Vous êtes sur la page 1sur 212

‫حق الطبع والنرش مباح للك من أراد برشط املحافظة ىلع األصل‬

‫ً ل‬ ‫جزى ه‬
‫الل خريا ك من أاعن ىلع نرش هذا الكتاب وتوزيعه‬

‫للتواصل مع ابلاحث‬

‫‪/https://omarbianony.wordpress.com‬‬

‫الربيد االلكرتوين‪:‬‬

‫‪xOMAR88x@gmail.com‬‬

‫بالفيس بوك‪:‬‬
‫‪facebook.com/OMARBIANONY‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪2‬‬
‫اإلهداء‬

‫إىل الظامئني ملائدة القرآن‪ ،‬اذلين يريدون االرتواء من عذب رشابه وسلسبيله‪..‬‬

‫إىل اذلين يريدون االستفادة من علماء أمتهم وتراثها الزاخر‪ ،‬واستخراج ما فيه من‬

‫الكنوز والفوائد‪..‬‬

‫فرتاث األمة حبر مملوء بالكنوز والآللئ‪ ،‬وهو حباجة إىل الكثري من الغواصني‬

‫ليستخرجوا ويستفيدوا مما فيه‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪3‬‬
‫مقدمة‬
‫احلمد لل اذلي أكرمنا بالقرآن العظيم‪ ،‬والصالة والسالم ىلع أفصح اخللق وأبلغهم سيد‬
‫املرسلني‪ ،‬وىلع آهل وأصحابه ومن سار ىلع نهجهم إىل يوم ادلين‪ ،‬أما بعد‪.‬‬
‫فرغم ما بذل السابقون من جهود عظيمة يف خدمة علوم اإلسالم‪ ،‬إال أن احلاجة ال تزال ماسة‬
‫إلكمال طريقهم‪ ،‬واالنطالق وفق أصوهلم ومنهجهم‪.‬‬
‫باتلقديم وا لتلأخري يف‬ ‫ه‬
‫حبثت يف كتب علوم القرآن وأصول اتلفسري عن قواعد تتعلق ل‬ ‫ولقد‬
‫القرآن‪ ،‬أو قواعد تتعلق باتلقديم واتلأخري عند املفرسين‪ ،‬فلم أجد إال ثالث قواعد‪:‬‬
‫ً‬ ‫ل‬ ‫ه ه ِّ‬
‫رب ال يقد همون إال ما يعتنهون به َغبلا)‪.‬‬‫‪1‬ـ (الع‬
‫ِّ‬
‫اذلكر ال يلزم منه اتلقد هم يف ل‬
‫الزمان أو الرتبة)‬ ‫(اتلقد هم يف‬
‫‪2‬ـ ل‬
‫هاتان القاعدتان ذكرهما ادلكتور خادل السبت يف كتابه‪( :‬قواعد اتلفسري) (‪ ،)1‬ل‬
‫وعرب عن‬
‫القاعدة اثلانية بقوهل‪( :‬اتلقدم يف اذلكر ال يعين اتلقدم يف الوقوع واحلكم)‪.‬‬
‫اتلقديم ل‬ ‫ه ل‬
‫الرتتيب همق لدم ىلع القول ب ل‬
‫واتلأخري)‪.‬‬ ‫‪3‬ـ (القول ب‬
‫ذكر هذه القاعدة ادلكتور حسني احلريب يف كتابه‪( :‬قواعد الرتجيح عند املفرسين) (‪.)2‬‬
‫ثم قمت بابلحث يف ثنايا كتب اتلفسري القديمة واحلديثة‪ ،‬الستخراج القواعد اليت تتعلق‬
‫ه‬
‫فأضفت ىلع هذه‬ ‫باتلقديم واتلأخري‪ ،‬واليت ذكروها يف الكمهم وإن لم ينصوا ىلع أنها قاعدة‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫القواعد‪ :‬ثالثني قاعدة‪ ،‬فأصبحت لكها ثالثا وثالثني قاعدة‪.‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫وانطلقت من معالم هديهم‪ ،‬وما أنا يف هذا ابلحث وغريه إال‬ ‫وقد استفدت من الكم العلماء‬
‫ه‬
‫استدركت عليهم فاكن حايل وحاهلم‪:‬‬ ‫همقتبس من أنوارهم‪ ،‬وخادم لعلومهم‪ ،‬وربما‬
‫له‬ ‫َكبلحر هيمط هر هه ل‬
‫السح ه‬
‫اب وما ههل ‪ ...‬فضل عليه ألنه من مائه‬
‫ل‬
‫ومن أكرث اتلفاسري اليت استفدت منها تفسري اإلمام حممد الطاهر ابن اعشور رمحه الل (املتوّف‬
‫‪1393‬ه)‪ ،‬وهو وإن َكن من العلماء املتأخرين يف الزمن‪ ،‬إال أنك حني تقرأ هل تعجب من ل‬
‫قوته‬
‫ه‬ ‫ِّ‬
‫وحتسبه من أعيان القرن اخلامس اهلجري‪ ،‬فكأنه اعلـم متقدم اعش بني املتأخرين‪ ،‬وذلك فضل‬
‫الل يؤتيه من يشاء‪.‬‬

‫ً‬
‫(‪ )1‬ـ قواعد اتلفسري (مجعا ودراسة)‪ ،‬لدلكتور خادل السبت‪379 :‬ـ ‪.380‬‬
‫(‪ )2‬ـ قواعد الرتجيح عند املفرسين دراسة نظرية تطبيقية‪ ،‬لدلكتور حسني بن يلع احلريب‪.451 :‬‬
‫‪4‬‬
‫‪1‬ـ فكرة املوضوع‪:‬‬
‫استخراج القواعد املتعلقة باتلقديم واتلأخري يف القرآن عند املفرسين‪ ،‬فقد قمت بابلحث يف‬
‫كتب اتلفسري‪ ،‬ووصلت القواعد اليت وقفت عليها إىل ثالث وثالثني قاعدة‪ ،‬وسأقوم بدراسة هذه‬
‫القواعد وتطبيق املفرسين هلا‪.‬‬
‫‪2‬ـ أهمية املوضوع وسبب اختياره‪:‬‬
‫‪1‬ـ أنين لم أجد من أفرد هذا املوضوع ببحث مستقل‪ ،‬فهذه القواعد ل‬
‫مفرقة يف كتب اتلفاسري‪.‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫وأنفعه‬ ‫‪2‬ـ تظهر أهميته من كونه يتعلق بالقرآن العظيم وتفسريه‪ ،‬فالقرآن هو أفضل الالكم‬
‫ه‬
‫وأبلغه‪.‬‬
‫‪3‬ـ خدمة مبحث من مباحث اتلفسري وعلوم القرآن وسد ثغرة يف هذا املجال‪.‬‬
‫‪4‬ـ معرفة قواعد اتلقديم واتلأخري عند املفرسين وأثر هذه القواعد يف تطبيق املفرسين هلا‪.‬‬
‫‪5‬ـ بيان أهمية علم اللغة العربية ملن يريد فهم القرآن ومعرفة تفسريه‪.‬‬
‫‪3‬ـ أهداف ابلحث‪:‬‬
‫‪1‬ـ العناية بأصول اتلفسري وقواعده وضوابطه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪2‬ـ معرفة قيمة العلماء وأن هلم قواعد يعتمدون عليها يف علمهم‪ ،‬وأن هلم أصوال ومنهجا‬
‫ً‬
‫دقيقا يسريون عليه‪.‬‬
‫‪3‬ـ إبراز الرتابط الوثيق بني علم اللغة العربية وعلم اتلفسري‪ ،‬وأنه ال بد للمفرس أن يكون‬
‫ىلع معرفة باللغة العربية‪.‬‬
‫‪4‬ـ معرفة أهمية الرجوع إىل كتب الرتاث واالستفادة منها‪ ،‬ففيها الكثري من العلوم واملعارف‬
‫اليت ال يمكن االستغناء عنها‪.‬‬
‫‪5‬ـ فتح املجال دلراسة القواعد األخرى عند العلماء‪.‬‬
‫‪4‬ـ ادلراسات السابقة‪:‬‬
‫من خالل تتبيع وحبيث عن هذا املوضوع لم أجد من أفرد دراسة علمية عن هذا املوضوع‪.‬‬
‫ولكن ذكر ادلكتور خادل السبت يف كتابه‪( :‬قواعد اتلفسري) قاعدتني عن اتلقديم واتلأخري‪،‬‬
‫وذكر ادلكتور حسني احلريب قاعدة واحدة عن اتلقديم واتلأخري يف كتابه (قواعد الرتجيح عند‬
‫املفرسين)‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫وهلذا قمت باستخراج القواعد املتعلقة باتلقديم واتلأخري يف القرآن عند املفرسين‪ ،‬ووصلت‬
‫القواعد اليت وقفت عليها إىل ثالث وثالثني قاعدة‪ ،‬وسأقوم بدراسة هذه القواعد وتطبيق‬
‫املفرسين هلا‪.‬‬
‫‪5‬ـ حدود ابلحث‪:‬‬
‫سيكون نطاق ابلحث هو كتب اتلفسري اعمة؛ ألنين إذا اقترصت ىلع بعض اتلفاسري‪ ،‬فلن‬
‫أعرث إال ىلع القليل من القواعد‪.‬‬
‫ً‬
‫ونظرا تلداخل علوم اللغة العربية مع تفسري القرآن العظيم‪ ،‬فقد رجعت إىل عدد من كتب‬
‫اللغة العربية واستفدت منها‪..‬‬
‫فكثري من هذه القواعد مرتبطة باللغة العربية‪ ،‬ولكما زاد العلم باللغة العربية زاد ذلك يف فهم‬
‫القرآن ومعرفة تفسريه‪.‬‬
‫‪6‬ـ خطة ابلحث‪:‬‬
‫يشتمل ابلحث ىلع مقدمة حتتوي ىلع‪:‬‬
‫‪1‬ـ أهمية املوضوع وسبب اختياره‬
‫‪2‬ـ أهداف ابلحث‬
‫‪3‬ـ ادلراسات السابقة‬
‫‪4‬ـ حدود ابلحث‪:‬‬
‫‪5‬ـ املنهج املتبع يف ابلحث‬
‫واتلمهيد‪ :‬معىن القاعدة‪ ،‬وفيه ثالثة مباحث‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬معىن القاعدة يف اللغة‬
‫املبحث اثلاين‪ :‬معىن القاعدة االصطالح‬
‫املبحث اثلالث‪ :‬العالقة بني املعىن اللغوي واالصطاليح‬
‫ه‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫العربية والقرآن الكريم‪،‬‬ ‫واتلأخري يف اللغة‬ ‫اتلقديم‬ ‫وقسمت ابلحث إىل فصلني‪ :‬الفصل األول‪:‬‬
‫ه‬
‫وفيه ثالثة مباحث‪:‬‬
‫ه‬
‫مفهوم اتلقديم واتلأخري‬ ‫املبحث األول‪:‬‬
‫له‬
‫أهمية اتلقديم واتلأخري يف اللغة العربية‬ ‫املبحث اثلاين‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫املبحث اثلالث‪ :‬أهم أسباب اتلقديم واتلأخري يف القرآن‪.‬‬
‫ه‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ِّ‬ ‫اتلقديم ل‬ ‫ه‬
‫قواعد ل‬
‫تطبيقية)‪ ،‬وفيه سبعة‬ ‫نظرية‬ ‫واتلأخري عند املفرسين (دراسة‬ ‫الفصل اثلاين‪:‬‬
‫مباحث‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قواعد يف اتلقديم واتلفضيل‬
‫املبحث اثلاين‪ :‬قواعد يف أن اتلقديم واتلأخري ال يكون إال حبجة‬
‫املبحث اثلالث‪ :‬قواعد يف بعض احلروف وتقديم املعمول واملجرور‬
‫املبحث الرابع‪ :‬قواعد يف أغراض اتلقديم واتلأخري‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬قواعد يف تقديم املسند إيله‬
‫املبحث السادس‪ :‬قواعد يف تقديم املسند وتقديم اللفظ ىلع اعمله‬
‫املبحث السابع‪ :‬قواعد يف تقديم الضمري وتقديم املفعول‬
‫خاتمة‪ :‬وفيها نتائج ابلحث واتلوصيات‪.‬‬
‫والفهارس‪ :‬وفيها‪:‬‬
‫‪1‬ـ فهرس اآليات‪.‬‬
‫‪2‬ـ فهرس األحاديث‪.‬‬
‫‪3‬ـ فهرس املصادر واملراجع‪.‬‬
‫‪4‬ـ فهرس املحتويات‪.‬‬
‫‪7‬ـ املنهج املتبع يف ابلحث وعميل فيه‪:‬‬
‫املنهج املتبع هو (املنهج االستقرايئ االستنبايط اتلحلييل واملقارن)‪ ،‬ويتمثل ذلك يف اآليت‪:‬‬
‫‪1‬ـ استقراء كتب اتلفاسري وابلحث يف ثناياها عن قواعد تتعلق باتلقديم واتلأخري‪.‬‬
‫‪2‬ـ عند العثور ىلع قاعدة عند أحد املفرسين‪ ،‬أحبث عن هذه القاعدة عند غريه من املفرسين‪.‬‬
‫‪3‬ـ قد يعرب بعض املفرسين عن القاعدة بلفظ آخر‪ ،‬فأذكر ذلك يف رشح القاعدة‪.‬‬
‫‪4‬ـ بعض القواعد قد يكون فيها خالف‪ ،‬فأبني ذلك‪.‬‬
‫‪5‬ـ بعض القواعد مكملة للبعض اآلخر‪ ،‬فقد تكون القاعدة همطلقة‪ ،‬وتأيت قاعدة أخرى‬
‫ه‬ ‫ل‬
‫اعمة وتأيت قاعدة ِّ‬
‫ختصصها‪ ،‬أو قد تكون القاعدة ُمملة يأيت من‬ ‫تقيِّدها‪ ،‬أو تكون القاعدة‬
‫القواعد ما يبيِّنها‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫يم ه‬
‫أغليب‪ ،‬كما يف القاعدة (‪( :)24‬تقد ه‬ ‫ٌّ‬ ‫ِّ‬
‫المسند إيله ىلع‬ ‫‪6‬ـ وقد أبني يف القاعدة أن احلكم‬
‫اتلق ِّوي)‪ .‬فقلت فيها (كثريا ً ما)‪ ،‬ثم يف القاعدة اليت تليها (‪( :)25‬تقد ه‬
‫يم‬ ‫يد ل‬‫عيل كثريا ً ما يهف ه‬
‫اخلرب الف ِّ‬
‫يد االختصاص)‪ ،‬قلت‪( :‬قد يهف ه‬
‫يد)‪ .‬فهاتان القاعدتان مكملتان‬ ‫عيل قد يهف ه‬ ‫ه‬
‫المسند إيله ىلع اخلرب الف ِّ‬
‫بلعضهما‪.‬‬
‫(اتلقد هم‬
‫‪7‬ـ وهناك بعض القواعد معناها قريب من قاعدة أخرى‪ ،‬فأبني ذلك‪َ ،‬كلقاعدة األوىل‪ :‬ل‬
‫ِّ‬
‫اذلكر ال يلزم منه اتلقد هم يف ل‬
‫الزمان أو الرتبة)‪ ،‬فيه قريبة من القاعدة اثلانية‪( :‬ليس من لوازم‬ ‫يف‬
‫ً‬ ‫يل)‪ .‬إال أن القاعدة األوىل ل‬‫ه‬ ‫اتلقديم‪ :‬ل‬
‫ل‬
‫نصت ىلع اتلقدم يف الزمان أيضا‪.‬‬ ‫اتلفض‬
‫‪8‬ـ ذكرت تطبيقات للقواعد عند املفرسين‪.‬‬
‫ل‬
‫‪9‬ـ بينت اتلعارض واتلداخل بني القواعد إن وجد‪.‬‬
‫‪10‬ـ ذكرت القيود املستثناة ىلع القواعد إن وجدت‪.‬‬
‫‪11‬ـ بعض هذه القواعد فيها خالف بني العلماء‪ ،‬فأذكر ذلك يف رشح القاعدة‪.‬‬
‫‪12‬ـ قمت بعزو اآليات‪ ،‬واستحسنت أن أذكر اسم السورة واآلية يف امل نت وليس يف اهلام‬
‫ً‬
‫وأضع ذلك خبط صغري بني [معقوفتني]‪ ،‬جتنبا لكرثة اهلوام ‪ ،‬وحىت ال ينقطع تسلسل القارئ يف‬
‫قراءته‪.‬‬
‫‪13‬ـ قمت بتخريج األحاديث وعزوها إىل مصادرها‪.‬‬
‫ً‬
‫فإن َكن احلديث مرويا يف الصحيحني أو أحدهما اكتفيت بذكر ذلك‪ ،‬وإن لم يرو فيهما ذكرت‬
‫أهم املصادر اليت روت احلديث‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد يذكر أحد العلماء حديثا ال يصح‪ ،‬فأنبه إىل ضعف احلديث أو عدم صحته‪.‬‬
‫ً‬
‫‪14‬ـ عندما أنقل نصا يف ابلحث وأذكر رقم اجلزء والصفحة‪ ،‬أو الصفحة فقط‪ ،‬فهذا يعين أن‬
‫بداية الالكم اذلي نقلته من هذه الصفحة‪ ،‬وقد يكون بقية الالكم يف الصفحات اليت تليها‪ ،‬فال‬
‫حاجة ألقول‪ :‬صفحة كذا وما بعدها‪ .‬وعندما أنقل بانلص أجعل انلقل بني (قوسني)‪ ،‬أما إذا َكن‬
‫بترصف فبدون قوسني‪ ،‬وأقول يف احلاشة‪ :‬انظر‪...:‬‬
‫ل‬
‫وصَّل الل ىلع سيِّدنا ل‬ ‫ً‬
‫حممد وىلع آهل وصحبه‬ ‫سائال من الل تعاىل اإلخالص واتلوفيق والسداد‪،‬‬
‫ه‬
‫واحلمد لل رب العاملني‪.‬‬ ‫أمجعني‪،‬‬
‫‪ 1439/1/2‬ـه‬

‫‪8‬‬
‫قواعد اتلقديم واتلأخري عند املفرسين‬
‫املبحث األول‪ :‬قواعد يف اتلقديم واتلفضيل‬
‫اذلكر ال يلزم منه اتلقد هم يف ل‬‫ِّ‬
‫الزمان أو الرتبة)‪.‬‬ ‫(اتلقد هم يف‬
‫‪1‬ـ ل‬
‫ه‬ ‫اتلقديم‪ :‬ل‬
‫‪2‬ـ (ليس من لوازم ل‬
‫اتلفضيل)‪.‬‬
‫ً‬ ‫ه ِّ‬
‫‪3‬ـ (العر هب ال يقد همون إال ما يعتنهون به َغبلا)‪.‬‬
‫يم يهف ه‬
‫يد االهتمام)‪.‬‬ ‫اتلقد ه‬
‫‪4‬ـ ( ل‬
‫ِّ‬ ‫المق لدم هو الغرض ه‬
‫أن ه‬‫ل‬ ‫اتلقد ه‬
‫‪5‬ـ ( ل‬
‫المعتمد باذلكر وبسوق الالكم ألجله)‪.‬‬ ‫يم ديلل ىلع‬
‫املبحث اثلاين‪ :‬قواعد يف أن اتلقديم واتلأخري ال يكون إال حبجة‬
‫‪6‬ـ (ال وجه تلقديم َش ٍء من كتاب الل عن موضعه أو تأخريه عن ماكنه إال حبه لج ٍة واضح ٍة)‪.‬‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫اتلقديم ل‬ ‫‪7‬ـ (ال ضري يف ل‬
‫واتلأخري إذا دل ىلع الرتتيب ديلل)‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫‪8‬ـ (إحلاق الالكم باذلي يليه أوىل من إحلاقه بما قد حيل بينه وبينه من همعرتض الالكم)‪.‬‬
‫ه ل‬
‫الرتتيب همق لدم ىلع القول ب ل‬
‫اتلقديم ل‬
‫واتلأخري)‪.‬‬ ‫‪9‬ـ (القول ب‬
‫املبحث اثلالث‪ :‬قواعد يف بعض احلروف وتقديم املعمول واملجرور‬
‫ً ل‬ ‫ً‬ ‫‪10‬ـ (الو ه‬
‫او ال تقتض ترتيبا وال تعقيبا وإنما ه ملطلق اجلمع)‪.‬‬
‫يم إذا اقرتن بالفاء َكن فيه همبالغة)‪.‬‬
‫(اتلقد ه‬
‫‪11‬ـ ل‬
‫عمول يتض لم هن معىن االشرتاط ل‬
‫واتلقييد)‬ ‫يم الم ه‬
‫‪12‬ـ (تقد ه‬
‫ل‬ ‫ً ه ه‬
‫‪13‬ـ (تقديم المج هرور كثريا ما يعامل همعاملة الرشط)‪.‬‬
‫ه ِّ ه ِّ‬
‫‪14‬ـ (الفعالن إذا َكنا همتقاريب المعىن فلك أن تقدم وتؤخر)‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬قواعد يف أغراض اتلقديم واتلأخري‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ه ل ه ه ه‬
‫انلفس ترقبا ل هو هروده‪ ،‬وتشوقا إيله)‪.‬‬‫ث ل‬ ‫‪15‬ـ (تأخ ه‬
‫ري ما حقه اتلقديم يور‬
‫المق لدم يتض لم هن جوابا ً لر ِّد طلب طلب هه ه‬
‫المخاطب)‪.‬‬ ‫اتلقديم‪ :‬كو هن ه‬
‫‪16‬ـ (من هموجبات ل‬
‫ٍ‬
‫ه ه‬ ‫(اتلقد ه‬
‫‪17‬ـ ل‬
‫يم ال يكون ألجل الفاصلة فقط)‪.‬‬
‫يم اجل همل عن مواضع تأخريها تلوفري املعاين)‪.‬‬ ‫‪18‬ـ (تقد ه‬

‫ري الختالف املقام)‪.‬‬ ‫واتلأخ ه‬


‫يم ل‬ ‫‪19‬ـ (قد يتل هف ل‬
‫اتلقد ه‬
‫ّ ه ل‬ ‫ه ل‬
‫ويؤخ هر األجَّل)‪.‬‬ ‫‪20‬ـ (يف مقام االستدالل يقد هم اجليل‬

‫‪9‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬قواعد يف تقديم املسند إيله‬
‫ه‬ ‫المسند ال همشت ِّق ال يهف ه‬
‫اتلخصيص‪ ،‬وقد يهستفاد من َعض‬ ‫يد بذاته ل‬ ‫يم ال همسند إيله ىلع ه‬
‫‪21‬ـ (تقد ه‬

‫اتلخصيص بالقرائن)‪.‬‬ ‫مواقعه معىن ل‬

‫المسن هد إيله عقب حرف‬


‫نف‪ ،‬إذا لم يقع ه‬
‫يل الم ِّ‬
‫المسند إيله ىلع اخلرب الفع ِّ‬ ‫(األكرث يف تقديم ه‬
‫ه‬ ‫‪22‬ـ‬
‫اتلخصيص)‪.‬‬ ‫اتلق ِّوي‪ ،‬هدون ل‬
‫انلف‪ ،‬أن ال يهفيد تقديمه إال ل‬‫ل‬

‫اتلق ِّوي)‪.‬‬
‫يد ل‬‫عيل كثريا ً ما يهف ه‬ ‫يم ه‬
‫المسند إيله ىلع اخلرب الف ِّ‬ ‫‪23‬ـ (تقد ه‬

‫يد االختصاص)‪.‬‬ ‫عيل قد يهف ه‬ ‫يم ه‬


‫المسند إيله ىلع اخلرب الف ِّ‬ ‫‪24‬ـ (تقد ه‬

‫اتلق ِّوي»‬ ‫عيل اجل ه‬


‫مع بني قصد « ل‬ ‫المسند إيله ىلع اخلرب الف ِّ‬ ‫‪25‬ـ (قد َيتم هع يف تقديم ه‬

‫اتلخصيص»)‪.‬‬ ‫و« ل‬
‫‪26‬ـ (كثريا ً ما يتق لد هم ه‬
‫المسن هد إيله ىلع اخلرب الف ِّ‬
‫عيل يف الوعد والضمان)‪.‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬قواعد يف تقديم املسند وتقديم اللفظ ىلع اعمله‬
‫المسند إذا احت لفت به قرائن قد يهف ه‬
‫يد احلرص)‪.‬‬ ‫يم ه‬‫‪27‬ـ (تقد ه‬
‫ً‬ ‫يم اللفظ ىلع اعمله يهف ه‬
‫‪28‬ـ (تقد ه‬
‫يد االختصاص َغبلا)‪.‬‬
‫يد االختصاص)‪.‬‬ ‫جرور كثريا ً ما يهف ه‬ ‫ه ل‬
‫الظرف أو الم ه‬ ‫‪29‬ـ (تقديم‬
‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫‪30‬ـ (حني َيتم هع ل‬
‫اتلخص ه‬
‫يص مع ل‬
‫االهتمام أقوى)‪.‬‬ ‫اتلقديم يكون‬
‫املبحث السابع‪ :‬قواعد يف تقديم الضمري وتقديم املفعول‬
‫يد االختصاص)‪.‬‬ ‫الضمري كثريا ً ما يهف ه‬
‫ه ل‬
‫‪31‬ـ (تقديم‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫يم لـما ماكنه اتلأخري يهراد به االختصاص)‪.‬‬ ‫‪32‬ـ (ليس ك تقد ٍ‬
‫اتلقديم احلرص من تقديم الم ه‬
‫فعول‬ ‫فعول مع اشتغال فعله بضمريه ه‬
‫آكد يف إفادة ل‬ ‫يم الم ه‬
‫‪33‬ـ (تقد ه‬

‫المشتغل بضمريه)‪.‬‬ ‫ىلع الفعل غري ه‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪10‬‬
‫اتلمهيد‪ :‬معىن القاعدة‬

‫وفيه ثالثة مباحث‪:‬‬

‫املبحث األول‪ :‬معىن القاعدة يف اللغة‬

‫املبحث اثلاين‪ :‬معىن القاعدة االصطالح‬

‫املبحث اثلالث‪ :‬العالقة بني املعىن اللغوي واالصطاليح‬

‫‪11‬‬
‫اتلمهيد‪ :‬معىن القاعدة‬
‫سأذكر يف اتلمهيد معىن القاعدة يف اللغة‪ ،‬ومعناها يف االصطالح‪ ،‬وسأذكر العالقة بني املعىن‬
‫اللغوي واالصطاليح‪ .‬وسأجعل ذلك يف ثالثة مباحث‪.‬‬
‫املبحث األول‪ :‬معىن القاعدة يف اللغة‬
‫تنوعت عبارات العلماء يف معىن القاعدة يف اللغة‪ ،‬فقال أبو احلسن يلع بن إسماعيل بن سيده‬
‫ه‬ ‫اتلْنيل‪( :‬وإذ ير ه‬ ‫ِّ‬
‫األس‪ .‬وِف ل‬ ‫ه‬ ‫ل‬
‫إبراهيم القواعد من‬ ‫فع‬ ‫والقاعد والقاعدة أصل‬ ‫(املتوّف‪458 :‬ه)‪( :‬‬
‫الزجاج‪ :‬القواعد‪ :‬أساطني ابلناء‬ ‫الل بهنيانهم من القواعد) قال ّ‬ ‫ابليت وإسماعيل) ‪ .‬وفيه (فأىت ه‬
‫ل‬
‫اليت تع ّمده‪ .‬وقواعد اهلودج‪ :‬خشبات أربع‪ ،‬همعرتضة يف أسفله‪ ،‬قد كت فيه لن) (‪.)1‬‬
‫اس وقواعده‬ ‫ه ه‬
‫األ ِّس‪ .‬والقواع هد اإلس ه‬ ‫ل‬
‫وِف تاج العروس للزبيدي (املتوّف‪1205 :‬ه)‪( :‬والقاعدة أصل‬
‫ه‬ ‫ل‬ ‫الز ّجاج‪ :‬القواعد‪ :‬أساط ه‬
‫ني ابلناء اليت تعم هده‪ ،‬وقوهلم‪َ :‬ىن أمره ىلع قاعد ٍة‪،‬‬ ‫ابليت إس ه‬
‫اسه (‪ ،)2‬وقال ل‬
‫ه ه‬ ‫وقواعد‪ ،‬وقاعد هة أمرك واهية‪ ،‬وتركوا مقاعدهم‪ :‬مراكزهم‪ ،‬و ههو ُماز‪ ،‬وقواع هد ل‬
‫السحاب‪ :‬أصوهلا‬
‫المراد بالقواعد‬‫ابن األثري‪ :‬ه‬‫المعرتضة يف آفاق السماء‪ ،‬هشبِّهت بقواعد ابلناء‪ ،‬قاهل أبو هعبي ٍد‪ ،‬وقال ه‬
‫ه‬
‫ً‬
‫ما اعرتض منها وسفل‪ ،‬تشبيها بقواعد ابلناء) (‪.)3‬‬
‫املبحث اثلاين‪ :‬معىن القاعدة يف االصطالح‬
‫اختلفوا يف معىن القاعدة يف االصطالح‪ً ،‬‬
‫بناء ىلع اختالفهم يف مفهومها‪ ،‬هل ه قضية لكية‬
‫أو قضية أغلبية؟ فاللكية‪ :‬يراد بها القضية املحكوم ىلع مجيع أفرادها‪ ،‬فف اللكيات أل يب ابلقاء‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ً‬ ‫ل‬
‫الكفوي (املتوّف‪1094 :‬ه)‪( :‬والقاعدة‪ ،‬اصطالحا‪ :‬قض لية لكية من حيث اشتماهلا بالق لوة ىلع أحاكم‬
‫ً‬
‫جزئيات موضوعها‪ ،‬وتسىم فرواع‪ ،‬واستخراجها منها تفريعا كقونلا‪( :‬ك إمجاع حق)‪.‬‬
‫ً‬
‫والقاعدة‪ :‬ه األساس واألصل ملا فوقها‪ ،‬وه جتمع فرواع من أبواب ش لىت) (‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬ـ املحكم واملحيط األعظم ‪.172 :1‬‬


‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫اس) بكرس اهلمزة‪ ،‬مجع األ ِّس‪ ،‬كما يف لسان العرب‪( :‬األس واألسس واألساس ك همبتدإ َش ٍء واألس‬ ‫(‪ )2‬ـ (اإلس ه‬
‫ه‬
‫واألساس أصل ابلناء واألس هس مقصور منه‪ .‬ومجع األ ِّس‪ :‬إساس مثل هع ّس وعساس‪.‬‬
‫ه‬ ‫هه‬ ‫ه‬
‫سبب وأسباب واألسيس أصل ك َشء وأ ّس اإلنسان‬ ‫ٍ‬ ‫ومجع األساس أسس مثل قذال وقذل ومجع األسس آساس مثل‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫قلبه ألنه أول همتك ّون يف الرحم وهو من األسماء املشرتكة وأس ابلناء همبتدؤه)‪ .‬لسان العرب مادة (أسس) ‪.6 :6‬‬
‫(‪ )3‬ـ تاج العروس ‪.60 :9‬‬
‫(‪ )4‬ـ اللكيات‪.728 :‬‬
‫‪12‬‬
‫وقال اتلفتازاين‪( :‬القواعد اليت يتوصل بها إىل الفقه ه القضايا اللكية اليت تقع كربى لصغرى‬
‫سهلة احلصول عند االستدالل ىلع مسائل الفقه) (‪.)1‬‬
‫ل ِّ‬
‫واألغلبية أو األكرثية‪ :‬بمعىن أنها مبنية ىلع األكرث‪ ،‬العتبار أن للك قاعدة استثناءات‪.‬‬
‫أن القاعدة ه قضية لكية ل‬ ‫ل‬
‫عرفها بما يدل ىلع ذلك‪ ،‬مثل‪( :‬ه قضية لكية منطبقة‬ ‫فمن نظر إىل‬
‫ىلع مجيع جزئياتها) (‪.)2‬‬
‫أو (قضية لكية يتعرف منها أحاكم اجلزئيات املندرجة حتت موضوعها) (‪.)3‬‬
‫ومن نظر إىل أن القاعدة قضية أغلبية نظرا ً ملا يستثىن منها‪ ،‬ل‬
‫عرفها بأنها‪( :‬حكم أكرثي ال‬
‫ِّ‬
‫يلك‪ ،‬ينطبق ىلع أكرث جزئياته تلعرف أحاكمها منه) (‪.)4‬‬
‫واذلي أختاره هو أن القاعدة قضية أغلبية؛ ألن أكرث القواعد ال ختلو من استثناءات‪.‬‬
‫قال يف تهذيب الفروق‪ :‬ومن املعلوم أن أكرث قواعد الفقه أغلبية (‪.)5‬‬
‫والقول أن أكرث قواعد الفقه أغلبية مبين ىلع وجود مسائل مستثناة من تلك القواعد ختالف‬
‫أحاكمها حكم القاعدة (‪.)6‬‬
‫ل‬
‫وإن َكن اإلمام إبراهيم بن موىس الشاطيب (املتوّف‪790 :‬ه) رمحه الل يرى أن ختلف بعض‬
‫ه‬ ‫ه ِّ‬ ‫ه‬ ‫ه ِّ‬
‫اجلزئيات عن الّلُك ال يرج القاعدة عن كونها لكية‪ ،‬فقد قال‪( :‬فتخلف بعض اجلزئيات عن‬
‫ل‬ ‫ً ل‬ ‫ً‬ ‫ه‬ ‫ه ِّ‬
‫األكرثي معترب يف الرشيعة اعتبار العام‬ ‫مقتىض الّلُك ال يرجه عن كونه لكيا‪ ،‬وأيضا فإن الغالب‬
‫القطيع؛ ألن املتخلفات اجلزئية ال ينتظم منها يلك يعارض هذا الّلُك اثلابت‪.‬‬
‫ل‬
‫االستقرائية‪ ،‬واعترب ذلك باللكيات العربية فإنها أقرب َشء إىل ما حنن فيه‪،‬‬ ‫هذا شأن ل‬
‫اللكيات‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫لكون ك واحد من القبيلني أمرا وضعيا ال عقليا‪ ،‬وإنما يتصور أن يكون ختلف بعض اجلزئيات‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قادحا يف اللكيات العقلية‪ ،‬كما نقول‪( :‬ما ثبت لليشء ثبت ملثله عقال)‪ ،‬فهذا ال يمكن فيه‬
‫اتلخلف أبلتة‪ ،‬إذ لو ختلف لم يصح احلكم بالقضية القائلة‪( :‬ما ثبت لليشء ثبت ملثله)‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ اتللويح‪.36 :1 :‬‬


‫(‪ )2‬ـ اتلعريفات للجرجاين‪.171 :‬‬
‫(‪ )3‬ـ انظر‪ :‬القواعد الفقهية لدلكتور يلع انلدوي‪.40 :‬‬
‫(‪ )4‬ـ غمز عيون ابلصائر رشح األشباه وانلظائر ‪.51 :1‬‬
‫(‪ )5‬ـ تهذيب الفروق والقواعد السنية يف األرسار الفقهية‪ ،‬حاشية الفروق ‪.36 :1‬‬
‫(‪ )6‬ـ انظر‪ :‬الوجزي يف إيضاح قواعد الفقة اللكية لدلكتور حممد صديق بن أمحد آل بورنو‪.13:‬‬
‫‪13‬‬
‫فإذا َكن كذلك‪ ،‬فاللكية يف االستقرائيات صحيحة‪ ،‬وإن ختلف عن مقتضاها بعض اجلزئيات‪.‬‬
‫ً‬
‫وأيضا‪ ،‬فاجلزئيات املتخلفة قد يكون ختلفها حلكم خارجة عن مقتىض الّلُك‪ ،‬فال تكون‬
‫ً‬
‫داخلة حتته أصال‪ ،‬أو تكون داخلة لكن لم يظهر نلا دخوهلا‪ ،‬أو داخلة عندنا‪ ،‬لكن اعرضها‬
‫ىلع اخلصوص ما ه به أوىل (‪.)1‬‬
‫ٌّ‬ ‫ل‬
‫لفظي‪ ،‬فهم متفقون ىلع أن أكرث القواعد هلا استثناءات‪،‬‬ ‫ولعل اخلالف بني الفريقني خالف‬
‫ه ِّ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫فمن ذكر أن القاعدة حكم ٌّ‬
‫يلك رأى أن هذه االستثناءات ال خترج القاعدة عن كونها لكية‪ ،‬إما‬
‫عرب عن ذلك اإلمام الشاطيب‬‫ألنها استثناءات (ال ينتظم منها يلك يعارض هذا الّلُك اثلابت) كما ل‬

‫يف الكمه املذكور قبل قليل‪ .‬أو ألن هذه االستثناءات ال تدخل حتت هذه القاعدة‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫ل‬
‫أكرثي أو أغليب رأى أن هذه االستثناءات جتعل القاعدة أغلبية‪.‬‬ ‫ومن ذكر أن القاعدة حكم‬
‫والل أعلم‪.‬‬
‫املبحث اثلالث‪ :‬العالقة بني املعىن اللغوي واالصطاليح‬
‫ه ه‬
‫األ ِّس‪ ،‬والقواع هد اإلس ه‬
‫اس وقواع هد ابليت إس ه‬
‫اسه‪ ،‬وكذلك‬ ‫إذا َكنت القاعدة يف اللغة ه أصل‬
‫ل‬
‫ني ابلناء اليت تعم هده‪.‬‬
‫القواعد‪ :‬أساط ه‬

‫فكذلك القاعدة يف االصطالح‪ ،‬ه األساس اذلي يعتمد عليه هذا العلم أو ذاك‪ ،‬وه األصل‬
‫اذلي يهبىن عليه غريه من فروع املسائل اليت تنتظم يف هذا األصل‪.‬‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ً‬
‫كما يف اتلعريفات السابقة للقاعدة اصطالحا‪ ،‬مثل‪( :‬قض لية لكية من حيث اشتماهلا بالق لوة ىلع‬
‫ً‬
‫يلك‪ ،‬ينطبق ىلع أكرث جزئياته‬‫أحاكم جزئيات موضوعها‪ ،‬وتسىم فرواع)‪ ،‬أو (حكم أكرثي ال ِّ‬
‫تلعرف أحاكمها منه)‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫(‪ )1‬ـ املوافقات ‪.82 :2‬‬


‫‪14‬‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫واتلأخري يف اللغ ِة العربية والقرآن الكريم‬ ‫اتلقديم‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫ُ‬
‫اتلقديم واتلأخري‬
‫ِ‬ ‫املبحث األول‪ :‬مفهوم‬

‫َّ ُ‬
‫واتلأخري يف اللغة العربية‬
‫ِ‬ ‫اتلقديم‬
‫ِ‬ ‫املبحث اثلاين‪ :‬أهمية‬

‫واتلأخري يف القرآن‪.‬‬
‫ِ‬ ‫اتلقديم‬
‫ِ‬ ‫أسباب‬
‫ِ‬ ‫املبحث اثلالث‪ :‬أهم‬

‫‪15‬‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫واتلأخري يف اللغ ِة العربية والقرآن الكريم‬ ‫اتلقديم‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫بعد أن ذكرت تعريف القاعدة يف اللغة واالصطالح‪ ،‬سأحتدث يف هذا الفصل عن أهمية‬
‫اتلقديم واتلأخري يف اللغة العربية‪ ،‬وعن ارتباط اللغة العربية بالعلوم الرشعية‪ ،‬وأن من رشوط‬
‫املجتهد يف الرشيعة أن يكون ىلع معرفة باللغة العربية‪ ،‬وسأذكر أهم أسباب اتلقديم واتلأخري‬
‫يف القرآن الكريم‪.‬‬
‫ً‬
‫وسأبني ذلك مستعينا بالل تعاىل يف ثالثة مباحث‪:‬‬
‫ُ‬
‫اتلقديم واتلأخري‬
‫ِ‬ ‫املبحث األول‪ :‬مفهوم‬
‫مفهوم اتلقديم واتلأخري هو خمالفة الرتتيب األصيل للالكم‪ ،‬وقد حتدث ادلكتور صالح الشاعر‬
‫عن هذا فقال‪( :‬يراد باتلقديم واتلأخري أن ختالف عنارص الرتكيب ترتيبها األص ّ‬
‫يل يف السياق‬
‫ل‬
‫يتقدم‪ .‬واحلاكم للرتتيب األص ّ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫يل بني‬ ‫فيتقدم ما األصل فيه أن يتأخر ويتأخر ما األصل فيه أن‬
‫ً‬
‫عنرصين يتلف إذا َكن الرتتيب الزما أو غري الزم‪ ،‬فهو يف الرتتيب الالزم (الرتبة املحفوظة)‬
‫ل‬ ‫ٌّ ل‬
‫حنوي‪ ،‬أما يف غري الالزم (الرتبة غري املحفوظة) فياكد يكون شيئًا غري حمدد‪،‬‬ ‫ٌّ‬
‫صنايع‬ ‫حاكم‬
‫ِّ‬ ‫ل ل‬
‫ولكن توجد بعض األسباب العامة اليت قد تفرس الرتتيب األصيل ـ بنوعيه ـ بني عنرصين‪ ،‬وه‬
‫منطق‪ ،‬أو ص ّ‬
‫نايع‪ ،‬ومن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫لفظي‪ ،‬أو‬ ‫ّ‬
‫معنوي‪ ،‬ومنها ما اعتباره‬ ‫خمتلفة يف اعتباراتها‪ ،‬فمنها ما اعتباره‬
‫ِّ‬
‫أهم هذه األسباب‪:‬‬
‫ل‬
‫‪1‬ـ أن تكون العالقة بني العنرصين عالقة املحكوم عليه باحلكم‪ ،‬فمقتىض األصل أن يتقدم‬
‫ل‬
‫املحكوم عليه ويتأخر احلكم‪ ،‬كتقدم املبتدأ ىلع اخلرب‪.‬‬
‫ل‬ ‫ل‬
‫‪2‬ـ أن تكون العالقة بينهما عالقة العامل باملعمول‪ ،‬فمقتىض األصل أن يتقدم العامل ويتأخر‬
‫املعمول‪ ،‬كتقدم الفعل ىلع املفعول (‪.)1‬‬

‫ه‬
‫اللكمات يف اجلملة‪ ،‬فمنها‬ ‫(‪ )1‬ـ معىن العامل والمعمول والعمل‪ :‬قال األستاذ مصطىف الغالييين رمحه الل‪( :‬مىت انتظمت‬
‫ب املفعول به‪ ،‬ولاملبتدأ‪ ،‬ه‬
‫يرفع‬ ‫يرفع الفاعل وينص ه‬ ‫ه‬
‫َيزمه‪ ،‬أو َيهر هه‪َ ،‬كلفعل‪ ،‬ه‬ ‫فريفع ما بعد هه‪ ،‬أو ينصبه هه أو‬
‫ه‬ ‫ما يهؤثر فيما يليه‪،‬‬
‫ه‬ ‫ه ِّ‬ ‫ه‬ ‫جتزم الفعل املضارع‪ ،‬وكحروف ِّ‬ ‫ه‬
‫المؤث هر‪ ،‬أو العامل‪.‬‬ ‫ختفض ما يليها من األسماء‪ .‬فهاذ هو‬ ‫اجلر‪،‬‬ ‫اخلرب‪ ،‬وكأدوات اجلزم‪،‬‬
‫ه‬
‫َيزمه‪َ ،‬كلفاعل‪ ،‬واملفعول‪ ،‬واملضاف إيله‪ ،‬واملسبوق حبرف ّ‬
‫جر‪،‬‬ ‫فريفع هه‪ ،‬أو ينصبه هه‪ ،‬أو َيهر هه‪ ،‬أو‬
‫ه‬ ‫ؤثر فيه ما قبل هه‪،‬‬
‫ومنها ما يه ه‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫املتأثر أو املعمول‪.‬‬ ‫والفعل املضارع وغريها‪ .‬فهذا هو‬
‫ل‬ ‫ومنها ما ال يهؤثِّ هر وال ي ه‬
‫تأثر‪ ،‬كبعض احلروف‪ ،‬حنو "هل وبل وقد وسوف وهال"‪ ،‬وغريها من حروف املعاين‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫ِّ‬ ‫ل‬ ‫ِّ‬
‫‪3‬ـ أن تكون العالقة بينهما عالقة املقدمة بانلتيجة‪ ،‬فمقتىض األصل أن تتقدم املقدمة‬
‫ل‬
‫وتتأخر انلتيجة‪ ،‬كتقدم فعل الرشط ىلع جواب الرشط‪.‬‬
‫ل‬ ‫ِّ‬
‫‪4‬ـ أن تكون العالقة بينهما عالقة اللك باجلزء املقتطع منه‪ ،‬فمقتىض األصل أن يتقدم اللك‬
‫المستثىن منه ىلع ه‬ ‫ل‬
‫ويتأخر اجلزء‪ ،‬كتقدم ه‬
‫المستثىن‪.‬‬

