‪ ،‬ولاذا تشطح الدرة؟‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫يبدو أن الدرة تتحرك عنده بفعل انعكاسي يتصل برؤية الخالفة فل يطيقها ول تتجاوز مهمتها هذه الدود‪ .‬ولو‬
‫كان عمر يستعمل الدرة للعقاب كما ف بعض الصادر الديثة‪ ،‬وكونا سياطا يلهب با ظهور الصحابة‪ ،‬لفعل ذلك‬
‫بعد جلسة مساءلة تنتهي بتجري الخالف وضربه‪ ،‬وعمر مؤسس قضاء‪ ،‬ان ل يكن واحدا من بناة العدالة ف القضاء‬
‫السلمي‪ ،‬وليس جلدا يوقع بالسياط على ظهور الناس‪.‬‬
‫وَلدَرة عمر أهيب من سيوف حكام ظهروا ف الاضي والاضر‪.‬‬
‫بغصن البان‪ ،‬قاد عمر بن الطاب قبائل العرب‪ ،‬وهي صعبة القياد‪ ،‬ونظّم الياة اليومية وحذّر الخالف‪ ،‬ونبّه‬
‫الغافل‪.‬‬
‫هل اغتال سعد بن عبادة؟‬
‫ف كتابه الغتيال السياسي ف السلم‪ ،‬يرجّح هادي العلوي أن تكون وفاة الصحاب سعد بن عبادة جاءت ف‬
‫سياق الغتيال السياسي عام ‪ 14‬للهجرة أي ف عهد عُمر‪.‬‬
‫وابن عبادة كان زعيما ف الاهلية والسلم فلُ ِقبَ بالكامل‪ ،‬وكان قائد النصار ف الروب النبوية الول‪.‬‬
‫وكان متعففا عن الغنائم‪ ،‬فإذا خرج النب (ص) إل الروب الت كان يقودها بِنَفسهِ تول سعد بن عبادة حاية‬
‫الدينة‪.‬‬
‫وكان يتمسك بزعامة النصار‪ ،‬ويعارض زعامة قريش‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه ف يوم فتح مكة وبيده راية النصار هتف با‬
‫يوحي برغبته ف سقوط سيادة قريش‪ .‬فأخذ منه النب (ص) الراية وأعطاها لبنه قيس‪.‬‬
‫كان ابن عبادة أول من رشح نفسه للخلفة بعد وفاة النب (ص)‪ ،‬وهو صاحب فكرة السقيفة ومُقيمها‪ ،‬ول يكن‬
‫لعمر بن الطاب علمٌ با ف أول المر‪ ،‬ولكن عمر كان لظتها خطّاف الزمن‪ ،‬خاطف الكان‪ ،‬فدخل السقيفة على‬
‫حي غفلة ومعه أبو بكر وأبو عبيدة بن الراح فاستحصلَ البيعة لب بكر‪.‬‬
‫وابن عبادة ل يقر نتائج الجتماع فاختار العزلة أولً‪ ،‬ث الجرة عن الدينة إل بلد الشام‪ ،‬بعد فتحها ومات هناك‬
‫ف ظروفٍ غامضة‪.‬‬
‫إن الؤرخي السلمي أثاروا الشكوك بوته‪ ،‬وذكر ابن عساكر أن سعد بن عبادة با َل وهو واقف فماتَ‪ ،‬فسمع‬
‫قائل يقول من أهل النِ‪:‬‬

‫‪118‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ورميناه بسهمٍ‪ ،‬فلم نطي فؤاده‬ ‫نن قتلنا سيد الزرج سعد بن عبادة‬
‫ويورد صاحب العقد الفريد ثلث روايات لقتل سعد بن عبادة تفيد إحداها‪:‬أن عمر بن الطاب بعث رجلً إل‬
‫الشام‪ ،‬فقال لهُ‪ :‬أُدعه إل البيعة‪ ،‬وأحل له بكل ما قدرت عليه فإن أب فاستعن بال عليه‪.‬‬
‫فقدم الرجل إل الشام‪ ،‬ولقيه ف حوران ف حائط (أي بستان)‪ ،‬فدعاه إل البيعة‪ ،‬فقال له‪ :‬ل أبايع قرشيا أبدا‪.‬‬
‫قال رسول عمر‪ :‬فإن قاتلك‪ ،‬فقال سعد‪ :‬وإن قتلتن‪.‬‬
‫قال رسول عمر‪ :‬أفخارج أنت على ما دخلت فيه المة؟‪.‬‬
‫قال‪ :‬أما من البيعة‪ ،‬أنا خارج‪ ،‬فرماه بسهم فقتله‪.‬‬
‫إن الشيخ عامر الكردي‪ ،‬وهو من علماء السُنة ف سوريا‪ ،‬وقد استشيعَ يقول بأن الصحاب ممد بن مسلمة هو‬
‫الذي انتدبه عمر لتلك الهمة‪.‬‬
‫والسؤال أن العرب ما اعتادت أن تقتل شخصا تبادره برمية سهم‪ ،‬إذ الفروض أن يتم القتل بالسيف‪ ،‬لسيما‬
‫وها يتحاوران جنبا إل جنب!‪.‬‬
‫وف رواية ثانية لبن عبد ربه نفسه‪ :‬أن سعد بن عبادة رُمي بسهم من بعيد فمات فبلته الن‪ ،‬ورددت بيت الشعر‬
‫الشار إليه‪.‬‬
‫ل يستعمل عمر الغتيال أداة ف عمله السياسي‪ ،‬وهو يفضل الواجهة الباشرة حيث ل تذله شجاعته عن ماكمة‬
‫أي صحاب إ ّن ماندّ عن الطار التأسيسي الول للسلم ودولته‪.‬‬
‫ومن جانب آخر‪ ،‬فقد كان سعد بن عبادة ف يوم السقيفة مريضا ومنهكا‪ ،‬وإنا الفاجئة ف وفاة رجل يعان من‬
‫إشكالت أمنية؟‬
‫إن هادي العلوي كتب الغتيال السياسي ف السلم ف مطلع الثمانينيات وكنا هو وأنا نعان من تديد‬
‫السفارات العراقية ف أي بلد لأنا إليه وقد هدد أخي من إدارة الخابرات العراقية ف سفارة بكي فتركها والتحق ب‬
‫إل إسبانيا وعدنا منها إل دمشق‪ ،‬وف ظروف كهذه وحيث كان رجال العارضة معرضي للغتيال السياسي باستمرار‬
‫كان طبيعيا لشقيقي هادي أن يضع الغتيال السياسي على قائمة الحتمالت الول لرحيل أي معارض سواء كان ف‬
‫أيامنا هذه أم ف أيام سعد بن عبادة‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ولعل كتابه كان متأثرا ف دافع تأليفه وممل أفكاره بالناخ العام لغتيالت متعاقبة كان وراءها رجال السفارات‬
‫العراقية ف لندن والرطوم والكويت وإسلم آباد وباريس وكوبنهاغن والمارات العربية التحدة ودمشق وبيوت‪.‬‬

‫العراق ميدان الروب الحمولة!‬


‫مكة والدينة والشام تقاتل ف العراق‬
‫والفرس والترك والنليز والمريكان‬
‫ف الرض السوداء!‬

‫‪120‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ميدان مفضل للحروب!‬
‫ترك أمي الؤمني علي بن أب طالب ابن عم النب (ص) وصهره مسقط رأسه ف مكة وهجر الدينة‪ .‬وتركت أم‬
‫الؤمني عائشة بنت أب بكر زوج النب (ص) مسقط رأسها مكة‪ ،‬وخرجت من مدينة الجرة‪ ،‬فاختارا اللقاء ف البصرة‬
‫ليس لناقشة ما قد ينجم ونم من إشكالت بعد مقتل عثمان بل لعركة المل الت نقلت السلم الناشئ إل‬
‫العراقيي‪ ،‬وهو منقسم على نفسه وكبار ضحاياهم كبار الصحابة ف السلم‪.‬‬
‫واختار المام السي الكوفة مكانا مناسبا لواجهة فاصلة مع الاكم الموي والمام السي من أهل الدينة‪،‬‬
‫ويزيد بن معاوية متحصن بأهل الشام‪.‬‬
‫ورأى عبد اللك بن مروان أن يدّ الناس عن بيعة عبد ال بن الزبي القيم ف مكة والقضاء على حركته بالرب‬
‫على أخيه وال الكوفة الت شهدت حربا طاحنةً انقسم فيها السلمون مرة ثالثة‪.‬‬
‫واختارت حركة سرية لب مسلم الراسان وجاعة هاشية من الفرع العباسي العراق ميدانا لثورة عارمة وحرب‬
‫أهلية على الدولة الموية السـتعصمة ف دمشـق الشـام‪ ،‬فيما يبعد مركـز الثورة عن مركز اللفة (‪)1000‬‬
‫ميل قريبا من الكوفة‪ ،‬فيما يسمى اليوم بالفرات الوسط‪.‬‬
‫ول تد الدولة الصفوية بعد ‪ 1000‬عام أفضل من العراق مكانا لتحقيق أحلمها الستراتيجية وحروبا الضارية‬
‫مع الدولة العثمانية‪.‬‬
‫إن القادة السلمي منذ العصر الول قد حلوا الدين الديد إل العراق جسدا مشطورا شطر‪ ،‬بدوره العراق إل‬
‫نصفي ث اتم العراقيون بأنم أهل شقاق ونفاق ومساقط رأس الفتنة‪ .‬وأن أهل الكوفة خاصة ل عهد لم ول ذمة‪.‬‬
‫وأن الرب ف العراق نتاج للطبيعة البشرية لؤلء القوم الولعي بالعنف والنشقاق‪ .‬وقرأ الوربيون أثناء احتكاكهم‬
‫بالدولة العثمانية وبعد انيارها شيئا من تاريخ النشقاق ف السلم ف مرحلة ازدهار ظاهرة الستشراق واستشراء‬
‫الشركات الرأسالية العاملة ف الدولة العثمانية‪ ،‬حت إذا دخل البيطانيون إل البصرة كان التوقع عندهم أن يستجيب‬
‫النبوذون والحرومون والضطهدون ف الدولة العثمانية وهم الشيعة لنداءات النرال مود‪ ،‬الت كانت تدعو العراقيي‬
‫إل مواجهة العثمانيي وأنم مررون ل متلون‪ .‬ول تكن إدارة الحتلل تتوقع أن تتبن جغرافيا التشيع‪ ،‬وفقهاؤها‬

‫‪121‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫حركة الهاد‪ ،‬ويستجيب الشيعة العراقيون الضطهدون لنداء الشيخة السلمية الت اضطهدتم ف اسطنبول فيخرج‬
‫الجاهدون مع قوات اليش العثمان ويوقفون زحف القوات البيطانية ثلث سنوات قبل وصولا إل بغداد ف آذار‬
‫‪.1917‬‬
‫وهنا طرح النكليز مشروع دولة متمذهبة تقصي الشيعة عن دور أو تثيل صحيح لم ف صنع قرارها‪ .‬فكان‬
‫العراق البيطان سن القرار والدارة دون أن يكون سن الفقه‪ ،‬ول يكن على البال أن يفكر اللان وبعض اللفاء‬
‫لعل العراق مسرحا للحرب ضد اللفاء بتحريض السفي اللان كروبا سياسيي وعسكريي عراقيي على فك‬
‫ارتباطهم مع بريطانيا قبل وصول القوات‪ ،‬ووصل إل القاهرة‪ ،‬ومنها إل بغداد‪ ،‬فإذا هي حرب عراقية ذ بريطانية‬
‫تندلع ف شهر مارس من عام ‪ 1941‬فيما مدن العال العرب تتفرج على حرب اللان واللفاء‪ .‬ولن الثوار الذين‬
‫طردوا الكومة العراقية الوالية للنكليز بإسناد من اليش وضباطه الربعة هم جيعا من السنة فقد رأت السياسة‬
‫البيطانية مغازلة الشيعة‪ ،‬وعرضت لندن على السيد صال جب فكرة أن تكون للشيعة حصة كبى ف إدارة الدولة‬
‫بعد خيبتهم مع الوطنيي السنة‪ ،‬ول توافق الراجع المسة ف النجف وكربلء والكاظمية على العرض البيطان‪ ،‬وكان‬
‫متوقعا لو قُبل العرض أن يشهد العراق صراعات طائفية كالت حدثت بعد سقوط النظام ف ‪ 9‬نيسان ‪ ،2003‬وظهور‬
‫العراق المريكي مبشرا بعراق شيعي القرار‪.‬‬
‫ومر ًة أخرى يتذب العراق بدون دعوة أو إرادة حربا جديدةً عندما اصطدمت الصال المريكية ف الليج‬
‫بظهور الثورة السلمية‪ ،‬الت قادها فقيه شيعي وقضت بالجوم على السفارة المريكية بطهران وأس ّر من فيها‪.‬‬
‫فكان متوقعا أن يأت الردّ المريكي عاجلً والمهورية السلمية ف أيامها الول وهي شيعية ف ميط سن فتقدم‬
‫دولة سنية صيغة لمريكا بإعلن الرب كتركيا العضو القدي ف صف الطلسي أو باكستان العضو الركزي ف حلف‬
‫بغداد أو أن تقوم السعودية بدور سن لواجهة الثورة الشيعية‪ .‬ول يأت الردّ عن هذا الوار التوقع دخوله ف الواجهة‪.‬‬
‫وإنا كان العراق من جديد مسرحا للحرب المريكية على الشيعة‪.‬‬
‫وإذ ينتهي عقد التخادم السياسي بي الوليات التحدة والكومة العراقية بانتهاء الرب وغزو العراق للكويت ف‬
‫‪ 2‬آب ‪ ،1990‬بدأت صلت غزل أمريكية بريطانية مع العارضة العراقية ذات النفوذ السلمي الشيعي الواضح‬
‫وبدأت فكرة إسقاط نظام صدام حسي تنمو ف واشنطن وتتعهدها لندن ودول الليج‪ ،‬فيقوم تالف أمريكي مع‬

‫‪122‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫العارضة العراقية وفيها أطراف تتمركز ف إيران‪ .‬وكلما سألت العارضة عن موعد مدد لسقاط نظام صدام حسي ف‬
‫العراق جاء الواب ملتبسا حت هجوم تنظيم القاعدة السن على ناطحات السحاب ف نيويورك‪ ،‬فاستدارت‬
‫الستراتيجية المريكية بثقلها نو الشيعة ف العراق‪ ،‬وقد أصبح السلفيون السنة خصمها العقائدي‪ ،‬فاختي العراق‬
‫مكانا للحرب المريكية على السنة بعد عشر سنوات من الرب المريكية على الشيعة‪.‬‬
‫إن الرب المريكية على السنة مستمرة منذ أربع سنوات ف العراق فهل تستمر أربعا أخرى ليتساوى الزمن‬
‫الفترض للحرب على السنة مع الزمن الذي خصص ما بي عامي ‪ 1988 – 1980‬للحرب على الشيعة؟‪.‬‬
‫كان اسم عمر بن الطاب يتردد ف جيع تلك الروب على رأس فريق يتفي خلف اسه مقابل فريق يسبه بكرةً‬
‫وأصيلً‪ ،‬مع أن عمر بن الطاب أدخل السلم إل العراق يوم كان واحدا‪ ،‬فأسس البصرة قبل حرب المل والكوفة‬
‫قبل حرب صفي‪ ،‬وعمر مسوب ف إعلم اليقظة العراقية وقيادة حركتها الستقللية عن بلد فارس ومهندس خارطة‬
‫العراق الال‪.‬‬
‫ولن الرب العراقية ذ اليرانية كانت الكثر تأثيا ف إحداث التغيات الراهنة فسنتوقف عندها قليلً‪.‬‬
‫عمر ف الروب الحمولة‬
‫فتحت ف ولية عمر بلد الشام والعراق ومصر ومعظم بلد فارس وجزء من شال إفريقيا وهي ليبيا الالية‪.‬‬
‫ل تدث لعمر مشكلة ف البلد العربية والدن الت مصّرها‪ ،‬وبقيت بلد الشام على ولئها الول‪ ،‬وأحسن الصريون‬
‫لحرر بلدهم‪ ،‬والليبيون على وئام مع سياسة عمر‪ .‬وبقيت مشكلته مع العراقيي قائمة‪ ,‬مع أن دوره ف العراق أكب من‬
‫دوره ف بقية المصار العربية‪ ،‬وقد أصبح واحدا بارطته الالية‪ ،‬ويسمى بأرض السواد لدكنة الضرة فيه‪ ،‬ومنح العراقيي‬
‫جيعا بل تييز النسية العربية إن كانوا راغبي با‪ ،‬وترك الخرين يتمتعون بنسياتم‪ ،‬وعرض السلم على الراغبي به‪ ،‬ول‬
‫يكره أحدا من الراغبي عنه‪ .‬فبقي يهود السب البابلي على ديانتهم‪ ،‬ولم ف العراق خسة أضرحة أنبياء على القل‪ ،‬تركها‬
‫عمر أماكن للعبادة‪ .‬مثلما أبقى كنائس السيحيي ودياراتم على أمتار من ظاهر الكوفة‪ .‬وترك الجوسيي على موسيتهم‬
‫إل إن أسلموا عن قناعة وإيان‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫وحل عمر إل العراقيي إسلما واحدا ل تطرأ عليه بعد بثور الفت والنقسامات الت انتشرت على جسد السلم‬
‫فيما بعد‪ .‬وكان عمر قد أسس للعراقيي مدينة البصرة ث الكوفة الت طارت بما الضارة العربية إل العال والكوفة‬
‫ججمة العرب ورأس السلم عنده‪.‬ول تكن البصرة سنيّة ول الكوفة شيعية‪.‬‬
‫ول تكن البصرة والكوفة قد بلغتا سن العشرين حينما اختارت عائشة بنت أب بكر وطلحة بن عبيد ال والزبي‬
‫بن العوام وأبناؤها مدينة البصرة للقاء عسكري ضد جيش اللفة ف مدينة الكوفة ووقوع معركة المل‪ ،‬فبدا‬
‫السلم أمام العراقيي مشطورا إل نصفي ف يومٍ واحدٍ‪ ،‬ول يض على توحيده سوى عشرين عاما بيش الفتوحات‬
‫العمرية‪.‬‬
‫وف الكوفة كانت الرب بي المام الليفة والوال النشق ف الشام‪ .‬قبل أن تنتشر ف بقاع عراقية أخرى‪.‬‬
‫وكتبت القادير للكوفة أن تكون موطن الثورة السينية للمام القادم من الجاز‪ ،‬ووقوع مزرة كربلء‪ .‬وأفاقت‬
‫الكوفة بعدها على حركة ثأرية استئصالية للفتك بكل من فتك أو ساهم بقتل المام وأصحابه‪ ،‬وما لبث عبد ال بن‬
‫الزبي الذي بويع ف اللفة بالجاز أن وجه لخيه مصعب لرب ف الكوفة انتهت بقتل الختار الثقفي وأتباعه‬
‫والكثي من بقي حيا من أتباع السي‪.‬‬
‫فإذا انتهى مصعب من حربه ووضع رأس الختار ف قصر المارة بالكوفة وجد عبد اللك بن مروان الظرف مهيئا‬
‫لرسال جيش ومقاتلة مصعب ابن الزبي والنتصار عليه وتعليق جثته ووضع رأسه القطوع ف قصر المارة بالكوفة‪.‬‬
‫فما هي مسؤولية العراقيي ف هذه الروب‪ ،‬ومن الذي أحدث النقسام فيه و ّحّوله إل متمع منشطر‪ ،‬وما مسؤولية عمر‬
‫بن الطاب والمام علي ف ذلك حت يتسن لفريق أن يمل اسم أحدها ويمل الفريق الخر اسم الثان؟‪.‬‬
‫وما الق ف اعتبار العراقيي أهل شقاق ونفاق‪ ،‬وقد اختارت الركة الاشية الضادة للحكم الموي مكانا قريبا‬
‫من الكوفة لعلن ثورتا باسم العباسيي على اللفة الموية‪ .‬ووقوع الروب بينهما داخل الراضي العراقية‪ ،‬وما‬
‫شأن العراقيي وقد انقسم الاشيون إل عباسيي وعلويي‪ ،‬فاشتعلت الثورات ف بلدهم‪ ،‬وما دور العراقيي ف انشقاق‬
‫بي اثني من أبناء هارون الرشيد‪ ،‬فتحدث الرب بي المي والأمون؟‪.‬‬
‫يكن أن يكون للعراقيي دور اجتذاب الصراع القليمي إل بلدهم من خلل ثنائية عمر وعلي‪ ،‬فاتهت الدولة‬
‫العثمانية والدولة الصفوية لتصفية حساباتما فوق أرض عراقية ولكل من الدولتي أنصار ومؤيدون من جاعة علي وعمر‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫وف العصر الديث التقطت مراكز البحث الستراتيجي ف الدول الغربية الناهضة جانبا من قدرة الثنائية الطائفية‬
‫على النرار والصطفاف لعسكر ما‪ ،‬فدخلت قوات اللفاء بوحدات بريطانية إل ميناء البصرة ف الرب العالية‬
‫الول أملً ف اجتذاب الحرومي والنبوذين ف مدن النوب العراقي وتريضهم على السلطنة العثمانية وسياساتا‬
‫العنصرية والطائفية‪ ،‬ول يكن إستراتيجيو اللفاء يتوقعون أن يتحد هؤلء الفقراء مع جيوش السلطة العثمانية لواجهة‬
‫القوات البيطانية وحصرها ثلث سنوات قبل سقوط بغداد‪ .‬الت سقطت ف عشرة أيام بعد إنزال ماثل قام به‬
‫المريكان ف آذار نيسان من عام ‪.2003‬‬
‫وشجعت ثنائية النقسام غرف القرار الدول بتوظيف الانب الطائفي فيظهر العراق البيطان سنّي القرار‪،‬‬
‫والقيادة والدارة مع تثيل طفيف للمكونات الخرى وحرمان العراقيي الشيعة من تثيل ينسجم وحجمهم السكان‬
‫والوطن‪.‬‬
‫وف ذات السياق استخدمت الوليات التحدة المريكية العامل الطائفي بشن الرب من العراق على الفقيه‬
‫الشيعي ف إيران‪ ،‬والت أدت ف ناية المر إل وحدة إيرانية وانقسام عراقي كما سنرى ف فصل قادم‪.‬‬
‫ولواجهة تنظيم القاعدة ذي الصول السنية بعد الجوم على الركز العالي للتجارة ف سبتمب‪/‬أيلول ‪ ،2001‬بدأ‬
‫التفكي برب أمريكية على السنة ليس ف أفغانستان ول ف باكستان ول ف دول العال السلمي السن‪ ،‬وإنا على‬
‫سنة العراق‪ .‬لن الرث الستراتيجي للسياسة الدولية يتناغم مع الرث الطائفي ف العراق‪ ،‬والنجاح الذي تقق ف‬
‫كسب السنة ضد الرب المريكية على شيعة إيران سيتجدد بكسب الشيعة العراقيي واليرانيي إل حدٍ ف الرب‬
‫المريكية على السنة‪.‬‬
‫وكانت الستراتيجية المريكية قبيل هذه الرب‪ ،‬تبحث عن حليف عقائدي لواجهة خصمها العقائدي الديد‪،‬‬
‫فأعطى الرئيس المريكي بوش ف خطابه بالمم التحدة قبيل الرب خس رسائل وإشارات واضحة ليران لكسبها أو‬
‫لتحييدها ف الرب‪ ،‬فضلً عن الرسائل السرية الت نقلتها العارضة العراقية من البيت البيض والبنتاغون إل طهران‪،‬‬
‫ث قيام العراق المريكي‪ ،‬فتجددت الظاهرة البيطانية الت تدثنا عنها ف كتابنا الشيعة والدولة القومية وكتابنا العراق‬
‫المريكي لنح قرار الدولة لطائفة حت لو كان رئيس الوزراء من الطائفة الخرى‪ .‬إذ يصطبغ القرار بلون الطائفة الت‬

‫‪125‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫بويعت قبل الخرى‪ ،‬فصار العراق البيطان سنيا حت بوجود رئيس وزراء شيعي‪ .‬وصار العراق المريكي شيعيا حت‬
‫لو اختي واحد من الزعماء السنة لرئاسة الوزراء‪.‬‬
‫إن السألة ل تعد ترتبط بأرقام وزارية أو نيابية تتشكل منها الدولة سنية أو شيعية بقدر ما تتعلق بصاحب القرار ف‬
‫الالتي البيطانية والمريكية‪.‬‬
‫عمر ف الرب العراقية اليرانية‬
‫بهارة عالية ف صياغة خطاب لدبلوماسية الرب استخدم الانب العراقي هوية الصم ثلثية البعاد‪ ،‬موزعة على‬
‫ثلثة اتاهات متباعدة نح الطاب العراقي ف تطويع كل جهة لصاله باستخدام البعد النظي‪ ،‬إن الصم ف الطاب‬
‫العراقي سيكون فارسيا ف الطاب القومي الوجه إل الحيط العرب الواسع‪ ،‬فيوظف البعد القومي العرب لقارعة البعد‬
‫القومي الفارسي‪.‬‬
‫من هنا أستحدث الصراع العرب الفارسي لكي تصبح سواحل الليج القابلة للخصم الفارسي شريكة ف الصراع‬
‫وميدانا استراتيجيا مشروعا بنطق هذا البعد‪.‬‬
‫وف لقاءات عراقية مع الؤسسات الدينية وحركاتا السياسية سيجري الديث عن شيعة روافض‪ ،‬بل هي حرب عمر‬
‫بن الطاب وقادسية صدام قادسيته وعلى الليج السن والعال السلمي السن ودون تفضل منه أن يهيئ لقادسية عمر‬
‫الديدة أسباب النتصار‪.‬‬
‫ول بأس أن تكتب عبارة (ال أكب) على العلم القومي للعراق‪.‬‬
‫وف الطاب الدول يستخدم البعد الثالث والخفي والتواري من الطاب ف بعديه الول والثان وسيكون مور‬
‫الديث الثنائي بي وزير خارجية العراق‪ ،‬الذي اختي من بي البعثي السيحيي أنا حرب الضارة الوروبية‪ ،‬أو على القل‬
‫حرب العلمانيي ذوي التاهات العصرية ضد ثورة إسلمية ونظام ظلمي يهدد حضارة الغرب وعلى فرنسا الت كانت‬
‫المثل الكاثوليكي للمسيحية الوربية أن تكون ف الوقت ذاته مثلة دون تفضل كما الليج منها للجانب العراقي ف حايته‬
‫ل عما ينفلت ف العلم الوروب من‬
‫من ضغوط اللجان الدولية لقوق النسان ونشاط معارضي عراقيي ف أوروبا فض ً‬
‫كتابات حول استبداد السلطة العراقية‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫إن كاتب السطور الذي وضع كتابا ف إشكالية الغزو والرب بعنوان (أسوار الطي) الصادر للعام ‪ 1995‬سيجدد‬
‫القول هنا‪ :‬إن صاحبه القدي الرئيس العراقي صدام حسي هو ليس عمر بن الطاب بالتأكيد‪ ،‬وأن المام المين هو ليس‬
‫كسرى يزدجرد‪ ،‬وكان كل النظامي يعتمد على نظرية ولية الفقيه‪ .‬ففي إيران تقوم الدولة على سلطة المام الفقيه وف‬
‫العراق كانت ولية الزب لمينه العام ومرشده الروحي ومفكره القومي الول‪ ،‬الذي ل يعلوه اسم رئيس المهورية وأن‬
‫القيادة القومية متلطة بي مسيحيي ومسلمي عربا وعراقيي‪.‬‬
‫أما الرئيس صدام حسي فقد أمر مرافقه الشخصي بأن يصدر تعميما حزبيا لنع قياديي ف الزب رآهم يضرون‬
‫صلة المعة ف الساجد وقال بالنص‪ :‬إن ذلك يشكل خطرا على أجيالنا الزبية وهي ترى قياديي ف الزب منغمسي‬
‫بقضايا دينية‪ .‬ول أر الرجل وبيده نسخة من الصحف إل ف صالة مكمة النايات الكبى‪ ،‬فتمنيت على صاحب أن يكون‬
‫أكثر انسجاما مع أصوله العلمانية‪ .‬وإن كان المر بعدئذ للـه فهو الذي يهدي ويضل ول يعلم الناويا إل اللـه‪.‬‬
‫إن الانب العراقي ف ثلثية هوية الصم‪ ،‬ل يد ف مرشده الروحي روحا تضخ فيه البأس على الصم‪ ،‬فاستعان بعمر‬
‫بن الطاب وانتحل قادسيته‪ ،‬لكنه ل يستطيع ف خطوة واحدة صغية أن ينتحل روحه وعقيدته الت تتعارض ف ضلعي من‬
‫مثلث الدبلوماسية العراقية وخطابا العلمي والدبلوماسي‪ .‬ول يكن عمر ممع الضداد لكن زجه ف الرب قد ساهم‬
‫بتجديد النقسام ف الجتمع العراقي وف العالي العرب والسلمي وبظهور مؤسسات للكسب الطائفي والتشهي بالخر‪.‬‬
‫فكان العراق من جانبه ومعه مؤسسات دينية استجابت لطابه تروج لكتب مدفوعة الثمن وشراء ذمم لكتاب عرب‬
‫وباكستانيي وإيرانيي‪ ،‬فيما استعد الانب اليران لواجهة ماثلة مستخدما خطاب الركة الستقللية العربية ف مواجهة‬
‫النفوذ الغرب والصهيون‪ ،‬والوقوف إل جانب الثورة الفلسطينية واستقبال زعمائها فيما كانت شخصية المام المين‬
‫تذكر عامة السلمي بزهد عمر وترابية علي‪ .‬وتأسست حركات إسلمية ف الجتمعات السنية تأخذ بنظرية الثورة لتأسيس‬
‫نظام إسلمي‪.‬‬
‫إن معارك الرب العراقية اليرانية على الرض‪ ،‬أورثت معارك أخرى بي الؤسسات السلمية السنية وأنظمتها‬
‫ومعارك بي السنة والشيعة على الورق وف مراكز البحث‪ ،‬وتولت معارك الورق ومراكز البحث إل دماء وسكاكي على‬
‫مسرح الرض العراقية‪ ،‬فيما إيران تنمو وتزدهر‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫إن ظاهرة الستبصرين توضع ف هذا السياق‪ ،‬ول تلو من انذاب حيم لتاهات الثورة السلمية وشخصية المام‬
‫المين عند عدد من التحولي‪ ،‬بينما كانت أغلبية التحولي تت عامل الغراء والشراء‪ .‬والفرق بي الثني أن النجذبي‬
‫إل اتاهات الثورة اليرانية قد حافظوا على توازنم ول يتمرغوا ف حأة السب والشتيمة‪ ،‬ومثال هذا التاه السليم كتابات‬
‫الفكر صائب عبد الميد الديثي‪.‬‬
‫بيد أن حلة (الستبصار) ف مملها دخلت ف النقسامات الذهبية وأعادت النشر العرب والثقافة العربية إل سنوات‬
‫الصراع العثمان الصفوي‪ ،‬وكان عمر نقطة الدف ومركز العصب ومرمى القلم ف هذه الظاهرة‪.‬‬
‫وف الطرف الخر كانت أعراض الشيعة ودماءهم مباحة ف الفتاوى اليومية‪.‬‬
‫إن مبدأ القطيعة يغادر التاريخ ف لظات ليكون حاضرا ف اللف السياسي اليومي وف خلفات الدول‪ ،‬والبواب‬
‫مشرعة أمام الفريق الخر ليدخل من القطيعة القيمة ف دفاتر الكركي والجلسي إل أسواق الكرادة وبيوت الصفيح ف‬
‫مدينة الصدر‪ ،‬تقابلها مليشيا القطيعة ف غزوات تذكرنا بغارات حسان بن حسان الذي دخل النبار فأزال خيلها عن‬
‫مسالها‪.‬‬
‫استباحة العثمانيي وحصانة الصفويي‬
‫أقامت حركة التنوير ف مطالع النهضة العربية العاصرة قواعدها الفكرية على فهم جديد للسلم مغاير ومناهض‬
‫للفهم العثمان‪ .‬وزعماء الركة فقهاء أهل السنة ومفكروها من كابول بلد جال الدين الفغان ومرورا بالمام ممد‬
‫عبده ف القاهرة وعبد الرحن الكواكب ف حلب حت احد بن أب الضياف وخي الدين التونسي ف الغرب العرب‪.‬‬
‫وف قلب الزيرة العربية وجهّت حركة الشيخ ممد بن عبد الوهاب نقدا للسياسات العثمانية القائمة على‬
‫احتضان التصوف الشوه والدروشة الت أنكرها السلم على السلمي‪ .‬ول يتهم أهل السنة هؤلء الفقهاء والشيوخ‬
‫بالروق والرتداد على السلم‪.‬‬
‫وف القابل ل تتعرض سياسة الدولة الصفوية إل نقد ماثل صادر عن الؤسسة الشيعية إلّ ف نطاق ضيق تصدر فيه‬
‫الفقيه إبراهيم القطيفي تيارا لعارضة شرعية السلطنة‪ ،‬لكن الشاه الصفوي سبقه باستجلب (‪ )120‬فقيها كبيا من‬
‫لبنان والقطيف والعراق والبحرين‪ .‬وفضل فقهاء آخرون العزلة ف معتكف الدرس والعرفان‪ ،‬لعلنا نتحدث أيضا عن‬
‫موقف الفكرين والدباء الشيعة إزاء اللك القهري الصفوي وتراجع واضح ف مقدامية الشعراء العراقيي‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ففي الانب السن يتصدى معروف الرصاف برأته العهودة مرضا العرب على الدولة العثمانية‬
‫يسوسهم ف الوبقات عميدها‬ ‫عجبت لقـوم يضعون لدولة‬
‫وأموالم منهم ومنهم جنودها‬ ‫وأعجب من ذا أنم يرهبـونا‬
‫ف وقت تتعت الدولة الصفوية بصانة من النقد والتعريض‪ ،‬وفرتا جهود مشتركة للسلطة والؤسسة الدينية‬
‫خلل أكثر من مئتي وعشرين عاما‪ .‬بينما تعرضت خليفتها الدولة القاجارية إل حلة نقدية لعلماء التشيع شبيهة بملة‬
‫علماء السنة على الدولة العثمانية‪.‬‬
‫وحت هذه اللحظة يكن لكتابة مناهضة للشاه القاجاري الرور ف أروقة الوزة العلمية دون أن تترك الثر الذي‬
‫ستتركه ماولة ماثلة تس الدولة الصفوية‪.‬‬
‫إن الفكر الدكتور علي شريعت ينفرد بوقف نقدي صارم وبرأة أدبية ل تتوفر لنظي عراقي‪ ،‬وكان س ّر قوته ل‬
‫ينفصل عن صلته القدية بركة الثورة الديدة للمام المين الت يصح اعتبارها فاصلً تارييا بي زمني شيعيي‪ ،‬يتد‬
‫الول من مطلع القرن السادس عشر اليلدي ويسقط ف يوم انتصار الثورة اليرانية ف شباط ‪.1979‬‬
‫ومع هذا التطور تراجعت حركة نقد الدولة الصفوية ف التأليف الرسي وبرزت ماولة نافرة لتماهي ثورة المام‬
‫المين بركة إساعيل الصفوي‪ ،‬وكونما تأسيسا لدولة التشيع برؤيتي‪.‬‬
‫إن التطي من نقد النهج الصفوي ف الوسط العراقي خاصة‪ ،‬قد يكون له مبر بعد أن صار مصطلح الصفويي مفردة‬
‫يومية ف مشروع تعجيم الشيعة‪ ،‬وطعن عروبتهم ووطنيتهم‪ .‬وف غي هذا ل نرى مبرا للنزعاج من ماولة نقدية تفك‬
‫الرتباط الوهوم بي الدولة الصفوية والمام علي نظيا للمحاولة السنية الناجحة ف فك ارتباط السلطنة العثمانية اليوم‬
‫بعمر بن الطاب‪.‬‬
‫فروق طائفية‪:‬‬
‫ربع علي يسبون عمر‪ ،‬وربع عمر يسبون الشيعة‬
‫سبُ عمر على الشفاه‪ ،‬إذا كان من عامة الناس‪ ،‬ويسبّه على ملدات السفار إذا‬
‫إن الشيعي ف فريق القطيعة قد ي ّ‬
‫كان عالا موسوعيا أو شاعرا أي شاعر‪ ،‬فيما يتحرك التأثرون بنظرية الُشاركة وهم أقلية قليلة ف الجتمع الشيعي‬

‫‪129‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫على استحياء فيلوذون بالصمت إلّ من أُعطي جرأة ممد حُسي كاشف الغطاء وعلي الوَردي ومعهما قلة من الفقهاء‬
‫والكتّاب‪.‬‬
‫سنّي‪ ،‬والديث عن العراقيي فل يضع إل قواني الجاء ومناقضاته‪ ،‬والسُنّي ف ثنائية عمر وعلي ل‬
‫أما الردّ ال ُ‬
‫يتعرض للمام علي بسوء ف رده على من ينال من عُمر‪ ،‬وإنا بفتح شهيته التاريية على الُرويات الفقهية لسَب‬
‫الشيعة وليس إمام التشيع‪ ،‬فظهر ف وقتٍ مبكر مشروع تعجيم الشيعة ف الرويات السُنّية‪ ،‬والتقاط ناذج شيعية ف‬
‫التاريخ السلمي والتشهي با على أن يكونوا دون مقام الئمة فانتشرت روايات يفيض با تاريخ بغداد ويتراجون با‬
‫مع فريق القطيعة‪.‬‬
‫وعلى قسوة النقسام الجتماعي‪ ،‬ومنذ العهد العثمان ف العراق ل تظهر لدى سُنّة العراق كتابات أموية‪ ،‬ول‬
‫يتحدث خطيب جعة ف نظرية وحدة الصحابة ف منهج القارنات بي علي ومعاوية‪.‬‬
‫سنّة‬
‫وعندما ظهر كتاب يروّج للدولة الموية لؤلفه أنيس النُصول‪ ،‬وهو مدرّس وفد العراق من الشام‪ ،‬ل يقف فقهاء ال ُ‬
‫ف العراق إل جانبهِ‪ ،‬مع انتصار كتاب ليباليي وقوميي لصاحب الكتاب الذي قرر ملس الوزراء باقتراح من وزير‬
‫العارف السيد عبد الهدي النتفكي إلغاء عقده وإعادته إل بلده‪.‬‬
‫يُستثن أيضا ما كتبه عبد الرزاق الصّان ف رسالة تشهيية ف الثلثينات من القرن الاضي بالشيعة‪ ،‬لكن المر ل‬
‫يتطور إل فتنة بي الفريقي‪.‬‬
‫حت ف أصعب مراحل الصراع بي الصفويي والعثمانيي وقد اتذ الفريقان من العراق ميدان حرب لما‪ ،‬واليش‬
‫سنّة‪.‬‬
‫الصفوي يدمّر أضرحة أئمة ال ُ‬
‫وف الطرف الخر كان السلطان العثمان يقاتل الشيعة ف بغداد‪ ،‬ث يأمر بتجديد أو بناء ضريح للمام موسى بن جعفر‬
‫ف الكاظمية قبل أن يتوجه إل النجف وكربلء لزيارة أئمة أهل البيت‪.‬‬
‫سنّة بالقرار السياسي ورئاسة الدولة وملس الوزراء والواقع‬
‫وخلل ثاني عاما من حكم العراق الذي انفرد فيه ال ُ‬
‫العُليا بنسب شبه مُطلقة‪ ،‬ل تُصدر السلطة السنيّة قرارا بإطلق اسم أحد المويي على شارع أو معهد أو ساحة‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫لكن تصرفا نزقا صدر عن الكومة العراقية ف عهد الرئيس عبد السلم عارف عام ‪ 1964‬بتأسيس الكتب‬
‫الموي‪ ،‬ومنحه إجازة عمل وتوفي مكان له ف مبن مقابل لسوق الشورجة ف شارع الرشيد ببغداد ف وقت كانت‬
‫تلك السوق الركز التجاري‪ ،‬الذي يغذي الرجعيات الشيعية‪.‬‬
‫وأغلق الكتب بعد وفاة الرئيس عبد السلم عارف وميء شقيقه عبد الرحن عارف العروف باعتداله وحياده‪.‬‬
‫فل يذهب الظن بنا إل حُسن الظن بالتمييز الطائفي ف السياسة العراقية‪ ،‬لكننا نود أن نصر القاعدة الجتماعية‬
‫سنّة على‬
‫ف ثنائية عمر وعلي بعدم حصول شيء من التبادل السُن ف مواجهة الشتم الشيعي للصحابة‪ ،‬فيقتصر أهل ال ُ‬
‫مالت أخرى تس الشيعة دون أئمتهم‪.‬‬
‫وكان هذا هو منهج الاحظ ف كتابه (العثمانية) وعليه سار سُنة العراق‪ .‬ومن هنا تُكشّر الذابح الطائفية ف‬
‫العراق عن أنياب غي عراقية‪.‬‬
‫وكما قلت ف كتاب (أسوار الطي) الصادر عام ‪ ،1995‬إن الطائفية مستقرة ف العراق‪ .‬لكن القتل الطائفي كان‬
‫يف ُد دائما من خارج العراق‪.‬‬
‫وكما ف باب الفرق بي الطائفي الشيعي والطائفي السن من كتابنا (الشيعة والدولة القومية) أن الطائفية الشيعية‬
‫تاريية‪ ،‬تصب جهدها على تشريح من َح َرمَ المام عليا من اللفة الول‪ ،‬وما يترتب على ذلك من إشكالت مع‬
‫الطائفة السنية التصالة مع التاريخ‪ ،‬لكنها ذات بُعد سياسي ف الاضر‪ ،‬يستهدف حرمان الشيعي من امتيازات‬
‫السلطة‪ .‬ول ينسحب هذا التفريق بينهما على واقع الصراع ما بعد سقوط نظام صدام حسي‪ ،‬فقد تطورت الطائفية‬
‫الشيعية فصارت سياسة تعيش ف الاضر فضلً عن جانبها التاريي‪ ،‬ولعلنا أشرنا إل ذلك ف كتابنا (العراق‬
‫المريكي) الصادر سنة ‪ ،2006‬وتطورت الطائفية السنية إل مراتب أخرى ل يكن معظمها عراقيا‪.‬‬
‫والظنون أن المور تسي ف العراق حاليا على قاعدة ليست بعيدة عما نستعرضه‪ ،‬فالطاب الشيعي عند أهل‬
‫القطيعة‪ ،‬يواصل التعريض بالصحابة والنيل منهم بل تفظ‪.‬‬
‫ويكون ذلك كافيا لتحريض بقية السلمي وهم الغلبية العظمى على منابر التشهي‪ ،‬ليس بسبعي ألف منب‬
‫أقامها معاوية ف الشام للتعريض بالمام علي‪ ،‬وإنا بإرسال سبعي ألف انتحاري يؤمن بأن ف موته موتا للشيعة وثأرا‬
‫للصحابة‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫فإذا تصدى أحد القائلي بنظرية الشاركة أمثالنا‪ ،‬وتدث عن قرارات مشتركة اتذت ف ركن السجد النبوي‬
‫بي عمر وعلي‪ ،‬صار خارجا على الِلّة‪.‬‬
‫عمر والصالة العراقية‪:‬‬
‫رأيناه ف مطلع الكتاب مُحرر العراق ومؤسسه وناقل إرادته من عجمة القرار إل فصاحة العرب‪ ،‬وهو مُمصر‬
‫البصرة والكوفة وهذا حسَ ْبهُ‪.‬‬
‫ولعلنا نبحث لعمر عن مقام يقضي فيه بي التخاصمي على حصي تت نل ٍة من نيل الكوفة‪ ،‬وفضائيات العرب‬
‫تتناقل أخبارا عن مؤترات لـ"مصالة وطنية" فهل سيحضرُ ف منتهى مطاف الكتاب ف سلسلة من الوشائج يُمسك‬
‫بطرفٍ منها وطرفُه ف ظاهر الكوفة عند صاحبه وشريكه ومرجع قضائه المام علي بن أب طالب؟‬
‫أول ملحظاتنا أ ّل تسحبنا الحداث السياسية من وقار التاريخ إل سطوح العناوين اليومية‪ ،‬وثانيهما أن الوطن ليس‬
‫طرفا ف هذه الصالة‪ ،‬وليست له مشكلة مع أح ٍد منهما وليس لما مشكلة معه حت تكون مصالة وطنية‪.‬‬
‫وهي بذا العن تمل هوية أطرافها‪ .‬مصالة طائفية‪ .‬وعندها سيدخل إليها عمر دون الخلل بنهج الكتاب‪.‬‬
‫فهل سيقتنع القائلون بالقطيعة أنم ل يصروا استشكالم ف زمانه بعيدا ف أعماق التاريخ السلمي الول‪ ،‬أم‬
‫أنم أيقنوا بعد جريان الدم‪ ،‬أن القطيعة تنتقل من الاضي إل الاضر بلحظات ربا هي أسرع من جريان الدم؟‪.‬‬
‫إن منهج القطيعة يقتضي بتبيان أسبابا‪ ،‬وهذه ل تستقيم بدون أن يوضع عمر على مشارح النقد والتشريح حت‬
‫يتوفر السوغ الشرعي لقطيعة المام علي ومقاطعته مركز السلطة السلمية ف الدينة‪ ،‬ويقود هذا إل تري عمر وسبّه‬
‫على مسمع من آذان الفضاء وعيون التابعي للسجالت والطابات‪ ،‬وقد تولت من منابر منوية إل عيون‬
‫الفضائيات والقمار الصناعية‪ ،‬فيستفزُ الطرف الخر الحسوب على عمر فل يرد على شاتيه بشتم أئمة أهل البيت‪،‬‬
‫بل بالبحث ف الرويات والقصص وصياغة الليات لصياغة مرافعة ومشروع دفاعي وهجومي على الصم سيكون منه‬
‫تعجيم الشيعة ث تكفيهم ما يتيح لفرق الذبح بي الدود العراقية والنبار وبي اليوسفية والحمودية ف طريق الئمة‬
‫أن يشهروا سكاكينهم ليؤدوا (الواجب الشرعي)‪.‬‬
‫إن أهل القطيعة قد ل يكفرون أهل السنة‪ ،‬بل يكفرون عمر وأبا بكر وعائشة‪ ،‬فتنل القطيعة من أعاليها إل أسافلها‬
‫وتدور الدورة الطائفية ف مدن العراق‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ولذا فإن وضع مشروع للمصالة الطائفية إذا أريد له النجاح‪ ،‬سيقتضي أن يبدأ من التاريخ والتصال معه‬
‫لترجيح كفة الشاركة على القطيعة حت تقبل الشاركة ف الاضر‪.‬‬
‫أما أن يستشري دعاة القطيعة ويستحوذوا على فضائيات عراقية وعربية‪ ،‬وأخرى أُسست لذا الغرض بالذات‪،‬‬
‫فيما هو يضر اجتماعا للمصالة فهذا خداع النفس والضحك على الذات‪ ،‬وسينتهي مفعول الصالة مع انتهاء‬
‫الصورين من التقاط زواياهم الفضلة‪.‬‬
‫ب للتشهي وآخر للتكفي‪ ،‬يتحول العراق إل مسرح مفتوح للموت الطائفي‪ ،‬وسيصبح ف شهور مسرحا‬
‫وبي من ٍ‬
‫مهجورا تنع ُق فيه الغربان‪.‬‬
‫ول أخفي قلقا وشعورا بالسف أن السنة العراقيي ل يعودوا يسكون بامتياز تتعوا به عب التاريخ بعدم الرد على‬
‫سب الصحابة بالساءة إل أهل البيت مادام هؤلء الئمة عندهم الشترك السلمي الوحد بي الطائفتي‪ ،‬ففقدوا هذا‬
‫المتياز ف لظة تدمي نازي لعمارية الضارة العربية ف سامراء والقامة على جدث المامي الادي والعسكري‪،‬‬
‫فانكسرت معادلت اجتماعية‪ ،‬واختلت موازنات‪ ،‬وتساوى السبابون‪ ،‬وتول مرى الناع من مواجهة الحتل إل‬
‫ضرب القدس الشترك‪ .‬ودخلت إل الصراع تيارات شيعية كانت مايدة‪ ،‬فاندفعت بالوازع العاطفي قبل الطائفي برد‬
‫فعلٍ كان لبد أن يصل‪ ،‬والنيان تأكل معمارية القدس الشترك‪ ،‬فحدث انعطاف هائل أضعف الركز السن‪ ،‬وكأن‬
‫الادثة تذكرنا ف لظة هبوط منحن دولة طالبان حينماضربت بالدافع الثقيلة تثال بوذا‪ .‬فأثارت استياء الريصي‬
‫على التراث النسان‪ ،‬رغم أنه تثال وثن فوق أرض إسلمية‪ ،‬وليس ثة وجه للمقارنة بي أن يفجر السلمون معماريةً‬
‫إسلمية‪ ،‬أو أن يفجروا صنما من أصنام الوثان‪ ،‬وانتهى الشهد بضاعفات ل تنتهي فقط عند ترحيل العائلة الشيعية‬
‫ف بلدة سنية والعائلة السنية ف شارع شيعي‪.‬‬
‫إن عمر والكتابة ف عمر وترويج تيار الشاركة بينه وبي المام علي هو الذي سيبن معمارية الوطن الوحد‪.‬‬
‫ل يبق إمام إل وقتله هذا الضرب‬
‫وتشبه إيديولوجيا القطيعة نظيتا العاصرة القائمة على نبذ وتري وتري وإبطال أي اشتراكية أو فكرة صالة خارج‬
‫الدلية الاركسية وقواني التطور التاريي القائل بالشتراكية العلمية‪ .‬ول نكتشف أن اشتراكية أخرى هي الت تدف لا‬

