Vous êtes sur la page 1sur 16

‫السياسة الجبائية في زمن األزمات‬

‫الصغير الزكراوي*‬
‫تمر تونس منذ ما يفوق سبع سنوات بفترة فارقة من تاريخها‪ .‬فاألزمة‬
‫االقتصادية تزداد حدة‪ ،‬وفق ما تؤكده مختلف المؤشرات االقتصادية‪،‬‬
‫حيث تأكد االنكماش االقتصادي مرفوقا بتفاقمالتضخم المالي وارتفاع‬
‫التداين الخارجي الذي بلغ مستويات تنذر بالخطر‪ .‬وزادت السياسة المرنة‬
‫لسعر صرف الدينار التي انتهجها البنك المركزي في تسريع وتيرة‬
‫التراجع في قيمة العملة المحلية مما هيأ األرضية المالئمة لالرتفاع‬
‫الجنوني لألسعار والنيل من تنافسية المؤسسات من حيث ارتفاع كلفة‬
‫التجهيزات والمواد األولية المستوردة‪،‬وعقد وضعية المالية العمومية‪.‬‬
‫ولمواجهة هذه األزمة المتعددة األبعادوالتي قد تعصف بالبالد‪ ،‬لم تجد‬
‫الحكومات المتعاقبة من حل سوى إعمال الضريبة إلى حد اإلفراط مما‬
‫أفضى في نهاية المطاف إلى بروز مالمح سياسة جبائية على عالقة‬
‫وطيدة بإدارةاألزمات‪ ،‬وال تندرج ضمن منوال تنموي واضح المعالم‬
‫بقدر ماهي تدبير عشوائي للشأن العام‪.‬‬
‫وتعتبر السياسة الجبائية مرآة تعكس اختيارات السلط العمومية وتفاعل‬
‫األوضاع السياسية واالقتصادية واالجتماعية داخل المجتمع‪ .1‬وتعني‬
‫السياسة الجبائية في مفهومها الواسع جملة االختيارات التي تساهم في‬
‫تحديد خصائص نظام جبائي ما‪ .2‬ووفق هذا التعريف‪ ،‬تندرج ضمن‬
‫السياسة الجبائية‪ ،‬اإلجراءات التي لها تأثيرا على نسبة الضغط الجبائي‪،‬‬
‫أو على توزيع العبئ الضريبي الجملي لمختلف أصناف الضرائب‪ ،‬أو‬
‫القرارات المتعلقة بقاعدة أو تعريفات مختلف الضرائب‪.‬‬
‫*أستاذ القانون العام بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪zakraouisg@gmail.com‬‬

‫‪1‬أنظر‪ ،‬الصغير الزكراوي‪ ،‬السياسة الجبائية في تونس‪ :‬المالمح والمطامح‪ ،‬المجلة القانونية التونسية‪ ،2005 ،‬ص‪.153.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪Castagnède (B.), -Les politiques fiscales et la crise en Union Européenne, http://lectures.revues.org/748.‬‬
‫‪-La politique fiscale française et la crise,Revue De Droit Fiscal,n 9, 1 Mars 2012.‬‬

