Académique Documents
Professionnel Documents
Culture Documents
اإلصالح
سلسلة كتب الكرتونية توزع مجانا عرب الربيد االلكرتوني وصفحات التواصل اإلجتماعي
المؤلف:
لطفي البكوش الكتاب الثامن عشر -مارس 2017
ّ
يوزع ّ
جمانا عرب الربيد األلكرتوني
فلسفة الفعل التاريخي
في القرآن الكريم
المؤلف:
لطفي البكوش
كتاب
اإلصالح
العدد الثامن عشر -مارس 2017
ر.د.م.كISBN: 978 - 9938 - 00 - 163 - 1 :
جميع الحقوق محفوظة للناشر ©
هذه النسخة من الكتاب الكرتونية ّ -
حيجر نسخها ّ
ورقيا
كتاب
اإلصالح
كتاب اإلصالح العدد 18
املؤلف :لطفي البكوش
الكتاب :فلسفة الفعل التاريخي
يف القرآن الكريم
تاريخ الصدور :مارس 2017
ر.د.م.ك978 - 9938 - 00 - 163 - 1 :
نسخة الكرتونية -يحجّر نسخها ورقيا
بسم اهلل الرمحان الرحيم
ط ْع ُت وما َتوفِيقِ َي إِالِّب هّ
اللِ َ ت
َ اس
ْ ا م َ
ح َ
ال ص
ْ إل
ِ ا إ ْن أُ ِر ُ
يد إِالّ
ََ ْ َ
اإلهداء
جر من قضايا...
بل بما ف ّ
إلى ّ
كل شوق نحو األفضل
إلى ّ
كل اجتهاد وصراع في سبيل الغد
إلى ّ
كل نجاح...
18 كتاب
75 الخاتمة
كتاب 18
7 2017اإلصالح
18 كتاب
كتاب 18
9 2017اإلصالح
يف أعصارهم» .لكن الطربي ال يعدو جهد التجميع دون تثبت وهو وأمثاله
يسميهم ابن خلدون باإلخباريني ألن تجميعم لألخبار يفتقر إىل التحقيق يف
صحة الخرب وقد ركز بعضهم ،أسوة بأهل الحديث ،عىل التحقق من صحة
السند دون املتن أي أنهم أهملوا التحقق من إمكان وقوع املخرب عنه عقال
والتعليل الحوادث بقوانني االجتماع اإلنساني.
لقد ارتقى بنا ابن خلدون يف املقدمة من التأريخ بما هو «خرب عن االجتماع
اإلنساني الذي هو عمران العالم وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من
األحوال «إىل علم التاريخ بما هو» يف باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات
ومبادئها دقيق ،علم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق ،فهو لذلك أصيل يف
الحكمة عريق ،جدير بأن يع ّد يف علومها خليق» .فقد أرىس ابن خلدون علم
التاريخ والمس فلسفة التاريخ يف أفقها اإلنساني الشامل .فلسفة التاريخ
تتجاوز التفسري الجزئي لألحداث طلبا لتفسري شامل للحضارة وتأويل
عميق للوجود الزمني لإلنسان يف العالم .فهي تتساءل :هل للتاريخ معنى؟
هل توجد قوانني لتغرياته؟ هل هناك اتجاه لحركته يمكننا من استرشاف
املصري اإلنساني؟ إننا يف حاجة اليوم إىل تجاوز التأريخ بما هو رسد دون
فهم نحو استعادة اللحظة الخلدونية بما هي تعقل لسنن التاريخ.
18 كتاب
2017 10اإلصالح
الرؤية الغيبية للكون وال يحق للعلمانية أن تحتكر القول يف التاريخ بما
هو وجود اإلنسان يف العالم بمعزل عن غيب يؤمن به .بما أن اإلنسان لم
يوجد فيال التاريخ خاليا من إيمان بقيمة يضفي بها معنى عىل وجوده
ويتخذها غاية لتاريخه.
كتاب 18
11 2017اإلصالح
واملشاهدة السلبية لألمم وهي تصنع مصريها وتخرب أرضه .وكان دأب
الباحث يف هذه املحاولة رفض كل انغالق مذهبي واالنفتاح ال عىل مدارس
الفكر اإلسالمي وحده بل عىل كل ينابيع الفكر اإلنساني عموما طلبا لفهم
املنزلة اإلنسانية قرآنيا.
18 كتاب
2017 12اإلصالح
تمهيد
البحث العلمي يف قضايا فلسفة التاريخ ،من اختصاص علماء التاريخ
واالجتماع ،ولكنّنا إذ نطرح هذا املوضوع فمن جهة اإلقدام ،وبعيدا
عن دقائق البحث األكاديمي العلمي ،فنحن ال نملك أدواته بعد .نعالج
موضوع فلسفة الفعل التاريخي يف القرآن ،معالجة متواضعه ،هادفني
بذلك إىل مزيد الكشف عن األرسار القرآن الكريم ،الذي ال تنضب معانيه
يفسه ال ّزمن عىل ح ّد تعبري ابن مسعود ،والذي نحسب ّ
أن العقل رّ والذي
اإلسالمي املعارص ال يزال بعيدا عن التّفاعل الجدّي معه .
إن قراءة القرآن ال يمكن أن تأتي أكلها إذا بقيت عىل مستوى الالّتدبّر،
ونحن إذ ننجز هذه الدّراسة إآلّ إلعطاء املثل للقراءة التي تنشدها بني
رجال الفكر اإلسالمي .إنّها القراءة اإلستنطاقيّة ،إنّها القراءة االبستيميّة
النّقدية «والغرض من التحليل إالبستيمولوجي هو الكشف عن ال ّذهنيّة
املعرفيّة»[]1
كتاب 18
13 2017اإلصالح
إن القرآن أذ يطرح املسألة التّاريخيّة ،فهو يطرحها ليالمس فيها األبعاد
ّ
مفصال حول حركة العامّ ة لهذا املبحث ،فال نتصوّر أن نجد يف القرآن تحليال
التّاريخ ،وعن طبيعتها ولكنّه يعطي إشارات للعقل البرشي حتّى يستنبط
منها املعاني املقصودة ويقرأ من خاللها ال ّرمز االلهي.
إن القرآن الكريم إنّما تناول هذا املبحث ليكون التدبّر من ورائه ،وما
ّ
ذكر مبحث التّاريخ إال ّ ليكون اإلنسان – هذا الكائن التاريخي -قد تبوأ
مقعده من التاريخ .
18 كتاب
2017 14اإلصالح
مقدمة
هل لإلسالم فلسفة؟
سؤال هام واألهم منه اإلجابة عنه ،ألنه يمثّل نقطة البداية يف سبيل
استيعاب اإلشكال املعريف يف اإلسالم.
ما موقف اإلسالم من اإلنسان؟ من ح ّريته؟ من عالقته بال ّ
طبيعة
وبالتّاريخ؟ من مهمّ ته؟ ما موقفه من القيم؟ ما عالقة املعقول
طبيعة؟ ما هي رؤيته ّ
بالشهادة أو الغيب بال ّ بالالّمعقول؟ ما عالقة الغيب
يفس التحوّالت التّاريخية؟ وما موقفه من رّ للتّاريخ اإلنساني؟ كيف
التّاريخ االجتماعي اإلنساني؟
وباعتبار القرآن مصدره ال ّله ،هل نجد فيه إسهامات وعطاءات يف هذه
املسائل ويف املسألة السوسيو تاريخية؟
أن القرآن لم يطرح نفسه بديال عن سعي إن ما يجب التّأكيد عليه هو ّ
ّ
اإلنسان وكدحه نحو املعرفة ،وإنّما هو طاقة روحيّة موجّ هة ومفجّ رة
لطاقات اإلنسان.
كتاب 18
15 2017اإلصالح
أن القرآن كتاب هداية وتغيري -إخراج النّاس من ال ّ
ظلمات اىل وبما ّ
النّور-ومهمّ ته لها عالقة موصولة باملسألة التّاريخية ،فال ب ّد أن يستنبط
املؤمن من القرآن الكريم تصوّراته يف هذا املجال لتكوين إطار عام للنّظرة
القرآنية اإلسالمية يف سنن التّاريخ وبالتّايل عن املسألة التّاريخية .نقول
ّ
مفصل للقضايا ولكن تصورات ّ
ألن القرآن ليس كتابا مدرسيّا فيه تناول
فيه معالجة ممنهجة ولكنّها تكون عىل شكل تلميحات إىل العنارص
األساسيّة يف املوضوع «فلم يطرح القرآن الكريم موضوعا اجتماعيّا بال ّلغة
الدارجة يف علم االجتماع أو فلسفة التّاريخ ،كما أنّه لم يطرح أي موضوع
أخر أخالقيّا أو فقهيّا أو فلسفيّا أو ...بلغة االصطالحات والتّقسيمات
أن كثريا من مسائل تلك العلوم ال ّرائجة يف حقول هذه املوضوعات غري ّ
يمكن استنباطها واستخراجها من كتاب ال ّله العزيز» [.]2
«ولكن ثمّ ة حقيقة أساسيّة تربز واضحة يف القرآن الكريم ،تلك هي
خصصت (للمسألة التّاريخية)ّ أن مساحة كبرية يف سوره وآياته قد ّ
رّ
والسد التي تأخذ أبعادا واتّجاهات مختلفة وتتد ّرج بني العرض املبارش
القصيص (الواقعي) لتجارب عدد من الجماعات البرشيّة وبني استخالص
يتميّز بالترّ كيز والكثافة ّ
للسنن التّاريخية التي تحكم حركة الجماعات عرب
ال ّزمان واملكان ،مرورا بمواقف اإلنسان املتغيرّ ة من ال ّ
طبيعة إىل العالم»[. ]3
[ ]2د.مرتىض م ّ
طهّ ري ،املجتمع والتاريخ -ص 10
[ ]3د.عماد الدّين خليل ،التفسري اإلسالمي للتاريخ -ص 5
18 كتاب
2017 16اإلصالح
فلنئ كانت دراستنا هذه غري ميدانيّة أكاديميّة لعدم اتّساع أفق معرفتنا
يف املسألة التّاريخية ولكنّها من قبيل الجرأة حتّى نرسم تلميحات حول
هذا املوضوع الذي نحسب ّ
أن استيعاب إشكاليّاته يسهم يف تشكيل الفكر
اإلسالمي أوّال ،وتحدّد موقف اإلنسان من ال ّزمن مع تقدير الفعل اإلنساني
فيه .وأنّي ألرجو أن تكون هذه املحاولة فاتحة ملؤ ّلفات إسالمية تتناول
فلسفة التّاريخ ومناهج بحثها بعقل مستنري حداثي ومعارص.
