Académique Documents
Professionnel Documents
Culture Documents
•
•
www.braheen.com
info@braheen.com
alshehri@braheen.com
t.braheen.com fb.braheen.com
i.braheen.com y.braheen.com
8
هناك مثل إنجليزي قديم يقول:
أي أن من يتعاط حرفًا كثيرة ،ال يجيد شيئًا منها !..ويقابل ذلك عند العرب
الكارات قليل البارات" والبارات هي الدراهم ،أي أن من يعمل الكثير
قولهم" :كثير ّ
من المهن ال يملك الكثير من المال ،باعتباره لن يجيد أيًّا منها ..بالطبع هذا ال ينطبق
على بالدنا ،وال ينطبق على (عم جمال) حارس العقار الذي يمسح السيارات ويغير
أسطوانة الغاز ويحمل الحقائب ويصلح السباكة ويجعلك تتحسر على راتبك كطبيب
الذي بالتأكيد لن يتفوق على راتب عم جمال..
في المعرفة والقراءة هناك مثل التيني آخر يقول" :خذ حذرك من رجل الكتاب
الواحد" ،بالطبع ترجمت المثل مباشرة ولم أنقل أصله ألني لو اكتشفت أن أح ًدا م ّمن
سيقرؤون هذا الكالم يجيد الالتينية بالفعل فسيتوقف قلبي رعبًا!..
سهال علىرجال ً خذ حذرك من رجل الكتاب الواحد ،ألنه ببساطة لن يكون ً
اإلطالق ،هذا رجل أفنى حياته في تفاصيل هذا الكتاب (الذي سيكون كتابًا ه ًاما في
كثيرا ولكن في
العادة) ،وأتقن كل معارفه !..كما كان يقول (بليني)" :علينا أن نقرأ ً
كتب قليلة"!..
تشتهر هذه الهواية بين الكتّاب بشكل خاص ،حيث أنه من أسهل طرق تنمية
الكتابة هي العكوف على كاتب بعينه أو كتاب ما لحفظ وإجادة أسلوبه ومن ثم يبدأ
من حيث انتهى هو ليضيف سماته الخاصة..
مثال (وليام جونز) الذي كان يتم قراءة أعمال (شيشرون) كل عام
خذ عندك ً
مرة !..لم يكن جونز هو المولع الوحيد بشيشرون ،فحين ُسئل (أرنو) عن أفضل
9
وسيلة يمكن للمرء أن يكون فيها صاحب أسلوب جيد في الكتابة نصحه بالقراءة
اليومية ألعمال (شيشرون) فقال له السائل :أنا أقصد األسلوب الجيد في اللغة
ضا
الفرنسية وليس الالتينية ،فقال له أرنو" :في هذه الحالة فإن عليك أن تقرأ أي ً
لشيشرون"!..
كان (ديموشينس) يستمتع بتاريخ (ثيوديوس) لدرجة أنه نسخه ثماني مرات
بيده !..ومن جديد ،لو كنت تعلم من هو ديموشينس أو ثيوديوس فسوف يتوقف قلبي
ضا من الرعب ..وكانت كتب (ميكافيللي) ال تفارق يد (نابليون بونابرت) ،وبنفس أي ً
الحماس الذي جعل (بروتس) –الذي يعرفه كل واحد منا من عبارة يوليوس قيصر:
حتى أنت يا بروتس– يقضي آخر ليلة له يلخص نسخة من (بوليبيوس) الذي كان
يعشقه في الليلة التي سبقت معركته مع أوكتافيوس وأنطونيوس ..ويُقال أن (فولتير)
دائما نسخة من (أتالي) لـ (راسين)..
كان يضع على مكتبه ً
مثال كتاب (صحيح البخاري)
في تراثنا اإلسالمي هناك نماذج أشد غرابة ،فلدينا ً
الذي وقع في غرامه الكثير من المحققين األوائل للدرجة التي تجعلهم يكررونه
عشرات المرات ،حتى كرره (سليمان بن إبراهيم اليمني) 051مرة ،وكرره (أبو بكر
بن عطية) 011مرة!..
مثال (المزني) ظل ينظر في كتاب
حتى في غير كتب السنة وقع مثل هذا الغرامً ،
المدونة) ألف مرة!..