‫ل‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬


‫األثر‪ ،‬كعالمات اإلعراب ادلالة ىلع الرفع أو انلصب أو اجلر أو‬ ‫وانلتيجة احلاصلة من فعل املؤثر وانفعال املتأثر‪ ،‬ه‬
‫اجلزم‪ ،‬فيه نتيجة تلأثري العوامل ادلاخلة ىلع اللكمات وتلأثر اللكمات بهذه العوامل‪.‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫العامل‪ .‬وما ي ل ه‬ ‫ً‬ ‫ه ه‬
‫آخر هه بالعامل‪ ،‬فهو املعمول‪.‬‬
‫تغري ه‬ ‫فما ُيدث تغريا يف غريه‪ ،‬فهو‬
‫ه‬ ‫وما ال يهؤثر وال ي ه‬
‫بمعمول وال اعمل‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫تأثر‪ ،‬فهو العاطل‪ ،‬أي ما ليس‬
‫احلاصل‪ ،‬من رفع‪ ،‬أو نصب‪ ،‬أو جزمٍ ‪ ،‬أو خفض‪ ،‬ي ه ّ‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫سىم "العمل"‪ ،‬أي اإلعراب‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫واألثر‬
‫ه ه‬ ‫ه‬
‫ـ العامل‪ ،‬العامل ما ُيدث الرفع‪ ،‬أو انلصب‪ ،‬أو اجلزم‪ ،‬أو اخلفض‪ ،‬فيما يليه‪.‬‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫جتزم هه‪ ،‬واألحرف اليت‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫تنصب ه‬‫ه‬ ‫ه‬ ‫الفعل وش ه‬
‫وترفع اخلرب‪،‬‬ ‫تنصب املبتدأ‬ ‫المضارع أو‬ ‫واألدوات اليت‬ ‫بهه‪،‬‬ ‫والعوامل ه‬
‫ه ه‬ ‫واألحرف اليت ترفع املبتدأ وتنصب اخلرب‪ ،‬وحروف ِّ‬ ‫ه‬
‫والمضاف‪ ،‬واملبتدأ‪.‬‬ ‫اجلر‪،‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫امللفوظ‪َ ،‬كذلي ذكرناه‪ .‬والعامل املعنوي‪ :‬هو جتر هد االسم‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ّ‬
‫املؤثر‬ ‫ومعنوية‪ .‬فالعامل اللفظي‪ :‬هو‬ ‫لفظية‬ ‫وه قسمان‪:‬‬
‫وجتر هد‬
‫ّ‬ ‫فتجر هد املبتدأ من اعمل لفظي َكن سبب رفعه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ملفوظ باتلجر هد هو من عوامل الرفع‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مؤثر فيهما‬‫ٍ‬ ‫واملضارع من‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫فاتلجرد‪ .‬هو عدم ذكر العامل‪ .‬وهو سبب معنوي يف رفعه ما‬ ‫املضارع من عوامل انلصب واجلزم َكن سبب رفعه أيضا‪.‬‬
‫جترد من اعمل لفظي َكملبتدأ واملضارع اذلي لم يسبقه ناصب أو جازم ‪.‬‬ ‫ل‬
‫تغري ه ه‬ ‫املعمول هو ما ي ل ه‬ ‫ه‬
‫خفض بتأثري العامل فيه‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫نصب‪ ،‬أو جزمٍ ‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬ ‫برفع‪ ،‬أو‬
‫آخره ٍ‬ ‫ـ المعمول‪،‬‬
‫باتل ّ‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫األسماء‪ ،‬والفعل املضارع‪ .‬واملعمول ىلع رضبني معمول باألصالة‪ ،‬ومعمول ل‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫بعية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫واملعموالت ه‬
‫ل‬ ‫ً‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫فاملعمول باألصالة هو ما يهؤث هر فيه العامل مبارشة‪َ ،‬كلفاعل ونائبه‪ ،‬واملبتدأ وخربه‪ ،‬واسم الفعل انلاقص وخربه‪ ،‬واسم إن‬
‫وأخواتها وأخبارها‪ ،‬واملفاعيل‪ ،‬واحلال‪ ،‬واتلميزي‪ ،‬واملستثىن‪ ،‬واملضاف إيله‪ ،‬والفعل املضارع‪.‬‬
‫ً‬
‫معموال‪ ،‬تلجرده من العوامل اللفظية لالبتداء‪ ،‬فهو اذلي ه‬ ‫ه‬ ‫ً‬ ‫ه‬
‫يرفعه‪.‬‬ ‫واملبتدأ يكون اعمال‪ ،‬لرفعه اخلرب‪ .‬ويكون‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ه‬ ‫ً‬
‫اعمال‪ِّ ،‬‬ ‫ه‬
‫جلره املضاف إيله‪ ،‬ويكون معموال‪ ،‬ألنه يكون مرفواع أو منصوبا أو ُمرورا‪ ،‬حسب العوامل‬ ‫واملضاف يكون‬
‫ادلاخلة عليه‪.‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫به هه (ما عدا اسم الفعل) اعمالن فيما يليهما‪ ،‬معموالن ملا يسبقهما من العوامل‪.‬‬
‫واملضارع وش ه‬
‫رفع أو تهنص ه‬
‫َكنلعت والعطف واتلوكيد وابلدل‪ ،‬فإنها ته ه‬ ‫ه‬
‫العامل بواسطة متبوعه‪ ،‬ل‬ ‫باتل ّ‬
‫بعية هو ما يه ه‬ ‫ه‬
‫واملعمول ّ‬
‫ب أو‬ ‫ؤثر فيه‬
‫ّ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫جتر أو حتز هم‪ ،‬ألنها تابعة ملرفوع أو منصوب أو ُمرور أو ُمزوم‪ .‬والعامل فيها هو العامل يف متبوعها اذلي يتقدمها‪.‬‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ً‬ ‫ه‬
‫العمل (وي ه ّ‬
‫نصب أو خفض أو جزم)‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫رفع أو‬
‫األثر احلاصل بتأثري العامل‪ ،‬من ٍ‬ ‫سىم اإلعراب أيضا) هو‬ ‫ـ العمل‪،‬‬
‫جامع ادلروس العربية ‪.272 :3‬‬
‫‪17‬‬
‫ً‬
‫تقسـيم معلوم من اللغة بالرضورة‪ ،‬كتقدم الفعل‬
‫ٍ‬ ‫عنرص رضوريا حلفظ‬
‫ٍ‬ ‫‪5‬ـ أن يكون تقدم‬
‫ِّ ً‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫مكونة معها‬ ‫االسمية‬ ‫فعلية تقف جنبًا إىل جنب مع اجلملة‬ ‫ىلع الفاعل؛ ملا هعلم من وجود مجلة‬
‫أساسا ًّ‬
‫ثنائيا لورود اجلمل‪.‬‬ ‫ً‬
‫ٌّ‬ ‫ل‬
‫حنـوي لواله لم يكن ث لم تقديم وال تأخري‪،‬‬ ‫وللتقديم واتلأخري علة ه الرتبة‪ ،‬فالرتبة مبدأ‬
‫فما الرتبة؟ وما أنواعها؟‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ل‬ ‫الرتبة قرينة ل‬
‫انلحوي ُيدد موقع‬ ‫حنوية من قرائن املعىن‪ ،‬يمكن تعريفها بأنها جزء من انلظام‬
‫ً‬ ‫ل ً‬
‫أوال واألخرى ثانيا‪ ،‬ويمتنع‬ ‫اللكمة من بناء اجلملة ويفرض للكمتني بينهما ارتباط أن تأيت إحداهما‬
‫ل‬ ‫ل‬
‫العكس إذا َكنت الرتبة حمفوظة‪ ،‬أما إذا َكنت الرتبة غري حمفوظة فيجوز أن تتقدم إحدى‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ل‬
‫انلحوي‪.‬‬ ‫تعبري آخر من غري اتصاف أحد اتلعبريين باخلطأ‬ ‫ٍ‬ ‫تعبري وتتأخر يف‬
‫ٍ‬ ‫اللكمتني يف‬
‫اإلعرابية هحت ِّدد الوظيفة الرتكي ل‬
‫بية‬ ‫ل‬ ‫وهناك جتاذب بني الرتبة واإلعراب‪ ،‬فالرتبة يف اللغات غري‬
‫ل‬ ‫ل‬
‫حر لية احلركة تللك األجزاء؛‬ ‫اإلعرابية فتظهر مرونة الرتبة وإتاحتها ِّ‬ ‫ألجزاء اجلملة‪ ،‬أما يف اللغات‬
‫ل‬
‫الرتكيبية هلا‪ ،‬فإذا خف اإلعراب انتىف ذلك ووجب‬ ‫بسـبب تكفل اإلعـراب بتحديد الوظيفة‬
‫االلزتام بالرتبة‪.‬‬
‫ل‬ ‫ل‬
‫السيايق لللكمات يف حالة الرتبة‬ ‫والفرق بني الرتبة املحفوظة وغري املحفوظة أن الرتتيب‬
‫ِّ ل‬ ‫ً‬ ‫ل‬
‫وي‪ ،‬أما يف‬ ‫املحفوظة يهراىع يف نظام اللغة وِف االستعمال‪ ،‬وال يقع خالفه إال موصوفا باخلطأ انلح‬
‫ٌّ ل‬
‫افرتايض اختذه انلظام انلحوي‪ ،‬وقد‬ ‫حالة الرتبة غري املحفوظة فرتتيب اللكمات يف السياق أصل‬
‫ِّ‬ ‫ه ِّ‬
‫ُيتم االستعمال ـ حسب املقام والغرض ـ خالفه بتقديم املتأخر‪.‬‬
‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫ل‬ ‫ِّ‬ ‫ه‬
‫ويوصف العنرص املتقدم يف الرتبة املحفوظة بأنه متقدم وجوبا ـ ومن ذلك تقدم املوصـول ىلع‬
‫ل‬ ‫الصلة‪ ،‬واملوصـوف ىلع الصـفة‪ ،‬وحرف ِّ‬
‫اجلر ىلع املجرور‪ ،‬وغريها ـ أما يف الرتبة غري املحفوظـة‬
‫ل‬
‫ـ َكليت بني املبتدأ واخلرب‪ ،‬والفاعل واملفعـول به‪ ،‬والضمري واملرجع‪ ،‬وغري ذلك ـ فاتلقديم واتلأخري‬
‫يعرب عن غرضه ه‬
‫ويفهم معناه املقصود‪.‬‬ ‫أسـلويب جائز للمتلكِّم حبسـب ما ِّ‬
‫ٌّ‬ ‫اختيار‬
‫ل ِّ‬ ‫ه‬
‫وقد يهلىغ هذا االختيار وحتـفظ الرتبة؛ إما التقاء لبس‪ ،‬كما يف (رضب موىس عيىس)‪ ،‬أو‬
‫ِّ‬
‫التقاء خمالفة القاعدة‪ ،‬كما يف (رأيتهك)‪ ،‬فانتقال الرتبة من دائرة الرتبة غري املحفوظة إىل دائرة‬
‫الرتبة املحفوظة أمر وارد‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫والفرق بني الرتبة املحفوظة والرتبة غري املحفوظة هو عينه الفرق بني الواجب واجلائز يف‬
‫ِّ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌّ‬
‫حنوي رصف ال ُمال فيه الختيار املتلكم‪ ،‬فهو‬ ‫تركييب‬ ‫انلحو؛ فاتلقديم يف الرتبة املحفوظة حكم‬
‫ل‬ ‫ٌّ‬ ‫ل‬
‫جار ىلع القاعدة حبفظها‪ ،‬أو خمالف للقاعدة خمل بسالمة الرتكيب بإهماهل هلا‪ ،‬أما الرتبة غري‬
‫ٍ‬ ‫ا‬‫إم‬
‫يمكن من اتلرصف يف العبارة؛ ألنله يصبح وسيلة أسلوبيةل‬ ‫ِّ‬ ‫املحفوظة فاتلقديم فيها أمر اختياريٌّ‬
‫ه ل‬ ‫ه‬
‫تستجلب بها املعاين وتقلب العبارة تلناسب مقتىض احلال‪ ،‬وهلذا دار ابلحث ابلاليغ يف علم‬
‫املعاين حول الرتبة غري املحفوظة‪.‬‬
‫خمالفة األصل فيهما‪:‬‬
‫ه‬ ‫ل‬
‫ينطلق احلـديث عن اتلقـديم واتلأخري من منطلـق الرتبة اليت منها رتبة حمفوظة ال ختالف‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ل‬
‫ِّ‬
‫إال خطأ واحنرافا عن انلظام السيايق‪ ،‬ورتبة غري حمفوظة قد تراىع وقد ال تراىع‪.‬‬
‫ل‬ ‫ً‬ ‫ل‬
‫والرتتيب اذلي جعله انلظام انلحوي أصال يف الرتبة غري املحفوظة ال يهسأل عن علته يف َغلب‬
‫عما جاء ىلع خالفه‪ :‬لم خالف ؟ وما الغاية من اخلالف؟ فاتلقديم واتلأخري‬ ‫األحيان‪ ،‬وإنلما يهسأل ل‬
‫ل‬
‫معنوية‪ ،‬وهذا‬ ‫ل‬
‫بيانية‬ ‫نوع من اتلرصف يف الرتكيب والعدول عن أصل ترتيب عنارصه لغاية‬
‫ً‬ ‫ل‬
‫وإال َكن ً‬ ‫ل‬ ‫ً‬
‫جورا ىلع الرتكيب ومعناه وإفسادا للالكم بأرسه‪.‬‬ ‫اعتباطا لغري علة‬ ‫اتلرصف ال يكون‬
‫ل‬
‫حاصل القول يف ظاهرة اتلقديم واتلأخري (اجلائز) أنها تفتقر إىل أمور‪:‬‬
‫األول‪ :‬حتديد األصل يف ترتيب عنارص الرتكيب‪.‬‬ ‫ل‬

‫اثلاين‪ :‬حتديد العدول عن األصل يف هذا الرتتيب‪.‬‬


‫ل‬
‫اآلخر‪ :‬ابلحث عن علة هذا العدول وتأثريه يف املعىن وادلاللة) (‪.)1‬‬
‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫العريب موقعا يف ترتيب بناء اجلملة‪ ،‬فاألصل يف‬ ‫إن للك عنرص من عنارص اجلملة يف اللسان‬
‫ويلح هق به ما يعمل عمل الفعل‪ ،‬وتأخري‬
‫تقديم املسند «املحكوم به» وهو الفعل‪ ،‬ه‬
‫ه‬ ‫ل‬
‫الفعلية‪:‬‬ ‫اجلملة‬
‫املسند إيله «املحكوم عليه» وهو الفاعل أو ما ينهوب منابه‪ ،‬ثم تأيت متعلقات الفعل أو ما يعمل‬
‫عمله‪.‬‬
‫ل‬
‫االسمية‪ :‬تقديم املسند إيله «املحكوم عليه» وهو املبتدأ وما يتصل به‪،‬‬ ‫واألصل يف اجلملة‬
‫ل‬
‫وتأخري املسند «املحكوم به» وهو اخلرب وما يتصل به‪ ،‬وبعد ذلك تأيت متعلقات اخلرب املماثلة‬
‫ّ‬ ‫ملتعلقات الفعل‪ ،‬إذا َكن اخلرب ل‬
‫مما يعلم عمل الفعل‪ ،‬أو مجلة مصدرة بفعل‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ من مقال‪( :‬اتلقديم واتلأخري يف انلحو العريب)‪.‬‬


‫‪19‬‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫وقد ل‬
‫االسمية تشتمل ىلع احلكم‬ ‫رصح مجهور ابلالغيني بهذا الرتتيب‪ ،‬وعللوه بأن اجلملة‬
‫مرتني‪ ،‬ل‬
‫فاملرة األوىل تكون بإسناد اخلرب إىل لفظ املبتدأ‪.‬‬ ‫بمضمون اجلملة ل‬

‫واثلانية‪ :‬تكون بإسناد اخلرب وتوابعه وما يتصل به إىل ضمري املبتدأ املسترت يف اخلرب أو فيما‬
‫يتصل به أو يف توابعه‪.‬‬
‫فإذا قلنا‪« :‬زيد قائم» أو «زيد قام» فف لفظ «قائم» وِف لفظ «قام» ضمري يعود ىلع «زيد» فيحصل‬
‫بذلك إسناد القيام إىل لفظ «زيد» وإسناده إىل ضمريه‪ ،‬قالوا‪ :‬وإسنادان أقوى من إسناد واحد‪ ،‬إذ‬
‫هو بمثابة إاعدة اجلملة ل‬
‫مرتني ىلع سبيل اتلأكيد‪.‬‬
‫أما اخلرب اذلي ال يتحمل هو وال ما يتصل به وال بعض توابعه ضمري املبتدأ‪ ،‬مثل‪« :‬القمح ّ‬ ‫ّ‬
‫الرب‬
‫‪ -‬القمح الرب اذلي نصنع منه خزبا ً نأكله»‪ ،‬فاجلملة االسمية معه ل‬
‫بقوة اجلملة الفعلية البسيطة‪،‬‬
‫ً‬
‫وهما مجيعا يف املرتبة ادلنيا (‪.)1‬‬
‫وقال ادلكتور فاضل السامرايئ‪( :‬املفهوم الفعيل من حيث ادلاللة اللغوية للتقديم واتلأخري أنه‬
‫إذا بدأنا بكلمة سابقة ىلع غريها فقد قدمناها يف الالكم‪ .‬واتلقديم نواعن أو ثالثة‪:‬‬
‫ني﴾ وقوهل تعاىل‪﴿ :‬ور لبك‬‫‪1‬ـ تقديم اللفظ ىلع اعمله حنو قوهل تعاىل‪ ﴿ :‬إيلاك نعبه هد وإيلاك نستع ه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فك ِّرب﴾ وقونلا‪ :‬زيدا أكل أو زيدا أكرمت‪ .‬وبمحمد اقتديت‪.‬‬
‫ه ل‬
‫‪2‬ـ تقديم األلفاظ بعضها ىلع بعض يف غري العامل وذلك حنو قوهل تعاىل ﴿وما أهل به لغري‬
‫ه ل‬
‫الل﴾ [ابلقرة‪ ،]173 :‬وقوهل‪﴿ :‬وما أهل لغري الل به﴾ [املائدة‪.]3 :‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬تقديم اللفظ ىلع اعمله‪:‬‬
‫ومن هذا ابلاب تقديم املفعول به ىلع فعله‪ ،‬وتقديم احلال ىلع فعله‪ ،‬وتقديم الظرف واجلار‬
‫واملجرور ىلع فعلهما‪ ،‬وتقديم اخلرب ىلع املبتدأ وحنو ذلك‪ .‬وهذا اتلقديم يف الغالب يفيد‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫االختصاص فقولك‪( :‬أجندت خادلا) يفيد أنك أجندت خادلا وال يفيد أنك خصصت خادلا‬
‫ً‬
‫بانلجاة بل َيوز أنك أجندت غريه أو لم تنجد أحدا معه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فإذا قلت‪ :‬خادلا أجندت أفاد ذلك أنك خصصت خادلا بانلجدة وأنك لم تنجد أحدا آخر‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ انظر‪ :‬ابلالغة العربية أسسها وعلومها وفنونها‪ ،‬للميداين ‪.350 :1‬‬
‫‪20‬‬
‫ني﴾ يف سورة‬‫ومثل هذا اتلقديم يف القرآن كثري‪ :‬فمن ذلك قوهل تعاىل‪﴿ :‬إيلاك نع هب هد وإيلاك نستع ه‬
‫ل‬
‫الفاحتة‪ ،‬فقد قدم املفعول به ﴿إيلاك﴾ ىلع فعل العبادة وىلع فعل االستعانة دون فعل اهلداية‪ ،‬فلم‬
‫يقل‪( :‬إيانا اهد) كما قال يف األويلني‪.‬‬
‫وسبب ذلك أن العبادة واالستعانة خمتصتان بالل تعاىل فال يعبد أحد غريه وال يستعان به‪.‬‬
‫ه‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫وهذا نظري قوهل تعاىل‪﴿ :‬بل الل فاعبهد وكن من الشاكرين﴾ [الزمر‪ ،]66 :‬وقوهل‪﴿ :‬واشك هروا ِل إن‬
‫ه‬
‫كنتهم إيل هاه تعبه هدون﴾ [ابلقرة‪ ،]172 :‬فقدم املفعول به ىلع فعل العبادة يف املوضعني؛ وذلك ألن العبادة‬
‫خمتصة بالل تعاىل‪.‬‬
‫ِّ ه‬ ‫ل‬
‫ومثل اتلقديم ىلع فعل االستعانة قوهل تعاىل ﴿وىلع الل فليتوَّك ال همتولكون﴾ [إبراهيم‪ ،]12 :‬وقوهل‪:‬‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫﴿ىلع الل تو للكنا ر لبنا﴾ [األعراف‪ ،]89 :‬وقوهل‪﴿ :‬عليه تو للك ه‬
‫ت وإيله أنيب﴾ [هود‪ ،]88 :‬فقدم اجلار‬
‫واملجرور لدلاللة ىلع االختصاص وذلك ألن اتلوَّك ال يكون إال ىلع الل وحده واإلنابة ليست‬
‫إال إيله وحده‪.‬‬
‫ولم يقدم مفعول اهلداية ىلع فعله فلم يقل‪ :‬إيانا اهد كما قال‪﴿ :‬إيلاك نعبه هد﴾ وذلك ألن طلب‬
‫ً‬
‫اهلداية ال يصح فيه االختصاص إذ ال يصح أن تقول‪ :‬امهلل اهدين وحدي وال تهد أحدا غريي أو‬
‫ه‬
‫خصين باهلداية من دون انلاس‪ ،‬وهو كما تقول‪ :‬امهلل ارزقين واشفين واعفين‪ .‬فأنت تسأل نلفسك‬
‫ً‬
‫ذلك ولم تسأهل أن يصك وحدك بالرزق والشفاء والعافية فال يرزق أحدا غريك وال يشفيه وال‬
‫يعافيه) (‪.)1‬‬
‫وقال األستاذ عبد الكريم ادلخييس‪( :‬عندما نسمع «اتلقديم واتلأخري» نعرف أننا بصدد‬
‫احلديث يف ترتيب عنارص اجلملة العربية‪ .‬واجلملة العربية إما فعلية وإما اسمية‪ ،‬فإذا َكنت فعلية‬
‫فرتتيب عنارصها واضح‪ ،‬والفعل هو املقدم يف الرتتيب ىلع األصل‪.‬‬
‫أما إذا َكنت اسمية واستوى طرفا الرتكيب ولانا معرفني معا‪ ،‬فقد اختلف يف أيهما يمكن أن‬
‫ً‬
‫تصدر به اجلملة‪ ،‬وأيهما جتعله خربا؟‬
‫فأما انلحويون فلم يتعرضوا للتحديد‪ ،‬بل تركوا للمتلكم اخليار‪ ،‬وأجازوا أن يكون ك منهما‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هو املبتدأ واثلاين هو اخلرب‪ ،‬ويعربون املقدم مبتدأ واملؤخر خربا‪ ،‬لكن ابلالغيني حبثوا األمر حبثا‬

‫(‪ )1‬ـ انظر‪ :‬أرسار ابليان يف اتلعبري القرآين‪ ،‬للسامرايئ‪.24 :‬‬


‫‪21‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فكريا منطقيا دقيقا‪ ،‬ناظرين إىل حال املخاطب‪ ،‬وما هو األعرف دليه من ركين اإلسناد الذلين هما‬
‫من املعارف‪.‬‬
‫ومن هنا يأيت اتلعريف اذلي يه ل‬
‫عرف به اتلقديم واتلأخري وهو‪ :‬خمالفة عنارص الرتكيب ترتيبها‬
‫األصيل يف السياق‪ ،‬فيتقدم ما األصل فيه أن يتأخر ويتأخر ما األصل فيه أن يتقدم‪.‬‬
‫ً‬
‫واحلاكم للرتتيب األصيل بني عنرصين يتلف إذا َكن الرتتيب الزما أو غري الزم‪ ،‬فهو يف‬
‫الرتتيب الالزم «الرتبة املحفوظة» حاكم صنايع حنوي‪ ،‬أما يف غري الالزم «الرتبة غري املحفوظة»‪،‬‬
‫ً‬
‫فياكد يكون شيئا غري حمدد‪ ،‬ولكن هناك أسباب اعمة قد تفرس ذلك الرتتيب‪.‬‬
‫وللتقديم واتلأخري فوائد مجة تعرب عن مدى سيع العربية إىل حتصيل مجال اتلعبري والصياغة‬
‫قبل ك َشء‪ ،‬ولو َكن ذلك ىلع حساب الرتتيب اذلي وضعه األولون لرتاكيبهم‪.‬‬
‫وهو مظهر من مظاهر شجاعة العربية؛ ففيها إقدام ىلع خمالفة لقرينة من قرائن املعىن من‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫غري خشية لبس‪ ،‬اعتمادا ىلع قرائن أخرى‪ ،‬ووصوال بالعبارة إىل دالالت وفوائد جتعلها عبارة‬
‫راقية ذات رونق ومجال‪.‬‬
‫وقد قسم اإلمام اجلرجاين اتلقديم إىل نوعني‪:‬‬
‫‪1‬ـ تقديم ىلع نية اتلأخري‪ :‬وذلك ك َشء أقررته مع اتلقديم ىلع حكمه اذلي َكن عليه وِف‬
‫جنسه اذلي َكن فيه‪ ،‬كخرب املبتدأ إذا قدمته ىلع املبتدأ‪ ،‬واملفعول إذا قدمته ىلع الفاعل «منطلق‬
‫ً‬
‫زيد» و«رضب عمروا زيد»‪.‬‬
‫ً‬
‫‪2‬ـ تقديم ال ىلع نية اتلأخري‪ ،‬ولكن ىلع أن تنقل اليشء عن حكم إىل حكم‪ ،‬وجتعل هل بابا‬
‫ً‬
‫غري بابه وإعرابا غري إعرابه‪ ،‬وذلك أن تيجء إىل اسمني ُيتمل ك واحد منهما أن يكون مبتدأ‬
‫ً‬
‫ويكون اآلخر خربا هل‪ ،‬فتقدم تارة هذا ىلع ذلك وأخرى ذاك ىلع هذا‪.‬‬
‫ه‬
‫املنطلق زيد»‪ .‬فأنت‬ ‫ه‬
‫املنطلق» وأخرى «‬ ‫ومثاهل ما تصنعه بزيد واملنطلق‪ ،‬حيث تقول مرة‪« :‬زيد‬
‫ً‬
‫يف هذا لم تقدم املنطلق ىلع أن يكون مرتولا ىلع حكمه اذلي َكن عليه مع اتلأخري‪ ،‬فيكون خرب‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫املبتدأ كما َكن‪ ،‬بل ىلع أن تنقله من كونه خربا إىل كونه مبتدأ‪ ،‬وكذلك لم تؤخر زيدا ىلع أن‬
‫ً‬
‫يكون مبتدأ كما َكن بل ىلع أن خترجه عن كونه مبتدأ إىل كونه خربا‪.‬‬
‫وهناك العديد من األسباب وادلوايع تلقديم املسند ىلع املسند إيله لعل السبب املقدم عليها‬
‫مجيعا أن ذكره أهم من ذكر غريه‪ ،‬قال سيبويه يف الكتاب‪( :‬وإن قدمت االسم فهو عريب جيد‪ ،‬كما‬

‫‪22‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫َكن ذلك عربيا جيدا‪ ،‬وذلك قولك‪« :‬زيدا رضبت»‪ ،‬واالهتمام والعناية هنا يف اتلقديم واتلأخري‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫سواء‪ ،‬مثله يف «رضب زيد عمرا» و«رضب عمرا زيد»)‪.‬‬
‫ً‬
‫وهو ما أشار إيله اجلرجاين بقوهل‪« :‬واعلم أن لم جتدهم اعتمدوا فيه شيئا َيري ُمرى األصل‬
‫غري العناية واالهتمام‪ .‬قال صاحب الكتاب وهو يذكر الفاعل واملفعول‪ :‬كأنهم إنما يقدمون اذلي‬
‫ً‬
‫بيانه أهم هلم‪ ،‬وهم ببيانه أعىن‪ ،‬وإن َكنا مجيعا يههمانهم ويعنيانهم»‪.‬‬
‫وقد عدد اإلمام جالل ادلين القزويين أسباب الورود اليت نتحدث عنها وذلك بعدما ذكر‬
‫تقديم املسند إيله‪ ،‬قال‪ :‬فلكون ذكره أهم من ذكر غريه‪ ،‬فذلك‪ :‬لكونه األصل وال مقتىض للعدول‬
‫ً‬
‫عنه‪ ،‬أو تلمكني اخلرب يف ذهن السامع ألن يف املبتدأ تشويقا إيله‪ ،‬أو تلعجيل املرسة أو املساءة‬
‫للتفاؤل أو اتلطري‪ ،‬أو إليهام أنه ال يزول عن اخلاطر‪ ،‬أو أنه يستذل به‪ ،‬وقد يقوم املسند إيله بنحو‬
‫ذلك من األغراض‪ ،‬وقد يقوم املسند إيله بغرض ختصيصه باخلرب الفعيل‪ ،‬وقرص هذا اخلرب عليه‪.‬‬
‫وىلع هذه األسباب مدار اتلقديم واتلأخري‪ ،‬وقد تكون هنالك أغراض أخرى تدعو إىل‬
‫اتلقديم أو اتلأخري‪.‬‬
‫األغراض ابلالغية تلقديم املسند إيله‪:‬‬
‫ل‬
‫يقول الساكيك (املتوّف‪626 :‬ه)‪« :‬وأما احلالة اليت تقتض تقديمه ىلع املسند فيه‪ :‬مىت َكن ذكره‬
‫أهم‪ ،‬يقع باعتبارات خمتلفة‪ :‬إما ألن أصله اتلقديم وال مقتىض للعدول عنه…‪ ،‬وإما ألنه متضمن‬
‫ً‬
‫لالستفهام‪ ،‬وإما تلضمنه ضمري الشأن والقصة‪ ،‬وإما ألن يف تقديمه تشويقا للسامع إىل اخلرب‬
‫يلتمكن يف ذهنه إذا أورده‪.»...‬‬
‫وهناك من ذكر غري هذا فتأمله‪.‬‬
‫‪1‬ـ التشويق إىل الالكم املتأخر‪:‬‬
‫حنو قول الشاعر‪:‬‬
‫ل‬
‫والشب ه‬ ‫ه‬ ‫ثالثة ليس لها إي ه‬
‫اب ‪ ...‬الو ه‬
‫اب‬ ‫قت واجلمال‬
‫ه ه‬ ‫ل ه‬
‫‪2‬ـ تعجيل املرسة‪ :‬حنو قوهل تعاىل‪﴿ :‬جنات عد ٍن يدخلونها﴾ [الرعد‪ ،23:‬فاطر‪ ،33 :‬انلحل‪.]31 :‬‬
‫ً‬
‫‪3‬ـ تعجيل املساءة‪ :‬مثل‪« :‬السجن عرشون اعما لقاتل الطفلة»‪.‬‬
‫‪4‬ـ للتربك به‪:‬‬

‫‪23‬‬
‫حنو‪« :‬الل سندي»‪ ،‬وحنو‪« :‬الل َغيتنا» و«الرسول قدوتنا» و«القرآن دستورنا» و«املوت يف سبيل‬
‫الل أسىم أمانينا»‪.‬‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬
‫‪5‬ـ تقوية احلكم وتقريره‪ :‬مثل‪﴿ :‬واذلين هم بر ِّبهم ال يهرشكون﴾ [املؤمنون‪.]59:‬‬
‫ـ مواضع اتلقديم واتلأخري‪:‬‬
‫أ‪ -‬ما َيب تقديمه ولو تأخر لفسد معناه‪:‬‬
‫ً‬
‫‪1‬ـ تقديم املفعول به ىلع فعله‪ ،‬كقولك‪« :‬زيدا رضبت»‪ ،‬وفيه ختصيص هل بالرضب دون غريه‪.‬‬
‫وهذا اذلي ذهب إيله املؤلف رأي أغلب علماء ابليان‪.‬‬
‫‪2‬ـ تقديم خرب املبتدأ عليه حنو‪« :‬قائم زيد»‪ ،‬فإنك إذا أخرت اخلرب فليس فيه إال اإلخبار بأن‬
‫زيدا قائم ال غري من غري تعرض ملعىن آخر من املعاين ابلليغة‪.‬‬
‫ه ل‬ ‫ل‬
‫‪3‬ـ الظرف‪ ،‬والغالب أنه يرد لدلاللة ىلع االختصاص كقوهل تعاىل‪﴿ :‬إن إيلنا إياَ ههم‪ ،‬ث لم إن‬
‫علينا حساَ ههم﴾ [الغاشية‪25 :‬ـ ‪.]26‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪4‬ـ احلال فإنك إذا قدمته فقلت‪« :‬جاء ضاحاك زيد» فإنه يفيد أنه جاء ىلع هذه الصفة خمتصا‬
‫بها‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪5‬ـ االستثناء يف حنو قولك‪« :‬ما رضبت إال زيدا أحدا»‪ ،‬فإنك إذا قدمته فإنه يفيد احلرص‪.‬‬
‫واملالحظ أن استفاضة اإلمام عبد القاهر اجلرجاين يف ابلحث عن الشواهد واألمثلة‪ ،‬سواء‬
‫القرآين منها أو الشعري للتديلل ىلع هذه األغراض‪ ،‬إنما َكن املراد به إثبات احلضور القوي هلذه‬
‫انلماذج اليت ادىع ابلعض من ابلالغيني أن الغاية األوىل من اتلقديم واتلأخري ه االهتمام فقط‪.‬‬
‫ولعل املتفحص لكتاب ادلالئل يلحظ هذا الكم اهلائل من األمثلة اليت ساقها املصنف رمحه‬
‫الل‪.‬‬
‫ب‪ -‬ما َيوز تقديمه ولو تأخر لم يفسد معناه‪:‬‬
‫ويقصد به ك الكم ورد فيه ذكر لشيئني أو أكرث‪ ،‬وجاءت املذكورات متتايلة‪ ،‬فإن ترتيبها ذاك‬
‫ً‬
‫يكون لغاية معينة‪ ،‬وَغبلا ما يكون الرتتيب بذكر األرشف فاألرشف‪ ،‬ولو قدم املتأخر ما َكن‬
‫ً‬
‫ذلك معيبا‪ ،‬أو لو عكس الرتتيب ما أخل بمعىن العبارة‪ .‬فانظر قوهل تعاىل‪﴿ :‬وما يع هز هب عن ر ِّبك‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫السماء﴾ [يونس‪ ،]61:‬وقوهل تعاىل‪﴿ :‬ال يع هز هب عنه مثقال ذ لر ٍة يف‬
‫من مثقال ذ لرة يف األرض وال يف ل‬
‫ٍ‬
‫السموات وال يف األرض﴾ [سبأ‪ .]3:‬فقدم سبحانه مرة األرض‪ ،‬وِف آية أخرى قدم السماء‪ ،‬والرتتيب‬ ‫ل‬

‫‪24‬‬
‫إنما يكون حبسب رغبة املتلكم ال غري‪ ،‬أو كما يقول صاحب الطراز‪ :‬فأنت ههنا باخليار‪ ،‬فإن‬
‫شئت قدمت املفضول ملا هل من املناسبة ملطلع الالكم‪ ،‬وإن شئت قدمت الفاضل ملا هل من رتبة‬
‫الفضل‪.‬‬
‫وقد قسم اجلرجاين رمحه الل مواضع اتلقديم إىل ما ييل‪:‬‬
‫أ‪ -‬االستفهام‪:‬‬
‫االستفهام باهلمزة‪ ،‬فإن موضع الالكم ىلع أنك إذا قلت‪ :‬أفعلت؟‪ ،‬فبدأت بالفعل‪َ ،‬كن الشك يف‬
‫الفعل نفسه‪ ،‬ولان غرضك من استفهامك أن تعلم وجوده‪.‬‬
‫وإذا قلت‪« :‬أأنت فعلت»؟ فبدأت باالسم‪َ ،‬كن الشك يف الفاعل من هو‪ ،‬ولان الرتدد فيه‪.‬‬
‫و ال يىف أن الغرض احلصول ىلع إقرار من املخاطب بأنه الفاعل لذلي تستفهم عنه‪ .‬أو كما‬
‫قال اجلرجاين‪ :‬واعلم أن اهلمزة فيما ذكرنا تقرير بفعل قد َكن‪ ،‬وإنكار هل لم َكن‪ ،‬وتوبيخ لفاعله‬
‫عليه‪.‬‬
‫وقد يكون االستفهام باهلمزة إلنكار أن يكون الفعل قد َكن من أصله‪ .‬ومثاهل قوهل تعاىل‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ه ه‬ ‫ً ل ه‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫﴿أفأصفاكم ربكم بابلنني واختذ من المالئكة إناثا إنكم تلقولون قوال عظيما﴾ [اإلرساء‪.]40:‬‬
‫ب‪ -‬انليف‪:‬‬
‫ً‬
‫إذا قلت‪ :‬ما فعلت‪ ،‬كنت نفيت عنك فعال لم يثبت أنه مفعول‪ ،‬وإذا قلت‪« :‬ما أنا فعلت»‬
‫ً‬
‫كنت نفيت عنك فعال يثبت أنه مفعول‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وإذا قلت‪« :‬ما زيدا رضبت» فقدمت املفعول‪َ ،‬كن املعىن ىلع أن رضبا وقع منك ىلع إنسان‪،‬‬
‫وظن أن ذلك اإلنسان زيد‪ ،‬فنفيت أن يكون إياه‪.‬‬
‫وىلع خالف ما ذهب إيله ابلالغيون فهناك من ال يرى أن يلحق بباب اتلقديم واتلأخري يف‬
‫ابلالغة العربية تقديم أداة انلف ىلع اللفظ ادلال ىلع العموم‪ ،‬وال العكس أي تقديم اللفظ ادلال‬
‫ىلع العموم ىلع أداة انلف‪ ،‬يقول‪ :‬فهذه قضية فكرية تتصل بأصل بناء الالكم يف أدائه للمعاين‪ ،‬وه‬
‫ترجع إىل قاعدة سلب العموم أو عموم السلب فإذا سلط انلف ىلع العموم لم يلزم منه نف مجيع‬
‫األفراد‪ ،‬ألن املنف حينئذ هو العموم ال مجيع أفراده‪ ،‬وإذا سلط العموم ىلع املنف بأداة انلف فإنه‬
‫يدل حينئذ ىلع نف مجيع األفراد‪ .‬مثل‪ :‬ليس ك إنسان َكتبا (بتسليط السلب ىلع العموم معناها‬
‫ً‬
‫أن بعض انلاس ليس َكتبا‪ ،‬وهذه مجلة صادقة)‪ ،‬ولكن ك إنسان ليس َكتبا بتسليط اللفظ‬

‫‪25‬‬
‫ادلال ىلع العموم ىلع اجلملة املنفية املسلوبة‪ ،‬وكأنك تقول ال أحد يف انلاس هو َكتب‪ ،‬وهذا‬
‫احلكم ال يصدق‪ ،‬أي هو َكذب‪.‬‬
‫ج‪ -‬اخلرب‪:‬‬
‫ً‬
‫وهو نواعن‪ ،‬أحدهما‪ :‬ظاهر غري مشلك‪ :‬وهو أن يكون الفعل فعال قد أردت أن تنص فيه ىلع‬
‫وجه واحد فتجعله هل‪ ،‬وتزعم أنه فاعله دون واحد آخر‪ ،‬أو دون ك أحد‪.‬‬
‫واثلاين‪ :‬أن ال يكون القصد إىل الفاعل ىلع هذا املعىن ولكن ىلع أنك أردت أن حتقق ىلع‬
‫ً‬
‫السامع أنه قد فعل‪ ،‬وتمنعه من الشك‪ ،‬فأنت تبدأ بذكره‪ ،‬وتوقعه أوال ومن قبل أن تذكر الفعل يف‬
‫نفسه‪ ..‬ومثاهل قولك‪« :‬هو يعطي اجلزيل»‪.‬‬
‫د – «غري» و«مثل»‪:‬‬
‫وهما مما يرى تقديمهما يف الالكم‪ ،‬وقد ذكر علماء ابلالغة العربية أن هاتني اللكمتني «غري»‬
‫و«مثل» تالزمان ا تلقديم يف الرتاكيب ابلالغية إذا أريد بهما الكناية عن الشخص اذلي َيري‬
‫احلديث عنه‪ ،‬وذلك حنو قول الشاعر أ يب فراس احلمداين‪:‬‬
‫(‪)1‬‬ ‫هل ّه‬ ‫ه‬
‫يذاع ه‬ ‫ّ‬
‫رس‬ ‫ولكن مثيل ال‬ ‫بَّل أنا مشتاق وعندي لوعة ‪...‬‬
‫وحنو قول أ يب تمام‪:‬‬
‫(‪)2‬‬ ‫ه‬ ‫وغريي يأ هك هل المع هروف هسحتا ً ‪ ...‬وتشج ه‬
‫ب عند هه َيض األيادي‬
‫وحنو قول املتنيب يف قصيدة يعزي فيها عضد ادلولة أبا شجاع يف عمته‪:‬‬
‫(‪)3‬‬ ‫مثلهك يثين احلهزن عن صوبه ‪ ...‬ويسرت ّد ل‬
‫ادلمع عن غربه‬
‫فموضوع اتلقديم واتلأخري من املوضواعت اليت تناوهلا ادلارسون بالعرض واتلحليل‪ ،‬للوقوف‬
‫ىلع شجاعة اللغة العربية يف اخلروج ىلع املألوف اذلي جاء يف تركيبهم‪ ،‬ولكن هذا اخلروج ىلع‬
‫ً‬
‫املعهود لم يكن رضبا من اخلبط والعشوائية‪ ،‬ولكن َكن هل ما يربره‪ ،‬ولانت هل دواع اقتضاها‬
‫اتلعبري أو املقام أو السياق اذلي جاء فيه اتلغيري املتحدث عنه) (‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬ـ ديوان أ يب فراس احلمداين‪.153 :‬‬


‫(‪ )2‬ـ ديوان أ يب تمام‪.265 :‬‬
‫(‪ )3‬ـ ديوان املتنيب‪.559 :‬‬
‫ل‬
‫(‪ )4‬ـ باختصار من‪ :‬اتلقديم واتلأخري يف بالغة العرب‪ :‬أسبابـه ومواضعـه‪ ،‬لألستاذ عبد الكريم ادلخييس‪ ،‬من ُملة‬
‫ضفاف اإلبداع‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫وذكر اإلمام الزركيش أنواع اتلقديم واتلأخري فقال‪( :‬وه إما أن يقدم واملعىن عليه‪ ،‬أو يقدم‬
‫وهو يف املعىن مؤخر‪ ،‬أو بالعكس‪.‬‬
‫انلوع األول‪ :‬ما قدم واملعىن عليه‪.‬‬
‫ومقتضياته كثرية‪ ،‬أحدها‪ :‬السبق‪.‬‬
‫انلاس بإبراهيم ل لذلين لاتب هع ه‬
‫وه‬ ‫وهو أقسام‪ :‬منها السبق بالزمان واإلَياد‪ ،‬كقوهل تعاىل‪﴿ :‬إ لن أوىل ل‬
‫وهذا ل‬
‫انليب﴾ [آل عمران‪.]68 :‬‬
‫ال ومن ل‬ ‫هه ً‬ ‫وقوهل‪ ﴿ :‬ه‬
‫انلاس﴾ [احلج‪ ]75 :‬فإن مذهب أهل السنة‬ ‫الل يصطف من المالئكة رس‬
‫تفضيل البرش وإنما قدم امللك لسبقه يف الوجود‪.‬‬
‫ل ه‬
‫انليب قل ألزواجك وبناتك﴾ [األحزاب‪ ]59 :‬فإن األزواج أسبق بالزمان ألن‬ ‫وقوهل‪﴿ :‬يا أيها‬
‫ل‬ ‫ابلنات أفضل منهن لكونهن بضعة منه ص لَّل ه‬
‫الل عليه وسلم‪.‬‬
‫ني﴾ [الفرقان‪. ]74 :‬‬‫ه‬ ‫هل‬ ‫ه ِّ ل‬
‫وقوهل‪﴿ :‬هب نلا من أزواجنا وذرياتنا قرة أع ٍ‬
‫ه ً‬ ‫ل‬
‫واعلم أنه ينضم إيله مع ذلك الترشيف كقوهل‪﴿ :‬إن الل اصطىف آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل‬
‫عمران﴾ [آل عمران‪. ]33 :‬‬
‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫وح وإبراهيم وموىس وعيىس﴾ [األحزاب‪﴿ .]7 :‬صحف إبراهيم وموىس﴾ [األىلع‪:‬‬‫وقوهل‪﴿ :‬ومن ن ٍ‬
‫‪.)1( )]19‬‬
‫ثم قال‪( :‬انلوع اثلاين‪ :‬مما قدم‪ ،‬انلية به اتلأخري‪ ،‬فمنه ما يدل ىلع ذلك اإلعراب كتقديم املفعول‬
‫ه‬
‫حل ه ه‬ ‫ىلع الفاعل يف حنو قوهل‪﴿ :‬إ لنما يَش الل من عباده ال هعلم ه‬
‫ومها وال‬ ‫اء﴾ [فاطر‪﴿ ،]28 :‬لن ينال الل‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫دماؤها﴾ [احلج‪﴿ ،]37 :‬وإذ اَتَّل إبراهيم ربه﴾ [ابلقرة‪.]124 :‬‬
‫وحنوه مما َيب يف الصناعة انلحوية كذلك ولكن ذلك لقصد احلرص‪.‬‬
‫ه‬ ‫ِّ‬ ‫ه‬
‫كتقديم املفعول‪ ،‬كقوهل‪﴿ :‬قل أفغري الل تأ هم هروين﴾ [الزمر‪﴿ ،]64 :‬قل الل أعبه هد﴾ [الزمر‪.]14 :‬‬
‫ه‬ ‫ل‬
‫وكتقديم اخلرب ىلع املبتدأ يف قوهل‪﴿ :‬وظنوا أن ههم مانعته ههم هح هصون ههم من الل﴾ [احلرش‪ ،]2 :‬ولو قال‪:‬‬
‫«وظنوا أن حصونهم مانعتهم» ملا أشعر بزيادة وثوقهم بمنعها إياهم‪.‬‬
‫وكذا‪﴿ :‬أراغب أنت عن آلهيت﴾ [مريم‪ ،]46 :‬ولو قال‪« :‬أأنت راغب عنها»؟ ما أفادت زيادة‬
‫اإلنكار ىلع إبراهيم‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ الربهان ‪.238 :3‬‬


‫‪27‬‬
‫ه ل‬
‫ار اذلين كف هروا﴾ [األنبياء‪ ،]97 :‬ولم يقل‪:‬‬‫وكذلك‪﴿ :‬واقرتب الوع هد احلق فإذا ه شاخصة أبص‬
‫فإذا أبصار اذلين كفروا شاخصة ولان يستغىن عن الضمري ألن هذا ال يفيد اختصاص اذلين‬
‫كفروا بالشخوص) (‪.)1‬‬
‫ثم قال اإلمام الزركيش‪( :‬انلوع اثلالث‪ :‬ما قدم يف آية وأخر يف أخرى‪.‬‬
‫لِلَف احلم هد﴾‬
‫فمن ذلك قوهل يف فاحتة الفاحتة‪﴿ :‬احلم هد ِل﴾ [الفاحتة‪ ،]2 :‬وِف خاتمة اجلاثية‪ ﴿ :‬ل‬

‫[اجلاثية‪ ،]36 :‬فتقديم ﴿احلم هد﴾ يف األول جاء ىلع األصل‪ ،‬واثلاين ىلع تقدير اجلواب‪ ،‬فكأنه قيل عند‬
‫ه ه‬
‫الملك ايلوم﴾ [َغفر‪ ،]16 :‬ثم‬ ‫وقوع األمر ملن احلمد ومن أهله فجاء اجلواب ىلع ذلك نظريه‪﴿ :‬لمن‬
‫ل‬
‫قال‪ِ﴿ :‬ل الواحد القهار﴾ [َغفر‪.]16 :‬‬
‫وقوهل يف سورة يس‪﴿ :‬وجاء من أقَص المدينة ر هجل يسع﴾ [يس‪ ،]20 :‬قدم املجرور ىلع املرفوع‬
‫الشتمال ما قبله من سوء معاملة أصحاب القرية الرسل وإرصارهم ىلع تكذيبهم‪ ،‬فاكن مظنة‬
‫ً‬
‫اتلتابع ىلع ُمرى العبارة تلك القرية‪ ،‬ويبىق خميال يف فكره أكانت لكها كذلك أم َكن فيها ىلع‬
‫خالف ذلك‪ ،‬خبالف ما يف سورة القصص‪.‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫ومنها قوهل يف سورة انلمل‪﴿ :‬لقد هوعدنا هذا حن هن وآباؤنا من قبل﴾ [‪ ،]68‬وِف سورة املؤمنني‪:‬‬
‫ه‬ ‫هل ه ً‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫﴿لقد هوعدنا حن هن وآباؤنا هذا من قبل﴾ [‪ ،]83‬فإن ما قبل األوىل‪﴿ :‬أإذا كنا ترابا وآباؤنا﴾ [‪ ،]67‬وما‬
‫ً‬ ‫هل ه ً‬
‫قبل اثلانية‪﴿ :‬أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما﴾ [‪ ،]82‬فاجلهة املنظور فيها هناك كون أنفسهم وآبائهم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ترابا‪ ،‬واجلهة املنظور فيها هنا كونهم ترابا وعظاما‪ ،‬وال شبهة أن األوىل أدخل عندهم يف تبعيد‬
‫ابلعث) (‪.)2‬‬
‫وقال ابن انلقيب عن أقسام اتلقديم واتلأخري‪( :‬قال علماء هذا الشأن أقسامه أربعة‪ ،‬وقالوا‬
‫ً‬
‫اتلقديم واتلأخري ال يلو إما أن يكون موجبا لزيادة يف املعىن‪ ،‬أو ال يكون كذلك‪ ،‬وإما أن‬
‫يكون ما قدم األوىل به اتلقديم‪ ،‬أو األوىل به اتلأخري‪ ،‬أو يتاكفأ األمران فيه‪..‬‬
‫أما األول‪ :‬فهو ما يلزم فيه زيادة معىن‪ ،‬فال يلو إما أن يكون املقصود بتقديمه زيادة املعىن‬
‫ل‬ ‫خاصة‪ ،‬كقوهل تعاىل‪﴿ :‬إيلاك نعبه هد وإيلاك نستع ه‬
‫ني﴾‪ ،‬فإن املقصود بتقديم ﴿إيلاك﴾ تعظيم الل‬

‫(‪ )1‬ـ الربهان ‪.275 :3‬‬


‫(‪ )2‬ـ الربهان ‪.284 :3‬‬
‫‪28‬‬
‫سبحانه وتعاىل واالهتمام بذكره‪ ،‬مع إفادة اختصاص العبادة واالستعانة بالل تعاىل يلصري الالكم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫حسنا متناسقا‪ ،‬ولو قال نعبدك ونستعينك لم يكن الالكم متناسبا‪.‬‬
‫ه‬
‫وأما ما يراد بتقديمه زيادة املعىن فقط‪ .‬فمنه تقديم املفعول يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬قل أفغري الل‬
‫ل‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ِّ‬
‫تأ هم هروين أعبه هد أيها اجلاهلون﴾ وكذلك‪﴿ :‬بل الل فاعبهد وكن من الشاكرين﴾ فإن املراد ههنا‬
‫ً‬
‫بتقديم املفعول تلخصيصه بالعبادة‪ ،‬ولو أخره ما أفاد ذلك‪ ،‬فإنه لو قيل‪ :‬رضبت زيدا لم يشعر ذلك‬
‫ً‬
‫باختصاص زيد بالرضب‪ ،‬وال كذلك لو قيل زيدا رضبت‪.‬‬
‫ه‬ ‫ه ل ه ه ه‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫ور ماؤ هه احلل ميتتهه) (‪ .)1‬وكذا تقديم‬ ‫وكذلك قوهل صَّل الل عليه وسلم يف ابلحر (هو الطه‬
‫ه ل‬ ‫ل‬
‫الظرف يف اهليئات كقوهل تعاىل‪﴿ :‬إن إيلنا إياَ ههم ث لم إن علينا حساَ ههم﴾ [الغاشية‪25 :‬ـ ‪ ..]26‬وتقديم‬
‫ه ه ه‬
‫هل احلم هد﴾ [اتلغابن‪ ]1 :‬فإن هذا يفيد اختصاص ذلك بالل‬ ‫كو ه‬ ‫اجلار واملجرور كقوهل تعاىل‪﴿ :‬هل المل‬
‫تعاىل‪.‬‬
‫وأما اثلاين‪ :‬فهو ما ال يلزم تقديمه زيادة يف املعىن‪ ،‬ومع ذلك يكون تقديمه أحسن‪ ،‬وهذا إنما‬
‫يكون كذلك ألمر يتعلق باملتقدم واملتأخر‪ ،‬أو ألمر خارج عنهما‪.‬‬
‫واذلي ألمر يتعلق بهما إما أن يكون ذلك بالنسبة إىل َشء خارج عنهما‪ ،‬أو ال يكون‬
‫كذلك‪ ،‬فاألول كما إذا َكن اتلقدم أدل ىلع قدرة اخلالق من اتلأخر كقوهل تعاىل‪﴿ :‬فمن ههم من‬
‫يميش ىلع َطنه ومن ههم من يميش ىلع رجلني ومن ههم من يميش ىلع أرب ٍع﴾‪.‬‬
‫واثلاين‪ :‬إما أن يكون للمتقدم تأثري يف وجود املتأخر أو ال يكون كذلك‪ .‬واثلاين كما إذا َكن‬
‫ً‬
‫املتقدم أكرث وجوبا كما يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬فمن ههم ظالم نلفسه ومن ههم همقتصد ومن ههم سابق باخلريات‬
‫بإذن الل﴾‪.‬‬
‫وأما اثلالث‪ :‬فهو اذلي ال يلزم تقديمه زيادة يف املعىن‪ ،‬ويكون األحسن تأخريه‪ ،‬وذلك كتقديم‬
‫الصفة ىلع املوصوف‪ ،‬والعلة ىلع املعلول‪ ،‬وحنو ذلك‪ .‬وهذا ال يمكن وروده يف القرآن لركته‬
‫وسماجته‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ رواه أبو داود يف كتاب الطهارة‪ ،‬باب الوضوء بماء ابلحر (‪ ،)83‬والرتمذي يف أبواب الطهارة‪ ،‬باب ما جاء يف ماء‬
‫ابلحر أنه طهور (‪ ،)69‬والنسايئ يف كتاب املياه‪ ،‬باب الوضوء بماء ابلحر (‪ ،)332‬وابن ماجه يف كتاب الطهارة وسننها‪،‬‬
‫باب الوضوء بماء ابلحر (‪ ،)386‬وابن حبان يف صحيحه يف كتاب الطهارة‪ ،‬باب ذكر اخلرب املدحض قول من نىف جواز‬
‫الوضوء بماء ابلحر (‪ ،) 1243‬وابن خزيمة يف صحيحه يف كتاب الوضوء‪ ،‬باب الرخصة يف الغسل والوضوء من ماء ابلحر‬
‫(‪.)112‬‬
‫‪29‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫وأما الرابع‪ :‬فهو ما يتاكفأ تقديمه وتأخريه‪ ،‬وهذا َكحلال فإنه يقدم كقولك‪( :‬جاء راكبا زيد)‬
‫ً‬
‫ويؤخر كقولك‪( :‬جاء زيد راكبا) وهما سواء‪ .‬وقد وقع يف الكتاب العزيز آيات فيها تقديم وتأخري‬
‫ه ِّ‬ ‫ل‬
‫جارية ىلع نمط ما تقدم‪ .‬من ذلك قوهل تعاىل‪﴿ :‬ح لىت تستأن هسوا وتسل هموا ىلع أهلها﴾‪ .‬وقوهل تعاىل‪:‬‬
‫ِّ‬
‫الز هبور من َعد اذلكر﴾ ىلع قول من قال إن اذلكر هاهنا القرآن‪.‬‬ ‫﴿ولقد كتبنا يف ل‬