كتاب 18
17 2017اإلصالح
18 كتاب
2017 18اإلصالح
-I-
محاولة يف تحديد مصطلح
الفعل التاريخي
كتاب 18
19 2017اإلصالح
إن صعوبة إعطاء تعريف للفعل التّاريخي ال تكمن يف تنوّ ع التّعريفات
ّ
وتمايزها فحسب ،بل لكونها مبعثرة بني أشتات البحوث فال نجد فصال
مفردا يف أيّ تأليف يحاول تحديد املصطلح ،وأيضا للغموض و «ل ّلبس الذي
يكتنف لفظ «التاريخ» ،فهذه ال ّلفظة تطلق تارة عىل املايض البرشي ذاته
وتارة عىل الجهد املبذول ملعرفة املايض ورواية أخباره أو العلم املعني بهذا
املوضوع» []4
18 كتاب
2017 20اإلصالح
علم التاريخ بهذا املفهوم هو علم باألحداث واألوضاع املاضية وأحوال
املايض «ويطلق عليه التاريخ النقيل» [ « ]7فلفظ التاريخ يطلق من باب
التجوز يف االستعمال عىل مجرى الحوادث الفعيل ...إنه التدوين القصيص
ملجرى شؤون العالم كله أو بعضه»[ « ]8فالتاريخ ّ
فن يبحث عن وقائع
ال ّزمان من حيث توقيتها» []9
ّ
والسنن املهيمنة عىل الحياة املاضية :وهذا ** العلم بالقواعد والقوانني
العلم يأتي من دراسة وتحليل األحداث والوقائع املاضية وتش ّكل مسائل
التاريخ النقيل املواد األوّلية لهذا املعنى فالتاريخ بهذا املعنى يصبح « سج ّل
عام ،تاريخ للبرشية ،يعود إىل أصل اإلنسان ،يعرض الكيفية التي نشأت
بها األجناس البرشية واستقرارها ،واملدنيّات التي أنشأتها واألسباب التي
أدّت إىل تآكلها والعلل التي أدّت إىل انهيارها» [ ]10و«يطلق عىل هذا العلم
التاريخ العلمي»[]11
[ ]7د.مرتىض م ّ
طهّ ري ،املجتمع والتاريخ -ص 52
[ ]8ج.هرنشو ،علم التاريخ -ص 6
[ ]9السخاوي ،اإلعالن بالتوبيخ ملن ذ ّم التاريخ -ص 7
[ ]10نقال عن محمد جلوب فرحان ،القدر واإلنسان -ص113
[ ]11د.مرتىض م ّ
طهّ ري ،املجتمع والتاريخ -ص 53
كتاب 18
21 2017اإلصالح
ال بكينونتها .إنّه « استقراء القوانني املسيطرة عىل سري التّاريخ من حوادث
التاريخ نفسها» [ ]12وهو محاولــة « استكشاف ع ّلة األحداث املاضيــة
أو عللها ،إنه اإلجابة عن السؤال ملاذا وقعة حادث ما ؟أو اتخذت شكلها
املعني ؟ وباملعني الواسع الذي يقصد إليه بتعليل التاريخ ،ملاذا حدث
التاريخ كما حدث وإتخذ الشكل الذي يرتاءى لنا به» [.]13
18 كتاب
2017 22اإلصالح
إيديولوجي متكامل فيه العربة والوعظ والدّعوة والدّعاية والفخر .فمن
خالل البعد الزمني الجديد الذي قدّمه اإلسالم إىل العرب .ومن خالل البعد
الدّيني اإليديولوجي الذي ربط به اإلسالم الحادثة التّاريخية ،نستطيع أن
نتبينّ ّ
أن الهدف من رسد الحادثة لم يعد يتلخص يف رواية القصص املثرية
واملشوقة التي تجلب االنتباه ،بل أصبح يتلخص يف تنظيم تصورنا للكون
ولإلنسانية هذا التنظيم الذي يعطي لألحداث معنى و اتجاه مرتبطني
بالخلق واملوت والقيامة»[]15
[ ]15د .فتحي الرتيكي ،العقل والنقد يف فلسفة التاريخ عند العرب -مجلة الفكر العربي املعارص
عدد 89 - 88
[ ]16د.عماد الدّين خليل ،التفسري اإلسالمي للتاريخ -ص 175
كتاب 18
23 2017اإلصالح
18 كتاب
2017 24اإلصالح
- II-
مقدمات يف املسألة التاريخية
هل للقرآن نظرة يف سنن التاريخ ؟
كتاب 18
25 2017اإلصالح
1-IIتكوين إطار عام للنظرة القرآنية
يف سنن التاريخ
يالحظ يف القرآن الكريم ّ
أن الصريورة التاريخية وساحتها عامرتان
ومحكومتان بجملة من ّ
السنن والقوانني وقد عرضت هذه الحقيقة
بأشكال مختلفة:
-شكل كيل أي للتّاريخ سنن
-عرض للقوانني وبيان نماذج لها
الحث عىل استقراء التّاريخ
ّ -ويف آيات أخرى
« فالقرآن الكريم يأتي ليقدّم حيّزا واسعا من آياته ليعرض التّجربة
ا ّلتاريخية اإلنسانيّة مر ّكزا عىل دور اإلنسان الفاعل يف الحدث ،ومشدّدا
عىل الواقعة التاريخيّة كعربة ومؤ ّكدا عىل انتظام الدور اإلنساني والواقع
معا يف إطار قوانني تاريخيّة عامّ ة يدعوها ال ّله سننا»[]17
* من اآليات التي أعطيت فيه الفكرة الكليّة َ «:و ِل ُك ِّل أُمَّ ٍة أَجَ ٌل َف ِإذَا جَ ا َء
ُون»[ِ « ]18ل ُك ِّل أُمَّ ٍة أَجَ ٌل إ ِ َذا جَ ا َء ساعَ ًة َولاَ ي َْستَ ْق ِدم َ أَجَ لُهُ ْم لاَ ي َْستَأْخِ ُر َ
ون َ
ساعَ ًة َولاَ ي َْستَ ْق ِدم َ
ُون» []19 أَجَ لُهُ ْم َفلاَ ي َْستَأْخِ ُر َ
ون َ
18 كتاب
2017 26اإلصالح
لألمّ ة بوصفها مجتمعا ينشئ ما بني أفراده العالقات القائمة عىل مجموعة
من األفكار واملبادئ املستندة بمجموعة من القوى والقابليات»[]20
هذا املجتمع الذي يعبرّ عنه القرآن باألمّ ة له أجل ،له موت له حياة
له حركة ،كما ّ
أن الفرد يتح ّرك فيكون حيّا ث ّم يموت ،كذلك األمّ ة تكون
حياة ثم تموت وكما ّ
أن الفرد وموته يخضع ألجل ولقانون كذلك األمم
لها آجالها املضبوطة وهناك نواميس تحدّد لك ّل أمّ ة هذا األجل ،ففي
أن للتّاريخ سننا تتحكم فيه اآليتني بيان واضح للفكرة الك ّلية ...فكرة ّ
الشخصية التي تتح ّكم يف األفراد بهويّاتهم ّ
الشخصية والقرآن السنن ّ
وراء ّ
زاخر باآليات العديدة يف هذا املستوى مثل قوله تعاىل :
مَّ عْ لُومٌ»[]21 «وَمَ ا أ َ ْه َل ْكنَا ِمن َق ْري ٍَة إِلاَّ َو َلهَ ا ِكتَابٌ
« َو َربُّ َك ا ْل َغ ُفو ُر ذُو ال َّرحْ مَ ِة َل ْو يُ َؤاخِ ذُ ُهم ِبمَ ا َك َسبُوا َلعَ جَّ َل َلهُ ُم ا ْلعَ ذَابَ
ظ َلمُوااه ْم َلمَّ ا َ بَل َّلهُ م مَّ وْعِ ٌد َّلن ي َِجدُوا ِمن دُون ِِه مَ ْو ِئلاً َو ِت ْل َك ا ْل ُق َرىٰ أ َ ْه َل ْكن َ ُ
وَجَ عَ ْلنَا لِمَ هْ ِلك ِ
ِهم مَّ وْعِ دًا » []23
[ ]20د.محمد باقر الصدر ،مقدمات يف التفسري املوضوعي للقرآن ،ص 32
[ ]21القرآن الكريم ،سورة الحجر اآلية 4
[ ]22القرآن الكريم ،سورة األعراف اآلية 185
[ ]23القرآن الكريم ،سورة الكهف اآليتان 59 - 58
[ ]24القرآن الكريم ،سورة النحل اآلية 61
كتاب 18
27 2017اإلصالح
أن ال ّله لو كان يريد
أن القرآن الكريم يبينّ لنا ّ
السابقتني ّ
نالحظ يف اآليتني ّ
أن يؤاخذ النّاس جميعا بظلمهم وبما كسبوا ملا ترك عىل ساحة النّاس من
دابّة وألهلك النّاس جميعا.
وهنا تربز مشكلة كيفية تصوّر هذا املعنى القرآني حيث أن النّاس ليسوا
ك ّلهم ظاملني ،فعادة فيهم األنبياء واملجاهدون ،والحقيقة ّ
أن هذين اآليتني
تتحدثان عن عقاب دنيوي ال عقاب أخروي ..
تتحدث عن النتيجة الطبيعية ملا تكتسبه أمّ ة عن طريق ال ّ
ظلم
تختص حينئذ بخصوص ال ّ
ظاملني من ّ وال ّ
طغيان ،هذه النتيجة الطبيعية ال
أبناء املجتمع ،بل هم أبناء املجتمع عىل اختالف هويّاتهم وعىل اختالف
أنحاء سلوكهم ،هذا كل منطق سنن التّاريخ .قال تعاىل « وَاتَّ ُقوا فِ تْن َ ًة لاَّ
اص ًة» [ ]25فيما يقول يف موضع آخر« َولاَ ظ َلمُوا ِمن ُك ْم َ
خ َّ ِين َ تُ ِصيب ََّن ا َّلذ َ
خ َرى» [ ]26فالعقاب األخروي ينصبّ عىل الفعل مبارشة، َاز َر ٌة ِو ْز َر أ ُ ْ
تَ ِز ُر و ِ
وإنّما العقاب الدنيوي أوسع من ذلك .