عاما ،بينما درس (ابن تبان) كتاب ( ّ
(الرسالة) للشافعي خمسين ً
وأما (أحمد بن عمر اليماني) فقد اشتُهر بمعرفة كتاب (الوسيط في الفقه الشافعي)
للغزالي ،حتى كان يعرف أين مكان المسألة فيه ،وفي أي صفحة هي ،بعد أن أُصيب
بالعمى!..
ذرعا بهذه المبالغات التي ال تكاد تُص ّدق في عشق الكتاب
لو كنت قد ضقت ً
الواحد ،فدعني أزيدك من الشعر آخر بيت ،حين أذ ّكرك أن هناك من هؤالء من تغيّرت
01
تبعا لهذا العشق ،فـ (جمال الدين األشمومي) صار اسمه: أسماؤهم بالكامل ً
(الوجيزي) من كثرة عنايته واهتمامه بكتاب (الوجيز في الفقه الشافعي) للغزالي ،ولُقب
(الزركشي) بـ (المنهاجي) نسبةً إلى (منهاج الطالبين) للنووي ،بينما عُرف (محمد بن
سليمان محي الدين) بـ (الكافيجي) لكثرة اشتغاله بـ (الكافية) في علم النحو!..
هؤالء وأولئك من محبي الكتاب الواحد قد اختاروا طواعيةً أال يلتفتوا للكثير من
الكت ب ،وآمنوا من داخلهم أنه ليس كل ما هو مكتوب فهو جدير بالقراءة ،تلك
القاعدة التي نتعلمها نحن بالطريقة الصعبة حين نفني الكثير من أعمارنا في قراءة
الهراء ،وحين نتابع بشغف المهاترات الموسمية التي تنتهي بمرور الوقت وتفنى معها
األعمار والهمم..
في أحد أعداد مجلة (المختار) التي كانت ترجمة لمجلة ()Reader’s Digest
فها
مقاال تا ً
األمريكية (أعلنت هذه المجلة إفالسها منذ سنوات قليلة) كتب أحدهم ً
قرائه أن يتجاهلوا هذا المقال !..من فضلك ال
ال يحوي أي شيء ذي قيمة طالبًا من ّ
تقرأ هذا المقال ،فهو لن يفيدك بأي شيء ..كذا ظل الكاتب طوال المقال يذكر
قراءه ،واعتبر نفسه قد فشل إن استطاع أحد بالفعل في الوصول إلى آخره ..معنى
ّ
أنك قرأت هذا المقال آلخره ،أنك لن تستطيع أن تتجاهل أي شيء مقروء ..بمعنى
آخر أنت قد ضعت يا صاحبي وسط ماليين العناوين المطبوعة التي ال تعنيك بشيء!..
على أن اختيارك للكتاب الواحد هذا قد يعني نجاحك أو فشلك المعرفي في
الحياة ،فال أظن أنك تحب أن تفني عمرك في دراسة وتحليل أحد مجلدات
ضا أن (هوي ودوي ولوي) –أو (ميكي) !..وعلى ذكر (ميكي) عليك أن تتذكر أي ً
شافة)
(سوسو ولولو وتوتو) كما نعرفهم نحن في مصر– كانوا يملكون كتاب (الك ّ
00
الذي يحوي كل شيء وكل سر في الحياة ،من جديد فإن ثقافة الكتاب الواحد تتكرر
في الوعي اإلنساني بأبسط صور هذا الوعي :قصص األطفال!..
مقومات اختيار هذا الكتاب نحتاج إليها فقط حين تكون البدائل متكافئة ومحيّرة،
ّ
أما عند عدم تكافؤ هذه االختيارات ،وعند وجود الفجوة العمالقة بين إحداها والبقيّة،
مقومات االختيار وطرائقه يعتبر ضربًا من المزاح الثقيل ،أو السخرية المقنعة..
فإن ذكر ّ
الشهي
ّ إنه وكأني أحاول إقناعك أن وجبة اللحم المشويّة ذات الرائحة النفاذة والطعم
أفضل من شطيرة الفول البارد التي أعدها لك (عم أشرف) بأصابع متسخة على عربة
مهترئة في شارع يغرق في مياه الصرف!..
