Académique Documents
Professionnel Documents
Culture Documents
www.book-juice.com
قيد القمر
المؤلفة :نهى طلبة
نهى طلبة
نشر في :يوليو5102
1 FB.com/groups/Book.juice
2 FB.com/groups/Book.juice عصير الكتب للنشر اإلليكتروني نهى طلبة قيد القمر
لــ
نهى طلبة
قيد القمر
قيد القمر
الفصل االول
انطلق بوق السيارة أكثر من مرة وبإلحاح دفع صميده البواب إلى الهرولة رغم سنواته الستون
حتى يفتح البوابة الضخمة التي تفصل قصر "عبد الرءوف الجيزاوي" عن الخارج..
فتح صميده بوابة القصر ليجد سيارة رؤوف تدلف داخل القصر بسرعة شديدة..
نهى طلبة
رؤوف هو الحفيد الذكر الوحيد لـ"عبد الرؤوف الجيزاوي" ,والذي ُسمي تيمناً باسم الجد ولكن
تحول االسم مع األيام إلى رؤوف ..هو شاب غاية في النشاط واإللتزام ,من يعرفه ال
يصدق أنه على أبواب الحادية والعشرين فهو شديد الجدية والصرامة ال تكاد التقطيبة تفارق
جبهته ..حاجباه متعاقدان دائماً وكأن مطلوب منه حل مشاكل الشرق كلها ..ولكن من
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
يعرف الجد معرفة وثيقة ال يتعجب من ذلك ..فرؤوف تم تنشئته وتوجيهه بين يدي الجد
حتى أصبح نسخة مصغرة منه تقريب ًا ..يعتنق نفس أرائه وينتهج نفس أسلوبه الحازم..
اسم العائلة ومصلحتها لها األولوية دائماً حتى على مصلحة بعض أفراد تلك العائلة أو
سعادتهم!!!..
ولكن هذا ال يمنع من االعتراف أن رؤوف شاب غاية في الوسامة والجاذبية فبطوله الفارع
وكتفيه العريضين مع مالمحه الداكنة شديدة الرجولة هو حلم لنصف مراهقات البلدة
وفتياتها ,ولكنه بحكم تربيته وتفكيره ال يلتفت لتلك التفاهات كما يسميها..
FB.com/groups/Book.juice
فهو ُولِ َد رجل كما لقنه جده والرجل الحق ال يلتفت لتفاهات الغرام والنساء بل تلك األمور
تكون فقط للصبية والمراهقين..
ترجع قوة تأثير الجد في نفس حفيده بسبب قيامه برعايته بعد وفاة والده عبد اهلل ووالدته
زينب في حادث سيارة منذ خمسة عشر عاماً ..وكان رؤوف تخطى عامه الخامس حين
3
وجد نفسه يتيم األبوين وحل جده مكانهما في حياته وقلبه ..لذا وبعكس اندفاعه المحموم
قيد القمر
للولوج إلى القصر تحرك بتثاقل نحو غرفة جده وهو ال يعلم كيف يمكنه نقل الخبر األسود
إليه..
طرق باب غرفة جده ثم فتح الباب ليجد جده غارق في خشوعه وهو يتلو بعض آيات الذكر
الحكيم ..فوقف رؤوف بهدوء ظاهري عكس ما يعتمل داخله وهو في انتظار أن ينتبه جده
نهى طلبة
لوجوده ...وهو ما حدث بعد عدة دقائق ....حيث التفت الجد إلى حفيده:
ازدرد رؤوف ريقه بعصبية فهو غير معتاد على تقريع الجد له:
وجد رؤوف أن المواجهه هي أفضل حل ..فنظر في عيني جده وهو يقول:
قاطعه جده:
4
ـ هل األمر يتعلق بعمك عبد الرحمن؟ ..هل هو مريض؟ ..أم..
قيد القمر
تعجب رؤوف من فراسة جده ,وروحه الشفافة التي استشفت الكارثة رغم عدم وجود مقدمات
لها ,فنكس رأسه ليخفي بضع دمعات ترقرقت في عينيه:
ـ البقاء هلل.
نهى طلبة
ترنح الجد في وقفته فتحرك رؤوف مسرعاً ليدعمه وهو يرافقه ليعود إلى مجلسه ..سأله الجد
بصوت خفيض مكسور يسمعه للمرة األولى:
ـ ماذا؟ ..كيف؟..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ كال يا جدي ..لقد كنا معاً في المصنع عندما شعر عمي بألم شديد في كتفه األيسر..
FB.com/groups/Book.juice
حاولت أن أقنعه بأخذه إلى المشفى لكنه رفض ..ثم طلب الذهاب إلى المنزل ..و ...و..
قبل أن نصل...
ثم سمع جده يهمس في صمت وكأنه كان بداخل عقله يق أر أفكاره:
فأجابه رؤوف:
نهى طلبة
ـ جدي..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ رؤوف يا بني ..إنني أعتمد عليك اليوم ..حاول أن تنهي جميع اإلجراءات قبل غروب
الشمس ...أنت تعلم أن عمك عبد السالم ال ِقبل له بمواجهة المصائب.
ـ حسناً ...يا جدي ..ال تقلق ,سأُنهي كافة األمور ..ولكن هل أنت متأكد أنك ال تحتاج إلى
طبيب؟..
FB.com/groups/Book.juice
ـ بالطبع يا جدي.
*********************
6
أنهى رؤوف كافة اإلجراءات المطلوبة لدفن عمه ..وكلف رجاله بإقامة سرادق ضخم للعزاء,
قيد القمر
أذهل "عبد الرؤوف" الجميع كالعادة بصالبته وقوة إيمانه وهو يرفع التابوت الذي يحتوي
على جثمان ابنه مع الرجال ويصر على ذلك ,رغم محاولة رؤوف لمنعه ..ولكن الرجل
المسن تمسك بالتابوت وكأنه يريد أن يحتفظ بآخر لحظاته مع ابنه قبل أن يواريه التراب..
نهى طلبة
عاد الجميع إلى قصر الجيزاوي ..وذلك لتناول الغذاء كما تقتضي العادات ..وكانت مأدبة
كبيرة تولت قمر اإلعداد لها بمساعدة العديد من النساء اللذين قام رؤوف باستئجارهن
لمساعدة عمته ...كما حضرت لتقديم المساعدة شموس زوجة عبد السالم االبن األصغر
لعبد الرؤوف هي وبناتها الثالث ..سهير ,وقمر ,ونادية ..الالتي كن في حالة ذهول وخوف
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ شموس ..فلتصعد الفتيات إلى الطابق العلوي اآلن حتى ال تصبن بالهلع..
أجابتها شموس:
ـ ِ
أنت تعلمين أن نعمات زوجة المرحوم عبد الرحمن نائمة في الطابق العلوي بعد أن حقنها
الطبيب بذلك العقار المهدئ بعد انهيارها في المقابر ,وأخشى أن يزعجنها.
FB.com/groups/Book.juice
ولكنك أيضاً بحاجة إلى الراحة ..فأن ِت حامل واالجهاد ليس في صالحك..
ِ ـ
7
وأردفت وهي تقول بلهجة ذات معنى:
قيد القمر
ِ
فبناتك بحاجة إلى أخ ليكون سند لهن. ـ إن شاء اهلل يكون ولد هذه المرة..
تمتمت شموس:
ـ إن شاء اهلل.
نهى طلبة
أخذت شموس بناتها الثالثة وخرجت من المطبخ حتى ال تسمع المزيد ..فهي تعلم أنها لم
تنجب لزوجها إال البنات وجميع من في العائلة ينتظر جنينها بلهفة هذه المرة عله يكون
الولد المنتظر...
ال تدري لم ُيركز الجميع عليها وخاصة قمر التي دائماً ما ترمي بمثل هذه التعليقات ..لما ال
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
تجدها تُسمع نعمات مثل تلك التعليقات فهي لم تنجب من األساس ال بنات وال بنين ..لقد
مات عبد الرحمن رحمه اهلل بدون أن يترك أي ذرية...
انتبهت شموس تلك اللحظة أن عائلة الجيزاوي كبرى عائالت وجه قبلي وأكثرها ثراء ,ال
وريث لها إال رؤوف و ....الطفل الذي يقبع في أحشائها ....إذا كان ذك اًر..
***************************
وقف رؤوف بجانب جده وعمه بداخل سرادق العزاء المهول ,ورغم أنه أقيم على عجل إال
أن ذلك لم يمنع من ظهور إمارات ثراء ونفوذ عائلة الجيزاوي ,بدء من المقرئ الذي يتردد
FB.com/groups/Book.juice
اسمه في القنوات الفضائية والذي تم استدعائه من القاهرة إلى المعزيين أنفسهم وهم من كبار
رجال المحافظة والمسئولين واللذين قدموا لتقديم واجب العزاء في الفقيد الشاب ,فعبد الرحمن
مات قبل أن يبلغ األربعين..
فيبدو أن أبنائها يموتون في شرخ شبابهم ..فكما مات عبد اهلل االبن األكبر منذ خمسة عشر
عاماً وكان شاباً في عشريناته ..ها هو أخاه عبد الرحمن يلحق به.
بدأت بعض النسوة في التساؤل إذا ما كان مصير عبد السالم آخر األبناء وأصغرهم سيكون
ال!!.
مماث ً
نهى طلبة
كانت الصغيرة قمر كعادتها الفضولية تتسلل لتكون بجانب عمتها قمر ..فالصغيرة قمر ..أو
نور القمر وهذا اسمها ..هي المفضلة عند العمة ..ودائماً تخبرها أنها تشبهها ,ليس في
الشكل ولكن في الطباع والقوة ..ولكن نور القمر بسنواتها الثمانية لم تكن تفهم تماماً ما
الذي تقصده عمتها ...بقولها ..إن قلبها يحدثها أن مصير عائلة الجيزاوي مرهون بنور
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
القمر..
بينما كانت تتحرك الصغيرة قمر بين النساء باحثةً عن عمتها بدأت تلك الهمسات تصل إلى
أذنيها ,وبدأ عقلها الصغير يستوعب أنهن يتنبأن بوفاة والدها ...فتوجهت قمر بكل قوتها
نحو تلك السيدة التي تتنبأ بوفاة عبد السالم ,لتنهال عليها بقبضتها الصغيرة:
استمرت قمر بضرب السيدة التي حاولت تفادي القبضة الصغيرة وهي تقول:
صاحت الصغيرة:
ـ لست قليلة أدب ,وال تناديني بنت شموس ,أنا ابنة عبد السالم وحفيدة عبد الرؤوف
الجيزاوي.
9
ثم داست على قدم السيدة المذهولة وانطلقت مسرعة إلى حديقة القصر تبحث عن والدها
قيد القمر
في تلك األثناء كان الجد شعر بتوعك خفيف فعرض رؤوف عليه أن يقوم بايصاله لغرفته
ولكنه رفض بصالبة وطلب من حفيده أن يذهب إلحضار دوائه من غرفته ..وبالفعل كان
رؤوف في طريقه ليلبي طلب جده عندما اصطدم بتلك الفتاة المسرعة كالسهم...
نهى طلبة
ـ هل ج ِ
ننت يا فتاة؟ ..كيف تريدين الذهاب إلى مجلس الرجال؟ ..اذهبي إلى الداخل فو اًر. ُ
انفجرت قمر بالبكاء مما صدم رؤوف الذي نظر إلى وجهها وقد أغرقته الدموع ,فعاد
يسألها:
ـ ماذا ِ
بك؟ ..لم تبكين؟....
ارتمت الصغيرة على ساقي رءوف فقد كانت صغيرة الحجم وتبدو أقل من عمرها ,وزاد
بكائها وهي تسأله:
FB.com/groups/Book.juice
ـ رءوف ..هل صحيح أن والدي سيموت هو اآلخر مثل عمي عبد الرحمن؟..
رفعها رءوف على كتفه فهي كانت خفيفة الوزن للغاية وهو يسألها بانزعاج:
ـ من أ ِ
خبرك بتلك السخافات؟.
10
أخبرته من وسط دموعها:
قيد القمر
ـ النساء في الداخل يقلن ذلك ..لم يقلن مثل ذلك الكالم البشع؟.
تك ..ال ترددي مثل ذلك الحديث مرة أخرى ,واال سيغضب ِ
منك ـ إنها سخافات مثل ما أخبر ِ
ِ
سأصطحبك اآلن للعمة قمر ..ف ُكفي عن البكاء. ـ حسناً..
مسحت قمر دموعها بظاهر يدها ,وحاولت أن تمسك دموعها وهي تنفذ كالم رؤوف الذي
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
سلمها لعمته قمر التي أتت مهرولة بحثاً عن الصغيرة بعد أن أعلمتها النساء بالداخل عن
تصرف قمر ,فأخبرها رؤوف بما سمعته الصغيرة حتى تبعدها هي وأخواتها عن مثل تلك
السخافات.
***************
وصل رؤوف إلى جده وناوله دواءه وطلب منه الجلوس ليرتاح قليالً ..فاستجاب له الجد
وجلس ليستعيد ذكريات يوم مماثل مر عليه أكثر من خمسة عشر عاماً ..وذلك حين أبلغوه
بوفاة ولده األكبر عبد اهلل هو وزوجته في حادث سيارة تاركين خلفهما حفيده الوحيد رؤوف
FB.com/groups/Book.juice
الذي تولى رعايته وتربيته ليكون الرجل القادر على تولي أمور العائلة من بعده هو وعبد
الرحمن...
عاد ليستغفر اهلل ,فتفكيره هذا اعتراض على قضائه ..واستمر في التسبيح واالستغفار عله
نهى طلبة
يتغلب على لحظة الضعف التي أصابته ولكنه بدأ يشعر باآلالم تهاجمه ..وتزداد عليه
وصعب عليه إلتقاط أنفاسه وفكر أنه أخي اًر سيلحق بولديه...
لمح رءوف حبات العرق تتألأل على جبين جده فتحرك نحوه مسرعاً:
ـ جدي ..جدي..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
******************
نقل الحاج عبد الرؤوف إلى المشفى إثر أزمة قلبية طفيفة ورافقه ابنه عبد السالم وظل
رؤوف في سرادق العزاء ..فهذا واجبه ,وبرغم القلق الذي يعصف به على وضع جده
الصحي إال أنه ظل ينتقل بين المعزيين ثم أشرف على تقديم العشاء لمن لم يلحق مأدبة
الغذاء فتلك تقاليد البد من اتباعها وتنفيذها وذلك ما يريده جده منه بالتأكيد ..وظل يؤدي
المعزيين..
واجبه المفترض حتى رحل آخر ُ
وصل رؤوف إلى المشفى وهناك أخبروه أن حالة جده بدأت تستقر ولكن يجب أن يظل
FB.com/groups/Book.juice
*************
12
كانت نعمات شاردة وسط بحر أحزانها وهي جالسة في غرفتها بقصر الجيزاوي ,تتساءل عن
قيد القمر
مصيرها اآلن وقد مر على وفاة عبد الرحمن أكثر من ثالثة أشهر ,وبقي من عدتها شهر
وبضعة أيام ..فهل ستستمر في اإلقامة في القصر؟ ..وبأي صفة؟..
صحيح أن الحاج عبد الرؤوف سيتمسك بوجودها في القصر ,ولكن كيف تبقى وبأي
صفة؟ ..خاصة وهي أرملة اآلن والقصر يسكنه رؤوف مع جده ..وهي وعبد الرحمن لم
نهى طلبة
ُيرزقا بأي أبناء رغم محاوالتهما العديدة ,وهي برغم تعجبها من كبير العائلة الذي لم يحرجها
أو يزعجها بكلمة تجرحها لتأخرها في اإلنجاب إال أنها ممتنة لذلك ,فهي تدرك أهمية وجود
ذرية ووريث لرجل بمثل ذلك الثراء وخاصة إذا كان صعيدي..
إذاً ال شيء يربطها بتلك العائلة اآلن ويجب عليها الذهاب ..ولكن كيف تذهب؟ ..والى
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
يتبق منها أحياء تقريباً وكان عبد الرحمن هو كل من بقي لها ..واآلن
أين؟ ..فعائلتها لم َ
بعد ذهابه فأين سترسو بها الحياة؟..
**********
أغلق رؤوف الهاتف مع المحامي وهو يحاول أن يقرر إذا ما كان سيخبر جده بتلك
المصيبة أم ال؟ ...ولكن كيف ال؟ ..وهو يحاول إيجاد حل لتلك الكارثة منذ أن سمع بها أي
منذ أسبوع كامل ولكنه عجز أن يجد مخرج كما عجز المحامي أيضاً..
أخي اًر حسم أمره وقرر إبالغ جده ,فهو الوحيد القادر على إخراجهم من ذلك المأزق.
FB.com/groups/Book.juice
*****************
دخل عبد السالم على والده وتقدم ليقبل يده وهو يقول:
سيطلبه منه:
ـ بخير حال يا حاج ..لقد أبلغني رؤوف أنك تريد رؤيتي بصفة عاجلة..
نهى طلبة
عاد عبد الرؤوف يتفحصه مرة أخرى بصمت ..وهو يفكر ..إنه وسيم حقاً ..أوسم رجال
عائلة الجيزاوي ,ببشرته الفاتحة وشعره بسواده الفاحم ونعومته التي تحسده عليها النساء..
عيناه فقط هي العامل المشترك بينه وبين رجال الجيزاوي ,تلك العينان الخضروان برموشهما
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
الكثيفة وان كانت نظراته تتميز بالوداعة على عكس نظرات ابنيه رحمهما اهلل أو رؤوف
حفيده مثالً الذي يتميز بنظرات متحفظة قوية وعند الحاجة تتحول إلى الشراسة والعنفوان...
ـ ماذا في األمر يا أبي؟ ..هل أنت مريض مرة أخرى؟ ..إن صمتك هذا يسبب لي القلق.
ـ اجلس يا عبد السالم ,واطمئن فالمرض لم يعاودني مرة أخرى ..كما أن نعمات تحرص
على اعطائي الدواء في مواعيده وتراعي أنواع األطعمة الصحية في غذائي ,جزاها اهلل كل
FB.com/groups/Book.juice
لم يفهم عبد السالم سبب ذكر نعمات في المحادثة ولم يجد ما يقوله سوى:
أدرك عبد الرؤوف أن ابنه يفهم ما يدور في ذهنه ولكنه يتعمد اظهار سوء الفهم ,فقرر
مصارحته بالحقيقة كاملة:
ـ عبد السالم ..أنت تعلم أن عبد الرحمن هو من كان يتولى إدارة شئون العائلة واألعمال في
نهى طلبة
الفترة األخيرة..
ـ ُكف عن مقاطعتي يا عبد السالم ..واآلن ..ماذا كنت أقول؟ ..آه ..نتيجة لتولي عبد
الرحمن كل أعمالنا قمت بعمل توكيل شامل له ..ولكن...
ـ عبد الرحمن احتاج لطلب قرض كبير ليقوم ببناء مدينة صناعية كبرى باسم العائلة ..لذا
قام بضم جميع األمالك وباعها بيع رسمي لنفسه ..وأصبحت كل أموال وأمالك العائلة ملكاً
له ليقدمها كضمان لذلك القرض.
FB.com/groups/Book.juice
إجراءات القرض اآلن في انتظار الورثة ليستكملوا باقي اإلجراءات أو ال ..فأوراق القرض لم
تكن انتهت تمام ًا..
ـ نعم ..أقصد ..أقصد أن نصيب نعمات اآلن من ميراث عبد الرحمن -الذي هو كل
أمالكنا -سيتسبب في أزمة مالية لنا في السوق ..وال نستطيع فصل األمالك أو تحديد ما
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
انتفض عبد السالم عند سماعه طلب أبيه بالزواج من أرملة أخيه:
ـ كيف يا أبي؟ ..إنها أرملة أخي؟! ..كما أنني متزوج بالفعل ..ماذا سأقول لشموس
والبنات؟..
ـ هذا واجبك يا عبد السالم ..فيجب أن تحافظ على أرملة أخيك ,كذلك ال يمكن أن أسمح
بتفتت أمالك العائلة ,ونعمات مازالت شابة وستجد العشرات ممن يطلبون زواجها ,فهل
فكرت في مصير ممتلكات العائلة لو حدث هذا؟..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ إنني أعلم كل ذلك يا أبي ,ولكن كيف يمكنني؟ ..كيف؟ ..وشموس والبنات و...
ـ ألن ت ُكف عن ضعفك هذا؟ ..متى ستكون على مستوى المسئولية؟ ..أنا أخبرك بالكارثة
التي ستحيق بالعائلة ,وأنت تخشى على مشاعر زوجتك!! ..إن تلك الزيجة ضرورة وليست
يبق سواك لتحمل مسئولية العائلة ..أنا ال أطلب منك ,ولكني
رفاهية ..لقد مات أخواك ,ولم َ
آمرك بالزواج من نعمات وعليك طاعتي..
FB.com/groups/Book.juice
الملقاة على
ُبهت عبد السالم من العنف الواضح في كالم والده ,وأدرك عمق المشكلة ُ
عاتقه ..فأمر الزواج ُحسم بالفعل في عقل والده وهو عليه التنفيذ ..لكن شموس لن توافق
أبداً على زواجه من أخرى ,كيف سيخبرها؟ ..فشموس ليست مجرد زوجة إنها حبيبته وابنة
عمه ,وهي تغار بشدة ..كيف تهون عليه ِعشرة السنين ,ويخبرها بأنه على وشك االرتباط
بأخرى تشاركها حقها فيه؟ ..لن يكون األمر سهالً أبداً..
17
فليحاول مع أبيه مرة أخرى...
قيد القمر
قال بهدوء:
ـ إنني بالطبع مدرك لحجم تلك الكارثة ,لكن هل زواجي من نعمات هو الحل الوحيد؟..
واألهم هل ستوافق نعمات على تلك الزيجة؟..
عاد األب يرمقه بتلك النظرات المتفحصة وكأنه يريد أن يتأكد من غرضه من السؤال عن
نهى طلبة
ـ أترك أمر نعمات اآلن ,إنها شابة وبالتأكيد تطمح لألمومة وهذا كفيل بموافقتها..
صاح به األب:
ـ حسناً يا أبي ..ال داعي لكل ذلك الغضب ..لقد كان مجرد ظن ...فقط..
قاطعه األب:
FB.com/groups/Book.juice
ـ إن نعمات امرأة أصيلة ورائعة ..فهي تحملت اللمزات والظنون حول عقمها لسنوات ..ولكن
أخاك -رحمه اهلل -أخبرني أنه صاحب المشكلة وكان يخضع للعالج ,لكن...
ـ إن اهلل أنعم علي بثالث بنات والحمد هلل ,وشموس حامل يا أبي ,ولعل اهلل يكرمنا بالولد
الذي تشتاقون إليه ولكني أحمد اهلل على بناتي وال أستبدلهن بكل ذكور الدنيا.
نهى طلبة
ـ هل تراددني يا ولد؟!! ..أنت تعلم أني أحب حفيداتي جداً ,ولم أفرق في المعاملة يوماً بين
أوالدي الذكور وبين قمر ابنتي ,وأنت خير من يعلم بمكانة قمر في قلبي ,لكني أتكلم عن
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ أعتذر عن إغضابك يا والدي ,لكن كما سبق وقلت أن شموس حامل و..
ـ لقد أخبرتك أن موضوع الزواج نهائي وال يوجد مجال للتراجع حتى لو أنجبت لك شموس
ابناً ,فالبد لنا من السيطرة على أمالكنا ,إنني أتكلم عن مصلحة العائلة اآلن ...هل
فهمت؟..
FB.com/groups/Book.juice
ثم أردف:
ـ أمرك يا والدي.
19
ولكنه كان يعلم صعوبة ما هو مقدم عليه..
قيد القمر
*********************
كلمات ال تفي موقف عبد السالم أمام شموس وما أثارته من عاصفة من البكاء والصراخ
في مواجهة خبر زواجه من نعمات ..حاول أن يجعلها تدرك صعوبة الموقف المالي الذي
نهى طلبة
تواجهه العائلة بعد وفاة عبد الرحمن ,ولكن كان ردها الوحيد هو المزيد من الصراخ والنحيب
وهي تقول:
ـ تريد ..الزواج ..مرة أخرى؟ ..أنا أعلم ..أنك ..تريد الولد ..الوريث الذكر ..الذي سيحمل
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ربت على كتفها يريدها أن تهدئ ,فما تفعله خطر عليها وعلى جنينها:
ـ اذكري اهلل يا شموس ,لقد أخبرتك بالسبب الحقيقي وراء تلك الزيجة ,ثم أي ولد؟ ..وأي
وريث؟ِ ..
فأنت حامل بالفعل..
ـ حامل!! ..أنا حامل هذا صحيح ,ونعمات لم تنجب ألخيك أي ذرية ..إذاً ما سبب زواجك
منها؟..
FB.com/groups/Book.juice
ـ إنك تحبها ...أليس كذلك؟ ..بالطبع تحبها فهي جميلة للغاية ..ولم يتشوه جسدها بالحمل
واإلنجاب ,أليس كذلك؟..
لقد أخبر ِ
تك أكثر من مرة السبب وراء تلك الزيجة ..إنه في أحسن األحوال زواج مصلحة.
ـ مصلحة!! ..أي مصلحة؟ ..وهل من مصلحتي أنا وبناتي وجود امرأة أخرى في حياتك؟..
شعر عبد السالم أنه يتعرض للضغط من كل األطراف ,فصاح بنفاذ صبر:
نهى طلبة
ـ ماذا أفعل؟ ..كيف أتصرف؟ ..أخبريني ..هل تريدينني أن أعصى والدي؟ ..هل تبغين
علي
ضياع ممتلكات العائلة وتشتتها في كل صوب؟ ..أخبريني بالحل الصحيح؟ ..أشيري ّ
بمخرج يحل المشكلة يا أم البنات؟..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
بدا أن شموس لم تستمع سوى لكلمته األخيرة فتجاهلت كل أسئلته وهي تقول:
مسح عبد السالم وجهه بكفيه ثم ضربهما ببعض وهو يقول بيأس:
ـ ال حول وال قوة إال باهلل ..ألم تسمعي حرف مما أخبر ِ
تك به يا شموس؟ ..هل هذا هو ما
ِ
أمامك اآلن ألستمع كل علي وقوفي ِ
تظنينه بي بعد سنين العشرة؟ ..هل تعتقدين أنه سهل ّ
ِ
غضبك ِ
ولكنك تحتاجين لتفريغ تلك االتهامات ,والتي تدركين مثلي تماماً عدم صحتها؟..
نك ,وأنا مدرك لذلك ..لكن لكل إنسان قدرة على االحتمال ,وأنا نلت ما يكفيني ِ
منك وحز ِ
FB.com/groups/Book.juice
ومن أبي..
ـ ال تتوقع أن تسمع مني موافقة صريحة يا عبد السالم ,ولكن افعل ما شئت.
21
انطلقت إلى غ رفتها لتفرغ كل دموعها ,وبداخلها أمل ضئيل أن يقف عبد السالم في وجه
قيد القمر
والده ويرفض تلك الزيجة ,أو يظهر أي حل سحري لتعود أمالك العائلة بدون أن تضطر
لمشاركة زوجها مع امرأة أخرى ...وأي امرأة...
إن نعمات امرأة خالبة األنوثة والجمال فنعمات رغم أعوامها الخمس والثالثون إال أنها ال
تبدو إال في الخامسة والعشرين ,فكرت شموس بحنق يقترب من الحسد في جمال نعمات
نهى طلبة
ذات العيون البندقية الواسعة والشعر البني ذو اللمعة الحمراء الطبيعية باإلضافة لقوام رشيق
أهيف لم تشوهه عالمات حمل أو انجاب ..وعبد السالم رجل ,مثله مثل كل الرجال..
صحيح ه ي موقنة من حبه ,ولكنه بالطبع سيخضع لسلطان الجمال بخاصة لو كان هذ
الجمال ملكه وحالله ,ولحظتها ستموت شموس ,ستموت من حسرتها.
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
*********************
توجهت قمر نحو والدها وعلى وجهها ابتسامة حب وتناولت يده لتقبلها وهي تحييه:
ارتسمت ابتسامة واسعة على وجه عبد الرؤوف لمرأى ابنته الوحيدة ,فأشار إلى المقعد
الخالي بجواره وهو يقول:
ـ أنا تحت تصرفك يا والدي ,ولكن هل يرضيك أن يتضور أوالدي ووالدهم جوعاً؟! ...فكما
تعلم أن أنور ال يأكل إال من طعامي ,وكذلك األوالد.
ـ من زوجني له هو قرة عيني أنا ,وكالمه سيف فوق رقبتي ..لذلك لم أستطع رفض الزواج
من ذلك األنور.
نهى طلبة
ارتسمت ابتسامة حزينة على وجه عبد الرؤوف عند سماعه لكلمات ابنته وقال لها:
ـ شموس ..إنها شبه منهارة يا أبي ,وهي حامل كما تعلم وكل تلك االنفعاالت ليست في
FB.com/groups/Book.juice
صالحها ..هل نستطيع تأجيل الموضوع لفترة ,حتى تنهي حملها على خير و...
ـ وماذا يا قمر؟ ..هل سيتغير رأيها؟ ..ال أعتقد ..ثم أن عدة نعمات أوشكت على االنتهاء,
وأخشى أن تطلب الرحيل عن القصر.
23
قمر بصدمة:
قيد القمر
ـ إلى القاهرة ..فلها خالة تعيش هناك ,ولكنها لم تكن على عالقة وثيقة بها ..أنا أعلم أن
نعمات أصيلة وعلى دراية تامة بتقاليدنا ولكني ال أضمن الظروف فقد تقرر الرحيل وعدم
نهى طلبة
المكوث في منزل يعيش به والد زوجها المتوفي وأيضاً ابن أخيه الشابِ ,
فأنت تدركين جيداً
أنني لن أتركها تعيش في بيت عبد الرحمن بمفردها.
ـ دعي لي شموس ..فهي ابنة أخي وأنا أدري كيف أتعامل معها.
*********************
كان الصمت هو سيد الموقف في منزل عبد السالم ..فهو صامت ينتظر من شموس أي
ردة فعل ليجيب طلب أو باألحرى أمر أبيه ,وهي صامتة تبتهل في صمت أن تأتي آخر
محاوالتها بنتيجة ..فهي قد توسلت لقمر أخت زوجها أن تتدخل إليقاف تلك الزيجة ,وقد
بدت قمر غير مقتنعة بالتدخل فهي قبل كل شيء ابنة أبيها ,وتعلم حتمية تلك الزيجة ..لكن
بعد توسالت وافقت قمر على التدخل خوفاً على صحة شموس وما تحمله في أحشائها فقد
FB.com/groups/Book.juice
المنتظر ..وشموس اآلن تعيش على األمل في انتظار أن تأتي تلك المحاولة
يكون الصبي ُ
بنتيجة لصالحها.
لكن ذلك األمل مات في مهده عندما لمحت من نافذة المطبخ سيارة عمها الفارهة تدلف إلى
فناء منزلها وهو يترجل منها ويتحرك بتثاقل نحو بابها ..فعلمت أن محاولة قمر قد ُمنيت
بالفشل األكيد.
24
هرولت نحو غرفة الضيوف منزلها لترحب بعمها -بعد أن نادها زوجها -فهو ال يخرج من
قيد القمر
قصره ليزورهم كل يوم ,فوجدته جالساً في صدر المجلس وانحنت على يده لتقبلها:
ـ بارك اهلل ِ
فيك يا ابنة أخي وزوجة ابني ..تعالي واجلسي بجانبي هنا ,هيه ماذا لديكم على
نهى طلبة
ـ سوف أذهب اآلن ألطهو لك جميع ما تحبه من أطعمة شهية ..وحلويات أيضاً.
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ذهب عبد السالم بالرغم من التضرع الواضح في عيني زوجته بأن يبقى وال يتركها وحيدة
في مواجهة كبير عائلة الجيزاوي ,الذي التفت ناحيتها وهو يقول بتمهل:
أجابته بتلعثم:
25
ـ نعم يا عمي ..أنا..
قيد القمر
ـ وما ُد ِ
مت تعلمين ذلك ,فلماذا تسوقين الوسطاء بيننا؟..
ساد صمت رهيب بعد أن انتهى عبد الرؤوف من كالمه ,وشموس ال تدري بما تجيبه!!...
وما هو التصرف السليم؟..
تشعر بآالم رهيبة تهاجم قلبها وتسيطر عليه ,هل أتى عمها ليضع مصير عائلتهم بين
يديها؟ ...هل يريد أن يسمع موافقتها على تلك المهزلة؟ ..ماذا يريد منها؟ ..ولما هذا
العذاب؟..
FB.com/groups/Book.juice
إذا أراد أن يزوج ابنه بأخرى ,فليفعل وال داعي لتلك التمثيلية التي تقام من أجل التظاهر بأن
ما حدث كان بموافقتها وارادتها ,إنه يخبرها بأن معزتها تماثل معزة قمر!! ..فهل كان يقبل
أن يتزوج أنور على قمر؟ ...أبداً ..إنها متأكدة إنه كان ليدفنه حياً ,لمجرد التفكير في
ذلك ..فلمـ..
مصلحة العائلة ,حتى بدون ذهابي إليها ألقنعها ,فهي ابنتي وأنا أدرى الناس بتفكيرها ..كما
أنني أعلم ِ
أنك ستتخذين القرار الصائب.
بدأت شموس تشعر باآلالم تهاجم كل خلية في جسدها وحاولت الرد على عمها ولكنها لم
تستطع إصدار أي صوت ,فأدارت وجهها عنه تخفي دموعها التي هطلت لتُغرق وجهها
نهى طلبة
وهي تحاول الوصول لقرار صائب أو خاطيء ..أي قرار ,ولكنها شعرت بأن الغرفة بدأت
بالدوران ببطء أوالً ثم زاد دورانها مع ازدياد دقات قلب شموس وهي تشعر بآالم رهيبة في
أسفل ظهرها مما سبب لها الفزع وحاولت التقاط أنفاسها بال جدوى..
تحركت تحاول التمسك بأي شيء ثابت فهي تشعر بأن العالم كله يدور اآلن وهي تدور
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
معه ..وتدور ..ليختفي ويت الشى ببطء ,جعلها تظن أنها تحلم أو تهذي ..لكن ما أكد لها
واقعية ما يحدث هو السائل الدافئ الذي أخذ ينساب ببطء بين فخذيها لينبأها بضياع حلمها
في إنجاب الصبي...
*********************
رحلة سريعة إلى المشفى لمحاولة إنقاذ شموس وطفلها ..حركة سريعة من األطباء وطاقم
التمريض ..الحالة خطيرة ..نحتاج توقيعك للتدخل الجراحي السريع ..كلمة تتردد بكثرة..
تسمم حمل ..تسمم حمل ..الوضع ال يسمح بانقاذ الجنين ..خروج الطبيب سريعاً يريد
FB.com/groups/Book.juice
كل تلك األحداث كانت تمر أمام عيني عبد السالم كشريط سينمائي أداره أحدهم ونسي أن
يوقفه ..فظل يتأمل غرفة العمليات التي اختفى الطبيب بها منذ ..منذ ..هو ال يدري منذ
متى!! ..ولكنه يشعر بالوقت ال يكاد يمر ..وفجأة فُتح باب الغرفة ليخرج الطبيب ومالمحه
متجمدة ليخبره بأن العملية تمت بنجاح ,وان كانت مرحلة الخطر لم تمر بعد..
27
تردد عبد السالم في السؤال وانعقد لسانه ليجد والده الذي ال يعلم متى وصل بجانبه يسأل
قيد القمر
الطبيب:
ولكن كان هناك األسوأ شعر عبد السالم بذلك من نبرة الطبيب فنظر إليه ليحثه على إكمال
حديثه ,فتنحنح الطبيب محاوالً إجالء صوته:
ـ برغم تمكننا من إخراج الجنين بسرعة لكن النزيف استمر واستمر ولم نتمكن من إيقافه
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
تلك الجملة ظلت تتردد في ذهن عبد السالم آالف المرات ...وهو يحاول استجماع شتات
نفسه ويرمق والده بنظرات كلها لوم ,يتمنى لو كان يملك ما يكفي من القوة ليقف في وجهه
ويرفض موضوع الزواج من البداية..
كان رؤوف يتبادل حديث ًا هامساً مع الطبيب حين لمح نظرات عمه الالئمة وهو يوجهها نحو
جده فأيقن أن العم في صدمة وقد يتفوه بما هو جارح أو حتى مدمر لصحة الجد الهشة,
FB.com/groups/Book.juice
فتحرك مسرعاً نحو عمه واقترب منه بهدوء ليشد على كتفه بمؤازرة خفية:
ـ عمي يجب أن تتماسك ,فبالتأكيد ستحتاجك زوجتك عندما تستفيق ,وأنا سأتولى كافة
األمور ال تقلق.
ازدرد رؤوف لعابه بضيق ,فيبدو أن عمه واقع تحت تأثير الصدمة بقوة ولن يستفيق
بسهولة:
ـ عمي أنت تعلم أن الطفل ولد بعد الشهر السادس لذلك يجب...
سكت رؤوف ولم يعرف كيف يكمل جملته التي استوعبها عمه فأكمل عنه:
نهى طلبة
ـ يجب دفنه ..نعم لقد فهمت اآلن طبيعة تلك األمور ,اذهب يا رؤوف ..بارك اهلل فيك يا
بني.
تحرك رؤوف بسرعة من أمام عمه ولكن صوت جده استوقفه من جديد:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ رؤوف..
ـ نعم يا جدي.
ـ رؤوف..
ـ أبي إنني لن أتزوج من نعمات أبداً ,حتى ولو أفرغت جميع ما تملك من أسلحة في رأسي.
*********************
دخلت قمر إلى قصر الجيزاوي بهدوء لتصادف رؤوف الذي كان يتوجه خارجاً..
ـ صحياً إنه بخير ,تبعاً لكالم الطبيب ..لكني أرى أنه مدمر نفسي ًا ,حتى بعد حضور عمي
عبد السالم لالعتذار له بل وتوسله السماح أيضاً ,لكني أعتقد أن جدي يحمل على عاتقه
ما حدث لخالتي شموس ,وال يستطيع مسامحة نفسه حتى أنه غير قادر على مفاتحة عمي
مرة أخرى في موضوع الزواج.
ربتت قمر على كتفه وهي ترمقه بإحدى نظراتها المتفحصة والتي تجعلها أقرب شبهاً بجده
وهي تقول:
ـ حسناً ..ال تقلق يا رؤوف ,إن عمتك قمر وصلت وسوف تجد حالً لجميع تلك المشاكل.
FB.com/groups/Book.juice
تركته لتتوجه إلى غرفة والدها وقد ارتسم على وجهها نظرة عجيبة تترجم ما كان يدور في
عقلها من مخطط رهيب لحل مشكلة العائلة وأمالكها ,تلك الخطة التي ما أن سمعها عبد
الرؤوف حتى انتفض رافضاً بشدة ..ولكن قمر استطاعت -بكل دهاء األنثى الطبيعي
والذكاء المتوارث في جينات الجيزاوي والذي نالت منه قمر نصيباً واف اًر -أن تقنع والدها
30
بذلك الحل الشيطاني للحفاظ على اسم العائلة وممتلكاتها ..واضطر كبير العائلة للموافقة
قيد القمر
ـ نعم ..ال مفر ,لقد أجبرتنا الظروف على ذلك ..ولكنني تمنيت أن يختار ذلك اليتيم زوجته
بنفسه ,فقد ظلمته الحياة كثي اًر ..وها هي الظروف تضطرنا إلجباره على الزواج ومن امرأة
تكبره بخمسة عشر سنة!.
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
*********************
توجهت قمر من فورها إلى غرفة نعمات ودخلت إليها بعد أن طرقت الباب:
32
ـ صباح الخير يا نعمات ..هيه ,ماذا تفعلين؟..
قيد القمر
ال بقمر الزمان ..أنا كما ترين ال أفعل شيء سوى المكوث بحجرتي طوال اليوم ,من
ـ أه ً
ِ
أرجوك يا قمر فأنا أشعر بملل رهيب. الجيد ِ
أنك هنا ,فلتب ِ
ق معي اليوم..
ِ
أفهمك يا قمر. ـ أنا التي تريد!!! ...أنا ال
والتعليقات بشأن إنجابي أنا وعبد الرحمن رحمه اهلل ,فكيف تسأليني اآلن بعد وفاته مثل تلك
األسئلة؟..
عاد المكر ليرتسم فوق مالمح قمر وهي تمسح بعض دمعات تساقطت على وجنتي نعمات
الناعمتين:
نهى طلبة
ِ
جرحك ..فأنا أعلم جيداً أن عدم اإلنجاب كان ـ لما البكاء يا نعمات؟ ..أنا لم أكن أريد
مشكلة عبد الرحمن.
نهضت قمر من الفراش فقد شعرت أنها ال تستطيع المكوث في بقعة واحدة بدون أن تتحرك
وقالت لنعمات:
ـ وهل تحتاجين إلجابة يا قمر؟ ..هل توجد امرأة طبيعية ال تتوق لألمومة!! ..لكن يجب
الحلم وأواريه التراب مع عبد الرحمن رحمه اهلل.
علي أن أنسى ذلك ُ
FB.com/groups/Book.juice
ِ
كالمك هذا يا قمر؟ ..هل تحاولين إخباري بشىء ما ,رسالة ربما ,من الحاج عبد ـ ما معنى
ِ
كالمك هذا أنه لن يعارض إذا ما فكرت في الزواج مرة أخرى؟.. الرؤوف؟ ..هل معنى
زادت حيرة نعمات ولم تفهم هدف قمر من كل تلك األسئلة ,ونفذت قدرتها على تحمل
تالعب قمر بها فصاحت:
ـ قمر ...أتوسل ِ
إليك أنا ال أحتمل تلك األلغاز ..لما ال تخبريني مباشرة إلى ماذا تهدفين؟.
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
عادت قمر للجلوس على الفراش بمواجهة نعمات ونظرت في عينيها مباشرة:
ِ
عدتك, أنك ماز ِ
لت في أيام ـ نعمات ..أنا أتكلم عن سنة الحياة ,عن ِفطرة الخلق ..أنا أعلم ِ
ُ
ِ
وفرصك في اإلنجاب أنك على مشارف الخامسة والثالثين ,الوقت يجري كما أعلم أيضاً ِ
ِ
جمالك لن يتركها الناس وشأنها خاصة في مجتمعنا تتضاءل ..وزو ِ
اجك البد منه ,فامرأة في
ِ
صلحتك ومصلحتنا. ِ
عدتك ,م الضيق بأفكاره العتيقة ..لذا المصلحة تحتم زو ِ
اجك فور انتهاء
نهى طلبة
شعرت نعمات بأنها تغرق ..تغرق وسط دوامة من األفكار زرعتها قمر في رأسها ,فعادت
تسأل بحيرة:
ـ ماذا تعنين يا قمر؟ ..أنا ال أفهم مصلحتي؟ ..ومصلحتكم؟ ...هل يريد عمي الحاج
ِ
أرسلك لتبلغيني بهذا؟.. إخراجي من المنزل؟ ..هل
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ إخر ِ
اجك م ن المنزل؟ ..من قال هذا؟ ..هل تعتقدين أن الحاج عبد الرؤوف يمكن أن يفكر
بتلك الطريقة؟!!!..
ِ
يقدرك كثي اًر لذا ـ الموضوع ببساطة ..أن الحاج ال يرغب في أن ير ِ
اك خارج العائلة ,فهو
ِ
اختارك لتكوني زوجة ألفضل رجال العائلة..
نعمات بصدمة:
ـ ماذا؟!!!..
36
ردت قمر بهدوء مستفز:
قيد القمر
ـ هل تعنين أن و ِ
الدك يرغب في تزويجي من عبد السالم؟ ..يا إلهي!! ..هل يريدني أن
نهى طلبة
أرتبط بأخ زوجي المتزوج؟!! ..وشموس؟ ..هل وافقت على تلك المهزلة؟.
ـ لهذا حدث ما حدث لشموس؟ ..هل أنا السبب؟ يا إلهي!! ..يا إلهي!!..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
أُسقط في يد قمر ,فهي لم تفكر في أن نعمات يمكن أن تربط األحداث ببعضها ..لذلك
سارعت بمصارحتها بدون مرواغة قائلة:
ِ
بتزويجك منه ..إن ـ وما شأن عبد السالم بموضوع زو ِ
اجك؟ ..أنا لم أقل أن أبي يرغب
والدي ير ِ
يدك زوجة لرؤوف ابن أخي عبد اهلل..
ـ إن رؤوف رجل يعتمد عليه ,ووالدي يعده منذ زمن ليحل محله في كل شيء ,و ِ
أنت ترغبين ُ
لك بالزواج من خارج العائلة ,و ِ
أنت تدركين ذلك جيداً ..إذاً ..ما في األطفال ,ولن يسمح ِ
ُ
المشكلة؟ ..في إتمام الزيجة؟ ..إن رؤوف بال شك سيرغب في المحافظة على بيت عمه
ِ
فرصتك وزوجته من ذئاب البشر ,فهو رجل بحق كما أخبر ِ
تك ..فكري جيداً ..وال تضيعي
نهى طلبة
تأملتها نعمات بصدمة ,وقد أدركت جدية األمر ,ولم تعلم بما تجبها إال بما هو واضح
وضوح الشمس ولكن قمر تتجاهله ببراعة:
ـ قمر إن رؤوف في العشرين من عمره ..إنني أكبره بحوالي خمسة عشر عاماً ..هل تدركين
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
صعقت نعمات من منطق قمر ,ففغرت فاهها غير قادرة على مواصلة ذلك الحديث
ُ
المجنون ..ولكنها يجب أن تحاول إيصال وجهة نظرها إلى قمر ,بل إلى والد قمر الذي
أرسل ابنته التمام تلك المهمة العجيبة والمستحيلة...
FB.com/groups/Book.juice
ـ إن رؤوف بالنسبة لي ..ابن أخ زوجي ,أراه كشاب صغير ..لن أبالغ وأقول طفل ,ولكني
ِ
عليك أفكر في الزواج منه؟ ..حتى لو كان بالفعل عاصرت أيام من طفولته ,كيف باهلل
فرصتي الوحيدة كما تقولين!!!..
38
نظرت قمر في عينيها وسألتها بتمعن:
قيد القمر
ـ أنا أعلم ِ
أنك لن ترغبي في ذلك ..فكري جيداً في رؤوف ,فهو لم يكن أبداً طفل حتى وهو
طفل ,إن والدي يعامله كرجل منذ أن تولى رعايته ورؤوف اعتاد على ذلك فهو يتصرف
نهى طلبة
ويتعامل كرجل مسئول ,فال تجعلي فارق تلك السنين عقبة في تحقيق أمنيتك.
حاولت نعمات الكالم مرة أخرى ولكن للمرة الثانية تقوم قمر بإيقافها ,وتنهض من على
الفراش لتقبلها مودعة وتهمس لها:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ أبي في انتظار مو ِ
افقتك.
*********************
رغم اعتراض عبد الرؤوف الخفي على تلك الزيجة العجيبة ,إال أنه يتفق مع ابنته قمر بأنها
المتاح للحفاظ على أمالك وهيبة العائلة ..وكان يدرك أن طريقه مع رؤوف
السبيل الوحيد ُ
أيسر بكثير من طريق قمر مع نعمات ,فرؤوف سيكفيه توضيح سريع للموقف وطلب حازم
من جده ليفهم أن تلك الزيجة واجبة التنفيذ ,وال مجال لالعتراض فمصلحة العائلة لها
األولوية على كل شيء وأي شخص.
FB.com/groups/Book.juice
لذا بعد أن تناوال العشاء على غير العادة ,حاول أكثر من مرة مفاتحته في الموضوع ,لكنه
كان في كل مرة يجد ُغصة في حلقه فرؤوف ليس حفيده فحسب بل هو كابن رابع له ,وعلى
الرغم من أنه ال يندم على طريقته الصارمة في تنشئته إال أنه يلوم نفسه أحياناً عندما يدرك
أنه لم يعش طفولته وصباه مثل أي طفل آخر.
39
وها هو اآلن يوشك أن يسلبه شبابه بسؤاله الزواج من أرملة عمه ,لكن ليس أمامه سبيل
قيد القمر
آخر فال مجال لطلب ذلك من عبد السالم فهو ال يستطيع حتى تلك اللحظة مواجهة عينيه
بعدما خسر ابنه من قبل حتى أن يراه ,ومن أدرى منك يا عبد الرؤوف بخسارة الضنى؟..
ـ جدي هل أنت بخير؟ ..إني آراك شارد الليلة؟ ..إلى أين ذهبت بأفكارك يا جدي؟..
نهى طلبة
ساعد رؤوف جده حتى وصال إلى المكتب الذي طلب الجد من حفيده إغالقه خلفهما ,ثم
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
اضطجع على مقعد وثير وأمر رؤوف بالجلوس أمامه على األريكة ...وتنحنح ليجلي صوته
ثم قال:
ـ رؤوف ..الموضوع يخص ثروة عمك التي آلت بطرفة عين إلى زوجته ..أنت أدرى الناس
بصعوبة فصل األمالك ومحاولة إعادة كل شيء إلى أصله قبل أن يقوم عمك بطلب
القرض ,وحتى إن حاولنا فلن أسمح بخروج ما ستتملكه نعمات خارج حدود العائلة ,لن
أرواغ معك يا بني ,فذلك ليس أسلوبي ,لن يتمكن عمك عبد السالم من الزواج منها ,لذا
فليس أمامي سواك اآلن ,رؤوف ..يجب عليك الزواج بنعمات.
FB.com/groups/Book.juice
لن ينسى عبد الرؤوف ذلك التعبير الذي ارتسم على وجه حفيده ,خليط من ذهول وتعجب
ورفض واستنكار لما يسمعه ولكن ما ذبحه حقاً تلك النظرة الكسيرة التي ظهرت في عينيه
للحظات ..ثم أخفض بصره أرضاً وهو يخفي عينيه عن جده ويقول بصعوبة:
نهض رؤوف من على األريكة وتوجه إلى جده وانحنى على يده ليقبلها قائالً:
علي تنفيذه.
ـ أنت الخير والبركة يا جدي ,وكل ما تريده أمر واجب ّ
ـ سيكون زواج متكامل األركان يا ولدي ,فعائلة الجيزاوي بحاجة إلى وريث من بعدك ..أنت
تفهمني جيداً وتفهم واجبك ,لن أسمح أن يختفي اسم الجيزاوي من بعدي كأنه لم يكن ..أريد
أحفاد يا رؤوف ...أريد أن أرى هؤالء األحفاد قبل وفاتي.
أشاح رؤوف بوجهه بعيدًا عن جده ,فبرغم كل شيء كان كالم جده محرجاً له ,فهو لم يصل
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
بتفكيره لما يعنيه الزواج حتى ذكر له جده األحفاد ...وقال بهمس:
ـ معذرة يا جدي سأصعد إلى غرفتي ألستريح قليالً ,هل تأمر بشيء آخر؟ ..هل أساعدك
للذهاب إلى غرفتك؟..
ـ كال يا بني ..اذهب أنت لتستريح اآلن ,وبالمناسية سيكون الزواج في نهاية الشهر.
من..
ـ هل وافقت؟..
*****************
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
42FB.com/groups/Book.juice
الفصل الرابع
قيد القمر
أعلنت نعمات بتردد عن موافقتها ..وكان ذلك بعد أن كادت تصاب بالجنون من التفكير,
فإنذار قمر كان واضحاً..
"إذا أرادت أطفال ,أو حتى حياة عائلية هادئة فستكون عبر العائلة ..عبر رؤوف فقط".
ومن هي حتى تعاند وتعارض أمر أصدره عبد الرؤوف الجيزاوي!! ..ولكنها رغم ذلك لم
نهى طلبة
ترضخ بسهولة ,بل حاولت محاولة أخيرة للهرب من فخ تلك الزيجة ,فراسلت خالتها في
القاهرة تسألها العون ,ولكن بالطبع وقفت سطوة عائلة الجيزاوي كحائل قوي دون تلك
المعونة.
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
وبالرغم من علمها بالموقف المالي الذي نشأ عنه وفاة عبد الرحمن ,إال أن ذلك لن يفيدها
في شيء ..فكما يقولون أحبال المحاكم طويلة وهي ستكون خاسرة مثل عائلة الجيزاوي
تماماً ,إذا فكرت في اللجوء إليها ..ستخسر سنيناً لم تعد تملكها ,عم اًر يتسرب من بين
أصابعها..
ِ
داعبت ال أنطفأ منذ دهور ...لما أشعلت حنيناً ُدفن منذ زمن و ِ
أحييت أم ً ِ "تباً ِ
لك يا قمر ,لقد
ِ
كلماتك ..سأبتذل حلم األمومة بداخلي؟ ...آه ...آه ..كم أريد ذلك الطفل الذي وعدتني به
نفسي وأهين كرامتي قرباناً لتلك الكلمة السحرية ..أمي"....
يتبق
ذلك ما كانت تحادث به نعمات نفسها وهي تفكر في زواجها من رؤوف ,والذي لم َ
FB.com/groups/Book.juice
حاولت تصور رؤوف كزوج لها ,ولكنها فشلت بقوة ,ففارق السن غير مستساغ فهي
عاصرت رؤوف كطفل ..هنا ..توقفت بتفكيرها ..كال هي ال تتذكره كطفل أبداً ,حاولت..
وحاولت ..ولكنه كان دائماً صارم المالمح وجاد القسمات.
43
ال ..لم تفكر به كطفل أبداً ,أو حتى كرجل في ريعان شبابه ..يا إلهي ,كم هو جاد
قيد القمر
وحازم ...كيف ستتعامل معه؟ ...كيف؟ ...تحمد اهلل في داخلها على موافقته على اإلقامة
في بيتها القديم ,بيت عمه ..ورغم دهشتها من تلك الموافقة إال أنها لم تتوقف أمام أسبابها.
بعكس عبد الرؤوف الذي صدمه موافقة رؤوف على اإلقامة في بيت عمه ..وللمرة األولى
ترتسم الدهشة على معالم وجه كبير العائلة عندما سمع تلك الموافقة ,تلك الدهشة التي
نهى طلبة
رسمت على شفتي رؤوف ابتسامة ساخرة نجح في إخفائها سريعاً وهو يحادث نفسه:
"تتعجب يا جدي من موافقتي على اإلقامة في بيت عمي ,ولم تدهشك موافقتي على أخذ
زوجته!!"..
فكان أن أمر كبير العائلة ببعض التصلحيات والتجديدات به ,وكان على رأسها بالطبع
تغيير غرفة النوم تغيير شامل ,لتخفي معالمها القديمة وتستعد إلستقبال الزوج الشاب الذي
عقدت عليه اآلمال لتوفير وريث لعائلة الجيزاوي...
*********************
بالفعل ُكتب الكتاب بعد انتهاء عدة نعمات بأسبوع ..ولم يكن ضمن الحضور سوى عبد
FB.com/groups/Book.juice
الرؤوف وعبد السالم اللذان شهدا على العقد وأنور زوج قمر...
لم تحضر شموس وال بناتها وتعذرت بحالتها الصحية ..ولكنها كانت مجروحة منهم جميعاً,
كما أنها كانت غاضبة بشدة لتوريطهم رؤوف في تلك الزيجة المشوهة..
تباً لكل األموال واألمالك التي ستتسبب في دفن شباب رؤوف بين أحضان زوجة عمه,
التي ال تدري كيف وافقت على استبدال العم بابن أخيه!.
44
*********************
قيد القمر
دخل رؤوف إلى البهو وهو يتقدم نعمات التي كانت تنظر إلى األسفل ولم ترفع رأسها حتى
بعد أن سمعته يقول:
ـ تفضلي..
ثم أغلق الباب بعد أن دخلت هي ,لتنظر إلى الباب بفزع وكأنها لم تستوعب بعد أنها
نهى طلبة
حاول رؤوف الكالم أو حتى افتعال أي حوار مهذب ,ولكنه لم يجد ما يتفوه به ..فما كان
منه إال أن توجه إلى غرفة المكتب وهو يتمتم بكالم لم يعلم إن كانت فهمته أم ال...
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ثم تحرك مسرعاً داخل غرفة المكتب ليغلق بابها خلفه ,ويستند عليه وهو يلهث وكأن كلمة
فراش قد ذكرته بما هو مطالب به في تلك الزيجة ..حاول تهدئة أنفاسه وهو يتمتم:
"اهدأ يا رؤوف ..اهدأ ..ما بك؟ ..ألست رجالً بما يكفي أم ماذا؟"..
وض ع وجهه بين كفيه يحاول استرجاع هدوءه ,ليخرج إلى زوجته ويحاول اصطناع ثقة ال
يشعر بها ولكنه عليه أن يتقنها ,بدالً من هروبه من أمامها كطفل صغير ,أوقف أفكاره
ومحاوالته الواهية صوت باب يغلق فأدرك أنها صعدت لغرفتها لتنام وتعفيه من حرج
FB.com/groups/Book.juice
الموقف.
أما نعمات فقد فوجئت باختفاء رؤوف من أمامها وهو يتمتم بكلمات عن العمل ,ثم يتركها
وحيدة في بهو منزلها ..تلفتت حولها قليالً ,لتدرك أن زوجها الشاب فضل اللجوء إلى عمله
ٍ
بصوت مسموع عوضاً عن أحضانها ,فتحركت ببطء لتصل إلى غرفتها الجديدة وتغلق بابها
وبداخلها هي شاكرة لهروب رؤوف منها..
45
*********************
قيد القمر
استيقظ رءوف مع أول ضوء للشمس وهو يشعر بتصلب في جميع أنحاء جسده ليكتشف أنه
قضى الليلة على األريكة في غرفة المكتب مثل كل ليلة من االشهر الذي مضى منذ
زفافه ...حرك جسده قليالً ليتمكن من النهوض ..ليأخذ حماماً سريعاً ينشط به نفسه ثم
يخرج متوجهاً إلى الشركة..
نهى طلبة
بينما وقفت نعمات تراقبه من خلف نافذتها كعادتها يومياً ...فكان هذا روتينها اليومي منذ
أن تزوجا ,واستيقظت في اليوم التالي لزفافهما لتفاجئ باختفاء زوجها من منزلهما ,وظلت
في حيرة تتساءل عن مكان وجوده حتى سمعت صوت سيارته يعلن عن وصوله إلى الفيال
وكان ذلك قرب نهاية المساء..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ مساء الخير..
أجابته بهدوء:
ـ مساء الخير..
ظال يتبادالن النظرات لفترة وكال منهما حائر ..ما هي الخطوة التالية!!! ...وأخي اًر تحرك
رؤوف نحو الدرج وهو يقول:
FB.com/groups/Book.juice
أما نعمات وجدت نفسها تسأله بحدة المت نفسها عليها الحقاً:
أجابته بدهشة:
ـ ذهبت للعمل!!!..
ذكرته مالمح التعجب المرتسمة على وجهها بمالمح عمه وزوج عمته وكل من قابله اليوم
في الشركة ,وهم يناظرونه كما لو كان نبت له رأس آخر ,أو ظهرت له عين ثالثة ..وذلك
نهى طلبة
لحضوره إلى العمل في الصباح التالي للزفافه ..ولكنهم كتموا أسئلتهم داخل صدروهم ولم
يذكر أي منهم ما يدور في ذهنه ,فالجميع يعلم الطبيعة الشائكة لهذا الزفاف ..ولكن هذا لم
يمنع من صدور بعض التعليقات من غالبية العاملين بالشركة والتي بالطبع وصل معظمها
إلى أذنيه إما عن عمد أو ال..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
هو ال يهتم ..فهو لم ولن يبرر تصرفاته ألحد ,أما اآلن وهي تلقي إليه بتلك النظرات العاتبة
انتابته رغبة غريبة في اإلعتذار لها فقد أدرك اآلن فقط أنه أساء إليها بتصرفه ذاك ..خاصة
وأن األقاويل تتناثر بالفعل حول زواجهما..
ـ هل أعد لك الطعام؟..
أجابها بتلعثم:
FB.com/groups/Book.juice
ـ أنا جائع بالفعل ,فلم يدخل معدتي سوى القهوة والشاي طوال اليوم.
أجابته برقة:
يريد أن ينفرد بنفسه قليالً حتى يرتب أفكاره ,فهو تعمد إغراق نفسه بالعمل طوال اليوم هرباً
من األفكار التي تراوده بخصوص زواجه ..وما هو منتظر منه ..والذي تبين صعوبة تقبله
له ..فما بالك بالتنفيذ!!...
دلف مباشرة إلى مكتبه بعد انتهائه من تناول طعامه بعد أن اعتذر منها بكلمات مبهمة..
نهى طلبة
وظل هذا روتينهما اليومي طوال الشهر المنصرم ..يختفي صباحاً في عمله ويعود ليأكل
ويتبادل معها بضع كلمات وهو يتهرب من عينيها ,ثم يختفي في مكتبه حتى الصباح التالي
لتراقب هي انصرافه لعمله من وراء نافذتها..
رنين الهاتف هو ما جعل نعمات تتحرك من خلف نافذتها لتلتقط السماعة وتجيب على
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
المتصل الذي تبين أنه قمر ,التي تخبرها بحضورها إليها ومعها بعض جاراتها الالتي يردن
تقديم التهنئة لها ..حاولت نعمات التملص من تلك الزيارة بكل الطرق ,إال أن قمر كانت
حددت الموعد بالفعل وكان اتصالها إلبالغ نعمات فقط..
كانت الزيارة كما توقعت نعمات تماماً ..بضعة من النساء الالتي أتين لمشاهدة المرأة التي
تزوجت بابن أخي زوجها والذي يصغرها في السن وأتخذن التهنئة كذريعة ليغتلنها بهمزاتهن
ولمزاتهن ..وتنوعت الكلمات ولكن كان المعنى كله واحد ..فبادرتها السيدة األولى:
ـ هاه؟ ..هل تنتظرين حادث سعيد يا عزيزتي؟ ..أم ما زال الوقت مبكر على ذلك؟..
48
لتهمس لها السيدة الجالسة بجوارها:
قيد القمر
ِ
نسيت؟. ـ أي سؤال هذا!! ..إنها ال تنجب ..هل
ـ لقد سمعت أن رؤوف يذهب إلى عمله يومياً ,هل سأم الزواج بتلك السرعة؟..
نهى طلبة
أستأذن
ّ وظلت األحاديث تتوالى وتدور حول نفس الموضوع طوال مدة الزيارة ..حتى
للخروج ..وعندها تنفست نعمات الصعداء ..فأخي اًر ستعتق من جلد سياط ألسنتهن ..فإذا
كانت تلك حوارتهن في وجودها ,فما هي األحاديث التي يتداولنها من خلف ظهرها...
أغلقت خلفهن باب الفيال والتفتت لتجد قمر مازالت جالسة ولم تخرج معهن وأخذت تنظر لها
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
تعجبت نعمات من السؤال وتأملت مالبسها المتمثلة في جلباب فضفاض أنيق لونه أزرق
داكن مطرز بخيوط فضية وذهبية وحجاب متماثل معه..
ـ ما بها مالبسي؟..
FB.com/groups/Book.juice
أنت ِ
كنت زوجة من قبل ,وتعلمين ما الذي يجذب عين الرجل. ـ نعماتِ ..
ِ
ضايقتك كلمات تلك النساء منذ قليل؟.. ـ لما كل هذه الدهشة؟!! ..هل
نهى طلبة
ِ
تعمدت إحضار هؤالء النسوة لكي تجرحيني؟!!. ـ قمر ..هل
ـ كال بالطبع ,لم يكن هذا هدفي ..لقد أتيت بهن حتى تسمعي بأذنيك األقاويل والشائعات
المتداولة ِ
عنك وعن رؤوف ..ال تظني أنني سعيدة بما حدث ..فذلك اللغو يمس العائلة قبل
ِ
أفهمك أن الشائعات وكالم الناس لم ولن ينتهي ..فسيظل كل شيء ,ولكني أردت أن
زواجكما هو حديث مجتمعنا الصغير لفترة ,ولكن ليس معنى هذا أن نعلق تلك الزيجة أو
نوقفها..
يحدث إال بعد أن تنجبي الولد فيبلع الجميع كلماته ..وهذا لن يحدث بالطبع إذا كان رؤوف
FB.com/groups/Book.juice
كالم الناس لن ينتهي ,ولكن أسرار البيوت وغرف النوم ال يجب أن تخرج عن الزوجين..
وتذكري المثل الذي يقول "من يخجل من ابنة عمه ,ال يستطيع اإلنجاب منها".
نهضت قمر من جلستها وربتت على كتف نعمات المذهولة لدرجة انعقاد لسانها عن الرد
على قمر ..فانحنت قمر لتهمس في أذنها:
وخرجت قمر من الفيال تاركة نعمات غارقة في دهشتها ,وكلمات قمر تدور في عقلها..
وهي تتخيل نفسها تتزين كزوجة لرؤوف..
أخرجت األفكار من رأسها على الفور فهي لن تقوم بإغراء زوجها ..زوجها ..ترددت الكلمة
في عقلها عدة مرات ..هل أصبحت تنظر لرؤوف كزوج اآلن؟ ..هي ال تنكر أنها أصبحت
تجده جذاب نوعاً ما كرجل ,وليس كشاب عاصرت مراحل نموه..
51
ابتسمت بخفة وهي تتذكر مالمحه المذهولة من تصرفها في صباح أحد األيام عندما وجدت
قيد القمر
نفسها تعدل وضع رابطة عنقه ,وكيف سكن جسده عن الحركة وحتى التنفس تحت تحركات
أناملها وهي تنتهي من ظبط الرابطة وتمسد على كتفي بذلته بصورة عفوية..
أغمضت عينيها بألم لتبعد تلك الصورة عن ذهنها لكنها فوجئت بصورة ذهنية لها اخترعها
خيالها الخصب وهي تتزين وتتغنج لرؤوف ..نفضت رأسها بقوة لتمحي تلك الصورة لكنها
نهى طلبة
وجدت كلمات قمر تعاد في ذهنها مرة أخرى مختلطة بلمزات النساء الالتي كن في زيارتها..
كاد التفكير في التصرف الصحيح أن يفتت لها عقلها من الصداع ..هل تتزين وتغير من
مالبسها؟ ..أو تظل كما هي؟ ..طال بها الوقت وأخي اًر اكتفت بمالبسها التي ترتديها ولم تقم
بتغييرها ,فهي لم تخبر قمر أنها تستقبل رؤوف بمالبس أقل أناقة من التي كانت ترتديها..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
فهي كانت ترتدي أمامه دائماً مالبس عادية وغير متكلفة ..وعبائتها المزركشة تلك تعد
تغيير ولو بسيط ,وقررت أنها ستتخذ قرارها في تعديل سلوكها نحوه بناء على ردة فعله حول
ذلك التغيير...
وحان المساء وقت عودة رؤوف ,فأعدت المائدة كالعادة ,وانتظرته في البهو ..وبعد عدة
دقائق سمعت صوت الباب يغلق معلناً عن وصوله ...ليدخل ويلقي تحية المساء ويتجه
نحو المائدة قائالً:
وجلس يتناول طعامه في سرعة كعادته ..حتى انتهى وتوجه مسرعاً إلى األعلى ليغتسل
بدون أن يبدي أي مالحظة على مظهر نعمات التي كانت تتميز غيظ ًا منه ومن تجاهله
لمظهرها ..فنزعت الوشاح من فوق أرسها بحركة عنيفة ..وحركت رأسها بقوة لتنفض
خصالتها الحمراء وتحررها لتنسدل على كتيفيها ,وتحركت نحو الطابق األعلى ودقات قلبها
تكاد تصم أذنيها..