18 كتاب
2017 28اإلصالح
قال تعاىل « ٰذَ ِل َك ِبأ َ َّن ال َّل َه َل ْم يَ ُك م َُغيرِّ ًا نِّعْ مَ ًة أَنْعَ مَ هَ ا عَ لىَ ٰ َق ْو ٍم حَ تَّ ٰى ي َُغيرِّ ُوا
ِير إِلاَّ َقا َلس ْلنَا فيِ َق ْري ٍَة مِّ ن نَّذ ٍ نف ِس ِهمْ» [ ]28وقال أيضا « وَمَ ا أ َ ْر َ مَ ا ِبأ َ ُ
ون و ََقالُوا نَحْ ُن أ َ ْكث َ ُر أَمْ َوالاً وَأ َ ْولاَ ًدا وَمَ ا وها إِنَّا ِبمَ ا أ ُ ْر ِس ْلتُم ِب ِه َكافِ ُر َ ُمترْ َُف َ
نَحْ ُن ِبمُعَ ذَّ ِب َ
ني» [.]29
إنها عالقة قائمة بني النّبوة عىل م ّر التّاريخ وبني موقع املرتفني
واملرسفني من األمم واملجتمعات ،هذه العالقة تمثل سنة من سنن التّاريخ
وليست حادثة وقعت يف التّاريخ عرضيّا ،وإلاّ ملا تك ّررت لهذا الشكل املطرد.
كتاب 18
29 2017اإلصالح
* من مجموع هذين اآليتني يتبلور املفهوم القرآني للمسالة التّاريخية،
فقد قاوم القرآن النّظرة العفويّة والعبثيّة االستسالميّة يف تفسري األحداث.
إن عملية التغيري التي استهدفها القرآن لها جانبان :جانب املحتوى
ّ
متجسدة يف جماعات من الناس وهو ربّاني وجانب آخر للعمليّة بوصفها
«فعملية التغيري التي مارسها القرآن ومارسها النّبي صىل الله عليه
وس ّلم لها جانبان من حيث صلتها بالشرّ يعة وبالوحي ،ومصادر الوحي
هي ربانيّة فوق التّاريخ ،ولكن من حيث كونها عمال قائما عىل ّ
الساحة
التّاريخية ومن حيث كونها جهدا برشيّا قاوم جهودا برشيّة أخرى ،من هذه
الناحية تعتربعمال تاريخيّا تحكمه سنن التّاريخ وتتحكم فيه الضوابط
ّ
بالساحة التي وضعها ال ّله لتنظيم ظواهر الكون يف هذه ّ
الساحة املسمّ اة
التّاريخيـة»[ ]32وهذا مايالحظ بجالء عند دراسـة السرية النبويـة .
[ ]32د.محمد باقر الصدر ،مقدمات لتفسري املوضوعي للقرآن .ص 27
18 كتاب
2017 30اإلصالح
2-IIكيف تفهم يف ظل الصراع القرآني
املسألة التاريخية؟
هل للتاريخ سنن؟ فيم تتمثل؟ كيف يمكن استنباطها؟نحاول اإلجابة
عن هذه التساؤالت يف شكل مالحظات:
ت مَ اَّت ،وَأ َ ْل َق ْ
ض ُمد ْ ت َ ،وإِذَا الأْ َ ْر ُ ت ِل َربِّهَ ا وَحُ َّق ْ ت ،وَأَذِ ن َ ْ
انش َّق ْ
السمَ ا ُء َ «إِذَا َّ
نسا ُن إِن َّ َك َكادِحٌ إِلىَ ٰ َربِّ َك َكدْحً ا ت ،يَا أَيُّهَ ا الإْ ِ َ
ت ِل َربِّهَ ا وَحُ َّق ْ ت ،وَأَذِ ن َ ْ
فِ يهَ ا َوتَ َخ َّل ْ
بعد أن هيّأ ال ّله املناخ العالم يرصّ ح بحقيقة هي ّ
أن الله َف ُملاَ قِ ِ
يه»[]33
هدف أعىل لإلنسان ،واإلنسانية ككل تكدح نحو الله ويف سبيله ،فالله
واإلنسان طرفان تربط بينهما عالقة الكدح والسري ،فكيف هو هذا السري؟
كتاب 18
31 2017اإلصالح
ٰ َربِّ َك ا ْلمُنتَهَ ٰ
ى»[]34 وبيده فأنت راجع إليه .ال يحجبك قوله تعاىل «وَأ َ َّن إِلىَ
فتقول ليس معي يف البداية بل هو معك يف البداية ويف طريقك إليه ،وإليه
نهايتك ،لكن تختلف أفعاله فيك وهي اختالف أحوالك (أفعالك) ...ففي
البداية يسوّيك ويف الطريق يهديك ويف الغاية يملك ويخلع عليك خلعة
الخالفة فلمّ ا كان املنتهى املطلب ذلك قال وَأ َ َّن إِلىَ ٰ َربِّ َك ا ْلمُنتَهَ ٰ
ى» []35
كل سري هو تقدّم واقرتاب من الله ،فكيف نفهم اتخاذ اإلنسان آللهة
مصطنعة ومثل منخفضة؟
اب ِبقِ يعَ ٍة يَحْ َسبُ ُه س ٍ ِين َك َف ُروا أَعْ مَ الُهُ ْم َك رَ َ
يجيبنا تعاىل بقوله «وَا َّلذ َ
ظمْ آ ُن مَ ا ًء حَ تَّ ٰى إِذَا جَ اء ُه َل ْم ي َِجد ُه َشيْئًا َووَجَ َد ال َّل َه عِ ند ُه َفو ََّفا ُه حِ َسابَ ُه
ال َّ
ِ ي ُع ا ْلحِ َ
ساب» []36 وَال َّل ُه سرَ
كما رأينا آنفا يمثّل ال ّله نهاية ال جغرافيّة مكانيّة إذ هو املطلق وهو
طريق فمن وصل نصفها وجد ال ّله عنده، املثل األعىل فهو موجود خالل ال ّ
فبقدر التّقدم يف الطريق يجد مثله األعىل فمالقيه.
18 كتاب
2017 32اإلصالح
ى َفادْعُ و ُه ِبهَ ا» []37 النهائي قال تعاىل « َو ِل َّل ِه الأْ َ ْ
سمَ ا ُء ا ْلحُ ْسن َ ٰ
إن هذا التّغيري هو وجه من وجوه خالفة اإلنسان ل ّله «فالخالفة عن
ّ
ال ّله يف األرض هي أخطر عبء يمكن أن يك ّلف إنسان عىل مستوى التّجربة
الوجوديّة برمّ تها منذ أن خلق آدم وإىل فناء آخر إنسان ...فاالستخالف
يف املنهج ال ّرباني يرتافق مع التّجرد عن اإلحساس بامللك والتّجرد عن هذا
السلطة بقوّة االستخالف مع ال ّزهد فيها وعدم
اإلحساس يؤدّي إىل ممارسة ّ
التّعلق بها ّ .
إن الوسيط بني ما يبدو كنقيضني (االستخالف والزهد ) يت ّم
عرب تمثّل صفات ال ّله من ممارسة املسؤولية ،وأبراز صفات الله التي تأتي
السياق القرآني يف هذا املجال ترتبط بالحكمة وال ّرحمة .والحكمة هي يف ّ
رؤية األمور يف حقيقتها أي يف تع ّلقها بال ّله .وال ّرحمة يف ممارسة التّفاعل
مع األخرين عرب الوحدة الناظمة للخلق الكوني بما فيهم الخليفة ومن هم
بإمرته»[]39
كتاب 18
33 2017اإلصالح
والورائيّة والرتكاسية « َقا َل آمَ نتُ ْم َل ُه َقبْ َل أ َ ْن آذَ َن َل ُكمْ» [ ]40فحركة املرتفني
قطب معارضة األنبياء -رمز االتّجاه إىل الله -هي رمز ال ّرجعية بهذا
وها إِنَّا ِبمَ ا أ ُ ْر ِس ْلتُم ِب ِه
ِير إِلاَّ َقا َل ُمترْ َُف َ املفهوم «وَمَ ا أ َ ْر َ
س ْلنَا فيِ َق ْري ٍَة مِّ ن نَّذ ٍ
ون» [ .]41وك ّل حركة وفكر يتّجه نحو تواصل املسرية وتأكيد اإلقرتاب
َكافِ ُر َ
وتنمية الحركة تجسيد للتّقدميّة واألماميّة.
18 كتاب
2017 34اإلصالح
- III-
طبيعة السنن التاريخية
هل يف القرآن رؤية متميزة للسن التاريخية؟
هل للسنن التاريخية خاصيات؟ كيف ذلك؟
كتاب 18
35 2017اإلصالح
السنن التّاريخيّة إىل ثالثة إن ا ُمل ْس ِ
تقرئ آليات القرآن يالحظ انقسام ّ
أقسام:
الخاصية األوىل :
الطابع العلمي للسنة التاريخية
عىل ال ّرغم من أنّنا ال يمكننا أن نستخلص من دراسة القرآن قوانني
عمليّة ثابتة للتّاريخ عىل غرار ما ماهو كائن يف العلوم الطبيعيّةّ ،
فإن هذا
أن اإلسالم دين يعترب التّاريخ
ال يجوز أن يج ّرده من صفة العلم « .فالواقع ّ
أساسا يف عقيدته ويعرض فلسفة تضع نظاما وقوان َ
ني لسري اإلنسان
وسعادته واملجتمعات وتطورها والبرشية ومصائرها»[ ]42وقد أعترب إبن
إن التّدخل اإللهي يف الفعل التاريخي عرب الناموس املنتظم الثابت،
خلدون ّ
سنة الله التي وضعها يف األشياء ولهذا فحركة األشياء عند إبن خلدون
«تصدر من داخلها أساسا وأن كان مصدرها األول إلهيّا» [ ]43يقول تعاىل
«سن َّ َة مَ ن خ َلوْا ِمن َقبْ ُل َو َلن تَ ِج َد ل ُ
ِسن َّ ِة ال َّل ِه تَبْ ِديلاً »[ُ ]44 «سن َّ َة ال َّل ِه فيِ ا َّلذ َ
ِين َ ُ
[ ]42فرنزروزنتال ،علم التاريخ عند املسلمني ،ترجمة صالح أحمد العيل ،ص18
[ ]43إبن خلدون ،املقدمة .ص 238
[ ]44القرآن كريم -سورة األحزاب -اآلية 62
18 كتاب
2017 36اإلصالح
ِسن َّ ِتنَا تَحْ ِويلاً »[َ « ]45ولاَ ُمبَ ِّد َل ِل َكلِمَ ِ
ات س ِلنَا َولاَ تَ ِج ُد ل ُ َق ْد أ َ ْر َ
س ْلنَا َقبْ َل َك ِمن ُّر ُ
ال َّل ِه]46[ »...