‫‪1‬‬
‫أما في مفهومها الضيق‪ ،‬فيقصد بها استعمال التشريع الضريبي لغايات‬
‫اقتصادية واجتماعية أو بيئية‪ ،‬بمعنى أن الضريبة تستعمل كوسيلة من‬
‫وسائل السياسة االقتصادية لتحقيق أهداف ظرفية أو هيكلية‪ .‬غير أنه في‬
‫اآلونة األخيرة‪ ،‬بدأ يحل محل السياسة الجبائية مفهوم جذاب عرف‬
‫رواجا‪ ،‬يتمثل في الحوكمة الجبائية‪ La gouvernance fiscale‬الذي‬
‫يندرج ضمن مقاربة تعتمد باألساس على تقييم نجاعة النظام الجبائي‬
‫وتأثيره على الفاعلين االقتصاديين‪ .3‬ونميز عادة على المستوى الماكرو‪-‬‬
‫اقتصادي بين السياسة الجبائية الظرفية التي تهدف إلى إدارة النشاط‬
‫االقتصادي بواسط السياسة المالية والنقدية‪ ،‬والسياسة الجبائية الهيكلية‬
‫التي تصبو إلى تغيير سلوك الفاعلين االقتصاديين لتجسيد أهداف‬
‫السياسات العمومية‪.‬‬
‫وتقوم السياسة الجبائية الهيكلية على إحداث أنظمة جبائية استثنائية‬
‫للقاعدة الجبائية العامة‪ ،‬كإقرار حوافز جبائية سخية للمؤسسات التي‬
‫تستثمر في مجال التنمية الجهوية أو في مجال حماية البيئة ومقاومة‬
‫التلوث‪ ،‬أو التهيئة الترابية‪ ،‬أو في مجال تكنولوجيات االتصال‪.‬‬
‫وفي ظل احتدام األزمة االقتصادية ومحدودية البدائل المطروحة‪ ،‬وبإيعاز‬
‫من المؤسسات المالية المانحة‪ ،‬عملت الحكومات المتعاقبة على التسريع‬
‫بإجراء جملة من اإلصالحات المؤلمة من أهمها إصالح قطاعالبنوك‬
‫العموميةوإصالح المنظومة الجبائية قصد تحسين مردوديتها لتحصيل‬
‫مزيد من اإليرادات الضريبية‪ ،‬والتلويح بخوصصة بعض المؤسسات‬
‫العمومية المتعثرة عسى أن تساهم مبالغ التفويت فيها في المحافظة على‬
‫توازنات المالية العمومية والتقليص من االلتجاء اآللي إلى التداين‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪Sghaier Zakraoui, la gouvernance fiscale en Tunisie, les deuxièmes journées maghrébines de droit, colloque‬‬
‫‪sur,les mutations de l’action publique au Maghreb, faculté de droit et des sciences politiques de Tunis, les 15 et‬‬
‫‪16 Mars 2007.‬‬

‫‪2‬‬
‫تحت وطأة مختلف هذه اإلكراهات‪ ،‬اكتسحت الجباية النسيج االقتصادي‬
‫واالجتماعي‪،‬وأحدثت ضرائب ومعاليم وأتاوات جديدة ومساهمات‬
‫ظرفية‪ ،‬ووسعت قاعدة أخرى‪ ،‬وتم الترفيع في نسب أغلبها‪ .‬وغني عن‬
‫البيان القول‪ ،‬بأن هذه االختيارات المثيرة للجدل‪ ،‬تفضي باألساس إلى‬
‫إرهاق كاهل األشخاص الطبيعيين الذين تآكلت قدراتهم الشرائية‪ ،‬وإثقال‬
‫كاهل المؤسسات بأعباء جديدة تزيد في الكلفة وتفقدها تنافسيتها مما قد‬
‫تعيقها على الرفع من مستوى النمو وفي طاقتها التشغيلية‪.‬‬
‫وعلى ضوء ما تقدم‪ ،‬يثور التساؤل عن مالمح السياسة الضريبية التي‬
‫اعتمدها الحكومات المتعاقبة لمجابهة األزمة االقتصادية التي تعيشها‬
‫البالد؟‬
‫لإلجابة عن هذا التساؤل‪ ،‬سنحاول في مرحلة أولى بيان‪ ،‬أن السياسة‬
‫الضريبية المعتمدة للتصدي لألزمة‪ ،‬هي سياسة ظرفية مرتهنة‪ ،‬قائمة‬
‫باألساس عل هاجس المردودية‪( ،‬الجزء األول)‪ ،‬آثارها وخيمة (الجزء‬
‫الثاني)‪ ،‬في الوقت الذي تبدو فيه البدائل ممكنة (الجزء الثالث)‪.‬‬