52
خرج رؤوف من حمام الغرفة بعد أن أخذ حمام سريع ,ليفاجيء بدخول نعمات في نفس
قيد القمر
اللحظة ..فتوقف عن تجفيف شعره بالمنشفة وهو يحدق بها وهي واقفة على العتبة ال
تتحرك ..ولكنها تتنفس بسرعة شديدة ولكن ما لفت نظره هو شعرها ..فخرجت الكلمات من
فمه قبل أن يفكر:
ـ شعرك!!..
نهى طلبة
ـ ماذا به؟..
فأجاب ببالهة:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ أحمر!!..
ـ نعم ..إنه أحمر كما كان طوال حياتي ..أال تحب الشعر األحمر؟!!..
حدق بها بتعجب ولم يعرف بما يرد عليها ..فهل لون الشعر قابل للحب؟ ..ما هذا الهراء..
كيف للرجل أن يحب لون الشعر؟!!! ..ما الذي يفرق لون عن غيره؟!! ..نظر إليها فوجد
أنها ما زالت تنتظر اجابته ..فنطق بكلمات لم يتبين غبائها إال بعد أن سمعها:
ـ هاه ..ال أعرف ..لم أفكر في ذلك ..فأنا لم أر إال شعر أمي وكان لونه أسود.
FB.com/groups/Book.juice
شهقت بدهشة:
ـ ماذا؟!! ..والدتك!!.
ـ جيد!
تحرك رؤوف سريعاً منهياً الموقف المحرج الذي وجد نفسه عالقاً به ,واعتذر متعلالً بعمله
للمرة األلف..
نهى طلبة
أما نعمات فكانت تعصف بها مشاعر شتى ..من اإلحراج والغضب والخجل ..وسعادة خفية
ألنها استطاعت أن تخطو خطوة نحو زوجها ,حتى وان لم تال ِ
ق النجاح الذي آملته ,ولكنها
تعتقد أنها ال بداية لشيء ما ,فإذا كان التفت إلى لون شعرها فهي يجب أن تطرق الحديد وهو
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ساخن وتستغل دفقة الشجاعة التي تسري في عروقها اآلن ..فبدلت عباءتها الفضفاضة
بفستان ذو مظهر خادع فهو يبدو أنيق ومحتشم ولكنه يرسم مالمحها األنثوية بوضوح...
ال التحكم في ألم
واتجهت إلى غرفة المكتب حيث وجدت رؤوف يضغط على رأسه بقوة محاو ً
رأسه..
سؤال بسيط ..يحتاج إلجابة بسيطة ,ولكنه عاجز عن الرد ..ظل يحدق فيها بدون أن
FB.com/groups/Book.juice
يصدر أي استجابة تدل على أنه يفهم ما تقول ,فعقله كله انتقل إلى عينيه الالتين كانتا
تحدقان فيها بذهول ..فهو ألول مرة منذ زواجهما يراها بتلك الثياب التي تفسر وال تخفي..
ولم يعجبه اإلحساس الذي سرى في جسده ..إحساس غريزي بحت ..من رجل نحو امرأة..
امرأة تحاول لفت نظره إليها..
حدق بها ببالهة عدة لحظات ..ثم وجد صوته بعد لحظات:
وجاء ردها:
نهى طلبة
ـ بالطبع تشعر بالصداع ,فأنت تعمل بال إنقطاع ..ونومك على األريكة كل ليلة يزيد من
تشنج عضالتك..
ـ هيا ..سوف أقوم بعمل تدليك لعضالت عنقك سيساعدك على االسترخاء..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
وأقرنت قولها بتحريك يديها على كتفيه وهي تمسد له عضالت كتفيه وعنقه ..وأخذت
أصابعها تتحرك في حركة دائرية رتيبة ..وعندما بدأ يشعر بقليل من الراحة سمعها تهمس:
ـ إن عضالتك متشنجة جداً ,األفضل أن تصعد إلى الغرفة حتى تتمدد جيداً ,وأتمكن من
تدليك عضالتك كما يجب..
استلقى رؤوف على بطنه وشعر بحركة أناملها تتجول على ظهره لفترة ,ولكن سرعان ما
جاء صوتها هامساً بحرج:
شعر رؤوف بحركة أناملها البطيئة تتجول على ظهره لتمنح عضالته المرهقة الراحة
المنشودة ..وبدأت عضالته تسترخي رويداً رويدا تحت ضغط أناملها..
ـ هل آلمتك؟..
ابتسمت ولم تجبه وهي تتأمل عضالته البارزة التي توحي بقوة ورجولة بدأت تشعر بتأثيرها
عليها فتغيرت لمساتها لتصبح أكثر رقة ..واغواء ..شعر هو بتغيير لمساتها وبدأت قطرات
خفيفة من العرق تنضح على جسده فتوقفت نعمات عن تمسيد عضالته عندما أدركت أنه
شعر بما انتابها ,فسألها بصوت مكتوم:
ِ
توقفت؟. ـ لم
لم يسمع ردها ولكنه شعر بعد لحظات بشفتيها تالمس ضهره برقة ..فانتفض بقوة وانقلب
على ظهره وعينيه تواجه عينيها التي ظهر بها رغبتها في إتمام زواجهما ..وتأكد من ذلك
FB.com/groups/Book.juice
عنما شعر بأصابعها تداعب خصالت شعره برقه وهي تميل برأسها لتقبله على شفتيه قبلة
رقيقة ..شعر بها كهمسة خفيفة ..فتحركت يده خلف عنقها ليجذب رأسها إليه ويعمق من
قب لتهما ..وهي تزيد في احتضانه تخبره بلمساتها أنها مستعدة لتبدأ حياتها الجديدة معه...
*********************
56
فتح رؤوف عينيه متملمالً من آشعة شمس الصباح ,ولكنه وجد محيطاً مختلفاً عما يقابله
قيد القمر
كل صباح ..فأخذ يرمش بجفنيه محاوالً استيعاب مكان تواجده ,ورفع رأسه قليالً ليتبين أنه
كان يتوسد صدر نعمات التي كانت نائمة بين ذراعيه في هدوء ..فتوجهت أنظاره إلى جسده
الذي كان عارياً تماماً ,فأصابه الذعر مما رآه وقفز من الفراش بسرعة وهو يبحث عن
مالبسه ويرتديها كيفما كان..
نهى طلبة
كان انتهى من ارتداء سرواله ,عندما واجهته عيني نعمات وابتسامة محرجة على وجهها..
وهي تقول بهمس:
ـ صباح الخير..
جلس رؤوف على حافة الفراش بتهالك وهو ينظر إليها ويهمس لها معتذ اًر:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
تحركت نعمات على الفراش وهي تلف مفرش السرير حولها لتضع أصابعها على شفتيه:
ـ ال تعتذر ..أنت زوجي اآلن ..وهذه حياتنا معاً ويجب أن نبدأها كما يجب...
واقتربت أكثر وهي تضمه إليها ..وتطبع شفتيها على شفتيه في قبلة طويلة ..استجاب لها
جسده على الفور...
57FB.com/groups/Book.juice
الفصل الخامس
قيد القمر
دخلت شموس إلى الغرفة بهدوء ظاهري ال يعكس االنفعاالت التي تموج بداخلها ..ففي
النهاية هما ضيفتان في بيتها ,ومن الواجب عليها الترحيب بهما...
ـ مرحباً ..أهالً ِ
بك يا قمر..
نهى طلبة
ـ أهالً ِ
بك..
كانت تعرف أنه ترحيب فاتر ولكنها لم تستطع أن تفعل أكثر من ذلك ..فكيف يمكنها
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ابتلعت غصتها بضيق وهي تدعوهما إلى الجلوس وتسألهما عما تودان تناوله وتلقي كلمات
الترحيب المعتادة ..ولكن كان ذلك يتطلب منها مجهوداً فوق طاقتها ويبدو أن قمر
استشعرت ذلك فبادرت بالسؤال:
ـ بخير..
ـ أين العروس؟..
قالت جملتها وهي ترمق نعمات بقهر عجزت عن اخفائه ,فهي رفضت أن تكون نعمات
زوجة ثانية لعبد السالم لتدور عقارب الزمن خمسة عشر عاماً وتصبح نور القمر ابنتها
زوجة ثانية لرؤوف زوج نعمات ..آه ..إن الغيظ والقهر يقتالنها قتالً..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
كانت لتكون أسعد أم على وجه األرض لو جاء رؤوف خاطباً البنتها ..ولكن بدون تلك
الزوجة التي تكبره بخمسة عشر عاماً وتكبر ابنتها هي بخمسة وعشرين عاماً أو أكثر..
إن نعمات في عمر يكفي لتكون أم لنور القمر وليس ضرة لها ..أي منطق هذا؟ ..وكيف
ستتعامل ابنتها مع ذلك الوضع الغير طبيعي بالمرة..
ـ ِ
لك اهلل يا نو ار يا ابنتي.
هذا كان تفكير شموس بينما كانت نعمات صامتة في وجوم ..فما المفترض بها قوله وهي
ذاهبة لكي تخطب لزوجها!!! ...ولكنها وجدت أن سكوتها هذا سيؤخذ عليها خاصة مع
FB.com/groups/Book.juice
ـ أعتقد ِ
أنك تملكين فكرة جيدة عن سبب وجودنا اآلن ..فال داعي للمقدمات ..فنحن يسعدنا
التقدم بطلب يد اآلنسة نور القمر ابنتك ..لرؤوف...
59
ال ثم أردفت:
صمتت قلي ً
قيد القمر
ـ زوجي..
صمتت شموس بقهر وهي تستعيد في ذاكرتها ما حدث منذ عدة أيام ودخول عبد السالم
عليها ومالمحه ترتسم عليها تعبيرات ذكرتها بأحداث مضى عليها خمسة عشر عاماً..
وهو يطلب منها في خفوت أن تصطحبه لحجرتهما ويزف إليها خبر كان من الممكن أن
يسعدها لو اختلفت الظروف واألحداث ..وهو طلب رؤوف الزواج من نور القمر ابنته
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
الوسطى..
كان وقع الخبر صاعق على شموس التي عقدت الدهشة لسانها عن التفوه بأي كلمة..
فأردف عبد السالم:
ـ لقد فاتحني أبي اليوم في الموضوع ..وأبلغني برغبة رؤوف في الزواج من نور القمر.
صمت قليالً يتأمل وقع الخبر على شموس التي لم تتفوه بكلمة حتى هذه اللحظة ..فاستطرد
بخفوت:
الجي ازوي؟..
ـ أنا ال أفهم ...ال أفهم ..ماذا يحدث يا عبد السالم؟ ..لماذا يطلب رؤوف الزواج من نور
القمر ابنتي؟...
نهى طلبة
صمت عبد السالم للحظات سمح فيها لشموس بتأمل مالمحه التي تعشقها والتي أخبرتها
بوضوح ما يعجز لسانه عن البوح به ..فقالت بلهجة تقريرية:
ـ إن عمي ما زال يبحث عن وريث لعائلة الجيزاوي ..والمطلوب من ابنتي اآلن تقديم ذلك
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ شموس!! ..ال تتجرأي على والدي ..لن أسمح بهذا أبداً ..كما أن رؤوف رجل ال غبار
عليه ..وزوج تتمناه أي فتاة.
ـ استدعها اآلن...
ـ كال بالطبع ..ما هذا الكالم يا نعمات؟!! ..وهل ترد إحدى بنات الجيزاوي ابن عمها؟!!.
ابتلعت نعمات غصتها وهي ترمق قمر بقهر ..قمر التي أقنعتها منذ خمسة عشر عاماً
بالزواج من رؤوف ..وطاوعتها نعمات جرياً وراء حلم تبين فيما بعد أنه سراب..
خضعت وامتهنت كرامتها حتى تشبع رغبتها في األمومة وتنجب االبن الذي تنتظره عائلة
الجيزاوي بأكملها ...ولكن الحلم لم يتحقق ..أو بمعنى أشمل لم يتحقق لنعمات سوى جزء
بسيط من حلمها ..فهي أشبعت رغبتها الدفينة باألمومة ..ولكن وجهت أمومتها لرؤوف..
فمنحته حنانها كزوجة وأسبغت عليه عاطفتها كأم..
FB.com/groups/Book.juice
أغرقته بحنانها وحبها وعطفها حتى تعلق بها بشدة ..وتكاد تجزم أن لها مكاناً في قلبه..
رغم أنه لم يصرح بذلك ..وهي ال تعتقد أنه ممكن أن يصرح بعواطفه ألياً كان ,فهو ربيب
عبد الرؤوف الجيزاوي الذي ال يؤمن بتلك النوعية من العواطف ..ورؤوف هو نسخة مصغرة
من جده ..في األفكار والتصرفات والمعتقدات وكل شيء ..إنه ابنه أكثر من كونه حفيده..
62
عادت تتأمل قمر ..تلك الداهية العبقرية التي أقنعتها بالقدوم معها لتطلبا يد نور القمر
قيد القمر
الصغيرة للزواج من رؤوف ..مخبرة إياها أن ذلك يحسن العالقات ويكسر التوتر مستقبالً..
وهي اقتنعت بكالم ها ..أو أوهمت نفسها بذلك ..فهي أتت في المقام األول لتتأمل غريمتها
الصغيرة ..لتنظر في عينيها وتخبرها بالنظرات قبل الكلمات..
أن رؤوف ِملكاً لها ولن تتنازل عنه أبداً ..حتى البنة عمه الصغيرة ..وحتى لو أنجبت تلك
نهى طلبة
الصغيرة الحفيد المنتظر ..فمن ينتظره هو عبد الرؤوف كبير العائلة ..لكن رؤوف سيتزوج
من نور القمر استجابة لطلب جده فقط ..هي فهمت منه ذلك ...رغم عدم تصريحه
بكلمات كثيرة ..فرؤوف قليل الكالم دائماً وأبداً ال يصرح إال بالقليل الذي يدور في عقله وبما
يكفي القناع من أمامه بما يريد...
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
آه يا رؤوف ..هي ال تدري لما اختار نور القمر ,رغم أنها الوسطى وليست كبرى بنات عبد
السالم ..ولكنها تحمد اهلل على ذلك فهي ال تحتمل اختياره لسهير ..تلك الشقراء رائعة
القوام ..هي لن تستطيع منافستها أبداً ..أما نور القمر فهي أقل جماالً من شقيقتها..
فهي سمراء صغيرة الجسم ..باإلضافة إلى لسانها الذي ال يسكت أبداً وقد يطول في أحيان
كثيرة ,وتلك صفة يمقتها رؤوف بشدة ولكنه طبعاً ال يعرفها عن ابنة عمه الصغيرة ..وهي
حرصت على أال يعرفها حتى تظل لها هي األفضلية التي تمنحها لها رقتها وحالوة لسانها
وهدوئها معه وعدم مجادلته في أي شيء ..ال تتذكر أنهما اختلفا أو تشاج ار على مدار
سنوات زواجهما الخمسة عشر ..فقد حرصت على توفير بيئة هادئة ناعمة له ..تشعر في
FB.com/groups/Book.juice
أعماقها أنها تعوضه عن زواجه منها والذي لم يثمر الوريث الذي ضحى من أجله باختيار
الزوجة التي تناسبه على األقل عمرياً...
أفاقت نعمات من شرودها على تحرك شموس وهي تتمتم أنها ستذهب لكي تأتي بنور
القمر...
63
طرقت شموس باب غرفة نور القمر أو نو ار كما تحب أن يدعونها:
قيد القمر
ِ
غرفتك منذ يومين.. ِ
نفسك في ـ نورا ..حبيبتي ..افتحي الباب ..هذا ال يصحِ ..
أنت تحبسين
ِ
لعمتك و... يجب أن تخرجي اآلن
فجأة ظهر من خلفها عبد السالم ودفع ابنته لداخل غرفتها وهو يحاول التحكم في غضبه
منها فهي وعلى غير عادتها لم تنبس بكلمة منذ أن أخبرها بطلب رؤوف ,بل حبست نفسها
في غرفتها رافضة التحدث في الموضوع مع أي شخص أو إبداء رأيها حول الموضوع وحتى
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
عمتها قمر التي تعشقها لم تستطع الدخول إليها أو إجراء أي حوار معها..
صرخت بحنق:
ـ أبي..
قاطعها:
ـ نعم ..ابنة شموس ..فابنة عبد السالم ال تحرجه وال تخفض رأسه في التراب أمام أبيه..
FB.com/groups/Book.juice
قالت بغيظ:
ـ أبي ..إن جدي هو من أمر رؤوف بذلك ..أنت تعلم ذلك كما أعلمه أنا..
أمسك عبد السالم بيدي ابنته وجذبها لتجلس على األريكة بجانبه:
ـ حبيبتي ..لقد فات الوقت الذي كان يستجيب فيه رؤوف ألوامر جده بال نقاش ..إن ِ
كنت
نهى طلبة
وجدت نو ار نفسها تستعد مثلما طلب منها والدها الذي ال تستطيع كسر هيبته ووقاره في بيته
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
وترفض مقابلة ضيوفه ولكنها ظلت تفكر في كالمه والذي كان يشغل بالها على مدار
اليومين االخريين ..لماذا طلب رؤوف الزواج منها وليس من سهير؟..
هل يعقل أنه يعلم بالحب المتبادل بين سهير ومنذر ابن عمتها قمر؟ ..ولهذا ابتعد عن
سهير ..ربما ..رغم أنها تشك في أن يكون على معرفة بتلك األمور األرضية السخيفة...
فهو يبدو دائماً متباعداً عن الجميع ,مشغوالً بأعمال العائلة على الدوام فال يجد وقت ًا
لإلطالع على شئون أفرادها ..لكن لعل منذر أسر إليه بحبه لسهير ..لكن كيف ومتى؟..
كل شيء ممكن..
أكملت استعدادها ومازال تفكيرها معلق به ..إنهم يلتقون برؤوف بالطبع في التجمعات
FB.com/groups/Book.juice
العائلية ..ولكن ال يختلطون معه كثي اًر ..فهو يدور في دائرة األعمال مع جدها ووالدها أكثر
من اختالطه بباقي شباب العائلة ..لذا لم يكن احتكاكها به عميقاً ..فهو كان دائماً حلم بعيد
المنال ولكنها ال تستطيع نسيان ذكرى عينين خضراوين اظلمتا بشدة للحظة واحدة وهما
تتأمالنها عن قرب ..هل يمكن؟ هل..؟..
65
دخلت عليها أمها تستعجلها ..فوجدتها ارتدت ثوباً بسيطاً ومحتشماً للغاية ..ولم تضع أي
قيد القمر
مساحيق تجميل على وجهها كما أنها جمعت شعرها األسود الغجري الطويل في كعكة كبيرة
خلف رأسها...
أرجوك ..هيا ِ
لننته من تلك المسرحية.. ِ ـ أمي..
ِ
عينيك ال تريحني على ـ ماذا تدبرين يا ابنة الجيزاوي؟ ...تلك النظرة المجنونة في
اإلطالق..
دخلت شموس الغرفة وهي تسحب نو ار خلفها ..فرفعت نعمات عينيها على الفور لتتأمل
غريمتها في هدوء ..فتاة صغيرة الحجم أشبه بالدمية الصغيرة ,شعرها األسود الطويل والذي
تعلم نعمات إنه يصل إلى نهاية ظهرها جمعته في صرامة خلف رأسها ..وجهها صغير ككل
شيء فيها ..تتمتع بشرتها بلون برونزي جذاب وعينيها -وهما أكبر مالمحها -عينين
ذهبيتين أو لهما لون العسل لم تستطع التحديد ..لكنهما تشعان بالتحدي والتمرد ..كانت نور
FB.com/groups/Book.juice
فكرت نعمات للحظة ..إنها كانت تخدع نفسها بظنها أنها أقل جماالً من شقيقتها الشقراء..
إنها جميلة بطريقة أخرى ..جمال شرقي متفرد..
قطع تأملها صيحة قمر المبتهجة وهي تسحب نو ار ألحضانها وتعاتبها بلطف:
66
ـ هل تتغلين علينا يا نورا؟ ...أم هو حياء العروس؟..
قيد القمر
ِ
افتقدتك كثي اًر يا عمتي.. ـ لقد
أستقبلك باألمس ,ولكن كان ينبغي علي التفكير بدون تدخل قدر ِ
اتك الفائقة ِ ـ آسفة ألنني لم
ّ
على االقناع..
ِ
وصلت للقرار السليم.. ـ أتمنى أن تكوني
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
علي؟.
ـ مرحباً بالعروس ..ألن تسلمي ّ
تحركت رأس نو ار ببطء لتلتقي عينيها بعيني نعمات ..تبادلتا النظرات لفترة ..قد تكون ثو ٍ
ان..
أو دقائق ولكنهما شعرتا بها سنوات ..ظهر التحدي في نظرات نعمات ..ربما رغماً عنها
ولكنها كانت طريقتها في مهاجمة غريمتها لتخبرها بصمت أنها لن تتنازل أو تترك لها
الساحة لتتنعم بالسعادة مع رؤوف ..وبدورها استقبلت نو ار تلك النظرات باستخفاف أجادت
تزييفه وكأنها تصرح بعدم اهتمامها الخوض في تلك الحرب التي تدعوها لها نظرات نعمات
FB.com/groups/Book.juice
أو ربما تترفع عن خوضها لثقتها في الفوز ..وخاصة إذا كانت ستحمل الوريث بين
أحشائها..
برغم أن نعمات هي من بدأت تحدي النظرات إال إنها كانت البادئة في خفض نظرها وكأنها
أدركت فجأة ضعف موقفها أمام نظرات غريمتها الشابة والتي تضج بالحياة والتمرد..
67
بعد أن كسرت نعمات حبل النظرات الممتد ..حيتها نو ار في هدوء ثم اختارت أقرب كرسي
قيد القمر
للباب وجلست عليه وهي تحاول التركيز على الحوار الدائر بين النسوة الثالثة ,وكان
المجهود المبذول للحفاظ على ودية الحوار ملحوظاً وبشدة ..حتى بدأت عمتها قمر تصل
للموضوع الرئيسي والغرض من تلك الزيارة فقالت لشموس بلهجة تقريرية:
ـ سيأتي أبي ورؤوف لمقابلة عبد السالم رسمياً ليحددوا موعد الزفاف..
نهى طلبة
فانتفضت نو ار في مكانها وكأنما لدغها ثعبان سام ,لتخرج الكلمات منها بسرعة وبدون
تفكير:
سقطت العبارة عليهن جميعاً كالصاعقة ولكنها كانت صاعقة مبهجة لنعمات التي ظنت أنها
تخلصت من تلك السمراء الصغيرة صاحبة العيون بلون العسل الذائب والتي يتراقص التمرد
والتحدي فيهما ..لكنها شعرت بالروح تنسحب منها عندما أكملت نو ار بثقة:
ـ أعني ..أنني أريد الحديث مع رؤوف حتى نسوي بعض األمور ,قبل أن أعلن عن رأيي..
*********************
كان رؤوف ينفث دخان سيجارته بعصبية وهو ينظر في ساعته للمرة المليون بتلك الليلة
منتظ اًر عودة نعمات مع عمته ..ما الذي يؤخرهما هكذا؟ ..إنها زيارة ودية فحسب ..فكل
FB.com/groups/Book.juice
ال يعلم لماذا رافقت نعمات عمته قمر في تلك الزيارة ..لكنها أخبرته أنها تفعل ذلك حتى
تكسر حدة التوتر وتظهر لنور القمر الترحيب بها داخل أسرتهما الصغيرة ..وأنها ال تمانع
على اإلطالق في كونها ستشاركها زوجها ألنها تتفهم حتمية زواج رؤوف مرة أخرى ..ورغم
كل كالمها ذاك ..إال أنه شعر بجرحها العميق الذي تحاول اخفائه تحت ستار قوة واهية..
68
إنه ال يريد جرحها أو ايذائها ..وقد حاول حمايتها كثي اًر على مدى السنين الماضية من
قيد القمر
التعرض لنفس المعاناة التي مرت بها سابقاً مع عمه ..فجده يسعى القناعه بالزواج مرة
أخرى منذ سنوات..
فبرغم كل شيء لم يرزق رؤوف بأطفال منها ...مع أن التحاليل الطبية أثبت قدرتهما على
اإلنجاب إال أنه لم يحدث ..ورغم كل محاوالت العالج المستمرة ..واألدوية التي تناولتها
نهى طلبة
نعمات مع علمها بعدم وجود أي عيب بها ولكنها لم تمانع في المرور بسلسلة طويلة من
العالجات والنظم الغذائية أمالً في انجاب الوريث ..وعندما قر ار أخي اًر اللجوء للوسائل
الصناعية كان اآلوان قد فات..
واآلن ..بعد خمسة عشر عاماً وبعد ان استحال على نعمات توفير الوريث ...دارت الدوائر
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
لتعود القصة من البداية ..ورحلة البحث عن وريث يحمل الشعلة من بعده ويكون وجوده
ال باستمرار اسم الجيزاوي ..تلك الرحلة الذي أخذ يؤجلها لسنوات رغم تأكده من حتميتها
كفي ً
ال
فهو ال يختلف مع جده في تلك النقطة ,إال أنه قاومه على مدى السنين الماضية محاو ً
تأجيل المحتوم..
لكنه خضع أخي اًر بعد أن داعب جده هاجس خفي داخله ..شيطان يوسوس له في بعض
األحيان ..بأن الموت قد يكون قريباً ..متربصاً به ..لتنتهي سيرته في الحياة شاباً مثل أبيه
وعمه ..هذا الهاجس الذي كان يهاجمه كثي ًار في اآلونة األخيرة لقرب بلوغه الخامسة
والثالثين..
FB.com/groups/Book.juice
تحرك ليقف قرب النافذة بتململ وهو يتناول لفافة أخرى ليشعلها ويتأمل دخانها ..ليعود
بتفكيره لحواره مع جده:
ـ رؤوف ..يا بني ..إلى متى ستتهرب من ذلك الموضوع؟ ..لقد سأمت مراوغتك..
التالعب بجده كما يظن ..وهو متأكد من أنه سيراوغه كالعادة ولن يحسم األمر أو يتخذ
قرار ,فقرر أن يقسو عليه وليكن ما يكون ..ورغم بغضه لما سيقول ولكن هذا لمصلحته:
ـ تؤخرها إلى متى؟ ..أال ترغب أن ترى أبنائك حولك؟ ..وهل تضمن الحياة وتقلباتها؟ ..أم
تفضل أن يأتي ابنك وال يجدك حوله؟..
نهى طلبة
كانت جملة الجد كلكمة قاسية وغادرة في نفس الوقت ..صوبها بدقة إلى أقسى مخاوف
رؤوف ..فرمق جده بعتاب وهو يقول:
ـ ونعم باهلل يا بني ..ولكن لماذا تحارب المحتوم ..زواجك مرة أخرى موضوع محسوم ..لماذا
التأجيل؟..
لم يجد رؤوف إجابة مقنعة يرد بها على جده ..فرد عليه بمراوغة:
ـ حتى لو وافقت ..فمن تلك التي ستوافق على رجل متزوج؟ ..يجب أن يكون سبق لها
الزواج من قبل..
ـ ما هذا الكالم الفارغ؟ ..لماذا تبخس نفسك حقها؟ ..أنت رؤوف الجيزاوي ..أي فتاة في
FB.com/groups/Book.juice
مدينتنا تتمناك زوجاً لها ..أم أنت تهدف من ذلك المحافظة على مشاعر زوجتك؟ ..حتى ال
تكون للزوجة الجديدة ميزة إضافية عليها؟..
تململ رؤوف بضيق من االتجاه الذي بدأ يتخذه الحوار فنهض يتحرك بعصبية في الغرفة
وهو يقول:
70
ـ كال يا جدي ..ولكني ..سأعرض من سأتزوجها للظلم والمعاناة ..فليس من العدل أن تبدأ
قيد القمر
أي فتاة صغيرة حياتها بصراع مع زوجة أخرى ...ال أشعر بالرضا عن ذلك..
ـ رؤوف ..توقف عن المراوغة ..إننا لن نخدع أي فتاة ونزيف وضعك ..فمن ستوافق ستكون
على دراية تامة بكل شيء ..في الواقع ..أنا أفكر في إحدى بنات عمك ..فهن أحق بك..
نهى طلبة
بنات عمه!!! ...كانت الفكرة صادمة لرؤوف ..هل اختار جده بالفعل؟!! ..ورغم كل
اعتراضاته على الزواج من فتاة في مقتبل العمر يقرر جده عنه مرة أخرى ..ومن؟! ..واحدة
من بنات عمه!!!..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ بنات عمي!!!.
نور القمر ..ومضت في عقله ذكرى خاطفة لعاصفة منطلقة من الشعر األسود الغجري
تحتوي جسداً ضئيالً كاد أن يتهاوى على درجات السلم الداخلي لبيت عمه لوال سرعة بديهته
باإلمساك بها قبل أن تسقط ..لتلتقي عينيه بعيون ذهبية ..نارية النظرات وتفلت من بين
FB.com/groups/Book.juice
ذراعيه في لحظة ملتفة حول نفسها مما جعل عاصفة الشعر المعطرة برائحة التوت البري
ترتطم بوجهه بعنف محبب ..جعله يغمض عينيه لثانية واحدة اختفت فيها تلك النارية
المتوهجة من أمامه ولم يسمع سوى صوت صياحها من بعيد وهي تخاطب إحدى شقيقاتها
بحدة..
ـ نور القمر!!!!.
71
سمع صوت جده يسأله:
قيد القمر
ـ ماذا؟!.
نهى طلبة
ـ لقد قلت نور القمر ولكن بنبرة غريبة ..فلم أتبين إن كنت قررت أن تتخذها زوجة أم
تسألني رأيي؟.
عادت ذكرى تلك العيون المتأللئة والشعر الغجري تداعبه فقال بثقة:
انتشل رؤوف نفسه من ذكرياته بصعوبة بعد أن سقط رماد لفافة السجائر على أصابعه
ال إذا كان قد أشعل حرباً بق ارره
فأحرقها ..نفض الرماد بسرعة وهو يسخر من نفسه متسائ ً
الزوج من نور القمر!!! ...وهل سيعرف منزله الهدوء بوجود تلك النارية بين جنباته؟ ...وهل
يستطيع التفسير إذا ما ُسئل لما اختار الوسطى بينما الكبرى لم تتزوج بعد؟! ..إنه يحمد ربه
أن جده اكتفى بموافقته على الزواج ولم يسأله لم وقع اختياره عليها ..فهو ال يستطيع
التفسير لنفسه ,فكيف بحق اهلل يمكنه أن يفسر لجده؟..
أنقذه من التفكير دخول نعمات عليه المكتب ,وتعجب من عدم مالحظته لوصولها رغم
FB.com/groups/Book.juice
ـ هل هذه غيرة؟..
راوغته بإجابتها فهي لن تصرح بغيرتها أو عواطفها مادام هو يخفي مشاعره ويحيطها بسياج
صلب:
ِ
وقدرك لدي.. فأنت تعرفين معز ِ
تك ـ ال داعي للغيرةِ ..
ابتعدت عنه قليالً وهي تفكر بحزن ..آه يا رؤوف ..هل أنت ال تعترف بالحب فعالً فال
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ نعم أعلم.
ـ تأخرنا بسبب انتظارنا لــ"ست الحسن" حتى تتكرم علينا وتخرج من غرفتها.
FB.com/groups/Book.juice
نظر إليها مصدوماً ..فتداركت نفسها وهي تغتصب ضحكة مفتعلة وتقول:
ـ هل رفضت؟..
رمقته للحظة وهي تحاول أن تستكشف ما الذي يدور في ذهنه خلف ذلك القناع البارد ..ثم
سألته:
ـ نعماااات...
نظر إليها بقلق ..فهو يخشى أن تطلب منه االنفصال عن نعمات ..وسمع نعمات تردف
بسخرية كأنها تردد مخاوفه:
اتكئت نو ار على سريرها وهي تحتضن وسادتها الصغيرة وعقلها مغيب تماماً عن هذر
شقيقتيها من حولها تفكر في القرار الذي اتخذته ومدى صحته ..واللقاء القادم مع رؤوف
واذا كان سيستجيب لطلبها أم ال...
انتابها القلق والتوتر ..ماذا إن رفض؟ ..هل ستستطيع المضي قدماً في ذلك االرتباط؟..
نهى طلبة
وهل تجرؤ على الرفض ومواجهة غضب جدها وأبيها؟ ..وهل من الممكن أن تتهرب من
تلك الزيجة بدون أن تثير زوبعة داخل العائلة؟ ..والسؤال األهم هل تريد أن تتهرب فعالً من
الزواج برؤوف؟...
كم تود أن تسأله لم اختارها هي؟ ..ولكن بأي منطق تذهب وتسأله لم اخترتني ولم تختر
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
شقيقتي الشقراء األكبر واألجمل مني؟ ..البد أن تكون مجنونة لتفعل ذلك!!.
أفاقت من شرودها على صوت صفير ,فالتفتت بعنف لتجد سهير تبتسم بسخرية وهي تقول:
تحركت سهير لتقف أمام المرآة وأخذت تمشط شعرها األشقر الطويل وتخاطب صورة
FB.com/groups/Book.juice
صمتت قليالً وهي تضع حرف المشط قرب أسنانها ..ثم أردفت:
75
ـ صحيح ..هل ستناديها خالتي نعمات ..أم نعمات فقط ..أم..؟.
قيد القمر
قاطعتها نو ار بحنق:
أنك ِ
فلت من الفخ ..ولكن يجب فأنت سعيدة ِ
أنك تسلين نفسك على حسابي ..طبعاًِ ..
ـ أرى ِ
طلبك ِ
أنت ..إن ِ ـ من منا التي تسلي نفسها اآلن؟!! ..ولكني بال شك أحمد اهلل أن رؤوف
هذا غريب فعالً ..هل تظنين أنه يعلم بأمري أنا ومنذر؟..
ابتسمت نو ار بسخرية:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ نعم ..صحيح!..
ـ إذاً لماذا ِ
أنت؟..
أجابتها نو ار بغضب:
ـ وكيف لي أن أعرف؟!!..
ـ نعم ..يا نورا ..لماذا تريدين مقابلة رؤوف؟ ..ولماذا لم تخبريني بذلك عندما تكلمنا سوياً؟..
76
رفعت نو ار رأسها لوالدها ثم وقفت على الفور احتراماً لوجوده داخل غرفتها وأخذت تفرك
قيد القمر
يديها معاً ..وهي تخاطبه بتردد ..فهو طالما كان هادئاً وليناً معهن ..ما عدا في موضوع
رؤوف ..فهو يظهر عصبية شديدة:
ـ أبي ..أنا آسفة ..أعلم أنه كان ينبغي علي أن أخبرك ..بطلبي ..ولكن..
ـ أبي...
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
*********************
ـ حاالً يا أمي..
نزلت نو ار السلم بتمهل ..فها هو الزوج المنتظر وافق وجاء ليستمع إلى وجهة نظرها ..وبقي
فقط ..أن تستطيع هي أن تركب بعض الجمل المفيدة التي تعبر بها عن نفسها..
FB.com/groups/Book.juice
اصطحبها والدها إلى غرفة الضيوف لتفاجئ بوجود جدها يجلس في صدر المجلس ولم تكن
دهشتها بأقل من دهشة رؤوف عندما وجد جده يدخل من باب الغرفة منذ دقائق وهو يحييه
ببساطة ويتصدر المجلس ..فابتلع دهشته وغضبه وهو يسلم على جده ويجلس بجواره ..أما
نو ار فكانت ردة فعلها مختلفة حيث تراقصت السخرية في عينيها رغم ًا عنها وهي تنظر
لرؤوف بجانب عينيها وكأنها تسأله:
77
ـ هل أتيت بجدي لتحتمي خلفه؟!!..
قيد القمر
وكأن رؤوف فهم ما ترمي إليه نظراتها فاضطجع في مقعده بثقة وكاد أن يضع ساقاً فوق
األخرى لوال أنه تذكر وجود جده وعمه..
ـ حسناً يا عبد السالم ...ها قد أتيت بالعروس ..فهل تأمر لنا بالقهوة؟..
نهى طلبة
ـ حسناً يا أبي..
ِ
لشروطك ..ماذا تريدين يا ابنة شموس؟. ـ بارك اهلل ِ
فيك ..ها نحن هنا لنستمع
ـ جدي!!!..
ضحك الجد وقد أفلحت جملته في إخراج نو ار من خجلها وتوترها فقال بهدوء:
ِ
طبعك الناري اآلن ..ال نريد أن إخافة رؤوف.. ـ حسناً ..حسناً ..ال داعي إلطالق
78
جاء الدور على رؤوف لينظر لجده بحنق ..فما الذي يمكن أن يخيفه من تلك الدمية
قيد القمر
الصغيرة ..أال يكفي حضور جده المفاجيء الذي أعطاها إيحاء بأنه يهاب تلك المقابلة,
حتى ُيلقي بمثل تلك المالحظة!!..
ِ
بشروطك يا ...حفيدة الجيزاوي. ـ أخبرينا
نهى طلبة
ِ
عمك ـ أظن أن السؤال المطروح هو ..هل تتضمن تلك الشروط طالق نعمات من ابن
رؤوف؟..
ارتفعت رأس نو ار بحدة أكبر وهي ترد على جدها بقوة وقد لمع التمرد والشراسة في عينيها
وهي تواجه رؤوف بجوابها:
ـ أعتقد يا جدي أن ابن عمي طلبني للزواج ألنه يعلم أن تربيتي وأخالقي تمنعني من مجرد
التفكير في طلب كهذا ..ولو كان هو الرجل الذي يستجيب لي لو طلبت ذلك ..ما وافقت
على تلك الزيجة.
FB.com/groups/Book.juice
ارتفعت رأس رؤوف بسرعة ليتأمل تلك القذيفة المنطلقة ..وقد أخذ وقته في تأمل العينين
الالمعتين باللون الذهب ..واألنف الصغير والمرتفع بكبرياء والشفتين الالتين ترتعشان برغم
الثقة التي تبدو عليها ..وارتسم في عينيه التقدير الكامل لما يرى ويسمع من تلك الصغيرة..
وسمع جده يعبر عن ذلك التقدير:
79
ـ لقد أحسنت شموس التربية.
قيد القمر
ـ نعم يا جدي ..لقد أحسنت شموس تربية بناتها رغم عدم تمكنها من إنجاب الولد.
تكهرب الجو واشتد التوتر بعد جملتها تلك واستشعر رؤوف ضيق جده ..فقد صمت تماماً
وكأنه مازال يحمل نفسه ذنب ما حدث البن شموس وعبد السالم ,فقرر رؤوف الدخول في
نهى طلبة
الموضوع مباشرة وأجل أمر تأديب تلك الدمية لما بعد ..حين يمتلك الحق بذلك ,فبرغم كل
شيء ال يصح أن تجابه جدها بمثل تلك الصفاقة حتى لو كانت محقة....
ِ
ألسمعك.. ِ
طلباتك؟ ..أنا هنا ـ حسناً ..أخبريني ما هي
رفعت نو ار عينيها لتواجه عينيه للحظات قليلة ثم أخفضتهما وقد تلونت وجنتيها بلون وردي
محبب وأخذت تفرك يديها بشدة وهي تضغط على شفتيها بقوة مع محاولتها البتالع لعابها
وهي حركة مصاحبة لها دائماً عند شعورها بالتوتر الشديد ..لكنها لم تدرك أنها تعطيها
لمحة حسية مميزة..
حاولت تحريك شفتيها أكثر من مرة لتجيب على سؤاله ولكنها لم تفلح في إخراج كلمات ذات
معنى ..حتى سمعته يستعجلها بنبرة ظهر فيها نفاذ صبره:
FB.com/groups/Book.juice
ـ حسناً..
إخراج الكلمات ولكنها كانت محرجة وخجلة جداً وكأن مواجهتها مع جدها قد استنفذت كل
مخزونها من القوة والشجاعة..
ـ ِ
أنت ماذا؟.
نهى طلبة
أغاظتها نبرته وكأنه يحادث طفالً صغي اًر فانطلقت كلماتها بدون حساب:
ـ حسناً لقد فهمت ..يجب أن تعلمي أنني انتهيت بالفعل من تأثيث بيت آخر خاص بي..
إنه قريب نسبياً من بيت عمتي قمر ..ماذا أيضاً؟.
تنفست الصعداء ,فكان مجرد تفكيرها في اإلقامة في منزل الخالة نعمات يسبب لها قلقاً
عميقاً ..فهي بذلك تسلب كل حقوق سيدة المنزل ..و..
انتبهت إلى نظراته المتسائلة فهي لم تجب على سؤاله ولكن استجابته لطلبها األول منحها
بعض الثقة فقالت بخفوت:
ـ ماذا؟..
أجابته بهدوء:
81
ـ أنا ال أريد أن يقال أنني ..أنني أخذت رجل من زوجته ..وأنني خجلة من نفسي ..لذا أريد
قيد القمر
تعجب رؤوف من تفكيرها ولم يدري إذا كان طلبها ينم عن ذكاء أم عن تفكير سطحي..
ولكنها أضافت:
ـ كما ال أريد ألبي أو أمي أن يسمعا كلمة تؤذيهما ..خاصة وأنا أول من ستتزوج من بناتهما
نهى طلبة
ـ بارك اهلل فيك يا بني ..فابنة عبد السالم وشموس تستحق أكثر من ذلك.
ـ بالطبع يا جدي..
ـ لكني أتساءل ..فقط لماذا لم تطلبي من عمي أن يسألني عن تلك األمور ,فهذا هو
FB.com/groups/Book.juice
المتعارف عليه؟!!.
تأملته للحظات لمح في ها التماع نظرات نارية من بين أجفانها وهي تنظر لجدها بتردد
وتقول:
ـ ألن طلبي األخير وهو األهم ..وهو ما كان أبي سيرفضه ..ولكني مصرة عليه..
82
سأل بقلق:
قيد القمر
ـ وماذا يكون؟.
عادت تتردد وتتلعثم في كلماتها وهي تقوم بتلك الحركة بشفتيها والتي فتنته وشتت ذهنه
للحظة:
ـ حسناً ..أنني لن ...لن أقبل أن تتزوج أخرى ,إذا لم أستطع اإلنجاب فسيكون عليك تطليقي
نهى طلبة
كان دخول والدها إلى الغرفة في تلك اللحظة هو ما أنقذها من صفعة قوية على مؤخرتها..
وهو الرد الذي تستحقه على طلبها األحمق ..كان هذا تفكير رؤوف وهو يرمقها بغضب
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
شديد عجز عن احتوائه للحظات ..ماذا تظنه؟ ..رجل يجري وراء رغباته مطارداً النساء..
وهل تطالبه بالطالق قبل أن يتزوجا؟ ..صب اًر أيتها المتبجحة الصغيرة ..سوف أقص هذا
ِ
كلماتك الحمقاء.. اللسان و ِ
أجعلك تعتذرين على
جالت نظرات عبد السالم بين وجوه الثالثة من رؤوف المتحفز وابنته ذات الوجه الممتقع
وأخي اًر ويا للغرابة والده والذي كان يبدو متسلياً للغاية وبادره بالسؤال:
ـ أين قهوتي يا عبد السالم؟ ..أال تريد زوجتك تقديم واجب الضيافة؟.
بوغت عبد السالم بكالم والده وانشغل بالرد عليه عن متابعة المشهد أمامه:
FB.com/groups/Book.juice
ـ هاه ..ال ..كال بالطبع يا أبي ..ولكنها فكرت أن تقوم نو ار بإعدادها ,فهي تعرف حبك
للقهوة من يد نورا..
ـ نعم ..فنو ار تعد قهوة مثالية ..حتى عمتها قمر ال تستطيع إعدادها مثلها..
83
ثم توجه لنو ار وهو يسألها:
قيد القمر
ِ
طلباتك يا حفيدتي الصغيرة؟ ..أعتقد أن رؤوف وافق عليها جميعاً ..أليس كذلك ـ هل انتهت
يا رؤوف؟..
ثم نظر لرؤوف ولمحت نو ار لمحة تفاهم خفية بينهما ..كأنما يتكلمان لغة ال يفهمها
سواهما ..فأجاب رؤوف بلهجة ساخرة قليالً أو هذا ما بدا لها:
نهى طلبة
ِ
طلباتك أوامر يا ابنة عمي.. ـ وهل أستطيع الرفض؟..
إحساس قوي بداخلها أخبرها أنه يسخر منها ..وتيقنت من ذلك عندما سأله جدها:
وكان رده:
هنا انطلقت ضحكات الجد مما جعل اللون الوردي يصبغ وجنتيها بوضوح وهمست بخفوت:
ـ الوقح!!..
جداً...
قبل أن تبدي أي اعتراض على تنفيذ ما يريد ..سمعت صوت والدها يأمرها بإعداد القهوة..
فتحركت بخطوات تشبه الركض الخفيف هرباً من ذلك الوقح المتعجرف الذي سيصبح
زوجها عما قريب وهي تشعر أن طلبها األخير هو ما أثار استف اززه لتلك الدرجة..
نهى طلبة
عادت بالقهوة وهي مازالت متأثرة بغضبه الالمرئي ..ولكنها تمسكت بواجهة رزينة وهي تقدم
القهوة لجدها ثم ألبيها ولكن عندما جاء دوره وناولته قدحه سمعته يهمس لها:
ِ
فهمت ذلك ..وسنتفاهم الحقاً. ِ
أظنك ِ
كالمك األخير لم يكن مقبوالً على اإلطالق.. ـ
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
*********************
تحدد موعد الزفاف بالفعل ..ودخلت نو ار في دوامة من االستعدادات المتالحقة والتي لم تترك
لها لحظة لالنفراد بنفسها والتفكير في جملته األخيرة والتي بدت في أذنيها كتهديد خفي..
كانت عمتها قمر تالزمها على مدار اليوم متغنية بمميزات رؤوف وفضائله ..وطيبة نعمات
التي لم ترها نو ار مرة أخرى وحمدت اهلل على ذلك فهي لم تجد طريقة مالئمة للتعاطي معها
بعد ..فبعد أن ك انت تراها كسيدة راقية وطيبة الخلق أصبحت تخافها وتخشى من تأثيرها
تنس نظراتها المهاجمة في تلك الليلة.
على حياتها المقبلة ..فهي لم َ
FB.com/groups/Book.juice
لقد منحتها بعض العذر في ذلك ..لكنها لن تكون ضحية أو شهيدة في تلك الزيجة ..ولن
تسكت عن أي إهانة تلحقها ,وكانت تدعو ربها أن يخمد تلك المشاعر الشبيهة بالغيرة التي
بدأت تشتعل بداخلها وخاصة مع تعدد زيارات رؤوف لمنزلهم ورغم أن زياراته لم تحمل
معنى شخصي فكان يجلس مع والدها معظم الوقت يتناقشا أمور العمل ,وكان حواره معها
مقتضباً ال يتعدى السؤال الرسمي عن أحوالها..
85
تعجبت هي لذلك وكأن الوجه الوقح المستفز الذي أظهره لها في حوارهما األول اختفى
قيد القمر
لألبد ..فكانت مع نهاية كل زيارة ومعرفتها إنه سيذهب إلى بيته حيث توجد نعمات تجد تلك
الغيرة بدأت تموج بداخلها وكانت تحاول مغالبتها بشدة فهي ال تريد البدء في صراع
الزوجات وتمنت أن تكون حياتها مع رؤوف هادئة برغم نظرات نعمات المقلقة..
لقد تيقنت من نية نعمات على إثارة المتاعب عندما علمت أن المنزل الذي حدثها عنه
نهى طلبة
رؤوف لن يكون لهما فقط بل ستشاركهما نعمات فيه وستغلق منزلها القديم إلى األبد..
ثارت ثائرتها يوم علمت بذلك وتعالى صراخها في المنزل بأنها ال تريد إتمام الزواج أبداً..
وأن ابن عمها العزيز خدعها بمنزله الجديد والذي ستشاركها فيه زوجته األولى ..ورفضت
حتى الذهاب لرؤية المنزل وتأثيث جناحها الجديد فيه ولم يهتم رؤوف بذلك وأخبرها أنه أعد
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
المنزل بالفعل وال داعي لتغيير األثاث فهو جديد لم يمسسه أحد ..وتعالى صياحها مرة
أخرى أمام أمها وأبيها الذي أسكتها بجملة واحدة:
ِ
طلبت منزالً جديداً ..وليس منزالً منفصالً عن زوجته. ـ ِ
أنت
عارضته بقوة:
ـ ولكن...
قاطعها:
FB.com/groups/Book.juice
لم تملك سوى أن تصمت فهي ظنت إنه فهمها جيداً بل كانت متأكدة من أنه فهم إنها تريد
منزالً مستقالً ولكنه تعمد سوء الفهم ..لتقطن هي في النهاية مع ضرتها في منزل واحد..
منزل قد يكون غاية في االتساع ولكنه ال يحتمل زوجتين متناحرتين على رجل واحد..
*********************
86
كانت نو ار في غرفتها تنهي استعداتها حين دخلت عليها شقيقتيها اللتان شهقتا بسعادة..
قيد القمر
وهما تتأمالن أختهما في ثوبهااألبيض الذي التصق نصفه األعلى بجسدها ليظهر بوضوح
خصرها الرقيق ووركيها الدقيقين ...ثم يتسع في سحابة متماوجة من القماش األبيض الناعم
والمطرز برقة بماسات صغيرة براقة وينتهي بتخريمات مميزة ومزينة بدورها بآللئ صغيرة..
زين صدر الثوب بخر ازت ماسية رقيقة توزعت بدقة على كسرات القماش الذي احتضن
نهى طلبة
صدرها برقة وكانت تلك الماسات تتماثل مع الموجودة على طرحتها والتي غطت خصالت
شعرها الكثيفة والذي صفف في تسريحة رقيقة تاركة بعض خصالته حرة خلف ظهرها..
كانت تبدو مثل المالك الناعم وهذا ما عبرت عنه شقيقتها نادية:
ـ ِ
أنت تبدين كالمالك..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
كانت نو ار في أقصى حاالت توترها وهي تفرك يديها ببعضهما وترد على شقيقتها:
ـ شك اًر ِ
لك يا صغيرتي..
ِ
لنستعجلك.. ـ لقد وصل رؤوف بالفعل ..ولقد أرسلنا والدي
FB.com/groups/Book.juice
همست نورا:
ـ كال ,هي لن ِ
تأت ..لقد أخبرتنا عمتي قمر بذلك.
87
تنفست نو ار الصعداء فهي في غاية التوتر ولن تحتمل أن تأتي نعمات إلى حفل زفافها,
قيد القمر
فيكفي حضورها األسبوع الماضي كله إلى الحنة ..مما وضع نو ار تحت ضغط كبير ..وكان
ما يثير حنقها تلك النسوة الالتي يبتسمن في وجهها ويخبرنها أنها التعويض الذي أرسله اهلل
إلى رؤوف ..ثم ما أن توليهن ظهرها حتى يذهبن لنعمات ليواسينها على االبتالء الذي
أصابها بزواج رؤوف من تلك الصغيرة خاطفة الرجال والتي ال حياء عندها..
نهى طلبة
تلك األقاويل التي تكررت في حفل الزفاف الكبير والذي أقامه رؤوف بناء على طلبها والذي
استمر إلى ساعات الصباح األولى وحضره كبار المسئولين بمدينتهم كما حضره معارف
رؤوف من كبار رجال األعمال ..لم تهتم نو ار بكل األسماء الكبيرة التي حضرت زفافها ,فكل
ما كان يهمها هي تلك الفرحة المرتسمة في عيون والديها وهما يريانها متعلقة بذراع زوجها
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
*********************
وقفت نعمات في شرفة غرفتها في الطابق الثاني بمنزل رؤوف تراقب وصول العروسين
وسط جمع صاخب من سيارات العائلة ,التي ترجلت شموس وسهير من إحداهما ليساعدا
نو ار على الترجل بدورها من السيارة ,لكن رؤوف اعترض طريقهما ليفتح لها الباب ماداً لها
يده يساعدها على الخروج بنفسه من سيارته ,وما أن خرجت ولمحت أمها حتى ارتمت في
أحضانها تودعها وسط سيل من دموع شموس الغزيرة.
FB.com/groups/Book.juice
سلمت نو ار على والدها وجدها وتوالت كلمات التهنئة والتمنيات بالسعادة ..راقبت نعمات كل
ذلك بمشاعر مجمدة تقريباً فهي ال تعلم ماذا ستكون ردة فعل رؤوف إذا علم بوجودها الليلة
هنا ,فهو اتفق معها أن تؤجل انتقالها ألسبوع حتى تكون العروس الصغيرة استقرت ,ولكنها
لم تطق تنفيذ ذلك فيكفيها إنه قرر عنها عدم حضور الزفاف ,فخالفت ما اتفقا عليه وألول
88
مرة منذ زواجهما قررت أن تنتقل لمنزله الجديد مع دخول العروس الجديدة ,بل وسبقتها
قيد القمر
أيضاً..
لمحت رؤوف يتأبط ذراع عروسه ويتجه بها نحو باب المنزل وحاولت شموس اللحاق بهما
استجابة إلشارة خفية من نو ار إال أن ذراع عبد السالم أوقفتها بينما استمر رؤوف يتحرك
بنو ار حتى دخل بها إلى المنزل ولوحا مودعين للجميع وأغلق الباب من خلفهما..
نهى طلبة
ظلت نو ار واقفة في مكانها تنظر لألسفل وتفرك يديها بقوة محاولة تجنب النظر إلى وجهه
مباشرة حتى سمعته يقول وهو يمسك يديها ويفك اشتباكهما:
نورت منز ِ
لك. ـ مبروك يا عروسيِ ..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
أجابته بخفوت وصوتها يكاد يسمع بينما كانت يديها ترتعش بين يديه:
ـ شك اًر..
عاد ليسألها:
ِ
أعجبك المنزل؟. ـ هل
حاولت استعادة يديها ولكنه شد عليهما وشبك أصابعه بأصابعها مما جعل رعشة يديها تنتقل
إلى جسدها وأجابته بصوت أشد خفوتاً:
ـ إنه جميل..
FB.com/groups/Book.juice
ِ
أعجبتك بالطات تأت لتريه؟ ..ولم ترفعي ر ِ
أسك حتى اآلن؟ ..هل أنت لم ِ
ـ وكيف تعرفين و ِ
األرض؟..
89
تباً إنه يسخر منها ..وهي حتى غير قادرة على رفع رأسها ومواجهته ,تخشى مواجهة تلك
قيد القمر
النظرة في عينيه والتي لمحتها عندما رآها في ثوبها للمرة األولى تلك الليلة ..كانت نظرته
وكأنها تتلمسها ..تتحسس كل جزء فيها وتقدر الجمال السخي الذي يبرزه الثوب الخيالي..
لقد أسكرتها تلك النظرة وسمرتها في مكانها وهو يقترب بهدوء طابعاً قبلة رقيقة على
جبينها ..حينها فقط خرجت من ثمالتها بنظرته ليرتعش جسدها خوفاً مع تغيير النظرة في
نهى طلبة
عينيه التي تغير لونهما ليتحول إلى األسود تقريباً ..وهي كانت واثقة من وجود تلك النظرة
اآلن..
ِ
تعجبك أكثر. ـ لن تجيبي؟ ..حسناً ..فلنذهب إلى غرفتنا ..لعلها
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
شعرت به يتحرك ويسحبها خلفه حتى وصال إلى باب مغلق في نفس الطابق السفلي فتحه
وادخلها قائالً:
ِ
غرفتك ..إنه جناح كما ترين و... ـ حسناً ..هذه هي
لم تكن تستمع إليه فقد صدمتها فكرة أن تكون غرفتها في الطابق السفلي ..إن المنزل مكون
غبائكِ ,
فأنت من ِ من طابقين ..فلماذا لم تكن غرفتها باألعلى ..آه يا نوراِ ..
إنك تدفعين ثمن
FB.com/groups/Book.juice
غرفتك ..أنى ِ
لك االعتراض اآلن؟.. ِ ِ
رفضت الحضور لرؤية المنزل واختيار
حسناً ..إن كان يظن أنها ستسكت على تلك اإلهانة فهو واهم ..لن تكون نو ار بنت الجيزاوي
إن لم تجعله هو بنفسه يطلب منها االنتقال إلى الطابق العلوي والذي بكل تأكيد انفردت به
نعمات كنوع من التأكيد على أنها سيدة المنزل..
90
حسناً لقد كانت تملك كل النوايا الطيبة للتعامل معها ولكنها تصر على استفزازها ودفعها
قيد القمر
انتبهت فجأة لتجده قريباً منها جداً فتراجعت للخلف تلقائياً ..بينما ابتسم هو قليالً وهو
يطمئنها:
ِ
تكلفك شيئاً ولكنها ستجعل الحياة ـ في البداية أريد أن أطلب ِ
منك بعض األشياء ..هي لن
في البيت أسهل على الجميع..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
كما ال أريد حروب أو صراعات من أي نوع ..إنها سيدة طيبة وذات قلب كبير...
أخذت نو ار تسمعه يعدد مميزات نعمات والغيظ يتآكلها ..هل هذا ما يريد أن يبدأ به حياتهما
قصائد من الشعر في مدح زوجته األولى!! ..جالت بعينيها في الغرفة محاولة كظم غيظها
حتى ال تنطلق منها كلمات تندم عليها الحقاً ..فلمحت مزهرية كبيرة في ركن الغرفة فظلت
تتخيل نفسها تنهال بها على رأسه ضرباً حتى يكف عن مدح تلك السيدة التي سيضعها في
FB.com/groups/Book.juice
ِ
سمعت كلمة مما قلته؟. ـ هل
جديدة ,فتحركت للخلف خوفاً من الغضب الظاهر على مالمحه لكنه أمسكها من ذراعيها
يجذبها نحوه:
أجابته بحدة:
ِ
بكالمك في تلك المرة ..هل تذكرين؟.. ِ
صدمت جدي ـ بل تفعلين ..فلقد رأيت كيف
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ يا إلهي!!..
ابتعد عنها يتحرك في الغرفة بدون هدف فقط يحاول أن ينفض عنه ذلك الغضب ..ما بها؟
لماذا ال تطعه فحسب؟ ..هل يجب أن تناقش في كل شيء؟! ..لماذا ال تدع األمور تمر
ببساطة وهدوء؟!..
FB.com/groups/Book.juice
كانت نو ار تراقبه وهو يتحرك في الغرفة وتلوم نفسها على إثارة غضبه ..وتعود للومه هو
الختياره ذلك الوقت حتى يعدد مزايا زوجته ..لقد أفسد ليلة زفافها ..وأفسد أي ذكرى حلوة قد
تراودها حول تلك الليلة...
*********************
92
وهناك باألعلى كانت نعمات في غرفتها تتميز غيظاً وقه اًر وغضباً ..تتماوج بداخلها مشاعر
قيد القمر
سوداء لم تظن أنها تمتلكها وكرهت نفسها بشدة ألنها تشعر بتلك الطريقة ..ولكن مراقبتها له
وهو يتعامل مع نو ار بتلك الطريقة في مدخل البيت ,طريقته البسيطة في المزاح معها حتى
تطمئن وسؤالها عن رأيها في المنزل ..إمساكه ليدها وتشبيك أصابعهما معاً...
كل هذا فوق احتمالها ,اشتعل بركان من نار في جوفها وهي غير قادرة على إخماد تلك
نهى طلبة
النار ..تلوم نفسها الستراقها السمع بتلك الطريقة ..وفي نفس الوقت تشعر بالحقد والغيظ
عندما تتذكر ليلة زفافها عليه وهروبه من أمامها في ثواني معدودة...
لم تحتمل كل تلك المشاعر وبدأت تراودها صور لرؤوف مع تلك السمراء الصغيرة ..وأخذت
تتخيل ما يمكن أن يحدث بينهما والمقارنة التي سيعقدها رؤوف بينهما والتي ستخسرها هي
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
بال شك ..وجدت قدميها تتحرك بدون إرادة منها لتنطلق هابطة درجات السلم وتتوجه نحو
غرفتهما وتطرق الباب بشدة..
*********************
سيطر رؤوف على غضبه بقوة فهو ال يريد إخافتها ,كما أنه يجب أن يفكر في صغر سنها
الذي يدفعها إلى تهورها ذاك ..واذا كان يريد تقويم تصرفاتها فذلك لن يتم في يوم وليلة..
تحرك نحوها بخفة والحظ اضطرابها عندما لمحت تقدمه ..فاقترب منها بهدوء وهو يمسك
يديها ويلمح ارتعاشهما ..لقد نسي خوفها الطبيعي من ليلة زفافها ..هي أنسته ذلك بعنادها
FB.com/groups/Book.juice
ومظاهر الثقة التي تبدو عليها ويفضح ارتعاشها أنها ثقة زائفة..
قال بهدوء:
تك ِ
أنك تبدين مذهلة ..جميلة جداً. ـ هل أخبر ِ
93
رفعت عينيها إليه بذهول وهي ال تكاد تصدق أنها سمعت تلك الكلمات من شفتيه ..ولم
قيد القمر
تعرف بماذا ترد عليه ..فحرك هو يديه ببساطة ليرفع الطرحة من فوق رأسها ويحرر
خصالت شعرها من محبسه ..وأخذ يتخلله بأصابعه بسعادة ..وهو يقترب ليطبع قبلة رقيقة
ال:
على جبينها قائ ً
وقبل أن ترد باإليجاب سمعا طرقاً قوياً على الباب وصوت نعمات ينادي بنفاذ صبر:
ـ رؤوف!!!.
ـ ال أصدق ..هل كانت موجودة طوال الوقت؟ ..هل طلبت منها الحضور إلى المنزل في
ليلة زفافنا؟!!..
شتم رؤوف بخفوت فهو ال يصدق أن نعمات خالفت ما اتفقا عليه ..هل قررت التمرد هي
األخرى؟..
توجه رؤوف بدون أن يتفوه بكلمة ليفتح باب الجناح الخارجي وهو يواجه نعمات بغضب
مكتوم:
رفعت نعمات إليه عيون مغرورقة بالدموع وبدأت تتكلم بطريقة شبه هيستيرية تقريباً:
ـ رؤوف ..آسفة ..آسفة لم أستطع ..أشعر أني سأموت ..إنك كل ما تبقي لي ..أرجوك..
أرجوك ..ال تتركني..
هدأ غضب رؤوف بعدما تبين حالتها التي تقترب من االنهيار ..فربت على كتفها بهدوء:
94
ـ ما هذا الكالم؟ ..من أين ِ
أتيت بتلك األفكار؟..
قيد القمر
توسلته نعمات:
وقع رؤوف في حيرة شديدة ..كيف يتصرف؟ ..نعمات تبدو في حالة يرثى لها ..ونور القمر
بالداخل ..عروس في ليلة زفافها..
نهى طلبة
وكانت نو ار قد اقتربت بما يكفي لتسمع الجملة األخيرة ,فلم تتمالك لسانها الذي انطلق
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
كعادتها:
فرمقها رؤوف بنظرة نارية وخرج من الغرفة مغلقاً الباب خلفه ومصطحباً نعمات إلى
غرفتها..
95FB.com/groups/Book.juice
الفصل السابع
قيد القمر
عاد رؤوف لعمله بعد زفافه بأسبوع ..أسبوع ازدحم فيه منزله بالمهنئين وأفراد عائلته وعائلة
نورا ,التي لم يستطع االنفراد بها للحظة واحدة طوال ذلك األسبوع ..فهو كان ينتقل من
دوامة المهنئين إلى هيستيريا نعمات التي تظهر في أي لحظة تشعر به يتحرك ليذهب إلى
عروسه..
نهى طلبة
لقد أصبح موقناً أنها تفتعل تلك النوبات مؤخ اًر ..لكنه لم يستطع إدارة ظهره لها بعد كل تلك
السنوات ..وفي نفس الوقت يدرك بأن نو ار عروس صغيرة وال ينبغي عليه إهمالها أكثر من
ينس نظراتها له وهي تستقبل أهلها في اليوم الثاني لزفافها ..وخاصة حين
ذلك ..فهو لم َ
ظهرت نعمات متقمصة دور سيدة المنزل ترحب بالضيوف والمهنئين وبعائلة عمه ..وتقدم
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
لهم واجب الضيافة وكأنهم أتوا في زيارة عادية وليس ليزوروا ابنتهم العروس ويهنئونها..
عيني نو ار بنظرة عجز عن تفسيرها فهي بدت كنظرة ضياع وتشتت ثم عادت ّ التمعت حينها
لتلتمع بنظرة مشاكسة وانتقامية وظل يدعو اهلل أال تنطق بإحدى عباراتها المستفزة وتسبب
أزمة هو في غنى عنها حالياً..
يدرك أنه بدأ معها بطريقة خاطئة ,وهو نادم على ذلك بالفعل فلقد أعماه غضبه من تعليقها
المستفز ..وتركها بمفردها في ليلة زفافها ليذهب مع زوجته األولى ,وال يحتاج لكثير من
الذكاء ليدرك أن نو ار تظنه نام بأحضان نعمات ...بينما ما حدث عكس ذلك تماماً..
FB.com/groups/Book.juice
فنعمات ظلت تبكي بهيسترية طوال ساعات الليل تقريباً ..واستطاع تهدئتها بعد وقت وجهد
طويل ..ليسقط نائماً من اإلرهاق والتعب..
عيني عروسه ..والتي -والحق يقال -لم تقم بأي تصرف مستفز ..كما
ّ ظل بالطبع مذنباً في
كان يتوقع منها ..بل التزمت الصمت تجاه استف اززات نعمات لها وكان آخرها منذ قليل
عندما جلسوا جميع ًا على مائدة الغذاء ألول مرة وكان ذلك بناء على إص ارره ..والذي ندم
96
عليه الحقاً بعد محاولة فاشلة من نعمات الستفزاز نو ار حين حاولت التغنج مع رؤوف
قيد القمر
واطعامه بيدها:
صدم بشدة من طريقة نعمات في تصغير اسمه ,غصت نو ار بطعامها ,مما سبب
بينما ُ
سعادة وقتية لنعمات سرعان ما انمحت عندما تبين أن نو ار غصت لمحاولتها كتم ضحكاتها
نهى طلبة
التي تعالت ألول مرة ,وبدا أن رؤوف قد فُتن بتلك الضحكة ..وما أن لمحت نعمات نظرته
حتى اشتعلت نارها ولكن قيام نو ار من على المائدة هو ما أنقذ الموقف..
توجهت نو ار إلى غرفتها وهي تتظاهر بضحكات ساخرة في حين أنها كانت تكاد تشتعل ذاتياً
من ضرتها المتصابية ..إنها تلتزم الصمت فقط ألنها تدرك أن إطالق العنان للسانها
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
سيكلفها الكثير ..كما الحظت أن صمتها أمام استف از ازت نعمات المستمرة يزيد من غضبها
لذلك اتقنت رسم ابتسامة ساخرة على وجهها تواجه بها تصرفات نعمات المصممة على
إخراجها عن طورها..