ِين َ
خ َلوْا ِمن ْخلُوا ا ْلجَ ن َّ َة َو َلمَّ ا يَأ ْ ِت ُكم مَّ ث َ ُل ا َّلذ َ
قال تعاىل «أ َ ْم حَ ِسبْتُ ْم أَن تَد ُ
ِين آمَ نُوا
سو ُل وَا َّلذ َ َالضا ُء َو ُز ْل ِزلُوا حَ تَّ ٰى ي َُقو َل ال َّر ُ سا ُء و رَّ َّ َقبْ ِل ُكم مَّ َّستْهُ ُم ا ْلبَأ ْ َ
ن نَصرْ َ ال َّل ِه َق ِريبٌ » []49 مَ عَ ُه مَ تَ ٰى نَصرْ ُ ال َّل ِه أَلاَ إ ِ َّ
كتاب 18
37 2017اإلصالح
أن القرآن يستنكر عىل النّاس أن يأملوا أن يكون لهم استثناء
نالحظ ّ
من سنن التّاريخ ويستنكر عليهم أن يأملوا يف أن يكون لهم النرص من
دون أن يعيشوا ما عاشته األمم التي انترصت ودخلت الجنّة يف ظروف
رّ
والضاء التي تتعملق يف رّ
والضاء إىل ح ّد الزلزلة .فحاال البساء البأساء
مستوى ال ّزالزل هي يف العمق مدرسة لألمّ ة وإمتحان إلرادتها وصمودها
الشهادة واإلستخالف.ومبدئيتها وقدرتها عىل أن تكون أمّ ة ّ
إذن نرص الله قريب لكن له طريق ،هكذا يقول القرآن ،وهكذا صار
«نرص ال ّله ليس أمرا عفويّا ،فنرص ال ّله قريب ولكن اهتدوا إىل طريقه»[]50
صبرَ ُوا عَ لىَ ٰ مَ ا ُكذِّبُوا وَأُوذُوا حَ تَّ ٰى س ٌل مِّ ن َقبْ ِل َك َف َ قال تعاىل َ «:و َل َق ْد ُكذِّب َْت ُر ُ
ني»[]52 ات ال َّل ِه َو َل َق ْد جَ ا َء َك ِمن نَّبَ ِإ ا ْل ُم ْر َ
س ِل َ أَتَ ُ
اه ْم نَصرْ ُ نَا َولاَ ُمبَ ِّد َل ِل َكلِمَ ِ
يف اآلية تثبيت قلب ال ّرسول صـلىّ ال ّله عليه وسلم بإخباره بالتّجارب
وأن تجربته جزء منها ،ترتبط بقانونها الذي يقول ّ
أن النرص آت السابقة ّ
ّ
الصرب والثّبات.
ولكن له رشوطه املوضوعيّة التي هيّ :
[ ]50د .محمد بقر الصدر ،مقدمات يف التفسري املوضوعي القرآن ،ص 86
[ ]51بحار األنوار :ج 3ص67
[ ]52القرآن كريم -سورة األنعام -اآلية 34
18 كتاب
2017 38اإلصالح
إنّها كلمة ال ّله ال تتبدل عىل م ّر التّاريخ وهي عالقة بني النّرص وبني
مجموعة الشرّ وط والقضايا واملوصفات ّ
وضحت يف آيات متف ّرقة وحملت
عىل وجه اإلجمال يف هذه اآلية.
«فالتّاريخ البرشي ال يتح ّرك فوىض وعىل غري هدف وإنّما تحكمه سنن
ونواميس كتلك التي تحكم الكون والعالم والحياة واألشياء سواء بسواء
ّ
خاصة بالصدفة وإنّما من خالل رشوط
ّ وإن الوقائع التّاريخيّة ال تخلق
ّ
تمنحها هذه ّ
الصفة أو تلك وتوجهها صوب هذا املصري أو ذالك .فالقرآن
«السن» و«النّواميس» التي تسيرّ حركة
ّ يطرح عىل العقل البرشي مسألة
التّاريخ وفق منعطفها الذي اليخطيء ،وعرب مسالكها املقننة التي ليس إىل
الخروج عليها سبيل ،ألنّها منبثقة من صميم الرتكيب البرشي ومعطياته
ووجدانا»[]53 املحوريّة الثابتة ،فطرة وغرائزا وأخالقا وفكرا وعواطفا
[ ]53د .عماد الدين خليل ،حول إعادة تشكيل العقل املسلم ،ص 52 ، 51
[ ]55القرآن كريم -سورة املائدة -اآلية 66
[ ]55القرآن كريم -سورة األعراف -اآلية 96
[ ]56القرآن كريم -سورة الجن -اآلية 16
كتاب 18
39 2017اإلصالح
هذه اآليات الثّالث تتحدّث عن عالقة بني االستقامة وتطبيق أحكام ال ّله
وبني وفرة اإلنتاج وكثرة الخريات ،وبلغة اليوم بني عدالة التوزيع ووفرة
اإلنتاج.
18 كتاب
2017 40اإلصالح
وعن طريق اختيار قانون بدال من قانون آخر ،يستطيع أن يغيرّ مسريها
الطبيعي كما يريد []59
«و أي ّ
تأخر أو اهتزاز يف نفاذ هذه ّ
السنن سوف يؤول إىل تميّع الحركة
التاريخية وعدم انضباطها جزئيّا وبالتايل يؤول إىل موقف نقيض ملفاهيم
ّ
الحق والعدل ومن أجل أن نطمنئ بينّ لنا القرآن يف أكثر من موضع ثبات
السنن ونفاذها وعدم تبدّلها أو تحوّلها ،إنّها موجودة أساسا يف
هذه ّ
الرتكيب الكوني ]60[»...
كتاب 18
41 2017اإلصالح
و لع ّل من وراء هذه اإلشارات لحضور الفعل اإللهي يف الفعل التاريخي
إرادة يف ش ّد اإلنسان اىل ال ّله وإشعاره برضورة االستعانة واالستفادة من
ألن الله يمارس قدرته من خالل ّ مختلف القوانني بدون انعزال عن ال ّله
السنن التّاريخية وتلك القوانني الكونيّة «فالتّاريخ كاستمرارية بني
ّ هذه
ّ
يتدخل ، فالتّاريخ من مشيئة ال ّله،املايض والحارض واملستقبل غري ممكن
]63[ »يف األحداث ليجعل منها «آنيّات» مستق ّلة
18 كتاب
2017 اإلصالح42
لنئ كان يف تعبري املسيحيّة إشارة إىل كون اإلنجيل واملسيح عليه ّ
السالم
حياتنا،فإن ذلك يؤ ّكد ماذهبنا اليه إجماال اىل تأكيد
ّ هو املجال الغيبي يف
املساحة اإللهية يف الفعل التاريخي .
كتاب 18
43 2017اإلصالح
هذا التفسري املوضوعي بال ّله من أجل إتمام إتجاه اإلسالم نحو التّوحيد
بني العلم واإليمان يف تربية اإلنسان املسلم» [.]67
ّ
إن الفعل اإلنساني ليس نتاج ظروف إقتصادية وحدها كما تقول
ّ
املاركسية وليس نتاج وضعيّة اجتماعيّة أو سياسيّة لنظام عالقات
سلطويّة كما يقول بعض علماء اإلجتماع ّ
السيايس ،وليس نتاج وضعية
ثقافية بنيوية ثابتة كما يقول اإلنرتوبولوجيون« .إن الفعل اإلنساني،
وفقا للرؤية القرآنية هو فعل مركب يف التاريخ ويلعب الغيب دورا حيزا
السنن الك ّلية اإللهيّة]68[ ».
يف الواقعة التاريخية وذلك عرب انتظامها يف ّ
ّ
إن هذا املوقف هو نتاج نظرة أحاديّة وإقصائيّة تقول بالوجود مقابل
السنة التّاريخية مقابل مقولة
العدم وباإليجاب مقابل النفي ،بمقابل ّ
لكن القرآن بعيد عن منطق الجمع بني الجسمني ،يرفض ّ االختيار .