‫الجزء األول‪ :‬سياسة جبائية قائمة على هاجس المردودية‬


‫فقدت تونس قرارها الوطني المستقل وأصبحهامش حرية السلط العمومية‬
‫في رسم السياسات العمومية محدودا منذ أن قبلت تحت وطأة األزمة‬
‫االقتصادية شروط صندوق النقد الدولي‪،‬وأجبرت بالتالي على تغيير‬
‫أساليب تدخلها وسلم أولوياتها‪.‬‬
‫وقد اشترط صندوق النقد الدولي لمنح الحكومة التونسية حزمة من‬
‫اإلصالحات المؤلمة تطال قطاعات متعددة‪ ،‬على غرار دعم المحروقات‬
‫والمواد األساسية والسيطرة على كتلة األجور التي استنزفت ميزانية‬
‫الدولة‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫وفي محاولة للحد من اإللتجاء المفرط للتداين‪ ،‬اختارت السلط العمومية‬
‫التعويل على المواراد الذاتية وخاصة الجبائية منها‪ .‬وبتفحص قوانين‬
‫المالية المتتالية يتضح أن الهدف المالي وهو الهدف التقليدي للضريبة‬
‫يطغى على التوجهات العامة للسياسة الجبائية(أ)‪ ،‬يقابله تهميش للهدف‬
‫االقتصادي(ب)‪ ،‬وتغييب للهدف االجتماعي(ج)‪.‬‬

‫أ‪-‬تغليب الهدف المالي‬

‫ولتجسيد هذا الهدف المالي الذي أصبح هاجسا مزعجا‪ ،‬سعت السلط‬
‫العمومية إلى توسيع قاعدة األداء‪ ،‬والترفيع في النسب‪ ،‬وهو ما ترتب عنة‬
‫خلل على مستوى توزيع العبئ الضريبي‪.‬‬

‫‪-1‬توسيع قاعدة الضريبة‬

‫أحدثت عدة معاليم وأتاوات وأداءات بعضهااستثنائي يسري ألمد محدد‪،‬‬


‫كالمساهمات االجتماعية التضامنية الموظفة على‪:‬‬

‫‪ -‬األشخاص الطبيعيين الخاضعة مداخيلهم للضريبة على الدخل بإضافة‬


‫نقطة لنسب الضريبة المعتمدة على مستوى شرائح الدخل‪.‬‬

‫‪ -‬أو على المؤسسات والشركات الخاضعة للضريبة على الشركات بما‬


‫فيها المعفاة مع ضبط حد أدنى يختلف حسب النسبة المطبقة على هذه‬
‫المؤسسات‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫على مستوى توسيع قاعدة الضريبة‪ ،‬تم بمقتضى الفصل ‪ 29‬من قانون‬
‫المالية لسنة ‪ 2018‬توسيع مجال تطبيق نسبة الضريبة على الشركات‬
‫المحددة ب ‪ %35‬ليشمل‪:‬‬

‫‪-‬المساحات التجارية الكبرى‪،‬‬

‫‪-‬وكالء بيع السيارات‪،‬‬

‫‪-‬المستغلين تحت التسمية األصلية لتسمية أو لعالمة تجارية أجنبية‪.‬‬

‫كما أخضعت قطاعات لم تكن خاضعة وشددت عليها الرقابة وأجبرتها‬


‫على االنخراط قسرا في المنظومة الجبائية‪.4‬‬

‫‪-2‬الترفيع في النسب‬

‫لتحسين مردودية المنظومة الجبائية قامت السلط العمومية بالترفيع من‬


‫سنة إلى أخرى في نسب أغلب المعاليم واألداءات المباشرة منها وغير‬
‫المباشرة ومقادير المعاليم القارة في مجال معاليم التسجيل والطابع‬
‫الجبائي ومجال المعاليم لقاء إسداء خدمات‪.‬‬

‫كما أقدمت السلط العمومية على الترفيع في‪:‬‬

‫‪-‬الترفيع في نسبة الضريبة المستوجبة على األرباح الموزعة من ‪%5‬إلى‬


‫‪.%10‬‬

‫‪ 4‬المهن التي تحقق أرباحا غير تجارية‪.‬‬


‫وفقا ألحكام الفصل ‪ 21‬من مجلة الضريبة عل دخل األشخاص الطبيعيين والضريبة على الشركات‪ ":‬تعتبر متأتية من تعاطي مهنة غير تجارية‬
‫األرباح التي يحققها أصحاب المهن الحرة وأصحاب الوظائف واألعمال الذين ليست لهم صفة تاجر وكذلك األرباح الناتجة عن أشغال أو‬
‫استغالالت غير تجارية غايتها الربح"‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫‪-‬نسبة التسبقة المستوجبة على واردات مواد االستهالك بصفة ظرفية من‬
‫‪%10‬إلى ‪.%15‬‬

