Académique Documents
Professionnel Documents
Culture Documents
فعلم
«إذا أردت أن تؤسس لعام فازرع القمح ،وإذا أردت أن تؤسس لجيل فشجر األرض وإذا أردت أن تؤسس للعمر كله ِّ
الناس»
الحكيم الصيني كوتفوشيوس
الخطـة
مـقدمـة
الفصل األول :جريمة الرشوة
تمهيـد
المبحـث األول :البنيان القانوني لجريمة الرشوة
**المطلـب األول :الطبيعة القانونية لجريمة الرشوة
**المطلـب الثاني :الحكمة من تجريم الرشوة
**المطلـب الثالث :صلة جريمة الرشوة بجريمة استغالل النفوذ
المبحـث الثاني :أركان جريمة الرشوة
**المطلب األول :إجرام المرتشي
**المطلب الثاني :إجرام الراشي و الرائش
الفصـل الثاني :عقوبـة جريمـة الرشـوة و صـورها الخاصة
تمهيـد
المبحـث األول :عقوبة جريمة الرشوة
**المطلب األول :العقوبة البسيطة لجريمة الرشوة
**المطلب الثاني :العقوبة المشددة لجريمة الرشوة
**المطلب الثالث :اإلعفاء من العقاب في جريمة الرشوة
المبحـث الثاني :الصور الخاصة لجريمة الرشوة
**المطلـب األول :جريمة الراشي باعتباره فاعال آخر في جريمة الرشوة
**المطلـب الثاني :جريمة العرض الخائب للرشوة.
الخـاتمـة
المـقـدمـة:
إن تحقيق العدالة الكاملة في الواقع ليس أمرا سهال كما يبدو لنا في أول وهلة أو كما يتصوره عامة الناس ،وأنما تحقيقها أمرا
صعبا جدا ألنه مرهون بأمور أخرى تتعلق بطبيعة الفرد و فطرته ،فاإلنسان كما هو معروف مفطور على حب ذاته وحب من
هم أقرب الناس اله و هو مزود بدوافع غريزية تتميز بالعنف و الظلم و السيطرة وحب التسلط والتملك والظهور ،وأنه مزود
أيضا بالعقل الذي هو نور يهديه في هذه الحياة كما أنه ليس لع جناحان و لكنه يطير و ال يحسن السباحة و لكنه يسافر فوق و
تحت البحار ،ليست له مخالب و لكنه يحفر الحفر في قشرة األرض الصلبة ،ليست له أنياب ،يستطيع أن يقتل كل مخلوق حي
لكن إذا كان يستطيع أن يقتل كل مخلوق حي فانه قادر بدون شك ،أن يقتل أفراد جنسه و يضر حتى بالمصالح العليا ألمته و هذا
هو الهالك بعينه ،وبالتالي يكون كل إنسان عرضة ألخطار و متاعب تصادفه في الحياة من مرض أو اعتزال منصب فال بد من
توفير جزء من المال ندخره لوقت الحاجة ،ونحفظ به أنفسنا من الدين و المذلة فكثير من فضائل عمادها المال فالكرم و األمانة
واإلحسان واالقتصاد والطمع و الغش والنصب واالرتشاء و اإلسراف كلها تتصل بحالة اإلنسان المالية ،بل هناك فضائل و
رذائل تنتج عن م ال عن طريق غير مشروع فكثير ما يضطر المدين إلى الكذب وتحمله ديونه على تلقيف االعتذار لدائنه
ليماطله ،و كثيرا ما يكون الفقر سبب اإلجرام و عدوا للحرية وأيضا دور انخفاض المستوى االقتصادي و ضعف األجور و
المرتبات كانت هي السبب في انتشار عدة جرائم كاالختالس وخيانة األمانة و الرشوة ،و مما ال شك فيه أن حسن سير اإلدارة
الحاكمة ونزهاتها من المهام األساسية التي يجب أن تقوم بها الدولة و في سبيل الوصول إلى هذا الهدف تختار الدولة من بين
أفرادها موظفين يتولون القيام بهذه المهمة لقاء أجر يحصلون عليه في صورة مراب أي حينما يؤدي الخدمة أو العمل المنوط
إليه القيام به إنما يكون بناء على اتفاق بينه و بين الدولة و هو في أدائه لهذا الواجب إنما يلتزم الحدود التي ينظمها االتفاق و
يصفه خاصة عدم حصوله أو طلبه أي مقابل إضافي من صاحب المصلحة أو الحاجة متى لجأ إليه لقضاء حاجاته أو مصلحته
و تعد محاولة الموظف استغالل وظيفته و الحصول من صاحب الحاجة على مقابل لقضاء حاجته عمال يصيب اإلدارة الحاكمة
في الصميم إذ يعرقل سيرها و يشكك في نزاهتها و يجعل الحصول على الخدمة أو المصلحة قاصرا على القادرين من المجتمع
دون غيرهم و يترتب على كل ذلك إفساد العالقة بين الدولة و أفرادها و الحط من هيبة موظفيها واحترامهم باإلضافة إلى أن
الموظف يسلك هذا السبيل و يثرى على حساب غيره دون سبب مشروع ،لهذه األسباب جميعها قررت تشريعات الدول المختلفة
عقاب الموظف العام الذي يتاجر في أعمال وظيفته و يهبط بها إلى مستوى السلع بأن يطلب أو يقبل أو يحصل من صاحب
الحاجة على مقابل ألجل قضاء حاجته ،و تعرف هذه الصور من الفعال المعاقب عليها كما سبق ذكرها بجريمة الرشوة ،فهي
تعد من بين الجرائم االقتصادية و من أخطر الجرائم الواقعة على الوظيفة و اإلدارة العامة ،و المضرة بالمصلحة العامة و التي
تم س أمن الدولة الخارجي و الداخلي ،ما حقيقتها ،ما تكييفها ،ما طبيعتها ،شروط قيامها ،صورها ،وسائل القضاء عليها أو
باألحرى التخفيف من وجودها ،ز مل دور المشرع الجزائري أمام هذه الجريمة كلها اتجاهات تناولها و نحن بصدد دراستها في
هذه المذكرة.
·الراشي :هو صاحب المصلحة الذي يقدم المنفعة أو يعد بها أو يقبل طلب الموظف بذلك نظير أداء عمل من أعمال
الوظيفة أو االمتناع عنه أو اإلخالل بأحد واجباتها ويالحظ مع ذلك أن هناك صورا خاصة للرشوة ال يكون الفاعل موظفا
عاما بل فردا من عامة الناس.
إذ يجرم المشرع عرض الرشوة من جانب صاحب المصلحة ولو لم يصادف العرض قبوال من الموظف ويعاقب المشرع على
جريمة عرض الرشوة باعتبارها جريمة مستقلة.
ج .الركن المادي في جريمة الرشوة ذو طبيعة خاصة فألنها جريمة فاعل متعدد لزم البحث عن مظاهر هذا الركن في سلوك
كل من الفاعلين لذلك حق تصوير العالقة بينهما على أنها اتفاق غير مشروع يتجر بواسطته المرتشي في عمله الوظيفي فمن
ناحية المرتشي لم يشأ المشرع أن يحصر سلوكه في تعريف محدد إذ يتمثل في قيام الموظف أو من في حكمه بأداء عمل أو
االمتناع عن عمل من أعمال وظيفته وقد يؤخذ بصفة عامة ضرورة اإلخالل بواجبات هذه الوظيفة لذلك تقنع محكمة النقض
بقيام جريمة الرشوة قانونا– باالتفاق الذي يتم بين الراشي والمرتشي وال يتبقى بعد ذلك إال إقامة الدليل على هذا االتفاق وتنفيذ
مقتضاه بتسليم المبلغ والمشرع الجزائري لم يرد أي تعريف للرشوة و إنما اكتفى بتحديد عناصر هذه الجريمة واآلثار المترتبة
عنها وذلك في المواد 26إلى 130من قانون العقوبات الجزائري فقد حشر المشرع الجزائري جريمتي الرشوة واستغالل
النفوذ تحت عنوان واحد الرشوة واستغالل النفوذ وذلك لما لهاتي الجريمتين من أوصاف مشتركة فهي وإن كانت وحدتهما في
الركتيت المادي والمعنوي إال أنهما يختلفان في صفة الجاني من جهة و في نوع العمل المطلوب أداؤه من جهة أخرى وفي هذا
ال بحث نركز على الرشوة باعتبارها جريمة مستقلة عن جريمة استغالل النفوذ الذي اعتبرها المشرع في حكم جريمة الرشوة
ومنه إن كان للفقه دور في تعريف الرشوة فكيف كان دور التشريع في تكييفها على أنها جريمة واحدة خاصة بالموظف وحده أم
هي جريمتين مستقلتين بمعنى جريمة الموظف لوحدها وجريمة صاحب الحاجة لوحدها.
التكييف القانوني للرشـوة
لم تتفق التشريعات كما لم تتخذ كلمة الفقه على تكييف واحد لجريمة الرشوة بل انقسما إلى مذهبين متنافرين األول يخضع
الرشوة في تجريمها لنظام وحدة الرشوة والثاني يخضعها لنظام ثنائية الرشوة و كال المذهبين له مبرراته فضال عن اعتناق
أحدهما يرتب نتائج قانونية مغايرة عن األخر.
أ .نظام وحدة الرشوة :وفقا لهذا المذهب الذي تأخذ به بعض التشريعات الجنائية تعتبر الرشوة جريمة واحدة فاعلها األصلي هو
الموظف المرتشي أما صاحب الحاجة (الراشي) فليس إال شريكا في هذه الجريمة األصلية ،و تقوم هذه النظرية على أن جوهر
الرشوة إنما يتمثل في االتجار بأعمال الوظيفة والمساس بنزاهتها وهو ما ال يتصور وقوعه إال من جانب الموظف الذي
وضعت فيه السلطة العامة ثقتها .فالمرتشي إذن هو المعول عليه في مشروع الرشوة فهو أكثر إجراما من الراشي ألنه يخل
بواجبات األمانة التي تلقيها الوظيفة على عاتقه وهي واجبات ال تقيد الراشي في شيء ومؤدى مذهب وحده جريمة الرشوة إذن
هو اعتبار الموظف الفاعل الوحيد لها أما غير الموظف سواء كان راشيا أو وسيطا بين الراشي و المرتشي أي الرائش إذ يعتبر
شريكا إذا توافرت بالنسبة لع جميع شروط االشتراك و في ظل عدا المذهب ينعدم التمييز و التفرقة بين كل من الرشوة السلبية
بحيث ال توجد عندئذ سوى رشوة واحدة هي التي يرتكبها الموظف العام.
ويأخذ بهذا النظام القانون الدانمركي والبولوني وااليطالي وكذلك القانون المصري واللبناني في مادته 355من قانون العقوبات
اللبناني وبالرغم من كون نظام وحدة الرشوة يتفق والمنطق القانوني في الميدان العملي تواجهه صعوبتان تتجسد فيما يلي:
أ) الصعوبة األولى :حين يطلب الموظف العام المقابل فال يستجاب له من قبل صاحب الحاجة أو ما يسمى بحالة الطلب الهائب
للرشوة من جانب الموظف العام بمعنى الطلب الذي ال يصادف قبوال من جانب صاحب الحاجة وعليه فعقاب هذا الموظف يقف
عند حد الشروع.
ب) الصعوبة الثانية :تكمن في حالة عرض الراشي المقابل فيلخصه المرتشي وهنا ال يعاقب صاحب الحاجة ألن العبرة
بالموظف فهو الفاعل األصلي وهنا لم تقع الجريمة ألنه رخصها وهاتان الحالتان ال يعرفهما نظام الرشوة نظرا الستقالل
جريمة المرتشي عن جريمة الراشي.
واحتياطا للمجال العملي قامت بعض التشريعات بتخطي هاتين الحالتين بالنص على أنه بمجرد طلب الرشوة يعد جريمة تامة
رغم عدم استجابة صاحب الحاجة الذي يقدم على عرض رشوته ويرخصها الموظف العام وهو ما يتبع حاليا في التشريع
المصري و اللبناني.
إال أن األخذ بنظرية وحدة الرشوة يرتب نتائج قانونية هامة تؤدي و ال شك إال إمكانية إفالت الراشي والمرتشي أحيانا من
العقاب و يمكن حصرها فيما يلي:
1.بصفة عامة :يتوقف تقرير المسؤولية الجنائية للراشي وإمكانية عقابه على مصير الدعوة الجنائية المرفوعة في مواجهة
المرتشي وبالتالي انقضاء تلك الدعوة بالتقادم أو العفو أو الوفاة يحول ذلك دون مساءلة الراشي .كما أن انتفاء قيام جريمة
المرتشي قانونا النعدام قصده الجنائي أو ألي سبب آخر يمتنع معاقبة الراشي ،وتلك أمثلة ألعمال نتائج نظرية استعارة الجريمة
التي تقتضيها قواعد االشتراك الجنائي.
فاعتبار الراشي مجرد شريك للموظف المرتشي (الفاعل األصلي للجريمة) يخضع للقاعدة المعروفة في مجال المساهمة الجنائية
و هي الشريك يستعير إجرامه من الفاعل األصلي.
يترتب على ذلك أن صاحب الحاجة الذي يعرض الرشوة فيرفضها هذا األخير ال يخضع للمساءلة الجنائية حيث يقتصر في هذا
الغرض على مجرد الشروع في االشتراك غير معاقب عليه في القانون الجنائي.
2.و يؤدي مذهب وحدة الرشوة إلى وقوف مساءلة الموظف الذي يطلب رشوة فيرفض صاحب الحاجة طلبه عند حد الشروع
فال يكون مرتكبا لجريمة تامة.
3.ويبدو من المشكوك فيه أخيرا إمكانية معاقبة شركاء صاحب الحاجة (الراشي) في ظل مذهب وحدة الرشوة وفقا للقواعد
العامة في المساهمة الجنائية فان االشتراك في االشتراك غير معاقب عليه.