كانت تلك نصيحة عمتها قمر صبيحة زفافها ..وهي قررت إتباعها بعد ما كلفها لسانها
رحيل رؤوف عنها وذهابه مع نعمات في ليلة الزفاف ...أسوأ ليلة قضتها في عمرها كله..
وهي تتخيل الرجل الذي ُزفت إليه تواً يقضي ليلته بين أحضان امرأة غيرها ..وارتسم ذلك
الشعور في عينيها بوضوح وهي تلتقي بعينيه عند استقبالهما ألهلها في اليوم التالي ,ولكن
FB.com/groups/Book.juice
نظرة الشفقة التي رأتها في عينيه جعلتها تعود لطبيعتها المشاكسة سريع ًا ..إال وأنها رغم كل
شيء لم تستطع خداع أمها التي شكت في صحة كل ما أخبرتها به نو ار بأن األمور على
خير ما يرام بينها وبين رؤوف..
قاطع أفكار نو ار صوت رنين هاتفها وكانت سهير شقيقتها تهتف بسعادة:
ـ هنئيني يا أحلى نورا ..لقد وافق أبي على خطوبتي أنا ومنذر.
97
صاحت نو ار بفرحة:
قيد القمر
يدك؟ِ ..
أنت لم تخبريني... فارسك الهمام لطلب ِ
ِ ـ ولكن ..متى تقدم
نهى طلبة
ِ
زفافك ..واليوم أعطينا الموافقة لعمتي ..آه يا نو ار كم أتمنى ـ يبدو أنه فعل ذلك في ليلة
ِ
وجودك معي اآلن..
أجابتها نورا:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
أيك لو تأتين ِ
أنت ونادية ـ وأنا أيضاً ..ولكن ماذا نفعل في تقاليدنا العريقة يا عزيزتي؟ ..ما ر ِ
ـ ولكن...
أغلقت نو ار الهاتف وقد أدخلت أخبار شقيقتها بعض السعادة إلى نفسها وتمتمت بهدوء..
FB.com/groups/Book.juice
*********************
وقف رؤوف أمام نافذته ينفث دخان سيجارته وهو يراقب النافذة المقابلة لنافذة مكتبه ,وكانت
تظهر منها نو ار وهي تتحرك بخفة ونعومة ..ابتسم قليالً ..فهي كانت ترقص وال تدري عن
98
مراقبته لها ..قطع عليه تأمله لحركاتها الرشيقة دخول نعمات عليه فجذب ستارة النافذة
قيد القمر
اقتربت منه بهدوء وهي تحاول التحكم في نبرة صوتها حتى ال تبدو كمن أتى ليفتعل مشكلة:
ـ هاه ..بالطبع الطعام جاهز ..ولكن على ما يبدو أننا سنتناوله أنا وأنت فقط ..فقد طلبت
نهى طلبة
سألها بدهشة:
ـ ولماذا؟..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
أجابته بتردد:
هتف بحزم:
قال كلمته وتوجه نحو جناح نو ار ودخل بسرعة بدون أن يطرق الباب ,فانتفضت سهير
ونادية بقوة مما سبب له قليالً من االرتباك ولكنه تغلب عليه سريعاً وهو يرحب بهما ويلتفت
FB.com/groups/Book.juice
لنو ار التي كانت ترقص لحظة دخوله ولكنها تجمدت تماماً تحت نظراته التي تخبرها بأنه
على وشك قتلها وال تدري لماذا ..لذا فسارعت بالقول:
أجابته بخجل:
ـ شك اًر لك..
ـ سنذهب لنلقي التحية على خالتي نعمات ..فهي كانت نائمة عندما وصلنا.
أجابته بهدوء:
ـ نعم...
سألها بغيظ:
ِ
طلبت طعاماً جاه اًز؟.. ـ إذاً لماذا
لم تصدق نو ار أنه قد يكون غاضباً لهذا السبب التافه ,فأجابته بصبر:
ـ لقد فعلت ذلك لوجود شقيقتاي ,حتى آتناول طعامي معهما ..الموضوع ال يستحق كل هذا
الغضب!.
FB.com/groups/Book.juice
كان يعلم ذلك ..الموضوع بسيط بالفعل ..ولكنه كان غاضباً بالفعل ..كان غاضباً منها ومن
نفسه ومن نعمات ..ال يدري ما به ...فقط يشعر بالغضب وترجم هذا عندما قبض على
ذراعها وهو يتهمها:
ـ لما ِ
كنت ترقصين؟..
نهى طلبة
اك أحداً و ِ
ـ لكني ال أحب أن ير ِ
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
أنت ترقصين.
ردت بعفوية:
ـ حاضر..
كانت متوترة بشدة من حركة يديه حول جسدها فابتلعت ريقها بتوتر وهي تضغط على
شفتيها ,تلك الحركة التي فتنت رؤوف من قبل ..فاقترب أكثر ليطبع قبلة رقيقة على جبينها,
حاولت االبتعاد إال أنه منعها لتشعر بشفتيه تتحركان على وجهها الساخن فأغمضت عينيها
لتحط شفتاه على جفونها المغلقة ..وأنفاسه السريعة تضرب وجهها وشفتيه تواصال طريقهما
101
عبر صدغها ووجنتها ..ارتعد جسدها بقوة استجابة لحركته البطيئة وهو يقترب من شفتيها
قيد القمر
يداعبهما برقة ويمنحها قبلتها األولى ..بدت قبلته رقيقة وهو يحاول السيطرة على مشاعره
حتى ال يخيفها ..ولكن م ا أن تالمست شفاهما حتى خرجت سيطرته عن عقالها فألصقها به
وهو يغرز إحدى يديه بشعرها يبعثره في عبث ويعمق قبلته التي سحبتهما من عالم الواقع
فلم يشع ار بسهير وهي تفتح باب الغرفة ,ولكن شهقتها الخجولة أبعدتهما عن بعض وهي
تقول بخجل شديد:
نهى طلبة
ـ آسفة ..أنـ..ا ....آسـ..فـ..ـة ...إررر ...لقد كنت أبحث عن حقيبتي ...عفواً سأذهب.
تحرك رؤوف بعيداً عن نو ار بعد أن طبع قبلة رقيقة على مقدمة رأسها وخرج من الغرفة وهو
يتمتم:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
التفتت سهير إلى شقيقتها بعد خروجه من الغرفة فبادرتها نو ار وأنفاسها مازالت متسارعة:
*********************
توجه رؤوف إلى مكتبه مباشرة بعد أن اعتذر لنعمات عن تناول الطعام مما جعلها تتعجب
ولكنها التزمت الصمت ..أما هو فحاول أن يدفن اضطرابه وأحاسيسه التي أشعلتها قبلته
FB.com/groups/Book.juice
لنو ار باالنغماس في العمل وتجاهل الصوت الذي يهتف به أن يذهب ويلقي بشقيقتيها خارج
جناحهما ليبدأ معها حياتهما كما ينبغي..
بعد عدة محاوالت فاشلة منه لقراءة إحدى الملفات ألقاه بعيداً وتوجه نحو أحد األدراج
الموصدة في مكتبه ليفتحه ويخرج دفت اًر كبي اًر مخصصاً للرسم لينغمس في هوايته التي يلجأ
102
لها كلما تشتت عقله وتبعثرت أفكاره ..فهو كان يجد في هوايته لفن الكاريكاتير والقصص
قيد القمر
كان يسخر من نفسه بنفسه ..يشكي حاله للورق واأللوان ,يحاول معرفة ما الخطأ وكيف
يوازن أموره ويصحح أخطائه ..انغمس في رسمه لساعات وهو يخط ما يمر به من مواقف
وأزمات بصور هزلية مضحكة ..يهرب بها من مشاكل الواقع الذي يحيط به ليعيش مع
نهى طلبة
هوايته التي تمنى يوماً أن يحترفها وتكون مهنته ,ولكن الواقع عانده عندما ظهرت مهاراته
في حقل األعمال والتجارة وكان من المحتم أن يتناسى أمنيته ويتفرغ ألعمال العائلة ..فهو
يتذكر جيداً كالم جده له عندما لمح دفتر رسومه..
"شخبطات جيدة يا رؤوف ..هواية مسلية ..ما دامت ستظل في إطار الهواية والتسلية..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
كان تحذير وتنبيه فهمه رؤوف جيداً رغم أنه كان في الثانية عشر فقط..
انتبه على جواله يدق ويظهر رقم نعمات على شاشته ..وكعادة كل ليلة كانت تبكي وتنوح
وتطلب منه أال يبتعد عنها ..فأغلق الخط وتوجه إلى غرفتها ..عله يستطيع أن يصل لحل
معها..
أما نو ار فبعد ذهاب شقيقتيها الالتين الحظتا غياب ذهنها الكلي ظلت تترقب خطوات رؤوف
وتنتظر ع ودته إليها خاصة بعد ما حدث بينهما عصر اليوم ,ولكن لمفاجأتها سمعت
FB.com/groups/Book.juice
خطواته تتجه بسرعة إلى األعلى نحو غرفة نعمات ..كادت تنفجر من الغيظ والغضب..
إلى متى ستتحمل تلك األوضاع المقلوبة؟..
إنها هي العروس ..هي من يجب عليه اإلسراع ليكون معها ..استبد بها الغضب وهي تذرع
غرفتها ذهاباً واياباً ..ولم تتمالك نفسها وهي تتجه نحو باب غرفتها لتفتحه وتتجه نحو
الطابق العلوي هي األخرى..
103
لم تعلم ماذا تهدف من تصرفها ذاك؟ ..أو ما الذي ستفعله؟ .لكنها تحركت بدون تفكير
قيد القمر
حتى وصلت إلى باب غرفة نعمات ..وقبل أن تمسك بمقبض الباب سمعت صوت نحيب
نعمات وبكائها الهيستيري وهي تتوسل رؤوف أال يتركها ..أو يغدر بها..
تجمدت نو ار لوهلة وهي تستمع لهذيان نعمات ..وعادت أدراجها إلى جناحها في الطابق
السفلي مرة أخرى وهي تحاول تحليل ما سمعته ..للحظة بسيطة شعرت باألسى عليها..
نهى طلبة
لكنها سرعان ما نفضت ذلك الشعور ..فال يوجد مبرر إلصابة نعمات بتلك الهيستريا في
ساعات الليل فقط ..بينما تكون في قمة هدوءها بل وغنجها أثناء النهار!! ..إال أنها طريقة
لالستحواذ على اهتمام رؤوف ..أشعرها ذلك بالنفور من تفكير المرأة األكبر سناً والتي تصر
على إعالن حرب غير مرئية بينهما..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
غلبها النوم أخي اًر وهي ما زالت تفكر في وضعها وحياتها الجديدة وتتساءل إذا ما كانت
أخطأت في الموافقة على تلك الزيجة واقحام نفسها في عالقة ثالثية األطراف ..أما أحالمها
فكانت كلها تدور حول مشاعر جديدة عليها شعرت بها اليوم فقط وهي بين ذراعي رؤوف..
*********************
استلقت سهير على فراشها وهي تستمع لكلمات منذر المسكرة لحواسها وهو يحادثها هاتفياً:
لك ِ
بيتك الخاص ,ولكن بعد زواج أنت تعلمين يا حبيبتي أنني كنت أتمنى أن أقدم ِ
ـ ِ
شقيقتك ..خشيت أن يسبقني ِ
إليك شخصاً آخر.. ِ
همست له:
104
ـ أعلم ..أنت ال تحتاج أن تبرر نفسك لي ..وأنا موافقة على السكن مع عمتي قمر..
قيد القمر
فاجأها بقوله:
ـ أحبك..
نهرته بضعف:
نهى طلبة
ـ منـ ـ ــذر.
همست:
ـ ليلة سعيدة.
FB.com/groups/Book.juice
واحد مع حلم طفولتها وفارس صباها ..منذر ..تنهدت بح اررة وهي تسترجع صورته في
خيالها ..بوسامته الخشنة التي تعشقها..
أخذت تعبث بخصالتها الشقراء وهي تتذكر كلماته الرقيقة وغزله الناعم ..وتعد الساعات
حتى تكون معه رغم المشاعر الغامضة التي تنتابها وتسبب انقباضة قلبها..
نهى طلبة
*********************
اشتعلت حيرة نو ار بعد مكالمة هاتفية سريعة مع سهير والتي توسلتها أن تجد طريقة حتى
تصطحبها في جوالتها الشرائية ..فعمتها وأمها أصابتاها بالجنون وهي أصابتهما باالنزعاج
من شدة تذمرها ..وكانت سهير تستغيث فعلياً بنو ار كعامل مهدئ بين الجميع..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
وأخي اًر قررت نو ار استئذان رؤوف لترافق سهير ..فالبد أنه سيقدر رغبتها في مساعدة أختها
ويتغاضى عن تلك العادات والتقاليد التي تلزمها بالمكوث في منزل زوجها لتقابل المهنئين
خاصة ونعمات لم تقصر في إظهار نفسها كصاحبة البيت وسيدته ..وبرغم أنها لم تكن تود
أن تكون البادئة في الذهاب إليه ,ولكن ليس أمامها خيار آخر ..فسهير بدت في حالة
يائسة..
اتجهت نو ار إلى المطبخ لتعد له القهوة التي يعشقها ..وهناك فوجئت بوجود نعمات فحاولت
تجاهلها قدر ما تستطيع وأخذت تعد القهوة ..ثم خطر في بالها طريقة ترد بها على
FB.com/groups/Book.juice
استف اززات نعما ت لها ..فبدأت بالغناء كما اعتادت في منزل أبيها ..وكان اختيارها لألغنية
هو ما اشعل نيران نعمات التي انعقد لسانها وهي تستمع لصوت نو ار الرقيق:
"جالت لي بريدك يا ولد عمي ..تعا دوج العسل سايل على فمي ..على مهلك علي ما بحمل
الضمة ..على مهلك علي ..ده أنا حيلة أبوووي وأمي".
106
أرفقت نو ار غنائها بحركات راقصة خفيفة وهي ترمق نعمات بنظرات ذات مغزى ..ثم أخذت
قيد القمر
قدح القهوة وتوجهت نحو مكتب رؤوف الذي فوجئ بدخولها عليه وهي تحيه ببساطة:
لم يستطع إخفاء دهشته ..وطار عقله ليظن أنها اشتاقت إليه ..ولكنه نهر نفسه بسخرية:
"لتكف عن جنونك ,البد أنها تحتاج منك شيئاً وجاءت مقدمة القهوة كعربون سالم" .ابتلع
نهى طلبة
سؤاله عن سبب مجيئها إليه ..فقد توقع أن تختفي من أمام ناظريه كعقاب له على بقائه كل
ليلة بجوار نعمات وخاصة ليلة أمس بعد قبلتهما ..عندما وصل به تفكيره إلى تلك القبلة
اتجهت نظراته إلى شفتيها بدون إرادة منه ..والحظت هي ذلك فازداد توترها وأخذت تفرك
بيديها وهي تضغط شفتيها معاً ..الحظ رؤوف توترها ذاك ..فحاول أن يرد بهدوء:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
الحظ ترددها في الخروج من المكتب ..فأيقن أن تفكيره كان صائباً وأنها تريد شيئاً...
فأردف:
ـ هل ِ
أردت شيئاً؟..
أجابته بتردد:
وأخذت تقص عليه مكالمة سهير ..لم يدري لما أصيب باإلحباط ..فهو عندما لمحها تدخل
عليه تمنى أن تكون قد جاءت لرؤيته ألنها اشتاقت إليه ..أو أن تكون قبلتهما قد أثرت
فيها ..لذا عندما أخبرته بسبب حضورها واعدادها لقهوته أصيب باإلحباط بل بالغضب..
ووجد نفسه يعبر عن ذلك برفضه لطلبها:
107
ـ كالِ ..
أنت تعلمين أنه ال يصح أن تخرجي اآلن ولم يمر على زواجنا عشرة أيام..
قيد القمر
صاحت بنزق:
أجابها بهدوء:
نهى طلبة
ـ يجب احترام تقاليد مجتمعنا ..وحتى لو مدينتنا ال تقع داخل الصعيد فعلياً بكل عاداته ..إال
أننا دائماً ما اتبعنا التقاليد ..لن يضير سهير االنتظار لعدة أيام أخرى ..كما أن معها عمتي
وخالتي شموس..
تعجب من قولها:
سألته بسرعة:
FB.com/groups/Book.juice
صاحت بتعجب:
فهم إلى ماذا تشير بكالمها فتقدم منها بغضب لمحته يظهر في عينيه فتراجعت فو اًر ..ولكن
دخول نعمات قطع ثورة الغضب المتوقعة ..حيث دخلت لتقول:
نهى طلبة
ـ هل أعجبتك قهوة نورا؟ ..فأنت اعتدت على تناول القهوة التي أعدها ..إذا لم تعجبك..
سأعد غيرها..
ـ لقد أعجبته قهوتي جداً ..فلقد آن اآلوان ليتذوق القهوة بنكهة جديدة ..ال تقلقي نفسك يا
خالتي...
واتجهت للباب لتخرج وهي تلقي بنظرات قاتلة لرؤوف ..بينما جمدت نعمات في مكانها
وظهر الغضب على وجهها وهي تتمتم بحرقة:
ـ خالتي!!.
بينما التمعت المشاكسة في عيني نو ار وهي تلقي بنظرة أخيرة إلى رؤوف كأنها تخبره:
FB.com/groups/Book.juice
*********************
رغم السعادة التي شعرت بها نو ار لمرافقة شقيقتها الختيار ثوب زفافها ,إال إن القلق كان
يعصف بها من ردة فعل رؤوف على خروجها بالرغم من اعتراضه السابق ,ولكنها لم
109
تستطع أن تصل معه لنقطة تفاهم خاصة بعد أن تعمد تغيير الموضوع ببراعة ليبعدها عن
قيد القمر
وما أشعل غيظها هو دخول نعمات عليهما مما اضطرها للخروج بدون الحصول على إجابة
شافية ..ثم خروجه بعد ذلك بدون أن تستطيع إكمال نقاشهما ..جعلها تتخذ قرارها بالخروج
مع سهير مع اكتفائها بإرسال رسالة له تخبره فيها بذلك ..ألنها عندما اتصلت به على هاتفه
نهى طلبة
وجدته مغلقاً..
بعد انتهاء جولتها الشرائية برفقة سهير وصلتا إلى منزل والدهما لتفاجئ نو ار بوجود رؤوف
بانتظارها برفقة والدها ..ونظرة واحدة إلى عينيه أدركت مدى الغضب الذي يعصف به
ومدى تحكمه في نفسه حتى ال يظهره أمام والدها الذي أصر على بقائهما لتناول العشاء مع
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
األسرة ..واضطر رؤوف للموافقة أمام إصرار عمه وتوسل شموس لتجلس مع ابنتها قليالً..
كان العشاء مسلياً بخالف توقع رؤوف ..فاكتشف أن نادية الشقيقة الصغرى لنو ار تمتلك
حس فكاهي نادر وسرعان ما ظهر ذلك على مائدة العشاء وهي تتذمر من ترك أختيها لها
وهما تختاران ثوب الزفاف وكأنه سر حربي ..ومع تذمرات نادية الحظ لمعان نظرة حالمة
في عيني سهير وكأنها ال تشاركهما الواقع ,بل تطفو على سحابتها الوردية مما جعله يظن
أن ارتباطها بمنذر يحمل أكثر من ارتباط عائلي..
حاول على قدر استطاعته تجنب النظر إلى حمقائه الصغيرة حتى ال يظهر غضبه منها
FB.com/groups/Book.juice
على المأل ,لكن رغماً عنه كانت عيناه تتجه إليها وهو يالحظ توترها وقلقها ..كما لمح نظرة
تشبه خيبة األمل عندما رن صوت سهير الرقيق وهي تتحدث عن تجهيزات زواجها وموعد
زفافها المتوقع ..مما دفع بالشياطين لتوسوس له ليظن بأن نو ار كانت معجبة بمنذر أو
األسوأ تحبه ..دفعه ذلك الظن إلى إنهاء العشاء بسرعة واالستئذان لينطلقا إلى منزلهما..
110
ساد صمت تام بينهما في السيارة ,حاولت نو ار كسر ذلك الصمت أكثر من مرة والحديث
قيد القمر
معه بهدوء إال أنه كان يقابل محاوالتها بنظرة نارية تسكتها على الفور...
وصال أخي اًر إلى المنزل ..فنزلت مسرعة من السيارة إال إنه لحقها ليمسك بذراعها ويدخل
معها إلى البهو ووجد نعمات ساهرة بانتظاره ولمح كالعادة قطرات الدموع تتألأل في مقلتيها..
لكنه كان في حالة من الغضب الشديد فتجاهل النداء الصامت بعينيها وهو يقول لها:
نهى طلبة
ثم استمر في سحب نو ار خلفه ليدخلها إلى جناحها ويغلق الباب خلفهما ..فقررت أن تبدأ
بمهاجمته:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ كيف تجرؤ...
ثم أردفت:
FB.com/groups/Book.juice
ـ لماذا تسأل؟..
رد بسرعة:
صاح بغضب:
ِ
نفسك رمي كل ما تكلمنا فيه ..وخرجت من المنزل بدون إذن ..وحتى بدون ِ
وقررت من ـ
ِ
غرفتك.. ِ
تجدك في ِ
وجهتك ..لقد اتصلت بي قلقة ألنها لم إخبار نعمات عن
صاحت مشدوهة:
نهى طلبة
ـ هي اتصلت بك؟..
ِ
بخروجك؟. ِ
أخبرك أن تعامليها باحترام؟ ..لماذا لم تبلغيها ـ نعم ..ألم
أجابته بنزق:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
صاح بغضب:
ـ نورا!!!.
ـ ماذا؟!! ..نعمــات!! ..نعمــات!! ...اسأليها ..بلغيها ..هل أنجب منها الوريث اللعين
أيضاً؟..
FB.com/groups/Book.juice
عرفت أنها تخطت الخطوط الحمراء عندما رأت ش اررات الغضب تتطاير من عينيه وهو
يخطو نحوها بسرعة ويجذبها من ذراعها ليلصقها به وهو يهمس بغضب:
ِ
سأعلمك ممن ستنجبين الوريث. ِ
كلماتك؟ ..حسناً.. ـ ألن تتعلمي التحكم في
112
انقض على شفتيها بقوة ينفس عن غضبه ويخرج كل الشياطين التي استوطنت أفكاره وهو
قيد القمر
يظنها كانت تتمنى غيره ..فزاد من ضغطه على شفتيها حتى أجبرها أن تفرقهما ليعمق قبلته
بينما إحدى يديه تتحسس جسدها وتستكشفه بجنون واألخرى تجذب شعرها بقوة لتثبت رأسها
وتجبرها على تلقي قبالته العنيفة..
حاولت نو ار االبتعاد عنه إال أنه كان يحبط جميع محاوالتها بفاعلية تامة وهو مستمر في
نهى طلبة
تقبيلها ولكنها تمكنت أخي اًر أن تبعده عنها قليالً لتستنشق بعض الهواء وتهمس له:
هدأت كلماتها من غضبه وحدت من اندفاعه فقربها منه برقة وهو يهمس أمام شفتيها:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ كال...
فأخفض رأسه يلتقط شفتيها ويعاود تقبيلها ولكن برقة أذابتهما معاً...
FB.com/groups/Book.juice
113
الفصل الثامن
قيد القمر
نـ ـ ــار ..نار حارقة تكوي جوف نعمات ,فما كانت تحاول جاهدة لتأجيله في األيام السابقة..
قد وقع ..كل محاوالتها إلبعاد رؤوف عن نو ار فشلت فشالً ذريعاً ..حتى مكالمتها التليفونية
له وهي تدعي قلقها على العروس الصغيرة التي لم تجدها بغرفتها..
رمت كذبتها وأتقنت إدعاء القلق في صوتها وهي تعرف أي جنون سينتاب رؤوف لخروج
نهى طلبة
نو ار بدون إخباره ..كانت تظن أنها بذلك تزيد من اتساع الهوة بين نو ار ورؤوف ..ولكن يبدو
أن العكس هو ما حدث ..وكانت فعلتها تلك ..سبباً للتقريب بينهما..
زفرت بقوة وهي تشعر باإلشمئزاز من نفسها ومن تصرفاتها في الفترة األخيرة ..تشعر بأنها
تحولت إلى امرأة أخرى ..امرأة حاقدة وشريرة ..مليئة بالم اررة والخوف ..نعم الخوف من
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
هجران رؤوف لها ..الخوف من فقدها الزوج الذي عاملها بحنان ورقة لم تشعر بهما مع
عمه . .رغم حب ذلك األخير لها ..لكن رؤوف كان يعاملها بنوع من القدسية ..منحها هالة
من المالئكية تشعر بالرعب اآلن من أنها فقدتها في عينيه ..لكن أكثر ما يخيفها أن تفقد
اإلحساس الرائع الذي يمنحه وجود رؤوف في حياتها ..اإلحساس بأن هناك من يحتاجها..
بأن وجودها هام وحيوي لشخص ما..
إحساس قريب من األمومة لحد ما ..نعم ..فوجود رؤوف في حياتها عوضها عن إحساس
أمومتها المفقود ..وخاصة مع انعدام فرصها في اإلنجاب ومع الفارق العمري بينهما والذي
FB.com/groups/Book.juice
حولته لفيض غامر من الحنان والعناية والرعاية الموجهه نحوه ..إن نعمات ال تخاف فقط
فقدان الزوج ,بل تخاف فقدان االبن الذي منحته كل حنانها ومشاعرها...
*********************
لم تتصوره أبداً بتلك الح اررة والشغف ..فبعد اندفاعه العنيف نحوها أمس ..رقت لمساته
نتيجة همسها له وتحولت قبالته الغازية إلى قبالت حارة مغوية ..أذابت كل مقاومتها
وأضاعت عقلها تماماً فاستجابت له بعفوية بريئة ..زادت من جنونه بها وهو ينثر قبالته
على كل خلية بجسدها ..ويصحبها معه إلى عالم العشق ...والجنون ..وهو يهمس في كل
لحظة ..بــ"قمري" ..اسمها الذي يخصه هو فقط..
نهى طلبة
شعرت بأنفاسه تتسارع ودقات قلبه تزيد تحت وجنتها فأدركت أنه استيقظ من نومه وأنه
يتأمل مالمحها ,فاحمرت وجنتاها على الفور واستمرت في إغالق عينيها بشدة ..مما دفعه
لالبتسام وهو يهمس بجوار أذنها:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ِ
عينيك اآلن؟ ..أم ستستمرين في إدعاء النوم؟.. ـ هل ستفتحين
ضحك بقوة وهو يزيد من ضمها ويده تعبث بخصالتها المنتشرة على وسادته:
ِ
إيقاظك!!!. ـ حسناً أيتها النائمة بالفعل ..أنا أملك فكرة جيدة عن كيفية
وأعقب قوله بقبلة قوية على شفتيها وهو يلفها بذراعيه أكثر ,فوجئت نو ار بحركته السريعة ولم
FB.com/groups/Book.juice
تستطع االبتعاد عنه بالسرعة الكافية فأحكم ذراعيه حولها وهو يهمس أمام شفتيها:
ـ مبروك يا قمري..
أشعلت جسدها بأكمله فحركت ذراعيها لتلتف حوله ليضمها إليه أكثر وهو يلتهم شفتيها في
قبلة حارة أذابتهما سوياً.....
*********************
مرت األيام التالية على نو ار وهي تعيش فوق سحابتها الوردية ..فعالقتها مع رؤوف في قمة
نهى طلبة
تناغمها ,لم تتوقع أن تجد نفسها قريبة منه إلى تلك الدرجة ..تشعر به قد تغلغل بداخل
روحها ..كما تحب أن تعتقد أنها لمست شيئاً بداخله..
أسعدها بشدة أنها وجدته إنسان رقيق ..حنون وشغوف ..بطريقة لم تتوقعها ...فكان يغمرها
دائماً بعاطفة حارة تدخلها إلى عوالم جديدة عليها كليةً ..وكان هو دليلها إلى تلك العوالم
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
الرائعة ..لكن سعادتها كانت ناقصة على الدوام ..فكانت الليالي التي يقضيها رؤوف مع
نعمات بمثابة حرائق الهبة تندلع في كيانها..
لم تدرك أنها يمكن أن تشعر بتلك الكمية الرهيبة من الغضب إال عندما رأت رؤوف بعد أن
قضي الليلة برفقة نعمات ..لم تعرف أنها تملك القدرة على القتل إال بعدما رأت نعمات
تتهادى على الدرج وعلى وجهها ترتسم ابتسامة قطة قد التهمت طنجرة كاملة من اللبن كامل
الدسم..
وقتها شعرت أنها تريد مسح االبتسامة من على وجه نعمات ,وأن تعيد تشكيل مالمح وجهها
FB.com/groups/Book.juice
المبتسم ..فآثرت السالمة وتحركت متجهة إلى غرفتها قبل أن تطاوع شيطانها ..وتمزق
عيني نعمات..
يومها لحقها رؤوف إلى غرفتها ..ووجدها واقفة بنافذتها تنظر إلى الفراغ ..تأملها لعدة دقائق
ولكنه ظل صامتاً عالماً بأنها أدركت وجوده بالغرفة معها ..ولكنها ببساطة تتجاهله..
116
أجلى صوته وهو يقول بهدوء:
قيد القمر
ـ صباح الخير..
ظلت نو ار صامتة ..ولم تستطع أن ترد تحيته ..فقد كانت دموعها تنهمر بغ ازرة..
اقترب منها بهدوء حتى وقف خلفها تماماً ..يكاد يكون ملتصقاً بها ,ووضع يديه على كتفيها
يديرها إليه ..ففوجئ ..بالدموع تغرق وجهها ..ضمها إليه بهدوء ,وضغط رأسها إلى صدره
نهى طلبة
ظال على هذا الوضع لفترة لم يشعر بها كالهما ...وأخي اًر أبعدها عنه قليالً ..ومسح دموعها
بأصابعه ثم طبع قبلة دافئة على جبهتها ..وخرج بهدوء مثلما دخل..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ظلت نو ار مسمرة في مكانها لفترة بعد خروجه ,ثم ألقت بنفسها على الفراش وهي تجهش
بالبكاء...
بعد تلك المرة تعلمت نو ار أن تتحكم في أعصابها وتعبيرات وجهها ,فال تفضح غيرتها
الشديدة على رؤوف وخاصة أمام نعمات ..ولكن ذلك لم يمنعها من إظهار غضبها أمامه
في نوبات عصبية ..ولكنه كان يمتص غضبها بقبالته ولمساته المذيبة لها فيسحبها إلى
عالمه الذي يفتح ذراعيه مرحباً بها..
كان أكثر ما يغيظها هو اهتمام رؤوف الزائد بنعمات بعد كل ليلة يقضيها معها هي حتى
FB.com/groups/Book.juice
أ نها بدأت تعتقد إنه يشعر بالذنب لمشاركتها عواطفه الحارة ..لكنها حاولت تجاهل ذلك حتى
تستطيع المضي في حياتها التي تريدها أن تستقر بعيداً عن الضغائن والمنغصات ..وكان
القتراب زفاف سهير أثره الكبير في رفع روحها المعنوية وخاصة بعد موافقة رؤوف على
مرافقتها لسهير ف ي رحالتها الشرائية ..ومساعدتها في تجهيزات الزفاف وتأثيث الجناح
الخاص بسهير في منزل عمتها قمر ,ولكن أثار تعجبها تأكيده المستمر على عدم تواجد
117
منذر في تلك الرحالت ..وحاولت سؤاله أكثر من مرة عن السبب ولكنه لم يمنحها إجابة
قيد القمر
كانت تلك الليلة التي تسبق الزفاف ..وكانت االحتفاالت في بيت عبد السالم على أشدها..
حين وصلت سيارة رؤوف وهو يقل نعمات التي تعمدت الجلوس بجواره ,ونو ار الجالسة في
الخلف تبرم شفتيها في حنق ..حيث أن الليلة هي ليلة الحنة لشقيقتها ورغم ذلك لم تتنازل
نهى طلبة
نعمات وتمكث في المنزل ,بل قررت الحضور لمشاركتهم االحتفال ,واألدهى من ذلك أنها
احتلت المقعد األمامي فوصلت نو ار إلى منزل والدها وقد وصل غضبها آلخره وكادت
أعصابها أن تخونها وتفلت منها ..لتوجه إلى نعمات كل ما بداخلها من قهر وحنق..
حين وصل رؤوف إلى باب المنزل األمامي ..ترجلت نعمات وهي ترسل التحية لرؤوف,
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
وحين حاولت نو ار الترجل بدورها فوجئت بأن رؤوف قد أوصد الباب بجوارها ,فسألته وهي
تحاول فتح الباب:
التفت ليواجهها وهو يمسكها من ذراعها حتى تكف عن محاولة فتح الباب:
أجابته بقلق:
FB.com/groups/Book.juice
أجابها في سرعة:
قاطعته بأمل:
118
ـ لكن..
قيد القمر
اك الجميع و ِ
أنت ترقصين.. ـ ليس هناك ..لكن ..أعتقد أن ذلك حقي ..فأنا ال أرغب أن ير ِ
أعتقد أنني أخبر ِ
تك بذلك من قبل.
أجابته في حزن:
ـ حسناً..
نهى طلبة
ِ
عليك ..أعتقد أن هذا شيء ال يسبب الحزن. ـ أنا أخاف
ـ حسناً..
ِ
سأخبرك بمفاجأة سوف ـ ال تغضبي ..وابتسمي ابتسامة حقيقية ..وعندما نرجع إلى المنزل..
ِ
تسعدك كثي اًر.
ضحك بدوره عندما لمس تحسن مزاجها ونظر إلى شفتيها بخبث وهو يقول:
ـ مغ ــرور.
119
ضحك مرة أخرى وهي يفتح أبوب السيارة:
قيد القمر
ـ هيا انزلي يا طويلة اللسان وأبلغي تحياتي وتهنئتي لخالتي شموس ولسهير..
تحركت نو ار لتنزل من السيارة بينما كانت نعمات ترمقهما بنظرات نارية وهي تراقب الحوار
المتبادل بينهما والذي لم تتمكن من سماعه ولكنها استطاعت مالحظة تبدل مالمح
وجهيهما ..وكادت عينيها أن تخرجا من محجريهما وهي ترى أصابع رؤوف تتحسس شفتي
نهى طلبة
"لقد ُجن وال شك ..هذا ليس رؤوف المتحفظ البارد ,الذي ال يظهر انفعاالته أبداً أمام
الناس ..لقد أفقدته عقله ابنة شموس".
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
تحركت نو ار لتصطحب نعمات ليدخال معاً إلى منزل والدها ...وكان مشهد دخولهما معاً..
ال ينسى حقاً ..فكان كتالقي ربيع العمر مع خريفه ..كانت الروعة ونضارة الشباب جنباً إلى
جنب مع الوقار والكهولة ..كانتا كابنة وأمها ..وذلك ما تردد بقوة من النساء الحاضرات
ووصل إلى مسامع نعمات كخناجر سامة تزيد من جروح كبريائها...
الحظت نو ار تلك الهمسات السامة وتأثيرها على نعمات التي ارتعش جسدها وهي تستمع
إلى المقارنات التي تعقدها النساء بينها وبين شباب وجمال نورا ..مما أشعر نو ار بالشفقة
عليها فطلبت منها الصعود إلى غرفة العروس ..لكن نعمات ترددت في إبداء موافقتها..
وفضلت أن تتواجد باألسفل حيث كانت النساء متجمعات معاً يغنين األغاني الخاصة
FB.com/groups/Book.juice
باألفراح..
كان بعضهن يتبادلن األحاديث واألخبار ..بينما كانت صواني الشربات األحمر تلف على
الموجودات تنبأ عن الفرحة والسعادة ..بينما امتدت الموائد تحمل كل ما لذ وطاب من أجود
أنواع األطعمة ..في انتظار جموع السيدات لتتقدمن وتتناولن عشائهن ,ولكن ذلك لم يمنع
تراشق النظرات حول نعمات ونورا..
120
لذلك بعد أن جلستا قليال مع الموجودات في البهو تحركتا للذهاب إلى غرفة سهير التي
قيد القمر
كانت تمتأل بحشد من الفتيات الالتي كن يرددن األغاني وكانت بعضهن يتمايلن راقصات..
بينما كانت في ركن الغرفة مائدة صغيرة وضعت عليها صينية دائرية بها مجموعة من
الشموع وضعن في شكل دائري حول طنجرة كبيرة امتألت بالحنة ..وكانت الورود منثورة
بروعة على المائدة تحيط بالصينية في مشهد رومانسي هادئ...
نهى طلبة
أخذت نو ار تبحث بعينيها عن سهير التي ما أن لمحت شقيقتها حتى ارتمت بين ذراعيها
وهي تلومها على التأخير ولكنها ابتلعت كلماتها وهي تلمح نعمات خلف نورا ,فنظرت إلى
شقيقتها بعجب ..فكانت إجابة نو ار ضغطة خفيفة على يد سهير حتى تنبهها لتسلم على
نعمات كما يجب.
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ لماذا صعدت ِ
معك إلى هنا؟..
أجابتها نورا:
ـ السيدات في األسفل يرمين بكالم كالسهام السامة ...تلك العادة المقيتة ال يتخلين عنها أبدًا
سواء كان التجمع فرح أو عزاء ..هل تذكرين عزاء عمي عبد الرحمن؟..
ـ آه ..ومادام منذر قال ذلك فهو صحيح مائة بالمائة ..أليس كذلك؟..
121
احمرت وجنتا سهير وهي تبتسم في خجل وتمسك بيدي نورا:
قيد القمر
قطع كالمها هجوم مجموعة من الفتيات عليهما وهن يحثهن على االندماج في الرقص
واالحتفال معهن ,وبدأن بالفعل في جذب سهير التي استجابت لهن وأخذت تتمايل وكأنها
تحاول تناسي مخاوفها عبر اندماجها مع الموسيقى ..وسرعان ما حاولن جذب نو ار حتى
تشاركها ,ولكن نو ار ت منعت وهي تتذكر وعدها لرؤوف ..إال أن سهير زادت من جذبها لها..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
فنهضت نو ار بجوار سهير ولم تنتبه لهاتف نعمات الحديث الذي كان يلتقط بعدسة كاميرته
ما يدور..
*********************
بحثت شموس عن نو ار بين المدعوات فهي تريد الحديث معها قليالً حتى تطمئن عليها
وتحاول إسدائها بعض النصح ..وأخي اًر وجدتها واقفة ثابتة بجوار سهير التي تتمايل راقصة
بسعادة ومعها الصغيرة نادية بينما اكتفت نو ار بالتصفيق لهما بحماسة..
ِ
عليك قليالً ..هل تمانعين؟. ـ كال يا حبيبتي ..ولكني أردت االطمئنان
122
ابتسمت نو ار برقة وهي تمشي في الرواق بجوار أمها حتى دخلتا إلى غرفة شموس وأغلقتها
قيد القمر
ِ
عينيك ..ولكني أشعر ِ
عليك ..صحيح أنني أرى لمعة في ـ نورا ..حبيبتي ..أريد االطمئنان
ِ
سعادتك غير كاملة.. أن
ـ وهل توجد سعادة كاملة وخالصة تماماً يا أمي ..أنا راضية والحمد هلل ..سعيدة تقريباً..
فرؤوف إنسان رائع بحق ...ووالدي كان على حق ..هو رجل تتمناه أي فتاة..
ولكنك ِ
كنت على حق أيضاً ..هو رجل متزوج.. ِ ـ
ـ هل تز ِ
عجك كثي اًر؟..
أجابتها نورا:
ـ كما هو متوقع ..لقد تزوجت زوجها ..يا أمي ..أنا ألتمس لها العذر نوعاً ما ..وخاصة..
قطعت نو ار كالمها وقد أدركت أنها كانت على وشك شرح مشاعرها ألمها في الليالي التي
FB.com/groups/Book.juice
ـ لقد تمت الزيجة ..وأخي اًر منح جدي أبي رضاه الكامل ..والكل فائز ..فلما التساؤل اآلن؟..
وصغيرة ..ستنجب له بمشيئة الرحمن الذرية التي يبتغيها ..كما أن نعمات لم تطرد من حياة
زوجها وحتى لو لم تر ذلك فهي ليست بخاسرة ..فضرتها على الرغم من شبابها وحيويتها
إال أنها لم تحاول أذيتها أو إقصائها من حياة رؤوف ,بل تلتمس لها العذر في تصرفاتها
ِ
نفسك يا ابنة بحت ِ
أنت يا نورا؟ ..ال تكذبي على األنانية المزعجة!!! ..ولكن ماذا ر ِ
شموس!!.
نهى طلبة
الدك بجو ِ
ارك كنت رفضتيه لوقف و ِ
ـ أعني أن رؤوف رجل رائع ..ولكنه ليس الوحيد ..ولو ِ
نفسك بسبب مو ِ
افقتك عليه ..حتى ال ِ ِ
ليجبرك على الزواج منه ..حبيبتي ..صارحي ولم يكن
ِ
سعادتك الناقصة إلى تعاسة تامة ..وافهمي طبيعة ِ
نفسك في دور الضحية فتتحول تحصري
ِ
أسألك ِ
زوجك ..فهو لم يعرف الحب ..حتى يتعرف على مشاعره ويدركها اآلن ..سوف
ِ
نفسك عليه وبصراحة ..هل سؤاالً واحداً وال أريد سماع جوابه ,لكني أريد ِ
منك أن تجاوبي
ِ
زوجك؟ ..هل تحبين رؤوف؟.. تحبين
نظرت لها نو ار ودموعها تترقرق في عينيها ..ورأسها تتحرك بالموافقة بدون إرادة منها..
FB.com/groups/Book.juice
ـ ال عيب في ذلك يا حبيبتي ..وال حاجة للبكاء ..فأنا موقنة أن رؤوف يشعر بالمثل..
صدقيني ..صدقي ِ
أمك ..وامنحيه الفرصة ليتعرف على مشاعر لم يعرفها من قبل ,بل لم
يكن يعترف بوجودها من األساس..
124
ال لتردف:
صمتت قلي ً
قيد القمر
كانت كلمات أمها تتردد في عقلها وهي جالسة في سيارة رؤوف في المقعد األمامي تلك
المرة ..ولكنها كانت تشعر بنظرات نعمات تأتيها من المقعد الخلفي كالرصاصات فعلى ما
نهى طلبة
يبدو أن رؤوف هو صاحب فكرة جلوسها بجواره تلك المرة وابعاد نعمات إلى المقعد
الخلفي ..كانت تصلها كلمات متناثرة عن االحتفال بالحنة وفرحة العروس وصديقاتها ..إال
أن ما جذب انتباهها كلمات نعمات حول مقطع فيديو التقطته لسهير وهي ترقص برفقة
نورا ,وأنها كانت تتمنى عرضه على رؤوف وأضافت ضاحكة ..إنها ال تظن أن منذر
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
سيرضى بذلك..
كانت السيارة قد وصلت للحديقة األمامية لبيت رؤوف مع نهاية كلمات نعمات ,فأوقف
السيارة بغتة مما جعل نو ار تصطدم بالزجاج األمامي ,ولكنها تحركت بسرعة لتترجل من
السيارة قبل أن تقتل تلك السيدة في الخلف ..فهي تكذب وبصفاقة منتهزة فرصة استحالة
عرض الفيديو على رؤوف..
لذلك تحركت بخطوات غاضبة نحو غرفتها ولكنها ما أن دلفت إليها حتى فوجئت برؤوف
خلفها يجذبها من ذراعها ليلفها إليه وهو يصرخ بها:
FB.com/groups/Book.juice
ِ
أخبرك اآلن ..أنا لم أرقص ..لقد نفذت ما طلبته مني ..وكف عن الصراخ بوجهي.. ـ أنا
125
وتهدج صوتها وهي ترمي نعمات بنظرة تحاول أن تفهمه أال يصرخ بها أمام نعمات:
قيد القمر
فهم تلميحها ..وأزعجه أنه فقد أعصابه عليها أمام نعمات ..والم نفسه على عصبيته
واندفاعه ..لمحت نظراته التي بدأ يخف غضبها قليالً مع رؤيته لدموعها تلتمع في حدقتيها
وهمس:
نهى طلبة
أرجوك يا قمر ال ِ
تبك.. ِ ـ ال ِ
تبك..
عندما سمعته يناديها بقمر شعرت بأنه يرغب في تصديقها وانهاء الموضوع ,ولكنها لم
ترغب في ذلك فلقد ركبتها كل شياطينها وقررت تلقينه درساً ..حتى يتوقف عن اندفاعه
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ثم أغلقت الباب بقوة والتفت لرؤوف الذي كان يتأملها بقلق:
كانت أصابعها تعبث بالهاتف في سرعة حتى وصلت إلى الفيديو الذي تدعي نعمات
برقصها فيه وكان حين جذبتها سهير فوقفت بجوارها لتصفق فقط بينما سهير هي من كانت
ترقص..
ـ هل تظن أنني سأعرض عليك رقص شقيقتي ..تفضل وانظر بنفسك فأنا سأغطي صورتها
بأصابعي..
ـ وهل انتهى الموضوع ألن سموك أعلنت ذلك؟ ..أم أنك تعطفت وتكرمت وصدقت ما
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
أخبرتك به؟ ..أم يا ترى أعملت عقلك وقررت أن تتروى قليالً قبل أن تهاجم مثل الدب
الشرس؟..
صرخ بها:
صرخت بسخرية:
جذب منها الهاتف بقوة وألقاه نحو الحائط فسقط متحطماً لعدة قطع ..والتفت لها:
ال ومازال الغضب يتملكها ,كا نت نظراته تتجاوب مع تأملها له وكانت تلتمع
نظرت إليه قلي ً
عينيه بنظرة أدركتها ..وبدأت تفهم أنه يرغبها اآلن ..لذلك يحاول التغاضي عن الموضوع..
فقررت تلقينه الدرس لنهايته ,خلعت الشال الذي تلف به كتفيها ..فظهر فستانها الرائع ذو
اللون الخمري ..فستان ناعم من الحرير مزموم عند صدرها بفراشة ماسية رائعة ثم ينسدل
نهى طلبة
بروعة ليالمس جسدها بنعومة ..فيظهر روعة وجمال قدها الرقيق الذي أشعل جسد رؤوف
وهو يراها تمسك شالها وتلفه حول خصرها بهدوء ثم تتحرك لتذهب إلى مشغل
االسطوانات ..وتضع أغنية أم كلثوم "ألف ليلة" ..ثم تتمايل بجسدها على نغمات
الموسيقى ...حتى وصلت إليه فدفعته على صدره ليسقط على األريكة خلفه وهي تهمس:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
استمرت في تمايلها مع نغمات العبقري "بليغ حمدي" حتى اقتربت من باب غرفة النوم
فتحرك هو سريعاً ليمسك بها وقد أدرك نيتها ,لكنها كانت أسرع منه وهي تغلق باب الغرفة
بينهما بقوة قبل أن توصده بالمفتاح وهي تقول:
ـ نورا ..افتحي الباب ..لقد اعتذرت بالفعل ..صدقيني إن غضبي ينبع من ..من ..خوفي
FB.com/groups/Book.juice
ِ
عليك.
للمرة الثانية تشعر به يتردد أمام كلمة خوفي ..هل يقصد أنه يغار؟...
ِ
وستلعنك المالئكة ..و.. ـ ِ
أنت هكذا تمنعينني عن حقي..
توقف عن الكالم وهو يضرب رأسه بباب الغرفة بقوة ..حتى أن نو ار سمعت صوت ارتطام
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
رأسه بالباب ..ولكن كالمه كان أطار ما تبقى من هدوئها ..ففتحت الباب بعنف وهي
تحملق فيه وعينيها متسعتين من الغضب..
تأملها قليالً بوجهها المحمر من الغضب والش اررات النارية تتطاير من عينيها الالتين
أصبحتا في لون الذهب السائل واختفى لون العسل منهما ..وشفتيها الالتين كانت تبرمهما
في حنق من كالمه..
كانت صورتها مدمرة لمشاعره التي أشعلتها برقصتها المغوية ..وكانت واقفة أمامه بمنتهى
التحدي بأن يتقدم ويأخذ ما هو حقه ..اقترب قليالً منها فغمرته رائحة عطرها والتي دمرت
FB.com/groups/Book.juice
ما تبقى من سيطرته على نفسه ,مد يده ليلفها بذراعه ويطبق على شفتيها بقبلة قوية لم
تستجب لها في البداية ,ولكن سرعان ما بدأ يشعر ببداية استجابتها ..وهي تبادله قبلته..
كانت بين ذراعيه ..دافئة ..ومغرية ..وراغبة في مجاراته وتنفيذ رغباته ..لكنه أدرك أنه لو
استمر ..فإنها قد تكرهه وتكره نفسها بعد ذلك..
تركها وخرج من جناحهما وهي واقفة مذهولة مما حدث ,ففي ثانية كانت تحترق غضباً منه
ولكنه سرعان ما أذاب غضبها كالعادة بعاطفته ثم ..ثم تركها وخرج عندما بدأت تتجاوب
معه!!...
هل ذهب إل ى نعمات كما طلبت منه من قبل؟ ..ستقتله ..ستقتله إن فعل ..ظلت تجوب
نهى طلبة
أعادت في رأسها ما حدث منذ بداية الليلة ..وحاولت أن تفهم ما الذي دهاه ليكون بمثل تلك
العصبية التي ظنت أنها شفته منها ..لتعود جملته لتتكرر في ذهنها..
ِ "أخاف ِ
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
هل يقصد بخوفه ..غيرته؟ ..هل يغار عليها بالفعل؟ ..هل يحاول إفهامها أنه فقد أعصابه
نتيجة للغيرة؟!!..هل ما قالته أمها صحيح ..وهو يكن لها مشاعر بالفعل ,ولكنه غير قادر
على التصريح بما يشعر به؟ ..أو غير قادر على إدراك تلك المشاعر وتفسيرها..
أرهقها التفكير ..وأتعبتها حيرتها ...وكادت تبكي كلما تصورته وهو يصعد ليقضي ليلته مع
نعمات ..وظلت تلوم نفسها بشدة إلتاحة الفرصة للعجوز لتشمت بها ..وتفسد وقتها مع
رؤوف..
FB.com/groups/Book.juice
"غبيةِ ..
أنت غبية ..غبية".
في أثناء انغماسها في تقريع نفسها لمحت ضوء خافت من نافذة مكتبه المواجهة لنافذتها..
كان ذلك الضوء الخافت بمثابة منارة في وسط ظلمات حيراتها ..إلدراكها أنه ذهب إلى
مكتبه ولم يذهب لنعمات ..لذلك قررت أن ال تدعه يبيت الليلة وهما على خصام...
130
أسرعت وارتدت قميص نوم لونه يشبه الشيكوالتة الذائبة ..كان قصي اًر يصل إلى ركبتيها
قيد القمر
بالكاد ..وله فتحة صدر واسعة ..تكشف عن بشرتها السمراء الجذابة ..ثم ارتدت الروب
الذي يتناغم مع القميص واتجهت إلى مكتبه في إصرار..
أما نعمات فكانت تراقب باب جناح نو ار بإصرار وما أن لمحت رؤوف يخرج من الجناح
ويتجه إلى مكتبه حتى أسرعت لغرفتها ..وبدأت في البحث وسط خزانتها حتى وجدت إحدى
نهى طلبة
الغالالت التي كان يفضلها رؤوف فسارعت بارتدائها وأعادت زينة وجهها استعداداً لتذهب
إليه وتقدم مواستها ودعمها له..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
FB.com/groups/Book.juice
131
الفصل التاسع
قيد القمر
ضغط رؤوف على مفتاح نور المكتب الجانبي فسبحت الغرفة في ظالم لم يكسره إال ضوء
القمر المنبعث من النافذة وأخذ يدور بكرسي مكتبه يمنة ويسرة ..يحاول أن يفرغ رأسه من
األفكار التي تدور بها ..يشعر أنه دخل بقدميه في دوامة وال يعرف الطريق للخروج منها..
لطالما تجاهل حديث المشاعر واألحاسيس وظنه للمراهقين والصبية أو لمن يريدون التسلية
نهى طلبة
فحسب ,لكنه وجد نفسه اآلن يتساءل عن صحه تفكيره ..وهل ما يربطه بنو ار هو عقد زواج
تم بناء على تفكير عقلي فحسب؟ ..سخر من نفسه أي عقل وأي تفكير؟ ..لقد انطلق
اسمها على لسانه بدون أي إرادة من عقله عندما عرض جده عليه األمر؟ ..هل هذا هو
الحب الذي لطالما سخر منه؟ ..أنه ال يدري ..فقط يعلم أن حياته تغيرت من اللحظة التي
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ارتبط فيها بها ..أصبح لحياته نكهة مختلفة ..نكهة يكاد يجزم أنه أدمن عليها مثل إدمانه
على رائحة التوت البري التي تنبعث من شعرها أو إدمانه لرؤية توترها الذي يدفعها لتقوم
بتلك الحركة الفاتنة بشفتيها ..بل أنه يدفعها للعصبية أحياناً حتى تقوم بتلك الحركة فقط..
كما اكتشف أنه يهوى صوت الموسيقى الذي ينبعث مع ضحكاتها ..والطريقة التي تغني بها
وهي تدور مثل الفراشة في المنزل وخاصة عند اعدادها للقهوة التي أضحى يدمنها من
يديها..
مسح وجهه بكفيه ..وهو يدرك أنه يغرق أكثر وأكثر ..يغرق في بحور لم يعرفها من قبل..
ينغمس في أحاسيس كان يظن نفسه ال يمتلكها ..فحياته مع جده ومن بعده نعمات لم تؤهله
FB.com/groups/Book.juice
ليتعامل مع فيض هذه المشاعر ..لقد عاش لسنوات حياة أشبه بمياه هادئة لم تؤثر فيها أي
رياح أو أعاصير ..باستثناء المحاوالت الحثيثة لإلنجاب إذا اعتبرت تلك المحاوالت أزمات
من أزمات الحياة ..أما بخالف ذلك فكانت حياة روتينية هادئة لم تعترضها أي عواصف..
حاول أن يخرج ما بنفسه في صور هزلية كعادته ولكن ألول مرة تفشل األوراق واأللوان في
مساعدته على تصفية أفكاره التي تعصف بشدة..
132
رمق دفتر الرسم الكبير على المكتب وكأنه يناجيه ..يتوسله أن يفسر له ماذا يجري معه؟..
قيد القمر
ما تلك األحاسيس والمشاعر التي تموج بداخله؟ ..ألول مرة يشعر أنه فاقد السيطرة على ما
يدور حوله ..فاقد للسيطرة على أفكاره وأحاسيسه ومشاعره ..إنه يفقد أعصابه وينطلق
غضبه بسرعة شديدة وخاصة عليها ..على نورا ..كال ليست نورا ..إنها قمر ..قمره هو..
نهر نفسه بغضب ..ما هذا اللغو الذي تتفوه به؟ ..إنها فتاة متمردة ال تستطيع تنفيذ ما
نهى طلبة
عاد يرمق دفتره مرة أخرى وهو يتساءل عن رأيها في هوايته تلك ..لقد رفض جده اإلعتراف
بها تماماً مبدياً رأيه أنها مجرد شخبطات ...أما نعمات فثارت ثائرتها عندما لمحتها وظنته
يسخر منها ..ولم تستطع استيعاب أهمية تلك الهواية في حياته فهي تراها سخرية وقحة من
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
البشر...
ترى ماذا يكون رأيك يا قمري؟ ...هل ستعتبرينها شخبطة أم وقاحة؟ ..أم ربما يكون رأيك
اقسى من ذلك؟..
أرجع رأسه للخلف وأغمض عينيه يحاول تجميع شتات نفسه ..وظل على هذا الوضع لفترة
وهو يسترجع ذوبانها بين يديه منذ قليل ..لقد استجابت له ولعاطفته برغم غضبها منه ..وهو
كان مستعد لإلستمرار رغم إدراكه لذلك الغضب ..لقد احتاج سيطرة عنيفة على مشاعره
حتى يبتعد عنها ..فهو لم يصدق لسانه الذي اندفع ليخبرها أنها تحرمه من حقوقه ..وأن
FB.com/groups/Book.juice
المالئكة ستلعنها ..لم يصدق أنه وصل لهذه الدرجة من اليأس حتى يقنعها بأن تفتح له
بابها وذراعيها...
فتح عينيه ورمق األريكة القابعة أمامه ..وابتسم بسخرية من نفسه ..يسترجع ليالي طويلة
قضاها على أريكة مماثلة في بداية زواجه من نعمات..
133
نعمات ..إنه في حاجة إلى حوار مطول مع نعمات ..قد يستوعب الغيرة النسائية العادية
قيد القمر
بينهما ..وليس بخافي عليه محاوالت نعمات الستفزاز قمر ,ولكن ما حدث اليوم كان أكبر
مما يتوقع..فهو لم يتخيل امرأة في عقلها ورصانتها تسجل حفل لفتيات صغيرات ثم طريقتها
في إخباره عن ما حدث كانت كفيلة باخراجه عن شعوره ..وكاد أن يفعل بالفعل لوال دموع
نو ار التي لمعت في مآقيها ومنحته شعور بالعجز أمامها .....تباً إن أفكاره تعود به إليها
دائماً ..ترى ماذا تفعل اآلن؟..
نهى طلبة
لف بصره ناحية نافذة المكتب المواجهة لنافذة جناحها لعله يلمح أي ما تفعله ..ولكن
وياللعجب لمح طيف يحاول الدخول عبر نافذة مكتبه ..أغمض عينيه وفتحها مرة أخرى في
محاولة منه إلجالء نظره ,إال أن الشبح الذي يحاول اقتحام النافذة كان قد أدخل نفسه
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ من تعتقد؟ ...أنا نورا ..إن الحديقة الداخلية بين نافذتينا مغلقة ..فمن تنتظر أن يأتي عبر
النافذة؟.
أخذت ترمقه بمكر ثم دارت حول نفسها وهي تتمسك بأطراف الروب السفلية وتفردها حولها
مثل جناحين:
لم يتمالك نفسه فتعالت ضحكاته ..فتوقفت هي عن الدوران وهي تحكم لف نفسها بالرداء..
فأبرز تفاصيلها األنثوية الخالبة ..فتوقفت ضحكاته بينما أظلمت نظراته وهي تتأملها....
وحين لمحت هي تغيير نظراته ابتسمت ببراءة وهي تسأله:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
أجاب بسرعة:
ابتسمت بسخرية:
ـ في الظالم!!!
أعاد اجابته:
FB.com/groups/Book.juice
علمت أنه متأثر بها مهما حاول ادعاء الالمباالة فهو يناديها بقمر ثانية ..اقتربت منه بهدوء
وهي ترفع عينيها متسائلة:
ـ قمر؟...
أجابته بخفوت:
ـ أنت!
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
سألها مشدوهاً:
ـ أنا!!!
نظر إليها مصدوماً بينما ظلت ترمقه ببراءة وهي تكمل جولتها في الغرفة حتى وصلت إلى
مصباح المكتب فضغط على مفتاحه لينير الغرفة ضوء خافت عكس ظالله على ردائها مما
FB.com/groups/Book.juice
فكر في نفسه أنها أكبر من الدمية بقليل ..كيف يتركها تتالعب به هكذا؟..
لمحها وهي تمد يدها لدفتره ..وبدأت تتصفحه بالفعل ..فتحرك ليسترده منها ..إال أن عينيها
كانتا لمحتا واحدة من رسوماته ..والتي تمثل ليلة زفافهما بالذات..
136
حيث رسم نو ار بثوب زفافها وهي تركله ككرة القدم خارج جناحهما إلى ذراعي نعمات التي
قيد القمر
عبر عنها كحارس للمرمى وهي تتلقاه وتسحبه خلفها وهي تلقي بالتحية لنورا!
كان يراقبها وهو يشعر بنفسه مثل التلميذ الذي ضبط بالجرم ..وكان ذلك يشعره بالغضب..
لكنها أخذت تتأمل الرسمة للحظة ...ثم تعالت ضحكاتها تلك ذات الجرس الموسيقي الذي
يطربه..
نهى طلبة
سألها بقلق:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ ماذا تعنين؟..
أجابته بصراحة:
ـ أعني ..أنني لم أظن أنك تهوى الفن الساخر ..إنك حقاً ملئ بالمفاجآت..
ـ إنك تمتلك موهبة رائعة ..أتعجب كيف لم تحاول دراسة الفنون لتصقل تلك الموهبة!!
ـ هل هذا ما تظنينه حقاً؟ ..أال تشعرين بالغضب من عرضي لذلك الموقف بتلك الطريقة؟
ـ حسناً ..من الممكن أن يغضبني ذلك ..ولكن قليالً فقط ..لكني ال أستطيع أن أخدع
نفسي ..إن الموقف كان مضحكاً فعالً.
137
ثم سألته بغضب مصطنع:
قيد القمر
ـ إذاً هذا ما تفعله في مكتبك طوال الوقت ,وأنا التي تظن أنك مطحون بأعمال العائلة!!..
ـ بالعكس ..أنا ال أفعل ..أنا ال أزيد الوضع صعوبة ..لقد ابتعدت أنت ,وأنا جئت إليك..
أعتقد أن هذا يوضح كل شيء..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
بعد سماعه لكالمها لم يستطع إال أن يضمها بقوة وهو يرفعها عن األرض حتى يستطيع
بثها قبالته كما يرغب ..همست أمام شفتيه:
سألها بهمس:
ـ هل تغارين يا قمري؟..
عاد ليتناول شفتيها مرة أخرى وهو يضغطها بقوة لجسده ويديه تتحرك بسرعة ليخلصها من
الروب الذي يخفي جسدها عنه ولكنها كانت عاقدة لذراعيها خلف عنقه ,تسند نفسها إليه فلم
يجد بديل عن تمزيق الروب الذي استجاب نسيجه الرقيق لجذب رؤوف له فتمزق إلى
قطعتين ألقاهما بعيداً ليرفعها بين ذراعيه ويتجه إلى األريكة وهي ما زالت بين أحضانه
138
تبادله جنون بجنون ..وتوق بتوق ..فلم يشع ار بالباب الذي فتحته نعمات بهدوء شديد وهي
قيد القمر
تظن أن رؤوف وحيداً في الغرفة ,فأرادت أن تفاجئه بدخولها عليه ...ولكن كانت المفاجأة
من نصيبها هي ...وهي ترى نو ار بين ذراعي رؤوف على األريكة يتبادالن القبل وهما
غائبان عن ما حولهما..
استدارت نعمات لتعود من حيث أتت ,فيبدو أن الصغيرة هي من كسبت معركة الليلة على
نهى طلبة
أي حال ..ويجب عليها اإلعتراف بالهزيمة أمامها ..إال أن شيطانها أبى عليها أن تتركهما
بدون أن تترك ظالال رمادية على سهرتهما ,فعادت لتدخل الغرفة وهي ترمق الجسدان
عال انتفض على إثره رؤوف بينما ٍ
صوت ٍ الملتحمان بحقد ,ثم أغلقت الباب بقوة فأصدر
تجمدت نو ار بين ذراعيه ..وهي تسمعه يصيح بغضب:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ ما هذااااااااا!!
ـ آسفة ..لقد ظننتك وحيداً ..ويبدو أن الباب أفلت من يدي فأُغلق بصوت ٍ
عال
رمقها رؤوف بعدم تصديق وهو يحرك جسده بسرعة كي تحتمي نو ار خلفه ويمد يده ليلتقط
ثوب نومها من على األرض ويعطيه لها ..ثم رفع بصره لنعمات وهو يسألها بغضب
واضح:
ِ
وتأكدت أنني لست وحيداً ..فهل تحتاجين شيئاً؟.. ـ حسناً لقد ِ
أتيت لهنا
FB.com/groups/Book.juice
الحظت نعمات لهجته العدوانية والطريقة الغاضبة التي يحدثها بها للمرة األولى فهمست
بصوت مجروح:
ـ رؤوف!!
139
همسها المجروح أشعل غضب نو ار التي كانت ارتدت ثوبها وأخذت ترمقها من تحت أهدابها
قيد القمر
بغيظ وهي تركتز على كتف رؤوف من الخلف ..فهبت واقفة فجأة مما لفت انتباه رؤوف
فقال لها بصوت مسموع:
رمقته بغضب قاتل ,فرفع يده ليمسد وجنتها وهو يقول برقة:
نهى طلبة
تحركت نو ار باتجاه الباب لتعود إلى حجرتها إال أنها عندما وصلت بالقرب من نعمات
التفتت لرؤوف وهي تقول:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
كتم رؤوف ضحكته بصعوبة وهو يتناول سترة بذلته من على ظهر كرسي المكتب ويقترب
منها ليلفها بها وهو يقول:
رمقته نو ار بعدم تصديق وهي تنظر لنعمات بتساؤل ..ففهم ما تريد قوله وأردف:
قفزت نو ار بسعادة وهي تعود لتلقي نفسها بين ذراعي رؤوف وتصرخ بابتهاج ..بينما تجمدت
نعمات تماماً وهي ترى المشهد أمامها وتتساءل
140
"وماذا بعد يا رؤوف؟ ...هل تعمدت ذكر ذلك أمامي كي تعاقبني؟ ..أم حتى أصمت وال
قيد القمر
أعترض؟"...
انتبهت أنها اصبحت بمفردها مع رؤوف الذي كان يغلق أزرار قميصه بتكاسل ,فقررت
الهجوم مباشرة:
أجابته بتلعثم:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ نعم ..ولكن ألن يكون هناك الكثير من األعمال التي عليك متابعتها في الشركة ,وخاصة
اآلن بعد زواج منذر؟..
أجابها في هدوء:
ـ نعم ..وهناك بعض الصفقات التي يجب عقدها باألسكندرية لذا ..سأضرب عصفورين
بحجر واحد..
ـ كم ستغيب؟..
FB.com/groups/Book.juice
رد بحزم:
قاطعته بتوسل:
ـ رؤوف..
141
أسكتها بإشارة من يده وهو يقول:
قيد القمر
ـ ِ
أنت تعلمين جيداً أنه ما كان يصح أن تسجلي ما يحدث في جلسة كلها فتيات وسيدات
على هاتفك ...تلك أشياء بديهية ولست في حاجة للفت نظرك إليها.
سألته بذهول:
أجاب بحدة:
ـ وهل هذا يهم؟ ...أم أنه كان من الممكن أن يشاهده أي شخص غيري ..أوحتى أي واحدة
ِ
صورت ما استأمنوك ,و ِ
أنت ِ أخطأت بشدة ..لقد ِ
كنت ضيفة في بيتهم وهم ِ من الخدمِ ..
أنت
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
" كان عقلي معك ..أنت وأحوالك التي تبدلت ...ومشاعرك التي أصبحت تجرفك نحو ابنه
عمك الصغيرة لتجعلك تفقد احساسك بالمكان والزمان لتتبادل معها المشاعر في غرفة
مكتبك حيث من الممكن أن يفاجئكما أي شخص ..يا إلهي كم تغيرت في غضون أسابيع
قليلة ..لقد أصبحت أشعر أنك غريب أعرفه للمرة األولى وليس زوجي للخمسة عشر سنة
الماضية"
FB.com/groups/Book.juice
ـ أرجو أن تنتهي تلك المشاحنات والمشاكسات بينك وبين نورا ..أريد أن يعم الهدوء مرة
أخرى ...تصبحين على خير..