‫‪133‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫الياة ومازالت تغطي فقراء اسكندنافيا وأوربا الغربية بالدفء الجان والتعليم الجان والعلج الجتماعي وضمان العاطل‬
‫عن العمل‪.‬‬
‫لقد كان خارج دائرة القطيعة عال من الفكر والثقافة والتجارب حُرمت منها أجيال لكونا صادرة عن طرف‬
‫ليعترف أهل القطيعة بم‪ ،‬ومن دول سيت بالدول الغصبية وماعاد مكنا الخذ بالميل من تاربا والصال من‬
‫أفكارها بعد أن وضعت ف دائرة الجر الطائفي‪.‬‬
‫ومن طبيعة القطيعة أن تقاطع ماصدر عنه أئمة السلم من روايات يشم منها روح التصال مع الطرف الخر‪،‬‬
‫وقد ينلق طرف ف مشروع لو طرح على أئمته لصنفوا ف مواقع الصوم‪.‬‬
‫وإذا ما رأينا أن أهل القطيعة ل يتجون بكلم للمام علي أو للمام السن ولبقية أهل البيت ضمن هذا السياق‪،‬‬
‫فإن الطرف الخر قد يقاطع أو يغفل أو ليأخذ برواية ولو صدرت عن أم الؤمني عائشة والصحاب الزبي بن العوام‪.‬‬
‫ففي رواية لعائشة احتجاجا على طريقة التغيي الثوري وقتل عثمان تقول‪ ":‬إن المر ليستقيم ولذه الغوغاء أمر‬
‫أي أن الدولة لتأخذ أبعادها الدستورية والسياسية إذا كانت الرجعية متروكة لن هم ف الشارع والظاهرة‪ ،‬وكأن‬
‫الدولة غي مصنة بأفكار وأحكام وتدابي‪.‬‬
‫ويقول الزبي بن العوام وهو ابن عمة المام علي وقد انشّق عنه بعد مقتل عثمان‪ :‬إذا ل يُفطم الناس من أمثالا ل‬
‫يبق إمام إل قتله هذا الضرب‪.‬‬
‫ويكن القول افتراضا أو استدللً برأي ابن الزبي‪ ،‬إن السلمي الحتجي على الغوغاء وهذا الضرب سيحتج‬
‫أتباعهم بالطريقة نفسها والقوة على أسلوب يستخدمه هذا الضرب ف العراق حاليا‪ .‬فلم يترك إماما إل قتله ول‬
‫أستاذا ف قاعة درس ول طبيبا ف عيادة‪.‬‬
‫لعلي الن أقرب إل قول الزبي بن العوام من أي وقت مضى لرفع كلمه شعارا فوق خرائب العراق وأشلء‬
‫ضحاياه مناديا‪ :‬أيها الناس إذا ل تفطموا هؤلء عن أمثالا ل يبق إمام إل وقتله هذا الضرب‪ .‬وأستحضر كلم أم‬
‫الؤمني ف أمر الدولة والناس والقانون والرية‪ ،‬وأتساءل‪ :‬كيف يستقيم لنا أمر ولذه الغوغاء أمر؟‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫إن الصراع ينبغي أن يفهم ف سياق القانون‪ ،‬وليس ف جوح الرية‪ ،‬وأن احتجاج الحرومي ل يعن الروج عن‬
‫الشرعية والقانون الذي هو حاضن الرية ومرجعها بقدر ماكان الحتجاج رغبة ف العودة بالدولة إل الزدهار ومالسة‬
‫الحرومي كما كان ذلك سائدا ف عهد الستقرار العمري‪.‬‬

‫البــاب الثان‬

‫عمر ف النظور الشيعي‬

‫الشاركة عند فقهاء العرب‬

‫والقطيعة عند فقهاء الثالب‬

‫فقه القطيـعـة ‪ ..‬وفقهاء الثالب‪:‬‬


‫التغلبون ف الدرس والسطورة والنب‬

‫‪135‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫عمر والقطيعة‪ ..‬الناصفة الاسرة‬
‫التفرج على الاضر السلمي‪ ،‬وقارئ الرويات التاريية‪ ،‬وجليس النابر والشاشات مقتنع‪ ،‬دون ريب‪ ،‬بانشطار‬
‫السد السلمي إل فريقي‪ ،‬هذا لعمر وذاك عليه‪ .‬فربح القائلون بالقطيعة نصف التاريخ‪ ،‬واستقلوا بنصف الطاب‬
‫ونصف الهتمام‪ ،‬وأكثر من نصف الستشكالت الراهنة‪.‬‬
‫وهذه خطيئة الخطاء‪ ،‬وخديعة الرؤية‪ ،‬والقصور عن التفريق بي ظاهرت النشطار والنشقاق‪.‬‬
‫إن عمر ف رؤية النشطار‪ ،‬يتطفف نصفا من التاريخ‪ ،‬ونصفا من الناس‪ ،‬ونصفا من الكانة‪ .‬فخرج الرجل خاسرا‬
‫ف قسمة تعطي النشقي صفة النشطار‪ ،‬وتترك السد السلمي وكأنه مقسوم من الوسط‪.‬‬
‫وعمر تسعون‪ ،‬وانزل إل السبعي وليس للخرين مابقي من الائة‪ .‬إذ ل يمع التشيّع على كراهة عمر‪ ،‬وإنا‬
‫انشق من داخله تيار سرعان مااتسع حجمه‪ ،‬هو الذي نصطلح عليه بالقطيعة‪ ،‬معتمدا منهج القلية ف اللجوء إل‬
‫التشهي‪.‬‬
‫إن منهج القطيعة ل يظهر ف العصور السلمية الول‪ ،‬يوم كان أهل البيت يقودون أتباعهم على منهج المام‬
‫الول‪ ،‬شريكا مع شريك‪ ،‬ومؤسسا مع مؤسس‪.‬‬
‫والشيعة تعن ف أصلها اللغوي التباع والنصار والعوان‪ ،‬وكل جاعة اجتمعوا على أمر فهم شيعة‪ ،‬واشتهرت‬
‫هذه اللفظة عند إطلقها على من يوال المام علي بن أب طالب وأهل بيته‪ ،‬حت صار اسا خاصا بم‪ ،‬وإل ذلك‬
‫يذهب ابن خلدون ف مقدمته‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫الشيعة لغة هم الصحب والتباع‪ ،‬ويطلق ف عرف الفقهاء والتكلمي من اللف والسلف على أتباع علي وبنيه‪.‬‬
‫تذهب مصادر شيعية إل أن أول اسم ظهر ف السلم على عهد رسول ال (ص) هو الشيعة‪ .‬ويؤيد مرجع سن‬
‫هو الستاذ ممد كرد علي‪ ،‬ف كتاب (خطط الشام) أن جاعة من كبار الصحابة عرفوا بوالة علي ف عصر الرسول‬
‫(ص)‪ ،‬مثل سلمان الفارسي وأب سعيد الدري وأب ذر الغفاري وعمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان‪ ،‬وخزية بن ثابت‪،‬‬
‫وأبو أيوب النصاري‪ ،‬وخالد بن سعيد بن العاص‪ ،‬وقيس بن سعد بن عبادة‪ ،‬ويضاف إليهم صحابة آخرون كعامر بن‬
‫وائله والقداد بن السود‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫لعل القائلي بالقطيعة قد استفادوا من هذه الالة التاريية‪ ،‬فأوحوا ف مروياتم أن هؤلء الصحابة الذين شكلوا‬
‫تمعا تنظمه رؤية واحدة ف مولة المام علي كأنم مؤسسو تمع مذهب وحزب وسياسي‪ .‬وال هذا انتبه الفقيه‬
‫الشيعي عبد ال النعمة ف كتابه روح التشيع‪ ،‬فأنكر أن يكون لذه الماعة أهداف خاصة‪.‬‬
‫ول يكن لؤلء الفراد ف ذلك العهد أي مركز قوة معارضة داخل ذلك الجتمع‪ ،‬وكانت رؤيتها قائمة على‬
‫قناعة بأن هذه الوالة هي من صميم السلم وروحه‪.‬‬
‫إ ّل أن اتاهات القطيعة كرست عكس ما يذهب إليه الشيخ عبد ال النعمة‪ ،‬فصار هؤلء الصحابة هم اللبنة‬
‫الول ف مذهب التشيّع‪ ،‬مقابل جاعة من الصحابة يتزعمهم أبو بكر الذي شكل أول خلية ف تنظيم السلم ضمّت‬
‫عبد الرحن بن عوف وطلحة بن عبيد ال وعثمان بن عفان وآخرين‪ .‬وكان سعد بن أب وقاص أصغر عضو فيها‪،‬‬
‫وهي الت كبت سنة بعد أخرى‪ .‬ول يشكل هؤلء مموعة من الوالي لب بكر‪ ،‬وإنا اجتمعوا على ضوء ماكان‬
‫يصلهم من تعاليم النب (ص)‪ ،‬ول يكن عمر بن الطاب قد أسلم بعد‪ ،‬ول يلتق بأب بكر إل بعد ست سنوات‪ ،‬ول‬
‫يكن المام علي هو الخر عضوا ف هذه اللية لداثة سنه قياسا لعدل أعمار هذه اللية‪ ،‬إذ الفرق سيبو على أكثر‬
‫من عشرين عاما‪ .‬ولن المام علي كان ف ذلك الوقت ربيب النب (ص) ومريده‪ ،‬وقد توهج اسه بعد أن كلفه النب‬
‫(ص) بالنوم ف فراشه أثناء هجرته إل الدينة‪ ،‬وما تركه هذا التكليف على تركيز الهتمام بشخصية هذا الفت‬
‫وفدائيته العالية‪.‬‬
‫وبدأت إشعاعات المام علي تتذب إل شخصيته الكثي من الصحابة بعد عشر سنوات على القل من ظهور‬
‫خلية أب بكر‪ ،‬فلم تكن الوالة للمام ردّ فعل على تلك الماعة ول نقيضا لا‪ .‬وكانت معارك الرسول الول ف‬
‫الدينة قد ألقت أضواءً أخرى على شخصية المام علي الذي ل يسر أو يتراجع أو يتردد ف معركة منها‪.‬‬
‫إن تسع نظريات على القل اختلفت ف زمن ظهور التشيّع‪ ،‬فالصادر الشيعية تسحب الزمن إل الوراء وصولً‬
‫إل زمن صدر السلم‪ ،‬وبعض الصادر السنية تؤخر ف ظهور التشيّع‪ ،‬حت نسب بعضها ظهوره إل فاجعة كربلء‬
‫ومقتل المام السي‪ .‬وبي هذين التاريي يكن الشارة إل يوم السقيفة باعتباره اليوم الذي ظهر فيه التشيّع‪ ،‬عندما‬
‫تلف المام علي عن مبايعة أب بكر ف طائفة من الصحابة‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ومنهم من يفترض ولدة الشيعة يوم الشورى‪ ،‬بعد وفاة عمر بن الطاب‪ ،‬ومنهم من يفترض يوم الدار حي‬
‫أحاط التظاهرون بعثمان بن عفان وحاصروه ف داره وقتلوه‪ ،‬ومنهم من يفترض يوم واقعة المل‪.‬‬
‫لكن كثيين يشيون إل معركة صفي بي المام علي ومعاوية‪.‬‬
‫ول ننسى من يؤرخ ولدة الشيعة بظهور عبد ال بن سبأ‪ ،‬وهي الرواية الشائعة حاليا‪ ،‬والضعفة عند كثي من‬
‫الؤرخي‪.‬‬
‫وقد ننل مع التاريخ إل الائة الثانية للهجرة‪ ،‬فينسب ظهور التشيّع إل زمن المام جعفر الصادق وتلميذه هشام‬
‫بن الكم‪ ،‬الذي قام بدور التشكيل الندسي والبناء الفكري لفكر المام جعفر الصادق‪ ،‬يشبه إل حد دور الفقيه أب‬
‫يوسف تلميذ أب حنيفة ف صياغة الذهب النفي‪.‬‬
‫ولو أجرى معهد غالوب العروف بدقته استبيانا ف أروقة القطيعة لصل الجاع على يوم السقيفة‪ ،‬حيث‬
‫يشخص عمر بن الطاب وجها لوجه‪ ،‬فيصب على وجهه مصبوب الرويات منذ ذلك التاريخ‪ .‬فكأن المة قد‬
‫انشطرت بالسقيفة إل شطرين‪ .‬وعنهما نمت ثنائية عمر وعلي‪ ،‬ولعل هذه النتائج الفترضة ستكون أخف ضررا من‬
‫تأصيل الفرقة بزمن النب (ص)‪ ،‬وكأن السلم ولد مشطورا‪ .‬وكأن النب (ص) كان يتحرك بناحي‪ ،‬على غرار الواقع‬
‫السياسي الراهن‪ ،‬جناح لعلي وآخر لب يكر‪ ،‬ول بأس أن يسارع حلة اليدولوجيا إل تسمية أحدها باليسار‪،‬‬
‫وثانيهما باليمي‪ ،‬ويصبح المام علي زعيم اليسار‪ ،‬وأبو بكر زعيم اليمي‪ ،‬فيسقط التاريخ بإسقاطات الاضر‪.‬‬
‫فقهاء التنقيص!!‪.‬‬
‫إن الكتابة الن ف عمر اختراق لملة التنقيص الت تضرب التاريخ السلمي والسلميي من خارجهم‪ ،‬بعد أن‬
‫كان منهج التنقيص مصورا ف إطار الثقافة والثقفي السلميي الستغرقي ف صراعاتم‪ ،‬فل يدخل ميدان التنقيص‪،‬‬
‫إل فقيه بالذاهب‪ ،‬وعال بالرجال‪ ،‬ومدث يستوعب علم الديث ومدارسه‪ .‬ومنطيق درس أرسطو‪ ،‬وأديب تعلم ف‬
‫مدارس البلغة‪.‬‬
‫وباستمرار الناقصات‪ ،‬تتضاءل حجوم الرجال الوائل‪ ،‬وتطغى الثالب على الكارم‪.‬‬
‫إن فقهاء اللف هم التخصصون بذا النهج‪ ،‬ل يشاركهم غيهم فيه‪ ،‬فإذا كتب العلمانيون ف مطلع القرن‬
‫الاضي‪ ،‬وحت ربعه الثالث‪ ،‬فإنا يضعون لقواني الصراع الجتماعي‪ ،‬ومفسرات السايكولوجية البشرية‪ ،‬وف الالتي‬

‫‪138‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫يبدو عامة الناس عاجزين عن دور كهذا‪ .‬والناس مبأون من مثالب التنقيص‪ .‬لكنهم يتلقون معلومات العلماء‬
‫والؤرخي عن طريق وسيط فتتحول الحداث ف ميلتهم إل نقائضها‪ .‬أو يضاف إليها‪ ،‬فإذا ضعفت العلومات بعوامل‬
‫النسيان والندثار‪ ،‬طلع عليهم الدعاة با يدد شبابا‪ ،‬فيعيد الياة إل عمر ذئبا يترصد عليا‪ ،‬أو قد يصبح قاتل‬
‫السي هو قاتل الفتنة‪.‬‬
‫ولذا فإن العتقاد بدور كبي للمتنورين من علماء اجتماع وكتاب وشعراء سيبدو غي دقيق‪ ،‬وعاجزا عن التأثي‬
‫ف معتقدات معمرة‪ ،‬ومشاعر متأصلة‪.‬‬
‫إن التنقيص‪ ،‬هو القابل اللغوي لنعة الجاء الت تد لا دعاة ومستمعي‪ ،‬سوى أنه هجاء يستهدف الشخصيات‬
‫الكبية‪ ،‬من أهل البيت‪ ،‬والصحابة‪ ،‬ورؤوساء الذاهب‪ ،‬ومن هنا خطورة التنقيص على سلمة العلومات التاريية‪ .‬ل‬
‫سيما أنه من شغل الكبار‪ ،‬فقد اشتغل أعظم أديب عرب‪ ،‬كالاحظ ف منهج التنقيص‪ ،‬ف كتابه (العثمانية) الذي ل‬
‫يتورع فيه عن سلب المام علي فضائله النصوص عليها ف كلم ال‪ .‬وحديث رسوله‪ ،‬وعلى لسان الصحابة‪ ،‬فيد‬
‫على معتزل البصرة معتزل من مدرسة بغداد‪ ،‬هو أبو جعفر السكاف‪ ،‬مدافعا عن المانة التاريية‪ ،‬والكارم العلوية‪،‬‬
‫فما الذي يستطيع فعله الفقراء والهلء والدهاء التهمون‪ ،‬بأنم حلة الفصل والتشهي الطائفي؟‪.‬‬
‫وتؤكد الوجة الالية لملة التنقيص وجهة نظرنا هذه ورجال التنقيص أدباء ومؤرخون وكتاب‪ ،‬خرجوا من حأة‬
‫الصراع الطائفي متسامي عليه‪ ،‬متساقطي ف حأة التشكيك‪ ،‬لينالوا بالدرجة الول من شخصية النب (ص)‪ ،‬وفصل‬
‫حركته عن إرادة السماء‪ ،‬واعتبارها سلكا موصولً بلم السيادة القرشية‪ ،‬والرغبة الاشية القدية بإقامة دولة مكة‪.‬‬
‫وأوغل كتاب الوجة النقة ف التعريض الشخصي‪ ،‬فدخلوا غرفة نومه‪ ،‬وبي أزواجه‪ ،‬ما تشكل الرسوم‬
‫الداناركية‪ ،‬قياسا لكتابات تصدرها مؤسسات عربية مسلمة‪ ،‬مرد طرفة!‪.‬‬
‫وطالا أن الملة أنزت مشروع الفصل وسارت على النب ممد(ص) رجلً حالا‪ ،‬بدولة قرشية‪ ،‬سهل عليهم أن‬
‫يردوا أصحابه ورجاله الؤسسي من حلة الحترام‪ ،‬مستفيدين من مياث وافر لفقهاء التنقيص الوائل‪ ،‬يردون على‬
‫أقوال من يطعنهم بالتشهي‪ ،‬وليس عليهم أن يصنعوا الروايات‪ ،‬أو يكتبوا التاريخ من جديد‪ ،‬فالتناول من القوال‬
‫مٌستمد من كتب الفقهاء والعلماء والدباء الوائل التورطي ف حلة التنقيص‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ومن النصاف أن كتاب الوجة النقة قد يتوقفون عن نقل روايات ل يتوقف عن ترديدها فقهاء الصراع تنبا‬
‫لساءلت قانونية أو ردات فعل شعبية‪ .‬ول يرؤ كاتب من اللحدة أن يترضى عن قاتل عمر بن الطاب فيقول أبو‬
‫لؤلؤة رضي ال عنه‪ ،‬ول أن يترضى عن قاتل حفيد نب السلمي‪،‬وسب حفيداته‪ ،‬حافيات من الكوفة إل الشام‪ .‬فيما‬
‫كان عمر يرفض سب نساء العرب ف قبائل مرتدة‪ ،‬معترضا على صاحبه أب بكر‪ ،‬فأعاد السب إل ديارهم‪ .‬إن كتب‬
‫الفرق والطوائف والذاهب شكلت مادة أساسية للتشهي الستشراقي والعلمان بالسلم‪.‬‬
‫ثنائية القطيعة والشاركة‪:‬‬
‫أغلب الظن أن النشقاق السلمي سيأخذ بعدا تلتبس فيه النتماءات لو استفرغ الفقهاء والثقفون بعض‬
‫جهدهم‪ ،‬فيما نتعارف عليه بثنائية القطيعة والشاركة‪ ،‬وهل كان المام علي ف الول أم ف الثانية بعد وفاة النب (ص)‬
‫وظهور اللفة الراشدة‪ .‬فلعل الناس سنة وشيعة ينفون حدة القسمة وهم فريقان‪ :‬أحدها يأخذ بنظرية القطيعة‪،‬‬
‫والخر بنظرية الشاركة‪.‬‬
‫وأغلبية الناس على مبدأ الشاركة‪ ،‬وأن المام ل يستمر ف معتكف القطيعة بعد وفاة النب (ص) أكثر من ستة‬
‫أشهر‪ ،‬فأعطى بيعته وتبعه بنو هاشم وبعض الصحابة من ل يكن قد دخل ف البيعة بعد‪.‬‬
‫إن التاريخ السلمي العام‪ ،‬وهو مدون برفية أكاديية عالية‪ ،‬يصادق على القول بنظرية الشاركة‪ .‬ول يتحفظ مؤرخ‬
‫إسلمي مترف‪ ،‬عن القول با‪ ،‬وإن قطيعة المام ل تكن أبدية‪ ،‬وأنه جّد أو أجّل ماكان ينسب إليه من اعتراض على‬
‫الليفة الول‪ ،‬وإن ل تكن درجة التصال بدار اللفة قد تطورت إل مرتبة الشاركة الواسعة ف اللفة الثانية‪.‬‬
‫فنشأت بي المام والليفة ثنائية استعاد فيها عمر ثنائيته مع أب بكر‪ ،‬وكان يصغي للمام علي‪ ،‬والمام ل يضن عليه‬
‫برأي الناصح‪ ،‬ول بوقف عاضد‪.‬‬
‫ويتفق على حصول تطور إل حد النعطاف ف نظرية الشاركة كل من ابن سعد ف طبقاته والطبي ف تاريخ‬
‫اللوك والسعودي ف مروج الذهب واليعقوب ف تاريه والصبهان ف أغانيه‪.‬‬
‫والثلثة الخيون مسوبون على التشيع‪.‬‬
‫وعند رجال البحث الكاديي العاصر إجاع ل يرج عنه إسلمي أو علمان على القول بالشاركة‪ .‬فيلتقي طه حسي‬
‫بغريه عباس ممود العقاد‪ ،‬والزهري ممد أبو زهرة بالعلمان عبد الرحن الشرقاوي‪ ،‬وتنفرد الدرسة الصرية بثقة ل‬

‫‪140‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫تكتسبها مدرسة معاصرة أخرى‪ ،‬وواحد من عناصر الثقة با يقوم على نشاطها الحمدي ف حقل الشاركة العلوية ذ‬
‫العمرية‪.‬‬
‫إن نفوذ القائلي بنظرية الشاركة هو الؤكد علميا‪ ،‬والغالب عدديا‪ ،‬والنافذ الفعول ف الثقافة الدنية القائمة على‬
‫دراسة مستقلة وحرة للتاريخ‪ ،‬فطرقت أبواب التشيع ف مركز عصب اللف‪ ،‬ول تكن الستجابة كبية ف عصرنا‪،‬‬
‫لكن مرجعا كالمام ممد السي كاشف الغطاء ل يتأخر عن إصدار العلن الشيعي الشجاع والصيل ف كتابه‬
‫(أصل الشيعة وأصولا) الصادر منتصف المسينات اليلدية والقائل بثقل حجية الشاركة‪ .‬وكان باحثون أكادييون‬
‫وموسوعيون ف الانبي السلمي والعلمان من دعاة الشاركة‪ ،‬كجعفر الليلي وعلي الوردي وحسي مروة وهادي‬
‫العلوي وهاشم معروف السن‪ ،‬وهم أصحاب كتب ودراسات‪.‬‬
‫ولربا أيقظت هذه الدرسة ف باحث إيران شاب روحا نقدية ألبت إحساسه السلمي‪ ،‬هو الدكتور علي‬
‫شريعت‪ ،‬ليصبح أخطر مفكر إيران وشيعي ياهر بفكرة الشاركة ف تديات خرجت من عقر حسينية إرشاد ف‬
‫طهران‪ ،‬وهو صاحب نظرية التشيع العلوي والتشيع الصفوي‪ ،‬وواضع أسباب النقسام ومذر رسومها وأصولا‬
‫بظهور الدولة الصفوية عام ‪ 1500‬ميلدية‪.‬‬
‫ومن النصاف أن الصفويي ل يبتدعوا نظرية القطيعة‪ ،‬وقد كانت قائمة ف مرويات مدودة لكن الصفويي نحوا‬
‫ف أدلة القطيعة ووضع مناهج خاصة با ف البحث التاريي وثبتت لا القواعد القائمة على (الدلة النقلية والباهي‬
‫العقلية) ووضعت موازنات لذا الشروع‪ ،‬تت تصرف أرفع العقول وأبى الساء الفقهية ف لبنان والعراق وإيران‪.‬‬
‫ومنح فقيه الدولة الول الشيخ علي الكركي صلحيات الشاه‪ ،‬فصار حرامه حرام الدولة وحلله حللا‪ .‬فعارضته‬
‫الؤسسة الدينية ف العراق والبحرين والحساء والقطيف‪ ،‬واصطدمت بعارضة كان طرفاها يتلفان ف شرعية‬
‫السلطان الصفوي ويتفقان ف نظرية القطيعة‪ ،‬وإن كانت العارضة أقل اندفاعا ف هذا التاه‪ ،‬وأسلس روحا وألطف‬
‫عبارة‪ .‬بينما دجج العلماء والثقفون الصفويون القائلون بروح القطيعة الصارمة والبدية‪ ،‬فنشروا الرويات الغريبة‬
‫وأشاعوا الضعيف من السانيد‪ .‬وكأنم يستعيدون مرحلة مرت ف التاريخ السلمي كانت الدولة الموية تشتط بعيدا‬
‫ف هذا التاه‪ ،‬وكأن التاريخ ل يبدو حيويا إل بتوازن السوء فينشأ تشيع صفوي وتسنن أموي‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ومادامت الكثرية العددية بي السلمي والنوعية ف البحث الكاديي التاريي العام‪ ،‬منذ طبقات ابن سعد‪ ،‬تأخذ‬
‫بنظرية الشاركة العلوية مع الدارة العمرية لتصريف أمور الدولة‪ ،‬فكيف أتيح للقائلي بالقطيعة كالسيد العلمة كاظم‬
‫القزوين ف أحدث كتاب له هو المام علي من الهد إل اللحد وضع فصل مستقل‪ :‬إن المام علي كان جليس البيت‪ ،‬منذ‬
‫وفاة النب (ص) حت وفاة عمر عام ‪ ،23‬للهجرة مسلوب المكانيات على حد تعبيه‪ .‬بينما كانت جيوش السلمي تدق‬
‫أبواب أسيا القصوى وإفريقيا الشمالية؟‪.‬‬
‫إن النهج الصفوي يسعف العلمة القزوين بقواعد فقهية وإخراج رواية على لسان المام الصادق ياطب أتباع‬
‫أهل البيت‪ ،‬قائلً‪ :‬ف حالة اختلف الروايات واتفاق بعضها عند بعض الئمة من أهل البيت‪:‬‬
‫خذوا ما خالف القوم أو خالفوا ماوافق العامة‪.‬‬
‫ولن القوم السلم قد أجع على نظرية الشاركة العلوية ف إدارة الدولة‪ ،‬وإل جانبه روايات عن الئمة‪ ،‬ومنهم‬
‫الصادق وعن أهل البيت‪ ،‬ومنهم زيد بن علي‪ ،‬فالصحيح الصفوي هو الخذ برواية القطيعة مادامت تالف أهل‬
‫السنة‪.‬‬
‫وهكذا حسم الناع ويسم ف قضايا اللف‪ ،‬فيكون إجاع السلمي على أمر سببا للشك ف الرواية‪ ،‬والطلوب‬
‫الخذ با خالف القوم!‪.‬‬
‫ول يعد ما يقوي الشيعي القائل بالشاركة‪،‬الستشهاد برواية تقر حصول بيعة المام علي ومشاركته أبا بكر‬
‫وعمر ف إدارة الدولة‪.‬‬
‫فمن الذي حرم المام علي من الشاركة ف إدارة الدولة سوى القائلي بالقطيعة؟‪ .‬وما الذموم ف أصل فكرة‬
‫الشاركة الصادرة أساسا من وعي عقائدي حيم إل من يُعتم على دور المام الؤسس والشريك؟‪.‬‬
‫إن فكرة العتزال إن ل تكن مرمة فهي لتليق بالشريك الؤسس حامل أول لقب لفت السلم‪.‬‬
‫وف ذات السياق تركزت الهود الفكرية والفقهية والدعائية على ربط عمر بن الطاب ف التأسيس السفيان‬
‫للدولة الموية بتعيي معاوية واليا على الشام وتوزيع الناصب القيادية على صحابة قادمي من العسكر السفيان أو من‬
‫البيت الموي‪ ،‬وهو المر الذي لقى ويلقي رضا الفريقي‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ب ماقبله‪ ،‬وبقوة الدوار الت نض با هؤلء القادة ف‬
‫فأهل السنة‪ ،‬وبسب مبدأ وحدة الصحابة‪ ،‬وكون السلم ي ّ‬
‫عصر الفتوحات سيكون من لطف ال عندهم أن تتعاشق وشائج الود والفهم الشترك بي سياسة عمر وفقهه وإدارته‬
‫للزمات بتاريخ رجاله من قريش ومن بن أمية فيتساوى الرجل مع غيه ف وحدة الصحابة ويدفع اللوم والتأنيب ونبش‬
‫الاضي عن رجال قريش إذعانا لقاعدة السلم يب ماقبله‪ ،‬وهي عندي من أرقى البادئ ف العلقات النسانية وأذكاها ف‬
‫إطفاء حرائق الفت وأكثرها علمية ف نشوء الدول‪.‬‬
‫إن عمر بن الطاب يكاد أن يدمج مع المويي عند بعض أهل السنة وعند عموم أهل التشيع‪ ،‬والهمة النبيلة‬
‫للفقهاء والباحثي العمل على امتلك القدرة العلمية والذهنية لستلل عمر من انتساب ل ينتسب إليه‪ ،‬وبيت ل يكن‬
‫منه‪ ،‬ولعل الدرسة الصرية أجابت عن هذه الاجة الضارية وحسمت المر لصال القول بالشاركة‪.‬‬
‫يروى أن عثمان بن عفان قال للمام على‪ :‬إنن ل أخرج عما كان عليه عمر ف أمر تعيي المراء والولة والقادة‪،‬‬
‫فلماذا رضيتم به؟‪.‬‬
‫أجابه المام علي‪ :‬إن عمر كان يتابعهم ويراقبهم ويعاقبهم بالعزل وبغيه إن ل يسيوا سية حسنة‪ .‬ول يترك لم‬
‫المر‪.‬‬
‫ويقول الدكتور علي الوردي‪:‬‬
‫إن معاوية مع عمر ل يكن ذاته مع عثمان‪ ،‬كان معاوية مع عمر مكوما مطيعا‪ ،‬لكنه ف ولية عثمان كان حاكما‬
‫وصاحب صلحيات‪ ،‬وقد صارت الشام كأنا عاصمة اللفة‪.‬‬
‫ومن المثلة على طريقة عمر الت أشار إليها المام علي أنه كان يعزل الوال‪ ،‬وإن كان العزول من أبلوا ف الفتوح‬
‫بلءا مثيا للعجاب‪ ،‬وقد عزل الغية بن شعبة عن البصرة وأمره أن يشخص إليه ليحاكمه ف تمة زنا‪ ،‬ف الوقت الذي‬
‫كان فيه الغية يلحق الزائم ف اليش الفارسي ف الهواز‪.‬‬
‫وعزل قائدا وصحابيا كسعد بن أب وقاص عن ولية الكوفة‪ ،‬كما عزل شرحبيل بن حسنة عن ولية الشام‬
‫لسبب سئل عنه عمر‪ ،‬فأشار إل تفضيله الداري القوي على الداري الضعيف‪ ،‬وليس لسخطه عليه‪.‬‬
‫وقصته مع خالد بن الوليد وعزله معروفة‪.‬‬
‫رضي ال عنه وعليه السلم‪:‬‬

‫‪143‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫من وظائف فقه اللف توسع الفقيه ف الرويات والراء وإناب لُغة ومصطلحات تُرضي نزعة الفتراق‪.‬‬
‫فصار لكل فئةٍ لغة خاصة يتعرف الناس با على مذهب الكاتب والُتحدث‪ ،‬وشل ذلك جلة الصلة والسلم على‬
‫النب‪ ،‬هل هي له وحده أم يلحق به آله فقط كما يقول الشيعة‪ ،‬أم هي عليه وعلى آله وأصحابه‪ ،‬كما يقول أهل‬
‫السنة؟‬
‫وهل سنقف عند هذه الصيغة أم نلحقها بفرد ٍة أخرى‪ ،‬مثل أجعي‪ ،‬فيتشارك مع النب ف الصلة والسلم أبو‬
‫بكر وعمر وعثمان وعلي وأبو سفيان وعبد ال بن أب سرح وعمرو بن العاص‪ .‬حسب منطوق وحدة الصحابة‪.‬‬
‫ومبدأ التسوية بينهم فيعترض فري ٌق من السلمي على مفردة أجعي‪ .‬ويعترض أغلبية السلمي على الذان الشيعي ف‬
‫أكثر من مورد كحي على خي العمل والشهادة الثالثة؟‪.‬‬
‫و فقهاء التشيع يرون ف حي على خي العمل‪ ،‬جلة واجبة الوجود ف الذان‪.‬‬
‫أما الشهادة الثالثة فهي مستحبة عند فريق من الفقهاء‪ ،‬ويكن الستغناء عنها‪ ،‬وعلى ذلك جرى المام ممد‬
‫مهدي الالصي فأثيت حوله وعليه ضجة ل تدأ‪.‬‬
‫فلماذا ل يترك الُستحب ويُستغن عما أضيف هنا وهناك كي يكون الذان واحدا؟‪.‬‬
‫أجيب‪ ،‬ومن وجهة نظر ل علقة لا باجتهادات الفقهاء‪ ،‬أن المر ليس بذه البساطة‪ ،‬فاللغة عند أهل الذهب قد‬
‫توظف للتعبي عن اللمح‪ ،‬قبل الضامي‪ ،‬فإذا صرنا إل الستغناء عن مفردة خاصة ضاعت اللمح ول يعد مكنا التعرف‬
‫على هوية الُتحدث والؤذن وستنتفي الاجة إل فقه اللف!‪..‬‬
‫و ف هذا السياق ل يُترك النب ممد وحده ليصلي ال عليه ويُسلم‪ .‬فألق معه الل أو الصحاب ولو أن الية‬
‫‪ 56‬من سورة الحزاب تقول‪" :‬إن ال وملئكته يصلون على النب‪ .‬ياأيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلّموا تسليما"‬
‫فيكون السلم والجل أن يصلي ال ويُسلم على نبي ِه دون أن يشترك معه أحدٌ من أهل القرابة والصحابة‪.‬‬
‫ولعلّي أميل إل عبارة صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأستخدمها ف أحاديثي‪ ،‬فحدث وكنت أُحاضر ف حسينية الولية ف‬
‫حي السيدة زينب بدمشق عن استشهاد المام الُسي بي جع من الدعوين شيعة وسُنّة‪ ،‬ولدى انتهائي من الحاضرة‪.‬‬
‫كان أحد الفقهاء يتصدر الجلس‪ ،‬فهمس ف أُذن أن ل ألتزم بلغة السلم‪ ،‬وظننت المر يتعلق بنهجي الُستقل‬
‫الارج عن مناهج البحث الفقهي‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫لكن السيد الفقيه استدلّ بعبارة (صلى ال عليه وسلم) ليكون النطق با سببا لعلي غي ملتزم بلغة السلم‪ .‬إذ‬
‫القطوع نائيا أن تُلحق بالعبارة إياها جلة وعلى آله‪.‬‬
‫ولو نطقت با لعترض الاضرون من أهل السنة‪ ،‬ولتمت بالمالة‪.‬‬
‫فهل كثيٌ على النب أن يُخص بصلة ال وسلمه وقد خصه ال وحده بالية الكرية؟‪.‬‬
‫وف هذا السياق استبدّت صيغتان بأساء أئمة أهل البيت والصحابة‪ ،‬با يعل الروج عنهما أشبه بالروج عن‬
‫القبول الدين لدى الفريقي‪ ،‬فاختص أهل السنة بصيغة رضي ال عنه للصحاب وللئمة من أهل البيت ورفض الشيعة‬
‫إطلقها على الثني‪ ،‬فهي عندهم كثية على الصحابة وقليلة على الئمة‪ ،‬إلّ إذا كان الصحاب مقربا من المام علي‬
‫وللمام صيغة عليه السلم وليس لبقية الصحابة صيغة رسية ف لغة التشيع‪.‬‬
‫وف التحليل اللغوي وعلقة كل من الصيغتي بالروح‪ ،‬تبدو صيغة رضي ال عنه مُناسبة للجميع إذ ل تقوي يعلو‬
‫على تقوي ال الاصل ف الرضا والرضوان عمن هو جدير برضوان ال فإذا رضي ال عنك فما قيمة أن تغضب‬
‫الليقة عليك؟‬
‫ومن رضي ال عنهم ل يتاجون إل طلبِ أح ٍد منا إل ال بالترضي والرضوان عليهم بعد أكثر من ‪1420‬عاما‬
‫على صدور الرادة اللية بنحهم رضوانه وقوله تعال ف سورة الفتح الية ‪ " 18‬لقد رضي ال عن الؤمني إذ‬
‫يبايعونك تت الشجرة فعلم ما ف قلوبم فانزل السكينة عليهم وأثابم فتحا عظيما "‬
‫لكن منهج القطيعة يطوي السافات وقد يعب اليات‪ ،‬فإذا وصل إل تلك الشجرة ورأى عمر بن الطاب تتها‬
‫ي مقطع من‬
‫مع من بايع الرسول ونزل فيه قرآن توقف النهج سالكا طريقا ل ير عند تلك الشجرة‪ ،‬ولو أننا اخترنا أ ّ‬
‫هذه الية الكرية وألقنا به اسم رجلٍ من كانوا تت الشجرة لا خرجنا على مضمون الية فنقول‪ :‬إن عمر رضي ال‬
‫عنه‪ ،‬أو أن عمر أنزل ال عليه السكينة‪ ،‬أو عمر الثاب بالفتح العظيم‪.‬‬
‫ونن نيل إل ترك المر إل ال وهو صاحب الرضوان‪.‬‬
‫أمّا السلم عليه الذي يُلحق بأساء الئمة من أهل البيت‪ ،‬فلعلها صيغة مستعارة من آيات قرآنية منها‪:‬‬
‫" سلم عليكم با صبت فنعم عقب الدار " ‪ /‬الرعد ‪/ 24‬‬
‫" وسلم عليه يوم ولد ويوم يوت ويوم يبعث حيّا " ‪ /‬مري ‪/ 15‬‬