‫وقال بعض العلماء يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬ولقد ه لمت به وه لم بها لوال أن رأى بهرهان ر ِّبه﴾‪ :‬إن يف‬
‫الالكم تقديما ً وتأخريا ً تقديره‪ :‬ولقد همت به ولو ال أن رأى برهان ِّ‬
‫ربه ل‬
‫هم بها‪.‬‬
‫وهذا حسن لكن يف تأويله قلق وال يضطر إىل هذا اتلأويل إال ىلع قول من قال إن األنبياء‬
‫معصومون من الكبائر والصغائر‪.‬‬
‫وأما ىلع قول من قال‪ :‬إن الصغائر َيوز وقوعها منهم‪ .‬فال يضطر إىل هذا اتلقديم واتلأخري)(‪.)1‬‬
‫ل‬
‫ولعل الراجح يف هذا هو أن يوسف عليه السالم لم يهم بها؛ ألنه رأى برهان ربه فهو ىلع‬
‫اتلقديم واتلأخري أي (لوال أن رأى برهان ربه هلم بها)‪ ،‬وذلك ألن القول اذلي يعرف لألنبياء‬
‫قدرهم وعصمتهم أوىل من غريه‪.‬‬
‫قال اإلمام القرطيب يف تفسريه‪﴿( :‬لوال أن رأى بهرهان ر ِّبه﴾ ولكن ملا رأى الربهان ما هم‪،‬‬
‫له‬ ‫ه‬
‫وهذا لوجوب العصمة لألنبياء‪ ،‬قال الل تعاىل‪﴿ :‬كذلك نلرصف عنه السوء والفحشاء إنه من‬
‫عبادنا ه‬
‫المخلصني﴾ فإذا يف الالكم تقديم وتأخري‪ ،‬أي لوال أن رأى برهان ربه هم بها‪ .‬قال أبو حاتم‪:‬‬
‫كنت أقرأ غريب القرآن ىلع أ يب عبيدة فلما أتيت ىلع قوهل‪﴿ :‬ولقد ه لمت به وه لم بها﴾ اآلية‪ ،‬قال‬
‫أبو عبيدة‪ :‬هذا ىلع اتلقديم واتلأخري‪ ،‬كأنه أراد‪ :‬ولقد همت به‪ ،‬ولوال أن رأى برهان ربه هلم‬
‫بها)(‪.)2‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقال اإلمام ابن اعشور‪( :‬ومجلة ﴿ولقد ه لمت به﴾ مستأنفة استئنافا ابتدائيا‪ .‬واملقصود‪ :‬أنها‬
‫َكنت جادة فيما راودته ال خمتربة‪.‬‬
‫واملقصود من ذكر ِّ‬
‫همها به‪ :‬اتلمهيد إىل ذكر انتفاء همه بها‪ ،‬بليان الفرق بني حايلهما يف ادلين‬
‫فإنه معصوم)‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ باختصار من كتاب‪ :‬مقدمة تفسري ابن انلقيب يف علم ابليان واملعاين وابلديع وإعجاز القرآن‪ 166 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫ل‬
‫والكتاب لإلمام أ يب عبد الل مجال ادلين حممد بن سليمان ابلليخ املقديس احلنف الشهري بابن انلقيب (املتوّف ‪ 698‬ه)‪.‬‬
‫ً‬
‫وهو مطبوع خطأ بعنوان‪ :‬الفوائد املشوق إىل علوم القرآن وعلم ابليان ونسبوه البن القيم‪.‬‬
‫(‪ )2‬ـ اجلامع ألحاكم القرآن ‪.166 :9‬‬
‫‪30‬‬
‫ثم قال‪( :‬فاتلقدير‪ :‬ولوال أن رأى برهان ربه هلم بها‪ ،‬فقدم اجلواب ىلع رشطه لالهتمام به‪ .‬ولم‬
‫ً‬
‫يقرن اجلواب بالالم اليت يكرث اقرتان جواب (لوال) بها ألنه ليس الزما‪ ،‬وألنه ملا قدم ىلع (لوال)‬
‫كره قرنه بالالم قبل ذكر حرف الرشط‪.‬‬
‫ً‬
‫فيحسن الوقف ىلع قوهل‪﴿ :‬ولقد ه لمت به﴾ يلظهر معىن االبتداء جبملة ﴿وه لم بها﴾ واضحا‪.‬‬
‫وبذلك يظهر أن يوسف عليه السالم لم يالطه هم بامرأة العزيز ألن الل عصمه من اهلم باملعصية‬
‫بما أراه من الربهان) (‪.)1‬‬
‫وقال الشيخ الشعراوي عند تفسريه لآلية‪( :‬ويكون فه همنا للعبارة‪ :‬ولوال أن رأى برهان ربه‬
‫له لم بها؛ ألننا نعلم أن «لوال» حرف امتناع لوجود؛ مثلما نقول‪ :‬لوال زيد عندك ألتيتك‪ .‬ولقائل أن‬
‫يقول‪ :‬كيف َغبت قضية الرشط يف اإلَياد واالمتناع عن اذلين يقولون؛ إن اهلم قد هوجد منه؟‬
‫همت به ولم يهم بها؛ حىت خنرج من تلك القضية الصعبة؟‬ ‫وملاذا لم ي هقل احلق‪ :‬لقد ل‬
‫ه‬
‫ونقول‪ :‬لو قال احلق ذلك ملا أعطانا هذا القول اللقطة املطلوبة؛ ألن امرأة العزيز ه لمت به ألن‬
‫ِّ‬ ‫ه‬
‫عندها نوازع العمل‪ ،‬وإن لم يقل نلا أنه قد ه لم بها لظننا أنه عنني أو خصاه موقف أنها سيدته‬
‫فخارت قواه‪.‬‬
‫هم بها؛ لاكن املانع من اله ِّم إما أمر طبييع فيه‪ ،‬أو أمر طاريء‬
‫إذن‪ :‬لو قال احلق سبحانه‪ :‬إنه لم ي ّ‬

‫ألنها سيدته‪ ،‬فقد يمنعه احلياء عن اله ِّم بها ‪ .‬ولكن احلق سبحانه يريد أن يوضح نلا أن يوسف‬
‫ه‬ ‫ً‬
‫أش لده ونهضجه‪ ،‬ولوال أن رأى برهان ربه له لم بها) (‪.)2‬‬ ‫َكن طبيعيا وهو قد بلغ‬
‫َّ ُ‬
‫واتلأخري يف اللغة العربية‬
‫ِ‬ ‫اتلقديم‬
‫ِ‬ ‫ة‬ ‫املبحث اثلاين‪ :‬أهمي‬
‫ٍّ‬
‫عريب مبني‪ ،‬فإن املعرفة باللغة العربية مفتاح مهم‬ ‫بلسان‬ ‫بما أن القرآن قد أنزهل الل تعاىل‬
‫ٍ‬
‫لفهم القرآن‪ ،‬ال يمكن ملن فقد هذا املفتاح أن يفهم القرآن‪ ،‬ولكلما ل‬
‫تعمق اإلنسان يف اللغة العربية‬
‫ازداد فهمه للقرآن وبالغته وإعجازه‪.‬‬
‫وهلذا ذكر العلماء من رشوط املجتهد يف الرشيعة أن يكون ىلع معرفة باللغة العربية‪ ،‬فمن‬
‫ال يعرف أسايلب اخلطاب العريب ال يمكنه أن يستنبط األحاكم الرشعية‪.‬‬
‫وهنا موقف طريف يدل ىلع أهمية املعرفة باللغة العربية ودورها يف فهم األحاكم الرشعية‪:‬‬

‫(‪ )1‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.252 :12‬‬


‫(‪ )2‬ـ تفسري الشعراوي ‪.6911 :11‬‬
‫‪31‬‬
‫ه‬
‫فقد اجتمع الكسايئ وحم لمد بن احلسن الشيباين صاحب اإلمام أ يب حنيفة ريض الل تعاىل‬
‫ه ه‬ ‫ه‬
‫هل حم لمد‪ :‬ما تقول‬ ‫عن ههما فقال الكسايئ‪( :‬من تبحر يف علم ل‬
‫انلحو اهتدى إىل سائر ال هعلوم) فقال‬
‫ّ ه‬ ‫جود ل‬ ‫فيمن سها يف هس ه‬
‫مرة أخرى؟‬ ‫السهو هل يسجد‬
‫ه ه‬
‫قال‪ :‬ال‪ .‬قال‪ :‬لـم ذا؟ قال‪ :‬ألن انلحاة يقولون املصغر ال يصغر‪.‬‬
‫السيل ال يسبق‬‫قال هحم لمد‪ :‬فما تقول يف تعليق العتق بامللك؟ قال‪ :‬ال يصح قال‪ :‬لـم؟ قال‪ :‬ألن ل‬

‫المطر(‪.)1‬‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫وقال ابن ِّ‬
‫جين‪ « :‬إن أكرث من ضل من أهل الرشيعة عن القصد فيها‪ ،‬وحاد عن الطريقة املثَّل‬
‫هه‬ ‫ل‬
‫إيلها‪ ،‬فإنما استهواه واستخف حلمه ضعفه يف هذه اللغة الكريمة الرشيفة اليت خوطب الاكفة بها»‬
‫(‪.)2‬‬
‫وقال اإلمام الرازي‪« :‬ملا َكن املرجع يف معرفة رشعنا إىل القرآن واألخبار‪ ،‬وهما واردان بلغة‬
‫ً‬
‫العرب وحنوهم وترصيفهم؛ َكن العلم برشعنا موقوفا ىلع العلم بهذه األمور‪ ،‬وما ال يتم الواجب‬
‫ً‬
‫املطلق إال به‪ ،‬ولان مقدورا للملكف؛ فهو واجب» (‪.)3‬‬
‫ومما يدل ىلع أهمية القرآن واللغة العربية عند املسلمني ما قاهل احلاكم الفرنيس يف فرتة‬
‫استعمار اجلزائر يف ذكرى مرور مئة سنة ىلع االستعمار‪( :‬إننا لن ننترص ىلع اجلزائريني ما داموا‬
‫يقرؤون القرآن‪ ،‬ويتلكمون العربية‪ ،‬فيجب أن نزيل القرآن العريب من وجودهم‪ ،‬ونقتلع اللسان‬
‫العريب من ألسنتهم) (‪!)4‬‬
‫ل‬
‫السـياقية األخرى‬ ‫قال ادلكتور صالح الشاعر‪( :‬ظاهرة اتلقديم واتلأخري ـ شـأن الظواهر‬
‫ل‬
‫العربية؛ ففيها إقدام ىلع خمالفة لقرينة من‬ ‫َكحلذف والزيادة وغريها ـ مظهر من مظاهر شجاعة‬

‫ً‬ ‫ه‬
‫(‪ )1‬ـ حياة احليوان الكربى ‪ ،407 :1‬وسمط انلجوم العوايل يف أنباء األوائل واتلوايل ‪ .418 :3‬وتروى هذه أيضا عن الفراء‪،‬‬
‫وليس عن الكسايئ‪ ،‬كما يف مرآة اجلنان وعربة ايلقظان ‪ ،31 :2‬فقد قال بعد أن ذكرها عن الفراء‪( :‬وهذه احلاكية مذكورة‬
‫يف ترمجة الكسايئ‪ ،‬وأنه هو صاحب هذا اجلواب‪ ،‬والل تعاىل أعلم)‪.‬‬
‫(‪ )2‬ـ اخلصائص ‪ .245 :3‬انظر مقال‪( :‬أهمية اللغة العربية دلارس الكتاب والسنة واملتأمل فيهما)‪ ،‬لألستاذ عبد الل بن‬
‫محد اخلرثان‪ُ ،‬ملة ابليان‪ ،‬العدد ‪.182‬‬
‫(‪ )3‬ـ املحصول للرازي ‪.275 :1‬‬
‫ً‬
‫(‪ )4‬ـ املنار‪ ،‬عدد ‪ .1962/11/9‬نقال عن‪ :‬قادة الغرب يقولون‪ :‬دمروا اإلسالم أبيدوا أهله‪ .‬جلالل العالم‪ ،‬عبد الودود يوسف‬
‫ادلمشق (املتوّف‪1403 :‬ه)‪ .‬غري مذكور اسم ادلار‪ ،‬تاريخ النرش‪ 1395 :‬ـه‪ 1974 -‬م‪. 31 .‬‬
‫‪32‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قرائن املعىن من غري خشـية لبس‪ ،‬اعتمادا ىلع قرائن أخرى‪ ،‬ووصوال بالعبارة إىل دالال ٍت وفوائد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫رونق ومجال‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ذات‬ ‫راقية‬ ‫جتعلها عبارة‬
‫ابليانية للتقديم واتلأخري مرتبطة باجلائز منه‪ ،‬ومرهونة حبسن استعماهل ىلع وفق‬ ‫ل‬ ‫والقيمة‬
‫ِّ‬ ‫ل‬
‫وإال َكن عبثا ً ال قيمة هل وال فائدة بل ل‬
‫ربما يؤدي إىل‬ ‫مقتىض احلال‪ ،‬والويع باستعماهل يف موضعه‪،‬‬
‫إفساد املعىن‪.‬‬
‫تبني ثراءها وكرثة فوائـدها‪ ،‬وكونها منبعا ً ّ‬
‫ثرا ً ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫لريق‬ ‫واألغراض اليت تتفتق عنها ظاهرة اتلقديم‬
‫األسايلب وارتفاعها يف ابليان‪.‬‬
‫فال عجب أن ُيتف اإلمام عبد القاهر اجلرجاين بهذه الظاهرة يف قوهل عن بابها‪« :‬هو باب‬
‫كثري الفوائد‪ ،‬جم املحاسن‪ ،‬واسع اتلرصف‪ ،‬بعيد الغاية‪ ،‬ال يزال يفرت لك عن بديعة‪ ،‬ويفض بك‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫مسمعه‪ ،‬وي ه‬ ‫ً‬
‫موقعه‪ ،‬ثم تنظر فتجد سبب أن‬ ‫لطف دليك‬ ‫إىل لطيفة‪ ،‬وال تزال ترى شعرا يروقك‬
‫ه‬
‫راقك ولطف عندك أن ق ِّدم فيه َشء ه‬
‫وح ِّول اللفظ عن ماكن إىل ماكن») (‪.)1‬‬

‫واتلأخري يف القرآن‬
‫ِ‬ ‫اتلقديم‬
‫ِ‬ ‫أسباب‬
‫ِ‬ ‫املبحث اثلالث‪ :‬أهم‬
‫ِّ‬ ‫اتلقديم ل‬ ‫ه‬
‫(قواعد ل‬
‫واتلأخري عند املفرسين)‪ ،‬ولكن هذا املبحث ذلكر‬ ‫سيأيت يف الفصل اثلاين‪:‬‬
‫أهم أسباب اتلقديم واتلأخري يف القرآن‪.‬‬
‫وال شك أن هذه األسباب ه اجتهادية من العلماء‪ ،‬وكذلك تْنيل هذه األسباب ىلع بعض‬
‫اآليات‪ ،‬فقد يتلف يف ذلك العلماء واملفرسون‪..‬‬
‫وَّك هذا يدخل يف اتلدبر والفهم لكتاب الل تعاىل‪ ،‬واملجال يف هذا واسع ما دام املتحدث يف‬
‫ذلك يتحدث بعلم وفهم‪ ،‬وهل معرفة بأصول ذلك وضوابطه‪.‬‬
‫قال اإلمام الزركيش يف أسباب اتلقديم واتلأخري‪( :‬وه كثرية‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن يكون أصله اتلقديم وال مقتىض للعدول عنه كتقديم الفاعل ىلع املفعول واملبتدأ‬
‫ً‬
‫ىلع اخلرب وصاحب احلال عليها حنو‪« :‬جاء زيد راكبا»‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ من مقال‪( :‬اتلقديم واتلأخري يف انلحو العريب)‪ ،‬لدلكتور صالح الشاعر‪ .‬والكم اجلرجاين يف كتابه‪ :‬دالئل اإلعجاز‪:‬‬
‫‪. 31‬‬
‫‪33‬‬
‫واثلاين‪ :‬أن يكون يف اتلأخري إخالل ببيان املعىن كقوهل تعاىل‪﴿ :‬وقال ر هجل همؤمن من آل‬
‫ه‬
‫فرعون يكته هم إيمانه﴾ [َغفر‪ ،]28 :‬فإنه لو أخر قوهل‪﴿ :‬من آل فرعون﴾ فال يفهم أنه منهم‪.‬‬
‫اثلالث‪ :‬أن يكون يف اتلأخري إخالل باتلناسب فيقدم ملشالكة الالكم ولراعية الفاصلة كقوهل‪:‬‬
‫ه‬ ‫ل‬
‫ج هدوا ِل اذلي خلق هه لن إن كنتهم إيل هاه تعبه هدون﴾ [فصلت‪ ،]37 :‬بتقديم ﴿إياه﴾ ىلع ﴿تعبدون﴾‬
‫﴿واس ه‬
‫ً‬
‫ملشالكة رؤوس اآلي وكقوهل‪﴿ :‬فأوجس يف نفسه خيفة هموىس﴾ [طه‪ ]67 :‬فإنه لو أخر ﴿يف نفسه﴾‬
‫ل‬ ‫ه ه‬
‫عن ﴿ هموىس﴾ فات تناسب الفواصل ألن قبله‪﴿ :‬ي ليل إيله من سحرهم أنها تسع﴾‪ ،‬وبعده‪:‬‬
‫ل‬
‫﴿إنك أنت األىلع﴾‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬لعظمه واالهتمام به‪.‬‬
‫ه‬ ‫ً‬
‫اخلامس‪ :‬أن يكون اخلاطر ملتفتا إيله واهلمة معقودة به‪ ،‬وذلك كقوهل تعاىل‪﴿ :‬وجعلوا ِل‬
‫ه‬
‫رشلاء﴾ [الرعد‪ ،]33 :‬بتقديم املجرور ىلع املفعول األول ألن اإلنكار متوجه إىل اجلعل لل ال إىل‬
‫مطلق اجلعل‪.‬‬
‫السادس‪ :‬أن يكون اتلقديم إلرادة اتلبكيت واتلعجيب من حال املذكور كتقديم املفعول‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫اثلاين ىلع األول يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬وجعلوا ِل رشلاء اجل لن﴾ [األنعام‪ ،]100 :‬واألصل «اجلن رشلاء»‪ ،‬وقدم‬
‫ألن املقصود اتلوبيخ وتقديم الرشلاء أبلغ يف حصوهل‪.‬‬
‫السابع‪ :‬االختصاص‪ ،‬وذلك بتقديم املفعول واخلرب والظرف واجلار واملجرور وحنوها ىلع الفعل‬
‫كقوهل تعاىل‪﴿ :‬إيلاك نعبه هد﴾ [الفاحتة‪ ،]5 :‬أي خنصك بالعبادة فال نعبد غريك) (‪.)1‬‬
‫ثم ذكر اإلمام الزركيش أنواع اتلقديم واتلأخري فقال‪( :‬وه إما أن يقدم واملعىن عليه‪ ،‬أو يقدم‬
‫وهو يف املعىن مؤخر‪ ،‬أو بالعكس‪.‬‬
‫انلوع األول‪ :‬ما قدم واملعىن عليه‪.‬‬
‫ل‬
‫ومقتضياته كثرية‪ ،‬أحدها‪ :‬السبق‪ .‬وهو أقسام‪ :‬منها السبق بالزمان واإلَياد‪ ،‬كقوهل تعاىل‪﴿ :‬إن‬
‫انليب﴾ [آل عمران‪ ]68 :‬قال ابن عطية‪ :‬املراد باذلين اتبعوه يف‬ ‫انلاس بإبراهيم ل لذلين لاتب هع ه‬
‫وه وهذا ل‬ ‫أوىل ل‬

‫ني﴾ [الفرقان‪. ]74 :‬‬‫ه‬ ‫هل‬ ‫ه ِّ ل‬


‫زمن الفرتة‪ .‬وقوهل‪﴿ :‬هب نلا من أزواجنا وذرياتنا قرة أع ٍ‬
‫ه‬ ‫ل‬
‫فإن قيل‪ :‬فما وجه تقديم املوت ىلع احلياة يف احلاكية عن منكر ابلعث‪﴿ :‬إن ه إال حياتنا‬
‫ه‬
‫ادلنيا ن هموت وحنيا﴾ [املؤمنون‪ ]37 :‬؟‬

‫(‪ )1‬ـ الربهان‪.233 :3 :‬‬


‫‪34‬‬
‫قلت‪ :‬ألجل مناسبة رؤوس اآلي (‪.)1‬‬
‫انلوع اثلاين‪ :‬ما قدم وانلية به اتلأخري‪ ،‬فمنه ما يدل ىلع ذلك اإلعراب كتقديم املفعول ىلع‬
‫ه‬
‫حل ه ه‬ ‫الفاعل يف حنو قوهل‪﴿ :‬إ لنما يَش الل من عباده ال هعلم ه‬
‫ومها وال‬ ‫اء﴾ [فاطر‪﴿ ،]28 :‬لن ينال الل‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫دماؤها﴾ [احلج‪﴿ ،]37 :‬وإذ اَتَّل إبراهيم ربه﴾ [ابلقرة‪.]124 :‬‬
‫وحنوه مما َيب يف الصناعة انلحوية كذلك ولكن ذلك لقصد احلرص‪.‬‬
‫ه‬ ‫ِّ‬ ‫ه‬
‫كتقديم املفعول‪ ،‬كقوهل‪﴿ :‬قل أفغري الل تأ هم هروين﴾ [الزمر‪﴿ ،]64 :‬قل الل أعبه هد﴾ [الزمر‪.]14 :‬‬
‫انلوع اثلالث‪ :‬ما قدم يف آية وأخر يف أخرى‪.‬‬
‫لِلَف احلم هد﴾‬
‫فمن ذلك قوهل يف فاحتة الفاحتة‪﴿ :‬احلم هد ِل﴾ [الفاحتة‪ ،]2 :‬وِف خاتمة اجلاثية‪ ﴿ :‬ل‬

‫[اجلاثية‪ ،]36 :‬فتقديم ﴿احلم هد﴾ يف األول جاء ىلع األصل‪ ،‬واثلاين ىلع تقدير اجلواب‪ ،‬فكأنه قيل عند‬
‫ه ه‬
‫الملك ايلوم﴾ [َغفر‪ ،]16 :‬ثم‬ ‫وقوع األمر ملن احلمد ومن أهله فجاء اجلواب ىلع ذلك نظريه‪﴿ :‬لمن‬
‫قال‪ِ﴿ :‬ل الواحد الق لهار﴾ [َغفر‪.)2( )]16 :‬‬
‫وهنا سؤال مهم‪ ،‬وهو أنه إذا َكن العرب يقدمون ما هو أهم‪ ،‬وهم ببيانه أعىن‪ ،‬فمىت يكون‬
‫أحد اللفظني أهم ويكون بيانه أعىن؟ وقد أجاب عن هذا اإلمام أبو القاسم عبد الرمحن بن عبد‬
‫ل‬
‫الل بن أمحد السهييل (املتوّف‪581 :‬ه) فقال‪:‬‬
‫(مىت يكون أحد الشيئني أحق باتلقديم ويكون املتلكم ببيانه أعىن؟‬
‫واجلواب‪ :‬أن هذا أصل َيب االعتناء به‪ ،‬لعظم منفعته يف كتاب الل تعاىل وحديث رسوهل صَّل‬
‫الل عليه وسلم‪ ،‬إذ ال بد من الوقوف ىلع احلكمة يف تقديم ما قدم يف القرآن وتأخري ما أخر‪،‬‬
‫كنحو‪( :‬السمع وابلرص)‪ ،‬و(الظلمات وانلور)‪ ،‬و(الليل وانلهار) و(اجلن واإلنس) يف أكرث اآلي‪،‬‬
‫وِف بعضها‪( :‬اإلنس واجلن)‪.‬‬

‫ه‬
‫(‪ )1‬ـ ال يصح أن َيعل سبب اتلقديم أو اتلأخري يف القرآن ملجرد مناسبة رؤوس اآلي أو ملرااعة الفاصلة فقط‪ ،‬فاتلقديم‬
‫أو اتلأخري يف القرآن إنما هو ملرااعة املعىن قبل أن يكون ملرااعة اللفظ؛ ألن مرااعة (املعىن) هو األساس وليس (اللفظ)‪،‬‬
‫والالكم ابلليغ ال يل بـ(املعىن) ىلع حساب (اللفظ)‪ ،‬بل َيمع بني مجال (املعىن) و(اللفظ)‪ ،‬فكيف بأبلغ الالكم القرآن‬
‫العظيم!‪.‬‬
‫كما سيأيت يف القاعدة رقم (‪( :)17‬اتلقديم ال يكون ألجل الفاصلة فقط)‪.‬‬
‫(‪ )2‬ـ باختصار من‪ :‬الربهان‪.238 :3 :‬‬
‫‪35‬‬
‫وتقديم السماء ىلع األرض يف اذلكر‪ ،‬وتقديم األرض عليها يف بعض اآلي‪ ،‬وحنو قوهل تعاىل‪:‬‬
‫ه‬
‫﴿سميع عليم﴾‪ ،‬ولم َيئ‪( :‬عليم سميع)‪ ،‬وكذلك‪﴿ :‬عزيز حكيم﴾‪ ،‬و﴿غفور رحيم﴾‪ ،‬وِف آية‬
‫ور﴾ إىل غري ذلك مما ال يكاد ينحرص‪ ،‬وليس َشء من ذلك يلو عن فائدة‬ ‫يم الغ هف ه‬
‫الرح ه‬
‫أخرى‪ ﴿ :‬ل‬

‫وحكمة‪ ،‬ألنه الكم احلكيم اخلبري‪.‬‬


‫ً‬
‫وسنقدم بني يدي اخلوض يف هذا الغرض أصال يقف بك ىلع األصح‪ ،‬ويرشدك بعون الل إىل‬
‫الطريق األوضح‪ ،‬فنقول‪:‬‬
‫ما تقدم من الالكم فتقديمه يف اللسان ىلع حسب تقدم املعاين يف اجلنان‪.‬‬
‫واملعاين تتقدم بأحد مخسة أشياء‪ :‬إما بالزمان‪ ،‬وإما بالطبع‪ ،‬وإما بالرتبة‪ ،‬وإما بالسبب وإما‬
‫بالفضل والكمال‪.‬‬
‫فإذا سبق معىن من املعاين إىل اخلدل والفكر بأحد ه األسباب اخلمسة‪ ،‬أو بأكرثها سبق اللفظ‬
‫ادلال ىلع ذلك املعىن السابق‪ ،‬ولان ترتيب األلفاظ حبسب ذلك‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬وربما َكن ترتيب األلفاظ حبسب اخلفة واثلقل ال حبسب املعىن‪.‬‬
‫كقوهل‪( :‬ربيعة ومرض) ولان تقديم مرض أوىل من جهة الفضل‪ ،‬ولكنهم آثروا اخلفة؛ ألنك لو‬
‫قدمت (مرض) يف اللفظ كرثت احلرلات وتوالت‪ ،‬فلما أخرت وقف عليها بالسكون‪.‬‬
‫ً‬
‫قلت‪ :‬ومن هذا انلحو (اجلن واإلنس)‪ ،‬فإن اإلنس أخف لفظا ملاكن انلون اخلفيفة والسني‬
‫املهموسة‪ ،‬فاكن تقديم األثقل أوىل بأول الالكم من األخف لنشاط املتلكم ومجاحه‪.‬‬
‫وأما يف القرآن فلحكمة أخرى سوى هذه قدم اجلن ىلع اإلنس يف األكرث واألغلب‪ ،‬وسنشري‬
‫إيلها يف آخر الفصل‪ ،‬إن شاء الل تعاىل‪.‬‬
‫وأما ما تقدم بتقدم الزمان فكـ (اعد وثمود)‪ ،‬و(الظلمات وانلور)‪.‬‬
‫فإن الظلمة سابقة للنور يف املحسوس واملعقول‪ ،‬وتقدمها يف املحسوس معلوم باخلرب املنقول‪،‬‬
‫وتقدم الظلمة املعقولة معلوم برضورة العقل‪.‬‬
‫ه‬ ‫ً‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫الل أخرجكم من هَ هطون أمهاتكم ال تعل همون شيئا وجعل لك هم‬ ‫قال سبحانه وتعاىل‪﴿ :‬و ه‬
‫ل‬
‫السمع واألبصار واألفئدة﴾ [انلحل‪.]78 :‬‬
‫وانتفاء العلم ظلمة معقولة‪ ،‬وه متقدمة بالزمان ىلع نور اإلدراَكت‪ ،‬وذللك قال سبحانه‬
‫ه ه‬
‫ات ثال ٍث﴾ [الزمر‪ ،]6 :‬فيه ثالث حمسوسات‪ :‬ظلمة الرحم‪ ،‬وظلمة ابلطن‪ ،‬وظلمة‬
‫وتعاىل‪﴿ :‬يف ظلم ٍ‬

‫‪36‬‬
‫املشيمة‪ ،‬وثالث معقوالت وه‪ :‬عدم اإلدراَكت اثلالثة املذكورة يف اآلية املتقدمة‪ ،‬إذ للك آية‬
‫ظهر وبطن‪ ،‬وللك حرف حد‪ ،‬وللك حد مطلع‪ ،‬قال يلع ريض الل عنه‪ :‬قال رسول الل صَّل الل‬
‫ه‬ ‫ل‬
‫إن الل خلق عباد هه يف هظلم ٍة‪ ،‬ث لم ألىق عليهم من نهوره) (‪.)1‬‬ ‫عليه وسلم‪( :‬‬
‫ه ه‬ ‫ه‬
‫ومن املتقدم بالطبع حنو‪﴿ :‬مثىن وثالث و هرباع﴾ [النساء‪ ،]3 :‬وحنوه‪﴿ :‬ما يكون من جنوى ثالث ٍة‬
‫ل ه‬
‫إال هو راب هع ههم﴾ [املجادلة‪ ]7 :‬اآلية‪.‬‬
‫وما يتقدم م ن األعداد بعضها ىلع بعض إنما يتقدم بالطبع كتقدم احليوان ىلع اإلنسان‪،‬‬
‫واجلسم ىلع احليوان‪.‬‬
‫عز فلما ل‬
‫عز حكم‪.‬‬ ‫ومن هذا ابلاب تقدم العزيز ىلع احلكيم‪ ،‬ألنه ل‬

‫وربما َكن هذا من تقدم السبب ىلع املسبب‪ ،‬ومثله كثري يف القرآن‬
‫ِّ‬ ‫ه‬ ‫والالكم‪ ،‬حنو قوهل‪ ﴿ :‬هُيب ل‬
‫اتل لواَني وُيب ال همتطهرين﴾ [ابلقرة‪ ،]222 :‬ألن اتلوبة سبب الطهارة‪،‬‬
‫ه ِّ ل‬
‫يم﴾ [الشعراء‪ ،]222 :‬ألن اإلفك سبب اإلثم‪.‬‬ ‫اك أث ٍ‬ ‫وكذلك‪﴿ :‬ك أف ٍ‬
‫يم﴾ [املطففني‪.]12 :‬‬ ‫ه ه‬
‫وكذلك‪﴿ :‬ك معت ٍد أث ٍ‬
‫ل‬ ‫ل‬
‫يم﴾ القلم‪ 11:‬فبالرتبة‪ ،‬ألن امليش مرتتب ىلع‬ ‫از﴾ ىلع ﴿مشا ٍء بنم ٍ‬ ‫وأما تقدم ﴿هم ٍ‬
‫از هو‪ :‬املغتاب‪ ،‬وذلك ال يفتقر إىل حركة وانتقال من موضعه‪ ،‬خبالف‬ ‫ل‬
‫القعود يف املاكن‪ ،‬والهم ٍ‬
‫انلميمة‪.‬‬
‫ً‬
‫وأما تقدم ﴿م لن ٍ‬
‫اع للخري﴾ ىلع ﴿ همعت ٍد﴾ [القلم‪ ]12 :‬فبالرتبة أيضا‪ ،‬ألن املناع يمنع خري نفسه‪،‬‬
‫واملعتدي يعتدي ىلع غريه‪ ،‬ونفسه يف الرتبة قبل غريه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ه ِّ‬ ‫ً‬ ‫ه‬
‫ومن املقدم بالرتبة قوهل تعاىل‪﴿ :‬يأتوك رجاال وىلع ك ضام ٍر﴾ [احلج‪ ،]27 :‬ألن اذلي يأيت راجال‬
‫يأيت من املاكن القريب‪ ،‬واذلي يأيت ىلع الضامر يأيت من املاكن ابلعيد‪ ،‬ىلع أنه قد روي عن ابن‬

‫(‪ )1‬ـ رواه الرتمذي يف كتاب اإليمان‪ ،‬باب ما جاء يف افرتاق األمة (‪ ،)2642‬وقال‪( :‬هذا حديث حسن)‪ ،‬ورواه أمحد يف‬
‫املسند (‪ ،)6644‬وابليهق يف السنن الكربى (‪ ،)18165‬واحلاكم يف املستدرك (‪ ،)83‬عن عبد الل بن عمرو بن العاص‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ً ل‬
‫مرفواع‪( :‬إن الل خلق خلق هه ِف هظلم ٍة ث لم ألىق عليهم من نوره فمن أصاب هه من ذلك انلور يومئ ٍذ َشء اهتدى ومن أخطأ هه‬
‫ه‬ ‫ه ه ل‬ ‫ل‬
‫ضل فذللك أقول جف القل هم ىلع علم الل)‪ ،‬وقال احلاكم‪( :‬هذا حديث صحيح قد تداو ههل األئ لمة‪ ،‬وقد احت لجا جبميع‬
‫ه ه لً‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫هل علة)‪ .‬وعلق ىلع ذلك اذلهيب‪( :‬ىلع رشطهما وال علة هل)‪.‬‬ ‫هرواته‪ ،‬ث لم لم ي ِّرج هاه‪ ،‬وال أعلم‬
‫‪37‬‬
‫ل‬ ‫ً‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫حججت راجال‪ ،‬ألن الل قدم الرجالة ىلع الركبان يف‬ ‫عباس ريض الل عنهما أنه قال‪( :‬وددت أين‬
‫القرآن) (‪.)1‬‬
‫فجعله ابن عباس ريض الل عنهما من تقديم الفاضل ىلع املفضول‪ ،‬واملعنيان موجودان‪.‬‬
‫وربما قدم اليشء ثلالثة معاين وأربعة ومخسة‪ ،‬وربما قدم ملعىن واحد من اخلمسة‪.‬‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫كم إىل المرافق وامس ه‬
‫حوا‬ ‫ومما قدم للفضل والرشف‪ :‬قوهل تعاىل‪﴿ :‬فاغسلوا هو هجوهكم وأيدي‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬
‫الصديقني﴾ [النساء‪.]69 :‬‬ ‫انلبيِّني و‬
‫كم﴾ [املائدة‪ ،]6 :‬وقوهل تعاىل‪﴿ :‬من ل‬ ‫ب هرؤوسكم وأرجل‬
‫ومنه تقديم (السمع) ىلع (ابلرص)‪ ،‬وتقديم (سميع) ىلع (بصري)‪.‬‬
‫ومنه تقديم (اجلن) ىلع (اإلنس) يف أكرث املواضع‪ ،‬ألن اجلن يشتمل ىلع املالئكة وغريهم مما‬
‫ً‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫اج نت ىلع األبصار‪ ،‬قال الل سبحانه وتعاىل‪﴿ :‬وجعلوا بينه وبني اجلنة نسبا﴾ [الصافات‪.]158 :‬‬
‫وقال األعَش‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وس لخر من ج ِّن املالئك تسعة ‪ ...‬قياما دليه يعملون بال أجر (‪.)2‬‬
‫ه‬ ‫ٌّ‬
‫وأما قوهل تعاىل‪﴿ :‬لم يطمث هه لن إنس قبل ههم وال جان﴾ [الرمحن‪ ،]74 :‬وقوهل تعاىل‪﴿ :‬فيومئ ٍذ ال يهسأل‬
‫ً‬ ‫ه‬ ‫ل ل‬ ‫ٌّ‬
‫عن ذنبه إنس وال جان﴾ [الرمحن‪ ،]39 :‬وقوهل‪﴿ :‬وأنا ظننا أن لن تقول اإلن هس واجلن ىلع الل كذبا﴾‬
‫[اجلن‪.]5 :‬‬
‫فإن لفظ اجلن هاهنا ال يتناول املالئكة حبال‪ ،‬لْناهتهم عن العيوب‪ ،‬وأنهم ال يتوهم عليهم‬
‫الكذب وال سائر اذلنوب‪.‬‬

‫ً ِّ‬ ‫(‪ )1‬ـ رواه اخلطيب ابلغدادي يف تاريخ بغداد ‪ ،416 :8‬ولفظه‪( :‬ما آىس ىلع َش ٍء إال أ ِّين لم أ هكن حجج ه‬
‫ت راجال ألين‬
‫ه‬ ‫ً‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫سمع ه‬
‫ت الل تعاىل يقول‪﴿ :‬يأتوك رجاال﴾‪ ،‬وهكذا َكن يقرؤها)‪ .‬ورواه الفاكهاين باختالف يسري يف أخبار مكة ‪،395 :1‬‬
‫(‪.)840‬‬
‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫ل‬
‫ورواه ابليهق يف شعب اإليمان ‪ )3694( ،444 :5‬بلفظ‪( :‬ما آىس ىلع َش ٍء فاتين من ادلنيا إال أين لم أ هح لج ماشيا ح لىت‬
‫ه ِّ‬ ‫ً‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫أدركين الكرب‪ ،‬أسم هع ه‬
‫الل تعاىل يقول‪﴿ :‬يأتوك رجاال وىلع ك ضام ٍر﴾)‪.‬‬
‫ل‬ ‫ً‬
‫(‪ )2‬ـ لم أجده يف ديوان األعَش‪ ،‬ونسبه لألعَش‪ :‬ابن األنباري يف كتابه‪ :‬األضداد‪ ،335 :‬فقال‪ :‬ويدل أيضا ىلع أن‬
‫جن قول األعَش يف ذكره هسليمان بن داود عليهما ل‬
‫السالم‪:‬‬ ‫املالئكة يقال هلم ّ‬
‫ه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫سليمان الربيء من ل‬
‫ادلهر‬ ‫لو َكن شيئا خادلا همع لمرا ‪ ...‬لاكن‬
‫ه‬ ‫ل‬
‫براه إليه واصطفاه عباد هه ‪ ...‬وملكه ما بيت ترين إىل مرص‬
‫ه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬
‫وسخر من ج ّن املالئك تسعة ‪ ...‬قياما دليه يعملون بال أجر‬
‫ونسبه كذلك لألعَش‪ :‬ابن سيده يف كتابه املحكم واملحيط األعظم ‪.216 :7‬‬
‫‪38‬‬
‫فلما لم يتناوهلم عموم لفظ اجلن‪ ،‬هلذه القرينة‪ ،‬بدأ بلفظ اإلنس لفضلهم وكماهلم (‪.)1‬‬
‫ً‬
‫وأما تقديم (السماء) ىلع (األرض) فبالرتبة أيضا وبالفضل والرشف‪.‬‬
‫وأما تقديم (األرض) من قوهل تعاىل‪﴿ :‬وما يع هز هب عن ر ِّبك من مثقال ذ لر ٍة يف األرض وال يف‬
‫ل‬
‫السماء﴾ يونس‪ 61 :‬فبالرتبة‪ ،‬ألنها منتظمة بذكر ما ه أقرب إيله‪ ،‬وهم املخاطبون بقوهل تعاىل‪﴿ :‬وال‬
‫ه‬
‫تعملون من عم ٍل﴾ [يونس‪.]61 :‬‬
‫فاقتىض حسن انلظم تقديمها مرتبة يف اذلكر مع املخاطبني اذلين هم أهلها‪ ،‬خبالف اآلية اليت‬
‫يف (سبأ)‪ ،‬فإنها منتظمة بقوهل تعاىل‪﴿ :‬اعلم الغيب﴾ سبأ‪.3 :‬‬
‫وأما تقديم املال ىلع الودل يف كثري من اآلي‪ ،‬فألن الودل بعد وجود املال نعمة ومرسة‪ ،‬وعند‬
‫الفقر وسوء احلا ل هم ومرضة‪ ،‬فهذا من تقديم السبب ىلع املسبب‪ ،‬ألن املال سبب تمام انلعمة‬
‫بالودل‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ل‬
‫وأما قوهل تعاىل‪ ﴿ :‬هحب الشهوات من النساء وابلنني﴾ [آل عمران‪ ،]14 :‬فتقديم النساء ىلع ابلنني‬
‫بالسبب‪ ،‬وتقديم ابلنني ىلع األموال بالرتبة‪.‬‬
‫ومما قدم بالرتبة ذكر بالسمع والعلم من قوهل تعاىل‪﴿ :‬سميع عليم﴾‪ ،‬حيث وقع‪ ،‬فإنه خرب‬
‫يتضمن اتلخويف واتلهديد‪ ،‬فبدأ بالسمع تلعلقه بما قرب َكألصوات وهمس احلرلات‪ ،‬فإن من‬
‫يسمع حسك وخف صوتك أقرب إيلك ـ يف العادة ـ ممن يقال لك‪ :‬إنه يعلم‪ ،‬وإن َكن علم ابلاري‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫سبحانه متعلقا بما ظهر وبطن‪ ،‬وواقعا ىلع ما قرب وشطن‪ ،‬ولكن ذي السميع أوقع يف باب‬
‫اتلخويف من ذلك العليم فهو أوىل باتلقديم‪.‬‬

‫ً‬ ‫ل‬
‫(‪ )1‬ـ قال اإلمام صالح ادلين العاليئ ادلمشق (املتوّف‪761 :‬ه) تعقيبا ىلع ذلك‪( :‬قلت‪ :‬وهذا يرد عليه قوهل تعاىل‪﴿ :‬يا‬
‫كم ي هقصون علي ه‬ ‫كم هر هسل من ه‬ ‫مـعرش اجل ِّن واإلنس ألم يأت ه‬
‫كم آيايت﴾ األنعام‪ ،130 :‬فإن املالئكة ال يدخلون يف لفظ‬
‫ل‬ ‫ً‬
‫اجلن يف هذه اآلية قطعا‪ ،‬وقد قدمهم يف اللفظ‪.‬‬
‫فاذلي يظهر أن تقديم اجلن ىلع اإلنس من اتلقدم بالزمان؛ ألنهم خلقوا قبل بين آدم‪ ،‬وحيث قدم اإلنس يف تلك اآليات‬
‫ً‬
‫يكون تقديما بالرشف والكمال‪.‬‬
‫ً‬
‫وهذا كما يف تقديم السماء ىلع األرض َغبلا فإنه بالفضل والرشف‪ ،‬وقدمت األرض عليها يف مثل قوهل‪﴿ :‬وما يع هز هب‬
‫السماء﴾ يونس‪ ،61 :‬بالرتبة؛ ألنها مسوقة إلحصاء أعمال املخاطبني ملا تقدم‬ ‫عن ر ِّبك من مثقال ذ لرة يف األرض وال يف ل‬
‫ٍ‬
‫ه ه ه ً‬ ‫ل له‬ ‫ه‬
‫من قوهل‪﴿ :‬وال تعملون من عم ٍل إال كنا عليكم شهودا﴾ يونس‪ ،61 :‬فناسب ذلك هنا تقديم األرض اليت هم أهلها‬
‫ومستقرون فيها‪ ،‬وه أقرب إيلهم من السماء)‪ .‬الفصول املفيدة يف الواو املزيدة‪.115 :‬‬
‫‪39‬‬
‫الرحيم﴾ فهو أوىل بالطبع؛ ألن املغفرة سالمة والرمحة غنيمة‪،‬‬‫وأما تقديم ﴿الغ هفور﴾ ىلع ﴿ ل‬
‫ِّ‬
‫والسالمة مطلوبة قبل الغنيمة‪ ،‬أال ترى لقوهل عليه السالم لعمرو بن العاص ريض الل عنه‪( :‬إين‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫أر ه‬
‫يد أن أَعثك وجها فيهسلمك الل و هيغنمك‪ ،‬وأرغ هب لك من المال رغبة صاحلة) (‪.)1‬‬
‫فهذا من الرتتيب ابلديع‪ ،‬بدأ بالسالمة قبل الغنيمة‪ ،‬وبالغنيمة قبل الكسب‪ ،‬والعطية األوىل‬
‫من اتلقدم بالطبع‪ ،‬واثلانية من اتلقدم بالسبب‪.‬‬
‫يم الغ هف ه‬
‫ور﴾ يف سبأ‪ ،2 :‬فالرمحة هناك متقدمة ىلع املغفرة‪ ،‬إما بالفضل‬ ‫وأما قوهل‪﴿ :‬و ههو ل‬
‫الرح ه‬

‫والكمال‪ ،‬وإما بالطبع‪ ،‬ألنها منتظمة بذكر أوصاف اخللق من امللكفني وغريهم من احليوان‪ ،‬فالرمحة‬
‫تشمهلم واملغفرة ختصهم‪ ،‬والعموم بالطبع قبل اخلصوص كقوهل تعاىل‪﴿ :‬فيهما فاكهة وخنل‬
‫ل‬
‫و هرمان﴾ [الرمحن‪.]68 :‬‬
‫ً‬
‫وكقوهل تعاىل‪﴿ :‬من َكن ع هد ّوا ِل ومالئكته و هر هسله وجربيل ومياكل﴾ [ابلقرة‪.]98 :‬‬
‫افتتح بالعموم‪ ،‬اذلي هو متقدم بالطبع ىلع اخلصوص‪.‬‬
‫جدي واركيع مع ل‬
‫الراكعني﴾ [آل عمران‪ ،]43 :‬ألن السجود أفضل‪،‬‬ ‫ومما قدم للفضل قوهل‪﴿ :‬واس ه‬
‫ه ه‬
‫ون العب هد من ر ِّبه و ههو ساجد) (‪.)2‬‬ ‫قال عليه السالم‪( :‬أقر هب ما يك‬
‫فإن قيل‪ :‬فالركوع قبل السجود بالزمان والطبع والعادة ألنه انتقال من علو إىل اخنفاض والعلو‬
‫بالطبع قبل االخنفاض فهال قدم يف اذلكر ىلع السجود هلاتني العلتني؟‬
‫فاجلواب أن يقال هلذا السائل‪ :‬انتبه ملعىن هذه اآلية من قوهل‪﴿ :‬واركيع مع ل‬
‫الراكعني﴾‪ ،‬ولم‬
‫يقل‪ :‬اسجدي مع الساجدين‪ ،‬فإنما عرب بالسجود عن الصالة لكها‪ ،‬وأراد صالتها يف بيتها‪ ،‬ألن‬
‫صالة املرأة يف بيتها أفضل هلا من صالتها مع قومها‪.‬‬
‫ً‬ ‫ثم قال هلا‪﴿ :‬واركيع مع ل‬
‫الراكعني﴾‪ ،‬أي‪ :‬صيل مع املصلني يف بيت املقدس‪ ،‬ولم يرد أيضا‬
‫الركوع وحده دون سائر أجزاء الصالة‪ ،‬ولكنه عرب بالركوع عن الصالة لكها‪ ،‬كما تقول‪ :‬ركعت‬
‫ركعتني وركعت أربع ركعات‪ ،‬إنما تريد الصالة ال الركوع بمجرده‪ ،‬فصارت اآلية متضمنة‬
‫لصالتني‪ :‬صالتها وحدها‪ ،‬عرب عنها بالسجود؛ ألن السجود أفضل حاالت العبد‪ ،‬وكذلك صالة‬

‫(‪ )1‬ـ رواه أمحد يف املسند (‪ ،)17802‬وابن حبان يف صحيحه (‪ ،)3211‬وأبو داود الطياليس يف مسنده (‪ ،)1061‬وأبو يعَّل‬
‫مسنده (‪.)7336‬‬
‫(‪ )2‬ـ رواه مسلم يف كتاب الصالة‪ ،‬باب ما يقال يف الركوع والسجود (‪.)1111‬‬
‫‪40‬‬
‫املرأة يف بيتها أفضل هلا‪ ،‬ثم صالتها يف املسجد عرب عنها بالركوع‪ ،‬ألنه يف الفضل دون السجود‪،‬‬
‫وكذلك صالتها مع املصلني دون صالتها وحدها يف بيتها وحمرابها‪ ،‬وهذا نظم بديع وفقه دقيق‪،‬‬
‫وبالل اتلوفيق‪.‬‬
‫وهذه نبذ تشري لك إىل ما وراء‪ ،‬أو تنبذن وأنت صحيح بالعراء‪ ،‬إن شاء الل تعاىل‪.‬‬
‫ل‬ ‫ومما يليق ذكره بهذا ابلاب ما تضمنه قوهل تعاىل‪﴿ :‬وط ِّهر بييت ل ل‬
‫لطائفني والقائمني والركع‬
‫ً‬ ‫الس ه‬
‫جود﴾ [احلج‪ ]26 :‬من احلكم ابلاهرة‪ ،‬والفوائد ابلاطنة والظاهرة‪ ،‬فإنه تعاىل بدا بالطائفني للرتبة‬
‫والقرب من ابليت املأمور بتطهريه من أجل الطوافني‪ ،‬ومجعهم مجع السالمة‪ ،‬ألن مجع السالمة‬
‫أدل ىلع لفظ الفعل اذلي هو علة يتعلق بها حكم اتلطهري‪ ،‬ولو قال ماكن الطائفني‪ :‬الطواف‪ ،‬لم‬
‫يكن يف هذا اللفظ من بيان قصد الفعل ما يف قوهل‪( :‬الطائفني) ‪.‬‬
‫أال ترى أنك تقول‪ :‬يطوفون‪ ،‬كما تقول‪ :‬طائفون‪ ،‬فاللفظ مضارع للفظ‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬فهال أيت بلفظ الفعل بعينه فيكون أبني‪ ،‬فيقول‪ :‬طهر بييت لذلين يطوفون؟‬
‫فاجلواب‪ :‬أن احلكم معلل بالفعل ال بذوات األشخاص‪.‬‬
‫ولفظ (اذلين) ينبئ عن الشخص واذلات‪ ،‬ولفظ (الطواف) يف معىن الفعل وال يبينه‪ ،‬فاكن‬
‫لفظ (الطائفني) أوىل بهذا املوطن‪.‬‬
‫ه‬ ‫ل‬
‫ثم يليه يف الرتتيب (القائمني)‪ ،‬ألنه يف معىن العاكفني‪ ،‬وهو يف معىن قوهل تعاىل‪﴿ :‬إال ما دمت‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫عليه قائما﴾ [آل عمران‪ ،]75 :‬أي‪ :‬مثابرا مالزما‪ ،‬وهو َكلطائفني يف تعلق حكم اتلطهري به‪ ،‬ثم يليه‬
‫بالرتبة لفظ الركع‪ ،‬ألن املستقبلني ابليت بالركوع ال يتصون بما قرب منه َكلطائفني والعاكفني‪،‬‬
‫وذللك لم يتعلق حكم انلطهري بهذا الفعل اذلي هو الركوع‪ ،‬وأنه ال يلزم أن يكون يف ابليت‬
‫وال عنده‪ ،‬فذللك لم َيئ بلفظ اجلمع املسلم‪ ،‬إذ ال ُيتاج فيه إىل بيان لفظ الفعل كما احتيج فيما‬
‫قبله‪.‬‬
‫ثم وصف الركع بالسجود‪ ،‬ولم يعطف بالواو كما عطف ما قبله‪ ،‬ألن الركع هم السجود‪،‬‬
‫واليشء ال يعطف بالواو ىلع نفسه‪ ،‬ولفائدة أخرى‪ ،‬وهو أن (السجود) يف األغلب عبارة عن‬
‫املصدر‪ ،‬واملراد به هاهنا اجلمع‪ ،‬فلو عطفت بالواو تلوهم أنه يريد السجود اذلي هو املصدر دون‬
‫االسم اذلي هو انلعت‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫وفائدة ثاثلة‪ ،‬وهو أن الراكع إن لم يسجد فليس براكع يف حكم الرشيعة‪ ،‬فلو عطفت بالواو‬
‫تلوهم أن الركوع حكم َيري ىلع حياهل‪.‬‬
‫ل‬
‫جود﴾ ىلع وزن فعول‪ ،‬ولم يقل الس لجد كما قال‪ :‬الركع‪ ،‬وكما قال يف‬ ‫فإن قيل‪ :‬فلم قال‪﴿ :‬الس ه‬
‫ً‬ ‫ه ل ً‬
‫﴿ركعا هس لجدا﴾ [الفتح‪]29 :‬؟‬ ‫آية أخرى‪:‬‬
‫وما احلكمة يف مجع ساجد ىلع سجود‪ ،‬ولم َيمع راكع ىلع ركوع؟‬
‫فاجلواب‪ :‬أن السجود ‪ -‬يف أصل موضوعه ‪ -‬عبارة عن الفعل‪ ،‬وهو يف معىن اخلشوع واخلضوع‪،‬‬
‫وهو يتناول السجود الظاهر وابلاطن‪ ،‬ولو قال‪( :‬الس لجد) مجع ساجد لم يتناول إىل املعىن الظاهر‪.‬‬
‫ً‬ ‫ل ً‬ ‫ه‬ ‫ل‬
‫وكذلك الركع‪ ،‬أال تراه يقول‪﴿ :‬تراهم هركعا هس لجدا﴾‪ :‬يعين رؤية العني‪ ،‬وه ال تتعلق إال‬
‫بالظاهر‪ ،‬واملقصود هاهنا الركوع الظاهر‪ ،‬لعطفه ىلع ما قبله مما يراد به قصد ابليت‪ ،‬وابليت ال‬
‫يتوجه إيله إال بالعمل الظاهر‪ ،‬وأما اخلشوع واخلضوع اذلي يتناوهل لفظ الركوع‪ ،‬دون لفظ الركع‬
‫ً‬
‫فليس مرشوطا باتلوجه إىل ابليت‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وأما السجود فمن حيث أنبأ عن املعىن ابلاطن‪ ،‬جعل وصفا للركع ومتمما ملعناه‪ ،‬إذ ال يصح‬
‫ً‬
‫الركوع الظاهر إال بالسجود ابلاطن‪ ،‬ومن حيث تناول لفظه أيضا السجود الظاهر اذلي يشرتط‬
‫ً‬
‫فيه اتلوجه إىل ابليت‪ ،‬حسن انتظامه أيضا بما قبله‪ ،‬مما هو معطوف ىلع الطائفني اذلين ذكرهم‬
‫ه‬
‫بذكر ابليت‪ ،‬فمن حلظ هذه املعاين بقلبه‪ ،‬وتدبر هذا انلظم ابلديع بلبِّه‪ ،‬ترفع يف معرفة اإلعجاز‬
‫عن اتلقليد‪ ،‬وأبرص بعني ايلقني أنه تْنيل من حكيم محيد) (‪.)1‬‬
‫قال اإلمام ابن القيم يف بدائع الفوائد بعد أن نقل هذا الالكم للسهييل‪:‬‬
‫(قلت‪ :‬وقد تولج رمحه الل مضائق تضايق عنها أن توجلها اإلبر‪ ،‬وأىت بأشياء حسنة‪ ،‬وبأشياء‬
‫غريها أحسن منها (‪ ،)2‬فأما تعليله تقديم ربيعة ىلع مرض فف َغية احلسن‪ ،‬وهذان االسمان‬
‫تلالزمهما يف الغالب صارا َكسم واحد‪ ،‬فحسن فيهما ما ذكره‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ نتائج الفكر يف انلحو للسهييل‪.208 :‬‬


‫(‪ )2‬ـ لل در اإلمام ابن القيم رمحه الل ما ألطف أسلوبه وما أحسن أدبه‪ ،‬إذ قال‪( :‬وأىت بأشياء حسنة‪ ،‬وبأشياء غريها‬
‫أحسن منها)‪ ،‬فلم يقل و(بأشياء سيئة أو خاطئة)‪ ،‬بل قال‪( :‬غريها أحسن منها)‪.‬‬
‫وكذلك قال يف آخر الكمه عن هذا املوضوع‪( :‬فهذا تمام الالكم ىلع ما ذكره من األمثلة‪ ،‬وهل رمحه الل مزيد السبق وفضل‬
‫اتلقدم)‪.‬‬
‫‪42‬‬
‫وأما ما ذكره يف تقديم اجلن ىلع اإلنس من رشف اجلن فمستدرك عليه‪ ،‬فإن اإلنس أرشف من‬
‫اجلن من وجوه عديدة‪ ،‬وقد ذكرناها يف غري هذا املوضع تفضيل اإلنس ىلع املالئكة‪.‬‬
‫وأما قوهل‪ :‬إن املالئكة أفضل أو هم أرشف‪ ،‬فاملقدمتان ممنوعتان‪ ،‬أما األول فألن أصل‬
‫ً‬
‫املالئكة ومادتهم اليت خلقوا منها ه انلور‪ ،‬كما ثبت ذلك مرفواع عن انليب يف صحيح مسلم‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وأما اجلان فمادتهم انلار بنص القرآن‪ ،‬وال يصح اتلفريق بني اجلن واجلان لغة وال رشاع وال عقال‪.‬‬
‫ً‬
‫وأما املقدمة اثلانية وه كون املالئكة خريا وأرشف من اإلنس‪ ،‬فيه املسألة املشهورة وه‬
‫تفضيل املالئكة أو البرش‪ ،‬واجلمهور ىلع تفضيل البرش‪ ،‬واذلين فضلوا املالئكة هم املعزتلة‬
‫والفالسفة وطائفة ممن عداهم‪ ،‬بل اذلي ينبيغ أن يقال يف اتلقديم هنا أنه تقديم بالزمان لقوهل‬
‫ه‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫ون‪ .‬واجلان خلقن هاه من قبل من نار‬‫ال من مح ٍإ مسن ٍ‬
‫تعاىل‪﴿ :‬ولقد خلقنا اإلنسان من صلص ٍ‬
‫الس هموم﴾ [احلجر ‪26‬ـ ‪.]27‬‬
‫ل‬

‫تقديم اإلنس ىلع اجلن‪:‬‬


‫ٌّ‬
‫وأما تقديم اإلنس ىلع اجلن يف قوهل‪﴿ :‬لم يطمث هه لن إنس قبل ههم وال جان﴾ [الرمحن‪ ]74 :‬فلحكمة‬
‫أخرى سوى ما ذكره‪ ،‬وهو أن انلف تابع ملا تعقله القلوب من اإلثبات‪ ،‬فريد انلف عليه‪ ،‬وعلم‬
‫انلفوس بطمث اإلنس ونفرتها ممن طمثها الرجال هو املعروف‪ ،‬فجاء انلف ىلع مقتىض ذلك‪ ،‬ولان‬
‫تقديم اإلنس يف هذا انلف أهم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ه‬ ‫ل ل‬
‫وأما قوهل‪﴿ :‬وأنا ظننا أن لن تقول اإلن هس واجلن ىلع الل كذبا﴾ [اجلن‪ ،]5 :‬فهذا يعرف رسه من‬
‫ل له‬ ‫ه ه‬
‫السياق‪ ،‬فإن هذا حاكية الكم مؤمين اجلن حني سماع القرآن‪ ،‬كما قال تعاىل‪﴿ :‬قل أويح إيل أنه‬
‫ً‬ ‫ه ً‬ ‫ه ل‬
‫استمع نفر من اجل ِّن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا﴾ [اجلن‪ ]1 :‬اآليات‪.‬‬
‫ولان القرآن أول ما خوطب به اإلنس ونزل ىلع نبيهم‪ ،‬وهم أول من بدأ باتلصديق واتلكذيب‬
‫ً‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫قبل اجلن‪ ،‬فجاء قول مؤمين اجلن‪﴿ :‬وأنا ظننا أن لن تقول اإلن هس واجلن ىلع الل كذبا﴾ بتقديم‬
‫اإلنس‪ ،‬تلقدمهم يف اخلطاب بالقرآن‪ ،‬وتقديمهم يف اتلصديق واتلكذيب‪.‬‬
‫وفائدة أخرى‪ :‬وه أن هذا حاكية الكم مؤمين اجلن لقومهم بعد أن رجعوا إيلهم‪ ،‬فأخربوهم‬
‫ً‬
‫بما سمعوا من القرآن وعظمته وهدايته إىل الرشد‪ ،‬ثم اعتذروا عما َكنوا يعتقدونه أوال خبالف ما‬
‫ً‬
‫سمعوه من الرشد‪ ،‬بأنهم لم يكونوا يظنون أن اإلنس واجلن يقولون ىلع الل كذبا‪ ،‬فذكرهم اإلنس‬

‫‪43‬‬
‫هنا يف اتلقديم أحسن يف ادلعوة وأبلغ يف عدم اتلهمة‪ ،‬فإنهم خالفوا ما َكنوا يسمعونه من اإلنس‬
‫واجلن ملا تبني هلم كذبهم‪.‬‬
‫فبداءتهم بذكر اإلنس أبلغ يف نف الغرض واتلهمة‪ ،‬وأن ال يظن بهم قومهم أنهم ظاهروا اإلنس‬
‫عليهم‪ ،‬فإنهم أول ما أقروا بتقوهلم الكذب ىلع الل تعاىل‪ ،‬وهذا من ألطف املعاين وأدقها‪ ،‬ومن‬
‫تأمل مواقعه يف اخلطاب عرف صحته‪.‬‬
‫وأما تقديم اعد ىلع ثمود حيث وقع يف القرآن‪ ،‬فما ذكره من تقدمهم بالزمان فصحيح‪ ،‬وكذلك‬
‫الظلمات وانلور‪ ،‬وكذلك مثىن وبابه‪.‬‬
‫وأما تقديم العزيز ىلع احلكيم‪ ،‬فإن َكن من احلكم وهو الفصل واألمر فما ذكره من املعىن‬
‫صحيح‪.‬‬
‫و إن َكن من احلكمة وه كمال العلم واإلرادة املتضمنني اتساق صنعه وجريانه ىلع أحسن‬
‫الوجوه وأكملها ووضعه األشياء مواضعها‪ ،‬وهو الظاهر من هذا االسم‪ ،‬فيكون وجه اتلقديم أن‬
‫العزة كمال القدرة واحلكمة كمال العلم‪ ،‬وهو سبحانه املوصوف من ك صفة كمال بأكملها‬
‫وأعظمها وَغيتها‪ ،‬فتقدم وصف القدرة؛ ألن متعلقه أقرب إىل مشاهدة اخللق وهو مفعوالته تعاىل‬
‫وآياته‪.‬‬
‫ً‬
‫وأما احلكمة فمتعلقها بانلظر والفكر واالعتبار َغبلا‪ ،‬ولانت متأخرة عن متعلق القدرة‪.‬‬
‫وجه ثان‪ :‬أن انلظر يف احلكمة بعد انلظر يف املفعول والعلم به‪ ،‬فينتقل منه إىل انلظر فيما‬
‫أودعه من احلكم واملعاين‪.‬‬
‫وجه ثالث‪ :‬أن احلكمة َغية الفعل‪ ،‬فيه متأخرة عنه تأخر الغايات عن وسائلها‪ ،‬فالقدرة تتعلق‬
‫بإَياده‪ ،‬واحلكمة تتعلق بغايته‪ ،‬فقدم الوسيلة ىلع الغاية؛ ألنها أسبق يف الرتتيب اخلاريج‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ه‬ ‫وأما قوهل تعاىل‪ ﴿ :‬هُيب ل‬
‫اتل لواَني وُيب ال همتطهرين﴾ [ابلقرة‪ ،]222 :‬ففيه معىن آخر سوى ما ذكره‪،‬‬
‫وهو أن الطهر طهران‪ :‬طهر باملاء من األحداث وانلجاسات‪ ،‬وطهر باتلوبة من الرشك واملعايص‪،‬‬
‫وهذا الطهور أصل لطهور املاء‪ ،‬وطهور املاء ال ينفع بدونه‪ ،‬بل هو مكمل هل معد مهيأ حبصوهل‪،‬‬
‫فاكن أوىل؛باتلقديم ألن الع بد أول ما يدخل يف اإلسالم‪ ،‬فقد تطهر باتلوبة من الرشك ثم يتطهر‬
‫باملاء من احلدث‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫ه ِّ ل‬
‫يم﴾ [الشعراء‪ ]222 :‬فاإلفك هو الكذب‪ ،‬وهو يف القول‪ ،‬واإلثم هو الفجور‬
‫اك أث ٍ‬
‫وأما قوهل ﴿ك أف ٍ‬
‫ل‬
‫وهو يف الفعل الكذب يدعو إىل الفجور‪ ،‬كما يف احلديث الصحيح‪( :‬وإن الكذب يهدي إىل‬
‫جور يهدي إىل ل‬
‫انلار) (‪ ،)1‬فاذلي قاهل صحيح‪.‬‬ ‫جور‪ ،‬وإ لن ال هف ه‬
‫ال هف ه‬

‫يم﴾ [املطففني‪ ،]12 :‬وهو أن العدوان ُماوزة احلد اذلي حد للعبد‪،‬‬ ‫ه ه‬


‫معىن ثان يف قوهل‪﴿ :‬ك معت ٍد أث ٍ‬
‫فهو ظلم يف القدر والوصف‪ ،‬وأما اإلثم فهو حمرم اجلنس‪ ،‬ومن تعاىط تعدي احلدود ختطى إىل‬
‫اجلنس اآلخر وهو اإلثم‪.‬‬
‫ً‬
‫معىن ثالث وهو أن املعتدي الظالم لعباد الل تعاىل عدوانا عليهم‪ ،‬واألثيم الظالم نلفسه‬
‫ً‬
‫بالفجور‪ ،‬فاكن تقديمه هنا ىلع األثيم أوىل؛ ألنه يف سياق ذمه وانليه عن طاعته‪ ،‬فمن َكن معتديا‬
‫ً‬
‫ىلع العباد‪ ،‬ظاملا هلم‪ ،‬فهو أحرى بأن ال تطيعه وتوافقه‪.‬‬
‫معىن رابع‪ :‬وهو أنه قدمه ىلع األثيم يلقرتن بما قبله‪ ،‬وهو وصف املنع للخري‪ ،‬فوصفه بأنه ال‬
‫ً‬
‫خري فيه للناس‪ ،‬وأنه مع ذلك معتد عليهم‪ ،‬فهو متأخر عن املناع؛ ألنه يمنع خريه أوال ثم يعتدي‬
‫ً‬
‫عليهم ثانيا‪ ،‬وهلذا ُيمد انلاس من يوجد هلم الراحة ويكف عنهم األذى‪ ،‬وهذا هو حقيقة‬
‫اتلصوف‪ ،‬وهذا ال راحة يوجدها‪ ،‬وال أذى يكفه‪.‬‬
‫تقديم هماز ىلع مشاء بنميم‪:‬‬
‫ل‬ ‫وأما تقديم ﴿ه ل‬
‫از﴾ ىلع ﴿مشا ٍء بنميم﴾ ففيه آخر غري ما ذكره‪ ،‬وهو أن همزه عيب للمهموز‬ ‫ٍ‬ ‫م‬
‫وإزراء به‪ ،‬وإظهار لفساد حاهل يف نفسه‪ ،‬فإن قال يتص باملهموز ال يتعداه إىل غريه‪ ،‬وامليش‬
‫بانلميمة يتعداه إىل من ينم عنده‪ ،‬فهو رضر متعد‪ ،‬واهلمز رضره الزم للمهموز إذا شعر به ما ينقل‬
‫من األذى الالزم إىل األذى املتعدي املنترش‪.‬‬
‫تقديم الرجال ىلع الركبان‪:‬‬
‫وأما تقديم الرجال ىلع الركبان ففيه فائدة جليلة‪ ،‬وه أن الل تعاىل رشط يف احلج‪ :‬االستطاعة‪،‬‬
‫وال بد من السفر إيله لغالب انلاس‪ ،‬فذكر نويع احلجاج لقطع توهم من يظن أنه ال َيب إال ىلع‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫راكب‪ ،‬وقدم الرجال اهتماما بهذا املعىن وتأكيدا‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ رواه ابلخاري يف كتاب األدب‪ ،‬باب قول الل تعاىل‪﴿ :‬يا أيها لاذلين آمنهوا لات هقوا الل و هكونهوا مع ل‬
‫الصادقني﴾ [اتلوبة‪:‬‬
‫‪ ،]119‬ومسلم يف كتاب الرب والصلة واألدب‪ ،‬باب قبح الكذب وحسن الصدق وفضله (‪.)6803‬‬
‫‪45‬‬
‫ً‬
‫ومن انلاس من يقول‪ :‬قدمهم جربا هلم؛ ألن نفوس الركبان تزدريهم وتوخبهم‪ ،‬وتقول إن الل‬
‫ً‬
‫تعاىل لم يكتبه عليكم ولم يرده منكم‪ ،‬وربما توهموا أنه غري نافع هلم‪ ،‬فبدأ به جربا هلم ورمحة‪.‬‬
‫تقديم غسل الوجه‪:‬‬
‫وأما تقديم غسل الوجه ثم ايلد ثم مسح الرأس ثم الرجلني يف الوضوء‪ ،‬فمن يقول إن هذا‬
‫الرتتيب واجب‪ ،‬وهو الشافيع وأمحد بن حنبل ريض الل عنهما ومن وافقهما‪ ،‬فاآلية عندهم‬
‫ً‬
‫اقتضت اتلقديم وجوبا لقرائن عديدة‪:‬‬
‫ً‬
‫أحدها‪ :‬أنه أدخل ممسوحا بني مغسولني‪ ،‬وقطع انلظري عن نظريه‪ ،‬ولو أريد اجلمع املطلق لاكن‬
‫املناسب أن يذكر املغسوالت متسقة يف انلظم واملمسوح بعدها‪ ،‬فلما عدل إىل ذلك دل ىلع وجوب‬
‫ترتيبها ىلع الوجه اذلي ذكره الل‪.‬‬
‫اثلاين‪ :‬أن ه ذه األفعال ه أجزاء فعل واحد مأمور به وهو الوضوء‪ ،‬فدخلت الواو اعطفة‬
‫ألجزائه بعضها ىلع بعض‪ ،‬والفعل الواحد ُيصل من ارتباط أجزائه بعضها ببعض‪ ،‬فدخلت الواو‬
‫بني األجزاء للربط‪ ،‬فأفادت الرتتيب إذ هو الربط املذكور يف اآلية‪ ،‬وال يلزمه من كونها ال تفيد‬
‫الرتتيب بني أ فعال ال ارتباط بينها‪ ،‬حنو (أقيموا الصالة وآتوا الزلاة) أن ال تفيده بني أجزاء فعل‬
‫مرتبطة بعضها ببعض‪ ،‬فتأمل هذا املوضع ولطفه‪.‬‬
‫وهذا أحد األقوال اثلالثة يف إفادة الواو للرتتيب‪ ،‬وأكرث األصويلني ال يعرفونه وال ُيكونه‪،‬‬
‫وهو قول ابن أ يب موىس من أصحاب أمحد ولعله أرجح األقوال‪.‬‬
‫اثلالث‪ :‬أن بلداءة الرب تعاىل بالوجه دون سائر األعضاء خاصة‪ ،‬فيجب مرااعتها وأن ال تلىغ‬
‫وتهدر‪ ،‬فيهدر ما اعتربه الل تعاىل‪ ،‬ويؤخر ما قدمه الل‪ ،‬وقد أشار انليب إىل أن ما قدمه الل فإنه‬
‫ينبيغ تقديمه وال يؤخر بل يقدم ما قدمه الل ويؤخر ما أخره الل تعاىل‪.‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫(‪)1‬‬
‫فلما طاف بني الصفا واملروة بدأ بالصفا وقال‪( :‬أبدأ بما بدأ الل به) ‪ ،‬وِف رواية للنسايئ‪:‬‬
‫ً‬
‫(ابدؤوا بما بدأ الل به)‪ ،‬ىلع األمر‪ ،‬فتأمل بداءته بالصفا معلال ذلك بكون الل تعاىل بدأ به‪ ،‬فال‬
‫ينبيغ تأخريه‪ ،‬وهكذا يقول املرتبون للوضوء سواء‪ ،‬حنن نبدأ بما بدأ الل به وال َيوز تأخري ما قدمه‬
‫الل تعاىل ويتعني ابلداءة بما بدأ الل تعاىل به‪ ،‬وهذا هو الصواب ملواظبة املبني عن الل تعاىل مراده‬
‫ً‬
‫ىلع الوضوء املرتب‪ ،‬فاتفق مجيع من نقل عنه وضوءه لكهم ىلع إيقاعه مرتبا‪ ،‬ولم ينقل عنه أحد‬

‫ل‬ ‫ل ل ِّ ل‬
‫صَّل ه‬
‫الل عليه وسلم (‪.)1218‬‬ ‫(‪ )1‬ـ رواه مسلم يف كتاب احلج‪ ،‬باب حجة انليب‬
‫‪46‬‬
‫ً‬
‫قط أنه أخل بالرتتيب مرة واحدة‪ ،‬فلو َكن الوضوء املنكوس مرشواع لفعله ولو يف عمره مرة واحدة‬
‫تلبيني جوازه ألمته‪ ،‬وهذا حبمد الل أوضح‪.‬‬
‫تقديم انلبيني ىلع الصديقني‪:‬‬
‫ً‬
‫فأما تقديم انلبيني ىلع الصديقني فلما ذكره‪ ،‬ولكون الصديق تابعا للنيب‪ ،‬فإنما استحق اسم‬
‫الصديق بكمال تصديقه للنيب‪ ،‬فهو تابع حمض‪ ،‬وتأمل تقديم الصديقني ىلع الشهداء لفضل‬
‫الصديقني عليهم‪ ،‬وتقديم الشهداء ىلع الصاحلني لفضلهم عليهم‪.‬‬
‫تقديم السمع ىلع ابلرص‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫السمع متقدم ىلع ابلرص حيث وقع يف القرآن الكريم مصدرا أو فعال أو اسما‪ ،‬فاألول كقوهل‬
‫ً‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫تعاىل‪﴿ :‬إ لن ل‬
‫السمع وابلرص والفؤاد ك أوَلك َكن عنه مسؤوال﴾ اإلرساء‪.36 :‬‬
‫ه‬ ‫ل‬
‫واثلاين‪ :‬كقوهل تعاىل‪﴿ :‬إنين معكما أسم هع وأرى﴾ طه‪.46 :‬‬
‫ري﴾ اإلرساء‪﴿ ،1 :‬ولان ه‬
‫الل‬ ‫يع ابلص ه‬ ‫واثلالث‪ :‬كقوهل تعاىل‪﴿ :‬سميع بصري﴾ احلج ‪﴿ ،61‬إنل هه ههو ل‬
‫السم ه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫سميعا بصريا﴾ النساء‪ ،134 :‬فاحتج بهذا من يقول‪ :‬إن السمع أرشف من ابلرص‪ ،‬وهذا قول األكرثين‪،‬‬
‫وهو اذلي ذكره أصحاب الشافيع‪ ،‬وحكوا هم وغريهم عن أصحاب أ يب حنيفة أنهم قالوا‪ :‬ابلرص‬
‫أفضل‪ ،‬ونصبوا معهم اخلالف‪ ،‬وذكروا احلجاج من الطرفني‪ ،‬وال أدري ما يرتتب ىلع هذه املسألة‬
‫من األحاكم حىت تذكر يف كتب الفقه‪ ،‬وكذلك القوالن للمتلكمني واملفرسين وحىك أبو املعايل عن‬
‫ابن قتيبة تفضيل ابلرص ورد عليه‪.‬‬
‫واحتج مفضلو السمع بأن الل تعاىل يقدمه يف القرآن حيث وقع‪ ،‬وبالسمع تنال سعادة ادلنيا‬
‫واآلخرة‪ ،‬فإن السعادة بأمجعها يف طاعة الرسل واإليمان بما جاءوا به‪ ،‬وهذا إنما يدرك بالسمع‪،‬‬
‫وهلذا يف احلديث اذلي رواه أمحد وغريه من حديث األسود بن رسيع‪( :‬أربعة ُيتجون يوم القيامة)‬
‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬
‫فذكر منهم رجال أصم يقول‪( :‬يا رب‪ ،‬لقد جاء اإلسال هم‪ ،‬وما أسم هع شيئا) (‪.)1‬‬
‫واحتجوا بأن العلوم احلاصلة من السمع أضعاف أضعاف العلوم احلاصلة من ابلرص‪ ،‬فإن‬
‫ابلرص ال يدرك إال بعض املوجودات املشاهدة بابلرص القريبة‪ ،‬والسمع يدرك املوجودات‬

‫(‪ )1‬ـ رواه أمحد يف املسند (‪ ،)16301‬وابن حبان يف صحيحه (‪ ،)7357‬والزبار يف مسنده (‪ ،)9597‬وإسحاق بن راهويه يف‬
‫مسنده (‪.)41‬‬
‫‪47‬‬
‫واملعدومات‪ ،‬واحلارض والغائب‪ ،‬والقريب وابلعيد‪ ،‬والواجب واملمكن واملمتنع‪ ،‬فال نسبة إلدراك‬
‫ابلرص إىل إدراكه‪.‬‬
‫واحتجوا بأن فقد السمع يوجب ثلم القلب واللسان‪ ،‬وهلذا َكن األطرش خلقة ال ينطق يف‬
‫ً‬
‫الغالب‪ ،‬وأما فقد ابلرص فربما َكن معينا ىلع قوة إدراك ابلصرية وشدة ذَكئها‪ ،‬فإن نور ابلرص‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ينعكس إىل ابلصرية باطنا‪ ،‬فيقوي إدراكها ويعظم‪ ،‬وهلذا جتد كثريا من العميان أو أكرثهم عندهم‬
‫من اذلَكء الوقاد والفطنة وضياء احلس ابلاطن ما ال تكاد جتده عند ابلصري‪.‬‬
‫وال ريب أن سفر ابلرص يف اجلهات واألقطار ومبارشته للمبرصات ىلع اختالفها يوجب تفرق‬
‫القلب وتشتيته‪ ،‬وهلذا َكن الليل أمجع للقلب‪ ،‬واخللوة أعون ىلع إصابة الفكرة‪ ،‬قالوا فليس نقص‬
‫فاقد السمع كنقص فاقد ابلرص‪ ،‬وهلذا كثري يف العلماء والفضالء وأئمة اإلسالم من هو أعىم ولم‬
‫يعرف فيهم واحد أطرش‪ ،‬بل ال يعرف يف الصحابة أطرش فهذا وحنوه من احتجاجهم ىلع تفضيل‬
‫ابلرص‪.‬‬
‫قال منازعوهم يفصل بيننا وبينكم أمران‪ :‬أحدهما‪ :‬أن مدرك ابلرص انلظر إىل وجه الل تعاىل‬
‫يف ادلار اآلخرة‪ ،‬وهو أفضل نعيم أهل اجلنة وأحبه إيلهم‪ ،‬وال َشء أكمل من املنظور إيله سبحانه‪،‬‬
‫فال حاسة يف العبد أكمل من حاسة تراه بها‪.‬‬
‫اثلاين‪ :‬أن هذا انلعيم وهذا العطاء إنما نالوه بواسطة السمع‪ ،‬فاكن السمع َكلوسيلة هلذا‬
‫املطلوب األعظم‪ ،‬فتفضيله عليه كفضيلة الغايات ىلع وسائلها‪.‬‬
‫وأما ما ذكرتم من سعة إدراَكته وعمومها فيعارضه كرثة اخليانة فيها ووقوع الغلط‪ ،‬فإن‬
‫الصواب فيما يدركه السمع باإلضافة إىل كرثة املسمواعت قليل يف كثري‪ ،‬ويقابل كثري مدرلاته‬
‫صحة مدرلات ابلرص وعدم اخليانة‪ ،‬وأن ما يراه ويشاهده ال يعرض فيه من الكذب ما يعرض فيه‬
‫فيما يسمعه‪ ،‬وإذا تقابلت املرتبتان بق الرتجيح بما ذكرناه‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم تق ادلين بن تيمية قدس الل روحه ونور رضُيه‪( :‬وفصل اخلطاب أن إدراك‬
‫السمع أعم وأشمل‪ ،‬وإدراك ابلرص أتم وأكمل‪ ،‬فهذا هل اتلمام والكمال‪ ،‬وذاك هل العموم والشمول‪،‬‬
‫فقد ترجح ك منهما ىلع اآلخر بما اختص به)‪ .‬تم الكمه‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫السم هع‬
‫وقد ورد يف احلديث املشهور أن انليب صَّل الل عليه وسلم قال أل يب بكر وعمر‪( :‬هذان ل‬
‫وابل ه‬
‫رص) (‪ ،)1‬وهذا ُيتمل أربعة أوجه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن يكون املراد أنهما مين بمْنلة السمع وابلرص‪.‬‬
‫واثلاين‪ :‬يريد أنهما من دين اإلسالم بمْنلة السمع وابلرص من اإلنسان‪ ،‬فيكون الرسول بمْنلة‬
‫القلب والروح‪ ،‬وهما بمْنلة السمع وابلرص من ادلين‪ ،‬وىلع هذا فيحتمل وجهني‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬اتلوزيع فيكون أحدهما بمْنلة السمع واآلخر بمْنلة ابلرص‪.‬‬
‫ً‬
‫واثلاين‪ :‬الرشكة فيكون هذا اتلْنيل والتشبيه باحلاستني ثابتا للك واحد منهما‪ ،‬فلك منهما‬
‫بمْنلة السمع وابلرص‪ ،‬فعَّل احتمال اتلوزيع واتلقسيم تكلم انلاس أيهما هو السمع وأيهما هو‬
‫ابلرص؟ وبنوا ذلك ىلع أي الصفتني أفضل‪ ،‬فيه صفة الصديق‪.‬‬
‫واتلحقيق أن صفة ابلرص للصديق‪ ،‬وصفة السمع للفاروق‪ ،‬ويظهر لك هذا من كون عمر‬
‫ه‬ ‫ه ه له‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ً‬
‫حمدثا‪ ،‬كما قال انليب صَّل الل عليه وسلم‪( :‬قد َكن يكون يف األمم قبلكم حمدثون‪ ،‬فإن يكن‬
‫ل ه‬ ‫هل‬
‫يف أميت من ههم أحد‪ ،‬فإن عمر َن اخل لطاب من ههم) (‪.)2‬‬
‫واتلحديث املذكور هو ما يلىق يف القلب من الصواب واحلق‪ ،‬وهذا طريقه السمع ابلاطن‪ ،‬وهو‬
‫بمْنلة اتلحديث واإلخبار يف األذن‪.‬‬
‫وأما الصديق فهو اذلي كمل مقام الصديقية لكمال بصريته‪ ،‬حىت كأنه قد بارش برصه مما أخرب‬
‫به الرسول ما بارش قلبه‪ ،‬فلم يبق بينه وبني إدراك ابلرص إال حجاب الغيب‪ ،‬فهو كأنه ينظر إىل ما‬
‫أخرب به من الغيب من وراء ستوره‪ ،‬وهذا لكمال ابلصرية‪ ،‬وهذا أفضل مواهب العبد وأعظم‬
‫كراماته اليت يكرم بها‪ ،‬وليس بعد درجة انلبوة إال ه‪ ،‬وهلذا جعلها سبحانه بعدها فقال‪﴿ :‬ومن‬
‫الص ِّديقني والشهداء و ل‬
‫الصاحلني﴾‬ ‫انلبيِّني و ِّ‬ ‫الر هسول فأهوَلك مع لاذلين أنعم ه‬
‫الل عليهم من ل‬ ‫يهطع الل و ل‬

‫النساء‪ 69 :‬وهذا هو اذلي سبق به الصديق‪ ،‬ال بكرثة صوم وال بكرثة صالة‪ ،‬وصاحب هذا يميش‬
‫ً‬
‫رويدا وييجء يف األول‪ ،‬ولقد تعناه من لم يكن سريه ىلع هذا الطريق وتشمريه إىل هذا العلم وقد‬

‫(‪ )1‬ـ رواه الرتمذي يف كتاب املناقب‪ ،‬باب يف مناقب أ يب بكر وعمر ريض الل عنهما (‪ ،)3671‬واحلاكم يف املستدرك‬
‫(‪.)4432‬‬
‫(‪ )2‬ـ رواه ابلخاري يف كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬باب مناقب عمر (‪ ،)3486‬ومسلم يف كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬باب من‬
‫فضائل عمر (‪.)6357‬‬
‫‪49‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫سبق من شمر إيله وإن َكن يزحف زحفا وُيبو حبوا‪ ،‬وال تستطل هذا الفصل فإنه أهم مما قصد‬
‫بالالكم فليعد إيله‪ ،‬فقيل‪ :‬تقديم السمع ىلع ابلرص هل سببان‪:‬‬
‫ً‬
‫أحدهما‪ :‬أن يكون السياق يقتضيه‪ ،‬حبيث يكون ذكرها بني الصفتني متضمنا للتهديد‬
‫والوعيد‪ ،‬كما جرت اعدة القرآن بتهديد املخاطبني وحتذيرهم بما يذكره من صفاته اليت تقتض‬
‫ل‬ ‫ِّ ه‬ ‫ه‬
‫احلذر واالستقامة كقوهل‪﴿ :‬فإن زللتهم من َعد ما جاءتك هم ابلينات فاعل هموا أن الل عزيز حكيم﴾‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫اب ادلنيا واآلخرة ولان ه‬ ‫ل‬
‫اِل ثو ه‬ ‫ابلقرة‪ ،209 :‬وقوهل‪﴿ :‬من َكن يهر ه‬
‫الل سميعا بصريا﴾‬ ‫يد ثواب ادلنيا فعند‬
‫النساء‪ 134 :‬والقرآن الكريم مملوء من هذا‪ ،‬وىلع هذا فيكون يف ضمن ذلك أين أسمع ما يردون به‬
‫عليك وما يقابلون به رسااليت‪ ،‬وأبرص ما يفعلون‪ ،‬وال ريب أن املخاطبني بالرسالة بالنسبة إىل‬
‫اإلجابة والطاعة نواعن‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬قابلوها بقوهلم‪ :‬صدقت‪ ،‬ثم عملوا بموجبها‪.‬‬
‫واثلاين‪ :‬قابلوها باتلكذيب‪ ،‬ثم عملوا خبالفها‪ ،‬فاكنت مرتبة املسموع منهم قبل مرتبة ابلرص‪،‬‬
‫فقدم ما يتعلق به ىلع ما يتعلق باملبرص‪.‬‬
‫ه‬ ‫ل‬
‫وتأمل هذا املعىن يف قوهل تعاىل ملوىس‪﴿ :‬إنين معكما أسم هع وأرى﴾ طه‪ 46 :‬هو يسمع ما َييبهم‬
‫به‪ ،‬ويرى ما يصنعه‪ ،‬وهذا ال يعم سائر املواضع بل يتص منها بما هذا شأنه‪.‬‬
‫والسبب اثلاين‪ :‬أن إنكار األوهام الفاسدة لسمع الالكم مع َغية ابلعد بني السامع واملسموع‬
‫أشد من إنكارها لرؤيته مع بعده‪.‬‬
‫وِف الصحيحني عن ابن مسعود قال‪( :‬اجتمع عند ابليت ثالث هة نفر‪ ،‬قهرش ليان وثق ٌّ‬
‫ف‪ ،‬أو ثقف ليان‬ ‫ٍ‬
‫ه ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه هه‬ ‫وقهر ٌّ‬
‫َش‪ ،‬قليل فقه قلوبهم‪ ،‬كثري شح هم هَ هطونهم‪ ،‬فقال أح هدهم‪ :‬أترون الل يسم هع ما نقول؟ وقال‬
‫اآلخ هر‪ :‬يسم هع إن جهرنا‪ ،‬وال يسم هع إن أخفينا‪ ،‬وقال اآلخ هر‪ :‬إن َكن يسم هع‪ ،‬إذا جهرنا‪ ،‬ف ههو يسم هع إذا‬
‫أخفينا) (‪ ،)1‬ولم يقولوا‪ :‬أترون الل يرانا‪ ،‬فاكن تقديم السمع أهم واحلاجة إىل العلم به أمس‪.‬‬
‫ً‬
‫وسبب ثالث‪ :‬وهو أن حركة اللسان بالالكم أعظم حرلات اجلوارح‪ ،‬وأشدها تأثريا يف اخلري‬
‫والرش والصالح والفساد‪ ،‬بل اعمة ما يرتتب يف الوجود من األفعال إنما ينشأ بعد حركة اللسان‪،‬‬
‫فكأن تقديم الصفة املتعلقة به أهم وأوىل‪ ،‬وبهذا يعلم تقديمه ىلع العليم حيث وقع‪.‬‬

‫ك هم لاذلي ظننتهم بر ِّب ه‬


‫كم أرد ه‬ ‫كم ظن ه‬
‫(‪ )1‬ـ رواه ابلخاري يف كتاب اتلفسري‪ ،‬باب قوهل‪﴿ :‬وذل ه‬
‫اكم﴾ (‪ ،)4539‬ومسلم يف‬
‫كتاب صفات املنافقني (‪.)2775‬‬
‫‪50‬‬
‫تقديم السماء ىلع األرض‪:‬‬
‫ً‬
‫وأما تقديم السماء ىلع األرض ففيه معىن‪ ،‬وهو أن السموات واألرض تذكر َغبلا يف سياق آيات‬
‫الرب ادلالة ىلع وحدانيته وربوبيته‪ ،‬ومعلوم أن اآليات يف السموات أعظم منها يف األرض‪ ،‬لسعتها‬
‫وعظمها وما فيها من كواكبها وشمسها وقمرها وبروجها وعلوها واستغنائها عن عمد تقلها أو‬
‫عالقة ترفعها‪ ،‬إىل غري ذلك من عجائبها‪ ،‬وما فيها كقطرة يف سعتها‪ ،‬وهلذا أمر سبحانه بأن يرجع‬
‫انلاظر فيها ابلرص كرة بعد كرة‪ ،‬ويتأمل استواءها واتساقها وبراءتها من اخللل والفطور‪ ،‬فاآلية‬
‫فيها أعظم من األرض وِف ك َشء هل آية سبحانه وحبمده‪.‬‬
‫وأما تقديم األرض عليها يف قوهل‪﴿ :‬وما يع هز هب عن ر ِّبك من مثقال ذ لر ٍة يف األرض وال يف‬
‫السماء﴾ يونس‪ 61 :‬وتأخريها عنها يف سبأ‪ ،‬فتأمل كيف وقع هذا الرتتيب يف سبأ يف ضمن قول‬ ‫ل‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل ه‬ ‫ِّ‬ ‫ل ه ه‬
‫الساعة قل بَّل وريب تلأتينكم اعلم الغيب ال يع هز هب عنه مثقال ذ لر ٍة يف‬ ‫الكفار‪﴿ :‬ال تأتينا‬
‫السموات وال يف األرض﴾ سبأ‪ 3 :‬كيف قدم السموات هنا؛ ألن الساعة إنما تأيت من قبلها وه‬ ‫ل‬

‫غيب فيها ومن جهتها تبتديء وتنشأ‪ ،‬وهلذا قدم صعق أهل السموات ىلع أهل األرض عندها‬
‫فقال تعاىل‪﴿ :‬ونهفخ يف الصور فصعق من يف ل‬
‫السموات ومن يف األرض﴾ الزمر‪.68 :‬‬
‫وأما تقديم األرض ىلع السماء يف سورة يونس‪ ،‬فإنه ملا َكن السياق سياق حتذير وتهديد للبرش‪،‬‬
‫وإعالمهم أنه سبحانه اعلم بأعماهلم دقيقها وجليلها‪ ،‬وأنه ال يغيب عنه منها َشء‪ ،‬اقتىض ذلك‬
‫ذكر حملهم وهو األرض قبل ذكر السماء‪ ،‬فتبارك من أودع الكمه من احلكم واألرسار والعلوم ما‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يشهد أنه الكم الل تعاىل‪ ،‬وأن خملوقا ال يمكن أن يصدر منه مثل هذا احلكم أبدا‪.‬‬
‫تقديم املال ىلع الودل‪:‬‬
‫ً‬
‫وأما تقديم املال ىلع الودل فلم يطرد هذا اتلقديم يف القرآن الكريم‪ ،‬بل قد جاء مقدما كذلك‬
‫ه ه‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ه ه ل ه‬ ‫ه ه‬
‫يف قوهل‪﴿ :‬وما أموالكم وال أوالدكم باليت تق ِّر هبكم﴾ [سبأ‪ ]37 :‬وقوهل‪﴿ :‬واعل هموا أنما أموالكم‬
‫ه ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬
‫وأوالدكم فتنة﴾ [األنفال‪ ]28 :‬وقوهل‪﴿ :‬ال تلهكم أموالكم وال أوالدكم عن ذكر الل﴾ [املنافقون‪:‬‬

‫‪.]9‬‬
‫ه ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ً‬
‫وجاء ذكر ابلنني مقدما كما يف قوهل‪﴿ :‬قل إن َكن آباؤكم وأَناؤكم وإخوانكم‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫ه ه‬ ‫ه ه‬
‫اجكم وعشريتكم وأموال اقرتفته هموها﴾ [اتلوبة‪ ،]24 :‬وقوهل‪ ﴿ :‬هز ِّين للناس هحب الشهوات من‬ ‫وأزو‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫ِّ‬
‫النساء وابلنني والقناطري ال همقنطرة من اذلهب والفضة﴾ [آل عمران ‪.]14‬‬

‫‪51‬‬
‫فأما تقديم األموال يف تلك املواضع اثلالثة فألنه ينتظمها معىن واحد‪ ،‬وهو اتلحذير من‬
‫االشتغال بها واحلرص ىلع حتصيلها حىت يفوته حظه من الل وادلار اآلخرة‪ ،‬فيه يف موضع عن‬
‫االتلهاء بها‪ ،‬وأخرب يف موضع أنها فتنة‪ ،‬وأخرب يف موضع آخر أن اذلي يقرب عباده إيله إيمانهم‬
‫وعملهم الصالح ال أمواهلم وال أوالدهم‪ ،‬فف ضمن هذا انليه عن االشتغال بها عما يقرب إيله‪،‬‬
‫ومعلوم أن اشتغال انلاس بأمواهلم واتلاله بها أعظم من اشتغاهلم بأوالدهم‪ ،‬وهذا هو الواقع‬
‫حىت إن الرجل ليستغرقه اشتغاهل بماهل عن مصلحة ودله وعن معارشته وقربه‪.‬‬
‫وأما تقديمهم ىلع األموال يف تينك اآليتني فلحكمة باهرة‪ ،‬وه أن براءة متضمنة لوعيد من‬
‫َكنت تلك األشياء املذكورة فيها أحب إيله من اجلهاد يف سبيل الل‪ ،‬ومعلوم أن تصور املجاهد‬
‫فراق أهله وأوالده وآبائه وإخوانه وعشريته تمنعه من اخلروج عنهم أكرث مما يمنعه مفارقته ماهل‪،‬‬
‫فإن تصور مع هذا أن يقتل فيفارقهم فراق ادلهر نفرت نفسه عن هذه أكرث وأكرث‪ ،‬وال يكاد‬
‫عند هذا اتلصور يطر هل مفارقة ماهل‪ ،‬بل يغيب بمفارقة األحباب عن مفارقة املال‪ ،‬فاكن تقديم‬
‫هذا اجلنس أوىل من تقديم املال)‪.‬‬
‫ثم قال‪( :‬ويتعلق بهذا نوع آخر من اتلقديم لم يذكره وهو تقديم األموال ىلع األنفس يف اجلهاد‬
‫حيث ما وقع يف القرآن الكريم‪ ،‬إال يف موضع واحد وهو قوهل‪﴿ :‬إ لن الل اشرتى من ه‬
‫المؤمنني‬
‫ل ه ه‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫أنفس ههم وأموال ههم بأن ل هه هم اجلنة يقاتلون يف سبيل الل﴾ [اتلوبة‪.]111 :‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫وأما سائر املواضع فقدم فيها املال‪ ،‬حنو قوهل‪﴿ :‬وجتاه هدون يف سبيل الل بأموالكم‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫وأنفسكم﴾ [الصف‪ ،]11 :‬وقوهل‪﴿ :‬وجاه هدوا يف سبيل الل بأموالهم وأنفسهم﴾ [اتلوبة‪ ،]20 :‬وهو كثري‪.‬‬
‫فما احلكمة يف تقديم املال ىلع انلفس؟ وما احلكمة يف تأخريه يف هذا املوضع وحده؟‬
‫ً‬
‫وهذا لم يتعرض هل السهييل رمحه الل‪ ،‬فيقال‪ :‬أوال‪ :‬هذا ديلل ىلع وجوب اجلهاد باملال كما َيب‬
‫ً‬
‫بانلفس‪ ،‬فإذا دهم العدو وجب ىلع القادر اخلروج بنفسه‪ ،‬فإن َكن اعجزا وجب عليه أن يكرتي‬
‫بماهل‪ ،‬وهذا إحدى الروايتني عن اإلمام أمحد‪ ،‬واألدلة عليها أكرث من أن تذكر هنا‪.‬‬
‫ومن تأمل أحوال انليب وسريته يف أصحابه وأمرهم بإخراج أمواهلم يف اجلهاد قطع بصحة هذا‬
‫القول‪ ،‬واملقصود تقديم املال يف اذلكر وأن ذلك مشعر بإنكار وهم من يتوهم أن العاجز بنفسه‬
‫ً‬
‫إذا َكن قادرا ىلع أن يغزو بماهل ال َيب عليه َشء‪ ،‬فحيث ذكر اجلهاد قدم ذكر املال فكيف يقال‪:‬‬
‫ال َيب به‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫ولو قيل‪ :‬إن وجوبه باملال أعظم وأقوى من وجوبه بانلفس لاكن هذا القول أصح من قول من‬
‫قال ال َيب باملال‪ ،‬وهذا بني‪ ،‬وىلع هذا فتظهر الفائدة يف تقديمه يف اذلكر‪.‬‬
‫وفائدة ثانية ىلع تقدير عدم الوجوب‪ :‬وه أن املال حمبوب انلفس ومعشوقها اليت تبذل ذاتها‬
‫يف حتصيله‪ ،‬وترتكب األخطار وتتعرض للموت يف طلبه‪ ،‬وهذا يدل ىلع أنه هو حمبوبها‬
‫ومعشوقها‪ ،‬فندب الل تعاىل حمبيه املجاهدين يف سبيله إىل بذل معشوقهم وحمبوبهم يف مرضاته‪،‬‬
‫فإن املقصود أن يكون الل هو أحب َشء إيلهم‪ ،‬وال يكون يف الوجود َشء أحب إيلهم منه‪،‬‬
‫فإذا بذلوا حمبوبهم يف حبه نقلهم إىل مرتبة أخرى أكمل منها‪ ،‬وه بذل نفوسهم هل‪ ،‬فهذا َغية‬
‫احلب‪ ،‬فإن اإلنسان ال َشء أحب إيله من نفسه‪.‬‬
‫ً‬
‫فإذا أحب شيئا بذل هل حمبوبه من نفسه وماهل‪ ،‬فإذا آل األمر إىل بذل نفسه ضن بنفسه وآثرها‬
‫ىلع حمبوبه‪ ،‬هذا هو الغالب وهو مقتىض الطبيعة احليوانية واإلنسانية‪ ،‬وهلذا يدافع الرجل عن ماهل‬
‫وأهله وودله‪ ،‬فإذا أحس باملغلوبية والوصول إىل مهجته ونفسه ل‬
‫فر وتركهم‪.‬‬
‫ً‬
‫فلم يرض الل من حمبيه بهذا‪ ،‬بل أمرهم أن يبذلوا هل نفوسهم بعد أن بذلوا هل حمبوباتهم‪ ،‬وأيضا‬
‫ً‬
‫فبذل انلفس آخر املراتب‪ ،‬فإن العبد يبذل ماهل أوال يق به نفسه‪ ،‬فإذا لم يبق هل ماهل بذل نفسه‪،‬‬
‫ً‬
‫فاكن تقديم املال ىلع انلفس يف اجلهاد مطابقا للواقع‪.‬‬
‫ه‬ ‫وأما قوهل‪﴿ :‬إ لن الل اشرتى من ه‬
‫المؤمنني أنفس ههم وأموال ههم﴾ [اتلوبة‪ .]111 :‬فاكن تقديم األنفس‬
‫هو األوىل؛ ألنها ه املشرتاة يف احلقيقة‪ ،‬وه مورد العقد‪ ،‬وه السلعة اليت استلمها ربها‪ ،‬وطلب‬
‫رشاءها نلفسه‪ ،‬وجعل ثمن هذا العقد رضاه وجنته‪ ،‬فاكنت ه املقصود بعقد الرشاء‪ ،‬واألموال‬
‫تبع هلا‪.‬‬
‫فإذا ملكها مشرتيها ملك ماهلا‪ ،‬فإن العبد وما يملكه لسيده ليس هل فيه َشء‪ ،‬فاملالك احلق‬
‫ً‬
‫إذا ملك انلفس ملك أمواهلا ومتعلقاتها‪ ،‬فحسن تقديم انلفس ىلع املال يف هذه اآلية حسنا ال‬
‫مزيد عليه‪.‬‬
‫ً‬
‫لرنجع إىل الكم السهييل‪ ،‬فما ذكره من تقديم الغفور ىلع الرحيم فحسن جدا‪ ،‬وأما تقديم الرحيم‬
‫ىلع الغفور يف موضع واحد وهو أول سبأ‪ ،‬ففيه معىن غري ما ذكره يظهر ملن تأمل سياق أوصافه‬
‫يم الغ هف ه‬
‫ور﴾ يف [سبأ‪.]2 :‬‬ ‫العَّل وأسمائه احلسىن يف أول السورة إىل قوهل‪﴿ :‬و ههو ل‬
‫الرح ه‬

‫‪53‬‬
‫فإنه ابتدأ سبحانه السورة حبمده اذلي هو أعم املعارف وأوسع العلوم‪ ،‬وهو متضمن جلميع‬
‫صفات كماهل ونعوت جالهل مستلزم هلا‪ ،‬كما هو متضمن حلكمته يف مجيع أفعاهل وأوامره‪ ،‬فهو‬
‫املحمود ىلع ك حال وىلع ك ما خلقه ورشعه‪.‬‬
‫هل ما يف ل‬
‫السموات وما يف‬ ‫ثم عقب هذا احلمد بملكه الواسع املديد فقال‪﴿ :‬احلم هد ِل لاذلي ه‬
‫ً‬
‫األرض﴾ [سبأ‪ ،]1 :‬ثم عقبه بأن هذا احلمد ثابت هل يف اآلخرة غري منقطع أبدا‪ ،‬فإنه محد يستحقه‬
‫ً‬
‫ذلاته وكمال أوصافه وما يستحقه ذلاته دائم بدوامه ال يزول أبدا‪.‬‬
‫وقرن بني امللك واحلمد ىلع اعداته تعاىل يف الكمه‪ ،‬فإن اقرتان أحدهما باآلخر هل كمال زائد‬
‫ىلع الكمال بكل واحد منهما‪ ،‬فله كمال من ملكه‪ ،‬وكمال من محده‪ ،‬وكمال من اقرتان أحدهما‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫باألخر‪ ،‬فإن امللك بال محد يستلزم نقصا‪ ،‬واحلمد بال ملك يستلزم عجزا‪ ،‬واحلمد مع امللك َغية‬
‫الكمال‪.‬‬
‫ونظري هذا العزة والرمحة والعفو والقدرة والغىن والكرم‪ ،‬فوسط امللك بني اجلملتني‪ ،‬فجعله‬
‫ً‬
‫حمفوفا حبمد قبله ومحد بعده‪ ،‬ثم عقب هذا احلمد وامللك باسم احلكيم اخلبري ادلالني ىلع كمال‬
‫اإلرادة‪ ،‬وأنها ال تتعلق بمراد إال حلكمة بالغة‪ ،‬وىلع كمال العلم‪ ،‬وأنه كما يتعلق بظواهر‬
‫املعلومات فهو متعلق ببواطنها اليت ال تدرك إال خبربة‪ ،‬فنسبة احلكمة إىل اإلرادة كنسبة اخلربة‬
‫إىل العلم‪ ،‬فاملراد ظاهر واحلكمة باطنة‪ ،‬والعلم ظاهر واخلربة باطنة‪.‬‬
‫ً‬
‫فكمال اإلرادة أن تكون واقعة ىلع وجه احلكمة‪ ،‬وكمال العلم أن يكون َكشفا عن اخلربة‪،‬‬
‫فاخلربة باطن العلم وكماهل‪ ،‬واحلكمة باطن اإلرادة وكماهلا‪ ،‬فتضمنت اآلية إثبات محده وملكه‬
‫وحكمته وعلمه ىلع أكمل الوجوه‪ ،‬ثم ذكر تفاصيل علمه بما ظهر وما بطن يف العالم العلوي‬
‫ه ه‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫والسفيل فقال‪﴿ :‬يعلم ما يلج يف األرض وما يرج منها وما يْنل من السماء وما يعرج فيها﴾ [سبأ‪:‬‬

‫‪ ،]2‬ثم ختم اآلية بصفتني تقتضيان َغية اإلحسان إىل خلقه‪ ،‬وهما‪ :‬الرمحة واملغفرة‪ ،‬فيجلب هلم‬
‫اإلحسان وانلفع ىلع أتم الوجوه برمحته‪ ،‬ويعفو عن زتلهم‪ ،‬ويهب هلم ذنوبهم وال يؤاخذهم بها‬
‫يم الغ هف ه‬
‫ور﴾ [سبأ‪ ،]2 :‬فتضمنت هذه اآلية سعة علمه ورمحته وحكمه‬ ‫بمغفرته‪ ،‬فقال‪﴿ :‬و ههو ل‬
‫الرح ه‬

‫ومغفرته‪ ،‬وهو سبحانه يقرن بني سعة العلم والرمحة كما يقرن بني العلم واحللم‪ ،‬فمن األول قوهل‪:‬‬
‫ك َش ٍء رمح ًة وعلما ً﴾ [َغفر‪ ،]7 :‬ومن اثلاين‪﴿ :‬و ه‬
‫الل عليم حليم﴾ [النساء‪ ،]12 :‬فما‬
‫هل‬
‫﴿ر لبنا وسعت‬
‫قرن َشء إىل َشء أحسن من حلم إىل علم ومن رمحة إىل علم‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫ومحلة العرش أربعة‪ ،‬اثنان يقوالن‪ :‬سبحانك امهلل ربنا وحبمدك لك احلمد ىلع حلمك بعد‬
‫علمك‪ .‬واثنان يقوالن‪ :‬سبحانك امهلل ربنا وحبمدك لك احلمد ىلع عفوك بعد قدرتك‪.‬‬
‫فاقرتان العفو بالقدرة َكقرتان احللم والرمحة بالعلم؛ ألن العفو إنما ُيسن عند القدرة‪،‬‬
‫وكذلك احللم والرمحة إنما ُيسنان مع العلم‪ ،‬وقدم الرحيم يف هذا املوضع تلقدم صفة العلم‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫هل‬
‫فحسن ذكر الرحيم بعده يلقرتن به‪ ،‬فيطابق قوهل‪﴿ :‬ر لبنا وسعت ك َش ٍء رمحة وعلما﴾ [َغفر‪.]7 :‬‬
‫ثم ختم اآلية بذكر صفة املغفرة تلضمنها دفع الرش وتضمن ما قبلها جلب اخلري‪ ،‬وملا َكن دفع‬
‫ً‬
‫الرش مقدما ىلع جلب اخلري قدم اسم الغفور ىلع الرحيم حيث وقع‪ ،‬وملا َكن يف هذا املوضع تعارض‬
‫يقتض تقديم اسمه الرحيم ألجل ما قبله قدم ىلع الغفور‪.‬‬
‫جدي واركيع مع ل‬
‫الراكعني﴾ [آل عمران ‪ ،]43‬فقد‬ ‫وأما قوهل تعاىل‪﴿ :‬يا مري هم اقنهيت لر ِّبك واس ه‬

‫أبعد انلجعة فيما تعسفه من فائدة اتلقديم وأىت بما ينبو اللفظ عنه‪.‬‬
‫وقال غريه‪ :‬السجود َكن يف دينهم قبل الركوع‪ ،‬وهذا قائل ما ال علم هل به‪.‬‬
‫واذلي يظهر يف اآلية والل أعلم بمراده من الكمه‪ :‬أنها اشتملت ىلع مطلق العبادة وتفصيلها‪،‬‬
‫فذكر األعم ثم ما هو أخص منه‪ ،‬ثم ما هو أخص من األخص‪.‬‬
‫ً‬
‫فذكر القنوت أوال وهو الطاعة ادلائمة‪ ،‬فيدخل فيه القيام واذلكر وادلاعء وأنواع الطاعة‪ ،‬ثم‬
‫ذكر ما هو أخص منه وهو السجود اذلي يرشع وحده‪ ،‬كسجود الشكر واتلالوة‪ ،‬ويرشع يف الصالة‪،‬‬
‫فهو أخص من مطلق القنوت‪ ،‬ثم ذكر الركوع اذلي ال يرشع إال يف الصالة‪ ،‬فال يسن اإلتيان به‬
‫ً‬
‫منفردا‪ ،‬فهو أخص مما قبله‪.‬‬
‫ففائدة الرتتيب‪ :‬الْنول من األعم إىل األخص‪ ،‬إىل أخص منه‪ ،‬وهما طريقتان معروفتان يف‬
‫الالكم‪ ،‬الْنول من األعم إىل األخص‪ ،‬وعكسها وهو الرتيق من األخص إىل ما هو أعم منه‪ ،‬إىل ما‬
‫هو أعم‪.‬‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬
‫ونظريها‪﴿ :‬يا أيها اذلين آمنهوا ارك هعوا واس هج هدوا واعبه هدوا ر لبكم وافعلوا اخلري﴾ [احلج‪،]77 :‬‬
‫فذكر أربعة أشياء‪ ،‬أخصها الركوع‪ ،‬ثم السجود أعم منه‪ ،‬ثم العبادة أعم من السجود‪ ،‬ثم فعل اخلري‬
‫ً‬
‫العام املتضمن ذللك لكه‪ ،‬واذلي يزيد هذا وضوحا الالكم ىلع ما ذكره بعد هذه اآلية من قوهل‪:‬‬
‫جود﴾ [احلج‪ ]26 :‬فإنه ذكر أخص هذه اثلالثة‪ ،‬وهو‬ ‫لطائفني والقائمني والر لكع الس ه‬
‫﴿وط ِّهر بييت ل ل‬

‫الطواف اذلي ال يرشع إال بابليت خاصة‪ ،‬ثم انتقل منه إىل االعتاكف وهو القيام املذكور يف احلج‪،‬‬

‫‪55‬‬
‫وهو أعم من الطواف؛ ألنه يكون يف ك مسجد‪ ،‬ويتص باملساجد ال يتعداها‪ ،‬ثم ذكر الصالة‬
‫ً‬
‫اليت تعم سائر بقاع األرض سوى ما منع منه مانع أو استثين رشاع‪.‬‬
‫وإن شئت قلت‪ :‬ذكر الطواف اذلي هو أقرب العبادات بابليت‪ ،‬ثم االعتاكف اذلي يكون يف‬
‫سائر املساجد‪ ،‬ثم الصالة اليت تكون يف ابلدل لكه‪ ،‬بل يف ك بقعة‪ ،‬فهذا تمام الالكم ىلع ما ذكره‬
‫من األمثلة‪ ،‬وهل رمحه الل مزيد السبق وفضل اتلقدم) (‪.)1‬‬
‫وقال اإلمام الزركيش‪( :‬القول يف اتلقديم واتلأخري‪ ،‬هو أحد أسايلب ابلالغة فإنهم أتوا به داللة‬
‫ىلع تمكنهم يف الفصاحة‪ ،‬وملكتهم يف الالكم وانقياده هلم‪ ،‬وهل يف القلوب أحسن موقع وأعذب‬
‫مذاق‪.‬‬
‫وقد اختلف يف عدة من املجاز‪ ،‬فمنهم من عده منه؛ ألنه تقديم ما رتبته اتلأخري‪َ ،‬كملفعول‪،‬‬
‫وتأخري ما رتبته اتلقديم‪َ ،‬كلفاعل‪ ،‬نقل ك واحد منهما عن رتبته وحقه‪.‬‬
‫والصحيح أنه ليس منه‪ ،‬فإن املجاز نقل ما وضع هل إىل ما لم يوضع) (‪.)2‬‬
‫ً‬
‫اء ط ههورا‪ .‬هنلحي به‬ ‫وقال األستاذ ميح ادلين ادلروي عند قوهل تعاىل‪﴿ :‬وأنزنلا من ل‬
‫السماء م ً‬
‫ً‬ ‫بدل ًة ميتا ً ونهسقي هه م لما خلقنا أنعاما ً وأن ل‬
‫ايس كثريا﴾ [الفرقان‪48 :‬ـ ‪( :]49‬فن اتلقديم واتلأخري وهو فن‬
‫عجيب دقيق املسلك خف ادلاللة‪ ،‬وهو قسمان‪ :‬قسم يتص بداللة األلفاظ ىلع املعاين وقسم‬
‫يتص بدرجة اتلقدم يف اذلكر ومنه اآلية اليت حنن بصددها‪ ،‬فقد قدم حياة األرض وإسقاء األنعام‬
‫ً‬
‫ىلع إسقاء انلاس وإن َكنوا أرشف حمال ألن حياة األرض ه سبب حلياة األنعام وانلاس‪ ،‬فلما‬
‫واحلياة للناس‬ ‫َكنت بهذه املثابة جعلت مقدمة يف اذلكر وملا َكنت األنعام من أسباب اتلعي‬
‫قدمها يف اذلكر ىلع انلاس ألن حياة انلاس حبياة أرضهم وأنعامهم فقدم سق ما هو سبب نمائهم‬
‫ومعاشهم ىلع سقيهم) (‪.)3‬‬
‫وقال ادلكتور سايم عطا حسن‪( :‬اتلقديم واتلأخري من أهم مباحث علم املعاين اذلي يبحث‬
‫يف بناء اجلمل‪ ،‬وصياغة العبارات‪ ،‬ويتأمل الرتاكيب ليك يربز ما يكمن وراءها من أرسار ومزايا‬
‫بالغية‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ بدائع الفوائد ‪.64 :1‬‬


‫(‪ )2‬ـ الربهان‪.233 :3 :‬‬
‫(‪ )3‬ـ يف كتابه‪ :‬إعراب القرآن وبيانه ‪.25 :7‬‬
‫‪56‬‬
‫ومن املسلم به أن معىن اجلملة ليس هو ُمموع معاين املفردات اليت تتألف منها‪ ،‬بل هو‬
‫ً‬
‫حصيلة تركيب هذه املفردات يف نمط معني‪ ،‬حسب قواعد لغوية حمددة‪ ،‬كما أن الساعة مثال‬
‫ليست ُمموع القطع املعدنية اليت تتألف منها‪ ،‬وإنما ه آلة تتكون من هذه القطع حسب قواعد‬
‫معينة‪ ،‬تلؤدي وظيفة ال تؤديها أي من القطع وحدها‪ ،‬وال تؤديها ك القطع ُمتمعة إال إذا ركبت‬
‫بطريقة حمددة‪.‬‬
‫فنسق اجلملة وكيفية ترتيب األجزاء فيها مما ينبيغ أن يؤخذ بعني االعتبار‪ ،‬ذلك ألن املعىن‬
‫إنما يتودل فقط من ترتيب األلفاظ والعبارات‪ ،‬ومعىن هذا أن للك تركيب نظمه وترتيبه‪ ،‬ومواقع‬
‫ألفاظه‪.‬‬
‫والرتابط يف الالكم ووضع ك لكمة يف ماكنها املناسب من اجلملة من أهم مقومات ابلالغة‬
‫وابليان‪ ،‬وكثري من اللكمات لو قدمتها أو أخرتها عن حملها تلغري عليك املعىن اذلي تريد‪ ،‬أو ضاع‬
‫مجاهل ورونقه؛ ألن تقديم اللفظ وحتويله من ماكن إىل آخر يغري املعىن‪ ،‬وتغيري املعىن بتقديم اللفظ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وحتويله عن ماكنه ال يكون جزافا وعبثا‪ ،‬وإنما يتم وفق أسس وضوابط وأغراض يقصد إيلها‬
‫املتلكم‪ ،‬فيقدم ما يريد اتلنبيه عليه واالتلفات إيله‪ ،‬ويؤخر ما لم يرد فيه ذلك (‪.)1‬‬
‫ه ِّ‬ ‫ه ِّ‬
‫فالقرآن العظيم هو أفصح الالكم وأبلغه‪ ،‬فما قدمت فيه لكمة أو مجلة وال أخرت أخرى إال‬
‫حلكم كثرية‪ ،‬عرفها من عرفها وجهلها من جهلها‪.‬‬
‫ولكهم يغرفون من حبر القرآن فال يصلهون إال إىل ما حتتمله عقوهلم وقلوبهم‪﴿ ،‬وال هُي ه‬
‫يطون‬
‫ل‬
‫بيش ٍء من علمه إال بما شاء﴾ [ابلقرة‪.]255 :‬‬
‫وربما فتح الل ىلع الالحق واملتأخر ما لم يفتح ىلع السابق واملتقدم‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫(‪ )1‬ـ يف حبثه‪ :‬اتلقديم واتلأخري يف انلظم القرآين الكريم بالغته ودالالته‪.‬‬
‫‪57‬‬
‫الفصل اثلاين‪:‬‬

‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ر‬ ‫ُ‬


‫يم واتلَّأخري عند املفرسين (دراسة نظرية تطبيقية)‬
‫قواعد اتلَّق ِد ِ‬

‫ه‬
‫وفيه سبعة مباحث‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قواعد يف اتلقديم واتلفضيل‬
‫اذلكر ال يلزم منه اتلقد هم يف ل‬ ‫ِّ‬
‫الزمان أو الرتبة)‪.‬‬ ‫(اتلقد هم يف‬
‫‪1‬ـ ل‬
‫ه‬ ‫اتلقديم‪ :‬ل‬
‫‪2‬ـ (ليس من لوازم ل‬
‫اتلفضيل)‪.‬‬
‫ً‬ ‫ه ِّ‬
‫‪3‬ـ (العر هب ال يقد همون إال ما يعتنهون به َغبلا)‪.‬‬
‫يد االهتمام)‪.‬‬‫يم يهف ه‬
‫اتلقد ه‬
‫‪4‬ـ ( ل‬
‫ِّ‬ ‫المق لدم هو الغرض ه‬
‫أن ه‬‫ل‬ ‫اتلقد ه‬
‫‪5‬ـ ( ل‬
‫المعتمد باذلكر وبسوق الالكم ألجله)‪.‬‬ ‫يم ديلل ىلع‬
‫املبحث اثلاين‪ :‬قواعد يف أن اتلقديم واتلأخري ال يكون إال حبجة‬
‫‪6‬ـ (ال وجه تلقديم َش ٍء من كتاب الل عن موضعه أو تأخريه عن ماكنه إال حبه لج ٍة واضح ٍة)‪.‬‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫اتلقديم ل‬
‫‪7‬ـ (ال ضري يف ل‬
‫واتلأخري إذا دل ىلع الرتتيب ديلل)‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫‪8‬ـ (إحلاق الالكم باذلي يليه أوىل من إحلاقه بما قد حيل بينه وبينه من همعرتض الالكم)‪.‬‬
‫اتلقديم ل‬ ‫ه ل‬
‫الرتتيب همق لدم ىلع القول ب ل‬
‫واتلأخري)‪.‬‬ ‫‪9‬ـ (القول ب‬
‫املبحث اثلالث‪ :‬قواعد يف بعض احلروف وتقديم املعمول واملجرور‬
‫ً ل‬ ‫ً‬ ‫‪10‬ـ (الو ه‬
‫او ال تقتض ترتيبا وال تعقيبا وإنما ه ملطلق اجلمع)‪.‬‬
‫يم إذا اقرتن بالفاء َكن فيه همبالغة)‪.‬‬
‫(اتلقد ه‬
‫‪11‬ـ ل‬
‫عمول يتض لم هن معىن االشرتاط ل‬
‫واتلقييد)‬ ‫يم الم ه‬
‫‪12‬ـ (تقد ه‬
‫ل‬ ‫ً ه ه‬
‫‪13‬ـ (تقديم المج هرور كثريا ما يعامل همعاملة الرشط)‪.‬‬
‫ه ِّ ه ِّ‬
‫‪14‬ـ (الفعالن إذا َكنا همتقاريب المعىن فلك أن تقدم وتؤخر)‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬قواعد يف أغراض اتلقديم واتلأخري‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ه ل ه ه ه‬
‫انلفس ترقبا ل هو هروده‪ ،‬وتشوقا إيله)‪.‬‬
‫ث ل‬ ‫‪15‬ـ (تأخ ه‬
‫ري ما حقه اتلقديم يور‬

‫‪58‬‬
‫المق لدم يتض لم هن جوابا ً لر ِّد طلب طلب هه ه‬
‫المخاطب)‪.‬‬ ‫اتلقديم‪ :‬كو هن ه‬
‫‪16‬ـ (من هموجبات ل‬
‫ٍ‬
‫ه ه‬ ‫(اتلقد ه‬
‫‪17‬ـ ل‬
‫يم ال يكون ألجل الفاصلة فقط)‪.‬‬
‫‪18‬ـ (تقد ه‬
‫يم اجل همل عن مواضع تأخريها تلوفري املعاين)‪.‬‬
‫ري الختالف املقام)‪.‬‬‫واتلأخ ه‬
‫يم ل‬ ‫‪19‬ـ (قد يتل هف ل‬
‫اتلقد ه‬
‫ّ ه ل‬ ‫ه ل‬
‫ويؤخ هر األجَّل)‪.‬‬ ‫‪20‬ـ (يف مقام االستدالل يقد هم اجليل‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬قواعد يف تقديم املسند إيله‬
‫ه‬ ‫المسند ال همشت ِّق ال يهف ه‬
‫اتلخصيص‪ ،‬وقد يهستفاد من َعض‬
‫يد بذاته ل‬ ‫يم ال همسند إيله ىلع ه‬
‫‪21‬ـ (تقد ه‬

‫اتلخصيص بالقرائن)‪.‬‬ ‫مواقعه معىن ل‬

‫المسن هد إيله عقب حرف‬


‫نف‪ ،‬إذا لم يقع ه‬
‫يل الم ِّ‬
‫المسند إيله ىلع اخلرب الفع ِّ‬ ‫(األكرث يف تقديم ه‬
‫ه‬ ‫‪22‬ـ‬
‫اتلخصيص)‪.‬‬ ‫اتلق ِّوي‪ ،‬هدون ل‬
‫انلف‪ ،‬أن ال يهفيد تقديمه إال ل‬‫ل‬

‫اتلق ِّوي)‪.‬‬
‫يد ل‬‫عيل كثريا ً ما يهف ه‬ ‫يم ه‬
‫المسند إيله ىلع اخلرب الف ِّ‬ ‫‪23‬ـ (تقد ه‬

‫يد االختصاص)‪.‬‬ ‫عيل قد يهف ه‬ ‫يم ه‬


‫المسند إيله ىلع اخلرب الف ِّ‬ ‫‪24‬ـ (تقد ه‬

‫اتلق ِّوي»‬ ‫عيل اجل ه‬


‫مع بني قصد « ل‬ ‫المسند إيله ىلع اخلرب الف ِّ‬ ‫‪25‬ـ (قد َيتم هع يف تقديم ه‬

‫اتلخصيص»)‪.‬‬ ‫و« ل‬
‫‪26‬ـ (كثريا ً ما يتق لد هم ه‬
‫المسن هد إيله ىلع اخلرب الف ِّ‬
‫عيل يف الوعد والضمان)‪.‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬قواعد يف تقديم املسند وتقديم اللفظ ىلع اعمله‬
‫يد احلرص)‪.‬‬‫المسند إذا احت لفت به قرائن قد يهف ه‬ ‫يم ه‬
‫‪27‬ـ (تقد ه‬
‫ً‬ ‫يم اللفظ ىلع اعمله يهف ه‬
‫‪28‬ـ (تقد ه‬
‫يد االختصاص َغبلا)‪.‬‬
‫يد االختصاص)‪.‬‬ ‫جرور كثريا ً ما يهف ه‬‫الظرف أو الم ه‬‫ه ل‬
‫‪29‬ـ (تقديم‬
‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫يص مع ل‬ ‫اتلخص ه‬‫‪30‬ـ (حني َيتم هع ل‬
‫االهتمام أقوى)‪.‬‬ ‫اتلقديم يكون‬
‫املبحث السابع‪ :‬قواعد يف تقديم الضمري وتقديم املفعول‬
‫يد االختصاص)‬‫الضمري كثريا ً ما يهف ه‬
‫ه ل‬
‫‪31‬ـ (تقديم‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫يم لـما ماكنه اتلأخري يهراد به االختصاص)‪.‬‬ ‫‪32‬ـ (ليس ك تقد ٍ‬
‫اتلقديم احلرص من تقديم الم ه‬
‫فعول‬ ‫فعول مع اشتغال فعله بضمريه ه‬
‫آكد يف إفادة ل‬ ‫يم الم ه‬
‫‪33‬ـ (تقد ه‬

‫المشتغل بضمريه)‪.‬‬ ‫ىلع الفعل غري ه‬

‫‪59‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ر‬ ‫ُ‬
‫املفرسين (دراسة نظرية تطبيقية)‬ ‫يم واتلَّأخري عند‬
‫الفصل اثلاين‪ :‬قواعد اتلَّق ِد ِ‬
‫سأحتدث يف هذا الفصل عن القواعد اليت تتعلق باتلقديم واتلأخري عند املفرسين‪ ،‬وعندما‬
‫باتلقديم ل‬
‫واتلأخري يف القرآن‪ ،‬أو‬ ‫حبثت يف كتب علوم القرآن وأصول اتلفسري عن قواعد تتعلق ل‬ ‫ه‬

‫قواعد تتعلق باتلقديم واتلأخري عند املفرسين‪ ،‬لم أجد إال ثالث قواعد‪:‬‬
‫ً‬ ‫ل‬ ‫ه ه ِّ‬
‫رب ال يقد همون إال ما يعتنهون به َغبلا)‪.‬‬‫‪1‬ـ (الع‬
‫ِّ‬
‫اذلكر ال يلزم منه اتلقد هم يف ل‬
‫الزمان أو الرتبة)‬ ‫(اتلقد هم يف‬
‫‪2‬ـ ل‬
‫هاتان القاعدتان ذكرهما ادلكتور خادل السبت يف كتابه‪( :‬قواعد اتلفسري)‪ ،‬ل‬
‫وعرب عن القاعدة‬
‫اثلانية بقوهل‪( :‬اتلقدم يف اذلكر ال يعين اتلقدم يف الوقوع واحلكم)‪.‬‬
‫اتلقديم ل‬ ‫ه ل‬
‫الرتتيب همق لدم ىلع القول ب ل‬
‫واتلأخري)‪.‬‬ ‫‪3‬ـ (القول ب‬
‫ذكر هذه القاعدة ادلكتور حسني احلريب يف كتابه‪( :‬قواعد الرتجيح عند املفرسين)‪.‬‬
‫ثم قمت بابلحث يف ثنايا كتب اتلفسري القديمة واحلديثة‪ ،‬الستخراج القواعد اليت تتعلق‬
‫ه‬
‫فأضفت ىلع هذه‬ ‫باتلقديم واتلأخري‪ ،‬واليت ذكروها يف الكمهم وإن لم ينصوا ىلع أنها قاعدة‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ه‬ ‫ً‬
‫القواعد لكها ثالثا وثالثني قاعدة‪.‬‬ ‫القواعد‪ :‬ثالثني قاعدة‪ ،‬فأصبحت‬
‫ه‬
‫وتظهر أهمية هذه القواعد من كونها تتعلق بالقرآن العظيم وتفسريه‪ ،‬فالقرآن هو أفضل‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫وأنفعه وأبلغه‪.‬‬ ‫الالكم‬
‫ً‬ ‫ه‬
‫وهذه القواعد تظهر قيمة العلماء وأن هلم قواعد يعتمدون عليها يف علمهم‪ ،‬وأن هلم أصوال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ومنهجا دقيقا يسريون عليه‪.‬‬
‫ه‬
‫الوثيق بني علم اللغة العربية وعلم اتلفسري‪ ،‬وأنه ال بد للمفرس‬ ‫ه‬
‫الرتابط‬ ‫ويظهر يف هذه القواعد‬
‫أن يكون ىلع معرفة يف اللغة العربية‪.‬‬
‫وسأجعل الالكم يف هذه القواعد ىلع سبعة مباحث‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قواعد يف اتلقديم واتلفضيل‬
‫سأذكر يف هذا املبحث مخس قواعد من قواعد اتلقديم واتلأخري عند املفرسين‪ ،‬وه قواعد‬
‫متقاربة يف املعىن‪ ،‬وِف بعضها إضافة ىلع القواعد األخرى‪.‬‬
‫ِّ‬
‫اذلكر ال يلزم منه اتلقد هم يف ل‬
‫الزمان أو الرتبة)‪ ،‬سأذكر فيه أن‬ ‫(اتلقد هم يف‬
‫فأول قاعدة ه‪ :‬ل‬

‫اتلقدم يف اذلكر ال يدل بالرضورة ىلع أن املتقدم يف اذلكر أفضل من املتأخر‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫ه‬ ‫اتلقديم‪ :‬ل‬‫ثم سأذكر قاعدة‪( :‬ليس من لوازم ل‬
‫اتلفضيل)‪.‬‬
‫يم يهف ه‬
‫يد االهتمام)‪.‬‬ ‫وكذلك قاعدة‪( :‬العر هب ال هيق ِّد همون إال ما يعتنهون به َغبلاً)‪ .‬و ل‬
‫(اتلقد ه‬
‫ِّ‬ ‫المق لدم هو الغرض ه‬ ‫أن ه‬‫ل‬ ‫(اتلقد ه‬
‫و ل‬
‫المعتمد باذلكر وبسوق الالكم ألجله)‪.‬‬ ‫يم ديلل ىلع‬
‫وسأذكر أمثلة وتطبيقات ىلع هذه القواعد من الكم العلماء واملفرسين‪.‬‬
‫ً‬
‫وأبدأ مستعينا بالل تعاىل يف القاعدة األوىل‪:‬‬
‫َْ‬ ‫َّ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ر ْ‬ ‫َّ ُ‬
‫ان أو الرتبة)‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫الز‬ ‫يف‬ ‫م‬ ‫اتلقد‬ ‫منه‬ ‫لزم‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫ر‬
‫‪1‬ـ قاعدة‪( :‬اتلقدم يف اذل ِ‬
‫ك‬
‫هذه القاعدة ذكرها ادلكتور خادل السبت يف كتابه‪( :‬قواعد اتلفسري‪ ،)379 :‬وعرب عنها بقوهل‪:‬‬
‫(اتلقدم يف اذلكر ال يعين اتلقدم يف الوقوع واحلكم)‪.‬‬
‫ِّ‬
‫اذلكر ال يلزم منه اتلقد هم يف ل‬
‫الزمان أو الرتبة)‪.‬‬ ‫(اتلقد هم يف‬
‫وأقرتح أن تكون‪ :‬ل‬

‫ألن اتلقدم يف اذلكر قد يكون بسبب اتلقدم يف الزمان والوقوع أو اتلقدم يف املرتبة‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ل‬ ‫ِّ ل‬
‫وهذه القاعدة تبني أن تقديم ذكر الل ألمر ال يدل بالرضورة أنه أفضل مما أخره يف اذلكر‪ ،‬وال‬
‫ل‬
‫يدل بالرضورة كذلك ىلع أنه قدمه ألنه متقدم يف الزمان‪ ،‬فقد يكون اتلقديم ألغراض أخرى‪.‬‬
‫ً‬
‫وهذا َيعل املفرس واملتدبر للقرآن ال يتلكف أوجها بعيدة مبنية ىلع أن اتلقدم يف اذلكر هو إما‬
‫للتفضيل أو للتقدم يف الوقوع فقط‪ ،‬وحىت يبتعد عن حتميل انلص ما ال ُيتمل‪.‬‬
‫ه‬ ‫ل‬
‫‪1‬ـ ومن األمثلة ىلع هذه القاعدة قوهل تعاىل‪﴿ :‬وإذ قال هموىس لقومه إن الل يأ هم هركم أن تذحبهوا‬
‫ل‬ ‫ً ل ه‬ ‫ً‬
‫َقرة﴾ [ابلقرة‪ ،]67 :‬ثم قال بعد ذلك‪﴿ :‬وإذ قتلتهم نفسا فادارأتم فيها﴾ [ابلقرة‪ ]72 :‬معلوم أن اخلالف‬
‫واتلدارؤ يف القاتل وقع قبل أن يقول هلم موىس عليه السالم ذلك القول‪ ،‬يعين‪ :‬تم القتل بالفعل‪،‬‬
‫ل‬
‫وتم اخلالف يف القاتل‪ ،‬والقرآن الكريم يريد أن يشد األنظار‪ ،‬ويلفت االنتباه قال‪﴿ :‬وإذ قال‬
‫ً‬ ‫ه‬ ‫ل ل‬
‫هموىس لقومه إن اِل يأ هم هركم أن تذحبهوا َقرة﴾ [ابلقرة‪ ،]67 :‬ثم عرض لألمور لكها‪ ،‬وجدال موىس‪،‬‬
‫ه‬ ‫ِّ‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫أو جدال قوم موىس مع موىس عليه السالم‪﴿ :‬قالوا ادع نلا ر لبك يهبني نلا ما ه﴾ [ابلقرة‪﴿ ،]70 :‬قالوا‬
‫ل‬ ‫ِّ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ِّ‬ ‫ه‬
‫ادع نلا ر لبك يهبني نلا ما لونها﴾ [ابلقرة‪﴿ ]69 :‬قالوا ادع نلا ر لبك يهبني نلا ما ه إن ابلقر تشابه‬
‫ل ه‬
‫علينا﴾ [ابلقرة‪ ]70 :‬بعد ذلك يقول تعاىل‪﴿ :‬وإذ قتلتهم نف ًسا فادارأتم فيها﴾ [ابلقرة‪ ]72 :‬إذن اتلقدم يف‬
‫اذلكر ال يعين اتلقدم يف الوقوع واحلكم‪.‬‬
‫ً ل ه‬
‫قال اإلمام الرازي يف تفسريه‪( :‬أما قوهل تعاىل‪﴿ :‬وإذ قتلتهم نفسا فادارأتم فيها﴾ فاعلم أن وقوع‬
‫ً‬
‫ذلك القتل ال بد وأن يكون متقدما ألمره تعاىل باذلبح‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫أما اإلخبار عن وقوع ذلك القتل‪ ،‬وعن أنه ال بد وأن يرضب القتيل ببعض تلك ابلقرة‪ ،‬فال‬
‫ً‬
‫َيب أن يكون متقدما ىلع اإلخبار عن قصة ابلقرة‪ ،‬فقول من يقول‪ :‬هذه القصة َيب أن تكون‬
‫متقدمة يف اتلالوة ىلع األوىل خطأ‪ ،‬ألن هذه القصة يف نفسها َيب أن تكون متقدمة ىلع األول‬
‫يف الوجود‪.‬‬
‫ِّ‬
‫واجب؛ ألنه تارة يتقدم ذكر السبب ىلع ذكر احلكم‪ ،‬وأخرى ىلع‬
‫ٍ‬
‫اذلكر ه‬
‫فغري‬ ‫فأما اتلقد هم يف‬
‫العكس من ذلك‪ ،‬فكأنه ملا وقعت هلم تلك الواقعة‪ ،‬أمرهم تعاىل بذبح ابلقرة‪ ،‬فلما ذحبوها قال‪:‬‬
‫ً‬
‫وإذ قتلتم نفسا من قبل واختلفتم وتنازعتم‪ ،‬فإين مظهر لكم القاتل اذلي سرتتموه بأن يرضب‬
‫القتيل ببعض هذه ابلقرة املذبوحة‪ ،‬وذلك مستقيم‪.‬‬
‫ً‬
‫فإن قيل‪ :‬هب أنه ال خلل يف هذا انلظم‪ ،‬ولكن انلظم اآلخر َكن مستحسنا فما الفائدة يف‬
‫ترجيح هذا انلظم؟ قلنا‪ :‬إنما قدمت قصة األمر بذبح ابلقرة ىلع ذكر القتيل ألنه لو عمل ىلع‬
‫عكسه لاكنت قصة واحدة ولو َكنت قصة واحدة ذلهب الغرض من بينية اتلفريع) (‪.)1‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬
‫‪2‬ـ ومن األمثلة ىلع هذه القاعدة أيضا قول الل تعاىل لعيىس عليه السالم‪﴿ :‬إين همتوفيك‬
‫ل‬
‫وراف هعك إ ليل﴾ [آل عمران‪ ]55 :‬ىلع القول بأن املقصود بالوفاة هنا هو املوت احلقيق‪ ،‬فمعلوم أن الرفع‬
‫واقع قبله رافعك‪ ،‬ثم متوفيك إذن اتلقدم يف اذلكر ال يعين اتلقدم يف الوقوع واحلكم‪.‬‬
‫ً ه ه‬ ‫ه ه‬
‫‪3‬ـ وِف سورة ابلقرة يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬وادخلوا ابلاب هس لجدا وقولوا ح لطة﴾ [ابلقرة‪ ،]58 :‬وِف سورة‬
‫ً‬ ‫ه ه‬ ‫ه ه‬
‫األعراف قوهل تعاىل‪﴿ :‬وقولوا ح لطة وادخلوا ابلاب هس لجدا﴾ [األعراف‪ ]161 :‬يعين يف سورة ابلقرة‬
‫ً‬ ‫ه ه‬ ‫ه ه‬
‫دخول ابلاب قبل‪﴿ :‬وقولوا ح لطة﴾‪ ،‬ثم ﴿وادخلوا ابلاب هس لجدا﴾ هنا تقديم وتأخري‪ ،‬هذا املثال‬
‫يبني حقيقة مهمة تقول‪ :‬ال ينبيغ أن نتلكف يف استنباط علل اتلقديم واتلأخري‪ ،‬وإنما علينا أن‬
‫ننتبه فما وجدناه يهمكن أن يعلل هل بعلل واضحة ال تكلف فيها فيشء مقبول‪ ،‬أما أن نتلكف‬
‫فهذا تمحل وتعسف مرذول‪.‬‬
‫ه‬ ‫‪4‬ـ ومن األمثلة أيضا ً قوهل تعاىل‪﴿ :‬وإذ أخذنا من ل‬
‫انلبيِّني ميثاق ههم ومنك ومن ن ٍ‬
‫وح وإبراهيم‬
‫ًّ‬
‫و هموىس وعيىس ابن مريم﴾ [األحزاب‪ ،]7 :‬بدأ هنا بانليب صَّل الل عليه وسلم مع أن األنبياء زمنيا‬
‫أسبق منه يف الوجود يعين‪ :‬نوح وإبراهيم وموىس وعيىس عليهم السالم قبل انليب صَّل الل عليه‬

‫(‪ )1‬ـ مفاتيح الغيب ‪.551 :3‬‬


‫‪62‬‬
‫وسلم يف الوجود‪ ،‬لكن بدأ به صَّل الل عليه وسلم كما يقول علماء اتلقديم هنا للترشيف‬
‫واالهتمام‪.‬‬
‫ل‬ ‫ه‬
‫‪5‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬ث لم أورثنا الكتاب اذلين اصطفينا من عبادنا فمن ههم ظالم نلفسه ومن ههم‬
‫ري﴾ [فاطر‪ ]32 :‬قال اإلمام القرطيب‪:‬‬ ‫همقتصد ومن ههم سابق باخلريات بإذن الل ذلك ههو الفض هل الكب ه‬
‫ً‬
‫(وتكلم انلاس يف تقديم الظالم ىلع املقتصد والسابق فقيل‪ :‬اتلقديم يف اذلكر ال يقتض ترشيفا‪،‬‬
‫ل‬ ‫انلار وأص ه‬ ‫كقوهل تعاىل‪﴿ :‬ال يستوي أص ه‬
‫حاب ل‬
‫حاب اجلنة﴾ [احلرش‪.]20 :‬‬
‫وقيل‪ :‬قدم الظالم لكرثة الفاسقني منهم وغلبتهم وأن املقتصدين قليل باإلضافة إيلهم‪،‬‬
‫والسابقني أقل من القليل‪ ،‬ذكره الزخمرشي ولم يذكره غريه‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬قدم الظالم تلأكيد الرجاء يف حقه‪ ،‬إذ ليس هل َش يتلك عليه إال رمحة ربه‪ .‬واتكل‬
‫املقتصد ىلع حسن ظنه‪ ،‬والسابق ىلع طاعته‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬قدم الظالم َلال ييئس من رمحة الل‪ ،‬وأخر السابق َلال يعجب بعمله‪.‬‬
‫وقال جعفر بن حممد بن يلع الصادق ريض الل عنه‪ :‬قدم الظالم يلخرب أنه ال يتقرب إيله إال‬
‫برصف رمحته وكرمه‪ ،‬وأن الظلم ال يؤثر يف االصطفائية إذا َكنت ثم عناية‪ ،‬ثم ثىن باملقتصدين‪،‬‬
‫ألنهم بني اخلوف والرجاء‪ ،‬ثم ختم بالسابقني َلال يأمن أحد مكر الل‪ ،‬ولكهم يف اجلنة حبرمة لكمة‬
‫اإلخالص‪( :‬ال هلإ إال الل حممد رسول الل)‪.‬‬
‫وقال حممد بن يلع الرتمذي‪ :‬مجعهم يف االصطفاء إزالة للعلل عن العطاء‪ ،‬ألن االصطفاء‬
‫يوجب اإلرث‪ ،‬ال اإلرث يوجب االصطفاء‪ ،‬وذللك قيل يف احلكمة‪ :‬صحح النسبة ثم ادع يف‬
‫املرياث‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬أخر السابق يلكون أقرب إىل اجلنات واثلواب‪ ،‬كما قدم الصوامع وابليع يف سورة احلج‬
‫ىلع املساجد‪ ،‬تلكون الصوامع أقرب إىل اهلدم واخلراب‪ ،‬وتكون املساجد أقرب إىل ذكر الل‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن امللوك إذا أرادوا اجلمع بني األشياء باذلكر قدموا األدىن) (‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬ـ اجلامع ألحاكم القرآن ‪.349 :14‬‬


‫‪63‬‬
‫ُ‬
‫اتلقديم‪ :‬اتلفضيل)‬
‫ِ‬ ‫‪2‬ـ قاعدة‪( :‬ليس من لوازم‬
‫أو (ليس ك تقديم سببه هه ل‬
‫اتلفضيل)‬ ‫ٍ‬
‫ِّ‬
‫(اتلقد هم يف اذلكر ال يلزم منه اتلقد هم يف‬
‫هذه القاعدة معناها قريب من القاعدة السابقة‪ :‬ل‬
‫ِّ‬ ‫ل‬
‫الزمان أو الرتبة)‪ .‬إال أن القاعدة السابقة أضافت معىن أن اتلقدم يف اذلكر ال يلزم منه اتلقدم‬
‫يف الزمان‪.‬‬
‫انلبيِّني ميثاق ههم ومنك ومن ن ٍ‬
‫وح وإبراهيم‬ ‫ومن األمثلة ىلع ذلك‪ :‬قوهل تعاىل‪﴿ :‬وإذ أخذنا من ل‬
‫ً‬ ‫ِّ ً‬
‫و هموىس وعيىس ابن مريم وأخذنا من ههم ميثاقا غليظا﴾ [األحزاب‪ ]7 :‬قال الزخمرشي‪( :‬فإن قلت‪ :‬لـم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫قدم رسول اِل صَّل اِل عليه وسلم ىلع نوح فمن بعده؟‬
‫قلت‪ :‬هذا العطف بليان فضيلة األنبياء اذلين هم مشاهريهم وذراريهم‪ ،‬فلما َكن حممد صَّل‬
‫ّ‬
‫اِل عليه وسلم أفضل هؤالء املفضلني‪ :‬قدم عليهم بليان أنه أفضلهم‪ ،‬ولوال ذلك لقدم من قدمه‬
‫زمانه) (‪.)1‬‬
‫ل‬ ‫ل‬
‫وعقب ىلع ذلك اإلمام ابن املنري (املتوّف ‪683‬ه) فقال‪( :‬وليس اتلقديم يف اذلكر بمقتض ذللك‪،‬‬
‫أال ترى إىل قوهل‪:‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫المتخ ل هري (‪.)2‬‬ ‫ه‬
‫أمحد ه‬ ‫وم ه‬
‫نهم‬ ‫وابن أ ِّمه ‪ٌّ ...‬‬
‫يلع ه‬ ‫هايلل منهم جعفر ه‬‫ب‬
‫ً‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫صَّل ه‬ ‫ّ‬
‫الل عليه وسلم يلختم به ترشيفا هل‪ .‬وإذا ثبت أن اتلفضيل ليس من‬ ‫فأخر ذكر انليب‬
‫لوازمه اتلقديم‪ ،‬فيظهر‪ ،‬والل أعلم يف رس تقديمه عليه الصالة والسالم‪ ،‬ىلع نوح ومن بعده يف‬
‫ّ‬
‫املتلو‪ ،‬فاكن تقديمه ذللك‪.‬‬ ‫اذلكر‪ ،‬أنه هو املخاطب من بينهم‪ ،‬واملْنل عليه هذا‬
‫ثم ملا قدم ذكره عليه الصالة والسالم‪ ،‬جرى ذكر األنبياء‪ ،‬صلوات الل عليهم بعده ىلع ترتيب‬
‫أزمنة وجودهم‪ .‬والل أعلم) (‪.)3‬‬
‫َ )‬ ‫ُ َ ر ُ َ َّ َ َ َ ُ َ‬ ‫َ ُ‬
‫‪3‬ـ قاعدة‪( :‬العرب ال يقدمون إال ما يعتنون ب ِ ِه غ ِبلا)‪.‬‬
‫ً‬
‫أمر ما‪ ،‬وأناطوا به حكما‪ ،‬وقد‬
‫من اعدة العرب وهم أهل الفصاحة وابلالغة إذا أخربوا عن ٍ‬
‫يشاركه غريه يف ذلك احلكم‪ ،‬أو يف ما أخربوا به عنه‪ ،‬وعطفوا أحدهما ىلع اآلخر بالواو املقتضية‬

‫(‪ )1‬ـ الكشاف ‪.525 :3‬‬


‫(‪ )2‬ـ ديوان حسان بن ثابت‪.87 :‬‬
‫(‪ )3‬ـ «االنتصاف من الكشاف» مطبوع يف حاشية ىلع «الكشاف»‪ .‬بريوت‪ :‬دار الكتاب العريب‪ 1407 ،‬ه‪.525 :3 .‬‬
‫‪64‬‬
‫ل‬ ‫ِّ‬
‫باألهم واألوىل يف أغلب األحوال‪ ،‬وذللك جند أن العلل اليت‬ ‫عدم الرتتيب؛ فإنهم مع ذلك يبدؤون‬
‫تأيت تقول بسبب الترشيف‪ ،‬واتلعظيم‪ ،‬واألهمية‪ ،‬وقصد احلث عليه إىل غري ذلك من األمور يعين‪:‬‬
‫الصالة وآتهوا ل‬
‫الزَكة﴾ [ابلقرة‪ ]43 :‬يقول‪ :‬يبدأ‬ ‫يموا ل‬
‫يقول املفرسون ويقول العلماء يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬وأق ه‬

‫يقولون‪ :‬بدأ بما هو أعظم‬ ‫[املائدة‪]92 :‬‬ ‫الر هسول﴾‬


‫يعوا ل‬ ‫بالصالة؛ ألنلها األهم‪﴿ ،‬وأط ه‬
‫يعوا الل وأط ه‬

‫﴿واخليل وابلغال واحلمري﴾ [انلحل‪ ]8 :‬يقولون‪ :‬بدأ بما هو أرشف‪ ،‬وما هو أهم‪ ،‬وما هو أفيد ﴿من‬
‫ً ً‬ ‫ل‬
‫َعد وص لي ٍة يهويص بها أو دي ٍن﴾ [النساء‪ ]11 :‬يقولون‪ :‬قدم الوصية مع أن ادلين مقدم عليها رشاع حثا‬
‫ل‬ ‫ً‬
‫وحذرا من اتلهاون بها؛ ألن انلاس يعين ممكن أن يفرطوا يف الوصية وال يفرطون يف ادلين‪،‬‬ ‫عليها‪،‬‬
‫ادلين هل من يطالب به ومن يبحث عنه (‪.)1‬‬
‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫ّ ل‬
‫قال سيبويه‪( :‬كأنهم إنما يقدمون اذلي بيانه أهم هلم وهم ببيانه أعىن‪ ،‬وإن َكنا مجيعا يهه لمانهم‬
‫ويعنيانهم) (‪.)2‬‬
‫‪1‬ـ ومن األمثلة ىلع ذلك‪ ،‬قوهل تعاىل‪﴿ :‬قال أراغب أنت عن آلهيت يا إبراه ه‬
‫يم لِئ لم تنته‬
‫ً‬ ‫ه ل‬
‫ألرمجنك واه هجرين مل ّيا﴾ [مريم‪ ]46 :‬قال اإلمام الزخمرشي‪( :‬ملا أطلعه ىلع سماجة صورة أمره‪ ،‬وهدم‬
‫مذهبه باحلجج القاطعة‪ ،‬وناصحه املناصحة العجيبة مع تلك املالطفات‪ ،‬أقبل عليه الشيخ‬
‫بفظاظة الكفر وغلظة العناد‪ ،‬فناداه باسمه‪ ،‬ولم يقابل يا أبت بيا ّ‬
‫بين‪.‬‬
‫يم﴾؛ ألنه َكن ّ‬ ‫ّ‬
‫وقدم اخلرب ىلع املبتدأ يف قوهل‪﴿ :‬أراغب أنت عن آلهيت يا إبراه ه‬
‫أهم عنده وهو‬
‫عنده أ عىن‪ ،‬وفيه رضب من اتلعجب واإلنكار لرغبته عن آهلته‪ ،‬وأن آهلته‪ ،‬ما ينبيغ أن يرغب‬
‫عنها أحد‪.‬‬
‫وِف هذا سلوان وثلج لصدر رسول الل صَّل الل عليه وسلم عما َكن يلىق من مثل ذلك من‬
‫كفار قومه) (‪.)3‬‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ً ً ه‬ ‫هه‬
‫‪2‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬إذ قال ألَيه وقومه ماذا تعبدون‪ .‬أئفاك آلهة دون الل تريدون﴾ الصافات‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫[‪85‬ـ ‪ ]86‬قال‪( :‬أإفاك مفعول هل‪ ،‬تقديره‪ :‬أتريدون آهلة من دون الل إفاك‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ هذه القاعدة ذكرها ادلكتور خادل السبت يف كتابه‪( :‬قواعد اتلفسري)‪ .‬انظر‪ :‬قواعد اتلفسري لدلكتور خادل السبت‪:‬‬
‫‪ .380‬وفيه‪ :‬انظر الربهان للزركيش ‪ ،235 :3‬اإلكسري‪ ،154 :‬اإلتقان ‪ ،35 :3‬فتح ابلاري ‪ ،102 :7‬تفسري القاسيم ‪،261 :1‬‬
‫احلروف العاملة يف القرآن الكريم‪ ،34 :‬بدائع اتلفسري ‪.394 :1‬‬
‫(‪ )2‬ـ الكتاب لسيبويه ‪.34 :1‬‬
‫(‪ )3‬ـ الكشاف‪.20 :3 .‬‬
‫‪65‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األهم عنده أن‬ ‫وإنما قدم املفعول ىلع الفعل للعناية‪ ،‬وقدم املفعول هل ىلع املفعول به‪ ،‬ألنه َكن‬
‫يكافحهم بأنهم ىلع إفك وباطل يف رشكهم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وَيوز أن يكون إفاك مفعوال‪ ،‬يعين‪ :‬أتريدون به إفاك‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً ه‬
‫ثم فرس اإلفك بقوهل ﴿آلهة دون الل﴾ ىلع أنها إفك يف أنفسها‪ .‬وَيوز أن يكون حاال‪ ،‬بمعىن‪:‬‬
‫ً‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫أتريدون آهلة من دون الل آفكني فما ظنكم بمن هو احلقيق بالعبادة‪ ،‬ألن من َكن ربا للعاملني‬
‫ّ‬
‫استحق عليهم أن يعبدوه‪ ،‬حىت تركتم عبادته إىل عبادة األصنام‪ :‬واملعىن‪ :‬أنه ال يقدر يف وهم وال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ظن ما يصد عن عبادته‪ .‬أو فما ظنكم به أى َشء هو من األشياء‪ ،‬حىت جعلتم األصنام هل أندادا‪.‬‬
‫أو فما ظنكم به ماذا يفعل بكم وكيف يعاقبكم وقد عبدتم غريه)؟ (‪.)1‬‬
‫‪3‬ـ وقال اإلمام الرازي‪( :‬لم قال هاهنا‪﴿ :‬ال ريب فيه﴾ [ابلقرة‪ ]2 :‬وِف موضع آخر‪﴿ :‬ال فيها‬
‫غول﴾ [الصافات‪]47 :‬؟ اجلواب‪ :‬ألنهم يقدمون األهم فاألهم‪ ،‬وهاهنا األهم نف الريب باللكية عن‬
‫ً‬
‫الكتاب‪ ،‬ولو قلت‪ :‬ال فيه ريب ألوهم أن هناك كتابا آخر حصل الريب فيه ال ها هنا‪ ،‬كما قصد‬
‫يف قوهل‪﴿ :‬ال فيها غول﴾ تفضيل مخر اجلنة ىلع مخور ادلنيا‪ ،‬فإنها ال تغتال العقول كما تغتاهلا مخرة‬
‫ادلنيا السؤال اثلالث‪ :‬من أين يدل قوهل‪ :‬ال ريب فيه ىلع نف الريب باللكية؟ اجلواب‪ :‬قرأ أبو‬
‫الشعثاء ال ريب فيه بالرفع‪ .‬واعلم أن القراءة املشهورة توجب ارتفاع الريب باللكية‪ ،‬وادليلل‬
‫عليه أن قوهل‪﴿ :‬ال ريب﴾ نف ملاهية الريب ونف املاهية يقتض نف ك فرد من أفراد املاهية‪ ،‬ألنه‬
‫لو ثبت فرد من أفراد املاهية ثلبتت املاهية‪ ،‬وذلك يناقض نف املاهية‪ ،‬وهلذا الرس َكن قونلا‪« :‬ال هلإ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫إال اِل» نفيا جلميع اآلهلة سوى الل تعاىل‪ .‬وأما قونلا‪« :‬ال ريب فيه» بالرفع فهو نقيض لقونلا‪« :‬ريب‬
‫فيه» وهو يفيد ثبوت فرد واحد‪ ،‬فذلك انلف يوجب انتفاء مجيع األفراد يلتحقق اتلناقض) (‪.)2‬‬
‫[اتلوبة‪:‬‬ ‫المرشكني استجارك فأجر هه ح لىت يسمع الكم الل﴾‬
‫‪4‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬وإن أحد من ه‬

‫‪ .]6‬قال‪( :‬أحد مرتفع بفعل مضمر يفرسه الظاهر‪ ،‬وتقديره‪ :‬وإن استجارك أحد‪ ،‬وال َيوز أن يرتفع‬
‫باالبتداء ألن إن من عوامل الفعل ال يدخل ىلع غريه‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬ملا َكن اتلقدير ما ذكرتم فما احلكمة يف ترك هذا الرتتيب احلقيق؟‬

‫(‪ )1‬ـ الكشاف‪.49 :4 .‬‬


‫(‪ )2‬ـ مفاتيح الغيب ‪.266 :2‬‬
‫‪66‬‬
‫قلنا‪ :‬احلكمة فيه ما ذكره سيبويه‪ ،‬وهو أنهم يقدمون األهم واذلي هم بشأنه‪ ،‬أعين وقد بينا‬
‫هاهنا أن ظاهر ادليلل يقتض إباحة دم املرشكني‪ ،‬فقدم ذكره يلدل ذلك ىلع مزيد العناية بصون‬
‫دمه عن اإلهدار‪ ،‬قال الزجاج‪ :‬املعىن إن طلب منك أحد منهم أن جتريه من القتل إىل أن يسمع‬
‫الكم اِل فأجره) (‪.)1‬‬
‫ً‬
‫‪5‬ـ وقال أيضا‪( :‬قوهل‪« :‬سالم» لفظة منكرة‪ ،‬فاكن املراد منه سالم َكمل تام‪ ،‬وىلع هذا اتلقدير‪:‬‬
‫فقد صارت هذه انلكرة موصوفة‪ ،‬فصح جعلها مبتدأ‪ ،‬وإذا َكن كذلك فحينئذ ُيصل اخلرب وهو‬
‫قوهل‪« :‬عليكم» واتلقدير‪ :‬سالم َكمل تام عليكم‪ .‬واثلاين‪ :‬أن َيعل قوهل‪« :‬عليكم» صفة لقوهل‪:‬‬
‫«سالم» فيكون ُمموع قوهل‪« :‬سالم عليكم» مبتدأ ويضمر هل خرب‪ ،‬واتلقدير‪ :‬سالم عليكم‬
‫واقع َكئن حاصل‪ ،‬وربما َكن حذف اخلرب أدل ىلع اتلهويل واتلفخيم‪.‬‬
‫إذا عرفت هذا فنقول‪ :‬إنه عند اجلواب يقلب هذا الرتتيب فيقال وعليكم السالم‪ ،‬والسبب‬
‫فيه ما قاهل سيبويه أنهم يقدمون األهم واذلي هم بشأنه أعىن‪ ،‬فلما قال وعليكم السالم دل ىلع‬
‫ً‬
‫أن اهتمام هذا املجيب بشأن ذلك القائل شديد َكمل‪ ،‬وأيضا فقوهل‪« :‬وعليكم السالم» يفيد‬
‫ً‬
‫احلرص‪ ،‬فكأنه يقول إن كنت قد أوصلت السالم إيل فأنا أزيد عليه وأجعل السالم خمتصا بك‬
‫ه‬ ‫ل‬ ‫ه ِّ ه‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وحمصورا فيك امتثاال لقوهل تعاىل‪﴿ :‬وإذا حييتم بتحي ٍة فحيوا بأحسن منها أو ردوها﴾ [النساء‪]86 :‬‬

‫ومن لطائف قوهل‪« :‬سالم عليكم» أنها أكمل من قوهل‪« :‬السالم عليك» وذلك ألن قوهل‪« :‬سالم‬
‫عليك» معناه‪ :‬سالم َكمل تام رشيف رفيع عليك‪.‬‬
‫وأما قوهل‪ :‬السالم عليك‪ ،‬فالسالم لفظ مفرد حمَّل باأللف والالم‪ ،‬وأنه ال يفيد إال أصل‬
‫املاهية‪ ،‬واللفظ ادلال ىلع أصل املاهية ال إشعار فيه باألحوال العارضة للماهية وبكماالت‬
‫املاهية‪ ،‬فاكن قوهل‪« :‬سالم عليك» أكمل من قوهل‪« :‬السالم عليك» ومما يؤكد هذا املعىن أنه أينما‬
‫ل‬
‫جاء لفظ «السالم» من الل تعاىل ورد ىلع سبيل اتلنكري‪ ،‬كقوهل‪﴿ :‬وإذا جاءك اذلين يهؤمنهون بيآياتنا‬
‫ل‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫فقل سالم عليكم﴾ [األنعام‪ ]54 :‬وقوهل‪﴿ :‬قل احلمد ِل وسالم ىلع عباده اذلين اصطىف﴾ [انلمل‪:‬‬

‫‪ ]59‬وِف القرآن من هذا اجلنس كثري) (‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ـ مفاتيح الغيب ‪.530 :15‬‬


‫(‪ )2‬ـ مفاتيح الغيب ‪.137 :16‬‬
‫‪67‬‬
‫ل‬
‫وقال حازم القرطاجين (املتوّف ‪684‬ه)‪( :‬يبدأ يف احلسن بما ظهور احلسن فيه أوضح‪ ،‬وما‬
‫انلفس بتقديمه أعىن‪ .‬ويبدأ يف اذلم بما ظهور القبح فيه أوضح‪ ،‬وانلفس باالتلفات إيله أعىن‪،‬‬
‫ً‬
‫ويتنقل يف اليشء إىل ما يليه من املزية يف ذلك‪ ،‬ويكون بمْنلة املصور اذلين يصور أوال ما حل‬
‫من رسوم ختطيط اليشء‪ ،‬ثم ينتقل إىل األدق فاألدق) (‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫َّ ُ ُ ُ‬
‫يم ي ِفيد االهت ِمام)‬ ‫‪4‬ـ قاعدة‪( :‬اتلق ِد‬
‫هذه القاعدة ذكرها اإلمام ابن اعشور يف تفسريه فقال‪( :‬وهو مصدق بقاعدة‪ :‬إفادة اتلقديم‬
‫ً‬
‫االهتمام مطلقا‪ ،‬وإن أهملوا اتلنبيه ىلع جريان تلك القاعدة عندما ذكروا الفروق بني اجلملة‬
‫الفعلية واالسمية يف كتب املعاين‪.‬‬
‫وأشار إيله صاحب الكشاف هنا بكالم دقيق ادلاللة) (‪.)2‬‬
‫هه‬ ‫‪1‬ـ ومن األمثلة ىلع ذلك‪ :‬تقديم السمع ىلع ابلرص‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ختم ه‬
‫الل ىلع قلوبهم وىلع‬
‫سمعهم وىلع أبصارهم غشاوة ول ههم عذاب عظيم﴾ [ابلقرة‪ .]7 :‬قال الشيخ ابن اعشور‪( :‬وِف تقديم‬
‫السمع ىلع ابلرص يف مواقعه من القرآن ديلل ىلع أنه أفضل فائدة لصاحبه من ابلرص فإن اتلقديم‬
‫مؤذن بأهمية املقدم وذلك ألن السمع آلة تللق املعارف اليت بها كمال العقل‪ ،‬وهو وسيلة بلوغ‬
‫دعوة األنبياء إىل أفهام األمم ىلع وجه أكمل من بلوغها بواسطة ابلرص لو فقد السمع‪ ،‬وألن السمع‬
‫ترد إيله األصوات املسموعة من اجلهات الست بدون توجه‪ ،‬خبالف ابلرص فإنه ُيتاج إىل اتلوجه‬
‫باالتلفات إىل اجلهات غري املقابلة) (‪.)3‬‬
‫‪2‬ـ وقال أيضا ً عند قوهل تعاىل‪﴿ :‬وِل األسم ه‬
‫اء احلهسىن فاد هع ه‬
‫وه بها﴾ [األعراف‪( :]180:‬وتقديم‬
‫املجرور املسند ىلع املسند إيله ملجرد االهتمام املفيد تأكيد استحقاقه إياها‪ ،‬املستفاد من الالم‪،‬‬
‫ل‬
‫وه بها وذ هروا اذلين يهلح هدون يف أسمائه﴾‬
‫واملعىن أن اتسامه بها أمر ثابت‪ ،‬وذلك تمهيد لقوهل‪﴿ :‬فاد هع ه‬

‫[األعراف‪ ،]180 :‬وقد الزتم مثل هذا اتلقديم يف مجيع اآلي اليت يف هذا الغرض مثل قوهل يف سورة‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫اإلرساء [‪﴿ ]110‬فله األسماء احل هسىن﴾ وسورة طه [‪﴿ ]8‬هل األسماء احل هسىن﴾ وِف سورة احلرش [‪]24‬‬
‫﴿ ههل األسم ه‬
‫اء احلهسىن﴾ ‪ ،‬وَّك ذلك تأكيد للرد ىلع املرشكني أن يكون بعض األسماء الواردة يف‬

‫(‪ )1‬ـ منهاج ابللغاء ورساج األدباء للقرطاجين‪.89 :‬‬


‫(‪ )2‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.265 :1‬‬
‫(‪ )3‬ـ اتلحرير واتلنوير‪.258 :1 .‬‬
‫‪68‬‬
‫القرآن أو الكم انليب صَّل الل عليه وسلم أسماء لل تعاىل بتخييلهم أن تعدد االسم تعدد للمسىم‬
‫ً‬
‫تمويها ىلع ادلهماء) (‪.)1‬‬
‫ً‬ ‫ه‬ ‫ل ه‬ ‫ه‬ ‫ً‬
‫الر هسول عليكم شهيدا﴾ [ابلقرة‪( :]143 :‬وتقديم اجلار‬ ‫‪3‬ـ وقال أيضا عند قوهل تعاىل‪﴿ :‬ويكون‬
‫واملجرور ىلع اعمله ال أراه إال ملجرد االهتمام بترشيف أمر هذه األمة حىت أنها تشهد ىلع األمم‬
‫والرسل وه ال يشهد عليها إال رسوهلا‪ ،‬وقد يكون تقديمه تلكون اللكمة اليت ختتم بها اآلية يف‬
‫حمل الوقف لكمة ذات حرف مد قبل احلرف األخري ألن املد أمكن للوقوف وهذا من بدائع‬
‫فصاحة القرآن‪ ،‬وقيل تقديم املجرور مفيد لقرص الفاعل ىلع املفعول وهو تكلف ومثله غري‬
‫معهود يف الكمهم) (‪.)2‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫‪4‬ـ وقال عند قوهل تعاىل‪﴿ :‬وجعلوا ِل رشلاء اجل لن﴾ [األنعام‪( :]100 :‬وتقديم املجرور ىلع املفعول‬
‫ه‬
‫يف قوهل‪ِ﴿ :‬ل رشلاء﴾ لالهتمام واتلعجيب من خطل عقوهلم إذ َيعلون لل رشلاء من خملوقاته‬
‫ألن املرشكني يعرتفون بأن الل هو خالق اجلن‪ ،‬فهذا اتلقديم جرى ىلع خالف مقتىض الظاهر‬
‫ألجل ما اقتىض خالفه‪.‬‬
‫ً‬
‫والكم «الكشاف» َيعل تقديم املجرور يف اآلية لالهتمام باعتقادهم الرشيك لل اهتماما يف‬
‫مقامه وهو االستفظاع واإلنكار اتلوبييخ (‪ .)3‬وتبعه يف «املفتاح» إذ قال يف تقديم بعض‬
‫املعموالت ىلع بعض‪« :‬للعناية بتقديمه لكونه نصب عينك كما جتدك إذا قال لك أحد‪ :‬عرفت‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫رشلاء لل‪ ،‬يقف شعرك وتقول‪ :‬لل رشلاء‪.‬وعليه قوهل تعاىل‪﴿ :‬وجعلوا ِل رشلاء﴾» ا ـه(‪ )4‬فيكون‬
‫ً‬
‫تقديم املجرور جاريا ىلع مقتىض الظاهر (‪.)5‬‬
‫هل هك هفوا ً أحد﴾ [اإلخالص‪( :]4 :‬وتقديم املجرور بقوهل‪ :‬ه‬
‫﴿هل﴾‬
‫ه‬
‫كن ه‬ ‫‪5‬ـ وقال عند قوهل تعاىل‪﴿ :‬ولم ي‬
‫هه ً‬
‫ىلع متعلقه وهو ﴿كفوا﴾ لالهتمام باستحقاق الل نف كفاءة أحد هل‪ ،‬فاكن هذا االهتمام مرجحا‬

‫(‪ )1‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.186 :9‬‬


‫(‪ )2‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.22 :2‬‬
‫(‪ )3‬ـ قال الزخمرشي يف الكشاف ‪( :52 :2‬فإن قلت‪ :‬فما فائدة اتلقديم؟ قلت‪ :‬فائدته استعظام أن يتخذ لل رشيك من‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫َكن ملاك أو جنيا أو إنسيا أو غري ذلك‪ .‬وذللك قدم اسم الل ىلع الرشلاء)‪.‬‬
‫(‪ )4‬ـ انظر‪ :‬مفتاح العلوم للساكيك‪.237 :‬‬
‫(‪ )5‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.406 :7‬‬
‫‪69‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تقديم املجرور ىلع متعلقه وإن َكن األصل تأخري املتعلق إذ َكن ظرفا لغويا‪ .‬وتأخريه عند سيبويه‬
‫مقتض كما أشار إيله يف «الكشاف» (‪.)1‬‬
‫ٍ‬ ‫أحسن ما لم يقتض اتلقديم‬
‫ً‬ ‫ل‬ ‫ه ه ِّ‬
‫رب ال يقد همون إال ما يعتنهون به َغبلا)‪.‬‬ ‫وهذه القاعدة معناها قريب من القاعدة السابقة‪( :‬الع‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ر ْ‬ ‫ُ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ ُ َ َّ‬ ‫َّ ُ َ‬
‫يم د ِيلل ىلع أن المقدم هو الغ َرض المعتمد باذلك ِر وب ِسو ِق الَك ِم ألجلِه)‬ ‫‪5‬ـ قاعدة‪( :‬اتلق ِد‬
‫‪1‬ـ هذه القاعدة ذكرها اإلمام الزخمرشي يف تفسريه عند قوهل تعاىل‪﴿ :‬لقد هوعدنا هذا حن هن‬
‫ّ‬
‫ري األ لولني﴾ [انلمل‪( :]68:‬فإن قلت‪ :‬قدم يف هذه اآلية‪﴿ :‬هذا﴾ ىلع‬ ‫آباؤنا من قب هل إن هذا إ لال أساط ه‬
‫ه‬
‫و‬
‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ه‬
‫﴿حن هن وآباؤنا﴾ وِف آية أخرى قدم‪﴿ :‬حن هن وآباؤنا﴾ ىلع ﴿هذا﴾؟‬
‫ل‬
‫قلت‪ :‬اتلقديم ديلل ىلع أن املقدم هو الغرض املتعمد باذلكر‪ ،‬وأن الالكم إنما سيق ألجله‪ ،‬فف‬
‫ل‬
‫إحدى اآليتني دل ىلع أن اختاذ ابلعث هو اذلي تعمد بالالكم‪ ،‬وِف األخرى ىلع أن اختاذ املبعوث‬
‫بذلك الصدد) (‪.)2‬‬
‫وقال اإلمام ابن اعشور يف تفسريه‪( :‬وقد تقدم يف سورة املؤمنني حاكية مثل هذه املقالة عن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اذلين كفروا إال أن اسم اإلشارة األول وقع مؤخرا عن ﴿حن هن﴾ يف سورة املؤمنني ووقع مقدما‬
‫عليه هنا‪.‬‬
‫وتقديمه وتأخريه سواء يف أصل املعىن ألنه مفعول ثان لـ ﴿ هوعدنا﴾ وقع بعد نائب الفاعل يف‬
‫اآليتني‪ .‬وإنما يتجه أن يسأل عن تقديمه ىلع توكيد الضمري الواقع نائبا ىلع الفاعل‪.‬‬
‫وقد ناطها يف «الكشاف» بأن اتلقديم ديلل ىلع أن املقدم هو الغرض املعتمد باذلكر وبسوق‬
‫الالكم ألجله‪.‬‬
‫ل‬
‫وبينه الساكيك يف «املفتاح» بأن ما وقع يف سورة املؤمنني َكن بوضع املنصوب بعد املرفوع وذلك‬
‫موضعه‪ .‬وأما ما يف سورة انلمل فقدم املنصوب ىلع املرفوع لكونه فيها أهم‪ ،‬يدلك ىلع ذلك أن‬
‫هل ه ً‬ ‫ه‬ ‫هل ه ً‬
‫اذلي قبله‪﴿ :‬أإذا كنا ترابا وآباؤنا﴾ [انلمل‪ ،]67 :‬واذلي قبل آية سورة املؤمنني‪﴿ :‬أإذا متنا وكنا ترابا‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وعظاما﴾‪ ،‬فاجلهة املنظور فيها هناك «يف سورة املؤمنني» ه كون أنفسهم ترابا وعظاما‪ ،‬واجلهة‬

‫(‪ )1‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪ .620 :30‬قال الزخمرشي يف الكشاف ‪( :818 :4‬فإن قلت‪ :‬الالكم العريب الفصيح أن يؤخر الظرف‬
‫ل‬
‫اذلي هو لغو غري مستقر وال يقدم‪ ،‬وقد نص سيبويه ىلع ذلك يف كتابه‪ ،‬فما باهل مقدما يف أفصح الكم وأعربه؟‬
‫قلت‪ :‬هذا الالكم إنما سيق نلف املاكفأة عن ذات ابلاري سبحانه‪ ،‬وهذا املعىن مصبه ومركزه هو هذا الظرف‪ ،‬فاكن ذللك‬
‫أهم َشء وأعناه‪ ،‬وأحقه باتلقدم وأحراه)‪.‬‬
‫(‪ )2‬ـ الكشاف ‪.380 :3‬‬
‫‪70‬‬
‫ً‬
‫املنظور فيها هنا يف سورة انلمل ه كون أنفسهم وكون آبائهم ترابا ال جزء هناك من بناهم «مجع‬
‫ً‬
‫بنية» ىلع ـ أي باقيا ـ صورة نفسه «أي ىلع صورته اليت َكن عليها وهو يح»‪ .‬وال شبهة أنها أدخل‬
‫عندهم يف تبعيد ابلعث فاستلزم زيادة االعتناء بالقصد إىل ذكره فصريه هذا العارض أهم اه) (‪.)1‬‬
‫ه‬ ‫ل‬
‫اختذ م لما يله ه‬ ‫ً‬
‫ات وأصفاكم بابلنني﴾ [الزخرف‪:]16 :‬‬
‫ٍ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫م‬‫أ‬ ‫﴿‬ ‫‪:‬‬‫تعاىل‬ ‫قوهل‬ ‫عند‬ ‫‪2‬ـ وقال أيضا‬
‫(وتقديم «ابلنات» يف اذلكر ىلع «ابلنني» ألن ذكرهن أهم هنا إذ هو الغرض املسوق هل الالكم خبالف‬
‫ً‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫مقام قوهل‪﴿ :‬أفأصفاكم ربكم بابلنني واختذ من المالئكة إناثا﴾ يف سورة اإلرساء[‪ ]40‬وملا يف‬
‫اتلقديم من الرد ىلع املرشكني يف حتقريهم ابلنات وتطريهم منهن مثل ما تقدم يف سورة الشورى)‬
‫(‪.)2‬‬
‫هل‬ ‫ً‬
‫‪3‬ـ وقال أيضا‪( :‬وتقديم «لكما» ىلع العامل استعمال شائع ال يكاد يتخلف‪ ،‬ألنهم يريدون‬
‫بتقديمه االهتمام به‪ ،‬يلظهر أنه هو حمل الغرض املسوقة هل مجلته‪ ،‬فإن استمرار صنيعهم ذلك مع‬
‫مجيع الرسل يف مجيع األوقات ديلل ىلع أن اتلكذيب والقتل صارا سجيتني هلم ال تتخلفان‪ ،‬إذ لم‬
‫ينظروا إىل حال رسول دون آخر وال إىل زمان دون آخر‪ ،‬وذلك أظهر يف فظاعة حاهلم‪ ،‬وه املقصود‬
‫هنا‪.‬‬
‫هل‬
‫وبهذا اتلقديم يرشب ظرف «لكما» معىن الرشطية فيصري العامل فيه بمْنلة اجلواب هل‪ ،‬كما‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬
‫تصري أسماء الرشط متقدمة ىلع أفعاهلا وأجوبتها يف حنو ﴿أينما تكونوا يهدركك هم الموت﴾‬
‫هل‬
‫[النساء‪ ]78:‬إال أن «لكما» لم يسمع اجلزم بعدها وذللك لم تعد يف أسماء الرشط ألن«ك» بعيد عن‬
‫معىن الرشطية‪.‬‬
‫واحلق أن إطالق الرشط عليها يف الكم بعض انلحاة تسامح‪ .‬وقد أطلقه صاحب الكشاف يف‬
‫ه‬ ‫هل‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫هذه اآلية‪ ،‬ألنه لم َيد هلا سببا لفظيا يوجب تقديمها خبالف ما يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬أفلكما جاءكم‬
‫ً‬ ‫هل‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫ر هسول بما ال تهوى أنف هسك هم استكربتم﴾ يف سورة ابلقرة[‪ ،]87‬وِف قوهل‪﴿ :‬أولكما اعه هدوا عهدا‬
‫نبذ هه فريق من ههم﴾ [‪]100‬يف تلك السورة؛ فإن اتلقديم فيهما تبع لوقوعهما متصلتني بهمزة االستفهام‬
‫كما ذكرناه هنالك‪ ،‬وإن َكن قد سكت عليهما يف الكشاف لظهور أمرهما يف تينك اآليتني) (‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.25 :20‬‬


‫(‪ )2‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.179 :25‬‬
‫(‪ )3‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.273 :6‬‬
‫‪71‬‬
‫ل‬ ‫ً‬
‫‪4‬ـ وقال أيضا‪( :‬وتقديم املسند يف قوهل‪﴿ :‬لذلين استجابهوا لر ِّبه هم احلهسىن﴾ [الرعد‪ ،]18 :‬ألنه األهم‬
‫ألن الغرض اتلنويه بشان اذلين استجابوا مع جعل احلسىن يف مرتبة املسند إيله‪ ،‬وِف ذلك تنويه‬
‫ً‬
‫بها أيضا‪.‬‬
‫وأما اخلرب عن وعيد اذلين لم يستجيبوا فقد أجري ىلع أصل نظم الالكم يف اتلقديم واتلأخري‬
‫ً‬
‫لقلة االكرتاث بهم‪ .‬وتقدم نظري قوهل‪﴿ :‬لو أ لن ل ههم ما يف األرض مجيعا﴾ يف سورة العقود[‪.)1( )]36‬‬
‫الراس هخون يف العلم من ههم و ه‬
‫المؤم هنون يهؤمنهون بما‬ ‫‪5‬ـ وِف تفسري املنار عند قوهل تعاىل‪﴿ :‬لكن ل‬

‫المؤمنهون بالل وايلوم اآلخر‬ ‫المؤتهون ل‬


‫الزَكة و ه‬ ‫الصالة و ه‬ ‫المقيمني ل‬ ‫أهنزل إيلك وما أهنزل من قبلك و ه‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ه‬
‫أوَلك سنهؤتيهم أجرا عظيما﴾ [النساء‪( :]162 :‬وقد يرد ههنا سؤال‪ ،‬وهو أن من سنة القرآن أن يذكر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اإليمان بالل قبل العمل الصالح‪ ،‬سواء ذكر اإليمان غفال مطلقا‪ ،‬أو ذكرت أرلانه لكها أو بعضها‬
‫هه ً‬ ‫ل ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل ل‬
‫كقوهل تعاىل‪﴿ :‬إن اذلين آمنوا وعملوا الصاحلات َكنت لهم جنات الفردوس نزال﴾ [الكهف‪]107 :‬‬
‫ه‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫الصابئني من آمن بالل وايلوم‬ ‫انلصارى و ل‬ ‫ادوا و ل‬ ‫ومثلها كثري‪ ،‬وكقوهل‪﴿ :‬إن اذلين آمنهوا واذلين ه‬
‫ه‬ ‫ً‬
‫اآلخر وعمل صاحلا فل ههم أج هرهم عند ر ِّبهم﴾ [ابلقرة‪.]62 :‬‬
‫واجلواب‪ :‬أن القاعدة األساسية يف اتلقديم واتلأخري ه أن يقدم األهم‪ ،‬اذلي يقتضيه السياق‬
‫ال األهم يف ذاته؛ وذللك قال تعاىل يف سياق ختطئة املفاخرين بدينهم باألماين‪﴿ :‬ومن يعمل من‬
‫ً‬ ‫ه ه‬ ‫ل‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬
‫الصاحلات من ذك ٍر أو أنَث وهو مؤمن فأوَلك يدخلون اجلنة وال يظلمون نقريا﴾ [النساء‪]124 :‬‬
‫ً ه‬ ‫ِّ ه‬
‫اين أهل الكتاب من يعمل هسوءا َيز به﴾‪.‬‬ ‫كم وال أم ِّ‬ ‫بعدما قال يف اآلية اليت قبلها‪﴿ :‬ليس بأماني‬
‫فالسياق بليان أن العربة بالعمل بادلين‪ ،‬ال باالنتماء إيله وإىل الرسول اذلي جاء به والفخر‬
‫بذلك‪ ،‬فقدم ذكر العمل ىلع اإليمان‪ ،‬والسياق اذلي حنن فيه هو بيان أحوال أهل الكتاب يف عرص‬
‫نبينا صَّل الل عليه وسلم‪.‬‬
‫ً‬
‫فاكن املهم أوال بيان إيمان خيارهم بما أنزل إيله كإيمانهم بما أنزل إىل أنبيائهم من قبله‪ ،‬ثم‬
‫ً‬
‫كون هذا اإليمان إذاعنيا يرتتب عليه العمل‪ ،‬واكتىف منه بأىلع أنواع العبادات ابلدنية واملايلة‪،‬‬
‫ثم ختم الالكم بوصفهم بأول صفات الكمال‪ ،‬أي باإليمان بالل وايلوم اآلخر‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.122 :13‬‬


‫‪72‬‬
‫وَيوز أن يراد باملؤمنني هنا‪ :‬املهاجرون واألنصار‪ ،‬وباملؤمنني يف أول اآلية‪ :‬املؤمنون من أهل‬
‫الكتاب) (‪.)1‬‬
‫ه‬ ‫يش يهر ه‬ ‫ل‬
‫يدون وجهه ما عليك‬ ‫‪6‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬وال تط هرد اذلين يد هعون ر لب ههم بالغداة والع ِّ‬
‫من حسابهم من َش ٍء وما من حسابك عليهم من َشءٍ﴾ [األنعام‪ ]52 :‬قال اآللويس‪( :‬وتقديم خطابه‬
‫صَّل الل عليه وسلم يف املوضعني قيل‪ :‬للترشيف هل عليه أرشف الصالة وأفضل السالم وإال َكن‬
‫الظاهر‪« :‬وما عليهم من حسابك من َشء»‪ ،‬بتقديم ىلع وُمرورها كما يف األول‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن تقديم عليك يف اجلملة األوىل للقصد إىل إيراد انلف ىلع اختصاص حسابهم به صَّل‬
‫الل عليه وسلم إذ هو ادلايع إىل تصديه عليه الصالة والسالم حلسابهم) (‪.)2‬‬
‫وتعقب عليه يف تفسري املنار فقال بعد أن ذكر الكم اآللويس‪( :‬والصواب أن اتلقديم يف‬
‫املوضوعني جاء ىلع األصل العام يف اللغة‪ ،‬وهو تقديم األهم حبسب سياق الالكم‪ ،‬واألهم يف األول‬
‫انلف‪ ،‬وِف اثلاين املنف‪ ،‬أعين األهم يف ك موضع ما يتعلق به صَّل الل عليه وسلم‪.‬‬
‫ً‬
‫ألنه تعليل النتفاء عمل هل (وهو الطرد) مرتتب ىلع ذلك انلف‪ ،‬ولو َكن اثلاين تعليال لعمل‬
‫هلم لقال‪« :‬وما عليهم من حسابك من َشء فيطردوك») (‪.)3‬‬
‫وأنتقل إىل ذكر القواعد يف املبحث اثلاين‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫(‪ )1‬ـ تفسري املنار ‪.54 :6‬‬


‫(‪ )2‬ـ روح املعاين ‪.152 :4‬‬
‫(‪ )3‬ـ تفسري املنار ‪.369 :7‬‬
‫‪73‬‬
‫املبحث اثلاين‪ :‬قواعد يف أن اتلقديم واتلأخري ال يكون إال حبجة‬
‫يف هذا املبحث سأكمل القواعد املتعلقة باتلقديم واتلأخري عند املفرسين‪ ،‬وسأذكر يف هذا‬
‫املبحث مخس قواعد‪ ،‬أوهلا‪( :‬ال وجه تلقديم َش ٍء من كتاب الل عن موضعه أو تأخريه عن ماكنه‬
‫إ لال ه‬
‫حب لج ٍة واضح ٍة)‪.‬‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫اتلقديم ل‬‫ثم سأذكر قاعدة‪( :‬ال ضري يف ل‬
‫واتلأخري إذا دل ىلع الرتتيب ديلل)‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫ثم قاعدة‪( :‬إحلاق الالكم باذلي يليه أوىل من إحلاقه بما قد حيل بينه وبينه من همعرتض الالكم)‪.‬‬
‫فحني يكون هناك تفسري لآلية ليس فيه دعوى أن هذه اجلملة معرتضة‪ ،‬وتفسري آخر يرى أن‬
‫هذه اجلملة معرتضة‪ ،‬ولان للتفسري اذلي يرى عدم االعرتاض تأويل صحيح‪ ،‬فاحلمل عليه أوىل‪.‬‬
‫اتلقديم ل‬ ‫ل‬
‫الرتتيب همق لدم ىلع القول ب ل‬ ‫ه‬
‫واتلأخري)‪ .‬فإذا اختلف العلماء يف‬ ‫ثم قاعدة‪( :‬القول ب‬
‫ل‬ ‫ً‬
‫تفسريهم آلية من كتاب الل تعاىل‪ ،‬ولان خالفهم دائرا بني همد ٍع للتقديم واتلأخري يف اآلية وبني‬
‫همب ٍق هلا ىلع ترتيبها‪ ،‬فف هذه احلالة يكون أوىل القولني بالصواب هو قول من قال ببقاء اآلية ىلع‬
‫ترتيبها؛ ألنه األصل يف الالكم‪ ،‬وال ينتقل عن هذا األصل إال إذا هوجد ديلل أو قرينة تدل ىلع ذلك‪.‬‬
‫أما إذا استقام املعىن دون تقديم وتأخري‪ ،‬ولان يف القول باتلقديم واتلأخري تكلف‪ ،‬فال شك‬
‫أن األوىل هو بقاء الالكم ىلع ترتيبه‪.‬‬
‫ً‬
‫وأبدأ مستعينا بالل تعاىل بذكر القاعدة األوىل يف هذا املبحث وه القاعدة السادسة من‬
‫قواعد اتلقديم واتلأخري عند املفرسين‪:‬‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َّ‬ ‫َ ْ َ َ‬
‫ريه ِ عن مَكن ِ ِه إِال ِحبُج ٍة‬ ‫خ‬
‫ِ‬ ‫أ‬
‫ْ َ‬
‫ت‬ ‫و‬‫أ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫ض‬
‫ِ‬
‫َ ْ َْ‬
‫و‬‫م‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫هلل‬ ‫ا‬ ‫اب‬
‫ْ َ‬
‫ِت‬ ‫ك‬ ‫ِن‬‫م‬ ‫ء‬
‫ٍ‬ ‫يم َ ْ‬
‫َش‬ ‫ِ‬ ‫د‬
‫ِ‬
‫َ ْ َ َْ‬
‫ق‬ ‫‪6‬ـ قاعدة‪( :‬ال وجه ِتل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬
‫اضح ٍة)‪.‬‬
‫و ِ‬
‫وسف‬ ‫‪1‬ـ هذه القاعدة ذكرها اإلمام الطربي يف تفسريه فقال عند قوهل تعاىل‪﴿ :‬فل لما دخلهوا ىلع يه ه‬

‫الل آمنني﴾ [يوسف‪( :]99 :‬يقول جل ثناؤه‪ :‬فلما دخل‬ ‫آوى إيله أبويه وقال اد هخلهوا مرص إن شاء ه‬
‫ه ه‬
‫يعقوب وودله وأهلوهم ىلع يوسف ﴿آوى إيله أبويه﴾‪ ،‬يقول‪ :‬ضم إيله أبويه فقال هلم‪﴿ :‬ادخلوا‬
‫مرص إن شاء ه‬
‫الل آمنني﴾‪.‬‬
‫الل آمنني﴾‪ ،‬بعد ما دخلوها‪ ،‬وقد‬ ‫فإن قال قائل‪ :‬وكيف قال هلم يوسف‪﴿ :‬اد هخلهوا مرص إن شاء ه‬

‫أخرب الل عز وجل عنهم أنهم ملا دخلوها ىلع يوسف وض ّم إيله أبويه‪ ،‬قال هلم هذا القول؟‬
‫قيل‪ :‬قد اختلف أهل اتلأويل يف ذلك‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫فقال بعضهم‪ :‬إن يعقوب إنما دخل ىلع يوسف هو وودله‪ ،‬وآوى يوسف أبويه إيله قبل دخول‬
‫ً‬ ‫ل‬
‫مرص‪ .‬قالوا‪ :‬وذلك أن يوسف تلىق أباه تكرمة هل قبل أن يدخل مرص‪ ،‬فيآواه إيله‪ ،‬ثم قال هل وملن‬
‫معه‪﴿ :‬اد هخلهوا مرص إن شاء ه‬
‫الل آمنني﴾‪ ،‬بها قبل ادلخول‪.‬‬
‫ل‬
‫عن السدي‪ :‬فحملوا إيله أهلهم وعياهلم‪ ،‬فلما بلغوا مرص‪ ،‬لكم يوسف امللك اذلي فوقه‪ ،‬فخرج‬
‫الل آمنني﴾‪.‬‬‫يتلقونهم‪ ،‬فلما بلغوا مرص قال‪﴿ :‬اد هخلهوا مرص إن شاء ه‬
‫ل‬
‫هو وامللوك‬
‫ه ِّ‬ ‫وقال آخرون‪ :‬بل قوهل‪﴿ :‬إن شاء ه‬
‫الل﴾‪ ،‬استثناء من قول يعقوب بلنيه‪﴿ :‬أستغف هر لكم ريب﴾‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهو من املؤخر اذلي مع ناه اتلقديم‪ .‬قالوا‪ :‬وإنما معىن الالكم‪ :‬قال‪ :‬أستغفر لكم ريب إن شاء‬
‫الل إنه هو الغفور الرحيم‪ .‬فلما دخلوا ىلع يوسف آوى إيله أبويه‪ ،‬وقال ادخلوا مرص‪ ،‬ورفع أبويه‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬والصواب من القول يف ذلك عندنا ما قاهل السدي‪ ،‬وهو أن يوسف قال ذلك‬
‫ل‬
‫ألبويه ومن معهما من أوالدهما وأهايلهم قبل دخوهلم مرص حني تلقاهم‪ ،‬ألن ذلك يف ظاهر‬
‫اتلْنيل كذلك‪ ،‬فال داللة تدل ىلع صحة ما قال ابن جريج‪ ،‬وال وجه تلقديم َشء من كتاب الل‬
‫عن موضعه أو تأخريه عن ماكنه إال ّ‬
‫حبجة واضح ٍة) (‪.)1‬‬
‫فاألصل يف الالكم تقديم ما حقه اتلقديم‪ ،‬وتأخري ما حقه اتلأخري‪ ،‬وال يعدل عن هذا األصل‬
‫إال حبجة َيب التسليم هلا‪.‬‬
‫قال أبو جعفر انلحاس‪« :‬اتلقديم واتلأخري إنما يكون إذا لم َيز غريهما» (‪.)2‬‬
‫وقال أبو عمرو ادلاين‪ « :‬اتلقديم واتلأخري ُماز‪ ،‬فال يستعمل إال بتوقيف أو بديلل قاطع» (‪.)3‬‬
‫وقال اإلمام ابن تيمية‪« :‬واتلقديم واتلأخري ىلع خالف األصل‪ ،‬فاألصل إقرار الالكم ىلع نظمه‬
‫وترتيبه ال تغيري ترتيبه‪ ،‬ثم إنما َيوز فيه اتلقديم واتلأخري مع القرينة‪ ،‬أما مع اللبس فال َيوز؛‬
‫ألنه يلتبس ىلع املخاطب» (‪.)4‬‬
‫‪2‬ـ ومن األمثلة ىلع ذلك‪ :‬قوهل تعاىل‪﴿ :‬و لاذلي أخرج المرىع‪ .‬فجعل هه هغث ً‬
‫اء أحوى﴾ [األىلع‪4 :‬ـ‪.]5‬‬
‫األحوى‪ :‬شديد السواد‪ ،‬أو األخرض الضارب إىل السواد من شدة اخلرضة‪.‬‬
‫والغثاء‪ :‬اهلشيم ايلابس‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ باختصار من‪ :‬جامع ابليان يف تأويل آي القرآن ‪.264 :16‬‬
‫(‪ )2‬ـ القطع واالئتناف‪.157 :‬‬
‫(‪ )3‬ـ املكتىف يف الوقف واالبتدا‪.64 :‬‬
‫(‪ )4‬ـ ُمموع الفتاوى ‪ .218 :16‬وانظر‪ :‬فصول يف أصول اتلفسري لدلكتور مساعد الطيار‪.143 :‬‬
‫‪75‬‬
‫وِف معىن اآلية قوالن‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫األول‪ :‬أن الل أخرج املرىع أخرض‪ ،‬ثم جعله من بعد اخلرضة هشيما متكرسا‪ ،‬مائال إىل السواد‬
‫من القدم‪.‬‬
‫ً‬
‫اثلاين‪ :‬أن الل أخرج املرىع أحوى؛ أي‪ :‬أخرض شديد اخلرضة‪ ،‬مائال بشدة خرضته إىل السواد‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ثم جعله هشيما متكرسا‪ ،‬ويكون ىلع هذا القول (أحوى) مؤخرا حقه اتلقديم (‪.)1‬‬
‫ه‬ ‫ل‬
‫قال اإلمام الطربي يف تفسريه عند قوهل تعاىل‪﴿ :‬واذلي أخرج المرىع﴾ [األىلع‪( :]4 :‬وقو ههل‪:‬‬
‫ل‬
‫﴿واذلي أخرج المرىع﴾‪ .‬يقول‪( :‬واذلي أخرج من األرض مرىع األنعام من صنوف انلبات‬
‫وأنواع احلشي ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ه‬ ‫وقوهل‪﴿ :‬فجعل هه هغث ً‬
‫اء أحوى﴾ يقول تعاىل ذكره‪ :‬فجعل ذلك املرىع غثاء‪ ،‬وهو ما جف من‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫انلبات ويبس‪ ،‬فطارت به الريح؛ وإنما هعين به هاهنا أنه جعله هشيما يابسا متغريا إىل احل ه لوة‪ ،‬وه‬
‫ّ‬
‫السواد من بعد ابلياض أو اخلرضة‪ ،‬من شدة ايلبس‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫عن ابن عباس يف قوهل‪ ﴿ :‬هغث ً‬
‫اء أحوى﴾ يقول‪ :‬هشيما متغريا‪.‬‬
‫ه‬ ‫ً‬
‫وقال ُماهد‪ :‬غثاء السيل أحوى‪ ،‬قال‪ :‬أسود‪ .‬وقال قتادة‪ :‬يعود يبسا بعد خرضة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫قال ابن زيد‪ ،‬يف قوهل‪﴿ :‬فجعل هه هغث ً‬
‫اء أحوى﴾ قال‪َ :‬كن بقال ونباتا أخرض‪ ،‬ثم هاج فيبهس‪،‬‬
‫ه‬
‫فصار غثاء أحوى تذهب به الرياح والسيول‪ .‬ولان بعض أهل العلم بكالم العرب يرى أن ذلك‬
‫ل‬
‫من املؤخر اذلي معناه اتلقديم‪ ،‬وأن معىن الالكم‪ :‬واذلي أخرج املرىع أحوى‪ :‬أي أخرض إىل السواد‪،‬‬
‫فجعله غثاء بعد ذلك‪ ،‬ويعتل لقوهل ذلك بقول ذي الرمة‪:‬‬
‫اذلها هب وح لفتها الرباع ه‬
‫يم‬
‫ِّ‬
‫حاء أرشاط لية وكفت ‪ ...‬فيها‬ ‫ح لو ه‬
‫اء قر ه‬
‫ّ‬
‫وهذا القول وإن َكن غري مدفوع أن يكون ما اشتدت خرضته من انلبات‪ ،‬قد تسميه العرب‬
‫أسود‪ ،‬غري صواب عندي خبالفه تأويل أهل اتلأويل يف أن احلرف إنما ُيتال ملعناه املخرج باتلقديم‬
‫واتلأخري إذا لم يكن هل وجه مفهوم إال بتقديمه عن موضعه‪ ،‬أو تأخريه‪ ،‬فأما وهل يف موضعه وجه‬
‫صحيح فال وجه لطلب االحتيال ملعناه باتلقديم واتلأخري) (‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ـ انظر‪ :‬فصول يف أصول اتلفسري لدلكتور مساعد الطيار‪.109 :‬‬
‫(‪ )2‬ـ باختصار من‪ :‬جامع ابليان ‪.312 :24‬‬
‫‪76‬‬
‫ٌّ‬
‫‪3‬ـ وقال اإلمام القرطيب يف تفسريه‪( :‬قوهل تعاىل‪﴿ :‬فإن لم يهصبها وابل فطل﴾ [ابلقرة‪ ،]265 :‬تأكيد‬
‫منه تعاىل ملدح هذه الربوة بأنها إن لم يصبها وابل فإن الطل يكفيها ومنوب مناب الوابل يف‬
‫إخراج اثلمرة ضعفني‪ ،‬وذلك لكرم األرض وطيبها‪ .‬قال املربد وغريه‪ :‬تقديره فطل يكفيها‪ .‬وقال‬
‫الزجاج‪ :‬فاذلي يصيبها طل‪.‬‬
‫والطل‪ :‬املطر الضعيف املستدق من القطر اخلفيف‪ ،‬قاهل ابن عباس وغريه‪ ،‬وهو مشهور اللغة‪.‬‬
‫وقال قوم منهم ُماهد‪ :‬الطل‪ :‬انلدى‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وهو جتوز وتشبيه‪.‬‬
‫قال انلحاس‪ :‬وحىك أهل اللغة وبلت وأوبلت‪ ،‬وطلت وأطلت‪ .‬وِف الصحاح‪ :‬الطل أضعف‬
‫املطر واجلمع الطالل‪ ،‬تقول منه‪ :‬طلت األرض وأطلها انلدى فيه مطلولة‪ .‬قال املاوردي‪ :‬وزرع‬
‫ً‬
‫الطل أضعف من زرع املطر وأقل ريعا‪ ،‬وفيه ـ وإن قل ـ تماسك ونفع‪.‬‬
‫قال بعضهم‪ :‬يف اآلية تقديم وتأخري‪ ،‬ومعناه كمثل جنة بربوة أصابها وابل فإن لم يصبها وابل‬
‫فطل فيآتت أكلها ضعفني‪ .‬يعىن اخرضت أوراق البستان وخرجت ثمرتها ضعفني‪.‬‬
‫قلت‪ :‬اتلأويل األول أصوب وال حاجة إىل اتلقديم واتلأخري‪ .‬فشبه تعاىل نمو نفقات هؤالء‬
‫املخلصني اذلين يريب الل صدقاتهم كرتبية الفلو والفصيل بنمو نبات اجلنة بالربوة املوصوفة‪،‬‬
‫ً‬
‫خبالف الصفوان اذلي انكشف عنه ترابه فبىق صدلا‪ .‬وخرج مسلم وغريه عن أ يب هريرة رىض‬
‫الل عليه وسللم‪( :‬ال يتص لد هق أحد بتمرة من كسب طيِّب‪ ،‬إ لال أخذها ه‬
‫الل‬ ‫الل عنه عن انليب ص لَّل ه‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ِّ‬
‫َيمينه‪ ،‬ف هري ِّبيها كما يهريب أح هدكم فل لو هه ـ أو فصيله ـ ح لىت تكون مثل اجلبل أو أعظم) (‪ )1‬خرجه‬
‫ً‬
‫يف املوطأ أيضا) (‪.)2‬‬
‫ه ِّ ه ه ه‬
‫الل لك هم‬ ‫‪4‬ـ ومن األمثلة كذلك قول اإلمام الرازي يف تفسريه‪( :‬أما قوهل‪﴿ :‬كذلك يبني‬
‫اآليات﴾ [ابلقرة‪ ،]219 :‬فمعناه أين بينت لكم األمر فيما سأتلم عنه من وجوه اإلنفاق ومصارفه‬
‫فهكذا أبني لكم يف مستأنف أيامكم مجيع ما حتتاجون‪.‬‬
‫ل‬ ‫ل ه‬
‫وقوهل‪﴿ :‬لعلكم تتفك هرون يف ادلنيا واآلخرة﴾ [ابلقرة‪219 :‬ـ‪ ،]220‬فيه وجوه‪ ،‬األول‪ :‬قال احلسن‪:‬‬
‫فيه تقديم وتأخري‪ ،‬واتلقدير‪ :‬كذلك يبني الل لكم اآليات يف ادلنيا واآلخرة لعلكم تتفكرون‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ رواه مسلم يف كتاب الزلاة‪ ،‬باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها (‪ ،)2390‬واللفظ هل‪ ،‬ورواه مالك يف‬
‫املوطأ‪ ،‬يف كتاب اجلامع‪ ،‬باب الرتغيب يف الصدقة (‪.)2100‬‬
‫(‪ )2‬ـ اجلامع ألحاكم القرآن ‪.317 :3‬‬
‫‪77‬‬
‫ه‬ ‫ني ه‬‫واثلاين‪ :‬كذلك يهب ِّ ه‬
‫الل لك هم اآليات فيعرفكم أن اخلمر وامليرس فيهما منافع يف ادلنيا‬
‫ومضار يف اآلخرة‪ ،‬فإذا تفكرتم يف أحوال ادلنيا واآلخرة علمتم أنه ال بد من ترجيح اآلخرة ىلع‬
‫ادلنيا‪.‬‬
‫اثلالث‪ :‬يعرفكم أن إنفاق املال يف وجوه اخلري ألجل اآلخرة وإمساكه ألجل ادلنيا‪ ،‬فتتفكرون‬
‫يف أمر ادلنيا واآلخرة‪ ،‬وتعلمون أنه ال بد من ترجيح اآلخرة ىلع ادلنيا‪.‬‬
‫واعلم أنه ملا أمكن إجراء الالكم ىلع ظاهره‪ ،‬كما قررناه يف هذين الوجهني‪ ،‬ففرض اتلقديم‬
‫ً‬
‫واتلأخري ىلع ما قاهل احلسن يكون عدوال عن الظاهر ال دليلل وأنه ال َيوز) (‪.)1‬‬
‫ه ِّ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫خذ أربع ًة من ل‬
‫ه‬
‫الطري ف هرصه لن إيلك ث لم اجعل ىلع ك جب ٍل من هه لن‬ ‫‪5‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬قال ف‬
‫ً‬ ‫ل‬ ‫ً‬ ‫ه‬ ‫ً ه‬
‫هجزءا ث لم ادع هه لن يأتينك سعيا واعلم أن الل عزيز حكيم﴾ [ابلقرة‪ ]260 :‬قال أيضا‪ :‬أمجع أهل اتلفسري‬
‫ىلع أن املراد باآلية‪ :‬قطعهن‪ ،‬وأن إبراهيم قطع أعضاءها وحلومها وريشها ودماءها‪ ،‬وخلط بعضها‬
‫ىلع بعض‪ ،‬غري أ يب مسلم فإنه أنكر ذلك‪ ،‬وقال‪ :‬إن إبراهيم عليه السالم ملا طلب إحياء امليت‬
‫ً‬
‫من الل تعاىل أراه الل تعاىل مثاال قرب به األمر عليه‪.‬‬
‫واملراد برصهن إيلك اإلمالة واتلمرين ىلع اإلجابة‪ ،‬أي فعود الطيور األربعة أن تصري حبيث‬
‫ً‬
‫إذا دعوتها أجابتك وأتتك‪ ،‬فإذا صارت كذلك‪ ،‬فاجعل ىلع ك جبل واحدا حال حياته‪ ،‬ثم ادعهن‬
‫ً‬
‫يأتينك سعيا‪ ،‬والغرض منه ذكر مثال حمسوس يف عود األرواح إىل األجساد ىلع سبيل السهولة‬
‫وأنكر القول بأن املراد منه‪ :‬فقطعهن‪.‬‬
‫ه‬
‫واحتج عليه بوجوه‪ ،‬األول‪ :‬أن املشهور يف اللغة يف قوهل‪﴿ :‬ف هرصه لن﴾ أمل ههن‪ ،‬وأما اتلقطيع‬
‫ً‬
‫واذلبح فليس يف اآلية ما يدل عليه‪ ،‬فاكن إدراجه يف اآلية إحلاقا لزيادة باآلية لم يدل ادليلل عليها‬
‫وأنه ال َيوز‪.‬‬
‫واثلاين‪ :‬أنه لو َكن املراد برصهن قطعهن لم يقل إيلك‪ ،‬فإن ذلك ال يتعدى بإىل وإنما يتعدى‬
‫بهذا احلرف إذا َكن بمعىن اإلمالة‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬لم ال َيوز أن يقال يف الالكم تقديم وتأخري‪ ،‬واتلقدير‪ :‬فخذ إيلك أربعة من الطري‬
‫فرصهن‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬الزتام اتلقديم واتلأخري من غري ديلل ملجئ إىل الزتامه خالف الظاهر‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ مفاتيح الغيب ‪.403 :6‬‬


‫‪78‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫واثلالث‪ :‬أن الضمري يف قوهل‪﴿ :‬ث لم ادع هه لن﴾ اعئد إيلها ال إىل أجزائها‪ ،‬وإذا َكنت األجزاء‬
‫ً‬
‫متفرقة متفاصلة ولان املوضوع ىلع ك جبل بعض تلك األجزاء يلزم أن يكون الضمري اعئدا‬
‫إىل تلك األجزاء ال إيلها‪ ،‬وهو خالف الظاهر‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وأيضا الضمري يف قوهل‪﴿ :‬يأتينك سعيا﴾ اعئدا إىل أجزائها ال إىل إجزائها‪ ،‬وىلع قولكم إذا‬
‫سع بعض األجزاء إىل بعض َكن الضمري يف يأتينك اعئدا إىل أجزائها ال إيلها (‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َّ‬ ‫يم واتلَّ‬ ‫ضَْ‬
‫ري يف اتلَّ‬ ‫َ‬
‫يب د ِيلل)‬
‫ري إذا دل ىلع الّتت ِ ِ‬
‫ِ‬ ‫خ‬
‫ِ‬ ‫أ‬ ‫ِ‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ق‬ ‫‪7‬ـ قاعدة‪( :‬ال‬
‫هذه القاعدة معناها قريب من القاعدة السابقة‪( :‬ال وجه تلقديم َش ٍء من كتاب الل عن‬
‫موضعه أو تأخريه عن ماكنه إ لال ه‬
‫حب لج ٍة واضح ٍة)‪.‬‬
‫ً ل‬ ‫وذكرها اآللويس يف تفسريه فقال عند قوهل تعاىل‪﴿ :‬تلجد لن أش لد ل‬
‫انلاس عداوة لذلين آمنهوا ايل ههود‬
‫ه‬ ‫ل‬
‫واذلين أرشكوا﴾ [املائدة‪( . ]82 :‬مجلة مستأنفة مسوقة تلقرير ما قبلها من قبائح ايلهود‪ ،‬وأكدت‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫بالقسم اعتناء ببيان حتقق مضمونها‪ ،‬واخلطاب إما لسيد املخاطبني صَّل اِل عليه وسلم وإما للك‬
‫ل‬
‫أحد يصلح هل إيذانا بأن حاهلم مما ال ختىف ىلع أحد من انلاس‪ .‬والوجدان متعد الثنني أوهلما أشد‬
‫وثانيهما ايلهود وما عطف عليه كما قال أبو ابلقاء‪ ،‬واختار السمني العكس ألنهما يف األصل‬
‫مبتدأ وخرب وحمط الفائدة هو اخلرب وال ضري يف اتلقديم واتلأخري إذا دل ىلع الرتتيب ديلل وهو‬
‫هنا واضح إذ املقصود بيان كون الطائفتني أشد انلاس عداوة للمؤمنني ال كون أشدهم عداوة‬
‫هلم الطائفتني املذكورتني فليفهم (‪.)2‬‬
‫َ ََُْ َََُْ ْ ُ ْ َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ َ ْ ْ‬ ‫َ ُ َ‬
‫ّت ِض‬
‫ِ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ِن‬‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫ي‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫يل‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫د‬‫ق‬ ‫ا‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ق‬‫ا‬ ‫حل‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ِن‬
‫م‬ ‫َل‬ ‫و‬‫أ‬ ‫يه‬‫ِ‬ ‫ل‬‫ي‬ ‫اذلي‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫الَك‬ ‫‪8‬ـ قاعدة‪( :‬إحلاق‬
‫َْ َ‬
‫ِ‬
‫الَكم)‪.‬‬
‫ه ل‬ ‫ل‬
‫الشياط ه‬
‫ني‬ ‫‪1‬ـ هذه القاعدة ذكرها اإلمام الطربي يف تفسريه يف تأويل قوهل تعاىل ﴿واتب هعوا ما تتلو‬
‫ل‬
‫ىلع هملك هسليمان﴾ [ابلقرة‪ ،]102 :‬فقال‪( :‬وقوهل جل ثناؤه‪﴿ :‬فيتعل همون من ههما﴾ [ابلقرة‪ ،]102 :‬خرب مبتدأ‬
‫ه ِّ‬
‫عن املتعلمني من امللكني ما أنزل عليهما‪ ،‬وليس جبواب لقوهل‪﴿ :‬وما يعلمان من أح ٍد﴾ [ابلقرة‪:‬‬
‫ً‬ ‫ل‬
‫‪ ،]102‬بل هو خرب مستأنف‪ ،‬وذللك رفع فقيل‪﴿ :‬فيتعل همون﴾‪ .‬فمعىن الالكم إذا‪ :‬وما يعلمان من أحد‬
‫حىت يقوال إنما حنن فتنة‪ ،‬فيأبون قبول ذلك منهما‪ ،‬فيتعلمون منهما ما يفرقون به بني املرء وزوجه‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ مفاتيح الغيب ‪.37 :7‬‬


‫(‪ )2‬ـ روح املعاين ‪.4 :4‬‬
‫‪79‬‬
‫ل‬ ‫ل‬
‫وقد قيل‪ :‬إن قوهل‪﴿ :‬فيتعل همون﴾‪ ،‬خرب عن ايلهود معطوف ىلع قوهل‪﴿ :‬ولك لن الشياطني‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫كف هروا هيعلِّ همون ل‬
‫انلاس ِّ‬
‫السحر وما أنزل ىلع الملكني ببابل هاروت وماروت﴾‪﴿ ،‬فيتعلمون منهما‬
‫ه ه‬
‫ما يف ِّرقون به َني المرء وزوجه﴾ [ابلقرة‪ .]102 :‬وجعلوا ذلك من املؤخر اذلي معناه اتلقديم‪.‬‬
‫واذلي قلنا أشبه بتأويل اآلية‪ .‬ألن إحلاق ذلك باذلي يليه من الالكم‪ ،‬ما َكن للتأويل وجه‬
‫صحيح‪ ،‬أوىل من إحلاقه بما قد حيل بينه وبينه من معرتض الالكم) (‪.)1‬‬
‫ه‬ ‫ً‬
‫‪2‬ـ وقال أيضا يف تأويل قوهل تعاىل‪﴿ :‬خذ العفو﴾ [األعراف‪( :]199 :‬اختلف أهل اتلأويل يف تأويل‬
‫ه‬
‫ذلك‪ :‬فقال بعضهم‪ :‬تأويله‪﴿ :‬خذ العفو﴾ من أخالق انلاس‪ ،‬وهو الفضل وما ال َيهدهم‪ .‬عن‬
‫ه‬
‫ُماهد‪ ،‬يف قوهل‪﴿ :‬خذ العفو﴾ قال‪ :‬من أخالق انلاس وأعماهلم بغري حتسس‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معىن ذلك‪ :‬خذ العفو من أموال انلاس‪ ،‬وهو الفضل‪ .‬قالوا‪ :‬وأمر بذلك قبل‬
‫ه‬
‫نزول الزلاة‪ ،‬فلما نزلت الزلاة نسخ‪.‬‬
‫ه‬
‫عن ابن عباس‪ ،‬قوهل‪﴿ :‬خذ العفو﴾‪ ،‬يعين‪ :‬خذ ما عفا لك من أمواهلم‪ ،‬وما أتوك به من َشء‬
‫فخذه‪ .‬فاكن هذا قبل أن تْنل براءة بفرائض الصدقات وتفصيلها وما انتهت الصدقات إيله‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ذلك أمر من الل ل‬
‫نبيه صَّل الل عليه وسلم بالعفو عن املرشكني‪ ،‬وترك الغلظة‬
‫عليهم قبل أن يفرض قتاهلم عليه‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وأوىل هذه األقوال بالصواب قول من قال‪ :‬معناه‪ :‬خذ العفو من أخالق انلاس‪،‬‬
‫ه‬
‫واترك الغلظة عليهم‪ .‬وقال‪ :‬أمر بذلك نيب الل صَّل الل عليه وسلم يف املرشكني‪.‬‬
‫وإنما قلنا ذلك أوىل بالصواب‪ ،‬ألن الل جل ثناؤه أتبع ذلك تعليمه ل‬
‫نبيه صَّل الل عليه وسلم‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه هل‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫حماجته املرشكني يف الالكم‪ ،‬وذلك قوهل‪﴿ :‬قل ادعوا رشلاءكم ثم كيدون فال تنظرون﴾ [األعراف‪:‬‬
‫ل‬
‫ه‬ ‫يغ هث لم ال هيق ه‬ ‫ل‬
‫وعقبه بقوهل‪﴿ :‬وإخو هان ههم ي همدون ههم يف ال ِّ‬
‫رصون وإذا لم تأتهم بيآي ٍة قالوا لوال‬ ‫‪،]195‬‬
‫ه‬ ‫اجتبيتها﴾‪ ،‬فما بني ذلك بأن يكون من تأديبه ل‬
‫نبيه صَّل الل عليه وسلم يف عرشتهم به‪ ،‬أشبه‬
‫وأوىل من االعرتاض بأمره بأخذ الصدقة من املسلمني) (‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ـ جامع ابليان يف تأويل آي القرآن ‪.357 :2‬‬


‫(‪ )2‬ـ باختصار من‪ :‬جامع ابليان ‪.639 :10‬‬
‫‪80‬‬
‫فحني يكون هناك تفسري لآلية ليس فيه دعوى أن هذه اجلملة معرتضة‪ ،‬وتفسري آخر يرى‬
‫أن هذه اجلملة معرتضة‪ ،‬ولان للتفسري اذلي يرى عدم االعرتاض تأويل صحيح‪ ،‬فاحلمل عليه‬
‫أوىل‪.‬‬
‫ُ َ َّ َ َ َ‬ ‫َ ُ َّ‬
‫يم واتلَّأ ِ‬
‫خري)‪.‬‬ ‫ول ب ِاتلَّق ِد ِ‬
‫ِ‬ ‫الق‬ ‫ىلع‬ ‫م‬ ‫د‬‫ق‬‫م‬ ‫يب‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬‫الّت‬‫‪9‬ـ قاعدة‪( :‬القول ب ِ‬
‫ذكر هذه القاعدة ادلكتور حسني احلريب يف كتابه‪( :‬قواعد الرتجيح عند املفرسين) فقال‪:‬‬
‫(القاعدة اثلامنة‪( :‬القول بالرتتيب مقدم ىلع القول باتلقديم واتلأخري) إذا اختلف املفرسون يف‬
‫تفسري آية من كتاب الل ولان خالفهم دائرا ً بني هم لد ٍع للتقديم واتلأخري يف اآلية ه‬
‫ومب ٍق هلا ىلع‬
‫ترتيبها‪ ،‬فأوىل القولني بالصواب قول من قال بالرتتيب ألنه األصل يف الالكم‪ ،‬وال ينتقل عن األصل‬
‫وعدم ادليلل‬ ‫إال بديلل واضح وقرينة بينة ال سيما إذا استقام املعىن بدونه‪ ،‬فإذا احتمل األمر ه‬

‫والقرينة فالقول احلق أن يبىق الالكم ىلع ترتيبه‪.‬‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫فاألصل يف ترتيب الالكم أن يوضع ك لفظ يف موضعه تقديما وتأخريا‪ ،‬وَّك تقديم وتأخري يف‬
‫الالكم هو خالف األصل‪.‬‬
‫غري أن العرب َكنت تتفنن يف الكمها‪ ،‬وهلا أسايلب يف عرضه حسب ما تميل به مقتضيات‬
‫ً‬
‫األحوال ومقاصد املتلكم‪ ،‬ومن هذه األسايلب اليت تستخدمها أحيانا حسب األغراض‪ :‬أسلوب‬
‫اتلقديم واتلأخري‪ .‬ونزل القرآن ىلع هذا اللسان العريب فجاء هذا األسلوب فيه‪ ،‬فنجد بعض‬
‫األلفاظ قدمت يف موضع وأخرت يف موضع آخر‪.‬‬
‫ولم يتلف أهل اتلفسري يف بعض اآليات ىلع أنها من باب املقدم واملؤخر‪ ،‬وهذا اتلقديم اذلي‬
‫جاء يف القرآن ال يل بأصل املعىن‪ ،‬وال يقدح يف ابليان‪ ،‬وال يلتبس ىلع السامع‪ ،‬وذلك لوجود‬
‫قرينة وديلل يف الالكم عليه‪ ،‬وجواز اتلقديم واتلأخري مرشوط بوجود قرينة‪ ،‬أما مع اللبس فال‬
‫َيوز‪ ،‬سواء أكان من املقدم بنية اتلأخري أم غري ذلك‪ ،‬وهذا هو اذلي يتلكم عليه علماء املعاين‬
‫وابليان‪ ،‬ويقع يف باب االستفهام وانلف واملبتدأ واخلرب والفاعل واملفعول‪.‬‬
‫وهذا انلوع من اتلقديم واتلأخري غري مقصود يف قاعدتنا هذه‪ ،‬وهو مما ال يقع فيه اخلالف بني‬
‫املفرسين‪ ،‬مثل قوهل تعاىل‪﴿ :‬إيلاك نعبه هد وإيلاك نستع ه‬
‫ني﴾ [الفاحتة‪ ،]5 :‬وقوهل تعاىل‪﴿ :‬وإذ اَتَّل إبراهيم‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫حل ه ه‬ ‫ه‬
‫ومها وال دماؤها﴾ [احلج‪ ،]37 :‬وحنوها من‬ ‫ات﴾ [ابلقرة‪ ،]124 :‬وقوهل تعاىل‪﴿ :‬لن ينال الل‬‫ربه بكلم ٍ‬
‫اآليات‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫أما اتلقديم واتلأخري اذلي يعنينا يف هذه القاعدة‪ ،‬فهو دعوى اتلقديم واتلأخري يف الكم لم‬
‫ينصب عليه ديلل يف الالكم‪ ،‬وال أرشدت إيله قرينة‪ ،‬ويل بفهم أصل املعىن‪ ،‬فإرادة اتلقديم‬
‫واتلأخري بمثل هذا اخلطاب خالف ابليان‪ ،‬وأمر املخاطب بفهمه تكليف ملا ال يطاق‪.‬‬
‫فمثل هذه ادلعوى يف اتلقديم واتلأخري ه اليت نعين وه اليت تهض لعف وتهؤخر‪ ،‬واذلي يه ل‬
‫صحح‬
‫ويرجح إبقاء الالكم ىلع ترتيبه ونظمه‪.‬‬
‫وهذا انلوع من اتلقديم واتلأخري ٌّ‬
‫خف تنارع فيه العلماء بني ُمزي لوقوعه يف القرآن َكلقائلني‬
‫ً‬
‫به‪ ،‬ومانع لوقوعه يف القرآن مطلقا كأ يب حيان‪ ،‬وسالك سبيل اتلوسط بني ذلك كما هو حال كثري‬
‫من املفرسين‪ ،‬وهذه هو احلق وهو ما تويح به هذه القاعدة من أن تضعيف القول به من باب‬
‫الرتجيح وتقديم الراجح وهو القول بالرتتيب‪ ،‬وذلك ألن اتلقديم واتلأخري هل أصل يف اللغة‬
‫والقرآن‪ ،‬وقد أثر عن بعض الصحابة‪ ،‬وىلع رأسهم حرب األمة وترمجان القرآن ابن عباس‪ ،‬وعن‬
‫بعض اتلابعني وىلع رأسهم من إذا جاءك اتلفسري عنه كفاك‪ُ ،‬ماهد بن جربوقتادة وغريهم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬
‫وهؤالء َكنوا أعلم بلغة العرب وبلغة القرآن وتفسريه‪ ،‬فالقول برده مطلقا مجلة وتفصيال وأنه‬
‫ال يقع يف القرآن فيه اطراح ألقوال هؤالء وأمثاهلم‪ ،‬وِف انلفس هنات من ذلك‪ ،‬ولكن األوىل هو‬
‫الرتجيح اذلي هو من باب تقديم األرجح واألوىل دون اطراح لألقوال املرجوحة‪ ،‬قد يكون‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫جالء ووضوحا أن أبا حيان وهو القائل بمنع اتلقديم‬ ‫بلعضها وجه ولو بعيد‪ ،‬ومما يزيد األمر‬
‫واتلأخري اذلي هو من هذا انلوع مضطرب يف ذلك فتارة يرد ويطرح القول باتلقديم واتلأخري ً‬
‫بناء‬
‫ىلع ما قرر‪ ،‬وتارة جتده يرجح األصل وهو الرتتيب‪ ،‬وإن أجاب ىلع القول القائل باتلقديم واتلأخري‬
‫ً‬
‫فبعبارة لطيفة تويح بثبوته كقول يف اآلية‪ ،‬وال توجب اطراحه وإن َكن ضعيفا‪ ،‬وربما ذكر القول‬
‫باتلقديم واتلأخري ولم يعقب عليه بيشء‪.‬‬
‫ً‬
‫وأيا َكن األمر‪ ،‬فإذا لم توجد قرينة تدل ىلع اتلقديم واتلأخري وتنازع العلماء يف اآلية‪،‬‬
‫فالصحيح هو محل اآلية ىلع الرتتيب‪ ،‬ومن قال أو اختار اتلقديم واتلأخري ولو َكن ممن يقرر هذه‬
‫القاعدة َكلطربي وابن عطية والرازي وأ يب حيان وغريهم‪ ،‬فهو حمجوج بهذه القاعدة‪ ،‬وقوهل‬
‫ل‬ ‫ل‬
‫املؤخر وامل ل‬
‫املقدم واملصحح والل أعلم) (‪.)1‬‬ ‫ضعف‪ ،‬والقول بالرتتيب هو‬ ‫واختياره هو‬
‫وقد نص ىلع هذه القاعدة الطربي والرازي وابن تيمية وغريهم‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ قواعد الرتجيح عند املفرسين لدلكتور حسني احلريب‪.451 :‬‬
‫‪82‬‬
‫‪1‬ـ قال اإلمام الطربي عند تفسريه لقوهل تعاىل‪﴿ :‬فال هتعجبك أموال ه ههم وال أوال هد ههم إ لنما يهر ه‬
‫يد‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ِّ‬
‫الل هيلعذَ ههم بها يف احلياة ادلنيا وتزهق أنف هس ههم وهم َكف هرون﴾ [اتلوبة‪( :]55 :‬اختلف أهل اتلأويل‬
‫ه‬

‫يف تأويل ذلك‪.‬‬


‫فقال بعضهم‪ :‬معناه‪ :‬فال تعجبك‪ ،‬يا حممد‪ ،‬أموال هؤالء املنافقني وال أوالدهم يف احلياة ادلنيا‪،‬‬
‫ه‬
‫اتلقديم‪ ،‬وهو مؤخر‪.‬‬ ‫إنما يريد الل يلعذبهم بها يف اآلخرة‪ .‬وقال‪ :‬معىن ذلك‬
‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫عن قتادة قوهل‪﴿ :‬فال تعجبك أموال ههم وال أوالدهم﴾‪ ،‬قال‪ :‬هذه من تقاديم الالكم‪ ،‬يقول‪ :‬ال‬
‫تعجبك أمواهلم وال أوالدهم يف احلياة ادلنيا‪ ،‬إنما يريد الل يلعذبهم بها يف اآلخرة‪.‬‬
‫وعن ابن عباس قوهل‪ :‬إنما يريد الل يلعذبهم بها يف اآلخرة‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معىن ذلك‪ :‬إنما يريد الل يلعذبهم بها يف احلياة ادلنيا‪ ،‬بما ألزمهم فيها من‬
‫فرائضه‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫عن احلسن‪﴿ :‬إ لنما يهر ه‬
‫الل يلهعذَ ههم بها يف احلياة ادلنيا﴾‪ ،‬قال‪ :‬بأخذ الزلاة وانلفقة يف سبيل‬
‫يد ه‬

‫الل‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫وقال ابن زيد يف قوهل‪﴿ :‬إ لنما يهر ه‬
‫الل هيلعذَ ههم بها يف احلياة ادلنيا﴾‪ ،‬باملصائب فيها‪ ،‬ه هلم‬
‫يد ه‬

‫عذاب‪ ،‬وه للمؤمنني أجر‪.‬‬


‫ه‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وأوىل اتلأويلني بالصواب يف ذلك عندنا‪ ،‬اتلأويل اذلي ذكرنا عن احلسن‪ .‬ألن‬
‫ل‬ ‫ه‬
‫باطن ال‬
‫ٍ‬ ‫إىل‬ ‫رصفه‬ ‫من‬ ‫أوىل‬ ‫ظاهره‪،‬‬ ‫عليه‬ ‫دل‬ ‫ما‬ ‫إىل‬ ‫تأويله‬ ‫ف‬ ‫ذلك هو الظاهر من اتلْنيل‪ ،‬فرص‬
‫داللة ىلع صحته‪.‬‬
‫ل‬ ‫ل‬
‫وإنما وجه من وجه ذلك إىل اتلقديم وهو مؤخر‪ ،‬ألنه لم يعرف تلعذيب الل املنافقني بأمواهلم‬
‫ِّ‬ ‫ً ِّ‬
‫وأوالدهم يف احلياة ادلنيا‪ ،‬وجها يوجهه إيله‪ ،‬وقال‪ :‬كيف يعذبهم بذلك يف ادلنيا‪ ،‬وه هلم فيها‬
‫إلزامه ما أوجب الل عليه فيها من‬ ‫ه‬ ‫رسور؟ وذهب عنه توجيهه إىل أنه من عظيم العذاب عليه‬
‫ً‬
‫جزاء‪ ،‬وال من‬ ‫راج من الل‬ ‫ِّ‬
‫حقوقه وفرائضه‪ ،‬إذ َكن يلزمه ويؤخذ منه وهو غري طيب انلفس‪ ،‬وال ٍ‬
‫ه‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ضجر منه وكرهٍ) (‪.)1‬‬
‫ٍ‬ ‫ىلع‬ ‫‪،‬‬ ‫شكرا‬ ‫وال‬ ‫اآلخذ منه محدا‬
‫ه‬ ‫ل‬
‫‪2‬ـ ومن األمثلة ىلع هذه القاعدة ما جاء يف تفسري قوهل تعاىل‪﴿ :‬واذلين يظاه هرون من نسائهم‬
‫اسا﴾ [املجادلة‪ ،]3 :‬ذهب بعض العلماء إىل أن يف‬ ‫ٍ‬ ‫ودون لـما قالهوا فتحر ه‬
‫ير رقبة ِّمن قبل أن يتم ل‬ ‫هل ه ه‬
‫ثم يع‬

‫(‪ )1‬ـ باختصار من‪ :‬جامع ابليان ‪.295 :14‬‬


‫‪83‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اآلية تقديما وتأخريا تقديره‪ :‬واذلين يظاهرون من نسائهم فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا فمن‬
‫ً‬
‫لم َيد فصيام شهرين متتابعني فمن لم يستطع فإطعام ستني مسكينا ثم يعودون ملا قالوا إنا ال‬
‫ً‬
‫نفعله فيفعلونه‪ ،‬فعَّل هذا القول ال يكون العود رشطا يف وجوب الكفارة‪.‬‬
‫وذهب مجهور املفرسين واملعربني إىل أن اآلية ىلع ترتيبها وليس فيها تقديم وال تأخري ىلع‬
‫خالف بينهم يف تفسري العود‪ ،‬واذلي يهمنا يف هذه القاعدة هو اخلالف األول‪ ،‬فاذلي تقرره هذه‬
‫القاعدة صحة قول اجلمهور القائلني بالرتتيب وضعف قول من قال باتلقديم واتلأخري‪ ،‬وذلك ألن‬
‫األصل وظاهر انلظم هو الرتتيب‪ ،‬وال يوجد يف الالكم ديلل رصيح أو قرينة واضحة تدل ىلع صحة‬
‫ً‬
‫دعوى اتلقديم واتلأخري‪ ،‬وهذا اذلي رجحه واختاره أئمة اتلفسري اعتمادا ملضمون هذه القاعدة‪،‬‬
‫ومنهم من نص عليها حال ترجيحه بها‪َ ،‬كبن قتيبة‪ ،‬والطربي واجلصاص وابلغوي والزخمرشي‬
‫وابن العريب وابن عطية وغريهم (‪.)1‬‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬
‫‪3‬ـ وقال اإلمام الرازي يف تفسري قوهل تعاىل‪﴿ :‬يا أيها اذلين آمنهوا ال تسألوا عن أشياء إن تبد‬
‫ه ه‬ ‫كم عفا ه‬ ‫ه‬ ‫ه له ه ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫الل غفور حليم﴾‬ ‫الل عنها و‬ ‫ْنل القرآن تبد ل‬ ‫لكم ت هسؤكم وإن تسألوا عنها حني ي‬
‫[املائدة‪﴿( :]101 :‬عفا ه‬
‫الل عنها﴾ وفيه وجوه‪:‬‬
‫األول‪ :‬عفا الل عما سلف من مسائلكم وإغضابكم للرسول بسببها‪ ،‬فال تعودوا إىل مثلها‪.‬‬
‫اثلاين‪ :‬أنه تعاىل ذكر أن تلك األشياء اليت سألوا عنها إن أبديت هلم ساءتهم‪ ،‬فقال عفا ه‬
‫الل‬
‫عنها‪ ،‬يعين عما ظهر عند تلك السؤاالت مما يسؤكم ويثقل ويشق يف اتللكيف عليكم‪.‬‬
‫ه‬
‫اثلالث‪ :‬يف اآلية تقديم وتأخري‪ ،‬واتلقدير‪ :‬ال تسألوا عن أشياء عفا الل عنها يف اآلية‪﴿ :‬إن تبد‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫لكم ت هسؤكم﴾ [املائدة‪ ،]101 :‬وهذا ضعيف؛ ألن الالكم إذا استقام من غري تغيري انلظم لم َيز‬
‫املصري إىل اتلقديم واتلأخري‪.‬‬
‫وىلع هذا الوجه فقوهل ﴿عفا ه‬
‫الل عنها﴾ [املائدة‪ ،]101 :‬أي أمسك عنها وكف عن ذكرها‪ ،‬ولم‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫يكلف فيها بيشء‪ ،‬وهذا كقوهل عليه الصالة والسالم‪( :‬قد عفوت لكم عن صدقة اخليل‬
‫و ل‬
‫الرقيق) (‪ ،)2‬أي خففت عنكم بإسقاطها‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ انظر‪ :‬قواعد الرتجيح عند املفرسين لدلكتور حسني احلريب‪.458 :‬‬
‫(‪ )2‬ـ رواه الرتمذي يف كتاب الزلاة‪ ،‬باب ما جاء يف زلاة اذلهب والورق (‪ ،)620‬وأبو داود يف كتاب الزلاة‪ ،‬باب يف زلاة‬
‫السائمة (‪ ،)1576‬وابن ماجه يف كتاب الزلاة‪ ،‬باب زلاة الورق واذلهب (‪.)1790‬‬
‫‪84‬‬
‫لل غ هفور حليم﴾ وهذه اآلية تدل ىلع أن املراد من قوهل‪﴿ :‬عفا ه‬
‫الل عنها﴾‬ ‫ثم قال تعاىل‪﴿ :‬وا ه‬

‫ما ذكرناه يف الوجه األول) (‪.)1‬‬


‫﴿الل لاذلي رفع ل‬
‫السماوات بغري عم ٍد ترونها﴾ [الرعد‪( :]2 :‬أما‬ ‫ه‬ ‫ً‬
‫‪4‬ـ وقال أيضا عند قوهل تعاىل‪:‬‬
‫قوهل‪﴿ :‬ترونها﴾ ففيه أقوال‪:‬‬
‫األول‪ :‬أنه الكم مستأنف واملعىن‪ :‬رفع السموات بغري عمد‪ .‬ثم قال‪﴿ :‬ترونها﴾ أي وأنتم ترونها‬
‫أي مرفوعة بال عماد‪.‬‬
‫اثلاين‪ :‬قال احلسن يف تقرير اآلية تقديم وتأخري تقديره‪ :‬رفع السموات ترونها بغري عمد‪.‬‬
‫واعلم أنه إذا أمكن محل الالكم ىلع ظاهره َكن املصري إىل اتلقديم واتلأخري غري جائز‪.‬‬
‫واثلالث‪ :‬أن قوهل‪﴿ :‬ترونها﴾ صفة للعمد‪ ،‬واملعىن‪ :‬بغري عمد مرئية‪ ،‬أي للسموات عمد‪ .‬ولكنا‬
‫ال نراها قالوا‪ :‬وهلا عمد ىلع جبل قاف وهو جبل من زبرجد حميط بادلنيا ولكنكم ال ترونها‪.‬‬
‫وهذا اتلأويل يف َغية السقوط‪ ،‬ألنه تعاىل إنما ذكر هذا الالكم يلكون حجة ىلع وجود اإلهل‬
‫القادر ولو َكن املراد ما ذكروه ملا ثبتت احلجة ألنه يقال إن السموات ملا َكنت مستقرة ىلع جبل‬
‫قاف فأي داللة ثلبوتها ىلع وجود اإلهل‪.‬‬
‫وعندي فيه وجه آخر أحسن من اللك‪ ،‬وهو أن العماد ما يعتمد عليه وقد دللنا ىلع أن هذه‬
‫األجسام إنما بقيت واقفة يف اجلو العايل بقدرة الل تعاىل‪ ،‬وحينئذ يكون عمدها هو قدرة الل‬
‫تعاىل‪ ،‬فنتج أن يقال‪ :‬إنه رفع السماء بغري عمد ترونها أي هلا عمد يف احلقيقة إال أن تلك العمد‬
‫ه قدرة الل تعاىل وحفظه وتدبريه‪ ،‬وإبقاؤه إياها يف اجلو العايل‪ ،‬وأنهم ال يرون ذلك اتلدبري‪ ،‬وال‬
‫يعرفون كيفية ذلك اإلمساك) (‪.)2‬‬
‫‪5‬ـ وقال أيضا ً عند قوهل تعاىل‪﴿ :‬احلم هد ِل لاذلي أنزل ىلع عبده الكتاب ولم َيعل ه‬
‫هل عوجا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫قيِّما يلهنذر بأسا شديدا من هدلنه﴾ [الكهف‪1 :‬ـ ‪( ]2‬اليشء َيب أن يكون َكمال يف ذاته‪ ،‬ثم يكون‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مكمال لغريه وَيب أن يكون تاما يف ذاته ثم يكون فوق اتلمام بأن يفيض عليه كمال الغري‪.‬‬
‫ً‬
‫إذا عرفت هذا فنقول يف قوهل‪﴿ :‬ولم َيعل ههل عوجا﴾ إشارة إىل كونه َكمال يف ذاته‪ ،‬وقوهل‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫﴿قيِّما﴾ إشارة إىل كونه مكمال لغريه؛ ألن القيم عبارة عن القائم بمصالح الغري‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ مفاتيح الغيب ‪.445 :12‬‬


‫(‪ )2‬ـ مفاتيح الغيب ‪.525 :18‬‬
‫‪85‬‬
‫ل‬ ‫ونظريه قوهل يف أول سورة ابلقرة يف صفة الكتاب‪﴿ :‬ال ريب فيه هه ً‬
‫دى لل همتقني﴾ فقوهل‪﴿ :‬ال‬
‫ً‬
‫ريب فيه﴾ إشارة إىل كونه يف نفسه بالغا يف الصحة وعدم اإلخالل إىل حيث َيب ىلع العاقل أن‬
‫ال يرتاب فيه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ل‬ ‫وقوهل‪ ﴿ :‬هه ً‬
‫دى لل همتقني﴾ إشارة إىل كونه سببا هلداية اخللق وإكمال حاهلم‪ ،‬فقوهل‪﴿ :‬ولم َيعل‬
‫ل‬ ‫هل عوجا﴾ قائم مقام قوهل‪﴿ :‬ال ريب فيه﴾ وقوهل‪﴿ :‬قيِّما ً﴾ قائم مقام قوهل‪ ﴿ :‬هه ً‬
‫دى لل همتقني﴾ وهذه‬ ‫ه‬

‫أرسار لطيفة) (‪.)1‬‬


‫ثم قال‪( :‬قال الواحدي‪ :‬مجيع أهل اللغة واتلفسري قالوا هذا من اتلقديم واتلأخري‪ ،‬واتلقدير‪:‬‬
‫ً‬
‫أنزل ىلع عبده الكتاب قيما ولم َيعل هل عوجا‪.‬‬
‫هل عوجا﴾ يدل ىلع‬‫وأقول‪ :‬قد بينا ما يدل ىلع فساد هذا الالكم؛ ألنا بينا أن قوهل‪﴿ :‬ولم َيعل ه‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫كونه َكمال يف ذاته‪ ،‬وقوهل‪ :‬قيِّما يدل ىلع كونه مكمال لغريه وكونه َكمال يف ذاته متقدم بالطبع‬
‫ً‬
‫ىلع كونه مكمال لغريه‪.‬‬
‫فثبت بالربهان العقيل أن الرتتيب الصحيح هو اذلي ذكره الل تعاىل‪ ،‬وهو قوهل‪﴿ :‬ولم َيعل ه‬
‫هل‬
‫ً‬
‫عوجا‪ .‬قيِّما﴾‪.‬‬
‫فظهر أن ما ذكروه من اتلقديم واتلأخري فاسد يمتنع العقل من اذلهاب إيله) (‪.)2‬‬
‫وأنتقل إىل املبحث اثلالث من الفصل اثلاين‪ :‬قواعد اتلقديم واتلأخري عند املفرسين‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫(‪ )1‬ـ مفاتيح الغيب ‪.422 :21‬‬


‫(‪ )2‬ـ مفاتيح الغيب ‪.423 :21‬‬
‫‪86‬‬
‫املبحث اثلالث‪ :‬قواعد يف بعض احلروف وتقديم املعمول واملجرور‬
‫يف هذا املبحث سأكمل القواعد املتعلقة باتلقديم واتلأخري عند املفرسين‪ ،‬وسأذكر يف هذا‬
‫ً ل‬ ‫ً‬ ‫املبحث مخس قواعد‪ ،‬أوهلا قاعدة‪( :‬الو ه‬
‫او ال تقتض ترتيبا وال تعقيبا وإنما ه ملطلق اجلمع)‪،‬‬
‫حي ث يظهر يف هذه القاعدة أن الواو ه ملطلق اجلمع‪ ،‬وال تدل ىلع الرتتيب الزماين وال الرتتيب‬
‫ل‬
‫الرتيب‪ ،‬فقد يهؤخر ما هو متقدم يف الزمان‪ ،‬أو يؤخر ما هو متقدم يف الرتبة‪.‬‬
‫يم إذا اقرتن بالفاء َكن فيه همبالغة) فاتلقديم حني يقرتن بالفاء يهشعر‬
‫(اتلقد ه‬
‫ثم سأذكر قاعدة‪ :‬ل‬

‫برشط مقدر‪ ،‬كما يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬وإيلاي فارهبهون﴾ [ابلقرة‪ ،]40:‬فتعني تقدير الرشط هنا‪( :‬مهما‬
‫يكن َشء)‪ ،‬وكما يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬ور لبك فك ِّرب﴾ [املدثر‪ ،]3:‬أي كأنه قيل‪( :‬مهما َكن فال تدع‬
‫تكبريه)‪.‬‬
‫واتلقييد)‪ ،‬كما يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬بل‬‫عمول يتض لم هن معىن االشرتاط ل‬ ‫يم الم ه‬‫ثم سأذكر قاعدة‪( :‬تقد ه‬

‫جر﴾ [املدثر‪.]5-3:‬‬‫الل فاعبهد﴾ [الزمر‪ ،]66:‬وقال‪﴿ :‬ور لبك فك ِّرب‪ ،‬وثيابك فط ِّهر‪ ،‬والرجز فاه ه‬
‫ل‬ ‫ً ه ه‬
‫ثم سأذكر قاعدة‪( :‬تقديم المج هرور كثريا ما يعامل همعاملة الرشط)‪ .‬أو بعبارة أخرى‪( :‬املجرور‬
‫ً ه ه‬ ‫ً‬ ‫ه ِّ‬
‫إذا قدم قد يفيد معىن قريبا من الرشطية)‪ .‬ثم سأذكر قاعدة‪( :‬تقديم المج هرور كثريا ما يعامل‬
‫ً‬ ‫ه ِّ‬ ‫ل‬
‫همعاملة الرشط)‪ .‬أو بعبارة أخرى‪( :‬املجرور إذا قدم قد يفيد معىن قريبا من الرشطية)‪ .‬كما يف‬
‫قوهل تعاىل‪﴿ :‬قال فبما أغويتين ألق هعد لن ل ههم رصاطك ه‬
‫المستقيم﴾ [األعراف‪ ،]16 :‬فقد قدم املجرور‬
‫ً‬
‫ىلع اعمله إلفادة معىن اتلعليل‪ ،‬وهو قريب من الرشط‪ .‬فإن املجرور إذا قدم قد يفيد معىن قريبا‬
‫من الرشطية‪.‬‬
‫ه ِّ ه ِّ‬
‫ثم قاعدة‪( :‬الفعالن إذا َكنا همتقاريب المعىن فلك أن تقدم وتؤخر)‪ ،‬كما يف قوهل تعاىل‪:‬‬
‫ل‬ ‫ه‬ ‫ل ه‬
‫الساعة وانش لق القم هر﴾ [القمر‪ ،]1 :‬وقوهل‪﴿ :‬ث لم دنا فتدىل﴾[انلجم‪.]8 :‬‬ ‫﴿اقرتبت‬
‫واآلن إىل القاعدة األوىل يف هذا املبحث‪:‬‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫) َّ‬
‫وإن َما ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ )‬ ‫َ ُ َ َ‬
‫اجلمع)‪.‬‬ ‫ِه ملطل ِق‬ ‫او ال تقت ِِض ترت ِيبا وال تع ِقيبا‬‫‪10‬ـ قاعدة‪( :‬الو‬
‫الواو ـ كما تقرر دلى انلحاة ـ ه أصل حروف العطف‪ ،‬أو ه ّ‬
‫أم ابلاب كما يقولون؛ وذلك‬
‫لكرثة استعماهلا من جهة‪ ،‬واختصاصها بأمور ليست لغريها من جهة أخرى‪ .‬وه تدل ىلع إرشاك‬
‫ً‬
‫تقييد حلصوهل برتتيب أو‬
‫ٍ‬ ‫اثلاين فيما دخل فيه األول مطلقا‪ ،‬أو ىلع االجتماع يف الفعل من دون‬
‫معية؛ إذ قد تعطف اليشء ىلع مصاحبه‪ ،‬أو ىلع سابقه‪ ،‬أو ىلع الحقه‪ ،‬فيه ىلع اجلملة ‪ -‬عند‬

‫‪87‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫واملبدوء به يف‬ ‫بزيد وعمرو‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫مجهور انلحاة ‪ -‬ملطلق اجلمع‪ ،‬قال سيبويه‪َ( :‬يوز أن تقول‪ :‬مررت‬
‫ً‬
‫املرور عمرو‪ ،‬وَيوز أن يكون زيدا‪ ،‬وَيوز أن يكون املرور وقع عليهما يف حالة واحدة‪ ،‬عمرو‪،‬‬
‫ً‬
‫وَيوز أن يكون زيدا‪ ،‬وَيوز أن يكون املرور وقع عليهما يف حالة واحدة‪ ،‬فالواو جتمع هذه‬
‫األشياء ىلع هذه املعاين) (‪.)1‬‬
‫ه‬
‫غري أنها ‪ -‬إذا لم ترصف إىل أي من هذه املعاين‪ ،‬وانتفت معها القرائن املحددة هلذا املعىن أو‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ذاك ‪ -‬تصري املعية فيها راجحة‪ ،‬والرتتيب كثريا‪ ،‬وعكسه قليال‪ ،‬كما يرى ابن مالك‪.‬‬
‫وإذا َكن هذا هو حال الواو يف األصل‪ ،‬فإن من انلحاة من ذهب إىل أنها قد خترج عن هذا‬
‫األصل ادلاليل إىل استعمال آخر تنوب فيه عن غريها من حروف العطف‪ ،‬خاصة حرِف العطف‬
‫(أو)‪ ،‬والفاء‪ .‬وه ذا هو موضوع حديثنا يف هذا املبحث؛ حيث نتعرض دلراسة هذا انلوع من‬
‫اتلحول يف داللة الواو‪ ،‬ومدى صحة ُميئها نائبة يف املعىن عن هذين احلرفني‪ ،‬ومدى ثبوته يف‬
‫انلص القرآين (‪.)2‬‬
‫واختلف العلماء يف الواو العاطفة ىلع ماذا تدل؟ وهلم يف ذلك أقوال‪:‬‬
‫األول‪ :‬أنها تدل ىلع مطلق اجلمع من غري أن تدل ىلع املعية أو الرتتيب‪ ،‬فيه تدل ىلع اجلمع‬
‫ً‬
‫بني املعطوف واملعطوف عليه‪ ،‬وال تدل ىلع أنهما معا بالزمان أو أن أحدهما قبل اآلخر‪ ،‬ولكن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هذا ال ينايف احتمال أن يكون ذلك وقع منهما معا أو مرتبا ىلع حسب ما ذكرا به‪ ،‬فال يفهم َشء‬
‫من ذلك من ُمرد الواو العاطفة‪.‬‬
‫وهذا قول اجلمهور من أئمة العربية واألصول والفقه ونص عليه سيبويه يف مواطن من كتابه‪،‬‬
‫ونقل أبو يلع الفاريس اتفاق أئمة العربية عليه‪ ،‬وفيه نظر‪.‬‬
‫ً‬
‫والقول اثلاين‪ :‬أن الواو تفيد الرتتيب مطلقا‪ ،‬سواء َكنت اعطفة يف املفردات أو يف اجلمل‪ ،‬وهو‬
‫قول بعض الكوفيني منهم ثعلب وابن درستويه حاكه عنهم مجاعة من انلحاة‪.‬‬
‫ً‬
‫والقول اثلالث‪ :‬أن الواو للجمع بقيد املعية‪ ،‬فإذا استعملت يف غري ذلك يكون ُمازا (‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬ـ الكتاب ‪.438 :1‬‬


‫انظر مقال‪( :‬نيابة الواو عن حرِف العطف‪ :‬أو والفاء)‪ ،‬لدلكتور حجاج أنور عبد الكريم‪ .‬يف موقع األلوكة‪.‬‬ ‫(‪ )2‬ـ‬
‫(‪ )3‬ـ انظر‪ :‬الفصول املفيدة يف الواو املزيدة للعاليئ‪.67 :‬‬
‫‪88‬‬
‫وقد نص عدد من أئمة اللغة العربية ىلع أن الواو ملطلق اجلمع وليست للرتتيب‪ ،‬وممن ل‬
‫نص‬
‫ىلع ذلك‪ :‬أبو سعيد السريايف‪ ،‬حيث قال‪( :‬أمجع انلحويون واللغويون من الكوفيني وابلرصيني إال‬
‫ً‬
‫قليال منهم ومجهور الفقهاء ىلع أن الواو للجمع من غري ترتيب) (‪.)1‬‬
‫وقال اإلمام القرايف‪( :‬الواو ملطلق اجلمع يف احلكم دون الرتتيب يف الزمان‪ :‬قال مجاعة من‬
‫ً ه ه‬ ‫ه ه‬
‫الكوفيني إنها للرتتيب‪ ،‬نلا قوهل تعاىل‪﴿ :‬وادخلوا ابلاب هس لجدا وقولوا ح لطة﴾ [ابلقرة‪ ،]58 :‬وقوهل‬
‫ه ه‬ ‫ه ه‬
‫تعاىل‪﴿ :‬وقولوا ح لطة وادخلوا ابلاب﴾ [األعراف‪ ،]161 :‬والقصة واحدة فلو َكنت للرتتيب لزم اتلناقض‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫وهو حمال‪ ،‬وقوهل تعاىل حاكية عن كفار العرب‪﴿ :‬وقالوا ما ه إال حياتنا ادلنيا ن هموت وحنيا وما‬
‫كنا إ لال ل‬
‫ادله هر وما ل ههم بذلك من عل ٍم﴾ [اجلاثية‪ ،]24 :‬فلو َكنت للرتتيب لاكنوا معرتفني باحلياة‬
‫ه ه‬
‫يهل‬
‫بعد املوت وابلعث‪ ،‬وليس كذلك‪ ،‬وقيل يف هذه اآلية إن املراد تموت كبارنا وتودل صغارنا فنحيا‪،‬‬
‫فال يلزم االعرتاف بابلعث ىلع القول بالرتتيب‪ .‬والظاهر من اللفظ هو القول األول‪ ،‬وأن مرادهم‬
‫حنيا ونموت‪ ،‬والواو ال تفيد الرتتيب‪ ،‬وألن الواو قد تدخل فيما ال يمكن الرتتيب فيه كقونلا‪:‬‬
‫تضارب زيد وعمرو‪ ،‬وال ترتيب يف ذلك؛ فدل ىلع أنها ليست للرتتيب) (‪.)2‬‬
‫ً ل‬ ‫ً‬ ‫‪1‬ـ وهذه القاعدة‪( :‬الو ه‬
‫او ال تقتض ترتيبا وال تعقيبا وإنما ه ملطلق اجلمع)‪ ،‬ذكرها عدد من‬
‫هه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬
‫العلماء‪ ،‬منهم أبو حيان يف تفسريه‪ ،‬فقال عند قوهل تعاىل‪﴿ :‬وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فلكوا منها‬
‫اكم وسْن ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ً ه ه‬ ‫ه ه‬ ‫ً‬ ‫ه‬
‫المحسنني﴾‬ ‫يد ه‬ ‫حيث شئتهم رغدا وادخلوا ابلاب هس لجدا وقولوا ح لطة نغفر لكم خطاي‬
‫ه ه‬ ‫ه ه‬ ‫هه‬ ‫ه ه‬
‫[ابلقرة‪( :]58 :‬وهنا تقدمت أوامر أربعة‪ :‬ادخلوا‪ ،‬فلكوا‪ ،‬وادخلوا ابلاب‪ ،‬وقولوا ح لطة‪ ،‬والظاهر أنه ال‬
‫ً‬
‫يكون جوابا إال لآلخرين‪ ،‬وعليه املعىن‪ ،‬ألن ترتب الغفران ال يكون ىلع دخول القرية وال ىلع‬
‫األكل منها‪ ،‬وإنما يرتتب ىلع دخول ابلاب تلقييده باحلال اليت ه عبادة وه السجود‪ ،‬وبقوهل‪:‬‬
‫ه ه‬
‫﴿وقولوا ح لطة﴾ ألن فيه السؤال حبط اذلنوب‪ ،‬وذلك لقوة املناسبة وللمجاورة‪ .‬ويدل ىلع ترتب‬
‫ً‬ ‫ه ه‬ ‫ه ه‬
‫ذلك عليها ما يف األعراف من قوهل تعاىل‪﴿ :‬وقولوا ح لطة وادخلوا ابلاب هس لجدا نغفر﴾‪ ،‬والقصة‬
‫واحدة‪ .‬فرتب الغفران هناك ىلع قوهلم حطة‪ ،‬وىلع دخول ابلاب سجدا‪ ،‬ملا تضمنه ادلخول من‬