142
ثم خرج وتركها وحدها ..تحترق وسط غيرتها وغضبها من تلك الصغيرة اللعوب الذي
قيد القمر
********************
دخل إلى جناح نو ار التي كانت تذرع الغرفة جيئة وذهاباً ..قلقة أن يتسبب احساسه بالذنب
الدائم نحو نعمات ألن يصعد معها ..ويتركها هي ..وعند سماعها لصوت باب الجناح
نهى طلبة
ـ لقد أتيت!..
رمقها بدهشة:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
كانت تفرك بيديها كعادتها عندما تتوتر ...فتقدم منها ليمسك بهما ويرفع ذراعيها حول عنقه
وهو يضمها:
وافقته:
ـ ال حل في لسانك أبداً
*******************
143
لم يكن حفل زفاف سهير أقل روعة وفخامة عن زفاف نورا ..وكانت العروس كالمالك
قيد القمر
الناعم بزينتها الهادئة التي تتناسب مع فتنتها الطبيعية وثوب زفافها المذهل بتنورته الواسعة
جداً التي تناثرت عليها الآللئ والماسات الصغيرة في تناغم فني بديع ..وكانت تبدو في أوج
سعادتها وهي متعلقة بذراع منذر الذي كان الحب والعشق ينساب مع نظراته لها..
أخذت شموس تتمتم بآيات من القرآن خوفاً عليهما من العين والحسد ..وكذلك قمر وهي
نهى طلبة
ترمق ابنها األصغر وهو يجلس بجوار عروسه الفاتنة ..فجاءت نو ار من خلفهما وهي تقول:
ِ
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ انتظري يا نورا..
سألتها نورا:
ـ عمتي!!!
ِ
عينيك تتبعانه طوال الحفل.. ـ لماذا الخجل ...إن نظرات ابن أخي تأكلك أكالً ..و ِ
أنت أيضاً
فمن الطبيعي أن أسأل!!
كنت تحملين البن أخي مشاعر قوية ,فال تترددي في إخباره ..كوني ِ
أنت البادئة.. ـ إذا ِ
أشعريه أنه محبوب لذاته ..لنفسه ..ليس ألنه رجل العائلة الالمع في إدارة شئونها ..وليس
ألنه سيحقق حلم امرأة لتكون أماً ..أو من سيوفر وريث للعائلة ..تعلمي من أمك يا ابنة
شموس ..إن ِ
أباك وقف ألول مرة في حياته أمام جدك ورفض تنفيذ أمره من أجل عشقه
ألمك ...تعلمي كيف تمتلكين مشاعر زوجك..
ـ أتمنى أن تكون شقيقتك في مثل بالهتك واال ستستحوذ على ولدي الحبيب منذر!!!
بعد أن تركتها عمتها تسمرت نو ار في مكانها وهي مذهولة مما سمعته منها..
وأخذت تتمتم:
145
ـ ما بهم جميعاً يلقوم بنصائحهم فوق رأسي!!!
قيد القمر
التفتت لتذهب لسهير ولكنها التقت بعينين يتأمالنها بخبث ..فتعرفت على قاسم ابن عمتها
قمر وشقيق منذر األكبر ..الذي شعرت بعينيه تتابعنها منذ بداية الحفل ..أصابتها نظراته
بالقشعريرة والخوف فتحركت عينيها تلقائياً تبحث عن رؤوف حتى وجدته بجانب جدهما..
فتوجهت نحوه مسرعة تحتمي بوجوده بجانبها من تلك النظرات الشريرة..
نهى طلبة
كادت نو ار أن تلقي مالحظة الذعة عن تفكير جدها العتيق إال أن ذراع رؤوف التي اشتدت
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
حول خصرها قبل أن تتركه حذرتها بأن تحتفظ بلسانها داخل فمها ..فابتلعت كلماتها وآثرت
الصمت وهي تسمعه يهمس:
سألته بدهشة:
ـ حسناً
********************
146
أخذت سهير ترتجف بشدة وهي تودع نو ار أمام منزل عمتها قمر ..وأمسكت نو ار بكفي
قيد القمر
شقيقتها فوجدتهما قطعتين من الثلج ..فأخذت تفركهما بشدة حتى يسري بعض الدفء فيهما
وهي تطمئنها:
ـ ما ِ
بك يا سهير؟ ..اطمئني ..إن منذر يحبك بصدق ..إنه لن يؤذيك أو يضايقك..
ـ ِ
إنك ال تعلمين شيئاً ..ال تعلمين شيئاً
ـ ماذا ِ
بك يا سهير؟ ..ما األمر
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
وصعدا معاً درجات السلم وهما يشي ار للجميع حتى وصال إلى باب جناحهما فرفعها منذر
بين ذراعيه وهو يقول بسعادة:
ابتسمت بارتعاش ..وأخفضت رأسها بخجل ..فدخل منذر إلى جناحهما وهو يحملها ..ثم
FB.com/groups/Book.juice
كانت الرجفة ما زالت تتملك جسد سهير وهي بين يدي منذر ,فالحظ هو ذلك وحاول
طمئنتها:
147
ِ
أؤذيك أبدًا ـ ال تخافيِ ..
أنت تعلمين كم أحبك ..وأنني لن
قيد القمر
ـ أنا أحبك ..لقد أحببتك منذ اللحظة األولى التي رأيتك فيها و ِ
أنت طفلة رضيعة بين يدي
خالتي شموس ..لقد أخبرت أمي يومها أن خالتي شموس أنجبت شمساً صغيرة ..لها
خصالت ذهبية وعينان بلون البحر..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
هدأت كلمات منذر من ارتجاف سهير فسكن جسدها قليالً مما أمكنه أن يقترب منها ويطبع
على شفتيها قبلة رقيقة ..عاد ارتجافها للحظة ولكنه ضمها لصدره وهو يهمس لها بكلمات
العشق والغزل ,فاستسلمت له تماماً حتى حملها بين ذراعيه ليضعها برفق على الفراش..
وهما غائبان في حبهما ..حتى شعرت سهير بيدي منذر تحاول خلع ثوبها عنها ..فلم تشعر
بنفسها وهي تصرخ بهيستريا:
جلست نو ار بجوار رؤوف في سيارته في طريقهما لألسكندرية ومشهد سهير األخير ال يبارح
عقلها ..وخاصة جملتها...
ِ
"أنت ال تعلمين شيئاً"
نهى طلبة
ما الذي تقصده وسهير؟ ..وما هذا الذي ال أعلمه؟ ..ماذا تخفين عني يا سهير؟ ..وكيف
ِ
عليك اآلن؟.. لي أن اطمئن
ـ ِ
أنت هادئة جداً
أجابته بشرود:
ـ هاه..
سألها بقلق:
صرخت به في غضب:
149
ـ يا الهي! ..هل هذا ما يشغل بال كل الرجال؟.
قيد القمر
قهقه ضاحكاً:
ـ ومن أين ِ
لك أن تعرفين ما بعقل كل الرجال؟..
ـ لم تخبرني لما قررت السفر فجأة وفي مثل هذا الوقت المتأخر؟..
ـ حسناً ..ما ال تعلمينه أن الرحلة ليست لمجرد النزهة فحسب ,فأنا لدي عدة مقابالت عمل..
وقد تقدم موعد إحداها لصباح الغد..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
صاحت به في غضب:
مد يده ليمسك بكفها ويرفعه إلى شفتيه ويقبله بخفة وهو يرمقها بنظرات حنونة:
توردت وجنتاها تحت وقع نظراته وحاولت سحب يدها منه إال أنه أمسك بها بإحكام ,فسألته
بنبرة حانقة تقريباً لقدرته على السيطرة على غضبها بتلك السهولة:
FB.com/groups/Book.juice
ـ أين سنقيم؟..
أخبرها باسم الفندق الذي حجز به بهدوء وقد فهم المغزى خلف سؤالها ..فهي ال تريد اإلقامة
بفندق سبق له اإلقامة به برفقة نعمات ..ولكنه الحظ مالمح اإلمتعاض على وجهها فأردف:
150
ـ اختاري الفندق الذي تريدينه ..وأنا لن أمانع ..فنحن اآلن بعيداً عن موسم الصيف وسنجد
قيد القمر
أجابته بتردد:
ـ أرغب أن نقيم في شقة ..أرجوك يا رؤوف ..سيكون رائعاً أن نكون بمفردنا في مكان
خاص بنا ..لعدة أيام فقط ..أنا أرغب ..في ..في ..أن أشعر بأني سيدة بيتي ولو لفترة
مؤقتة..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
تنهد بقوة وهو يرفع هاتفه ليتصل بالمسئول عن فرع الشركة باألسكندرية وما أن سمع
الصوت على الطرف اآلخر حتى قال بسرعة:
ـ عامر ..اسمعني جيداً ,أنا في الطريق إلى االسكندرية ..نعم ..أعلم أنك قمت بالحجز..
إلغ هذا الحجز ..أنا أريدك أن تجد لي شقة ..نعم شقة ..بالتأكيد يمكنك تدبير
اسمعنيِ ..
شقة لإليجار!!
ـ نعم ..أعلم كم الساعة اآلن ..وأعلم أيضاً أن ما تتقاضاه من راتب يمنحني الحق ألتصل
FB.com/groups/Book.juice
بك اآلن ...أمامي ساعتان وأصل إلى األسكندرية ..أريد أن أجد مفتاح الشقة في مكتبي في
فرع الشركة ...مفهوم؟
رمقته نو ار بنظرة مبهورة فهي ألول مرة ترى هذا الوجه اآلمر منه:
ـ وتسخرين أيضاً؟ ..سأحادث عامر وأخبره أن يعود لفراشه وينسى أمر الشقة
سارعت بالرد:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ كال ..كال ....ال تحادثه ...دعه يتعلم بعض النشاط ..من الذي يحتاج النوم في الثانية
صباحاً؟!!..
رمقها بنظرة نارية فأردفت وهي تضع يدها الحرة على فمها:
ـ سأصمت نهائياً
******************
FB.com/groups/Book.juice
جذب صراخ سهير الهيستيري عمتها قمر ..فتحركت مسرعة لتذهب إليها ..حاول زوجها
أنور منعها:
ـ انتظري يا قمر ..قد تكون ردة فعل عادية ..ال تنسي أنها عروس جديدة
أخي..
طرقت قمر الباب الخارجي لجناح منذر ولم تنتظر أن تسمع اإلذن بالدخول ,فدخلت
نهى طلبة
بسرعة ..وخطت داخل البهو الخارجي للجناح وما أن وصلت لغرفة النوم حتى هالها ما رأت
فعلى الفراش كانت سهير مكومة على نفسها وهي تحتضن أطراف ثوبها بقوة وتبكي
بهيستريا وصوت صراخها يعلو وينخفض ..بينما تردد بجنون:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
وكان منذر واقف بجوار الفراش ينظر لها بذهول ممزوج بحيرة شديدة وال يدري كيف يهدئها
أو يسكتها..
صاحت به قمر وهي تجلس بجوار سهير على الفراش وتضمها لصدرها:
تحرك منذر حتى ينفذ أمر والدته ..بينما احتضنت قمر ابنه أخيها وهي تربت على ظهرها
وتحاول تهدئتها ..ولكن انتفاضة جسد سهير لم تهدئ ..وان استكانت بين أحضان عمتها
FB.com/groups/Book.juice
التي أخذت تتمتم ببعض اآليات القرآنية حتى تطمئن الفتاة وتخرج من حالة الهيستيريا التي
انتابتها..
أشارت له والدته إشارة خفيفة برأسها حتى يخرج من الغرفة ..وعندما لمحت التذمر على
مالمحة أشارت له بيدها بقوة ليخرج ..بينما استمرت في قراءة األدعية واآليات القرآنية وهي
تربت على كتفي سهير حتى هدأت وغابت في النوم..
نهى طلبة
خرجت قمر من غرفة النوم بعد أن نثرت الغطاء على سهير التي كانت ما زالت تنتفض في
شهقات ضعيفة حتى في أثناء نومها..
وجدت منذر يذرع صالة الجناح جيئة وذهاباً ..فنهرته بصوت خافت:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ ما الذي فعلته بالفتاة؟ ..لم أظن أبداً أن يكون ابني بمثل تلك الوحشية!!
أجابها في ذهول:
ـ ماذا تقولين ياأمي؟!! ..أي وحشية تلك؟!! ..أنا لم أفعل لها شيئاً
ـ حسناً ..يبدو أن خوفها الشديد هو ما سبب ذلك ..دعها ترتاح للصباح ..وال تحاول
ازعاجها ..وسوف تتغلب على خوفها هذا بإذن اهلل
خرجت قمر وتركت ولدها والظنون تتالعب به ..هل ما رآه من سهير مجرد خوف طبيعي
من ليلة الزفاف يصيب كل الفتيات؟ ...لقد كانت في حالة هيستريا تقريب ًا..
154
تمدد على األريكة وهو يستغفر ربه حتى يطرد ما مر بذهنه من ظنون ..فهو يثق في سهير
قيد القمر
ثقة مطلقة ..إنها ابنة خاله قبل أن تكون حبيبته وزوجته ..عشقها يسري في عروقه ..كان
حلمه أن تصبح له ..أن يؤسس لها البيت الذي وصفته له في إحدى لقاءتهما التي كانت تتم
في اإلجتماعات العائلية ..وكانت نو ار تساعدهما على التخفي واللقاء بعيدًا عن األعين..
كانت يومها تغلق عينيها حالمة وهي تصف له البيت الواسع الذي تحلم به بحديقته الواسعة
نهى طلبة
التي ستمألها بكل أنواع الورود التي تحبها ..واألرجوحة التي ستعلقها في أحد أركان
الحديقة ..حتى يلعب بها أوالدهما ..وانتقلت لتصف له منزلهما بلونه األبيض ونوافذه التي
بلون السماء ..وأنها تتمنى أن يحتوي على ستة غرف للنوم ..ألنها ترغب في انجاب خمسة
أطفال ...وتريد منه انشاء غرفة خاصة ليلعب بها األطفال داخل المنزل في األيام الباردة..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
وكيف أنها تريد مطبخاً واسعاً ..فهو مملكتها التي تعد بها أشهى األكالت التي يحبها..
والتي تعلمتها وأتقنتها خصيصاً من أجله..
زفر بشدة وهو يحاول الهروب من ذكرياته معها ..فهو أسرع بزواجه منها قبل أن ينتهي من
بناء بيت أحالمها حتى ال تضيع من يده ويسبقه إليها زوج آخر ..فهو ال يحتمل أن تكون
لغيره..
"إنها صغيرة ..والبد أنها خائفة ..يجب أن أمنحها الوقت الكافي لتعتاد على وجودي
FB.com/groups/Book.juice
بجوارها"..
***************
قضت نو ار برفقة رؤوف أروع أيام حياتها ..فعند وصولهما إلى األسكندرية وجدا أن المدعو
عامر قد وفر لهما بدالً من الشقة ..ثالث ..اختارت نو ار منهم أصغرهم ..فكانت أشبه
بشاليه صغير ولكنه يطل على البحر مباشرة ..لكنها كانت في قمة سعادتها ,فعلى الرغم
155
من مساحته الصغيرة التي ال تقارن ببيت رؤوف في مدينتهما إال أنها اعتبرته عشهما
قيد القمر
الخاص ..هي سيدته ..تديره كيفما شاءت ..وبالطريقة التي تناسبها ..ولم يعلق رؤوف على
تخليها عن الشقق الفخمة لتتمسك بهذا الشاليه البسيط في أثاثه والصغير في مساحته..
فيكفيه أنه رأى عينيها تشع بسعادة صافية ..وترتسم على شفتيها أروع ابتسامة وهي تتوسله
أن يوافق على اإلقامة في هذا الشاليه البسيط ..فلم يجد أمامه سوى الموافقة على طلبها..
فهو في النهاية ال يهتم بفخامة المكان أو مدى ثرائه ..كل ما يهتم به هو تلك االبتسامة
نهى طلبة
التي يراها معلقة على شفتيها باستمرار طوال األيام الماضية بالرغم أنه كان يتركها في
الصباح لينهي األعمال التي جاء الى االسكندرية من أجلها ,إال أنها لم ِ
تبد أي تذمر كالذي
أظهرته من قبل حيث كانت تعيش صباحاً في دور سيدة المنزل ..فتطهو الطعام ..وترتب
المكان ..وتقوم بأعمال المنزل كأي زوجة وربة منزل ..ليصل رؤوف ويجد طعامه معداً..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ثم ينطلقا ليجوبا كل شبر في االسكندرية مع ًا ..فبرغم أن كالهما قد زار المدينة من قبل
ولكن ٍ
كل بمفرده ..فقر ار ان يتعرفا عليها معاً وكأنها زيارتهما األولى ..وأن يتركا ذكرى في
كل مكان يذهبا إليه..
كانت نو ار تصر أن يتركا السيارة ويتجوال على أقدامهما ..وعندما يعترض رؤوف تخبره
بحالمية..
"إن األسكندرية تحتاج منك أن تتذوقها ببطء ..أن تشعر بعبقها يخترق روحك ..وبعبيرها
ينتشر بين جنباتك لتشعر بالدفء والترحاب الذي ينبعث منها"..
FB.com/groups/Book.juice
فكان يبتسم ابتسامة هادئة ..ولكنها تجد نفسها في النهاية جالسة بجواره في السيارة
ليستكمال جوالتهما ..ليستقبل سيل العبارات المتذمرة المنطلقة منها بأنه زوج مستبد وال يتيح
لها الفرصة للتعبير عن نفسها بابتسامة لعوب أصبحت تصاحبه في األيام األخيرة وهو
يخبرها أنها لها مطلق الحرية للتعبير عن نفسها ولكن له هو فقط!!! ..فتتورد وجنتاها
156
ويتوتر جسدها وتقوم بحركة شفتيها التي يعشقها ..فينطلق بها مباشرة إلى عشهما الصغير
قيد القمر
مرت األيام سريعاً وأوشك رؤوف على االنتهاء من أعماله ..حتى كان ذلك اليوم قبل
رحليهما بيومين حين وصل رؤوف متأخ اًر عن موعده المعتاد فوجد نو ار تستقبله بابتسامتها
التي لم تختفي من على وجهها طوال إقامتهما في األسكندرية:
نهى طلبة
اقتربت منه بهدوء فطبع قبلة رقيقة على جبينها وهو يقول:
ـ يبدو ِ
أنك أعددت الطعام اليوم أيضاً ..لقد كنت اعتزم أن اصطحبك للغذاء في الخارج
ـ أنت تعلم أن إعداد الطعام والقيام بباقي أعمال البيت تسعدني ,كما أنها تشغل وقتي ..هيا
بدل مالبسك ..فلقد أعددت المائدة منذ مدة
بعد أن انتهى من تبديل مالبسه وجدها قد وضعت الطعام في الشرفة الخارجية للشاليه..
FB.com/groups/Book.juice
ـ آه ..لذلك ال يوجد مكان ثابت لإلقامة ..حسن ًا ..لقد فهمت اآلن..
ال
ـ سنخرج بالطبع ..ولكن دعينا نستريح قليالً أو ً
ـ يا الهي!! ..من يعتقد أن هذا التسلط يخرج من فتاة أكبر من الدمية بقليل!!
ـ ومن هي الدمية؟!
ـ ولكن ِ
الصبية في مثل عمري ..مسموح لهم باللعب بالدمى إذا ُكن بمثل روعتك
حاول اإلمساك بها فركضت هاربة منه وهي تكرر طلبها بضحكة رقيقة:
ـ بالطبع سنخرج...
ـ الحقاً...
FB.com/groups/Book.juice
ولكنهما لم يخرجا في ذلك اليوم ..فبعد أن غابا معاً في عالم العشق والجنون كورت نو ار
نفسها بين أحضان رؤوف رافضة أن تسمح له بالنوم كعادتها مؤخ اًر فربضت على صدره
ترتكز بذقنها على يديها الالتين تشابكت أصابعهما وهي تدرس مالمحه عن قرب وتبدأ في
استجواب جديد له عن كل ما مر به في حياته..
159
كان يتذمر في البداية من تلك االستجوابات ولكنه خضع لها سعيداً بعد أن أخبرته أنها تريد
قيد القمر
أن تتعرف على كل كبيرة وصغيرة مرت به وهو بعيد عنها ..فكان يراقب السعادة على
مالمحها وهي تسمعه يحكي عن طفولته وعن الطرق التي كان يبتكرها للهروب من تحكمات
جده بدون أن يبدو وكأنه غير مطيع له ..ثم يرتسم عليها األسى عندما تسمعه يحكي عن
افتقاده لوالده أو عن ما كان يعانيه من تحكمات الجد المتزمتة ..فيمد يده ببساطة ليمحي
تقطيبة جبينها وهو يخبرها أنه ر ٍ
اض عن حياته وال يلوم جده أو أي شخص آخر على أي ما
نهى طلبة
مر به...
ـ حق ًا؟!
ـ نعم ..وعينيك أيضاً ..لهما درجة لون مختلفة عن عيني والدي ..أنت تشبه جدي كثي اًر
ِ
انتهيت من مقارنتي برجال العائلة؟.. ـ هل
ـ هل أنت غاضب من مقارنتي لك بأبي؟ ..لقد كان جدي يلقبه بـ أوسم رجال الجيزاوي..
رد بتذمر:
ـ نعم أنا غاضب ,فيبدو أني لست وسيماً بما يكفي ..فهل تسمحين لي بالنوم اآلن؟
قهقه ضاحكاً:
ـ حسناً ..ماذا أفعل إذا كنت أدمنت على تلك الدمية؟ ..ولكني مستعد تماماً لجولة جديدة
من االستجوابات ..ماذا تريدين أن تعرفي الليلة؟..
كانت نو ار طوال فترة وجودهما باألسكندرية تفكر في كالم والدتها وعمتها ..هي شعرت
نهى طلبة
بالفعل أن رؤوف يمتلك مشاعر قوية ..ولكنه ال يجيد التعبير عنها ..فهو يركزها في الناحية
الحسية فقط ..فهذا ما يعرفه عن الحب والعشق ..جانبه المادي فقط..
لكنه كان جاهالً تماماً عن نواحي الحب الرومانسية والروحية ..لذا قررت أن تكون هي
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
البادئة كما نصحتها عمتها ..أن تكون هي دليله لعالم الرومانسية الروحي كما كان هو
دليلها إلى عالم العشق الحسي..
ـ كال ..لن يكون هناك استجوبات الليلة ..بل سيكون هناك اعترافات ..اعترافاتي أنا..
تعجب رؤوف من كالمها فاعتدل جالساً وهو يسحبها معه لترتكز بين ذراعيه وهو يسألها
بقلق:
أجابته برقة:
تغضن جبين رؤوف بقلق ..فتلك األيام تمثل أسوأ ذكرياته ,لكنه أدرك عن مغزى سؤالها:
ِ
خرجت تركضين فزعاً من مجلس النساء ـ نعم ..تلك الليلة عندما
161
سألته بدهشة:
قيد القمر
ـ هل تذكر ذلك؟..
أجاب بارتباك:
ـ أعلم أنني كنت طفلة حينها ..وأن أحداثاً كثيرة مرت ..لكني لن أخدع نفسي وأوهمها أنني
وافقت على الزواج منك بسبب أبي ..أو جدي ..أو العائلة ..بل وافقت من أجلك ..من
أجلي ..فأنا بعد مصارحة مع نفسي اكتشفت أن الحلم الذي وقعت في حبه كطفلة ..لم
ِ
ويختف ..بل ازداد ذلك الحب ونضج على مر السنين ..على الرغم يتالش كأحالم الطفولة
َ
من رفضي االعتراف به في البداية ..بل عدم ادراكي له ..حتى تقدمت للزواج مني ..فكان
أن وافقت تحت زعم أنني ارتبط برجل جيد ال غبار عليه ..وأنفذ أيضاً أوامر أبي ..لكني لن
أخدع نفسي أكثر من ذلك ..فأنا قررت المصارحة والمواجهة مع نفسي أوالً ومعك أيضاً..
فأنت تستحق أن تعلم أنني ..أحبك ..أحبك يا رؤوف..
FB.com/groups/Book.juice
كان رؤوف صامتاً بوجوم طوال فترة اعترافتها المذهلة ..فهو للمرة األولى يستمع لتلك
الكلمة"..أحبك" ..وبتلك العاطفة الصادقة ..فلم يدري كيف يتصرف أو بماذا يجيب عليها..
نظر إليها بعجز ..غير قادر على االستجابة فرأى في عينيها عاطفة خالصة ..ممزوجة
بسحابة من الدموع التي تهدد باالنهمار في لحظات..
حبي لك هو ما جعلني أوافق على أن أكون زوجة ثانية ..لكني لن أرضى أبداً أن أحل في
المرتبة الثانية في قلبك ..وحياتك..
تأملت نو ار وقع كلماتها األخيرة عليه فالحظت اختالجه خفيفة في عضلة فكه قبل أن
يتحرك بهدوء ويطبع قبلة رقيقة على جبينها ..ثم يرتدي مالبسه ويخرج من الغرفة وكأنه
نهى طلبة
لم تفاجئ نو ار من ردة فعله ..فهي لم تتوقع منه اعتراف متبادل ..ولكن هذا ال يمنع من
احساس بجرح عميق نتيجه خروجه السريع بدون حتى أن يوجه لها كلمة واحدة..
مسحت دموعها التي هطلت على وجنتيها بهدوء وهي تحاول مواساة نفسها..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
"فألصبر قليالً ..لعله يدرك كم أحبه ..ويتعرف على مشاعره الشخصية ..أنا لست داخل
أحد األفالم القديمة التي يصرح بها البطل بحبه فجأة ..أنها الحياة ..الواقع ..من الممكن أن
يبادلني مشاعري يوماً ما ..ومن الممكن أن أنتظر طوال حياتي في انتظار ذلك"..
ظلت تراقبه من نافذة غرفة النوم وهو جالس أمام البحر يبدو غائباً عما حوله ..وال يرافقه إال
لفافات السجائر التي أخذ يستهلكها بشراهة على مدار الساعتين الماضيتين منذ أن تركها
لينفرد بنفسه ..وهي قررت ترك المساحة له ليفكر في كلماتها ويتيقن من صدقها ..ولكن
طال الوقت وهو لم يتحرك من جلسته ..فتحركت بتردد لتذهب إليه..
FB.com/groups/Book.juice
وجدته شارداً عما حوله ممسكاً بإحدى سجائره التي قاربت على االنتهاء وحرق يده ..فمدت
يدها وسحبتها منه ,أجفل من حركتها ..ثم رفع إليها عينين حائرتين تناشداها مساعدته
للوصول إلى التصرف الصحيح ..كانت عينيه تسألها أال تطالب برد على اعترافها ..فهو
غير قادر على تكوين ذلك الرد ..أو التعبير عنه في كلمات واضحة ..جلست على ركبتيه
وقد قررت أن تجعله يعبر عن ما يموج بداخله بالطريقة التي يعرفها ..فإذا كان الجانب
163
المادي من الحب هو ما يدركه ويفهمه ..فليكن ..ال يهم ..قد يأتي اليوم الذي يمتزج الجانب
قيد القمر
الحسي للحب بالجانب العاطفي في إدراكه ..عليها فقط أن تساعده على ذلك ..فرفعت
ذراعيها لتعقدهما حول عنقه وهي تسأله بلهجتها اللعوب وان شابها الكثير من الحزن:
ـ هل ستظل في هذا المزاج العابس؟ ..أعتقد أنني يجب أن احوله لمزاج عابث؟..
ـ هل اكتفيت من دميتك؟..
وكأنه كان ينتظر كلماتها فهجم عليها بسرعة يلتهم شفتيها مع آخر كلماتها ويرفعها بين
ذراعيه ليعبر عن مشاعره بالطريقة التي يعرفها ..وان كان حبه عنيفاً في تلك المرة ..فهو
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
يختزن الكثير بداخله وغير قادر عن صياغته في كلمات ..ورغم ذلك كان يردد باستمرار...
"قمري"
*********************
جلسا معاً على مائدة الطعام مع باقي أفراد العائلة ولكن سهير كانت شاردة عن الواقع حولها
تتأمل مالمح منذر التي ظهر عليها اإلرهاق بوضوح بمشاعر هائلة من الذنب والكره
لنفسها ..فبعد مرور أكثر من عشرة أيام على زفافهما ..إال أن وضعهما لم يتغير عن الليلة
األولى التي ال تتذكر الكثير من أحداثها ..سوى أنها سقطت نائمة لتستيقظ في الصباح
وتجد نفسها ما زالت في ثوب زفافها ومنذر نائم على األريكة الموجودة في صالة الجناح..
FB.com/groups/Book.juice
يومها أيقظته بعد أن بدلت فستان الزفاف بفستان صباحي بسيط ..وسألته عما حدث؟..
ولكنه ظل صامتاً ...عادت تسأله:
ـ منذر ..لم ال تجيبني؟ ..لم تركتني أنام بثوب الزفاف؟ ..ولم نمت أنت هنا؟..
ترك جملته معلقة ولكنها فهمت ما أراد قوله وقد بدأت لمحات مما حدث أمس تظهر في
عقلها فأخفت وجهها بين كفيها:
ـ يا إلهي ..لقد تذكرت ..ما الذي تظنه بي عمتي قمر اآلن؟ ..أنا آسفة ..أنا آسفة..
خشي منذر أن تدخل في نوبة هيستيريا جديدة فاقترب منها بحذر شديد وربت على كتفها
بخفة:
ِ
تخش شيئاً ..وال تقلقي ..إن ما حدث شيء طبيعي بالنسبة لعروس صغيرة وجديدة ـ ال
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
رفعت إليه عينيها الزرقاوين المغرورقتان بالدموع وهي تعتذر منه في صمت ..أخذ يتأمل
مالمحها الناعمة ووجنتيها المتوردتين وشفتيها المرتعشتين بفعل بكائها ..فلم يتمالك نفسه
وانحنى على شفتيها ليقبلهما برقة ..فتجاوبت معه في البداية ..ولكن بمجرد أن تحركت يديه
على جسدها حتى دفعته بعيداً وقد ظهر الذعر في عينيها مجدداً..
لهث منذر بقوة وهو يحاول التحكم في مشاعره والسيطرة عليها ..وأشار لها بيده أن تهدأ
وتطمئن:
ـ اهدئي ..اهدئي يا سهير ..ال تخافي يا حبيبتي ..أنا لن استعجلك ..يكفيني وجودي
FB.com/groups/Book.juice
بجوارك..
نظرت له بعذاب ال تستطيع تفسير ما يحدث لها ..ال تستطيع إخباره بكلمات واضحة..
وحتى إن تمكنت من مصارحته هل سيقدر ما تشعر به؟ ...هل سيتفهمها ويتحملها؟..
165
مرت عليها أيام التهنئة األولى في عذاب والجميع يتوقع منها ابتسامة السعادة ومالمح
قيد القمر
العروس الخجول ,التي ال تعلم كيف ترسمهما ..حاولت خداع والدتها وعدم مصارحتها بأي
شيء ..ولكن شموس بفطرتها أدركت وجود خطأ ما ..فحاولت اسداء النصح واالرشاد إلى
ابنتها ..ولكنها الحظت مالمح الذعر والفزع التي ترتسم على وجهها..
ِ
أرجوك ..اطمئني وال ـ ال شيء يا أمي ..ال تقلقي ..أنا فقط أخجل من تلك األحاديث..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
حاولت شموس كثي اًر مع ابنتها إال أنها لم تستطع الوصول لشيء مفيد ..فمالت لتفسير
قمر ..بأن ما يحدث هو خجل طبيعي من العروس وان كان زائد عن المعتاد..
اجابته بارتباك:
ـ حسناً..
كانت تنتظر عودة نو ار بفروغ الصبر ..فهي الوحيدة التي تستطيع فهمها والتفاهم معها ..لقد
حاولت مصارحتها بحقيقة الوضع أكثر من مرة في مكالمتهما المتبادلة ..لكنها كانت
166
تستشعر السعادة التي ينبض بها صوت شقيقتها ..فتتراجع عن مفاتحتها وسؤالها النصيحة..
قيد القمر
حتى ال تتسبب في تعكير سعادتها ..لكن نو ار لم تتصل منذ يومين وهذا يسبب لسهير
ضغط إضافي ..فشعورها بالسعادة في صوت شقيقتها كان يمنحها األمل ..واإلطمئنان...
ولكن اختفائها كان مريب ومقلق..
شعرت بيد منذر تهزها للمرة الثانية وهو ينبهها لشرودها عن الحوار الدائر ..فشعرت
نهى طلبة
بالحرج ..خاصة وقد ازدادت حساسيتها من جميع من حولها ..وازداد شعورها بأنها مادة
مثيرة لحوارتهم فحالها هي ومنذر ال يدل على عروسين جديدين ينعمان بالسعادة معاً..
استأذنت معتذرة لتصعد الى غرفتها ..وسمعت صوت منذر وهو يقول انه سيلحقها سريعاً...
صعدت سريعاً هاربة من الجميع ومن منذر بصفة خاصة ..فهي تدري أنه عانى الكثير منذ
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ليلة زفافهما ..وال تنكر أنه تفهم خوفها وعاملها برقة فائقة وهذا ما يزيد عذابها ,معاملته
الراقية والرقيقة لها بالرغم مما يصيبها كلما حاول االقتراب منها ..فحالة الرعب الهيستيري
التي تصيبها أصبحت تتحول لحالة من الجمود والتصلب كلما ضمها بين ذراعيه فكان يبتعد
عنها بصعوبة تزداد في كل مرة ..وهي ال تدري إلى متى سيتحمل ويصبر ..تخشى اللحظة
التي ينفذ فيها صبره ..فيجبرها على ما ال تطيق ..كما أصبحت تخشى نظراته المتسائلة
التي تتحول أحياناً من التفهم والشفقة إلى التساؤل والفضول ..وال ترغب أن تأتي اللحظة
التي تتحول تلك النظرات إلى نظرات متهمة ..فهذا ما ال لن تطيقه أو تحتمله ..برغم أنها
تمنحه العذر في ذلك..
FB.com/groups/Book.juice
دخل منذر الى الغرفة وهو يحمل صينية عليها كأسين من العصير واخبرها برقة:
ِ
تركت المائدة قبل أن ـ لقد احضرت لنا كوبين من العصير الطازج لنشربهما معاًِ ..
فأنت
تنتهي من طعامك.
تأملها وهي تتحرك راكضة تقريباً لتدخل إلى الحمام الملحق بالجناح ..وهو يفكر هل ما
سيقدم عليه هو التصرف الصحيح؟ ..وهل ستسامحه سهير على ذلك؟ ...إنه يتمنى فقط أن
تستوعب الدافع وراء تصرفه ذاك ..فتعليقات أشقائه األكبر منه وزوجاتهم أصبحت مثيرة
للغيظ ,بل للغثيان ..فهو ال يقبل أن يقال كلمة واحدة عن أخالق زوجته ..ورفضها المستمر
نهى طلبة
له ال يساعد على تحسين صورتها أمام أفراد أسرته التي أصبحت مراقبتهما معاً هي هوايتهم
الجديدة ..وكأنهم يتبادلون رهاناً ما عن إذا ما كانت العروس الجديدة ستستسلم لزوجها ..او
أن الوضع سيظل على ما هو عليه ..زوجان مع إيقاف التنفيذ!
أفاق على عودة سهير إلى الغرفة وهي تجلس على المقعد المقابل له وترفع كأس العصير
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
سألته بدهشة:
ـ لماذا؟!..
نهض من على مقعده ليتحرك في الغرفة بعدم راحة وأجابها بارتباك وهو محرج وخجل من
نفسه:
FB.com/groups/Book.juice
وضعت كأس العصير على المائدة وعادت تسأله وقد شعرت بالقلق:
اجاب بسرعة:
نهى طلبة
ـ ك ال بالطبع ..ماذا تظنين بي؟! ..إنه مهدئ فقط ..سيرخي من أعصابك ..ولكنك ستكونين
واعية ومدركة لكل شيء.
سألته بتردد:
ـ وهل ..هل ..سأكون قادرة ..على الرفض ..أو ..أو إيقافك؟ ..أو..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
قاطع كالمها:
قطع كالمه عندما وجدها تتوجه للمائدة وترفع كوب العصير لشفتيها وتتجرعه عن آخره...
FB.com/groups/Book.juice
169
الفصل الحادي عشر
قيد القمر
كانت ترى نفسها ..طفلة صغيرة في العاشرة أو أكبر قليالً ..تلعب في حديقة منزل الجدة
الكبرى هكذا يلقبونها فهي تكون جدة أمها ..وهي ذات شخصية قوية ومسيطرة على من
حولها ..كانت سهير تخشاها كثي اًر وتطيع أوامرها بال تردد ..حالها كحال الجميع ..حتى
نهى طلبة
نو ار بكل تمردها كانت تصبح كالحمل الوديع في حضرتها خوفاً من غضبها الذي سيليه
عقابها القاسي لكل من يحاول مخالفة أوامرها...
وعن طريق خدم المنزل وزواره الكثر وصلت إلى أذنيها الهمسات والهمهمات التي فهمت
منها أن أمها فقدت الطفل ..الصبي الذي تنتظره عائلة الجيزاوي وجدها عبد الرؤوف
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
بالذات ..كانت تشعر بالخوف على أمها ..وبالحزن على شقيقها الذي توفي بدون أن
تعرفه ..ولكن كان الشعور المسيطر عليها هو الرعب ..الرعب من غضب الجدة ,إذا
خالفت أحد أوامرها ,أو أزعجتها بدون قصد..
وما تسبب في زيادة رعبها سماعها أن والدتها في حالة حرجة بالمشفى ..لذا تقرر إقامتها
هي وشقيقتيها بصفة مؤقتة في بيت الجدة الكبرى ..حتى يتفرغ الجميع للعناية بوالدتها
شموس..
فاعتادت أن تتلمس تلك الهمسات حتى تطمئن على حالة أمها ..ولكنها الحظت اختالف
FB.com/groups/Book.juice
تلك الهمسات في ذلك اليوم مع ظهور لتلك السيدة صاحبة الوجه القاسي والتي تكاثرت
التجاعيد على مالمحه فأضافت لها مظه اًر مربكاً ومرعباً في نفس الوقت..
كانت مالمح تلك السيدة تسبب لها القشعريرة ..بينما نظراتها سببت لها رعباً ال حد له وهي
ترمقها بإصرار أثناء تهامسها مع جدتها الكبيرة ..خاصة عندما حمل لها الهواء بعض
170
كلماتهما والتي كانت تدور حولها وخاصة جمالها الالفت وأنوثتها التي بدأت تتفتح كبراعم
قيد القمر
الورود..
حاولت أن تتجاهلها وتستمر في لعبها ولكنها فوجئت بإحدى الخادمات تطلب منها الذهاب
إلى الجدة..
تحركت سهير في تردد حتى وصلت لجدتها التي ربتت على كتفها وهي تخبرها أنها
نهى طلبة
أصبحت فتاة كبيرة وجميلة ..ويجب عليها أن تطيع جدتها حتى تمنحها مكافأة كبيرة..
وطلبت منها أن تذهب مع الخادمة إلى الطابق األعلى..
هنا ..تتحول األحداث في ذهنها إلى ضباب ..أو هلوسات ..فكل ما يرسخ في ذهنها هو
وجه تلك السيدة وهي تقترب منها وفي يدها شفرة ..مازالت تتذكر انعكاس األضواء على
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
نصلها الحاد ..محاولة يائسة منها للهروب ..صوت تلك السيدة الجاف يأمرها بالسكون
وأيدي جدتها وخادمتها تثبتانها بإحكام ..صوت جدتها يأمرها مرة أخرى بالطاعة ..وآالم..
آالم حادة ..لم تفهم ..لم تدرك ماذا يحدث فلقد تعالى صراخها وتعالى ..وفجأة اقتحمت نو ار
التي جلبها صراخ أختها الغرفة وتعالت صراختها هي األخرى وهي تصيح:
لم تعرف سهير ماذا حدث بعد ذلك ..فهي فقدت وعيها من شدة اآلالم ..ولكنها استيقظت
لتجد نفسها على فراشها وفي غرفتها ووالدها بجوارها ودموعه تسيل وهو يقبل يديها ويمسح
FB.com/groups/Book.juice
رددت بوهن:
سألته بحيرة:
فأجابها بانكسار:
نهى طلبة
عاد مشهد تلك السيدة القاسية يهاجمها وهي تقترب بشفرتها الحادة ..فتعالى صراخها مرة
أخرى..
فتحت سهير عينيها ورمشت بقوة تحاول اخراج عقلها من لجته السوداء ..وابعاد كابوسها
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
المعتاد عن عينيها ..ذلك الكابوس الذي اعتادت عليه وتعايشت معه سنين طويلة ,ولكنه
ازداد حدة وبشاعة كلما اقترب موعد زفافها ..فكان يزيد من مخاوفها ويرفع من حالة الرعب
التي كانت تعيش فيها من أن يتكرر انتهاك األنثى بداخلها مرة أخرى ..تزايدت هواجسها
ومخاوفها حتى انفجرت مرة واحدة في ليلة زفافها وتراءت لها الشفرة الحادة تقترب مع اقتراب
منذر منها فكان أن انفجرت في وجهه تلك المخاوف والهواجس وتعالت صراختها وهي
تدفعه عنها ..لم تستطع أن تفسر أو توضح ما أصابها ..وأسباب رعبها كلما اقترب منها..
حتى بادر هو بتقديم العصير الذي يحتوي على المهدئ ..ولكن حبيبها لم يطاوعه قلبه أن
يخدعها فصارحها بما فعل ,وحاول منعها من شرب العصير ,وهنا كان قرارها بتحدي
FB.com/groups/Book.juice
نفسها ,فإن كانت غير قادرة على مواجهة مخاوفها ومصارحة منذر بما تشعر به فلتلجأ لحل
آخر ..وهو تهدئة تلك المخاوف حتى يستطيع حبيبها االقتراب منها وبثها حبه عله يقضي
على تلك المخاوف ..وهو تقريباً ما حدث لقد هدأت مخاوفها نوعاً ما ..وسمحت لمنذر
ال ..وكان كالم منذر صحيحاً فلم يخدر المهدئ حواسها
باإلقتراب منها وجعلها زوجته فع ً
ولم يغيب إدراكها ..فكانت تستطيع الرفض واالبتعاد في أي لحظة ,لكنها قررت أن تتناسى
172
مخاوفها قليالً يساعدها على ذلك قرص المهدئ الذي تجرعته مع العصير لتمنح حبيبها ما
قيد القمر
يريده علها تعرف ذلك الشعور السرمدي التي كانت تصفه نو ار لها بروعة وجودها بين
ذراعي حبيبها ..تلك السحابة المخملية الناعمة التي سيصحبها لها حبيبها ويمنحها شعو اًر
بأنهما ينتميان لبعضهما فقط ..كانت تتساءل عن ذلك الشعور؟ ..هل يوجد شيء
خاطيء؟ ..هل هي ال تحب منذر بما يكفي؟ ..أم أن ذلك الشعور سوف يأتي الحقاً..
فبعد كل شيء كانت تلك مرتها األولى فحسب ..والبد أن المهدئ قد أثر ولو قليالً عليها..
نهى طلبة
هذا ما كانت تخبر نفسها وهي مستلقية بين ذراعي منذر تحاول أال تصدر أقل حركة ,حتى
أنها حاولت التحكم في تنفسها حتى ال تتسبب في إيقاظه من نومه ..فهي ال تريد إعادة
التجربة مرة أخرى ..ليس حالياً على األقل ..تريد أن تنفرد بنفسها قليالً قبل أن تواجهه...
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
انسلت بهدوء من بين ذراعي منذر وسحبت أول شيء وصلت له يديها لتلف جسدها به
وتحركت إلى الحمام بسرعة وأغلقت بابه خلفها ..وفتحت الماء البارد وتركته ينهمر فوق
رأسها..
لقد تساءلت كثي اًر ..عن جدوى ما قامت به جدتها نحوها ..تعددت أسئلتها لوالدتها ووالدها
وكانا دائماً ما يراوغان في االجابة ..وكان ذلك يثير حيرتها وغضبها ..فهي تريد اجابة
واضحة ومقنعة لألفكار التي تتصارع في عقلها ,حتى أخبرتها أمها مرة أن جدتها فعلت ذلك
بهدف حمايتها ..وحماية شرفها..
حركت سهير وجهها لتواجه المياه المنهمرة والتي تضرب وجهها بعنف وتتألأل قطراتها تحت
FB.com/groups/Book.juice
الضوء الساطع فيذكرها لمعانها بالشفرة الحادة التي اقتطعت جزء منها بدعوى الحماية
والوقاية...
ابتسمت سهير بم اررة ..فكيف تكون الوحشية واالنتهاك هما الحماية والوقاية؟ ..ولم
االفتراض أنها بحاجة لتلك الحماية من األساس؟ ..وكأن كل أنثى تولد وتهمة معلقة فوق
173
رأسها ..وتهمتها هي أنوثتها ..وكأنه كتب على كل فتاة أن تقضي عمرها لتثبت براءتها من
قيد القمر
تهمة هي ال تعلمها ولم ترتكبها؟ ..تلك النظرة الضيقة من مجتمع محدود األفق نحو كل
أنثى وهو يترصد ويراقب اللحظة التي ستزل فيها قدمها نحو الخطيئة ..فتكون هي المتهمة
والجانية ..حتى لو كانت ضحية ومجني عليها ..إنها نظرة المجتمع وتفكيره الذي يظن أنه
باقتطاع جزء من جسدها فهو يحميها من خطر اإلنزالق ويمنحها الشرف والعفة ..مجتمع ال
يستوعب أن الشرف والعفة والطهارة هي معاني تزرع وتغرس في الروح وتقوى باإليمان
نهى طلبة
والتقوى..
صوت منذر انتشلها من وسط تصارع أفكارها ..ففكرت أن تتجاهل الرد عليه وتتعذر
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
بصوت المياه الجارية ..إال أنها رجعت في قرارها بعد أن فكرت ان ذلك سيكون سخيف حقاً
وأنها يجب أن تواجهه عاجالً أم آجالً..
أغلقت المياه ولفت نفسها في روب الحمام الخاص بمنذر ..وقد تعمدت ذلك حتى تخفي
نفسها وجسدها تماماً عنه وخرجت لتجده ينتظرها أمام باب الحمام وما أن لمحها حتى
بادرها:
ابتسمت بخجل وهي ملتفة بردائه تشبه الطفلة التي قررت العبث بمالبس والدتها..
FB.com/groups/Book.juice
تأمل احمرار وجنتيها وهو يقربها منه ويدفن رأسه في خصالتها الشقراء المبللة ويستنشق
رائحتها بتلذذ هامساً:
ـ هل سنعود للخجل مجدداً؟ ...ألن أسمع صباح الخير من أروع شفتين رأيتهما في
حياتي؟..
174
أجبرت سهير نفسها على البقاء ساكنة بين أحضانه وهي تهمس بصوت ال يكاد يسمع:
قيد القمر
ـ صباح الخير..
ـ فقط؟..
نهى طلبة
ـ فقط ماذا؟..
ضمها بقوة وهو يسحقها إلى صدره كأنه يبلغها أن اختبائها خلف الروب القطني الفضفاض
لن يجدي نفعاً وهمس في أذنها بعبث:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
رفع منذر ذقنها المنخفضة بخجل بإبهامه ليواجه عينيها الزرقاوتين الالتين التمع فيهما
تشتت مشاعرها وحيرتها الشديدة وقبل جبينها برقة ,ثم انتقلت شفتاه لتأخذ شفتيها في قبلة
بدأت رقيقة ثم ازدادت تطلباً مع ازدياد جرأة يديه على جسدها ,تجاوبت سهير مع قبلته
FB.com/groups/Book.juice
العاصفة لثو ٍ
ان إال أنها حاولت التملص من بين ذراعيه عندما شعرت بسقوط رداء الحمام
على األرض ,لكنه منعها وهو يهمس:
كادت تصرخ به أنه ليس الخجل ,ليس الخجل هو ما يكبل مشاعرها ..إنها خائفة ..خائفة
من مشاعرها أو باألحرى من قلة تلك المشاعر ,حاولت تذكر كلمات نو ار عن روعة الوجود
175
مع الحبيب ..ذلك الشعور الذي تريد سهير أن تختبره مع حبيبها ,فسكنت بين ذراعيه وهي
قيد القمر
*****************
أخذت نو ار تذهب وتجيء في غرفتها بغيظ شديد ..ال تدري كيف تبخرت السعادة التي
عاشتها مع رؤوف في األيام الماضية وتحولت إلى جمود رهيب ..وتجاهل سافر من قبله؟..
نهى طلبة
والمثير للغيظ أنه أصبح يالزم نعمات بصورة مبالغ فيها ,حتى أنها تظن أنه يستخدمها
كدرع يخفيه عنها..
لقد مر على عودتهما من األسكندرية أكثر من أسبوعين رأته فيهما مرات تعد على أصابع
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
اليد الواحدة ,باإلضافة إلى قضائه جميع لياليه في الطابق األعلى ,فلم تجمعهما معاً غرفة
واحدة منذ عودتهما من االسكندرية ..ولألمانة هي ال تستطيع لوم نعمات على تصرفه
ذاك ..فهي شعرت بتباعده بعد تلك الليلة التي صرحت فيها بحبها له ,فكانت تراه بالكاد في
اليومين التاليين وكان عذره دائماً أن األعمال تراكمت ويجب االنتهاء منها قبل العودة..
فكان يقضي النهار بالكامل في الخارج ويعود في وقت متأخر من المساء ليأكل وينام
مباشرة ..وظل هذا روتينه ليومين كامليين عادا بعدهما إلى منزلهما حيث فوجئت نو ار
باستقبال نعمات المرحب بهما ,والمثير للدهشة أنها وجدت نفسها بين أحضان نعمات تستمع
لتمتمات اإلعتذار عن سوء التفاهم الغير مقصود والذي تسببت به نعمات في ليلة الحنة
FB.com/groups/Book.juice
األخيرة لسهير..
تجمدت نو ار تماماً ولم تعرف كيف تتصرف لمواجهه تلك المودة الغير مألوفة من المرأة
األكبر سناً ..فغمغمت بكلمات نصفها غير مفهوم ولكنها استطاعت أن تخبر نعمات أنه ال
داعي لالعتذار وأن الموقف مر بسالم..
176
وتحركت متوجهة لجناحها وهي تتوقع أن يتبعها رؤوف إال أنها فوجئت به يصطحب نعمات
قيد القمر
وكان ذلك الموقف نسخة كربونية عن األيام التالية ..فهو يقضي أغلب وقته في عمله,
ويعود ليحبس نفسه في مكتبه ..وبالطبع يقضي لياليه في الطابق العلوي..
لم تهتم نو ار بنظرة االنتصار والتشفي في عيني نعمات بقدر اهتمامها بسبب هذا اإلنقالب
نهى طلبة
في تصرفاته تجاهها فمقدار غضبها كان يساوي مقدار حيرتها ..فهو يتجنبها وبوضوح..
يتجنب االنفراد بها أو التواجد معها ,ولوال أن الواجب واألصول حتمت عليه مرافقتها لمنزل
عمتهما قمر حتى يقدما التهنئة لسهير ومنذر لما رافقها إلى هناك أبداً ..وما يثير حيرتها بل
تعجبها هو إص ارره على عدم ذهابها إلى بيت عمتها لزيارة سهير بمفردها أبداً ..وكان يشدد
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
بقوة على وجود والدتها معها ..ولم يسمح لها بالذهاب وحدها إال بعد عودة منذر إلى
العمل ..وكان عذره أنه ال يصح إزعاج العروسين بال داعي..
كانت الحيرة تفتك بها ..هل تذهب إليه مرة أخرى؟ ..هل تتركه النعزاله عنها؟ ..إن كبريائها
يأبى عليها أن تسعى هي إليه بعد اعترافها بحبه وصده وجموده الذي اتبع تلك الليلة..
وقلبها ال يرحمها يصرخ طالباً قربه..
تدعو وتبتهل كل ليلة حتى يأتي لجناحها ..ال ليبتعد عن نعمات ,بل كي تراه فقط وتسأله
عن الخطأ الذي ارتكبته ويعاقبها عليه ..بل يعاقبهما معاً ..فهي ترى التعاسة مرتسمة على
FB.com/groups/Book.juice
مالمحه بوضوح ..ترى رؤوف الذي كانت تخشاه وتهابه عندما تقدم للزواج منها ,وليس
رؤوف الذي اقتربت منها وعاشت معه أحلى لحظات عمرها...
لمحت شاشة هاتفها تضيء باسم سهير ..تجاهلت نو ار الهاتف فحالتها ال تسمح بمحادثة
شقيقتها التي تبدو مؤخ اًر كمن ُسلب منه شيء ثمين ,أو كمن تبحث عن حلم مفقود ..وهذا
يزيد من حنق نورا ,فهي ترى أن قصة حب منذر وسهير انتهت كما الحكايات األسطورية
177
"وعاشا في سعادة الى االبد" ..فلماذا ترى انطفاء البريق في عينيها؟ ..وتلمس ضياع
قيد القمر
رونقها ومرحها الطبيعي ..هل الحب هو أسطورة في الحكايات والكتب فقط؟ ..هل هو
سراب ال يمكن اإلمساك به؟ ..وهل ما تحمله من أحاسيس ومشاعر لرؤوف هو نتيجة وهم
أو تعود؟ ..وماذا عن مشاعر سهير ومنذر؟ ..هل هي وهم أيضاً؟ ..إنها تشعر أن شقيقتها
تعيسة ,ترى ذلك بوضوح على وجهها وال تجد لذلك مبرر منطقي يقنع عقلها قبل قبلها...
نهى طلبة
تساقطت دموعها على وجنتيها بال شعور منها عندما لمحت طيفه يراقبها من خلف نافذة
مكتبه كعادته مؤخ اًر ..ال تدري إلى ماذا يهدف؟ ..أو ماذا يدور بعقله؟ ..لماذا يراقبها ولكنه
يمتنع عن التواصل معها؟؟ ..هل رؤوف العابس والمتجهم هو من سيحل محل رؤوف
الرقيق الدافئ والعابث أحياناً الذي عرفته منذ زواجهما؟..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
مسحت دموعها بظهر يدها وهي تدعو اهلل أن تصل الى حل أو اجابة شافية
لكل تساؤالتها...
عادت شاشة هاتفها تضيء باسم سهير فالتقتت الهاتف لتجيبها ,في محاولة منها للهروب
من واقعها..
*****************
أغلق رؤوف ستائر نافذته بقوة بعد أن لمح حركة نو ار وهي تمسح دموعها ,وامتدت أصابعه
في الهواء وبحركة ال إرادية ليمسح دموعها ولكنه أخفضها ببطء عندما الحظ عدم جدوى
FB.com/groups/Book.juice
حركته تلك ,يعلم أنها حزينة وغاضبة ولكنه عاجز عن التواصل معها ,مشاعره مبهمة وغير
واضحة ,بل وغير مفهومة..
عندما صفعه تصريحها البرئ بالحب شعر بأنه أجبر على خوض غمار بحر هائج ال
يعرف أبسط مبادئ السباحة به ..لم يعرف بم يجبها أو ما الذي تنتظره منه ,فهو طوال
178
حياته مع جده استوعب منطقه ومبدأه بأال يأخذ أي شيء من المسلمات ..كل شيء له ثمن
قيد القمر
وله مقابل ,فتفضيل جده له عن باقي أحفاده_ حتى على عمه عبد السالم_ وعطفه عليه
كان بسبب طاعة رؤوف له وامتثاله لجميع أوامره ..فكان يسعى جاهداً لنيل درجاته العلمية
كاملة واتقان الفنون والمهارات التجارية التي يكلفه بها جده كلما تاق لربتة على الكتف أو
ضمه بسيطة تشعره باألمان ,وأخي اًر كلل طاعته له بزواجه من نعمات للحفاظ على أمالك
ال ودفع
العائلة ..وللحفاظ على راحة بال جده ..حينها شعر رؤوف بأنه رد جميل جده كام ً
نهى طلبة
ثمن تفضيله له بالكامل ..وحتى نعمات كان مدركاً أن وراء موافقتها على الزواج منه هدف
خفي وهو تحقيق حلمها باألمومة وكان يعلم أنها تغرقه في أنوثتها حتى تصل لحلمها,
وعندما فشل في تحقيق ذلك الحلم أصبحت تغدق عليه حنانها وأمومتها حتى تحتفظ به
هو ..الرجل والزوج الذي بقي لها في الحياة كما أخبرته ليلة زفافه على نورا ...هذه هي
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
حياته التي ألفها وتآلف معها ..يقدم الثمن مقابل ما يحصل عليه من عواطف سواء كانت
ربتة على الكتف ..أو عواطف أكثر حميمية ...لكن هي نورا ..ما الذي قدمه لها حتى
تمنحه ذلك االعتراف؟ ..ماذا يستطيع أن يمنحها مقابل قلبها الذي تزعم أنه سقط في
حبه؟ ..هل يمنحها قلبه بالمقابل؟ ..هو ال يدري إذا كان يستطيع ذلك أو إذا كان يملك قلباً
من األساس؟ ..واذا فعل إلن تكون خيانة لنعمات؟ ..فكيف يسقط معها في الحب وال يفعل
مع نعمات؟ ..أليست نعمات هي زوجته األولى؟ ..ألم يستمر زواجهما خمسة عشر
عاماً؟..ألم تكن هي المرأة األولى في حياته من حولته من شاب هادئ إلى الرجل الذي تظن
FB.com/groups/Book.juice
نو ار أنها سقطت معه في الحب؟ ..فكيف يحب نورا ,وال يحبها هي؟ ..أي منطق في
هذا؟ ..أنه يتساءل إذا ما كانت مشاعره نحو نو ار هي مشاعر حب!! ..لعله فقط إحساس
بالتملك نحوها دعمه إدراكه أنه رجلها األول والوحيد ..ال ينكر أنه شعور واحساس رائع بأن
يكون هو الرجل الوحيد الذي مر بحياتها ,ولكنه بالتأكيد ليس حباً فمعرفته بأنه لم يكن
الوحيد في حياة نعمات لم تؤرقه يوماً ..صحيح أنه أحس بشعور غير مريح على اإلطالق,
بل ان كلمة غير مريح هي بسيطة ...فلقد كان شعو اًر حارقاً بإقصاء منذر من الحياة عندما
179
ظن لوهلة أنها كانت متعلقة به ,ومعرفته الالحقة بأن ارتباط سهير بمنذر كان تتويج لقصة
قيد القمر
حب طويلة هي من أنقذت منذر من نوبات غضبه الغير مفسرة ..لكنه لن يتوقف أمام تلك
النقاط الصغيرة فهو لطالما آمن بأن الحب ما هو إال مجموعة من األشعار وكلمات األغاني
التي يخدع بها الصبية الفتيات الغريرات ..ولكن في الواقع ..في الحياة ..في حياته هو كما
أعتقد دائماً ..اإلحترام والمودة هما أساس الزواج المتين ..كزواجه من نعمات تماماً...
نهى طلبة
عادت أفكاره مرة أخرى لنورا ,فمنذ اعترافها الصاعق تعمد هو البعد عنها واظهار الجفاء لها
حتى يعود لسابق عهده ..لرؤوف ما قبل قمر ,كال ليست قمر بل نورا ..يجب عليه أن
يتذكر جيداً ..أنها نورا ..ابنة عمه التي تزوجها حتى ينجبا معاً وريث عائلة الجيزاوي..
يجب عليه نسيان جنون القمر وما جره عليه من فقدان لذاته ,بل أنه عندما يراجع مواقفه
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
معها في الفترة السابقة يجد أنه كاد أن يفقد عقله ..لقد انجرف خلف تجربة جديدة ..حياة
جديدة معها ,حتى ظن أن ما يحدث له هو الحب؟ ..ولكن تلك هي مجرد أوهام وعبث يفقده
عقله وتركيزه ,لقد تعرض للتقريع والتأنيب من جده بسبب العقد األخير الذي أبرمه في
األسكندرية لموافقته على أحد الشروط التي ما كان لينظر له مرتين لو كان في كامل تركيزه,
ولكن عقله كان هائماً في سمرائه الصغيرة وتصرفاتها المجنونة فوقع العقد بدون مراجعة
متأنية وكانت النتيجة درس طويل من جده في إدارة األعمال وتوقيع العقود نزل على رأسه
وألول مرة منذ التحق بالشركة ..كال ..يجب أن يوقف هذا الجنون ..هذا الهوس بها يجب
أن ينتهي وتعود حياته هادئة ..روتينية ..حسناً ومملة قليالً ..لكنها الحياة التي عرفها ويريد
FB.com/groups/Book.juice
تحرك متوجهاً نحو جناحها فقد آن آوان المواجهة فإن أراد أن يسترد شخصيته الضائعة
فالبد من المواجهة...
*****************
180
نور غارقة في ذكرياتها السعيدة معه في األسكندرية تحاول التغلب على آالم قلبها
كانت ا
قيد القمر
الذي سببها جفاؤه نحوها ..تذكرت ذلك اليوم الذي طاوعها فيه بالتمشية على كورنيش
األسكندرية متشابكي األيدي عندما داهمتهما األمطار ..كانت قطرات بسيطة ولكنه أخذ
يتذمر بانزعاج بينما تضحك بسعادة وهي ترفع وجهها ليستقبل قطرات المطر ..مما جعله
يتوقف عن تذمره لينظر إليها بتعجب انقلب لذهول عندما طلبت منه أن يتناوال المثلجات
تحت المطر ..وهي تعده بأنها تجربة لن ينساها أبداً ..ووافقها مجب اًر تحت إلحاحها الشديد,
نهى طلبة
ابتسمت برقة عندما تذكرت احمرار وجنتيه وهو يبتسم بطفولية تقريباً ويعترف بأنها كانت
تجربة مثيرة حقاً...
دلف رؤوف بهدوء إلى جناحهما يحاول السيطرة على أفكاره الفوضوية عنما لمحها جالسة
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
بسكون على األريكة شاردة عما حولها ..أخذ يتأملها بشوق وجرت عيناه على جسدها في
لهفة وتوق ظه ار في نظراته التي ظهر فيها بوضوح اشتياقه وحنينه لها ,لكنه تذكر ما الذي
أتى به هنا فتحكم بصعوبة في مشاعره المهتاجة ليسيطر على رغباته التي تحثه على إلقاء
كل أمور العقل خلف ظهره ليتقدم ويأخذها بين ذراعيه ويتناسى كل شيء آخر,
يا اهلل كم اشتاق لها والى الشعور بها بين ذراعيه ..لقد ابتعد لفترة طويلة واآلن كل خلية
بجسده تدعوه إلى ضمها لصدره واالرتواء من حبها حتى يكتفي وال يظن أنه سيفعل يوماً..
وكاد أن يفعل حين لمعت في رأسه فكرة أن ما يشعره نحوها ما هي إال رغبات جسدية بحتة
وأنه يجب عليه أن يكون أقوى واصلب من تلك الرغبات الحياتية ,وال يجب أن يخضع
FB.com/groups/Book.juice
لسلطان أنوثتها عليه ,بل يجب أن يخضعها هي لما يريد ..فقست نظرات عينيه واستدعى
الغضب الذي شعر به عندما استمع لساعة من الزمن لتقريع ولوم جده له على إهماله في
عقد الصفقة األخيرة ..وتحرك ليقترب منها ..بينما انتفضت نو ار في مكانها عندما ظهر
رؤوف أمامها فجأة وكأنه خرج من أفكارها ليتجسد أمامها بوسامته الرجولية وطوله المهيب
181
ولكن كان به شيء مختلف ..شيء لم تعتده منذ زواجهما ورغم ذلك لم تستطع إال أن ترمقه
قيد القمر
كادت أن تعبر عن فرحتها بوجوده وتلقي بنفسها بين ذراعيه عندما الحظت جمود عينيه..
ذلك ما كان متغير به ..فاللمعة التي اعتادتها في عينيه ونظراته الحميمة لها قد اختفت
ليحل محلها جمود وغضب اخافاها بشدة حتى أنها وقفت بارتجاف وهي تسأله:
نهى طلبة
لمح رؤوف نظرة الخوف والقلق في عينيها وقفز قلبه داخل صدره يريد أن يضمها ويطمئنها
بأن كل شيء على ما يرام ..ولكن كال ..يجب أن تعتاد على ذلك الوجه منه ,ليس القسوة
ولكن الحزم الصارم والبعد عن اللهو والعبث..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
رمقته بحيرة ال تدري بما تجيبه ..هل تخبره بأن نظراته غاضبة ..وجهه غاضب ..كل خلية
به تبدو غاضبة..
صمت قليالً سامحاً لنفسه بتأملها وهو يدرك أنه ليس لديه أدنى فكرة عما سيقوله لها..
ضاقت عينا نو ار وهي تستوعب أنه يتكلم عن تصريحها بحبه ..فابتسمت بم اررة وهي تقول
باستفهام:
هل هو جاد؟ ..هل قال ما سمعته حقاً؟! ..بعد جفاء أكثر من أسبوعين تنازل وجاء إليها
من أجل أن يقنعها أن مشاعرها نحوه وهم ..سراب ..خيال عاشته وصدقته ..لم تعرف بما
تجبه!! ..كانت رغبتها قوية في صفعه ,بل ضربه هي تريد فعالً أن تضربه وتركله وتخمش
وجهه الوسيم ,ثم تبكي ..نعم أنها تريد البكاء ,بل النحيب على سذاجتها وضعف قلبها األبله
FB.com/groups/Book.juice
الذي أحب ذلك الرجل ,ولكنها بدالً من ذلك ..سألته باستخفاف تقريباً:
قاطعته نو ار بخوف:
كانت الكلمة مثل لكمة قوية أصابته في مقتل فجذبها من ذراعها بقسوة وهو يصيح بغضب:
نهى طلبة
ِ
فهمت؟.. ـ ال أريد أن أسمع تلك الكلمة ِ
منك مرة أخرى أبداً ..هل
ـ كال ..كال لم أفهم ..إذا كنت تريد اإلستمرار في تلك الزيجة فما الداعي لكالمك السابق؟..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
تنفس رؤوف بقوة يحاول الوصول إلى هدوئه المعتاد والذي تسلبه منه بسهولة تامة:
سألته بسخرية مريرة وهي تفكر جدياً في إعمال أظافرها في وجهه حتى تشوه وسامته
الواضحة:
FB.com/groups/Book.juice
ـ حقاً!! ..كم أنا سعيدة أنك تتفهم شطحات مراهقتي وأوهامي الخيالية ...ماذا أتيت لتخبرني
به رؤوف؟ ..كن صريحاً معي وتوقف عن المراوغة..
اجابها بهدوء:
184
ـ ال داعي للسخرية ..أنا أحاول أن أضع أسس لحياتنا ..فال داعي للسخرية اآلن ..فقط
قيد القمر
أنني أريد لحياتنا معاً كزوجين أن تكون هادئة ومستقرة ..ال مجال للعواطف المشبوبة وجنون
المشاعر ,لكن هذا ال ينفي وجود الود واإلحترام والتقدير بيننا ..هل تفهميني؟..
أجابته بغضب:
ثم ارتفع صوتها وهي تحاول السيطرة على عبراتها حتى ال تبكي أمامه:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ حسناً ..أعتقد أن هذا سهل للغاية ..سوف أضغط زر اإليقاف فيتوقف قلبي عن حبك..