عند هذا التفاوت الكبير في االختيار يتحول األمر من عملية (ذوق) و(اجتهاد)
اجعا إليك في تحديد كتابك الواحد الذي
إلى عملية (صواب وخطأ) ،األمر لم يعد ر ً
عما إذا كنت ستنجح في اختيارك لهذا الكتاب تحدي ًدا
اختبارا ّ
ً ترغب به ،األمر صار
أم ال..
01
المتبحر في
ّ يـُْتـلى عل ْيه ْم إ َّن في ذلك لر ْحمةً وذ ْكرى لق ْوٍم يـُ ْؤمنُون﴾ (العنكبوت ..)50إن
علوم القرآن هو أولى الناس بالتحذير الالتيني :خذ حذرك من رجل الكتاب الواحد!..
أريد أن أنتقل بك –اسمح لي– إلى منطقة أخرى من مناطق تقديمي لهذا
سؤاال ما أو مجموعة أسئلة تشعر وكأنها
الكتاب ..هل سبق لك أن شعرت أن هناك ً
موحدة قد بُرمجت عليها كل الكائنات البشرية..؟؟
أقرب لشفرة ّ
طبعا األسئلة التي سألناها كلنا ونحن صغار مثل :لماذا السماء زرقاء..؟
ال أقصد ً
لماذا يجب أن أذهب للمدرسة..؟ لماذا تحب سالحف النينجا البيتزا إلى هذا
الحد..؟ فصحيح أن هذه األسئلة يشترك في الحيرة بشأنها كل البشر إال أن دافعها
الفضول وليس أكثر..
ولكني أتحدث عن نوعية األسئلة الوجودية التي تتعلق بفهمنا للواقع الذي وجدنا
أنفسنا فيه فجأة !..تلك األسئلة التي (وجدنا) أنفسنا مغموسين فيها دون أن ندري..
حيث انزلق وعينا اإلنساني الذكي بشكل مفاجئ من ذلك العالم الساكن الغامض
تماما يمكننا
مذكورا إلى عالم مادي واقعي ً
ً الذي كان يحيا فيه حين لم نكن بعد شيئًا
فيه أن نشعر بهواء البحر ،وبطعم الحلوى ،وبرائحة األزهار ،وبصوت منبهات
ضا فيه بمذاق الجمال ،وبدفء الحب،
السيارات في الشارع المزدحم ..ونشعر أي ً
وبرهبة العجز وألم الخيانة..
01
بدأنا نتساءل :من أين أتينا..؟ وإلى أين سنذهب..؟ ترى ما المصير..؟ ترى من
أوجدنا..؟ ترى ماذا يريده منا..؟
ثم قد تتخذ هذه األسئلة طعم االحتجاج أحيانًا !..لماذا رسبت في االختبار
طوال..؟ هل اخترت
ونجح زميلي..؟ ألنني اخترت أال أذاكر ..إ ًذا لماذا أنا أقصر منه ً
ضا كذلك..؟ إذن هناك من األشياء ما أختاره وهناك ما ال أختاره!.. أنا أي ً
تماما في
نحن إذن في هذه األسئلة أمام اختبار مفتوح المدة ،أسئلته مشتركة ً
تبعا لكل طالب ،حيث أنك ترى أنه
معظمها ..على أن هناك اختالفات يسيرة فيها ً
يسيرا ج ًدا
في النهاية كل منا لديه أسئلته الخاصة ،ولربما يستعصي عليه شيء يكون ً
على بقية الزمالء ،ولربما العكس!..
هذا االختبار هو أقرب لنوع االختبار المفتوح ،حيث يمكنك أن تدخل إلى لجنة
االمتحان بكل ما تشاء من الكتب والمراجع والمل ّخصات ..ذلك النوع من االختبارات
التي تهدف إلى اختبار فهم الطالب للمعلومة وكيفية تطبيقه لها على الواقع ،وليس
قدرته على الحفظ واالسترجاع ..لم نعرف هذا النوع من االختبارات في تعلمينا
مهددا بالخطر لو لم تستطع تذ ّكر
المجاني على كل حال ،حيث قد يكون مستقبلك ً
السبب الذي كان من أجله يحب طه حسين أن يأكل البليلة..