‫‪-‬الترفيع في نسبة الخصم من المورد ليشمل أغلب المداخيل‪.‬‬

‫ويبقى الخصم من المورد السبيل األمثل الستخالص الجباية حيث تطور‬


‫مناب الخصم من المورد من ‪ %19‬سنة ‪ 2000‬إلى ‪%32‬مسجلة في‬
‫‪ 2016‬و‪%29‬متوقعة لسنة ‪ 2017‬و‪%26‬مقدرة سنة ‪.2018‬‬

‫وإن الخصم من المورد آلية استخالص ناجعة توفر سيولة للخزينة العامة‬
‫على مدار السنة فإنه يضفي على النظام الجبائي طابعا تسلطيا‪.‬‬

‫لكن يظل الترفيع في األداء على القيمة المضافة بنقطة هو العالمة‬


‫البارزة خالل هذه المرحلة‪ ،‬حيث تم بمقتضى الفصل ‪ 43‬من قانون‬
‫المالية لسنة ‪ 2018‬الترفيع في نسب األداء على القيمة المضافة من ‪%6‬‬
‫إلى ‪ %7‬ومن ‪%12‬إلى ‪ %13‬ومن ‪ %18‬إلى ‪.%19‬‬

‫وتبين الجداول التالية موارد ميزانية الدولة ومكانة المداخيل الجبائية‬


‫(االداءات المباشرة واألداءات غير المباشرة) في ميزانية الدولة‪.‬‬

‫‪-3‬تشديد الرقابة‬

‫عجزت السلط العمومية على مقاومة ظاهرة التهرب من أداء الواجب‬


‫الجبائي‪ .‬وفي سعيها للحد من استفحال هذه الظاهرة‪ ،‬دعمت الترسانة‬
‫الزجرية القائمة بتوسيع دائرة التجريموذلك بتجريم أفعال لم تكن مجرمة‬

‫‪6‬‬
‫وإحداث بموجب الفصل ‪ 33‬من قانون المالية لسنة ‪2017‬سلك خاص‬
‫يسمى" فرقة األبحاث ومكافحة التهرب الجبائي" أصبح يعرف‬
‫ب"الشرطة الجبائية"‪ ،‬باشر العمل في مفتتح سنة ‪ ،2018‬ويمارس‬
‫وظائفه تحت إشراف الوكالء العامين لدى محكمة االستئناف‪ .‬ويتولى‬
‫أعوان هذا السلك الكشف عن المخالفات الجبائية الجزائية وجميع أدلتها‬
‫بكامل تراب الجمهورية‪.‬‬

‫غير أن إيالء الوظيفة المالية للضريبة أهمية قصوى تزامن مع تهميش‬


‫لهدفها االقتصادي وتغييب لبعدها االجتماعي‪.‬‬

‫ج‪-‬إهمال األهداف االقتصادية واالجتماعية‬

‫لم تفلح الحكومات المتعاقبة في صياغة سياسة متناسقة توفق بين مختلف‬
‫أهداف الضريبة مما أفضى إلى تهميش الهدف االقتصادي وتغييب البعد‬
‫االجتماعي‪.‬‬

‫‪-1‬تهميش الهدف االقتصادي‬

‫أقرت السلط العمومية جملة من اإلجراءات الجبائية بهدف التشجيع على‬


‫إحداث المؤسسات والتحفيز على االدخار والتشجيع على االستثمار‬
‫خاصة في الجهات الداخلية بهدف الحد من التفاوت بين الجهات ومن‬
‫تفاقم البطالة‪ .‬لكن تونس مدعوة إلى مراجعة منظومة الحوافز الجبائية‬
‫السخية بعد أن تم تصنيفها في موفي سنة ‪ 2017‬من قبل االتحاد‬
‫األوروبي كمالذ ضريبي وأدرجت في مرحلة أولى في القائمة السوداء‪،‬‬
‫‪7‬‬
‫ليقع في بداية ‪ 2018‬إدراجها في القائمة الرمادية وتظل تحت المراقبة‬
‫إلى أن تعدل تشريعاتها الجبائية حتى تتطابق مع تشريعات االتحاد‬
‫األوروبي‪.5‬‬