أليس هذا ما تريد؟!!
همست بشراسة:
ـ ال تناديني قمر وأنت تخبرني أنني اتوهم حبك ,وأتخيل غرامي بك ..ال تناديني قمر..
FB.com/groups/Book.juice
ـ نورا ..أنا صارحتك بذلك من أجلك ..حتى ال يتحطم قلبك عندما تدركين أنني أختلف عن
الفارس الذي تظنينه..
نظرت إليه وهي تحاول استيعاب كالمه ..لقد ظنت دائماً أن الرجال يحاولون اقناع النساء
بالحب ,وليس العكس ..لماذا يرفض حبها إذاً ويحاول إقناعها بأنه وهم ..وحتى لو كان وهم
ضللة في وهمها ..أم أنه يخشى التمتع بفكرة حبها له ثم
كما يظن ,ماذا يضيره لو تركها ُم َ
185
فقدان ذلك الحب بعد ذلك ..هل الحرمان هو ما يخشاه؟ ..لمع في ذهنها كالم أمها "امنحيه
قيد القمر
الفرصة ليتعرف على مشاعر لم يعرفها من قبل ,بل لم يكن يعترف بوجودها من األساس"..
"فقط امنحيه المساحة ليعيش سنوات سلبت منه ,وهو سيكون طوع بنانك"..
تنهدت بألم وهي تحاول التغلب على أشجان قلبها واالستماع إلى نصيحة أمها ..وقررت
منحهما فرصة معاً ..حتى يستطيعا الوصول لتفاهم مشترك:
نهى طلبة
ـ حسناً ..لقد فهمت ماذا تريد قوله ..ولكن دعنا نتفق على أن نختلف..
ـ حبي لك ليس وهماً ..أو خيال اصطنعته ألعيش فيه ..لن أسحب اعترافي بحبك ..فأنا
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
أحبك بالفعل..
لمحت نفس التعبير العاجز الذي ارتسم في عينيه عند سماعه العترافها أول مرة ,ولكنها
أجبرت نفسها على الكالم:
ـ أنت ال تريد سماع كلمات العشق والغرام ..وال تريد ترديدها ..فليكن ..لك هذا ..ولكن..
ال أو حلم طفولي سخيف ..تقبل تلك الحقيقة
تأكد أن مشاعري حقيقية ..ليست وهماً أو خيا ً
ودعنا نستكمل حياتنا في هدوء كما تريد..
قاطعها مردداً:
FB.com/groups/Book.juice
ـ ولكن...
ـ بدون لكن ..أنت رجل أعمال يا رؤوف ,وتلك صفقة رابحة ..صدقني ..فاقبل بها.
186
صمت قليالً ال يعرف ما عليه قوله أو فعله ..بقدر ما يحتاج ألن يضمها بين ذراعيه اآلن
قيد القمر
إال أنه ال يستطيع ..ال يستطيع فعل ذلك بها بعد أن ألقى بحبها في وجهها ..لذا غمغم
بصوت خافت:
أومأت له برأسها فهي استنفذت كل قدرتها على التحاور وتريده فقط أن يبتعد عن عينيها
نهى طلبة
***************
صعد رؤوف بتثاقل إلى الطابق األعلى ..يشعر أن ليس به قدرة على مواجهة نظرات
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
نعمات وتصرفاتها الغريبة مؤخ اًر ..وفي نفس الوقت غير قادر على البقاء في الغرفة مع نو ار
بدون لمسها ..وضمها وتقبيلها ..آه ..فليتوقف عن تلك األفكار ..ويلتزم بما اتفقا عليه..
حياة هادئة ومستقرة...
دخل الغرفة عند نعمات التي لم تتوقع صعوده إليها بعدما لمحته وهو يذهب إلى جناح
نورا ...فكادت أن تصيح به دهشة من وجوده ,ولكنها ابتلعت دهشتها ..وهي تراه يتحرك في
الغرفة بتثاقل ليسحب مالبسه ويتوجه للحمام..
ابتسمت لنفسها بسعادة ..فيبدو أن تظاهرها بمداهنة نو ار واعتذارها عما بدر منها بشأن
مقطع الفيديو قد اتى بثماره وأعاد لها رؤوف القديم ولو جزئياً فهو لم يعد يرى نعمات
FB.com/groups/Book.juice
بمظهر الزوجة الشريرة التي ترغب في التنغيص على الزوجة الصغيرة ,بل أنه عاد ليراها
كامرأة طيبة اخطأت خطأ واعتذرت عنه والدليل على ذلك محاولته تعويضها عن األيام التي
قضاها برفقة نورا ..كان هذا ما تظنه نعمات أو ما تحاول إيهام نفسها به متناسية أن رؤوف
سافر بوجه وعاد بوجه آخر تماماً ..فهو حتى لم يعد كما كان قبل زواجه بنو ار ..فلقد تحول
فجل اهتمامها أن يفقد
إلى نسخة باهتة وحائرة من الرجل الذي كانه ..ولكنها لم تهتمُ ..
187
رؤوف شغفه بنورا ..وهي كفيلة بعد ذلك باسترداد رؤوف القديم زوجها للخمسة عشر عاماً
قيد القمر
الماضية..
لمحته يخرج من الحمام ليستلقي على الفراش وهو يضع يديه خلف رأسه ..ويغمض عينيه
بإرهاق ..كانت تتحرق شوقاً لتعرف لماذا تخلى عن ليلته برفقة سمرائه الصغيرة ليصعد إليها
ولكنها ابتلعت فضولها وهي تسأله حتى تجذب انتباهه اليها:
نهى طلبة
أجابها ببرود وهو يغمض عينيه مرة أخرى ويسحب الغطاء ويلتحف به منهياُ المناقشة:
سكتت نعمات بعدما أدركت عزوفه عن الكالم وأغمضت عينيها في ألم يائس وهي تدرك
فشلها معه تلك الليلة ...لتلحقها بمثيالتها من الليالي السابقة..
**************
188
مرت ثالث أسابيع أو أكثر قليالً بعد محادثة رؤوف لنورا ..كانت تنتظره فيها أن يأتي
قيد القمر
لجناحهما كما صرح ,ولكنه استمر في التباعد والجفاء ..وكأنه يخشى االقت ارب منها أو ال
يعرف كيف يبدأ تلك الحياة الرتيبة التي يريدها معها..
وهي تحملت ..وتحملت ..حتى فاض كيلها وبلغ بها الحنق ذروته ..وكانت مجرد رؤيته
وهو يتهرب من التساؤالت في عينيها تثير جنونها ..وكاد صبرها أن ينفذ منه وهي تمنحه
نهى طلبة
العذر تلو اآلخر ..ولكنه مستمر في مسلسل البعاد والجفاء ..وكأنه غير قادر على اإللتزام
بما أخبرها به من البعد عن جنون العواطف والمشاعر المشبوبة ..كان هذا استنتاجها والعذر
الذي تمنحه اياه بدالً من أن تقتله أو تشوهه تلك الفكرة التي كانت تراودها بشدة كلما لمحت
ابتسامته لنعمات حتى وهي تراها ابتسامة عادية تكاد تكون رسمية ,بل وصفراء أيضاً..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ولكنها ال تهتم يكفي أنه يبتسم لنعمات في حين أنه حتى ال ينظر إليها..
أضاءت شاشة هاتفها باسم سهير ..موعد محادثتهما الليلية التي تتبادالن فيها األخبار..
لكن نو ار تجاهلتها ..فهي تشعر أن سهير ترواغها تحاول الوصول لشيء ال تدركه نورا..
وهي ليست في مزاج اآلن لتبادل األحاديث..
**********
ألقت سهير الهاتف بحنق عندما لم تحصل على اجابة من نورا ..كانت تريد الكالم معها..
تريد اخراج ما بداخلها ..تحاول أن تصل الجابة لتساؤالتها العديدة ..هتفت في غيظ...
FB.com/groups/Book.juice
ابتسمت لنفسها بسخرية وهي تفكر ..وحتى لو اجابت نو ار على هاتفها ما الذي ِ
كنت تنوين
ِ
ولكنك ِ
حاولت مصارحتها واألخذ بمشورتها قوله لشقيقتك الصغرى؟ ..كم مرة من قبل
ِ
جبنت؟.
189
صرخت بها أعماقها..
قيد القمر
"بل خجلت ..كيف أصارح شقيقتي بشيء كهذا؟ ..بل كيف أصارح أي شخص آخر؟ ..ماذا
سعدين معه؟ ..كيف تصلين الى ِ
علي قوله؟ ..نورا ..أخبريني كيف تُسعدين زوجك وتَ َ
ينبغي ّ
ِ
صممت أذني بشأنه ..لماذا أشعر دائماً بالنقص؟ ..وما هو الشيء هذا الشعور الذي طالما
الناقص؟"..
نهى طلبة
يصدق أبداً أنه مر شهران بالكاد على زواجهما ..خاصة أن تلك الشجارات دائماً تلي الليالي
التي تتفنن فيها سهير في الهروب من منذر ورغباته فيستيقظ صباحاً بمزاج أسود عاصف
وهي بدورها ال تحاول مهادنته بل تهاجمه بضراوة وكأنها تتبنى أسلوب الهجوم خير وسيلة
للدفاع ..فهي تدرك تقصيرها نحوه وتشعر به ولكنها ال تريد أن تعترف به ..تريد أن تحيا
في حلمها العذري ..بأن ذلك ال يهم وأن حب منذر سيبقى كما كان قبل زواجهما..
راسخاً ...قوياً وثابتاً ..ولكنها عندما ترى عصبيته لتهربها من واجبتها نحوه يثار غضبها
وتصب عصبيتها عليه فهو ال يريد إال سعادته ..وال يبغي إال اشباع رغباته حتى لو كانت
ضد مشيئتها هي ..فكانت ترضخ أحياناً لما يريد تجنباً لمشاجرة جديدة ..ولكن لألسف هناك
FB.com/groups/Book.juice
دائماً ذلك الشيء الناقص ..تلك النكهة المفقودة والتي ال يستطيع كالهما وضع يده عليها
ولكن في أعماقهما كالهما يحمل اتهام لآلخر بسلبه تلك النكهة الغامضة والنتيجة تكون
أعصابهما هما االثنان في الصباح التالي وكأنها وصلت لدرجة االحتراق فال يحتمل أحدهما
من اآلخر حتى كلمة صباح الخير ...وهكذا وجدت سهير أن أفضل الحلول هو التهرب من
190
منذر ومن نظراته ورغباته واتهاماته ...فأصبحت بعد حوالي شهرين من زواجها تجيد
قيد القمر
مر الوقت عليها بدون أن تشعر به وهي تتحرك في غرفتها بدون هدف فلمحت الساعة وهي
تتجه الى النافذة فأدركت أن الوقت متأخر بالفعل ..فغمغمت بحرج لنفسها..
"يا الهي ..إن الوقت متأخر بالفعل البد أن نو ار كانت برفقة رؤوف ..كم هذا محرج"..
نهى طلبة
ادراكها للوقت جاء معه ادراك آخر وهو اقتراب وصول منذر إن لم يكن قد وصل بالفعل
ويقضي سهرته مع والدته كما اعتاد في اليومين اآلخرين رغبة منه في تجنبها وتجنب
الشجار معها ...من كان يصدق أن حب السنين يتحول في أيام إلى تلك المشاج ارت
والمشاحنات ..هل من المعقول أن يتحول الحلم إلى كابوس بتلك السرعة ...هل ستستمر
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
سمعت خطواته تقترب من باب الجناح فأسرعت باالندساس في الفراش ..وتقمص دور
النائمة كما اعتادت كل ليلة ..شعرت بحركته في الغرفة وهو يبدل مالبسه ..ويتحرك هنا..
وهناك ..ثم صعقها صوته وهو يقول:
ـ إذا ظننت للحظة أنني انخدعت بتمثيلك النوم كل ليلة ,تكونين بلهاء ..أنا فقط أمرر ذلك
بإرادتي ..تحركي يا مدام وأعدي الطعام لزوجك المنهك في العمل ..وال يرغب ِ
منك سوى
بطعام محترم يسد رمقه..
FB.com/groups/Book.juice
191
الفصل الثاني عشر
قيد القمر
دخلت نعمات إلى غرفة المكتب الخاصة برؤوف ,فهو يحبس نفسه بها معظم الوقت ,لكنها
وجدته يجمع بعض األوراق في حقيبته الجلدية األنيقة ..فعلمت أنه في طريقه للخارج وزاد
هذا من عصبيتها التي انعكست على كلماتها وهي تسأله:
إلي هكذا ..فهذا ما أراه ,بمجرد خروجها لزيارة أمها أو شقيقتها تنطلق أنت أيضاً
ـ ال تنظر ّ
خارج المنزل وكأنك ال تحتمل البيت بدونها!!
ترك رؤوف األوراق من يده وهو يستشعر جدية الموقف وعصبية نعمات التي ظهرت في
كلماتها :
FB.com/groups/Book.juice
ـ نعمات ..اهدئي قليالً ..أنا لدي موعد عمل بالفعل ..وما تقولينه هو بال معنى..
قال آخر كلماته بصوت خافت فهو مدرك أنه كاذب ..فكلماتها تحمل بعض الصدق فهو
أصبح ال يطيق المكوث في مكان ونو ار ليست به ,رغم أنه ال يقترب منها أو حتى يتبادل
أي حوار معها منذ حوارهما األخير ولكنه يكتفي بالشعور بها معه في المكان نفسه..
أجابها بهدوء:
قاطعته بعصبية:
نهى طلبة
ـ دعني أقول ما أتيت لقوله ..أظن أنه كما ُش ِرع لك تعدد الزوجات ,فقد أُمرت بالعدل..
أليس كذلك؟..
رمقها رؤوف بحيرة ..فقد تشوش عقله ..ما الذي تريده؟ ..هل تلومه على مكوثه الشهر
الماضي بغرفتها؟ ..هل أتت لتحثه على البقاء مع نورا؟..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
فسألها بحيرة:
أجابته بحدة:
غمرته الحيرة مرة أخرى فهو غير واثق مما تريده نعمات ..هل فعالً تطالبه بالمكوث مع نو ار
وقت أطول ..فسألها بذهول:
FB.com/groups/Book.juice
صرخت بفزع:
ـ كال بالطبع..
ـ إذاً ماذا تقولين؟ ..أنا لم أتركك لليلة واحدة طوال الشهر الماضي ...ماذا تريدين بالضبط؟
193
ابتلعت غصتها بم اررة وهي تقول:
قيد القمر
سألها بحدة:
ـ هل أخطأت نو ار في حقك؟
نهى طلبة
صعق من اجابتها:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ أنا!!!! ...كيف؟.
حاولت تتحكم في دموعها ولكنها أصرت على معاندتها وهي تتسابق على وجنتيها:
ـ ال أنكر وجودك معي طوال الفترة الماضية ..ولكن من كان معي هو خيال رؤوف ..وليس
إلي ..اقترب منك ,فتبتعد أميال...
رؤوف ..فأنت شارد طوال الوقت ..أحدثك فال تستمع ّ
حتى وأنت ..ونحن...
لم تستطع اكمال كلماتها فغصت بشهقات بكائها الذي صدمه ..فاقترب منها ليحتضنها
ويحاول تهدئتها ..كانت على حق ..فهو غائب بأفكاره دائماً مع سمرائه ..كان يتواجد مع
FB.com/groups/Book.juice
نعمات بجسده فقط ..ولكن أفكاره وخياله معها هي ..لم يدرك أن نعمات شعرت بذلك فلقد
ظن أنه يخفي ذلك جيداً ..ولكن على ما يبدو أنه كان على خطأ ..وسبب األذى لنعمات
بدون قصد ..وهي ال تستحق ذلك أبداً ..ليس بعد كل احتوائها له وحنانها الذي ال ينكره
يكون جزائها جرحه لها بتلك الطريقة..
194
زاد من احتضانها وهو يربت على ظهرها برقة ..وقال لها وهو يعلم بأنه مسترسل في
قيد القمر
الكذب:
ـ اهدئي يا نعمات ..وال تسلمي عقلك للظنون ..قد أبدو شارداً في الفترة األخيرة ولكن ذلك
بسبب مشكالت عديدة في العمل ..فغيابي أنا ومنذر معاً تسبب في تراكم األعمال ..وظهور
مشكالت عدة ..كما أن صحة جدي ليست على ما يرام هذه األيام مما يسبب لي القلق
نهى طلبة
صمت قليالً وهو يتمنى أن تصدق كذبته ..ولكنها دفعته عنها بقوة:
ـ هل تخدعني أو تخدع نفسك يا رؤوف؟ ..انظر ..أنا ال أعلم ماذا يدور بينك وبين ابنة
عمك ..وال أريد أن أعلم ..كل ما أطلبه هو أن تحافظ على كرامتي ..فال تشعرني أنك
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ال عندما أدركت أنها في غمرة انفعالها كادت أن تنبهه إلى امتالكه مشاعر بالفعل
سكتت قلي ً
لفتاته الصغيرة ..ولكنها فوجئت بعبارته الغاضبة:
ـ نعمات ..تلك الفتاة هي زوجتي ..وهي تملك اسم كما تعلمين ..وكما أخبرتك من قبل..
نو ار ال عالقة لها بأي مما أمر به ..وأنا ال أكن لها مشاعر حب كما تظنينِ ..
فأنت تعلمين
جيداً رأيي بتلك األمور..
فوجئت بحدته وغضبه وأدركت أن ما شعرت به هو حقيقة ال جدال فيها ..فرؤوف عاشق
FB.com/groups/Book.juice
البنة عمه ....وهي ..هي لم يتبق أمامها إال أن تحتفظ بالبقعة الصغيرة التي تشغلها في
حياته ..هذا إذا سمح لها بذلك ..فأخذت عدة انفاس تهدئ بها انفعالها:
ـ رؤوف..أ لن أطالبك بمشاعر أو عواطف ..فقط أريد بعض االحترام ..وهذا أقل ما استحق
بعد هذه السنوات..
195
مسح رؤوف وجهه بين كفيه ..يشعر بضيق في صدره ..أنفاسه ال تريد أن تخرج ..كل ما
قيد القمر
"ماذا بكم جميعاً؟ ..ماذا تريدون مني؟ ..حب؟ ..مشاعر؟ ..احاسيس؟ ..احترام؟ ..كبرياء
وكرامة؟ ..عمل؟ ..شهرة؟ ..محافظة على العائلة؟ ..وريث؟ ..ماااااااااذاااااا أفعل ..ماذا
استطيع أن أفعل"
نهى طلبة
ألقى كلماته وسحب حقيبة أوراقه ليخرج سريعاً ..تاركاً نعمات خلفه ودموعها لم تجف..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
وكرامتها مشوهة بجروح غائرة ..فلقد لمست حبه لنورا ..لقد شعرت به يحاول الهروب وعدم
االعتراف بمشاعره تلك ..ولكنها ليست زوجته فحسب ,فهو ابنها الذي لم تنجبه ..ومن
تشعر بقلب االبن المدله في الحب إال أمه..
***************
جلست نو ار برفقة سهير في غرفتهما القديمة تحاول معرفة ماذا أصاب شقيقتها وسلب
الضحكة من عينيها ..ولكن سهير كانت مصرة على أنها بخير وأن نو ار تتوهم ليس إال..
ـ ال تخبريني أنني أتوهم ..بحق اهلل هل هذا مظهر عروس تزوجت من حبيب طفولتها؟..
ـ وما به مظهري؟ ..هل يجب أن أحمل الفتة أصرح بها عن سعادتي وامتناني لزواجي من
منذر!!
196
سألتها نو ار بعجب:
قيد القمر
أجابتها سهير:
ـ ما رأيك لو نقضي الليلة هنا في غرفتنا القديمة؟ ..نسهر ونثرثر معاً حتى الفجر ,كما
األيام الخوالي.
قطعت نو ار كلماتها وهي تفكر قليالً ثم التمعت عينيها بشقاوة وهي تسحب هاتفها لتعبث
بأز ارره قليالً ..ثم أغلقته وهي تبتسم بخبث وتتمتم:
أجابتها نو ار بهدوء:
صاحت سهير:
197
ـ كيف؟ ..وكلمات التقريع التي اسمعتني اياها منذ قليل و..
قيد القمر
قاطع كالمها رنين الهاتف الخاص بنورا ,فالتقطته وهي تبتسم ابتسامة غامضة وترفعه على
أذنها لتسمع صوته يقول بحزم غاضب:
اتسعت ابتسامة نو ار وهي تنظر للهاتف بانتصار ,فهو كان غاضباً ..نعم تستطيع ان تلمس
الغضب في صوته برغم محاولته اخفاءه ..أخي اًر حصلت منه على رد فعل واستطاعت ان
تخدش غالف الهدوء والجفاء الذي غلف نفسه به منذ تلك المحادثة األخيرة بينهما والتي أراد
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
بها وضع أطر لعالقتهما ..وقد مر عليها أكثر من ثالث أسابيع ولم يخطو بقدمه داخل
جناحها ,بل أنه عاد للجفاء والعبوس كما لو أنه يعاقبها الصرارها على حبه..
وكأنه ينتظرها لتسحب اعت ارفها ..وهي ال تنكر أنها تنتظره أن يصرح بحبه ..حسناً ..هي
لن تتراجع ولكنها تدرك شغفه بها وتعرف كيف تستعيد ذلك الشغف وتشعل نيران رؤوف مرة
أخرى...
أعفى دخول شموس الغرفة سهير من االجابة فحمدت ربها على ذلك وهي تسمع صوت
أمها تنادي على شقيقتها:
قفزت نو ار بسرعة وهي تجذب حقيبتها حتى قبل أن تنهي أمها كالمتها ..وقبلت أمها
نهى طلبة
وشقيقتها وهي تودعهما بسرعة ..وما أن خرجت نو ار من الغرفة حتى أغلقت شموس الباب
وتحركت لتجلس بجوار ابنتها على الفراش ..وأخذت تتأمل مالمحها الفاتنة التي كساها
الحزن ..وسألتها برقة:
معك؟..
لم تيأس شموس ولم تقتنع ..فهي أم ..وردارها األمومي ..يخبرها أن ابنتها تكذب عليها..
وأن األمور ليست بخير كما تدعي ..فعاودت محاصرة ابنتها مرة أخرى:
199
ـ سهير يا حبيبتيِ ..
أنت ابنتي الكبرى ..أول من رأت العين وأول من أذاقتني معنى
قيد القمر
األمومة ..هل تعتقدين أنني أصدق كلمات لسانك وأكذب عيني التي ترى التعاسة على
مالمحك ..وقلبي الذي يشعر باأللم بين جنباتك..
لم تحتمل سهير الحنان في صوت أمها ولم تستطع المقاومة أكثر فألقت نفسها بين ذراعي
أمها وهي تبكي بح اررة ..تفرغ حمولتها من األلم والحيرة والتشوش على صدر أمها الذي
نهى طلبة
ظلت شموس تضم ابنتها بقوة ,تنتظر منها أن تهدئ ولكن طالت عبرات سهير ولم تصل
حتى إلى بداية الهدوء وزاد ذلك من قلق شموس فسألتها بحذر:
ِ
يضايقك بشيء؟.. ـ هل يسيء منذر معاملتك؟ ..هل
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
نزلت دموع سهير أكثر عند سماعها اسم منذر وهي تتذكر كالمه لها في تلك الليلة وهو
يطالبها بإعداد طعامه فذلك كل ما يبتغيه منها ..لحظة سماعها لعبارته تحركت بدون وعي
لتعد له مائدة الطعام التي جلس أمامها يأكل في صمت ثم ما لبث أن رمى ما بيده من
لقيمات وهو يبدي امتعاضه من الطعام:
صاح بحنق:
ـو ِ
أنت ماذا تفعلين طوال اليوم؟ ..ومتى تبدأين في التصرف كزوجة وربة منزل؟..
200
تيقنت سهير أنها واحدة من تلك الليالي التي يحاول فيها افتعال أي شجار معها ..وكعادتها
قيد القمر
ـ منذر ..أنا..
قاطعها بسؤاله:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
سارعت بالنفي:
ـ كال ..كال..
سألها بألم:
صاح بها:
ـ منــذر ..أنــاااا
لكنه قطع ما تريد قوله بقبالت ساخنة أغدقها عليها ..فهو اشتاق لها بقوة ..يحتاجها ويريدها
أن تفهم ذلك ..وهي استكانت بين ذراعيه كعادتها وهي تأمل بكل قوة أن تكون تلك المرة
مختلفة ...ولكن ..بعد أن هدأ كل شيء ..اكتشفت أنه ..ال شيء تغير ..ال شيء...
نهى طلبة
تنبهت من شرودها على حركة اصابع امها وهي تملس شعرها برقة وتعاود سؤالها باصرار:
ابتعدت عن أحضان أمها وهي تتحرك لتخفي عنها وجهها الذي احمر بوضوح معلناً عن
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
كذبها:
ـ كال ..يا أمي ..أنا ومنذر في خير حال ..في الواقع يجب أن اتصل به اآلن حتى يأتي
ليصطحبني..
ـ ال شيء يا أمي ..أنا فقط افتقدكم بشدة ..وافتقد منزلنا ونو ار ونادية وكل شيء..
لم تكن تكذب عندما قالت ذلك ..فهي تفتقد منزلها بشدة ..وفي نفس الوقت تشعر أنه لم يعد
منزلها ..كم هذا غريب أن يتحول المنزل الذي ضمك ألكثر من عشرين عاماً إلى مكان
تعامل فيه كضيف ..وبرغم شعورك باإلنتماء له إال أنك تشعر أن والؤك يتحول بدون أن
تدري إلى منزل آخر ..ومكان آخر..
202
لذا فقد تناولت هاتفها بهدوء واتصلت بمنذر ليأتي ويصطحبها إلى ....منزلها ...الجديد.
قيد القمر
أما في سيارة رؤوف فكانت نو ار تكاد تتنفس غضبه الذي يبدو واضحاً في كل حركاته
وسكناته ..شعرت بالخوف قليالً من مظهره العابس ..إال أنها أغمضت عينيها تسترجع
بعض لحظاتهما الخاصة ..تستمد منها بعض القوة حتى تستطيع مواجهة أعاصير غضبه
التي تعلم أنها ستنطلق ما أن يصال إلى المنزل ..ال تنكر سعادتها الخفية رغم خوفها,
نهى طلبة
فغضبه هذا ينفي ادعاءه الكاذب بالالمباالة والجفاء طوال تلك األسابيع الماضية..
تقسم أنه لو كان وافق على قضائها الليلة في بيت والدها لكانت أحالت حياته جحيماً عن
حق ..لكنه باستجابته السريعة لرسالتها واص ارره على اصطحابها بنفسه أثبت أنه يهتم فعالً..
يهتم بوجودها تحت سقف منزله ..وهذه نقطة قد تبدأ منها ..فقط لو منحها الفرصة..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
حانت منها التفاتة خفية نحوه والحظت انقباض مالمحه بشدة ..هل يعقل أن كل ذلك
الغضب بسبب رسالتها؟..
الحظ رؤوف نظراتها المختلسة له وشعر بخوفها من غضبه ,حركاتها المتململة وعبثها
بكفيها مع سرعة أنفاسها أعلمته بمدى توترها..
اراد طمأنتها ..اخبارها أال تخاف منه ..لكن أفكاره كانت تعصف بشدة بين كلمات نعمات
له وتأكيده لها أن نو ار ال تأثر عليه اطالقاً وبين الغضب الجارف الذي شعر به عندما
وصلته رسالتها لتخبره برغبتها في المكوث مع شقيقتها ..عندما شعر أنها تريد أن تحرمه
FB.com/groups/Book.juice
كانا قد وصال إلى منزلهما فترجلت بسرعة من السيارة ..ولكنه لحقها ليتمسك بذراعها ويدخال
معا تحت بصر نعمات التي كانت تنتظره في شرفتها فاغرورقت عينيها بالدموع وهي تراه
يتمسك بنو ار كالطفل الذي عثر على أمه بعد عناء ..فشعرت أنها كما خسرت رؤوف الزوج
203
فهي في طريقها لتخسر رؤوف االبن الذي بدأ يخترق شرنقة الحب األمومي الذي أحاطته به
قيد القمر
دخل رؤوف إلى جناحهما وهو ما زال يتمسك بذراعها بقوة ,رغم أنها آلمتها إال أنها
أسعدتها ..ولكنها أخفت تلك السعادة بسرعة وهي تستعد لمواجهته:
ـ رؤوف ..لماذا تصرفت بتلك الطريقة؟ ..فأنت لم تدع لي فرصة لمناقشتك عندما هاتفتني..
نهى طلبة
لقد أغلقت الخط مباشرة ..لقد كنت أرغب حقاً في البقاء مع سهير ..كنا على وشك
التخطيط لسهرتنا الليلة.
ـ نورا..
بقضاء الليلة خارج البيت.
سأل بحدة:
لقد كانت تلعب لعبة ما ..ربما يكون غير مدرك البعادها ..ولكن أي لعبة يمكن الثنين أن
يلعباها ..فسألها بنعومة:
ـ أعتقد ِ
أنك غاضبة لمكوثي في الطابق العلوي في الفترة الماضية أليس كذلك؟..
204
أغاظها رده فاندفعت تهاجمه:
قيد القمر
الدمى..
ال من ُ
ـ وماذا يغضبني؟ ..فأنت على ما يبدو أصبحت تفضل الهياكل العظمية ..بد ً
اشعلت كلماتها غضبه بسرعة البرق ..فالتمعت عينيه بقسوة وغضب وتكورت قبضتيه معاً
وهو يشد عليهما بقوة حتى ظنت أنه سوف يضربها بالفعل عقاباً على كلماتها الوقحة ..بينما
تسمرت قدماها في األرض بانتظار أن يقع عليها عقابه كيفما كان ,انطلقت اصوات رنين
نهى طلبة
هاتفه وهاتفها وهاتف المنزل كأنما جميع هواتف العالم قد تواطئت معاً حتى تعفيها مما كان
سيلحقه بها..
ـ جدي!!!
*************
تجمع جميع افراد العائلة حول الطبيب الذي خرج لتوه من غرفة العناية الفائقة وهو يسحب
القناع الطبي لألسفل حتى يمكنه الحديث مع هذا الجمع القلق الذي اخترقه رؤوف بسهولة
وهو يواجه الطبيب مستفس اًر:
ـ هل أنت ابنه؟..
لقد تمكنا من إذابتها والحمد هلل ..لكن األربع والعشرين ساعة القادمة حرجة ..فلندعو اهلل أن
تمر بسالم ,وبعدها نرى ماذا ستكون الخطوة القادمة..
ـ هل سيكون بخير؟..
نهى طلبة
ـ يفضل أن تذهبوا إلى المنزل ..أو حتى تنتظروا بالكافيتريا ..فوقفوكم هنا ال داعي له..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
قال الطبيب كلماته وابتعد عنهم ..فتصاعدت أصواتهم وهمهماتهم ..فارتفع صوت رؤوف
ليسكتهم وهو يشرح لهم ما قاله الطبيب بالتفصيل ويطلب منهم الذهاب للمنزل ..ولكنه قوبل
باعتراض الجميع وأولهم عمته قمر التي تجمدت دموعها في عينيها وهي تقول:
تعالت األصوات توافقها ..بينما رؤوف يحاول اسكاتهم ونو ار تراقبه عن بعد ..وهو يحاول
السيطرة على الموقف واحتواء الجميع..
فلمحت عمتها تقترب منه لتتأكد وتطمئن على صحة عبد الرؤوف:
FB.com/groups/Book.juice
ـ رؤوف ..هل سيكون بخير فعالً؟ ..هل ننقله إلى القاهرة أو حتى يمكن أن يسافر للخارج؟؟
طمأنها رؤوف:
ـ ال تقلقي يا عمتي ..فلندعو أن تمر الساعات القادمة ..ثم نفكر في القادم ..كما قال
الطبيب
206
ثم ربت على كتفها:
قيد القمر
ـ ال تقلقي ..لو تطلب األمر أن آتي له بأكبر وأشهر اطباء القلب سآتي له بهم..
اقتربا منذر وقاسم منه وأخذا يتهامسا معه لينسق معهما خطط العمل لليوم التالي:
ـ كال ..لن نؤجل شيء ..سيتم كل شيء ..وسيتم توقيع العقد بأمر اهلل
ثم رأته يقترب من ابيها المتكئ على جدار غرفة العناية يتأمل في صمت االجهزة المتصلة
بجسد جدها ,فيربت على كتفه بهدوء ويخبره بصوت متكسر:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
أومأ والدها بصمت حزين وعيناه مازالت شاخصة نحو الغرفة ..فظهر تأثر رؤوف وقلقه
رغماً عنه ,ثم شعرت بحركة خفيفة بجانبها فانتبهت أن نعمات تتحرك متوجهة نحو رؤوف
فتبعتها بدون إرادة لتسمعها تحدثه وهي تضغط على كتفع بمؤازرة واضحة:
أومأ رؤوف يوافقها ..ثم أغمض عينيه للحظات قليلة وهو يخبرهما:
FB.com/groups/Book.juice
سارعت نو ار تجاوبه:
ـ سآتي معك..
تسأله:
ـ أين ستذهب؟..
كانت طوال الوقت الذي أخذه في انهاء المعامالت المالية تفكر في طريقه لتبعده عن الجمع
المتحلق حول جدها ..فالكل واحد منهم يطالبه بشيء ما ..ولم يهتم أي منهم باالطمئنان
عليه هو ..كيف يشعر؟ ..كيف يفكر؟ ..وهو يرى األب الوحيد الذي يعرفه يضيع منه؟..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ ما رأيك أن تأتي معي لبيت جدي حتى أحضر له بعض االشياء التي سيحتاجها عندما
يفيق بإذن اهلل؟..
اجابها بتبرم:
ـ نورا ..ليس هذا الوقت المناسب ..يمكنك الذهاب مع عمتي الحق ًا.
ـ ولكنك أكثر من يعرف ما الذي يحتاجه جدي ...وما يرغب بأن يراه عندما يستفيق ..هيا..
لن نتأخر..
ـ لن نتأخر ..الموضوع لن يستغرق دقائق ..كما يمكننا أيضاً تجميع كل التحاليل واآلشعة
السابقة الخاصة بجدي ..قد يحتاجون إليها الحقاً..
اقتنع بكالمها الذي وافق شعو اًر بداخله يحثه على الهرب من المستشفى وما تمثله من خطوة
على الطريق لفقدان وحرمان جديد...
نهى طلبة
وصال سريعاً إلى قصر الجيزاوي ..وتحرك رؤوف متوجهاً نحو غرفة جده بينما سألته نورا:
اجابها بامتنان:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
توجه إلى غرفة جده بخطوات سريعة سرعان ما تباطئت أمام غرفة جده وهو يفتحها ببطء
وتردد كأنه ال يستطيع تصديق أنه لن يجده خلف ذلك الباب ..لن يستقبله بتلك النظرة
المتفحصة التي تصل ألعماقه وتكشف ما بداخله بسهولة ..قد ال يكون أغدق عليه الحنان
أو أسرف في بثه عواطفه ..ولكنه األب الوحيد الذي امتلكه يوماً ..ربما لم يشعر عند وفاة
والده بقسوة تلك اللحظة فلقد كان أصغر سناً من أن يدرك ذلك الحزن ..ولكن ان يفقد جده
اآلن ,يشعر أن ذلك يدمره ..يفقده توازنه ..يدخله في دائرة حرمان جديدة ..احساس جديد
FB.com/groups/Book.juice
أعدت نو ار قدح القهوة كما يحبها رؤوف وتوجهت نحو غرفة جدها لتجده واقفاً في نافذة
الغرفة شارداً عما حوله ويقبض بشدة على مسبحة الجد وكأنه يستدعيه من خاللها..
وضعت قدح القهوة على إحدى الموائد الجانبية وتوجهت لتقف خلفه وتلف ذراعيها حوله
تضمه لها بقوة وهي تهمس:
209
ـ سيكون بخير ..سيكون بخير..
قيد القمر
وافقها بإيماءة بسيطة من رأسه وهو يضم نفسه لها فأحكمت ذراعيها حوله وهي تسأله:
أجاب بخفوت:
نهى طلبة
ـ ال أعلم..
عادت لتسأله:
ـ هل األمر بتلك الصعوبة؟ ..أن تعبر عما تشعر به ..عما يجول بداخلك؟..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
لم يجبها فضغطت على صدره تطالبه بمواجهتها ..وهي تجيبه عن سؤالها:
ـ شعورك بالخوف والقلق من فقدان جدي ال يقلل من هيبتك ..وال يضعف من شخصيتك..
أدارت جسده وهو مازال بين ذراعيها حتى أصبح في مواجهتها فلمحت مالمح وجهه
المنقبضة والقلق العاصف المختلط بشعور بالضياع وألول مرة تلمحه في عينيه ..لم تعرف
كيف تتصرف ..فخبرتها في الحياة لم تؤهلها للتعامل مع موقف بهذا التعقيد فقررت اتباع
غريزتها تلك التي أخبرتها أنها يجب عليها أن تمنحه الراحة واألمان ..فضمته بقوة وهي
تلف ذراعيها حول عنقه:
FB.com/groups/Book.juice
ـ حبيبي ..من غير الممكن أن تظل قوياً طوال الوقت ..يجب أن تسمح لنفسك بقليل من
الخوف والقلق ..والحزن ..ال تحرم نفسك من اإلحساس بتلك المشاعر اإلنسانية..
ضمها بقوة وهو يرفعها بين ذراعيه ويهبط بها على الفراش ..يضم نفسه اليها ويخفي وجهه
في صدرها وبينما هي تمرر أصابعها على خصالت شعره بحنان شعرت بدموعه تجري
ساخنة على صدرها.
210
الفصل الثالث عشر
قيد القمر
فتحت نو ار عينيها ببطء لتقابلها مالمح رؤوف وهو ينظر إليها ببرود ..وسمعته يأمرها
بجفاء:
ـ هل جدي بخير؟..
ـ كما هو.
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
صدمت نو ار من تصرفه وانصرافه السريع ..ماذا يحدث؟ ..لقد ظنت الليلة الماضية أنهما
عب ار مرحلة البرود والجفاء بعد سقوطه بين ذراعيها يذرف دموعه على صدرها ..وسقطت
كل الحواجز التي كان يشيدها ببسالة حول مشاعره لينكشف لها الطفل الخائف من ألم
الحرمان واليتم مرة أخرى ..لم يفاجئها انهياره بقدر ما صدمها قوة هذا االنهيار وهو ينتفض
باكياً بين ذراعيها كطفل صغير يخشى فقدان عائلته..
ألجمتها الصدمة للحظة إال أن غريزتها سرعان ما دفعتها لتحتضنه بقوة وهي تربت على
كتفيه وتملس خصالته الثائرة كجسده الذي كان ينتفض بفعل شهقاته العنيفة..
FB.com/groups/Book.juice
لم تحاول أن تتكلم ..فكل الكالم ال معنى له أمام انهياره العنيف ..فتركته يفرغ كل ما
بداخله على صدرها وهي تكاد تحبس أنفاسها تخشى أن يشعر بوجوده بين ذراعيها ..يتذكر
أنه يضغطها بجسده في الفراش فيمتنع عن إفراغ شحنة حزنه وألمه ..تريده أن يتخلص من
تلك الشجون فهو لن يتحمل المزيد..
211
عيناه التائهتان والجميع يلتف حوله في المستشفى يسأله المشورة أخبرتاها بوضوح أنه وصل
قيد القمر
إلى حافة تحمله ,لذلك أصرت على البعد عنهم بأقصى سرعة وليظنوا ما يحلو لهم ..هو ما
يهمها ..وهو فقط ..لقد أوشك على اإلنهيار بالفعل ولم تكن تسمح ألي شخص أن يشهد
ذلك اإلنهيار ..وهو لم يكن ليسامح نفسه لو سقط منها اًر أمام أي شخص ,وما هي متأكدة
منه أنه لن يسامحها ألنها شهدت لحظة ضعفه..
نهى طلبة
بدأت شهقاته تهدأ قليالً ..فعلمت أنه بدأ يعود للواقع ويدرك ما قام به ..مرت فترة سكون
كادت أن تسمع فيها صوت الهواء وهو يتحرك في الغرفة ..فسكنت تماماً تنتظر ثورته ,إال
أنها شعرت بذراعيه تشتدان حولها لتضمها إليه ولكن هذه المرة لم تكن ضمة مواساة ..لم
يكن يبحث عن دعم ذراعيها ,بل عن عاطفتها ..عن تجاوبها ..وتأكدت من ذلك عندما
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
تحركت شفتاه على صدرها تنشر قبالت الهبة وهو يزيد من ضغط ذراعيه حولها حتى
كادت أن تشعر بعظامها تتفتت من قوته...
أدركت أنه غير مدرك للقوة التي يستخدمها فبدأت تمسد شعره برقة وهي توزع قبالتها على
وجهه تحاول أن تمنحه الراحة والحنان حتى يخفف من القسوة التي يعاملها بها ولكنها
سرعان ما وجدت شفتيه تزحفان لتصال إلى شفتيها فيضغطهما بعنف غريب عليه ..همست
بضعف:
ـ رؤوف...
FB.com/groups/Book.juice
ِ
أحتاجك بشدة.. ِ
أحتاجك يا قمري.. ـ
كان صوته يحمل نبرة يائسة وهو ما يزال يتمسك بها بقوة ..وألول مرة ي ِ
شعرها بحاجته إليها, ُ
بل ويصرح بذلك أيضاً فلم يكن أمامها إال اإلستسالم له تمنحه ما يحتاج من سكينة وراحة..
وحب ..حبها الذي همسته له عدة مرات وهو لم يمانع في سماع تلك الهمسات ,بل كلما
212
همست له بحبها كان يزداد جنوناً واندفاعاً نحوها ..اندفاعه اتسم بالعنف ,بل القسوة ..ألول
قيد القمر
مرة تلتمس منه تلك القسوة في عالقتهما الحميمة ..وكأن لمساته خرجت عن سيطرته ,فبدالً
من الحماية والدالل والشغف الذي تستشعره منه دائماً ..تلقت القسوة واأللم..
انتهى جنونه سريعاً فاستلقى على ظهره الهثاً وهو يغطي عينيه بذراعه يخفيهما عنها وكأنه
غير قادر على مواجهتها بعد تلك العاصفة التي سحبها إليها ..فهو ألول مرة يفكر في نفسه
نهى طلبة
أوالً ..ويأخذ كل ما تهبه إياه بدون أن يفكر بالعطاء في المقابل ..لقد تصرف مثل وغد
أناني وهو يكره نفسه لذلك ..لكنه كان بحاجة إليها بشدة ..حاجة لم يستطع تفسيرها ,بل لم
يرد ذلك ..فهو لم يكن في احتياج المرأة ..لعالقة ..بل لوجودها هي معه وإلحساسه بها بين
ذراعيه ,وكأنها تق أر أفكاره ..وجدها تحرك رأسها لتضعها على كتفه وشعر بيدها الصغيرة
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ هل تعلم شيئاً؟..
ـ ليلة زفافنا ..عندما اكتشفت أن جناحنا يقع في الطابق األرضي ..انتابني غضب شديد..
فقد شعرت باإلهانة وبجرح عميق لكبريائي حتى أنني توعدتك س اًر وأقسمت أن أجعلك تطلب
مني االنتقال إلى الطابق األعلى ألتخذ مكاني المالئم كسيدة للمنزل ...مثلها تماماً..
نظر إليها باستفهام وهو ما زال متمسكاً بصمته ..فحركت رأسها قليالً لتضعها على صدره
FB.com/groups/Book.juice
قريباً من قلبه فكاد صوت دقاته العالية والسريعة أن يصم أذنيها وأكملت سرد قصتها:
ـ لقد فكرت في التراجع عن قسمي الحقاً وخاصة بعدما لمحت الحديقة الداخلية التي تربط
الجناح بغرفة مكتبك ..فهي رائعة ,بل مذهلة لقد أحببتها على الفور ..ولكن ما حسم األمر
ال ..وجعلني أتمسك بموقع جناحي بالطابق األرضي ..اكتشافي أنني استطيع
بداخلي فع ً
مراقبتك واإلطمئنان عليك من خالل نافذتينا المتواجهتين ..فمراقبتي لك وأنت تعمل..
213
وخاصة في األيام التي بعدت عني فيها ,هي ما ساعدني على تخطي بعدك وجفائك ..فكان
قيد القمر
أن فضلت اطمئناني عليك واحساسي بتواجدك معي ولو عن بعد على انتصاري عليها في
معركة السيادة على المنزل...
تجمد رؤوف تماماً تحت لمساتها الدافئة وهو ال يصدق ما تحاول إخباره به ..هل تقصد ما
فهمه من كالمها؟!! ..هل تقصد أنها فضلته عن نفسها ..أنها قدمته هو على كبريائها!!..
نهى طلبة
وللمرة الثانية ترد على أفكاره التي لم ينطق بها وهي تتمتم:
تلك المرة عندما لفها بذراعيه مقرباً إياها من صدره ومرتشفاً رحيق شفتيها ..كانا بالفعل
يتبادالن الحب..
حاولت نو ار سحب نفسها من ذكريات ليلتها الحافلة فأغمضت عينيها تعتصرهما حتى ال
تجري دموعها على وجنتيها وهي تكمل استعدادها حتى تصطحبه للمشفى محدثة نفسها
بألم..
"إلى متى؟ ...إلى متى تمتد حلقة جفائك التي ال تريد كسرها وال تسمح لي باختراقها؟".
تحركت بألم تبحث عن رؤوف الذي كان يجوب الطابق السفلي كمن مسه الجنون ..ضرب
FB.com/groups/Book.juice
إحدى الموائد الجانبية بعنف شديد مما تسبب في تكسير بعض التحف التي سقطت أرضاً..
كان الغضب يمزقه ,بل يحرقه حرقاً ..كيف سمح بما حدث الليلة الماضية؟ ..كيف يسمح
لنفسه بهذا االنهيار ..وأمامها ..بين ذراعيها!! ..هي من دون الجميع تشهد على دموعه..
على لحظة ضعفه وانهياره..
214
لقد ظن أنه يملك بأس وثبات جده ,الذي تلقى خبر وفاة ولده وهو ثابتاً ..صامداً ورابط
قيد القمر
الجأش ..ولكن أثبتت األيام أنه ضعيف ,بل أضعف مما تخيل يوماً ,فلقد سقط منها اًر عند
تفكيره أنه قد يفقد جده ,لم يتخيل أبداً أن ينتابه مثل ذلك الشعور ..لقد شعر بالهلع ,بل
الرعب حتى أنه لجأ إلى ذراعيها يلتمس الدعم منها والراحة على صدرها..
هل انغماسه بها الليلة الماضية كان هروباً من هلعه ..ف ار اًر من ضعفه الذي لمسه ألول مرة
نهى طلبة
الليلة الماضية وهو يواسي الجميع ويحل مشاكلهم ,بينما كان في أعماقه يتوق لربته رقيقة
تطمئنه وتهدأ من مخاوفه ..لضمة من صدر حنون تخبره أال يخاف وال يجزع..
حتى نعمات ..حتى مواستها له جاءت رسمية وهي تحثه على الصمود من أجل الجميع..
هل لهذا السبب لم يلجأ لنعمات تلك المرأة التي استوعبته لسنوات ...كال ..لقد أراد نورا..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
تاق إليها ..كان بحاجتها مهما حاول أن يهرب من تفسير ما شعر به أو يخدع نفسه بأن
اندفاعه الغير مسبوق نحوها كان سببه طول فترة بعده عنها ..إال إنه لن يستطيع إنكار
السالم الذي وجده بين ذراعيها ..والراحة التي منحتها له بدون حساب ..وهو ينهل من
حبها ,يأخذ كل ما تمنحه إياه متغاضياً عن العطاء..
كيف له أن يواجه عينيها بعد ما شعرت بحاجته إليها التي صرح بها بكل وضوح ليلة أمس,
وحتى بعد اعترافاتها المتوالية بالحب ..يجد نفسه اآلن في الموقف األضعف وهروبه من
أمامها منذ قليل هو أكبر دليل على ضعفه ذاك ..لقد انكشف أمامها ..تعرت روحه تماماً..
خرج الطفل الخائف بداخله إلى العلن وكانت هي من أخذت بيده لتخرجه من ظلمات
FB.com/groups/Book.juice
الحرمان إلى ضياء الحب واالحتواء ..ولكن يبقى السؤال الصعب ..كيف يمكن ألي رجل
بعنفوانه أن يواجه امرأته بعد أن بكى بين ذراعيها كالطفل الخائف؟ ..امرأته التي تقف بعيداً
اآلن مترددة وال تعرف كيف تتواصل معه ..تحاول أال تشعره بوجودها ..تريده أن ينفث عن
عصبيته وغضبه قبل أن يذهبا معاً ويواجها الجميع باختفائهما الغير مبرر ..والذي لن يمر
بسهولة ...ولكنها لم تعلم أنه شعر بها منذ أن خطت بقدميها خارج غرفة جدهما..
215
أجفلت عندما وصلها صوته:
قيد القمر
ـ مستعدة؟..
أجابته بخفوت:
ـ نعم..
نهى طلبة
ما أن وصال إلى المشفى حتى اندفع إليه منذر وقاسم يسأالنه بلهفة:
أجاب بغموض:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
شيئاً ما في نبرة قاسم لم ترق لرؤوف ..أو ربما في نظراته نحو نو ار التي ألصقت نفسها به..
مما دفعه للرد بجفاء:
عاد قاسم يتأمل نو ار مرة أخرى وهو يخاطب رؤوف بطريقة مستفزة:
FB.com/groups/Book.juice
ـ يبدو أن تلك المهام كانت عاجلة بالفعل ..ولم تستطع االنتظار ألدائها..
ضغط رؤوف على أسنانه بغيظ وقد وصله المغزى من كالم قاسم ولكنه قرر تجاهله:
ـ ولماذا أنا؟..
ـ أنت المسئول عن الشئون القانونية ,ويجب أن تراجع العقد الخاص بالصفقة األخيرة ..ماذا
بك؟.
كانت نعمات تراقب ما يحدث عن بعد ..واستطاعت أن تفهم من تعابيرهم أنهم يتجادلون
حول أمر ما ..لم تهتم بهذا ,فما لفت انتباهها هو مالمح رؤوف المبهمة ..ولغة جسده
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
الغامضة ..فهو يبدو محتداً وعصبياً ,ولكن في نفس الوقت مسيط اًر وهادئ بل يكاد يكون
مسترخياً قليالً عن ليلة أمس..
نقلت بصرها إلى السمراء الصغيرة بجانبه تالحظ أن مالمحها تنطق باالهتمام والقلق وهي
ترمقه بنظراتها الجانبية ,فأدركت أن نو ار هي من سحبته من بينهم جميعاً لتستأثر به
لنفسها..
تحركت نحوهما وهي تستشيط غضباً من اختفائه ليلة أمس ..وانعكس هذا على لهجتها
الحادة:
FB.com/groups/Book.juice
أجاب بحدة:
ـ ماذا بكم جميعاً؟ ..هل يجب أن أتواجد أمامكم طوال األربع والعشرين ساعة؟!! ..أال
أستطيع الحصول على بعض الراحة؟..
217
تلعثمت نعمات أمام حدة رؤوف:
قيد القمر
ثم ما لبث أن عاد وكأنه تذكر أم اًر ما ..فسحب نو ار من ذراعها ..متوجهاً نحو عمه ..تاركاً
نعمات وهي تتميز غيظاً وغالً..
ـ انتظريني هنا..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ حسناً..
بعد أن اطمئن من الطبيب المختص بحالة جده أن وضع هذا األخير مستقر ..وأنه على
وشك نقله إلى غرفة عادية بدالً من غرفة العناية المركزة ..خرج إلى حديقة المشفى ومشهد
قاسم وهو يرمق نو ار بتلك النظرات الغريبة ..يتكرر في ذهنه م ار اًر وتك ار اًر ..ماذا وراء تلك
النظرات؟ ..وهل كانت موجهة نحو نو ار فقط؟ ..أم نحوهما معاً ,رداً على غيابهما
الطويل؟..
FB.com/groups/Book.juice
التفت ليجد نعمات تواجهه ومالمح الغضب تبدو عليها ..فسألها بحيرة:
ـ نعمات ..من أجل اهلل ..هل تظنين أن الوقت مناسب لحوار كهذا؟..
نهى طلبة
أجابته بغيظ:
انتفض جسده بصدمة من قولها ..وأخذ يتأملها للحظات ..يعلم أنها غاضبة الختفائه ليلة
أمس ولكنه ال يدري لما لم يشعر بتعاطف مع غضبها هذا وبدالً من ذلك أجابها بهدوء:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
أزاح نعمات من طريقه متوجهاً نحو جده ,وتبعته نو ار ولكن نعمات استوقفتها:
ِ
بجسدك الشاب.. ـ ال تظني ِ
أنك ستمتلكينه ,فقط ألنه مهووس
كتفها:
*****************
219
وقف رؤوف على باب غرفة جده متردداً في الدخول إليه ..ال يريد أن يراه في تلك الحالة
قيد القمر
الضعيفة ..صحيح أن جده مر ببعض األزمات الصحية من قبل ,إال أن تلك األزمة األخيرة
كانت أشدهم ..وأكثرهم خط اًر على حياته..
ـ ال تقلق وال تحزن يا بني ..فأنت لم تعد وحيداً اآلن ,فلديك زوجة وقريباً سيكون لديك أبناء
أيضاً ..لقد طلبت رؤيتك اآلن ألسألك شيئاً يا رؤوف.
ـ سل ما تشاء يا جدي.
ـ أنت لم تجبرني على شيء يا جدي ..أنا كنت موافق على كل شيء.
ـ بارك اهلل فيك يا بني ..آمل أن تكون شموس بنفس سماحتك ..هل هي بالخارج؟..
ـ نعم يا جدي.
نهى طلبة
دخلت شموس إلى غرفة العجوز بخطوات مترددة يرافقها عبد السالم ,ولكن ما أن رآه والده
حتى طلب منه أن يدعه مع شموس بمفردهما....
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
*****************
ـ يا الهي ..أصبحت ال أطيق رائحة تلك المطهرات ..لقد مر أكثر من شهر ..ألن يسمحوا
لجدي بالخروج من ذلك المكان؟..
أجابتها نو ار بغيظ وهي ترمق رؤوف ومنذر وهما يقفان مع إحدى الممرضات والتي توزع
ابتساماتها بسخاء للرجلين:
كان هذا ما قالته سهير في نفسها ..بالطبع لم تسمعه نو ار التي هبت فجأة من مكانها,
فسألتها سهير:
ـ أين تذهبين؟.
نهى طلبة
أجابتها نو ار بغيظ:
وجهت سهير نظرها حيث تتجه نورا ,فوجدت تلك الممرضة تمسد ذراع رؤوف كما لو كانت
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
تنظف كمه من بعض األتربة الوهمية ..ولكن الحق يقال كان رؤوف يحاول جذب ذراعه
منها بشدة عندما وصلت إليهما نو ار والتي كانت تحمل كوباً من الشاي الساخن ال تدري
سهير من أين التقطته في طريقها لهما..
أدركت سهير ما تنتويه نو ار وتحركت مسرعة لتمنعها ..ولكن ما أن اقتربت منهم حتى
الحظت أن نو ار ترنحت فجأة وتمايلت نحو الممرضة ليسقط كوب الشاي بمحتوياته الساخنة
على زيها األبيض النظيف ,وهي تشهق من الصدمة:
ـ آسفة ..أظن أنني أصبت بدوار بسيط ..يبدو أن األجواء هنا تسبب لي الغثيان..
ابتعدت الممرضة في غيظ بعد أن فهمت تلميح نو ار المزدوج بينما سألها منذر بعتاب:
ـ لما فعلت ذلك يا نورا؟ ..إن وداد طيبة القلب وتولي جدي رعاية خاصة..
222
استفهمت نورا:
قيد القمر
ـ وداد؟!!! ..أتقصد تلك الحــ ..تلك الفتاة؟ ..نعم أرى أنها تولي الجميع رعاية خاصة!!..
ـ أليس كذلك؟..
نهى طلبة
تأملها رؤوف للحظة ..ليدرك أنها تشعر بالغيرة ..ولكن لم؟ ..هل تظن أنه يهتم بتلك
الفتاة؟ ..إنه ال يهتم إال بها هي ..وهي تعلم ذلك جيداً ..لحظة ..هل تعلم ذلك بالفعل؟..
هز رأسه بحيرة ..بالطبع تعلم ..فال يعقل أال تشعر كم هي غالية وأثيرة عنده...
ـ رؤوف!!.
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ أعتقد أنها ممرضة بارعة ..لقد أوصى الطبيب بها كمرافقة طبية ..لجدي في المنزل.
ـ إنها ممتازة ..وكما قال الطبيب هي األفضل ..وسوف يحصل جدي على األفضل ..ال
FB.com/groups/Book.juice
مجال للنقاش..
تمتمت نو ار بحنق:
223
"اآلن تأخرت ..وعندما كنت تضاحك الحرباء كنت تمتلك الوقت".
قيد القمر
ـ ماذا تقولين؟..
في السيارة كان الصمت يلفهما كالعادة ,فلقد اعتصم رؤوف بالصمت منذ دخول جده
المشفى ..واقتصرت حواراته مع نورا ..على كلمات معدودة ...كانت أغلبها أسئلة منه عما
تعرف من معلومات عن لقاء شموس بعبد الرؤوف بالمشفى ..وهي معلومات لم تكن نو ار
تمتلكها ..لذا كف عن السؤال مرغماً ..ولكنه استمر في التباعد واالنزواء ..بعيداً عن
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
هذا أشعر نو ار أنهما يدوران في دائرة مغلقة من الجفاء ,فهو عاد لسابق عهده قبل دخول
جدهما المشفى ..ولكن الفارق أنه لم يمتنع تلك الفترة عن الدخول إلى جناحهما ..بل العكس
هو الصحيح ..فما يظهره من جفاء وبرود طوال النهار ..يتبدل في عتمة الليل إلى جنون,
بل هذيان ..فهو يغرقها بعاطفته ليالً ..يبسط سطوته عليها ويتلذذ باستشعار تأثيره بها وال
يتركها كل ليلة إال بعد أن يسمع اعترافاتها بحبه ..وترديدها السمه مع كل نفس تتنفسه..
كانت تتعجب من ذلك في البداية ولم تفهم ماذا أصابه ,حتى أدركت أن تلك هي طريقته
لينسيها انهياره ودموعه بين ذراعيها ..يريد أن يفرض تأثيره الرجولي عليها ويرسخه مزيحاً
FB.com/groups/Book.juice
من ذهنها أي أفكار قد تروادها عن ضعفه أو هشاشة نفسيته نتيجة مرض جدهما..
لقد كان يستغلها ,بل يستغل حبها له ,يستعمله ضدها ..صدمها ذلك االكتشاف في بدايته,
ولكنها تفهمت حاجته كرجل ألن يظهر األقوى وأمامها هي بالذات ..هي الزوجة التي
تصغره بعدد من السنوات ..والتي كانت تراه دائماً كرجل صلب ومسئول ..فقررت أن تمنحه
224
قليالً من الوقت حتى يظن أنها نسيت لحظة ضعفه ,وبعدها لن تسمح له باستغالل ما تكنه
قيد القمر
أفاقت على هزة من يده لتنتبه أنهما وصال بالفعل أمام باب الفيال وعلى ما يبدو أنه جالس
يتأملها منذ فترة ..أجلت صوتها وهي تقول:
أجابها بهزة من رأسه وهو يراقبها تترجل ببطء ,يبدو أنها مجهدة بالفعل ولم تكن تتظاهر في
المشفى ..راقب خطواتها المتعثرة ليفاجئ بها تتمايل بشدة غير قادرة على الوقوف فقفز
مسرعاً من السيارة ليتلقفها بين ذراعيه قبل أن تسقط أرضاً..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
حملها برفق حتى وضعها على فراشهما ..وهو يتأمل مالمحها الهادئة بوداعة ..تختلف عن
شراستها منذ قليل مع وداد..
يا الهي ..لقد سقط قلبه بين ضلوعه مع سقوطها أرضاً ..هل هي مريضة فعالً؟ ..إنها لم
تكن على ما يرام في الفترة األخيرة ..كما أنها تبدو شاحبة جداً ..ولكنها أيضاً جميلة جداً..
فهي تبدو ناعمة ووديعة ,بل رائعة ..شعرها الغجري الذي فتنه من أول لحظة وهو يستنشق
رائحته ,لحظتها عرف كيف ممكن للرجل أن يعشق شعر امرأة ,أنفها الصغير المتكبر..
وشفتيها..
ـ آه..
FB.com/groups/Book.juice
همسة صغيرة منها أفاقته قبل أن تشطح به أفكاره بعيداً ,فتحرك ليتناول إحدى العطور
ويرشها برفق أمام أنفها حتى تستفيق...
بك؟ ..هل ِ
أنت مريضة فعالً؟.. وعيك؟ ..ماذا ِ
ِ ـ لقد فقد ِت
أجابته بإرهاق:
ـ ال أعلم ..يبدو أن رائحة المشفى أصبحت تزعجني بشدة ..لقد شعرت ببداية الدوار في
اللحظة التي وصلت بها للمشفى.
نهى طلبة
أجابته بغيظ:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ طبعاً ..أنا شعرت بالدوار بالفعل ,واال كنت قذفت بمحتويات الكوب في وجهها وليس على
ردائها..
كتم ضحكته بصعوبة ..إنها دائماً تنجح في استخراج البسمة منه ..وربت على شعرها
يهدئها:
أجابت بغيظ:
FB.com/groups/Book.juice
ـ ال داعي لالنفعال!! ..ألم ترى كيف كانت تلك الحرباء تتمسح فيك؟ ..وأنت سمحت لها
بذلك.
ال.
ـ أنا أشعر بالنعاس ..أعتقد أنني سأخلد للنوم قلي ً
فوجئت به يلفها بذراعيه وهو يعدل وضعها حتى تصبح رأسها على ذراعه وذراعه األخرى
يمسد على شعرها بحنان وهو يقول لها:
نهى طلبة
وهمس لنفسه..
معك ِ
أنت يا اك أني لم أعرف الشعور بالغيرة؟ ..أنا لم أعرف ذلك الشعور إال ِ
"وما أدر ِ
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
قمري".
في مرحلة ما بين النوم واليقظة تعجبت نو ار من احتضانه الحنون لها حتى أنها ظنت أنها
تتخيل ذلك ..وأن حلمها الذي يصاحبها في الفترة األخيرة يتحقق ورؤوف يضمها لصدره فقط
كي يشعرها بالراحة بدون محاولته لفرض سيطرته الرجولية عليها..
*****************
أخذت شموس ترتشف الشاي بهدوء وهي مدركة لنظرات عبد السالم المركزة عليها ..فهو
على مدار الشهر الماضي وهو يواصل ضغوطه عليها لتخبره بما تم بينها وبين والده ,وهي
FB.com/groups/Book.juice
تراوغ وتتهرب منه ..حتى نو ار ابنتها ظلت تلح عليها لتعرف ولكنها أسكتتها تماماً عندما
اتهمتها أنها أصبحت تعمل كجاسوسة لصالح رؤوف زوجها ..لكن عبد السالم ال يكل وال
يمل يرغب في المعرفة وهي تثابر على التملص من أسئلته..
ظني قط".
كانت تلك إحدى جمل الحوار الذي دار بين االثنين والذي يتوق الجميع لمعرفة تفاصيله...
فبعد أن تركها عبد السالم بمفردها مع والده ..تحركت حتى وصلت للمقعد الموجود بجانب
الفراش وتمتمت بصوت خافت وبنبرة تكاد تكون رسمية:
نهى طلبة
سألها بألم:
أجابت بحدة:
ـ وهل منحي لك الغفران والصفح هو ما سيوفر لك الراحة يا عمي ..ال أعتقد ,بل هذا سيزيد
من ألمك ..أن تشعر بأنك تسببت لي باأللم والجرح العميق ورغم ذلك كنت أنا من السماحة
أن أمنحك صك غفراني ..كال يا عمي ..سيزيد ذلك من همك ,بل من ذنبك ..هل هذا ما
228
طلبته من رؤوف؟ ..السماح!! ..أراهن أنه أخبرك أن ال داعي لذلك ,وأنه يوافقك على كل
قيد القمر
ـ لطالما ظننت ِ
أنك األقوى واألذكى يا شموس ..أذكى حتى من قمر ابنتي ..ولم تخيبي
ظني قط..
نهى طلبة
ـ لماذا تظن ذلك يا عمي؟ ..بسبب رفض عبد السالم الخضوع ألوامرك قديماً؟ ..هل تعتقد
أن ذلك بسببي؟..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
رد العجوز ابتسامتها وبدا وأن تلك المناوشة بينهما تزيد من قوته شيئاً فشيء:
ـ أنت تتحدث عن محاولتك األخيرة إلقناع عبد السالم بالزواج من نعمات ..ذلك الكالم الذي
قاله ..لمن قام بالواسطة بينكما..
ـ ِ
أنت تعلمين عن ذلك؟!!.
FB.com/groups/Book.juice
ـ عن إرسالك رؤوف حتى يفكر عبد السالم مرة ثانية في أمر تلك الزيجة ,خاصة وأن
زوجته أصبحت غير قادرة على إنجاب أطفال؟ ...عن عدم قدرتك على طلب ذلك منه
شخصياً ,فلجأت لحفيدك ليكون رسوالً بينكما؟ ..عن رفض عبد السالم القاطع لذلك واخباره
لرؤوف أنه لن يستبدلني بنساء الدنيا كلها؟ ..نعم ..نعم يا عمي أعلم بشأن ذلك ..وأكاد
229
أكون متأكدة أن ذلك هو سبب موافقة رؤوف على زواجه من نعمات قديماً ,فالمسكين شعر
قيد القمر
ـ قمر من أخبر ِ
تك..
ـ نعم ..هي من أخبرتني ..فقد كانت تحاول رفع معنوياتي بعدما فقدت ابني..
نهى طلبة
ـ لقد فقدت ابني يا عمي ..وذلك قضاء اهلل وقدره ..اللهم ال اعتراض..
مسحت شموس بعض الدمعات التي بدأت تسيل على وجنتيها وهي تقاطعه:
ـ لقد أخبرتك يا عمي من قبل ..باهلل عليك ال تسأل عن الغفران ..كما أنني متأكدة أن ذلك
ليس السبب الوحيد الستدعائي ..أنت تريد اإلطمئنان ..على أحفادك ..الذكور أعني ..منذر
ورؤوف ..أليس كذلك؟..
ـ ِ
أنت تفهمينني جيداً يا شموس ..ال يعجبني حال األوالد ..فهم جميعاً يبدون وكأن التعاسة
FB.com/groups/Book.juice
ـ العاشقان..
ضحكت شموس:
230
ـ بالطبع ..أنت على علم عن ارتباطهما ببعضهما ..فأنت على معرفة بكل شيء ..لكني
قيد القمر
أطلب منك يا عمي ,بل أتوسلك ..أن تتركهما يدبران حياتهما ..جميعاً بال أي تدخل..
أرجوك ,ال تتدخل...