‫‪145‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫" قل المد ل وسلم على عباده الذين اصطفى " ‪ /‬النحل ‪/ 59‬‬
‫" سلمٌ على نوح ف العالي " ‪ /‬الصافات ‪/ 79‬‬
‫" سلم على إبراهيم " ‪ /‬الصافات ‪/ 109‬‬
‫" سلم على موسى وهارون ف العالي " ‪ /‬الصافات ‪/ 120‬‬
‫" وسلم على الرسلي " ‪ /‬الصافات ‪/ 181‬‬
‫ص أئمة أهل البيت با خُصّ‬
‫فالذين ألقى ال عليهم بالسلم هم النبياء‪ ،‬والنبياء بدرجة أعلى من الصحابة‪ ،‬فخ ّ‬
‫به النبياء والرسلون وعباده الذين اصطفى والصابرون فنعم عُقب الدار‪.‬‬
‫يبدو أنا خيارات لتلوين اللغة وتطويعها حت تكون خاصةً بذا الفريق أو ذاك‪ ،‬وليست خاصةً بجموع السلمي‪.‬‬
‫إن إشكالً آخر سيقع فيه الستمع للتلوة القرآنية‪.‬‬
‫فكما أن النب (ص) هو الشترك للمسلمي كافة وضرورة اللف تستدعي وضع إشارة بانبه‪ ،‬حت يعرف‬
‫التحدث شيعيا أم سنيا‪ ،‬فالشترك العظم والول للمسلمي هو القرآن‪.‬‬
‫فإذا تلي على الناس‪ ،‬فقد يضيعُ على الستمع هوية القرئ وهوية الكان‪ ،‬هل هو ف جامع سُن أم شيعي؟ وتدعو‬
‫ضرورة اللف إزالة الشكال عند مستمع التلوة‪.‬‬
‫وقد ت ذلك مؤخرا إذ يعرف القارئ الشيعي عند انتهاء تلوته بملة «صدق ال العلي العظيم» بد ًل من «صدق‬
‫ال العظيم» الت أصبحت سُنيّة‪.‬‬
‫روزه خون القطيعة!‬
‫لعب النب السين الدور الشعب الوسع تأثيا ف شحذ الوجدان الشيعي وصياغة ذهنية التشيع عند عامة الناس‪.‬‬
‫فأدى وظيفة إعلمية ضخمة يوم ل تظهر بعد وسائل التصال والعلم‪ ،‬وقبل أن يتحول العزاء السين إل فضائية‬
‫مرتبطة بالقمار الصناعية‪ .‬وكان الصدر الرئيسي لعلومات القارئ الذي يسمى الروزخون()‪ ،‬كما يقول د‪ .‬علي‬
‫الوردي‪ ،‬ملدات بار النوار للمل ممد باقر الجلسي الذي يصفه علي شريعت‪ ،‬بأنه داعية السلطنة الصفوية ومروّج‬
‫مشروعها السياسي والروحي‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ويدير الروزخون حديثه على روايات عاطفية ترتكز على قلة العدد وقسوة العدو وخذلن الناصر الت تنتهي‬
‫عاد ًة بالفجيعة‪.‬‬
‫وساهم النب السين بلق وحدة نفسية لدى حاضري الجلس‪ ،‬تتجاوز انتماءات الطبقة والعنصر ومستوى‬
‫التحصيل العلمي‪ ،‬فيبكي الميع‪ ،‬وف القدمة منهم كاتب السطور الذي تتسارع دموعه ف اللحظة الت يتنحنح‬
‫با القارئ‪ ،‬قبل النطق بالبسلمة‪ .‬وهي لظة شعورية موروثة تستحضر رمم جدي‪ ،‬وعظام أخي‪ .‬وعباءة أمي‪،‬‬
‫وشجى الصوت بلحن الفاجعة‪ ،‬ويدٌ مقطوعة الصبع‪ ،‬وعمامة ممدية معلقة بوافر اليول‪ ،‬ومن بقي من أحفاد‬
‫الرسول ورؤوس على الرماح‪ ،‬وبنات النب سبايا فأين منهن عمر‪ ،‬وقراره الول ف اليوم الول من وليته بعد‬
‫وفاة أب بكر بنع سب العرب وإطلق نسائهم وإن كانوا من أهل الردة‪.‬‬
‫وقد قال المام السي لعبد ال بن عمر الذي طالبه بعدم الذهاب إل العراق‪ ،‬ومقاتلة الليفة الموي ف الشام‪:‬‬
‫لو كان أبوك معنا لنصرنا‪ .‬لكن الروزخون يتعامى عن هذا النص‪ ،‬فيشتط به الجلسي إل عمر بن الطاب ليكون هو‬
‫خصم السي وعدوه‪ ،‬فيستقر كلمه ف أذهان التباع والريدين والاضرين‪ ،‬وكأن حقائقه ل ينفيها إ ّل قتلة المام‬
‫السي‪.‬‬
‫وف تطور متوقع‪ ،‬حدث انعطاف ف اتاهات النب السين‪ ،‬الذي اعتله مفكرون ومؤرخون وكان رائدهم‬
‫الشيخ الدكتور أحد الوائلي خريج جامعة النجف وجامعة القاهرة والفقيه الؤرخ والديب الشاعر ول يعد الجلس‬
‫السين دعوةً للبكاء واستخداما غي مفيد لحداث التاريخ‪.‬‬
‫تشريع قانون لسب عمر‪:‬‬
‫وف النهج الصفوي‪ ،‬يوز لفقيه صغي الروج على مرجع اكب‪ ،‬وتفنيد رأي له أو خب‪ ،‬إذا تعلق المر بنفي‬
‫فضيلة وإبطال رواية تورط الرجع بذكرها والستفاد منها (أبناء العامة)‪ ،‬وسيكون المهور مع الفقيه الصغي ضد‬
‫الرجع الكبي‪.‬‬
‫وهذا ما حدث مؤخرا للمفكر والرجع السلمي السيد ممد حسي فضل ال‪ ،‬الذي شكك ف رواية هجوم‬
‫عمر على بيت المام علي وكسر ضلع الزهراء‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫إن الشيخ ممد جيل حود يكتب ف هذا التأسيس القدي‪ ،‬فيقول‪" :‬لكبار ول سلطي ول فقهاء أمام تراب‬
‫أقدام آل ممد "‪ .‬ول يكن هؤلء الكبار والسلطي والفقهاء ف حقيقة المر إل من مريدي هذا التراب الطاهر‪ ،‬لكن‬
‫الشيخ حود كان بصدد إبطال رواية تدثت عن حصول زواج عمر من بنت المام علي بن أب طالب‪.‬‬
‫إن وحدة القياس ف النهج الصفوي تتصل عند فحص الرواية بدى قوتا لحداث نوع من النشقاق‪ ،‬وقدرتا على‬
‫ترويع الطرف السلمي الخر‪ .‬وعندما يقول المام جعفر الصادق‪ " :‬إننا نبأ إل ال من يسب أبا بكر وعمر" فهي رواية‬
‫غي معترف با‪ ،‬وليس فيها رشاد لنا ما يوافق العامة‪.‬‬
‫وكان الشاه الصفوي قد وجه مبعوثي إل فقهاء النجف وجبل عامل لللتحاق به‪ ،‬وأرسل الدايا الثمينة‪،‬‬
‫فاستجاب لدعوته الشيخ علي الكركي‪ ،‬وهو من أهال قرية (كرك نوح) ف بعلبك بلبنان‪ ،‬وكان عند استدعائه يسكن‬
‫النجف‪ ،‬ورفضها فقيه آخر كان يقيم معه ف النجف‪ ،‬ويناظره ف الرتبة العلمية‪ ،‬وهو الشيخ إبراهيم القطيفي‪ -‬من‬
‫أهال القطيف والحساء ذ ورفض هدية الشاه‪ ،‬وحرم على الشاه أخذ الراج من الناس واعتبه غصبا‪.‬‬
‫يقول على الوردي‪ :‬إن الشيخ على الكركي أفرط ف تأييد مستحدثات الدولة الصفوية‪ ،‬بيث وافق على أمور ل‬
‫يوز ف الشرع الوافقة عليها كلها أو بعضها ذ ولعل هذا هو الذي جعل الصوم ذ خصوم التاه الصفوي ذ يطلقون‬
‫على الكركي لقب مترع الشيعة‪.‬‬
‫ومن مترعاته‪ ،‬رسالة فقهية قدمت السوغات الشرعية لسب عمر بن الطاب وأب بكر‪ ،‬بعنوان نفحات اللهوت‬
‫ف لعن البت والطاغوت‪ ..‬ول يكن البت والطاغوت ف عرفه سوى عمر بن الطاب‪.‬‬
‫إن الدال الشديد الذي نشب بي الكركي والقطيفي أدى إل انقسام علماء الشيعة ف حينه إل فريقي متنازعي‪،‬‬
‫ل حت انتهى بانتصار الكركي وأتباعه كما يقول الوردي وليس من الصعب اكتشاف‬
‫ولكن هذا النقسام ل يدم طوي ً‬
‫السبب الذي أدى إل هذا النتصار‪ ،‬وهو متوقع وينسجم مع طبيعة الياة الجتماعية‪ ،‬فالدولة با لديها من أموال‬
‫ومناصب مغرية قادرة أن تقوي جانب العلماء الذين يؤيدونا وتضعف جانب الذين يعارضونا‪.‬‬
‫ول تتراجع السيادة الصفوية وسيطرة مناهجها‪ ،‬على اتاهات البحث العلمي وقواعد الحتجاج التاريي‪ ،‬منذ‬
‫ذلك الوقت من عام ‪ 1530‬إل أيامنا هذه‪ ،‬ول يعد منهج الشيخ إبراهيم القطيفي معروفا ف تلك الوساط‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫وكان عمر بن الطاب ضحية هذا النتصار الؤسف‪ ،‬ولينبغي إغلق هذا اللف قبل الشادة بدور المام السيد‬
‫مسن المي العاملي‪ ،‬الذي كانت موسوعته أعيان الشيعة وكتاباته الخرى الصدر العتمد ف تسجيل تلك الحداث‬
‫ومنه أخذ الدكتور علي الوردي العلومات الاصة بذلك الصراع‪.‬‬
‫الجلسي رائدا‪:‬‬
‫يقول علي الوردي ف كتابه لحات اجتماعية من تاريخ العراق ذ الزء الول‪:‬‬
‫إن الل ممد باقر الجلسي الذي توف ف عام ‪ 1699‬كان شديد التعصب لعقيدته‪ ،‬وقد أغرى الدولة باضطهاد‬
‫جيع الخالفي‪ ،‬الذين كانوا موجودين ف داخل الدود اليرانية‪ ،‬وقد أوقف الشاه الصفوي بعض أملكه الاصة ف‬
‫سبيل نسخ كتابه بار النوار‪ ،‬الذي يقع ف (‪ )25‬جزء وتوفيه للطلبة‪.‬‬
‫ويُعد (بار النوار) أضخم كتاب لدى الشيعة‪ ،‬وف رأي بعض الباحثي والكلم للوردي أن الجلسي أساء‬
‫للتشيع بذا الكتاب أكثر ما نفعه‪ ،‬فهو قد جع فيه كل ما عثر عليه من الخبار والقصص والساطي‪ ،‬ل فرق بي‬
‫الغث والسمي منها‪ ،‬ث وضعها ف متناول كل من يريد الغتراف منها‪ ،‬وجاء بعدئذ قرّاء التعزية وخطباء النابر‬
‫فصاروا يأخذون منه ما يروق لم وبذا ملوا أذهان الناس بالغلو والرافة وجعلوهم يلقون ف عال من الوهام‪ .‬وقد‬
‫تبنت الدولة القاجارية هي الخرى هذا الكتاب‪ ،‬فكان أول الؤلفات الت طبعت بعد دخول الطبعة الجرية ف إيران‪،‬‬
‫وقد وردت إل العراق منه نسخ كثية ما أدى إل انتشار معلوماته الغثة ف أوساط الشعب العراقي على منوال ما‬
‫حدث ف إيران‪.‬‬
‫ولك أن تتزل خسي كتابا صدر لماعة " الستبصرين " بكونا استنسخت الكثي من تلك العلومات ف الكتب الت‬
‫صدرت لؤلء التحولي‪.‬‬
‫وكان المام المين قد أوقف طباعة أجزاء من موسوعة البحار حرصا على وحدة السلمي‪ ،‬وحفظ الجيال‬
‫الديدة من تسرب تلك العلومات اليها‪.‬‬
‫والجلسي متخصص ف روايات التشهي بعمر بن الطاب‪ ،‬حيث يكن ر ّد ما يتداوله العلميون والتعلمون‬
‫والتحدثون وبعض الفقهاء من معلومات حول عمر إل مصادر الجلسي‪.‬‬
‫ويشترك مع الجلسي مؤرخ موسوعي آخر هو السيد البوجردي الكاظمين ف كتابه جواهر الولية‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫يقول علي شريعت ف كتابه التشيع العلوي والتشيع الصفوي‪ ،‬إن الجلسي‪ ،‬وهو أبرز وجوه التشيع الصفوي‪،‬‬
‫يرسم للمام السجاد صورة أعتقد أن أعداء آل علي الذين نصبوا لم السيف يجلون من نسبتها إليه‪ .‬فإن العزة‬
‫والوقار واليبة واليها صفات معروفة لبن هاشم لتنكرها حت الاهلية‪ ،‬وإن الجلسي ينقل أخبارا مثية للغثيان!‪.‬‬
‫إن علي شريعت يشك ف علمية الجلسي‪ ،‬ويسخر من رواياته ويقدم نوذجا لا قصة زواج المام السي من‬
‫ابنة كسرى يزدجرد‪.‬‬
‫إفحام الفحول‪ :‬الشيخ ممد جيل حود‬
‫توشجت العلقات بي عمر والمام علي بعد وفاة أب بكر‪ ،‬واستمرت ف التلحم والتفاهم إل الد الذي يدفعنا لعل‬
‫ولية عمر بن الطاب حكما مشتركا مع المام علي‪.‬‬
‫وكان عمر حريصا على تطور وتطوير تلك العلقة‪ ،‬فلم يدث بينهما ما يعكرها إل ف ميلة رواة القطيعة ومن‬
‫يتلذذ ويستأنس العيش ف توم اللف‪.‬‬
‫كان عمر يسعى لن يرحل عن الدنيا وله نسب وسبب مع رسول ال‪ ،‬إذ ل يوفق ال ابنته حفصة زوجة النب‬
‫(ص) سبالناب وحديثه كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إل سبب ونسب يغري عمر وبقية الصحابة ف مصاهرة‬
‫بن هاشم‪ ،‬ول يكن للرسول إل فاطمة‪ ،‬ول يكن للزهراء سوى بنت غي متزوجة أم كلثوم‪ ،‬وهي آخر حفيدة لرسول‬
‫ال‪ ،‬وأم كلثوم كانت ماتزال يافعة‪ ،‬وقد اختلف ف عمرها عند طلب عمر الزواج منها كما اختلف ف عمر عائشة ف‬
‫سنة زواجها بالرسول (ص)‪ ،‬وأنبت أم كلثوم لعمر ابنا اساه زيدا تيمنا باسم أحب أشقائه إليه زيد بن الطاب‪ .‬غي‬
‫أن العاملي ف مدرسة النشقاق قد ساءهم أن يكون لعلي وعمر حفيد مشترك وأن يصبح مقام أم كلثوم عند عمر‬
‫كمقام عائشة عند النب (ص) حبا ودل ًل ومصاهرة‪.‬‬
‫إن روايات أهل البيت ل تنف حصول الزواج‪ ،‬فكيف يتصرف منهج القطيعة مع خب مرفوع عن الئمة؟‪.‬‬
‫هنا يتدخل منطق النشقاق فتقحم روايات‪ ،‬إما باعتبار الزواج اغتصابا أو تديدا أو أنه ل يصل أساسا‪ ،‬وأن ال‬
‫بعث إل عمر كما يقول الجلسي ف (بار النوار) جنية تشبهها فيما ت إخفاء أم كلثوم عن النظار حت وفاة عمر‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫حول هذه القضية‪ ،‬كتب العلمة اللبنان الشيخ ممد جيل حود رسالة بعنوان (افحام الفحول) ف شبهة تزويج‬
‫عمر بأم كلثوم صدرت عن مركز الفكر ف بيوت عام ‪ ،2003‬ونفذت طبعتها الول ف عشرين يوما والت بي‬
‫أيدينا هي الطبعة الثانية الصادرة ف العام نفسه‪.‬‬
‫ولن خب الزواج‪ ،‬متواتر عند أهل البيت‪ ،‬فقد استعان الشيخ حود بقولة ابن حنظلة‪ ،‬وقد توفر له خب بنفي‬
‫حصول الزواج‪ ،‬وباعتبار أن أهل السنة من يوافقهم خب الزواج ل نفيه واستنادا إل الب النسوب إل المام الصادق‬
‫(إذ ورد عليكم حديثان متلفان فخذوا با خالف القوم) فقد أخذ الشيخ بب عدم حصول الزواج‪.‬‬
‫ولياد مسوغ آخر لناقشة خب حصول الزواج‪ ،‬أن ال سبحانه وتعال قد أرسل جنية من أهل نران يهودية‬
‫يقال لا سحيقة بنت جريرة فأمرها فتمثلت بثال أم كلثوم‪ ،‬وحجبت البصار عن أم كلثوم‪ ،‬وبعث با إل عمر‪ ،‬فلم‬
‫تزل عنده حت أنه استراب با يوما‪ ،‬فقال‪ :‬ما ف الرض أهل بيت أسحر من بن هاشم‪.‬‬
‫ث أراد أن يظهر ذلك للناس‪ ،‬فقتل وانصرفت النية إل نران‪ ،‬واظهر أمي الؤمني المام علي أم كلثوم‪.‬‬
‫ويقول الشيخ الجلسي‪ :‬إن هذا ليدل على وقوع تزويج أم كلثوم (رض) من (اللعون النافق)‪ ،‬وكان فقيه‬
‫عراقي معاصر هو السيد علي اليلن قد استنكر هذا الب لنه يشتمل على ما ل يصدقه الناس فهوجم السيد اليلن‬
‫لصال الشيخ ممد باقر الجلسي وجاعته‪.‬‬
‫ويروي الشيخ حود ما تسمى حسنة زرارة‪ ،‬إذ ينسب للمام الصادق قوله با يشي إل حصول الغصب ف‬
‫الزواج واجل ًل لقام المام أحجمنا عن إيراد نص الب لا يتضمنه من إساءة بالغة للمام ومقام المامة‪.‬‬
‫أبو لؤلؤة رضي ال عنه‬
‫يقول الشيخ ممد جيل حود‪ :‬إن عمر بن الطاب هدد المام علي بقطع يده بعد اتامه بالسرقة إن ل يوافق على‬
‫تزويه من أم كلثوم‪ ،‬وينسب كلمه هذا إل رواة ثقاة ف مدرسة أهل البيت وأن عمر كان يسعى لهانة المام علي‬
‫باهانة عرضه وتقيه وتوهينه بالدوس على كرامته‪ ،‬وهو أي المام علي مكتوف اليدي تكبله وصية رسول ال بعدم‬
‫جهاد عصابة النفاق‪ .‬ولنه أي عمر ماكر خبيث‪ ،‬فإن إصراره على الزواج كان يفي وراءه حقدا دفينا على أمي‬
‫الؤمني علي بن أب طالب‪ .‬من هنا ارتأى أن يقهر كرامته بوطء عرضه الغال والقدس‪ ،‬لكن يد الغيب الطاهرة كانت‬

‫‪151‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫له بالرصاد فكانت طعنات نافذة من أب لؤلؤة (رض) فأودت بياة من أراد التطاول على شرف الرتضى قبل أن‬
‫يتمكن من أن يتبع خطوته الول بأي خطوة أخرى‪.‬‬
‫ويستكمل صاحب إفحام الفحول مناقشته لنفي زواج عمر من أم كلثوم أن المام علي قد وكلّ العباس عم‬
‫النب (ص) بهمة قتل عمر إن أصّر على الزواج‪ ،‬كما أنه من القطوع به أن المام علي كان يعلم بدنو قتل عمر‬
‫بواسطة أب لؤلؤة إن ل يكن قتله إياء منه‪ .‬وكل هذه الحتمالت صحيحة‪.‬‬
‫إن كتاب إفحام الفحول هو النموذج الخي التكامل الوانب للمنهج االذي ل يتأخر عن جعل المام علي كما‬
‫ل ومهانا بل ومهددا بقطع يده‪ ،‬كما لو كان طفلً يتلعب بشيئة خاطف متمرس بالقتل ‪،‬‬
‫يقول صاحب الكتاب ذلي ً‬
‫مقابل أن ل يتحدث التاريخ عن وشيجة إنسانية وشرعية بي اثني من الصحابة الحمديي‪ ،‬ويستخدم خبا على لسان‬
‫المام الصادق تستنكف من تدوينه ملت النس الشاعة ف بيوت‪ ،‬لكن ما ل يكن ف بال عرب ومسلم ومستشرق‬
‫ومؤرخ وقارئ سية أن يردف أحد القتلة بعبارة رضي ال عنه الاصة بالصحابة الوائل والولياء الطهار‪.‬‬
‫ولكي يبعد هذا النهج عليا عن عمر بنفي حصول الزواج‪ ،‬يقدم الشيخ حود شهادة مكتوبة ضد المام علي بن‬
‫أب طالب بأنه هو الذي أوصى لب لؤلؤة بقتل عمر‪ ،‬وهو ما ل تقله منابر التشهي السبعي ألفا الت نشرها المويون‬
‫لشتم المام علي والطعن به‪.‬‬
‫موقف الدولة اليرانية حاليا‪:‬‬
‫حلت كتاب افحام الفحول إل مسؤول كبي جدا ف المهورية السلمية اليرانية وفقيه من مساعدي السيد‬
‫المام الامنئي‪ .‬وأشرت إل مسؤولية المهورية السلمية عن صدور مثل هذه الكتب والواقف‪ ،‬الت توسع‬
‫الفجوة بينها وبي السلمي‪ ،‬واستغربت أن يترضى عال دين مسلم على قاتل مثل أب لؤلؤة وهو موسي‪ ،‬واقترحت‬
‫أن يوصل رأيي هذا إل ساحة المام الامئن‪ ،‬ودعوت إل تشكيل هيئة شيعية عليا لفحص الطبوعات التاريية‪،‬‬
‫أسوة با هو موجود ف الزهر الشريف‪ ،‬صونا لكرامة الئمة واحتراما لتاريخ السلم وحفظا لوحدة السلمي‪،‬‬
‫وكانت الفاجأة بعد أن أصغى إلّ الرجل باهتمام قوله‪ :‬إنّ هناك روايات متوفرة لدى رواة أهل البيت أن الذي قتل‬
‫ف الدينة بعد مقتل عمر هو ليس أبا لؤلؤة‪ ،‬الذي تكن من الرب والوصول إل إيران وسألته‪ :‬وهل هذا يعن أن ما‬

‫‪152‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫يقال عن وجود قب يزار لب لؤلؤة ف إيران صحيح‪ ،‬وهو عندي من الدسوس على اليرانيي؟‪ .‬قال السؤول‬
‫الفقيه‪ :‬نعم‪.‬‬
‫السيد كاظم القزوين‪ :‬المام علي جليس البيت‬
‫ليس من الصعوبة أن نعثر على مكان وجود المام علي ف الفترة الت غيّب عنها ف مصادر القطيعة‪.‬‬
‫يُجيبنا العلّمة الطيب السيد ممد كاظم القزوين على هذا التساؤل ف كتابه الرائج (المام علي من الهد إل‬
‫ل وقد وضع عنوانا لفصل من كتابه هو‪ :‬المام علي (ع) جليس‬
‫اللحد) منشورات مؤسسة النور بيوت ‪ / 1993‬قائ ً‬
‫البيت‪ :‬جاء فيه (حديثنا الليلة حول الفترة الت انقضت على أمي الؤمني (ع) وهو جليس البيت‪ ،‬مسلوب‬
‫المكانيات‪ ،‬وقد ابتدأت تلك الفترة من يوم وفاة رسول ال (ص) واستيلء أب بكر على مسند الكم‪ ,‬ولّا انقضت‬
‫أيام أب بكر‪ ،‬أوصى من بعده إل عمر بن الطاب وكانت أيام حكمه عشر سنوات وشهورا‪ ،‬ولّا طعن وأحسّ بالوفاة‪,‬‬
‫جعل اللفة شورى ورشح ستةً من الصحابة وأمرهم أن ينتخبوا واحدا من أنفسهم)ـ‪.‬‬
‫انتهى نص العلمة القزوين فشرع يروي أحداث الشورى‪ ،‬حيث ظهر فيها المام علي لول مرة على مسرح‬
‫الياة السياسية بعد أن أمضى ما يقارب ثلثة عشر عاما جليسَ البيت مسلوب المكانيات‪.‬‬
‫إن جواب على جواب العلمة ممد كاظم القزوين‪ ،‬سيظهر عليه شيء من ميول النياز الكبي للمام علي ما ل‬
‫أستطيع السيطرة عليه ف حالةٍ تعترين كلما صدمتن رواية وصفعن مشهد يزكم النفس‪ ،‬فتتضرى عبارت وتتوحش‬
‫آداب ومن سيمنع عن ذلك‪ ،‬وأنا العلوي الحب لبن قومي‪ ،‬وأهلي الذاب عنهم كيد خصومهم ومبيهم فأرى إمامي‬
‫الول ف معتكف الختيار‪ ،‬وأبو بكر يؤدب الرتدين ويعيدهم إل حيازة الدينة‪ ،‬وعمر يصول بي جرجان وطبستان‬
‫ويولُ ف إيلياء وف بيت ماله مرصعات التيجان؟‪.‬‬
‫كيف أسكت عن رواية تجر المام جليس بيت مسلوب المكانيات‪ ،‬ف أخطر مرحلة تأسيسية ف تاريخ السلم‪،‬‬
‫معزو ًل عن الشاركة ف الهاد‪ ،‬تاركا لغيه لواءه‪ ،‬فتدخل جيوش الفتح إل العراق‪ ،‬وتقيم البصرة والكوفة وتدخل الشام‬
‫وتفتح أبواب السكندرية‪ ،‬وبيد عمر مفاتيح بيت القدس‪ ،‬وتشاد الفسطاط والسلمون ف سواحل بر قزوين‪ ،‬فتقام على‬
‫س البيت مسلوب المكانيات‪ ،‬فيتحول العصوم إل معتصم ف عقر‬
‫ظاهر الشرق دول ٌة عظمى‪ ،‬وإمام السلمي الول جلي َ‬
‫داره‪ ،‬ول ياول السيد القزوين أن يكسر هذا العتصام ليُط ّل عليه لعل خبا يأتينا من داخل معتصمهِ‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫إن لوحة المام علي ف خطاب القطيعة هي دائما هكذا‪ ...‬رجل منكسر ونفس مطمة‪ ،‬مسلوب المكانيات‪ ،‬ل‬
‫يدافع عن نفسه ول يدفع عنه شر خصومه مد َة ثلثة عشر عاما‪ .‬ويتكرر مشهده كلما رغب صانع الطاب‬
‫باستخراج قيح الكراهية والبغضاء بي أب بكر وعمر فيجرده من عناصر القوة للستدلل على رواية يرج الفقيه منها‬
‫رابا جهوره الخدوع وإن خسر المام‪.‬‬
‫و إذا كان الناتج السلب حاصلً عن كون هذا الطاب مسوبا ف باب الغلو فهو ليس غلوا ف حب المام‪ ،‬وقد‬
‫كثر هذا اليل عند السلمي وتوزع على كافة الذاهب والدارس‪ ،‬وإنا يركز النهج على الغلو ف الكراهية‪.‬‬
‫إنه ل يغلو ف حب المام علي كما يغلو ف بغض عمر وكراهية الصحابة‪ ،‬ول بأس عنده وهو ممور بروح الكيد‬
‫أن تكون الرواية والرأي اللذان يستدل بما مسيئي للمام علي‪ ،‬كما يصل ف كتاب السيد ممد كاظم القزوين‬
‫وف كتب أخرى تعبيا عن هذا النهج‪.‬‬
‫وستُعرض علينا لوحات يؤخذ فيها الفارس‪ ،‬الذي ل يسر معركةً مكتوف اليدين مسلوب الركة ليغم على‬
‫بيعة أو أن عمر بن الطاب يغتصب بالقوة ابنته الصغرى من فاطمة ليتزوج منها‪.‬‬
‫وكمحب لهل البيت ومريد للمام علي الذي يتعرض تاريه للتشويه‪ ،‬أناشد السيد المام علي الامنئي من‬
‫موقعه‪ ،‬أن يؤسس هيئ ًة علميةً عُليا للنظر ف صلحية الكتاب التعلق بأهل البيت‪ ،‬وبتاريخ السلم عامةً‪ ،‬أسو ًة با عليه‬
‫مشيخة الزهر الشريف‪ ،‬وأسو ًة بالطاب الرسي ف الؤسسات اليرانية الرسية‪ ،‬الت تنع الساءة والتشهي وما يس‬
‫وحدة السلمي‪.‬‬
‫وإذ ل نطوي صفحة الخفاء غي النيه لذا القطع الساسي من تاريخ نشوء الدولة السلمية والسلم‪ ،‬نطل‬
‫على صفحة أخرى من الكيد والهال والغفال لعلي بن أب طالب ف روايات وكتب ودراسات تنشر ف هذه‬
‫الدرسة أو تلك‪ .‬إذ يصدم التابع أن بعض الصادر تتحدث ف قضايا تس مصائر المة‪ ،‬وأحداث ساخنة‪ ،‬فل ترى فيها‬
‫المام عليا حاضراًَ‪ ،‬وإذا ماحضر‪ ،‬فليس لك أن ترى اسه إلّ بكبة الروف‪.‬‬
‫إن مساحة الدينة وتعدادها السكان يعلن من غي العقول غياب شخصية بجم علي بن أب طالب عن أحداث‬
‫التاريخ‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ففي وفاة أب بكر استشار الليفة عددا من الصحابة ل يظهر علي بينهم‪ ،‬والليفة يتضر‪ ،‬ويستشي ف لظة مصيية تتعلق‬
‫بإمامة السلمي‪.‬‬
‫تقول تلك الصادر‪ :‬إن أبا بكر دعا عبد الرحن بن عوف‪ ،‬ث عثمان بن عفان‪ ،‬ث أُسيد بن خُضي‪ ،‬ث سعيد بن‬
‫زيد‪ ،‬وعددا من الهاجرين والنصار‪.‬‬
‫فإذا كان المام علي حاضراّ‪ ،‬فلربا أستعيضَ عن اسم حضوره‪ ،‬بملة عدد من الهاجرين والنصار‪!!..‬‬
‫وكان رأي من استشارهم أبو بكر واحدا ف عمر‪ ،‬إل طلحة بن عبيد ال الائف من شدته وغلظته‪.‬‬
‫إن هذه الرويات تكرس أمرين‪ ،‬مثلهما مثل خطباء القطيعة الذين يركزون ف كتاباتم على مقاطعة المام لب‬
‫بكر‪ ،‬أو أنا تؤكد للجانب الخر عدم أهية المام علي عند أب بكر وف تلك الالة فهناك غد ٌر وظلم يلتقيان ف‬
‫مشاهد مُدوّنة عند الفريقي‪ ،‬وهذا يدخل ف مذهب التنقيص‪.‬‬
‫ف ذات السياق فإن العلمة الشيخ علي الكوران أعاد النظر ف حقيقة اعتكاف المام علي بداره فيما السلمون‬
‫يفتحون المصار‪ ،‬فيقر بديث نقلته فضائية النوار (الشيعية) يوم ‪ 9/9/2006‬بأن المام علي هو فاتح بلد فارس‬
‫وأنه هو الذي أشار على عمر بذلك‪ ,‬وإن معظم تلمذته كانوا ف مقدمة جيوش الفتح (انتهى كلم الشيخ الكوران)‪.‬‬
‫وهذا الكلم خطوة متقدمة قد تعيد للمام علي دورا أنكره عليه مبوه والوالون له‪ ،‬وهو اعتراف ضمن وواضح‬
‫بأن عمر بن الطاب والمام علي كانا يشتركان ف الكثي من القرارات الستراتيجية()‪.‬‬
‫كسر ضلع الزهراء‬
‫يستند شارع القطيعة على رواية ل ينفها كثي من الؤرخي السلميي ف توجه عمر بن الطاب مع جع من‬
‫مؤيديه إل بيت المام علي‪ ,‬لخذ البيعة لب بكر ف يوم السقيفة‪ ،‬لكنها تتلف ف ما حصل عند الباب‪ ،‬وهل تسبب‬
‫ذلك ف كسر ضلع الزهراء وإسقاط جنينها مسن؟‬
‫ليس من منهج الكتاب الوض ف روايات اللف‪ ,‬والرواية تندرج ف هذا السياق‪ .‬وقد شكك با بعض الفقهاء‬
‫الشيعة‪ ،‬وجعلها الؤرخ الشيعي هاشم معروف السن واحدة من ثلث روايات أخرى ف تلك الادثة‪ ،‬وليس من‬
‫شك عندي أن عمر بن الطاب قد توجه ف ذلك اليوم الطي إل بيت المام علي‪ ،‬وليس من شك عندي أن فاطمة‬
‫الزهراء قد أسقطت جنينها بعد وفاة والدها‪ ,‬إنا الشك ف ربط هذا بذاك‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫إن حركة عمر ف هذه الرواية هي أقرب إل شخصيته وإل طريقته‪ ,‬ل سيما ف لظة تأسيسية لشروع الدولة بعد‬
‫رحيل قائدها ومؤسسها‪ ,‬وأن يتصرف عمر بعنفوانه العهود‪ ,‬وأن يدث شيء من الوار الساخن بينه وبي من كان‬
‫حاضرا ف بيت المام ومنهم الزبي بن العوام الذي تقترب شخصيته ف بعض جوانبها من عنفوان عمر‪,‬وان يكون‬
‫أحدها أو كلها قد شهر سيفه‪ ،‬فما موقع الزهراء ف ذلك الوار الطي؟‪.‬‬
‫ل استسلم بعد إل زج فاطمة الزهراء ف تلك الادثة‪ ،‬وليس معقولً ول لئقا أن تتحدث الرواية عن إسراعها إل‬
‫الباب ف تلك اللحظة‪.‬‬
‫إن الهابة والكانة والناسبة اعتبارات تنع وحيدة النب أن تقترب من الباب بي أفواج من رجال قريش‪ ،‬ومن‬
‫وضع الرواية تاهل حزن الزهراء‪ ،‬على فقد أبيها ووفاتا كمدا عليه ف روايات أبعدها زمنا ستة شهور‪ ،‬وتاهل‬
‫مهابتها فجعلها واحدة من التخاصمات ف يوم الزن وأحال إسقاط الني إل مصرع الباب بد ًل من أن يكون بسبب‬
‫مصرع والدها النب (ص) مثلً‪.‬‬
‫إن وفاة النب (ص) عند فاطمة الزهراء‪ ،‬كان سيجهضها دون سجال‪ .‬ولطالا أجهضت نساء لوفاة ابن أو زوج‬
‫أو أب‪ ،‬فكيف والسيدة هي فاطمة‪ .‬وكيف والفقيد نب ال الات‪ ،‬فلماذا يقلل من شأن رحيل النب(ص) ف رواية‬
‫الجهاض سوى أن يكون عمر هو التهم؟‪.‬‬
‫ل يكن من عادات العرب ر ّد الرأة على طارق الباب‪ ،‬وف البيت رجالٌ آخرون‪ ،‬ول يكن بيت علي قصرا من‬
‫تلك القصور العباسية ذات البواب والري والواري ف العصور الت كتبت فيها الرواية حت ترج امرأة لطارق‬
‫الباب‪ ،‬فهل يعقل أن تترك فاطمة حزنا القيم وفجيعتها الرّة لكي تفتح الباب أو ترج إليه؟‪.‬‬
‫ربا لحظت الرواية هذا الانب فاستعانت بالزهراء لتصد مع الرجال هجوم عمر‪.‬‬
‫وتقول‪ :‬إن الزهراء توجهت إل عمر وأخذته من تلبيبه‪ .‬وهذه فقرة ستكون الزهراء أج ّل وأعلى من أن تنسب‬
‫إليها ول نقترب من معالتها‪ ،‬وإن كان السؤال قائما‪ .‬إذ كيف تكنت الزهراء منه وهو طويل القامة وضخم‪ ،‬فهل‬
‫أراد صاحب الرواية ومروجها أن الزهراء قفزت عليه؟‪.‬‬
‫إن الرواية ل تتوقف عند شيء من أنفة الزهراء وعزتا وكبيائها وروحها الستشهادية‪ ،‬الت سجلت ف ألواح‬
‫الفداء‪ .‬وكأنا استشهدت طوعا بعد رحيل النب‪ .‬ول تكن امرأة ف بن هاشم‪ ،‬تنافس مكانا ومقامها وفضلها ف الزعامة‪،‬‬

‫‪156‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫لو أتيح للمرأة أن تتزعم ول يدث لفتاة ف ريعانا أن يدث موت أبيها رد فعل يودي بياتا‪ ،‬وإذا ما سحت مناهج‬
‫الدفاع عن أهل البيت بالساءة إليهم‪ ،‬إذا تعلق المر بالساءة إل عمر بن الطاب‪ ،‬وضعت فاطمة الزهراء على باب‬
‫الصومة وأجهضتها وراء الباب‪ ،‬فمرويات أخرى ف مناهج القطيعة تأخذ بالزهراء مع المام علي إل أقل من ذلك‪.‬‬
‫وتستشهد كتب القطيعة وآخرها كتاب (الواجهة مع رسول ال) للمحامي الردن أحد حسي يعقوب التحول للتشيع‪،‬‬
‫ل إل بيوت النصار‪،‬‬
‫إذ يكرس رواية لصاحب كتاب (المامة والسياسة) أن عليا حل فاطمة على حار‪ ،‬وسار با لي ً‬
‫يسألم النصرة وتسألم فاطمة النتصار‪ ،‬فكان النصار يقولون يا بنت رسول ال‪ .‬قد مضت بيعتنا لذا الرجل‪ .‬ولو أن‬
‫ابن عمك سبق إلينا أبا بكر ما عدلنا به‪.‬‬
‫وروي عن معاوية أنه أعاب على المام علي حل قعيدة بيته على حار‪ ،‬ويداه ف يدي السن والسي‪ ،‬يوم بويع‬
‫أبو بكر‪ ،‬فلم يدع (المام علي) أحدا من أهل بدر والسابقي‪ ،‬إل دعاه إل نفسه‪ ،‬ومشى إليهم بامرأته (وإدللت إليهم‬
‫بأبنيك فلم يبك منهم إل أربعة أو خسة)‪ .‬وقد ورد كلم معاوية هذا ف شرح نج البلغة لبن أب الديد‪.‬‬
‫وبذه السهولة يفترى على المام علي‪ .‬وترسم عنه لوحة تقشعر لا البدان‪ .‬وكلتا الروايتي ل تدثا‪ ،‬فل علي‬
‫يسمح لنفسه طارقا البواب ف الليل على حار‪ ،‬ومعه الفجوعة برحيل والدها‪ ،‬وليس لعاوية أن يستشهد با ل يكن‬
‫معروفا آنذاك‪.‬‬
‫إن التباع يفخرون عادةً بشعبية زعمائهم‪ ،‬وكثرة جهورهم‪ ،‬لكن روايات القطيعة تعل المام عليا دائما وحده‪.‬‬
‫وهكذا كان وحدهم جيع الئمة‪ ،‬فلم يستجب حت النصار لعلي‪ ،‬أما فاطمة ف هذه الرواية‪ ،‬فهي الغلوبة الكسية‬
‫الت تسترحم عطف الناس ول من ميب‪.‬‬
‫وإذا كانت ف الرواية الول‪ ،‬قد سارعت إل طارق الباب‪ ،‬ففي الرواية الثانية كانت هي الت تطرق البواب‪.‬‬
‫فأين منها الزن الذي قتلها بعد أشهر؟‪ .‬وأين الني القتيل الذي أجهضه عمر بن الطاب قبل ساعات؟ وفاطمة‬
‫ف ذات الليلة تركب مع علي حارا‪ .‬وتطرق أبواب النصار؟‪.‬‬
‫وتعود ذات الرواية النسوبة لبن قتيبة() ف المامة والسياسة‪ ،‬على لسان اليعقوب‪ ،‬ف تاريه ويضيف ابن قتيبة‪ ،‬أن عمر‬
‫هدد عليا بالقتل أمام الهاجرين والنصار‪ .‬ول يركوا ساكنا‪ ،‬ول ينكر منهم منكر‪ .‬فأضفت الرواية على النصار ما تضفيه‬
‫الروايات على أهل الكوفة الذين ل ينتصروا للمام السي فيما التداول التاريي أن النصار كانوا أقرب إل المام من قريش‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫التنافس على قصور الكوثرية ف النة‪:‬‬
‫كتب الفقيه السيد ممد رضا الندي‪ ،‬وهو من علماء النجف‪ ،‬قصيدته على زنة الية الكرية‪ ،‬إنا أعطيناك‬
‫الكوثر‪ ،‬وسيت فعلً بالكوثرية الت هي الن وبعد أكثر من سبعي عاما على نشرها مطلوبة ومقروءة ولا شعبية‬
‫وقدسية‪.‬‬
‫والسيد ممد رضا الندي عاش تقيا ورعا‪ ،‬لكنه أهال العاصي على نفسه ف هذه القصيدة‪ ،‬فأغرقها ف خرة ل‬
‫يذقها‪ ،‬وكسرها بعود ل يسمعه‪ ،‬ودعا الناس للمعاقرة والراقصة والعاشرة‪ ،‬لكي يقول لم‪ ،‬إن هذه العاصي والوبقات‬
‫والكبائر لن تُسألوا عنها إذا ما اعترفتم بولية المام علي‪ ،‬الذي جيع (الصوم الناوئي) له لن يساووا نعلي خادمه‬
‫الرحوم قنب‪.‬‬
‫وعندما اطلع عليها الفقيه الؤرخ العلمة المين صاحب الغدير أشهر موسوعة إمامية رأى ف منامه أن قصره ف‬
‫النة أصغر من قصر صاحب الكوثرية‪ ،‬فأحتج العلمة المين على الوكلي ف النة‪ ،‬كيف يكون ذلك؟‪ .‬وكتاب‬
‫الغدير أحد عشر ملدا وكان تعب عليه لدة عشرين سنة متواصلة؟‪ .‬فأجابه الوكلون‪ :‬هكذا كان الكم اللي!‪.‬‬
‫وعند الصباح‪ ،‬مضى المين لزيارة صاحب الكوثرية السيد ممد رضا الندي‪ ،‬وطلب منه استبدال ثواب‬
‫القصيدة الكوثرية بثواب كتاب الغدير فرفض السيد الندي‪ ،‬وقال له‪ :‬هيهات‪ ،‬هيهات‪ ،‬فإن منامك قد رأيته!‪.‬‬
‫لكن الشيخ عبد ال نعمة‪ ،‬رئيس الحكمة العفرية ف لبنان والفقيه الؤرخ الرموق يعدها ويعد قائلها من الغلة‪.‬‬
‫ف كتابه " روح التشيع" الصادر عن دار الفكر ف بيوت‪ .‬ول أظن الشيخ نعمة‪ ،‬وهو قاض ومؤرخ شيعي كبي‪،‬‬
‫يهل قائل البيتي اللذين استشهد بما على الغلو‪ ،‬أو أنه ل يعرف الكوثرية‪ .‬ولتعزيز موقفه الستدلل‪ ،‬استعرض‬
‫الشيخ نعمة الوقف الشرعي‪ ،‬ف روايات للمام علي زين العابدين‪ ،‬والمام الصادق‪ ،‬ف هذا النص النقول عن روح‬
‫التشيع‪:‬‬
‫" لكن هذه الرؤية قد تولت لدى بعض العوام ال ذهنية خاطئة‪ ،‬مغرقة ف النراف‪ ،‬بتأثي الغلة والتصوفة‪،‬‬
‫وسرت هذه الذهنية بسوء فهم لبعض تلك الحاديث‪ ،‬والخذ بظاهرها‪ ،‬وتفسيها على غي وجهها‪ .‬ويقوم هذا الفهم‬
‫الاطئ على أن مبة المام علي وأهل بيته هي الوسيلة الوحيدة لنيل رضا رب العالي‪ ،‬وللنجاة يوم الدين‪ ،‬دون حاجة‬

‫‪158‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫إل أي عمل صال‪ ،‬ول يضر من رزق هذه الحبة والولء ما يفعله من الوبقات والكبائر‪ ،‬مهما كانت‪ ،‬وانعكس هذا‬
‫الفهم الاطئ على قول بعض الغلة‪:‬‬
‫ل يـافَنّ عظيـم السـيئات‬ ‫كُ ّل من والـى عل ّي الرتضـى‬
‫سيئات اللق عادت حسـنات‬ ‫حبة الكسـي لـو ُذرّ علـى‬
‫ويبدو أن هذه الذهنية كانت سائدة عند بعضهم منذ القرن الثان الجري‪ ،‬فقد جاء ف رواية ممد بن مارد‪" :‬‬
‫قلت للمام الصادق‪ :‬حديث روي لنا أنك قلت‪ :‬إذا عرفت المام فاعمل ما شئت؟ فقال‪ :‬قد قلت ذلك‪ ،‬قال‪ :‬قلت‬
‫وإن زنوا أو سرقوا أو شربوا المر فقال ل‪ :‬إنا ل وإنا إليه راجعون‪ ،‬وال‪ ،‬ما أنصفونا أن نكون أخذنا بالعمل ووضع‬
‫عنهم‪ ،‬إنا قلت‪ :‬إذا عرفت فاعمل ما شئت من قليل الي‪ ،‬وكثيه فإنه يقبل منك "‪.‬‬
‫وأولئك قد اعتمدوا ظاهر بعض الحاديث دون أن يلقوا با ًل على الحاديث الخرى‪ ،‬الت تعل القياس لنيل رضا ال‬
‫والنجاة يوم الساب هو العمل الصال‪ ،‬منه قول المام الباقر‪ " :‬ل تنال ول يتنا إل بالعمل والورع "‪.‬‬
‫وقول المام علي بن السي وهو ياطب طاووس اليمان وقد رآه يطوف حول الكعبة ويتضرع ويبكي‪ ،‬فقال‬
‫له‪ :‬يا ابن رسول ال‪ ،‬ما هذا التضرع والبكاء؟ نن أول بذا‪ ،‬أما أنت فأبوك السي وأمك فاطمة وجدك رسول ال‪،‬‬
‫فنظر إليه زين العابدين وقال‪ " :‬هيهات هيهات ياطاووس‪ ،‬دع عنك حديث أب وأمي وجدي‪ ،‬خلق ال النة لن‬
‫أطاعه وأحسن‪ ،‬ولو كان عبدا حبشيا‪ ،‬وخلق النار لن عصاه ولو كان سيدا قرشيا‪ .‬أما سعت قوله تعال‪﴿ :‬فإذا نفخ‬
‫ف الصور فل أنساب بينهم يومئذ ول يتساءلون﴾ وال ل ينفعك غدا إل تقدمة تقدمها من عمل صال"‬
‫وقول رسول ال‪ ":‬يا فاطمة ابنة ممد اعملي‪ ،‬فإن ل أغن عنك من ال شيئا‪ ،‬يا عباس ياعم رسول ال اعمل‪،‬‬
‫فإن ل أغن عنك من ال شيئا‪ ،‬ث اقبل على الناس وقال‪ :‬أيها الناس‪ ،‬ل يدّعي مدعٍ ول يتمن متمنٍ‪ ،‬والذي بعثن‬
‫بالق نبيا ل ينجين إل عمل مع رحة‪ ،‬ولو عصيت لويت‪ ،‬اللهم هل بلغت قالا ثلثا "‪.‬‬
‫إن هذه الحاديث وغيها تفسر لنا تلك الحاديث الطلقة‪ ،‬بأن القياس الذي ننال به مرضاة ال والنجاة يوم‬
‫الدين هو العمل الصال‪ .‬فالب والوالة دون أتباع علي وأهل بيته ف أعمالم وورعهم وطاعتهم‪ ،‬ليس من الب‬
‫والوالة ف شيء‪ ،‬وال هذا العن يشي ال تبارك وتعال‪﴿ :‬قل إن كنتم تبون ال فاتبعون يببكم ال ويغفر لكم‬
‫ذنوبكم﴾ آل عمران‪31:‬‬