على أن هذا النوع من االختبارات ليس جنة للطالب ،فبحسب دراسة أعدتها
جامعة (نيو ساوث ويلز) في أستراليا ،)UNSW( :فإن أكبر األفكار الخاطئة التي
يحملها الطالب نحو االختبار المفتوح هو أنهم ليس عليهم االستذكار له ،وأنه
قطعة من الكعك في السهولة ..بينما األمر ليس كذلك على اإلطالق!..
01
ضا أن الطالب الذين ال يستذكرون قبل االختبار المفتوح
أوضحت الدراسة أي ً
يعانون من مشكلة متكررة وهي عدم قدرتهم على إيجاد المعلومة داخل الكتاب
أصال ..للدرجة التي تجعلهم يظنون أن المعلومة المراد الوصول إليها ال عالقة لها
ً
بموضوع الكتاب الذي دخلوا به إلى اللجنة ،مع شعور بأنهم قد ُخدعوا!..
المسألة بسيطة ..أنت بالفعل ال تحتاج إلى أن تحفظ الكتاب عن ظهر قلب،
كامال وأن تكون قراءتك فيه
فهما ً
ولكنك تحتاج كي تصل إلى ما تريده منه أن تفهمه ً
متكررة وواعية ودقيقة ..فبالرغم من أنك لن تحتاج إال إلى كتاب واحد –وقد سبق
وشرحنا أهمية أن يكون لك الكتاب الواحد– إال أن معاملتك وتناولك لهذا الكتاب
يجب أن يكون مختل ًفا حتى تحصل منه على كل أجوبة أسئلتك..
حتى ال تقع في الخطأ المتكرر الفادح وتخرج لتقول أن القرآن ليس به
الجواب!..
05
(هي في الواقع مقدمة ثانية ،ولكني أدعي العكس!)
06
امتألت الثقافة الشعبية الغربية بقصص ألواح التوراة ،وصارت مادة خصبة للخيال
في نسج األساطير حولها ،نحن أمام الكتاب الوحيد الذي تواتر للبشر نزوله من
السماء مكتوبًا كما هو ،هذه قدسية خاصة بالتأكيد..
ربما كانت من آثار هذه المبالغات الخيالية ما وصل إلينا عن بعض التابعين من
بعيرا وأنه لم يطلع عليها إال
أخبار إسرائيلية واضحة أن هذه األلواح كانت تزن سبعين ً
أربعة منهم موسى وعيسى عليهما السالم..
ضا ،بل وأكملعلى هذا المعنى فالقرآن الذي بين أيدينا يحوي كل شيء أي ً
وأنفع ..اللهم إال أنه قد يكون أقل في تفاصيل تقرير األحكام التي جعل اهلل لنا
00
موجودا مثله عند بني إسرائيل ،وهذه
ً مجاال لالجتهاد في أمة محمد لم يكن
فيها ً
رحمة ال شك مهداة إلى األمة التي ستبقى حتى آخر الزمان بكل ما يشهده آخر
الزمان من تغيرات وتطورات تستدعي االجتهاد وتستدعي عباءة األحكام الواسعة التي
تدل على أن هذه األمة قد أوتيت بالفعل مع كل عسر يُسران..
016مرة هي عدد مرات ذكر اسم نبي اهلل (موسى) في القرآن ..ورد ذكره
في 11سورة من القرآن !..أي تقريبًا ثلث سور القرآن ..ومع ذلك أنت ال تستطيع
أن تعرف إن كان له من اإلخوة أحد غير هارون وأخته التي راقبته من بعيد ..ال تستطيع
فقيرا ..ال تستطيع
عما إذا كان غنيًا أو ً
أن تعرف إن كان ُولد له من األوالد أحد ،أو ّ
أن تعرف ماذا كانت مهنته بعد أن خرج من مدين ،أو ماذا كان لباسه المفضل ،أو كم
تزوج من النساء..
ّ
القرآن يعلمنا إذن أن نحرص على ما ينفعنا ،وأال ننشغل بالسفاسف من األمور،
وأنه من حسن إسالم المرء تركه ما ال يعنيه!..
في الكتب التي نكتبها نحن البشر توجد عالقة عكسية بين كثرة التفاصيل وبين
اإلثارة والمتعة والتشويق ،كلما كان المقال غارقًا في التفاصيل لكان هذا معناه أنه مثير
للملل ..ربما لهذا السبب تشيع في األدب السياسي ظاهرة الـ Time lapseحين
يحلل األديب السياسي ظاهرةً ما باستخدام المرور السريع على األحداث ،بينما في
علم التحليل السياسي يشيع الـ Slow motionأكثر ،حين يقوم المحلل السياسي
بالوقوف بك على نقطة زمنية وال يتزحزح عنها عدة عشرات من الصفحات لتصاب
أنت بنوبة ملل عصبية وتموت..
08
قطعا في كتاب اهلل ،فهو يحوي كافة التفاصيل التي ال توجد هذه المفارقة ً
صديق الَّذي بـ ْين يديْه وتـ ْفصيل ُكل ش ْي ٍء
نحتاج إليها﴿ :ما كان حديثًا يـُ ْفتـرى ولك ْن ت ْ
و ُه ًدى ور ْحمةً لق ْوٍم يـُ ْؤمنُون﴾ (يوسف ..)000في كتاب من مجلد واحد من ستمائة صفحة
كامال في عدة أيام ،بل ويمكنك أن تزور أصغر قرية من قرى بلدكم يمكنك أن تقرأه ً
لتقابل األطفال الذين ال يعرفون بعد كيف يقسمون بالعدل أربع برتقاالت على اثنين،
وبرغم ذلك يحفظون هذا الكتاب المعجز عن ظهر قلب ،ال يتعثر لسانهم وال تتداخل
س ْرنا
لما تنضج بعد !..وهذا ألنه﴿ :ولق ْد ي َّ
حروفه وال تشتبه آياته على عقولهم التي ّ
الْ ُق ْرآن للذ ْكر فـه ْل م ْن ُم َّدك ٍر﴾ (القمر !..)00
هذه التفاصيل القرآنية تتميز بالعزة حيث ال تظهر ألي أحد !..وبمنطق شبيه
بلوحات متحف اللوفر التي نراها أنا وأنت فال نفهم ما المثير لإلعجاب في هذه
قرصا غير مكتمل من (الفالفل) يحيط به فطر عفن
اللوحة التي تحوي على ما يبدو ً
الخبز ،قبل أن نسمع الخبير الفني بجانبنا يصيح بانبهار من الطريقة الموجزة التي
شرحت بها هذه اللوحة أزمة اإلنسان الحديث في المتطلبات الروحانية !..على ما
يبدو تبين أن قرص الفالفل هي عجلة الوجود وعفن الخبز كان عفنًا حقيقيًا !..ربما
الفرق بين موضوعنا وبين هذا المثال أنني حين أحدثك عن إجابات القرآن المخفيّة
فأنا ال أنصب عليك بخالفهم!..
لذلك تجد أن هذه التفاصيل قد تكون داعيًا للجدال أو للكفر أو للنفور عند
البعض !..كما قال ﴿ :ولق ْد ص َّرفْـنا في هذا الْ ُق ْرآن لي َّذ َّك ُروا وما يزي ُد ُه ْم إ َّال نـُ ُف ً
ورا﴾
(اإلسراء ﴿ ..)10ولق ْد ص َّرفْـنا للنَّاس في هذا الْ ُق ْرآن م ْن ُكل مث ٍل فأبى أ ْكثـ ُر النَّاس إ َّال
ورا﴾ (اإلسراء ﴿ ..)89ولق ْد ص َّرفْـنا في هذا الْ ُق ْرآن للنَّاس م ْن ُكل مث ٍل وكان ْاإلنْسا ُن ُك ُف ً
كثـر شي ٍء جد ًال﴾ (الكهف ..)51 أْ
ْ
09
فبالرغم من أنه كتاب ال يدخله الشك أو الريبة أو االستثناءات إال أنه ال ينتفع
اب ال ريْب فيه ُه ًدى ل ْل ُمتَّقين﴾
به ح ًقا أو يهتدي إال من يستحق ذلك﴿ :ذلك الْكت ُ
(البقرة ..)1واالنتفاع (الكامل) بكتاب اهلل ال يكون إال للمؤمنين به ..
على سبيل المثال تكثر في القرآن قصص األنبياء التي لن ينتفع بها أحد بطبيعة
الحال بقدر ما ينتفع المؤمنون ،حينها يستطيعون أن يفهموا سنن اهلل المبثوثة في
ضل ..لذلك انظر إلى تخصيص المؤمنين بالنفع هذا التاريخ المحفوظ في كتابهم المف ّ
ت به
الر ُسل ما نـُثب ُ من القصص القرآني في هذه اآلية﴿ :وُك ًّال نـ ُق ُّ
ص عل ْيك م ْن أنْـباء ُّ
فُـؤادك وجاءك في هذه الْح ُّق وم ْوعظةٌ وذ ْكرى لل ُ
ْم ْؤمنين﴾ (هود ..)011ألن من ال يؤمن
بالقرآن سيعتبر هذه القصص من البداية ضربًا من الخيال البشري وسيتعامل معها كما
نتعامل نحن مع الميثولوجيا اإلغريقية التي تتحدث عن رأس ميدوسا ونهر الموتى
والحصان المجنّح الوفي :مصدر تسلية فقط مع بعض منثورات الحكمة!..
ولكن بهذا المنطق فجمهور القرآن سيكون من المؤمنين فقط !..إذن ما تكون
وظيفة القرآن..؟! أليس هو المعجزة التي أوتيها النبي ..؟ أليس هو كالم اهلل
الذي يسمعه الجميع فيعرف من يريد اهلل أن يهديه منهم أنه ليس بكالم البشر..؟!
11
َّاس
بالمثل فإن اهلل قد وصف هذا القرآن بأنه شفاء ،فقال ﴿ :يا أيـُّها الن ُ
الص ُدور﴾ (يونس ..)50والمريض هو أولى
ق ْد جاءتْ ُك ْم م ْوعظةٌ م ْن رب ُك ْم وشفاءٌ لما في ُّ
الناس باستخدام الترياق ،فال تخبرني أن الكافر لن ينتفع به ،بل الحقيقة أنه ال يوجد
نفعا له من هذا الترياق ،فكل ما سواه سيكون أقل منه ،أنقص منه ،أضعف ما هو أكثر ً
بما ال يقاس ،كما قال ﴿ :فبأي حد ٍ
يث بـ ْعدهُ يـُ ْؤمنُون﴾ (المرسالت ..)51أي :بأي
شيء آخر تراهم ينتفعون بعد هذا القرآن..؟؟ اإلجابة :ال شيء!..
لذلك فال عجب من أن نجد أن مهمة النبي الدعوية تكاد تكون اقتصرت
ب هذه الْبـلْدة الَّذي ح َّرمها على تالوة القرآن وتبيينه للناس﴿ !..إنَّما أُم ْر ُ
ت أ ْن أ ْعبُد ر َّ
ت أ ْن أ ُكون من ال ُْم ْسلمين وأ ْن أتْـلُو الْ ُق ْرآن فمن ْاهتدى فإنَّما ولهُ ُك ُّل ش ْي ٍء وأُم ْر ُ
ْم ْنذرين﴾ (النمل ..)91–90 يـ ْهتدي لنـ ْفسه وم ْن ض َّل فـ ُق ْل إنَّما أنا من ال ُ
ليس هذا معناه أن مجرد وقع الكلمات لها تأثير سحري على الناس ،وإن كان
هذا موجود بالفعل لدى الكثيرين حتى بين غير الناطقين بالعربية منهم ..إال أن حجة
ضا،
اهلل على عباده ال تقوم بمجرد وصول األلفاظ المجردة ،ولكن بفهمها أي ً
فنحن ال نتحدث عن تعاويذ سحرية مثل تعاويذ التحكم في قصص هاري بوتر ،وإنما
معان حكيمة تشتمل على رؤوس الحجج العقليّة والمحاجات المنطقية مختلطة عن ٍ
باألحاديث العاطفية التي تمس حاجة اإلنسان من الداخل ويشعر بأنها تفهمه وتجيبه
مرحب به كضيف أتى من بعيد في بيت دافئ وسط صحراء
دون أن يسأل ،ويشعر أنه ّ
الحياة الجرداء في ليلة باردة..
في حالة القرآن فأنت تقوم مع الكافر أو الحائر أو المسلم المتشكك أو الباحث
عن الجواب (وفي هذه الحالة فإن هذا الشخص قد يكون أنت) بمهمة تهيئة جهاز
الملتقط لموجات الراديو ،أنت ال تتدخل في هذه الموجات لتغيّرها حتى
المذياع ُ
10
تالئم طبيعة أحد ،ليس لك أن تفعل ذلك ،وال يحق لك أن تتحرج مما جاء فيها
اب أُنْزل إل ْيك فال ي ُك ْن في ص ْدرك حر ٌ
ج م ْنهُ لتُـ ْنذر به﴾ (األعراف ..)1أنت أصال﴿ :كت ٌ
ً
تقوم بضبط جهاز االستقبال لآليات الحكيمة القادمة بوقار من السماء ،تشرح أنت
مشكال ،تتخير من اآليات ما هو أنسب لحاله ،تتخير من
ً مبهما ،توضح لفظًا
معنى ً
ً
الحجج ما يجي ب على سؤاله ،تتكلم معه بأمثلة من حياته فيما يوافق هذه المعاني
المترددة في الموجات ،ثم تترك المجال بعد ذلك لتلك المعجزة أن تقوم بأثرها ،إن
كان اهلل يريد أن يهديه فمن تراه سيمنع عنه ذلك..؟!
ما سبق من الكالم يمكن أن نستخلصه في أن القرآن حجة سماعية ملزمة للمؤمن
إذا قيل له :قال اهلل كذا ،قال سمعنا وأطعنا ،هذا هو ما علينا أن نتوقعه من المؤمن..
وأما الكافر فلنا أن نتوقع ّأال تمثل له آيات القرآن إلز ًاما في طاعته ،ولكن سيبقى
ضا ،وستبقى حجج القرآن العقلية مطلقة القوةالقرآن حجة عقلية كاملة عليه هو أي ً
والجالء ،يختبر اهلل بها العباد ،أيهم يستمع الهدى فيتبعه ،وأيهم يتبع هواه!..
﴿فـبش ْر عباد الَّذين ي ْستمعُون الْق ْول فـيتَّبعُون أ ْحسنهُ أُولئك الَّذين هد ُ
اه ُم اللَّهُ
األلْباب﴾ (الزمر ..)08–00 وأُولئك ُه ْم أُولُو ْ
القرآن فيه تفصيل كل شيء للحائر عن الجواب..
11
11
الصفحة الموضوع
42 ...........................................................................
-6أفضلها هكذا 43 ........................................................
-4المادية والتجريدية 93 ....................................................
-9فقط ،انظر بجانبك 94 ...................................................
-2الرمزية 99 ................................................................
-5كما يحب أن يقولها95 ...................................................
-1حديث من المتعال 93 ...................................................
-3الواقعيّة الحكيمة 93 .....................................................
-8البالغة التي ننتظرها 26 ..................................................
-3قشعريرة متقطعة 29 ......................................................
933
الصفحة الموضوع
936
الصفحة الموضوع
(عن سؤال :من خلق اهلل ،وعن صفات اهلل ،وأشياء شبيهة)
648 .........................................................................
-6الصمديّة 694 ...........................................................
-4عليك أن تيأس 692 .....................................................
-9اإلنسان المفعول به 693 ................................................
-2مسكنة الحواس 623 ....................................................
-5الظاهر والباطن 624 .....................................................
939
الصفحة الموضوع
(عن األديان)
953 .........................................................................
-6أكسل أسس االختيار 914 ...............................................
-4صراع الحق والهوى 911 ................................................
-9المدرسة اإلبراهيمية 933 ................................................
-2العناكب 939 ...........................................................
931
الصفحة الموضوع
933
الصفحة الموضوع
938
الصفحة الموضوع
933
الصفحة الموضوع
233