أومأ العجوز:
سكتت شموس على مضض فهو محق ,سهير تحتاج إلى جلسة مصارحة طويلة ..فأحوالها
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
فاجأته بقولها:
ـ عبد السالم ..أعتقد أنه يجب أن تحاول محادثة منذر ..وأنا سأتولى الكالم مع سهير..
فوضعهما ال يعجبني...
FB.com/groups/Book.juice
*****************
استيقظت نو ار بعدما افتقدت ذراعيه من حولها ,فتحركت بتكاسل في فراشها ..وهي تتساءل
أين هو ..مر بذهنها قوله أنه مرتبط بمواعيد عمل مهمة ..فتأكدت أنه ذهب إلى عمله.....
وتركها...
231
أحبطت بشدة من تصرفه ..أال يستطيع البقاء معها ويبتعد عن عمله الغالي حتى وهي
قيد القمر
مريضة!!...
حسناً ..إنها فرصة لتتأكد من ذلك الهاجس الذي يزعجها مؤخ اًر...
تحركت بخفة تفتح أحد أدراج المنضدة المجاورة لفراشها ..وهي تسحب منها تلك العلبة
وتخرج منها محتوياتها وتتوجه نحو حمام غرفتها وهي تبتهل إلى اهلل في صمت...
نهى طلبة
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
FB.com/groups/Book.juice
232
الفصل الرابع عشر
قيد القمر
أمسكت نو ار العصا البالستيكية تتأمل اإلشارة اإليجابية التي تظهر أمامها بوضوح ..حسن ًا..
إنها حامل ..لقد تأكدت اآلن ..رغم أن شكها كاد أن يصل لليقين ..ولكن رؤية العالمة
اإليجابية أمامها جعل األمر يبدو حقيقياً أكثر..
تهالكت على األرض بجوار باب الحمام تحتضن العصا البالستيكية بشدة إلى صدرها
نهى طلبة
ودموعها تتساقط على وجنتيها بدون إرادة منها ..وتحركت يدها لتمسد بطنها بحنان وهي
تفكر في طفلها القادم ,بل طفلهما ..لو صدقت حساباتها فيكون ابنهما تكون في تلك األيام
التي قضياها خارج نطاق الزمن في اإلسكندرية..
تلك األيام التي شعرت فيها أنهما زوجان طبيعيان يقضيان أجازتهما في عروس الثغر..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
استمرت في تمسيد بطنها وكأنها تريد التواصل مع طفلها ..مشاعر قوية تنتابها نحوه ..حب
لم تتخيل وجوده وهي تشعر بوجود ثمرة حبها لرؤوف تنمو في أحشائها ,فجزء من حبها
لذلك الطفل يرجع إلى أن رؤوف هو والده ..هو من شاركها تكوينه..
ترى ماذا ستكون ردة فعله على خبر حملها؟ ..هل سيسعد به ألنه الوريث الذي تلهث خلفه
العائلة بأكملها؟ ..أم ألن زواجهما سيتكلل بوجوده ليجمعهما معاً ..يدخلهما مرحلة جديدة في
الحياة كأسرة صغيرة..
ترغب بشدة أن يفكر فيه كهدية رائعة تتوج بها حبها له ,ال كنتيجة حتمية لزواجهما..
233
دخل رؤوف إلى جناحهما يحمل صينية طعام وكوب من العصير الطازج ..ولكنه فوجئ بها
قيد القمر
تأمل رؤوف دموعها المنسابة بغ ازرة ..ووجهها المحتقن بشدة وهي تشهق محاولة السيطرة
على دموعها ..ونزل على ركبتيه ليمد يده ويرفع ذقنها وهو يسألها بقلق:
بك؟ هل ِ
أنت مريضة؟. ـ نورا ..ماذا ِ
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
لم تجبه سوى دموعها التي استجابت للحنان والقلق في صوته فازدادت انهما اًر ..عصف به
القلق وهو يراقب تلك الدمعات وال يجد أي استجابة منها على سؤاله ..فقال بتوسل:
اكتفت بهز رأسها كإجابة على أسئلته ...فلم تجد داخلها القدرة على تكوين أي كلمات تصف
له ما تشعر به حالياً ..احتار رؤوف في تحديد ما بها وخاصة مع صمتها التام ودموعها
المنهمرة فقرر أن يحملها للفراش حتى تستريح من جلستها المتعبة على أرض الغرفة ,ولكن
ما أن اقترب منها حتى الحظ يدها القابضة بشدة على شيء ما ..باعد أصابعها برفق ليجد
FB.com/groups/Book.juice
ـ ما هذا؟ ..نورا!!!..
تغرق في دوامة اختبارات الحمل السلبية واللهاث خلف طفل يظنه الجميع هو األمل
المنتظر ..من غير المعقول أنها مازالت تعتقد أن كل ما يريده منها هو الطفل:
ـ ولماذا البكاء؟ ..فإذا كانت النتيجة سلبية تلك المرة ..فاأليام أمامنا كثيرة ..والمستقبل بيد
اهلل ..ال تحزني ..وال تقلقي أبداً ..ال شيء يستحق نزول د ِ
معاتك..
نهى طلبة
شعرت بالراحة واألمان وهو يضمها لصدره ويخبرها بتلك الكلمات ..التي أكدت لها عمق
اهتمامه بها فأجابته ورأسها مدفون في صدره:
لم يعرف ما أصابه عندما سمع تلك الكلمات ..شعر أنها تتغلغل بداخله ..سيكون أب..
ستمنحه قمره طفالً ..أخي اًر سيكون هناك من ينتمي له هو ..طفله ..طفلهما ..أسرتهما
الصغيرة ..أخي اًر سيمد جذوره عميقاً ..لن يكون وحيداً بعد اآلن ..إنه سعيد ..بل السعادة ال
تصف ذرة مما يشعر به ,ولكن ..ولكنها تبكي ..لم تبكي؟ ..هل حمل طفله يبكيها؟ ..هي
ال تريد طفله!! ..هل راجعت أفكارها بشأن زواجهما أم ماذا؟...
ترجم أفكاره إلى كلمات وهو يبعدها قليالً عن صدره ويسألها بخوف:
FB.com/groups/Book.juice
عندما سمعت نو ار تلك الكلمات منه لم تدري بنفسها إال وهي تنقض على صدره بقبضتيها
الصغيرتين تضربه بشدة وهي تصرخ به وسط دموعها:
235
ـ أنت ..أنت أحمق ..أنت غبي ..أبله ..كيف تقول هذا الكالم؟ ..بل كيف تفكر فيه!!..
قيد القمر
ثالثة شهور ..ثالثة شهور وأكثر وأنا لم أكف عن ترديد حبي لك ..ماذا أفعل لك حتى
تصدق؟ ..ماذا؟!!!!!!.
فوجئ رؤوف بهجومها المباغت وقذائف قبضتيها المتتالية تهوى على صدره بسرعة فاختل
توازنه وكاد أن يسقط على ظهره لوال أنه تدارك نفسه في اللحظة األخيرة ليستند بكفيه على
نهى طلبة
األرض ويوازن جسده بينما نو ار مستمرة في ضربه بعنف على صدره وهي تلقبه بالغبي
واألبله ودموعها تنهمر بال توقف..
طوقها بذراعيه بقوة محاوالً السيطرة على حركة ذراعيها الطائشة وهو يحملها ليجلسها فوق
فخذيه بينما أسند ظهره إلى جانب الفراش..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
توقفت قبضتاها عن ضرب صدره وقبضتا على قميصه بشدة وهي تغرز رأسها في تجويف
عنقه وتتعالى شهقاتها مما دفعه لسؤالها بحيرة وقد أصابه الهلع من دموعها:
اكتشفت ِ
أنك ِ دموعك ال تتوقف ِ
ألنك ِ ِ
عليك ..اشرحي لي ماذا يحدث ..إن ـ نورا ..باهلل
تحملين طفلي؟ ..فكيف تريدينني أفكر؟ِ ..
إنك سعيدة!!.
FB.com/groups/Book.juice
زاد من ضمها لصدره وهو يربت على ظهرها بحنان مداعباً شعرها وأخذ يقبل دموعها برقة
يريد أن يمنحها الراحة ..يخشى أن يكون سبب بكائها هو معاملته لها في الفترة الماضية
وأن يكون تسبب بدون قصد في أن تكره حمل طفله ,بل يخشى أن ...تكرهه هو ..لذا عاود
نهى طلبة
ـ طفلنا ..إنه طفلنا ..واطمئن أنا أريده أكثر من أي شيء في العالم ..وسعادتي ال توصف..
فقط ال أجد كلمات تكفي للتعبير عنها..
ضمها إلى صدره بقوة فقد أراحته كلمتها" ..طفلنا" ..جعلته يشعر بانتمائها له هي ومن
تحمله بأحشائها ..ضاع منه كل ما كان يتظاهر به في الشهر األخير من جفاء وبرود..
ولم يستطع اإلدعاء بهما أكثر من ذلك ,فصغيرته تحتاج لألمان والراحة واالطمئنان..
FB.com/groups/Book.juice
فتخللت أصابعه في شعرها ,بينما تمتد أصابع يده األخرى لتمسح دموعها:
ـ ماذا تظنين؟ ..أال تعتقدين أنني أحلم بأن تمنحيني فتاة صغيرة ..فاتنة مثل أمها؟!!.
سألته بتعجب:
ـ هل تريدها أن تكون فتاة!!! ..أال تريد الصبي ..الذي يريده جميع أفراد العائلة؟..
237
رفعها بين ذراعيه وتحرك بها نحو الفراش ليمددهاعليه برفق وهو يسوي شعرها الذي تناثر
قيد القمر
حولها:
صمتا معاً وهما يتأمالن بعضهما بحنان ..هي ال تصدق ما تسمعه هل فعالً يريد فتاة
صغيرة!!! ...أما هو فمد يده بتردد ورهبة ليضعها على بطنها وكأنه يخشى أن يؤذيها
نهى طلبة
وسألها بأمل:
أسعدها أن تتطابق أفكارهما فوضعت يدها على يده وهي تحرك إبهامها عليها برقة:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
وافقها قائالً:
ـ بالفعل..
ال ..ماذا ِ
بك؟ ..هل تحتاجين شيئاً؟.. ـ مه ً
ـ يا الهي ..البد أن حالهما أسوأ مما تصورت حتى أنك الحظت ذلك!!..
ولكنه أخبرها:
ـ بال شك ..وأنا ال أمانع أبداً ...ولكني جاد بشأن منذر وسهير ..إنهما بحاجة لالبتعاد عن
الجميع..
كانت تعلم إنه محق ..وأن شقي قتها في محنة ..ولكن رغم ذلك كانت أعماقها تموج
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
بالسعادة ..فهو يثرثر معها كأي زوجين طبيعيين ..لقد عاد لمعاملتها بطريقة عادية وطبيعية
و ...فجأة برق في ذهنها إنه تغير بسبب حملها ..وأن معرفته بوجود الطفل المنتظر هو ما
جعله يهجر بروده وينسى جفائه ,وانعكس تفكيرها على نبرتها وهي ترد بجفاء:
ـ لقد أخبرتني أمي أنها ستحادثها ..ولكن سهير ترفض تدخلنا في حياتها..
شعر أنها ال تود الحديث عن شقيقتها وزواجها المتزعزع ..فقرر تغيير الموضوع بعدما لمح
صينية الطعام وتحرك ليأتي بها ويضعها على الفراش قائالً لنورا:
انطلق غضبها فجأة وكأن اهتمامه بطعامها أكد لها أن تغيره بسبب الطفل:
ـ وما سر هذا االهتمام؟ ..هاه ..هل أنت قلق على ابنك؟ ..تريد حشوي بالطعام من أجل
الطفل صحيح؟..
239
يا الهي!! ..ماذا أصابها؟ ..لم انطلق طبعها الناري فجأة؟ ..إن مالمحها تبدو غاضبة
قيد القمر
بشدة ..غاضبة وفاتنة بتلك العينان الذهبيتين والوجه المحتقن غضباً على ما يبدو منه..
شعر بأن يديه لها إرادة منفصلة ..ال تستجيب ألوامر عقله الذي يخبره بأن احتواء وجهها
بيديه وتقبيلها هو غاية في الحماقة ,خاصة وهي تشتعل غضب ًا لسبب غير مفهوم ..ولكنه
استمر في تقبيلها برقة وهي تحاول معاندته ومقاومته وتبعده عنها بغضب:
نهى طلبة
فهم اآلن فقط سبب غضبها ..إنها تظن أنه يتودد إليها بسبب حملها..
صحتك ِ
ِ بك ِـ كال أيتها المجنونة الصغيرة ..أنا مهتم ِ
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ِ
طعامك.. ـ ِ
لكنك تعترفين إنه مزعج ..هيا أريدك أن تنهي
FB.com/groups/Book.juice
همت بتناول طعامها ولكن مر بذهنها هاجس أقلقها ,فتوقفت عن األكل وأخذت تفرك يديها
بتوتر ..خائفة ومترددة مما ستطلبه منه ,ولكنها لن تستطيع يجب أن تخبره ..يجب أن...
كان يعلم بالطبع أن الـ ..ها ..هذه تعود إلى نعمات ..وهي طريقة نو ار في اإلشارة إليها
مؤخ اًر ..ولكن طلبها هذا ..مستحيل ..كيف يخفي أم اًر كهذا؟ ..إنه يريد أن يركض في
أب..
فرد ..إنه سيصبح ً
أنحاء البلدة ويخبر أهلها فرداً ً
نهى طلبة
شعرت نو ار بتردده فنهضت لترتكز على ركبتيها وتلف عنقه بذراعيها وهي تتوسله:
ـ أرجوك ..أرجوك يا رؤوف ..ال تخبرها ..وأنا لن أخبر سهير ,بل لن أخبر أمي حتى..
فقط ال تخبرها..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
جدين..
سيصبحان ّ
امتزجت ضحكاتها بدموعها التي عادت لتسيل مرة أخرى وهي تزيد من ضمه لها:
****************************
FB.com/groups/Book.juice
ظل الرنين المنبعث من هاتف منذر يزعج رؤوف الذي يترأس اجتماع يضم معظم رؤساء
األقسام في شركة الجيزاوي ..فالتفت له بحدة:
ـ منذر ..من فضلك ..قم بإغالق هاتفك ..فكما ترى االجتماع هام ..ونحتاج لتركيزك معنا..
غمغم منذر بحرج ..وهم بإغالق هاتفه عندما ارتفع رنينه مرة أخرى ..فخاطبه رؤوف بملل:
241
ـ من األفضل أن ترى من على الهاتف ..ربما كان أم اًر هاماً..
قيد القمر
لمح منذر االسم الذي يضيء به شاشة هاتفه فاحمرت أذناه كمن قبض عليه بالجرم
المشهود بينما تعالت ضحكات قاسم وهو يقول بخبث:
تحرك منذر خارج غرفة االجتماعات وهو يرفع الهاتف ألذنه هامساً:
نهى طلبة
ِ
أخبرك أال تتصلي بي أثناء ساعات العمل!!. ـ ماذا اآلن؟ ..ألم
ـ وماذا أفعل إذا اشتقت لسماع صوتك؟! ..فأنت ال تسمح لي بمحادثتك وأنت في
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
المنزل؟!..
همس بغضب:
ـ كما تحب ..ولكن ما رأيك أن تأتي اليوم لمنزل جدك ,سأنتظرك لنتناول الغذاء سوياً..
صاحت بفرح:
يدري أنه مخطئ ..يدرك أنه يجب أن يتراجع ولكنه ال يستطيع مقاومة نفسه ..فما تمنحه له
وداد من اهتمام وعناية يفتقده بشدة مع سهير ..سهير التي أصبحت تتفنن في االبتعاد
والهروب منه ..وكأن سنين الحب والعشق كانت سراباً أو وهماً تحطم على صخرة الواقع..
زفر بضيق ..وهو يستمع إلى نفسه ..وكأن حبهما قد ضاع وسحق نتيجة صراعات يومية
نهى طلبة
مع الحياة وليس بسبب تعنت سهير وحجبها لمشاعرها وأحاسيسها عنه ..بل لتكتمها لكل ما
تشعر به وما تريد التعبير عنه ..فأصبح ال يدري ماذا يضايقها من تصرفاته وما يسعدها..
هذا إذا كان هناك شيء يسعدها ..فهو ال يجد منها غير الصد والنفور ..حتى لحظاتهما
الحميمة تشعره وكأنها واجب ثقيل على قلبها وكأنه يجبرها على نفسه ..واذا ما أبدى أي
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
اعتراض أو ملحوظة يفاجئ بسيول من الدموع ال يعرف سبباً لها ..أما وداد ..وداد شيء
آخر ..وداد األنوثة والدالل ..هي من تمنحه كل ما يفتقده في زواجه..
أغمض عينيه بألم ..من يخدع ..وداد هي أكبر خطأ ارتكبه في حق نفسه وفي حق
زواجه ..ولكنه كمن وقف على قمة المنحدر وال خيار له إال استكمال الطريق ألسفل فهو
أدمن اإلحساس باالهتمام ..ونظرة الشغف ..والدالل الذي تمنحه له وداد ..تشعره عن حق
بأنه رجل ..وليس حيوان ال يرغب إال بإشباع رغباته كما رددت عليه سهير مرة تلك الجملة
التي صدمته ..ورغم اعتذارها أكثر من مرة ..إال أنه لم يستطع االقتراب منها مرة أخرى..
وعالقتهما تقريباً أصبحت رسمية ..يحاوالن الحفاظ على مظهر زواجهما أمام الجميع..
FB.com/groups/Book.juice
حالة من الجفاف األسري يعيشها منذ شهر كامل ..ولوال وجود وداد التي انتقلت لفيال جده
بعد خروجه من المشفى منذ حوالي شهر ..لفقد عقله من التفكير في حياته وفي زواجه..
243
حرك قدميه بتكاسل ليعود إلى االجتماع حيث قابلته نظرات رؤوف المتفحصة ..وقد بدا
قيد القمر
الرفض في عينيه الغاضبتين ..وابتسامة خبيثة تتعلق على شفتي شقيقه وهو يسأله:
ثم توجه بنظراته إلى منذر الذي أخفض عينيه هرب ًا من مواجهة رؤوف ..ذلك الرؤوف
الجديد الذي أصبح يمتلك بجوار مهاراته التجارية الفذة ,نظرات ثاقبة تكشف دواخل النفس
وكأنه قد اصطبغ بطبائع زوجته الصغيرة التي ترمق منذر بنظرات نارية كلما التقيا ..يشعر
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
أن رؤوف هو ما يمنعها من إطالق لسانها عليه ..فهو بنظرها سبب تعاسة شقيقتها..
انتهى االجتماع بدون أن يفقه منذر شيئاً مما دار به ..وتحرك ليخرج من الغرفة عندما سمره
صوت رؤوف:
ـ منذر ..نصيحة مني ..قلل من زياراتك لفيال جدي ..فالكل الحظ ذلك ..وأنا أعني الكل.
صاح به رؤوف:
FB.com/groups/Book.juice
ـ أنت فقط تهتم من أجل زوجتك الصغيرة ..واال منذ متى تهتم بحياة أي منا!!.
244
أجابه رؤوف من بين أسنانه:
قيد القمر
ـ هل هذا كل ما لديك؟! ..أال تريد نصح أخيك حتى ال يدمر زواجه الذي لم يبدأ بعد ..من
أجل حماقة ..أو نزوة عابرة!!..
ـ ولماذا يدمر زواجه؟ ..وهل دمر زواجك الثاني ,زواجك األول؟ ..على العكس أراك تحيا
نهى طلبة
ـ واال ماذا يا ابن الخال؟ ..هل نسيت من منا األكبر سناً حتى تصيح بي هكذا؟..
زفر رؤوف بضيق ..فقاسم ما يلبث أن يعود إلى تلك النغمة القديمة ..بأنه األكبر سناً ..وأن
ال من رؤوف الذي ال يتميز عنه في شيء إال أنه
إدارة الشركات كانت يجب أن تكون له بد ً
يحمل لقب الجيزاوي ..بعكس قاسم..
ولكن قاسم يتناسى نزواته ومغام ارته الطائشة التي كانت سبباً في إبعاده عن العائلة لفترة
طويلة ..ولم يعد لها إال مؤخ اًر بعدما تزوج ووضح بعض التغير في تصرفاته ,إال أنه ال
FB.com/groups/Book.juice
يتوقف أبداً عن إبداء تلك المالحظات المزعجة برغم أنه موقن إن تسلمه اإلدارة في أي وقت
سيتسبب في خسائر وكوارث مالية هائلة..
245
فالقانون التجاري هو مجال قاسم وما يبرع به حقاً ..ولذلك قرر رؤوف إسناد قسم الشئون
قيد القمر
القانونية له وجعله مسئول عن إبرام العقود ..رغبة من رؤوف في دفن أحقاد الماضي وجمع
اتقاء لشره ..وكل ما يرجوه أال يكون قد أساء اتخاذ القرار..
شمل العائلة ..و ً
ـ أنت ترفل في النعيم منذ سنوات وأخي اًر يكافئك جدي بمكافأة إضافية بزواجك من..
نهى طلبة
قاطعه منذر بصرخة وكأنه يعلم أن أخاه سيزل لسانه بما ال تحمد عقباه:
ـ قاسم ..كفى ..كالكما ُكفا عن ذلك اللغو ..فال أحد له سلطة الحكم على تصرفاتي ..أراكما
الحقاً..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
خرج منذر ب سرعة يلحقه قاسم وكأنه ال يقدر على مواجهة رؤوف بمفرده ..أما رؤوف فزفر
بغضب وهو يضرب طاولة االجتماعات بقبضته:
ـ أنت غبي يا منذر ..غبي ..لم تزد في تعقيد حياتك بدون داعي؟...
تراءت له سهير في آخر زيارة لمنزله بمالمحها الحزينة ..وعيونها الكسيرة ..وشحوب وجهها
الواضح ..والفرحة الضائعة من روحها ..أين تلك الفتاة التي كانت تهيم فرحاً عند شرائها
لفستان الزفاف!!..
وما زاده حنقاً انخراط نو ار في البكاء الشديد بعد ذهاب سهير ..وهي تغمغم بكلمات لم يفهم
FB.com/groups/Book.juice
نصفها ..ولكنها تلخص ذهولها من حالة منذر وسهير ..وامكانية زوال الحب بتلك السرعة
والسهولة ..لقد آلمه قلبه حقاً عندما ظن أن نو ار ممكن أن تتخطى حبه بسهولة ..كانت
لحظة حارقة سببت له أرقاً ٍ
لليال طوال ..ولكن كثرة انفعاالت نو ار وتأثرها بما يحدث حولها
ال مؤقتاً..
ال بأن ذلك كان انفعا ً
نتيجة لحملها وجنون هرموناتها كما أخبره الطبيب طمأنته قلي ً
وأنها باقية على حبه كما يتمنى ..لم يفهم لما يهتم بذلك وهو الذي أفهمها أن ما تشعر به
246
مجرد وهم ..أو افتتان ..ولكنه يشعر بالسعادة بل بالزهو ..ألن تلك الفاتنة السمراء تظن أنها
قيد القمر
أزعجته نوباتها الجنونية من البكاء ..والتي قد يتسبب بها أي شيء من مشهد مؤثر في أحد
األفالم ..إلى خالف مع نعمات على أمر من أمور إدارة المنزل ..وبقدر انزعاجه في
البداية ,بقدر ما ازداد استمتاعه وهو يهدئ نو ار من تلك النوبات وهي تتشبث به وتتعلق
نهى طلبة
بعنقه تطالبه بحل مشاكل الكون أجمع ..لكن ما يقلقه حقاً أنه إلى اآلن لم يخبر نعمات
بحمل نورا ..وال يعلم إلى متى سيكتم الخبر ..فنو ار قاربت على االنتهاء من شهرها الرابع..
ولن يمر كثير من الوقت حتى تظهر معالم حملها بوضوح ..وان كانت لم تعد تغيب عن
عينيه الخبيرة بمعالم جسدها الخالب..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
حاول أن يبعد بأفكاره عن نو ار وجسدها وما تشعله فيه من أحاسيس بالعودة إلى فرحة جده
الطاغية عندما أخبره بأن الحفيد الذي ينتظره من سنين أوشك على الوصول ..حيث
اغرورقت عيني العجوز بالدموع وهو يخبره:
ـ أخي اًر ..يا رؤوف ..اآلن يمكنني أن أموت وقد ارتاح قلبي..
قاطعه رؤوف:
ـ أطال اهلل عمرك يا جدي ..أنت تهتم بمسألة الوريث تلك بشدة..
ـ عندما تصل لعمري ستتفهم أهمية استمرار العائلة ..مبارك لك يا ولدي ..أخي اًر ..ستمتلك
عائلتك الخاصة..
كان رد فعل عمه مماثالً تماماً من حيث الفرحة الطاغية وتهنئته باالبن القادم ..ولكنه زاد
وشدد على اإلهتمام بنورا ..وصحتها وراحتها النفسية ..وقد فهم رؤوف تلميح عمه المبطن
247
بمطالبته بحماية نو ار من إزعاجات نعمات ..بينما كان رد فعل شموس نوبة من البكاء وهي
قيد القمر
تطالب رؤوف بالسماح لنو ار أن تقيم في منزل والدها باقي شهور حملها وهو ما رفضه
رؤوف بشدة ..مخب اًر شموس أن نو ار لن تترك منزلها أبداً وقد أيدته نو ار في موقفه وهي تخبر
أمها بخجل برغبتها في البقاء بجانب زوجها..
تقبلت أمها ذلك على مضض وهي تؤكد على أنها ستصطحبها فو اًر معها إذا ما شعرت بأي
نهى طلبة
إهمال منه في رعايتها ..وهو ما يتفانى فيه منذ علم بحملها ..ليس من أجل طفله القادم
فقط ..ولكن ألنها تستحق كل عناية ورعاية ودالل..
نظر إلى ساعته وهو يلملم أوراقه بسرعة فلقد تأخر اليوم عليها بما فيه الكفاية..
****************************
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
دلف منذر إلى منزله بسرعة ففوجئ بوالدته وسهير جالستين في البهو تتبادالن أطراف
الحديث ..فألقى تحية سريعة وهو يتوجه للدرج الداخلي ..لمح بطرف عينه والدته تلكز
سهير في جنبها لتنهض خلفه..
تحركت سهير خلفه بتثاقل حتى وصلت إلى جناحهما ووجدته يخلع قميصه وقد ظهر صدره
في فستانها الطويل الذي يغطي العضلي أمام عينيها فخفضتهما أرضاً ...نظر إليها
جسدها وتخفي به معالم أنوثتها ببراعة ربما حتى ال تثير رغبته بها ,دفع ذلك بسمة ساخرة
على شفتيه ما لبثت أن تحولت إلى ضحكة مليئة بالم اررة وهو يقول:
FB.com/groups/Book.juice
ـ ال تقلقي ..لن أز ِ
عجك برغباتي الحيوانية اآلن..
أجابته بألم:
ـ منذر ..لقد اعتذرت عشرات المرات عن تلك الغلطة ..لقد كانت زلة لسان ال أكثر..
أجابها بم اررة:
248
ـ زلة لسان تكشف كثير من مكنونات النفس..
قيد القمر
أجابها بتردد:
نهى طلبة
لمح صدمتها وشحوب لونها وهي ترمقه بانكسار ونظرات اللوم تلمع في عينيها جنباً إلى
جنب مع دموعها التي سجنتهم تحت أجفانها وهي تطبقهم للحظات ..ثم تعود لتفتح عينيها
وترسم ابتسامة هادئة:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
استمر يرمقها بم اررة ظاهرة وهو ال يصدق ردة فعلها ..إنها تبارك خيانته ..خطر له
بسخرية..
هل هو عديم القيمة بالنسبة لها إلى هذه الدرجة ..هو متأكد من يقينها بذهابه لرؤية وداد
وليس جده ..أال يستفزها ذلك؟ ..ألن توجه له كلمة لوم أو عتاب؟ ..ألن تصرخ به وتتهمه
بالخيانة وتذهب لتطرد وداد من منزل جدهما؟...
FB.com/groups/Book.juice
كال بالطبع ..إنها تتمسك بدور الزوجة ذات الكبرياء والتي تتعالى على رغبات زوجها
وخيانته ..أين كلمات الحب وقصائد العشق ..وانتظارها بفارغ الصبر لتكون في بيته كما
كانت تخبره!! ..يبدو أنه كان وهماً بالفعل..
249
هز رأسه بيأس وتوجه خارج الجناح ..والتقى في طريقه بوالدته التي رمقته بنظرات نارية
قيد القمر
وهي تراه يتوج ه للخارج ولكنه لم يهتم ..إذا كانت صاحبة الحق الوحيد في محاسبته لم يعنها
األمر ,فماذا يهمه بعد ذلك..
استقل سيارته في طريقه إلى منزل جده ,أو باألحرى إلى وداد ..وهو يتذكر بداية تورطه
معها ..وكان ذلك في اليوم الذي قذفتها به نو ار بكوب الشاي مما تسبب في إحراجها
نهى طلبة
أمامهم ..وقد عاد إليها في مساء ذلك اليوم السترضائها حتى ال ترفض مرافقة جده كما
أوصى الطبيب..
بحررة:
وتحييه ا
ـ مرحباً ..منذر..
ثم تحركت لتسير معه باتجاه الحديقة الخاصة بالمشفى ..حتى وصال إلى ركن منعزل
نسبياً ..فسألته بحياء مصطنع:
أجابها بود:
FB.com/groups/Book.juice
ـ بالطبعِ ..
فأنت ستصبحين واحدة من أفراد المنزل قريباً ..أليس كذلك؟.
ـ ال أظن ذلك ..فيبدو أن زوجتك تكرهني ..لقد تعمدت سكب الشاي الساخن على مالبسي..
أجابها بحرج:
250
ـ أنا آسف جداً لما حدث ..ولكن نو ار ليست زوجتي..
قيد القمر
سألته بفرح:
ـ حق ًا؟..
ـ نعم...
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
سألها باندهاش:
ـ لماذا؟..
حركت أناملها على طول ذراعه وهي تتحسس عضالته البارزة تحت قميصه:
ـ اعتقد أن رجالً مثلك ..يحتاج إلى زوجة دافئة ..حارة ..وليست شقراء باردة..
FB.com/groups/Book.juice
تجمد منذر أمام هجومها الحسي على مشاعره ..فهو العريس الجديد لم يمر أبداً بتلك
التجربة مع عروسه ..محبوبته ..التي يذوب عشقاً وحباً بها ,والتي تتهمه بالحيوانية ..فقط
ألنه يرغب في قربها..
نهى طلبة
وجد نفسه يهيم في عيني وداد البنيتين ويتأمل مالمحها التي تكاد أن تكون عادية بشعرها
البني القصير جداً والذي يصل بالكاد إلى أذنيها وزينة وجهها المبالغ فيها فلم يستطع حتى
تحديد لون بشرتها التي تختفي تحت طبقات من مستحضرات التجميل ..ولكن رغم كل هذا
وجد دفء غريب واهتمام واضح في عينيها التي ظلت ترمقه بنظرات شغوفة ..إلى أن سمع
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
صوتها:
كان يجب عليه نهرها وايقاف ما يحدث ,ولكنه وجد نفسه ينجرف وينجذب نحوها أكثر
وأكثر ..وأصبحت لقاءاته اليومية بها هي بلسم حياته ومكالمتهما التليفونية والتي تزخر
FB.com/groups/Book.juice
بعبارات الغزل المثيرة هي دافعه لالستمرار ,فينتظرها كاألرض المتشققة التي تصبو إلى
قطرة ماء واحدة..
وها هو يتجه إلى لقاء جديد وموعد جديد ..مع من شغلت أفكاره وألهته عن مآساة زواجه...
يرجو فقط أن يجد جده نائماً حتى ال ُيحشر في موقف حرج..
252
وصل بسيارته إلى فناء الفيال حيث وجدها تنتظره أمام البوابة وقد ارتدت فستاناً قصي اًر جداً
قيد القمر
يصل إلى ركبتيها بالكاد ..ويتعلق بجسدها بحمالتين رفيعتين ..وقد ظهرت بشرتها الالمعة
تتحدى الطقس البارد وكأنها ال تشعر به ,فسألها بتعجب:
ـ وداد ..نحن في مدخل المنزل الخارجي ..عملياً نحن في الطريق ..سترصدنا أعين
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
الناس..
تمسكت بيده لتسحبه معها إلى أحد أركان الحديقة والذي تظلله مجموعة من األشجار
فتحجبه عن األعين ..وما أن ارتكزت بظهرها إلى إحدى األشجار حتى سألته:
ـ إلى متى ستعذبني ببعادك يا منذر؟ ..لماذا ال تريحيني من شقائي في بعدك ..أرجوك..
ابقى معي..
FB.com/groups/Book.juice
تدعني أمنحك إياها ..أنا على أتم االستعداد ..فقط لو تسمح لي..
"يا الهي إنها تتوسل وصالي ..ترجوني لتمنحني الراحة ..وزوجتي ..سهير حبيبة عمري
تعتقد أن رغبتي في قربها وتعبيري عن حبي واشتياقي لها هو حيوانية ,بل إنها ال تتحمل
نهى طلبة
حتى رؤيتي ..ولكني مستعد لبذل الغالي والنفيس ألسمع تلك الكلمات بلسان سهير".
أفاق من أفكاره على شفتيها تتحركان على وجهه بهيام وهي تغرقه بكلمات تنم عن احتياجها
له وتداعب خصالت شعره بأناملها وتجذبه لها كأنها تطالبه باالقتراب أكثر ..وهو في ظل
دوامة المشاعر التي تتقاذفه ..لم يدفعها عنه ..ولم يمانع ..لم يمانع على اإلطالق..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
****************************
وقفت نو ار بصعوبة تعد قدح القهوة الذي طلبه منها رؤوف ,فهو أصبح ال يستمتع بالقهوة إال
من صنع يديها ..ولكن منذ بداية حملها ورائحة القهوة تزعجها بشدة..
أخذت تحرك رأسها يمنة ويسرى رغبة منها في استنشاق بعض نسمات الهواء الخالية من
الرائحة المزعجة ولكن بدون جدوى ..فوضعت يدها على فمها وأنفها تحاول حجب الرائحة
النفاذة عنها وكانت على هذا الوضع حين دلف رؤوف إلى المطبخ ليأخذ منها قدح القهوة
خشية منه أن يصيبها الدوار المعتاد وهي تحمله إليه..
FB.com/groups/Book.juice
أحاط خصرها الذي امتأل قليالً بذراعيه وهو يقف خلفها ويسألها:
ِ
وجهك إمارات التعب. ـ ماذا ِ
بك يا نورا؟ ..يبدو على
التفت نو ار لتخفي وجهها في صدره محاولة استنشاق رائحة عطره الذي أصبحت تهواها
مؤخ اًر..
254
ضغطها لوجهها في صدره بتلك الطريقة أثار قلقه ,فهمس بأذنها:
قيد القمر
أجابته بضيق:
حملها بين ذراعيه لينقلها إلى غرفتها ولكنه كان غافالً عن نظرات نعمات التي لمحته وهو
يحملها برقة ..تلك النظرات التي ظهر فيها انكسار وألم شديد ..تعبيرات وجهها أظهرت
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
شعورها الحاد بالهجران واشتياقها لزوجها الذي يزداد ابتعاده عنها شيء فشيء..
غمرها إحساس قوي بالعجز عن استرداده أو حتى استرداد جزء من اهتمامه الذي ينصب
بالكامل هذه األيام على زوجته الجديدة ..السمراء الصغيرة التي تسللت تحت جلده وامتلكت
قلبه وأحرقت قلبها..
نعم هذا ما تشعر به حرقة القلب وانكساره ...لكنها لن تكون ضحية لعائلة الجيزاوي ..تلك
العائلة التي دمرت شبابها وهدمت حياتها ..مرة بالزواج من رجل عقيم تاله زواج آخر من
طفل حولته هي لرجل ..ليحطم قلبها بتفضيله من هي أصغر وأكثر شباباً منها ..وبين
FB.com/groups/Book.juice
الرجلين ضاع شبابها وظلت حياتها جدباء بدون حتى طفل صغير ..يناديها أمي كما
تمنت ..ولكن كما احترق قلبها ..ستحرق قلوبهم جميعاً ..ولن تستثني أحداً ..أبداً!...
255
الفصل الخامس عشر
قيد القمر
أغمضت سهير عينيها بألم وهي جالسة في نافذتها تتأمل الطريق الذي اتخذه منذر منذ قليل
ليذهب إلى جدهما كما أخبرها ..أو إلى تلك الفتاة التي سكنت قصر الجيزاوي بدعوة مراعاة
صاحبه بينما هي تخطط لالستيالء على من تطاله يدها من أحفاده ,فبعد صد رؤوف
الواضح لها حولت اهتمامها إلى منذر الذي تلقى ذلك االهتمام بشغف وتقبله بسعادة...
نهى طلبة
تستطيع سهير تحديد اللحظة الذي بدأ فيها منذر عالقته بتلك الحرباء ..كما تستطيع التأكيد
على أنه لم يتمادى معها بعد ..فهي تفهم منذر جيداً وتحفظ ردود أفعاله كراحة يدها كيف ال
وهو توأم روحها وحبيبها الوحيد ...ولكنها للعجب تمنحه العذر فيما يفعل ..فهي من تدفعه
دفعاً لذلك ,بل هي من منعت عمتها قمر من التدخل ومحادثة منذر ورده عن تصرفاته..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
فهي طالما آمنت أن ما بين الزوجين يجب أن يظل بينهما ..وأن تدخل أي طرف ثالث ولو
بحسن نية سيتسبب بأذى قد ال يمكن احتوائه ..ولكنها أيضاً تدرك وجوب مصارحة منذر
بوضعها وأحاسيسها ,ولكنها ال تضمن ردة فعله ..فما تملكه من تبريرات لسلوكها نحوه قد
يعتبره هو إهانة لرجولته ..وكيانه كرجل وزوج..
ظنت دوماً أن حبهما صلباً كالصخر وثابتاً كالجبال ولكنها تخشى أال يحتمل مواجهة
كتلك ..تعلم أنه خطأها من البداية ..فقلة خبرتها وخجلها منعاها من مصارحته بما ينتابها
وهي بين ذراعيه ..تدرك بتقصيرها نحوه ..وخطأها الذي قد يتسبب في دمار زواجهما..
لذلك هي تسمح له بالتمادي مع تلك الحرباء ربما كتعويض عن حرمانه من مشاعرها
FB.com/groups/Book.juice
واهتمامها ..ولكنها أحياناً تتساءل إن كان ذلك تصرف ماكر منها تركه ليخطأ ويخطأ ثم
تواجهه بما لديها فيتساوى الطرفين في الخطأ..
تدرك أن المواجهة آتية وحتمية ولكنها تخشى ,بل وترتعب من تبعاتها ,هل ستنتهي حياتها
معه تماماً؟ ..أم ترضخ وتقبل بوجود امرأة اخرى في حياته لتمنحه ما تعجز هي منحه
256
إياه؟ ..ولكن هل ستتحمل مشاركته مع أخرى؟ ..ال تعتقد ..هي ليست بقوة نورا ,وال تمتلك
قيد القمر
سعة حيلتها التي مكنتها من السيطرة على قلب وعقل رؤوف الذي أصبح ال يرى غيرها
واألعمى وحده من يتغافل عن ذلك ..ولكن رغم هذا تظل نو ار زوجة لنصف زوج ..وهو
وضع لن تحتمله سهير ولن تطيقه فرغم كل األفكار المنطقية وكل األعذار التي تمنحها
لمنذر فهي تشعر بنيران حارقة تكوي قلبها وتحرق روحها حرقاً لمجرد تخيله برفقة تلك
الفتاة ..فكيف ستتحمل أن يكون زوجاً ألخرى؟!!!...
نهى طلبة
هل تلك الحرقة بداخلها تشبه ما تشعر به نو ار عندما يقضي رؤوف أوقاته مع زوجته
األخرى ..وكيف تتحمل نو ار تلك اآلالم المبرحة وتلك الغيرة الحارقة؟ ..إال أن هاجساً شري اًر
همس لها ,بل نو ار هي الدخيلة ومن تشعر بحرقة القلب وظلم األيام هي نعمات ..الزوجة
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
نفضت رأسها بعنف وهي ترمي عنها تلك األفكار السوداء ..كيف تفكر بهذه الطريقة؟..
وكيف تظن بشقيقتها هذا الظن؟ ..هل فقدت عقلها؟ ..أم أنها تحاول أن ترمي مشاكلها على
من حولها..
بينما تشرد بأفكارها لمحت منذر يدلف من بوابة البيت بسيارته بسرعة كبيرة..
حدثت نفسها..
تنهدت براحة وانتابها شعور خفي باألمان فهو مازال صامداً ..ولكن إلى متى؟!!!.
دلف منذر إلى المنزل وهو يجر قدميه ج اًر ..ال يدري كيف أوقف وداد وسحب نفسه من
بين أحضانها ..ال يستطيع فهم نفسه فهو غير قادر على االبتعاد عنها وفي نفس الوقت ال
يرغب بأن يتطور األمر ويصل إلى مرحلة الالعودة ..مازال يجاهد نفسه محاوالً إيقاف
257
األمر أو حتى تجميده عند حد معين ..فهو لن يتمادى إال في إطار شرعي ,ولكن هل هو
قيد القمر
مستعد لتلك الخطوة وهل يرغب فعالً في اإلقدام عليها؟ ..وهل يستطيع مواجهة العائلة بقرار
كهذا؟ ..واألهم ..هل يمكنه مواجهة سهير؟..
جذبه من لجة أفكاره أصوات عالية آتية من بهو المنزل وما أن اقترب حتى تبين أن قاسم
يتشاحن مع أمهما ..فجائه صوته منفعالً وهو يتهم أمهما كعادته:
نهى طلبة
ـ يكفي يا قاسم ..يكفي يا بني ..أنت تعلم أن هذا ليس صحيحاً ..فجدك ُيعد رؤوف منذ
طفولته حتى يخلفه في كل شيء..
ـ هاه ..وزواجه األول الذي منحه رضا جدي الكامل ..وعطف وشفقة الجميع ..ألم أكن أنا
أولى منه بذلك ..فأنا أكبر األحفاد ,أم تناسيتم ذلك أيضاً؟.
ـ بل أنت من نسيت ..هل تريد فعالً الخوض في ذلك ..تلك األيام السوداء التي أتى فيها
FB.com/groups/Book.juice
أخي عبد الرحمن رحمه اهلل ليخبرني ..أن ابني ..ابني الكبير الذي كنت أعقد عليه كل
آمالي ,اختلس من أموال شركة الجيزاوي ,ولوال سرعة تصرف عبد الرحمن وأبيك وتغطيتهما
للعجز لوصل األمر للشرطة ..هل تظن أن جدك غفل عن ذلك؟..
وتعالى صراخها:
258
ـ هل تظن أنه لم يعلم؟ ..كال يا أكبر األحفاد ..لقد علم وأراد إبالغ الشرطة لوال توسالتي له
قيد القمر
ولوال خالك عبد الرحمن_رحمه اهلل_ لكنت تقبع في زنزانة مظلمة ,واكتفى والدي فقط بطردك
من الشركة وابعادك عن العائلة في ذلك الوقت ..هل تظن أنه كان يثق بك ليأتمنك على
الثروة ,بل وعلى أرملة عمك؟ ..هاه ..أجبني يا أكبر األحفاد؟..
أجابها بصفاقة:
نهى طلبة
ِ
عرضت عليه أمر زواجي من نعمات لكنت أنا ـ أنا أعلم قدرك في قلب جدي ولو ِ
كنت
علي من ِ ِ
من يتحكم في الجميع اآلن؟ ..وال تتعذري بأنك عرضت عليه رؤوف خوفاً ّ
زواجي بتلك العجوز فذلك محض هراء..
بصوت ٍ
باك: ٍ أجابته
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ بل أشفقت عليك من ثقل األمانة يا ولدي ..فأنا أعلم الناس بك ,فأنت قطعة مني ..أنت
أضعف من أن تتحمل تلك األمانة ..كنت ستفرط فيها وتبوء بإثمها وأتحمل أنا معك ذلك
اإلثم ..لقد كان الحمل ثقيل ورؤوف هو الوحيد المؤهل لحمله بدون أن يفرط فيهِ ..حمل
الثروةِ ,
وحمل المرأة التي اقترن بها وحافظ على عشرته معها طوال سنوات رغم فارق السن
بينهما..
أجابها بحقد:
أجابته باستفزاز:
ـ أليس ذلك حقاً من حقوقه؟ ..بعد عشرته لنعمات طوال تلك السنوات التي لم تسفر عن ابن
أو ابنة..
ِ
رفضت التوسط لي عند خالي ليوافق على زواجي منها؟.. أنني أريد نو ار منذ سنوات ..لماذا
صرخت به:
ـ هل أنت مجنون؟ ..كنت قد تزوجت لتوك وكانت أحوالك على وشك التحسن وكان ذلك
بفضل زوجتك ..تلك الفتاة الطيبة التي أصلحت من أحوالك ..فهل كنت تريد مكافأتها
نهى طلبة
بالزواج عليها؟ ..وهل من الممكن أن يوافق خالك أو نو ار على تلك المهزلة؟ ..أفق لنفسك
حتى ال تضيع الحياة التي عدت إليها بمعجزة ..وانسى أي أحالم مجنونة عن نو ار أو رؤوف
أو ثروة جدك ..وأحمد ربك على ما وصلت إليه..
ـ أنساها!! ..بالطبع سوف أفعل ..وهل أملك حالً آخر غير ذلك؟ ..ولكني لن أيأس أبداً..
دخل منذر ليقطع ذلك النقاش الذي أصبح يتكرر بصورة يومية وقطع كالم قاسم بقوله:
ـ إن نو ار تعشق رؤوف ..وهو أحق الناس بها ..فال تفكر بزوجة ابن خالك فهذا تصرف أقل
تنس أن رؤوف تحدى جدي كي يعيدك للشركة مرة أخرى وأخذ
ما يقال عنه أنه دنئ ,وال َ
تلك المخاطرة على مسئوليته الشخصية ,فال ترد له الجميل بتلك التصرفات الرعناء..
ثم أخرج من أحد جيوبه زجاجة عطر صغيرة وأخذ يرش على منذر بكثافة ,بينما منذر يبتعد
عنه قائالً:
ـ أحاول أن أغطي على رائحة العطر النسائي الرخيص الذي ينبعث منك يا أخي الصغير,
حتى ال تهجرك ابنة الخال األخرى.
ـ يا الهي ..ماذا فعلت حتى ابتلي في أوالدي هكذا؟ ..لماذا يا منذر؟ ..لماذا يا ولدي؟.
نهى طلبة
ال:
أجابهما منذر بغضب موجه لنفسه أو ً
صاحت به قمر:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ ماذا تعني ب ـ ال شأن ألحد بحياتك؟ ..هل نسيت أن سهير تكون ابنة أخي؟ ..هل تعتقد
أنني راضية عن تصرفاتك نحوها ..أقسم باهلل لوال توسالتها لكان لي معك شأناً آخر..
ولكني لن أصمت طويالً ..انتبه لنفسك ولزواجك واال سأتدخل أنا ولن ترى سهير مرة أخرى
في حياتك..
رمقها منذر باستخفاف بينما ابتسم قاسم بتشفي وهو يرى دفة الهجوم توجهت نحو منذر بدالً
منه ..وحيا والدته بسرعة وهو ينطلق من المنزل ..بينما اكتفى منذر بالصمت التام ليصعد
إلى جناحه تتابعه نظرات أمه القلقة والخائفة من القادم..
FB.com/groups/Book.juice
دلف منذر إلى جناحه فوجد سهير جالسة على نافذتها تتأمل السماء بشرود ,فحياها بهدوء:
ـ مساء الخير..
ـ مساء الخير ..هل أعد لك الطعام؟ ..أم تناولت طعامك مع جدي كما قلت؟.
261
كانت تخاطبه بلهجة رقيقة وهادئة يظهر فيها أملها جلياً بأن يعود لها منذر الحبيب العاشق,
قيد القمر
فأدرك شعور األمان الذي غمرها عند رؤيته يعود لجناحهما فوجهها المالئكي يعبر عما
تشعر به بوضوح..
أجابته برقة:
ـ بالطبع ..أنا أعد ما تحب من أطعمة دائماً ..حتى ولو لم تأكلها معي..
أدركا كالهما أنهما ال يتحدثان عن الطعام وأن ثمة حديث مبطن وخفي يدور خلف الكلمات
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ سهير لم ولن تعشق إال منذر ..أقسم لك أنني لم أقصد يوماً جرحك أو إيالمك ..أقسم
لك ..أنني تألمت أكثر منك عندما تفوهت بتلك المالحظة الحمقاء ..أنا فقط حمقاء غبية
وتحبك بقوة..
اقترب منها وجذبها نحوه وأخذ يتأمل مالمحها التي يعشقها وهو يمرر أنامله عليها برقة
FB.com/groups/Book.juice
وعينيه تغرق في عينيها المغرورقة بالدموع يتبادالن حديثاً صامتاً ..تعبر عنه نظراته
ودموعها..
"لماذا إذاً؟ ..لماذا؟ ..وهل يمكن أن أكتفي باألقوال التي تناقضها األفعال؟ ..حاولي أكثر..
انقذيني ..انقذينا ..ال تدعي حبنا يموت".
262
كانت نظراته تصرخ بذلك بينما هو صامتاً يتأمل ردها الذي تمثل في دموعها العاجزة
قيد القمر
فاقترب منها بهدوء ليقبل شفتيها برقة أراد بها تطهير نفسه مما أوشك على السقوط فيه منذ
قليل ..مرغ وجهه في عنقها وكأنه يمسح بطهارتها إثم ما كان يقوم به مع وداد ..احتضنها
قريباً من قلبه يريد أن يزيح عن ضميره عبئ الخيانة ..يريدها أن تدفعه كعادتها ..فترفع عن
كاهله ما ينوء به من ذنب ..ولكنها استسلمت لقبلته بخضوع يدفعها شعور خفي للتأكد أنه
مازال منذرها وهي مازالت سيدته الوحيدة...
نهى طلبة
*******************
في الصباح التالي جلس رؤوف بغرفته في شركة الجيزاوي وهو يرتكز بكال مرفقيه على
مكتبه واضعاً وجهه بين كفيه ..وهو غائب عن كل ما يحيط به ..يبدو كمن يحمل هموم
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
العالم فوق كتفيه ..وهذا هو شعوره بالضبط بعدما حدث في الليلة الماضية ..فلم يكن
يتصور في أقسى كوابيسه أن يصدر منه ذلك التصرف ..ال يدري تفسي اًر لما حدث ..وال
يستطيع أن يخترع واحداً لنعمات ..جميع التعويضات واالعتذارات في العالم ال تكفي للتكفير
عما قام به ..فكر بسخرية..
أغمض عينيه بألم وهو يتذكر نظرات نعمات الجريحة والمذهولة ..وهو يفشل ألول مرة منذ
زواجهما الذي تعدى عمره الخمسة عشر عاماً في أداء واجباته الزوجية نحوها ..واألكثر
FB.com/groups/Book.juice
ال لها ..أنها هي من جاءت له في مكتبه تطالبه بتلك الحقوق ..برغم ما قد يسببه
إيالماً وذ ً
لها ذلك من إحراج ومهانة ,إال أنها أتت إليه تنبهه إلى تأخره في زيارة غرفتها وتشدد على
العدل بين الزوجات..
ارتبك وقتها رؤوف من حديثها خاصة وأنها كررته من قبل أكثر من مرة ,ولكنها كانت المرة
األولى التي تطلب منه صراحة منحها حقها الشرعي كزوجة ..انهال سيل من االعتذارات
263
واألعذار على لسانه وهو يحاول استرضائها وتهدئة غضبها وهو يقنعها أنه كان ينوي قضاء
قيد القمر
تلك الليلة في غرفتها ,فهو على أي حال يرغب في الحفاظ على كرامتها وكبريائها أمامه
وهذا على أقل ما يستطيع منحه لها بعد عجزه عن منحها أي مشاعر تتعدى االحترام..
هباء بعد فشله كرجل في منحها حقوقها..
ولكن محاولته تلك ضاعت ً
ساق كمية هائلة من األعذار والتبريرات لنعمات ..وألقى اللوم على االرهاق وتكدس العمل
نهى طلبة
وانشغال باله بالصفقات المتعثرة وتصرفات قاسم المزعجة ..وظلت هي تستمع إليه في
صمت وهي تحبس دموعها حتى ال تسيل أمامه ولم تجبه بشيء ,فقط سحبت الغطاء عليها
لتختفي تحته عن عينيه..
يعلم اهلل كم حاول ..وحاول ..ولكنه ببساطة لم يستطع ..هو لم ينفر منها أو شيء من
هذا ..ولكنه فقط عجز عن االقتراب منها ..حتى إنه عجز عن التظاهر بالحماس الفاتر كما
اعتاد معها مؤخ اًر..
تمرد جسده على أوامر عقله ..وخضع باستسالم كامل ألوامر القلب الذي أخبره أنه ملكاً
لسمراء ذهبية العينين وأبى أن يكون ملكاً المرأة سواها ..وانتهت الليلة بجرح هائل ال يندمل
بقلب نعمات..
FB.com/groups/Book.juice
كم هاله رد فعلها وهي تتكوم على نفسها وتخفي نفسها عن عينيه وهي تنظر له بعينيها
الدامعتين اللتين بعثتا له نظرات اللوم واالتهام والعتاب ثم تخفضهما باستسالم وكأنها تلقت
منه ما تتوقع وما انتظرته منذ زواجه الثاني ,ولكن رغم ذلك لم تدكا أعماقه كما فعلتا عينيها
الذهبيتين وهو يخبرها بأنه سيقضي ليلته في الطابق العلوي ..تلك الدمعات التي تساقطت
على وجنتيها الالمعتين هم ما أعجزوه عن منح نفسه لغيرها..
264
برغم قسوة ما حدث وصدمته به ..إال أن عذابه األكبر هو إخالله بمبدأ العدل بين زوجتيه..
قيد القمر
وهذا ما يجب أن يفكر به بتمعن ..يجب أن يصل إلى حل لتلك المعضلة فهو طالما اعتقد
أن شغفه ومشاعره الغامضة نحو نو ار يعادلها كم هائل من مشاعر الود واالحترام نحو
نعمات ..ولكن بعد ليلة األمس واكتشافه بعجزه عن منح نعمات ما تستحق كزوجة اختلت
كفتي الميزان ..واهتز قانون العدل في نظره ويجب عليه التفكير ملياً كي ال يظلم أي منهما
وعلى األخص نعمات..
نهى طلبة
ال
نعم ..هو يجب أن يهيئ نفسه التخاذ قرار حاسم ..ولكنه يبتهل إلى اهلل أن يكون عاد ً
بقدر ما هو حاسم...
*******************
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
شعرت نعمات وكأنها ذرفت دموعها كلها فلم يتبق لديها المزيد ..تشعر بجفاف في مآقيها ال
يعادله إال جفاف روحها ..جرح عميق سببه لها رؤوف ..جرح ال براء منه ..التصدق
عزوفه عنها أمس وعجزه عن التواصل معها ..وهي من حاولت دفن الحقد في قلبها ومنحه
فرصة أخيرة ليصلح الوضع ويساوي كفتي الميزان ..ويعيد إليها جزء من كبريائها الذي مرغه
في التراب وهو يزداد التصاقاً بابنة عمه في الفترة الماضية ..ابنة عمه التي أصبحت عالمه
ومداره الذي يدور حوله..
رؤوف من كان ال يعترف بالحب وقصص العشق ,سقط بقوة في غرام السمراء الصغيرة..
FB.com/groups/Book.juice
في غرام ابنة العم الشابة ..تلك الفتاة التي سعدت في البداية الختياره لها وظنتها فتاة
متوسطة الجمال وذات لسان سليط سينفر رؤوف على الفور ..ولكن ما حدث هو العكس
فجمال نو ار تفتح وازدهر بزواجها من رؤوف الذي تبين أن لسانها السليط جزء من التعويذة
التي ألقتها عليه ..ليتحول رؤوف إلى رجل آخر ..رجل لم تعد تتعرف عليه ..أو تعرف
طريقاً للتفاهم معه ..تشعر برفضه لتصرفاتها ..وان لزم الصمت ولم يعلق ..كانت تظن أن
265
ذلك من باب الحفاظ على حسن العشرة ..ولكنها تدرك اآلن أن ذلك نوع من الشفقة أو
قيد القمر
العطف على امرأة هو غير قادر على منحها أكثر من االحترام ..وكل ذلك نتيجة لدخول
تلك الفتاة في حياته..
ازداد الغضب والحقد داخل قلب نعمات ..كلما تذكرت تبريراته الواهية لما حدث في الليلة
الماضية ..وهي تدرك كذبها جميعاً ..فهي واثقة إنه ال يعاني من تلك الضغوط مع سمرائه
نهى طلبة
"تلك الساقطة الصغيرة التي سيطرت عليه بجسدها الشاب واستحوذت على كل اهتمامه
ومشاعره ولم تترك لي أي شيء وهذا ما تأكدت منه الليلة الماضية ..ليلة الجرح الدامي لي
كامرأة وزوجة ..ليلة إهانة واذالل أنوثتي على يد زوجي ..نعم أنوثتي ..وهل معنى أنني
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
وصلت لسن الخمسين أن أعتزل الحياة؟ ..أن أتنازل عن كياني وكبريائي كأنثى؟ ..وهل
علي أن أرضى بما ألتقطه من فتات اهتمامه؟ ..وأليس منألنني أكبره في السن فيجب ّ
علي أن أقدم تنازلي عنه وأتقاعد عن الحياة لمجرد بلوغي
حقي التنعم بقربه؟ ..هل يجب ّ
الخمسين؟ ..وأتركه لتلك الفاسقة التي تستغل شبابها لتهيمن عليه وتستعبد حواسه وتبعده
عني ..أنا من علمته كيف يكون رجالً".
عند تلك النقطة شعرت نعمات بالدماء تجري حارة إلى رأسها وفقدت كل منطقها وتعقلها
وهي تتوجه نحو غرفة نو ار تتقافز في مخيلتها مشاهد تجمع بين رؤوف ونو ار وهو يمنحها ما
ضن به عليها هي..
FB.com/groups/Book.juice
اقتحمت نعمات جناح نو ار وهي تدفع الباب بقوة أجفلت نو ار التي كانت جالسة على األريكة
ومندمجة في قراءة أحد الكتب الذي يتكلم عن الحمل ومراحله ,فدست الكتاب خلف إحدى
الوسائد تخفيه عن عيون نعمات وهبت واقفة وهي تصيح بها:
ـ أنا لم اقتحم أي مكان ..أنا في بيتي ومن حقي دخول أي غرفة وقتما شئت وكيفما شئت..
ِ
نسيت ذلك؟ ..أما الذي أريده ..فهو توضيح بعض النقاط التي قد تكون غائبة أم تر ِ
اك
ِ
عنك..
شحب وجه نو ار عند سماعها تلميح نعمات بأنها سيدة المنزل مما يعني أن نو ار ليست بأكثر
نهى طلبة
ِ
جناحك المنعزل يعجبك كالمي؟ ..ألم تدركي ِ
أنك مؤقتة في حياته مثل مكان ِ ـ ماذا!! ..ألم
ِ
بنفسك ِ
جناحك بعيداً جداً عنه حتى تدركي في منزله؟ ..ألم تفهمي أنني اخترت مكان
ِ
مكانتك في أسرتي الصغيرة ..ركن صغير منعزل..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
عندما تفوهت نعمات بتلك الكلمات التي تقصد بها جرح نورا ,أدركت تلك األخيرة ..أنها ال
تعرف كيف أن مكتب رؤوف يرتبط بذلك الجناح عبر الحديقة الداخلية وأدركت كذب كلماتها
التي تتشدق بها فارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيها وهي تخبرها:
شحب وجه نعمات وهي تدرك انكشاف كذبتها ,فسحبتها نو ار أمام النافذة ..لتريها منها مكتب
رؤوف المكشوف أمامها ...فازداد شحوب نعمات بينما نو ار تواصل:
FB.com/groups/Book.juice
ألقت نو ار كلماتها وهي تكتف ذراعيها على صدرها وترمق نعمات باستخفاف لتكمل:
انتهيت من ِ
لغوك المريض ..أرجو أن تخرجي بهدوء.. ِ ـ واآلن ..إن ِ
كنت
267
ازداد غيظ نعمات أمام ثبات نو ار فصاحت بها:
قيد القمر
ِ
نسيت أن زواجكما كان بهدف إنجاب الذرية لعائلة الجيزاوي؟ ..حتى أنك ِ
أنت من ـ يبدو ِ
يرضى كبير العائلة وينال رؤوف منه ما يريد ...من ثروة ونفوذ..
ـ كما كان زواجه مني بالضبط ..أولى محطاته لالستيالء على عقل وثروة العجوز..
نهى طلبة
صعقت نو ار من كلمات نعمات ..ما الذي تقصده تلك العجوز؟ ..هل تظنها فتاة ساذجة
حمقاء فأتت لتتالعب بها وبأفكارها وتشوه صورة رؤوف أمامها ..أال تعرف أنه ابن عمها
قبل أن يكون زوجها ..وهي أكثر الناس دراية برفعة أخالقه ونبل تصرفاته..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ِ
لنفسك؟ ..كيف تفكرين هكذا؟ ..ألم تدركي طبيعة رؤوف وانسانيته ِ
اصمت ..هل تستمعين ـ
ومروءته طوال سنوات زو ِ
اجك منه؟! ..كيف تتطاولين عليه هكذا؟..
ثم وضعت يدها في خصرها وهي تنظر لها نظرة ذات معنى:
FB.com/groups/Book.juice
ـ كل شيء ..ألم أكن زوجة له لخمسة عشر عاماً؟ ..وشهدت تطوره من شاب غرير خجول
إلى رجل األعمال والزوج الناجح ..كم عمر زو ِ
اجك يا صغيرة؟ ..هاه ..خمسة شهور..
جعلوك تفهمين رؤوف وتدركين مميزاته؟ ..تظنين ِ
أنك استوعبتيه وملكتيه بعد ِ خمسة شهور
ِ
نفسك باللحظة التي تكونين فيها أولى اهتماماته ..والمرأة الوحيدة خمسة شهور ..تعشمين
التي يهتم بها ..هذا لن يحدث..
268
كانت نعمات تهمس بكلماتها األخيرة بألم وكأنها تحدث نفسها وتحاول إفاقتها من حلم
قيد القمر
عاشت به لسنوات..
ـ رؤوف ال يهتم سوى برؤوف ..وعائلة الجيزاوي ..وأعمال عائلة الجيزاوي ..وكل ما عدا
ذلك هي كماليات ..واضافات ال معنى لها..
نهى طلبة
وضعت نو ار يديها على أذنيها وهي تحرك رأسها يمنة ويسرة تحاول منع سموم نعمات من
التسلل داخلها وتقاوم البداية المألوفة لنوبة غثيان قوية:
عشت معه و ِ
أنت ِ ِ
اصمت ..كيف تشوهينه بتلك الطريقة؟! ..كيف ِ
اصمت ..يا إلهي.. ـ
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
صرخت نعمات:
بدء من رضا
ال ..كل ما كنت أريده هو طفل ..بينما هو أراد كل شيء آخر ً
ـ ألني أردت طف ً
جده وحتى ابنة عمه الصغيرة ..وأخي اًر نال كل ما أراد ..بينما أنا...
وتعالى صراخها:
ِ
لياليك في الفراش.. ـ أن ـ ـ ـ ــا ..أنا حصلت على زوج طفل ..حولته إلى الرجل الذي يسعد
لينتقل بكليته إلى الفتاة الشابة ذات الجسد الممشوق والمفاتن الظاهرة ..ولكني سأظل دائماً
FB.com/groups/Book.juice
موجودة بداخله حتى ولو بعيداً جداً في أعمق أعماقه ..لن يستطيع أن يتناساني أو يتخطى
أولى ذكرياته كرجل بين ذراعي..
تنظرين إليها باشمئزاز اآلن قد عشتها معه من قبل ,بل أنني من لقنته فنون العشق التي
يغمرك بها..
اتسعت عينا نو ار باشمئزاز وزاد إحساسها بالغثيان وبداية دوار يهاجمها بقوة وتلك الصور
تتوالى أمام عينيها وحاولت جذب يدها من نعمات واحساس الغثيان يزداد بداخلها:
نهى طلبة
ـ نـ ـ ـ ـ ــورا!!!!.
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
التفتت المرأتان معاً لتريا رؤوف واقفاً بباب الجناح وقد شحب وجهه بينما تلتمع عيناه
بنظرات غاضبة بل حارقة ..وقد تغلف جسده بهالة واضحة من الغضب الصارخ الذي يهدد
بحرق كل شيء..
شحب وجه نو ار وهي تظن أنه سمع جملتها األخيرة فقط وخشيت أن يعتقد إنها تهين نعمات
بدون سبب ,وتتطاول عليها متعمدة ..وازداد شعورها بالغثيان والدوار وهي تلمح بريق
االنتصار في عيني نعمات فعلمت أنها ستستغل تلك الفرصة بدناءة فهتفت بضعف:
ولم تستطع إكمال جملتها فقد تهاوت أرضاً وهي تشعر أن الغرفة تميد بها..
سارع رؤوف نحوها ليلتقطها قبل أن يمس جسدها األرض بسنتيمترات بسيطة ..فالتفت
عباءتها الفضفاضة حولها لتظهر بروز بطنها الصغير بوضوح أمام عيني نعمات
المذهولتين وهي تدرك الحقيقة الغائبة عنها ..الحقيقة التي ستقلب جميع موازينها..
التقط منذر هاتفه من على سطح مكتبه بعدما أصدر صوتاً ينبئ بورود رسالة إليه ..أخذ
يتأمله للحظة ..يتمنى أن تكون الرسالة من سهير ..يريد أن يطمئن أن حياتهما من الممكن
أن تتحسن وتتطور لألفضل ,فبعد ليلة أمس وذوبانها بين يديه األمر -الذي فاجئه -عادت
في الصباح لتتقوقع على نفسها وتتجنب النظر في عينيه ,ومواجهة تساؤالته عما حدث
نهى طلبة
تصاعد صوت الهاتف يعلن عن وصول رسالة ثانية ..فأدرك على الفور هوية المرسل,
بالتأكيد وداد..
"آسفة جداً ..ال تغضب مني ..أنا أعتذر منك رغم أنك أنت من أهنتني بهروبك السريع".
ابتسم رغماً عنه وهو يستشعر اهتمامها به ..وفتح الرسالة الثانية والتي كانت تتوسله فيها
للحضور حتى تراه..
ارتفع رنين الهاتف ليعلن عن اتصال منها فرفعه سريعاً إلى أذنه وقبل أن ينبس بأي كلمة
سمع صوتها الالهث يتوسله:
ـ منذر ..أرجوك ..أنا آسفة ال تكن قاسياً هكذا ..لقد أغلقت هاتفك منذ األمس ..ال تحرمني
FB.com/groups/Book.juice
من رؤيتك ..عاقبني بأي شيء غير هذا ..على األقل مر بالسيارة أمام منزل جدك حتى
أراك..
-وهل تعتبر مرور ليلة كاملة بدون أن أسمع صوتك شيئاً بسيط ًا!! ..يا لك من قاسي
القلب..