‫‪159‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫وكان الشيخ ممد هويدي قد حقق وأشرف على طبعة أنيقة من الكوثرية‪ ،‬والشيخ هويدي من فقراء شيوخ التشيع‬
‫وكادحيهم‪ ،‬فسألته عن حقوق النشر‪ ،‬فاستشهد بالية الكرية ‪ 23‬من سورة الشورى قال تعال‪:‬‬
‫﴿قل ل أسألكم عليه أجرا‪ ،‬إل الودة ف القرب ﴾‬
‫يقول السيد الندي‪:‬‬
‫وِ‪ ،‬فصـف ُو العيـش لن بكـر‬ ‫بَكّر للهو ونيل الصـفـ‬
‫س وخـلّ يسـارك للمزهـر‬ ‫و اشغل يناك بصب الكأ‬
‫ِد يعيـدُ اليـر وينفي الشـر‬ ‫فدمُ العنقود ولن العـو‬
‫وياطب المام علي‪:‬‬
‫وهل سـاووا نعـلي قنـب؟‪.‬‬ ‫أنّى سـاووك بن ناووك‬
‫وعمر ف الكوثرية هو حبتر‪ ،‬أي الثعلب الاكر‪.‬‬
‫أقول‪ :‬إذا كانت وحدة القياس‪ ،‬تتب الناس بدى كراهيتهم لعمر‪ ،‬فلن يكونوا مؤهلي للقب (مب أهل‬
‫البيت)‪ ،‬فوحدة القياس عند أهل البيت ترتبط بدى قدرة مبيهم على استيعاب منهجهم السلمي ف الوحدة‬
‫والتوحيد‪ ،‬وحاية الط‪ ،‬الذي اقتفاه أهل البيت الحمدي‪ .‬وعلي شريعت من منتقدي القصيدة الكوثرية‪ ،‬ويشي‬
‫إليها بالشارة إل مقطع مشهور فيها ذ سوّدت صحيفة أعمال فيقول ف كتابه التشيع العلوي والتشيع الصفوي‪:‬‬
‫قانون (يبدل ال سيئاتم حسنات) تفهمه الصفوية على هذا النوال‪:‬‬
‫إن سيئات النسان تتبدل يوم القيامة إل حسنات‪ ،‬وليس أنا تحى عنه فقط‪ .‬ومعن ذلك أن النسان يعتب مغفلً‬
‫للغاية إذا ل يسرف ف ارتكاب الذنوب‪ ،‬ول يسود صحيفة أعماله‪ ،‬إذ لن تكون لديه مادة وفية صالة لتبديلها إل‬
‫حسنات‪.‬‬
‫كيف يكن الحتيال على ال الذي ليغرب عنه مثقال ذرة ف الرض ول ف السماء‪ ،‬وإن كل شيء عنده إل‬
‫بقدار‪ ،‬كل ذلك على أساس قرآنه الذي يوجه لوما للنب العزيز(ص) لجرد أنه عبس وجهه ف وجه العمى الذي‬
‫زاحه‪ ،‬وهو عاكف على تبليغ رسالة السماءس‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫كيف يغفر ذات الله عن سيئات اللق‪...‬؟ ولاذا تضع الصفوية أبا الئمة‪ ،‬وفت السلم وشيخه وشهيده‪ ،‬شفيعا‬
‫للسكارى والعصاة ومرتكب الكبائر؟‪ .‬أيدخل هذا ف غلو الب‪ ،‬أم ف غلو الكراهية‪ ،‬والتعرض للكرامات العلوية‬
‫السامية؟‪.‬‬
‫يدث هذا عندما يسخّر الدين لهداف العنصر القوي ف مزيج ينتهي بسب عمر وخسارة علي‪.‬‬
‫يظهر من هذا أن ف مقابل أي فقيه ومؤرخ على النهج القطيعة‪ ،‬فقيها ومؤرخا على منهج التشيع العلوي‪ .‬ما‬
‫يبطل قول التقول بتعميم ما يصدر عن الفريق الصفوي‪ ،‬وكأنه لسان التشيع‪ ،‬وأن ما يكم به وما يرويه مقطوع به‬
‫عند عموم الشيعة‪.‬‬
‫إن تقسيم التشيع إل علوي وصفوي‪ ،‬رغم أنه يستخدم للتشهي العلمي بدافع سياسي ضد عامة الشيعة‪ ،‬فإنه‬
‫يدرأ الذى عن أهل البيت‪ .‬ويصد عن مبيهم كيد منهج قد ل ينل مرتبة عن الراتب الصفوية ف رفض الخر‬
‫وإلغائه‪ ،‬وقذفه بمم الفتوى إل حم جهنم‪ .‬فلماذا يتطي بعض الدعاة الشيعة من قسمة لتنيه أهل التشيع عن الوقوع‬
‫ف العزلة‪ ،‬وهم يوضون غمرات السياسة اليومية‪ ،‬ويتصارعون على الفضاء وعند أزقة بغداد وف أحياء كراتشي؟‪.‬‬
‫أما الكوثرية‪ ،‬فلم تعد ثنا لقصر العلمة الندي ف النة‪ ،‬والذي أثارت ضخامته احتجاج العلمة المين على الوكلي‬
‫لكون قصره هناك دون قصر صاحبها‪ .‬فهي اليوم موضع افتراق بي منهجي ومدرستي‪ ،‬وكلتاها تزاحم الخرى على‬
‫صدق النتماء‪ ،‬واستقامة النهج!‪.‬‬
‫ومن يدريك‪ ،‬فقد يكون قصري ف النة قد انتهى تشييده ف اليوم الذي انتهيت به من تشييد كتاب هذا عن عمر‬
‫بن الطاب‪ ،‬مادامت قصور النة مجوزة للشعراء والكتاب‪ .‬وإن كانت مشكلت أكب من صاحب الكوثرية‪ ،‬إذ‬
‫يرفض ابن حنتمة الوقوف على باب النة‪ ،‬لنه يرفض الشفاعة وليس من يرشى بكتاب‪ ،‬ولست من يرتضي لمامه‬
‫الول أن يقف شفيعا لمثال وإن كنت من أحفاده‪ ،‬يوم يعرف الجرمون بسيماهم‪.‬‬
‫القطيعة ستحاصر الشيعة العرب‬
‫وعلى سعة نفوذها الحكم على الؤسسة الدينية وسيطرتا على الذهن الشعب‪ ،‬ل يقدر لنظرية القطيعة أن تد لا صالة‬
‫أكاديية ومريدين متنورين ف الوسط الشيعي على القل ف مقاسات النخب النوعية‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫إن أكثر السـماء بريقا ف العراق وأحيانا ف البلدان العربية والسلمية تنتمي إل القول ببدأ الشـاركة‬
‫والتجـانس بي المامة واللفة ف العهد الراشد‪.‬‬
‫ففي الانب الشارك تلمع أساء ريادية ل ينافسها اسم ف مدرسة القطيعة‪ ،‬الت تبدو أكادييا شبه مهجورة ف‬
‫العراق ليس لغلبة النشاط السن الداعم والبشر بنظرية الشاركة‪ ،‬بل لعبقريات خرجت من مدن التشيع إل العالي‬
‫العرب والسلمي برؤية تنويرية رائدة‪.‬‬
‫فعسى أن نلملم شتاتنا لقيام مدرسة لوحدة الشاركة بأساتذتا وأتباعها وإنتاجها الفكري والعلمي‪ ،‬وبذا قد‬
‫نصون وحدة التاريخ العرب ونصون قبل ذلك حياة النتمي لدرسة أهل البيت‪ ،‬ونتسامى من حأة الكراهية والدماء إل‬
‫رحاب السلم الهلي‪ ،‬لسيما وأهل التشيع هم القلية ف ميطهم العرب‪ ،‬ومثل ذلك ف عالهم السلمي‪ ،‬بدل‬
‫الواجهة العلمية الت طالا تقود ف مرحلة تالية أصحابا إل سكاكي الذبح‪.‬‬
‫إن دعاة القطيعة ل يقتصر أداؤهم السلب على مرحلة ف التاريخ السلمي فحسب‪ ،‬بل أيضا على قطيعة‬
‫اجتماعية وسياسية وحياتية بشكل عام مع متمعنا العرب‪.‬‬
‫ومع ارتفاع وتية التحريض ف خطاب القطيعة ترتفع إجراءات القطيعة العربية لاملي هوية التشيع‪ ،‬فيصبح‬
‫الوسط الشيعي هو القاطَع والركون ف حجر العزلة‪.‬‬
‫وإذا كانت نظرية القطيعة قد أقامت ف إيران إمباطوريات كبى‪ ،‬وساهت ف إياد وحدة تقوم على التمذهب‬
‫القومي‪ ،‬فلن إيران عال خاص يعيش ف شبه قارة‪ ،‬لا عناصر قوة ل تتوفر لهل التشيع ف بلد آخر‪ .‬وليس ليران‬
‫مال حيوي غي بلد فارس‪ ،‬فيما الجال اليوي للشيعة العرب مفتوح على عال يتد من ثراء الليج وينتهي بثراء‬
‫الحيطات‪ ،‬وسيحول بي أبنائنا وحق الياة ف امتدادهم العرب‪ ،‬قول أبائهم بنظرية القطيعة ما يدفعن إل التصريح أن‬
‫نظرية الشاركة لتقف عند اندماج المام علي مع الدولة والحيط ف التاريخ السلمي الول‪ ،‬وإنا تدعو إل اندماج‬
‫بشري وقومي وإنسان واندماج الصال للمنحدرين من سللت شيعية مع متمعهم العرب‪ ،‬ومن دون ذلك فسيكون‬
‫عبور شيعي عراقي إل الليج كعبور الليجي السن إل جنوب العراق ف هذه اليام من أواخر عام ‪ .2006‬وهكذا‬
‫يتحد الرص على الصالة التاريية بالرص على الصلح الجتماعي مع الاضي والاضر‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫إن كتاب (أصل الشيعة وأصولا) للمام كاشف الغطاء ومهزلة العقل البشري لعلي الوردي وفصول من تاريخ‬
‫السلم لادي العلوي وشيء من هذه الحاولة هي جوازات مرور تترق جدران القطيعة‪ ،‬الت يستفاد منها ف إيران‬
‫لكنها ستضرب مصال الشيعة العرب أينما ولوّا وجوههم‪.‬‬
‫ل سينتبه إل أهيتها مثلما استيقظ العراقيون بعد الرب‬
‫وف منهج الوردي يكن عرض اللحظات التالية لعل جي ً‬
‫العراقية ذ اليرانية على صوت الوردي وعادوا يستنجدون بناهجه العلمية‪.‬‬
‫لقد أشاح الوردي عن التاريخ " ابراده القشب" وتدث إليه بثل ماتدث طه حسي وجها إل وجه‪ ،‬وأتاح ذلك‬
‫له التحاور النسان مع القدس‪ ،‬ووضع رجاله على طاولت التشريح الجتماعي العلمي باعتبارهم بشرا‪ ،‬وقد‬
‫استخرج من تاريخ الصراع الذهب الرويات الشتركة والاصة لبطال القائلي بنظرية القطيعة ليس فقط بي عمر‬
‫وعلي بل أعطى أمثلة ونصوصا لفقهاء الذاهب الربعة وميلهم لهل البيت‪ ،‬واستل الوردي عمر بن الطاب بهارة‬
‫وعفوية من امويته الخترعة‪ ،‬وعاد به إل الط الحمدي فأبطل مطروحات فقهاء اللف وأحالا إل عاملي‪:‬‬
‫صراع الصال الاصة‪ ،‬وعامل يتصل بطبيعة النفس البشرية وتعقيداتا‪ ،‬والتقط المتع والاذب من تاريخ‬
‫السلم‪ .‬فحبب إليه من ل تك ّن لم مصال ف القطيعة‪ ،‬بينما كان الفقهاء ورجال الدين من أوائل التطوعي لوضع‬
‫كتب ف الرد عليه‪ ،‬وأبرز من كتب ف نقد الوردي آية ال السيد مرتضى العسكري ورضا صادق و عبد النعم‬
‫الكاظمي وصال القزوين‪.‬‬

‫مـثـالب الـمسـتبصـريـن‬
‫رجال دين وكتاب سُــنّة تولوا‬
‫‪163‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫إل التشيّع ولُقبوا بالستبصرين‬

‫مثالب الستبصرين‬
‫هم كما ستعلم التحولون من التسنن إل التشيّع ف أعقاب الثورة السلمية ف إيران‪ ،‬من شكلوا ظاهرة‬
‫إعلمية أكثر منها فقهية‪ ،‬باستثناء نفر دفعته قناعاته السياسية‪ ،‬والوجدانية‪ ،‬إل التحول نو التشيّع أمثال السيد‬
‫علي البدري الستشيّع قبل الثورة اليرانية بسنوات‪ ،‬والسيد صائب عبد الميد‪ ،‬الذي انفجرت مواهبه الفكرية‬
‫والذهنية بعد استشيّاعه‪ ،‬وهو مهموم بدرء الذى الذي أوقعه بعض الفقهاء السلمي بسمعة التشيّع وسلمة‬
‫قصده‪ ،‬ف سياق الناظرات والراجعات‪ ،‬والتصويبات‪ ،‬بلغة الحاور السلمي وليس الداعية‪ ،‬وكلها من العراق‪،‬‬
‫ولبد أن آخرين كانوا من الصنف العتدل‪.‬‬
‫أما عامة الستبصرين الندرجي ف موسوعة الشيخ هشام آل قطيط‪ ،‬وتقع ف أكثر من ثلثة ألف صفحة‪،‬‬
‫لسيما من أسرع ف " استبصاره " ودبّج الكتب والذكرات‪ ،‬فهم يتفقون على ما اتفق عليه روزخونية النابر ف‬
‫الدرجة الرابعة‪ ،‬من عناية واهتمام وشراسة ورغبة ف استجماع روايات وأساطي لنتاج الثالب وصبها على عمر‬
‫بن الطاب أولً‪ ،‬وكأنم حلقة حزبية توزع عليها التعاميم والتعاليم والتوجيهات‪ ،‬فينطق أعضاؤها بفردة واحدة‪،‬‬
‫وعلى نج واحد‪ ،‬يتكرر ويتكور ويدور عليهم مثلما تدور القداح على الفواه ف مالس الشراب‪ ،‬فيخيل إليك‬
‫أن صاحب الجلس هو الجلسي‪ .‬وأن الساقي واحد والشراب العتق ف دنّ الشاعر الباكستان ممد إقبال‪ ،‬لكن‬
‫خرة إقبال غي خرتم!‪.‬‬
‫كَرمُ الجاز ونبعِها الغينان‬ ‫أنـا أعجمي الد ّن لكن خرت‬
‫إن هذا الصوت من عدنان‬ ‫إن كان ل ن َغمُ النود ولنهم‬
‫روزه خون السوربون‪:‬‬
‫عمر ضال‪ ...‬وجاهل‪ ...‬ومعارض للسلم!‬
‫هو التونسي ممد التيجان السماوي‪ ،‬دكتوراه فلسفة من السوربون‪ ،‬كتب قصة استشياعه‪ ،‬تت عنوان " ث‬
‫اهتديت " وكتابا آخر‪ ،‬هو " الشيعة هم أهل السنة"‪ .‬وقد اختار فيه اثن عشر صحابيا بينهم صحابية واحدة هي عائشة‪،‬‬
‫‪164‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ل ف مقابلة عددية‪ ،‬مع الئمة الثن عشر‪ ،‬وكأنه يفتح ملف الفساد لجلس وزراء عرب معاصر‪ ،‬أو‬
‫وهو يرسم تشكي ً‬
‫لجلس إدارة نادي ليلي‪ ،‬بلغة الفضائح والتشهي‪ ،‬والرجل ف هذا النهج ما كان سيبذل العناء والتعب ف دراسة‬
‫السوربون‪ ،‬وكان يكفيه كثيا أن يتتلمذ على شيخ ناشئ‪ ،‬وروزخون شاب من قراء الساطي والناتج الطلوب هو ذاته‪،‬‬
‫واللغة ذاتا‪ ،‬والسطورة الحشوة ف صواوين مسامعنا ف طفولة الكرادة‪ ،‬ستغنيه عن عِلم السوربون ولغتها‪ ،‬وستزوده‬
‫بثالب يتطلع الرجل لتسويقها‪.‬‬
‫وأقول بياد السؤولية‪ ،‬إن الدكتور التيجان يتلك القدر الكبي من الهلية العلمية ليبسط حصران النخيل ف‬
‫ل من رجال النب صلى ال عليه وسلم‪ ،‬إل جانب اثن عشر إماما من أهل‬
‫مسجد حسين‪ .‬ويستدعي اثن عشر رج ً‬
‫بيته‪ ،‬ويستل الشتركات من طبقات ابن سعد وسية ابن هشام‪ ،‬وتواريخ الطبي والبلذري واليعقوب والصبهان‬
‫والسعودي وسواهم‪ ،‬فتتوفر له مستخرجات إسلمية ف كتاب حاضن ومضون‪ ،‬بد ًل من تقمص دور مكرر ومل‬
‫وساذج وعدوان‪ ،‬وانشقاقي‪ ،‬سبقه إليه مئات من قراء " بار النوار " الذي منع المام المين‪ ،‬فقيه التشيّع‪ ،‬نشر‬
‫بضعة أجزاء منه لقلة علميتها وكثرة عدوانيتها‪ ،‬وهي الت اعتمدها التيجان والستبصرون معه‪.‬‬
‫وإذا كان الدكتور التيجان يتطلع إل فقه التشيّع‪ ،‬الشبع بروح الثورة والحتجاج على الظلم‪ ،‬والدفاع عن روح‬
‫السلم‪ ،‬فأمامه متسع من العنواني القصودة‪ ،‬وإذا كان معجبا مثلي بتشيّع المام المين‪ ،‬فالرجل مُعرّف بكتبه‬
‫وأقواله‪ ،‬أما تشيّعه فسرّه عند تلميذه الشهيد الدكتور علي شريعت‪ ،‬وكتبه منشورة وأفكاره قيد السجال العلمي ف‬
‫حسينيات ومساجد أصفهان وخراسان وطهران‪.‬‬
‫ومن بي الصحابة الثن عشر‪ ،‬جرى التركيز على " مثالب عمر " خاصة وذلك يعنينا‪ ،‬منهجيا على القل‪.‬‬
‫الثالب التيجانية !‬
‫ويأت الدكتور التيجان على قائمة الخالفات الوزعة على الراكز العلمية والعلمية منذ عشرة قرون‪ ،‬فيلوكها‬
‫الناس وهو ليدري أنه آخر من اطلع على نسخة منها‪ ،‬فلدى أي روزه خون‪ ،‬ما هو أكثر‪ ،‬لكن الرجل وعدنا أنه‬
‫سيوجز مالفات عمر‪ ،‬لنا لتصى إل ف كتاب‪ ،‬ولعل الكتاب إياه قد صدر له أو لغيه‪ ،‬بعنوان مساوئ عمر بن‬
‫الطاب‪.‬‬
‫يقول التيجان ف كتابه الشيعة هم أهل السنة‪:‬‬
‫‪165‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫عرفنا ف أباث سابقة من كتبنا بأن عمر كان بطل العارضة للسنة النبوية الشريفة‪ ،‬وأنه الريء الذي قال‪ :‬إن‬
‫رسول ال يهجر وحسبنا كتاب ال يكفينا‪ ،‬وحسب قول الرسول الذي ل ينطق عن الوى‪ ،‬فإن عمر هو الذي تسبب‬
‫ف ضللة من ضل ف هذه المة‪.‬‬
‫وعرفنا بأنه عمل على إهانة الزهراء وإيذائها‪َ ،‬ف َروّعَها وأدخل الرعب عليها وعلى صغارها عندما هجم على‬
‫بيتها وهدد برقها‪.‬‬
‫وعرفنا بأنه عمل على جع كل ما كتب من السنة النبوية‪ ،‬فأحرقها ومنع الناس من التحدث بأحاديث النب‬
‫(ص)‪.‬‬
‫وقد خالف عمر سنّة النب (ص) ف كل أدوار حياته وبحضر النب(ص)‪ ،‬كما خالف سنة النب (ص) ف تسييه‬
‫ضمن جيش أسامة‪ ،‬ول يرج معه بدعوى إعانة أب بكر على أعباء اللفة‪.‬‬
‫كما خالف القرآن ف منع سهم الؤلفة قلوبم‪.‬‬
‫كما خالف القرآن والسنة ف متعة الج وكذلك ف متعة النساء‪.‬‬
‫كما خالف القرآن والسنة ف الطلق الثلث فجعله طلقة واحدة‪.‬‬
‫كما خالف القرآن والسنة ف فريضة التيمم‪ ،‬وأسقط الصلة عند فقد الاء‪.‬‬
‫كما خالف القرآن والسنة ف عدم التجسس على السلمي‪ ،‬فابتدعه‪.‬‬
‫كما خالف القرآن والسنة ف إسقاط فصل من الذان وإبداله بفصل من عنده‪.‬‬
‫كما خالف القرآن والسنة ف عدم إقامة الدّ على خالد بن الوليد‪ ،‬وكان يتوعده بذلك‪.‬‬
‫كما خالف السنة النبوية ف النهي عن صلة النافلة جاعة‪ ،‬فابتدع التراويح‪.‬‬
‫كما خالف السنة النبوية‪ ،‬ف العطاء‪ ،‬فابتدع الفاضلة وخلق الطبقية ف السلم‪.‬‬
‫ض من فيض لا فعله هو وأبو بكر تاه السنة النبوية الشريفة‪ ،‬وما لقيت منه‬
‫وهذه المثلة الت أخرجناها هي غي ٌ‬
‫من إهانة وحرق وإهال‪ ،‬ولو شئنا لكتبنا ف ذلك كتابا مستقلً‪.‬‬
‫فكيف يطمئن السلم إل شخص هذا مبلغه من العلم‪ ،‬وهذه علقته بالسنة النبوية الشريفة‪ ،‬وكيف يتسمى أتباعه‬
‫بـ " أهل السنة "؟؟!‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫وإذا كان عمر بن الطاب يعمل على طمس السنن النبوية ويسخر منها ويعارضها حت بضور النب نفسه‪ ،‬فل‬
‫غرابة أن تسلم له قريش قيادتا وتعله زعيمها الكب‪ ،‬لنه أصبح بعد ظهور السلم لسانا الناطق وبطلها العارض‪،‬‬
‫كما أصبح بعد وفاة النب (ص) قوتا الضاربة وأملها العريض ف تقيق أحلمها وطموحاتا للوصول إل السلطة‪،‬‬
‫وإرجاع عادات الاهلية الت يعشقونا ومازالوا ينون إليها‪.‬‬
‫وهذا نز ٌر يس ٌي من بدعه الت أحدثها ف السلم‪ .‬وهي مالفة كلها لكتاب ال وسنة رسوله‪ ،‬ولو شئنا جع البدع‬
‫والحكام الت قال فيها برأيه وحل الناس عليها‪ ،‬لكتبنا ف ذلك كتابا مستقلً‪ ،‬لول توخي الختصار‪.‬س‬
‫وهذه لو أرعوى التخاصمون وكلهم أرحام‪ ،‬اجتهادات عقل مبدع‪ ،‬ومعالات مؤسس وشريك‪ ،‬وصاحب قرار‪،‬‬
‫وقائد أمة ناشئة‪ ،‬وزعيم دولة يافعة‪ ،‬وإمام‪ ،‬وقاضٍ‪ ،‬ومفتٍ‪ ،‬وصاحب الوحى إليه‪ ،‬وتلميذه‪ ،‬والهاجر ف وضح النهار‪،‬‬
‫والهيب ف عتمة الليل‪ ،‬وهو يستجيب لتحديات الستجد من الحداث والزمات والسائل الت ل تر على السلمي‬
‫قبل عهده‪ ،‬فهل يتجاهل إرادة الياة‪ ،‬وحاجات الناس‪ .‬ومستلزمات الطارئ‪ ،‬وضرورات التأسيس‪ ،‬فيحدث الضرر ف‬
‫الدولة والناس‪ ،‬وها الركنان الاديان اللذان بما يتسور الدين الديد وإليهما يعود بيه‪ .‬أم يستفرغ الهد وجهد‬
‫الدارة الحمدية ف السجد النبوي‪ ،‬فيستهدي بالنص لتوليد النصوص وبآلية ل ينفرد فيها بقرار؟‬
‫فإذا أخطأ‪ ،‬فهي أخطاء الدارة الشتركة ف مسجد الشورى‪ ،‬والسؤولية تتوزع على من كانوا معه‪ ،‬والصحابة‬
‫أول أن يثوروا على مالف ومبتدع يقودهم إل الضللة‪.‬‬
‫إن تري عمر‪ ،‬وطعنه بالروق عن النص‪ ،‬ل تقع مسؤوليته عليه وحده‪ ،‬وكأنه تري لعامة الشاركي من مسلمي‬
‫الدينة‪ ،‬فلم يكن عمر دكتاتورا‪ ،‬يبسط سطوته على ملس شكلي‪ ،‬وعلى أعضاء تت إمرته‪ ،‬فيفعون اليادي قبل‬
‫التصويت‪ ،‬ويهزّون رؤوسهم بالوافقة قبل توجيه السؤال‪ ،‬وقد يضحكون إذا ضحك رئيس الجلس ويعطسون إذا‬
‫عطس!‪.‬‬
‫وهدف رجال القطيعة ليس التنقيص من عمر بن الطاب‪ ،‬ول تريه وإدانته وطعنه‪ ،‬بل يتد ضمنيا وشرعيا إل‬
‫عامة الذين وافقوا عمر على " زمروقه" أو سكتوا عنه‪ ،‬ولذوا بالسلمة!‪ .‬ول نظن أحدا من رجال النب (ص) كان‬
‫على هذا الطراز وهذه الشاكلة‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫وهو مسوّر بصحابة من أمثال علي وسلمان الفارسي‪ ،‬وممد بن سلمة‪ ،‬وعثمان بن عفان‪ ،‬وسعد بن أب وقاص‬
‫وطلحة والزبي‪ ،‬وأب ذر وعمار بن ياسر‪ .‬فَمَن مِن هؤلء كان سيحن رأسه لعمر ليمرر عليه قانونا خارجا على قواني‬
‫السلم؟ وف عهد كان كل صحاب حاكما؟ ول يكن أي من الرعية مكوما‪ ،‬وكان للسكارى حق العتراض والناقشة‬
‫والرد على الليفة وهم متلبسون باحتساء المرة‪ ،‬فيتفهم ردودهم ويتراجع عن خطأ وقع فيه مقابل ان يضع الد ف‬
‫الخالف‪.‬‬
‫هل كان أهل الدينة ينتظرون فقهاء القطيعة والثالب لتلقينهم الصائب الشرعي‪ ،‬ويدلوهم على سواء السبيل؟ أم‬
‫كان السجد النبوي ساعتها ينتظر وصول السيد التيجان السماوي‪ ،‬ليعلم المام علي وعمر بن الطاب وأبا ذر‬
‫وعمارا أصول دينهم ويرشدهم إل الصراط الستقيم؟‪.‬‬
‫أغلب الظن أن الثالبة إنا رأوا أنفسهم وتيلوا مواقعهم ف أسر سلطات قاهرة‪ ،‬وبإمرة سلطان معاصر‪ ،‬فكتبوا عن‬
‫خوفهم إزاءه‪ ،‬وتصوروا حال الصحابة مع عمر‪ ،‬حالم مع سلطان وقتهم‪ ،‬وإ ّل فلماذا ل ينشقوا على هؤلء الكام‪ ،‬ويفتحوا‬
‫ملفات الفساد‪ ،‬ويطاردوهم على شاشات الفضاء‪ ،‬وف الكتب الجلدة‪ ،‬فتركوهم وانصرفوا عنهم إل ماكمة بناة الضارة ف‬
‫ماضينا العادل؟‪.‬‬
‫الستبصر الردن أحد حسي يعقوب‪:‬‬
‫عمر حليف النافقي !‬
‫وتتداخل صورة عمر ف الكتابات الستشيعة وتشتبك خيوطها‪ ،‬فتصبح لعمر صورتان‪.‬‬
‫واحدة عند أهل القطيعة وأخرى لدعاة الشاركة‪ .‬وإذ يكتفي الخيون بالديث عن مشتركات علي وعمر ف‬
‫إدارة الركز العالي الديد‪ ،‬يتخبط كتاب القطيعة ف أحكامهم غي عابئي بهارة التاريخ وأصول البحث وملس‬
‫القيقة‪ ،‬فإذا عمر عند الستيشع الردن الحامي أحد حسي يعقوب رجل ليس له قوة من تاريه‪ ،‬وإنا من قوة‬
‫النافقي الذين أحبوه حبا شديدا من يوم الرزية‪ ،‬وهو اليوم الذي حال فيه عمر وحزبه بي الرسول وبي كتابة ما‬
‫أراد‪ .‬وقد تابع النافقون بشغف بالغ معارضات عمر بن الطاب التكررة لرسول ال واعتراضاته عليه‪ ،‬وقد أحيطوا‬
‫علما بارتيابه‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫واللصة والديث مازال للستاذ يعقوب أن الواجهة الت حدثت بي الرسول من جهة وعمر وحزبه من جهة‬
‫ثانية ف بيت الرسول‪ ،‬قد رفعت أسهم عمر بن الطاب عند النافقي إل القمة‪.‬‬
‫ومنذ ذلك التاريخ ل يرو راوٍ قط أن أحدا من النافقي قد عارض عمر أو تلف عن دعوته لي أمر من المور‪.‬‬
‫إن عمر بن الطاب مدين بزء كبي من نفوذه ووجوده للمنافقي والرتزقة من العراب كما جاء ف كتابه (الواجهة)‬
‫الصادر عن دار الغدير عام ‪ ،1996‬ومن هؤلء وهؤلء تشكل حزب عمر‪ .‬وعمر هو رئيس التحالف العادي لل‬
‫ممد‪.‬‬
‫وهنا من سيكون الصدق الرواية والرأي الؤرخ القدي الارج من طينة كربلء والدارس منذ الطفولة ف حوزات‬
‫النجف والقائل‪ :‬إن أحدا من الؤرخي ل ينقل عن المام علي أنه وقف موقف العارض للفة ابن الطاب أو بدا منه‬
‫ما يسيء إل صلته به‪ ،‬بل رضي لنفسه أن يكون كغيه من الناس ل يذكر عما مضى ولن جاء من بعده إلّ الحاسن‪،‬‬
‫أم سنأخذ بالروايات الت ينقلها التحولون من الشاركة إل القطيعة والقائلون بأن النافقي والرتزقة هم الذين ل‬
‫يعارضوا عمر؟‪.‬‬
‫الستبصر الصري أحد راسم نفيس‪:‬‬
‫التشيع المنوع ف مصر‬
‫يعلن الستاذ أحد راسم نفيس الذي يبدو أن حاسته الوطنية يعلو صوتا على أية حاسة أخرى‪ ،‬أنه تشيع إعجابا‬
‫بالمام المين وثورته السلمية وموقفها من إسرائيل‪ .‬وهو بكم تربيته الصرية يبدو أقل هجا ًء للصحابة من زملئه‬
‫الستبصرين‪ .‬وإن كان ليرج عن النهج الستبصاري ذاته ف تسليط العتمة على إشراقة عمر ف التاريخ السلمي‪.‬‬
‫يستعرض الستاذ نفيس ف كتابه (التشيع منوع ف مصر) وجهة نظره ضد الجراءات الكومية التخذة ضد‬
‫الصريي التشيعي‪ ،‬وهذا الكتاب ل يُنصف الدرسة الصرية‪ ،‬ولعله يس حياد التسنن الصري وموقعه وعدالته‬
‫وعلميته‪.‬‬
‫إن الصري ل يتاج إل التشيع حت يب أهل البيت أو يكتب عنهم‪ .‬والدرسة الصرية سنية إل ناية عصر‬
‫الراشدين‪ .‬فتتوقف عن مواصلة التسنن الموي الشائع حاليا ف البلدان العربية السلمية‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ولعلي عرفت حجم الذى الذي وقع على السي عندما قرأت كتاب عباس ممود العقاد عن أب الشهداء‪.‬‬
‫وكنت تلميذا ف المسينات لؤرخ الفلسفة السلمية الدكتور علي سامي النشّار ف كتابه نشأة الفكر الفلسفي ف‬
‫السلم‪ ،‬والتقيت بعفر الصادق ف كتاب الشيخ ممد أبو زهرة‪ ،‬وف كتاب الستشار عبد الليم الندي‪،‬‬
‫واستمتعت بالرافعة التاريية الت كتبتها عائشة عبد الرحن بنت الشاطئ عن السيدة سكينة بنت السي‪ .‬وتابعت‬
‫شيخ الزهر سليم البشري ف حواراته المتعة مع الفقيه الشيعي السيد شرف الدين‪ .‬ودرست شرح نج البلغة للمام‬
‫الشيخ ممد عبده وأحببت إنصاف عبد الرحن البدوي وسية الليثي وأحد الشرباصي لدور الشيعة ف الفكر‬
‫السلمي‪ .‬فما الذي يزعج الشيعي ف مدرسة مصر؟ وماذا يريد أكثر ما توفره الدرسة الصرية الت انتصر عميدها طه‬
‫حسي للمام علي ف كتابه "علي وبنوه" وفتح بذلك منهجا إسلميا يتزج فيه التسنن والتشيع بحمدية علي وعمر‪.‬‬
‫أما أن يتصدى باسم التشيع كاتب مصري أو تونسي ليضع عمر ف أحضان اليهود حاملً راية الضلل‪ ،‬أو أن يثن‬
‫آخرون ف الدرسة الخرى على قاتل السي فيُكرم ويصبح سب أحفاد النب(ص) مسكوتا عنه أو مبرا‪ ،‬فليس مكان‬
‫هؤلء مصر والقاهرة‪ .‬إن هنالك مدنا أخرى تشتغل بالتقاذف والتشهي‪ ،‬ولو كنت ف مكان أي مسؤول مصري‬
‫لنعت أي فريق من هؤلء عن تلويث الدرسة الصرية‪ .‬ليبقى المام ممد عبده عند منهجه‪ ،‬والعقاد مع أب الشهداء‪،‬‬
‫وطه حسي مع علي وبنيه‪.‬‬
‫إن الصريي ممديون ف عمريتهم وعلويتهم‪ ،‬ول يوز لطرف أن يرق هذا النسيج با يؤذي كرامة المامة ومقام‬
‫اللفة‪.‬‬
‫الستبصر السوري عامر الكردي‪:‬‬
‫النب آدم يبغض عمر !‪.‬‬
‫وأما التحولون‪ ،‬أو الستبصرون‪ ،‬وهم مرة أخرى‪ ،‬علماء دين انتقلوا من التسنن إل التشيّع‪ ،‬فلعلهم رأوا من مستصغر‬
‫التشيع أن يظهر ف زمن النب ممد (ص)‪ ،‬فنقلوه إل زمن النب آدم‪ ،‬وأثبتوا بالدليل القاطع‪ ،‬وبالبهان الناصع أن النب آدم‪ ،‬ث‬
‫النب نوح كانا على مذهب التشيّع!‪.‬‬
‫أظن أن السادة الستبصرين يضحكون على عقول التباع الشيعة‪ .‬وليعقل أن يستخفوا بأنفسهم‪ ،‬ويضحكون‬
‫على ذقونم الت مازالت سوداء ل يالطها إل القليل من البياض‪.‬‬
‫‪170‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫لكن القصود أوسع ما نتخيل‪ ،‬إنم يريدون الوصول إل إشاعة مفهوم أن البشرية‪ ،‬من خلل أبيها آدم تناصب العداء‬
‫لعمر‪،‬‬
‫وأن النشطار ضئيل وغي عادل‪ ،‬وأن السلمي ليسوا سنة وشيعة‪ ،‬وإنا تتحد البشرية على كراهة عمر بن‬
‫الطاب منذ زمن النب آدم‪ ،‬ث النب نوح إل اليوم الذي أصبح الشيخ عامر الكردي مستبصرا‪ ،‬فأبصر النب آدم بأم‬
‫عينيه‪ ،‬وببصيته حاملً لواء القطيعة معلنا الرب على صحابة النب ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وليس على بن آدم سوى اقتفاء سية أبيهم‪ ،‬وليس لم سوى ذلك وظيفة ف الياة‪.‬‬
‫التحولون إل التشيع‪ :‬والسلم الهلي ف العراق‬
‫سيحتاج (التحولون) ال وقت غي قصي ليقتنع الناس بأن انتقالم إل الذهب الديد ناجم عن مراجعة ذاتية‪،‬‬
‫لن عال دين وطالب علم نشأ على عقيدة مذهبية حت صار فيها فقيها أو داعية أو خطيبا سيصعب عليه الظهور بي‬
‫عشية وضحاها ف ثياب مذهب آخر‪ .‬وإذا كان ذلك مألوفا‪ ،‬والنفس البشرية مفتوحة ومتحركة والعقل النسان‬
‫يتقبل المر ونقيضه‪ ،‬فمن غي العقول أن يبذل الرء جهدا ويترق حاجزا نفسيا ويرج على ميطه وذائقته ويتحمل‬
‫ردود أفعالم فتكون حصيلة التحول كتابا يستعيد التحول فيه ثالت الل ممد باقر الجلسي ورواياته التخصصة ف‬
‫النيل من شخصية إسلمية كان التحول قبل عام وربا قبل شهر واقعا تت تأثيه الروحي والتربوي والعرف‪.‬‬
‫ل بنفسي‪ .‬فمنذ خسي عاما‪ ،‬وعمر بن الطاب يشكل خطوط صورة مغرية للكتابة والتأليف‪ ،‬وقد‬
‫وسأضرب مث ً‬
‫استكملت أدوات العلمية منذ ترجي من كلية الداب عام ‪ ،1958‬ول يكن الوقت مناسبا إل ف السنوات الثلث‬
‫الخية‪ ،‬بعد اشتعال النيان الطائفية ف العراق وانتقال الرب من صفحات الكتب وأعمدة النابر ف فترة الرب‬
‫العراقية ذ اليرانية‪ ،‬وماتلها من تطورات ف العراق إل واجهات النازل وأجساد الضحايا وسكاكي الذبح‪،‬‬
‫فأصبحت الكتابة ف عمر بن الطاب وف نقد الطاب الطائفي واجبة وجوب الاء لطفاء النار‪.‬‬
‫وكان ما عجل ف إصدار هذا الكتاب على سوء صحة كاتبه أن الفضائيات العربية صارت تنقل شهادات لعلماء دين‬
‫من الشيعة يتنافسون على مسبة عمر بن الطاب وأب بكر‪ ،‬وكأنم بذا يوفرون (الدليل الشرعي)‪ ،‬والسوغ الفقهي‬
‫للنتحاريي الذين يستهدفون الدن والبلدات الشيعية بالسيارات الفخخة (نكالً) لم على شتمهم عمر وتشهيهم بعائشة!!‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫أل يعن هذا أن السلم الهلي ف العراق يرتبط بالكتابة التاريية ابتداء من العصر النبوي وإبطال الناهج‬
‫والوسائل والستحدثات الت قدمها الشيخ علي الكركي ومدرسته؟ دون أن نغفل الدرسة الموية الت سبقت‬
‫السلطان طهماسب ف أسلوب السب وشتم المام علي بأكثر من عشرة قرون‪.‬‬

‫الـتنــويــر الشـــيعي‬
‫الـمُشرق والحدود التأثي‬

‫‪172‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫الـمـدرســة الـمصرية‪:‬‬
‫طبيعة الصريي اليّالة إل العتدال‪ ،‬غلبت الفكار والعقائد والتاهات التشددة من أي مصدر صدرت‪ ،‬وأفرغت‬
‫جانب التراكم الطائفي ف الرحلة الفاطمية إزاء عمر بن الطاب‪ ،‬مثلما أقصت التراكم الطائفي للمرحلة اليوبية وأنتجت‬
‫ثقافةًإسلمية تستلهم ف حيادها الذهب روح زيد بن علي ومثله الفخري ف العراق أب حنيفة النعمان بن ثابت‪.‬‬
‫ومع تواضع الداء السياسي والفكري للزيدية ف العصور التأخرة حت رُكنت مهمل ًة ف تكايا اليمن التوكلية‪ ،‬إل أن‬
‫التماس التأثي الكشوف على بعض الدارس العربية التأخرة لوقفها العملي من اللفة الراشدة يكن رؤيته بسهولة ف‬
‫الدرسة الصرية وتأثياتا العربية‪.‬‬
‫إن طه حسي والعقاد وممد حسي هيكل وبنت الشاطىء وعبد الليم الندي وعبد الفتاح مقصود وعبد‬
‫الرحن الشرقاوي إنا يثلون الط الحمدي‪ ،‬والفهم الزيدي القائم على استلل عمر وأب بكر وعثمان من العجينة‬
‫الموية‪ ،‬فشكلوا موقفا وسطا بي خطي‪ ،‬ها النهج الموي من جهة والنهج الصفوي من جهة أخرى‪ ،‬وهذان يسعيان‬
‫بل يقرّان نائيا بانتماء عمر بن الطاب وأب بكر للنهج الموي فيبدو سيّان عندهم عمر ومعاوية وأبا بكر ومروان بن‬
‫الكم‪.‬‬
‫إن الشيعة المامية يرتاحون لطاب يُعطي عمر للمويي ويملونه مسؤولية تأسيس الط الموي‪ .‬إن الشاركة‬
‫مبدأ عرضته الدرسة الصرية قبل أن يلتفت إليه فقهاء ومفكرون شيعة ف تاريخ السلم‪.‬‬
‫فقهاء الشاركة‬
‫الفقيه الشيعي ف مراتبه العليا مرجع وليس داعية؛ ينقطع عن الجتمع ف وقت مبكر‪ ،‬فل يعود صديقا ف‬
‫الستشفى ول يعزي آخر‪ ،‬ول يتحدث ف وسائل العلم‪ ،‬ول يكتب ف وسائل النشر‪ ،‬ويلزم بيته ول يرج إل إل‬
‫الصلة ف صحن المام‪ ،‬الذي يقيم الفقيه حول ضريه‪ .‬وقد يرتب لسؤول الدولة الول موعد معه داخل الصحن‪.‬‬
‫فإذا تدث مع ضيفه فل يكاد يسمع له صوت‪ ،‬ولول حركة طفيفة ف نايات شعرات ليته لا حسبته يتكلم!‪.‬‬
‫إن تقاليد الرجعية صارمة‪ ،‬ويتفق عندها فقهاء القطيعة والشاركة‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫لكن بعضهم خرج على هذه الحكومات الشرطية فصار يتحدث ف السياسة اليومية ويقف خطيبا بي التباع‪،‬‬
‫ويقود مظاهرة يعب فيها السر من مدينة الكاظمية الشيعية إل مدينة العظمية السنية كالشيخ الثائر المام ممد‬
‫مهدي الالصي ليصلي ف مسجد أب حنيفة‪.‬‬
‫()‬
‫وقد يكتب ف الجلت العربية ويراسل الؤسسات ويضر الؤترات ويناظر الدباء ويقق دواوين الشعراء‬
‫ويكتب لبعضهم مقدمة الديوان ويضي شهورا ف جولت عربية كالرجع الكبي الشيخ ممد السي كاشف الغطاء (‬
‫‪ )1954 - 1876‬والرجع الال السيد ممد حسي فضل ال‪ ،‬وان كان الخي أبطأ حركة من شيخه وأستاذه‬
‫كاشف الغطاء‪.‬‬
‫ويتفق هؤلء الراجع ف كونم خارج النهج الصفوي وهم ليرون مايضر (بالعامة) نافعا للشيعة‪ ،‬وليرتاحون‬
‫لديث يثن على المام علي بن أب طالب بجاء عمر بن الطاب‪ ،‬ول يأخذون بروايات الفرقة والنقسام‪ ،‬أي ليسوا‬
‫من دعاة القطيعة‪.‬‬
‫إن كاشف الغطاء من رواد نظرية الشاركة يكتب ف (أصل الشيعة وأصولا) نصا تترجرج أمامه أقانيم اليكل‬
‫الذي بناه الشيخ علي الكركي والل ممد باقر الجلسي والسيد الكاظمين البوجردي!‪.‬‬
‫ول تكن الراجع العليا تشتغل بقول الدب والشعر‪ ،‬بل التاه العام ليلو من ازدراء بالشعر والدب‪،‬‬
‫ويعزو بعض الؤرخي ذلك إل عجمة بعض الراجع الذين يفتقرون إل الذائقة الدبية‪ .‬بنيما تاوز هذه العقدة‬
‫الفقهاء من أصول عربية وربا هجر بعضهم الدراسات الفقهية‪ ،‬واناز إل البداع الدب كالواهري وعبد الرزاق‬
‫مي الدين ومهدي الخزومي وممد رضا الشبيب‪ ،‬و حاول فريق آخر مزاوجة الدب والفقه كالشيخ احد الوائلي‬
‫والسيد مصطفى جال الدين‪ ،‬فلم يطغ أحدها على الخر‪.‬‬
‫أما الفقهاء الدباء فعميدهم ممد سعيد البوب‪ ،‬وأبرزهم ممد السي كاشف الغطاء وجيع من وردت‬
‫أساؤهم ف هذه الاشية هم من أهل التشيع العرب القائلي ببدأ الشاركة‪ .‬وجرى التقييم عليهم ف معظم الحكام‬
‫والروايات والدراسات ف الوزات الدينية‪.‬‬
‫يقول نص الرجع المام الشيخ ممد السي كاشف الغطاء منقول عن كتابه أصل الشيعة وأصولا الطبعة‬
‫الثالثة الصادرة عن دار الضواء ف بيوت عام ‪ ،2003‬تقيق العلمة الشيخ ممد جعفر شس الدين‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫" ث لا ارتل الرسول من هذه الدار إل دار القرار‪ ،‬ورأى جع من الصحابة أن ل تكون اللفة لعلي(ع)‪ ،‬إما‬
‫لصغر سنه‪ ،‬أو لن قريشا كرهت أن تتمع النبوة واللفة لبن هاشم‪ ،‬زعما منهم أن النبوة واللفة إليهم يضعونا‬
‫حيث شاؤوا‪ ،‬أو لمور أخرى لسنا ف صدد البحث عنها ولكنه باتفاق الفريقي امتنع أول عن البيعة‪ ،‬بل ف صحيح‬
‫البخاري ف باب غزوة خيب أنه ل يبايع إل بعد ستة أشهر‪ ،‬وتبعه على ذلك جاعة من عيون الصحابة كالزبي وعمار‬
‫والقداد وآخرين‪.‬‬
‫ث لا رأى تلفه يوجب فتقا ف السلم ل يرتق‪ ،‬وكسرا ل يب‪ ،‬فكل واحد يعلم أن عليا ما كان يطلب‬
‫اللفة رغبة ف المرة‪ ،‬ولحرصا على اللك والغلبة والثرة‪ ،‬وحديثه مع ابن عباس بذي قار مشهور‪ ،‬وإنا يريد‬
‫تقوية السلم وتوسيع نطاقه ومد رواقه وإقامة الق وإماتة الباطل‪ ،‬وحي رأى أن الليفتي ذ أعن الليفة الول‬
‫والثان ذ بذل أقصى الهد ف نشر كلمة التوحيد وتهيز النود وتوسيع الفتوح ول يستأثرا ول يستبدا‪ ،‬بايع وسال‬
‫وأغضى عما يراه حقا له مافظة على السلم أن تتصدع وحدته‪ ،‬وتتفرق كلمته‪ ،‬ويعود الناس ال جاهليتهم الول‪،‬‬
‫وبقي شيعته منضوين تت جناحه ومستنيين بصباحه‪ ،‬ول يكن للشيعة والتشيع يومئذ مال للظهور لن السلم‬
‫كان يري على مناهجه القوية‪ ،‬حت إذا تيز الق من الباطل‪ ،‬وتبي الرشد من الغي‪ ،‬وامتنع معاوية عن البيعة لعلي‬
‫وحاربه ف " صفي"‪ ،‬انضم بقية الصحابة إل علي حت قتل أكثرهم تت رايته‪ ،‬وكان معه من عظماء أصحاب‬
‫النب(ص) ثانون رجل كلهم بدري عقب كعمار بن ياسر وخزية ذي الشهادتي وأب أيوب النصاري ونظرائهم "‪.‬‬
‫ل يكتب الرواج والنتشار لنص صادر عن الرجع السلمي الكبي الشيخ ممد السي كاشف الغطاء‪ ،‬لنه‬
‫يتعارض مع الناهج الت تستبد بالؤسسات الدينية وتكاد تتكر النتاجات الفقهية والفكرية قبل أن تتحول مؤخرا‬
‫إل مؤسسات سياسية بقي كاشف الغطاء دون الدرجات العليا ف تقويات هذه الؤسسة قياسا إل من كانوا أقل منه‬
‫علما وعدلً‪.‬‬
‫ويسجل لكاتب السطور إنه يقود حلة منذ ثلثي عاما لتسليط الضوء على هذه الشخصية ف متلف جوانبها‪.‬‬
‫وكان الشيخ كاشف الغطاء رائد التاه الذي ساد الوساط السلمية مؤخرا ف تعارض حقيقي بي السلم‬
‫والدول الستعمارية والرأسالية‪ ،‬منذ أن وضع "الثل العليا ف السلم ل ف بمدون"‪ .‬ردا على دعوة من الوليات‬

‫‪175‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫التحدة المريكية له بالشتراك ف مؤتر إسلمي ف مدينة بمدون اللبنانية‪ ،‬للتنسيق الشترك ومواجهة التحديات ف‬
‫النطقة‪.‬‬
‫علي شريعت‪:‬‬
‫نظرية النطف الكسروية‪:‬‬
‫نترك للدكتور علي شريعت الستفاضة ف طرح وشرح ومناقشة نظريته ف النطف الكسروية ول بأس بعدها بداخلة‬
‫قد ل تبتعد عنها كثيا‪.‬‬
‫ففي ربيع البرار للزمشري وهو من علماء السنة الشهورين أن ل خيتي‪ :‬من العرب بنو هاشم ومن العجم‬
‫فارس‪ .‬وأن المام زين العابدين علي بن السي معروف بي الحدثي بابن اليتي‪.‬‬
‫إن الدكتور شريعت استثمر إضطراب الرواية‪ ،‬وتعارضها مع بعضها للطعن با‪ ،‬وإن كانت شائعة حت يومنا هذا‪،‬‬
‫عند الؤرخي ولدى القوميي الفرس والقوميي العرب‪.‬‬
‫والثابت عندهم حصول سب بنات كسرى يزدجرد‪ ،‬فإذا حدث ذلك ف زمن عمر بن الطاب‪ ,‬كما تروج‬
‫الرواية فسيحدث السب عام ‪ 18‬للهجرة أو ف أقصى تاريخ وهو العام ‪ 22‬منها‪ ،‬فيكون كما يقول شريعت ذلك‬
‫سببا ف رفضها‪ ،‬وقد ولد المام علي بن السي ف عام ‪ 38‬للهجرة وقيل ‪ 37‬للهجرة أي بعد الزواج الفترض‬
‫بعشرين عاما‪.‬‬
‫لكن الصرار على وقوع السر ف زمن عمر‪ ،‬ينسجم مع فتح بلد فارس ف ذلك الوقت‪ ,‬والرغبة ف صياغة‬
‫حوار بي بنت كسرى أو بناته وبي الليفة صحيح حيث تشي الرواية إل أن بنت كسرى كانت تلعن الزمن الذي‬
‫صار فيه سادة فارس أسارى تت حكم رجل كعمر‪ ،‬وأن المام علي كان يترجم لعمر‪ ،‬وهذه وظيفة جديدة للمام ل‬
‫يتحدث عنها الؤرخون‪ ،‬ول يُشَر إل معرفة المام علي باللغة الفارسية‪ .‬فإذا كانت الرواية قد أدخلته ف علقات‬
‫(سرية) ل نعرفها مع بلد فارس مكنته من إتقان الفارسية‪ ،‬فلم نعرف أية لغة فارسية منها كانت هذه وهم يتحدثون‬
‫بأكثر من واحدة تتلف كليا عن الخرى‪.‬‬
‫فهل أرادت الرواية أن توثق صلة المام بصحاب جليل كسلمان الفارسي واحتمال أنه تعلم منه لغته الم‪ ،‬ول‬
‫يتحدث مؤرخ عن شي ٍء من هذا‪.‬؟‪ .‬وإنا هي فرضية نفترضها‪.‬‬
‫‪176‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ف العودة إل الرواية‪ ،‬أراد عمر بيعها‪ ،‬فلم يوافق المام علي قائلً‪ :‬إن بنات اللوك ل تباع‪ ،‬ولو ك ّن كفارا‪،‬‬
‫فأعطاها حق اختيار الزوج بنفسها فاختارت المام السي‪.‬‬
‫والذي نعرفه أن كسرى يزدجر كان ينسحب من الدن‪ ،‬الت يتلها السلمون فيتراجع إل مدينة أخرى‪ ،‬حت استقر ف خراسان‪،‬‬
‫فتوقف الحنف بن قيس عن ملحقته‪ ،‬وبقي معزو ًل ف تلك الصقاع إل أن توف ف خلفة عثمان‪.‬‬
‫فهل ترك كسرى بناته ف الدائن عام ‪ 18‬فأسرهن السلمون؟ أم أنه انسحب مع عائلته وجيشه إل ما بعد‬
‫خراسان‪ ,‬وف هذه الالة‪ ،‬كيف أُخذت بنات كسرى أسارى؟‪.‬‬
‫تقول رواية أخرى‪ :‬إن اثنتي من بنات كسرى توفيتا عند النفاس‪ ،‬ومنهما زوجة المام السي‪ ،‬لكن وليدها‬
‫عاش وهو زين العابدين‪.‬‬
‫ويبدو أن الرواية ل تشأ ترك المام السي بل زوجة فارسية‪ ,‬ولكي تستمر نظرية النطف‪ ،‬فقد قيل‪ :‬إن بنت‬
‫كسرى الخرى تزوجت عبد ال بن عمر‪ ,‬وأنبت ابنه سال‪ .‬وإن الثالثة تزوجت ممد بن أب بكر فولدت منه‬
‫القاسم‪ .‬وبعد وفاة ممد بن أب بكر تزوج المام السي أرملة بنت كسرى الثانية‪ ،‬وهي الت أشرفت على تربية زين‬
‫العابدين‪.‬‬
‫وف رواية رابعة قيل‪ :‬إن عثمان بعد فتح خراسان أخذ اثنتي فقط من بنات كسرى‪ ،‬وزوجهما للحسن والسي‬
‫وماتتا ف النفاس‪.‬‬
‫وحت يتم التخلص من إشكالت أخرى‪ ،‬وتستقيم نظرية النطف‪ ،‬فقد زعمت رواية سادسة أن واليا للمام علي‬
‫قد حصل على اثنتي من بنات كسرى فتم زواج السي‪.‬‬
‫وهكذا تعرضت بنات كسرى للسر ف ثلثة عهود لثلثة خلفاء‪ ,‬لكن الزوج هو السي ف كل مرة ويشاركه‬
‫شقيقه‪ ,‬أو ابن أب بكر وعمر‪.‬‬
‫وبعد أن أعلنوا عن وفاة بنت كسرى ف النفاس‪ ،‬وقد وضعوا لا عددا من الساء‪ ،‬تقدمت رواية جديدة أن بنت‬
‫كسرى عاشت مع السي إل معركة الطف‪ ،‬فألقت بنفسها ف الفرات حزنا على مقتل المام‪،‬وطبيعي أن يروج لذه‬
‫الرواية لنا تؤدي دورا أكب ف ترسيخ النطف الفارسية‪،‬ما لو ماتت بنت كسرى ف وقت مبكر ول تشهد الفاجعة‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫تقول مصادر أخرى‪ :‬إنه ل يكن أحد من أهل الدينة يرغب ف نكاح الواري حت ولد علي بن السي‪،‬فصاروا‬
‫يرغبون بالزواج منهن‪.‬‬
‫وإذا كان الشيعة قد ذهبوا إل الفرس بزواج المام السي من بنت كسرى‪ ,‬فلماذا ل تذهب العرب الخرى‬
‫بعد زواج عبد ال بن عمر وممد بن أب بكر من بنتيه الخريي إل بلد العجم ويصبحوا فرسا مثلما أمسى التشيع‬
‫عليه ف مشروع تعجيم الشيعة؟‪..‬‬
‫إن الديث عن مصي بنات اللوك بعد الروب يغري الرواة وناسجي القصص الثية منذ عهود تسبق كسرى‪،‬‬
‫وحت يومنا الذي يتحدث فيه الستاذ ممد حسني هيكل ف تلفزيون الزيرة عن شقيقات وبنات اللك فاروق بعد‬
‫الثورة الصرية ف يوليو ‪.1952‬‬
‫وكنت شخصيا قد أوشكت أن أقنع الشريف الرحوم حسي بن علي والد الشريف علي بن السي‪ ،‬قبل ربع‬
‫قرن لنشر قصة آخر بنات ملك الجاز وزعيم الثورة العربية زوجته بديعة بنت الشريف السي بن علي‪ ،‬وهي الن‬
‫ف العقد العاشر وما حدث لا بعد سقوط العرش الاشي ف العراق عام ‪ ,1958‬فحالت أمور دون ذلك‪ ،‬إل أن نشر‬
‫الستاذ فائق الشيخ علي كتابا موسعا عنها ل يأخذ مداه الفترض‪.‬‬
‫عروس الدائن ف الدينة‪:‬‬
‫ل أجد مناصا من أن أترك لقلم شريعت وحده وبلغته التدفقة وأصالته السلمية ودفاعه عن أهل البيت منقولً‬
‫عن كتابه التشيع الصفوي والتشيع العلوي يعال أخطر رواية تداولا الؤرخون السلميون وبقيت راسخة بالذور‬
‫التاريية للتشيع الذي استقر ف إيران‪.‬‬
‫يروي العلمة الجلسي ف بار النوار(ج ‪ 11‬ص ‪ )4‬ذ بعد نقل أخبار حول زواج المام مثية للغثيان ذ إن‬
‫والدة المام هي بنت يزدجرد الت جيء با أسية ف زمان الليفة عمر‪ ،‬وقد أعجب با المام السي‪ ،‬وتزوجها فولد‬
‫له منها ابن واحد هو المام زين العابدين (ع)()‪.‬‬
‫من جهة نن نعلم أن المام السجاد ولد عام ‪37‬هـ‪ ،‬أي بعد عشرين عاما من زواج أمه من المام السي!‪.‬‬
‫وقد صرحت هذه القصة بأن (شهر بانو) كانت من أسرى فتح الدائن‪ ،‬وأن عمر كان ينوي قتلها‪ ،‬ولكن المام‬
‫علي هو الذي أناها من الوت‪ ،‬وواضح جدا أن واضعي هذه القصة هم من أنصار الشعوبية اليرانية‪ ،‬وأنم أرادوا‬

‫‪178‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫من ذلك إظهار أن عليا(ع) كان يساند الساسانيي‪ ،‬ويدافع عنهم وذلك ف مقابل عمر الذي كان عدوهم وهازم‬
‫جيوشهم!‪.‬‬
‫غي أن هؤلء فاتم أنم حينما أرادوا إثبات أن المام السجاد هو حفيد يزدجرد وأمه شهربانو‪ ،‬أوقعوا أنفسهم‬
‫ف إشكال تاريي عويص وهو لزوم أن يكون المام السي تزوج ف العام ‪ 18‬للهجرة (عمره حينها ‪ 15‬سنة) بينما‬
‫المام السجاد ولد العام ‪ 38‬للهجرة‪ ،‬ومن النصوص عليه أنه ل يولد له من شهر بانو سوى المام السجاد‪ ،‬وهذا‬
‫يعن أنا ل تلد من المام السي إل بعد مضي عشرين عاما‪.‬‬
‫غي أن العلمة الجلسي عندما تنبه إل هذه الشكلة بالرواية حاول ترقيعها بالقول‪ :‬إنه ليس من الستبعد أن‬
‫تكون كلمة (عمر) الواردة ف الرواية تصحيفا لكلمة (عثمان) فيكون الزواج قد ت ف عهد عثمان ل ف عهد عمر!‪.‬‬
‫والواقع أن هذه الحاولة ذ إذا قبلت ذ فإنا سوف تل إشكال التفاوت الكبي بي وقت الزواج ووقت الولدة‪،‬‬
‫ولكن إشكال آخر أكثر إحراجا سوف يظهر فيها وهو طول السافة الزمنية بي انكسار جيش يزدجرد وبي أسر بناته!‪.‬‬
‫هذا مضافا إل أن الرواية تضمنت التصريح بأن السرى هم أسرى (الدائن) فهل يقول العلمة الجلسي أنا مصحفة‬
‫أيضا؟‪.‬‬
‫ويتطرق العلمة الجلسي إل بيان اسم أم المام وهل هي سلمة أو خولة أو غزالة أو شاه زنان أو‪ ..‬فيقول‪ :‬إنم‬
‫جاءوا ببنت يزدجرد إل الدينة وما أن وقعت عينها على عمر حت غضبت وسبت عمر‪ ،‬فسبها هو أيضا‪ ،‬وأمر بأن‬
‫تباع شأن سائر السرى فاعترضه أمي الؤمني بالقول‪ :‬إن بنات اللوك ل تباع وتشترى‪ ،‬وإن كانوا كفارا وأشار عليه‬
‫ل من السلمي ويدفع صداقها من بيت الال! وف ذيل هذه الرواية النسوبة إل المام الصادق‪ ،‬نصغي‬
‫بأن يزوجها رج ً‬
‫إل الوار الت بي المام علي وابنة يزدجرد‪:‬‬
‫فقال " جه نام داري أي كنيزك؟" يعن ما اسك ياصبية؟!‪.‬‬
‫قالت‪ :‬جهان شاه‪.‬‬
‫فقال‪ :‬بل شهربانويه‪.‬‬
‫قالت‪ :‬تلك اخت‪.‬‬
‫قال‪ ":‬راست كفت " أي صدقت‪!...‬‬

‫‪179‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ويبدو أن الناقل (أو الختلق) لذه الرواية‪ ،‬ل يكن يدري أن المام علي حت لو سلمنا أنه تدث معها بالفارسية‪،‬‬
‫إل أن اللغة الت كان سيتحدث با ل تكن مفهومة عند بنت يزدجرد‪ ،‬وذلك لن المام يتحدث باللهجة الفارسية‬
‫الدرية‪ ،‬وهي لجة ملية لهال خراسان بينما كانت بنت يزدجرد تتحدث باللغة البهلوية الساسانية! هذا أول‪ ،‬وثانيا‬
‫أن عبارة " أي كنيزك" الواردة ف الرواية من الواضح أنا من الصطلحات الرائجة ف زمان (الراوي) ل ف زمان‬
‫الدث‪.‬‬
‫وإذا أمعنا النظر ف الرواية نلحظ شيئا غريبا‪ ،‬وهو أن المام كان ياطبها بالفارسية بينما هي تيب بالعربية‪.‬‬
‫والغرب من ذلك التوجيه الذي ذكره العلمة الجلسي بإزاء تسمية المام لا بـ(شهربانويه) بد ًل من (جهان شاه)‬
‫حيث أعزا العلمة ذلك إل أن كلمة (شاه) هي من أساء ال تعال مستد ًل على ذلك با جاء ف الب من أن علة النهي عن‬
‫الشطرنج وجود عبارة الشاه مات‪ ،‬ووال أن الشاه ل يوت!!‪.‬‬
‫شريعت والعسكري‪:‬‬
‫السيد مرتضى العسكري فقيه بدرجة آية ال وهو أكب معمر بي فقهاء التشيع حاليا وسنه عبت الئة‪ ،‬وهو عندي‬
‫البقية الباقية من مؤرخي العصور السلمية كالطبي وابن الثي واليعقوب‪ ،‬حيث تتجاوز اهتماماته ف التاريخ العام‬
‫اهتماماته الفقهية‪ ،‬وهو صاحب كتاب معال الدرستي وكتاب خسون ومئة صحاب متلق‪ ،‬والخي على غرار كتابات طه‬
‫حسي ف الدب الاهلي‪.‬‬
‫طلب السيد العسكري إل ف لقاء جعنا ف لندن منتصف الثمانينات اليلدي وبضور السياسي العراقي سعد صال‬
‫جب‪ ،‬أن أتتلمذ عليه قائلً‪ :‬إنه شديد العتزاز بأن أكون ثالث تلميذ له بعد السيد ممد باقر الصدر والدكتور داود العطار‪،‬‬
‫وكان السيد العسكري قد أعد نقدا لكتاب ف عبد الكري قاسم‪ ،‬فاعتذرت له بأن من تلمذة الوردي وعارف فضل شريعت‬
‫‪ .‬فقال‪ :‬وما الانع من أن يستقيم الرء بعد اعوجاج‪ .‬وكان السيد العسكري قد تبن حلة للرد على كتابات علي الوردي‪،‬‬
‫ونشر كتابا لبطال ما جاء ف وعاظ السلطي للوردي ف مطلع المسينات‪ ،‬مثلما تبن حلة لحقة ضد الدكتور علي‬
‫شريعت‪ ،‬فنشر بيانا مع فقهاء آخرين يصف شريعت باوصف به الوردي‪ .‬ونقل شريعت نص الامش الذي كتبه السيد‬
‫العسكري بط يده عن البيان الذكور‪ .‬وهنا نص السيد العسكري منقو ًل عن التشيع العلوي والتشيع الصفوي‪.‬‬
‫يقول السيد العسكري‪:‬‬

‫‪180‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫مت كان عمر بن الطاب شريف بن عدي‪ ،‬أما نسبه ففي كتاب الدرر بإسناده عن السن بن مبوب عن ابن‬
‫الزيات عن المام الصادق (ع) أنه قال‪ :‬كانت صهاك جارية لعبد الطلب‪ .‬وكانت ذات عجز وكانت ترعى البل‬
‫وكانت من البشة‪ ،‬وكانت تيل إل النكاح‪ ،‬فنظر إليها نفيل جد عمر ف مرعى البل فوقع عليها فحملت منه بأم‬
‫الطاب‪ ،‬فلما ولدتا خافت من أهلها فجعلتها ف صوف وألقتها بي أحشام مكة فوجدها هشام بن الغية بن الوليد‬
‫فحملها إل منله وساها بنتمة‪ ،‬وكانت شيمة العرب من يرب يتيما يتخذه ولداًَ‪ ،‬فلما بلغت حنتمة نظر إليها الطاب‬
‫فمال إليها وخطبها من هشام‪ ،‬فتزوجها‪ ،‬فأولد منها عمر‪ ،‬وكان الطاب أباه وجده وخاله وكانت حنتمة أمه وأخته‬
‫وعمته‪ ،‬وينسب إل الصادق ف هذا العن شعرا‪:‬‬
‫من جــده خـاله ووالده‬ ‫وأمـه أختــه وعمتـه‬
‫أجدر أن يبغض الوصي وأن‬ ‫ينكـر ف الغـدير بيعـته‬
‫ويواصل الدكتور علي شريعت قائلً‪ :‬واكتفى بنقل هذا القدار من الوامش (العلمية) لذه الشخصية العلمائية‬
‫الصفوية‪ ،‬واعتقد أنا كافية لتوضيح طبيعة النطق العلمي والدين الذي يتعاطى به رجالت التشيع الصفوي‪ ،‬واقتصر‬
‫هنا على الشارة إل مفارقة طريفة وهي إنن أوعزت منلة أب بكر وعمر واللوب الذي يعمل بالتنسيق معهما إل زمان‬
‫الاهلية‪ ،‬أما الذين يصرون على أن أبا بكر وعمر ل يكونا قبل السلم سوى أولد خدم وجامعي حطب فإنم قد‬
‫اعترفوا من حيث يشعرون أو ل يشعرون بأن الرجلي اكتسبا هذه النلة والكانة من السلم ل من الوضاع‬
‫الجتماعية والطبقية للجاهلية‪.‬‬
‫وإذا كانت حية شريعت الفكر الشيعي اليران الفارسي على هذا القدر من العلو والتسامي والنفعال لدرأ‬
‫الذى عن عمر بن الطاب فما الذي علي أن أقوله بعد وأي مبرات ستهدئ من روع الكتابة؟‬
‫لعلنا ف مأزق يقف فيه عمر بن الطاب حاجزا نفسيا يقطع ما بعده ما قبله‪ ،‬فيستحيل مفكر ومؤرخ وفقيه بجم‬
‫مرتضى العسكري إل سباب وشتام يدخل ف أعراض الناس ول أقول السلمي‪ ،‬وأتوقف عن توصيف من جعله ابنا‬
‫غي شرعي ونسب إل أعظم أئمة الفقه السلمي المام الصادق شعرا من هذا القبيل التردي‪ .‬فما الذي سيتغي ف‬
‫أوساط تتلقى العرفة بشحنة الكراهية؟ أما السباب والشتيمة فهي من أدوات الستدلل ف النهج الصفوي‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ويعقب شريعت‪ :‬إن القرآن ينهي عن السباب والشتيمة معتبا أن الكلم الفاحش يعب عن هبوط شخصية التكلم‬
‫قبل السامع‪.‬‬
‫قال المام علي لصحابه ف حرب صفي‪ :‬إن أكره لكم أن تكونوا سبّابي‪.‬‬
‫غي أن السباب والشتيمة يثلن الشكل المثل‪ ،‬من أشكال الستدلل ف النطق الصفوي‪ .‬يشار إل أن الترجة‬
‫الفارسية لكتاب نج البلغة تتحايل على النص عندما يتعلق بوقف ودي للمام علي من عمر‪ ،‬وحت ف عبارته بنع‬
‫السب لأ الترجم إل التأويل قائلً‪ :‬ليس الراد من هذه العبارة هو عدم جواز شتم الخالف واللعن عليه‪ ،‬بل على‬
‫العكس هذا واجب وتكليف‪.‬‬
‫وبالعودة إل لقائنا مع السيد العسكري ف لندن فقد تناول الديث الوضاع السياسية ف العراق وإيران‪،‬‬
‫وفهمت من السياق قبل أن يسرن الرحوم صادق العطية الذي كان حاضرا هو الخر‪ ،‬بأن زيارة آية ال العسكري‬
‫إل لندن تتصل بتلك الوضاع‪ ،‬واحتمال إحداث انعطاف ف الرجعية استعدادا لرحلة ما بعد المام المين‪،‬‬
‫واحتمال أن يكون للسيد العسكري دور ف النعطاف الفترض‪ ،‬ل سيما وأنه ف جناح بعيدا عن اتاهات المام‬
‫المين الذي ل يعط للعسكري دورا ما‪ ،‬وكانت الدائرة الصغرى حوله‪ ،‬تشي إليه با يضعه ف صف النظام‬
‫الشامنشاهي‪.‬‬
‫وبإحساس سياسي عال الوتية‪ ،‬سارعت إل كتابة مقال صحفي استعملت لول مرة فيه مصطلح زالعمائم‬
‫البديلةس مشيا إل الجموعات التطوعة للعمل ف البامج الغربية‪ ،‬والت تركت طلبا الفقراء ف حوزات قم‪،‬‬
‫والسيدة زينب‪ ،‬واختارت القامة ف دول القرار الغرب‪ .‬وكان تيار عريض من الثقفي السلميي الشيعة يشتركون ف‬
‫هذه الرؤية إزاء العمائم البديلة‪.‬‬
‫وبشكل عام‪ ،‬فإن خطا موجودا بقوة داخل مؤسسة الرجعية ييل إل التعامل الواقعي مع الدولة صاحبة القرار أو‬
‫الدولة الرسية أيا كانت ويسمى هؤلء علماء زالفيزس أي الوفيس! وقد شكلوا جناحا أثناء الثورة اليرانية‪ .‬برعاية‬
‫من دولة قرار أوروب ولؤلء ثلث خصائص‪:‬‬
‫الواقعية‪ ،‬والعتدال‪ ،‬والبقاء بعيدا عن العمل الثوري الذي يتبناه فقهاء آخرون‪ ،‬والدعوة إل عدم الشاركة ف‬
‫النشاط الوطن‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫تنصب فوق مستوى الد القبول‪ ،‬من العداء والكراهية للصحابة‪ ،‬ولعمر بن الطاب بالذات‪.‬‬
‫احتضان الفكار والشاريع الطروحة ف السياسة الدولية‪.‬‬
‫ممد باقر الصدر وشريعت‬
‫كان المام موسى الصدر من دعاة الشاركة القوياء‪ ،‬ومن رافضي منهج القطيعة ومنتقدي رجاله‪ ،‬ومروجيه‪ ،‬فلم‬
‫يكن غريبا عليه إقامة ملس تأبين بوفاة الدكتور علي شريعت‪ ،‬تناقلت وقائعه الصحافة اللبنانية‪ ،‬ما أثار استياء آية ال‬
‫السيد مرتضى العسكري‪ ،‬فكتب إل السيد موسى الصدر رسالة يلومه بعنف لقامة ملس فاتة (للفاسق الفاجر‬
‫القبور علي شريعت) وقاد السيد العسكري حلة ابتهاج برحيل خصمه التنور‪ .‬فكيف يرؤ السيد الصدر على تكريه‬
‫ف بيوت؟‬
‫أما موسى الصدر فكان جوابه‪ ،‬أنه بعث برسالة السيد العسكري كما هي مقرونة برسالة شخصية منه‪ ،‬إل السيد‬
‫ممد باقر الصدر ف النجف الشرف‪ ،‬الذي كتب بدوره رسالة تعنيف إل السيد العسكري قائلً له‪ :‬من جعلك قيما‬
‫على الفكر الشيعي منتصرا لوقف الزن على رحيل علي شريعت‪ ،‬الذي سبق له القول بعد الطلع على رسالة‬
‫للسيد ممد باقر الصدر ف (الولية) إن التشيع إذا طرح بذا الفهوم فالستقبل لذا الطرح العظيم‪.‬‬
‫والسيد ممد باقر الصدر كان ف ذلك الوقت يتزعم التاهات الديدة للحوزة العلمية‪ .‬وربا تنفس خصومه‬
‫الصعداء لقدام صدام حسي على إعدامه مع شقيقته بنت الدى‪ ،‬فحُرم السلم من أخطر مفكريه العاصرين‬
‫والداعي إل فهم جديد للتاريخ السلمي با يعزز الشتركات‪ ،‬ويضعف النهج التقليدي لفقهاء القطيعة بي السلمي‪.‬‬
‫إن الشيخ خي ال البصري‪ ،‬وهو من بناة العمل السلمي ف العراق‪ ،‬يتفظ بشهادة مثية حول هذا اللتباس‪.‬‬
‫التشيع العراقي‪ ،‬والتشيع اللبنان‪.‬‬
‫الفرق اللقوط بي مدرسة التشيع العراقي وشقيقتها اللبنانية أن التنور ف الول يطّل على الناس من خارجها‪،‬‬
‫فكأن حركة التنوير تتوشج مع خيوط النشقاق عن الؤسسة الدينية‪ ،‬وقد يكون التنور رائدا علمانيا كعلي الوردي‪،‬‬
‫أو تراثيا ماركسيا كهادي العلوي‪ ،‬ويندر أن يلتقي التنوير والنتظام ف إطار الوزة كحالة الشيخ ممد حسي‬
‫كاشف الغطاء الت ل تتكرر ف هذا النتظام‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫أما ف الدرسة اللبنانية‪ ،‬فقد يسطع نم التنور من مؤسسة التشيع‪ ،‬كما ف مدرسة السيد مسن المي العاملي‪،‬‬
‫والمتدة والتفرعة إل بعض أبنائه والستقرة ف حارة حريك ف الضاحية النوبية‪ ،‬على عنوان السيد ممد حسي فضل ال‪،‬‬
‫والواضحة العال ف كتابات السيد هان فحص‪.‬‬
‫وتتلف الدرستان لدى السلميي العراقيي واللبنانيي الذين يتغذون من الوريد اليران‪ ،‬ففي الالة العراقية يبدو‬
‫السلميون‪ ،‬وهم ألصق بغرافيا إيران‪ ،‬ألصق بالألوف التقليدي وأعراف الوزة ف تيار القطيعة‪ ،‬ولو أنم تلمذةً‬
‫وأحزابا‪ ،‬مسوبون على المام المين وثورته‪ .‬والسبب غي الواضح أن السلمي العراقي الشيعي قادم دائما أو على‬
‫ن مادام ف بركة الفيض النجفي‪،‬‬
‫الكثر من سللة دينية ذات نفوذ يستمد منها تراثه الوزوي والعائلي‪ ،‬وكأنه ف غ ً‬
‫عن التأثر بالدرسة الديدة للمام المين‪ ،‬حت ف جانبها السياسي‪ ،‬ولول موقفه التشدد من النظام العراقي ف عهد‬
‫صدام حسي‪ ،‬لكانت طرق التصال بالثورة السلمية اليرانية أضعف ما صارت عليه ف الثمانينات اليلدية كملذ‬
‫ومول لركة العارضة السلمية‪ .‬والدليل أن السلميي العراقيي الحسوبي حت اللحظة على إيران يفضلون‬
‫التحالف مع الوليات التحدة المريكية‪ ،‬وهو عند المام المين تالف شيطان مريب‪.‬‬
‫وف التاهات الفقهية‪ ،‬ل يُأخذ السلميون العراقيون من مدرسة المام المين إ ّل القليل منهم رغبتها ف صياغة خطاب‬
‫الشاركة‪ ،‬وتستثن من ذلك الهود الية للمام السيد ممد باقر الكيم‪.‬‬
‫ويسجل على الدرسة العراقية الراهنة أنا لتنتهي فقط إل تراث القطيعة ف التاريخ‪ ،‬بل إل شيء من القطيعة مع‬
‫الحيط العرب‪ ،‬وهو المر الذي يبر بكونه استجابة طبيعية لقطيعة الحيط العرب ضد التشيع العراقي بعد تغيي النظام‬
‫السياسي ف نيسان ‪.2003‬‬
‫ولطالا أشبعت رسائلي إل السيد ممد باقر الكيم رحه ال‪ ،‬باللاح على ضرورة ميل السلميي نو جذورهم‬
‫العربية‪ ،‬ولعله أقتنع بقبول الفكار الدائرة حول الفصل بي العروبة والقومية العربية‪ ،‬وكون النب ممد كان عربيا ول‬
‫يكن قوميا عربيا‪.‬‬
‫ل تستفيد من الوريد اليران‬
‫أما الدرسة اللبنانية فهي ألصق بحيطها العرب وبشخصيتها الوطنية‪ .‬فهي مث ً‬
‫وتندمج عقائديا مع الثورة السلمية‪ ،‬لكنها تتفظ بشيء من الستقللية الت ورثتها من التربية الليبالية ومن جذور‬
‫مدرسة المي العاملي وظروفها الحلية‪.‬‬
‫‪184‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫وكرد على خطاب الشاركة السائد ف التشيع اللبنان ظهرت كتابات ف زخم تيار القطيعة وثقافتها الصفوية‪،‬‬
‫فتنشر ف بيوت أكثر الراء تطرفا ضد عمر بن الطاب وصحابة النب(ص)‪.‬‬
‫عمر بي الجلسي وشريعت‬
‫يقول علي الوردي ف كتابه لحات اجتماعية من تاريخ العراق ذ الزء الول‪ :‬إن الل ممد باقر الجلسي‬
‫الذي توف ف عام ‪ ،1699‬كان شديد التعصب لعقيدته‪ ،‬وقد أغرى الدولة باضطهاد جيع الخالفي‪ ،‬الذين كانوا‬
‫موجودين ف داخل الدود اليرانية‪ ،‬وقد أوقف الشاه الصفوي بعض أملكه الاصة ف سبيل نسخ كتابه بار‬
‫النوار الذي يقع ف (‪ )25‬جزءا وتوفيه للطلبة‪.‬‬
‫ويُعد بار النوار أضخم كتاب لدى الشيعة‪ ،‬وف رأي بعض الباحثي ‪،‬والكلم للوردي‪ ،‬أن الجلسي أساء‬
‫للتشيع بذا الكتاب‪ ،‬أكثر ما نفعه؛ فهو قد جع فيه كل ما عثر عليه من الخبار والقصص والساطي‪ ،‬ل فرق بي‬
‫الغث والسمي منها‪ ،‬ث وضعها ف متناول كل من يريد الغتراف منها‪ ،‬وجاء بعدئذ قرّاء التعزية وخطباء النابر‪،‬‬
‫فصاروا يأخذون منه ما يروق لم‪ ،‬وبذا ملوا أذهان الناس بالغلو والرافة‪ ،‬وجعلوهم يلقون ف عال من الوهام‪ .‬وقد‬
‫تبنت الدولة القاجارية‪ ،‬هي الخرى‪ ،‬هذا الكتاب فكان أول الؤلفات الت طبعت بعد دخول الطبعة الجرية ف‬
‫إيران‪ ،‬وقد وردت إل العراق منه نسخ كثية‪ ،‬ما أدى إل انتشار معلوماته الغثة ف أوساط الشعب العراقي على‬
‫منوال ما حدث ف إيران‪.‬‬
‫ولك أن تتزل خسي كتابا صدر لماعة " الستبصرين " بكونا استنسخت الكثي من تلك العلومات ف‬
‫الكتب‪ ،‬الت صدرت لؤلء التحولي‪.‬‬
‫وكان المام المين قد أوقف طباعة أجزاء من موسوعة البحار حرصا على وحدة السلمي‪ ،‬وحفظ الجيال الديدة من‬
‫تسرب تلك العلومات إليها‪.‬‬
‫والجلسي متخصص ف روايات التشهي بعمر بن الطاب‪ ،‬حيث يكن ردّ ما يتداوله العلميون والتعلمون والتحدثون‬
‫وبعض الفقهاء من معلومات حول عمر إل مصادر الجلسي‪.‬‬
‫ويشترك مع الجلسي مؤرخ موسوعي آخر‪ ،‬هو السيد البوجردي الكاظمين ف كتابه جواهر الولية‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫يقول علي شريعت ف كتابه التشيع العلوي والتشيع الصفوي‪ :‬إن الجلسي وهو أبرز وجوه التشيع الصفوي‬
‫يرسم للمام السجاد صورة أعتقد أن أعداء آل علي الذين نصبوا لم السيف يجلون من نسبتها إليه‪ .‬فإن العزة‬
‫والوقار واليبة وإليها صفات معروفة لبن هاشم لتنكرها حت الاهلية‪ ،‬وإن الجلسي ينقل أخبارا مثية للغثيان!‪.‬‬
‫إن علي شريعت يشك ف علمية الجلسي‪ ،‬ويسخر من رواياته ويقدم نوذجا لا قصة زواج المام السي من‬
‫ابنة كسرى يزدجرد‪.‬‬
‫النهج الصفوي بدلً من التشيع الصفوي‬
‫قد نتجنب مصطلح التشيع الصفوي مااستطعنا إل ذلك سبيل‪ ً،‬لن فريقا من السياسيي صاروا يلحون‬
‫باستخدامه‪ ،‬من باب التشهي بالتشيع‪ ،‬ف إطار مشروع تعجيم الشيعة‪ ،‬الذي ظهر لول مرة أثناء الحتلل البيطان‬
‫للعراق وتصدى الفقهاء الشيعة بشكل خاص له‪.‬‬
‫ومن المانة العلمية أن كاتب السطور ل يكن مبتدع هذا الصطلح‪ ،‬حيث صدر لول مرة من منابر حسينية إرشاد ف‬
‫طهران‪ ،‬على لسان الفكر السلمي الشهيد علي شريعت‪ ،‬وإن كنت معنيا بالدور الصفوي ف مصادرة التشيع قبل أن‬
‫تترجم كتابات علي شريعت إل العربية بأكثر من عشر سنوات‪ ،‬وعندما اطلعت عليها ف منتصف الثمانينات‪ ،‬وجدت أن‬
‫الشترك بيننا يتسع باتساع الوة ما بيننا وبي التشيع الصفوي‪ .‬واكتشفت أن هذا الفكر الذي وجد ميتا ف شقته بلندن‬
‫عام ‪ ،1977‬عن ثلثة وأربعي عاما‪ ،‬كان مثلي من التأثرين بكتابات الدكتور علي الوردي‪ .‬ومن جانب آخر يبدو الرجل‬
‫وهو إيران فارسي قح‪ ،‬كأنه من الدعاة القوميي العرب ف منهجه الثوري الديد‪ ،‬والذي دفع حياته ثنا له‪.‬‬
‫وإذا عزفنا عن استخدام مصطلح التشيع الصفوي‪ ،‬لذلك السبب‪ ،‬وأسباب أخرى فل يعن عدم وجوده‪.‬وقد‬
‫أنكر بعض التحدثي من العلميي الشيعة تقسيم التشيع إل علوي وصفوي وقالوا بوحدته‪ .‬فإذا اتفقت جد ًل مع‬
‫هذا الرأي‪ ،‬فالراجح عندنا عدم إغفال النهج الصفوي ف البحث التاريي‪ ،‬ووحدة القياس الذهب وف أولويات‬
‫دعاته‪ .‬والصفويون أسسوا أول إمباطورية شيعية كسروية لواجهة الدولة العثمانية‪ ،‬وأعطوا للفقيه سلطة ودورا‬
‫أساسيا ف قيادة الدولة‪ .‬وأقاموا مؤسسات ومعاهد ومالس علمية وأعرافا وتقاليد ليس من السهولة أن تناح عن‬
‫تاريخ التشيع‪.‬‬
‫صاحب نظرية النطف – تلميذ المين‬
‫‪186‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫الكشف العلمي لنتحال رواية تزويج المام السي من بنت كسرى‪ ،‬وإنابه منها المام علي زين العابدين‪،‬‬
‫ل من الفريقي‬
‫الوحيد الذي نا من مزرة الطف ف كربلء‪ .‬وانتهت إليه المامة الرابعة سيصيب بالنكسار واليبة ك ً‬
‫البتهجي برواية الزواج‪ ،‬ففي الانب العرب يقدّم الزواج الفترض مادة تاريية صالة لدعاة تعجيم الشيعة‪ .‬وجعل‬
‫هذا الزواج سببا ف اليل الشيعي ليران()!‪ .‬وقد بنيت على الرواية النتحلة أحكام قومية تس النتماء العروب للتشيع‬
‫العراقي وسواه‪ .‬وف الانب الفارسي يوفر الزواج مادة تاريية صالة لدعاة نظرية النطف‪ ،‬الت اكتشفها الدكتور علي‬
‫شريعت ف الساطي اليرانية‪ ،‬ومن القصاصي اليرانيي الذين ليتورعون عن إلقاء النطفة الت تثل جوهرهم‬
‫العنصري‪ .‬ومظهر استمرارهم القومي‪ ،‬ف رحم أعدائهم حفاظا على هذا (الوهر القدس) من الندثار‪ ،‬وقد يبادرون‬
‫إل انتحال علقات مصاهرة من هذا القبيل‪ ،‬إذا أدرك صناع الساطي أن سللة معينة‪ ،‬هي ف طريقها إل النقراض‪،‬‬
‫فيمهدون إل اختلق قصص وأساطي لربط آخر حلقات السلسلة الت كانت هي السبب ف النقراض‪ .‬وف هذا‬
‫السياق نستطيع أن نفهم اللفيات الت تقف وراء افتعال زواج المام السي ابن بنت النب‪ ،‬من شهربانو بنت اللك‬
‫يزدجرد‪ ،‬حيث يثل ذلك آخر ماولة يلجأ إليها الساسانيون ف إنقاذ وجودهم من النقراض‪.‬‬
‫إن زواج فت من بن هاشم بفتاة من بن يزدجرد‪ ،‬يعب ف الوجه الخر من القضية‪ ،‬عن اقتران أول السلسلة‬
‫الديدة‪ ،‬بآخر حلقات السلسلة القدية‪ ،‬والمام كما قال فيه الشاعر‪:‬‬
‫لكرم من نيطت عليه التمائم‬ ‫وإن غلما بي كسرى وهاشم‬
‫وكأن نسبه القريشي ذ الاشي ذ العلوي ليؤهله لن تناط عليه الكمالت البشرية‪ .‬ولكن المر حصل مع‬
‫السكندر‪ ،‬الذي يطيح بالسللة الخامنشية ف إيران ذ ومن ث يولد له منها أولد وذرية‪ ،‬ويستمر بم الوهر مفوظا‪،‬‬
‫ولكن بعنوان إمباطورية السكندر بعد إمباطورية هخامنش‪ ،‬وقبلهم كان قوروش قد استمر وجودا ف صلب‬
‫الاذيي‪.‬‬
‫أما كيف ت الزواج الحمدي ذ الكسروي ذ فالقصة مستمرة‪ :‬إذ سبق النب جنوده ف الوصول من الدينة إل‬
‫إيران بنفسه‪ ،‬لكي يعقد الصلح‪ ،‬وأنه دخل قصر يزدجرد قبل إسلم ابنته‪ ،‬وعقدها على حفيده المام السي‪ ،‬ث‬
‫جاءت فاطمة لتدخل كنتها ف دين السلم‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫وهكذا دخل كسرى ف أهل بيت الرسول‪ ،‬لكي تبقى القومية القدية خالدة ف الذهب الديد‪ ،‬بتعبي الدكتور‬
‫شريعت ويصبح الذهب الديد مركبا من الشاه‪ ،‬والنب ف نسب المام زين العابدين‪.‬‬
‫إن الدكتور شريعت كان سيموت بالعبقرية ميتة أب تام‪ ،‬أو يوت بالغيلة بعد الكشف الطي‪ ،‬الذي ل نستعرض‬
‫سوى جوانب منه‪ .‬وهو ماحدث لعبقري التشيع العلوي ذ العرب ذ فيقول ف النتائج الستهدفة من أسطورة الزواج‬
‫الاشي الكسروي‪:‬‬
‫‪ -1‬إظهار عمر بنلة العدو رقم واحد لعلي وشجب مناوأته لامل لواء السلم‪ .‬واللقة الول ف سلسلة أهل‬
‫البيت وأب الئمة‪ .‬وذلك انتقاما من دور عمر البارز ف القضاء على الدولة الساسانية‪ ،‬وتقويض وجودها‪.‬‬
‫‪ -2‬إلقاء تبعة انقراض الدولة الساسانية على عمر لعلى السلم‪.‬‬
‫‪ -3‬تلقي الناس على أن اللفة كانت تعادي السلطة الساسانية أما المامة فكانت بنلة الدافع عنها‪.‬‬
‫‪ -4‬إن تسنن عمر هو عدو السلطنة الساسانية (قصة بنت يزدجرد) بينما كان علي ماميا عنها!!‪.‬‬
‫‪ -5‬إن دخول إيران ف السلم ل يقع إثر فتح الدائن بواسطة عمر‪ ،‬أو غزو السلمي ليران‪ ،‬بل هو نتيجة ميء‬
‫النب وابنته فاطمة إل الدائن ودخول قصر يزدجرد وعقد شهربانو لبنه السي ذ ومن ث دعوتا إل السلم‪.‬‬
‫‪ -6‬إن يزدجرد آخر أكاسرة الساسانيي كان قد انكسر بواسطة عمر‪ ،‬وإن النب هو الذي أعاد له شأنه ومكانته‬
‫الرموقة بالجتمع اليران‪ .‬وذلك من خلل إدخاله ف بيت النب عب أحدوثة الزواج ليصبح أحد طرف السلسلة‬
‫وطرفها الخر هو النبوة‪.‬‬
‫‪ -7‬إن بنت يزدجرد تثل البقية الباقية من السللة الساسانية وقد أسلمت بدعوة من فاطمة بنت النب وزوّجها النب‬
‫لبنه‪ .‬وشفاعة علي لدى عمر نّت شهربانو من مالبه‪.‬‬
‫‪ -8‬إن عمر هو الذي حرم السللة الساسانية من حق الكم كما أنه حرم السللة الحمدية من حق اللفة‪.‬‬
‫ل يتوقف علي شريعت عند هذه الشارف الطية‪ .‬وكان لبد من أن ينتقل إل مراحل أخرى يصبح فيها الرجع‬
‫الجدد والصلحي الثوري ف تاريخ التشيع‪ .‬فقتل قبل اندلع الثورة الت كان شريعت مفكرها‪ .‬ول يكن مكنا للمام‬
‫المين أن يقوم بدور تلميذه علي شريعت ف التصدي للمنهج الصفوي الكسروي على صعيد نظري‪ ،‬لكنه وف ممل‬
‫مسالكه السياسية وف خطابه العلمي بعد ناح الثورة كان يعزز منهج السلم الواحد‪ .‬إن الدخل الرحب‬
‫والوضح إل عال المين‪ .‬ير أول فوق ارض مفروشة بسجادة شريعت‪ ،‬ومصنوعة من أوراقه الحمدية‪.‬‬
‫‪188‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫علي شريعت قتل ف شقته بعد كشوفاته التاريية والفلسفية‪ ،‬والقاتل ليس الشاه ممد رضا بلوي وحده‪ ،‬بل معه‬
‫الماعات الت قطعت الطريق على عبقري الثورة التوحيدية‪ ،‬الذي كان متوقعا له‪ ،‬لو عاش ف الثورة أن يكون فيها‬
‫الرجع الشترك الفكري لسلمي إيران والنطقة‪.‬‬
‫استشهد علي شريعت كما لو كان ماهدا على الثغور ف جيش السلم الذي أرسلته الدينة لفتح بلد فارس‬
‫غارقا بداد الب السفوح‪ ،‬شاهدا وشهيدا على عدالة أهل البيت‪ ،‬عارفا لمعترفا فحسب‪ ،‬بالدور العمري ف ترير‬
‫شعبه من نيان الشرك‪ ،‬وتطهي بلده من الكسروية الصفوية‪ ،‬فاستحق من شيخه وإمامه المين إطلق اسه على‬
‫شارع كبي ف طهران وتأسيس منتدى خاص بفكره ومنهجه القوي‪.‬‬
‫منب الوائلي وهوية التشيع‬
‫شكلت ماولة الوائلي تطورا نقل التحدث على النب من روزخون إل مؤرخ أكاديي‪ ،‬خرج من الوزة الدينية‬
‫ول يرج عليها‪ ،‬فكان يقدم عصارة جهده بكلم تتوازن فيه المل بذر بالغ‪ ،‬وكرسّ الشيخ الوائلي القول بنع أئمة‬
‫أهل البيت‪ ،‬سبّ الصحابة‪ ،‬واعتمد على روايات التاريخ العام‪ .‬ف مؤلفات الطبي والبلذري والسعودي‪ ،‬فضلً عن‬
‫الصادر التاريية الديثة‪ .‬وهو بي الكتبة والحاضرة والكتاب‪.‬‬
‫وقد برز له دور استثنائي‪ ،‬عندما كانت حرب على الرض العراقية ذ اليرانية ترف غابات النود والنخيل‬
‫وتزوّد الساك ف شط العرب ونر كارون بلحوم البشر‪ ..‬وعلى الطروس وف الكتبات ودور النشر‪ ،‬حرب استمرت‬
‫إل ما بعد توقف الرب الرضية‪ .‬وقد دخل إل ميدان الصراع متطوعون لسعاف الفريقي‪ ،‬واندرت السجالت إل‬
‫قيعان الزيف والزلفى وامتهان الكرامات والطعن ف أعراض السلمي‪ ،‬وظهور ملدات باهظة الكلفة لساء مهولة‪ ،‬ما‬
‫بي باكستان ولبنان‪ ،‬وعرفت جاعة "الستبصرين" الت كانت تواجه طعن الشيعة بطعن عمر‪ ،‬وترفع من شأن المام‬
‫علي‪ ،‬الذي ل يتاج إل روافع بنهج تنقيص الصحابة‪.‬‬
‫ف هذا الحتدم‪ ،‬وعند مزدحم الصراع‪ ،‬كتب الشيخ الدكتور أحد الوائلي (هوية التشيع)‪ .‬وكأنه كان يرد أصلً‬
‫على مرويات القطيعة‪ .‬ف الوقت الذي يواجه عند الطرف الخر ماولت لتعجيم التشيع‪ ،‬وطعن الشيعة بإسلمهم‪،‬‬
‫فقدم الوائلي أطروحته العلمية بترسيس الذر العرب للتشيع‪ ،‬ومسقط رأسه الزيرة العربية‪ ،‬وزعيمه هاشي من‬