بشدّة هذا الوهم وهذا التّعارض« ،فمهما كان من أثر القوى اإللهية أو
امليتافيزيقية العليا التي يمكن أن تسيطر عىل مصائر البرشية وأحداث
18 كتاب
2017 44اإلصالح
التّاريخ ،وهي ما ال يقوى اإلنسان بعد عىل إدراك كنهها وفهم أرسارها،
فإن التّاريخ يتّخذ مجراه عىل يد اإلنسان بطريق مبارش ويف ظروف ّ
معينة ،واإلنسان ابن املايض وهو ليس إبنا ألبويه فحسب ،بل ثمرة الخلق
ك ّله منذ أزمان سحيقة .والعالقة وطيدة بني حياة الفرد وبني الحياة يف
القرون والعصور املاضية ،وال يستطيع اإلنسان أن يفهم نفسه وحارضه
السنني ال ّ
طويلة. دون أن يفهم املايض ،ومعرفه املايض تكسبه خربة ّ
والتأمّ ل يف املايض يبعد اإلنسان عن ذاته فريى ما اليراه يف نفسه بسهولة
من مزايا الغري وأخطائه .ويجعله ذالك أقدر عىل فهم نفسه وأقدر عىل
حسن التّرصف يف الحارض واملستقبل» [ ]69ويؤ ّكد القرآن عىل ّ
أن املحور يف
تسلسل األحداث والقضايا إنّما هو اإلنسان وإرادته قال تعاىل« :إ ِ َّن ال َّل َه لاَ
ي َُغيرِّ ُ مَ ا ِب َق ْو ٍم حَ تَّ ٰى ي َُغيرِّ ُوا مَ ا ِبأ َ ُ
نف ِس ِهمْ» [.]70
ّ
تتدخل يف تفاصيل «فالحتميّة اإللهيّة التي تمثّل سننا وقوانني عامة ال
الحدث بل ترتك إلرادة اإلنسان ممثّلة بقوى اإلصالح والتغيري أو ممثّلة
[]71 تتجسد فعال إنسانيا وواقعة تاريخية» ّ طغيان والفساد أن بقوى ال ّ
يقول تعاىل « َوإِذَا أ َ َر ْدنَا أَن نُّهْ ِل َك َق ْري ًَة أَمَ ْرنَا ُمترْ َفِ يهَ ا َف َف َس ُقوا فِ يهَ ا َفحَ َّق
َ
وح َو َك َف ٰى اها تَد ِْمريًا َو َك ْم أ ْه َل ْكنَا ِم َن ا ْل ُق ُر ِ
ون ِمن بَعْ ِد ن ُ ٍ عَ َليْهَ ا ا ْل َق ْو ُل َفدَمَّ ْرن َ َ
َصريًا » []72 خ ِبريًا ب ِوب عِ بَاد ِه َ ِب َربِّ َك ِبذُن ُ ِ
كتاب 18
45 2017اإلصالح
فالسنة التّاريخيّة كقانون حتمي ال تجري فوق يد اإلنسان ّ إذن
بل من تحت يديه وبإمضائه ،إذ أنّه رشط حدوثها وانطباقها .وبالتايل
اختيار اإلنسان له موضعه الرئييس يف التصوّر القرآني ّ
للسنن التاريخية،
إن التّاريخ هو « فالتّاريخ ال ينشأ يف ّ
الشعور إلاّ كنتيجة إلثبات الح ّرية بل ّ
ّ
لقصة تح ّرر البرشيّة إن التّاريخ ك ّله
قصة الح ّرية كما يقول كروتشة ،بل ّ
ّ
من الوصايا الخارجية» [ ]73فالفعل اإللهي غري املبارش يف التاريخ يجىء
عن طريق الح ّرية اإلنسانيّة ذاتها والتي هي يف مداها البعيد جزء من إرادة
ال ّله يف خلق األفعال واألحداث» []74
18 كتاب
2017 46اإلصالح
الساحة التاريخية« .فالزمان أُعطي لإلنسان ليفعل فيه ،كما أُعطي له
عىل ّ
التّاريخ ميدانا للعمل ،فال نهاية بال بداية وال خاتمة بال مرشوع .اإلنسان
حياته ،وحياته تاريخه وتاريخه سلوكه،وسلوكه تحقيق لغاية ،وغايته
رسالته ،ورسالته مصريه]76[ ».
[ ]76د.حسن حنفي ،من العقيد إىل الثورة ،ج .5ص 482
كتاب 18
47 2017اإلصالح
18 كتاب
2017 48اإلصالح
- IV -
الوعي التاريخي:
جدل اإلنسان والتاريخ
كتاب 18
49 2017اإلصالح
(أ) قراءة يف األصول
«نجزئ ال ّزمن إىل مايض وحارض ومستقبل وهو واحد ،إذ نعيش يف خضم
ما يمكن تسميته باملضحارض -مستقبل ...ماضينا ذاكرتنا ،وحارضنا
حصيلة ماضينا ،لكنه محكوم أيضا بصفة مبهمة بتصويرنا للمستقبل
...لذلك وجب علينا أال ّ ترشئب أعناقنا إىل املايض فحسب أو أن نضيع
يف حارض الحارض ،علينا أن نفسح املجال ،كل املجال للمستقبل ألنّك ال
السهم ،فاملستقبل عامل هامتصيب مرماك إن لم تسبق بحسابك مجرى ّ
أن لم تعتربه لم تفهم حارضك بل قل لم تفهم ماضيك «]77[ ».فك ّلما كانت
معلوماتنا عن املايض والحارض أقل ،داخل حكمنا عىل املستقبل املزيد من
ّ
والشكوك»[ «]78وإذا ال حظنا ديمومة هذا العالم وجدناها محدودة ال ّريب
بالحارض الذي ليس سوى نقطة تفصل النهايتني من الزمان .املايض
واملستقبل ال وجود لهما لو لم يكونا» [ ]79فالزمن مرآة بثالثة وجوه يف
مصاريعه الثالثة املغلقة يمحى املستقبل واملايض ويبرص الحارض ويف
خضم هذا التّشابك بني أبعاد ال ّزمن الكوني يعيش اإلنسان ويحيي قدره
[ ]77د.املنصف املرزوقي ،مقال الحارض يحدث الغد من املايض ،جريدة الرأي -أوت 1984
[ ]78سغموند فرويد ،مستقبل وهم ،ص7
[ ]79التفتزاني ،رشح املقاصد يف علم الكالم ،ج3
18 كتاب
2017 50اإلصالح
«فاإلنسان وال ّزمان عدوّان أكيدان يطوي أحدهما اآلخر لع ّل يأتي ّ
الصباح،
نصنع فيه نحن أقدارنا» [ .]80يقول مارك توين« ’:لقد مررت ببعض
األمور الصعاب يف حياتي ،ولقد حدث بعضها بالفعل ،أي أن كثريا مما
مررت به لم يحدث» كما أن كثريا مما حدث لك بالفعل قد انتهى ولن يعود،
وقلقك بشأنه ال معنى له .إنك ال تستطيع أن تحمل ثالثة هموم مرتاكمة
يف وقت واحد :ه ّم املايض ،وه ّم الحارض ،وه ّم املستقبل .فال ب ّد أن تختار
منها واحدا؛ فهل تختار ه ّم املايض الذي ذهب ولن يعود؟ أم ه ّم املستقبل
الذي لم يأت بعد؟ إذن لم يبق سوى ه ّم الحارض .إن املايض واملستقبل ال
وجود لهما إال عندما تفكر فيهما ،فهما من دنيا اآلراء واألفكار ،وليسا
من الواقع واألحداث ،فلماذا نجهد أنفسنا يف صنع الحرسات عىل املايض،
أو عىل املستقبل؟
ّ
الحس والوعي التاريخي عند اإلنسان من خالل تطبيقات اآليات ويتجلىّ
ّ
تحث عىل فهم ال ّزمان بأبعاده املختلفة القرآنية واألقوال النبويّة التي
َاسا وَجَ عَ ْلنَا النَّهَ ا َر
وبأدوار ك ّل حيز ...قال ال ّله تعاىل« :وَجَ عَ ْلنَا ال َّليْ َل ِلب ً
اشا»[ ]81وقال«:وَجَ عَ ْلنَا ال َّليْ َل وَالنَّهَ ا َر آيَتَينْ ِ »[ ]82وقال أيضا«:وَا ْل َفجْ ِر
مَ عَ ً
ان َلفِ ي ُ
خ رْ ٍ
س »[]84 إ ِ َّن الإْ ِ َ
نس َ َال عَ شرْ ٍ و َّ
َالش ْف ِع وَا ْل َوتْ ِر»[ ]83و« وَا ْلعَ صرْ ِ َو َلي ٍ
ان عَ اقِ ب َُة
ْف َك َظ ُروا َكي َ سن َ ٌن َف ِسريُوا فيِ الأْ َ ْر ِض َفان ُ ت ِمن َقبْ ِل ُك ْم ُ و«ق ْد َ
خ َل ْ َ
ظ ٌة ِّل ْل ُمتَّقِ َ
نيَ ،ولاَ تَ ِهنُوا َولاَ تَحْ َزنُوا اس و َُهدًى وَمَ وْعِ َ نيَٰ ،ه َذا بَيَا ٌن ِّللن َّ ِ ا ْل ُم َك ِّذ ِب َ
كتاب 18
51 2017اإلصالح
س ا ْل َق ْو َم َق ْرحٌ
ني ،إِن يَمْ َس ْس ُك ْم َق ْرحٌ َف َق ْد مَ َّ ْن إِن ُكنتُم مُّ ْؤ ِم ِن َ وَأَنتُ ُم الأْ َعْ َلو َ
ِين آمَ نُوا َويَتَّخِ ذَ ِمن ُك ْم اس َو ِليَعْ َل َم ال َّل ُه ا َّلذ َ مِّ ثْلُ ُه َو ِت ْل َك الأْ َيَّا ُم نُد ِ
َاولُهَ ا بَينْ َ الن َّ ِ
ني» ]85[.وقال صلىّ ال ّله عليه وس ّلم «لن تزول ُ
شهَ دَا َء وَال َّل ُه لاَ يُحِ بُّ ال َّ
ظال ِِم َ
قدما ابن آدم حتى يسأل عن أربع ،عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما
أباله وعن علمه فيما عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه»[]86
يتحس أهل الجنّة إال ّ عىل ساعة م ّرت بهم لم يذكروا ال ّله
رّ وقال «ليس
فيها»[ ]87وقال «إذا أتى عيل ّ يوم لم أزدد فيه علما ً ولم أزدد فيه هدى
فال بورك يل يف طلوع شمس ذلك اليوم»[ ]88وقال ناصحا ابن عمر «إذا
أمسيت فال تنتظر الصباح وإذا أصبحت فال تنتظر املساء وخذ من صحتك
ملرضك ومن حياتك ملوتك»[ ]89وقال أيضا «إن يف الليل لساعة ال يوافقها
رجل مسلم يسأل ال ّله خريا من أمر الدّنيا واآلخرة إال أعطاه إيّاه وذلك ك ّل
طا َع أ َ ْن الساعَ ُة َوفيِ يَ ِد أَحَ ِد ُك ْم َف ِسي َل ٌةَ ،ف ِإ ِن ْ
استَ َ ليلة»[ ]90وقال «إ ِ ْن َقامَ ِت َّ
َان ن َ ْف َس ُه وَعَ ِم َل
ِّس مَ ْن د َ سهَ ا»[ ]91وقال «ا ْل َكي ُ لاَ تَ ُقو َم حَ تَّى ي َْغ ِر َ
سهَ ا َف ْلي َْغ ِر ْ
َاها َوتَمنَّى عَ لىَ الله» []92 اج ُز مَ ْن أَتْبَ َع ن َ ْف َس ُه َهو َ لِمَ ا بَعْ َد ا َملو ِْت ،وَالعَ ِ
18 كتاب
2017 52اإلصالح
(ب) دالالت وترميزات
تبني القرآن لفكرة ال ّزمن والتّاريخ وتنديده ملن جحده واستهجنه .كما
نالحظ حضور فكرة ال ّزمن يف الخطاب النّبوي بدرجة أوىل ثم وضوح هذه
الفكرة يف مستويات متعدّدة تلتقي وتفرتق لتش ّكل يف النّهاية ظاهرة ك ّلية
الصالة ومقادير ال ّزكاة وحساب األه ّلة وأحكام األداء
متكاملة « فمواقيت ّ
والقضاء والحول والفوات وك ّل الضوابط دليل عىل تنظيم ّ
الشخصية أو
وضعها ضمن مناخ التنظيم و إدراك األشياء ومدى أهمّ ية آدائها يف وقتها
أن عامل الوقت جزء هام من العمليّة الحضاريّة إىل جانب التّعرف وكيف ّ
السنن وحسن التّرصف بال ّ
طاقات» []93 عىل ّ
فال ّزمن جزء هام من ّ
الشخصيّة وهو معلم من معاملها ومن هنا تأتي
والصعبة التي تعني تحوّل وتحويل ال ّزمن -كفكرة مج ّردة
ّ املعادلة ال ّراقية
وقيمة مطلقة وفضاء محايد – إىل معطى إنساني واقعي أي ّ
أن ال ّزمن يف
[ ]93عمر عبيد حسنة ،مقدمة كتاب إعادة تشكيل العقل املسلم ص17.