ِ
سمعت صوتي ..سأغلق الخط اآلن.. -حسن ًا ..ال تغضبي ..لقد
نهى طلبة
صاحت بنزق:
-مـ ـن ـ ـ ــذر!!.
ذكرته صيحتها ..بصيحة مماثلة لمعشوقته وهي تنهره بخجل عندما كان يصارحها بحبه..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
رغم أن اسمه هو ما تردد في كل مرة على لسان كلتا المرأتين ,إال أن الفارق كان رهيب بين
خجل سهير الطبيعي الذي اخترق قلبه وجعله ينتفض بين ضلوعه ..وغنج وداد الوقح الذي
يثير حواسه وغرائزه ..ابتسم لنفسه بسخرية وهو يتساءل في نفسه بعجب:
"وقح؟!!!".
"نعم ..وقح".
FB.com/groups/Book.juice
إنه يدرك أن وداد امرأة وقحة ,إال أنه معجب بهذه الوقاحة ..البد أنه مريض ..أو منحرف
ليعجب بشيء كهذا ..وكلما تعمق في تلك العالقة زاد احتقاره لنفسه..
يجب عليه تحجيم تلك العالقة تمهيداً إلنهائها واال فقد تفعلها أمه وتحرمه من سهير
بالفعل ..وهو ال يستطيع تحمل ذلك ..حتى وهما على تلك الحال من الخالف الغير
272
مفهوم ..ال يريد البعد عنها ..فهو يعيش على أمل أن تتحسن حياته الزوجية ,ووجود وداد
قيد القمر
ِ
أحادثك الحقاً.. -حسناً يا وداد ..صدقاً البد أن أذهب اآلن ..سوف
سارعت بسؤاله:
*******************
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
أراح رؤوف جسد نو ار المتهالك بين ذراعيه برقة على فراشها تحت نظرات نعمات الحارقة
والتي مازالت تحت صدمة اكتشافها لحمل نورا ..وغيظها من حالة اإلغماء التي أصابتها
وأعفتها من غضب رؤوف بعد أن سمع بأذنيه إهانة نعمات على لسانها ..وفوجئت به
يصيح بها وهو يتحرك بسرعة ليلتقط زجاجة عطره ويرش القليل منها أمام أنف نورا:
ِ
غرفتك اآلن.. -نعمات ..اذهبي إلى
صاحت به بغيظ:
FB.com/groups/Book.juice
أعاد رؤوف محاولة إفاقة نو ار بال جدوى ..مما سبب له قلقاً عاصفاً فعاد يصرخ ثانية:
أجابته بحقد:
273
-بل أرى أنها حامل ..إلى متى ظننت أن بإمكانك إخفاء األمر؟..
قيد القمر
تفاجئ رؤوف بإدراك نعمات لحمل نورا ,ولكن أراحه ذلك فهو يريد كشف األوراق كاملة..
فقد أُنهك تماماً وهو يحاول المحافظة على مشاعرها ..بينما هي...
-رؤوف ..أجبني..
نهى طلبة
سألته بغيظ:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
-ألن نتــ....
قاطعها صارخاً:
-اآلن..
*******************
شكر رؤوف الطبيب بعدما طمئنه على صحة نورا ..ولكنه حذره من تعرضها ألي ضغوط
إضافية ألنه الحظ بداية طفيفة الرتفاع في ضغط الدم ,وان سيطر عليها حالياً ,لكنه ال
FB.com/groups/Book.juice
يضمن أال تشكل خطورة على صحتها وصحة الجنين إذا تكرر األمر...
وما أفزع رؤوف أن األمر تكرر وبصورة أقوى من المرة األولى فهي ما أن سمعت تلك
الكلمات حتى دخلت في نوبة بكاء..
274
ال لها وسحبها بين ذراعيه وهو يمسد على شعرها
فاقترب من فراشها بهدوء ليجلس مقاب ً
قيد القمر
بحنان:
-ألم تسمع كلمات الطبيب؟ ..إنه يقول قد توجد خطورة على حياة الجنين..
نهى طلبة
ضمها بقوة:
ِ
يخبرك أن تتوقفي عن االنفعاالت الحادة.. -هششش ..توقفي عن البكاء ..ألم
سألها بتعجب:
-أعلم أنك غاضب ..لقد رأيت وجهك عندما دخلت الغرفة ..ولكني أقسم لك أنني لم أُهنها
أو أتطاول عليها بدون سبب ..إنها هي من..
FB.com/groups/Book.juice
-هشششششِ ..
لست بحاجة للقسم ..لقد سمعت كل شيء.
-كل شيء؟..
275
أومأ بحزن وهو يبتعد بعينيه عن عينيها ويتحرك بعيداً عن الفراش:
قيد القمر
-نعم.
سألته بريبة:
علي؟ ..أم لخوفك على الطفل؟ ..أم ألنك توافق على كلماتها؟...أم..
-لهذا لم تصرخ ّ
نهى طلبة
بعد سماعها جملته عادت دموعها تنهمر بغ ازرة وهي تسترجع كل كلمة قالتها لها نعمات..
وخاصة عن مكانة كال منهما في حياة رؤوف ..فما قالته نعمات صحيح ..إنها ستظل في
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
أعماق رؤوف دائماً ,فنعمات بالفعل هي أول امرأة في حياته وتجمعهما ذكريات مشتركة
عديدة حاولت بشدة عدم التفكير بها وازاحتها من عقلها من قبل حتى تستطيع إكمال حياتها
كزوجة ثانية لرؤوف ,ولكن كلمات نعمات أيقظت عقلها من سباته وبدأ يصور لها شريط
من صور متوالية لرؤوف ونعمات معاً وكلما توالت الصور في عقلها كلما تعالت شهقاتها
وتحولت إلى هيستريا حقيقية أفزعت رؤوف بشدة فهي عادت تجهش في البكاء وهو غير
قادر على إيقافها أو ادراك سبب انفجارها مرة ثانية وأخذت تردد من بين شهقاتها:
شعرت في لحظة أن كل ما تحاوله معه هي محاوالت هشة وعقيمة ولن تثمر أبداً ,فهو لن
يدرك عمق حبها أبداً ..ولن تصل معه إلى نقطة تفاهم حتى وليس حب متبادل أو مشاعر
عميقة كالتي تجمعه بنعمات ..فهو استمع إلهانات نعمات لها ولم يحاول التدخل لحمايتها
وايقاف نعمات..
نهضت من الفراش لتواجهه وأخذت تردد بذهول وهي تشير إليه بسبابتها:
276
-أنـ..ت سمـ..عت ..سمعت كلماتها الحـقيرة لي ..واهانتها المتعمدة ولم تتدخل لتمنعها..
قيد القمر
كيف؟ ..كيف؟ ..هل أنا ال شيء بالنسبة لك حتى تتركها تجرحني هكذا؟..
صاحت بغيظ:
نهى طلبة
صرخ بغضب:
ِ
عقلك.. ِ
هرموناتك المجنونة تتحكم في -يا إلهي!! ..ما هذا الجنون!! ..ال تدعي
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
اقترب منها ليبعد يديها عن بطنها وهو يحاول منعها من أذية نفسها:
ِ
نفسك.. -اهدئي أيتها المجنونة ..اهدئي ..ستؤذين
FB.com/groups/Book.juice
حاول تهدئتها بال فائدة ..وظلت تردد"..أريد أمي" ..بال انقطاع ..وأخي اًر رضخ لطلبها هامساً
في أذنها بحرقة:
277
ِ
سمعت؟ ..لن لك ِ
بأمك ,ولكن لن تخرجي من هذا المنزل يا قمر ,هل -حسناً سآتي ِ
قيد القمر
*******************
صعدت نعمات إلى غرفتها بعدما خرجت كالعاصفة من الغرفة التي دخلتها لتنتقم من رؤوف
نهى طلبة
في شخص زوجته الصغيرة وتحاول خلخلة ثقتها فيه وتحطم حبها له وخرجت وقد تلقت
ضي األمر إذاً ..فهي على الرغم
هزيمة أقوى من هزيمة البارحة ..فالصغيرة حامل ..لقد قُ ّ
من كل التحاليل التي تثبت سالمة رؤوف وقدرته على اإلنجاب ,إال أن أمالً خفياً كان
يداعبها بأن ال تحمل الصغيرة ,وأن يكون رؤوف كعمه غير قاد اًر على اإلنجاب ,ومع مرور
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
كم تخيلت مشاهد عتابها ومسامحتها له وكيف سيعودان لحياتهما القديمة قبل دخول نو ار
فيحرم هو من وجود ابن له كما حرمت هي ..ويزداد
إليها ويطويان صفحة اإلنجاب تماماً ُ
تقاربهما فوجعهما سيكون واحد ,ولكن مرة أخرى تهزمها الصغيرة وتثبت أنها األحق برؤوف,
بل إنها تلك المرة ختمت على صفقة زواجهما بختم أبدي وحملت طفله ..وريث الجيزاوي..
FB.com/groups/Book.juice
*******************
ما أن رأت نو ار والدتها حتى ارتمت بين أحضانها وهي تجهش بالبكاء ..تحت نظرات رؤوف
المذهولة ونظرات والدها القلقة ...همست شموس لها بفزع:
278
ِ
صحتك من رؤوف ..ما سبب تلك الدموع؟.. -ماذا ِ
بك يا نورا؟ ..لقد اطمأنيت على
قيد القمر
معك ِ
أنت وأبي.. -أمي أريد الذهاب من هنا ..سأذهب ِ
أخذت ترمقه والدموع تتساقط من عينيها وهي تتذكر كالمه لها قبل وصول والديها عندما
ضمها بشدة لصدره وهو يهمس لها أنه لن يسمح بابتعادها عنه وعليها أال تفكر في ترك
المنزل..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
أفاقت على حركة والدتها وهي تمسك ذقنها بأصابعها لتحرك وجهها وتقطع النظرات
المتبادلة بينها وبين رؤوف:
-ألم أحذرك من قبل ..بأنني سوف آخذها من هنا في اللحظة التي تهملها فيها..
-هل هذه العناية التي توليها إياها كما تعهدت لي؟ ..هاه ..أجبني..
مسحت نو ار دموعها بظهر يدها بحركة طفولية خفق لها قلب رؤف..
279
"يا إلهي ..البد أنني سأجن".
قيد القمر
همس لنفسه بقهر بينما لزمت نو ار الصمت ولم تجب على سؤال والدها الذي أعاد سؤاله مرة
أخرى على رؤوف فصمت هو اآلخر وهو يكتف ذراعيه على صدره ويتأمل نو ار بنظرات
غاضبة أعادت الدموع إلى عينيها مرة أخرى ,فمسح وجهه بكفيه بتعب وهو يهمس:
برقت عيني شموس بنظرة إشفاق على رؤوف أخفتها سريعاً وهي تتوجه إليه بالكالم:
-يبدو أن الحمل أثر على أعصاب نورا ,فلتدعها تأتي معنا ..ترتاح ليومين ..وستعود بعد
ذلك وقد هدأت قليالً..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
-عفواً يا خالتي ..نو ار لن تترك منزلها ..ولكني أقترح ..بعد إذن عمي بالطبع ..أن تبقي
معها لفترة حتى تهدأ أعصابها ..و..
قاطعته نو ار بعصبية:
ِ
شرطك األول إلتمام الزواج؟. ِ
طلبك منزل خاص ,وكان هذا -بل هو منز ِ
لك ,ألم يكن
أخبرته بشراسة:
-نعم ..ولكني لم أطلب أن يضم المنزل زوجتك القديسة أيضاً ..لقد خدعتني..
تحرك رؤوف بسرعة وجذبها من ذراعها بحركة عنيفة جفلت لها شموس وتحركت لتمنعه
ولكن عبد السالم أوقفها في حين صرخ رؤوف:
نهى طلبة
لك ..ما حدث بعد ذلك كان بدون قصد ..ولكن هذا منز ِ
لك.. طلبك ..أقسم ِ
ِ -لقد نفذت
ِ
ملكك يا نو ار.. ِ
بيتك ..إنه
رد أبيها:
ِ
باسمك في اليوم التالي لزيارته لنا.. -يقصد ِ
أنك تمتلكين ذلك المنزل ,لقد سجله رؤوف
رددت بذهول:
ِ
أعصابك متعبة بسببي, ِ
باسمك واألوراق مع عمي ..واذا كانت -نعم ..إن البيت ُسجل
فسأترك أنا المنزلِ ..
لكنك لن تتركيه أبداً..
السالم ..وربضت خارج باب جناح نو ار تحاول معرفة ماذا يحدث ..وهي تأمل أن يكون
الطبيب أخبرهم بموت الجنين أو أنها فقدته أو ما شابه ..لكنها صعقت بخبر ملكية نو ار
للمنزل وغمغمت بأسى:
ولم تكد تتم جملتها حتى سمعت صراخ رؤوف بأن نو ار لن تترك المنزل واستعداده هو لتركه
حتى تستريح وتهدأ أعصابها ..فلم تتمالك نفسها واقتحمت الجناح للمرة الثانية في ذلك اليوم
وهي تصيح بغضب:
التفت رؤوف لها بينما أخفت نو ار نفسها خلفه وهي تحمي بطنها بإحدى يديها وتتمسك بكتف
رؤوف باليد األخرى مما منحه شعو اًر عارماً بالراحة والحماية فهي احتمت به هو رغم وجود
والديها حولها وصاح في نعمات بغضب بارد يحاول التحكم فيه:
تنهد رؤوف بتعب ..والتفت إلى نو ار والتي ما زالت متمسكة بكتفه من الخلف ..واستدار
ليواجهها وهو يأخذ وجهها بين كفيه هامساً:
282
علي ِ
ال ..لكني اآلن يجب ّ
أرجوك ..عديني أال تتركي المنزل ..عديني أن نتحدث أو ً -نورا..
قيد القمر
همس بتعب وهو يضع جبهته فوق جبهتها متناسياً الجمهور الذي يراقبه:
نهى طلبة
ِ
استحلفك باهلل يا نورا ..أن تعديني أال تتركي البيت ,ليس قبل أن نتحدث على -يا الهي..
أي حال..
-أعدك..
-شك اًر ِ
لك..
-تفضلي ..لنذهب إلى غرفة المكتب ..فهناك بعض األمور التي يجب توضيحها..
*******************
283
الفصل السابع عشر
قيد القمر
ما أن خرج رؤوف برفقة نعمات من الغرفة حتى توجهت نو ار إلى خزانة مالبسها محاولة
اخراج ثيابها ..بينما تبادل والديها نظرات حائرة ..وارتفع صوت شموس تسأل ابنتها:
أجابتها نو ار بغيظ:
نهى طلبة
سألتها شموس ببرود بعدما تبادلت نظرة ذات مغزى مع عبد السالم:
-لماذا؟..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
صاحت نو ار بغضب:
ِ
لزوجك أال تتركي البيت؟ ..وحتى بدون الوعد يا نور القمر ,منذ متى -ألم تعطي وعداً
تترك بنات الجيزاوي بيوت أزواجهن؟..
صرخت نو ار بغيظ:
ِ
بوعدك الدك ,واذا ِ
كنت ال تنوين االلتزام فأنت تحدثين و ِ
-نور القمر! ..انتبهي للسانكِ ..
لم تعرف نو ار بم تجب والدها ..فهي غير قادرة على المكوث في بيته لحظة واحدة وخاصة
بعد إدراكها أنها كانت تعيش كضيفة في بيتها ..وأن نعمات كانت تمارس دور سيدة المنزل
نهى طلبة
بكل صلف وغرور ..و ...هي اآلن مع رؤوف ..معه وحدهما ..في غرفة المكتب..
تحركت بسرعة لتزيح الستائر وتكشف النافذة لتفاجئ بأن نافذته مغلقة..
هم والدها بالصياح بها مرة أخرى إال أن شموس أشارت له وتولت هي سؤالها تلك المرة
وهي تتجه نحو الخزانة مدعية أنها تساعدها في جمع مالبسها التي بعثرتها ولكنها في الواقع
كانت تعيد ترتيبها وتعيدها إلى الخزانة مرة أخرى:
-هل تريدين ترك المنزل لألبد؟ ..أم لفترة مؤقتة؟ ..أخبريني حتى أعد ِ
لك ما يكفي من
الثياب؟..
ِ
أشيائك؟.. -هل ستكتفين بالثياب أم ستجمعين كل
أجابتها نو ار بتحدي:
-اجمعي كل شيء..
ِ
لك حقوق ولن..
صرخت نورا:
-أمي!! ..أي تفاهم؟ ..وأي حقوق تلك؟ ..لماذا تتحدثين وكأنني أريد..
-نعم يا نور القمر ..ماذا تريدين؟ ..ماذا حدث اآلن لتهدمي المعبد فوق رؤوس الجميع..
ِ
تحملت بصبر أثار تعجبي واعجابي معاً.. لقد مر بكما الكثير ومع ذلك
سألتها نو ار مشدوهة:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
-أمي ..كيف..؟..
قاطعتها شموس بعدما أشارت لعبد السالم فترك الغرفة لتستطيع األم التفاهم مع ابنتها:
ِ
يجرك خلفه عرفت؟ ..ألنني ِ
أمك؟ ..أم أن هذه إجابة ال تكفي؟ ..ألنني كنت أراه ِ -كيف
أنت ِ
كنت عينيك نظرة عاشقة وراضية ..و ِ
ِ في كل مكان وفي عينيه تلك النظرة الجامدة ,وفي
كأنك ِ
كنت تريدين إثبات شيئاً ما ..فماذا مستسلمة وخاضعة لم تعترضي على ذلك ,بل ِ
ِ
نفسيتك؟.. حدث اليوم ليثير ذلك االنقالب الخطير في
لها عدم جدوى ما تقوم به وما تحاول إيصاله له من مشاعر ..فهو حتى لم يدافع عنها
عندما سمع تهجمات نعمات بأذنيه ,فكيف تستطيع البقاء معه وهو ال يحترمها ..ولكن رغم
كل غضبها منه لم تستطع أن تشوه صورته أمام والدتها التي أبعدتها عن صدرها وهي
تسألها:
نهى طلبة
غمغمت نو ار بحرج:
-أنا..
لك رغب ِ
تك. أردت تركه سأنفذ ِ
أنت ستبقين حتى تتحدثي مع زوجك ..وبعد ذلك إذا ِ
ِ -
أومأت نو ار موافقة أمها فهي ال تريد ترك رؤوف ..وهل جنت لتترك رؤوفها الجديد ..إنها
FB.com/groups/Book.juice
*******************
ما أن وطأت نعمات بقدمها غرفة مكتب رؤوف حتى تحركت نحو نافذته تشير نحوها
بسخرية:
287
-لهذا كنت تقضي كل أوقاتك في مكتبك؟ بجانب النافذة..
قيد القمر
تجاهلها رؤوف وهو يغلق النافذة ويلف ليجلس على كرسي مكتبه ويتأملها للحظات طويلة
وأجابها أخي اًر:
ِ
فضلك.. -نعمات ..اجلسي من
صرخت بغضب:
-مبالغ فيها!! ..أال ترى أنك أخطأت في حقي ..ليس مرة واحدة ,بل ثالث مرات..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
-أوالً ..أخفيت عني خبر حمل زوجتك ..وثانياً ..اكتشفت أن المنزل الذي أقيم به ملك
لضرتي ..وأنا من كنت أظن أنني ملكته المتوجة ..و..
قاطعها رؤوف:
ِ
رفضت اإلقامة به مخبرة إياي كنت ملكة متوجة في منز ِ
لك األول ..ذلك المنزل الذي -لقد ِ
لك منز ِ
لك الخاص ..كما أعددت أعد ِ
بكل قسوة ..أنه حان الوقت ألنتقل من منزل عمي و ُ
FB.com/groups/Book.juice
ِ
كلماتك؟.. ِ
نسيت واحد لعروسي الجديدة ..هل
ظنت أنني خدعتها ,واحتملت أن أظهر في مظهر الرجل الوغد حتى ال تقوم حرب في ذلك
أنت ترفضين رؤية األرض التي سيقام عليها منز ِ
لك ..فأين أخطأت في المنزل ..والى اآلن ِ
ِ
حقك؟..
أجابته بغضب:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
أجابها ببرود:
فوجئت نعمات بكمية البرود التي يتعامل بها ..إنه يعاملها كموظف لديه ,فقالت بغيظ:
-وخبر حملها؟..
ِ
سأخبرك في الوقت المناسب.. -كنت
كانت تريد أن تصرخ به وليلة أمس ..واهدار كرامتي وبعثرة كبريائي في الوحل ..ولكنها بدالً
من ذلك قالت بغضب:
ِ
غفلت عن تعليم الزوج الطفل الذي لقنتيه فنون العشق ,كيفية الدفاع عن كرامة -يبدو ِ
أنك
زوجته..
تراجعت نعمات خطوتين للخلف وقد شحب وجهها بعد إدراكها لسماعه حوارها مع نو ار
بالكامل ,بينما تحرك هو من خلف مكتبه ليتقدم نحوها هامساً بقسوة:
نهى طلبة
غمغمت بضعف:
-رؤوف ..أنا..
عاد لمقاطعتها:
ِ
تهجمك على نورا.. -أنا من سيتحدث ..أنا لن أدخل في لغو النساء ..فكالنا يعلم سبب
وأنا اعتذرت عن ما حدث ليلة امس ,ولكن لن أدع نو ار تدفع ثمنه ..ما أريد معرفته حقاً..
هل تظنين أن زواجي ِ
منك كان خطوة لتحقيق طموحاتي؟ ..هل تظنين أنني ذلك الرجل
االنتهازي الذي ال يعبأ بشيء إال تحقيق طموحه واالستيالء على ثروة جده على حساب كل
FB.com/groups/Book.juice
شيء؟..
واجهته بقوة:
-هل تريد إخباري أنك تزوجتني ألنك أحببتني؟ ..أنت تزوجتني لتنفيذ أوامر جدك..
هز رأسه:
سألته بألم:
-وهي ..هل..
قاطعها بهدوء:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
همست:
أوقفها بإشارة من يده ..فبعد سماعه لكلمة الحب على لسان نورا ..بل من قلبها الصادق لم
يستطع ترك نعمات تشوه الكلمة بإدعائها حبه ..ليس بعدما تغلغت داخله بنبرتها الدافئة
الصادقة..
FB.com/groups/Book.juice
ِ
أشكرك على الطيب منها ..وآسف إذا كنت -كال يا نعمات ..قد تحملين لي مشاعر عدة..
ِ
داخلك ..لكن أي منها ليس الحب ..فما تعلمته مؤخ اًر.. السبب في وجود أي مشاعر سيئة
أن الحبيب ال يلوث سيرة من يحب حتى بالكلمات ..ال يقلل من قيمته ..أو يشوه سمعته..
فال داعي لترديد كلمة ..تحمل مشاعر ساميةِ ..
لكنك تطلقينها في وجهي اآلن بغرض
علي مرة أخرى..
الضغط ّ
291
رفعت نعمات رأسها بكبرياء:
قيد القمر
-واآلن؟..
أجابها بهدوء:
-اآلن ..أعتقد أنه من األفضل ..أن تذهبي إلى قصر الجيزاوي ..حتى يتم تنظيف..
منز ِ
لك القديم ..أقصد منزل عمي..
نهى طلبة
سألته بألم:
أجابها بواقعية:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
تحركت نعمات لتخرج من المكتب بكبرياء وأغلقت الباب خلفها ..وتركته غارقاً في أفكاره..
FB.com/groups/Book.juice
يتعجب من نفسه وكيف استطاع التحكم في غضبه وخيبة أمله بتلك الطريقة ..كاد أن
يواجهها أكثر من مرة أنها كما أضاعت عمرها مثلما تظن معه بدون طفل ,هو أيضاً فقد
خمسة عشر عاماً من حياته بدون أن يعيشهم فعالً ..واآلن تعصف به تلك السنوات بما
تحمله من العديد من المشاعر التي لم يعرفها إال مع نورا ..ولكنه لم يرد أن تكون
292
مواجهتهما األخيرة جارحة ومؤذية لهما على السواء ..فكتم مشاعره بداخله وأغلق عليها وهذا
قيد القمر
ما تعلمه من رؤوف القديم ..أم أنه اعتاد إظهار انفعاالته أمام نو ار فقط..
هل يختزن ألمه حتى تريحه هي بابتسامتها الدافئة؟ ..وروحها المرحة وأحضانها الحانية؟..
هل آن أوان اعترافه؟ ..على األقل أمام نفسه ..أنه ال يحبها فقط ,بل يعشقها ..فأذناه لم
تحتمال سماع كلمات الحب من امرأة سواها ..ولم يعد يستطيع إنكار ما يشعر به نحوها,
نهى طلبة
حتى وان برر لنفسه تغير معاملته لنو ار وتحول قسوته السابقة عليها إلى شغف وحنان
جارف بسبب حملها ورغبته في توفير مناخ هادئ حولها حتى ال يتأثر الطفل القادم ,ولكن
تلك ستكون كذبة كبرى ...فمعرفته بخبر حملها كانت إشراقة شمس حبه لها ..ليس بسبب
الحمل ولكن إلدراكه أن ما يجيش به صدره من مشاعر لم يتأثر بمعرفته للخبر ,بل لو
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
زادت مشاعره أكثر من ذلك ألنفجر قلبه حباً وعشقاً لها ..إنه فقط غير قادر على التصريح
بهذا ..فهو لم يعرف بعد كيفية التعبير عما يشعر به في كلمات بليغة..
*******************
دخل رؤوف إلى جناح نو ار التي وجدها راقدة على األريكة بين أحضان والدتها التي تملس
على شعرها برقة وكأنها تمنحها دعمها وحنانها في نفس الوقت ..تعلقت عينيه بعيني نورا,
فوجد آثار الدموع مازالت ظاهرة عليها ..استمر تبادل النظرات بينهما لفترة ألقى بعدها
التحية عليهما بهدوء:
FB.com/groups/Book.juice
-مساء الخير..
ردت شموس تحيته بخفوت بينما ظلت نو ار ترمقه بنظراتها وهو يتحرك في الغرفة بتململ
فهو ال يعلم ماذا يدور برأسها من أفكار ..الحظ اختفاء عمه ولكن خالته شموس مازالت
متواجدة ..فهل معنى ذلك أنها مازالت مصرة على ترك المنزل ..ارتسمت حيرته في عينيه
وهو يسأل شموس:
293
-هل ذهب عمي؟..
قيد القمر
-كال أعتقد أنه في الحديقة ..سأذهب ألرى إذا كان يحتاج لشيء..
وتركتهما معاً في الغرفة بعدما أطلقت نظرة تحذيرية نحو نورا ..كأنها تحذرها أال تطاوع
جنونها وتهد المعبد ...وتهدم كل شيء..
بعد أن خرجت شموس تحرك رؤوف نحو نو ار ليركع على ركبة واحدة أمامها ويهمس برقة:
نهى طلبة
-آسف..
هزتها الرقة التي تغلف نبرته كعادته كلما حادثها بتلك الطريقة ...سحب يدها ليطبع قبلة
رقيقة عليها ويهمس مرة أخرى:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
-آسف..
ثم قلب يدها ليطبع قبلة ثالثة في باطن يدها ويعود لهمسه:
ِ
دموعك.. -آسف ..آسف ..ألنني سببت ِ
لك الحزن وتسببت في نزول
أجابها بإيماءة من رأسه ..ثم مد أنامله ليرفع ذقنها ويواجه عينيها متسائالً:
294
-هل ماز ِ
لت مصرة على ترك المنزل؟..
قيد القمر
ِ
احتويت هواجسي وأشباحي ..وأنني رددت ذلك آلمتك كثي اًر ,و ِ
أنك تفهمتني و ِ -أدري أنني
لك ..فهل أطمع بقليل من التفهم ِ
منك اآلن.. بمزيد من األلم ِ
ازدادت دموعها انهما اًر وهي تتذكر ما مرت به معه فنزل على ركبتيه معاً ليستطيع ضمها
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
قاطعها بحنان:
ِ
وقلبت ورقتك ..وأر ِ
بكت سنواتي الخمسة والثالثون.. ِ ِ
بحنانك بت ِ
أنت أكثر وأغرقتني -واقتر ِ
ونظر في عينيها:
FB.com/groups/Book.juice
-وماز ِ
لت تفعلين..
لم يجاوبه سوى دموعها التي مازالت تنهمر ..يدرك أنها قدمت كل ما لديها واآلن تنتظر منه
ما يقابل عطائها له ..وهو يحاول جاهداً ..ولكن يبدو أنه لم يحقق أي نجاح ..فقرر تفسير
األمور العالقة أوالً ..على األقل حتى تهدأ قليالً وتتوقف عن البكاء وبدأ بأمر المنزل:
295
ال خاص بها أيضاً ..ولم يكن ِ
إخبارك بأمر المنزل ..فهي طلبت منز ً -نورا ..أنا لم أستطع
قيد القمر
ِ
ملكيتك لهذا المنزل قبل أن أخصص لها منزلها ..تلك كانت من العدل أن أعلن عن
قناعاتي ..ولم أرغب يوماً في تعر ِ
يضك لألذى..
لم تعرف كيف تعارضه وهو يحدثها بمنطقه هذا ,لكنها لم تستسلم:
-إن أبي كان على علم بأمر المنزل ..أخبرته ولم تخبرني.
نهى طلبة
أدركت أنها ال تستطيع هزيمة منطقه فيما يختص بأمر المنزل ..والذي حسم اآلن بخروج
نعمات منه ..لألبد ..فعادت تهاجمه حول ما يؤرقها بالفعل:
صمت رؤوف قليالً ثم تحرك مبتعداً عنها لينهض على قدميه ويتجه نحو النافذة يتأمل
الفراغ بشرود ثم التفت إليها قائالً:
-نورا ..كوني منصفة لقد كانت اإلهانات كلها موجهة لشخصي ..هي فقط قررت
علي ..وأنا آسف لذلك فأنا أعلم كم كانت كلماتها مؤلمة وجارحة.. ِ
استخدامك في الهجوم ّ
FB.com/groups/Book.juice
لقد أردت إيقافها عن مهاجمتك ..صدقاً ..أردت التدخل ..ولكني عجزت قدمي عن الحركة
أمام كمية اإلهانات واالتهامات التي كانت تلقيها على رأسي..
شعرت نو ار بمقدار األلم الذي يقطر من حروفه ..يا الهي إنه يتألم بشدة ..ألول مرة تلحظ
األلم الحزين في عينيه منذ دخل الغرفة وهي من فسرت نظراته على أنها غضب ..ولكنه لم
296
يكن غاضباً ..كان مصدوماً ومتألماً ..وهي غير قادرة على تقديم الراحة له ..كيف يمكنها
قيد القمر
ضحك بم اررة:
نهى طلبة
أمسك كتفيها بيديه وهو يريح جبهته فوق جبهتها ..وهو يهمس بحرقة:
-أتعلمين ..ربما استغرق األمر خمسة عشر عام ًا من الزواج ألصبح ذلك الزوج الذي كانت
FB.com/groups/Book.juice
تتشدق بأنها من ساهمت في إيجاده ..ولكن ..بفضل امرأة استثنائية تحول ذلك الزوج إلى
رج ٌل عاشق ..وذلك ما حدث فقط في خمسة شهور..
صمت تام بعد اعترافه ذاك ..هل هو اعتراف بالفعل؟ ..ماذا يعني؟ ..هل هو عاشق
ٌ ساد
ال من تلك الكلمات المراوغة؟ ..ارتسمت حيرتها
لها؟ ..لماذا ال يصارحها بكلمات واضحة بد ً
في عينيها وهي ترفعهما إليه ..فأجابها بهمس:
297
-رفقاً بـ ــرجل مازال يتحسس طريقه في عالم المشاعر وأبجديات الغرام..
قيد القمر
-يا إلهي...
كان جوابه عليها قبلة رقيقة على شفتيها وهو يقربها من صدره بقوة ويرفعها بين ذراعيه
ليعمق قبلته أكثر ..وأكثر ..وهي تبادله قبلته التي شعرت بها مختلفة عن كل قبالتهما
نهى طلبة
شعرت به يضعها برفق على فراشها وهو مستمر في تقبيلها على شفتيها ووجنتيها وجفونها
وهي مستسلمة تماماً له ..ذائبة فيه وهو يبثها مشاعر مختلفة عن كل ما جمعهما من قبل..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
طرقات خفيفة على الباب أبعدته عنها ..وطرق مسامعهما صوت شموس:
-نورا!!!..
غطت نو ار وجهها بكفيها وهي تعتدل جالسة في الفراش محاولة تغطية ما كشفه رؤوف من
جسدها وهي تقول بذهول:
همس باستمتاع وهو يلمس شفتيها المتورمة والتي تظهر بوضوح ما كان يفعله بها:
FB.com/groups/Book.juice
تقول بحرج:
تحرك رؤوف بسرعة وهو يغلق آخر أزرار قميصه ..وهمس لها:
ابتسمت له برقة وهي تسوي من هندامها فتحرك هو ليفتح الباب لشموس التي الحظت
مظهره المرتبك والغير مرتب وعلى الفور أدركت أن ابنتها تعقلت وأن حياتها ستستقر أخي اًر..
خاصة بعدما لمحت الخدم ينزلون عدة حقائب خاصة بنعمات..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
طبعه..
رمقتها أمها بإعجاب وفي داخلها تتساءل لماذا ال تملك سهير بعض من ذكاء وقوة نورا ..أو
هي تمتلكهما ولكنها تخشى استخدامهما...
ِ
أسعدك يا بنيتي.. -بارك اهلل ِ
لك يا نو ار و
ما أن ابتعدت شموس عن ابنتها حتى اقتربت نعمات بهدوء من وقفتهم وهي تخبر رؤوف
ببرود:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ِ
سأصطحبك إلى هناك. -حسناً..
-ال داعي ..لقد اتصلت بعمي عبد الرؤوف وأرسل لي السيارة لتصطحبني بالفعل..
فوجئ رؤوف بحركتها تلك ..ولكن بعدما سمعه منها اليوم لم يعد يستبعد أي شيء ..حتى
ما قامت به اآلن لتظهره كالنذل الذي ألقى بها في الطريق ..هز رأسه بعجب ..وأظهرت
نظراته لها أنه بات يفهم تصرفاتها تماماً ..وأجابها ببرود مماثل:
FB.com/groups/Book.juice
منحته نظرة أخيرة ..ثم تحركت لتخرج من البيت تحت نظرات شموس التي تنهدت براحة
بينما أمسكت نو ار بكف رؤوف في مؤازرة خفية ..فالتفت إليها وأحاط كتفيها بذراعه في
300
اللحظة التي دخل والدها إلى المنزل ورأى نو ار محاطة بحماية زوجها فتبادل نظرات الراحة
قيد القمر
غادرت شموس مع عبد السالم بعد أن تبادل بعض الكلمات مع رؤوف وفهم ما حدث تقريباً
مع نعمات وطمئن رؤوف بأنه سيحاول شرح الوضع لكبير العائلة..
وما هي إال ثواني بعدما دخلت نو ار إلى جناحها حتى وجدت نفسها تطير في الهواء لتكتشف
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
أنها محمولة بين ذراعي رؤوف ليصطحبها في رحلة عشق طويلة استغرقت معظم ساعات
الليل ..لتستيقظ بين ذراعيه وهو يتأملها بشغف ..فغمغمت بخجل:
-صباح الخير.
ِ
صباحك سكر. -
FB.com/groups/Book.juice
301
الفصل الثامن عشر
قيد القمر
ألقى منذر هاتفه بغضب على فراشه ..يريد التخلص منه بأي شكل ,بل احراقه لو تطلب
األمر حتى يتخلص مما به من سخافات أو باألحرى بذاءات ,فمطاردة وداد له أصبحت ال
تحتمل ..فهي تكثف من اتصاالتها ورسائلها في اليوميين الماضيين بشدة وكأنها أدركت
بغريزتها األنثوية ق ارره بانهاء عالقته بها ..وهي تحاول بشتى الطرق مقاومة ذلك القرار,
نهى طلبة
وكان آخر وسائلها لدك حصونه ومهاجمة دفاعته ارسالها لعدة صور لها في أوضاع قد
تكون مثيرة للبعض ولكنها أثارت اشمئ اززه وغضبه في نفس الوقت..
وما يثير أعصابه حقاً أنها تواظب على ارسال تلك الصور المصحوبة بعبا ارت الغزل
الفج ..والكلمات الموحية ..بالوعود المغرية بالسعادة ..والمتعة..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
أكمل ارتداء مالبسه في سرعة فهو تأخر بالفعل هذا الصباح ..ولكن ال بأس ..فالوقت الذي
يقضيه مع سهير على االفطار ..وحدهما في جناحهما يثرثران معاً حول أي شيء ..كان
FB.com/groups/Book.juice
تلفت حوله ليبحث عنها فلمحها وهي تحادث أمها في الهاتف وتبدو على مالمحها معالم
االستياء والرفض لما يصلها من الجهة األخرى ,فأدرك انها محادثة أخرى من أمها تحاول
فيها معرفة ما يحزن ابنتها ويسبب لها التعاسة ..كم يتمنى لو تبوح بما يشقيها بدالً من تلك
302
السرية التي تغلفها ولكنه يدرك طبيعة سهير الكتومة والتي تسبب له صعوبة شديدة في
قيد القمر
التواصل معها..
فوجئ بسهير تنهي المكالمة وهي تلقي بهاتفها غاضبة وبسيل من الكلمات الغير مفهومة
ينهمر شفتيها:
ـ إن أمي في غاية االرتياح لترك نعمات منزل رؤوف ..إنها تكاد تطير من السعادة ..ال
نهى طلبة
أدري كيف تفكر!! ..ألم تستمع للشائعات المنتشرة في البلدة ..إن النساء ال سيرة لهن إال ما
حدث ..يتشدقن بأن رؤوف ألقى نعمات في الطريق حتى يرضي زوجته الصغيرة ..كيف
فعلت نو ار ذلك؟ ..كيف؟..
سألها بتعجب:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ ليس بالضبط ..ولكن البد أن تعترف أنه غير عادل ما تم بحق نعمات! ..فهي قبل كل
شيء زوجته األولى ولم تقصر معه بشيء ,كما أن عقمها ليس خطأها حتى تُلقى عند أول
محطة بعد أن ضمن حصوله على الذرية من نو ار.
همس بذهول:
FB.com/groups/Book.juice
ـ يا الهي! ..أ ِ
نت تلومين شقيقتك بالفعل!
أجابته بحرج:
سألته باتهام:
ـ وهل أنت معجب أيضاً بطرده لزوجته األولى من حياته ,فقط ألن نو ار منحته حياة عجزت
عن منحها له نعمات علماً بأن هذا رغماً عنها! ..يبدو أن الرجال يلهثون خلف كل ما هو
مبهرج ومزركش ..فهذا ما يلفت أنظارهم هذه األيام.
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ ما األمر يا سهير هل تدافعين عن نعمات بالفعل؟ ..أم أننا نتحدث عن شيء آخر؟.
ـ أي أمر آخر؟! ..أنا أخبرك بما أفكر ..أليس هذا ما تطالبني به دائماً؟!!
هز رأسه بأسى وهو يراها عادت لقوقعتها المعتادة منسحبة من النقاش كلما تطرق ولو من
بعيد لحياتهما معاً ,لكنه رفض ذلك اإلنسحاب من المواجهة فتحرك ليواجهها وهو يجذبها
نحوه:
FB.com/groups/Book.juice
ـ ليس اآلن ..ليس اآلن يا منذر ..ال تذر الملح على الجرح اآلن ..فهو مازال مؤلماً...
304
ـ سهير ..يجب أن تدعيني أدخل لعقلك ..أ ِ
رجوك ..كفى كتمان وسرية.
قيد القمر
همست بخفوت:
ـ حسناً لن أضغط ِ
عليك ..ولكن لن أؤجل األمر طويالً..
نهى طلبة
أومأت برأسها موافقة ..فطبع قبلة رقيقة على جبهتها ..وهو يودعها منصرفاً إلى عمله..
فذهبت إلى نافذتها المعتادة حتى تلمح خروجه من البيت ..وتابعته بنظراتها وهو يتجه إلى
سيارته ولكنها فوجئت به يلتفت لها ويلوح لها بيده ..ثم أرسل لها قبلة طائرة أعقبها بغمزة من
عينه وهو يتخيل تورد خديها من جرأته معها..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
تحركت بعدها بسعادة وهي ترتب جناحها وخيال قبلة منذر الطائرة يسيطر على عقلها فيرسم
على شفتيها ابتسامة رقيقة ..كانت تشعر بجهوده ليقترب منها وهو يحاول موازنة معاملته
لها بين منذر الحبيب العاشق الذي سقطت في غرامه ومنذر الزوج الذي تمثل احتياجاته
ورغباته كرجل شبح يزعج أحالمها العذرية ..وهي بالمقابل كانت تتقبل جهوده بسعادة
وتقترب منه أكثر ,تعود شيئاُ فشيء إلى شخصية سهير العاشقة الحالمة ..خاصة وهي تراه
ملتصقاً بها وامتناعه عن زيارة قصر الجيزاوي تماماً ..ولكن تبقى الخطوة الهامة التي تخشى
عواقبها ..المصارحة..
FB.com/groups/Book.juice
قطع تسلسل أفكارها وهي ترتب أغطية الفراش ..رنين هاتف صدر من بينها ..أخذت تبحث
عن مصدره وهي تظن أن أمها تهاتفها مرة اخرى ,وأخي اًر عثرت عليه وسحبته من بين
األغطية وتزامن محاولتها الرد عليه مع صدور صوت آخر ينبأ بوصول رسالة والتي
ظهرت لعيني سهير المذهولتين..
305
لتتبين أنها تمسك بهاتف منذر في يدها وليس هاتفها هي..
قيد القمر
****************
جلس رؤوف على مائدة اإلفطار التي أعدتها نورا ..وهو يتأمل وجنتيها المتوردتين من تأثير
تحديقه بها ومالحظته لكل تحركاتها حتى أنهت إعداد المائدة وابتسمت له قائلة:
ـ صباح الخير ..لقد انتهيت من إعداد اإلفطار ..هل تريد قهوتك اآلن؟..
نهى طلبة
ـ فقط اجلسي واستريحي قليالً ..أنا ال أريد تلك القهوة التي تسبب ِ
لك الغثيان ..أستطيع
اإلستغناء عنها..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ آه وصباحك سكر..
عادت وجنتيها للتورد فهي غير معتادة على مزاجه العابث هذا في اليومين الماضيين..
واص ارره على تلك التحية" ..صباحك سكر"..
ـ هل ترغبين باالستمرار في اإلقامة بجناحك؟ ..أم ترغبين في اإلنتقال إلى الطابق العلوي؟..
FB.com/groups/Book.juice
سأل بذهول:
ـ ماذا؟!!!
306
أجابته بصوت واضح:
قيد القمر
ـ أنا لن أضع قدماً فيه قبل أن أغيره كلي ًا ..وحالي ًا جناحي مناسب لظروف الحمل ..وال أريد
تركه..
ـ كما تريدين ..عندما تكونين مستعدة اخبريني لنبدأ التغييرات التي تريدينها..
ثم أكمل طعامه تحت نظراتها المراقبة ..تريد أن تطلب منه شيئاً ولكنها تخشى رد فعله,
نهى طلبة
ـ ًكفي عن فرك ِ
يديك واخبريني ماذا تريدين.
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
سألته بسرعة:
تأملها للحظات ولم يرد فعادت تلح عليه ويدها تمتد لتتمسك بيده:
ـ اطردها ..اطردها يا رؤوف ..أنت تعلم تماماً ماذا يحدث ..اطردها من فضلك.
سألته بحيرة:
ـ ماذا تعني؟..
ـ أعني بطردها أمنحها ميزة أن تكون الطرف المظلوم ..وهذا سيزيد من تعاطف منذر
معها ..طردها ليس هو الحل.
307
سألته وهي تخشى سماع االجابة:
قيد القمر
أدركت أنه لم يمنحها اجابة لسؤالها ولكنها لم تلح عليه ,فهي تخشى معرفة االجابة ..لذا
ابتلعت مراوغته ومررتها له تلك المرة..
أنت ِ
لست طرفاً فيها. ـ نورا ..ال تخوضي حرباً ِ
سألته بحيرة:
ـ ماذا تعني؟
ـ الحل لن يأتي من أي شخص إال سهير ..تدخل أي منا لن يحل المشكلة ..سيؤجلها فقط.
غمغمت بحنق:
ثم غمز لها وهو يقول بعبث لم تعتده منه من مدة طويلة:
308
ـ ولكن هذا ال يعني أن نكف أيدينا تمام ًا ..من الممكن تحريك بضع خيوط دون تدخل فعلي
قيد القمر
في حياتهما..
صاحت بنزق:
ـ أعني األسكندرية..
صاحت بفرح:
ـ حقاً!! ..هل ستنقل منذر إلى فرع األسكندرية ..هذا رائع ..بهذه الطريقة سيبتعد عن
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
الحرباء تماماً..
ابتسم بداخله الصرارها على تسمية تلك الممرضة بالحرباء ..سحق ًا ..لقد نسى اسمها
بالفعل ..لكنه اجاب نو ار بهدوء:
ـ كال لن أنقله إلى فرع االسكندرية فالوقت مبكر على هذا ..لكني أستطيع افتعال بعض
المشكالت التي تطلب وجوده الصالحها..
ابتسمت بحب:
309
ك لك.
ـ أنا كلي مل ٌ
قيد القمر
ضمها لصدره بقوة ثم طبع قبلة على مقدمة رأسها وهو يهمس لها:
ِ
عرفت كيف تمتلكين كل جوارحي. ـ أعلم ..وأ ِ
نت
ابتسمت برقة لكلماته التي ال يزال يحاول اختيارها بعناية ..فهو يلمح فقط بدون مصارحة
بحبه ..ولكنها تستشعر ذلك الحب في كل همسة ..في كل لمسة وحتى أصبحت تعرف
نهى طلبة
الحظ ابتسامتها الماكرة ..والتي ترتسم في عينيها كلما ذكر موضوع طفلتهما القادمة في
الطريق فسألها بفضول:
ضحكت بصوت ٍ
عال:
ـ ماذا هناك؟..
ـ لماذا؟..
كانت لهجتها حادة وغاضبة ..وكرهت نفسها ألنه شعر بذلك ولكنها لم تستطع االدعاء
باالمباالة وهو يخبرها أنه سيذهب ليرى نعمات..
نهى طلبة
قاطعته بحنق:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ أعلم ..أنا آسفة ..ال ..لست كذلك ..أنا أعلم أنه يجب عليك ترتيب أمورها ..فقط ..ال
أدري ..انتبه على نفسك..
ِ
عينيك. ـ ال تقلقي ..وال حاجة لتلك الغيرة التي تلتمع في
حاولت تحرير ذقنها من يده لكنه لم يمكنها فهمست أخي اًر بغيرة واضحة:
****************
ما أن وصل منذر إلى مكتبه حتى لحق به شقيقه قاسم الذي بادره قائالً:
311
ـ لقد تأخرت اليوم ..واحتاج إلى توقيعك النهاء بعض األعمال..
قيد القمر
ناوله بعض األوراق فأخذ منذر يراجعها بدقة تحت ناظري شقيقه الذي تمتم في نفسه
"لقد وصل بي الحال ألن انتظر توقيع شقيقي األصغر على بعض األوراق التافهة ..آه من
تلك الزلة القديمة التي ال يريد أحد أن ينساها أو حتى يتظاهر بنسيانها ..بسببها سأبقى
نهى طلبة
موظفاً لألبد ..بينما أخي األصغر وابن خالي يتوليان إدارة الشركات"
ـ صاحب الفخامة!! ..هل تعني رؤوف؟! ..ال أدري لما تأخر اليوم!! ..البد أنه على
وصول فليس من عادته التأخير.
ـ يجب أن تعتاد على تأخره ,فهو تخلص من العجوز الشمطاء ..وغرق في أحضان ابنة
الخال الفاتنة.
FB.com/groups/Book.juice
ـ يا إلهي!! ..ألن ننتهي من تلك الحكاية؟!! ..دع األمور على حالها يا قاسم وال داعي
إلثارة المشاكل ..إن نو ار تنتمي كلياً لرؤوف فتوقف عن األحالم المستحيلة.
ـ توقف ..أال تملك أي حياء ..يا الهي ..أنك تتحدث عن امرأة متزوجة ..وزوجها هو ابن
خالك ..فقط توقف..
نهى طلبة
لم يستطع اكمال جملته بسبب قبضة رؤوف التي طارت في وجهه وهو يجذبه من مالبسه
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ويكيل له اللكمات ..رؤوف الذي وصل قبل لحظات ليستمع إلى بذاءات قاسم المقززة فاقتحم
الغرفة بسرعة ليلكمه وينطلق فيه صارخاً:
ـ أنت حيوان ..بل أقل من حيوان ..كيف تتج أر على التفكير بها؟ ..كيف؟..
وعاد يكيل له اللكمات التي تفاداها قاسم تلك المرة وهو يسدد لرؤوف لكمة قوية لم يستطع
رؤوف تفاديها ..وصرخ قاسم بغضب:
ـ ولماذا ال أفكر بها؟ ..أنا أريدها! ..لقد أردت الزواج منها من مدة ولم يمنعني عنها إال
زلتي القديمة والزوجة المعلقة برقبتي ..لقد لهثت خلف أمي حتى تزوجني اياها ولم أنجح..
FB.com/groups/Book.juice
بينما أنت ..أنت ..اكتفيت بإشارة من اصبعك األصغر فجعلوها ملكاً لك..
لم يحتمل رؤوف سماع كلماته فعاد لتسديد اللكمات له بينما قفز منذر بينهما يحاول فض
اشتباكهما دون جدوى..
313
جذبت أصواتهم العالية عدد من الموظفين في الشركة فتدافعوا لمعرفة ماذا يحدث بين أحفاد
قيد القمر
الجيزاوي ..فمشاجرة بين األحفاد الذكور حدث ال يتم يومياً في شركة الجيزاوي المعروفة
بالتزام جميع من يعمل بها..
تحرك عبد السالم بصعوبة وهو يفض الجمع المتحلق من الموظفين وكانت األصوات
العالية قد لفتت انتباهه هو أيضاً..
نهى طلبة
فدخل الغرفة ليجد رؤوف يكيل اللكمات لقاسم ومنذر يحاول إبعاده عنه وهو يصيح به:
ولكن غضب رؤوف كان أكبر من أن يصغي لمنذر أو حتى لعمه عبد السالم الذي شارك
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
منذر في اإلمساك برؤوف وابعاده عن قاسم الذي تهالك أرضاً بعدما ترك رؤوف مالبسه..
وظل رؤوف يصارع لإلفالت ممن يمسكان به ..وهو يصيح:
ـ اتركاني ..اتركاني حتى أؤدب هذا الحيوان ..إنه انسان مريض ..مريض..
تمكن منذر بمساعده خاله أخي اًر من السيطرة على رؤوف الذي جلس على أحد المقاعد وهو
يتنفس بصعوبة جراء المجهود الذي بذله ..وهنا صاح عبد السالم بغضب:
همس له منذر بكلمات موجزة تلخص ما حدث فتغير وجه عبد السالم وهو يرمق قاسم
FB.com/groups/Book.juice
بغضب بينما هو يحاول النهوض من األرض فتحرك رؤوف نحوه يحاول لكمه مرة أخرى
ولكن منذر انتبه له فقيد حركته بينما صاح في خاله متوسالً:
ـ أرجوك ..يا خالي ..أرجوك اخرج قاسم من هنا قبل أن يقتله رؤوف ونخسرهما معاً..
314
بدا على عبد السالم الرغبة في ضرب قاسم ولكنه تمالك نفسه وهو يرى رؤوف في حالة
قيد القمر
غضب عارمة ,فجذب قاسم يرفعه من األرض ليخرجه من الغرفة يتبعه صوت رؤوف
الغاضب:
ساد صمت حرج بعد خروج عبد السالم وقاسم من الغرفة ..فعاد رؤوف يجلس متهالكاً على
نهى طلبة
ـ رؤوف ..ال تعول على كلماته القذرة ..إن قاسم يتطلع دائماً إلى ما يملكه اآلخرون ..هو ال
يقصد شيئاً معيناً ..ال تفكر كثي اًر فيما سمعته!
رمقه رؤوف بذهول ..كيف ال يفكر فيما سمعه!! ..إن كلمات قاسم كانت كطعنات الخناجر
لقلبه وعقله معاً وهو يتصور خيال قاسم المريض حول نورا ..لقد أراد قتله ..وكاد أن يفعل..
عاد الغضب يتملكه مرة أخرى فاعتصر قبضتيه بقوة..
ـ أريد قتله..
ـ كان يجب أن أثق بحدسي ..لم يكن علي أن أدعه يقترب من أي مكان هي متواجدة فيه..
ـ أرجوك يا رؤوف ..حكم عقلك قليالً ..ابعده عن هنا ..هذا الحل األمثل ..أنت ال تستطيع
التحكم في عقول البشر ..وصدقني ما يدور في عقل قاسم مجموعة من الخياالت ال أكثر..
تلك طبيعته ..لكنه لن يضرك أو يضر زوجتك ..أنه ذو خيال مريض فحسب ..أشعر
أحياناً أنه لوال رابطة األخوة بيننا لضم سهير لخياالته أيضاً..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ساد الصمت مرة أخرى بعد كالم منذر المحير وحاول رؤوف السيطرة على الغضب الذي
يعصف به ..فمازالت الرغبة في محو قاسم من الحياة تنتابه بقوة ..ولكن ما يمنعه عنه هو
عمته قمر ..فهي ال تستحق ذلك األلم..
قاطع الصمت صوت هاتف رؤوف فالتقطه بسرعة ليجده يضيء باسم نورا ,فرفعه إلى أذنه
بلهفة:
قاطعته نورا:
FB.com/groups/Book.juice
عاد لمقاطعتها:
ـ ولكن ماذا؟..
بصوت ٍ
باك: ٍ اجابته
316
ـ أنها سهير ....هل تستطيع احضار منذر والقدوم سريعاً ..إن سهير هنا وهي تبكي
قيد القمر
بهيستريا..
ـ ال تتأخر.
ـ هل آذيت سهير؟ ..هل أخبرتها عن تلك الفاسقة التي تعرفت عليها مؤخ اًر؟..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
قاطعها صوت هاتف رؤوف مرة أخرى وكانت تلك المرة هي عمته قمر والتي صاحت به
فور أن أجاب الهاتف:
ـ أين ذلك المجنون؟ ..أين منذر؟ ..ما الذي فعله للفتاة؟ ..لقد خرجت كالمجنونة من المنزل!
ـ اهدئي ,عمتي ..وال تقلقي علي سهير ..إنها في منزلي مع نورا ..ونحن في طريقنا إيهما
اآلن..
ـ ولكن ..ماذا..
قاطعها بسرعة:
317
ـ سوف أخبرك بالتفاصيل فور أن أعلمها.
قيد القمر
ـ سوف نعلم عندما نصل إلي منزلي ..بالمناسبة ..أين هاتفك؟ ..لماذا اتصلت عمتي على
هاتفي؟ ..هل أضعته ام ماذا؟..
صدم منذر وقد تذكر القاءه لهاتفه على الفراش ..بعدما ضاق ذرعاً بما ترسله وداد من
صور فاضحة وربط ذلك بانهيار سهير ..وصرخ برؤوف:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
رمقه رؤوف بحيرة ولكنه لم يسأله فهو بدا في حالة مزرية ..فتحرك نحو السيارة حتى يذهبا
إلى منزله بأقصى سرعة..
****************
وصل رؤوف سريعاً إلى منزله ودلف هو أوالً إليه وهو ينادي على نو ار بلهفة ..فخرجت له
من جناحها مسرعة:
FB.com/groups/Book.juice
ـ رؤوف ...حمداً هلل أنك وصلت ..سهير ..أنا ال أعلم ما بها ..أنها تبكي بال توقف ..لقد
ـ ال تقلقي ..لقد أتيت بمنذر معي ..ومن األفضل عدم استدعاء والدتك حتى نعلم ما األمر..
318
والتفت منادياً منذر الذي دخل بحرج وما أن شاهدته نو ار حتى صاحت به:
قيد القمر
قاطعها رؤوف:
ـ أنه هو المشكلة ..أنها تقبض على هاتفه بشدة وتبكي بال توقف ..لقد كانت في حالة
هيستيريا عند وصولها ولكن اآلن دموعها تنزل فقط بدون أن تصدر أي صوت..
سكتت ولم ترد عليه بل اكتفت برمقه بنظراتها القاتلة ,فحثها رؤوف بهدوء:
ـ هل هي في جناحنا؟..
هزت رأسها في موافقة صامتة ..فأشار له رؤوف إلى مكان الجناح حيث تتواجد سهير
فأسرع منذر متجهاً نحو بابه وحاولت نو ار أن تلحق به ولكن رؤوف أوقفها:
ـ دعيه يا نورا..
FB.com/groups/Book.juice
عارضته بقوة:
ـ ولكن..
اجابها بحسم:
ـ أنها زوجته..
319
اقتربت منه وهي تضع رأسها على صدره وتهمس بضعف:
قيد القمر
ـ نورا ..أ ِ
رجوك ..دعي هذا اآلن ..أنا أمامك وبخير ..ليس بي شيئاً ..فاطمئني..
سألها بتكهم:
اجابت بحرج:
ـ بالطبع ال ..لم أقصد هذا ..أقصد ..هل لكمت جدار أو ما شابه؟..
اجاب بغموض:
شيء ..سوف تدفعه إلى الكالم بطريقتها ..ولكن لتؤجل ذلك قليالً ..حتى تطمئن على
شقيقتها ..فيكفيها أنه بخير وهو هنا معها..
اجابته مذعنة:
ِ
فلتأت معي إلى المطبخ حتى أضع بعض الثلج على يدك.. ـ
نهى طلبة
رمقها بنظرة متأملة ..يدرك أنها تشتعل من الغيرة ..وهي ال تخفي ذلك ..أنها واضحة في
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
كل مشاعرها ..ومع ذلك يشعر أنها رمز الغموض ..استحثته بحركة خفيفة من يدها..
فأجابها بهدوء:
ـ ال شيء ..لقد رفضت مقابلتي ..وطلبت من جدي أن يبلغني ..أنها تحتاج إلى وقت حتى
ترتاح أعصابها وتتغلب على خيبة أملها..
ـ ال تغضب ..جدي متفهم لموقفك ..لقد أخبرني أبي بذلك ...وهي سوف تهدأ بإذن اهلل..
قبل أن يجيبها ارتفع صراخ سهير على منذر ..كانت كلماتها غير واضحة في البداية..
FB.com/groups/Book.juice
ولكنها بدأت تتضح شيئ ًا فشيء ..وشحب وجه نو ار على إثرها ثم امتقع حرجاً ..وبدا أنها
تجمدت وهي تتبادل النظرات مع رؤوف الذي سحبها من يدها بسرعة وأغلق باب المطبخ
عليهما:
بخفوت:
جمعت بعض قطع الثلج في قطعة قماش نظيفة ووضعتها على يده المكدومة وهي تومئ له
بالموافقة:
نهى طلبة
****************
دلف منذر إلى جناح نو ار حيث تتواجد سهير التي لمحها على الفور جالسة على األريكة..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
منكمشة على نفسها ..دموعها تهطل بغ ازرة ..ويديها قابضة بشدة على هاتفه..
كاد البؤس البادي عليها أن يتسبب في إيقاف قلبه من االلم ..فهو آذاها ..وبقوة ..وال يدري
كيف يصلح ما تسبب بكسره في لحظات طيش غبية ..لعن غبائه الذي منعه من محو تلك
عيني سهير البريئتين ..ووضعت في عقلها خياالت
ّ الصور القذرة ..والتي بالتأكيد صدمت
جامحة عن المدى الذي وصلت فيه عالقته بوداد..
ـ سهير..
FB.com/groups/Book.juice
ـ إنه ..هاتفك ..أنا ..أنا لم أقصد ..لم أقصد تصفح ما ..ما به ..لم أتعمد البحث عن
الصور ..لم أتعمد ..لقد ..لقد قفزت في وجهي ....أنا لم أقصد..
وخفت صوتها وهي تضغط على الهاتف بقبضتيها وتهز رأسها بضياع:
322
ـ لم أقصد..
قيد القمر
اقترب منها سريعاً ومد يده ليمسح دموعها التي تنساب بال إرادة منها ..فانتفضت بقوة عند
مالمسة يده لوجنتها وابتعدت إلى آخر األريكة وهي تصرخ :
صاح بعذاب:
نهى طلبة
ِ
فهمت الموضوع خطأ. ـ سهير ..اسمعيني ..أ ِ
نت
ـ فهمت!! ..أنا لم أفهم شيئاً ..أنا أحاول اخماد عقلي حتى ال أستوعب معنى ما رأيت على
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
هاتفك..
ِ
اخطأت الفهم.. ـ سهير ..ال تفعلي هذا بنفسك ..فقط اعطيني فرصة ألشرحِ ..
أنت
ـ فرصة! ..خطأ..
ـ هل أحببتها؟
هتف بسرعة:
نهى طلبة
نت تعلمين أ ِ
نك حبي الوحيد. ـ كال بالطبع ..أ ِ
اجابته بسخرية:
اقترب منها بهدوء ليواجهها ولكنه امتنع عن لمسها بعدما لمح التحذير في عينيها:
هتفت به:
ـ ما جمعنا لم يمنعك من خيانتي ..من خيانة ذلك الحب الذي تدعي أنك تحمله لي..
ـ النظرة خيانة..
بهتت من هجومه المفاجئ ..وقد تبينت أنه يكشف جميع األوراق ,فصاحت به:
صرخ بها:
نهى طلبة
ِ
فهمت الموضوع كله خطأ ..أنا.. ـ ابتذال!! ..سهير ..توقفي ..أ ِ
نت..
صرخت به:
ـ أنت ماذا؟ ..أنت كنت تذهب يومياً إليها ..كنت تراها وتتحدث معها ..تتبادل معها الرسائل
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
الهاتفية ..نعم ..لقد رأيتها ..فأنا لم أتعمد البحث في هاتفك في البداية ..ولكنني لم أستطع
مقاومة نفسي بعدما رأيت تلك الصور المقززة ..أنت كنت تحيا معها تقريباً حياة كاملة..
ـ نعم ..اعترف بكل هذا ..وال أدري لماذا تلقين باللوم علي فقط ..فكما يبدو أن ِك ِ
كنت ّ
تتابعين تطور عالقتي بها ..ولم ترفعي إصبعاً اليقاف ما يحدث..
صرخت به:
FB.com/groups/Book.juice
صرخ بقوة:
أكملت له جملته:
325
ـ بعد ..أنت لم تخونني بعد ..فأنت كما يبدو تنتظر أن استمر في تجاهلي لتصرفاتك..
قيد القمر
ـ إذا كان هذا ما تظنينه ..أن خيانتي لك ستحدث ال محالة ..وأن األمر مسألة وقت ..فلم
استمر ِ
يت مع زوج هو في نظرك مشروع لرجل خائن؟..
همست بضعف:
نهى طلبة
ـ ألني أحبك..
ـ يالك من ٍ
قاس ..مما صنعت؟ ..هل تهاجمني اآلن؟ ..وأنا التي كنت أتعامل معك بكل
الحذر حتى ال أتسبب بجرحك ..أو اهانتك..
ـ أنت تلومني ..ال بأس ..فأنا أيضاً ألومك ..ألومك على ضياع حبيبي ..على ضياع
حلمي..
FB.com/groups/Book.juice
ـ تلوميني! ..أفيقي يا سهير ..أفيقي ..إن سبب ما نحن فيه اآلن هو خياالتك الرومانسية,
والتي تجعلك تنفرين مني ..أو من أي عالقة تربطنا معاً ..أل ِ
نك برومانسيتك الحمقاء
تعتقدين أن عالقتنا الزوجية تلوث مشاعرك الرومانسية والعذرية السخيفة..
326
زادت دموعها انهما اًر وهي تستمع إلى اتهماته له ..هل يعتقد أنها بمثل تلك السخافة
قيد القمر
والسطحية!!..
ـ أنت مخطئ ..مخطئ ..أنا ال أعتقد ذلك ..ال أعتقد أن العالقة الزوجية تلوث مشاعري
العذرية السخيفة كما دعوتها ..أنا أعتقد أن تلك العالقة هي صلة روحية بين الزوجيين قبل
أن تكون صلة جسدية ..وسيلة منحها اهلل لكل زوجين حتى يزدادا تقارباً ..هذا هو ما
نهى طلبة
أعتقده ..لكن لألسف في كل مرة نكون فيها معاً ..كنت أشعر أنني ازداد تباعداً عنك..
هل تعلم لماذا ..ألنني عاجزة عن الشعور بك ..عاجزة عن منحك مشاعر الزوجة العاشقة
لزوجها ..عاجزة عن حبك بالطريقة التي تريدها أنت..
ـ ماذا تعنين؟ ..ما معنى تلك الكلمات الغامضة؟ ..كوني صريحة وتوقفي عن المرواغة
واللعب بالكلمات..
ـ أنا ال اشعر بأي شيء ..وأنا معك ..وأنا بين ذراعيك ..هناك شيء ناقص ..هناك دائماً
شيء ناقص..
وضعت يدها على شفتيها بجزع وقد أدركت أنها صرحت بالكثير ..الكثير الذي لم يحتمله
منذر فتقهقر إلى الخلف مصدوماً مما سمعه وأدركه من خالل كلماتها ..وهو يرمقها بنظرات
FB.com/groups/Book.juice
تشتعل من الغضب ..الغضب على كرامته ..على رجولته الجريحة ..عليها هي ..وعلى كل
ما أخبرته به اآلن..
327
الفصل التاسع عشر
قيد القمر
كان هذا أول ما سألته شموس لنو ار عند وصولها الى منزلها..
ـ أنها في جناحي ..وحالتها سيئة للغاية ..مازالت تبكي باستمرار ,لقد تشاجرت مع منذر
مشاجرة عنيفة ..وتعالت أصواتهما ..و..
استحثتها شموس:
ـ وماذا؟..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ردت نو ار بحرج:
ـ ال أدري ..لقد استقل سيارة رؤوف وانطلق بها بسرعة كبيرة ولم يستطع رؤوف اللحاق به..
ولكنه ذهب ليبحث عنه..
أغمضت شموس عينيها بقوة ..فهي تدرك أن معركتها مع سهير قاسية وما تواجهه في
FB.com/groups/Book.juice
زواجها أكثر صعوبة مما واجهته نو ار يوماً ..فتنهدت بقوة وهي تسحب نفس عميق ..وقالت
لنورا:
األريكة شاردة في الفضاء وهي تضم ركبتيها إلى صدرها وتحيطهما بذراعيها ..ودموعها
تهطل بال توقف..
اقتربت منها بهدوء وجلست خلفها لتلفها نحوها وتضمها إلى صدرها بقوة..
ـ لقد أخبرته ..ألقيت الحقيقة في وجهه ..لم أستطع تجميلها أو تخفيف وقعها ..لقد سأمت
من التظاهر وأرهقت من اإلدعاء ..فصارحته ..و ...و ..انتهى كل شيء ..سيتركني
اآلن ..سيبتعد ..ويتركني..