وهكذا يؤدي مذهب وحدة الرشوة إلى خروج فرضين يغلب وقوعهما في العمل من دائرة العقاب إذ تعرض الرشوة من صاحب
الحاجة حين يرفضه الموظف وطلب الرشوة من الموظف حين ال يستجيب إليه صاحب الحاجة فال يعد جريمة تامة ،يضاف إلى
ذلك ما وجه من انتقاد لألساس النظري لهذا المذهب فمن الصعوبة في مجال نظرية االشتراك اعتبار الراشي مجرد شريك في
جريمة الرشوة ذلك أن الشريك ما هو في الحقيقة إال مساعد في الجريمة ،يسهلها وال ينشئها بمعنى أنه ال يساهم في ارتكابها
بطريقة أصلية ومباشرة وفي الرشوة على العكس من ذلك يقوم المرتشي والراشي سويا بدورين رئيسيين في تنفيذها فكالهما
يقومان على قدم المساواة مع اآلخر في إتيان األفعال المكونة للرشوة التي ال تتم بدون تدخل من جانب الراشي وما دام األمر
كذلك فال يمكن تصور وجود جريمة رشوة بدون تدخل الراشي .وتحت وطأة هذه االنتقادات ومن أجل تفادي النتائج السابقة التي
تؤدي إليها مبدأ الوحدة يستمد مذهب ثنائية الرشوة مبرر وجوده.
ب .نظام ثنائية الرشوة :المذهب الثاني في تكييفه للرشوة ينظر إليها باعتبارها جريمتين مستقلتين:
رشوة سلبية ورشوة ايجابية.
· الرشوة السلبية :تلك التي تقع من جانب الموظف العام بطلب أو قبوله للوعد أو عن طريق األخذ و ذلك ألداء عمل من
أعمال وظيفته أو االمتناع عن أداءه.
· الرشوة االيجابية :و هي تلك التي تقع من جانب صاحب الحاجة بإعطائه المقابل للموظف العام أو عرضه عليه أو وعده
به
وتستقل كل من الجريمتين عن األخرى في المسؤولية و العقاب بمعنى أنه يمكن أن تتوافر أركان أحداهما دون أركان األخرى،
ألن الراشي ال يعد مساهما في عمل المرتشي بل فاعال لعمل مستقل عن عمله وتسري بالتالي على كل جريمة مستقلة عن
األخرى قواعد االشتراك والشروع ،ويطلق على هذا المذهب مذهب ثنائية الرشوة ألنه ينظر إليها باعتبار أنها تشكل جريمتين
مستقلتين في المسؤولية والعقاب بحيث تقع األولى من طرف الموظف العام ويطلق عليها كلمة “االرتشاء” أو “االسترشاء” وتقع
الثانية من صاحب الحاجة ويطلق عليها “االرشاء” وعلى هذا المذهب يسير القانون األلماني والروسي والعراقي والسوداني و
الفرنسي.
تظهر أهمية األخذ بهذا المذهب أو ذاك في حالة العرض الخائب للرشوة على الموظف من جانب صاحب الحاجة ،فال جريمة
في هذا العرض من جانب صاحب الحاجة على مذهب وحدة الرشوة والذي يعتبرها “جريمة الموظف العام” وبالتالي فإن
عرضها من صاحب الحاجة أو وسيطه ال يشكل بدء في تنفيذ ألن البدء في التنفيذ المشكل للركن المادي في الشروع في الرشوة
ال يقع إال من الموظف باعتبارها جريمة تامة مستقلة بذاتها أي جريمة الرشوة االيجابية ،هذا الخالف حول نتائج تكييف الرشوة
يزول بطبيعة الحال إذا تدخل المشرع لتجريم عرض الرشوة وهو ما فعله المشرع المصري واللبناني بالمادة 355من قانون
العقوبات
جريمة الرشوة إذن جريمة واحدة ركنها األساسي هو الموظف العام (المرتشي) فهي في األصل جريمته وهي جريمة فاعل
متعدد يعتبر صاحب الحاجة (الراشي) عنصرا ضروريا لتحقيقها.
وقد اعتمد المشرع الجزائري نظام ثنائية الرشوة وذلك في المادتين 127 – 126من قانون العقوبات الجزائري بالنسبة
لجريمة الموظف المرتشي أي الجريمة السلبية وفي المادة 129من قانون العقوبات الجزائري جريمة صاحب الحاجة أي
الرشوة االيجابية
المطلب الثاني :الحكمة من تجريم الرشوة:
إن المصلحة القانونية المهدورة بارتكاب جريمة الرشوة هي حسن أداء الوظيفة العامة وبالتالي ضمان نزاهتها ،واالتجار في
أعمال الوظيفة العامة يهبط بها إلى مستوى السلع و يجردها من سموها باعتبارها خدمات تؤديها الدولة ألفراد الشعب ،والنتائج
المترتبة على ذلك وخيمة العواقب بالنسبة للفرد و بالنسبة للمجتمع على حد سواء:
–الرشوة خرق لمبدأ المساواة بين األفراد المتساوين في المركز القانوني حيث تؤدي خدمات مرافق الدولة إلى من يدفع المقابل
للموظف العام وتحجب هذه الخدمات أو تعطل عن األفراد غير القادرين أو العازفين عن أداء ذلك المقابل ،وتفشي مثل تلك
الظاهرة من شأنه أن يهدر ثقة المواطنين األسوياء في نزاهة الجهاز اإلداري للدولة من ناحية وأن يدخل في ذهن المواطنين
غير األسوياء االعتقاد بقدرتهم على شراء ذمة الدولة من خالل موظفيها من ناحية أخرى وذلك من أخطر ما يصيب األداة
الحكومية في دولة من الدول
–الرشوة فوق ذلك مدخل لالنحراف بالوظيفة العامة وفساد موظفيها ،فهي انحراف بالوظيفة العامة من حيث أنها تجعل
األولوية في أداء الخدمات العامة لألفراد أكثرهم ماال و تأثيرا و معرفة بفنون غواية الدولة بينما األصل أن األولوية في أداء
الخدمات العامة ينعقد لألفراد الذين تتوافر فيهم شروط االنتفاع بها.
–الرشوة مدخل لفساد موظفي الدولة ألنها تؤدي إلى إثرائهم دون سبب مشروع ،بينما األصل أنهم ملزمون بأداء الخدمات
للمواطنين دونما مقابل وهكذا يستثري بين الموظفين أنفسهم صنف جديد من صنوف المنافسة القذرة الموظف المرتشي بما
يحصل عليه من دخل يحتذي به من غيره من الموظفين وهنا نكمل الخطورة إذ تصبح الوظيفة العامة سلعة رائجة ،وتلك
مقدمات الفساد التي تصب إلى وظائف الدولة األخرى.
يمكن اعتبار الرشوة إحدى الجرائم التعزيزية في النظام الجنائي اإلسالمي و أدلة تجريمها ثابتة بنصوص القرآن والسنة.
إن الرشوة اعتداء على النزاهة التي ينبغي أن يتحلى بها الموظف العام ألن االتجار بالوظيفة العامة يؤدي إلى التشكيك في
أعمال موظفي الدولة و في نزاهتهم و لذلك أولى المشرع هذه الجريمة الصرامة.
لقد واجه المشرع الجنائي مشكلة الرشوة:
1.من ناحية التجريم :وسع من نطاقها فلم تعد تقتصر على الموظف العام وحده بل امتدت إلى كل األشخاص الذين يقدمون
خدمة عامة بل و حتى األشخاص الذين يقومون بخدمة خاصة.
2.من ناحية العقاب :واجه المشرع هذه الجريمة بالصرامة من حيث العقاب (الحبس من سنتين إلى عشر سنوات).
3.استحدث المشرع جريمة الرشوة االيجابية و هي التي تقع من طرف صاحب الحاجة و ينتج عن ذلك:
أ) إمكانية قيام جريمة صاحب الحاجة دون جريمة الموظف.
ب) سهولة معرفة المركز الجنائي بالوسيط دون وجوب النص على جريمته و الوسيط هو الشخص الذي يتدخل بين الراشي
و المرتشي حيث يرى الشراع أنه رسول أحد الطرفين إلى اآلخر و قد تكون رشوة مشتركة بينهما فجريمته ال يمكن
وجودها منفصلة ومن ثم فال توجد له جريمة مستقلة .وفي هذا الصدد يقول األستاذ أحمد أمين “وقد يتوسط بين الراشي
والمرتشي شخص ثالث وهو الرائش ولم يضع له الشارع الفرنسي حكما خاصا وهو عند الشراع الفرنسيين و المحاكم
الفرنسية شريك لمن كلفه الوساطة” ،وفي التشريع المصري يالحظ أن المشرع المصري قد نص في المادة 108على
عقوبة الوسيط .وهذا ما جعل الشراع يختلفون فيما إن كان المشرع يهدف إلى خلق جريمة خاصة بالوسيط أم ال فذهب
الرأي إلى القول بأنه ليس ثمة ما يبرر القول باتجاه المشرع إلى خلق جريمة خاصة للوسيط ألنه ليس له عمل مستقل في
جريمة الرشوة بل تعتبر جريمته معلقة بمصير جريمة من كلفه الوساطة.
أما الرأي الثاني فقد تزعمه الدكتور علي راشد حيث فرق بين الوسيط من قبل المرتشي و الوسيط من جانب الراشي ويرى أن:
أمر الوسيط من جانب المرتشي يترك لحكم القواعد العامة التي تعتبره شريكا للمرتشي بالمساعدة في اإلعمال المسهلة أو
المتممة الرتكاب الجريمة و يكون إجرامه معلقا على إجرام المرتشي الذي كلفه الوسيط ،سواء في حالة التمام أو االنعدام “أما
الوسيط من قبل الراشي فإن المشرع نظر إليه باعتباره فاعال في جريمة خاصة به هي جريمة الوساطة في الرشوة فإجرامه
مستقل عن إجرام الراشي .إذ لو كان المشرع يعد الوسيط شريكا للراشي لما كان بحاجة إلى النص عليه نصا خاصا ولترك
أمره للقواعد العامة لالشتراك أما في التشريع الجزائري فان المشرع الجزائري لم يتطرق إليه في النصوص التي أفردها
للرشوة و من ثم فان المركز الجنائي للوسيط في الرشوة يخضع للقواعد العامة التي تحكم االشتراك و من ثم فان الوسيط يعتبر
شريكا لمن كلفه الوساطة ،وال يفلت من العقاب سواء تحققت جريمة من كلفه أو لم تتحقق إذ أن المشرع الجزائري اعتبر إجرام
الشريك مستقال عن إجرام الفاعل األصلي ،وعلة التجريم المستقل هي الخطورة اإلجرامية لدى الشريك ،ألنه بأفعاله يسهل
ارتكاب الجريمة و الشريك في التشريع الجزائري هو كل من ساعد بكافة الطرق أو عاون الفاعل على ارتكاب الجريمة.
والمالحظ أن المشرع المصري عندما جرم بنص خاص جريمة الوسيط كان يهدف إلى تالف إفالت الوسيط من العقاب
باعتباره شريكا في حال إذا لم تحقق جريمة من كلفه الوساطة على أساس أنه يستعير الصفة اإلجرامية من الفاعل األصلي أما
التشريع الجزائري فال تثور هذه المشكلة نظرا ألسلوب التجريم الذي اعتمده المشرع الجزائري في مجال االشتراك وهو
استقاللية إجرام الشريك عن إجرام الفاعل األصلي .و يمدنا التطور التاريخي لهذه الجريمة في فرنسا على سبيل المثال ببعض
الدالالت فأركان الجريمة امتدت لتشمل طوائف و أشخاص آخرين لم يكن النص األصلي ليتصرف إليهم و ليست آخر مظاهر
ذلك التطور مشروع قانون مكافحة الرشوة و المعروض حاليا على البرلمان الفرنسي وتهدد نصوص ذلك المشروع إلى تجريم
كافة صور التمويل الخاص من جانب الشركات الخاصة لألحزاب السياسية .وظاهرة الرشوة لم تتطور من ناحية الكم فقط بل
من ناحية الكيف أيضا فالمشاهد في اآلونة األخيرة أن الرشوة لم تعد عمال فرديا يقتصر على الموظف المرتشي بل اتخذت
الجريمة صفات التنظيم يساهم فيها عدد كبير من الموظفين الذين تترابط اختصاصاتهم في العمل ببعض مصالح الجماهير
يرسمون السبيل الذي يسيرون فيه وال يكشف عن أعمالهم وهنا وجه آخر من أوجه الخطورة األمر الذي يقتضي مكافحة
الرشوة ليس فحسب عن طريق تشديد العقوبة ومالحقة كافة من لهم صلة ولو كانت واهية بمحيط الجريمة بل يكون ذلك يربط
تلك الظاهرة بشقي السلوك المؤثم و العقوبة المقررة بظروف الوسط االقتصادي و االجتماعي والحضاري الذي نشأت فيه
الرشوة ،ففي هذا الوسط تكمن األسباب الخبيثة لتفشي تلك الظاهرة والحق أنها في ذلك كاشفة عن آفة مزدوجة و الرشوة من
ناحية “تفضح” بيروقراطية التنظيم اإلداري الذي نمت وترعرعت فيه وهي من ناحية أخرى “تغطي” رقعة القصور الحضري
الذي لم يفلت منه الموظف والمواطن صاحب الخدمة على حد سواء وهو قصور لم يستوعب بالقدر الكاف حتى اليوم فكرة أن
الدولة “ملتزمة” بأن تؤدي للفرد من خالل مرافقها العامة الخدماتية على النحو الواجب و في وقت معقول دونما مقابل غير ما
يدفعه من ضرائب أو رسوم.
وإذا كانت الحكمة من تجريم الرشوة واحدة وهي حماية مقومات حسن أداء الوظيفة العامة وبالتالي نزاهة األداة الحكومية
استدعى ذلك تدخل المشرع فقد بالتجريم و العقاب في دائرة أفعال عديدة دفعها جميعا بوصف الرشوة.
المطلب الثالث :صلة جريمة الرشوة باستغالل النفوذ:
1.تعريف جريمة استغالل النفوذ:
“ يعد مستغال للنفوذ كل من طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أخذ وعدا أو عطية الستعمال نفوذ حقيقي أو مزعوم للحصول أو
لمحاولة الحصول من أية سلطة عامة أو أوامر أو أحكام أو قرارات أو التزام أو ترخيص أو اتفاق توريد أو مقاولة أو على
وظيفة أو خدمة أو أية ميزة من أي نوع يعد في حكم المرتشي يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في المادة 104من هذا القانون
إن كان موظفا عموميا و بالحبس و بغرامة ال تقل عن 800جنيه و يعتبر في حكم السلطة العامة لكل جهة خاضعة إلشرافها”
ونصت المادة 128من قانون العقوبات الجزائري“ :يعد مستغال للنفوذ و يعاقب بالحبس من سنة إلى 5سنوات وبغرامة من
500إلى 5000دج ،كل شخص يطلب أو يقبل عطية أو وعدا أو يطلب أو يتلقى هبة أو هدية أو أية منافع أخرى و ذلك
ليتحصل على أنواط أو سمة أو ميزات أو مكافآت أو مراكز أو وظائف أو خدمات أو أية مزايا أخرى تمنحها السلطة العمومية
أو مع مشروعات استغاللية موضوعة تحت إشراف السلطة أو يحاول الحصول على أي من ذلك أو يستصدر بصفة عامة
قرارا من مثل هذه السلطة أو تلك اإلدارة أو يحاول استصداره و يستغل بذلك نفوذا حقيقيا أو مفترضا فإذا كان الجاني قاضيا أو
موظفا عموميا أو ذا وكالة نيابية تضاعف العقوبات المقررة …”
من نص هذه المادة نالحظ أن فاعل هذه الجريمة غير مختص بالعمل المطلوب و ال يزعم انه من اختصاصه و إنما يستعمل
نفوذه الحقيقي لتحقيق الغرض المطلوب و لذلك يعاقبه القانون.
2.شروط قيام جريمة استغالل النفوذ:
وحتى نطبق نص المادة 128من قانون العقوبات الجزائري يجب التأكد من توافر الشروط الثالثة التالية:
·الشرط األول :أن يطلب الفاعل لنفسه أو لغيره أو يقبل عطية أو وعدا أو يتلقى هدية فالجريمة تتم عند طلب الوعد أو العطية
فالمشرع اعتبر العطية إذا أخذها الجاني أو اتفق عليها أو حتى لو طلبها تعتبر جريمة تامة لما لها من خطورة إجرامية.
· الشرط الثاني :أن يستغل الفاعل نفوذا حقيقيا أو مزعوما أو مفترضا مقابل تذرعه بالطلب أو األخذ أو القبول فإذا كان النفوذ
المزعو م حقيقيا فالجاني يكون قد أساء استعمال النفوذ الذي تكسبه إياه وظيفته أما إذا كان النفوذ مفترضا وغير حقيقي (مزعوم)
فهنا الجاني يجمع بين األضرار بالثقة الواجبة في الجهات و المصالح الحكومية و بين الغش.
·الشرط الثالث :و يجب أن يكون هذا القبول أو األخذ أو الطلب بقصد الحصول على شيء مثل األوسمة والمكافآت و المنافع و
الصفقات… الخ .و من السلطة العمومية ومشاريعها ومن اإلدارات العامة مما ورد ذكره في نص المادة 128من قانون
العقوبات الجزائري وهذا النص مأخوذ من القانون الفرنسي في المادة “ 178قانون عقوبات فرنسي” فهو نص عام شامل كل
الصور التي تصدر عن الجهات الحكومية و اإلدارات أو الجهات الخاضعة إلشراف حكومي.
و متى توفرت هذه الشروط تمت الجريمة بغض النظر عما سيحصل بعد ذلك فسواء تحقق الغرض المطلوب أو لم يتحقق و
سواء حصل الفاعل على منفعة أم ال و فيما عدا تختص به استغالل النفوذ من عناصر فإنها تعتبر في حكم جريمة الرشوة من
حيث بقية األركان التي ذكرناها
3.علـة التجريـم:
إن علة التجريم فعل استغالل النفوذ هو اإلساءة إلى الثقة في الوظيفة العامة فالجاني يوحي إلى صاحب الحاجة إن السلطات
العامة ال تتصرف وفقا للقانون و بروح من الحيادية و الموضوعية و إنما تتصرف تحت سطوة ماله من نفوذه عليها وحين
يكون النفوذ حقيقيا فالجاني يسيء استغالل السلطة التي خولها له القانون فبدال من استعمالها من أجل الهدف الذي خوله القانون
إياها يستعملها وسيلة لإلثراء الغير المشروع و حين يكون النفوذ مرهونا.
فاالتجار با لنفوذ معاقب عليه مهما كان من يتجر به سواء كان موظفا عموميا أو غيره و لكن المشرع قد شدد العقوبة بان
ضاعفها لو كان الشخص الذي يستغل نفوذه قاضيا أو موظفا عموميا أو ذا وكالة نيابية بعكس جريمة الرشوة التي تفترض صفة
الموظف العمومي من ناحية و متاجرته بمهنته و عمله من ناحية أخرى.
4.أركان جريمة استغالل النفوذ:
أ) الركن المفترض :من المفروض أن يكون الجاني في هذه الجريمة صاحب نفوذ حقيقي أي أن يكون لديه عالقات قوية تربطه
بالسلطات العامة أو الجهات اإلدارية بحيث يستطيع أن يؤثر على هذه السلطات العامة أو الجهات اإلدارية التخاذ القرار
لمصلحته في سبيل حصوله على مزايا أو وظائف أو صفقات فالنفوذ هو نوع من التقدير لشخصه أو لمركزه الوظيفي
واالجتماعي أو للصالت الخاصة التي تربطه ببعض رجال السلطة كالقرابة والصداقة وقد ال يكون للجاني نفوذا حقيقيا على
السابق مع أن له نفوذا مفترضا وذلك لقرابة أو مصاهرة أو مركز اجتماعي فإذا استغل هذا النفوذ المفترض ليحصل على فائدة
ممن له مصلحة مقابل نفوذه المفترض لهذا قامت الجريمة ،والنص صريح في ذلك لقوله ( ويستغل بذلك نفوذا حقيقيا أو
مفترضا) وال يشمل النص الزعم ممن ليس له نفوذا حقيقيا أو مفترضا فالزعم نوع من االدعاء ويصبح نصبا واحتياال إذا ما
رافقته بعض المظاهر والطرق الكاذبة الستغالل صاحب المصلحة.