كتاب 18
53 2017اإلصالح
الخطاب اإلسالمي والتّصور القرآني يعني الحضور والفعل وهو يعادل
اإلبداع والجهاد والتّطور .وذالك هو التّحول التّصوري والنقلة التي ش ّكلت
قطيعة مفاهميّة هامّ ة مع ما كان سائدا ،والتي تش ّكل وش ّكلت معادلة
بل تحدّيا صعبا.
ومن هنا أو لذلك أن يصبح «الزمن -الفعل» محدّدا لوجود اإلنسان أو
عدمه ،الرتفاعه أو هبوطه ،لرقيه أو تراجعه لحضارته أو بداوته «فتقدّم
الشعوب مرهون باكتشاف شعورها التّاريخي ،فهو الذي يضعها يف ّ
فالشعور التّاريخي هو رشط ّ ال ّزمان ويجعلها تحدّد دورها يف التّاريخ...
الوعي التّاريخي» [ ]94والخطاب اإلسالمي يحوّل الزمن من التقدير الكمّ ي
ّ
والسنة ) إىل التقدير الضيق –( تقدير حياتي وحدة الحساب فيه اليوم
النّوعي(وحدة الحساب فيه الفعل واإلنجاز واإلنتاج)
سئل أبو بكر «أأنت أكرب أم ال ّرسول صلىّ ال ّله عليه وس ّلم ،فأجاب ولدت
قبله ولكنه أكرب مني» [ ]95ولنئ تضمنت اإلجابة جانبا أخلقيا أدبيّا مع
الرسول صلىّ ال ّله عليه وس ّلم فقد عبرّ ت عن وعي وحامل مفاهيمي
السنني واأليام وإنّما بوحدة الفعل والجهاد
يرفض أن يقيس نفسه بوحدة ّ
والعطاء« .فالعمر الحقيقي لك ّل إنسان هو تاريخه ،وليس عمره الحقيقي
أي سنوات حياته ،والعمر املكتوب يف بطاقة الهويّة لفرد ما هو املدّة
التي يصنعه التاريخ فيها ،الفرتة التي يودعه فيها التّاريخ تراثه ومواده
18 كتاب
2017 54اإلصالح
ّ
فالشخصيّة اإلنسانيّة لك ّل فرد هي مجموعة وخصائصه … ومن هنا
الخصائص التي استمدّها من تاريخه ،فليس اإلنسان شجرة بدأت من
يوم أن ولدت ،بل هو شجرة مدّت جذورها يف أعماق تاريخها تتغ ّذى منه
دائما وحتى لحضة املوت» [ ]96والزمان اإلنساني مرتبط دائما بنوعية هذا
الفعل (تفكري ساعة خري من عبادة ستّني سنة ) ومن هنا تلوح شيخوخة
اإلنسان الذي شاخ دون إنجاز من املنظور اإلسالمي طفولة العبة بالرتاب
الشباب يف ّ
الشاب الذي نشأ يف طاعة ال ّله إمتالكا ألعمار بينما تلوّ ح طاقة ّ
كثرية وليس ملجرد عمر فتى ،وهذا هو املردود الطبيعي لألسئلة املسلمة
التي تتواتر عىل إنسانها امللتزم :عمره فيما أفناه؟ شبابه فيما أنفقه؟
حياته فيما سدّدها؟ صحته فيما وظفها ؟ فاإلسالم يبني تقييمه النهائي
لل ّزمان من خالل وعي اإلنسان به وحركته فيه» []97
كتاب 18
55 2017اإلصالح
(ج) مقولة املوت واطروحته
«القرآن زاخر باألحداث التّاريخيّة املتّصلة منذ آدم حتّى محمد ومن
محمد حتّى اليوم اآلخر الذي هو ليس يوما أخريا ،بل سوف تستمر الحياة
بعده يف الجنّة أوالنّار وقد ال نستشعر تطورا و لكننا عىل األقل نستشعر
استمرارا واتصاال» [ ]99قال تعاىل « يَا أَيُّهَ ا ا َّلذ َ
ِين آمَ نُوا اتَّ ُقوا ال َّل َه حَ َّق تُ َقات ِِه
َولاَ تَمُوتُ َّن إِلاَّ وَأَنتُم مُّ ْس ِلم َ
ُون» []100
يؤسس اإلسالم يف إنسانه روح املساواة بينه وبني ال ّزمن،حتّى يكون هذا
ّ
ّ
بحس املخاطرة و الكشف ومزيد اإلضافات ،فالقرآن ال ال ّزمن إطارا مليئا
ّ
وبأن خروجه يفتأ يذكر إنسانه املسلم ّ
بأن املوت أقرب إليه من حبل الوريد
من داره قد ال يعطي حتميّة ال ّرجوع وبأنّه محارص بتخوم جهله الغليظ
يف قضايا «متى وأين وكيف املوت؟؟»ومن هنا يشعل اإلسالم يف اإلنسان
جذوة اإلحساس بقيمة ال ّزمن أي بقيمة الحياة« .فيربز املوت قيمة إيجابية
فاعلة يف تاريخ البرشية ،وتح ّد خطري يضع اإلنسان دائما يف مواقع التوتر
وال ّرد والفعل واإلبداع» []101
18 كتاب
2017 56اإلصالح
وهنا تقوم معادلة تنهض عىل جناحني متوازيني بني جناح اإلحساس
القلق بتغ ّلب ال ّزمن وترسبه لحظة بعد لحظة ،بال إمكانية للعودة عىل
ُّ
ينشق فجره إال االطالق .قال (الحسن البرصي رحمه الله) «ما من يوم
خلق جديد ،وعىل عملك شهيد ،فتزوّد منِّي فإني إذا
ويُنادي :يا ابن آدم أنا ٌ
إىل يوم القيامة» []102 ُ
مضيت ال أعود
يف الوضعية األوىل يستنفر اإلسالم طاقات اإلنسان جميعها ويوجّ هها
مللء ال ّزمن التّاريخي برتاكمات الفعل حتّى ال نفاجأ باالستيالب الذي ال
ستَا عَ لىَ ٰ نملك معه أيّة إضافة من أي لون .قال تعاىل « أَن تَ ُقو َل ن َ ْف ٌ
س يَا حَ رْ َ
الساخِ ِر َ
ين» [ ]103فال ّزمن يف تصوّر نب ال َّل ِه َوإِن ُك ُ
نت َل ِم َن َّ مَ ا َف َّر ُ
طت فيِ جَ ِ
اإلنسان املسلم ثروة ينبغي أن تُستغ ّل ،وعمرا يجب أن يُمأل ،وتاريخا يتحتم
أن يحوي إبداعات اإلنسان وإنجازاته.
ويف الوضعية الثانية يستنفر اإلسالم طاقات اإلنسان جميعها ويوجّ هها
يف اتجاه انتخاب نوعية من الفعل «إال ّ وانتم مسلمون» الذي ّ
يؤهل املرء
للمواطنة الدّائمة يف ممالك الخلود «فاملوت ال يجيء بمثابة نقمة أو عقاب
ينزل عىل رؤوس النّاس ،إنّما هو واحد من تحديات كثرية يف عالم اإلنسان
كتاب 18
57 2017اإلصالح
طموح األبدي للتّغلب والتفوق من أجل أن تبعث فيه التوتّر الدّائم وال ّ
واإلنتصار ،وتمنعه من أن يسلم نفسه للكسل والترّ اخي واالتّكالية» []104
18 كتاب
2017 58اإلصالح
(د) ملاذات و إجابات
إذا كانت معالجتنا السابقة قد تميّزت بنمط نظري تجريدي مفاهيمي،
فإن جدل الفكر و الفعل يحتّم إرداف هذه املعالجة بتناول ينحو منحى
ّ
عمليّا واقعيّا وهو املراد بعنوان جدل اإلنسان والتّاريخ استفهامات
وإجابات.
* االستفهام األول:
* اإلجابة:
* االستفهام الثاني:
ملاذا استطاع الجيل اإلسالمي األول بناء مرشوعه ومده طوال وعرضا يف
ط زمني متواضع ؟ خ ّ
كتاب 18
59 2017اإلصالح
* اإلجابة:
إنه جيل زمن اإلحسان الذي يعبد ال ّله كأنّه يراه ،جيل املحاسبة اليومية
«إن النّاس يف األع ّم يمشون إىل أهدافهم أو يهرولون إليها ولكنّنا
للذاتّ .
هنا نجد أناسا يركضون ،لقد بعث اإلسالم أجياال من العدّائني الذين
عرفوا كيف يح ّ
طمون األرقام القياسيّة وهم يجتازون املوانع واملتاريس
ويقطعون املسافات الطوال ،إن القران الكريم نفسه يصفهم بأنّهم
يسارعون يف الخريات وأنّهم لها سابقون» []106
* االستفهام الثالث:
ّ
وتأخر األنا ؟ ّ
وتأخر املسلمون ؟ ملاذا تقدّم اآلخر ملاذا تقدّم الغرب
* اإلجابة:
لقد تقدّم «اآلخر» ألنّه تعامل مع ال ّزمن ويتعامل معه كلحظات بني
ال ّلحظة وال ّلحظة مساهمات وإضافات وايداعات حضارية ،فوحدة
رّ
والسعة ،وتخلف «األنا» ّ
الضبط الحساب عندهم ال ّلحظة ،وهي دليل
ألنّه تعامل مع ال ّزمن كعدو ،فوحدة الحساب عندنا هي ّ
الساعة واليوم،
واعترب ال ّزمن عدوّا ثقيال وبالتّايل نجد حاالت اإلغرتاب عنه وحاالت القلق
والضياع والعبثيّة .