نهى طلبة
ـ الحقيقة ..أنني عاجزة عن االقتراب منه كما يجب ..أنني عاجزة عن حبه كما يريد ..أنني
زوجة فاشلة ..وأقل من أي امرأة ..أن هناك دائماً ما هو ناقص بيننا..
شهقة قوية من شموس أوقفت سهير عن االسترسال في الكالم ..فرفعت عينيها ألمها بحيرة:
ـ لقد خرجت الكلمات بدون أن أسيطر عليها ..أردت أن أخبره انني امرأة غير مكتملة..
فاشلة وباردة ..أردت أن أوضح له أنني لست تلك الفتاة الساذجة والسطحية التي يظنها..
ولكن ..لكن خرجت الكلمات بأبشع صورة ممكنة..
تنفست شموس بعمق ..وهي تحاول التحكم في غضبها ,فابنتها منهارة بالفعل وحياتها
FB.com/groups/Book.juice
كيف أفعل؟ ..وجدتي قامت بما قامت به نحوي كي ال أشعر هكذاِ ..
أنت لم تكوني موجودة
بجانبي ,وكذلك والدي ..كنت وحيدة ولم أدرك لم فعلت ذلك ..حتى تفسيرك لي كان مبتو اًر
مشوهاً ..فلم أفهم ..لم أفهم ..أحياناً أشعر أن عقلي سينفجر ..فهو مشطور إلى أجزاء..
جزء يحثني أن أصبح تلك الزوجة العاشقة لزوجي ..وجزء آخر يمنعني ويكبح تلك
المشاعر ..وهناك ذلك الجزء اآلخر الذي يقف حائ اًر غير قادر على اتخاذ أي رد فعل..
نهى طلبة
قاطعتها سهير:
ـ أعني أنه يجب علينا الذهاب إلى طبيبة ..على األقل في البداية تكون طبيبة نسائية ..ثم..
طبيبة نفسية متخصصة ومأتمنة ...وأعتقد أنني أعرف واحدة..
نت تعلمين أ ِ
نك بحاجة إلى مساعدة ..أتمنى لو كنت نك أُمية جاهلة! ..أ ِ
ـ من يسمعك يعتقد أ ِ
ـ ماذا؟!..
ـ كال ..كال..
ـ بل نعم ..هل تعتقدين أن ما مررت به كان سهالً ..أو هل كان من الممكن أن أتغلب
عليه بمفردي ..وحتى مع دعم أ ِ
بيك مررت بوقت عصيب جداً ولوال تلك الطبيبة التي
نهى طلبة
أخبرتك عنها ..والتي أصر طبيبي في ذلك الوقت على مقابلتي لها وأضيف له اصرار
بيك ,لما كنت تغلبت على حسرتي ..وأ ِ
نت يا حبيبتي في أمس الحاجة لها.. أ ِ
طمأنتها شموس:
FB.com/groups/Book.juice
صرخت سهير:
ـ كال..
عن تلك السرية والكتمان ..ودعي والدك يصلح الوضع مع منذر ..وال تقلقي ..إن والدك لن
يتسبب بأي جرح أو إحراج ِ
لك..
بدت سهير غير مقتنعة ومترددة في الموافقة على ما اقترحته والدتها ..وعادت تلتمع عينيها
بنظرات الحيرة والضياع ..فهي تخشى ذهابها لتلك الطبيبة ..وفي نفس الوقت لم تعد قادرة
نهى طلبة
على التعايش مع طوفان األفكار والمشاعر المختلطة التي تجيش بها ..شعرت أمها بها
فربتت على كتفها برقة:
طأطأت سهير رأسها في صمت ..وهي تراقب أمها تهاتف أبيها وتشرح له ما حدث
باختصار وأخذ صوتها يخفت وهي تبتعد وتفتح باب الجناح متوجهة إلى الخارج حتى تكمل
محادثتها ..فدخلت نو ار حاملة صينية مأكوالت ..ووضعتها أمام سهير وأخذت في اطعامها
بهدوء ..وسهير ساهمة وكأنها في عالم آخر..
*************
كل تلك األحاسيس ال تستطيع وصف هامش بسيط مما يعتمل بداخله ..لم يفهم ..كيف
يمكنها أن تكون بتلك القسوة؟ ..كيف يمكنها نطق تلك الكلمات؟ ..واألدهى أن هذا ما كانت
تفكر فيه وتشعر به لشهور ..وهو من كان يظن أن كل مشكلتها نفور من العالقة الزوجية..
لكنه لم يتخيل للحظة أنه هو السبب!!
334
يا اهلل!! ..كيف لم يلحظ ذلك؟ ..كيف؟ ..ولكن ..لكن حتى لو الحظ إن أبشع كوابيسه لم
قيد القمر
ترقرت دموع القهر في عينيه وكاد أن يذرفها بالفعل ..ولكنه رفض أن يمنح نفسه الراحة
بتلك القطرات الدامعة ..فهو يحتاج لكل ما بداخله من غضب ..ال يمكن أن يسقط منها اًر
نهى طلبة
فيثبت لها فعالً أنه ليس رجالً ..لم يعرف ماذا يفعل ..أو أين يذهب ..فقط ظل يجوب
الشوارع لساعات بدون هدف وجملتها القاسية تتردد في اذنيه..
" أنا ال اشعر بأي شيء ..وأنا معك ..وأنا بين ذراعيك ..هناك شيء ناقص ..هناك دائماً
شيء ناقص"..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ضغط على دواسة الوقود بقوة وكأنه يفرغ غضبه فيها ..فازدادت سرعة السيارة بخطورة..
ولفحت نسمات الهواء وجه منذر لتهدأ من ح اررة الدماء المتصاعدة بغضب إلى رأسه..
وبدأت األفكار تتوارد الى رأسه..
"هل معنى كالمها ما فهمته؟ ...هل ال تشعر بأي شيء بالفعل؟ ..هل هي ال تراني رج ٌل
كفاية إلسعادها؟ ..وما الذي ينقصني إلسعادها؟ ..هل يمكن إن تجد ذلك الشيء الناقص
مع رج ٌل آخر؟"...
زاد من سرعة السيارة وهو يرغب في الهروب من صورتها مع أي رجل سواه ..وأخذ يلوم
FB.com/groups/Book.juice
نفسه..
"كيف له أن يتألم هكذا من مجرد خيال لها مع غيره ..بينما هي لم تتردد في إلقاء الحقيقة
في وجهه بكل قسوة؟"..
نظرات اللوم مني ..دون أن تصرح بشيء ..أنا من ضغطت عليها وسببت ذلك االنفجار"
"أيها الغبي هل تلتمس لها األعذار ..تلك القاسية ..جامدة القلب ..عديمة المشاعر ..نعم..
نعم ..أنها معدومة المشاعر وسأثبت لها أنه توجد اآلالف غيرها يرغبن في حبي الناقص
نهى طلبة
أوقف السيارة وأخذ يبحث عن هاتفه في جيوبه ولكنه تذكر أنه ترك بين يدي سهير ..فزفر
بضيق ..ثم لمح هاتف رؤوف ملقى على حاجز السيارة األمامي ..فأمسك به بلهفة ..وهو
يضغط األزرار التي حفظها عن ظهر قلب طوال الشهر الماضي..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
أغلق الهاتف وارتسمت على مالمحه عالمات التصميم وهو يوجه السيارة للطريق المؤدي
إلى قصر الجيزاوي ..بينما على الجهة األخرى ارتسمت على وجه وداد ابتسامة انتصار
واسعة..
***********
FB.com/groups/Book.juice
تمددت نعمات على فراشها في غرفتها القديمة بقصر الجيززاوي ,والتي مكثت فيها بعد وفاة
عبد الرحمن..
الضياع التي مرت بها بعد وفاة عبد الرحمن ووصوالً إلى تالعب قمر بها لتقنعها بالزواج
من رؤوف ..تالعب سمحت هي به في ذلك الوقت ..فهي لم تكن تعرف ماذا تفعل
بحياتها ..كانت في حالة ضياع استغلتها قمر ببراعة ..لتزج بها في ذلك االرتباط مع
رؤوف ..والذي لم يثمر عن أي شيء..
نهى طلبة
"ال تغالطي نفسك يا نعمات ..كيف لم يثمر عن شيء ..إن رصيدك المصرفي اآلن مكون
من رقم ذو ستة أصفار"
وهذا هو الفارق عن حالتها بعد موت عبد الرحمن ..فهي بالفعل امتلكت الكثير كميراث
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
شرعي لها ..إال أنه كان أسهم ..وأنصبة مختلفة في أمالك وعقارات الجيزاوي ..ولم تكن
تمتلك الخبرة ..أو القوة على التصرف في أي شيء ..أما اآلن فهي معها ثروة ال بأس بها..
فعلى ما يبدو أنه لم يكتب لها الذرية ..ولكنها تستطيع تأمين سنين عمرها القادمة بتلك
الثروة الصغيرة ..باإلضافة إلى أسهمها البسيطة في شركة الجيزاوي..
تعجبت من نفسها ومن أفكارها السلسة في تدبير حياتها القادمة ..هل معنى هذا أنها قررت
بالفعل ترك رؤوف؟ ..هي تعلم أنه حضر صباحاً لرؤويتها ولكنها تعللت بتعب أعصابها
حتى ال تراه ..ظنت لوهلة أنه سيصر على رؤويتها ولكنه لم يفعل ..وهي لم تتعجب لذلك
FB.com/groups/Book.juice
فيبدو أنه قال ما عنده في مواجهتهما األخيرة وأنهى تلك المرحلة من حياته واآلن سيتفرغ
ألسرته الصغيرة وابنه القادم في الطريق..
كم كانت تتمنى لو أنها قاسية بما يكفي لتحرمه فرحته بذلك الطفل ,ولكنها ليست بتلك
القسوة أو الحقارة فمهما بلغ حقدها على نو ار إال أنها غير قادرة على ايذاء الروح الصغيرة
بداخلها ..لكن هذا ال يعني أنها ال تريد العثور على أي وسيلة فقط لتعكر سعادتها ..وسعادة
337
الجميع أو تسلبهم تلك السعادة ..فقط هي غير قادرة على سلب روح بريئة ..كل ذنبها أنها
قيد القمر
صوت سيارة تندفع بسرعة بالغة داخل الطريق الداخلي لقصر الجيزاوي هو ما أخرجها من
تأمالتها فتحركت بفضول لترى من الذي اقتحم القصر بتلك الطريقة ,ولكنها فوجئت بسيارة
رؤوف تصتف في الممر وبتلك الفتاة التي تعتني بالرجل العجوز وهي تركض حتى وصلت
نهى طلبة
إلى جانب الباب األمامي الذي خرج منه قائد السيارة وانقض على الفتاة بقبلة عاصفة..
عيني نعمات وهي تتابع المشهد ..وشلت الصدمة حركتها للحظات ..لم تستطع ّ جحظت
تصديق عينيها ..هل من المعقول أن يكون يخدعها هي وفتاته الصغيرة معاً ليقيم عالقة مع
تلك الممرضة ..حاولت الرؤية من زاوية أوضح ولكنها لم تتبين سوى خيال لشبح رجل لم
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
تستطع تبين مالمحه ..وأخي اًر استعادت قدرتها على الحركة فالتقطت هاتفها وتحركت بسرعة
نحو الشرفة الخارجية للفيال لتستطيع الرؤوية من زواية أفضل وبدأت تسجل بعدسة الكامي ار
الخاصة بهاتفها كل ما يدور ..بين الفتاة والرجل الذي يرافقها ..والتي تبينت مالمحه اآلن
وعرفته على الفور ..وعرفت أيضاً كيف يمكنها تعكر سعادة غريمتها ..ولكن بطريق غير
مباشر..
******************
تهالك رؤوف بتعب على أول مقعد قابله في بهو منزله ..وزفر بحنق وهو يخبر نورا:
FB.com/groups/Book.juice
سألته نورا:
منزله ..ال أعلم أين ذهب! ..لعله يجوب الطرقات ..أو سافر خارج البلدة بأكملها..
ـ أنا ال ألومه..
ـ نعم ..لقد تحدثت مع سهير وبعدها قامت بعدة مكالمات أخرى واآلن تعد لسهير شيئاً
لتأكله ...أعلم أنك تحتاج للراحة ..لم ال تصعد إلى الطابق العلوي وترتاح قليالً ..فيبدو أن
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
سألها بدهشة:
ـ حقاً؟!
قبل أن يرد عليها سمعا صرخة مكتومة ..صدرت من جناح نو ار التي اندفعت على الفور
FB.com/groups/Book.juice
لتتفقد ما يحدث مع شقيقتها ,فوجدتها ترمق هاتفها بذهول وهي تضع يدها على فمها حتى
تكتم مزيد من الصرخات والدموع قد تجمدت في مآقيها ..ولكن لم تكن فقط دموعها ما
تجمدت ..كانت كل مالمحها متجمدة وهي تتابع ما يعرض على شاشة هاتفها..
خافت مجروح:
سألتها بدهشة:
ـ ماذا؟!!
تحركت سهير بسرعة لتخرج من الجناح فاصطدمت برؤوف الذي كان يقف خارج الباب قلقاً
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
مما يحدث بالداخل ..نظرت لرؤوف للحظة قصيرة وكأنها تتعرف على مالمحه ,ثم أخبرته
بلهجة آمرة:
سألها بتوجس:
أخبرته بحزم:
FB.com/groups/Book.juice
ـ بل منزلي.
جاءت شموس مهرولة من المطبخ لتستمع إلى كلمات سهير األخيرة ..فحاولت إثنائها:
ـ سهير ..انتظري..
تحركت سهير بالفعل في طريقها للباب وكأنها لم تسمع شيئاً ...وخاطبت أمها:
نهى طلبة
ـ لن أنتظر يا أمي ..ومن فضلك ..أنا أحتاج أن أكون مع منذر بمفردنا عند عودته..
سأتصل ِ
بك قريباً.
ـ حسناًِ ..
سآت..
ما أن خرج رؤوف مصطحباً سهير حتى سمعت شموس صوت نو ار وهي تصيح بصوت
مذهول:
دلفت الى جناح ابنتها لتراها ممسكة بهاتف سهير وهي تتمتمم بكلمات غير مفهومة..
FB.com/groups/Book.juice
فجذبت الهاتف منها لتصدمها صور لمنذر وهو يقبل وداد بح اررة وهي تبدو ذائبة بين
ذراعيه ..تصفحت الهاتف بسرعة لترى مزيداً من الصور لوداد مع منذر ..وفي النهاية
ظهرت لها بضع كلمات لم تصدق عينيها لرؤيتهم..
سألتها نو ار بقلق:
ـ لست أدري ..لست أدري ..كيف يمكنني أتواجد معها وهي تواجه زوجها بخيانته؟ ..لست
أدري ما العمل؟ ..أنا في غاية الحيرة ..لكني يجب أن أحادث أ ِ
بيك ..يجب أن يعثر على
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
اجابتها شموس:
ـ بالطبع سوف نخبر رؤوف ..لقد تعدت نعمات كل الحدود ..لم يكن عليها ادخال زواج
سهير في انتقام ليس لها أي عالقة به ..تلك السيدة يجب ايقافها ..وزوجك هو الوحيد
القادر على ذلك ..اآلن ..دعيني أحادث والدك ألرى إذا كان وصل لمنذر أو ال..
FB.com/groups/Book.juice
***************
جلس منذر في كرسي القيادة بسيارة رؤوف خارج قصر الجيزاوي وهو غائب عما حوله..
لقد كاد أن يسقط في الفخ ..فخ الخيانة ..حمداً هلل على نعمة العقل الذي نبهه في آخر
342
لحظة أنه على وشك خسارة كل شيء ..زوجته ..ونفسه واألهم ..إيمانه ..بل حمداً هلل على
قيد القمر
نعمة اإليمان..
فهو لم يستطع أن يصدق ما كاد أن يفعله منذ دقائق ..لقد انقض على وداد ما أن رآها
محاوالً تضميد جراح رجولته والتي أدمتها سهير بشدة ..وهي استجابت له بطريقة لم
يتوقعها ..طريقة انبأته بما ال يدع مجاالً للشك أنها أكثر من جاهزة لتلبية رغباته ..بل أنها
نهى طلبة
ضحك من نفسه بسخرية ..فهو اتبع طريقة رجال الكهوف ليثبت أنه رجل ..وهذا بالضبط
ما أوقفه عن اكمال ما بدأ مع وداد ..فهو للحظة لم يدرك ماذا يحاول اثباته؟ ..ولمن؟..
لنفسه ..أم لسهير؟..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
أنه ال يسعى اثبات أي شيء لنفسه فهو أدرى الناس بحاله ,فهل يسعى إلثبات أنه رجل
لسهير عن طريق خيانتها؟!!..
أي منطق أعوج استحوذ عليه حتى يأتي إلى منزل جده ويجر وداد إلى المقعد الخلفي لسيارة
رؤوف ليحاول اغراق ألمه في وقاحة أنوثتها..
انطلق فجأة في ضحك هيستيري ..قهقهات عالية انطلقت منه ودمعت لها عيناه ..مما أثار
تعجب وداد فسألته بحيرة:
استمر بالضحك وهو غير قادر على تفسير سبب قهقهاته ..فهل يخبرها أنه جاء لها في
محاولة إلثبات رجولته لزوجته ..وتخيل نفسه يخبر سهير..
343
"سهير حبيبتي ..أ ِ
نت مخطئة ..أنا رجل بكامل عنفواني ..ودليلي على ذلك أنني قمت
قيد القمر
بخيانتك في المقعد الخلفي لسيارة رؤوف الذي سوف يقتلني ما أن يسمع بذلك ..أو سيتركني
لشقيقتك لتسلخني حياً ..هذا إذا لم تسبقيها إ ِ
نت ..فلقد قتلتني حياً بكلماتك بالفعل"..
لم يستطع كبح جماح نفسه ..واستمر في ضحكاته العالية مما تسبب في اغضاب وداد التي
صاحت به:
نهى طلبة
ـ ماذا؟..
أجابها بجدية:
ِ
سمعت ..الليلة ..لن تمكثي ليلة اضافية في القصر.. ـ ما
سألته بلهفة:
اجابها بقوة:
ردد بذهول:
ـ ماذا؟
ـ ما سمعت يا حبيبي ..كم ستدفع حتى ال أذهب إلى زوجتك الحلوة الرقيقة وأخبرها عن
مغامرتنا معاً ..وأطلعها على رسائلنا ومكالمتنا أيضاً؟
خرج منذر من السيارة كالعاصفة وفتح الباب اآلخر المجاور لوداد وهو يصرخ بها:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ اخرجي..
عادت لتسأله:
ـ كم ستدفع؟..
جذبها من ذراعها بشدة ليخرجها من السيارة وهو يجرها عبر الممر الخارجي للقصر وصوالً
إلى درجات السلم الخارجي فكانت تتعثر بشدة بفعل جذبه لها حتى أنها سقطت أكثر من
مرة ..فارتفعت صراختها بشدة وهي تصيح به:
FB.com/groups/Book.juice
ضحك بسخرية:
تلعثم منذر بشدة ..ولم يعرف بم يرد على جده الذي أوضحت كلماته بأنه كان على دراية
بما يدور حوله ..فعاد جده يخبره وهو يشير إلى وداد التي تهالكت أرضاً:
ـ واآلن هل ستجمعين أشيائك وترحلين ..أم استدعي الشرطة ..فقد تبين لي أنني فقدت عدة
آالف من الجنيهات..
صرخت وداد:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ لقد ِ
كنت على وشك سرقة أحد أحفادي ..فإذا كان العقاب لسرقة أموالي هو السجن ,فإن
العقاب على سرقة أحد أحفادي هو الموت..
أما منذر فقد استقل السيارة ليخرج بها خارج القصر ..ويصفها بعيداً عنه بمسافة معقولة..
ليجلس ويحدق في الفراغ ..محاوالً التفكير فيما عليه فعله ..فالذهاب إلى زوجته ليس
بالبساطة التي أطلق بها جده األمر ..أنه يحتاج إلى تفكير عميق ولكنه مرهق بشدة ..لكنه
يجب أن يصل لحل ..وهو غير قادر على التفكير على اإلطالق ..أرهقه ما حدث للتو مع
وداد ,لقد كان غبياً ليتورط معها في المقام األول ..ترى هل سيبلغ جده سهير؟!!..
346
كال ..كال ..من المستحيل أن يقوم الجد بأمر كهذا ..ولكنه سقط من عيني جده ..وربما
قيد القمر
لألبد ..وهذا ثمن كبير ليدفعه مقابل نزوة حمقاء ..لكنه يستحق ..اليستطيع أن ينكر ..لقد
يصغ..
ِ حذره رؤوف م ار اًر وهو لم
"غبي ..غبي"..
نهى طلبة
انتفض جسده فجأة وهو يسمع صوت خاله عبد السالم وهو يفتح باب السيارة ويستقر في
الكرسي المجاور له ويسأله:
ـ خالي!!..
أجابه خاله:
ـ نعم خالك يا منذر؟ ..أين أنت يا ولدي؟ ..لقد أرهقتنا بحثاً عنك!
ـ ماذا تعتقد؟ ..هل تظن أنني قتلته! ..لقد سلمته لوالدتك ..وهي ستعرف كيف تقنعه
بالرحيل ..واال سيتدخل جدك ..ويقنعه بطريقته ..ال تقلق على شقيقك..
ـ كال يا ولدي ..لقد كنت أتمشى قليالً ..فهواء الليل ينقي األفكار ..ويجلي العقل..
ـ كال ..فالمنزل أصبح خالياً بعد زواج البنات ..ولم أعد أجد من أتسامر معه ..ولكن اهلل
بعثك لي الليلة ..فهي فرصة السترجاع بعض ذكريات الماضي التي أصبحت شموس تتبرم
من سماعها..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
أرجع عبد السالم رأسه الى الخلف ..وأغمض عينيه وهو يسترسل في الكالم:
ـ إن أكثر ذكرياتي ألماً وقسوة ..تلك المتعلقة بالفترة التي خسرنا فيها أنا وخالتك شموس..
FB.com/groups/Book.juice
ابننا ..الطفل الذي مات قبل أن يولد ..لذلك ال أستطيع ذكرها كثي اًر أمامها ..فهي ذكريات
مؤلمة كما تعلم..
أومأ منذر برأسه ولم يتحدث فهو ال يعلم إلى ما يهدف خاله ..ولكن عبد السالم لم َير حركة
رأسه فهو استمر باغماض عينيه وأكمل:
348
علي مرة أخرى الزواج من
ـ هل تعلم أن في ذلك الوقت أرسل لي جدك رؤوف ليعرض ّ
قيد القمر
نعمات ..وقد عزز عرضه بأن شموس فقدت رحمها وبالتالي فرصتها في اإلنجاب ..بالطبع
تستطيع االستنتاج أنني رفضت ذلك العرض..
ـ هل تعلم لماذا رفضته؟ ..وجلبت على رأسي غضب جدك ..الذي لم يتوقف..
نهى طلبة
ـ نعم من أجل خالتك شموس ..ولكن لم يكن ذلك لضعف أو تخاذل مني كما اتهمني
جدك ..فلو تغيرت األوضاع وفقدت شموس الولد فقط واحتفظت برحمها ,ربما طاوعت
جدك حتى ال أكون عاصياً ألمره وعاقاً له ..فالذرية هبه من الخالق ..ولقد ذاقت شموس
حالوة تلك الهبة ,ولكن فقدانها لرحمها غير قواعد اللعبة فأنا لم أرد لها أن تشعر بأي
نقص ..لم أرغب أن أعرض المرأة التي أحببتها الحساس أنها امرأة أقل من غيرها ..فقط
ألن القدر شاء أن تفقد رحمها ..قد ال تعلم احساس األنثى بأنها أقل من غيرها ..أو بأنها ال
تمنح رجلها ما يحتاجه ..ولكنه احساس قاتل ..لم أعشه أنا بالطبع ولكني رأيته بوضوح في
لي انني عشته ,فرفضت عرض جدك على
عيون زوجتي ..رأيته بوضوح شديد حتى ُخيل إ ّ
FB.com/groups/Book.juice
الفور..
رفع منذر رأسه فجأة وقد برقت في عقله إحدى جمل سهير والتي تغاضى هو عن تفسيرها
لشدة غضبه ..واخذت تلك الجملة تتردد بقوة..
"ألنني عاجزة عن الشعور بك ..عاجزة عن منحك مشاعر الزوجة العاشقة لزوجها ..عاجزة
عن حبك بالطريقة التي تريدها أنت"..
نهى طلبة
ثم عاد صوت خاله يعلو على صوت أفكاره مرة أخرى:
ـ بمناسبة الذكريات التي صاحبت تلك الفترة ..هل تعلم أن سهير قد مرت بتجربة سيئة
للغاية في تلك الفترة؟..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ لقد قررت جدة أمها أنه حان الوقت الجراء عملية ختان لها ,ولألسف استخدمت سيدة
ال من اللجوء لطبيب مختص حتى الستشارته إذا ما
بدائية وجاهلة للقيام بتلك العملية ..بد ً
كانت الفتاة بحاجة إلى تلك العملية ..لقد تعرضت سهير لصدمة رهيبة ,وآالم مبرحة ..حتى
أنها تعرضت للنزف ..ولكن بفضل اهلل كان نزيفاً بسيطاً..
اجابه خاله:
ـ أو ماذا يا خالي؟..
ـ شيء أخير أريد اخبارك به ..أعرف أن موافقتي على زواج رؤوف بنو ار عرضتني للكثير
من الشائعات ..حتى أن البعض اخبرني صراحة أنني قدمت ابنتي قرباناً للصلح مع أبي..
ـ خالي..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
قاطع عبد السالم كلماته وكأنه لم يتحدث على اإلطالق واستمر في حديثه:
ـ لم يكن هذا صحيحاً على اإلطالق ..فأغلى ما أملك هن بناتي ..وال يمكن أن أقامر على
سعادتهن أبداً ..لقد وافقت ألن رؤوف طلب نور القمر باالسم ..لم يتصرف كما هو معتاد
منه وطلب الزواج من سهير ألنها الكبرى وهو بالمناسبة لم يكن يعلم على اإلطالق بحبك
لسهير ..ولكنه طلب الزواج من نور القمر ألنه أرادها هي ..لم يطلب رؤوف لنفسه أي
شيء طوال خمسة وثالثون عاماً ..وعندما طلب ابنتي ,علمت أنه سيحافظ عليها
وسيسعدها ..وحمداً هلل لم يخب ظني..
FB.com/groups/Book.juice
ـ منذر يا بني ..ال تجعلني أتمنى لو أن رؤوف كان أتبع الطرق التقليدية..
اتسعت عينا منذر من قسوة الكلمة ..ولكن خاله عاد ليربت على كتفه بحنان:
351
ـ اعذرني يا ولدي ..فأنا أب يحاول حماية سعادة ابنته ..ومما آراه أن سعادتها معلقة بك..
قيد القمر
فال تخذلني ..وال تخذلها ..هيا ..أدر تلك السيارة حتى تصطجبني لمنزلي..
وهذا ما فعله منذر ..فقد قام بايصال خاله إلى منزله ثم ترك سيارة رؤوف بجوار المنزل
وأخبر خاله أنه سيذهب إلى منزله مشياً على قدميه ..ولكنه لم يتوجه إلى منزله ,بل ذهب
إلى مكتبه بالشركة ليجلس أمام حاسوبه ويتصفح كل ما أمكنه من مواقع تتحدث عن الختان
نهى طلبة
وآثاره المختلفة ..تابع بنهم جميع المعلومات التي تظهر أمامه من آراء فقهية وآراء علمية
وتجارب مختلفة إلناث تعرضن لتلك التجربة ..وتجارب أخرى ألزواج عانوا في عالقتهم مع
زوجاتهن وخاصة ممن تعرضن للتجربة بطريقة بدائية ووحشية مثلما تعرضت سهير..
التهم بحثه معظم ساعات الليل ..بعض األبحاث جعلته يظن أن الحل سهالً ..والبعض
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
اآلخر ضخم من حجم المشكلة ..حتى أنه لم يعد يعرف ماذا يفعل!!..
غالبية المشاكل التي قرأها كانت االجابة عنها ضرورة اللجوء إلى األطباء ..النفسسيين على
الخصوص ..ثم األطباء المتخصصين في االستشارات الزوجية..
اللجوء إلى الطب ..يبدو حالً سهالً ومريحاً ..ومحترفاً أيضاً ..لكن ..لكن هل يستطيع هو
القبول به ..واألصعب هل يستطيع تنفيذه؟ ..هل يسمح بقبول النصح من شخص غريب
تماماً ليخبره كيف يتعامل مع زوجته؟!!..
ال
عاد إلى الخلف في كرسيه حتى يصل لوضع أكثر راحة وهو يعصر خاليا عقله محاو ً
FB.com/groups/Book.juice
الوصول للحل األمثل ..ولكن فجأة داهمه سؤال هام ..هل ما يحتاجه هو بحث عن حل
فعالً ..هل الوضع بينهما مازال قابالً لالصالح..
لقد اخطأ كل منهما في حق اآلخر ..ولكن عليه أن يعترف أن مساحته من الخطأ أكبر..
فهو ترك األمر ليتفاقم ..هو من هرب من حزنها الدائم وتقوقعها على نفسها بعالقة خارج
إطار الزواج ..والخطأ الذي يعتبره األعظم على اإلطالق هو تجاهله لخوفها الغريب في ليلة
352
الزفاف ..لقد اكتفى بالوصول إلى ما يريد بعد ذلك عن طريق قرص المهدئ وأسكت ذلك
قيد القمر
الصوت الذي استمر في تحذيره ..أن ذلك لم يكن خوفاً طبيعياً على اإلطالق ..كان يجب
عليه البحث خلف أسباب ذلك الخوف ..وأن يضغط عليها حتى تصارحه ..ولكنه اختار أن
يتجاهل ذلك الخوف ..وبذلك حرمها حتى من اإلحساس باألمان..
عليه أن يوازن اختياراته ويفكر جيداً إذا كان حبه لسهير يستحق تضحيته بجزء ليس باليسير
نهى طلبة
على كرامة أي رجل والذهاب معها إلى طبيب مختص بالعالقات الزوجية..
****************
التقطت نعمات هاتفها لتجد عدداً من المكالمات الهاتفية ..تصفحتها بسرعة لتجد رقم رؤوف
يتكرر مرتين..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ابتسمت بسخرية..
"بالطبع ..البد أن فتاته الصغيرة اشتكت له الساحرة الشريرة العجوز وما فعلته بشقيقتها
الحسناء"..
"حسناً ..بهذه الطريقه ستلومه السمراء الصغيرة على تعاسة شقيقتها ..فعلى أي حال أنا
مازلت زوجته" ..
FB.com/groups/Book.juice
تصفحت باقي األرقام ..لتجد رقم غريب يتكرر أكثر من مرة ..تعجبت من ذلك الرقم وكانت
أكثر عجباً من تكرار الرقم..
ارتفع رنين الهاتف فجأة لتضيء شاشته بنفس ذلك الرقم المجهول ..فدفعها الفضول
لالجابة ..وما أن وضعت الهاتف على أذنها حتى وصلها صوتاً رجولياً يقول بعبث:
353
ـ يا ِ
لك من فتاة شقية!
قيد القمر
همست بارتباك:
نك ِ
لست جميلة فحسب ,بل ذكية أيضاً! ثبت أ ِ
ـ أعني ما قمت به نحو سهير ..لقد أ ِ
ـ جميلة!!..
نهرته في ضعف:
ـ أتعنين أ ِ
نك لم تتعرفي على صوتي إلى اآلن؟..
354
ارتفع صوتها وهي تجيبه:
قيد القمر
ـ أحب الفتاة الحازمة ..أنا قاسم يا حلوتي ..أنا فارسك المنقذ يا فاتنتي..
نهى طلبة
*************
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
FB.com/groups/Book.juice
355
الفصل العشرون
قيد القمر
وضعت نو ار سماعة الهاتف بعد ان اطمأنت من والدتها على أخبار منذر ..فعلى األقل
استطاع والدها الوصول إليه والحديث معه ..ولكنها كانت في غاية القلق على شقيقتها والتي
تركت هاتفها في غرفة نورا ..ولم تجد طريقة لالطمئنان عليها_بعدما قام رؤوف بايصالها_
إال بمحادثة عمتها ..وهي لم تجد لديها رغبة في ذلك..
نهى طلبة
ـ أنت محق ..ال أصدق أن كل تلك األحداث مرت في يوم واحد فقط..
قبل خصالت شعرها الثائرة بخفة ..وأدارها ليكون ظهرها مستريحاً على صدره وأخذ يمسد لها
كتفيها برقة وهي استكانت على وضعها ذلك ومددت قدميها على األريكة أمامها ..تشعر
أنها آمنة ومحمية بين ذراعيه ..فأغمضت عينيها بوداعة عندما سمعت سؤاله:
ِ
استغرقت في النوم؟.. ـ قمر ..هل
FB.com/groups/Book.juice
ـ يجب أن تجد حالً لمنادتي ب ـ قمر ..قد تسمعك عمتي يوماً ..وتظن أنك تقصدها هي
فتشك في قواك العقلية!..
وضع رأسه على كتفها ورفع ذقنها بيده وهو يهمس بجوار اذنها:
356
ـ ال ترواغي ..وال تتهربي من االجابة..
قيد القمر
همس بحزم:
نهى طلبة
ـ نورا!!..
حاولت نو ار التملص من قبضته التي تتمسك بذقنها بقوة ,لكنه لم يفلتها ..فاستسلمت لتخبره:
ـ نعم ..نوعاً ما ..أنا ألومك ..كما ألوم نفسي ..لقد جرحت سهير بشدة بفعل تلك المشاهد..
وازدادت مشكلتها تعقيداً ..وكل ذلك بسبب انتقام سخيف من امرأة مجنونة..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
جذبت ذقنها بعنف من قبضته وهي تعتدل في جلستها على األريكة هاتفة:
ـ ال أفعل ماذا؟ ..تلك السيدة حاولت هدم زواج شقيقتي ..وأنت غاضب ألنني دعوتها
بالمجنونة..
قطعت نو ار كالمها ..وهي تضع يدها على بطنها ..وتطلق تأوهاً خفيفاً..
FB.com/groups/Book.juice
جعله يتحرك بسرعة وهو ينزل أمامها على ركبتيه ويضع يده فوق يدها المستريحة على
بطنها ويسألها بقلق:
ـ ماذا ِ
بك؟ ..ما الذي يؤلمك؟..
357
قبل أن تجيبه شعر بيدها تتحرك بخفة تحت يده ..فجذب يده بخوف وهو غير مدرك
قيد القمر
لوصف ما حدث ..فما كان من نو ار إال انها سحبت يده لتضعها على بطنها مباشرة ..فشعر
برجفة خفيفة تحت يده ..حركة تشبه رمشة الجفن عندما تستشعرها بباطن يدك ..ارتعد
جسده بالكامل متجاوباً مع تلك الحركة..
وهمس بتأثر:
نهى طلبة
ـ هل هذا...
سألها بخوف:
ـ هل تؤلمك؟..
ـ كال ..أنني اعتبرها وسيلة اتصال بيننا ..ولكن أحياناً تؤلم قليالً..
ابتسم لها:
عاندته بقوة:
لها:
ساد الصمت لفترة ظل رؤوف فيها يمسد بطن نو ار برقة وكأنه يبحث ركلة أخرى ..عن
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
قالت نو ار بهدوء:
ـ لقد أخبرتني أمي أن تلك الحرباء قد رحلت ..ولكني ال أعلم هل رحيلها هذا دليل على
خسارتها ..أم خسارة سهير ..جدي لم يوضح ما حدث ألمي ..كما أنه منعها هي وعمتي
قمر من الحضور إلى القصر ليتفاهما مع نعمات..
ـ يتفاهما معها!! ..تلك ما أخبرتني به أمي ..جعلت األمر يشبه تدابير عصابات المافيا..
FB.com/groups/Book.juice
أجابها بثقة:
ـأ ِ
نت أخبرتني بقصة عشقهما الطويلة ..لو كان ما أخبرتني به صحيحاً فهو لم يفعلها..
نهى طلبة
سألته:
ـ جدًا ..جداً..
ِ
عليك ـ وشقيقتك أيضاً واثقة ..واال ما كانت عادت إلى بيته ..هيا ..لتنامي ِ
فأنت يبدو
االرهاق جداً ..وأنا سأنهي بعض األوراق في المكتب ..ثم أنام..
غمغمت برقة:
لف إلى الجهة األخرى من الفراش وصعد إليه ليضمها بين ذراعيه ..ويحتضنها بقوة ..وهو
يخبرها:
***************
360
جلست سهير في نافذتها كالعادة تتأمل اختفاء الخيوط السوداء من األفق وظهور آشعة
قيد القمر
الشمس على استحياء وكأنها تشعر بمدى األلم األسود الذي تراكم بداخل سهير حتى ظنت
أن خيوط الشمس نفسها والتي تغمر الكون بضيائها عاجزة عن كشف ولو جزء صغير من
ذلك الحزن القاتم والذي سكن روحها وقلبها ..عندما لفت انتباها صوت الباب الخارجي
للجناح فرفعت عينيها لتلمح منذر يدخل الغرفة وهو يجرجر قدميه وقد بدا اإلرهاق على
مالمح وجهه ..وما أن رآها حتى ظهرت الدهشة على وجهه ..فيبدو أنه لم يتوقع وجودها
نهى طلبة
في المنزل ..أربكه مظهرها لوهلة ..ثم حاول الحفاظ على هدوئه وهو يتجاهل وجودها
تماماً ..فبدأ بخلع مالبسه بهدوء..
ألقى قميصه على الفراش بإهمال ..وفتح خزانته ليلتقط مالبس نظيفة ..ثم دخل إلى الحمام
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ظلت سهير ترقبه حتى أغلق باب الحمام خلفه ..وهنا سقطت دموعها بغ ازرة ..لقد تجاهل
وجودها تماماً ,صحيح أنه لم يستطع اخفاء دهشته لرؤيتها في البداية إال أنه تصرف بعد
ذلك وكأنها غير موجودة ..كأنها طيف غير مرئي ..أو شبح خفي المرأة اعتاد على
وجودها..
متى قامت بتحويل مظهرها إلى تلك المرأة التي تطل عليها من المرآة ..أنها ال تتذكر..
FB.com/groups/Book.juice
ال ..إن آخر ما تتذكره هو إصرارها على دخول منزلها بمفردها ومنعت رؤوف من
مه ً
اصطحابها للداخل ..ال تدري من أين اتت بتلك اإلرادة الحازمة ..ولكنها وجدت نفسها تأمره
بحزم بأن ينصرف وأن يمنع والدتها من اللحاق بها ..ثم دخلت منزلها وحيت عمتها قمر
بشرود لتصعد إلى غرفتها بعد ذلك ..وماذا بعد؟ ..أنها ال تتذكر..
361
أغمضت عينيها وهي تضغط على خاليا عقلها وتجبرها على التذكر ..فرأت نفسها تمأل
قيد القمر
مغطسها بالماء والكثير ..الكثير من العطور القوية لتغرق نفسها بداخل تلك المياه ذات
الرائحة النفاذة والخانقة حتى أوشكت بالفعل على االختناق ..ثم أنهت حمامها لتذهب وتقلب
بين غالالت نومها لترتدي أكثرهم كشفاً لجسدها ..التفتت نحو منضدة الزينة وبدأت تضع
زينة لوجهها ولكنها وجدت أصابعها ترسم مالمح امرأة مختلفة ..فبدالً من أحمر الشفاه
ال من ظالل جفونها بلون السماء الصافية..
الوردي الهادئ استخدمت األحمر الداكن ..وبد ً
نهى طلبة
استخدمت آخر له لون رمادي يكاد يقترب من األسود ..ووجدت يدها تقترب من الكحل
األسود ألول مرة لتحدد عينيها ببراعة لم تعتقد أنها تمتلكها ..وأخي اًر بعدما انتهت رمقت تلك
التي تقابلها في المرآة وقد تحولت إلى امرأة ذات أنوثة متوحشة..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
لم تدري لما قامت بذلك ..من الممكن أنها أرادت دعم ثقتها بنفسها ..أو أنها رغبت في أن
تكون سهير مختلفة عن تلك المتخاذلة التي لم تعرف كيف تدافع عن بيتها ..بل دفعت
عيني منذر فيدرك ما فاته بترك
ّ بزوجها إلى أحضان امرأة أخرى ..أم أنها أرادت أن تبهر
نفسه يسقط بين أحضان الخيانة..
كل ما أدركته وأرادته أنها أرادت أن تخرج من عباءة المرأة الطفلة ..لتصبح أنثى تدافع عن
كرامتها التي أضاعها زوجها بخيانته لها ..هي ال تنكر أنها ضغطت عليه وأهانته بشدة
برغم أنها لم تتعمد ذلك ,ولكن هل رده عليها يكون بالخيانة ..لقد أباح لنفسه الخيانة حتى
يسترد رجولته التي جرحتها بغبائها ..ولكنه لم يفكر في كيفية جبر كسر أنوثتها المهدرة وهي
FB.com/groups/Book.juice
تصارحه بأنها زوجة عاجزة وفاشلة ..لم استمع فقط إلى كلماتها التي انتقصت من عنفوانه
ولكنه اختار صم أذنيه عن ما قالته في حق نفسها..
لقد ازداد الموقف تعقيداً ..ولم تعد تعرف ما الحل ..هل تتغاضى عن خيانته ,مقابل أن
يسامحها على زلتها في حق رجولته؟ ..هل هذا هو الحل؟..
362
تشعر أنه حل مشوه وملوث ..ولن يغير في الوضع الحالي شيئاً ..سيستمران في اداء
قيد القمر
تمثيلية سخيفة أمام الجميع حتى يسأم أحدهما من لعب دوره فيهدم كل شيء مثلما حدث
اليوم..
أخرجها من أفكارها انقطاع صوت المياه بداخل الحمام ..مما يعني قرب المواجهة..
مسحت دموعها بهدوء ..وتحركت ناحية الفراش لترفع مالبس منذر الذي ألقاها بإهمال,
نهى طلبة
فلفت انتباهها لطخة حمراءعلى ياقة قميصه ..تأملتها قليالً ,ثم أدركت ماهيتها ..فجعدت
القميص وألقت به بقوة نحو باب الحمام في نفس اللحظة التي خرج بها منذر من الحمام..
فالتقط القميص الطائر بإحدى يديه وهو يحاول اخفاء ارتباكه بعودتها والتغلب على ما
يعتريه لرؤويتها بذلك المظهر المهلك ..لقد فوجيء بعودتها ..لم يظن أبدًا أنه سيعود ليجدها
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
في انتظاره ..كان يتمنى أن يمدد جسده فقط ليحصل على قسط بسيط من الراحة ..ويرتب
أفكاره جيداً ..ثم يذهب ليراها ليحاوال معاً تحديد مصير زواجهما ومقدار التنازل المطلوب
من كالهما ليستطيعا النجاة بحياتهما معاً بعد أن جنحت عالقتهما وكادت أن تتحطم على
صخور الواقع ..الواقع الذي ظلت تهرب منه سهير لشهور ..والبد من مواجهته اآلن..
حسناً فعلت بعودتها إلى المنزل فالمواجهة ستتم حتماً ..واألفضل أن تكون عاجالً وليس
آجالً ..ولكن هل يجب عليها أن تبدو بتلك الروعة! ..همس لنفسه بغيظ..
"يا الهي ..هل تحاول قتلي بمظهرها ذاك ..هل من الممكن أن تكون تلك األنوثة الصارخة
FB.com/groups/Book.juice
غير قادرة على الشعور بشيء ..أنها تبدو مهلكة ..برغم زينة وجهها المبالغ فيها والتي
حاولت بها الظهور بمظهر مبتذل إال أنها لم تنجح ..فهي تبدو كما ينبغي أن تكون األنثى
الكاملة"..
ـ حسناً ِ
فعلت ..ذلك القميص قذر بالفعل ويجب غسله.
363
أجابته بقوة وهي تحاول التمسك بقناع المرأة الواثقة:
قيد القمر
ـ بل يجب حرقه.
ألقى القميص من يده بإهمال وهو يلتفت إليها متسائالً وهو يحرك سبابته ألعلى وأسفل
مشي اًر إليها محاوالً أال يبدو متأث اًر بها:
ـ ماذا ِ
فعلت بنفسك؟..
نهى طلبة
ـ ال تقلبي األدوار يا سهير ..مازالت كلماتك تدوي في أذني ولم يخف تأثيرها بعد.
قررت مصارحته ..فتحركت حتى وصلت إلى القميص الملقى أرضاً ..وتناولته لترفعه في
وجهه وهي تشير إلى بقعة أحمر الشفاه:
فوجئ بمعرفتها ,بل صدم ..هل علمت أنه ذهب لخيانتها ..خيانتها فعالً ..ورغم ذلك عادت
إلى بيته ..عادت إليه ..هل من الممكن إنه يوجد بصيص من اإلمل لتلك العالقة بعد كل
FB.com/groups/Book.juice
شيء..
سألها بحيرة:
ِ
ولكنك هنا.. ـ تعرفين..
همست بألم:
364
ـ نعم ..أنا هنا..
قيد القمر
ذاهالً سألها:
ـ هل تستطيعين الغفران؟..
سقطت يديها إلى جانبها فسقط معها القميص أرضاً وجرت دموعها على وجنتيها:
نهى طلبة
ـ ال أعلم..
سألها ثانية:
همست ثانية:
ـ ال أعلم..
ِ
ولكنك هنا.. ـ
أومأت بعجز:
ـ ولكنني هنا..
FB.com/groups/Book.juice
تحرك مقترباً منها يختصر المسافة التي بينهما فخطى فوق قميصه الملقى أرضاً ..وحاول
أن يتمسك بيديها إال أنها أبعدتهما وهي تخبره:
اندفعت العبرات من عينيها وشعرت أنها ستختنق بشهقاتها وهي تجهش بالبكاء:
ـ أعرف..
ـ ِ
لكنك ال تعلمين أن وجودك هكذا قريبة مني أكاد أشعر بدقات قلبك تعانق دقات قلبي..
وأنافسي تداعب جبهتك فتطاير خصالتك لتداعب وجنتي ..هذا القرب ..هذه النظرات
الحائرة التي تصرخ بحبك لي ..تؤثر بي ..اكثر من اآلالف من قبالتها..
ـ آآآآآآآآآه
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
صرخة انطلقت من اعماقها وهي تتهاوى ارضاً على ركبتيها ..دافنة رأسها بينهما ..جسدها
ينتفض من عنف بكائها ..تسأله وهي تكاد تختنق من شهقاتها:
ـ قبلتها!!..
هبط منذر أمامها وهو يحاول ضم جسدها المنتفض لصدره وأراح رأسه فوق خصالتها
المنتشرة:
ـ سهير ..ال تفعلي ذلك بنا ..دعينا نبدأ من جديد ..وننسى كل ما فات..
FB.com/groups/Book.juice
ـ كال ..يجب توضيح كل شيء ..ال يمكن أن نبدأ من جديد وهناك خيوط قوية تشدنا
للخلف ..لن يستقيم األمر..
شهقت متفاجأة:
ـ كل شيء ..كل ما ِ
أردت اخباري به ..ولكن غروري ..منعني من االستماع ..فزعك ليلة
زفافنا ..نظراتك الضائعة ونحن معاً ..لقد فهمت ..كل شيء ..وهذا ليس خطأك..
ـ كيف ليس خطأي ..لقد دفعتك بعيداً ..ألقيتك بيدي إلى امرأة أخرى لتمنحك ما عجزت أنا
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ حسناً ..كالنا أخطأنا ..ولكننا نستطيع تعديل األمور واصالحها ..نحن من نتحكم بحياتنا
وليس أحداً آخر..
ـ كال ..إن األمر لن يكون بتلك السهولة ..وسنواجه عقبات ومصاعب عدة ..ولكنه
يستحق ..زواجنا يستحق ..فأنا لن أرغب بامرأة غيرك ..ولن أسمح ِ
لك أن تكوني مع رجل
سواي ..لذلك ال حل أمامنا إال أن نصلح من حياتنا ونعمل على انجاح زواجنا..
367
سألته بحيرة:
قيد القمر
ـ ماذا تعني؟..
اجابها بحماس:
ـ لقد قضيت الساعات الماضية اتصفح على شبكات النت كل ما يتعلق بموضوع الختان..
نهى طلبة
سألها بلوم:
اك..
ـ كم أحبك ..أنت وحدك من تملك سعادتي وشقائي ..أحبك ..ومستعدة أن أبتعد عنك ..أن
أضحي بوجودي إلى جوارك ,لو كان في ذلك سعادتك..
ضمها لصدره بقوة فشعرت كأنه يريد زرعها بين دقات قلبه ..وهمس لها بحب جارف:
ـ لن أتركك تبتعدين عني أبداً ..اصالح ما أفسدناه في حياتنا سهل جداً ..ولكن التزامنا
بخطواته هو التحدي..
FB.com/groups/Book.juice
أومأت موافقة:
368
ـ أعلم ..وأمي منتظرة إشارة مني حتى تحدد لي موعد مع طبيبة مؤتمنة وهي على عالقة
قيد القمر
طيبة بها..
زفر بارتياح ..فقد هونت عليه نصف المسافة ..شكر بينه وبين نفسه خالته شموس ..أنها
سيدة رائعة بالفعل..
ابتسم بسعادة:
نهى طلبة
ـ أعلم ..لقد بحثت أنا أيضاً طويالً في الموضوع ..وأعلم مدى التضحية التي ستقوم بها
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ هل تعلمين ..وأنا جالس في مكتبي أفكر في األمر وكيف أنني سأدع شخصاً آخر ..حتى
ولو كان مختصاً يخبرني كيف أعامل زوجتي ..انتابتني الهواجس وترددت كثي اًر ..ولكن ما
ولكنك قم ِت بذلك
ِ أن دخلت إلى جناحنا ألجدك بتلك الروعة ..في كامل زينتك وروعتك..
لكل األسباب الخاطئة ..حتى تبخر كل ترددي واختفت كل هواجسي ..فأنا أريدك بكل تلك
الروعة ..ولكن لتكوني ..سهير وليس أي شخص ًا آخر تختفين خلف قناعه..
FB.com/groups/Book.juice
اجابها ببساطة:
369
سمحت لي بجرحك ..حتى ال تكوني أ ِ
نت البادئة بجرحي ..كيف ِ ـ لقد أحببتني لدرجة أ ِ
نك
قيد القمر
ثم رفع رأسها عن صدره وهو يتناول إحدى المناشف النظيفة ..ليمسح زينتها الكثيفة..
ويخبرها بهدوء:
ابتسمت له بحب وهي تساعده بإزالة القناع المخادع الذي حاولت اإلختفاء خلفه ..فهي لم
تعد بحاجة إلى اإلختباء بعد اآلن ..فقط تحتاج للدعم والحماية األمان والحب ..الكثير من
الحب ..وهو ما يمنحه لها منذر بال حدود..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
*****************
كانت سهير تسير بجانب منذر وهما متشابكي األيدي ..على كورنيش األسكندرية ..وهي
تشعر براحة ال حد لها ..راحة لم تتصور يوماً أن تعرفها..
اجابته بابتسامة:
ـ نو ار فقط!..
ـأ ِ
نت مخطئة ..فانتقالنا إلى هنا كان بفضل رؤوف وأفكاره..
هتفت بذهول:
ـ حقاً..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ابتسمت له بسعادة لم تظن أنها ستجدها يوماً ..حتى بعد مصارحتهما ,بل مواجهتهما
األخيرة ..لم تكن تعتقد أنها من الممكن أن تعود لتبتسم بسعادة حقيقية وليست ادعاء أو
FB.com/groups/Book.juice
تظاهر..
استرجعت في ذهنها أول لقاء مع طبيبتها النفسية ..تلك المرأة الهادئة صاحبة االبتسامة
الدافئة والنظارة ذات اإلطار الفضي األنيق ..والنظرات التي تمنحك إحساس بأنك في
بيتك ..لقد فهمت لحظتها لما أصرت والدتها على مقابلة تلك الطبيبة ..فهي تدعى حنان
371
وهي بالفعل ينبوع من الحنان واالطمئنان ..باإلضافة لمهارتها الطبية ..ففي لقاءها األول
قيد القمر
كانت سهير خجلة ومحرجة للغاية ..لكن الطبيبة ..امتصت كل ذلك في سرعة وسهولة غير
عادية ..حتى وجدت سهير نفسها تبوح بكل ما في نفسها ..حتى ما خجلت عن اإلفصاح
عنه إلمها أو منذر..
نهى طلبة
ـ أوالً يجب أن تعلمي ..أنه ال عيب أن تكوني انثى جميلة ..بل ذلك يدعو إلى الفخر..
مرتان وليس مرة واحدة ..مرة لكونك أنثى ومرة لكونك جميلة ..ال تجعلي مالحظة جدتك
حول جمالك وربطك لما قامت به بذلك الجمال ..ال تخشي جمالك ..اتركي زوجك يتمتع
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
به ..حتى بمتعة النظر له ..ال تخفيه ..أو تداري أنوثتك خلف مالبس فضفاضة ..وأنا اتكلم
عن وجودك في منزلك ومع زوجك بالطبع..
ِ
ولكنك أقوى من تدعيها تتحكم بحياتك ..أو تفسد عالقتك مع زوجك..
لقد تكلما معاً لساعات ..حتى انتبهت الطبيبة فجأة ..وهي تخبرها بمزاح:
ـ أنا آسفة..
ـ ماذا ِ
بك يا فتاة أنني أمازحك فحسب!..
نهى طلبة
ِ
سئمت مني بتلك السرعة!.. ـ هل
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ سهير لقد بدأنا اليوم أول خطوة في طريق العالج ..مازال أمامنا طريق طويل ..يجب
االلتزام بمواعيد الجلسات ..وعلى زوجك أيضاً أن يكون في مثل التزامك ..فسأطلب منه
أحياناً ..اإلنضمام إلينا ..هل هذا واضح؟..
ـ هناك أيضاً مستشارة العالقات الزوجية ..وهي طبيبة صديقة لي ..ومن حسن حظك أنها
نت أخبرتني أ ِ
نك على وشك اإلنتقال الى هناك ..ستبدآن تلك الجلسات تقيم باالسكندرية ..أ ِ
FB.com/groups/Book.juice
بعد فترة بسيطة ..فأنا أفضل أن نمر بعدة جلسات نفسية أوالً ..حتى تكوني في وضع
أفضل لتقبل نصائح تلك الطبيبة..
ـ حسناً ..أر ِ
اك األسبوع القادم..
373
عادت سهير من ذكريات ذلك اللقاء لتمسك بيد زوجها بقوة ..ذلك الرجل الذي أثبت لها قوة
قيد القمر
حبه بكل طريقة ممكنة ..لقد تعاهدا على أن يبدآ من جديد ..وهو مازال بجوارها إلى اآلن..
يتحمل خجلها الذي لم تستطع التخلص منه بالكامل ..حتى بعد مرور شهرين على
وصولهما لألسكنرية ومقابلة الطبيبة التي رشحتها الدكتورة حنان..
لقد ترددا يومها في الذهاب ..حتى أنها اتصلت بالعيادة حوالي خمس مرات لتلغي الموعد ثم
نهى طلبة
تعود وتتصل لتأكيده ..كان منذر أيضاً متوجساً ..يراقبها وهي تلغي الموعد تارة وتأكده تارة
أخرى وهو صامت ..متخوف من الذهاب ...ولكنه في المرة األخيرة التي حاولت فيها إلغاء
الموعد ..منعها ..وطلب منها بحزم أن تستعد للذهاب..
وكان الموعد األول نقطة تحول ..في حياتها ..فالطبيبة كانت تحاورهما بسالسة ..وكانت
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
في غاية اإلحتراف ..وهي تضع معهما بضع قواعد لتجعلهما يتبعانها بحزم ..يومها ابتسمت
باحترافية وهي تنظر لمنذر:
ـ أنا لن أفرض عليك ..طريقة تعاملك مع زوجتك ..أو أضع لك الئحة بما عليك القيام به..
لحظتها اصطبغ وجه سهير باللون القرمزي ..فنظرت لها الطبيبة ..ثم عاودت النظر لهما
معاً:
ـ بالطبع..
المشكلة ..ليست عويصة كما تتخيالن ..والحل منحه لنا اهلل سبحان وتعالى في كتابه
الحكيم"..وقدموا ألنفسكم"..
ـ أعتقد أنك بدأت تفهمني يا سيد منذر ..إن تلك اآلية الصغيرة ..تعددت تفسيراتها ..ولكن
نهى طلبة
ـ واآلن يا سهير ..إن تقرير الطبيبة النسائية مبشر جداً ..لكنني أريد ِ
منك بعض التعاون مع
منذر ..حاولي أن تسترخي ..ال تراقبي ما يحدث بينكما ..تذكري دائماً أ ِ
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
كانت سهير تشعر بلونها يتحول إلى األحمر القاني ..ولكنها كانت منتبهة لحديث الطبيبة
ومشدودة له بقوة ..فهي أخذتهما في رحلة بسيطة ولكنها مفيدة لتساعدهما على تكوين عالقة
زوجية ترضيهما مع ًا..
وهذا ما حدث تقريباً ..لقد توطدت عالقتهما الروحية قبل الزوجية ..واتبعا تعليمات الطبيبة
FB.com/groups/Book.juice
بدقة ..وتستطيع اآلن أن تقول أنها حقاً سعيدة ..هذا ال يعني أن حياتهما كاملة ..فهما
مازاال يتابعان مع كلتا الطبيبتين ولكن عدد مرات ترددهما أصبح أقل بكثير عن البداية..
ال تنكر أنه تمر بينهما بعض األوقات يشعران فيها بالقلق ..والخوف من العودة إلى الوراء..
إال أن الصلة الروحية التي زادت بينهما بشدة نتيجة تشاركهما تلك المشكلة ..كانت ما
375
ينقذهما من الوقوع في براثن الفشل ..فهما مصران على إنجاح زواجهما ..وتقوية عالقتهما
قيد القمر
مهما كلفهما األمر من مجهود ..ووجودهما هنا في األسكندرية وحدهما وبعيداً عن الجميع..
ساعدهما على ذلك كثي اًر..
.
376
الخاتمة
قيد القمر
اندفعت سهير تركض بسرعة بين طرقات المستشفى ..حتى وصلت إلى طابق الوالدة..
فوجدت ..الجميع متواجد ..والدها ووالدتها ..ورؤوف وعمتها قمر بالطبع ..ولكن رؤوف
كانت تبدو على وجهه مالمح الرعب الشديد..
وهو يذرع ممر المستشفى ذهاباً واياباً متمتماً ببعض اآليات القرآنية..
نهى طلبة
ـ متى وصلتما؟..
أجابتها سهير:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
طمأنتها شموس:
كادت تفلت قهقه من سهير ولكنها تحكمت في نفسها ..وهي تعاود السؤال:
تأملت شموس التغيير الذي أصاب ابنتها ..فهي أصبحت أكثر انفتاحاً ..أكثر ارتياحاً..
نهى طلبة
أجابتها:
ـ ال تهتمي ..إنه يريد فتاة ..وهي عندما علمت أن الطفل صبي ..كانت تجاريه فحسب..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
أظن أنه متأكد أنها تحمل ولده وليست ابنته ولكنه يشاكسها فحسب..
ابتسمت سهير بمرح وهي تتبادل نظرات دافئة مع منذر الذي كان يلوح لها خفية ..وعندها
انطلق صوت صراخ طفل صغير لينبأ باشراقة حياة جديدة..
تحرك رؤوف بسرعة ..نحو غرفة العمليات ..فخرجت إحدى الممرضات وهي تبتسم له:
خر رؤوف ساجداً ليشكر ربه على المنحة الرائعة وكذلك عبد السالم الذي حمد ربه أوالً على
سالمة ابنته فهو كتم رعبه منذ أن علم أن نو ار داهمتها آالم المخاض ..ال يريد تذكر ذلك
FB.com/groups/Book.juice
اليوم الذي دفن فيه ابنه ..بدون حتى أن يرى عينيه مفتوحتين حتى ليعرف ما كان لونهما..
اندفع رؤف نحو حجرة الوالدة ..ليجد نو ار تحتضن ابنهما ..قريباً من قلبها ..وتبدو على
مالمحها معالم اإلرهاق الممتزجة بسعادة صافية..
تحرك ليجلس بجوارها ..ولفها بذراعه ..ليضمها هي وابنهما تحت جناحه ..ويطبع قبلة
طويلة على جبهتها ..وهو يهمس:
نهى طلبة
ـ لماذا األسف؟..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
اجابها بحب:
ـ لقد أر ِ
هقك ابني حتى يخرج إلى الدنيا.
ـ أحبك..
ـ لن أستطيع االنتظار حتى تنقلوها إلى غرفة خاصة ..سأراها اآلن ..وماذا في ذلك ..أنها
FB.com/groups/Book.juice
ِ
سلمك اهلل يا أمي.. ـ
379
والتفتت لوالدها:
قيد القمر
اقترب أبوها ليحمل الطفل الصغير ويتجه نحو رؤوف الذي نهض ليقف بجانب الفراش عند
دخولهما..
حمل رؤوف الطفل برعب شديد ..كان خائفاً أن يسقطه ..ولكن ما أن حمله حتى فتح
الصغير فمه الوردي كأنه يتثائب ثم ظهرت بسمة خفيفة على وجهه..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
فصاح رؤوف:
هتفت نو ار بغيرة:
ـ ال أصدق بعد كل ما عانيته في حمله ووالدته يبتسم لك ..وأنت من كنت تدعوه بالفتاة
طوال فترة الحمل..
اجابها رؤوف:
FB.com/groups/Book.juice
ـ هذا يعلمك أن تستمعي لكالمي المرة القادمة ..وأنا أخبرك من اآلن أنني أريد فتاة صغيرة..
ارتفع ضحكات الموجودين من حولهما ..وتنحنحت الممرضة تطالب الجميع بالخروج حتى
يمكن لألم الصغيرة أن ترتاح..
380
قبل أن يخرج أذن رؤوف في أذن ابنه اليمنى ..وأقام الصالة في أذنه اليسرى ..ثم سلمه
قيد القمر
***************
وقف منذر وسهير يراقبان الطفل الصغير والذي بدا هادئاً كمالك صغير..
أسكتها:
ـ هشششش ..ابتعدي عنه ..إن شقيقتك في الغرفة المجاورة وقد نامت للتو ..ولو علمت أ ِ
نك
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ أنا!! ..أواجه أختك المتوحشة ..إن الجميع يمشي على أطراف أصابعه منذ والدتها ..خوفاً
منها ..ألن تعود الى بيتها؟.
FB.com/groups/Book.juice
ابتسمت سهير وهي تتأمل الرضيع الصغير الذي بلغ أمس شهره األول..
أجاب بوقاحة:
تملصت منه:
ـ آه ..أعتقد إنك يجب أن تعتاد على الشوق قليالً ..فالطبيبة أخبرتني اليوم أنني حامل في
األسبوع الخامس..
ـ حقاً!..
ـ ستقتلك نورا..
اجابها بجدية:
FB.com/groups/Book.juice
***************
يوماً مشهوداً بحق ..وقف فيه الجيزاوي الكبير بنفسه ليشرف على الذبائح ..والموائد التي
امتدت في حديقه قصره ..وجاءت جموع الناس لتهنئ العجوز وحفيده الشاب بوريث عائلة
الجيزاوي الصغير..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ابتسم عبد الرؤف ..لقد أطلق رؤوف على ابنه اسم نور الدين ..يعلم أنه أطلقه عليه ألنه
مشتق من اسم نورا ..تلك الفتاة الرائعة التي اضاءت حياة حفيده ..بعد أن عاش سنوات
عجاف..
أخذ يتأمل أحفاده جميعاً وقد رفرفت السعادة عليهم ..وحمد ربه أن مد في عمره حتى يرى
ذلك اليوم..
ـ هات ما عندك..
ـ هلل في خلقه شئون ..حمداً هلل أن رؤوف لم ينجب منها ..لكان اضطر أن يدفن باقي
سنواته معها..
وافقه العجوز:
ـ لقد اضطرت لذلك ..وحمداً هلل أنها كانت تعيش في فترة تخبط فوافقت بسرعة بدون أن
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ حمداً هلل أن رؤوف استطاع على مدار السنوات الماضية شراء ممتلكاتنا منها مرة أخرى..
وبهامش خسارة ال يذكر
ـ نعم ..ال أصدق أنني كدت أخدع بدموعها عندما أتى رؤوف في صباح ذلك اليوم بعد ما
حاولت بدناءة تحطيم سهير ..لقد ارتفع صوته عليها ألول مرة حتى أنني كدت أن أنهره
ال من على صدره..
على ذلك ..وأخي اًر ألقى يمين الطالق ..لقد شعرت أنه أزاح جب ً
FB.com/groups/Book.juice
*******************
وقفت نو ار بجانب سهير وهما تتلقيان التهاني من نساء البلدة ..فأخي اًر دخل الفرح قصر
الجيزاوي ..بعدما هجرته السعادة لفترة ليست بالقصيرة..
لمحت نو ار شقيقتها وهي تراقب زوجها بمحبة ..فاقتربت منها أكثر لتبعدها عن آذان النساء
نهى طلبة
ـ تحبينه يا سهير؟..
مسدت سهير على بطنها وكأنها تداعب طفلها وهي تجيب على سؤال نورا:
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـأ ِ
نت من تسألين يا نورا!! ..أنا ال أحبه فقط ..أنا أعشقه..
ِ
تمكنت من مسامحته؟.. ـ هل
ـ لقد منحته السماح عن كل اخطائه الماضية والمستقبلية عندما أحببته ..أنني سامحته..
نعم ..منذ سنين من قبل حتى أن يجرحني ..لكن هناك النسيان ..وهو يسعى جاهداً حتى
FB.com/groups/Book.juice
استمعت شموس التي كانت قريبة من ابنتيها إلى حوارهما ..وقد أدركت أخي اًر مكمن قوة
سهير ..قد تبدو نو ار جامحة ومسيطرة أحياناً ..لكن القوة التي تملكها سهير أكبر بمراحل..
فالقوة التي تمكن اإلنسان من المسامحة وغفران اإلساءة ليس سهل امتالكها ..وسهير ُمنحت
تلك القوة كما منحت الهبه الستغاللها...
385
********************
قيد القمر
استيقظت نو ار على صوت بكاء نور الدين ..فتحركت من فراشها لتجد إن رؤوف يرفع
ابنهما من مهده ويهدهده بين ذراعيه ..كما الحظت وجود دفتر رسم كبير ملقى بجوار
الكرسي المجاور للمهد..
ضحك بسعادة:
لكزته في كتفه:
ِ
استخدمت العلبة الموجودة في درج المنضدة أم ال؟ ـ إذاً ..هل
اجابته بهمس:
ـ نعم استخدمتها.
FB.com/groups/Book.juice
سأل بأمل:
ـ و...
ضحكت بعبث:
نهى طلبة
ضمها إلى صدره وهو يمنحها قبلة طويلة ..ثم همس لها:
ـ صباحك سكر..
عصير الكتب للنشر اإلليكتروني
ـ اآلن بعد أن تأكدت أنني حامل في ابنتك تذكرت أن تمنحني تحيتي الخاصة!
نظر إلى عينيها وكل مالمحه ترسم لوحة لعاشق مغرم بحبيته: