Vous êtes sur la page 1sur 23

‫جريمة الرشوة في القانون الجزائري‬

‫فعلم‬
‫«إذا أردت أن تؤسس لعام فازرع القمح‪ ،‬وإذا أردت أن تؤسس لجيل فشجر األرض وإذا أردت أن تؤسس للعمر كله ِّ‬
‫الناس»‬
‫الحكيم الصيني كوتفوشيوس‬
‫الخطـة‬

‫مـقدمـة‬
‫الفصل األول‪ :‬جريمة الرشوة‬
‫تمهيـد‬
‫المبحـث األول‪ :‬البنيان القانوني لجريمة الرشوة‬
‫**المطلـب األول‪ :‬الطبيعة القانونية لجريمة الرشوة‬
‫**المطلـب الثاني‪ :‬الحكمة من تجريم الرشوة‬
‫**المطلـب الثالث‪ :‬صلة جريمة الرشوة بجريمة استغالل النفوذ‬
‫المبحـث الثاني‪ :‬أركان جريمة الرشوة‬
‫**المطلب األول‪ :‬إجرام المرتشي‬
‫**المطلب الثاني‪ :‬إجرام الراشي و الرائش‬
‫الفصـل الثاني‪ :‬عقوبـة جريمـة الرشـوة و صـورها الخاصة‬
‫تمهيـد‬
‫المبحـث األول‪ :‬عقوبة جريمة الرشوة‬
‫**المطلب األول‪ :‬العقوبة البسيطة لجريمة الرشوة‬
‫**المطلب الثاني‪ :‬العقوبة المشددة لجريمة الرشوة‬
‫**المطلب الثالث‪ :‬اإلعفاء من العقاب في جريمة الرشوة‬
‫المبحـث الثاني‪ :‬الصور الخاصة لجريمة الرشوة‬
‫**المطلـب األول‪ :‬جريمة الراشي باعتباره فاعال آخر في جريمة الرشوة‬
‫**المطلـب الثاني‪ :‬جريمة العرض الخائب للرشوة‪.‬‬
‫الخـاتمـة‬
‫المـقـدمـة‪:‬‬
‫إن تحقيق العدالة الكاملة في الواقع ليس أمرا سهال كما يبدو لنا في أول وهلة أو كما يتصوره عامة الناس‪ ،‬وأنما تحقيقها أمرا‬
‫صعبا جدا ألنه مرهون بأمور أخرى تتعلق بطبيعة الفرد و فطرته‪ ،‬فاإلنسان كما هو معروف مفطور على حب ذاته وحب من‬
‫هم أقرب الناس اله و هو مزود بدوافع غريزية تتميز بالعنف و الظلم و السيطرة وحب التسلط والتملك والظهور‪ ،‬وأنه مزود‬
‫أيضا بالعقل الذي هو نور يهديه في هذه الحياة كما أنه ليس لع جناحان و لكنه يطير و ال يحسن السباحة و لكنه يسافر فوق و‬
‫تحت البحار‪ ،‬ليست له مخالب و لكنه يحفر الحفر في قشرة األرض الصلبة‪ ،‬ليست له أنياب‪ ،‬يستطيع أن يقتل كل مخلوق حي‬
‫لكن إذا كان يستطيع أن يقتل كل مخلوق حي فانه قادر بدون شك‪ ،‬أن يقتل أفراد جنسه و يضر حتى بالمصالح العليا ألمته و هذا‬
‫هو الهالك بعينه‪ ،‬وبالتالي يكون كل إنسان عرضة ألخطار و متاعب تصادفه في الحياة من مرض أو اعتزال منصب فال بد من‬
‫توفير جزء من المال ندخره لوقت الحاجة‪ ،‬ونحفظ به أنفسنا من الدين و المذلة فكثير من فضائل عمادها المال فالكرم و األمانة‬
‫واإلحسان واالقتصاد والطمع و الغش والنصب واالرتشاء و اإلسراف كلها تتصل بحالة اإلنسان المالية‪ ،‬بل هناك فضائل و‬
‫رذائل تنتج عن م ال عن طريق غير مشروع فكثير ما يضطر المدين إلى الكذب وتحمله ديونه على تلقيف االعتذار لدائنه‬
‫ليماطله‪ ،‬و كثيرا ما يكون الفقر سبب اإلجرام و عدوا للحرية وأيضا دور انخفاض المستوى االقتصادي و ضعف األجور و‬
‫المرتبات كانت هي السبب في انتشار عدة جرائم كاالختالس وخيانة األمانة و الرشوة‪ ،‬و مما ال شك فيه أن حسن سير اإلدارة‬
‫الحاكمة ونزهاتها من المهام األساسية التي يجب أن تقوم بها الدولة و في سبيل الوصول إلى هذا الهدف تختار الدولة من بين‬
‫أفرادها موظفين يتولون القيام بهذه المهمة لقاء أجر يحصلون عليه في صورة مراب أي حينما يؤدي الخدمة أو العمل المنوط‬
‫إليه القيام به إنما يكون بناء على اتفاق بينه و بين الدولة و هو في أدائه لهذا الواجب إنما يلتزم الحدود التي ينظمها االتفاق و‬
‫يصفه خاصة عدم حصوله أو طلبه أي مقابل إضافي من صاحب المصلحة أو الحاجة متى لجأ إليه لقضاء حاجاته أو مصلحته‬
‫و تعد محاولة الموظف استغالل وظيفته و الحصول من صاحب الحاجة على مقابل لقضاء حاجته عمال يصيب اإلدارة الحاكمة‬
‫في الصميم إذ يعرقل سيرها و يشكك في نزاهتها و يجعل الحصول على الخدمة أو المصلحة قاصرا على القادرين من المجتمع‬
‫دون غيرهم و يترتب على كل ذلك إفساد العالقة بين الدولة و أفرادها و الحط من هيبة موظفيها واحترامهم باإلضافة إلى أن‬
‫الموظف يسلك هذا السبيل و يثرى على حساب غيره دون سبب مشروع‪ ،‬لهذه األسباب جميعها قررت تشريعات الدول المختلفة‬
‫عقاب الموظف العام الذي يتاجر في أعمال وظيفته و يهبط بها إلى مستوى السلع بأن يطلب أو يقبل أو يحصل من صاحب‬
‫الحاجة على مقابل ألجل قضاء حاجته‪ ،‬و تعرف هذه الصور من الفعال المعاقب عليها كما سبق ذكرها بجريمة الرشوة‪ ،‬فهي‬
‫تعد من بين الجرائم االقتصادية و من أخطر الجرائم الواقعة على الوظيفة و اإلدارة العامة‪ ،‬و المضرة بالمصلحة العامة و التي‬
‫تم س أمن الدولة الخارجي و الداخلي‪ ،‬ما حقيقتها‪ ،‬ما تكييفها‪ ،‬ما طبيعتها‪ ،‬شروط قيامها‪ ،‬صورها‪ ،‬وسائل القضاء عليها أو‬
‫باألحرى التخفيف من وجودها‪ ،‬ز مل دور المشرع الجزائري أمام هذه الجريمة كلها اتجاهات تناولها و نحن بصدد دراستها في‬
‫هذه المذكرة‪.‬‬

‫الفصل األول‪ :‬جريمة الرشوة‬


‫المبحث األول‪ :‬البنيان القانوني لجريمة الرشـوة‪:‬‬
‫تمهيـد‪:‬‬
‫يقصد بالبنيان القانوني ما يستلزمه نص التجريم لقيام الجريمة قانونا ويشمل ذلك ليس فحسب ركني الجريمة التقليديين المادي و‬
‫المعنوي بل ما يتضمنه النص أحيانا من شروط أولية أو عناصر مفترضة أو خاصة يؤثر توفرها أو تخلفها على الجريمة‬
‫وجودا أو عدما‪.‬‬
‫ففكرة أركان الجريمة التقليدية ال تستوعب إذن كل بنيانها القانوني و إن كانت تمثل الجزء األكبر فيه قليال إذ يبقى أن نص‬
‫التجريم يتطلب أحيانا لقيام الجريمة شرطا أوليا أو عنصرا خاصا أو وسيلة معينة مما قد يصعب إدراجه ضمن المفاهيم‬
‫واألفكار التقليدية ألركان الجريمة بل إن لبعض الجرائم طبيعة قانونية خاصة يترتب عليها نتائج عملية هامة تستفاد من نص‬
‫التجريم دون أن يسعف التقسيم اإلداري ألركان الجريمة بدراستها ضمن هذا الركن أو ذلك (نذكر على سبيل المثال كونها‬
‫جريمة مستمرة أو جريمة فاعل متعدد أو جريمة تبعية يعاقب عليها رغم ذلك كجريمة مستقلة عن الجريمة األصلية) في كافة‬
‫هذه األمثلة وغيرها تتيح فكرة البنيان القانوني للجريمة دراسة كافة ما يلزم لقيامها ركنا كان أم عنصرا أم شرطا لتطبيق النص‬
‫أم طبيعة قانونية خاصة ترتب نتائج عملية فمن إجماع تلك المكونات يصبح السلوك المؤثم جريمة يستحق فاعلها الجزاء المقرر‬
‫في نص التجريم وتتجسد مكونات البنيان القانوني لجريمة الرشوة فيما يلي‪:‬‬
‫أ‪ .‬الطبيعة القانونية للجريمة‬
‫ب‪ .‬الحكمة من تجريم الرشوة‬
‫ج‪ .‬صلة جريمة الرشوة بجريمة استغالل النفوذ‬
‫المطلب األول‪ :‬الطبيعة القانونية للجريمـة‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تعريف الرشـوة‪:‬‬
‫الرشوة جريمة تختص في االتجار بأعمال الوظيفة العامة وهي تستلزم وجود شخصين‪ :‬موظف عام أو قاضي أو عامل أو‬
‫مستخدم يطلب أو يقبل عطية أو وعدا أو يتلقى هبة أو هدية أو أية منافع أخرى مقابل قيامه بعمل أو امتناعه عن عمل من‬
‫أعمال وظيفته سواء كان مشروعا أو غير مشروع وإن كان خارجا عن اختصاصاته الشخصية إال أن من شأن وظيفته أن تسهل‬
‫له أداءه أو كان من الممكن أن تسهله له ويسمى هذا الموظف مرتشيا وصاحب المصلحة يسمى راشيا وبذلك تكون العبرة في‬
‫جريمة الرشوة بسلوك الموظف ال بسلوك الطرف اآلخر فتقع الرشوة متى قبل الموظف ما عرض عليه قبوال صحيحا وجادا‬
‫قاصدا العبث بأعمال وظيفته ولو كان الطرف اآلخر غير جاد في عرضه‪ ،‬و ال تقع الرشوة إذا لم يكن الموظف أو القاضي‬
‫جادا في قبوله كما لو تظاهر بالقبول ليسهل القبض على من يحاول ارتشاءه متلبسا بجريمة الرشوة‪.‬‬
‫أ‪ .‬استوحى المشرع تجريمه لكافة صور الرشوة من فكرة االتجار بالوظيفة أو الخدمة أي االنحراف بها عن الطريق السوي‬
‫الذي تنظمه القوانين واللوائح وجعلها مصدرا للكسب الغير مشروع فاالتجار بالوظيفة العامة إذن هو جوهر جريمة الرشوة كما‬
‫يعتبر أو يمكن اعتباره مظهرا لركنها المعنوي‪.‬‬
‫ب‪ .‬إن جريمة الرشوة تقع بحسب األصل من (وظف عام ويتعدى فيها على أعمال وظيفته التي يجب أن تؤدى بالتطلع فقط‬
‫لمقتضيات الصالح العام ويتعدى فيها على السير الطبيعي لإلدارة العامة تلك هي الصورة األساسية لتجريم الرشوة أو هي‬
‫الرشوة بمعناها الدقيق وهي على هذا النحو جريمة فاعل متعدد إذ تقتضي وجود طرفين أساسيين‪:‬‬
‫·المرتشي‪ :‬وهو الموظف العام الذي يتقاضى أو يطلب منفعة خاصة له أو لغيره‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫·الراشي‪ :‬هو صاحب المصلحة الذي يقدم المنفعة أو يعد بها أو يقبل طلب الموظف بذلك نظير أداء عمل من أعمال‬ ‫‪‬‬
‫الوظيفة أو االمتناع عنه أو اإلخالل بأحد واجباتها ويالحظ مع ذلك أن هناك صورا خاصة للرشوة ال يكون الفاعل موظفا‬
‫عاما بل فردا من عامة الناس‪.‬‬
‫إذ يجرم المشرع عرض الرشوة من جانب صاحب المصلحة ولو لم يصادف العرض قبوال من الموظف ويعاقب المشرع على‬
‫جريمة عرض الرشوة باعتبارها جريمة مستقلة‪.‬‬
‫ج‪ .‬الركن المادي في جريمة الرشوة ذو طبيعة خاصة فألنها جريمة فاعل متعدد لزم البحث عن مظاهر هذا الركن في سلوك‬
‫كل من الفاعلين لذلك حق تصوير العالقة بينهما على أنها اتفاق غير مشروع يتجر بواسطته المرتشي في عمله الوظيفي فمن‬
‫ناحية المرتشي لم يشأ المشرع أن يحصر سلوكه في تعريف محدد إذ يتمثل في قيام الموظف أو من في حكمه بأداء عمل أو‬
‫االمتناع عن عمل من أعمال وظيفته وقد يؤخذ بصفة عامة ضرورة اإلخالل بواجبات هذه الوظيفة لذلك تقنع محكمة النقض‬
‫بقيام جريمة الرشوة قانونا– باالتفاق الذي يتم بين الراشي والمرتشي وال يتبقى بعد ذلك إال إقامة الدليل على هذا االتفاق وتنفيذ‬
‫مقتضاه بتسليم المبلغ والمشرع الجزائري لم يرد أي تعريف للرشوة و إنما اكتفى بتحديد عناصر هذه الجريمة واآلثار المترتبة‬
‫عنها وذلك في المواد ‪ 26‬إلى ‪ 130‬من قانون العقوبات الجزائري فقد حشر المشرع الجزائري جريمتي الرشوة واستغالل‬
‫النفوذ تحت عنوان واحد الرشوة واستغالل النفوذ وذلك لما لهاتي الجريمتين من أوصاف مشتركة فهي وإن كانت وحدتهما في‬
‫الركتيت المادي والمعنوي إال أنهما يختلفان في صفة الجاني من جهة و في نوع العمل المطلوب أداؤه من جهة أخرى وفي هذا‬
‫ال بحث نركز على الرشوة باعتبارها جريمة مستقلة عن جريمة استغالل النفوذ الذي اعتبرها المشرع في حكم جريمة الرشوة‬
‫ومنه إن كان للفقه دور في تعريف الرشوة فكيف كان دور التشريع في تكييفها على أنها جريمة واحدة خاصة بالموظف وحده أم‬
‫هي جريمتين مستقلتين بمعنى جريمة الموظف لوحدها وجريمة صاحب الحاجة لوحدها‪.‬‬
‫التكييف القانوني للرشـوة‬
‫لم تتفق التشريعات كما لم تتخذ كلمة الفقه على تكييف واحد لجريمة الرشوة بل انقسما إلى مذهبين متنافرين األول يخضع‬
‫الرشوة في تجريمها لنظام وحدة الرشوة والثاني يخضعها لنظام ثنائية الرشوة و كال المذهبين له مبرراته فضال عن اعتناق‬
‫أحدهما يرتب نتائج قانونية مغايرة عن األخر‪.‬‬
‫أ‪ .‬نظام وحدة الرشوة‪ :‬وفقا لهذا المذهب الذي تأخذ به بعض التشريعات الجنائية تعتبر الرشوة جريمة واحدة فاعلها األصلي هو‬
‫الموظف المرتشي أما صاحب الحاجة (الراشي) فليس إال شريكا في هذه الجريمة األصلية‪ ،‬و تقوم هذه النظرية على أن جوهر‬
‫الرشوة إنما يتمثل في االتجار بأعمال الوظيفة والمساس بنزاهتها وهو ما ال يتصور وقوعه إال من جانب الموظف الذي‬
‫وضعت فيه السلطة العامة ثقتها‪ .‬فالمرتشي إذن هو المعول عليه في مشروع الرشوة فهو أكثر إجراما من الراشي ألنه يخل‬
‫بواجبات األمانة التي تلقيها الوظيفة على عاتقه وهي واجبات ال تقيد الراشي في شيء ومؤدى مذهب وحده جريمة الرشوة إذن‬
‫هو اعتبار الموظف الفاعل الوحيد لها أما غير الموظف سواء كان راشيا أو وسيطا بين الراشي و المرتشي أي الرائش إذ يعتبر‬
‫شريكا إذا توافرت بالنسبة لع جميع شروط االشتراك و في ظل عدا المذهب ينعدم التمييز و التفرقة بين كل من الرشوة السلبية‬
‫بحيث ال توجد عندئذ سوى رشوة واحدة هي التي يرتكبها الموظف العام‪.‬‬
‫ويأخذ بهذا النظام القانون الدانمركي والبولوني وااليطالي وكذلك القانون المصري واللبناني في مادته ‪ 355‬من قانون العقوبات‬
‫اللبناني وبالرغم من كون نظام وحدة الرشوة يتفق والمنطق القانوني في الميدان العملي تواجهه صعوبتان تتجسد فيما يلي‪:‬‬
‫أ) الصعوبة األولى ‪:‬حين يطلب الموظف العام المقابل فال يستجاب له من قبل صاحب الحاجة أو ما يسمى بحالة الطلب الهائب‬
‫للرشوة من جانب الموظف العام بمعنى الطلب الذي ال يصادف قبوال من جانب صاحب الحاجة وعليه فعقاب هذا الموظف يقف‬
‫عند حد الشروع‪.‬‬
‫ب) الصعوبة الثانية ‪:‬تكمن في حالة عرض الراشي المقابل فيلخصه المرتشي وهنا ال يعاقب صاحب الحاجة ألن العبرة‬
‫بالموظف فهو الفاعل األصلي وهنا لم تقع الجريمة ألنه رخصها وهاتان الحالتان ال يعرفهما نظام الرشوة نظرا الستقالل‬
‫جريمة المرتشي عن جريمة الراشي‪.‬‬
‫واحتياطا للمجال العملي قامت بعض التشريعات بتخطي هاتين الحالتين بالنص على أنه بمجرد طلب الرشوة يعد جريمة تامة‬
‫رغم عدم استجابة صاحب الحاجة الذي يقدم على عرض رشوته ويرخصها الموظف العام وهو ما يتبع حاليا في التشريع‬
‫المصري و اللبناني‪.‬‬
‫إال أن األخذ بنظرية وحدة الرشوة يرتب نتائج قانونية هامة تؤدي و ال شك إال إمكانية إفالت الراشي والمرتشي أحيانا من‬
‫العقاب و يمكن حصرها فيما يلي‪:‬‬
‫‪1.‬بصفة عامة‪ :‬يتوقف تقرير المسؤولية الجنائية للراشي وإمكانية عقابه على مصير الدعوة الجنائية المرفوعة في مواجهة‬
‫المرتشي وبالتالي انقضاء تلك الدعوة بالتقادم أو العفو أو الوفاة يحول ذلك دون مساءلة الراشي‪ .‬كما أن انتفاء قيام جريمة‬
‫المرتشي قانونا النعدام قصده الجنائي أو ألي سبب آخر يمتنع معاقبة الراشي‪ ،‬وتلك أمثلة ألعمال نتائج نظرية استعارة الجريمة‬
‫التي تقتضيها قواعد االشتراك الجنائي‪.‬‬
‫فاعتبار الراشي مجرد شريك للموظف المرتشي (الفاعل األصلي للجريمة) يخضع للقاعدة المعروفة في مجال المساهمة الجنائية‬
‫و هي الشريك يستعير إجرامه من الفاعل األصلي‪.‬‬
‫يترتب على ذلك أن صاحب الحاجة الذي يعرض الرشوة فيرفضها هذا األخير ال يخضع للمساءلة الجنائية حيث يقتصر في هذا‬
‫الغرض على مجرد الشروع في االشتراك غير معاقب عليه في القانون الجنائي‪.‬‬
‫‪ 2.‬و يؤدي مذهب وحدة الرشوة إلى وقوف مساءلة الموظف الذي يطلب رشوة فيرفض صاحب الحاجة طلبه عند حد الشروع‬
‫فال يكون مرتكبا لجريمة تامة‪.‬‬
‫‪ 3.‬ويبدو من المشكوك فيه أخيرا إمكانية معاقبة شركاء صاحب الحاجة (الراشي) في ظل مذهب وحدة الرشوة وفقا للقواعد‬
‫العامة في المساهمة الجنائية فان االشتراك في االشتراك غير معاقب عليه‪.‬‬
‫وهكذا يؤدي مذهب وحدة الرشوة إلى خروج فرضين يغلب وقوعهما في العمل من دائرة العقاب إذ تعرض الرشوة من صاحب‬
‫الحاجة حين يرفضه الموظف وطلب الرشوة من الموظف حين ال يستجيب إليه صاحب الحاجة فال يعد جريمة تامة‪ ،‬يضاف إلى‬
‫ذلك ما وجه من انتقاد لألساس النظري لهذا المذهب فمن الصعوبة في مجال نظرية االشتراك اعتبار الراشي مجرد شريك في‬
‫جريمة الرشوة ذلك أن الشريك ما هو في الحقيقة إال مساعد في الجريمة‪ ،‬يسهلها وال ينشئها بمعنى أنه ال يساهم في ارتكابها‬
‫بطريقة أصلية ومباشرة وفي الرشوة على العكس من ذلك يقوم المرتشي والراشي سويا بدورين رئيسيين في تنفيذها فكالهما‬
‫يقومان على قدم المساواة مع اآلخر في إتيان األفعال المكونة للرشوة التي ال تتم بدون تدخل من جانب الراشي وما دام األمر‬
‫كذلك فال يمكن تصور وجود جريمة رشوة بدون تدخل الراشي‪ .‬وتحت وطأة هذه االنتقادات ومن أجل تفادي النتائج السابقة التي‬
‫تؤدي إليها مبدأ الوحدة يستمد مذهب ثنائية الرشوة مبرر وجوده‪.‬‬
‫ب‪ .‬نظام ثنائية الرشوة‪ :‬المذهب الثاني في تكييفه للرشوة ينظر إليها باعتبارها جريمتين مستقلتين‪:‬‬
‫رشوة سلبية ورشوة ايجابية‪.‬‬

‫· الرشوة السلبية‪ :‬تلك التي تقع من جانب الموظف العام بطلب أو قبوله للوعد أو عن طريق األخذ و ذلك ألداء عمل من‬ ‫‪‬‬
‫أعمال وظيفته أو االمتناع عن أداءه‪.‬‬
‫· الرشوة االيجابية‪ :‬و هي تلك التي تقع من جانب صاحب الحاجة بإعطائه المقابل للموظف العام أو عرضه عليه أو وعده‬ ‫‪‬‬
‫به‬
‫وتستقل كل من الجريمتين عن األخرى في المسؤولية و العقاب بمعنى أنه يمكن أن تتوافر أركان أحداهما دون أركان األخرى‪،‬‬
‫ألن الراشي ال يعد مساهما في عمل المرتشي بل فاعال لعمل مستقل عن عمله وتسري بالتالي على كل جريمة مستقلة عن‬
‫األخرى قواعد االشتراك والشروع‪ ،‬ويطلق على هذا المذهب مذهب ثنائية الرشوة ألنه ينظر إليها باعتبار أنها تشكل جريمتين‬
‫مستقلتين في المسؤولية والعقاب بحيث تقع األولى من طرف الموظف العام ويطلق عليها كلمة “االرتشاء” أو “االسترشاء” وتقع‬
‫الثانية من صاحب الحاجة ويطلق عليها “االرشاء” وعلى هذا المذهب يسير القانون األلماني والروسي والعراقي والسوداني و‬
‫الفرنسي‪.‬‬
‫تظهر أهمية األخذ بهذا المذهب أو ذاك في حالة العرض الخائب للرشوة على الموظف من جانب صاحب الحاجة‪ ،‬فال جريمة‬
‫في هذا العرض من جانب صاحب الحاجة على مذهب وحدة الرشوة والذي يعتبرها “جريمة الموظف العام” وبالتالي فإن‬
‫عرضها من صاحب الحاجة أو وسيطه ال يشكل بدء في تنفيذ ألن البدء في التنفيذ المشكل للركن المادي في الشروع في الرشوة‬
‫ال يقع إال من الموظف باعتبارها جريمة تامة مستقلة بذاتها أي جريمة الرشوة االيجابية‪ ،‬هذا الخالف حول نتائج تكييف الرشوة‬
‫يزول بطبيعة الحال إذا تدخل المشرع لتجريم عرض الرشوة وهو ما فعله المشرع المصري واللبناني بالمادة ‪ 355‬من قانون‬
‫العقوبات‬
‫جريمة الرشوة إذن جريمة واحدة ركنها األساسي هو الموظف العام (المرتشي) فهي في األصل جريمته وهي جريمة فاعل‬
‫متعدد يعتبر صاحب الحاجة (الراشي) عنصرا ضروريا لتحقيقها‪.‬‬
‫وقد اعتمد المشرع الجزائري نظام ثنائية الرشوة وذلك في المادتين ‪ 127 – 126‬من قانون العقوبات الجزائري بالنسبة‬
‫لجريمة الموظف المرتشي أي الجريمة السلبية وفي المادة ‪ 129‬من قانون العقوبات الجزائري جريمة صاحب الحاجة أي‬
‫الرشوة االيجابية‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الحكمة من تجريم الرشوة‪:‬‬
‫إن المصلحة القانونية المهدورة بارتكاب جريمة الرشوة هي حسن أداء الوظيفة العامة وبالتالي ضمان نزاهتها‪ ،‬واالتجار في‬
‫أعمال الوظيفة العامة يهبط بها إلى مستوى السلع و يجردها من سموها باعتبارها خدمات تؤديها الدولة ألفراد الشعب‪ ،‬والنتائج‬
‫المترتبة على ذلك وخيمة العواقب بالنسبة للفرد و بالنسبة للمجتمع على حد سواء‪:‬‬
‫–الرشوة خرق لمبدأ المساواة بين األفراد المتساوين في المركز القانوني حيث تؤدي خدمات مرافق الدولة إلى من يدفع المقابل‬
‫للموظف العام وتحجب هذه الخدمات أو تعطل عن األفراد غير القادرين أو العازفين عن أداء ذلك المقابل‪ ،‬وتفشي مثل تلك‬
‫الظاهرة من شأنه أن يهدر ثقة المواطنين األسوياء في نزاهة الجهاز اإلداري للدولة من ناحية وأن يدخل في ذهن المواطنين‬
‫غير األسوياء االعتقاد بقدرتهم على شراء ذمة الدولة من خالل موظفيها من ناحية أخرى وذلك من أخطر ما يصيب األداة‬
‫الحكومية في دولة من الدول‬
‫–الرشوة فوق ذلك مدخل لالنحراف بالوظيفة العامة وفساد موظفيها‪ ،‬فهي انحراف بالوظيفة العامة من حيث أنها تجعل‬
‫األولوية في أداء الخدمات العامة لألفراد أكثرهم ماال و تأثيرا و معرفة بفنون غواية الدولة بينما األصل أن األولوية في أداء‬
‫الخدمات العامة ينعقد لألفراد الذين تتوافر فيهم شروط االنتفاع بها‪.‬‬
‫–الرشوة مدخل لفساد موظفي الدولة ألنها تؤدي إلى إثرائهم دون سبب مشروع‪ ،‬بينما األصل أنهم ملزمون بأداء الخدمات‬
‫للمواطنين دونما مقابل وهكذا يستثري بين الموظفين أنفسهم صنف جديد من صنوف المنافسة القذرة الموظف المرتشي بما‬
‫يحصل عليه من دخل يحتذي به من غيره من الموظفين وهنا نكمل الخطورة إذ تصبح الوظيفة العامة سلعة رائجة‪ ،‬وتلك‬
‫مقدمات الفساد التي تصب إلى وظائف الدولة األخرى‪.‬‬
‫يمكن اعتبار الرشوة إحدى الجرائم التعزيزية في النظام الجنائي اإلسالمي و أدلة تجريمها ثابتة بنصوص القرآن والسنة‪.‬‬
‫إن الرشوة اعتداء على النزاهة التي ينبغي أن يتحلى بها الموظف العام ألن االتجار بالوظيفة العامة يؤدي إلى التشكيك في‬
‫أعمال موظفي الدولة و في نزاهتهم و لذلك أولى المشرع هذه الجريمة الصرامة‪.‬‬
‫لقد واجه المشرع الجنائي مشكلة الرشوة‪:‬‬
‫‪ 1.‬من ناحية التجريم‪ :‬وسع من نطاقها فلم تعد تقتصر على الموظف العام وحده بل امتدت إلى كل األشخاص الذين يقدمون‬ ‫‪‬‬
‫خدمة عامة بل و حتى األشخاص الذين يقومون بخدمة خاصة‪.‬‬
‫‪2.‬من ناحية العقاب‪ :‬واجه المشرع هذه الجريمة بالصرامة من حيث العقاب (الحبس من سنتين إلى عشر سنوات‪).‬‬ ‫‪‬‬

‫‪3.‬استحدث المشرع جريمة الرشوة االيجابية و هي التي تقع من طرف صاحب الحاجة و ينتج عن ذلك‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫أ) إمكانية قيام جريمة صاحب الحاجة دون جريمة الموظف‪.‬‬
‫ب) سهولة معرفة المركز الجنائي بالوسيط دون وجوب النص على جريمته و الوسيط هو الشخص الذي يتدخل بين الراشي‬
‫و المرتشي حيث يرى الشراع أنه رسول أحد الطرفين إلى اآلخر و قد تكون رشوة مشتركة بينهما فجريمته ال يمكن‬
‫وجودها منفصلة ومن ثم فال توجد له جريمة مستقلة‪ .‬وفي هذا الصدد يقول األستاذ أحمد أمين “وقد يتوسط بين الراشي‬
‫والمرتشي شخص ثالث وهو الرائش ولم يضع له الشارع الفرنسي حكما خاصا وهو عند الشراع الفرنسيين و المحاكم‬
‫الفرنسية شريك لمن كلفه الوساطة”‪ ،‬وفي التشريع المصري يالحظ أن المشرع المصري قد نص في المادة ‪ 108‬على‬
‫عقوبة الوسيط‪ .‬وهذا ما جعل الشراع يختلفون فيما إن كان المشرع يهدف إلى خلق جريمة خاصة بالوسيط أم ال فذهب‬
‫الرأي إلى القول بأنه ليس ثمة ما يبرر القول باتجاه المشرع إلى خلق جريمة خاصة للوسيط ألنه ليس له عمل مستقل في‬
‫جريمة الرشوة بل تعتبر جريمته معلقة بمصير جريمة من كلفه الوساطة‪.‬‬
‫أما الرأي الثاني فقد تزعمه الدكتور علي راشد حيث فرق بين الوسيط من قبل المرتشي و الوسيط من جانب الراشي ويرى أن‪:‬‬
‫أمر الوسيط من جانب المرتشي يترك لحكم القواعد العامة التي تعتبره شريكا للمرتشي بالمساعدة في اإلعمال المسهلة أو‬
‫المتممة الرتكاب الجريمة و يكون إجرامه معلقا على إجرام المرتشي الذي كلفه الوسيط‪ ،‬سواء في حالة التمام أو االنعدام “أما‬
‫الوسيط من قبل الراشي فإن المشرع نظر إليه باعتباره فاعال في جريمة خاصة به هي جريمة الوساطة في الرشوة فإجرامه‬
‫مستقل عن إجرام الراشي‪ .‬إذ لو كان المشرع يعد الوسيط شريكا للراشي لما كان بحاجة إلى النص عليه نصا خاصا ولترك‬
‫أمره للقواعد العامة لالشتراك أما في التشريع الجزائري فان المشرع الجزائري لم يتطرق إليه في النصوص التي أفردها‬
‫للرشوة و من ثم فان المركز الجنائي للوسيط في الرشوة يخضع للقواعد العامة التي تحكم االشتراك و من ثم فان الوسيط يعتبر‬
‫شريكا لمن كلفه الوساطة‪ ،‬وال يفلت من العقاب سواء تحققت جريمة من كلفه أو لم تتحقق إذ أن المشرع الجزائري اعتبر إجرام‬
‫الشريك مستقال عن إجرام الفاعل األصلي‪ ،‬وعلة التجريم المستقل هي الخطورة اإلجرامية لدى الشريك‪ ،‬ألنه بأفعاله يسهل‬
‫ارتكاب الجريمة و الشريك في التشريع الجزائري هو كل من ساعد بكافة الطرق أو عاون الفاعل على ارتكاب الجريمة‪.‬‬
‫والمالحظ أن المشرع المصري عندما جرم بنص خاص جريمة الوسيط كان يهدف إلى تالف إفالت الوسيط من العقاب‬
‫باعتباره شريكا في حال إذا لم تحقق جريمة من كلفه الوساطة على أساس أنه يستعير الصفة اإلجرامية من الفاعل األصلي أما‬
‫التشريع الجزائري فال تثور هذه المشكلة نظرا ألسلوب التجريم الذي اعتمده المشرع الجزائري في مجال االشتراك وهو‬
‫استقاللية إجرام الشريك عن إجرام الفاعل األصلي‪ .‬و يمدنا التطور التاريخي لهذه الجريمة في فرنسا على سبيل المثال ببعض‬
‫الدالالت فأركان الجريمة امتدت لتشمل طوائف و أشخاص آخرين لم يكن النص األصلي ليتصرف إليهم و ليست آخر مظاهر‬
‫ذلك التطور مشروع قانون مكافحة الرشوة و المعروض حاليا على البرلمان الفرنسي وتهدد نصوص ذلك المشروع إلى تجريم‬
‫كافة صور التمويل الخاص من جانب الشركات الخاصة لألحزاب السياسية‪ .‬وظاهرة الرشوة لم تتطور من ناحية الكم فقط بل‬
‫من ناحية الكيف أيضا فالمشاهد في اآلونة األخيرة أن الرشوة لم تعد عمال فرديا يقتصر على الموظف المرتشي بل اتخذت‬
‫الجريمة صفات التنظيم يساهم فيها عدد كبير من الموظفين الذين تترابط اختصاصاتهم في العمل ببعض مصالح الجماهير‬
‫يرسمون السبيل الذي يسيرون فيه وال يكشف عن أعمالهم وهنا وجه آخر من أوجه الخطورة األمر الذي يقتضي مكافحة‬
‫الرشوة ليس فحسب عن طريق تشديد العقوبة ومالحقة كافة من لهم صلة ولو كانت واهية بمحيط الجريمة بل يكون ذلك يربط‬
‫تلك الظاهرة بشقي السلوك المؤثم و العقوبة المقررة بظروف الوسط االقتصادي و االجتماعي والحضاري الذي نشأت فيه‬
‫الرشوة‪ ،‬ففي هذا الوسط تكمن األسباب الخبيثة لتفشي تلك الظاهرة والحق أنها في ذلك كاشفة عن آفة مزدوجة و الرشوة من‬
‫ناحية “تفضح” بيروقراطية التنظيم اإلداري الذي نمت وترعرعت فيه وهي من ناحية أخرى “تغطي” رقعة القصور الحضري‬
‫الذي لم يفلت منه الموظف والمواطن صاحب الخدمة على حد سواء وهو قصور لم يستوعب بالقدر الكاف حتى اليوم فكرة أن‬
‫الدولة “ملتزمة” بأن تؤدي للفرد من خالل مرافقها العامة الخدماتية على النحو الواجب و في وقت معقول دونما مقابل غير ما‬
‫يدفعه من ضرائب أو رسوم‪.‬‬
‫وإذا كانت الحكمة من تجريم الرشوة واحدة وهي حماية مقومات حسن أداء الوظيفة العامة وبالتالي نزاهة األداة الحكومية‬
‫استدعى ذلك تدخل المشرع فقد بالتجريم و العقاب في دائرة أفعال عديدة دفعها جميعا بوصف الرشوة‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬صلة جريمة الرشوة باستغالل النفوذ‪:‬‬
‫‪1.‬تعريف جريمة استغالل النفوذ‪:‬‬
‫“ يعد مستغال للنفوذ كل من طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أخذ وعدا أو عطية الستعمال نفوذ حقيقي أو مزعوم للحصول أو‬
‫لمحاولة الحصول من أية سلطة عامة أو أوامر أو أحكام أو قرارات أو التزام أو ترخيص أو اتفاق توريد أو مقاولة أو على‬
‫وظيفة أو خدمة أو أية ميزة من أي نوع يعد في حكم المرتشي يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في المادة ‪ 104‬من هذا القانون‬
‫إن كان موظفا عموميا و بالحبس و بغرامة ال تقل عن ‪ 800‬جنيه و يعتبر في حكم السلطة العامة لكل جهة خاضعة إلشرافها”‬
‫ونصت المادة ‪ 128‬من قانون العقوبات الجزائري‪“ :‬يعد مستغال للنفوذ و يعاقب بالحبس من سنة إلى ‪ 5‬سنوات وبغرامة من‬
‫‪ 500‬إلى ‪ 5000‬دج‪ ،‬كل شخص يطلب أو يقبل عطية أو وعدا أو يطلب أو يتلقى هبة أو هدية أو أية منافع أخرى و ذلك‬
‫ليتحصل على أنواط أو سمة أو ميزات أو مكافآت أو مراكز أو وظائف أو خدمات أو أية مزايا أخرى تمنحها السلطة العمومية‬
‫أو مع مشروعات استغاللية موضوعة تحت إشراف السلطة أو يحاول الحصول على أي من ذلك أو يستصدر بصفة عامة‬
‫قرارا من مثل هذه السلطة أو تلك اإلدارة أو يحاول استصداره و يستغل بذلك نفوذا حقيقيا أو مفترضا فإذا كان الجاني قاضيا أو‬
‫موظفا عموميا أو ذا وكالة نيابية تضاعف العقوبات المقررة …”‬
‫من نص هذه المادة نالحظ أن فاعل هذه الجريمة غير مختص بالعمل المطلوب و ال يزعم انه من اختصاصه و إنما يستعمل‬
‫نفوذه الحقيقي لتحقيق الغرض المطلوب و لذلك يعاقبه القانون‪.‬‬
‫‪2.‬شروط قيام جريمة استغالل النفوذ‪:‬‬
‫وحتى نطبق نص المادة ‪ 128‬من قانون العقوبات الجزائري يجب التأكد من توافر الشروط الثالثة التالية‪:‬‬
‫·الشرط األول‪ :‬أن يطلب الفاعل لنفسه أو لغيره أو يقبل عطية أو وعدا أو يتلقى هدية فالجريمة تتم عند طلب الوعد أو العطية‬
‫فالمشرع اعتبر العطية إذا أخذها الجاني أو اتفق عليها أو حتى لو طلبها تعتبر جريمة تامة لما لها من خطورة إجرامية‪.‬‬
‫· الشرط الثاني‪ :‬أن يستغل الفاعل نفوذا حقيقيا أو مزعوما أو مفترضا مقابل تذرعه بالطلب أو األخذ أو القبول فإذا كان النفوذ‬
‫المزعو م حقيقيا فالجاني يكون قد أساء استعمال النفوذ الذي تكسبه إياه وظيفته أما إذا كان النفوذ مفترضا وغير حقيقي (مزعوم)‬
‫فهنا الجاني يجمع بين األضرار بالثقة الواجبة في الجهات و المصالح الحكومية و بين الغش‪.‬‬
‫·الشرط الثالث‪ :‬و يجب أن يكون هذا القبول أو األخذ أو الطلب بقصد الحصول على شيء مثل األوسمة والمكافآت و المنافع و‬
‫الصفقات… الخ‪ .‬و من السلطة العمومية ومشاريعها ومن اإلدارات العامة مما ورد ذكره في نص المادة ‪ 128‬من قانون‬
‫العقوبات الجزائري وهذا النص مأخوذ من القانون الفرنسي في المادة ‪“ 178‬قانون عقوبات فرنسي” فهو نص عام شامل كل‬
‫الصور التي تصدر عن الجهات الحكومية و اإلدارات أو الجهات الخاضعة إلشراف حكومي‪.‬‬
‫و متى توفرت هذه الشروط تمت الجريمة بغض النظر عما سيحصل بعد ذلك فسواء تحقق الغرض المطلوب أو لم يتحقق و‬
‫سواء حصل الفاعل على منفعة أم ال و فيما عدا تختص به استغالل النفوذ من عناصر فإنها تعتبر في حكم جريمة الرشوة من‬
‫حيث بقية األركان التي ذكرناها‬
‫‪3.‬علـة التجريـم‪:‬‬
‫إن علة التجريم فعل استغالل النفوذ هو اإلساءة إلى الثقة في الوظيفة العامة فالجاني يوحي إلى صاحب الحاجة إن السلطات‬
‫العامة ال تتصرف وفقا للقانون و بروح من الحيادية و الموضوعية و إنما تتصرف تحت سطوة ماله من نفوذه عليها وحين‬
‫يكون النفوذ حقيقيا فالجاني يسيء استغالل السلطة التي خولها له القانون فبدال من استعمالها من أجل الهدف الذي خوله القانون‬
‫إياها يستعملها وسيلة لإلثراء الغير المشروع و حين يكون النفوذ مرهونا‪.‬‬
‫فاالتجار با لنفوذ معاقب عليه مهما كان من يتجر به سواء كان موظفا عموميا أو غيره و لكن المشرع قد شدد العقوبة بان‬
‫ضاعفها لو كان الشخص الذي يستغل نفوذه قاضيا أو موظفا عموميا أو ذا وكالة نيابية بعكس جريمة الرشوة التي تفترض صفة‬
‫الموظف العمومي من ناحية و متاجرته بمهنته و عمله من ناحية أخرى‪.‬‬
‫‪4.‬أركان جريمة استغالل النفوذ‪:‬‬
‫أ) الركن المفترض‪ :‬من المفروض أن يكون الجاني في هذه الجريمة صاحب نفوذ حقيقي أي أن يكون لديه عالقات قوية تربطه‬
‫بالسلطات العامة أو الجهات اإلدارية بحيث يستطيع أن يؤثر على هذه السلطات العامة أو الجهات اإلدارية التخاذ القرار‬
‫لمصلحته في سبيل حصوله على مزايا أو وظائف أو صفقات فالنفوذ هو نوع من التقدير لشخصه أو لمركزه الوظيفي‬
‫واالجتماعي أو للصالت الخاصة التي تربطه ببعض رجال السلطة كالقرابة والصداقة وقد ال يكون للجاني نفوذا حقيقيا على‬
‫السابق مع أن له نفوذا مفترضا وذلك لقرابة أو مصاهرة أو مركز اجتماعي فإذا استغل هذا النفوذ المفترض ليحصل على فائدة‬
‫ممن له مصلحة مقابل نفوذه المفترض لهذا قامت الجريمة‪ ،‬والنص صريح في ذلك لقوله ( ويستغل بذلك نفوذا حقيقيا أو‬
‫مفترضا) وال يشمل النص الزعم ممن ليس له نفوذا حقيقيا أو مفترضا فالزعم نوع من االدعاء ويصبح نصبا واحتياال إذا ما‬
‫رافقته بعض المظاهر والطرق الكاذبة الستغالل صاحب المصلحة‪.‬‬
‫ب) الركن المادي‪ :‬يتمثل الركن المادي في قبول أو طلب صاحب النفوذ الحقيقي أو المفترض لهدية أو لوعد… الخ مقابل قيامه‬
‫باستغالل نفوذه لدى السلطات المعنية للحصول على أية مزية يمكن أن تمنحها السلطات لمصلحة طالب الحاجة‪.‬‬
‫ج) الركن المعنوي‪ :‬جريمة استغالل النفوذ من الجرائم العمدية التي يتطلب قيامها توفر القصد بأركان الجريمة كما يحددها‬
‫القانون و تتم الجريمة بمجرد الطلب أو العرض فيما يمكن أن نسميه شروعا في جرائم أخرى كما تتم الجريمة بمجرد أن يقبل‬
‫صاحب النفوذ العرض و لو لم يكن ينوي القيام باستغالل نفوذه فعال و سواء أتم العمل أو المصلحة موضوع الجريمة أو لم تتم‬
‫و سواء كان قادرا على إتمامه أصال أم انه غير قادر و ال تقوم الجريمة إذا كان صاحب النفوذ يجهل فعال أن الهدية أو الهبة‬
‫… الخ كانت قد قدمت إليه بقصد استغالل نفوذه إذ يجب أن يعلم أن الهدية أو المنفعة تقدم له بهدف حمله على استغالل نفوذه‬
‫كما يشترط أن ال يكون العمل أو المصلحة داخلة ضمن اختصاص صاحب النفوذ و إال ألصبحت الجريمة رشوة و ليست‬
‫جريمة استغالل النفوذ‪.‬‬
‫عقوبتها‪:‬‬
‫حددت المادة ‪ 128‬عقوبة هذه الجريمة بالحبس من سنة إلى ‪ 5‬سنوات و بغرامة من ‪ 500‬إلى ‪ 5000‬دج أما إذا كان الجاني‬
‫قاضيا أو موظفا أو ذا والية نيابية تضاعف العقوبات المقررة‪.‬‬
‫ونرى أن التشديد في مثل هذه الحالة األخيرة تعبر عن شدة حرص المشرع على وجوب نزاهة هذه الوظائف‪])11[( .‬‬
‫‪5.‬التمييز بين جريمة الرشوة و جريمة استغالل النفوذ‪:‬‬
‫أوجه الشبه بين الجريمتين‪:‬‬
‫‪ 1-‬يقومان على نفس األعمال المادية بقبول أو طلب المرتشي أو مستغل النفوذ العطايا أو الوعود أو الهبات أو أية منافع أخرى‪.‬‬
‫‪2-‬كما يلتقيان أيضا من حيث تأثيرهما السيئ على الثقة العامة بسير اإلدارة‪.‬‬
‫أوجه الخالف بينهما‪ :‬يتمثل في‪:‬‬
‫‪ 1-‬إذا كان العمل المطلوب أداءه يدخل في اختصاص المرتشي فإنه ليس من اختصاص مستغل النفوذ وال يدخل ضمن وظيفته‪.‬‬
‫‪2-‬إذا كان المرتشي ذا صفة خاصة إذ يشترط فيه أن يكون موظفا أو مستخدما أو أن ال يكون‪]).12[(.‬‬
‫فالموظف المستغل لن فوذه يختلف عن الموظف المرتشي في كومه يتاجر بنفوذه ال بوظيفته ليحصل أو ليحاول الحصول‬
‫لصاحب المصلحة على مزية من السلطة العامة مقروضا بيد أنه ال شأن لها بأي عمل أو امتناع داخل في حدود وظيفته‪.‬‬
‫وال يمنع من توافر الجريمة أال يكون في استطاعة الموظف حقيقة الحصول على هذه المزية لطالبها‪ ،‬فالنص يقرر العقاب سواء‬
‫نفوذ الموظف حقيقيا أم مزعوما و كذلك الحال بالنسبة للفاعل غير الموظف‪ ،‬كما ال يحول دون قيام الجريمة أن يكون الفاعل‬
‫وقت طلب أو قبول أو أخذ الوعد أو العطية موظفا كان أو غير موظف‪ ،‬غير قاصد استعمال نفوذه فعال في الحصول على‬
‫المزية المطلوبة ومن هاتين الناحيتين يتفق استغالل النفوذ مع الرشوة‪.‬‬
‫غير أنه يجب لتحقيق الجريمة أن يستند الفاعل في طلب أو قبول أو أخذ الوعد أو العطية على نفوذ له حقيقي أو مزعوم فإذا‬
‫أخذ عطية نظير سعيه في الحصول لصاحب الحاجة على المزية المطلوبة دون أن يتذرع في ذلك بأن له نفوذا لدى السلطة‬
‫العامة يمكنه من تحقيق هذه المزية فإنه ال يرتكب الجريمة على أن الزعم بالنفوذ يتحقق بمطلق القول دون اشتراط اقترانه‬
‫بعناصر أخرى أو وسائل احتيالية‪])13[(.‬‬
‫لذا حكم بتوافر الجريمة في حق مراجع حسابات لمديرية اإلصالح الزراعي طلب وأخذ نقودا الستصدار قرار رفع الحراسة‬
‫المفروضة على أموال أحد األشخاص‪ .‬وال يلزم لتوافر الجريمة أن يتذرع الفاعل بنفوذ له لدى السلطة العامة نفسها‪ ،‬بل يكفي‬
‫أن ينسب لنفسه نفوذا لدى جهة خاضعة لجهة إشراف السلطة العامة متى كانت المزية مطلوبا الحصول عليها من عده الجعة‪،‬‬
‫غير أن المراد بالسلطة العامة هنا السلطة الوطنية ال السلطة األجنبية وعدا ما قضى بمثله صراحة في فرنسا‪ ،‬فاالتجار بالنفوذ‬
‫لدى سلطة أجنبية ال جريمة فيه لعدم وجود النص‪.‬‬
‫ومن قبيل اإلدانة على هذه الجريمة أنه حكم بتوافرها في حق متهم طلب و أخذ عطية من المجني عليه مقابل العمل على حفظ‬
‫تحقيق يجري معه بشعبة البحث الجنائي عن مصدر ممتلكاته بمناسبة تصفية اإلقطاع‪ ،‬زاعما أن له صلة بالضابط المختص‬
‫بالتصرف في التحقيق وكذلك بمدير األمن ونائبه‪ ،‬وفي حق كاتب بهندسة هاتف ملوى طلب وأخذ نقود من المستخدم بالهندسة‬
‫الستعمال نفوذ مزعوم في الحصول على قرار بنقله دون علم المهندس المختص و بأمر من الجهات العليا ([‪ )]14‬و إذا كان‬
‫الفاعل موظفا تطبق عليه عقوبة الجناية المنصوص عليها في المادة ‪ 104‬من قانون العقوبات وهي األشغال الشاقة المؤبدة و‬
‫غرامة ال تقل عن ‪ 2000‬جنيه و ال تزيد على ضعف ما أعطى أو وعد به‪.‬‬
‫أما إذا كان الفاعل غير الموظف فتوقع عندئذ عقوبة الجنحة المنصوص عليها و هي الحبس و غرامة ال تقل عن ‪ 200‬جنيه و‬
‫ال تزيد على ‪ 500‬جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين المنصوص عليهما في قانون العقوبات المصري‪.‬‬
‫وأما إذا كان الغرض من استعمال النفوذ ارتكاب فعل يعاقب عليه القانون بعقوبة أشد من العقوبة المقررة الستعمال النفوذ‪ ،‬ألن‬
‫هذا االستعمال و إن لم يكن رشوة اعتبره القانون في حكم الرشوة ومن ثم لم تسر عليه المادة ‪ 108‬من قانون العقوبات‪ .‬ونرى‬
‫أن عرض عطية على صاحب نفوذ ورفضها من طرفه ال يعتبر جريمة لعدم وجود النص‪ ،‬كما نرى أن صاحب الحاجة أو‬
‫الوسيط ال يعاقب ألن الجريمة من جرائم الفاعل المتعددة وال يعاقب عليها إال إذا نص القانون على عقابه وهو مستغل النفوذ‬
‫دون سواه وعلى هذا التمييز بين الجريمتين قضت محكمة النقض بأنه إذا دانت المحكمة المتهم بجريمة استغالل النفوذ حالة‬
‫كو مه متهما بالرشوة فإن هذه اإلدانة تنطوي على تعديل في التهمة مما يقتضي تنبيه المتهم إليه و منحه أجال لتحضير دفاعه‬
‫على التعديل الجديد إذا طلب ذلك عمال‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬أركان جريمة الرشوة‪:‬‬
‫تمهيـد‪:‬‬
‫وفقا للقانون و بالتحديد ما جاءت به المادة األولى من قانون العقوبات التي تقضي بأنه ال عقوبة و ال جريمة بغير نص فإنه‬
‫يجب لكل جريمة توافر أركان معينة بحيث أنه إذا اكتملت هذه األركان أصبحنا بصدد جريمة تامة أو الشروع فيها يستحق‬
‫فاعلها إنزال العقاب الذي حدده النص الجنائي عليه أما إذا انعدم ركن من هذه األركان فال تقوم الجريمة من الناحية القانونية‪.‬‬
‫فالنص الجنائي ألي جريمة يتكون من أركان عدم الجريمة بحيث إذا توفرت تلك األركان انطبق النص و إال فال‪.‬‬
‫وأركان الجريمة بوجه عام هي ركنين ركن مادي واآلخر معنوي فالركن المادي للجريمة هو عبارة عن المظهر الخارجي‬
‫لنشاط الجاني أو هو الفعل المادي للجاني وهو الذي يتمثل أساسا في السلوك اإلجرامي الذي يعاقب عليه القانون الن التشريع‬
‫العقابي ال يعاقب على النوايا واألفكار بل ال بد من وجود نشاط مادي يترجم هذه األفكار والنوايا ألفعال ونتائج يعاقب عليها‬
‫القانون ويختلف النشاط المادي من جريمة إلى أخرى حسب طبيعتها وأنواعها هذا عن الركن المادي أما عن الركن المعنوي‬
‫فهو متمثل في أفكار ونوايا الجاني والمتجسد كما هو معروف في القصد الجنائي وإذا تناولنا بالحديث واالستقصاء أركان‬
‫الجريمة الرشوة فإننا نرى أنها تتضمن بطبيعة الحال الركنين السابقين بوجه اتفاقي وجامع أما الركن الثالث وهو الركن‬
‫المفترض فقد ثار حوله اختالف فقهي حول كل من صفة المرتشي و من في حكمه و هل تشكل هذه الصفة ركنا مستقال في‬
‫الرشوة يضاف كركن ثالث إلى الركنين السابقين إذا الخالف تجلى حول ركنية صفة الراشي في جريمة الرشوة وبما أن في‬
‫تعريف جريمة الرشوة ينصب أوال على الموظف العام الذي يشترط كطرف أول في جريمة الرشوة وهو الموظف العام الذي‬
‫يتاجر بأعمال وظيفته فانه يصبح كركن أساسي إضافة إلى الركنين السابقين ومنه يمكن القول أن جريمة الرشوة تتكون من‬
‫ثالث أركان األول هو الركن المفترض والخاص بصفة المرتشي والثاني وهو الركن المادي و يكون مجابه النشاط و محله‬
‫ومقابله أما الركن الثالث فهو الركن المعنوي وهو القصد الجنائي وسوف نقوم بدراسة هذه األركان في أيطار جريمة كل طرف‬
‫في الرشوة (المرتشي‪ ،‬الراشي‪ ،‬و الرائش‪).‬‬
‫المطلب األول‪ :‬في إجـرام الراشـي‪:‬‬
‫الركن األول‪ :‬الصفة المفترضـة‪:‬‬
‫الرشوة هي إحدى جرائم الوظيفة العامة وجوهرها إخالل الموظف بالتزامات وظيفته ومن ثم كان في مقدمة أركانها اتصاف‬
‫مرتكبها بصفة الموظف العام وأن يكون مختصا وعلى هذا النحو تنتمي جريمة الرشوة إلى فئة (جرائم الصفة)‪ .‬وهي فئة‬
‫الجرائم التي تخضع ألحكام خاصة أهمها انه ال يتصور (أن يعد فاعال لها من يحمل الصفة التي يشترطها و يحددها القانون أما‬
‫من ال يحمل هذه الصفة فيجوز أن يكون شريكا فيها فحسب) ([‪ .)]16‬أي يجوز أن يكون مساهما فيها أو فاعال ضروريا مع‬
‫من يحمل تلك الصفة‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس فان صفة المرتشي في تطبيق أحكام الرشوة تضم إلى جانب الموظف العام أشخاصا ليسوا بموظفين وإن‬
‫اعتبرهم القانون في حكمهم فإذا تحقق فعل األخذ أو القبول أو الطلب لعطية أو وعد من غير هؤالء فال تتحقق الرشوة إن جاز‬
‫أن تحقق جريمة النصب‪.‬‬
‫وإليضاح أكثر فان جريمة الموظف في القانون الجنائي يختلف عنه في القانون اإلداري بالنسبة لجريمة الرشوة و يحدد الفقهاء‬
‫هذا الخالف بالنظر إلى المصلحة المحمية في كل من القانونين لكن وضع تعريفا للموظف العام مجرد بحث قانوني بال فائدة‬
‫عملية ولكنه اجتهاد له آثار قانونية بعيدة المدى وشديدة الخطر في كافة نواحي القانون سواء كان ذلك في نطاق القانون العام أو‬
‫في نطاق القانون الخاص بل و في كافة فروع هذين القسمين من أقسام القانون‪.‬‬
‫فالفقه اإلداري يعرف الموظف العام بأنه (شخص يعهد إليه على وجه قانوني بأداء عمل في صورة من العتياد واالعتياد‬
‫واالنضمام في مرفق عام تديره الدولة أو احد األشخاص المعنوية العامة “إدارة مباشرة”) ([‪]).17‬‬
‫أما الفقه الجنائي فعرفه بأنه (كل شخص يعين أو ينتخب قانونا لممارسة عمل عام دائم ألداء خدمة عامة أو القيام على مال‬
‫فيلتزم بتنظيم الحريات أو الحقوق أو األموال العامة مع إمكانية المساس بها عند االقتضاء في حدود القانون سواء كان إسناد‬
‫العمل إليه طواعية أو جبرا بمقابل أو دونه بصفة دائمة أو لمدة محددة‪).‬‬

‫فالفكرة اإلدارية للموظف العام اعتمدت على اعتبارات ترد أساسا إلى الصلة القانونية بين الموظف والدولة و تهدف إلى تحديد‬
‫الحقوق وااللتزامات التي تربط بينهما‪ ،‬والموظف العام وفق هذه االعتبارات ينبغي أن تكون عالقته بالدولة ذات مصدر صحيح‬
‫وقانوني أي تكون في ذاتها صلة قانونية وهو يخضع في الغالب للسلطة التأديبية للدولة وتسأل عن أعماله ويعني ذلك أن‬
‫النظرية اإلدارية نظرية عضوية تركز اغلب اهتماماتها على الوضع القانوني للموظف في داخل الجهاز اإلداري ولكن قانون‬
‫العقوبات يقيم نظريته على أساس مختلف فهو يهدف بتجريم الرشوة إلى حماية نزاهة الوظيفة العامة أي ثقة الجمهور في عدالة‬
‫الدولة وحيادها وشرعية أعمالها ومن ثم كانت العبرة لديه في كون الموظف العام يتصدى في مواجهة الناس للعمل باسم الدولة‬
‫ولحسابها أي أنه يمارس في مواجهتهم بعض اختصاصات الدولة بل واحد فقط من هذه االختصاصات بحيث لو انحرف في‬
‫ممارسته اهتزت ثقة الناس بالدولة وقامت تبعا لذلك الحاجة إلى تجريم التصرف والنتيجة الحتمية لذلك أن لصفة الموظف العام‬
‫ال تتأثر بالعيوب التي تشوب عالقته بالدولة طالما أنها ال تجرده في نظر اآلخرين من صفته كعامل باسم الدولة ولحسابها‬
‫وكذلك من ناحية أخرى فانه لها أهمية لكونه يمارس العمل الوظيفي على عارض نحو مؤقت وهذا يعني أن النظرية الجنائية‬
‫للموظف العام تهتم بالعالقة بين الدولة والجمهور وتجتهد في صيانة نقاء هذه العالقة و الضابط لديها في اعتبار الشخص موظفا‬
‫أنه وسيط في هذه العالقة وفي ضوء هذه االعتبارات ترى تعريف الموظف العام في المدلول الجنائي يركز على اعتبارات‬
‫أخرى في جريمة الرشوة تقتضيها نزاهة الوظيفة وحماية الجمهور ولطلك فانه يعتبر كل من يواجه الجمهور باسم الدولة‬
‫ولحسابها ولو كان له قدر ضئيل من السلطة هو موظف عام ولو شاب عالقته بالدولة بعض العيوب التي ال تجرده من صفته‬
‫أمام الناس باسم الدولة وبمصلحتها ومنه نلخص إلى انه كل من يعد موظفا عاما في المعنى اإلداري فهو حتما لذلك في المدلول‬
‫الجنائي و لكن بعض من ال يعتبر موظفا عاما في القانون اإلداري يعتبر كذلك موظفا في القانون الجنائي‪](18[).‬‬

‫و النتيجة أن االهتمام بالموظف العام في المفهوم الجنائي يرجع إلى سببين‪:‬‬

‫األول هو أن الوظيفة العامة تفترض صلة خاصة تربط من يشغلها بالدولة تلك هي صلة الوالء والتي تستلزم توفر األمانة‬ ‫‪‬‬
‫في شخص الموظف العام في القيام بواجبه الوظيفي الذي ينوب فيه عن الدولة بصفتها شخصا معنويا في ممارسة سلطتها‬
‫أما السبب الثاني فيتمثل في أن الموظف العام وهو يمارس قدرا من أحد فروع نشاط الدولة تعتبر مظهر للسلطة العامة‬ ‫‪‬‬
‫فيها)[‪ (]19‬ومن استقرائنا للتعريف بالموظف العام في المفهوم الجنائي بصدد جريمة الرشوة يتسع و يشمل فئات ثالث هي‪:‬‬
‫أ‪ -‬الموظف العام الحقيقي‪ ،‬ب‪ -‬الموظف الحكمي‪ ،‬ج‪ -‬الموظف الفعلي‪.‬‬
‫أ‪ -‬الموظف العام الحقيقي‪:‬‬
‫وهو كل شخص يقوم بأداء عمل بصفة دائمة ومستمرة أو بصفة عارضة أو مؤقتة لمدة معينة و ذلك بمقتضى سند قانوني أي‬
‫قرار تعيين صادر عن السلطة المختصة قانونا بالتعيين و أن يكون هذا العمل في خدمة مرفق عام إداري تديره الدولة أو‬
‫السلطة العامة و إدخالها في اإلطار التنظيمي المقرر له‪.‬‬
‫فمن خالل هذا نرى أنه يستبعد من دائرة الموظفين العموميين كل ال ين يعملون في المرافق العامة التي تدار بطريق االلتزام أو‬
‫المقاولة‪](20[) .‬‬
‫ويستوي بعد ذلك أن يعمل هذا الشخص في خدمة سلطة مركزية أو سلطة ال مركزية كما يستوي أن تكون سلطة محلية أو‬
‫سلطة مرفقية كما يستوي أيضا أن يتقاضى الموظف راتبا أو مكافأة أو ال يتقاضى شيئا من هذا ومن خالل هذا نرى أن‬
‫الموظف العام هو كل من يعمل بصفة دائمة أو مؤقتة في خدمة مرفق عام إداري كالتعليم والقضاء والصحة واألمن العام…‬
‫مالحظة‪ :‬حسب الفقه الفرنسي الموظف العام هو كل شخص يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد‬
‫أشخاص القانون العام أو في السلطات المحلية كالبلديات أو في السلطات المرفقية كالمؤسسات والمصالح العامة المتمتعة‬
‫بالشخصية المعنوية أما األشخاص الذين يعتبرون أو يصنفون في حكم الموظفين العامين فقد تناولتهم المادة ‪ 119‬ف–‪ 3‬من‬
‫قانون العقوبات بحيث تقول )ويعد شبيها بالموظف في نظم قانون العقوبات كل شخص تحت عنوان نسمي ‪”sous une‬‬
‫”‪domination‬‬
‫وفي نطاق أي إجراء ما يتولى ولو مؤقتا وظيفة أو وكالة بأجر أو بدون اجر و يساهم بهذه الصفة في خدمة الدولة أو اإلدارة‬
‫العامة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات العمومية أو االشتراكية أو المؤسسات ذات االقتصاد المختلط أو الهيئات المصرفية‬
‫او الوحدات المسيرة ذات اإلنتاج الصناعي أو الفالحي أو في هيئة من القانون الخاص تتعهد بإدارة المرفق العام(‪](21[) .‬‬

‫ب‪ -‬الموظف الحكمي‪:‬‬


‫وهو الذي يعتبر في عداد العامل أو المستخدم في الدولة أو في إدارة عامة(*)وتش‪؅‬ل على فئة العمال واإلجراء ضباط السلطة‬
‫المدنية والعسكرية والمكلفون بخدمة عامة سواء باالنتخاب أو التعيين والمكلفون بمهمة رسمية كالخبير مثال‪ ،‬هؤالء يؤدون‬
‫خدمة عامة وبالتالي يدخلون في فئة المكلفين بخدمة عامة والسؤال الذي يطرح نفسه هنا إن المحامين هل هم من هذه الفئة؟‬
‫وعليه الجواب يكون على نحو أن المحامين وعلى الرغم من إنهم ليسوا موظفين عموميين وال مكلفين بخدمة عامة أو بمهمة‬
‫رسمية وإنما يمارسون أعماال حرة وفي هذا الصدد نجد أن المشرع اللبناني الحقهم بالموظفين العموميين في حكم الرشوة‬
‫)المادة ‪ 352‬ف‪ -‬أخيرة من القانون اللبناني( ونجد تطبيقات الموظف الحكمي في القانون الجزائري بالمادتين ‪ 127- 126‬من‬
‫قانون العقوبات وهي على سبيل الحصر فنجد‪:‬‬
‫*القضاة‪ :‬فالدولة تحيط القاضي بكافة الضمانات الممكنة بتأكيد هيبته و المحافظة على نزاهته واالبتعاد به عن كافة الشبهات‬
‫وخاصة الرشوة‪.‬‬
‫*األشخاص ذوي الوالية النيابية‪ :‬و هم أعضاء المجالس البلدية و الوالئية و المجلس الشعبي الوطني‪.‬‬
‫* الخبراء‪ :‬وهم األشخاص الذين تنتدبهم السلطات اإلدارية أو القضائية أو األطراف إلبداء رأيهم في مسألة فتية ويرتكبون‬
‫جريمة الرشوة إذا اصدر احدهم أو أبدى رأيه لمصلحة أحد األطراف المتنازعة أو ضده تحت تأثير ما ناله من منفعة ثمنا‬
‫لموقفه هذا‪.‬‬
‫*المحكمون‪ :‬وهم كذلك األشخاص الذين يختارهم األطراف أو السلطة للتحكيم بين األطراف المتنازعة في مسألة معينة‪.‬‬
‫*االعضاء المحلفين في الجهات القضائية‪ :‬وعملهم مكمل للقاضي وال يقل خطورة عنه ولذلك تسري عليهم أحكام الرشوة كما‬
‫تسري على القاضي وكذلك أعضاء الجهات القضائية‪.‬‬
‫*األطباء والجراحون وأطباء األسنان والقابالت‪ :‬وقد حددت الفقرة األخيرة من نص المادة ‪ 126‬عقوبات األعمال التي يرتكبها‬
‫هؤالء وتعد به جريمة الرشوة على أنها التقرير الكاذب بوجود أو إخفاء وجود مرض أو عاهة أو حمل أو بإعطاء بيانات كاذبة‬
‫عن سبب الوفاة أو عن مصدر مرض أو عاهة‪](22[) .‬‬
‫فال يجوز لهؤالء خيانة شرف مهنتهم تحت تأثير الرشوة الن المجتمع ائتمنهم على مصالحه والجدير بهم تقديرا لهذه الثقة و عدم‬
‫التالعب بها هذا بالنسبة لما نصت عليه المادة ‪ 126‬من قانون العقوبات الجزائري وما استقيناه منها أما المادة ‪ 127‬فنصت‬
‫على طائفة أخرى وهم العاملين أو المستخدمين أو المندوبين بأجر و النص كالتالي‪“ :‬يعد مرتشيا …كل عامل أو مستخدم أو‬
‫مندوب باألجر أو مرتب على أية صورة كانت طلب أو قبول العطية أو وعد أو طلب أن يتلقى هبة أو هدية أو جعلها أو خصما‬
‫أو مكافأة بطريقة مباشرة أو عن طريق وسيط أو بغير علم مخدومه أو رضائه وذلك للقيام بأداء عمل من أعمال وظيفته أو‬
‫االمتناع” )[‪](23‬‬

‫ج‪ -‬الموظف الفعلي‪:‬‬


‫هو الشخص الذي لم يصدر قرار تعيينه أو صدر هذا القرار باطال و الواقع يكون قرار التعيين باطال إذا افتقد المشرح للوظيفة‬
‫احد شروطها سواء تلك التي تتعلق بسنه أو جنيه أو مؤهالته…الخ‪ .‬أما تلك المتعلقة باإلجراءات التي يلزم إتمامها لتولي‬
‫الوظيفة مثال كأن يصدر القرار ممن يمتلك سلطة تعيينه مطلقا قانونيا‪ .‬والسؤال الذي يطرح في هذا المجال هو أنه إذا ما التقت‬
‫الشروط أو احد شروط التعيين فهل يؤثر ذلك على قيام جريمة الرشوة إذا قام الشخص و تاجر بوظيفته ؟‬
‫هنا ذهب رأي على اعتبار أن بطالن القرار الصادر للتعيين فهو يحول دون تطبيق أحكام الرشوة وعلى هذا األساس فالموظف‬
‫العام الذي يجب أن يعين بقرار وزاري مثال ولم يتم تعيينه بهذه الطريقة فهذا األخير ال تقع منه هذه الجريمة أما إذا افتقد في‬
‫تعيينه شرطا من الشروط الالزمة والهامة لمباشرة عمله مثال القاضي الذي باشر عمله دون أداء اليمين فإن جريمة الرشوة‬
‫تتحقق في جانبه إذا تاجر بوظيفته والعيب الذي وقع فيه عدا الرأي هو تقييده بالفكرة اإلدارية للموظف العام وإهماله للناحية‬
‫الجنائية له ألن تحديد الموظف العام في هذا المجال فهو يتوقف على تجريم فعل االتجار بالوظيفة (الرشوة) وعلتها حماية‬
‫الوظيفة العامة و مقتضيات الثقة فيها فالموظف العام ال يمكن أن يفلت من العقاب ألن قرار تعيينه صدر باطال وإال سوف يقع‬
‫على المتعاملين مع الموظف العام عبء التحقق من قرار تعيينه وعليه فمن وجهة نظر قانون العقوبات فإن الشخص الذي يقوم‬
‫بأعباء الوظيفة العامة يعتبر موظفا عاما مهما شاب تعيينه من عيوب باإلضافة إلى ذلك فإن الشخص الموقوف عن عمله إلى‬
‫حين الفصل في الوقائع المسندة إليه إداريا و جنائيا فان حالته هذه مثل حالة اإلجازة االعتيادية أو المرضية بحيث ال يزيل عن‬
‫الموظف صفته وبالتالي فالجريمة تثبت عليه إذا ما قام وتاجر بوظيفته في هذه المرحلة ألن هذه الصفة تزول بصدور قرار‬
‫الفصل أو التقاعد‪.‬‬
‫اإلخـتصـاص‪:‬‬
‫ال يكفي أن تتوفر صفة الموظف العام بالتحديد السابق وإنما يجب أن يكون هذا الموظف مختص بالعمل الذي يطلبه منه صاحب‬
‫الحاجة أو الراشي‪.‬‬
‫ويقصد باختصاص الموظف في الفقه اإلداري مجموعة ما خول له من صالحيات تمنحه سلطة القيام بأعمال معينة في نطاق‬
‫هذه الصالحيات فال يكفي إذن لثبوت اختصاص الموظف محض السلطة المادية التي له على العمل الذي يؤديه‪ ،‬بل ال بد من‬
‫عالقة قانونية تربطه وهذا العمل فهذه العالقة القانونية هي التي تضفي على السلطة المادية شرعية ما وتؤدي إلى صيرورة‬
‫الموظف في نهاية األمر مختص من الناحية القانونية بعمله الوظيفي وهكذا ال بد لقيام جريمة الرشوة قانونا أن يكون الموظف‬
‫المنسوب إليه التهمة مختصا بالعمل الوظيفي الذي يسببه طلب أو قبل العطية أو الوعد بها واختصاص الموظف على هذا النحو‬
‫كما تقول محكمة النقض‪ ،‬ركن في جريمة الرشوة يتعين على الحكم إثباته بما ينسجم به أمره والبد أن يستظهر الحكم في‬
‫مدوناته اختصاص المتهم بالعمل الذي طلب الجعل وأخذه مقابل االمتناع عن القيام به‪.‬‬
‫ويثبت االختصاص لموظف بعمل ما إما بمقتضى القوانين واللوائح وهو ما يكون في حالة الوظائف الكبرى بالدولة وإما بناءا‬
‫ع لى تفويض من رؤسائه تفويضا صحيحا كما يختلف اختصاص الموظف بالعمل في حالة إذا حضر القانون القيام به وكذلك إذا‬
‫ما حصر هذا االختصاص في نوظف أو موظفين آخرين ويكون الموظف غير مختص بالعمل يستوي في ذلك أن يكون عدم‬
‫االختصاص نوعيا أو مكانيا‪.‬‬
‫إما في حالة انعقاد اختصاص الموظف بالعمل فمناط ذلك االنعقاد أن يكون العمل داخال في االختصاص القانوني للوظيفة التي‬
‫يتقلدها وال أهمية بعد ذلك لمصدر هذا االختصاص فقد يكون هو نص القانون مباشرة أو اللوائح والقرارات الصادرة عن‬
‫السلطة اإلدارية بناءا على تفويض صريح أو ضمني أو وفقا للعرف الداخلي أو بقرار إداري من رئيس يملك قانونا سلطة‬
‫إصداره سواء كان هذا القرار مكتوبا أو شفهيا([‪ )]24‬وتؤكد محكمة النقض المصرية في هذا المعنى انه يكفي لكي يكون‬
‫الموظف مختصا بالعمل أن يصدر إليه أمر شفوي من رئيسه للقيام به وفي حكم آخر لمحكمة النقض قضى بثبوت اختصاص‬
‫الموظف بالعمل بسبب الرشوة إن كان مكلفا بذلك العمل بناءا على تكليف شفوي صادر إليه من رؤسائه وبالتالي فان كان الحكم‬
‫قد دل تدليال سائغا على أن عمل الساعي (المبلغ) يقتضي التردد على المكان الذي تحفظ به ملفات الممولين معاونة في تصنيفها‬
‫وأن يقوم بنقل الملفات بناءا على طلب موظفي مأمورية الضرائب وهم من رؤسائه فان التحدي بانعدام احد أركان جريمة‬
‫الرشوة يكون بغير أساس‪.‬‬
‫فان تخلف شرط ثبوت االختصاص على النحو السالف ذكره ال تقوم في حق الموظف جريمة الرشوة النتفاء ركن من أركان‬
‫بنيانها القانوني وهو ما يتحقق إذا كان التكليف بعمل صادر عن رئيس غير مختص)*(‪.‬‬
‫والوقت الذي يعتمد به في تحديد ما إذا كانت صفة الموظف العام واختصاصه بالعمل الوظيفي متوفرين أم ال وهو الوقت الذي‬
‫يرتكب فيه الفعل الذي يقوم به الركن المادي للرشوة بمعنى وقت اخذ المقابل أو قبول الوعد به أو طلبه فشرط حمل هذه الصفة‬
‫أمر ضروري ومن ثم كان التعاصر بين الصفة والفعل عنصر للرشوة ألنه متى زالت عنه صفته كموظف باالستقالة أو العزل‬
‫وصدر عنه فعل‪ ،‬ألخذ‪ ،‬الطلب‪ ،‬القبول‪ ،‬فهو ال يعد مرتشيا وإنما يرتكب جريمة النصب أو جريمة استغالل النفوذ وان تذرع‬
‫في مواجهته بنف وذ حقيق أو مزعوم فال خالف فيما يتعلق بتوفر االختصاص إذا كان العمل المطلوب أداءه أو االمتناع عنه‬
‫داخلها لكنه في اختصاص أعمال عدة موظفين ولكل منهم نصيب من االختصاص‪.‬‬
‫والرأي المتبع هنا انه ال يلتزم العتبار العمل داخال في أعمال وظيفة الموظف أن يكون وحده المختص بل يكفي أن يكون له‬
‫نصيب من االختصاص فيه ولو بإبداء رأي استشاري وان يكون قد اتجر بنصيبه في هذا االختصاص المشترك ومسالة‬
‫االختصاص هذه هي مسالة موضوعية يترك أمر تقديرها إلى محكمة الموضوع دون رقابة من المجلس األعلى إال أننا نجد‬
‫انتشار حالة الزعم أو االدعاء باالختصاص وتعني أن الموظف العام غير مختص أصال بالعمل ولكنه يزعم اختصاصه به مما‬
‫يدفع صاحب الحاجة على االعتقاد بأنه مختص به وقد سوى المشرع ضمن نشاطه الملحوظ في توسيع نطاق جريمة الرشوة‬
‫بين االختصاص الفعلي وبين زعم االختصاص بالعمل الوظيفي كشرط لقيام جريمة الرشوة‪])25[(.‬‬
‫وهذا بشرط توفر ارتباط نسبي وصلة وطيدة بين الوظيفة الحقيقية للموظف وبين زعمه االختصاص‪ ،‬مثال كأن يكون ممرضا‬
‫ويدعي بأنه طبيب أو كأن يكون موظفا في سلك القضاء برتبة كاتب مثال ويدعي بأنه قاضي أو وكيل جمهورية والزعم يتحقق‬
‫بالقول أو اتخاذ موقف ال تدع الظروف لشك في داللته ومنه فقد يأتي صريحا كما قد يأتي ضمنيا واإلثبات فيها يكون بجل‬
‫الطرق دون اشتراط وسائل أخرى أي دعم الزعم بمظاهر خارجية أو وسائل احتيالية كما ال يشترط ضرورة وقوع صاحب‬
‫الحاجة في غلط نتيجة زعم الموظف بل تتوفر جريمة الرشوة حتى ولو اكتشف صاحب الحاجة هذا الزعم ذلك الن الزعم‬
‫سلوك صادر من جانب الموظف وال عالقة له بسلوك صاحب الحاجة فيكفي مجرد الزعم باالختصاص ألقسام الرشوة وعنصرا‬
‫في احد أركانها يعد احد البيانات الجوهرية التي يتعين أن يتضمنها الحكم الصادر باإلدانة فان أغفله كان قاصر البيان متعين‬
‫النقض ويترتب على ذلك أن دفع بهم إلى االرتشاء بأنه لم يكن مختصا هو دفع جوهري بتعين الرد عليه بما ينقسم به أمر‬
‫المنازع فيه وهذا ما انتهجته محكمة النقض المصرية‪])26[(.‬‬
‫أما القانون الجزائري فلم يتطرق في نصوص جريمة الرشوة إلى الزعم واكتفى بالقول بأداء عمل من أعمال وظيفته‪.‬‬
‫الركن الثاني‪ :‬الركن المادي‪:‬‬
‫تمهيـد‪:‬‬
‫كما أسلفنا الذكر أن الركن المادي للجريمة عبارة عن المظهر الخارجي للنشاط الجاني والمتمثل في السلوك اإلجرامي للجريمة‬
‫إضافة إلى وجوب نشاط مادي معين ويختلف هذا النشاط من جريمة إلى أخرى حسب طبيعتها ونوعها وظروفها وعليه آنت‬
‫عناصره في جريمة الرشوة على النحو التالي‪:‬‬
‫عنصر النشاط وصوره هي القبول‪ ،‬الطلب‪ ،‬األخذ أو التلقي‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫العنصر الثاني محل النشاط والمتمثل في المنافع من هدايا أو وعود‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫والعنصر الثالث الغرض من النشاط والتمثيل في القيام بالعمل أو االمتناع عن القيام بعمل‬ ‫‪‬‬

‫وسوف نتناول هذه العناصر بشيء من التفضيل‬


‫للعنصر األول ‪:‬النشاط بمعنى السلوك المادي للموظف وهو نشاط معين يبذله المرتشي والمتمثل في القبول أو الطلب أو هو‬
‫تغيير صادر عن اإلدارة المنفردة للموظف العام المختص يطلب فيه مقابال ألداء عمله الوظيفي أو االمتناع عن أدائه وعليه‬
‫فاالستجابة الصادرة من جانب صاحب المصلحة عن طريق اإلعطاء للعطية تقابله اخذ لها من جانب الموظف العام أو عن‬
‫طريق الوعد إلعطاء من جانب الراشي الذي يقابله قبول من طرف المرتشي وفي هاتين الحالتين تعتبر جريمة الرشوة قائمة‬
‫على أساس األخذ والقبول ([‪ )]27‬أما إذا لم تكن هناك استجابة من صاحب الحاجة على طلب الموظف فهناك رأيان رأي ذهب‬
‫إلى اعتبار طلب الرشوة من جانب الموظف العام وعدم استجابة صاحب الحاجة إليه شروعا فيها باعتباره بدا في التنفيذ بالنسبة‬
‫لألخذ والقبول والرأي الثاني وهو الراجح نظرا لمسايرته التشريع في تجريم الرشوة ويعتبر مجرد إيجاب الموظف هو عمل‬
‫تنفيذي وذلك باعتبار أن الطلب يعد عنصرا أساسي من عناصر الركن المادي للرشوة متى وصل الطلب إلى علم صاحب‬
‫الحاجة أو وسيلة وحتى ولو حالة أسباب غير إرادية في عدم وصوله أي (الطلب) فانه رغم ذلك يعتبر شروعا أو بدءا في تنفيذه‬
‫وهو بذاته يشكل جريمة تامة في القانون‪])28[( .‬‬
‫والشيء المالحظ هنا أن الطلب ال يشترط فيه شكل خاص فقد يكون شفاهة أو كتابة أو صراحة أي اللفظ أو الكتابة أو اإلشارة‪،‬‬
‫وقد يكون الطلب ضمنا كان يفتح الموظف درج مكتبه أمام صاحب المصلحة بما يوحي رغبته في وضع مبلغ النقود فيه وقد‬
‫يكون ذلك باماءة لصاحب الحاجة باستعداده للتغاضي عن المخالفة الجمركية نظير ما يقدمه له من مال‪.‬‬
‫ومن األمور التي ال تأثير لها أيضا على الطلب هو أن يكون الطلب للموظف نفسه أو غيره حيث يستوي ذلك في التجريم‬
‫والعقاب بين الطلب الموظف العمومي الرشوة لنفسه أو لغيره ومن ثم فال مصلحة للمتهم‪.‬‬
‫كما ال يهم أن يكون الطلب محددا لقيمة الفائدة أو الوعد بها حيث يكفي أن يطلب الموظف ثمنا للعمل المراد منه تاركا تحديد‬
‫قيمة هذا الثمن أو أشكاله لتقدير صاحب الحاجة‪])29[( .‬‬
‫ب‪ .‬القبـول‪:‬‬
‫هو اتجاه إرادة الجاني أو المرتشي إلى الرضي بتلقي المقابل في المستقبل ايجابيا أو عرضا من صاحب الحاجة يعبر فيه عن‬
‫إرادته بتعهده بتقديم الوعد إذا ما قضى له المصلحة فهو دفع مؤجل وال يشترط في القبول أن يتم بصف معينة فقد يتحقق بالكالم‬
‫والكتابة أو اإلشارة صريحا أو ضمنيا أو بأي شيء آخر يدل عليه‪ ،‬وتقع جريمة الرشوة بمجرد تالقي قبول الموظف مع إيجاب‬
‫صاحب الحاجة سواء نفذ الراشي وعده أو يعدل عن التنفيذ بإرادته أو نتيجة لظروف خارجة عن إرادته‪ ،‬فالشرط إذن يجب أن‬
‫يكون عرض الراشي جديا في ظاهره على األقل فيجب أن يكون قبول الموظف جديا حتى إذا ما تالقى مع اإليجاب الجدي‬
‫لصاحب الحاجة يتحقق االتفاق الذي تقوم به ماديات جريمة الرشوة ويكشف عن معنى االتجار بالوظيفة العامة‬
‫واستغاللها‪])30[(.‬‬
‫أما العرض التلقائي من جانب صاحب الحاجة فيتظاهر الموظف العام بقبوله لمجرد تمكين السلطة العامة أو المراقبين مثال من‬
‫ضبطه متلبسا بجريمة عرض الرشوة وبما أن القبول هنا ليس جادا فبالتالي جريمة الرشوة غير قائمة من جانب الراشي‪.‬‬
‫وفي هذا المجال نجد الحالة التي يقوم فيها عرض الرشوة من جنب احد ممثلي السلطة العامة وليكن احد أعوان الشرطة مثال‬
‫على الموظف بقصد اإليقاع به والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو مدى مشروعية هذا اإلجراء وهل تتحقق مسؤولية المحرض؟‬
‫اختلفت اآلراء واألحكام القضائية في هذا المجال فعلى سبيل المثال جاء في حكم المحكمة النقض المصرية (أنه ال يؤثر في قيام‬
‫جريمة الرشوة أن تقع نتيجة تدبير ضبط الجريمة إذ لم يكن الراشي جادا في عرضه على المرتشي متى كان عرضه الرشوة‬
‫جديا في ظاهره وكان الموظف قد قبله على انه جدي مستهدفا العبث بمقتضيات وظيفته لمصلحة الراشي أو لمصلحة غير)‪.‬‬
‫([‪])31‬‬
‫مثال آخر استقر القضاء األمريكي على عدم مساءلة الجاني الذي يرتكب جريمته بناء على تحريض الشرطة باعتبار أن‬
‫الجريمة في هذه الحالة تكون ثمرة للنشاط القائمين على تنفيذ القانون ومن جهة أخرى فان تحريض رجال الشرطة لألفراد من‬
‫اجل القبض عليهم أثناء أو بعد ارتكاب الجريمة يعتبر عمال غير مشروع ال يتفق مع واجبهم في الحرص على حسن تطبيق‬
‫القانون ومن ثم تكون اإلجراءات المتخذة في هذا المجال باطلة وال يعتمد بها في إدانة المتهم‪.‬‬
‫والمتفق عليه بالنسبة لمسؤولية المحرض صوري إذا كان رجل شرطة فال تقوم مسؤوليته بناء على قواعد الغلط في اإلباحة‬
‫ألنه مرخص له قانونا بالتحريض أو بالتدخل في الجرائم بقصد ضبطها والقبض على مرتكبها ومنه فان مشروعية فعل القصد‬
‫الجنائي واثبات القبول جائز بكافة طرق اإلثبات رغم كونه من أصعب صور لنشاط إثباتا باعتباره إرادة ومنه فالقاضي عليه أن‬
‫يكون حذرا في إثبات القبول والسيما حين يكون ضمنيا فمجرد سكوت الموظف ال يعد قبوال الن السكوت حتى يدل على‬
‫الرفض أو التردد وإنما يلزم في أن يكون هذا السكوت مالبسا ومحاطا بعدد من القرائن واألدلة التي توحي بإيجاد إرادة‬
‫الموظف لقبول‪.‬‬
‫كذلك السكوت المصاحب ألداء العمل العادي للموظف بصرف النظر عن إرادة صاحب الحاجة وتجاهل عرضه فالقاضي عليه‬
‫أن يستكشف الحقيقة في كل واقعة على حدي وعند الشك يكون تفسيره لما فيه مصلحة المتهم كذلك يجوز أن يكون القبول معلقا‬
‫على شرط ومع ذلك تقع الجريمة تامة بصرف النظر عن الشرط وال يؤثر في قيامها (الرشوة) رفض الراشي ما وعد به‬
‫المرتشي أو رجوع هذا األخير عن قبوله بسبب عدم إيفاء صاحب الحاجة بوعده‪])32[( .‬‬
‫جـ‪ .‬األخـذ‪:‬‬
‫هو التلقي وهي الصورة العادية لجريمة الرشوة حيث تسليم الشيء موضوع الرشوة من الراشي إلى المرتشي وعليه فال يثور‬
‫الشك في تجريم افعل األخذ للهدية أو المنفعة وان كان قد سبقه طلب من الموظف وقبول من صاحب الحاجة ثم قام هذا األخير‬
‫بالتسليم الفعلي إلى الموظف المرتشي كما ال يوجد شك حول تجريم فعل األخذ إذا كان الحقا أو معاصرا لقبول الموظف للهدية‬
‫أو المنفعة التي عرض عليه صاحب الحاجة وفي هذه الحالة يكون الموظف قد قبض فعال ثمن اتجاره بوظيفته ولذا يطبق عليه‬
‫الرشوة المعجلة وهي مادية وال عبرة بمظهر األخذ فقد يتخذ شكل التسليم إذا كانت الفائدة ذات طبيعة إذ تدخل الفائدة إلى حيازة‬
‫المرتشي بإرادته بمجرد تسليمها وقد يتم األخذ عن غير تسليم كان ترسل العطية عن طريق البريد فالجريمة تتحقق عندئذ‬
‫بمجرد احتفاظ الموظف بها مع عمله بالغرض من إرسالها‪.‬‬
‫العنصر الثاني‪ :‬محل نشاط الرشوة‪:‬‬
‫ويقصد بمحل النشاط في جريمة الرشوة هو الموضوع الذي ينصب عليه نشاط المرتشي ويكون في صورة هدية أو وعد أو‬
‫منافع أو فوائد أخرى والفائدة في المحل الذي يرد عليه طلب المرتشي أو قبوله لها معنى واسع يشمل كل ما يشبع الحاجة‬
‫والنفس أيا كان اسمها ونوعها وسواء كانت الحاجة مادية أو غير مادية ومع ذلك فان هناك قيود يفرضها المنطق القانوني‬
‫وتقتضي بها طبائع األشياء في تحديد تلك الفائدة وهذه األخيرة لها معنى واسع لتشمل صورا عديدة فقد تكون نقودا أو أوراقا‬
‫مالية أو سندات أو غيرها أو أشياء أخر له قيمة كما تأخذ شكل الحصول على وظيفة أو ترقية للموظف أو غيره أو تأخذ شكل‬
‫بيع وشراء عقار اقل من ثمنه مثال وليس هاما أن تكون الرشوة صريحة أو مقنعة وال اعتداد بالشكل الذي تأخذه وكما يستوي‬
‫أن تكون فائدة مادية والتي يمكن تقويمها عادة بالمال أو أن تكون الفائدة غير مادية وهي التي ال تقوم بالمال وإنما تكون خدمة‬
‫يقدمها طالب الحاجة إلى المرتشي مقابل امتناع هذا األخير عند القيام بعمل من أعمال وقيامه به في غير محله فالفائدة الغير‬
‫مادية تؤدي هي أيضا إلى العقاب فالموظف يقوم بأداء عمل أو االمتناع عنه مقابل حصوله على مقابل غير مقوم بالمال متمثل‬
‫في حصوله هو أو أحد أق اربه على وظيفة أو ترقية أو غير ذلك من صور الترقية فحقيقة الرشوة تتمثل في الهدف الذي اخذ من‬
‫اجله المقابل ال في قيمة هذا المال أو تناسبه مع ما قام به الموظف من إخالل أو قيام أو امتناع عن أداء عمل وظيفي تابع له من‬
‫اجل الحصول على هذا األخير‪ )]33[(،‬فإذا كانت الهدية أو الوعد في نظر الموظف العام المرتشي مقابال أو سببا في القيام أو‬
‫االمتناع أو اإلخالل بواجباته الوظيفية تحققت جريمة الرشوة مهما صغرت أو انخفضت قيمة الهدية أما إذا كانت الهدية أو‬
‫الوعد ليست مقابال أو سببا في قيام المرتشي بالعمل أو االمتناع أو اإلخالل انتفت جريمة الرشوة مهما ارتفعت قيمة الهدية أو‬
‫المقابل‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس ينتفي مقابل الرشوة إذا كان ما حصل عليه الموظف المرتشي مجرد سداد الدين خال فيشترط إذا أن تكون‬
‫الفائدة التي يتلقاها الموظف غير مستحقة له والمالحظ هنا انه ال يشترط لتحقيق جريمة الرشوة أن تكون فائدة في ذاتها‬
‫مشروعة بل تتحقق حتى إذا كانت الفائدة هي ذاتها غير مشروعة كاألشياء المسروقة والشيك بدون رصيد وغيرها‪.‬‬
‫إضافة إلى هذا الحد انه ال يشترط تقديمها إلى المرتشي نفسه بحيث يمكن تقديمها إلى شخص أخر يعينه هو ويستوي كذلك‬
‫تقديمها لشخص آخر لم يعينه المرتشي وان علم به فيما بعد ولم يعترض عليه وسواء أكانت له مصلحة في ذلك أو ال ولقاضي‬
‫الموضوع سلطة في ذلك‪])34[( .‬‬
‫لقد وردت األفعال التي يقوم عليها الركن المادي لهذه الجريمة في قانون العقوبات الجزائري بعبارة هدية أو وعد أو هبة أو أية‬
‫منافع أخرى (فيعد مرتشيا كل من يطلب أو يقبل هدية أو وعد أو يتلقى هبة أو هدية أو أية منافع أخرى)‪])35[( .‬‬
‫والمادة ‪ 127‬من قانون عقوبات جزائري (…كل مستخدم أو مندوب باجر أو مرتب أو أية صورة كانت طلب أو قبول عطية‬
‫أو وعد أو طلب أن يتلقى هبة أو هدية أو جعال وخصما أو مكافأة بطريق مباشر أو عن طريق وسيط…)‪])36[( .‬‬
‫فهاتان الفقرتان من المادتين السابقتين الذكر جاءت من السعة والعموم بحيث تضمنت جميع صور االتجاه والعبث واإلهالل‬
‫بالوظيفة أو بأعمالها أو الشروع في ذلك‪ ،‬فلم يشترط القانون في جريمة الرشوة أن يتسلم الموظف المال أو الوعد أو الهدية‬
‫بالفعل كما ال يشترط أيضا أن يوجد اتفاق سابق بين الراشي والوسيط والمرتشي فقد جعل القانون من مجرد القبول أو الطلب‬
‫جريمة تامة الن من يعرض وظيفته لمن يدفع أكثر ال يقل خطورة وإجراما عمن يتم الصفقة بالفعل وفيما يتعلق بالمقابل أو‬
‫الفائدة محل الرشوة‪])37[( .‬‬
‫والفقه اإلسالمي يرى بان األصوب في زماننا عدم القبول مطلقا الن الهدية تورد إذالل المهدي إليه في ذلك ضرر للقاضي‬
‫ودخول الفساد عليه وقيل أن الهدية تطفئ نور الحكمة وقد قال أحد الفقهاء اإلسالميين إياك والهدية فإنها ذريعة الرشوة وكان‬
‫النبي (ص) يقبل الهدية وهذا من خواصه ألنه معصوم مما يتقي على غيره منها ولما رد عمر بن عبد العزيز الهدية قيل له كان‬
‫الرسول (ص) يقبلها قال (كانت له هدية ولنا رشوة ألنه كان يقترب إليه لنبوته ال لواليته ونحن يقترب لنا للوالية‪).‬‬

‫العنصر الثالث‪ :‬الغرض من نشاط الرشوة‪:‬‬


‫من استطالعنا للعناصر السابقة للركن المادي في الرشوة نرى انه ال يكفي لقيامه أن يأخذ موظفا عموميا امن في حكمه فائدة‬
‫غير مستحقة له أو أن يقبل وعدا بها لنفسه أو لغيره وإنما يلزم ويشترط أن يكون مقابل هذه الفائدة أداء عمل وممكن من الناحية‬
‫الواقعية فان كان مستحيال استحالة مطلقة فال تقوم الجريمة فصاحب الحاجة حين ما قدم المنفعة او وعد بها إنما يستهدف غرضا‬
‫معينا من الموظف ويتمثل هذا الغرض في قيام الموظف بالعمل الذي له فيه مصلحة‪ ،‬واألصل أن يحدد العمل الوظيفي بشكل‬
‫عام وهو الذي يحدد تفصيالته بناء على مصلحة صاحب الحاجة هذا ويستوي أن يكون العمل واحدا أو مجموعة األعمال وان‬
‫يكون قابال للتحديد بحيث يكون للموظف سلطة على وظيفته يستطيع بها تحقيق مصلحة صاحب الحاجة فإذا ما انتفت هذه‬
‫الشروط عن العمل الذي يريده الراشي انتفت بدورها فكرة الرشوة ذاتها الن العمل الذي ينتظره صاحب المصلحة يمثل المحل‬
‫في االتفاق ويكون إما في صورة أدار العمل أو االمتناع عنه وهي الصورة األكثر غلبة لتحقيق الغرض من الرشوة‪ ،‬فان كان‬
‫العمل يباشره الموظف أو يستطيع مباشرته بحكم وظيفته ويدخل في اختصاصه القانوني وسواء أكان هذا العمل حقا أو غير‬
‫حق‪ ،‬عادال أم ظالما فهي حالة قيام الموظف بعمل مخالف لواجبات وظيفته إلى الحالة التي ترتكب فيها الرشوة ألداء عمل‬
‫تقتضيه واجبات الوظيفة‪.‬‬
‫فتتحقق جريمة الرشوة إذا قبل الموظف وعدا من آخر أو أخذ منه هدية أو غيرها ليقوم له بعمل من أعمال وظيفته ولو كان‬
‫العمل حقا‪ ،‬فمثال يعد مرتشيا ضابط البوليس أو الشرطة الذي يقبل وعدا أو عطاء ليحرر محضر عن جريمة توجب عليه‬
‫وظيفته تحرير محضر عنها كذلك تتحقق الرشوة إذا قبل الموظف وعدا أو أخذ هدية أو غيرها لالمتناع عن عمل من أعمال‬
‫وظيفته ولو ظهر له أنه غير حق وظلم مثال كاالمتناع عن تحرير محضر من طرف ضابط الشرطة باإلضافة إلى حالة ما إذا‬
‫شرع الموظف بعمله وتقبل عطاء أو وعدا باالمتناع عن إتمامه وفي هذه الحالة نجد أنه يعفى من جريمة الرشوة وإذا وقع تحت‬
‫تأثير اإلكراه مثال‪ :‬إذا دفع الرشوة ليخلص من عمل ظالم قام به الموظف أو شرع في القيام به ال ينبغي بذلك شراء ذمة‬
‫الموظف و إنما يريد الخالص من شر محيق به ودفع مضرة ال يبررها القانون‪.‬‬
‫وفي اغلب الحاالت يجتمع االمتناع واإلخالل بواجبات الوظيفة باعتبار أن امتناع الموظف عن عمل تفرضه عليه واجبات‬
‫وظيفته هو إخالل واضح بها ([‪]).38‬‬
‫أو في صورة اإلخالل بواجبات الوظيفة فأدى الموظف عمال وظيفيا أو امتنع عنه مخالفا بذلك القواعد التنظيمية التي تحكم‬
‫النشاط الوظيفي وليس لهذا التعبير داللة خاصة فهو مطلق من التقليد و يتسع مدلوله إلستعاب كل عبث يمس األعمال التي يقوم‬
‫بها الموظف وكل سلوك أو تصرف ينسب لهذه األعمال يعد من واجبات أدائها على الوجه السوي الذي يكفل لها دائما أن تجري‬
‫سنن قويمة وقد نص التشريع المصري على الوجه السوي الذي يكفل لها دائما أن تجري على سنن قويمة وقد نص التشريع‬
‫المصري على أن المخالفة واجبات الوظيفة بعد من صور الرشوة مدلوال عامل وأوسع من أعمال الوظيفة التي تنص عليها‬
‫القوانين و اللوائح و التعليمات بحيث يشمل أمانة الوظيفة ذاتها وعليه فهو يشير إلى أمانة الوظيفة بصفة عامة وليس إلى عمل‬
‫وظيفي محدد في ذاته أو في جنسه هي كذلك واجبات تستلهم من المصلحة العامة التي هي الهدف الوحيد الذي تتجه إليه أعمال‬
‫الوظيفة وتطبيقا لذلك فإن الرشوة تقوم و يشدد عقابها إذا ما تقاضى الموظف المقابل هذا دون أن تنتفي عن العمل الوظيفي‬
‫صفة التحديد التي سبق التطرق إليها و التي تطلبها فكرة الرشوة([‪])39‬‬
‫وكذلك في صورة يكون العمل متطابقا ومع تلك المقتضيات للوظيفة أو غير متطابق‪ ،‬ويرتكب الرشوة إذا تلقى المقابل كي يقوم‬
‫بعمل يلزمه به القانون كما يرتكب الرشوة إذا تلقى المقابل كي يمتنع عن عمل يلزمه القانون باالمتناع عنه‪ ،‬فرجل الشرطة‬
‫يرتكب الرشوة إذا طلب ماال كي يمتنع عن تحرير محضر سواء أكان ثمة موجب أم ال ([‪])40‬‬
‫و المالحظة التي يكمن إضافتها هنا هي الفرق بين عدم االختصاص وعدم مطابقة العمل للقانون ‪ ،‬فالموظف قد يكون مختصا‬
‫لكن عمل في حدود اختصاصه غير مطابق للقانون كالقاضي الذي أدان برئ أو برء شخصا ال يستحق ذلك و أهمية هذه التفرقة‬
‫أن خروج العمل من اختصاص الموظف ينفي أحد أركان الرشوة في حين كونه غير مطابق للقانون ال يفقد الرشوة شيء من‬
‫أركانها([‪]).41‬‬
‫ومنها فغرض الرشوة على درجة من األهمية ألنه يعتبر عنصرا أساسيا لتقرير وقوعها أو عدم وقوعها فمتى ثبت أن أداء‬
‫الموظف للعمل أو امتناعه عنه كان نتيجة فائدة حصل عليها فإنه مرتكبا لجريمة الرشوة ([‪]).42‬‬
‫وقد حددت المادة ‪ 126‬من قانون العقوبات الجزائري في الفقرات ‪ ، 4-3-2‬نوع العمل الذي يعتبر عرض للرشوة ويتمثل في‪:‬‬
‫*إبداء رأي لمصلحة شخص أو ضده‬
‫*اتخاذ قرار لصالح أحد األطراف أو ضده‬
‫*التقرير كذبا بوجود أو إخفاء وجود مرض أو عاهة أو حمل أو إعطاء بيانات كاذبة عن مصدر مرض أو عاهة عن سبب‬
‫الوفاة‬
‫و نجد هذا التحديد ل نوع العمل قد أتت به المادة على سبيل المثال ال الحصر‪ ،‬فيجب أخذه بالمدلول الواسع حتى تشمل أي عمل‬
‫يقوم به الموظف مقابل فائدة غير مستحقة له([‪])43‬‬
‫الركن الثالث ‪ :‬الركن المعنوي‪:‬‬
‫الرشوة جريمة عمدية أو قصدية يتطلب قيامها توفر القصد الجنائي لدى المرتشي أو ما يطلق عليه الفقهاء أحيانا بالنية الجرمية‬
‫في الجريمة أو ركن الخطأ القصدي ونظرا لكون جريمة الرشوة واحد فإن قصد الراشي والرائش يتجه إلى االشتراك في‬
‫الجريمة فحسب‪ .‬وأيا كانت التسمية للقصد الجنائي فإنه يستبعد نهائيا قيام الرشوة غير القصدية أو الرشوة عن طرق الخطأ أو‬
‫اإلهمال ([‪]).44‬‬
‫والقصد الجنائي هو انصراف إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة مع العلم بأركانها كما يتطلبها القانون فهو إذن بيت القصيد‬
‫للمسؤولية الجنائية في هذه الجرائم و يتكون القصد من عناصر تتمثل في العلم و اإلرادة‪.‬‬
‫ويتجسد القصد الجنائي في جريمة الرشوة و يتحقق بتوفر هذين العنصرين و هما أوال إرادة تحقيق السلوك المادي الذي يتمثل‬
‫في طلب الموظف أو قبول أو أخذه العطية أو الوعد بها نظير أداء عمل من أعمال الوظيفة و ثانيا علم الموظف بكافة العناصر‬
‫الواقعية (أركان الجريمة) التي يشملها النموذج القانوني للجريمة حسب ما تستخلص من نص التجريم ([‪]).45‬‬
‫وعلم الجاني بتوفر أركان الجريمة كما يتطلبها القانون معناه إدراك األمور على نحو صحيح مطابق للواقع حيث يتعين أن يعلم‬
‫الجاني بأن أركان الواقع اإلجرامية متوفرة وأن القانون يعاقب عليها و لذلك فإن القصد الجنائي ينتفي إذا تخلف عنصر العلم‬
‫وم ما تقدم فالجانب في جريمة الرشوة عليه أن يعلم بتوافر أركان الجريمة جميعا فيجب أن يعلم الموظف المرتشي بالعناصر‬
‫الواقعية أو المادية التي تمنحه في الحقيقة صفة الموظف العام‪ ،‬وبالتالي فالشخص الذي لم يعلم بعد بصدور قرار تعيينه في‬
‫الوظيفة العامة وكذلك الموظف الذي يعتقد بأنه عزل من منصبه بقرار مزور‪.‬‬
‫يعتبر جاهال بعنصر واقعي يتطلب نص تجريم الرشوة لقيام قصده الجنائي فان طلب مثل هذا الشخص أو قبل أو حصل على‬
‫فائدة ما نظير وعد بأداء ما لصاحب مصلحة ال يعد مرتشيا وإن كان من الجائز اعتباره مرتكبا لجريمة االحتيال فيما لو توفرت‬
‫شروطها‪.‬‬
‫وباإلضافة إلى العلم بالعناصر الواقعية المكونة لصفة الموظف العام فال بد من توفر علم هذا األخير بأن ما يطلبه أو يقبله أو‬
‫يأخذه من فائدة أنما ألداء عمل من أعمال وظيفته أو االمتناع عنه أو اإلخالل بواجباته ‪ ،‬فعلم الموظف باالرتباط الغائي بين‬
‫موضوع الرشوة (المقابل) و بين سببها (العمل) ‪ ،‬ضروري لقيام قصده الجنائي و إال تخلفت نيته اإلجرامية و انتفى قيام‬
‫الجريمة قانونا في حقه‪.‬‬
‫و أمثلة انتفاء العلم بهذه الصلة الغائية متعددة ‪ :‬فالموظف الذي يقبل هدية لنفسه أو لغيره ضنا منه أنها مرسلة إليه من أحد‬
‫أقربائه أو أصدقائه ثم يكتشف فيما بعد أن مرسلها ليس إال أحد أصحاب المصلحة في أمر يخص عمله الوظيفي ال يمكن اعتباره‬
‫مرتشيا النتفاء ركن العلم لديه حتى و لو لم يقم برد الهدية الن الرشوة كما سوف نرى أنها من الجرائم الوقتية التي يتم فيها‬
‫تقدير قيان القصد الجنائي لحظة تحقيق السلوك المادي و هو ما يعرف بمعاصرة القصد لماديات الجريمة ([‪]) .46‬‬
‫كما ال قيام للقصد الجنائي النتفاء ركن العلم إذا كان ما تلقاه الموظف من فائدة يعد تنفيذا لعالقة تعاقدية بين الموظف وصاحب‬
‫الحاجة كالموظف الذي يحصل أول كل شهر على قيمة إيجار شقة أو محل من أحد أصحاب المصلحة الوظيفة‪.‬‬
‫ومع ذلك يجب مراعاة أن ما يحصل عليه الموظف من صاحب المصلحة بمقتضى عالقة قانونية متينة الصلة بالوظيفة قد يخفي‬
‫في طياته رشوة مقنعة كما لو إبتاع الموظف من صاحب المصلحة مالبس أو أية أشياء أخرى بثمن هزلي أو يستأجر لديه منزال‬
‫بقيمة إيجارية بخسة أو األمر متروك في كافة األحوال لتقدير قضاة الموضوع الستخالص قيام القصد الجنائي وإستجالء ركن‬
‫العلم لدى الموظف حسب ما يتضح من الظروف و المالبسات([‪ )]47‬إال أن هذا يكفي لتوافر القصد الجنائي الكتفاء بالعلم‬
‫بتوفر أركان الجريمة كما يتطلبه القانون و إن ما يجب أن تتجه إرادة الجاني إلى إرتكاب الجريمة فإذا إنتفت هذه اإلرادة‬
‫إنعدمت المسؤولية الجنائية وهذا اإلنعدام سواء في الجرائم العمدية أم الجرائم الغير العمدية‪ ,‬فيجب إذا أن تتجه إرادة الموظف‬
‫إلى الطلب أو القبول وفقا للمعنى الذي سبق تحديده وعليه ال تقوم جريمة الرشوة إال إذا علم الموظف بأركانه وتظاهر أنه‬
‫يريدها لاليقاع بالراشي بناء على ترتيب من جانب السلطات العامة أو من تلقاء نفسه وتطبيقا لذلك ال تتوفر اإلرادة و تنتفي تبعا‬
‫لذلك القصد الجنائي لدى الموظف في حين هذا ال يمنع من مسائلة صاحب الحاجة عن جريمة عرض الرشوة([‪]) .48‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك نجد أن القصد بعناصره السابقة جميعا يجب أن يكون قائما وقت الطلب و األخذ أو القبول مثال كأن يكون‬
‫الموظف الطالب يستهدف عرضا بريئا فإذا بمن أجابه إلى طلب طلبه يطمع في مأرب من وراء وظيفته أو كان الموظف القابل‬
‫أو االخذ واضعا موضع االعتبار غرضا بريئا فإذا بالغرض الحقيقي للعارض أو المعطي يتكشف بعد إذن عدم البراءة فيه فإن‬
‫الرشوة ال تعتبر متحققة مدام القصد الجنائي فيها و هو العلم باستهداف العمل الوظيفي غير متوفر عند الموظف قبل تمام الركن‬
‫المادي للجريمة أي قبل أن يصبح الطلب أو القبول أو االخذ أمرا واقعا و مع التسليم جدال بان ثمة إلتزام برد العطية ينشأ بعد‬
‫اكتشاف الغرض الغير بريء منها و أن ثمة مراعاة الواجب الوظيفي ينشأ في ذمة الموظف رغم أنه استهلك العطية قبل‬
‫اكتشاف ذلك الغرض فإن عدم الوفاء بهذا االلتزام ليس هو الذي يحقق جريمة الرشوة ألنه ليس الركن المادي المكون لها حسب‬
‫نموذجها في قاعدة تجريمها فجريمة الرشوة من اإلجرام الوقتية كما سبق الذكر([‪ )]49‬ويثار التساؤل في الفقه حول ما إذا كان‬
‫القصد الجنائي في جريمة الرشوة يتمثل في مجرد القصد العام لدى الموظف أم ال بد من ضرورة توفر القصد الخاص‪.‬‬
‫ويرى معظم الفقه قيام القصد الجنائي لدى الموظف وبالتائي توفر جريمة الرشوة قانونا استنادا إلى محض القصد العام ال‬
‫الخاص فالموظف يرتكب الجريمة كما هي واردة في النموذج القانوني بمجرد طلبه أو قبوله أو أخذه فائدة غير مستحقة ولو لم‬
‫تتوافر لديه نية االتجار بالوظيفة بينما نرى جانب فقهي آخر إن القصد الجنائي في جريمة الرشوة يتطلب باإلضافة للقصد العام‬
‫قصدا خاصا مضمونة اتجاه نية الموظف االتجار بأعمال الوظيفة أو إستغاللها فالقانون وفقا لهذا الرأي ال يعاقب على مجرد‬
‫تلقي الفائدة لذاته وإنما بإعتباره للعمل الوظيفي([‪]) .50‬‬
‫وبالتالي يخلص هذ ا الرأى إلى أنه إذا كانت نية الموظف متجهة حين أو وقت تلقي الفائدة إلى القيام بعمل أو االمتناع عن العمل‬
‫الذي يدخل في دائرة إختصاصه أو يعتقد خطأ بدخوله والذي طلب منه كمقابل للفائدة تحققت لديه نية االتجار أما إذا كانت نية‬
‫الموظف متجهة حين تلتقي الفائدة إلى عدم تنفيذ ما طلبه منه عمل وظيفي كمتقابل الفائدة فال تقوم عنه نية اإلتجار‪.‬‬
‫فجريمة الرشوة إذا من جرائم القصد الخاص التي يتطلب القانون بشأنها إلى جوار القصد العام نية اإلتجار بأعمال الوظيفة أو‬
‫نية إستغاللها ويترتب على ذلك عدم قيام الجريمة قانونا إذا تظاهر الموظف بقبول الرشوة المقدمة إليه للعبث بأعمال وظيفته‬
‫بتمكين السلطات من القبض على الراشي إلنتقاء نية اإلتجار ونية اإلستغالل عنده و غنتفاء القصد الجنائي وبالتالي والحق فيما‬
‫يبدوا أن الرشوة من جرائم القصد الخاص أما القصد العام فال يكفي وحده اقيام القصد الجنائي لدى الموظف المرتشي إذ هو‬
‫يتمثل فحسب في مجرد توجيه إرادة الفاعل نحو إرتكاب السلوك المادي مع علمه بالنتيجة المترتبة على هذا السلوك فالقصد‬
‫العام على هذا النحو ال يكفي إلنعقاد جريمة الرشوة فال يعتبر مرتشيا الموظف الذي يطلب أو يقبل أو يأخذ فائدة ما متى كانت‬
‫هذه ال فائدة متينة الصلة بعمله الوظيفي أي متى إنتفت لديه نية اإلتجار بأن كان ال ينوي القيام بالعمل مقابل الرشوة([‪])51‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬في إجرام الرائش و الراشي‪:‬‬
‫تناولنا في الجزء السالف الجريمة السلبية بمعنى إجرام الموظف المرتشي باعتبار إجرامه هو الجرم الحقيقي في الرشوة بمعناها‬
‫الدقيق فالجريمة إنما هي جريمة الموظف بصفة رئيسية باعتبار ما فبها من األعمال الوظيفية أما الراشي والرائش فقد يساهم‬
‫كل منهما في وقوع الرشوة باعتبارهما شركاء فيها فالرشوة اإليجابية هي التي تقع من صاحب الحاجة سواء في صورة إستجابة‬
‫لطلبات الموظف أو في صورة التجائه إلى التعدي و التهديد و الوعد أو العطايا أو الهبات و غيرها‪.‬‬

‫الركن األول‪ :‬الصفة المفترضة‪:‬‬


‫ال يشترط القانون في الراشي أن يكون ذا صفة خاصة كما هو الحال عليه بالنسبة للمرتشي‪ ،‬فهو أي إنسان يريد منفعة ما من‬
‫الموظف ويسعى جاهدا لذلك الغرض بطرق غير مشروعة (الرشوة ) فقد يكون موظفا وقد يكون فردا عاديا وال يشترط أن‬
‫يكون الراشي هو صاحب المصلحة بل يمكن أن تكون زوجته أو إبنه أو حتى شخص آخر‪ ،‬ومنه فالفاعل في هذه الجريمة هو‬
‫مقدم الرشوة وهي تتحقق رغم عدد تحقق آخر‪ ،‬ومنه فالفاعل في هذه الجريمة هو مقدم الرشوة وهي تتحقق رغم عدد تحقق‬
‫الوقائع المادية للرشوة السلبية([‪]).52‬‬

‫والشيء المالحظ هو أنه في التشريعات التي تأخذ بنظام وحداوية الرشوة التي ترا في الراشي بأنه مجرد فاعل آخر والزم‬
‫وضروري لقيام الرشوة كجريمة فاعل متعدد وعلى هذا األساس فإن الراشي ال يصبح فاعال اخر في جريمة الرشوة إال إذا‬
‫تحققت الوقائع المادية للرشوة اصال من جانب الموظف العام وساهم الراشي فيها بفعل مادي وتوفر لديه القصد الجنائي([‪)]53‬‬
‫هذه الحالة و حالة أخرى ال تقوم فيها الجريمة من جانب الموظف وإنما من جانب صاحب الحاجة في صورة عرضه الرشوة‬
‫على الموظف ولم يست جب له وهي تعرف بجريم العرض الحائب للرشوة ولقد إعتبر المشرع الجزائري الرشوة اإليجابية‬
‫جريمة خاصة ومستقلة عن جريمة الموظف‪.‬‬

‫أما الرائش والذي كما قلنا الشخص الذي يتوسط المرتشي والرائش الذي أصبح دوره في الحياة العملية خطرا جدا لما له من‬
‫تأثير مباشر على عقد صفقات الرشوة وتقريب وجهات النظر بين الجنات كما وقد يتخذه الموظف العام ستارا له يتعامل باسمه‬
‫ولحسابه مع الراشين وعليه وطبقا للمبادئ العامة واإلجتهادات الفقهية يعتبر الوسيط شريكا لمن تعامل معه فهو شريك للمرتشي‬
‫إذا تعامل معه وشريك للراشي إذا إقتصر تعامله معه‪ .‬فالرائش أو الوسيط هو كذلك ال يشترط فيه أي صفة خاصة فهو واحد‬
‫من الناس يقوم بالتوسيط بين الموظف وصاحب الحاجة أو يعمل لحساب أحدهما إال أنه أو القيام بفعل معنوي كتقريب وجهات‬
‫اللبناني‪])54[(.‬‬ ‫النظر بينهما والقانون اللبناني نجد أنه المتدخل فيه يخضع للقواعد العامة حسب المادة ‪ 226‬من القانون‬

Vous aimerez peut-être aussi