ب) الركن المادي :يتمثل الركن المادي في قبول أو طلب صاحب النفوذ الحقيقي أو المفترض لهدية أو لوعد… الخ مقابل قيامه
باستغالل نفوذه لدى السلطات المعنية للحصول على أية مزية يمكن أن تمنحها السلطات لمصلحة طالب الحاجة.
ج) الركن المعنوي :جريمة استغالل النفوذ من الجرائم العمدية التي يتطلب قيامها توفر القصد بأركان الجريمة كما يحددها
القانون و تتم الجريمة بمجرد الطلب أو العرض فيما يمكن أن نسميه شروعا في جرائم أخرى كما تتم الجريمة بمجرد أن يقبل
صاحب النفوذ العرض و لو لم يكن ينوي القيام باستغالل نفوذه فعال و سواء أتم العمل أو المصلحة موضوع الجريمة أو لم تتم
و سواء كان قادرا على إتمامه أصال أم انه غير قادر و ال تقوم الجريمة إذا كان صاحب النفوذ يجهل فعال أن الهدية أو الهبة
… الخ كانت قد قدمت إليه بقصد استغالل نفوذه إذ يجب أن يعلم أن الهدية أو المنفعة تقدم له بهدف حمله على استغالل نفوذه
كما يشترط أن ال يكون العمل أو المصلحة داخلة ضمن اختصاص صاحب النفوذ و إال ألصبحت الجريمة رشوة و ليست
جريمة استغالل النفوذ.
عقوبتها:
حددت المادة 128عقوبة هذه الجريمة بالحبس من سنة إلى 5سنوات و بغرامة من 500إلى 5000دج أما إذا كان الجاني
قاضيا أو موظفا أو ذا والية نيابية تضاعف العقوبات المقررة.
ونرى أن التشديد في مثل هذه الحالة األخيرة تعبر عن شدة حرص المشرع على وجوب نزاهة هذه الوظائف])11[( .
5.التمييز بين جريمة الرشوة و جريمة استغالل النفوذ:
أوجه الشبه بين الجريمتين:
1-يقومان على نفس األعمال المادية بقبول أو طلب المرتشي أو مستغل النفوذ العطايا أو الوعود أو الهبات أو أية منافع أخرى.
2-كما يلتقيان أيضا من حيث تأثيرهما السيئ على الثقة العامة بسير اإلدارة.
أوجه الخالف بينهما :يتمثل في:
1-إذا كان العمل المطلوب أداءه يدخل في اختصاص المرتشي فإنه ليس من اختصاص مستغل النفوذ وال يدخل ضمن وظيفته.
2-إذا كان المرتشي ذا صفة خاصة إذ يشترط فيه أن يكون موظفا أو مستخدما أو أن ال يكون]).12[(.
فالموظف المستغل لن فوذه يختلف عن الموظف المرتشي في كومه يتاجر بنفوذه ال بوظيفته ليحصل أو ليحاول الحصول
لصاحب المصلحة على مزية من السلطة العامة مقروضا بيد أنه ال شأن لها بأي عمل أو امتناع داخل في حدود وظيفته.
وال يمنع من توافر الجريمة أال يكون في استطاعة الموظف حقيقة الحصول على هذه المزية لطالبها ،فالنص يقرر العقاب سواء
نفوذ الموظف حقيقيا أم مزعوما و كذلك الحال بالنسبة للفاعل غير الموظف ،كما ال يحول دون قيام الجريمة أن يكون الفاعل
وقت طلب أو قبول أو أخذ الوعد أو العطية موظفا كان أو غير موظف ،غير قاصد استعمال نفوذه فعال في الحصول على
المزية المطلوبة ومن هاتين الناحيتين يتفق استغالل النفوذ مع الرشوة.
غير أنه يجب لتحقيق الجريمة أن يستند الفاعل في طلب أو قبول أو أخذ الوعد أو العطية على نفوذ له حقيقي أو مزعوم فإذا
أخذ عطية نظير سعيه في الحصول لصاحب الحاجة على المزية المطلوبة دون أن يتذرع في ذلك بأن له نفوذا لدى السلطة
العامة يمكنه من تحقيق هذه المزية فإنه ال يرتكب الجريمة على أن الزعم بالنفوذ يتحقق بمطلق القول دون اشتراط اقترانه
بعناصر أخرى أو وسائل احتيالية])13[(.
لذا حكم بتوافر الجريمة في حق مراجع حسابات لمديرية اإلصالح الزراعي طلب وأخذ نقودا الستصدار قرار رفع الحراسة
المفروضة على أموال أحد األشخاص .وال يلزم لتوافر الجريمة أن يتذرع الفاعل بنفوذ له لدى السلطة العامة نفسها ،بل يكفي
أن ينسب لنفسه نفوذا لدى جهة خاضعة لجهة إشراف السلطة العامة متى كانت المزية مطلوبا الحصول عليها من عده الجعة،
غير أن المراد بالسلطة العامة هنا السلطة الوطنية ال السلطة األجنبية وعدا ما قضى بمثله صراحة في فرنسا ،فاالتجار بالنفوذ
لدى سلطة أجنبية ال جريمة فيه لعدم وجود النص.
ومن قبيل اإلدانة على هذه الجريمة أنه حكم بتوافرها في حق متهم طلب و أخذ عطية من المجني عليه مقابل العمل على حفظ
تحقيق يجري معه بشعبة البحث الجنائي عن مصدر ممتلكاته بمناسبة تصفية اإلقطاع ،زاعما أن له صلة بالضابط المختص
بالتصرف في التحقيق وكذلك بمدير األمن ونائبه ،وفي حق كاتب بهندسة هاتف ملوى طلب وأخذ نقود من المستخدم بالهندسة
الستعمال نفوذ مزعوم في الحصول على قرار بنقله دون علم المهندس المختص و بأمر من الجهات العليا ([ )]14و إذا كان
الفاعل موظفا تطبق عليه عقوبة الجناية المنصوص عليها في المادة 104من قانون العقوبات وهي األشغال الشاقة المؤبدة و
غرامة ال تقل عن 2000جنيه و ال تزيد على ضعف ما أعطى أو وعد به.
أما إذا كان الفاعل غير الموظف فتوقع عندئذ عقوبة الجنحة المنصوص عليها و هي الحبس و غرامة ال تقل عن 200جنيه و
ال تزيد على 500جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين المنصوص عليهما في قانون العقوبات المصري.
وأما إذا كان الغرض من استعمال النفوذ ارتكاب فعل يعاقب عليه القانون بعقوبة أشد من العقوبة المقررة الستعمال النفوذ ،ألن
هذا االستعمال و إن لم يكن رشوة اعتبره القانون في حكم الرشوة ومن ثم لم تسر عليه المادة 108من قانون العقوبات .ونرى
أن عرض عطية على صاحب نفوذ ورفضها من طرفه ال يعتبر جريمة لعدم وجود النص ،كما نرى أن صاحب الحاجة أو
الوسيط ال يعاقب ألن الجريمة من جرائم الفاعل المتعددة وال يعاقب عليها إال إذا نص القانون على عقابه وهو مستغل النفوذ
دون سواه وعلى هذا التمييز بين الجريمتين قضت محكمة النقض بأنه إذا دانت المحكمة المتهم بجريمة استغالل النفوذ حالة
كو مه متهما بالرشوة فإن هذه اإلدانة تنطوي على تعديل في التهمة مما يقتضي تنبيه المتهم إليه و منحه أجال لتحضير دفاعه
على التعديل الجديد إذا طلب ذلك عمال.
المبحث الثاني :أركان جريمة الرشوة:
تمهيـد:
وفقا للقانون و بالتحديد ما جاءت به المادة األولى من قانون العقوبات التي تقضي بأنه ال عقوبة و ال جريمة بغير نص فإنه
يجب لكل جريمة توافر أركان معينة بحيث أنه إذا اكتملت هذه األركان أصبحنا بصدد جريمة تامة أو الشروع فيها يستحق
فاعلها إنزال العقاب الذي حدده النص الجنائي عليه أما إذا انعدم ركن من هذه األركان فال تقوم الجريمة من الناحية القانونية.
فالنص الجنائي ألي جريمة يتكون من أركان عدم الجريمة بحيث إذا توفرت تلك األركان انطبق النص و إال فال.
وأركان الجريمة بوجه عام هي ركنين ركن مادي واآلخر معنوي فالركن المادي للجريمة هو عبارة عن المظهر الخارجي
لنشاط الجاني أو هو الفعل المادي للجاني وهو الذي يتمثل أساسا في السلوك اإلجرامي الذي يعاقب عليه القانون الن التشريع
العقابي ال يعاقب على النوايا واألفكار بل ال بد من وجود نشاط مادي يترجم هذه األفكار والنوايا ألفعال ونتائج يعاقب عليها
القانون ويختلف النشاط المادي من جريمة إلى أخرى حسب طبيعتها وأنواعها هذا عن الركن المادي أما عن الركن المعنوي
فهو متمثل في أفكار ونوايا الجاني والمتجسد كما هو معروف في القصد الجنائي وإذا تناولنا بالحديث واالستقصاء أركان
الجريمة الرشوة فإننا نرى أنها تتضمن بطبيعة الحال الركنين السابقين بوجه اتفاقي وجامع أما الركن الثالث وهو الركن
المفترض فقد ثار حوله اختالف فقهي حول كل من صفة المرتشي و من في حكمه و هل تشكل هذه الصفة ركنا مستقال في
الرشوة يضاف كركن ثالث إلى الركنين السابقين إذا الخالف تجلى حول ركنية صفة الراشي في جريمة الرشوة وبما أن في
تعريف جريمة الرشوة ينصب أوال على الموظف العام الذي يشترط كطرف أول في جريمة الرشوة وهو الموظف العام الذي
يتاجر بأعمال وظيفته فانه يصبح كركن أساسي إضافة إلى الركنين السابقين ومنه يمكن القول أن جريمة الرشوة تتكون من
ثالث أركان األول هو الركن المفترض والخاص بصفة المرتشي والثاني وهو الركن المادي و يكون مجابه النشاط و محله
ومقابله أما الركن الثالث فهو الركن المعنوي وهو القصد الجنائي وسوف نقوم بدراسة هذه األركان في أيطار جريمة كل طرف
في الرشوة (المرتشي ،الراشي ،و الرائش).
المطلب األول :في إجـرام الراشـي:
الركن األول :الصفة المفترضـة:
الرشوة هي إحدى جرائم الوظيفة العامة وجوهرها إخالل الموظف بالتزامات وظيفته ومن ثم كان في مقدمة أركانها اتصاف
مرتكبها بصفة الموظف العام وأن يكون مختصا وعلى هذا النحو تنتمي جريمة الرشوة إلى فئة (جرائم الصفة) .وهي فئة
الجرائم التي تخضع ألحكام خاصة أهمها انه ال يتصور (أن يعد فاعال لها من يحمل الصفة التي يشترطها و يحددها القانون أما
من ال يحمل هذه الصفة فيجوز أن يكون شريكا فيها فحسب) ([ .)]16أي يجوز أن يكون مساهما فيها أو فاعال ضروريا مع
من يحمل تلك الصفة.
وعلى هذا األساس فان صفة المرتشي في تطبيق أحكام الرشوة تضم إلى جانب الموظف العام أشخاصا ليسوا بموظفين وإن
اعتبرهم القانون في حكمهم فإذا تحقق فعل األخذ أو القبول أو الطلب لعطية أو وعد من غير هؤالء فال تتحقق الرشوة إن جاز
أن تحقق جريمة النصب.
وإليضاح أكثر فان جريمة الموظف في القانون الجنائي يختلف عنه في القانون اإلداري بالنسبة لجريمة الرشوة و يحدد الفقهاء
هذا الخالف بالنظر إلى المصلحة المحمية في كل من القانونين لكن وضع تعريفا للموظف العام مجرد بحث قانوني بال فائدة
عملية ولكنه اجتهاد له آثار قانونية بعيدة المدى وشديدة الخطر في كافة نواحي القانون سواء كان ذلك في نطاق القانون العام أو
في نطاق القانون الخاص بل و في كافة فروع هذين القسمين من أقسام القانون.
فالفقه اإلداري يعرف الموظف العام بأنه (شخص يعهد إليه على وجه قانوني بأداء عمل في صورة من العتياد واالعتياد
واالنضمام في مرفق عام تديره الدولة أو احد األشخاص المعنوية العامة “إدارة مباشرة”) ([]).17
أما الفقه الجنائي فعرفه بأنه (كل شخص يعين أو ينتخب قانونا لممارسة عمل عام دائم ألداء خدمة عامة أو القيام على مال
فيلتزم بتنظيم الحريات أو الحقوق أو األموال العامة مع إمكانية المساس بها عند االقتضاء في حدود القانون سواء كان إسناد
العمل إليه طواعية أو جبرا بمقابل أو دونه بصفة دائمة أو لمدة محددة).