[ ]106د .عماد خليل ،حول اعمادة تشكيل العقل املسلم ،ص 30
18 كتاب
2017 60اإلصالح
* االستفهام الرابع:
* اإلجابة:
ألن شعب اليابان آمن بال ّزمن وبقدرته عىل تحويله ،فكان االلتحام
وكانت اليابان املعجزة ولع ّل ظاهرة اإلرضاب بحمل الشارة الحمراء لدليل.
* االستفهام الخامس:
ملاذا تطفو عىل سطح األحداث هذه العبارات «الزمن اإلرسائييل»« ،الزمن
األمريكي»« ،الزمن اإلمربيايل» ....؟
* اإلجابة:
كتاب 18
61 2017اإلصالح
النّفس»« ]107[ .فال ّزمن ليس إال ّ إطارا لفاعليّة اإلنسان ،و الفاعليّة الفاعلة
تتوقف عىل قدرة العقل ال عىل فوران العاطفة ،ليس ال ّزمن ّ ال املنفعلة،
مسؤوال عن يشء ،وإنّما املسؤول هو اإلنسان الذي يحيا الزمن ،هو الذي
يرتّب ويقود الحياة يف ال ّزمن» []108
* االستفهام السادس:
* اإلجابة:
18 كتاب
2017 62اإلصالح
-V-
الحس و الوعي الكوني و الجمالي:
جدل اإلنسان و الطبيعة
كتاب 18
63 2017اإلصالح
إن اإلنسان كما ت ّم بيانه هو صانع التّاريخ بحسب مثله األعىل الذي
طبيعة يف ساحة الفعل التّاريخي ؟
اختاره ،ولكن ما هو موقع ال ّ
18 كتاب
2017 64اإلصالح
فاملسلم يصارع غموض القوانني وال يصارع وجودها ،وهو يستهدف
الكشف عن العلو اإللهي يف التّاريخ وال ّ
طبيعة من خالل استيعابه لشبكة
القوانني ،واالندماج معها ،فحركة املسلم تأخذ شكال أماميّا متّجها نحو
املزيد من التوحّ د واالنسجام «فغاية الحضارة البديلة هي أن ّ
تحقق بالوعي
اندماج اإلنسان يف رحمه الكوني ضمن املنهجيّة اإللهية...فكل صفة
يتّخذها اإلنسان يف سلوكه الحضاري بما يخالف الحقيقة الكونيّة يعتربها
الله باطال ليس جديرا بالبقاء»[]111
«إن القرآن الكريم بتأكيده العميق عىل دور الصرّ اع يف تاريخ البرشيّة يف
الصاعدة أو ال ّراجعة يم ّد مساحة هذا الصرّ اع إىل أبعد اآلفاق ،فهو
حركاتها ّ
يخرج بها عن نطاق الصرّ اع أساسا وذلك عندما يجىء بمثابة استجابة
داخلية مقرونة بعمل خارجي لنداء من فوقّ ،
إن حوارا كهذا هو الذي
يح ّرك يف أحيان كثرية أحداث التاريخ عىل خ ّ
ط صاعد»[]113
[ ]111د .أبو القاسم حاج حمد ،العاملية اإلسالمية الثانية ,ص222
[ ]112عماد الدين خليل» يف التفسري اإلسالمي :الرصاع ودوره يف الحركة الحضارية» ،مجلة
املسلم املعارص ،س ،1.ع ،1.شوال ،1394ص66:.ــ85
[ ]113املصدر السابق
كتاب 18
65 2017اإلصالح
الحيّة ،والطبيعة بميدانها الفسيح وأرضيتها ال ّرحبة ،والوحي بندائه
العلوي الثّابت .
فا ّلطرح اإلسالمي يتوجّ ه نحو تحويل ال ّ
طبيعة من كيان مضا ّد ،
معيق لحركة اإلبداع اإلنساني إىل كيان رافد لهذه الحركة ،مقوّ لكمياتها
ورسعتها .لذلك تميّز القرآن الكريم يف معالجته لهذه املسألة باستعماله
مصطلح «التسخري» إعالنا لسيادة اإلنسان ودفع له الكتشاف مكامن
س َس َّخ َر َل ُك ُم ال َّليْ َل وَالنَّهَ ا َر و َّ
َالشمْ َ القدرة عىل تطويعها .قاىل تعاىل «و َ
ض » []115 وَا ْل َقمَ َرَ»[]114وقال أيضا « أ َ َل ْم تَ َر أ َ َّن ال َّل َه َ
س َّخ َر َل ُكم مَّ ا فيِ الأْ َ ْر ِ
ّ
والسيادة وتتواصل مثل هذه اآليات وتمت ّد لتالمس الوجه اآلخر للتّسخري
ض وَمَ ا َات َوالأْ َ ْر َ خ َل ْقنَا َّ
السمَ او ِ فتحدّد طبيعتها ونوعيتها .قاىل تعاىل « وَمَ ا َ
بَيْنَهُ مَ ا إِلاَّ ِبا ْلحَ ِّق»[« .]116فاإلسالم يف تصوّره للعالقات بني اإلنسان والعالم
طا جديدا ،خطا ّ يقوم عىل الوئام واالنسجام والتكامل والوفاق يرسم خ ّ
ّ
واملؤسسة طبيعة ،بني الجماعة والتّجانس وااللتحام بني اإلنسان وال ّ
والعالم ...إنّه مادامت قوى العالم قد ّ
سخرت ملهمّ تنا األرضيّة تسخريا،
ّ
فإن عالقتنا بها ليست أبدا عالقة إقتتال»[]117
18 كتاب
2017 66اإلصالح
- VI -
جدل املجتمع والطبيعة
كتاب 18
67 2017اإلصالح
إنتهى القول إىل التأكيد عىل موقف القرآن من اإلنسان كصانع للتّاريخ
ّ
والسنن «فأيّ عامل يلغي دور اإلنسان كصانع مصريه الزاخر بالقوانني
وتاريخه ،لم يحقر اإلنسان وينزل به إىل مستوى النبات أوالحيوان ،بل
سلب من اإلنسان املسؤوليّة وهي النتيجة املنطقية لإلرادة والح ّرية،
وهذه املسؤوليّة هي أعظم فضائل اإلنسان ووجه تميّزه عن كل الكائنات،
ويف هذه الحالة يكون قد سلب – طوعا أو كرها -الحركة والتّعامل مع
املجتمع» [ ]118وث ّم بيان كون اإلنسان بقدر خضوعه للرضورة وبقدر
حصوله عىل الحرية فهو«إبن التّاريخ وأبوه» كما ت ّم بيان تأويل القرآن
طبيعة كمجهول ضمن إشكالية للعالقة بني اإلنسان كتط ّلع وغايات وال ّ
الصرّ اع والتّوحد «فينبغي أن ننظر إىل اإلنسان كإرادة ذات دخل وكعامل
يستطيع أن يغيرّ قدره التّاريخي باستعداده اإللهي :العلم والخالفة ومن
هنا كان الوعي فحسب هو الذي يستطيع أن يغيرّ املصري ويغيرّ مسرية
التاريخ وفق هوى اإلنسان» [ ]119ومن هنا يطرح أشكال الجدل القائم
طبيعة والتّاريخ .
بني محور اإلنسان وال ّ
18 كتاب
2017 68اإلصالح
طبيعة واتسعت مساحة نفوذهإنّه ك ّلما تنامت قدرات اإلنسان عىل فهم ال ّ
توفرت امكانية اإلستغالل عىل خ ّ
ط عالقات اإلنسان بأخيه عليها ،ك ّلما ّ
اإلنسان «فالقائد البطل الذي يصبح موضوع تاريخي هو يف الواقع تعبري
عن إرادة املجتمع والجماهري ،وفشله ونجاحه ال يخضع فقط لعبقريته
وحدسه بل وأيضا لعالقته مع الجماهري واملجتمع ،فالبطل الذي يصنع
التّاريخ هو نتيجة لصنع التّاريخ واإلنسان» [ ]120لذالك تكثر األيات الدّالة
عىل عالقة اإلنسان باآلخر وتأثري ذلك يف فعلهم ،قال تعاىلَ « :كلاَّ إ ِ َّن الإْ ِ َ
نس َ
ان
همَ َز ٍة ُّلمَ َزةٍ»[]122 ط َغ ٰى أَن َّرآ ُه ْ
استَ ْغن َ ٰى » [ ]121وقال أيضا َ « :ويْ ٌل ِّل ُك ِّل ُ َليَ ْ
[ ]120فتحي الرتيكي ،العقل والنقد يف فلسفة التاريخ عند العرب ص 35ذ
[ ]121القرآن الكريم ،سورة العلق األيتان 6و7
[ ]122القرآن الكريم ،سورة اللمزة األية 1
[. ]123محمد باقر الصدر ،مقدمات يف التفسري املوضوع للقران ،ص172
كتاب 18
69 2017اإلصالح
وفسحت عن مجهولها وفق التعبري القرآني الوارد يف عديد اآليات .قال
اهم مَّ ا ًء َغد ً
َقا» []124 يق ِة لأَ َ ْ
س َقيْن َ ُ ط ِر َ تعاىل « وَأَن َّل ِو ْ
استَ َقامُوا عَ لىَ ال َّ
طبيعة يف الفعل أن عالقة املجتمع بال ّ من خالل ما قدّمنا يتّضح ّ
التاريخي خاضعة هي األخرى لنواميس التّاريخ التي بيّناها يف بداية هذا
السنة يف املجتمع عىل قدر ما يحصل لهم النّتاج.
البحث.فعىل قدر ما تتّخذ ّ
18 كتاب
2017 70اإلصالح
- VII -
هـل ينتفي الصراع يف الزمن
اإلسالمي
كتاب 18
71 2017اإلصالح
ِنض َو َٰلك َّ َت الأْ َ ْر ُ
ضهُ م ِببَعْ ٍض َّل َف َسد ِ اس بَعْ َ قال تعاىل « َو َل ْولاَ د َْف ُع ال َّل ِه الن َّ َ
اس ني» [ ]125وقال أيضا « َو َل ْولاَ د َْف ُع ال َّل ِه الن َّ َ ض ٍل عَ لىَ ا ْلعَ ا َل ِم َ ال َّل َه ذُو َف ْ
اس ُم اج ُد يُذْ َك ُر فِ يهَ ا َْات وَمَ َس ِ َص َلو ٌ صو ِ
َام ُع َو ِبيَ ٌع و َ ضهُ م ِببَعْ ٍض َّلهُ د ْ
ِّمَت َ بَعْ َ
ال َّل ِه َكثِرياً»[ ]126فالصرّ اع جوهر الحياة البرشيّة وتميّزها من أوّل لحظة
«فقصة قابيل وهابيل تمثّل مصدر فلسفتنا يف التّاريخ مثل ما كانت قصة ّ
آدم مصدر فلسفة اإلنسان لدينا ...الرصاع الذي دار بني قابيل وهابيل هو
رصاع جبهتني متناقضني تموضعتا عىل امتداد التّاريخ يف شكل جدليّة
تاريخيّة .فالتّاريخ إذن مثل اإلنسان ينطوي عىل فاعليّة جدليّةّ .
إن
أن قابيل يمثّل العرص الذي
التّناقض بدأ بقتل هابيل قابيل ،إني أعتقد ّ
ساد فيه النّمط االقتصادي الرعوي الذي قامت عليه االشرتاكيّة البدائيّة
السابقة للملكيّة يف حني يمثّل قابيل النّمط الفالحي أو امللكيّة الفرديّة
ّ
االحتكاريّة ،وعىل هذا األساس نشأ الصرّ اع واستم ّر متّخذا من التّاريخ
مرسحا للصرّ اع بني جبهة هابيل القاتل وجبهة قابيل املقبول أو بعبارة
وجبهة املحكوم]127[ ». أخرى جبهة الحاكم
18 كتاب
2017 72اإلصالح
ويظل هذا الصرّ اع كما يصوّره القرآن امتدادا وعمقا محور التاريخ وال
إمكانية للحركة خارج دائرة الصرّ اع والتّدافع والجهاد والتّحدي.
لهذا ق ّرر النّبي صلىّ ال ّله عليه وس ّلم حتميّة الحركة الجهاديّة فقال:
«الجهاد ماض إىل يوم القيامة»[ ]130وهو املعنى الذي أراده أبو بكر بقوله
« والله لو لم تجاهدوا لس ّلط عليكم ال ّذل» [ «]131لقد بنى اإلسالم دولة
ولكنّه أبقى جذوة الثّورة متّقدة يف داخلها ومن حولها ...فلم يتحوّل الثّوار
واملنترصون إىل ح ّكام يجنون ثمرات أتعابهم ّ
السابقة بل أمروا أن يستم ّروا
ثوّارا مجاهدين» []132
كتاب 18
73 2017اإلصالح
ّ
إن نهوض العقل اإلسالمي وسيادة مرشوعه ال يكفي املؤمنني رشّ القتال
بل ّ
يوفر لحركة التّاريخ والتّحرر واالنعتاق والتّوحيد مجالها اإليجابي
والسانح للنّمو واالمتداد « ،فلع ّلها من األمور التي تميّزت بها تجربة الثّورة
اإلسالميّة األوىل أنّها حني انترصت وانبثقت عنها دولة طلبت من الدّولة أن
تواصل الثّورة وهذا ما جعل الدّولة اإلسالميّة األوىل دولة ثورة وليست دولة
ما بعد الثورة ،ممّ ا فرض عليها فيما بعد إحدى حالتني أساسيتني :إمّ ا
اإلندماج يف الثّورة اإلسالميّة وإمّ ا الخروج عليها» [.]133
إنّه ال حياة للمسلم خارج املعركة والثّورة والتّحرر ولكن يف دائرة التّوق
نحو األسمى وباصطحاب القرآن يف كل مراحل الرصاع «فالنسخ يف القرآن
يد ّل عىل وجود الوحي يف ال ّزمان وتغيرّ ه طبقا لألهلية والقدرة وتبعيته ملدى
ال ّرقي الفردي واالجتماعي يف التّاريخ .الوحي ليس خارج ال ّزمان ،ثابتا
ال يتغيرّ بل داخل ال ّزمان يتطوّر بتطوّره ،ليس هدف الوحي هو مج ّرد
اإلعالن عنه كشعار بال مضمون أو تحقيقه دون وعي بال ّزمان فيفشل ،بل
تطبيقه يف ال ّزمان بخاصة يف التّاريخ طبقا لقدرات الفرد والجماعة»[]134
18 كتاب
2017 74اإلصالح
خاتمة
إدراك املح ّرك األسايس للعمليّة التّاريخيّة وإدراك عالقة األطراف املختلفة
الحارضة يف الفعل التّاريخي وكيفيّة تقاسم مساحته وإدراك نتائج هذا
الفهم يف مستوى الوعي واملمارسة التّاريخية ،تلك هي إرادتنا من جملة
األسئلة التي طرحناها.
كتاب 18
75 2017اإلصالح
إن حركة التّاريخ متميّزة عن ك ّل الحركات األخرى إذ أنّها حركة غائيّة ال
سببيّة فقط ،إن املستقبل بإعتبار الغاية تطلع إليه هو املحرك ألي نشاط
ّ
متجسد يف أطراف موجودة يف الذهن لها جانب تاريخي ....هذا املستقبل
فكري وجانب إرادي ...الجانب الفكري يض ّم تصوّرات الهدف ،أمّ ا اإلرادي
ّ
تحفز اإلنسان نحو هذا الهدف . فيمثل ال ّ
طاقة واإلرادة التي
إن فاعلية املستقبل تتمثّل يف التقاء الفكرة واإلرادة عىل محتوى داخيل
لإلنسان ،هذا املحتوى الداخيل هو األساس لحركة التّاريخ ،قال الله تعاىل
« إ ِ َّن ال َّل َه لاَ ي َُغيرِّ ُ مَ ا ِب َق ْو ٍم حَ تَّ ٰى ي َُغيرِّ ُوا مَ ا ِبأ َ ُ
نف ِ
س ِهمْ» []135
18 كتاب
2017 76اإلصالح
املصادر واملراجع
* كتب التفسري
( )3أبو القاسم جار الله محمود مر الزمخريش ،الكشف ن حقائق التنزيل
وعيون األقاويل يف وجوه التأويل .طبعة بدون تاريخ ،الدار العاملية للنرش،
بيوت – لبنان .
( )4الشيخ األكرب محيي الدين بن عربي ،تفسري القرآن الكريم ،الطبعة
الثالثة . 1981دار األندلس بريوت – لبنان
( )5الشهيد سد قطب ،يف ظالال القرآن ،ط .بدون تاريخ ،دار الرشوق ،
القاهرة – مرص
* املراجع العربية:
كتاب 18
77 2017اإلصالح
( )3د .محمد باقر الصدر ،سنن التاريخ يف القرآن الطبعة األوىل 1402هـ
موسسة البعثة ،طهران – إيران
( )4د .محمد باقر الصدر ،مقدمات يف التفسري ملوضوعي للقرآن الطبعة
الثالثة ، 1982دار التوحيد إلسالمي بريوت – لبنان
( )5د .عماد الدين خليل ،حول إعادة تشكيل العقل املسلم ،الطبعة األوىل
1403هـ رئاسة الشؤون الدينية .بقطر
( )6د .عماد الدين خليل ،التفسري اإلسالمي للتاريخ الطبعة الثالثة.يونيو
، 1981دار العلم للماليني ،بيوت – لبنان .
( )7د.عيل رشيعتي ،العودة إىل الذات ،الطبعة األوىل،يونيو ، 1981دار العلم
للماليني ،بريوت -لبنان
( )8د .محمد عابد الجباري ،الخطاب العربي املعارص الطبعة الثانية
أكتوبر ، 1985دار الطليعة بريوت – لبنان
( )9د .حسن حنفي ،من العقيدة إىل الثورة (خمسة اجزاء) ،الطبعة األوىل
، 1988دار التنوير ،بريوت – لبنان
ج :1املقدمات النظرية
18 كتاب
2017 78اإلصالح
( )10د .حسن حنفي ،دراسات إسالمية ،الطبعة األوىل ،1982دار التنوير،
بريوت – لبنان
ّ
مؤسسة ( )14مرتىض مطهّ ري ،نهضة املهدي يف ضوء فلسفة التاريخ،
البعثة ،طهران ،إيران ،ط1981 ،1
( )15أبو القاسم حاج حمد ،العاملية اإلسالمية الثانية ،دار املسرية ،بريوت
لبنان ،ط1981 ،1
( )16محمّ د أركون ،الفكر اإلسالمي قراءة علميّة ،مركز اإلنماء لبقومي،
بريوت ،لبنان ،ط1987 ،1
( )17عبد الله العروي ،العرب والفكر التاريخي ،دار التنوير ،بريوت ،لبنان،
ط1983 ،1
( )18عبد الله العروي ،ثقافتنا يف ضوء التاريخ ،دار التنوير ،بريوت ،لبنان،
ط1983 ،1
( )19عيل أومليل ،الخطاب التاريخي ،دار التنوير ،بريوت ،لبنان ،ط،3
1985
كتاب 18
79 2017اإلصالح
( )20حسني مروّة ،النزعات املاديّة يف الفلسفة العربية اإلسالمية ،دار
الفارابي ،بريوت ،لبنان ،ط1988 ،6.
( )21محمّ د ج ّلوب فرحان ،القر واإلنسان ،دار الطليعة ،بريوت ،لبنان،
ط1981 ،1
( )22قسطنطني زريق ،نحن والتاريخ ،دار العلم للماليني ،بريوت ،لبنان،
ط1985 ،6.
( )23عمر ف ّروخ ،كلمة يف تعليل التاريخ ،دار العلم للماليني ،بريوت ،لبنان،
ط1977 ،3.
( )24د.ج.هرنشو ،علم التاريخ ،دار الحداثة ،بريوت ،لبنان ،ط1982 ،2.
( )25عبد القادر عبار ،املسلمون ورضورة الوعي التاريخي ،دار الراية،
تونس ،ط1984 ،1.
( )26سغموند فرويد ،مستقبل وهم ،دار الكلمة ،بريوت ،لبنان ،ط،3
1989
* املراجع األجنبية:
18 كتاب
2017 80اإلصالح
Berkeley, 1979
* النشريات والدوريات
كتاب 18
81 2017اإلصالح
المؤ ّلف
lotbacben@gmail.com
الكتاب الثامن عشر -مارس 2017 ر.د.م.كISBN: 978 - 9938 - 00 - 163 - 1 :