‫لكن بالتوازي مع هذه اإلجراءات‪ ،‬أقرت القوانين المالية المتتالية جملة‬


‫من اإلجراءات الجبائية من شأنها أن تؤثر في "كلفة المؤسسات‬
‫االقتصادية وتفقدها تنافسيتها مما قد يعيقها على الرفع في نسق النمو‬
‫االقتصادي ومن قدرتها التشغيلية ويضعف قدرتها التصديرية"‪.6‬‬

‫‪-2‬تغييب البعد االجتماعي‬

‫تلعب الضريبة دورا أساسيا في إعادة توزيع الثروة وتذليل الفوارق‬


‫االجتماعية بين مختلف شرائح المجتمع وتقليص الهوة بينها عن طريق‬
‫فرض أداءات ومعاليم تأخذ بعين االعتبار مدى يسر أو عسر المطالب‬
‫بالضريبة‪ .‬ويالحظ الدارس ألهم اإلجراءات التي تم اتخذها بمقتضى‬
‫القوانين المالية والتي شملت شرائح الدخل والترفيع في الطروحات‬
‫بعنوان األعباء العائلية واألبناء المعاقين‪ ،‬ال تشكل في نهاية المطاف‬
‫سوى إجراءات رمزية‪ .‬فعندما يصبح هاجس السلط العمومية هو تحسين‬
‫أداء المنظومة الجبائية‪ ،‬يتحول الحديث عن العدالة الجبائية مغالطة كبرى‬
‫ألنها تبدو آخر االهتمامات في رسم االختيارات واألولويات‪.‬‬
‫‪ 5‬لم تعد الحوافز الجبائية السخية تجدي نفعا سيما وأن الدولة تفرط فيما يفوق ‪ 500‬م‪.‬د‪ .‬سنويا بعنوان نفقات جبائية ‪Dépenses fiscales.‬‬
‫لذلك ما انفكت المؤسسات المالية الدولية توصي في العديد من تقاريرها بالتخلي عن سياسة الحوافز الجباية‪ ،‬بصيغة أخرى ال بد من إقرار نسب‬
‫معقولة ال تثقل كاهل المؤسسات وترك تدريجيا األنظمة الجبائية االستثنائية‪Des dépenses fiscales aux politiques fiscales par la .‬‬
‫‪norme.‬‬

‫‪ 6‬رضا الشكندالي‪ ،‬مشروع قانون المالية وجدل الجباية‪ ،‬ص‪csds-center.com.1.‬‬

‫‪8‬‬
‫إن السياسة الجبائية المتبعة خالهذه الحقبة ال تخلو من آثار بادية للعيان‬
‫ولمن يتابع الشأن العام‪.‬‬

‫الجزء الثاني‪ :‬سياسة جبائية آثارها وخيمة‬

‫ساهمت السياسة الجبائية التي تهدف باألساس إلى تعبئة الموارد لتغذية‬
‫ميزانية الدول إلى إحداث تغييرات على مستوى هيكلة النظام الجبائي‬
‫(ب)‪ ،‬وفي إحداث إنخرام عل مستوى توزيع العبئ الضريبي (ج)‪.‬‬

‫أ‪-‬تفاقم الضغط الجبائي‬

‫تتأتى موارد ميزانية الدولة لحد ‪%73‬من الموارد الذاتية و‪%27‬‬


‫مناالقتراض‪ .‬وبالرغم من انخفاض مناب المداخيل الجبائية في ميزانية‬
‫الدولة خالل السنوات األخيرة فإنها تساهم في حدود ‪ %64‬سنة ‪2016‬‬
‫و‪%62‬خالل سنة ‪.2017‬‬

‫وقد أفضت سياسة الترفيع في النسب‪ ،‬وهي سياسة الحلول السهلة‪ ،‬إلى‬
‫ارتفاع نسبة الضغط الجبائي التي بلغت ‪ .%22‬وتعتبر هذه النسبة األعلى‬
‫من بينالدول اإلفريقية‪ .‬وتزامن ارتفاع الضغط الجبائي مع تردي الخدمات‬
‫في جل المرافق العمومية‪.‬‬

‫ب‪-‬تعديل هيكلة النظام الجبائي‬

‫يقوم النظام الجبائي التونسي على األداءات المباشرة‪ ،‬التي تتكون باألساس‬
‫من الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات‪ ،‬واألداءات غير‬

‫‪9‬‬
‫المباشرة‪ ،‬والتي تتشكل من األداء على القيمة المضافة والمعلوم على‬
‫االستهالك والمعاليم الديوانية‪.‬‬

‫وبتحليل محصولها ونسب مساهمتها في موارد الدولة‪ ،‬يتضح أنها تتوزع‬


‫لحد ‪ %36‬من أداءات مباشرة ولحد ‪ %64‬من أداءات غير مباشرة‪.‬‬

‫وضمن األداءات المباشرة تظل استقطاعات المرتبات واألجور األعلى‬


‫واألفضل تحصيال بحكم خصمها من المورد مباشرة‪ ،‬بينما تظل الضرائب‬
‫األخرى التي تستهدف الفئات الميسورة رهن تصريح تلقائي ويتمتع‬
‫الخاضعون فيها بفرص للتطفيف منها أو التملص من دفعها‪.‬‬

‫وبخصوص األداءات غير المباشرة فتتأتى أساسا من األداء على القيمة‬


‫المضافة الذي يظل األداء األكثر مردودية خاصة بعد الترفيع في نسبه‬
‫بنقطة واحدة‪.‬‬

‫وليس بخاف على أحد أنه‪ ،‬لمعرفة مدى عدالة نظام ضريبي معين‪ ،‬يجب‬
‫تفحص هيكلته ومقارنة مساهمة مختلف أصناف الضرائب في موارد‬
‫ففي البلدان التي تعرف تفاوتا طبقيا‪ ،‬تكون نسب‬ ‫ميزانية الدولة‪.‬‬
‫الضرائب غير المباشرة في تمويل خزينة الدولة أرفع من نسب الضرائب‬
‫المباشرة‪ .‬وتعتبر تونس من ضمن هذه البلدان‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫ج‪-‬انخرام على مستوى توزيع العبئ الضريبي‬

‫اعتمدت السلط العمومية على الحلول السهلة لتعبئة الموارد الجبائية‪ ،‬تتمثل‬
‫باألساس في إثقال كاهل المنخرطين في المنظومة الجبائية من أشخاص‬
‫ومؤسسات بمساهمات استثنائية تضامنية‪.‬‬

‫وإذا كان بإمكان المؤسسات أن تتحمل هذا العبئ االستثنائي‪ ،‬فإن شرائح‬
‫بذاتها من الطبقة الوسطى لم تعد قادرة على تحمل مزيدا من األعباء‬
‫اإلضافية‪.‬‬

‫ويالحظ المتأمل في االختيارات التي تقوم عليها السياسة الجبائية أن السلط‬


‫العمومية دأبت على فرض ضرائب بنسب مرتفعة على مداخيل العمل‬
‫سواء قبل قبضها أو عند إنفاقها أثناء االستهالك‪ ،‬بينما يتمتع راس المال‬
‫بنظام خاص بداعي التشجيع على بعث المؤسسات واالستثمار ودفع عجلة‬
‫التنمية التي توقفت على الدوران‪.‬‬

‫فمع االرتفاع الجنوني لألسعار‪ ،‬تآكلت مقدرتها الشرائية وتدحرجت نحو‬


‫عتبات الفقر األمر الذي يهدد االستقرار االجتماعي‪ .‬فبعد أن كانت صمام‬
‫أمان للنظام السياسي وعامل استقرار‪ ،‬قد تصبح الطبقة الوسطى عامل‬
‫احتقان اجتماعي مشروع‪.7‬‬

‫يتضح على ضوء ما تقدم عرضه أن الخيارات المعتمدة لم تفلح في الحد‬


‫من التداين ومن العجز في الميزانية ومن تحريك عجلة النمو االقتصادي‪.‬‬

‫‪ 7‬تعتبر الضريبة أحد محركات التاريخ‪ .‬فكل الثورات تجد بواعثها ومحفزاتها في الجباية‪ .‬فانتفاضة علي بن غذاهم اندلعت سنة ‪ 1864‬بسبب‬
‫الترفيع في الضرائب وخاصة ضريبة اإلعانة التي تم الترفيع فيها من ‪ 36‬إلى ‪ 72‬لاير‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫الجزء الثالث‪ :‬من أجل سياسة جبائية مغايرة‬

‫في ظل األزمات االقتصادية والمالية‪ ،‬رسمت بعض الدول سياسات جبائية‬


‫تقوم على اختياراتتختلف عن تلك التي أقرتها الحكومات المتعاقبة بداية‬
‫من قانون المالية لسنة ‪ .20128‬ومع األخذ بعين االعتبار اختالف‬
‫السياقات‪ ،‬فإن االعتماد الكلي على الجباية لمجابهة االزمة‪ ،‬لن يمنع‬
‫الخروج إلى السوق المالية الخارجية لالقتراض‪ ،‬ولن يساهم في الحد من‬
‫عجز الميزانية وانخرام التوازنات المالية الكبرى‪.‬‬

‫ويمكن أن نجمل الخطوط العريضة للسياسة الجبائية المأمولة في قائمة من‬


‫اإلصالحات تندرج ضمن تصور متكامل للخروج من األزمة‪ .9‬في‬
‫المجال الجبائي‪ ،‬يقتضي هذا التصور على الشروع اليوم قبل الغد في‬
‫مقاومة التهرب الضريبيوإخضاع القطاع الموازي للضريبة (أ)‪ ،‬وإحداث‬
‫ضريبة على الثروة (ب)‪ ،‬وإعادة هيكلة النظام التقديري (ج)‪.‬‬

‫أ‪-‬مقاومة التهرب الضريبي بإخضاع القطاع الموازي للضريبة‬

‫ال يخلو أي مجتمع من ظاهرة التهرب من أداء الواجب الضريبي‪ .‬ولكن‬


‫االختالف يكمن في نسبها‪ .‬ففي تونس‪ ،‬بلغ حجم القطاع الموازي حجم‬
‫القطاع الرسمي وهو قطاع ينخر المنظومة االقتصادية وتخسر الدولة‬
‫جراءه ما يقارب نسبة ‪ %2‬من النمو‪ .‬وقد آن األوان إلخضاع هذا القطاع‬
‫‪ 8‬أغلب هذه أعضاء في االتحاد األوروبي على غرار اليونان والبرتغال واسبانيا وألمانيا وإيرلندا‪ .‬من هذه الدول من اعتمد سياسة الترفيع في‬
‫الضرائب وخاصة األداء على القيمة المضافة‪ ،‬ومنها من اعتمد التخفيض في نسب بعض الضرائب‪.‬‬
‫‪ 9‬يصعب حاليا الحديث عن منوال تنموي يقطع مع المنوال التنموي الذي ظلت تونس تتبعه منذ بداية سبعينات القرن الماضي‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫بكل الوسائل الممكنة‪.‬فانخراط هذا القطاع في المنظومة الجبائية قادر على‬
‫تعبئة موارد تساعد على مواجهة األزمة‪ .‬لكن القرار يحتاج فقط إلى‬
‫إرادة سياسية‪.‬‬

‫ب‪-‬إحداث ضريبة على الثروة‬

‫أفرزت السياسات االقتصادي المتبعة منذ االستقالل شريحة من األثرياء ال‬


‫تتورع في إبراز ثرائها الفاحش عبر مستوى عيش بذخي‪ .‬وقد أثبتت عديد‬
‫الدراسات‪ ،‬أن في تونس ما يفوق ‪ 70‬مليارديرا وحوالي ‪ 6700‬مليونيرا‪،‬‬
‫ما أدى إلى تركيز الثروة بين أيدي أقلية‪.‬‬