فالفكرة اإلدارية للموظف العام اعتمدت على اعتبارات ترد أساسا إلى الصلة القانونية بين الموظف والدولة و تهدف إلى تحديد
الحقوق وااللتزامات التي تربط بينهما ،والموظف العام وفق هذه االعتبارات ينبغي أن تكون عالقته بالدولة ذات مصدر صحيح
وقانوني أي تكون في ذاتها صلة قانونية وهو يخضع في الغالب للسلطة التأديبية للدولة وتسأل عن أعماله ويعني ذلك أن
النظرية اإلدارية نظرية عضوية تركز اغلب اهتماماتها على الوضع القانوني للموظف في داخل الجهاز اإلداري ولكن قانون
العقوبات يقيم نظريته على أساس مختلف فهو يهدف بتجريم الرشوة إلى حماية نزاهة الوظيفة العامة أي ثقة الجمهور في عدالة
الدولة وحيادها وشرعية أعمالها ومن ثم كانت العبرة لديه في كون الموظف العام يتصدى في مواجهة الناس للعمل باسم الدولة
ولحسابها أي أنه يمارس في مواجهتهم بعض اختصاصات الدولة بل واحد فقط من هذه االختصاصات بحيث لو انحرف في
ممارسته اهتزت ثقة الناس بالدولة وقامت تبعا لذلك الحاجة إلى تجريم التصرف والنتيجة الحتمية لذلك أن لصفة الموظف العام
ال تتأثر بالعيوب التي تشوب عالقته بالدولة طالما أنها ال تجرده في نظر اآلخرين من صفته كعامل باسم الدولة ولحسابها
وكذلك من ناحية أخرى فانه لها أهمية لكونه يمارس العمل الوظيفي على عارض نحو مؤقت وهذا يعني أن النظرية الجنائية
للموظف العام تهتم بالعالقة بين الدولة والجمهور وتجتهد في صيانة نقاء هذه العالقة و الضابط لديها في اعتبار الشخص موظفا
أنه وسيط في هذه العالقة وفي ضوء هذه االعتبارات ترى تعريف الموظف العام في المدلول الجنائي يركز على اعتبارات
أخرى في جريمة الرشوة تقتضيها نزاهة الوظيفة وحماية الجمهور ولطلك فانه يعتبر كل من يواجه الجمهور باسم الدولة
ولحسابها ولو كان له قدر ضئيل من السلطة هو موظف عام ولو شاب عالقته بالدولة بعض العيوب التي ال تجرده من صفته
أمام الناس باسم الدولة وبمصلحتها ومنه نلخص إلى انه كل من يعد موظفا عاما في المعنى اإلداري فهو حتما لذلك في المدلول
الجنائي و لكن بعض من ال يعتبر موظفا عاما في القانون اإلداري يعتبر كذلك موظفا في القانون الجنائي](18[).
األول هو أن الوظيفة العامة تفترض صلة خاصة تربط من يشغلها بالدولة تلك هي صلة الوالء والتي تستلزم توفر األمانة
في شخص الموظف العام في القيام بواجبه الوظيفي الذي ينوب فيه عن الدولة بصفتها شخصا معنويا في ممارسة سلطتها
أما السبب الثاني فيتمثل في أن الموظف العام وهو يمارس قدرا من أحد فروع نشاط الدولة تعتبر مظهر للسلطة العامة
فيها)[ (]19ومن استقرائنا للتعريف بالموظف العام في المفهوم الجنائي بصدد جريمة الرشوة يتسع و يشمل فئات ثالث هي:
أ -الموظف العام الحقيقي ،ب -الموظف الحكمي ،ج -الموظف الفعلي.
أ -الموظف العام الحقيقي:
وهو كل شخص يقوم بأداء عمل بصفة دائمة ومستمرة أو بصفة عارضة أو مؤقتة لمدة معينة و ذلك بمقتضى سند قانوني أي
قرار تعيين صادر عن السلطة المختصة قانونا بالتعيين و أن يكون هذا العمل في خدمة مرفق عام إداري تديره الدولة أو
السلطة العامة و إدخالها في اإلطار التنظيمي المقرر له.
فمن خالل هذا نرى أنه يستبعد من دائرة الموظفين العموميين كل ال ين يعملون في المرافق العامة التي تدار بطريق االلتزام أو
المقاولة](20[) .
ويستوي بعد ذلك أن يعمل هذا الشخص في خدمة سلطة مركزية أو سلطة ال مركزية كما يستوي أن تكون سلطة محلية أو
سلطة مرفقية كما يستوي أيضا أن يتقاضى الموظف راتبا أو مكافأة أو ال يتقاضى شيئا من هذا ومن خالل هذا نرى أن
الموظف العام هو كل من يعمل بصفة دائمة أو مؤقتة في خدمة مرفق عام إداري كالتعليم والقضاء والصحة واألمن العام…
مالحظة :حسب الفقه الفرنسي الموظف العام هو كل شخص يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد
أشخاص القانون العام أو في السلطات المحلية كالبلديات أو في السلطات المرفقية كالمؤسسات والمصالح العامة المتمتعة
بالشخصية المعنوية أما األشخاص الذين يعتبرون أو يصنفون في حكم الموظفين العامين فقد تناولتهم المادة 119ف– 3من
قانون العقوبات بحيث تقول )ويعد شبيها بالموظف في نظم قانون العقوبات كل شخص تحت عنوان نسمي ”sous une
”domination
وفي نطاق أي إجراء ما يتولى ولو مؤقتا وظيفة أو وكالة بأجر أو بدون اجر و يساهم بهذه الصفة في خدمة الدولة أو اإلدارة
العامة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات العمومية أو االشتراكية أو المؤسسات ذات االقتصاد المختلط أو الهيئات المصرفية
او الوحدات المسيرة ذات اإلنتاج الصناعي أو الفالحي أو في هيئة من القانون الخاص تتعهد بإدارة المرفق العام(](21[) .
والعنصر الثالث الغرض من النشاط والتمثيل في القيام بالعمل أو االمتناع عن القيام بعمل
والشيء المالحظ هو أنه في التشريعات التي تأخذ بنظام وحداوية الرشوة التي ترا في الراشي بأنه مجرد فاعل آخر والزم
وضروري لقيام الرشوة كجريمة فاعل متعدد وعلى هذا األساس فإن الراشي ال يصبح فاعال اخر في جريمة الرشوة إال إذا
تحققت الوقائع المادية للرشوة اصال من جانب الموظف العام وساهم الراشي فيها بفعل مادي وتوفر لديه القصد الجنائي([)]53
هذه الحالة و حالة أخرى ال تقوم فيها الجريمة من جانب الموظف وإنما من جانب صاحب الحاجة في صورة عرضه الرشوة
على الموظف ولم يست جب له وهي تعرف بجريم العرض الحائب للرشوة ولقد إعتبر المشرع الجزائري الرشوة اإليجابية
جريمة خاصة ومستقلة عن جريمة الموظف.
أما الرائش والذي كما قلنا الشخص الذي يتوسط المرتشي والرائش الذي أصبح دوره في الحياة العملية خطرا جدا لما له من
تأثير مباشر على عقد صفقات الرشوة وتقريب وجهات النظر بين الجنات كما وقد يتخذه الموظف العام ستارا له يتعامل باسمه
ولحسابه مع الراشين وعليه وطبقا للمبادئ العامة واإلجتهادات الفقهية يعتبر الوسيط شريكا لمن تعامل معه فهو شريك للمرتشي
إذا تعامل معه وشريك للراشي إذا إقتصر تعامله معه .فالرائش أو الوسيط هو كذلك ال يشترط فيه أي صفة خاصة فهو واحد
من الناس يقوم بالتوسيط بين الموظف وصاحب الحاجة أو يعمل لحساب أحدهما إال أنه أو القيام بفعل معنوي كتقريب وجهات
اللبناني])54[(. النظر بينهما والقانون اللبناني نجد أنه المتدخل فيه يخضع للقواعد العامة حسب المادة 226من القانون