‫‪189‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫قريش‪ ،‬ولسانه لسان عرب مبي‪ ،‬ودعوته إل عروبة اللفة‪ ،‬بلفة المام القريشي‪ ،‬ووجوب الذان وكتابة العقود‬
‫بالعربية‪ ،‬فاستعرض لئحة بعلماء اللغة والنحو والصرف وهم من أهل التشيع‪.‬‬
‫والوائلي صعب الراس‪ ،‬والصعب ف النرار إل مساجلت الفرق‪ ،‬وكان ينأى بنفسه عن إشكالت العمل‬
‫السياسي‪ ،‬ورفض زيارة إيران‪ ،‬كما رفضها كاتب السطور‪ ،‬مادامت الرب قائمةً بي البلدين‪ .‬وحصر حركة كتابه‬
‫بالعصور السلمية التقدمة‪ ،‬حت ل ينل إل مشتجر اللف بعد الدولة الصفوية‪ .‬وهو يبدأ مقدمة كتابه (بالصلة‬
‫والسلم على ممد وآله الطهار‪ ،‬وأصحابه البرار والتابعي) وف هوية التشيع الذي صدرت منه ثلث طبعات ف‬
‫ل أن يي بن يعمر كان شيعيا من القائلي بتفضيل أهل البيت‪ ،‬من غي تنقيص‬
‫الثمانينات‪ ،‬ينقل من كتب التراجم مث ً‬
‫لغيهم‪ ،‬كما ف وفيات العيان‪ ،‬وف الستيعاب أن أبا الطفيل عامر الليثي أدرك من حياة النب ثان سنوات‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫إنه آخر من مات من أدرك النب عن مئة عام‪ .‬وكان مبا لعلي ومن أصحابه ف مشاهده وكان ثقةً مضمونا‪ ،‬يعترف‬
‫بفضل الشيخي إلّ أنه يقدم عليا‪.‬‬
‫رواد الضارة العربية من أهل التشيع‬
‫ويستعرض الشيخ الوائلي لئحة بأساء الرواد الوائل من بناة الضارة العربية‪ ،‬ومؤسسي علومها وثقافاتا‬
‫والنسوبي إل التشيع‪.‬‬
‫ل منهم بالقطيعة‪ ،‬وليس له نشاط سياسي خاص‪ ،‬ول يتكتلوا ف كوى‬
‫وباستعراض الدونة أساؤهم‪ ،‬ل تواجه قائ ً‬
‫ل من أهل التشيع أم من أهل السنة أو العتزلة‪ .‬وعلى بعضهم‬
‫حزبية أو طائفية ول يعرف الواحد منهم إذا كان فع ً‬
‫خلف عند الؤرخي والتباس ف انتماءاتم‪ ،‬فيحسب بعضهم على هذا الفريق أو ذاك‪ ،‬لياده وعلميته وتانسه مع‬
‫حركة المام علي وأصحابه الوائل ف حركة الدولة الراشدة‪.‬‬
‫وهذه لئحة يقدمها الشيخ الوائلي ف هوية التشيع لبعضهم قائلً‪:‬‬
‫فمن الرواد ف علم السي والتواريخ عبد ال بن أب رافع صاحب كتاب تسمية من شهد من الصحابة مع علي‬
‫(ع)‪ ،‬وممد ابن اسحق صاحب السية النبوية‪ ،‬وجابر بن زيد العفي ومن الرواد ف علم النحو‪ :‬أبو السود الدؤل‪،‬‬
‫والليل بن أحد إمام البصريي‪ ،‬وممد بن السي الرواسي إمام الكوفيي وأستاذ الكسائي والفراء‪ ،‬وعطاء بن أب‬
‫السود الدؤل‪ ،‬ويي البد بن يعمر العدوان‪ ،‬ويي بن زياد الفراء‪ ،‬وبكر بن ممد أبو عثمان الازن‪ ،‬وممد بن يزيد‬

‫‪190‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫أبو العباس البد‪ ،‬وثعلبة بن ميمون أبو إسحق النحوي‪ ،‬وممد بن يي أبو بكر الصول‪ ،‬وأبو علي الفارسي السن بن‬
‫علي‪ ،‬والخفش الول أحد بن عمران‪ ،‬وممد بن العباس أبو بكر الوارزمي‪ ،‬الذي يقول عنه الثعالب ف يتيمة الدهر‪:‬‬
‫نابغة الدهر وبر الدب وعيلم النظم والنثر وعال الظرف والفضل‪ ،‬كان يمع بي الفصاحة والبلغة وياضر بأخبار‬
‫العرب وأيامها ويدرس كتب اللغة والنحو والشعر‪ ،‬والتنوخي علي بن ممد‪ ،‬والرزبان ممد بن عمران صاحب‬
‫التصانيف الرائعة ف علوم العربية‪ ،‬وملك النحاة السن بن هان‪ ،‬ومعاذ الفراء واضع علم التصريف‪ ،‬وعثمان بن جن‬
‫أبو الفتح وأبان بن عثمان الحر‪ ،‬ويعقوب بن السكيت صاحب إصلح النطق‪ ،‬وأبو بكر بن دريد صاحب المهرة‪،‬‬
‫وممد بن عمران الرزبان صاحب الفصل ف علم البيان وصفي الدين اللي صاحب الكافية ف البديع والعال النحوي‬
‫السي بن ممد صاحب كتاب صنعة الشعر‪ ،‬وال‪.‬‬
‫وعن ابن خلدون صاحب القدمة‪ ،‬أن أصحاب علي عندما فاتته اللفة اكتفوا بالتأفف والسف‪ .‬بعن أنه ينفي ضمنيا‬
‫حركة القاطعة وف هذه الستشهادات يستشرف الوائلي قيم الشاركة نائيا عن نظرية القطيعة‪.‬‬
‫وعلى صعيد شخصي‪ ،‬كنت والشيخ الوائلي نلتقي ثنائيا‪ ،‬ول يشترك معنا ف دمشق بأعمال العارضة‪ ،‬وكان‬
‫يدعون سرا ليقرأن قصيدةً ف الني لبغداد‪ .‬فأحفظ بعض مقاطعها‪ .‬وأتثل با ف مقابلت شرط عدم الشارة إل‬
‫قائلها‪ .‬وكان أول التبعي للمرضى والفقراء والحتاجي‪.‬‬
‫ولا أبلغه الطباء باقتراب أجله‪ ،‬بعد إصابته بالسرطان‪ ،‬طلب حله إل العراق ف السبوع الول من سقوط‬
‫النظام العراقي ف نيسان ‪ 2003‬فتوف بعد يوم من وصوله وسار ف موكب تشييعه ثلثة مليي حزين‪ ،‬ف أكب جنازة‪.‬‬
‫فكان ذلك استفتاءً شعبيا بفضله وحياده وتوازنه‪ ،‬وانتصارا لنب الشاركة على روزخون القطيعة‪.‬‬
‫الروافض‬
‫ل يطلق على أصحاب المام علي مصطلح الرافضة وقد شاركوا ف إدارة الدولة الديدة‪ ،‬لكن وصف أتباعه‪،‬‬
‫وعلى وجه الدقة الشيعة‪ ،‬بأنم روافض يتعارض مع أمرين‪ :‬الول ذهاب أصحاب المام إل مذهب الشاركة وإناء‬
‫القطيعة‪ .‬والثان أن الغلبية الطلقة للمراجع السنية وأقوال أئمة الذاهب ودعاتم حت اليوم تؤكد بيعة المام علي‬
‫وعدم مواصلة اعتكافه أكثر من ستة أشهر‪ ،‬وقيل أقل من ذلك‪ .‬وهذا إقرار بأن أصحاب المام وشيعته ل يكونوا من‬
‫الروافض‪ ،‬إذ ل يستقيم القول بالشاركة والقول بالرفض‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫فإما أن يكونوا مشاركي‪ ،‬وهذا ما عليه الراجع السنية وما يقول به أهل التشيع قبل ظهور نظرية القطيعة فهم‬
‫ليسوا روافض‪ ،‬وإما أن يكونوا مقاطعي للبد‪ .‬ويصح قول القائلي بالقطيعة‪ ،‬فهم روافض‪ .‬ويكون أهل السنة من‬
‫دعاة القطيعة ل الشاركة والقائل بالرفض هو القائل بالقطيعة‪ .‬سوا ًء كان من أهل التسنن أم من أهل التشيع وحجم‬
‫القائلي بالقطيعة سينتعش‪ ،‬وتتكرس نظريتهم‪ ،‬وتكسب دعاةً جددا‪ ،‬والدليل أن الشيعة روافض‪ ،‬بنطوق سن‪،‬‬
‫فكيف يدعو كاتب السطور إل نظرية الشاركة الت ل يؤيدها أهل السنة بذا النطوق؟‪.‬‬
‫إن طعن الشيعة بصطلح الرافضة يؤكد عدم حصول البيعة لب بكر وعمر‪ ،‬وأن المام علي كان بالفعل جليس البيت‪،‬‬
‫ل يغادره منذ وفاة النب حت ظهور اسه ف ملس الشورى‪ .‬وهذا نصر مبي لا يسمونه الن بالنهج الصفوي القائم على رفض‬
‫المام علي وأصحابه الشاركة ف دولة أب بكر وعمر‪ .‬فيلتقي التشدد من أهل القطيعة‪ ،‬وهم من يسمونم الصفويي مع‬
‫التشددين الذين يصمون الشيعة بالروافض ف الكتب والطب والقابلت التلفزيونية‪ ،‬ظاني أنم يدفعون بذا الكلم الذى‬
‫عن الشيخي‪.‬‬
‫واصل الرافضة ف قواميس اللغة (كل جندٍ تركوا قائدهم) والرافضة فرقة منهم‪.‬‬
‫والرافضة فرقة من الشيعة قال الصمعي‪ :‬سّوا بذلك‪ ،‬لنم بايعوا زيد بن علي ث قالوا له تبّرأ من الشيخي‪.‬‬
‫فقال‪ :‬ل‪ ..‬إنما وزيرا جدي‪ .‬فتركوه ورفضوه وأرّفضوا عنه‪ ،‬والرافضة غي الشيعة كما الناصبة غي السنة‪ ،‬وكان‬
‫العقاد يستخدم هذا الفصل عندما يذكر أحدها‪.‬‬
‫وإن الفقيه الشيخ أحد الوائلي ينفي ف كتابه (هوية التشيع) أن يكون أصحاب زيد طلبوا منه الباءة من‬
‫الشيخي‪ ،‬ويهاجم قائلً‪:‬‬
‫‪ -1‬إن هؤلء الذين طلبوا الباءة لو كانوا شيعة‪ ،‬فل بد أنم حريصون على نصر زيد وكسب العركة ضرورة أن‬
‫مصيهم مرتبط بصي زيد‪ ،‬فإذا هزم فمعن ذلك القضاء عليهم قضاءً تاما ً‪ ،‬خاصة وأن خصومهم المويي‪ ،‬الذين‬
‫يقتلون على الظنة والتهمة كل من ييل إل آل أب طالب‪ ،‬فما الذي دفعهم إل خلق هذه البلبلة‪ ،‬الت أدت إل‬
‫انفضاض جند زيد عنه‪ ،‬وبالتال إل خسارته للمعركة فموته شهيدا على أيدي المويي‪ ،‬فل بد أن يكون هؤلء‬
‫ليسوا من الشيعة‪ ،‬وإنا هم جاعة مندسة أرادت إحداث البلبلة للقضاء على زيد واحتمال كسبه للمعركة‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫‪ -2‬وعلى فرض التنل والقول بوجود فرقة خاصة من رأيها رفض الشيخي‪ ،‬فما معن سحب هذا اللقب على كل‬
‫شيعي يوال أهل البيت‪ ،‬حت أصبح هذا المر من السلمات‪.‬‬
‫‪ -3‬إرادة لسحب اللقب وهو رافضي على كل شيعي‪ ،‬مبالغة ف التشهي بم وشحن الشاعر ضدهم‪ ،‬ما سنلمح‬
‫كثيا من المثلة له‪ ،‬وما يؤيد على أنا تتمشى مع تطيط شامل يستهدف ماصرة التشيع والتشهي به وبكل‬
‫وسيلة سليمة كانت أم ل‪.‬‬
‫‪ -4‬قد يقال‪ :‬إنه لشك ف وجود جاعة شتّامي للصحابة‪ ،‬فما هو السبب ف كونم من هذا الصنف ف حي تدعون‬
‫أن الشتم ل تقره الشيعة ول أئمتهم‪ ،‬وللجواب على هذا السؤال ل بد من الرجوع إل مموعة من السباب‬
‫ل عنيفا استوجب رد الفعل‪ .‬منها الطاردة والتنكيل الروع للشيعة وبالشيعة وما تعرضوا له من قتل‬
‫تشكل فع ً‬
‫وإبادة على الظنة والتهمة وف أحسن الالت اللحقة لم والحاربة برزقهم ومنعهم عن عطائهم من بيت الال‬
‫وفرض الضرائب عليهم وعزلم اجتماعيا وسياسيا وبوسع القارئ الرجوع إل التاريخ الموي ف الكوفة وغيها‬
‫من الدن الشيعية ليقف بنفسه على ما وصلت إليه الالة وما انتهى إليه ولة المويي من قسوة ومن هبوط ف‬
‫النسانية إل مستويات يتبأ منها ف العهدين الموي والعباسي‪ .‬إن مثل هذا الضطهاد يستلزم التنفيس عن‬
‫الكبت‪ ،‬فقد يكون هذا التنفيس ف عمل اياب‪ ،‬وقد يكون سلبيا فيلجأ إل هذا الشتم‪ .‬ولسنا نبر ذلك بال من‬
‫الحوال‪ ،‬إن الذي أسس لذه الظاهرة هم المويون أنفسهم‪ ،‬لنم شتموا المام عليا على النابر ثاني سنة‪،‬‬
‫واستمر هذا الوضع حت أن ماولة الرجل الطيب عمر بن العزيز ل تنجح ف منع الشتم‪.‬‬
‫‪ -5‬انتهى نص الشيخ الوائلي‪ ،‬فنقول‪ :‬إذا كان المويون يشتمون على منابرهم المام عليا‪ ،‬وينتقصون أهل البيت‬
‫كما ف الصادر السنية بشكل عام‪ .‬فهل رد الفعل على المويي بشتم اللفاء الراشدين‪ .‬وعمر بالذات يشتم ف‬
‫كتب تتوال ف الصدور بطبعات جديدة ف حلة منظمة‪ ،‬وعلى القنوات الفضائية‪ .‬فما علقة ظلم بن العباس أبناء‬
‫عمومتهم العلويي وكلها من الفرع الاشي بسب عمر وطعنه بل هوادة ودون هدنة؟‪ .‬وهل سيغضب أبو حنيفة‬
‫ومالك والشافعي وابن حنبل لنقد بن أمية وبن العباس؟‪.‬‬
‫تنوير شيعي‬

‫‪193‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫تنهض حركة تنويرية ف الحساء والقطيف‪ ،‬فيكتب الدكتور توفيق سيف ف الستبداد ونظرية السلطة ف الفكر‬
‫الشيعي‪ .‬والدكتور فؤاد إبراهيم ف الفقيه والدولة‪ ،‬وحزة السن وزكي اليلد ف النشور من الباث وتتمحور‬
‫اتاهاتم الفكرية نو نظرية الشاركة أو على القل‪ ،‬تنيه اللة من شوائب السلطنة الصفوية‪.‬‬
‫يقول الدكتور فؤاد إبراهيم ف كتابه الرجعي (الفقيه والدولة ذ الفكر السياسي الشيعي) الصادر عن الكتبة‬
‫الدبية ف بيوت سنة ‪.1988‬‬
‫"إن الشاه إساعيل الصفوي يرمي من وراء ميثولوجيا غارقة ف الغيبوبة والرافة إل إضفاء وشاح من القدسية‬
‫على سلطانة‪ .‬ما يعله جامعا لرئاسة الدين والدولة‪ ،‬وبالتال إل انتفاء الاجة إل اقتسام السلطة مع العلماء‪ .‬فقد جع‬
‫السلطتي الدينية والدنيوية‪ .‬وإن إدماج العلماء ف جهاز الدولة ف أيامه ل يتجاوز مهمة ترويج التشيع وولية المور‬
‫السبية"()‪.‬‬
‫وف توق منه إل تصيل الصطفاف الشيعي الماهيي وكسب تعاطف رجال الدين الشيعة‪ ،‬قام الشاه إساعيل‬
‫باعمار الشهد العلوي ف النجف‪ ،‬والشهد السين ف كربلء‪ ،‬وبناء حرم الكاظميي‪ ،‬وتشييد جامع الصفويي بوار‬
‫حرم الكاظم على مقربة من بغداد‪.‬‬
‫وف حقيقة المر أن التشيع ل يكن يعن بالنسبة للشاه إساعيل إل بقدار ما يعزز سلطانه السياسي‪ ،‬فلم يتجاوز‬
‫التشيع الصفوي ف عهد الشاه إساعيل " مسائل سطحية استحدثها ف عصره أو أحيي مواتا كاضطهاد أهل السنة‬
‫وسب أعداء الشيعة ف متلف العصور وتنظيم الحتفال بذكرى استشهاد السي على النحو البالغ فيه‪.‬‬
‫فتماهي الصفويي ف التشيع كان ف أجلى مقاصده إياد هوية سياسية للدولة وإضفاء مشروعية على السلطان‬
‫الصفوي‪ ،‬ولذلك فإن الحياء الصفوي للتشيع طال أدوات الثارة والتعبئة ل أدوات التوعية ف الذهب الشيعي‪،‬‬
‫المر الذي افقد التشيع صورته الصلية‪ ،‬حي أضفى وشاحا من التعصب والرافية والغيبوبة على الذهب الشيعي‬
‫لهة تصي الدولة وضمان استقلل إيران‪ ،‬وتويله ف مرحلة لحقة إل أداة للتوسع‪ ،‬فالتشيع الصفوي كان سياسيا‬
‫بدرجة أساس‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫وسنقف قليلً عند أهم نتائج واستخلصات دراسة العقل السياسي ذ اليدلوجي الصفوي‪ ،‬ولعلنا ند ف تليل‬
‫د‪ .‬علي شريعت للتشيع الصفوي ف جلة من كتاباته مادة ثرية ومفيدة للغاية ف هذا الوضوع‪ ،‬وقد اظهر شريعت‬
‫كفاءة عالية‪ ،‬قل نظيها ف الوسط اليران والشيعي بوجه عام‪.‬‬
‫إن التوظيف السياسي الصفوي للمذهب الشيعي ف بناء الشرعية السياسية والدينية لسلطانا‪ ،‬وإحالة التشيع إل‬
‫أيدلوجيا قومية سياسية للدولة الصفوية‪ ،‬انتهت إل شبه قطيعة مع الذهب الشيعي نفسه‪ ،‬بل أن الدولة الصفوية‪،‬‬
‫الوارث التاريي والذهب للدولة البويهية أضفت لونا الاص على الذهب الشيعي الذي أفادت منه تصي الدولة‬
‫واستعملته خطابا للتعبئة العامة وإن تطلب ف أحيان كثية إضفاء مسحات عقدية مستحدثة على الذهب الشيعي‬
‫كالتصوف والعتزال‪ ،‬أفضت حسب د‪ .‬علي شريعت إل نشوء " خليط من فلسفة النظام الاكم والروح القومية‬
‫والتصوف‪ ،‬وأن هذا الليط الكيماوي الذي غطي بلواء التشيع واسه‪ ،‬إنا يدفع نو النطاط ويبره‪ ،‬وهو أعدى‬
‫أعداء التشيع العلوي نفسه‪ .‬هذا الليط نفسه يؤول إل ترويض التشيع وابتزازه‪ ،‬يسلب منه مضمونه القيقي وييله‬
‫إل مرد أداة دعائية تعبوية مضة‪ ،‬أو حسب د‪ .‬شريعت إل تشيع الصلحة ل تشيع القيقة‪.‬‬
‫وقد ل نذهب مع الدكتور فؤاد ابراهيم ف اعتبار الدولة الصفوية الوارث التاريي والذهب للدولة البويهية ف‬
‫أكثر من وجه‪.‬‬
‫إن اتاهات البويهيي تتحدد برؤية زيدية ملتزمة بإمامة زيد بن علي وإقراره بلفة أب بكر وعمر‪ .‬فيما قامت‬
‫الدولة الصفوية على أساس الباءة منها وجعل سبهما با يقابل إعلن الشهادة للمسلم‪ .‬وكان موقف البويهيي إيابيا‬
‫من الدولة العباسية‪ .‬على القل ف استمرار عمل الليفة‪ .‬وثالث الفروق بينهما‪ ،‬أن البويهيي وإن استحدثوا بعض‬
‫الطقوس السينية‪ ،‬فقد كانوا أقرب إل فهم الضارة العربية فاندموا با‪.‬‬
‫إن الصفويي كانوا مؤسسي تيار القطيعة‪ ،‬والبويهيون دعاة مشاركة‪.‬‬
‫هاشم السن‪:‬‬
‫كسر القطيعة و بواقعية المام‬
‫على خلف غالبية مؤرخي القطيعة من الرتبطي بالؤسسة الدينية‪ ،‬ينفرد الؤرخ هاشم معروف السن بوقف‬
‫ثالث ويكسر مناهج القطيعة ويقر بعلقات طيبة بي المام علي وعمر بن الطاب ويطرح مسوغا للمام علي على‬
‫‪195‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ضوء مبدأ المر الواقع وأخلقيات المام ومسؤوليته الشرعية إزاء صراع السلم مع المباطوريات الجاورة‪.‬‬
‫وهذه مرتبة متقدمة ف الكتابات عند مؤرخي التشيع اللتزمي بناهجه التقليدية والتزامه بالقولت الشيعية‬
‫الصادق عليها‪.‬‬
‫لكنه ل يقول بالقطيعة ول يضع المام ف معتكف العزلة جليس البيت ثلثة عشر عاما حسب روايات أهل‬
‫القطيعة‪ ،‬و ليذهب برواية كسر ضلع الزهراء إل مراتب عليا‪ ،‬لكنه يشي إل ضرر أو أضرار أوقعها عمر بن الطاب‬
‫بابنة النب (ص) لعدم أخذه بالوصية وحرمان ابن عمها من اللفة الول وموافقة أب بكر وعمر وفاطمة الزهراء عند‬
‫مرضها‪ ،‬لكنه يستخدم السيناريو التقليدي‪ ،‬الذي ليقلل من أهية العتراف بوقوع الزيارة وحديث أب بكر للزهراء‪.‬‬
‫وف ما يشبه القتحام وبمية علوية ف الرد الضمن على القائلي بعزلة المام والسلمون يواجهون المباطوريات‬
‫ويقيمون دولة كبى ف الشرق يقول الؤرخ السن‪ :‬سأما أمي الؤمنيي(ع) فلم ينقل أحد من الؤرخي أنه وقف‬
‫موقف العارض للفة ابن الطاب‪ ،‬أو بدا منه ما يسيء إل صلته به‪ ،‬بل رضي لنفسه أن يكون كغيه من الناس‪ ،‬ل‬
‫يذكر لن مضى ولن جاء من بعده إل الحاسن‪ ،‬ول ينطق إل بلسان البرة الطهار‪ ،‬ينحه النصيحة ويزوده برأيه كلما‬
‫أشكل عليه أمر من المور أو طرأ حادث جديد ل يسبق له نظي ف حياتم من قبل تسيه مصلحة السلم وحدها ول‬
‫ينظر إل الكم والاكمي إل من هذه الزاوية‪ ،‬ومادام السلم يسي بتلك السرعة ف ماوراء حدود الجاز وعروش‬
‫أولئك الكام تتهاوى تت أقدام الفاتي‪ ،‬وأصوات الؤذني تنطلق من العال والسهول ومن على سطح الكنائس‬
‫ومن كل مكان‪ ،‬مادام السلم يسي بتلك السرعة والسلمون بي ل يهمه من تول الكم وكيف توله‪ ،‬وطالا كان‬
‫يردد على مسامع الناس ويلقي عليهم من دروسه الرائعة‪ ،‬وال لسلمن ما سلمت أمور السلمي ول يكن جور إل‬
‫عليّ خاصة‪ .‬لقد ساهم أمي الؤمني ف الياة العامة ما وسعه‪ ،‬وأدى ما عليه للجمهور من تعليم وتفقيه وقضاء على‬
‫مدى أوسع ما أداه ف عهد أب بكر حيث اقتضت الظروف ذلك‪.‬‬
‫ويدث التاريخ عن عمر بن الطاب بأنه كان يترم قوله‪ ،‬ويقف عند رأيه حت ف غي التشريع‪ ،‬ويقول‪ :‬ل أبقان‬
‫ال لعضلة ليس لا أبو السن‪ ،‬وتنص الرويات على أن أمي الؤمني هو الذي وضع للمسلمي تاريهم الذي أرخوا به‬
‫و ليزال حت اليوم‪ .‬ولقد جاء ف ذلك أن رجلً جاء إل ابن الطاب ياصم آخر ببدين له عليه ومعه صك مكتوب‬

‫‪196‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫فيه استحقاق أصل الال وأنه يستحق شعبان‪ ،‬فلما ألقى بصره عليه أدرك مواضع النقص وتوجه إل الدائن يسأله أي‬
‫شعبان هذا؟ أشعبان هذه السنة أم الت بعدها‪.‬‬
‫وأجابه الطرف الخر‪ ،‬ولكنه ل يكن ليطمئن لقوله مادام كل منهما يدعي أمرا والكتابة ل تنص بصراحة على‬
‫تاريخ الداء‪ ،‬والناس يوم ذاك ل يكن لديهم تاريخ خاص فكان بعضهم يؤرخ بعام الفيل‪ ،‬وآخرون يعتمدون تاريخ‬
‫الدولة الجاورة لم‪ ،‬فأجع رأي ابن الطاب على أن يضع للمسلمي تاريا يعتمدونه ف أمورهم‪ ،‬فجمع الصحابة‬
‫ليقف على رأيهم ف هذا الوضوع واختلفت آراؤهم ف ذلك أشد الختلف‪ ،‬وكادوا أن يتفرقوا بدون أن ينتهوا إل‬
‫نتيجة حاسة‪ ،‬لول أن عليا(ع) قد أقبل عليهم بالعهود من رأيه السديد‪ ،‬واته إليه ابن الطاب يسأله‪ ،‬فقال(ع) نؤرخ‬
‫بجرة الرسول من مكة إل الدينة‪ ،‬فأعجب عمر بن الطاب برأيه وهتف يقول‪ :‬لزلت موفقا يا أبا السن‪.‬‬
‫واقترن رأيه هذا بإعجاب الضور أيضا لن هجرة الرسول كانت البداية لنتصار السلم على الشرك وحدثا‬
‫تارييا لعله من أبرز الحداث ف تاريخ الدعوة من حيث نتائجه‪ ،‬يذكرنا بالتضحيات السام الت قدمها علي بن أب‬
‫طالب لينتشر السلم ف شرق الرض وغربا‪ .‬وجاء ف شرح النهج عن السن بن ممد السبت أنه قرأ ف كتاب أن‬
‫عمر بن الطاب نزلت به نازلة فقام لا وقعد لن عنده من الضور‪ :‬يا معشر من حضر ما تقولون ف هذا المر‪ ،‬فقالوا‬
‫يا أمي الؤمني‪ :‬أنت النفزع‪ ،‬فغضب وقال‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وقولوا قولً سديدا} أما وال إن وإياكم‬
‫لنعلم بدتا والبي با‪ ،‬فقالوا‪ :‬كأنك أردت علي بن أب طالب‪ ،‬فقال‪ :‬وأن يعدل ب عنه‪ ،‬وهل طفحت حرة بثله؟‬
‫قالوا فلو دعوته يا أمي الؤمني‪ ،‬فقال‪ :‬هيهات أن هناك شخا من هاشم وأثره من علم ولمة من رسول ال‪ ،‬إن عليا‬
‫يؤتى ول يأت فامضوا بنا إليه فمضوا نوه‪ .‬لقد كان علي(ع) يتمن أن يكون ولو جنديا مع أولئك الغزاة إل ماوراء‬
‫الدود وما داموا يملون إل تلك البلد رسالة ممد(ص) الت كان يفن ف سبيلها ول يفكر بغيها‪ ،‬ول يضره إذا‬
‫تققت أهدافه أن يكون أميا أو مأمورا‪ ،‬وطالا كان يرمي بنظراته تلك الموع الدججة بالسلح تودع الدينة ف‬
‫طريقها لارج الجاز ويتمن لو يتاح له أن يكون معهم حيث يريدون ولكن ذلك كان مظورا عليه وعلى غيه من‬
‫كبار الصحابة فيعود طاويا قلبه على هم جديد فوق ماطواه عليه من هوم وأحزان‪ .‬لقد اختزل السن ف هذا النص‬
‫عناصر منهج آخر يتعارض مع فكر القطيعة ومروياتا وميلتها‪ ،‬فالمام علي ف هذه الرؤية الت يتبناها كتابنا هي موقع‬
‫المام علي ف نفس عمر وتقويه له شاما عزيزا‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫وف القارنة بي صورة المام علي عند عمر وصورته عند أهل القطيعة قبل وبعد أن تلتقطها الدولة الصفوية‪،‬‬
‫فتنل بالمام علي منازل تس أنفته‪ ،‬وهو على حار ووراءه فاطمة‪ ،‬يطرق أبواب النصار وحوله ولداه السن‬
‫والسي فإل أي مشهد ينتهي مريدو المام والسائرون على مدرسة أهل البيت‪ ،‬أعلى حارٍ ف جنح الليل وحيدا إل‬
‫من ابنة الرسول وابنيه يبحث عن نصي فل يستجيب له أحدٌ من النصار أم هو ف ضمي عمر ووجدانه (يُؤتى ول‬
‫يأت) ؟‪.‬‬

‫التشيّع العلمان على مذهب الصريي‬


‫الدرسة الصرية عند العلمانيي العراقيي من أصول شيعية‬

‫علي الوردي رائدا‬


‫يدد الدكتور علي الوردي ثنائية النقسام بفصل موسع من كتابه (مهزلة العقل البشري)‪.‬على ضوء قواني علم‬
‫الجتماع‪ ،‬وببساطة وعفويّة وبياد وشجاعة رائدة ما يوجبُ علينا التوقف عن السرد والستطراد‪ ،‬لنفسح الجال‬
‫لرؤية الوردي أن تأخذ مداها الكامل‪ ،‬باعتباره أول عال اجتماع وأديب ينتسب إل أسرة شيعية فيسخر من النهج‬
‫الصفوي ورواياته مثلما ينتقد النهج الموي ف تفسي التاريخ السلمي‪ ،‬والذي يبدو أن علي شريعت‪ ،‬قد تأثر بنهج‬
‫الوردي أو أن الوردي هو الذي أيقظ ف روح هذا الفكر عنفوان الحتجاج والتمرد‪.‬‬
‫يقول علي الوردي‪ :‬أصبح الناع بي الشيعة وأهل السنة ف العصور التأخرة‪ ،‬كأنه نزاع بي علي وعمر‪.‬‬
‫وصار الناس يطلقون على الشيعة اسم "ربع علي" وعلى أهل السنة " ربع عمر"‪.‬‬
‫‪198‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫وظهر هذا بلءٍ ف العراق ف العهد العثمان يوم كان التنافس شديدا بي الصفويي والعثمانيي‪.‬‬
‫وانمك العوام ف هذا الوضوع انماكا غريبا حت خيل للناظر أن عليا وعمر كانا ف حياتما متباغضي تباغضا‬
‫عنيفا‪.‬‬
‫وأخذ الداحون والقصاصون يزيدون ف النار ليبا‪.‬‬
‫فكان كل فريق منهم يبالغ ف تبيان فضائل صاحبه ليكسف با فضائل خصمه الزعوم‪.‬‬
‫ومن يدرس الكتب الت ترجها الطابع ف أيامنا هذه حول هذا الوضوع يد أثر ذلك واضحا‪.‬‬
‫ول يب أن نضع أصابعنا على ما جاء ف هذه الكتب‪ ،‬لكي ل نزيد ف الطنبور نغمة جديدة‪.‬‬
‫ومشكلة العقل البشري أنه إذا ركّز انتباهه على مناقب شخص أو على مثالبه‪ ،‬استطاع أن يأت منها بشيءٍ كثي‪.‬‬
‫فهو إذا أحبّ شخصا استطاع أن يعل كل أعماله مناقب‪ ،‬وإذا أبغضه حولا إل مثالب‪.‬‬
‫وهذا أمر نلحظه ف حياتنا اليومية‪ .‬فالحبوب هو فاضل ف جيع أعماله وأقواله‪.‬‬
‫وإذا رأينا منه شيئا يستوجب الذمة أو اللوم لأنا إل منطق التبير والتسويغ وقلبناه إل حق ل مراء فيه‪.‬‬
‫سألن بعض الجانب عن هذا الناع بي علي وعمر‪ ،‬ما هو مصدره ومنشؤه؟‬
‫وهذا السؤال له أهيته الجتماعية‪ .‬فالجانب حي يقرأون تاريخ السلم الول يدون الصفاء تاما بي علي‬
‫وعمر‪.‬‬
‫فقد تزوج عمر من ابنة علي‪ ،‬وتول أصحاب علي الوليات الهمة ف عهد عمر‪.‬‬
‫وكان عمر يستشي عليا ف كثي من القضايا ويدحه‪ ،‬كذلك كان علي يدح عمر ف حياته وبعد ماته كما جاء‬
‫ف نج البلغة‪.‬‬
‫فما هو السبب الذي جعلهما متباعدين بعد موتما بينما كانا ف حياتما متقاربي تقاربا واضحا؟‬
‫هنا يأت الفلطونيون فيحاولون أن يفسروا هذه الظاهرة الجتماعية العجيبة بنطقهم البال العتيق‪.‬‬
‫يقول فريق منهم‪" :‬إن السبب كله راجع إل اللعون بن اللعون عبد ال بن سبأ‪ ،‬فهو الذي صوّر عليا بصورة‬
‫البغض لعمر‪ ،‬وهو الذي هدم السلم بذا التفريق الشائن"‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ويأت الفريق الخر فيقول‪" :‬كل وألف كل إن السبب هو عمر نفسه‪ .‬إذ كان يكره عليا كراهة عميقة ويريد‬
‫الضرار به والنتقاص من فضله الذي كان كالشمس ف رابعة النهار "‪.‬‬
‫إن البحوث الجتماعية تالف هذين الرأيي معا‪ .‬فالرأي الول تافه ل يعتد به‪.‬‬
‫فليس من السهل على شخص واحد‪ ،‬مهما كان عبقريا ف دهائه وحيلته‪ ،‬أن يعبث بالسلم ذلك العبث الائل‪ ،‬دون أن‬
‫يصده صاد أو يعاقبه أحد‪.‬‬
‫أما الرأي الثان فهو سخيف ل تقره وقائع التاريخ فلو كان عمر يكره عليا كرها شديدا لا تزوج من ابنته ولا ولّى‬
‫أصحابه ف الوليات الهمة‪.‬‬
‫ل ننكر أنه قد حدث شيء من الصومة والنابذة بي علي وعمر بعد وفاة النب مباشرة‪ ،‬لسيما ف حياة السيدة‬
‫فاطمة‪.‬‬
‫وقد أشار إل ذلك كثي من الؤرخي‪ .‬ولكن ذلك كان أمرا مؤقتا انتهى بوت فاطمة كما هو معروف‪.‬‬
‫حيث يقول بعض الغلة‪ :‬إن عليا كان يداري بعمر من باب التقية وأنه رضي بتزويج ابنته منه بعد أن هدده عمر‬
‫تديدا شديدا‪.‬‬
‫وذهب بعضهم إل القول بأن عمر ل يتزوج ابنة علي بالذات‪ ،‬إنا تزوج امرأة من الن على صورتا بينما كانت‬
‫ابنة علي ل تزال ف بيت أبيها عذراء‪.‬‬
‫إن هذه القاويل يكن أن يتحدث العوام با ف القاهي‪ ،‬ولكنها غي جديرة أن تطرح على بساط البحث العلمي‪.‬‬
‫الواقع أن عليا وعمر وأبا بكر كانوا من حزب واحد‪ ،‬وهو حزب الثورة الحمدية‪.‬‬
‫ولذا وجدناهم يناوئون قريشا ويفضلون عليها سلمان الفارسي وبلل البشي وصهيب الرومي‪.‬‬
‫أما ما حدث بينهم من خصومة طفيفة ف يوم من اليام فل يستوجب أن يكون شعارا لناع اجتماعي عام يقتل‬
‫الناس فيه ويتلعنون‪.‬‬
‫من القائق الت يب أن يفهمها هؤلء الغفلون‪ :‬أن عمر وعليا كانا من حزب واحد واتاه متقارب‪.‬‬
‫ول يستطيع أي مؤرخ أن ينكر أن أصحاب علي أيدوا عمر ف خلفته كما أن أصحاب عمر أيدوا علي ف‬
‫خلفته‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫فالصحابة الذين اشتهروا بالتشيع لعلي كانوا ف عهد عمر عما ًل وقُوادا يأترون بأمر الليفة ويدمون السلم‬
‫بالتعاون معه‪.‬‬
‫نص بالذكر منهم‪ :‬عمار بن ياسر وسلمان الفارسي والباء بن عازب وحذيفة بن اليمان وسهل بن حنيف وعثمان بن‬
‫حنيف وحجر بن عدى وهاشم الرقال ومالك الشتر والحنف بن قيس وعدى بن حات الطائي‪.‬‬
‫وعندما سافر عمر إل الشام ولّى عليا مكانه ف الدينة‪.‬‬
‫وند من الناحية الخرى أن الذين بايعوا عمر وآزروه ف خلفته هم أنفسهم الذين بايعوا عليا بعد ذلك وقاتلوا‬
‫تت رايته‪.‬‬
‫بايع عليا أكثر الهاجرين والنصار‪ .‬وهذا أمر ل مال للشك فيه‪ .‬وقد صرح علي غي مرة أنه بايعه الذين بايعوا‬
‫أبا بكر وعمر من قبل‪ .‬فلم يرد عليه أو يكذب دعواه أحد‪.‬‬
‫يقول اللوسي‪ :‬إن ثانائة من أصحاب بيعة الرضوان كانوا يقاتلون معاوية تت راية علي ف صفي‪ .‬وقد قتل‬
‫منهم ثلثائة‪.‬‬
‫وأصحاب بيعة الرضوان هؤلء هم نبة الصحابة وقوام الهاجرين والنصار‪.‬‬
‫وقد حدثت بيعة الرضوان ف عام الديبية حيث جدد الهاجرون والنصار بيعتهم للنب وعزموا على الوت‪.‬‬
‫وهم إذن يتلفون عن أولئك الناس الذين دخلوا السلم بعد الفتح وكان كثي منهم منافقي‪ ،‬حيث أسلموا رهبة‬
‫أو رغبة‪.‬‬
‫إن هذه الوثائق التاريية الصارخة يب أن تكون موضع نظر لدى الشيعة وأهل السنة‪.‬‬
‫وعليهم أن يفهموها قبل أن ينشغلوا بدلم العقيم الذي ل طائل وراءه‪.‬‬
‫ماركسي وعلمان‪ ..‬ونوذجه عمري !‪.‬‬
‫وجدت ف حياة شقيقي هادي العلوي أكثر من عشرين خصلة مستلهمة من تراث عمر بن الطاب‪ ،‬عثرت عليها‬
‫فيما بعد أثناء دراست له‪.‬‬
‫أوشك هادي أن يزق ستائر منل ف الشام‪ ،‬كما مزق عمر ستائر يزيد بن أب سفيان يوم قدم إل الشام‪.‬‬

‫‪201‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ورفض هادي أن يركب معي ف سيارت‪ ،‬قائلً‪ :‬إن عمر بن الطاب كان يرم على نفسه ركوب البذون‪ ،‬وهي نوع من‬
‫المي والبغال العالية والدربة والفضلة عند الغنياء‪ ،‬وقال‪ :‬إنا تقابل الرسيدس ف أيامنا هذه‪ ،‬ولو كان عمر حيا لا فضل غي‬
‫السيارات الروسية‪ ،‬ولرّم امتطاء السيارات الفارهة‪.‬‬
‫وجاءن مرة طالبا أن أشتري منه كيسا من الرز البسمت المتاز الذي اعتاد أن يبعثه صديقه من البحرين فيتقبله‬
‫على أل يدخل بيته ويفرض عليّ شراءه بثمنه ما يزيد على (‪ )300‬كيلو من الرز التايلندي الشعب‪ ،‬ليوزعه على‬
‫عوائل عراقية ف حي السيدة زينب على أن أقوم أنا بالتوزيع‪ ،‬وهو معي‪.‬‬
‫وكان يقول للسلميي هناك‪ :‬لاذا ل توزعون بطونكم وتتشبهون بعلي إن كنتم من مدرسة أهل البيت‪ .‬ول‬
‫أقول عمر لبعده وبعدكم عنه؟‪ .‬وكان يشي بذلك إل رواية تقول‪ :‬إن عمر بن الطاب كان يذهب إل القصاب الذي‬
‫يدير (ملحمة) كبية تابعة للزبي بن العوام وهي الوحيدة ف الدينة‪ ،‬فإذا رأى رجلً اشترى لما يومي متتاليي ضربه‬
‫بالدرة قائلً‪:‬‬
‫أل طويت بطنك لارك وابن عمك؟‪.‬‬
‫ل مر ًة أن استنسخ على اللة الكاتبة نسخا من تعاليم عمر وتعريفه بأصحاب الكروش كما يسميهم‬
‫وطلب إ ّ‬
‫الاركسيون‪ ،‬وهم البطانون بصطلح العرب‪.‬‬
‫أيها الناس إياكم والبطنة عن الطعام فإنا مكسلة عن الصلة‪ ،‬مفسدة للجسم‪ ،‬مورثة للسقم وعليكم بالقصد ف‬
‫قوتكم‪ ،‬فإنه أدن من الصلح‪.‬‬
‫ويذكر ابن الوزي كما يقول الصلب أن عمر رأى رجلً عظيم البطن‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذا؟ قال‪ :‬بركة من ال‪.‬‬
‫فقال عمر‪ :‬بل عذاب من ال‪.‬‬
‫وكان الواهري يستلهم عمر بصب العذاب على تلك الكروش ف قصيدته‪.‬‬
‫(أطبق دجى)‪:‬‬
‫يُطّها شـحمٌ مـذاب‬ ‫أطبق على هذي الكروش‬
‫وينتقد هادي العلوي موقف أغنياء التشيع ومؤسساتم الدينية إزاء العراقيي الذين أخرجوا من ديارهم بغي حق‪،‬‬
‫فانتزعت أموالم ونبت ملتم التجارية‪ ،‬وشرّد الخرون لسباب سياسية فتشاركوا العيش ف غرف مظلمة ف حي‬

‫‪202‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫السيدة زينب بالشام‪ .‬وكأنم دخلوا ف سنواتم إل عام الرمادة الستمر سوى أنم رعية بل راع‪ ،‬وفقراء بل عمر‪،‬‬
‫وشيعة بل علي‪ .‬وكأنه يشـي إل موائـد عمـر ف عام الرمادة‪ ،‬الت اتسعت لعشرة آلف‪ ،‬فضلً عن (‪ )50‬ألفا‬
‫يرسل إليهم الطعام ف الدينة‪ ،‬فيما عشرات اللف من العراقيي ل يدوا ف رمضان مايكسرون به الصوم ف ساعة‬
‫الفطار‪ .‬وموائد مثلي بعض الرجعيات الدينية‪ ،‬ل ترقى إليها سوى موائد المويي ف عزّ خلفتهم‪.‬‬
‫وهادي العلوي يطبق على نفسه معتقداته الفكرية‪ ،‬فإذا دوّن نصا ف الزهد سارع إل الخذ به ف حياته البسيطة‪،‬‬
‫وكان يقرّ بنظرية القدوة‪ .‬والنموذج الشع والؤثر ف الجتمع‪ .‬ويعطي لعمر بن الطاب نصيبا أوفر للنموذج الاذب‬
‫وف أباثه النظرية تلتحم السي الحمدية مع بعضها ف ثلثية أب بكر وعمر وعلي‪.‬‬
‫يقول ف كتابه "خلصات ف السياسة والفكر السياسي ف السلم"‪:‬‬
‫فهناك نصوص تتحدث عن تفاعل أحادي بي الدولة والجتمع يترتب عليه تغي متناسب ف أخلقية الشعب باتاه‬
‫السياسة الرسية السائدة‪ .‬ويدث التغي من خلل تأثي ميكانيكي يعتمد على فكرة النموذج والقدوة‪.‬‬
‫وعن ابن الثي يقول هادي العلوي‪:‬‬
‫كان الوليد بن عبد اللك صاحب بناء واتاذ الصانع والضياع‪ ،‬فكان الناس يلتقون ف زمانه فيسأل بعضهم بعضا‬
‫عن البناء‪ .‬وكان سليمان صاحب طعام ونكاح فكان الناس يسأل بعضهم بعضا عن النكاح والطعام‪ .‬وكان عمر بن‬
‫عبد العزيز صاحب عبادة فكان الناس يسأل بعضهم بعضا عن الب‪ :‬وماوردك الليلة وكم تفظ من القرآن وكم‬
‫تصوم من الشهر‪..‬؟‬
‫يريد ابن الثي من هذه الكاية‪ ،‬الت ل تلو من مبالغة‪ ،‬تأكيد تبعية سلوك الناس للخليفة‪ ،‬بوصفه قدوة لم‪.‬‬
‫والتبعية هنا مباشرة وبسيطة تتمثل ف ملحظة سلوك الليفة والقتداء به عن وعي وقصد‪ .‬وترجع فكرة القدوة إل‬
‫وقت مبكر‪ ،‬وقد نص القرآن على ضرورة القتداء بالنب(ص) كأسوة حسنة للمؤمني‪ ،‬تبصرهم بأبعاد السلوك الثال‪.‬‬
‫وهناك تصور مقارب يرد ف روايات من عهد عمر‪.‬‬
‫ففي الطبي‪ :‬لا جيء بسيف كسرى ومنطقته وزِبرِجه إل عمر قال‪ :‬إن قوما أدوا هذا لذوو أمانة‪ ".‬فعقب علي بن أب‬
‫طالب‪ " :‬إنك عففت فعفت الرعية"‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ويتردد رأي ف نفس العن يقول ابن سعد وابن الوزي‪ :‬إن عمر كتب به ف جلة وصاياه إل عماله‪ .‬وإحدى‬
‫صيغه تقول‪ ":‬إن الرعية مؤدية إل المام ما أدى المام إل ال‪ ،‬فإذا رتع المام رتعوا " وتصدر هذه اللحظات عن‬
‫فكرة القدوة‪ ،‬فرجل الكم إذا كان نزيها لزم الناس ذ ومنهم السؤولون الثانويون‪ -‬جانب العفة‪ .‬وإذا كان سارقا‬
‫فلنا أن نتوقع أن يكون الناس سراقا مثله (هل يتاج العرب العاصر إل دليل نظري على صحة هذه القاعدة؟)‪.‬‬
‫وهنا ترتد سياسة السلطة على الجتمع‪ ،‬فتكسبه صبغتها الاصة با‪ .‬بذا العن ترد عبارة ينسبها ابن شعبة إل‬
‫علي بن أب طالب تقول‪ ":‬الناس بأمرائهم أشبه منهم بآبائهم‪."..‬‬
‫الليلي والشرقي والواهري ‪:‬‬
‫إن حركة التنوير ف سللت التشيع العراقي العاصر ل تتوقف عند الدكتور علي الوردي الذي ظهرت كتاباته ف‬
‫وقت متقارب مع العلن الشيعي الول الفريد الصادر عن الرجع الكبي ممد حسي كاشف الغطاء ف كتابه (أصل‬
‫الشيعة وأصولا) ف مطلع المسينات‪ ،‬حول مبايعة المام علي الشيخي والعمل الشترك معهما‪.‬‬
‫ولو أتيح لباحث أن يتخصص بذا القل لتسعت أمامه فرص الكتابة لتشمل باحثي وشعراء كجعفر الليلي والشيخ‬
‫علي الشرقي والؤرخ هاشم معروف السن‪ ،‬والشيخ عبد ال النعمة ومسن المي العاملي ف لبنان‪.‬‬
‫ل وضع موسوعة العتبات القدسة‪ ،‬وصارت مرجعا للدراسات الدينية والكاديية‪ ،‬لكنه ل‬
‫إن جعفر الليلي مث ً‬
‫يوفق ف تعميم نوذجه الستقل ف الوساط الدينية الت كان قريبا منها‪.‬‬
‫أما الشيخ علي الشرقي‪ ،‬وهو فقيه وكان أستاذا للجواهري‪ ،‬وابن عمته فلم يقترب من الناعات الطائفية‪ ،‬وبقي‬
‫بعيدًاَ عن منهج نقد الصحابة‪ ،‬وكان يرى من الفضل للجيال القادمة‪ ،‬وللمجتمع السلمي العاصر أن ينأى عن‬
‫دوران الديث حول اللفات الت حصلت ف العصور السلمية واجترار روايات الناع قائلً‪:‬‬
‫وخل واقعة المل‬ ‫دع عنك مروان المار‬
‫والنحل تعمل للعسل‬ ‫للسع نعمل دائما‬
‫أرأيت مزرعـــة البصـل‬ ‫بلـــدي رؤوس‬
‫؟‬ ‫كــــله‬