‫ويمكن كبح جماح هذه الشرائح المارقة وإرجاعها إلى رشدها بواسطة‬
‫ضريبة على الثروة‪ .‬فمن بين وظائف الضريبة إعادة توزيع الثروة‬
‫بينشرائح المجتمع وفق مبدأ كل حسب طاقته الضريبية‪.‬‬

‫إن مردود مثل هذه الضريبة لن يحل معضلة شحة الموارد ولكن يكتسي‬
‫بعدا رمزيا تذكر الدولة عبر ه وجودها‪.‬‬

‫ج‪-‬إعادة هيكلة النظام التقدير‬

‫يعتبر هذا النظام معضلة النظام الجبائي التونسي‪ .‬ففي ظله‪ ،‬تخضع‬
‫المؤسسات الفردية التي تحقق مداخيل في صنف األرباح الصناعية‬
‫والتجارية في إطار منشأة واحدة للضريبة على الدخل حسب نظام تقديري‬
‫ضبط المشرع تعريفته‪ .10‬وقد تحول هذا النظام على مر السنين إلى ملجأ‬

‫‪ 10‬يراجع الفصل ‪ 44‬مكرر وما يليه من مجلة الضريبة على دخل األشخاص الطبيعيين والضريبة على الشركات‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫لكل من يرغب في التهرب من الضريبة‪ .‬فيكفي لمن يريد االنضواء تحت‬
‫لوائه‪ ،‬إلى التطفيف من رقم المعامالت أو التحايل على بعض شروطه‬
‫ليدفع مبلغا زهيدا‪ ،‬والحال أن األداءات تكلف الموظف حوالي ثلث مرتبه‪.‬‬

‫وينضوي تحت لواء هذا النظام الجبائي ما يناهز ‪ 400‬ألف مطالب‬


‫باألداء‪ ،‬وال يتجاوز مردود هذا النظام ‪ 28‬م‪.‬د‪ .‬أي ما يعادل سبعين(‪)70‬‬
‫دينارا للفرد الواحد‪.‬‬

‫ويشكل استمرار وجود هذا النظام الجزافي في المنظومة الجبائية تعديا‬


‫صارخا على أحكام الفصل ‪ 10‬من الدستور الذي أرسى الواجب الجبائي‪،‬‬
‫وعلى مبدأ المساواة أمام الضريبة‪.11‬‬

‫على سبيل الختم‬

‫إنها سياسة ضريبية ظرفية‪ ،‬ومرتهنة‪ ،‬قائمة على هاجس المردودية جعلت‬
‫من الضريبة األداة األساسية لمجابهة أزمة استفحل أمرها‪ ،‬وتكون بذلك قد‬
‫عبدت الطريق إلرساء "دولة المجبى"‪.‬‬

‫وفي ظل "دولة المجبى"‪ ،‬تنقلب الضريبة من مساهمة ‪contribution‬‬


‫إلى الضريبةالمجحفة ‪confiscatoire l’impôt‬الذي بدأ يثير تذمر‬
‫مختلف الشرائح االجتماعية وخاصة تلك الشرائح التي تعتبر عماد الطبقة‬
‫الوسطى‪.‬‬

‫‪ 11‬تشكلت لوبيات داخل مجلس نواب الشعب وتصدت لفصول في مشروع قانون المالية تتعلق بإعادة هيكلة النظام التقديري‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫إن تحميل الطبقة الوسطى التي تقلص حجمها الجزء األكبر من‬
‫التضحيات وإثقال كاهلها بالضرائب يهدد السلم االجتماعي ويقوض‬
‫االستقرار السياسي الهش‪.‬‬

‫المفارقة الكبري‪ ،‬أن يتزامن إعالن "حالة الطوارئ الجبائة"‪ ،‬غير المعلنة‬
‫رسميا‪ ،‬مع تردي الخدمات في جميع المرافق العامة‪.‬‬

‫أما المفارقة األكبر‪ ،‬فأن يسود االرتجال في رسم السياسات واجتراح‬


‫الحلول‪ ،‬وأن تغيب البدائل القدرة على فتح آفاق تبشر بالخروج من‬
‫المأزق‪.‬‬

‫تلك هي عالمات الدول الهشة‪.‬‬

‫‪15‬‬
16

Vous aimerez peut-être aussi