‫‪204‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫أما الواهري‪ ،‬أهم شاعر ف تاريخ العرب العاصر‪ ،‬وهو نفي من سللة فقهاء‪ ،‬فقد نأى بنفسه عن تداول لغة‬
‫الناع‪ ،‬وتأخذ الوزات العلمية عليه أنه ل يلتفت مرة خلل ثاني عاما من تربته الشعرية إل القبب الذهبية حوله‬
‫فيشي إليها بقصيدة أو بيت أو شطر‪.‬‬
‫وف استقرائي الاص‪ ،‬أنه كان يفضل أي مدينة ف العال على مدينته ومسقط رأسه النجف‪ ،‬ما حدان إل إثارة‬
‫هذا الانب ف جلسة تلفزيونية نقلت من بغداد عام ‪ ،1969‬واشترك فيها علمة النحو الكوف الدكتور مهدي‬
‫الخزومي‪ ،‬والشاعران شاذل طاقة وشفيق الكمال‪ ،‬وكاتب السطور بالضافة إل مدير اللسة‪ ،‬إذ قلت‪:‬‬
‫إن الواهري نفي عاق‪ ،‬وعقوقه هي الت أنبت شاعرا من هذا الطراز‪ .‬وبشكل عام‪ ،‬فقد ترر الكتاب‬
‫القوميون واليساريون الشيعة من عقدة عمر ف مياثهم الطويل‪ ،‬كما تاوزتا دوائر الصراع‪ ،‬ونأى عنها ف وقت‬
‫مبكر‪ ،‬الزعيم السياسي ورئيس الجمع اللغوي العراقي الشيخ ممد رضا الشبيب وشقيقه الشاعر ممد باقر الشبيب‬
‫والدكتور عبد الرزاق مي الدين‪ ،‬وهم ف دائرة التشيع الدين لكنهم ل يقتربوا من تدوين ذلك ف كتاب أو مقالة‪.‬‬

‫من تارب الشاركة العلوية العمرية‬


‫بعد أن انتهى المام المين من تأسيس جهوريته العلوية‪،‬‬
‫وجدنا التجربة العمرية شاخصة‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫جهورية المين العلوية والتجربة العمرية‬
‫ف تاريخ الفقه الشيعي الديث ينفرد الفكر الفقيه اليران شيخ السلم ممد حسي النائين نزيل النجف ف‬
‫العراق برأي خطي‪ ،‬وهو يدلل على مشروعية تول غي الجتهدين للسلطة السلمية‪ ،‬فيقرر‪ ،‬كما يقول الفكر‬
‫السعودي الشيعي توفيق السيف()‪ ،‬ترجيح رأي الول النوعي‪ ،‬ف مال عمله ومشروعية عمله تبعا لترجيحاته اذا كان‬
‫مأذونا ف الولية‪.‬‬
‫إن الول النوعي القصود هنا هو صاحب الكفاءة‪ ،‬الذي يتول عمل من أعمال الدولة‪ ،‬فيكون صاحب اختصاص‬
‫فيه‪ .‬وهذا مشابه لا ذهب إليه قليل من الفقهاء الذين اشترطوا البة النوعية ف صاحب الولية مثل كاشف الغطاء‬
‫والمين‪.‬‬
‫وف هذا الرأي اعتراف ضمن‪ ،‬وإن ل يُصرح به بصواب نظرية عمر بن الطاب ف اعتماد (غي الجتهدين) ولة‬
‫وأمراء من يطلق عليهم الشيخ النائين ف رسالته الثية‪( :‬تنبيه المة وتنيه اللة) الول النوعي‪ .‬ويفهم الدكتور توفيق‬
‫السيف أن البة النوعية ف أمر الولية مقدمة على الجتهاد ف الفقه بالعن التداول مع الحتياط ونيل الذن من‬
‫الفقيه العلى‪.‬‬
‫أصدر عمر بن الطاب بعد الطاحة بالسللة الكسروية‪ ،‬أمرا أبلغه سعد بن أب وقاص يستصفي ماكان لل‬
‫ل معهم من الدهاقي والقادة‪ ،‬من أموال‪ ،‬ووجد عمر كما يقول ممود شلب ف كتابه حياة عمر‪،‬‬
‫كسرى‪ ،‬ومن ّ‬
‫طبقتي ف بلد فارس‪ ،‬عالية شامة ظالة تتلك كثيا‪ .‬وأغلبية مستضعفة ل تتلك شيئا‪ ،‬فصادر أملك آل كسرى‬
‫وأملك الكباء والمراء والدهاقي‪ ،‬فأصبحت تلك الملك ملكا للدولة‪ ،‬ل يوز التعامل فيه‪ ،‬ول بيعه‪ ،‬ولشراؤه‪،‬‬
‫حبسا على منفعة الناس‪ ،‬وكانت تلك من قرارات التأميم البكرة ف تاريخ البشرية‪ ،‬كما اعتب الراضي الزراعية‬
‫الؤمة ملكا خاصا للدولة يعمل فيها الفلحون القدماء أنفسهم‪ ،‬وجعل النافع العامة من ماري الياه وسلك البيد‬
‫ملكا عاما أيضا‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫وأقول كشاهد ومراقب لتاريخ الثورة السلمية ف إيران‪ ،‬إن المين طبق هذه الجراءات عند إطاحته بنظام‬
‫كسرى بذافيها‪ ،‬فصادر متلكات السرة الكسروية ووزع أراضي القطاعيي على الفلحي‪ ،‬وجعلها أملكا للدولة‪،‬‬
‫رغم أن صعوبات واجهته من داخل الؤسسة ف الضي بشروع الثورة الزراعية‪.‬‬
‫ليس تشابه التجربتي والرحلتي‪ ،‬وكلتاها أدت لتحويل بلد فارس من نظام كسروي إل نظام إسلمي‪ ،‬مقتصرا‬
‫على السلوك الاص والسمات الشخصية كالورع والزهد والتواضع وإنا ف تشابه الجراءات كما أسلفنا‪.‬‬
‫ونضيف أن المين ل يوصِ بدور لبنه ف خلفته‪ ،‬وإنا ترك المر لجلس الباء‪ ،‬الذي يشبه ملس الشورى‬
‫عند عمر‪ ،‬وكما أُبعد عبد ال بن عمر عن دور أساسي ف اختيار اللف‪ ،‬أبعد أحد المين عن دور له حسب وصية‬
‫والده‪.‬‬
‫وتوف عمر‪ ،‬ول يترك إرثا لحد من ابناءه‪ ،‬وهو الذي كانت عليه عائلة المين بعد رحيله‪.‬‬
‫وعلى ما كانت عليه مهابة عمر وعلو مكانته مؤسسا لول دولة عربية بالارطة الالية للوطن العرب‪ ،‬وعلى ما‬
‫فيه من شجاعة ونفوذ‪ ،‬فقد سحت بعض قوى العراق وملت بغدادية بعله شخصية كاريكاتورية‪ ،‬ومادة للكوميديا‬
‫الاهلية‪ ،‬تغري الصبيان والسوقة بتسخيفه والضحك عليه‪ ،‬سُمح أيضا‪ ،‬وف البلد نفسه‪ ،‬لن يتحول المين بتقواه‬
‫ومهابته وشجاعته وزهده وعزمه‪ ،‬إل مادة للكوميديا‪ ،‬ف مسرحيات يشترك فيها سقطة القوم بسفسان الكلم‪.‬‬
‫ولو كان المين ف دوره هذا فقيها عربيا سنيا‪ ،‬وثورته ف بلد عرب سن‪ ،‬لنعمت المة بعصر جديد من العصور‬
‫الحمدية العلوية‪ ،‬وقد أحال بينه وبي هذا اللم أنه إيران‪ ،‬والنطقة عربية‪ ،‬وشيعي والنطقة سنية‪ ،‬ولذا كنت أكرر‬
‫القول ف نشاطي السياسي والعلمي‪ ،‬إن حرب النيابة المريكية لتحجيم ثورة المين ل تكن ضرورية‪ ،‬فهذه الثورة‬
‫مجمة بالعاملي إياها‪ ،‬ومددة الركة بدود إيران‪ ،‬وبالجم السكان للمسلمي الشيعة ف الحيط السن الواسع‪.‬‬
‫وف التام سيكون العتراف أو السؤال‪ :‬بأن المين‪ ،‬مادام من أتباع المام علي‪ ،‬فلم جعلتم مشترك إجراءاته‬
‫شبيها لسنة عمر ونجه‪ ،‬ولاذا قد أقحمنا عمر فيها‪.‬‬
‫فأقول‪ :‬إن الواب هو السؤال فحيثما كان الفقيه ملتزما بالسياسة السلمية‪ ،‬مقيدا بقيودها‪ ،‬فسيكون صعبا‬
‫تصنيف اتاهات الدولة إل علوية وعمرية‪ ،‬لتوحدها بتوحد الصدر‪.‬‬

‫‪207‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫وسيكون ف الوقت ذاته‪ ،‬سهلً على الصنفي أن ينسبوا النهج السياسي وأسلوب الكم إل أي منهما‪ ،‬فيكون‬
‫مسوبا على المام علي أم على عمر بن الطاب‪.‬‬
‫وسيكون من باب التوفيق‪ ،‬والصابة لنهج الكتاب‪ ،‬وعنوانه‪ ،‬ومضمونه أن العلوي الالص لوجه ال والحمدي‬
‫التصل بعقيدته هو العمري الالص لوجه ال التصل بعقيدته‪.‬‬
‫وف سوى ذلك‪ ،‬فالسلمون على نج التنقيص‪ ،‬سواء كان الستهدف عليا أم عمر‪.‬‬
‫إن التركيز على هذا الفصل هو خلصة هذا النهج‪ ،‬الذي يأب التنقصون من الطرفي أن يطلوا عليه بروح‬
‫ممدية وبروح الياد النهجي‪.‬‬
‫ولو كان حكام العراق على هذا الفهم‪ ،‬أو لو كانوا عمريي‪ ،‬لافظوا على إبقاء المين ف ظاهر الكوفة‪ ،‬يقود‬
‫السلمي من العراق كما فعل عمر من قبل‪ ،‬ل أن يطرد إل بلد غي عرب‪ ،‬وغي مسلم‪ ،‬فتفقد الكوفة دورا مفصليا‬
‫لا‪ ،‬كان يكن أن يتصل بدورها الول‪ ،‬وباعتبارها قاهرة الدولة الساسانية‪.‬‬
‫ل أكن أجهل هذا ونن ف اليام الخية من صلتنا الشتركة مع صدام حسي‪ ،‬وكان نائبا فسألته هذا السؤال‪،‬‬
‫وكنا على الدود اليرانية‪ ،‬لاذا ل ندعم الثورة اليرانية‪ ،‬وهي تطارد مؤسسات الوساد والنظمات الاسونية والدعاة‬
‫السرائيليي هناك‪ .‬فقال بالنص الرف‪( :‬إن ربعك غشون) فمن هم ربعي؟‪.‬‬
‫ربا قصد بم علماء الوزة التواطئي مع السلطة‪ ،‬والذين كانوا يهزؤون من المين ونفوذه‪ ،‬أو من النظمة‬
‫الزبية ف النجف الت كتبت لصدام حسي شيئا من هذا القبيل‪ .‬فلم يتصور أن للخمين هذه القدرة‪.‬‬
‫وتقضي الصدف‪ ،‬بلغة علمانية‪ ،‬وإرادة ال‪ ،‬بلغة دينية أن تكون مدة ولية عمر على رأس الدولة تتد إل ‪128‬‬
‫شهرا‪ .‬وولية المين تتد إل ‪ 136‬شهرا‪ .‬فيقترب الزمان بالكان وتتقارب التجارب‪ ،‬ول يترك سوى شهور قليلة‬
‫هي بقدر اللف ف الجتهاد بي تربتي عاشتهما إيران ف صراعها ضد السللت الكسروية‪.‬‬
‫على خطى عمر‪:‬‬
‫فكما رفض عمر أن تفرش على عباءته ف السجد النبوي تيجان كسرى وصولانه وخزائن الاس والذهب‪ ،‬رفض‬
‫المين أن يقترب من رؤية هذا العرش الرصع بالاس‪ .‬وكما فضل عمر بن الطاب صحن الزف على الوان‬
‫الصنوعة من الذهب والرصعة باللؤلؤ‪ ،‬فتركها ووزع ثنها للمستحقي‪ ،‬أو أعادها إل بيت الال‪ ،‬وجلس على‬

‫‪208‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫حصيته ف السجد النبوي‪ ،‬يقضم كسرة البز اليابس ويرطّبُها بقليل من اللب ف صحن الطي‪ ،‬جلس المين على‬
‫حصيه ف مصلى جران ووجبته وجبة عمر‪ ،‬وهي وجبة النب (ص) يشارك ابنته وزوجها‪.‬‬
‫أجل إن عاطفتنا تتسع‪ ،‬فتقفز من الذاكرة اللتهبة إل شبكة العي صورة رسها الشاعر ممد مهدي الواهري لب‬
‫العلء العري‪ ،‬فخرجت منه‪ ،‬ومن العري إل من كانوا ظاهرة ف التاريخ البشري‪ ،‬أنبياء بجم ممد (ص)‪ ،‬وأئمة‬
‫بجم علي‪ ،‬وخلفاء بجم عمر‪ ،‬وفقهاء من طراز المين‪:‬‬
‫وذهنـه ورفوف تمـل الكتبا‬ ‫على الصي وكـوز الاء يرفده‬
‫شيخ أطل عليها مشفقا حـدبا‬ ‫أقام بالضجـة الدنيا وأقعـدها‬
‫ل منها ومرتقبـا‬
‫وشامَ مسـتقب ً‬ ‫بكى لوجاع ماضيها وحاضرها‬
‫ج من كان أيا كان مغتصبـا‬
‫وش ّ‬ ‫حّنا على كل مغصوب فضمده‬
‫وإذا ترأنا على نقل ما تدث وتتحدث به كتب ودراسات لفكرين إسلميي من غي الدرسة السلفية‪ ،‬وأخرى‬
‫علمانية من ضمنها الدرسة الصرية الحايدة‪ ،‬فسنكون ف مواجهة فقهية صعبة‪ ،‬وعناوين تتحدث عن اجتهاد عمر بن‬
‫الطاب ف أكثر من موضع‪ ،‬وهي تسي باتاهي متعاكسي‪.‬‬
‫ل يشيون إل تلك الواضع كأدلة على قدرة عمر على الجتهاد‬
‫إن طه حسي وعلي الوردي وهادي العلوي مث ً‬
‫وقوته على ماورة النص‪ ،‬وفهمه الضرورة بطريقته الاصة بينما تسعى كتب الذاهب والفرق للتشهي بعمر وطعنه‬
‫بالروج على النصوص الت ل اجتهاد فيها‪.‬‬
‫وشل اجتهاد عمر منع عطاء الؤلفة قلوبم‪ .‬وإمضاء طلق الثلث بكلمة واحدة‪ ،‬ونى عن رواية الديث‪ ،‬وكان‬
‫يأب كتابة السنن ويدرأ الد بسبب الضطرار‪ ،‬ويأب قسمة الرض ف بلد فارس بي السلمي الذين فتحوها‪ .‬وله‬
‫اجتهاد خاص عزله عن غيه من البلد‪.‬‬
‫إن الدرسة الصرية أقرب إل العقول والرضا ف تفسي اجتهادات عمر‪ ،‬من الدرسة السعودية الت تقلل ماوسعها‬
‫ذلك من أمر الجتهاد‪ ،‬وتصره با يعل عمر تابعا مثل غيه خشية من أن يوصم بالبتداع أو البدعة‪.‬‬
‫أما الدرسة الصفوية فهي تتلقف اجتهادات عمر‪ ،‬ل للفخر به‪ ،‬كما يفعل الصريون‪ ،‬وإنا للتشهي والتجريح‬
‫والتدليل على عدم التزامه بنصوص القرآن‪.‬‬

‫‪209‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫وبالصطلح العاصر يصبح عمر بن الطاب تريفيا عند هذا الفريق!‪.‬‬
‫وكان فقهاء التشيع ف إيران والعراق قد طعنوا المين بالتحريف‪ ،‬ولن اللف ف الوزات الدينية يتخذ طابعا‬
‫تشهييا‪ ،‬تطرف بعضهم‪ ،‬فصار يطالب بتطهي الكأس الت يشرب ابنه مصطفى‪ ،‬إشارة إل ارتداده عن الدين فتحاشوا‬
‫حضور دروسه ومالسه إل القليل منهم‪.‬‬
‫وف السياق نفسه‪ ،‬واجه المين بعد الثورة السلمية ف إيران‪ ،‬خصومات فقهية لدى أغلبية الفقهاء الحافظي‬
‫الذين ينكرون عليه إقامة الدولة المامية بغياب (المام العصوم)‪ ،‬وهم من يصطلح عليهم بـ (الجتية)‪ ،‬فضلً عن‬
‫عامة فقهاء التشيع الذين ل يأخذون بالولية الطلقة للفقيه‪ ،‬ويصرونا بالحوال الشخصية دون التوسع با‪.‬‬
‫إن ولية الفقيه حسب النظور المين‪ ،‬والت يتطي من ذكرها الفقهاء شيعة وسنّة‪ ،‬هي السم الشيعي الذي‬
‫استخدمه المين با يعادل مفهوم اللفة السنية‪.‬‬
‫فكما الليفة خليفة رسول ال (ص) بعد رحيله‪ ،‬فولية الفقيه هي خلفة المام الغائب والنيابة عنه‪ .‬وصلحيات‬
‫الول الفقيه والليفة واحدة‪ ،‬وهي ف الالتي ليست طرازا من الدكتاتورية والستبداد الفردي بأمور الجتمع‪ ،‬وإنا‬
‫مركز سياسي وفقهي ودين‪ ،‬له حق إرسال الند إل الثغور وحايتها‪ ،‬وجباية أموال الراج‪ ،‬والصدقة‪ ،‬وما إل ذلك‬
‫من المور السبية‪.‬‬
‫ومع تتع الصحابة بق الجتهاد‪ ،‬يبقى الرأي الخي لا يقره الليفة‪ ،‬وهكذا المر ف ولية الفقيه‪.‬‬
‫وعرف اهتمام عمر بشؤون الرعية‪ ،‬وكان عام الجاعة امتحانا ربانيا وانسانيا لرؤية عمر على الطبيعة‪ ،‬فجاع مع‬
‫جوع الدينة‪ ،‬واستحال وهو الليفة شخصا من فقرائها ل يأكل ما ل يقدر عليه جياع البدو النازحي من ضربم‬
‫القحط والفاف‪ ،‬فشحب لونه‪ ،‬ومال وجهه إل الفاف‪ ،‬وبدا عليه ما يبدو على الياع ف مشاهد التاريخ والاضر‬
‫فسمي (ابو العيال)‪.‬‬
‫ول عجب‪ ،‬فهؤلء هم دفاعه الشعب ومركز قوته بعد ال‪.‬‬
‫وعلى هذه الصورة كانت حياة المين‪ ،‬وإن ل ير ف إيران عام الرمادة وكان يقول‪:‬‬
‫إن الفاة هم أولياء نعمتنا‪ ،‬ولو عملنا لم العمر بعد العمر فلن نرد لم الميل‪.‬‬

‫‪210‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫إن الفاة الياع هم القادرون على منع الطغاة من اعتقالنا وسجننا‪ .‬ومن يعتمد عليهم بعد ال‪ ،‬فل يفكر بأنه‬
‫سيهلك تت وطأة الطغاة‪.‬‬
‫وف خطبته الول كرر عمر بن الطاب مبدأ القوة والتواضع‪ ،‬وفقر الاكم ف ثراء الدولة‪ ،‬وأقسم أن يأخذ الق‬
‫من القوي إل الضعيف‪.‬‬
‫يقول طه حسي ف الفتنة الكبى‪:‬‬
‫"إن سنة عمر جرت على أن يسمع من الرعية كل ما يعيبون على ولتم‪ ،‬بشهد من هؤلء الولة والعمال‪ ،‬أو‬
‫من يغيب منهم‪ ،‬وكان يقق كل ما يرفع إليه من ذلك‪ ،‬تريا للعدل وإبراء لذمته أمام ال والناس"‪.‬‬
‫وهذا أسلوب يأخذ به أهل الديقراطيات الغربية تت قبة البلان‪ ،‬أو ف صحف تنبه وتترك التحقيق لؤسسات‬
‫القانون‪ ،‬وكان عمر يترك الولة يعملون فياقبهم بعيونه وبؤسسة البيد‪.‬‬
‫أما المين‪ ،‬فيقول الفكر والرجع السلمي ممد حسي فضل ال ف كتاب ثورة الفقيه ودولته الذي ساهم‬
‫كاتب السطور بتدوين فصل مع كتاب آخرين‪ :‬إنه أي المين كان يترك للمسؤولي أن يعيشوا تربتهم‪ ،‬وكان‬
‫يراقبها‪ ،‬فإذا أخطأوا ف موقف أو كلمة أو ما أشبه ذلك كان ينبههم‪.‬‬
‫ومن اليابيات الكبية الت تسجل له أنه كان ينبههم إل ذلك من خلل الشعب أو ف الواء الطلق‪ ،‬ول يكن‬
‫ينبههم ف السر‪ ،‬حت يتعلم الشعب أن ل يعيش الجاملت وأجواء ماوراء الكواليس‪ ،‬بل كان يؤمن بالوضوح‪ .‬فلما‬
‫كان واضحا مع الناس‪ .‬كان يريد للمسؤولي أن يكونوا واضحي معه‪ .‬وكان يريد أن يكون واضحا مع الشعب ف‬
‫تنبيه السؤولي على أخطائهم‪.‬‬
‫وف سياسة التعيينات ينهج المين أسلوبا مرّ برحلتي فقد أختار ف أول المر التكنوقراط والليباليي وأهل‬
‫الدارة‪ ،‬وإن ل يكونوا من قدامى السلميي‪ ،‬فاختار الليبال مهدي بازركان لرئاسة الوزراء‪ ،‬وبن صدر لرئاسة‬
‫المهورية‪ ،‬وإبراهيم يزدي للخارجية‪ ،‬ففشلت التجربة‪ ،‬فعاد إل الدوات السلمية من رجال الثورة ليكونوا على‬
‫رأس قيادات الدولة ومراتبها التقدمة‪.‬‬
‫ولعل شجاعته‪ ،‬كما يقول السيد فضل ال‪ ،‬أنه كان يتراجع عما يتبي فشله من خلل التجربة‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫لعل السيد ممد حسي فضل ال يشي إل مبدأ ف سياسة المام علي يقدم على عدم حجب السرار عن الرعية‪،‬‬
‫وكان المام علي يفتح ليشه وأصحابه قلبه‪ ،‬فل يفي عليهم شيئا ما يفكر القيام به‪ ،‬مادام يواجه التصدين‪ ،‬وهو ما‬
‫كان عليه عمر بن الطاب الذي أثار مناقشة القضايا حت الستراتيجية منها ف جلسات مفتوحة على أرض السجد‬
‫النبوي ف الدينة‪.‬‬
‫أقول‪ :‬لو وضعت هذه الفقرة ونسبت إل عمر بن الطاب‪ ،‬أما كانت سليمة‪ ،‬سوى أن تراتب الرحلتي متلف‪،‬‬
‫فقد بدأ عمر بن الطاب بإسناد الوليات والمارات لصحاب القدم ف السلم‪ ،‬فعي عمار بن ياسر على الكوفة‬
‫وسلمان الفارسي على الدائن‪ ،‬ث اكتشف بالتجربة أنم ل يكونوا حازمي وحاسي ف ضبط متمع يرج إل الياة‬
‫الديدة من بي قسوة القحط وعنفوان القبيلة‪ ،‬فاستبدلم بالتكنوقراط من يتلكون مهارة قريش وتربتها ف الزعامة‬
‫والدارة والقيادة‪ .‬كالغية بن شعبة ويزيد بن أب سفيان وعمرو بن العاص‪ ،‬فابتلي عمر على عمره‪ .‬لتعيينه التأخرين‬
‫ف السلم‪ ،‬مثلما ابتلي المين ف الدرسة الليبالية‪ ،‬أنه استبدل أهل الدراية والتجربة بأهل التقوى ودعاة الثورية‪.‬‬
‫انتقدت مصادر متلفة أن يزج عمر بيشه إل الثغور ف ظروف صعبة‪ ،‬ما أوقع ف جيشه خسائر بشرية شلت‬
‫قادة كبارا كالنعمان بن مقرن والثن بن حارثة‪ .‬ومصادر كثية انتقدت المين‪ ،‬أنه زج بأتباعه لواجهة غي متكافئة‬
‫مع قوى اليش‪ ،‬فمشت الدبابات على أجسادهم‪.‬‬
‫أما عمر فقد تعهد ف وقت مبكر من استلمه السؤولية للناس أن ل يلقيهم ف الهالك ول يمرهم ف الثغور‪،‬‬
‫لكنها الرب‪ ،‬فالذين يقتلون هم ليسوا ضحايا سياسيي حصدتم أجهزة عمر وسلطته‪ .‬وف حالة الثورة المينية‬
‫كانت تعاليم المين تركز على الواجهة الباشرة بي الشعب اليران‪ ،‬وسلطته الكسروية بدل من طرق ثورية أخرى‬
‫تستخدم الغتيال السياسي وتفجي الؤسسات وتفخيخ السيارات‪.‬‬

‫النطفة الت قتلت عمر‬


‫من وراءها ؟‪ ...‬سادة قريش أم عبيدها‪،‬‬
‫أم ارتداد الدن الفتوحة؟‪.‬‬

‫‪212‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫المام علي يذر من اغتيال عمر‬
‫هل استشرف المام علي مصي صاحبه الذي ستقتله بلد فارس‪ ،‬فحذره قبيل معركة ناوند عام ‪ 21‬للهجرة‪،‬‬
‫من التوجه إل أرض اليدان وقيادة جيش الفتح‪ ،‬وتصي الدن الفتوحة لواجهة حركة انتقاض فيها أوشكت أن تدد‬
‫مركز الكوفة؟‬
‫لقد أصغى عمر بن الطاب لرأي المام‪ ،‬وأخذ به‪ ،‬وأنت أمي العرب وأصل العرب فإذا اقتربت منهم اشتد‬
‫َكلَبُهم عليك‪ ..‬وانفرط العقد والنظام! وكأن مسامع الرمزان الذي كان حاضرا ف السجد النبوي قد اتسعت مرتي‬
‫للتقاط النذار‪ ،‬ولعله فكر بطريقة أيسر‪ ،‬فإذا ل يذهب زالطلوبس سنذهب إليه‪ ،‬ولاذا نذهب؟ ونن على بعد‬
‫ذراعي منه غي مروس‪ ،‬وغي مسلح‪ ...‬وخفق النجر السموم غي خفق الدرة!‪.‬‬
‫أما عمر فلنه تصص باستبطان العرب وقادتم‪ ،‬فلم يكن يول أي َحذَر سيأتيه من سب فارسي أنقذ رأسه من‬
‫التدحرج تت قدميه‪ ،‬ول سيخيفه مول من عبيد قريش‪ ،‬والذر الفترض سيتجه إل سادة قريش‪ ،‬وليس إل عبيدها!!‬
‫وقد طغى على سريرته حسن الظن بن أحسن بم الظن‪ ،‬فيصرع فاتح العراق‪ ،‬والدائن‪ ،‬وميديا وخرا سان وبيت‬
‫القدس‪ ،‬وبرقة‪ ...‬بنجر‪ ،‬ل يستطل هامته الديدة‪ ،‬ول استطال قريباَ من القلب‪ ،‬فأصاب إصابة ف النصف السفل‪،‬‬
‫وهي الدود السفلى لبغى الغتيال‪.‬‬
‫النطفة القاتلة‬
‫ل نظن باحثا سيضيف إل دراما مقتل عمر الحكمة اللقات بعد أن أغلق عثمان بن عفان ملف الغتيال بهارة‬
‫مشهودة‪ ،‬وأفرج عن عبيد ال بتسديد دية الرمزان‪ ،‬الذي ل يكن له ول أمر فصار الليفة الديد ول أمره‪.‬‬
‫وقاتل عمر بالجاع التاريي هو فيوز أبو لؤلؤة الجوسي مول الغية بن شعبة‪ ،‬وأداة القتل خنجر مسموم له نصلن‬
‫ومقبض من الوسط‪ .‬وسبب القتل العلن عدم انتصار عمر له ف شكواه من ثقل الضريبة الت يتقاضاها منه الغية بن شعبة‪،‬‬
‫والسبب الجمع عليه أن أبا لؤلؤة ثأر لبن قومه الفرس الذين غلبهم عمر وأخذت جيوشه نساءهم أسرى‪.‬‬
‫تبدو حادثة اغتيال عمر شبيهة باغتيال الرئيس المريكي جون كنيدي عام ‪ ،1963‬إذ قتل القاتل ول يعرف‬
‫خيوط الرية بعد نصف قرن وما زال من وراء القاتل مهولً‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫وف مقتل عمر ل ير تقيق مع شهادة الشاهد عبد الرحن بن أب بكر أنه رأى الرمزان مع جفينة‪ ،‬مول لسعد بن‬
‫أب وقاص‪ ،‬جاء به من العراق وكان نصرانيا مع أب لؤلؤة ورأى الشاهد خنجرا يسقط على الرض هو ذاته الذي‬
‫استخدم ف قتل عمر‪ .‬ما يعده عباس ممود العقاد سيناريو مؤامرة مطط لا‪ .‬فثار عبيد ال بن عمر عند ساعه كلم‬
‫عبد الرحن بن أب بكر فقتل الرمزان وجفينة وبنتا صغية لب لؤلؤة‪.‬‬
‫ووجه الشبه بي اغتيال عمر واغتيال كنيدي ورود رواية ف أكثر من مصدر تشي إل شخص يدعى ذو البنس‬
‫العراقي وقد خرج من مكان ما ليضع البنس فوق أب لؤلؤة‪ ،‬وكأنه يصطاده كما تصاد السمكة بالشباك‪ ،‬وانتهى المر‬
‫بالقول إن أبا لؤلؤة قتل نفسه لنه أحس بأنه سيقتل‪.‬‬
‫يكن الشك بأن ذا البنس هو الذي قتل أبا لؤلؤة‪ ،‬أما من يكون هذا فليس لنا من الدلة ما يساعدنا على‬
‫كشف هويته‪ ،‬وهناك احتمالن كلها يرتبط بخطط الغتيال‪.‬‬
‫إما أن يكون من قريش أو أن يكون مكلفا من قبل ذات الجموعة الفارسية الت خططت لغتيال عمر بقتل‬
‫القاتل‪.‬‬
‫وف نظرنا أن حادثة الغتيال تتد إل أبعد ما ذهب إليه الستاذ العقاد والقائلون بنظريته‪.‬‬
‫وأغلب الظن عندنا أن اغتيال عمر يرتبط بركة فارسية مضادة بدأت عام ‪ 21‬للهجرة‪ ،‬بانتفاضات ف ناوند‬
‫واصطخر ومناطق أخرى نح فيها الفرس من إخراج الدارة العربية‪ ،‬فاضطر عمر بن الطاب إل إعادة فتحها‪،‬‬
‫وبقيت مناطق قلقة‪ ،‬ول يض على الوجود العرب سوى ثلثة أعوام ف بعض الناطق‪ ،‬وعام ف مدن أخرى‪ ،‬وهي مدة‬
‫غي كافية لتثبيت الستقرار وقد تركت مدن كثية على موسيتها مقابل دفع الزية‪.‬‬
‫وكان اغتيال عمر‪ ،‬سينعش الركات الضادة هناك والبدء بانتفاضات لعادة النظام الكسروي ل سيما وأن أحد أهم‬
‫أمرائهم وهو الرمزان موجود قريبا من عمر وهو عقل استراتيجي ومطط‪ ،‬ولعله هو صاحب فكرة اغتيال عمر بن‬
‫الطاب‪ ،‬ول تكن شهادة عبد الرحن بن أب بكر عابرة‪.‬‬
‫هـل شاركت قريش بقتله؟‬
‫يقول بعض الباحثي بسؤولية قريش الحتملة باغتيال عمر‪ ،‬وقد أثقل عليها وأرهقها وأخذها من حلقيمها‪ ،‬وما‬
‫كان غيه قادرا على تطبيع قريش وترويضها‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫وهي وجهة نظر فيها كثي ما يغري القارئ الخذ با‪ ،‬ومن أهم من أشار إل مسؤولية قريش الدكتور علي‬
‫الوردي ف كتابه (مهزلة العقل البشري) وهادي العلوي ف كتابه (الغتيال ف السلم)‪.‬‬
‫يقول الوردي‪:‬‬
‫إن عمر انتهج سياسة خاصة للعطاء حسب منلة الرجل ف الدين وسابقته ف السلم وجهاده ف سبيله‪ ،‬فغضبت‬
‫قريش لنا أخر الناس إسلما وأقلهم سابقة فيه‪ ،‬وبقيت قريش تكره عمر وتكره خلفته حت قتل‪ ,‬ويقال أنا هي الت‬
‫حرضت على قتله‪.‬‬
‫يقول هادي العلوي متشككا بدور لقريش ف اغتيال عمر‪ ،‬إن خيوط مؤامرة خفية تتجمع ف ممل ما يروى ف قصة‬
‫اغتيال عمر قد تكون حيكت من خارج الجموعة الفارسية الصغية الت اتمت بالتواطؤ مع القاتل‪.‬‬
‫ولعل عبيد ال بن عمر كان مطلعاَ‪ ،‬أو على القل متحسسا بلبسات من هذا القبيل حي هدد بقتل آخرين قال‬
‫إنم اشتركوا ف الرية‪ ،‬إذ صح ما نقله الطبي‪.‬‬
‫وقد حال السراع بالقبض عليه دون تنفيذ تديداته‪ ،‬وبالتال أدى إل كتمان أساء كان يكن أن تظهر للعلن مع‬
‫لعان سيف الولد الوتور‪..‬‬
‫ولكن لاذا ل يتفوه عبيد ال بذكر هذه الساء بعد أن قبض عليه‪.‬؟ هنا قد ند أنفسنا أمام سر آخر يتعي علينا‬
‫كي نستشفه أن نعرف من كان يقصدهم عبيد ال بالتهديد‪.‬‬
‫وهم ف حالتنا هذه أحد ثلثة‪ :‬قريش أو أنصار علي بن أب طالب‪ ،‬أو ورثة وأعوان سعد بن عبادة‪ .‬وكان هؤلء‬
‫الثلثة قد استقطبوا ف جبهتي متخاصمتي ستخوضان حربا أهلية بعد قليل‪ ،‬تضم الول قريشا وتضم الثانية الفريقي‬
‫الخرين‪ .‬وقريش هي الت استلمت اللفة ف شخص عثمان‪ ،‬وهي الت احتجزت عبيد ال وتكمت فيه‪.‬‬
‫وبالتال فلو أنه كان يقصد بتهديده الفريق الخر‪ ،‬فقد كان من مصلحتها أن ل يسكت لكنه وقد سكت ل بد‬
‫أن يكون القصود بالتهديد رجال من قريش وبالطبع فإن قريش‪ ،‬الاكمة‪ ،‬تلك القدرة على إسكاته‪.‬‬
‫وثة عامل هام يفترض أنه أثر على موقف عبيد ال وهو مطالبة علي بن أب طالب بإعدامه لقتله الرمزان‪ ،‬وكان‬
‫علي يصدر ف هذه الطالبة عن موقف شرعي بت‪.‬‬

‫‪215‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫وعلي معروف بعدم مرونته ف هذا الانب‪ ،‬وقد ل ف مطالبة عثمان بعد استخلفه بإعدام عبيد ال إل أن حسم‬
‫عثمان القضية بتخريج قانون قال فيه إنه‪ ،‬أي عثمان‪ ،‬ول الرمزان لن الرمزان ل ول له (يقصد ليس له أقرباء‬
‫يطالبون بدمه‪ ،‬وف هذه الالة يكون الليفة هو الول) وإنه بالتال قد تنازل عن دمه وقرر العفو عن قاتله‪.‬‬
‫وهكذا وجد عبيد ال نفسه ف حاية قريش والمويي بالخص فكان من الطبيعي أن ينحاز إليهم ويعتب قضية‬
‫والده منتهية إل هذا الد‪.‬‬
‫ل مال مع ذلك لي قدر من الزم بنتيجة قاطعة‪ .‬وإن كنت للح من الضجيج الذي أثاره القدماء والتأخرون‬
‫من رواة التاريخ حول هذه زالرية الفارسيةس دورا ف التميع والتستر رأينا له منذ عشرين سنة مثالً ف تقرير لنة‬
‫وارن المريكية حول ملبسات اغتيال جون كنيدي رئيس الوليات التحدة‪ ،‬الذي دخلت سياسته ف تعارض الفئات‬
‫الكثر تطرفا ف قيادة المبيالية الميكية‪.‬‬
‫ومعروف أن هذا التقرير ل يفعل رغم لغته القانونية الحكمة أكثر من إلقاء ضوء أسود على الساء الت وقفت‬
‫وراء القاتل الفرد إوز والد‪.‬‬
‫وبقدر ما بقي الكشف عن قتلة كندي الصليي شبه متعذر قد يكون بقي كذلك بالنسبة لقتلة الليفة الثان‬
‫للمسلمي‪ ...‬على أننا لنملك حق البت ف القيقة التالية‪ ،‬وهي أن مقتل عمر قد استجاب لصال اجتماعية إن ل تكن‬
‫هي الت دبرت قتله‪ ،‬فإنا كانت الستفيد الوحد من هذه العملية‪ ،‬وأنه ليبدو لنا الن دون أن ند حافزا إضافيا‬
‫لواصلة الطخ على أب لؤلؤة الجوسي‪ ،‬أن الفاتح العظيم قد ذهب ضحية متومة لتلك الفارقة الكبى (الت‬
‫تكررت أيضاُ ف خلفة علي بن أب طالب‪ ،‬وانتهت إل الصي الماثل الذي سنقصه بعد قليل) بي سياسة تقوم على‬
‫الفتوحات أي بناء إمباطورية وتسعى ف الوقت نفسه لقامة نظام داخلي ف توزيع النهوبات يقوم على التساوي‬
‫بل ويسعى لصادرة أموال الغنياء (قادة الفتح ومؤسسي المباطورية) وتوزيعها على النود‪...‬‬
‫إن من يفكر ف الساواة‪ ،‬وف أي إطار كانت‪ ،‬ل يستطيع أن يبن إمباطورية‪ ،‬ول شك أيضا أن من يبن‬
‫إمباطورية ل يسعه أن يسلك سلوك عمر‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫لقد خلق عمر بذه السياسة الزدوجة تناقضا ل يكن مكنا حله إل باستخلف عثمان بن عفان ‪ ،‬وهو اليار‬
‫الوحيد الذي أمكن معه لتاريخ السلم أن يأخذ مساره اللحق‪ ،‬ول يكن خنجر أبو لؤلؤة غي الرافعة الت اختارتا‬
‫السية لزاحة عقبة ناشزة ف مراها‪.‬‬
‫الشيعة وحادثة الغتيال‪:‬‬
‫ينحدر علي الوردي وهادي العلوي من أسر شيعية رغم علمانيتهما‪ ،‬لكن الستشهاد بما ل يصلح اعتباره موقفا‬
‫شيعيا‪ .‬إن الوقف الشيعي يضع هو الخر لنقسام الؤرخي بي القطيعة والشاركة‪.‬‬
‫وطبيعي أن يكون دعاة الشاركي ميالي إل الرواية الصادق عليها ف التاريخ السلمي العام‪ ،‬والت أخذ با ممد‬
‫حسي هيكل ف كتابه (الفاروق) والعقاد ف عبقرية عمر والوردي والعلوي‪.‬‬
‫وينلق دعاة القطيعة برويات شاذة‪ ،‬لو أخذ با لوضعت الصادر العربية للتاريخ ف مرقة النفايات ولهتزت‬
‫السس العقلية والنفسية للقارئ العرب وعلقته بتاريه السلمي إذ يصل الروي عند العلمة ممد جيل حود ف‬
‫كتابه (إفحام الفحول) إل القول بأن مقتل عمر جاء بإرادة إلية وبطعنة نافذة من أب لؤلؤة رضي ال عنه بسبب‬
‫تاوزه على عرض المام علي واليلولة اللية دون تقيق زواج عمر من أم كلثوم‪.‬‬
‫وينحدر التخيل إل قيعان القطيعة فيقدم الشيخ الذكور رواية على لسانه بأن المام علي ربا كان هو الذي أمر‬
‫بقتل عمر بن الطاب‪.‬‬
‫وكأنه يريد أن يضع المام عليا ف الطرف الساند لنتفاضات الدن الفتوحة‪ ،‬والمد ال أن ل أقرأ ف مكان آخر‬
‫مثل هذه الشهادة الت ربا يكون الشيخ حود قد استقاها من مصدر ليس بعيدا عن نطفة أب لؤلؤة‪.‬‬
‫شهادة مؤرخ شيعي معتدل‪:‬‬
‫وسيكون الريء والديد معا أن يتبن مؤرخ شيعي معتدل ومافظ هو السيد هاشم معروف السن النظرية‬
‫القائلة بسؤولية قريش ف اغتيال عمر كما جاء ف كتابه (سية الئمة الثن عشر) ما يلزمه العتراف الضمن والرد‬
‫الصريح على كتاب القطيعة ومنهم الستاذ الحامي الردن أحد حسي يعقوب‪ ،‬وقد جعلوا عمر بن الطاب رئيسا‬
‫للتحالف القرشي ضد أهل البيت وزعيم الواجهة ضد النب وواضع السس الول لقامة الدولة الموية‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫إن معن اتام قريش بقتل عمر أو الشاركة ف اغتياله أن الليفة كان على نج آخر غي نجها‪ ،‬فيسقط منهج‬
‫التسويغ الفقهي لدانة عمر‪ ،‬وكأنه اعتراف بحمديته ف مواجهة قريش‪ ،‬وعدالته وصدق الروي عنه ف كتب التاريخ‬
‫وضعف القائلي بالقطيعة‪ ،‬وكانت قريش الت قتلت السي بفرعها الموي‪ ،‬هي ذاتا الت قتلت قبله عمر بن‬
‫الطاب‪ ،‬فكيف سيواجه الؤرخ الشيعي هذا الشكال؟‪.‬‬
‫استخدم السيد السن أفعال الحتمالت وأفعال الشكوك وأسند العتراف بفضائل عمر باستخدام الفعل البن‬
‫للمجهول مثل قيل عنه أو بإسنادها إل الانب السن واستخدام أفعال مثل تظاهر عمر بذلك‪.‬‬
‫لكن النتيجة كانت لصال عمر الذي ظهر ف هذه الشهادة الت سننقل نصها يتمشى على خط ممد (ص)‬
‫وقريش ما فتئت تكيد له‪.‬‬
‫ل أشك أن قراءا كثيين سيضيقون ذرعا بذا النص‪ ،‬وقد ل يتقبلون صياغاته ومضامينه‪ ،‬والفترض بؤلء القراء‬
‫ل مع نص ل يستطيع مؤرخ رسي شيعي ملتزم أن يذهب إليه فكيف إل أبعد منه؟‬
‫أن يتريثوا قلي ً‬
‫زإن الؤرخي القدامى والحدثي يروون قصة وفاة عمر بن الطاب ول يقفون عند أسبابا وملبساتا‪ ،‬بينما‬
‫ياول بعض التأخرين من الكتاب أن يضعوا حولا أكثر من علمة استفهام ولكن بتحفظ لعدم توفر الدلة الادية على‬
‫التآمر والتخطيط لغتياله‪.‬‬
‫وعندما يعود الباحث إل السباب الت أدت للحادث‪ ،‬ل يد عند الؤرخي سببا سوى ما يدعونه من أن الليفة‬
‫ل يتجاوب مع أب لؤلؤة ف تفيض الضريبة بعد أن عرف منه أنه يتقن أكثر من صنعة‪ ،‬وهذا السبب بنظري بعيد‬
‫للغاية‪ ،‬إذا كان للضريبة من تأثي على حياة العبد من الناحية القتصادية فمن اللزم أن يقد على موله وينتقم لنفسه‬
‫منه‪ ،‬لن الضريبة تعود لصال الغية موله ول شأن للخليفة با ول هي تعود إل بيت الال ليكون المر منها إل‬
‫الليفة نفسه‪ ،‬لذلك فإن أرجح أن تكون أسباب الرية أبعد من ذلك‪ ،‬ومن غي الستبعد أن تكون داخلية ومن صنع‬
‫أولئك الذين ضيق عليهم عمر بن الطاب‪ ،‬ول تتسع صدورهم لزمه وصلبته ورقابته الدائمة لميع تصرفاتم‪،‬‬
‫وكان يتظاهر ف الشطر الخي من حياته بالتقشف والعطف على الفقراء والصراحة ف ماسبة ولته‪ ،‬على ما كان‬
‫يبدر منهم من التصرفات ما يتيح لحبيه أن يطروه بالعدل ويضربوا المثال بعدله‪ ،‬وبلغ من السطوة واليبة حت دانت‬
‫له رقاع واسعة من المصار‪ ،‬كان من ف أقصاها ياف درته‪ ،‬وهو ف الجاز‪ ،‬ولقد قال عمرو بن العاص يوما‪ :‬لعن‬

‫‪218‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ل لعمر بن الطاب‪ ،‬وال لقد رأيته وأباه على كل واحد منهما عباءة قطوانية ل تتجاوز‬
‫ال زمانا صرت فيه عام ً‬
‫ركبتيه وعلى عنقه حزمة حطب‪ ،‬ورأيت العاص بن وائل ف مزرارة الديباج‪ ،‬كما كان الغية يقد عليه أيضا لنه‬
‫عزله عن البصرة بعد اتامه بالزنا وشهود الثلثة عليه‪ ،‬وقد درأ الد عنه لن الشاهد الرابع زياد بن عبيد ل يكن‬
‫صريا ف شهادته‪ ،‬وكان كلما رآه بعد ذلك يقول له‪ :‬كلما رأيتك خفت أن يرجن ال بجارة من السماء‪.‬‬
‫على أن رواية عبد الرحن بن أب بكر تدل على اشتراك جفينة غلم سعد بن أب وقاص ف الرية‪ ،‬وسعد بن أب‬
‫وقاص ل يكن على صلة حسنة بابن الطاب‪ ،‬هذا بالضافة إل نبوءة كعب الحبار بالرية قبل وقوعها‪ ،‬وكعب هذا‬
‫كان على صلة متينة بالغية بن شعبة وجيع النافقي الذين ل يهمهم إل الدم والتخريب‪.‬‬
‫وما كان لعبد ملوك ف تلك الفترة من تاريخ السلمي أن يقدم على جرية من هذا النوع تز الدولة الت دانت‬
‫لا رقاع واسعة من المصار‪ ،‬لجرد أنه ل يتوسط له من موله بتخفيض الضريبة عنه‪ ،‬كما يدعي الؤرخون‪ ،‬ول يكن‬
‫ذلك إل نتيجة لعمل مدروس ومتفق عليه بي هؤلء الذين ثقل عليهم وجود الليفة‪ ،‬وكانوا يضمرون له العداء‬
‫والكراهية وكان هو بدوره يفاجئهم با يسيء إليهم‪.‬‬
‫إن أبا سفيان استطال حياة عمر بن الطاب وخاف أن تتطور المور لغي صالهم ل سيما بعد الصاهرة الت تت‬
‫بي علي (ع) وعمر بن الطاب‪ ،‬وبعد التصريات الت كان يعلنها ابن الطاب ف مالسه‪ ،‬وف ماوراته بق علي بن‬
‫أب طالب كما ذكرنا بعضها‪ ،‬وقوله‪ :‬حق لثله أن يتيه وال لول سيفه لا قام عمود السلم‪ ،‬وهو أقضي المة وذو‬
‫سابقتها وشرفها‪ ،‬وقوله‪ :‬إن وليها حلهم على كتاب ال وسنة رسوله وقوله لمي الؤمني‪ :‬أما وال لقد أرادك الق‬
‫ولكن أب قومك‪ ،‬إل غي ذلك من تصرياته الت تركت عامة الناس يظنون أنا لن تعدوه‪ ،‬وبل شك فإن الزب‬
‫الموي كان من أبرز العاملي ف هذا التاه وذلك كله يؤكد بأن اغتيال عمر بن الطاب كان نتيجة مؤامرة‬
‫مدروسةس ‪.‬‬
‫وعن موقف المام علي من خلفة عثمان يقول السيد السن‪ ،‬با ل يرتاح إليه دعاة القطيعة‪:‬‬
‫ز لقد وقف علي (ع) بي تلك الماهي الت احتشدت ف ذلك اليوم ياطبهم بالنطق السليم‪ ،‬الذي اعتاد أن‬
‫ياطب به الناس‪ ،‬ليكشف لم الط الذي سيمضي عليه ف هذا العهد الديد‪ ،‬فقال‪ :‬أيها الناس لقد علمتم أن أحق‬

‫‪219‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫الناس بذا المر من غيي‪ ،‬أما وقد انتهى المر إل ما ترون‪ ،‬فو ال لسلمن ما سلمت أمور السلمي‪ ،‬ول يكن جور‬
‫إل علي خاصة التماسا لجر ذلك وفضله وزهدا فيما تنافستموه من زخرفة‪.‬‬
‫وهكذا سال أمي الؤمني (ع) وبايع لعثمان كما بايعه الناس ومضى ف السبيل الذي اختاره لنفسه يعمل ما وسعه‬
‫العمل ف سبيل الصال العام‪ ،‬ل يبخل عليهم بآرائه‪ ،‬ول بكل إمكانياته إذا أرادوها ف سبيل السلم وانتشاره كما‬
‫سال وساير من كان قبلهس‪.‬‬

‫‪220‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫الشهد الخي‪:‬‬
‫علي وعمر ف حقائب الصراع‬
‫يرج سؤال من مبس اللسان‪ ،‬عن فاعلية النقسام‪ ،‬وانشقاق ثنائي حيوي وناشط ومتحرك منذ مطلع التاريخ‬
‫الجري‪ ،‬حت قرنه الرابع عشر‪ .‬وهل كان ما حصل ف يوم السقيفة عنيفا بيث استمر اللف حيا‪ .‬وحضارات‬
‫قامت‪ ،‬وأخرى نامت‪ ،‬وحروب كونية ومواثيق سلم‪ ،‬ومؤترات عالية‪ ،‬وانيار إمباطوريات الشرق‪ .‬وظهور قارات‬
‫جديدة وقوى عالية‪ .‬أحصت دموع الطاط ف الغابات الستوائية‪ ،‬وحفرت ف مناجم إفريقيا مناجم الذهب‪،‬‬
‫واستخرجت النفط من أعماق الربع الال‪ ،‬ومن أعماق البحار‪ ...‬والسلمون يتقاتلون على حق الولية بعد رحيل‬
‫نبيهم صلى ال عليه وسلم! ويأخذ الصراع شكل اللواء البدي بي اثني من بناة الشروع السلمي منذ سنواته‬
‫الول!‬
‫أغلب الظن أنا حيوية السلم‪ ،‬توجب حيوية خصمه وميطه ولو كان السلم خاملً مثل كثي من الديان‬
‫الاملة ف أقصى الشرق‪ ،‬لا أثار اهتمام الضارات والمم‪ ،‬ولا استمرت أحداثه الول حية ونشطة حت أيامنا هذه‪.‬‬
‫لكنها فتنة القتتال ترج من داخله والطائفية مالا الذي يتذب صراع الدول إليها‪ .‬وليست هي وليدة‬
‫الستعمار العالي الديد‪ ،‬وقد ولدت قبله بأكثر من ألف عام؟!‬
‫قد ل تكتشف ظاهرة‪ ،‬أن الطائفية ف العراق‪ ،‬هي ليست صراعا عقائديا ول مذهبيا‪ ،‬ول هي من صراع‬
‫الفكار‪.‬‬
‫إن الطائفية ف العراق شكل من أشكال الصراع على السلطة‪ ،‬فهل ينبغي إلغاء السلطة للغاء الطائفية أم توزيعها‬
‫على مستحقيها على قواعد يتفق عليها‪.‬‬
‫أظننا اقتربنا من حاشية الشكال‪ ،‬فالتوزيع الرديء وغي العادل للمواقع العليا والمتيازات زوالقائبس‬
‫مسؤول إل حد كبي عن تردى الوضاع الجتماعية ف هذا البلد وامتداداته العربية السلمية‪.‬‬
‫حدث ذلك ف العراق البيطان السن‪.‬‬
‫ويدث الن ف العراق المريكي الشيعي‪.‬‬

‫‪221‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫فهل سينتهي اللف برحيل البيطانيي والمريكيي أم ستكون الواجهة أشرس وأضرى؟‪.‬‬
‫إن توزيع السلطة سيكون باهظ الكلفة‪ ،‬وصعبا ما دام يس القائب‪ ،‬والصال الباشرة‪ :‬باعتبار السلطة‪ ،‬مصدر‬
‫المتيازات الكبى‪ ،‬وسيتشبث أي فريق‪ ،‬سن سابق أم شيعي لحق‪ ،‬بقائب المتيازات مستعينا بالعوامل الباحة‬
‫وغي الباحة‪ ،‬على مستوى ملي وإقليمي ودول‪ .‬وبسبب ذلك كان للعاملي الخيين دور ف صناعة القرار‬
‫دائما‪ ،‬أما الحلي فمن السهولة إدخاله إل معادلة الصراع على المتيازات‪ ،‬فهذه القائب الوزارية هي حصة عمر بن‬
‫الطاب‪ ،‬وهذه القائب الوزارية هي من حصة علي بن أب طالب‪ ،‬وأن السياسيي مرد وكلء أمناء على المانة‪ .‬فهل‬
‫يوز لرجل السلطة ف العراق البيطان أن يضحى بصة عمر بن الطاب وأب حنيفة؟‬
‫وماذا يقول الشيعي ف العراق المريكي للمام علي وللمام جعفر الصادق‪ ،‬لو أنه تنازل عن حقائبه إل غريه‬
‫السن؟!‬
‫وكان علي بن أب طالب ومعه أهل البيت‪ ،‬هم الذين ل يوافقون على إمعان النظر ف توزيع السلطة با يعل‬
‫العراقيي يعيشون بسلم!‪.‬‬
‫فإذا استحال تقسيم السلطة على قواعد العدل والنصاف وصعب ذلك على السنة‪ ،‬ما قبل سقوط نظام صدام‬
‫حسي‪ ،‬وإذا ما أستأثر الشيعة بالصة الكبى بعد السقوط وصعب عليهم تقسيم السلطة على قواعد الوفاق الوطن‬
‫والشاركة وليس الحاصصة الرقمية‪ ،‬فإن الل السلم‪ ،‬هو تقسيم الدولة‪ ،‬حت تتوفر سلطة خاصة لكل طرف ف‬
‫دولته الاصة‪ ،‬وقد يكتفي أحدهم بأربعة سنتيمترات لتشكل عاله الكبي‪ ،‬فيغمس فيها إبامه ويبصم جيناته على وثيقة‬
‫الستقلل!‬
‫وسيشعر عمر بن الطاب بارتياح ل يشعر به عند فتح ناوند‪ ،‬وسيفرح المام علي فرحه برؤية صاحبه الذيفة بن‬
‫اليمان رافعا لواء السلم ف تلك الدينة‪.‬‬
‫لقد أقحم رجال السلم ومؤسسو دولته الكبى ليتحملوا مسؤولية إحدى مكوناتا‪ ،‬وتقسيم دولة قتل من أجل‬
‫تريرها الثن بن حارثة‪ ،‬والنعمان بن القرن‪ ،‬وعمر بن الطاب‪.‬‬
‫ما السبب أذن؟!‬
‫هل هي حيوية النطفة الت قتلت عمر؟ أم هي حيوية عمر وكلها موجود ف التاريخ ومقيم ف الاضر؟‬

‫‪222‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫إن القاعدة القانونية ف الشرائع الوثنية والسماوية واحدة إزاء حادثة القتل‪ ...‬فالقتيل طالب‪ ،‬والقاتل مطلوب!‪.‬‬
‫والقتيل هنا‪ ،‬هو عمر بن الطاب‪ ،‬والطلوب هنا هو عمر بن الطاب‪ ،‬وهي مع أنا غرست ف أمعائه نصلي من‬
‫السم‪ ،‬فما تزال النطفة ذاتا تترافع لتجري القتيل على النابر وف الجالس والدارس‪ ،‬وفوق مذهبات الكتب والوراد‬
‫منذ ألف وأربعمائة وأربع سنوات!‪.‬‬
‫وما موقع المام علي ف هذه الرافعة الدائمة‪ ،‬وهو قامع النشقاق منذ يوم السقيفة؟‪.‬‬
‫أتراها شخصية المام هذه الرة وموحياتا الروحية تثي السى والزن والغضب‪ ،‬لفقده اللفة الول مع حصوله‬
‫على المامة الول؟ ولاذا ل يظهر الوجوم والتجهم على مياه الكري‪ ،‬وتظهر آثار حزنه على وجوه أتباعه البرة بعد‬
‫أربعة عشر قرنا؟‪.‬‬
‫أن العروض التاريي المي يتحدث عن ثنائية مشاركة بي علي وعمر‪ ،‬فكيف استحالت بعد رحيلهما إل رحاب‬
‫اللد‪ ،‬إل ثنائية كراهية وخصومة ل تنقطع؟!‬
‫ولاذا الصومة كبى ف العراق‪ ،‬والشيعة ف الوار يعيشون حياتم الطبيعية ويعيشها أهل السنة‪.‬‬
‫أهو الوار اليران التركي؟ ربا كان ذلك صحيحا‪ ،‬لكن قبل مائة عام! وإذا توقفنا قليلً‪ ،‬سنجد هؤلء‬
‫الؤسسي من رجال السلم الول‪ ،‬وقد صيوا أوراقا انتخابية‪ ،‬ولفتات للناخبي‪ ،‬فيوضع فاتح خيب على لئحة‬
‫الرشحي‪ ،‬وفاتح بيت القدس على لئحة القاطعي!‬
‫وليتهما مكثا عند صناديق القتراع‪ ...‬ل حيث تمل صناديق الديناميت‪ ،‬وصناديق الوتى‪.‬‬
‫أغلب الظن أنا حيوية السلم وشخوصه ف العصر والكان أوجبت حيوية خصمه وانفعال ميطه ‪ .‬ولو كان‬
‫خاملً شأن كثي من أديان الوار ‪ ،‬لا آثار اهتمام الضارات والمم‪ ،‬ولا استمرت أحداثه حية ونشطة ف سلبها‬
‫وإيابا ‪.‬‬
‫لكنها فتنة القتتال ترج من داخله‪ ،‬والطائفية جاذب آل وذات الركة‪ ،‬لصراع الدول‪ ،‬وليست‪ ،‬هي‪ ،‬كما‬
‫نوهم أنفسنا وأجيالنا‪ ،‬وافدا غريبا تسلسل إل بلداننا على غفلة منا! ولربا ولدت قبل مولد الدول الستعمارية‬
‫الديثة بألف عام هجري‪ ،‬وارتبطت كالستعمار العالي بالصال الدولية وقواني الصراع‪ ،‬وهي ساعدت الدارة‬

‫‪223‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫الستعمارية‪ ،‬على تدوير شؤونا وتسهيل خياراتا‪ ،‬ومن الطبيعي أن تستفيد السياسات الحلية من عامل قوي ومؤثر ل‬
‫تستخف بفاعليته إمباطوريات قدية وجديدة ‪.‬‬
‫وف العراق وميطه ذ أحيانا ذ تبدو الطائفية شكل من أشكال الصراع على السلطة‪ ،‬وليست انقساما اجتماعيا‪،‬‬
‫إنا النقسام ناجم أصلً من هذا الصراع ‪ .‬فجرى توظيف ثنائية الضد العلويذ العمري ذ لتوفي مسوغات شرعية‬
‫للستئثار بالسلطة والصول على حقائب وزارية‪ ،‬ستوفر لامليها حلم الوصول السهل للمتيازات العسية !‪.‬‬
‫وبذه البساطة أصبح عمر بن الطاب ورقة سياسية‪ ،‬والمام علي ورقة انتخابية‪ .‬وكل منهما مرد لفتة معلقة‬
‫على خرائب التقاتلي‪ .‬وأدخلت ثنائية عمر وعلي ف طريقة التوزيع الردىء وغي العادل لمتيازات السلطة‪.‬‬
‫حدث ذلك ف العراق البيطان السن القرار‪ ،‬ويدث ذلك ف العراق المريكي الشيعي القرار‪.‬‬
‫ولن التنازل عن القائب الوزارية باهظ الكلفة‪ ،‬وتوزيع السلطة على أسس العدل والنصاف سيؤثر على حجم‬
‫النافع من اليازات السياسية والجتماعية والالية‪ ،‬فقد يصبح توزيع الدولة‪ ،‬إجراءا قابلً للعمل به وشعارا يطرح على‬
‫التباع الهددين بالوت والوف من الوت‪ .‬وسيوفر أكثر من سلطة للمتصارعي عليها‪ ،‬مادام توزيع الدولة أيسر من‬
‫توزيع السلطة !‪.‬‬
‫أما التشاهر ف خطاب اللعنة الوجود ف التاريخ‪ ،‬والقيم ف الاضر‪ ،‬فقد تيسرت له سبل النتشار الفضائي‪،‬‬
‫واختُرقت حصانات التاريخ‪ ،‬وحقائق الوية‪ ،‬فتصبح الكوفة ججمة العجم‪ ،‬ورأس الكفر‪.‬‬
‫وف منهج التلعن‪ ،‬تستعيد القطيعة حيويتها‪ ،‬وتترق القاعدة القانونية‪ ،‬الت أجعت عليها الشرائع الوثنية‬
‫والسماوية‪ ،‬ول يعد القاتل مطلوبا‪ ،‬والقتيل طالبا على جانب الصراع‪ .‬ففي فقه اللف العاصر‪ ،‬القاتل هو الطالب ‪،‬‬
‫والطلوب هو القتيل!‪ .‬والنطفة الت قتلت عمر بن الطاب ما تزال تترافع على تري القتيل ف الجالس والدارس‬
‫وعلى مذهّبات الكتب‪ ،‬وشاشات الفضاء‪ .‬والعصبة الت تقتل الفقراء الباحثي عند الفجر عمن يشتري قوة عملهم‬
‫بقوت أطفالم‪ ،‬يُفجَرون بفخخات الجاهدين!‪ .‬الساعي إل ترير العراق‪ ،‬رافعي لواء الفاروق عمر بدعم فضائي‬
‫لتجري الضحايا بعد أن ُخوّل مذيع الفضاء صلحية القاضي‪ ،‬الذي يصدر الحكام على الواء ‪ ،‬وعمر يُقتل ف العراق‬
‫عند كل صورة متلفزة مرتي!‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫مرة بناهج القطيعة ‪ ،‬وحيوية النطفة‪ ،‬ومرة بناهج التكفي وحيوية الفتوى‪ ،‬فيوضع مرر العراق وفاتح بيت‬
‫القدس على لئحة التام ‪ ..‬وليت المام الول والليفة الثان يكثان عند صناديق القتراع ‪ ..‬ل حيث تمل صناديق‬
‫الديناميت ‪ ،‬فتلتحق با صناديق الوتى‪.‬‬
‫وف الناعات الطائفية‪ ،‬توري العقول والذهان‪ ،‬فتقدح بأفكار جديدة وأساليب عجيبة‪ ،‬وينجح الشيعة العراقيون‬
‫بعد الحتلل المريكي‪ ،‬ف عرض مشهد جذاب للرأي العام العالي‪ ،‬ومؤسسات الجتمع الدن‪ ،‬كدعاة مشاركة‬
‫متحمسي لصناديق القتراع‪ ،‬وسن دستور دائم بعد أكثر من أربعي سنة على إلغائه عام ‪1958‬م‪ ،‬وأتباعهم يتحاشون‬
‫أن يوسوا مساحب الدم ف طريقهم إل صناديق القتراع‪ ،‬والطرف الخر مصمم على القطيعة وضرب القترعي‬
‫وصناديق القتراع با يتيسر له من القنابل البشرية‪ ،‬ما ترك انطباعا عن الانب الشيعي لدى الرأي العام العالي‪ ،‬لسيما‬
‫ف الغرب‪ ،‬قد يصحح لديهم النطباع السائد‪ ،‬والذي تركته الثورة المينية‪ ،‬ف عنفوانا العادي للغرب‪ ،‬ث تبنته‬
‫تنظيمات سنية على رأسها القاعدة‪ ،‬حيث ل يتورع أتباعها عن الوقوف أمام عدسات النترنت‪ ،‬وقد يمل التابع‬
‫القاعدي بأطراف أصابعه‪ ،‬رأسا مقطوعا من شعره فيضع الرأس ف سطل مليء بالدم‪ ،‬ويظهر هؤلء التباع ف مشهد‬
‫ينقله موقع القاعدة على النترنت‪ ،‬لرجال ملثمي يذبون على الواء إنسانا متطفا‪ .‬وقد تصور عمليات خاطفة‪ ،‬لحراق‬
‫حاملت النائز مع من فيها من أحياء‪ ،‬عند منطقة «اليوسفية» وهي مضارب لقبيلة أخوال كاتب السطور‪.‬‬
‫لقد تعثرت القاعدة ومعها الكثي من سنة العراق‪« ،‬بطب استعماري» ومصيدة ماهرة‪ .‬ل بأس أن نطلق عليها‬
‫مصطلح «تبشيع الصم» ف الرب النفسية لتأليب الجتمع الحلي والدول على «ارتكابات الصم» ونشرها برية‬
‫النشر على الرأي العام العالي‪ .‬ما يسهل للخصم الول تنفيذ برامه العسكرية وهو ف غمرة الرب المريكية على‬
‫السنة‪ ،‬لعل الغي التوحش على قرى الطي وكأنه يرش البيدات الزراعية‪ ،‬على القول ! فلم يتحرك الشارع العرب‬
‫ذو الغلبية السنية الطلقة احتجاجا على رشوش الصواريخ العملقة فوق سقوف مصنوعة من جذوع النخيل ف‬
‫بلدات الفرات العلى وحت توم الفلوجة‪ ..‬ولو تذكرنا للحظة رد الفعل العرب على قصف بور سعيد والساعيلية‪.‬‬
‫أثناء العدوان على مصر ف حرب السويس ‪1956‬م‪ ،‬وقارنا ما كان عليه الشارع العرب والبيت العرب‪ ،‬والوجدان‬
‫العرب‪ ،‬مع ما حصل ف الرب على الفلوجة و النبار‪ ،‬وحديثة‪ ،‬لقتنعنا قليلً بأن القصور ل يتصل بالة النكماش‬

‫‪225‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫القومي وظاهرة التراجع العرب الطويل‪ ،‬فحسب‪ ،‬بقدر ما يتصل بالناتج العلمي لنظرية «تبشيع الصم» والمارسات‬
‫الت تللت لا وجوه الذيعات وأصابع الشاركي الرحبي بشاهد الرؤوس القطوعة ف براميل القمامة‪.‬‬
‫إن نظرية تبشيع الصم‪ ،‬أخذت با إسرائيل منذ حرب فلسطي الول عام ‪ ،1948‬وكنت قد سألت اللواء‬
‫طاهر الزبيدي‪ .‬معاون قائد القوات العربية ف تلك الرب‪ ،‬وقد عاش أيامه الخية وحيدا ف داره بدينة اليموك‪ ،‬عن‬
‫ترير إشاعة كان العراقيون يتفاخرون با‪ ،‬وتقول‪ :‬إن اليش العراقي كان إذا ألقى القبض على يهودي‪ ،‬وضعه ف‬
‫مرجل من الاء الغلي حت يتفسخ لمه‪ ..‬وعظامه! قال اللواء الزبيدي ربا كان القصد تويف اليهود‪ ،‬فقلت‪ ،‬ولكن‬
‫اليهود يعرفون أن ذلك ل يدث‪ ،‬وأن الدارة السرائيلية كانت تسعى لرساء مفهوم أنا تارب العرب باعتبارهم‬
‫متوحشي ومصاصي دماء‪ ،‬وتأت الشاعة العراقية الت ربا خرجت ف سياق الرب النفسية لتدعم منهج اليهود ف‬
‫الرب مع العرب‪ ،‬وذلك بتبشيع صورتم أمام الرأي العام العالي‪ ،‬والغرب الذي تعتمد على دعمه وتأييده بالدرجة‬
‫الول‪.‬‬
‫يبدو أن ما حصل من ذبح على الواء‪ ،‬وحرق جنائز على الطريق‪ ،‬كان نوذجا متازا لتصوير العارضة السنية با‬
‫ب يقي ومصادق عليه ومنشور بإرادة فاعليه‪.‬‬
‫صور به العرب ف الروب السرائيلية‪ ،‬لكنها هذه الرة خ ٌ‬
‫لكن جهات سنية عراقية لا عراقة ف السياسة الدنية‪ ،‬كالزب السلمي‪ ،‬والسلميي الستقلي والعلمانيي‬
‫السنة‪ ،‬الذين ل تعد لم قوة مساوية‪ ،‬لموح القاعدة قد تداركوا هذا النلق‪ ،‬وصححوا العادلة وعادوا بالسنة إل‬
‫مياثهم الطويل ف إدارة السلطة‪ ،‬بذكاء وخبة‪ ،‬فأعلنوا مشاركتهم ف الستفتاء على الدستور‪ ،‬والدخول ف العملية‬
‫السياسية‪ ،‬وما يترتب عليها من التزامات وماطر‪ ،‬صونا لياثهم الدن‪ ،‬فلم يتفهم موقفهم العادل والطي‪ ،‬ل رجال‬
‫القاعدة‪ ،‬الذين يفتقرون إل تارب العمل الدن‪ ،‬ول الشيوخ الؤيدون لسلوب القاعدة‪ ،‬فضلً عن حساسية الانب‬
‫الشيعي التزاحم على السلطة‪ ،‬والذي كان عليه أن يستوعب بصدر أوسع هذا اليار العراقي السن‪ ،‬فيتنازل أو‬
‫يتواضع عن شروط الوار مع هذا القادم إل السلم الهلي‪ ،‬من بي أنقاض الثث‪ .‬فحصر السنة القادمون إل العملية‬
‫السياسية بي فكي الصراع ‪.‬‬
‫ومن جانب آخر فقد تسبب استهداف القاعدة العماريات السلمية الشيعية‪ ،‬وتفجي ضريح المامي علي الادي‬
‫والسن العسكري ف سامراء‪ ،‬ف تأجيج عاطفي وطائفي‪ ،‬لدى قوة شيعية كبية كانت تاول الوقوف على الياد ف‬

‫‪226‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫الصراع الطائفي‪ .‬فاندفع التيار الصدري وجناحه العسكري جيش الهدي إل ميدان القتتال با لديه من حشود بشرية‬
‫ومساحات جغرافية تيط ببغداد‪ ،‬ففقدت اللوجستية السنية أهم مراكز قوتا‪.‬‬
‫وكان الناتج العام قد ألقى بظلله السوداء على عموم أرض السواد‪ ،‬لكن الأزق الكب مابرح ياصر الزب‬
‫السلمي والعلمانيي السنة من يسميهم الدكتور علي الوردي «ربع عمر» الذين ل يعودوا قادرين على الواصلة‬
‫السلمية ول قادرين على القاطعة‪ ،‬الت تلي العراق من قوة التوازن الت با تنتصب قامته وتنتظم خطواته ‪.‬‬
‫ومن جانبنا فما زلنا ننتظر لظة اللقاء بي ربع عمر وربع علي‪ ،‬ليعودوا إل الصلة ف السجد النبوي ‪،‬‬
‫ويستكمل ثانية عشر ألف صلة مشتركة بي علي وعمر هناك‪.‬‬
‫وبذلك يتتم الُلم القَصي‪...‬‬

‫‪227‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫الفهرس‬
‫الهداء‪5 ------------------------------------‬‬
‫أول الكلم‪7 -----------------------------------‬‬
‫الكرادة والكتاب‪9 ---------------------------------‬‬
‫ثنائية الكتاب‪11 ----------------------------------‬‬
‫السفر إل إبن حنتمة‪15 -----------------------------‬‬
‫الباب الول كونية عمر البية والدولة والرعية‬
‫ف وضح البية‪23 ---------------------------‬‬
‫جاذبية العروض التاريي‪25 -------------------------‬‬
‫الكون البي‪26 ---------------------------------‬‬
‫فت عكاظ‪30 -----------------------------------‬‬
‫قامته تربو على مترين‪31 ----------------------------‬‬
‫هل وأد ابنته‪31 ----------------------------------‬‬
‫البية أم الندية‪32 -------------------------------‬‬
‫أسلم على طريقته البية‪ :‬بالصوت أم بصدمة الصوت‪35 -----------‬‬
‫مناقشة الرواية‪39 --------------------------------‬‬
‫رقم اسلمه ‪41 --------------------------------67‬‬
‫دولة الشروع الحمدي‪43 ---------------------------‬‬
‫عبقري السقيفة‪45 --------------------------------‬‬
‫الذر من شبح القيصرية‪47 --------------------------‬‬

‫‪228‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫سياسة التعيينات‪50 -------------------------------‬‬
‫الستبطان العمري وتوزيع السؤوليات‪54 ------------------‬‬
‫الستفادة من الباء‪55 -----------------------------‬‬
‫إلزام الوال بالكشف عن أمواله‪56 -----------------------‬‬
‫ينع دخول الولة والمراء ليلً ‪56 -----------------------‬‬
‫يول الوال إل راعي غنم ‪57 -------------------------‬‬
‫نظرية منع التراكم‪57 ------------------------------‬‬
‫عمر والعارضة السياسية‪58 -------------------------‬‬
‫مناشي عمرية ضد أمراء الدولة ‪60 ----------------------‬‬
‫مظاهرة على بابه‪61 -------------------------------‬‬
‫الطباق العمري‪62 --------------------------------‬‬
‫خلفة السلم الهلي‪65 ------------------------------‬‬
‫مفهوم جديد للدولة ونظام سياسي خاص‪66 ------------------‬‬
‫سياسته القرشية‬
‫عمر وعثمان‪71 ---------------------------------‬‬
‫السلم وقريش‪73 --------------------------------‬‬
‫حلقيم قريش‪77 ---------------------------------‬‬
‫عمر وخالد بن الوليد‪81 -----------------------------‬‬
‫الغية وأم جيل‪83 -------------------------------‬‬
‫عمر ومكمة نورنبغ للب سفيان ‪84 -------------------‬‬
‫عمر والسلفية‪85 ---------------------------------‬‬
‫مستطرف الرعية‬

‫‪229‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫احترام الكرامة النسانية‪91 ---------------------------‬‬
‫إعفاء العيل من خدمة العلم ‪91 ------------------------‬‬
‫أبو العيال ياطب الذاهبي إل الثغور‪92 --------------------‬‬
‫يوع ما جاع الناس ‪92 ----------------------------‬‬
‫عزل الصابي بأمرض معدية‪94 ------------------------‬‬
‫يفظ عروبة السيحي حت لينفره من السلم ‪94 -------------‬‬
‫عهد عمر للنصارى ف بيت القدس‪95 --------------------‬‬
‫سفط ناوند‪96 ----------------------------------‬‬
‫خضياء الوال‪96 --------------------------------‬‬
‫ينع زوجاته من السياسة ‪97 -------------------------‬‬
‫ينع التشهي بشارب المرة ‪98 ------------------------‬‬
‫ينفي الوسيم البطران!‪98 ----------------------------‬‬
‫ينع ثياب اليطان‪99 ------------------------------‬‬
‫يفضل لغة الصحافة‪99 ------------------------------‬‬
‫جرائم النس ف عهده‪101 ---------------------------‬‬
‫النس والشاهي‪102 ------------------------------‬‬
‫أربعة خلفاء وأربعة دعاوى ‪104 ------------------------‬‬
‫العفو عن الرمزان‪104 -----------------------------‬‬
‫سياسته العلوية‬
‫علي الؤسس ل الستشار‪109 -------------------------‬‬
‫ف يوم السقيفة‪111 -------------------------------‬‬
‫الفقه الشترك‪115 --------------------------------‬‬

‫‪230‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫المام علي يقترح على عمر‪ :‬التاريخ الجري ‪119 --------------‬‬
‫المام علي يؤيد مصصات لعمر‪119 ----------------------‬‬
‫علي ينصح بذهاب عمر إل فلسطي‪119 -------------------‬‬
‫المام علي ل ينصح عمر بالذهاب إل بلد فارس‪120 ------------‬‬
‫عمر يبسط رداءه للمام علي‪122 ------------------------‬‬
‫عمر يقبل رأس المام علي‪123 -------------------------‬‬
‫عمر للمام السي‪ :‬انتم على الرأس‪123 -------------------‬‬
‫عطاء أهل البيت ف عهده‪125 -------------------------‬‬
‫عمر والعلويون ضد الجتثاث‪126 ------------------------‬‬
‫المام علي يرثي عمر‪130 ----------------------------‬‬
‫أحد عشر عاما و ‪ 18‬الف صلة ‪130 ---------------------‬‬
‫عمر والعراقيون‬
‫العراق العمري‪135 --------------------------------‬‬
‫الكوفة ججمة العرب‪139 ----------------------------‬‬
‫أهل الكوفة ليسوا عراقيي! ‪143 ------------------------‬‬
‫نلة العراق أم زيتون الشام‪144 ------------------------‬‬
‫الثالب الليلة‬
‫الجتهدات العمرية ‪147 -----------------------------‬‬
‫يستهدي بالنص لتوليد النصوص‪148 ----------------------‬‬
‫تري زواج التعة‪149 -----------------------------‬‬
‫الصلة خي من النوم‪152 ----------------------------‬‬
‫هل كان الزهد مطلوبا ف ثراء الفتوحات؟‪153 -----------------‬‬

‫‪231‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫ليس لعمر حكم ووصايا‍‍‪157 ---------------------------‬‬
‫أجلء اليهود والنصارى عن جزيرة العرب‪159 ----------------‬‬
‫إحراق عمر مكتبة السكندرية‪161 -----------------------‬‬
‫إبطال الرواية ‪163 --------------------------------‬‬
‫ل تكن الرواية شيعية‪164 ----------------------------‬‬
‫شطحات الدرة‪165 --------------------------------‬‬
‫هل اغتال سعد بن عبادة؟‪168 --------------------------‬‬
‫العراق ميدان الروب الحمولة!‬
‫ميدان مفضل للحروب!‪173 ---------------------------‬‬
‫عمر ف الروب الحمولة‪176 -------------------------‬‬
‫عمر ف الرب العراقية اليرانية‪179 --------------------‬‬
‫استباحة العثمانيي وحصانة الصفويي‪182 ------------------‬‬
‫فروق طائفية‪184 ---------------------------------‬‬
‫عمر والصالة العراقية‪187 --------------------------‬‬
‫ل يبق إمام إل وقتله هذا الضرب‪189 ---------------------‬‬

‫الباب الثان‪ :‬عمر ف النظور الشيعي‬


‫فقه القطيعة وفقهاء الثالب!‬
‫عمر والقطيعة‪ ..‬الناصفة الاسرة‪195 --------------------‬‬
‫فقهاء التنقيص!‪198 -------------------------------‬‬
‫ثنائية القطيعة والشاركة‪200 --------------------------‬‬
‫رضي ال عنه وعليه السلم ‪205 -----------------------‬‬

‫‪232‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫روزه خون القطيعة! ‪208 ----------------------------‬‬
‫تشريع قانون لسب عمر ‪209 --------------------------‬‬
‫الجلسي رائدا‪211 --------------------------------‬‬
‫أفحام الفحول‪ :‬الشيخ ممد جيل حود‪213 ------------------‬‬
‫أبو لؤلؤة رضي ال عنه‪214 --------------------------‬‬
‫موقف الدولة اليرانية حاليا‪216 -------------------------‬‬
‫السيد كاظم القزوين‪ :‬المام علي جليس البيت‪216 --------------‬‬
‫كسر ضلع الزهراء‪220 -----------------------------‬‬
‫التنافس على قصور الكوثرية ف النة‪223 ------------------‬‬
‫القطيعة ستحاصر الشيعة العرب‪228 ----------------------‬‬
‫مثالب الستبصرين‬
‫مثالب الستبصرين‪233 -----------------------------‬‬
‫روزه خون السوربون‬
‫عمر ضال‪ ..‬وجاهل‪ ..‬ومعارض للسلم!‪234 -----------------‬‬
‫الثالب التيجانية!‪235 ------------------------------‬‬
‫عمر حليف النافقي!‪238 ----------------------------‬‬
‫التشيع المنوع ف مصر‪239 --------------------------‬‬
‫النب آدم يبغض عمر!‪241 ---------------------------‬‬
‫التحولون إل التشيع‪ :‬والسلم الهلي ف العراق‪241 ------------‬‬
‫التنويــر الشيعي‬
‫الدرسة الصرية‪245 ------------------------------‬‬
‫فقهاء الشاركة‪245 -------------------------------‬‬

‫‪233‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫علي شريعت‪ :‬نظرية النطف الكسروية‪249 ------------------‬‬
‫عروس الدائن ف الدينة‪251 -------------------------‬‬
‫شريعت والعسكري‪254 -----------------------------‬‬
‫ممد باقر الصدر وشريعت‪257 -------------------------‬‬
‫التشيع العراقي‪ ،‬والتشيع اللبنان‪258 ----------------------‬‬
‫عمر بي الجلسي وشريعت‪260 ------------------------‬‬
‫النهج الصفوي بد ًل من التشيع الصفوي‪261 -----------------‬‬
‫صاحب نظرية النطف ذ تلميذ المين‪262 -------------------‬‬
‫منب الوائلي وهوية التشيع‪265 -------------------------‬‬
‫رواد الضارة العربية من أهل التشيع‪267 -------------------‬‬
‫الروافض‪268 -----------------------------------‬‬
‫تنوير شيعي‪271 ---------------------------------‬‬
‫كسر القطيعة و بواقعية المام‪273 -----------------------‬‬
‫التشيع العلمان على مذهب الصري‬
‫علي الوردي رائدا‪279 ------------------------------‬‬
‫ماركسي وعلمان‪ ..‬ونوذجه عمري!‪282 ------------------‬‬
‫الليلي والشرقي والواهري‪285 ------------------------‬‬
‫من تارب الشاركة العلوية العمرية‬
‫جهورية المين العلوية والتجربة العمرية‪291 ---------------‬‬
‫على خطى عمر‪294 -------------------------------‬‬

‫النطفة الت قتلت عمر‬

‫‪234‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫المام علي يذر من اغتيال عمر‪303 ---------------------‬‬
‫النطفة القاتلة‪303 ---------------------------------‬‬
‫هـل شاركت قريش بقتله؟‪305 -------------------------‬‬
‫الشيعة وحادثة الغتيال‪307 ---------------------------‬‬
‫شهادة مؤرخ شيعي معتدل‪308 -------------------------‬‬
‫الشهد الخي‬
‫علي وعمر ف حقائب الصراع‪312 -----------------------‬‬
‫الفهرس‪321 ------------------------------------‬‬

‫‪ -‬أخبن الدكتور عبد الساتر الرفاعي الذي أشرف على فحص ومعالة هادي العلوي ف مشفى الشامي بدمشق أن‬
‫آخر كلمة نطق با قبل دخوله ف الغيبوبة الت انتهت بوفاته يوم ‪ 27/9/1998‬أن الستقبل للحضارة السلمية‬
‫وليس للغرب‪.‬‬
‫‪ -‬الزوية‪ :‬ملة ملصقة لا يسمى الن بالادرية‪ ،‬وهي تقع على ضفة دجلة اليسرى مقابل مبن القصر المهوري‪،‬‬
‫حيث يلس السر العلق على كتفها حاليا‪ ،‬وكانت تسمى زاوية السيد خلف جدي لب‪ ،‬ث حذف الضاف إليه‬
‫برور الزمن‪ ،‬كما هي العادة عند العرب وف هذا الي كان السيد خلف يستقبل الفقيه الشاعر الجاهد ممد‬
‫سعيد البوب ف بعض أيام الصيف وقد أعطت هذه الحلة ما يقرب من ثلثائة رجل وامرأة ف عهد الرئيس‬
‫صدام حسي‪.‬‬
‫‪ -‬الدِرة‪ :‬بكسر الدال وتضعيف الراء عصا تسمى عندنا ف العراق شطبة كانت تستخدم لفق البقرة برفق على‬
‫ضروعها لستدرارها فسميت بالدرة على ما نعتقد وهي نفسها الت يستخدمها الن فرسان اليول ف السباقات‪.‬‬

‫‪235‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫‪ -‬العبارة بي الللي وردت ف رسالة إل الؤلف بعثها الدكتور نعمان السامرائي زعيم الزب السلمي عند تأسيسه‬
‫عام ‪ 1960‬والداعية السلمي والفكر الكبي نزيل الرياض حاليا والؤرخة ف ‪2006 /30/1‬‬
‫‪ -‬السفط‪ :‬وعاء من قضبان الشجر‪ ،‬أو خوص النخيل‪ ،‬توضع فيه الجوهرات والنقود‪ ،‬وبعض اللبس إذا كان‬
‫كبيا‪ .‬وهو اسم شائع ف العراق ومنه قول الواهري ف امه‪ :‬تعال الجد ياسفط العِظام!‪.‬‬
‫‪ -‬الدقل‪ :‬يقول الدكتور الصلب ف هامش له أن الدقّل هو التمر الرديء ونقول نن العراقيي أن هذا النوع من‬
‫التمور مازال موجوداومعروفا باسه وتنطق القاف (بالكاف) على لجة أهل العراق وهو من النواع المتازة على‬
‫عكس ما كان عليه دقل مكران من رداءة وباعتقادي فإن سبب جودته ف العراق ورداءته هناك أنه ومن اسه‬
‫ينسب إل دجلة ول يزرع بعيدا عنها فإذا أبتعد جفت طراوته وتقلص حجمه وانكفأ على نفسه انكفاء العاشق‬
‫عندما يبتعد عن حبيبه‪ .‬وقد رأيت ف بلد عربية أخذت الدكل من العراق مثل تونس والغرب والزائر‪ ،‬فحدث‬
‫له هناك ما حدث له ف مكران‪.‬‬
‫‪ -‬آية ‪ 41‬سورة النفال‬
‫‪ -‬يدوا‪ :‬يأخذهم الوجد عليه‪.‬‬
‫‪ -‬ف الديقراطيات الغربية يتصدى العاملون ف جعيات الدفاع عن اليوانات للبسي ولبسات الفراء ثأرا للحيوانات‬
‫الت تقتل لقتناء فرائها‪ ،‬وعمر بن الطاب ينع قبل اربعة عشر قرنا رؤية الفراء على أجساد الصلي ف الساجد‬
‫‪ -‬كنت أقرأ على صديق قدي ف الركة السلمية العراقية‪ .‬عند زيارته ل أثناء ترير الفصول لختبار موقفه من‬
‫مسألة التعة‪ ،‬وهو من أنصار حللا والنافحي عنها كيد أعدائها! حت إذا وصلنا لقولنا هذا‪ ،‬صعق‪.‬وقال وهو‬
‫ناصح حقا‪ .‬إن هذا القول فيه تنٍ على إيران‪.‬وإن كنت تتحدث عن خسي عاما سابقا‪ ،‬وسينسحب الضرر على‬
‫إيران السلمية‪ ،‬وأنت صديق لا‪ .‬أجبته‪ :‬وأين الساس والتجريح والساءة ف الديث عن مكان يلل " زواج‬
‫"التعة مادامت هذه حللً‪ .‬أما كان عليك أن تنتصر لب تسمعه عن أمة أو دولة‪ ،‬أو ملة‪ .‬تأخذ بللا وتارسها‪.‬‬
‫أل ترى ف أعماقك احتجاجا عليها‪ .‬وإ ّل فما هو مبعث اعتراضك على العمل با "حلله ال ورسوله‪ ،‬وحرمه‬
‫عمر بن الطاب؟!"‬
‫‪ -‬يسميه الؤرخون السلمون "يي"‬

‫‪236‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫‪ -‬الروزه خون‪ :‬فارسية مركبة تعن روضة معناها كتاب الزن‪ ،‬الذي قد يكون هو كتاب الجلسي‪ ،‬وخون أي‬
‫القراءة‪.‬‬
‫‪ -‬ل أكن من متابعي الشيخ الكوران حت حدوث تلك الساجلة بين وبينه على فضائية الستقلة ف رمضان ‪،2005‬‬
‫وكنت أنكر عليه قسوته على عمر بن الطاب‪ ،‬ولكن وجدته عالا عميقا ومتحدثا دافئا‪ ،‬وإن كان مازال شديد‬
‫الوطأة على أقرب الصحابة من النب (صلى ال عليه وسلم)‪.‬‬
‫‪ -‬كقارئ أرجح القول بانتحال اسم ابن قتيبة‪ ،‬ووضعه على كتاب المامة والسياسة‪ ،‬والذي ينفرد بنهج تشهيي‪،‬‬
‫وهو ليس منهج ابن قتيبة‪.‬‬
‫‪ -‬من مؤلفاته‪:‬‬
‫‪ -‬الراجعات الريانية‪ ،‬وهي مموعة مباحث تاريية وفلسفية جرت بينه وبي صديقه الديب اللبنان أمي‬
‫الريان‪.‬‬
‫‪ -‬اليثاق الوطن العرب‪.‬‬
‫‪ -‬ماورة بينه وبي السفيين البيطان والمريكي‪.‬‬
‫‪ -‬وحقق ديوان ممد سعيد البوب‪.‬‬
‫‪ -‬والوساطة بي التنب وخصومه‪.‬‬
‫‪ -‬أحد السادة الذين طالعوا هذا الكتاب (البحار) واستمعوا للشريط التضمن لحاضرة ألقاها احد الوعاظ الحترمي‬
‫ف الرد عليّ لنن بانكاري لذه الرواية وجهت طعنة غادرة للشيعة (بالطبع الشيعة الساسانية!) يقول هذا الخ‬
‫إنه قد التقى بالواعظ الذكور شخصيا وقال له‪ :‬إن هناك آخرين أنكروا هذه الرواية غي (شريعت)‬
‫‪ -‬لتقتصر الرواية على ابنة واحدة لكسرى‪ ،‬بل ك ّن ثلث بنات قيل انن توزعن زوجات لبناء المام علي والليفة‬
‫عمر بن الطاب‪ .‬واختلف ف ابن الصحاب الثالث هل كان لب بكر أم لصحاب آخر‪ .‬وأي من هؤلء هو‬
‫قريشي والنطف الكسروية ف رحم مشترك!‪.‬‬
‫‪-‬المر ل يعد على هذه الال بعد أن تول السلطنة ذ الشاه طهماسب وكان مايزال فت‪ ،‬فمنحت ف عهده أوسع‬
‫الصلحيات للفقهاء‪ ،‬ومنهم الشيخ علي الكركي‪.‬‬

‫‪237‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬
‫‪ -‬راجع كتابه القيم ذ ضد الستبداد‪ ،‬الركز الثقاف العرب ذ الدار البيضاء ذ ‪1999‬‬

‫‪238‬‬
‫كتاب عمر والتشيع‬

Vous aimerez peut-être aussi