‫(‪ )1‬ـ الفصول املفيدة يف الواو املزيدة‪.73 :‬‬


‫(‪ )2‬ـ رشح تنقيح الفصول‪.99 :‬‬
‫‪89‬‬
‫السجود‪ .‬وِف ختالف هاتني اجلملتني يف اتلقديم واتلأخري ديلل ىلع أن الواو ال ترتب وإنها ملطلق‬
‫اجلمع‪ .‬وقرأ من اجلمهور‪ :‬بإظهار الراء من نغفر عند الالم‪ ،‬وأدغمها قوم قالوا وهو ضعيف) (‪.)1‬‬
‫ه‬ ‫ً‬ ‫ه‬ ‫هل‬ ‫ه‬
‫الل أخرجكم من هَ هطون أمهاتكم ال تعل همون شيئا وجعل لك هم‬ ‫‪2‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬و ه‬
‫ه‬ ‫ل ه‬ ‫ل‬
‫السمع واألبصار واألفئدة لعلكم تشك هرون﴾ [انلحل‪ ]78 :‬قال اخلازن‪( :‬فإن قلت‪ :‬ظاهر اآلية يدل‬
‫ىلع أن جعل احلواس اثلالث بعد اإلخراج من ابلطون‪ ،‬وإنما خلقت هذه احلواس لإلنسان من‬
‫مجلة خلقه‪ ،‬وهو يف بطن أمه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ذكر العلماء أن تقديم اإلخراج‪ ،‬وتأخري ذكر هذه احلواس ال يدل ىلع أن خلقها َكن بعد‬
‫اإلخراج ألن الواو ال توجب الرتتيب وألن العرب تقدم وتؤخر يف بعض الكمها‪.‬‬
‫وأقول ملا َكن االنتفاع بهذه احلواس بعد اخلروج من ابلطن‪ ،‬فكأنما خلقت يف ذلك الوقت‬
‫اذلي ينتفع بها فيه وإن َكنت قد خلقت قبل ذلك‪.‬‬
‫ه‬ ‫ل ه‬
‫وقوهل تعاىل‪﴿ :‬لعلكم تشك هرون﴾ يعين إنما أنعم عليكم بهذه احلواس لتستعملوها يف شكر‬
‫الطري همس لخرات يعين مذلالت يف ج ِّو ل‬
‫السماء اجلو الفضاء الواسع‬ ‫من أنعم بها عليكم ألم يروا إىل ل‬
‫ٍ‬
‫بني السماء واألرض وهو اهلواء) (‪.)2‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الل يا عيىس إين همتوفيك﴾ [آل عمران‪ .]55 :‬قال اإلمام القرطيب‪:‬‬
‫‪3‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬إذ قال ه‬

‫(العامل يف ﴿إذ﴾ مكروا‪ ،‬أو فعل مضمر‪.‬‬


‫وقال مجاعة من أهل املعاين منهم الضحاك والفراء يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬إ ِّين همتوفِّيك وراف هعك إ ل‬
‫يل﴾‬
‫[آل عمران‪ ،]55 :‬ىلع اتلقديم واتلأخري؛ ألن الواو ال توجب الرتبة‪ .‬واملعىن‪ :‬إين رافعك إيل ومطهرك‬
‫من اذلين كفروا ومتوفيك بعد أن تْنل من السماء‪ ،‬كقوهل‪﴿ :‬ولو ال لكمة سبقت من ر ِّبك لاكن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لزاما وأجل همس ًّىم﴾ [طه‪ ،]129 :‬واتلقدير ولوال لكمة سبقت من ربك وأجل مسىم لاكن لزاما‪.‬‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫أال يا خنلة من ذات عرق‪ ...‬عليك ورمحة الل السالم‬
‫أي عليك السالم ورمحة الل‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ ابلحر املحيط ‪.188 :1‬‬


‫(‪ )2‬ـ بلاب اتلأويل يف معاين اتلْنيل ‪.91 :3‬‬
‫‪90‬‬
‫وقال احلسن وابن جريج‪ :‬معىن متوفيك قابضك ورافعك إىل السماء من غري موت‪ ،‬مثل توفيت‬
‫مايل من فالن أي قبضته) (‪.)1‬‬
‫ه‬
‫وح وإبراهيم و هموىس وعيىس‬
‫انلبيِّني ميثاق ههم ومنك ومن ن ٍ‬
‫‪4‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬وإذ أخذنا من ل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ابن مريم وأخذنا من ههم ميثاقا غليظا﴾ [األحزاب‪ .]7 :‬قال الشيخ الشعراوي‪( :‬أما تقديم ذكر حممد‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫صَّل الل عليه وسلم أوال؛ ألن الواو هنا اعدة ال تقتض ترتيبا وال تعقيبا‪ ،‬إنما ه ملطلق اجلمع‪،‬‬
‫ثم قدم رسول الل ألنه املخاطب بهذا الالكم‪ ،‬ومن إكرامه الل لرسوهل أن يبدأ به يف مثل هذا املقام‪،‬‬
‫ً‬
‫ثم هلذا اتلقديم ملحظ آخر نفهمه من قوهل صَّل الل عليه وسلم عن نفسه‪( :‬كنت نبيا وآدم بني‬
‫املاء والطني) (‪.)2‬‬
‫ً‬
‫ثم يص باذلكر هنا نوحا؛ ألنه األب اثلاين للبرش‪ ،‬ثم إبراهيم وموىس وعيىس‪ ،‬فإبراهيم‪ ،‬ألن‬
‫ه ِّ‬
‫العرب َكنت تؤمن به‪ ،‬وتعلم أنه أبو األنبياء‪ ،‬وتقدر عالقته بالكعبة ورفع قواعدها‪ ،‬وأنه قدوة يف‬
‫ل‬
‫اذلبح ل‬
‫والسيع وغريها‪.‬‬ ‫مسألة‬
‫وموىس وعيىس؛ ألن ايلهودية واملسيحية ديانتان معارصتان دلعوة رسول الل‪ ،‬حيث َكن‬
‫ايلهود يف املدينة‪ ،‬وانلصارى يف جنران‪ ،‬وهما أهل الكتاب اذلين َكن بينهم وبني رسول الل مواقف‬
‫شىت‪ ،‬و لانت هلم يف اجلزيرة العربية السيادة العلمية والسيادة االقتصادية والسيادة العمرانية‬
‫والسيادة احلربية‪ ،‬وكأنهم هم أصحاب هذه ابلالد) (‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬ـ اجلامع ألحاكم القرآن ‪.99 :4‬‬


‫ً‬ ‫ال عن زيادة‪( :‬و هكن ه‬
‫ً‬ ‫ل‬
‫ت نب ّيا وال آدم وال ماء‬ ‫السخاوي‪ :‬لم أقف عليه بهذا اللفظ فض‬ ‫(‪ )2‬ـ ليس هل أصل بهذا اللفظ‪ ،‬قال ل‬
‫ل‬ ‫الزركيش‪( :‬ال أصل ه‬
‫وال طني)‪ ،‬وقال ل‬
‫هل بهذا اللفظ)‪.‬‬
‫ً‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ت لر هسول الل ص لَّل ه‬‫وإنما هو مروي بلفظ‪ :‬عن ميرسة الفجر قال‪ :‬قهل ه‬
‫الل عليه وسلم‪ :‬مىت كنت نب ّيا؟ قال‪( :‬وآد هم َني‬
‫الروح واجلسد)‪ ،‬فهذا اللفظ رواه أمحد يف املسند (‪ ،)20596‬والطرباين يف الكبري (‪ ،)17220‬وأبو نعيم يف حلية األويلاء ‪:9‬‬
‫ه‬ ‫‪ ،53‬واحلاكم يف املستدرك (‪ )4209‬وقال‪( :‬هذا حديث صح ه‬
‫يح اإلسناد ولم ي ِّرج هاه)‪ ،‬ورواه الرتمذي يف أبواب املناقب‪،‬‬
‫ه‬ ‫ل‬ ‫يب ص لَّل ه‬
‫الل عليه وسلم (‪ )3609‬بلفظ‪ :‬قالوا يا ر هسول الل مىت وجبت لك انلبه لو هة؟ قال‪( :‬وآد هم َني الروح‬ ‫باب يف فضل ل‬
‫انل ِّ‬
‫ه ل‬
‫واجلسد)‪ :‬وقال‪( :‬هذا حديث حسن غريب من حديث أ يب ههريرة ال نعرف هه إال من هذا الوجه)‪.‬‬
‫(‪ )3‬ـ تفسري الشعراوي ‪.11944 :19‬‬
‫‪91‬‬
‫‪ 5‬ـ وِف تفسري القرآن العظيم املنسوب لإلمام الطرباين ـ والل أعلم أتصح نسبته إيله أم ال ـ‬
‫ه‬ ‫ل‬
‫انلبيِّني من َعده﴾ [النساء‪( :]163 :‬فإن‬
‫وح و ل‬
‫(‪ )1‬عند قوهل تعاىل‪﴿ :‬إنا أوحينا إيلك كما أوحينا إىل ن ٍ‬
‫وداود‪ ،‬وهو من بعدهم؟‬ ‫الل ذكر عيىس ىلع ذكر أيوب ويونهس وهارون وسليمان ه‬ ‫قدم ه‬ ‫ل‬
‫قيل‪ :‬كيف‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬
‫يوجب تقديمه يف اخللق‬ ‫فتقديم ذكره يف اآلية ال‬ ‫قيل‪ :‬ألن الواو للجمع دون الرتتيب‪،‬‬
‫مه ه‬
‫الل‬
‫ل ه‬ ‫والفائدة يف تقديمه يف اذلكر‪ :‬الرد ىلع ايلهود‪ ،‬ول هغله ِّوهم يف ل‬
‫الطعن وِف نسبه‪ ،‬فقد‬
‫ه‬
‫واإلرسال‪،‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫يف اذلكر؛ ألن ذلك أبلغ يف كتهب ايلهود وِف تْنيهه م لما هريم به ونسب إيله) (‪.)2‬‬
‫‪6‬ـ وِف تفسري اإلمام أ يب املظفر السمعاين (املتوّف ‪489‬ه) عند قوهل تعاىل‪﴿ :‬وإذ أخذنا من‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ه‬
‫وح وإبراهيم و هموىس وعيىس ابن مريم وأخذنا من ههم ميثاقا غليظا﴾‬
‫انلبيِّني ميثاق ههم ومنك ومن ن ٍ‬
‫ل‬
‫ه‬
‫وح﴾ اختلف القول يف تقديم انليب‪ ،‬فأحد القولني‪ :‬ما رواه أبو‬ ‫[األحزاب‪( :]7 :‬وقوهل‪﴿ :‬ومنك ومن ن ٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هريرة عن انليب صَّل الل عليه وسلم أنه قال‪( :‬أنا أول انلبيني خلقا وآخرهم بعثا) (‪.)3‬‬
‫وعن قتادة قال‪ :‬بدأ به يف اخللق‪ ،‬وختم به يف ابلعث‪ ،‬والقول اثلاين‪ :‬أن الواو توجب اجلمع‪ ،‬وال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫توجب تقديما وال تأخريا‪ ،‬فكأنه قال‪ :‬أخذنا من هؤالء انلبيني ميثاقهم‪ ،‬وخص هؤالء ألنهم َكنوا‬
‫أصحاب الرشائع وهم‪ :‬نوح‪ ،‬وإبراهيم‪ ،‬وموىس‪ ،‬وعيىس ابن مريم‪ ،‬وحممد ‪ .‬وأما معىن امليثاق‪ :‬قال‬
‫أهل اتلفسري‪ :‬أخذ عليهم أن يعبدوا الل ويدعوا إىل عبادة الل‪ ،‬ويصدق بعضهم بعضا‪ ،‬وينصحوا‬
‫انلاس‪ ،‬ويقال‪ :‬أخذ ىلع نوح أن يبرش بإبراهيم‪ ،‬وىلع إبراهيم أن يبرش بموىس‪ ،‬وىلع موىس أن‬
‫يبرش بعيىس‪ ،‬وهكذا إىل حممد) (‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬ـ عدد من ابلاحثني يشككون يف صحة نسبة الكتاب للطرباين‪ .‬وأسلوب الكتاب يتلف عن أسلوب الطرباين وعن‬
‫الطريقة الشائعة يف اتلأيلف يف ذلك العرص‪ .‬وِف هذا الرابط الكم عن ذلك‪:‬‬
‫‪. http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=83331‬‬
‫ه‬ ‫ل‬
‫انلبيِّني من َعده﴾ [النساء‪.]163 :‬‬
‫وح و ل‬
‫(‪ )2‬ـ تفسري القرآن العظيم عند قوهل تعاىل‪﴿ :‬إنا أوحينا إيلك كما أوحينا إىل ن ٍ‬
‫(‪ )3‬ـ رواه الزبار يف مسنده (‪ ،)9518‬والطربي يف تهذيب اآلثار (‪ )2768‬يف حديث طويل وفيه أن الل تعاىل قال هل صَّل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫انلبيِّني خلقا‪ ،‬وآخر ههم َعثا)‪.‬‬
‫الل عليه وسلم‪( :‬وجعلتهك أ لول ل‬
‫ه‬
‫انلب ِّيني يف اخللق وآخر ههم يف‬ ‫(كن ه‬
‫ت أ لول ل‬ ‫ورواه الطرباين يف مسند الشاميني (‪ ،)2662‬وتمام يف فوائده (‪ )1003‬بلفظ‪:‬‬
‫ابلعث)‪.‬‬
‫قال احلافظ ابن كثري يف تفسريه بعد أن ذكر هذا احلديث‪( :‬سعيد بن بشري فيه ضعف‪ .‬وقد رواه سعيد بن أ يب عروبة‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عن قتادة مرسال وهو أشبه‪ .‬ورواه بعضهم عن قتادة موقوفا‪ ،‬والل أعلم)‪ .‬تفسري القرآن العظيم ‪.383 :6‬‬
‫(‪ )4‬ـ تفسري السمعاين ‪.261 :4‬‬
‫‪92‬‬
‫ً‬
‫‪7‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬وإذ قتلتهم نفسا﴾ [ابلقرة‪ ] 72 :‬قال اإلمام الشولاين‪( :‬قيل‪ :‬إن قصة ذبح‬
‫ً‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫ابلقرة املذكورة هنا مقدم يف اتلالوة‪ ،‬ومؤخر يف املعىن‪ ،‬ىلع قوهل تعاىل‪﴿ :‬وإذ قتلتم نفسا﴾ [ابلقرة‪:‬‬
‫ً‬ ‫ل ً‬
‫‪ ] 72‬وَيوز أن يكون قوهل‪﴿ :‬قتلتهم﴾ مقدما يف الْنول‪ ،‬ويكون األمر باذلبح مؤخرا‪ ،‬وَيوز أن‬
‫يكون ترتيب نزوهلا ىلع حسب تالوتها‪ ،‬فكأن الل أمر بذبح ابلقرة حىت ذحبوها‪ ،‬ثم وقع ما وقع‬
‫من أمر القتل‪ ،‬فأمروا أن يرضبوه ببعضها هذا ىلع فرض أن الواو تقتض الرتتيب‪ ،‬وقد تقرر يف‬
‫علم العربية أنها ملجرد اجلمع‪ ،‬من دون ترتيب‪ ،‬وال معية) (‪.)1‬‬
‫‪8‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬يامري هم اقنهيت لر ِّبك واس هجدي واركيع مع ل‬
‫الراكعني﴾ [آل عمران‪ ]43 :‬قال‬
‫ً‬
‫أيضا‪( :‬وقدم السجود ىلع الركوع لكونه أفضل‪ ،‬أو لكون صالتهم ال ترتيب فيها‪ ،‬مع كون الواو‬
‫ملجرد اجلمع بال ترتيب) (‪.)2‬‬
‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬
‫‪9‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬فاذلين هاج هروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا يف سبييل وقاتلوا وقتلوا‬
‫ً‬ ‫ه‬
‫ألدخل لن ههم ج لنات جتري من حتتها األنه ه‬ ‫ه ِّ ل ه ِّ‬
‫ار﴾ [آل عمران‪ ]195 :‬قال أيضا‪( :‬وقرأ‬ ‫ٍ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ات‬ ‫ئ‬ ‫ألكفرن عنهم سي‬
‫ه ه‬ ‫ه ِّ ه‬
‫ابن كثري وابن اعمر‪ :‬وقتلوا ىلع اتلكثري‪ ،‬وقرأ األعم ومحزة والكسايئ‪ :‬وقتلوا وقاتلوا وهو مثل‬
‫قول الشاعر‪:‬‬
‫تصاىب وأمىس عاله الكرب أي‪ :‬قد عاله الكرب‪ ،‬وأصل الواو‪ :‬ملطلق اجلمع بال ترتيب‪ ،‬كما قال‬
‫به اجلمهور‪ .‬واملراد هنا‪ :‬أنهم قاتلوا وقتل بعضهم‪ ،‬كما قال امرؤ القيس‪:‬‬
‫ه ه (‪)3‬‬ ‫ه ه ِّ‬
‫فإن تقتهلونا نقتلكم‬
‫ه ه ه‬
‫وقرأ عمر بن عبد العزيز‪ :‬وقتلوا وقتلوا (‪.)4‬‬
‫ً‬ ‫ه‬
‫‪10‬ـ وِف تفسري اإلمام الرازي‪( :‬قال تعاىل يف سورة ابلقرة‪﴿ :‬والك منها رغدا﴾ [‪ ]35‬بالواو وقال‬
‫ه‬
‫هاهنا‪﴿ :‬فالك﴾ بالفاء فما السبب فيه؟ وجوابه من وجهني‪ :‬األول‪ :‬أن الواو تفيد اجلمع املطلق‬

‫(‪ )1‬ـ فتح القدير ‪.114 :1‬‬


‫(‪ )2‬ـ فتح القدير ‪.388 :1‬‬
‫(‪ )3‬ـ ديوان امرئ القيس‪.88 :‬‬
‫(‪ )4‬ـ فتح القدير ‪ . 473 :1‬يف الاكمل يف القراءات واألربعني الزائدة عليها أل يب القاسم اليشكري (املتوّف‪465 :‬ه) ص‪:523‬‬
‫ه‬ ‫((قاتلهوا و هقتِّلهوا) مشدد‪ ،‬وهكذا يف األنعام‪( :‬ق لتلهوا أوالد ههم)‪ ،‬زاد دمشق يف احلج وهشام " ً‬
‫قوما قتلوا " (قل فادرؤوا)‪،‬‬
‫ه ه ه‬ ‫وابن مقسم‪ ،‬واحلسن ىلع أصلهما يف مجيع القرآن بالتشديد وال نعيده‪ ،‬وقرأ ل‬
‫الزعفر ّ‬
‫اين‪( :‬قتلوا وقتلوا) بغري ألف فيهما‬ ‫ٍ‬
‫من غري تشديد‪ ،‬ابلاقون يبدؤون بالفاعلني‪( :‬قاتلوا وقتلوا) خفيف)‪.‬‬
‫‪93‬‬
‫والفاء تفيد اجلمع ىلع سبيل اتلعقيب‪ ،‬فاملفهوم من الفاء نوع داخل حتت املفهوم من الواو‪ ،‬وال‬
‫منافاة بني انلوع واجلنس‪ ،‬فف سورة ابلقرة ذكر اجلنس وِف سورة األعراف ذكر انلوع) (‪.)1‬‬
‫ه‬ ‫ً‬ ‫ه ه‬ ‫ل‬
‫‪11‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬يا أيها اذلين آمنهوا ال تدخلوا هَيهوتا غري هَيهوتكم ح لىت تستأن هسوا‬
‫ه ِّ‬
‫وتسل هموا ىلع أهلها﴾ [انلور‪ ]27 :‬قال اإلمام السيويط‪( :‬يف هذه اآلية وجوب االستئذان عند دخول‬
‫بيت الغري‪ ،‬ووجوب الرجوع إذا لم يؤذن هل‪ ،‬وحتريم ادلخول إذا لم يكن فيها أحد‪ .‬ويستفاد من‬
‫هذا حتريم دخول ملك الغري‪ ،‬والكون فيه‪ ،‬وشغله بغري إذن صاحبه فيدخل حتته من املسائل‬
‫والفروع ما ال ُيَص‪ ...‬واستدل باآلية األكرث ىلع اجلمع بني االستئذان والسالم‪ .‬واألقل ىلع تقديم‬
‫االستئذان ىلع السالم بتقديمه يف اآلية‪.‬‬
‫ً‬
‫وأجاب األكرثون‪ ،‬بأن الواو ال تفيد ترتيبا‪ ،‬واستدل بها من قال‪ :‬هل الزيادة يف االستئذان ىلع‬
‫ثالث‪ ،‬حىت يؤذن هل أو يرصح باملنع‪ ،‬وفهم من اآلية أن الرجل ال يستأذن عند دخول بيته ىلع‬
‫امرأته) (‪.)2‬‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫هل‬ ‫ه‬
‫الل أخرجكم من هَ هطون أمهاتكم ال تعل همون شيئًا وجعل لك هم‬ ‫‪12‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬و ه‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل ه‬ ‫ل‬
‫السمع واألبصار واألفئدة لعلكم تشك هرون﴾ [انلحل‪ ]78 :‬قال اإلمام أبو السعود‪﴿( :‬وجعل لك هم‬
‫ه‬ ‫ل‬
‫السمع واألبصار واألفئدة﴾ عطف ىلع ﴿ أخرجكم﴾‪ ،‬وليس فيه داللة ىلع تأخر اجلعل املذكور‬
‫ه‬ ‫ً‬ ‫ه‬
‫الرتتيب‪ ،‬ىلع أن أثر ذلك اجلعل ال يظهر قبل‬ ‫اجلمع مطلقا ال‬ ‫عن اإلخراج‪ ،‬ملا أن مدلول الواو هو‬
‫ه‬ ‫اإلخراج أي جعل لكم هذه األشياء آالت ّ‬
‫حتصلون بها العلم واملعرفة بأن حتسوا بمشاعركم‬ ‫ٍ‬
‫ه‬
‫جزئيات األشياء‪ ،‬وتدركوها بأفئدتكم‪ ،‬وتتنبهوا ملا بينها من املشارلات واملباينات بتكرر‬
‫اإلحساس‪ ،‬فيحصل لكم علوم بديهية تتمكنون بانلظر فيها من حتصيل العلوم الكسبية) (‪.)3‬‬
‫‪13‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬قاتلهوا لاذلين ال يهؤمنهون بالل وال بايلوم اآلخر وال هُي ِّر همون ما ح لرم ه‬
‫الل‬
‫ه‬ ‫ل ه‬ ‫ه ه‬ ‫ل‬ ‫ور هس ه ه‬
‫وهل وال يدينهون دين احل ِّق من اذلين أوتوا الكتاب حىت يعطوا اجلزية عن ي ٍد وهم صاغرون﴾‬
‫ه‬ ‫ه‬

‫حتسب أن عطف مجل ىلع مجلة الصلة يقتض لزوم اجتماع‬ ‫ل‬ ‫[اتلوبة‪ ]29:‬قال اإلمام ابن اعشور‪( :‬وال‬
‫تلك الصالت للك ما صدق عليه اسم املوصول‪ ،‬فإن الواو ال تقيد إال مطلق اجلمع يف احلكم‪،‬‬

‫(‪ )1‬ـ مفاتيح الغيب ‪.217 :14‬‬


‫(‪ )2‬ـ اإللكيل يف استنباط اتلْنيل‪ .‬للسيويط‪.190 :‬‬
‫(‪ )3‬ـ إرشاد العقل السليم ‪.131 :5‬‬
‫‪94‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فإن اسم املوصول قد يكون مرادا به واحد‪ ،‬فيكون َكملعهود بالالم‪ ،‬وقد يكون املراد به جنسا‬
‫ً‬
‫أو أجناسا مما يثبت هل معىن الصلة أو الصالت‪ ،‬ىلع أن حرف العطف نائب عن العامل فهو بمْنلة‬
‫إاعدة اسم املوصول سواء وقع االقتصار ىلع حرف العطف كما يف هذه اآلية‪ ،‬أم مجع بني حرف‬
‫ه‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫اد ل‬
‫الرمحن اذلين يمشون‬ ‫العطف وإاعدة اسم املوصول بعد حرف العطف كما يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬وعب‬
‫ً ل‬ ‫ً‬ ‫ً ل‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ً‬
‫ىلع األرض هونا‪ .‬وإذا خاطب ههم اجلاهلون قالوا سالما‪ .‬واذلين يبيتهون لر ِّبهم هس لجدا وقياما‪ .‬واذلين‬
‫ً ل‬ ‫ً ل‬ ‫ل ل‬ ‫ل‬ ‫ه ه‬
‫يقولون ر لبنا ارصف عنا عذاب جهنم إن عذاَها َكن غراما‪ .‬إنها ساءت همستق ًّرا و همقاما‪ .‬واذلين‬
‫ً‬ ‫ه‬ ‫ً ل‬ ‫هه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬
‫إذا أنفقوا لم يرسفوا ولم يقرتوا ولان َني ذلك قواما‪ .‬واذلين ال يدعون مع الل إهلا آخر﴾ [الفرقان‪-63:‬‬
‫ّ ّ‬
‫‪ .]68‬فقد عطفت فيها ثمانية أسماء موصولة ىلع اسم املوصول ولم يقتض ذلك أن ك موصول‬
‫خاصة بل العربة باالتصاف بمضمون إحدى تلك الصالت مجيعها‬ ‫ّ‬ ‫خمتص املاصدق ىلع طائفة‬
‫باألوىل‪ ،‬واتلعويل يف مثل هذا ىلع القرائن) (‪.)1‬‬
‫ً‬ ‫‪14‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬آم لنا بر ِّب ه ه‬
‫ارون و هموىس﴾ [طه‪ ]70 :‬قال أيضا‪( :‬وتقديم هارون ىلع موىس‬
‫ِّ‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫هنا وتقديم موىس ىلع هارون يف قوهل تعاىل يف سورة األعراف [‪﴿ :]122 ،121‬قالوا آمنا برب العالمني‪.‬‬
‫ارون﴾ ال داللة فيه ىلع تفضيل وال غريه‪ ،‬ألن الواو العاطفة ال تفيد أكرث من مطلق‬ ‫ر ِّب هموىس وه ه‬

‫اجلمع يف احلكم املعطوف فيه‪ ،‬فهم عرفوا الل بأنه رب هذين الرجلني؛ فحيك الكمهم بما يدل‬
‫ِّ‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫ىلع ذلك؛ إال ترى أنه حيك يف سورة األعراف [‪ ]121‬قول السحرة‪﴿ :‬قالوا آمنا برب العالمني﴾‪ ،‬ولم‬
‫ُيك ذلك هنا‪ ،‬ألن حاكية األخبار ال تقتض اإلحاطة جبميع املحيك وإنما املقصود موضع العربة‬
‫يف ذلك املقام حبسب احلاجة) (‪.)2‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ذكر الشيخ حممد األمني‬ ‫‪15‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬إين همتوفيك وراف هعك إ ليل﴾‬
‫[آل عمران‪]55 :‬‬
‫ً‬ ‫ل‬
‫الشنقيطي (املتوّف ‪1393‬ه) وجه عدم داللة اآلية ىلع موت عيىس فعال‪ ،‬فقال‪( :‬واجلواب عن هذا‬
‫ِّ‬
‫من ثالثة أوجه‪ :‬األول‪ :‬أن قوهل تعاىل‪ ﴿ :‬همتوفيك﴾ [آل عمران‪ ]55 :‬ال يدل ىلع تعيني الوقت‪ ،‬وال يدل‬
‫ً ً‬
‫ىلع كونه قد مىض‪ ،‬وهو متوفيه قطعا يوما ما‪ ،‬ولكن ال ىلع أن ذلك ايلوم قد مىض ‪.‬‬
‫ِّ‬
‫وأما عطفه ﴿وراف هعك إ ليل﴾ ىلع قوهل‪ ﴿ :‬همتوفيك﴾ فال ديلل فيه إلطباق مجهور أهل اللسان‬
‫العريب ىلع أن الواو ال تقتض الرتتيب وال اجلمع‪ ،‬وإنما تقتض مطلق الترشيك‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.164 :10‬‬


‫(‪ )2‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.262 :16‬‬
‫‪95‬‬
‫ً‬
‫وقد ادىع السريايف والسهييل إمجاع انلحاة ىلع ذلك‪ ،‬وعزاه األكرث للمحققني‪ ،‬وهو احلق خالفا‪،‬‬
‫ملا قاهل قطرب والفراء وثعلب وأبو عمرو الزاهد وهشام والشافيع من أنها تفيد الرتتيب لكرثة‬
‫استعماهلا فيه‪ .‬وقوهل صَّل الل عليه وسلم‪( :‬أبدأه بما بدأ ه‬
‫الل به) (‪ )1‬ـ يعين الصفا ـ ال ديلل فيه‬
‫ىلع اقتضائها الرتتيب‪ .‬وبيان ذلك هو ما قاهل الفهري كما ذكره عنه صاحب الضياء الالمع‪ .‬وهو‬
‫أنها كما أنها ال تقتض الرتتيب وال املعية‪ ،‬فكذلك ال تقتض املنع منهما‪.‬‬
‫فقد يكون العطف بها مع قصد االهتمام باألول‪ ،‬كقوهل‪﴿ :‬إ لن ل‬
‫الصفا والمروة من شعائر الل﴾‬
‫ً‬
‫[ابلقرة‪ ]158 :‬اآلية‪ ،‬بديلل احلديث املتقدم‪ .‬وقد يكون املعطوف بها مرتبا‪ ،‬كقول حسان‪( :‬هجوت‬
‫حممدا ً وأجبت عنه) ىلع رواية الواو‪ .‬وقد يراد بها املعية‪ ،‬كقوهل‪ ﴿ :‬فأجنين هاه وأصحاب ل‬
‫السفينة﴾‬
‫ل‬ ‫ه‬
‫[العنكبوت‪ .]15 :‬وقوهل‪﴿ :‬ومجع الشم هس والقم هر﴾ [القيامة‪ . ]9 :‬ولكن ال حتمل ىلع الرتتيب وال ىلع‬
‫املعية إال بديلل منفصل ‪.‬‬
‫الوجه اثلاين‪ :‬أن معىن ﴿ همتوفِّيك﴾ أي منيمك‪﴿ ،‬وراف هعك إ ل‬
‫يل﴾ أي يف تلك انلومة ‪.‬‬
‫ل‬ ‫ل ه‬ ‫ه ل‬
‫وقد جاء يف القرآن إطالق الوفاة ىلع انلوم يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬وهو اذلي يتوفاكم بالليل ويعل هم‬
‫ل‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ما جرحتهم ب ل‬
‫﴿الل يتوّف األنفس حني موتها واليت لم ت همت يف منامها﴾‬
‫ه‬ ‫انلهار﴾ [األنعام‪ ،]60 :‬وقوهل‪:‬‬
‫[الزمر‪ ،]42 :‬وعزى ابن كثري هذا القول لألكرثين‪ ،‬واستدل باآليتني املذكورتني ‪.‬‬
‫ِّ‬
‫الوجه اثلالث‪ :‬أن ﴿ همتوفيك﴾‪ ،‬اسم فاعل توفاه إذا قبضه وحازه إيله‪ ،‬ومنه قوهلم‪ :‬توّف فالن‬
‫دينه إذا قبضه إيله‪ ،‬فيكون معىن متوفيك ىلع هذا‪ :‬قابضك منهم إيل حيا‪ ،‬وهذا القول هو اختيار‬
‫ابن جرير‪.‬‬
‫ً‬
‫وأما اجلمع بأنه توفاه سااعت أو أياما ثم أحياه‪ ،‬فال معول عليه‪ ،‬إذ ال ديلل عليه) (‪.)2‬‬
‫وكذلك ذكر الشيخ الشعراوي فقال‪( :‬إن علينا أن ننتبه إىل «واو العطف» بني «متوفيك» و‬
‫«رافعك»‪.‬‬
‫ومن قال إن «واو العطف» تقتض الرتتيب؟ إن «واو العطف» تقتض اجلمع فقط كقونلا‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫«جاءين زيد وعمرو»‪ ،‬هذا يعين أن زيدا جاء مع عمرو ‪ .‬أو ان زيدا جاء أوال‪ ،‬أو أن عمرا جاء أوال‬
‫وتبعه زيد‪ ،‬فـ «الواو» ال تقتض الرتتيب‪ ،‬وإنما مقتضاها اجلمع فقط‪.‬‬

‫ل‬ ‫ل ل ِّ ل‬
‫صَّل ه‬
‫الل عليه وسلم (‪.)1218‬‬ ‫(‪ )1‬ـ رواه مسلم يف كتاب احلج‪ ،‬باب حجة انليب‬
‫(‪ )2‬ـ أضواء ابليان ‪ ،133 :7‬ودفع إيهام االضطراب‪.40 :‬‬
‫‪96‬‬
‫ً‬
‫لكن إن قلنا‪« :‬جاءين زيد فعمرو» فزيد هو اذلي جاء أوال وتبعه عمرو؛ ألن «الفاء» تقتض‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الرتتيب‪ ،‬أما «الواو» فتأيت ملطلق اجلمع وال تتعلق بكيفية اجلمع‪ ،‬وسبحانه قال‪﴿ :‬إين همتوفيك‬
‫وراف هعك إ ليل﴾ هذا الرضب من اجلمع اليدل ىلع أن اتلوِف قد تم قبل الرفع‪ ،‬وديللنا أن احلق سبحانه‬
‫أنزل يف القرآن آيات تدل ىلع مثل هذا‪ ،‬كقوهل احلق‪﴿ :‬وإذ أخذنا من انلبيني ميثاق ههم ومنك ومن‬
‫ه‬
‫وح وإبراهيم﴾ [ األحزاب‪.] 7 :‬‬
‫ن ٍ‬
‫ً‬
‫فسبحانه أخذ امليثاق من حممد صَّل الل عليه وسلم ومجع معه سيدنا نوحا وإبراهيم‪ ،‬فهل هذا‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اجلمع َكن قائما ىلع الرتتيب؟ ال؛ ألن نوحا متقدم جدا يف املوكب الرسايل وسبق سيدنا رسول الل‬
‫بسنوات طويلة ويفصل بينهما رسل كثريون ‪ .‬إذن فـ «الواو» ال تقتض الرتتيب يف اجلمع ‪ .‬وملاذا‬
‫جاء احلق بأمر الوفاة مع أمر الرفع؟ جاء احلق بذلك ليشعر عيىس أن الوفاة أمر مقطوع به‪ ،‬لكن‬
‫الرفع ُمرد عملية مرحلية‪.‬‬
‫أو جاء قوهل احلق‪﴿ :‬إ ِّين همتوفِّيك وراف هعك إ ل‬
‫يل﴾؛ ألن اإلنسان املخلوق لل مكون ومركب من‬
‫مادة وِف داخلها الروح‪ ،‬وعندما يريد احلق أن ينيه حياة إنسان ما‪ ،‬فهو يقبضه بدون سبب وبدون‬
‫ً‬
‫نقض يف ابلنية‪ ،‬ويموت حتف أنفه‪ ،‬أما إذا ما رضب إنسان إنسانا رضبة عنيفة ىلع رأسه فاملرضوب‬
‫ً‬
‫أيضا يموت‪ ،‬ألن الروح ال حتل يف جسم به عطب شديد (‪.)1‬‬
‫َُ ََ‬ ‫َّ ُ َ َ َ َ َ َ َ‬
‫اقّتن ب ِالفاءِ كن فِي ِه مبالغة)‪.‬‬ ‫‪11‬ـ قاعدة (اتلق ِديم إذا‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫‪1‬ـ هذه القاعدة ذكرها ابن اعشور يف تفسريه عند قوهل تعاىل‪﴿ :‬وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم‬
‫وإيلاي فارهبهون﴾ [ابلقرة‪ :]40:‬فقال‪( :‬واتلقديم إذا اقرتن بالفاء َكن فيه مبالغة؛ ألن الفاء كما يف‬
‫ً‬
‫هذه اآلية مؤذنة برشط مقدر‪ ،‬وملا َكن هذا الرشط ال ديلل عليه إال الفاء تعني تقديره اعما حنو‪:‬‬
‫«إن يكن َشء» أو «مهما يكن َشء» كما أشار هل صاحب الكشاف يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬ور لبك‬
‫فك ِّرب﴾ [املدثر‪ ]3:‬حيث قال‪« :‬ودخلت الفاء ملعىن الرشط كأنه قيل مهما َكن فال تدع تكبريه» (‪.)2‬‬
‫فاملعىن هنا‪ :‬وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم‪ ،‬ومهما يكن َشء فإياي ارهبوين‪ ،‬فلما حذفت‬
‫مجلة الرشط بعد واو العطف‪ ،‬بقيت فاء اجلواب موايلة لواو العطف‪ ،‬فزحلقت إىل أثناء اجلواب‪،‬‬
‫ً‬
‫كراهية توايل حرفني‪ ،‬فقيل‪﴿ :‬وإيلاي فارهبهون﴾ [ابلقرة‪ ،]40 :‬بدال عن أن يقال فارهبون‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ تفسري الشعراوي ‪.2798 :5‬‬


‫(‪ )2‬ـ الكشاف ‪.645 :4‬‬
‫‪97‬‬
‫واتلعليق ىلع الرشط العام يستلزم حتقق وقوع اجلواب ألن اتلعليق الرشيط بمْنلة ربط‬
‫املسبب بالسبب‪.‬‬
‫ً‬
‫فإذا َكن املعلق عليه أمرا حمقق الوقوع لعدم خلو احلدثان عنه تعني حتقق وقوع املعلق‪ ،‬وهذا‬
‫مبين ىلع مذهب سيبويه يف باب األمر وانليه يتار فيهما انلصب يف االسم اذلي يبين عليه الفعل‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وذلك مثل قولك‪« :‬زيدا ارضبه»‪ ،‬ومثل ذلك‪« :‬أما زيدا فاقتله» فإذا قلت‪« :‬زيد فارضبه»‪ ،‬لم يستقم‬
‫أن حتمله ىلع االبتداء أال ترى أنك لو قلت‪« :‬زيد فمنطلق» لم يستقم‪.‬‬
‫ثم أشار إىل أن الفاء هنا يف معىن فاء اجلزاء فمن ثم جزم الزخمرشي بأن هاته الفاء مهما وجدت‬
‫يف االشتغال دلت ىلع رشط اعم حمذوف‪ ،‬وأن الفاء َكنت داخلة ىلع االسم فزحلقت ىلع حكم‬
‫فاء جواب أما الرشطية‪ ،‬وأحسب أن مثل هذا الرتكيب من مبتكر أسايلب القرآن ولم أذكر أين‬
‫عرثت ىلع مثله يف الكم العرب‪.‬‬
‫ومما يؤيد ما ذهب إيله صاحب الكشاف املبين ىلع الكم سيبويه من اعتبار الفاء مشعرة برشط‬
‫مقدر‪ :‬أن َغلب مواقع هاته الفاء املتقدم معها املفعول ىلع مدخلها أن تقع بعد نيه أو أمر يناقض‬
‫ل‬ ‫ه‬
‫األمر وانليه اذلي دخلت عليه تلك الفاء‪ ،‬حنو قوهل تعاىل‪﴿ :‬ولقد أويح إيلك وإىل اذلين من‬
‫قبلك لِئ أرشكت﴾ إىل قوهل‪﴿ :‬بل الل فاعبهد﴾ [الزمر‪ ]66 :‬وقول األعَش‪« :‬وال تعبد الشيطان والل‬
‫فاعبدا» فاكن ما يتقدم هاته الفاء يتودل منه رشط يف املعىن‪ ،‬ولانت الفاء مؤذنة بذلك الرشط‬
‫ً‬
‫وعالمة عليه‪ ،‬فألجل كونه مدلوال عليه بديللني أصله وفرعه َكن َكملذكور كأنه قيل‪« :‬لِئ‬
‫ً ً‬
‫أرشكت يلحبطن عملك‪ ،‬وفإن كنت اعبدا شيئا فالل فاعبد»‪ ،‬وكذا يف ابليت وهذه فائدة لم يفصح‬
‫عنها السلف فخذها وال ختف‪.‬‬
‫ً‬
‫قال اتلفتازاين «ونقل عن صاحب الكشاف أنه قال إن يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬وإيلاي فارهبهون﴾ وجوها‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫من اتلأكيد‪ :‬تقديم الضمري املنفصل‪ ،‬وتأخري املتصل‪ ،‬والفاء املوجبة معطوفا عليه ومعطوفا‬
‫تقديره‪( :‬إياي ارهبوا فارهبون) أحدهما مقدر واثلاين مظهر‪ ،‬وما يف ذلك من تكرار الرهبة‪ ،‬وما‬
‫ً‬
‫فيه من معىن الرشط بداللة الفاء كأنه قيل إن كنتم راهبني شيئا فارهبون» اه‪.‬‬
‫يريد أن يف تقديم الضمري إفادة االختصاص واالختصاص تأكيد‪ ،‬قال صاحب املفتاح‪ :‬ليس‬
‫ً‬
‫احلرص واتلخصيص إال تأكيدا ىلع تأكيد‪ ،‬وأما تأخري الضمري املتصل فلما يف إاعدة اإلسناد من‬

‫‪98‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اتلقوى‪ ،‬ومراد الزخمرشي بقوهل معطوفا عليه ومعطوفا العطف اللغوي أي معقبا ومعقبا به ال‬
‫العطف انلحوي‪ ،‬إذ ال يستقيم هنا‪.‬‬
‫فتحصل أن يف اتلعبري عن مثل هذا االختصاص يف الكم ابللغاء مراتب أربع‪ُ :‬مرد اتلقديم‬
‫ً‬
‫للمفعول حنو‪﴿ :‬إيلاك نعبه هد﴾ [الفاحتة‪ .]5 :‬وتقديمه ىلع فعله العامل يف ضمريه حنو زيدا رهبته‪.‬‬
‫وتقديمه ىلع فعله مع اقرتان الفعل بالفاء حنو‪﴿ :‬ور لبك فك ِّرب﴾ [املدثر‪.]3 :‬‬
‫وتقديمه ىلع فعله العامل يف ضمريه مع اقرتان الفعل بالفاء حنو ﴿وإيلاي فارهبهون﴾‪ .‬فاثلانية‬
‫واثلاثلة والرابعة أوكد منهما) (‪.)1‬‬
‫‪2‬ـ وذكر اإلمام ابن اعشور أن الفاء مشعرة ومؤذنة برشط مقدر‪ ،‬يف مواضع أخرى من تفسريه‪،‬‬
‫ه‬ ‫ل‬ ‫ل ل‬
‫الصابئني من آمن بالل وايلوم‬‫انلصارى و ل‬
‫ادوا و ل‬ ‫فقال يف تفسري قوهل تعاىل‪﴿ :‬إن اذلين آمنهوا واذلين ه‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ً‬
‫اآلخر وعمل صاحلا فل ههم أج هرهم عند ر ِّبهم وال خوف عليهم وال هم ُيزنون﴾ [ابلقرة‪( :]62 :‬وقوهل‬
‫ه‬ ‫ً‬
‫تعاىل‪﴿ :‬من آمن﴾ َيوز أن تكون ﴿من﴾ رشطا يف موضع املبتدأ ويكون ﴿فل ههم أج هرهم﴾‬
‫جواب الرشط‪ ،‬والرشط مع اجلواب خرب {إن}‪ ،‬فيكون املعىن إن اذلين آمنوا من يؤمن بالل منهم‬
‫ل‬ ‫ه‬
‫فله أجره‪ ....‬ودخلت الفاء يف ﴿فل ههم أج هرهم﴾ [ابلقرة‪ ،]62 :‬إما ىلع أنها تدخل يف اخلرب‪ ...‬حنو‪﴿ :‬إن‬
‫ل‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬
‫اذلين فتنوا المؤمنني والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم﴾ [الربوج‪ ]10 :‬عند غري سيبويه‪.‬‬
‫وإما ىلع أن املوصول عومل معاملة الرشط لإليذان باتلعليل فأدخلت الفاء قرينة ىلع ذلك‪.‬‬
‫ويكون املفاد من اآلية حينئذ استثناء صاليح بين إرسائيل من احلكم‪ ،‬برضب اذللة واملسكنة‬
‫والغضب من الل ويكون ذكر بقية صاليح األمم معهم ىلع هذا إشارة إىل أن هذه سنة الل يف‬
‫معاملته خلقه وُمازاته الك ىلع فعله) (‪.)2‬‬
‫ه‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ل‬
‫﴿اذلين هينف هقون أموال ههم باللليل و ل‬
‫رسا وعالنية فل ههم أج هرهم عند‬ ‫انلهار‬ ‫‪3‬ـ وعند قوهل تعاىل‪:‬‬
‫ً‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫ر ِّبهم وال خوف عليهم وال هم ُيزنون﴾ [ابلقرة‪ ]274 :‬قال أيضا‪( :‬وأدخل الفاء يف خرب املوصول‬
‫ً‬
‫للتنبيه ىلع تسبب استحقاق األجر ىلع اإلنفاق؛ ألن املبتدأ ملا َكن مشتمال ىلع صلة مقصود منها‬
‫اتلعميم‪ ،‬واتلعليل‪ ،‬واإليماء إىل علة بناء اخلرب ىلع املبتدأ ـ وه ينفقون ـ صح إدخال الفاء يف‬

‫(‪ )1‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.455 :1‬‬


‫(‪ )2‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.538 :1‬‬
‫‪99‬‬
‫خربه كما تدخل يف جواب الرشط؛ ألن أصل الفاء ادلاللة ىلع التسبب وما أدخلت يف جواب‬
‫الرشط إال ذللك) (‪.)1‬‬
‫ه‬ ‫ً‬ ‫ه‬ ‫ل‬
‫‪4‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬والاليت يأتني الفاحشة من نسائكم فاستشه هدوا عليه لن أربعة منكم‬
‫ً‬ ‫ه‬ ‫ل ه‬ ‫ه ه‬
‫الل ل هه لن سبيال﴾ [النساء‪ ]15:‬قال‬
‫ت أو َيعل ه‬ ‫ابليهوت ح لىت يتوفاه لن المو‬
‫وه لن يف ه‬ ‫فإن شه هدوا فأمسك‬
‫ه ه‬ ‫ً‬
‫أيضا‪( :‬وقرن بالفاء خرب املوصولني من قوهل‪﴿ :‬فاستشه هدوا﴾ وقوهل‪﴿ :‬فيآذوهما﴾ ألن املوصول‬
‫ً‬
‫أرشب معىن الرشط تنبيها ىلع أن صلة املوصول سبب يف احلكم ادلال عليه خربه‪ ،‬فصار خرب‬
‫املوصول مثل جواب الرشط‪.‬‬
‫ويظهر يل أن ذلك عندما يكون اخلرب مجلة‪ ،‬وغري صاحلة ملبارشة أدوات الرشط‪ ،‬حبيث لو‬
‫َكنت جزاء للزم اقرتانها بالفاء‪ .‬هكذا وجدنا من استقراء الكمهم‪ ،‬وهذا األسلوب إنما يقع يف‬
‫الصالت اليت تومئ إىل وجه بناء اخلري‪ ،‬ألنها اليت تعطي راحئة التسبب يف اخلرب الوارد بعدها‪ .‬ولك‬
‫أن جتعل دخول الفاء عالمة ىلع كون الفاء نائبة عن أما‪.‬‬
‫ومن ابلني أن إتيان النساء بالفاحشة هو اذلي سبب إمساكهن يف ابليوت‪ ،‬وإن َكن قد بىن‬
‫نظم الالكم ىلع جعل ﴿فاستشه هدوا عليه لن﴾ هو اخلرب‪ ،‬لكنه خرب صوري وإال فإن اخلرب هو‬
‫ه ه‬ ‫ً‬ ‫ه ه‬
‫﴿فأمسكوه لن﴾‪ ،‬لكنه يجء به جوابا لرشط هو متفرع ىلع ﴿فإن شه هدوا﴾ ففاء ﴿فأمسكوه لن﴾‬
‫ه ه‬
‫ه الفاء املشبهة لفاء اجلواب‪ ،‬وفاء ﴿فإن شه هدوا﴾ تفريعية‪ ،‬وفاء ﴿فأمسكوه لن﴾ جزائية‪ ،‬ولوال‬
‫قصد االهتمام بإعداد الشهادة قبل احلكم باحلبس يف ابليوت لقيل‪ :‬والاليت يأتني الفاحشة من‬
‫نسائكم فأمسكوهن يف ابليوت إن شهد عليهن أربعة منكم) (‪.)2‬‬
‫ربك) ىلع املفعويلة لفعل (ك ِّرب)‪،‬‬
‫‪5‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬ور لبك فك ِّرب﴾ [املدثر‪ ]3 :‬قال‪( :‬انتصب ( ل‬

‫قدم ىلع اعمله إلفادة االختصاص‪ ،‬أي ال تكرب غريه‪ ،‬وهو قرص إفراد‪ ،‬أي دون األصنام‪.‬‬
‫ه‬
‫والواو عطفت مجلة ﴿ور لبك فك ِّرب﴾ ىلع مجلة ﴿قم فأنذر﴾ [املدثر‪.]2:‬‬
‫ً‬
‫ودخلت الفاء ىلع (ك ِّرب) إيذانا برشط حمذوف يكون (ك ِّرب) جوابه‪ ،‬وهو رشط اعم إذ ال ديلل‬
‫ىلع رشط خمصوص‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.77 :3‬‬


‫(‪ )2‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.276 :4‬‬
‫‪100‬‬
‫ه‬
‫وهيِّئ تلقدير الرشط بتقدم املفعول؛ ألن تقديم املعمول قد يْنل مْنلة الرشط كقول انليب‬
‫صَّل الل عليه وسلم‪( :‬ففيهما فجاهد) (‪)1‬يعين األبوين‪.‬‬
‫فاتلقدير‪ :‬مهما يكن َشء فكرب ربك‪ .‬واملعىن‪ :‬أن ال يفرت عن اإلعالن بتعظيم الل وتوحيده‬
‫يف ك زمان وَّك حال‪ ،‬وهذا من اإلَياز‪ .‬وجوز ابن جين أن تكون الفاء زائدة قال‪ :‬هو كقولك‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫زيدا فارضب‪ ،‬تريد‪ :‬زيدا ارضب) (‪.)2‬‬
‫ل‬ ‫ِّ‬ ‫ه‬
‫الصيف‪ .‬فليعبه هدوا رب هذا‬
‫الشتاء و ل‬ ‫‪6‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬إليالف قري ٍ ‪ .‬إيالفهم رحلة‬
‫ل‬
‫وع وآمن ههم من خو ٍف﴾ [قري ‪1 :‬ـ ‪ ]4‬قال‪( :‬افتتاح مبدع إذ َكن بمجرور‬
‫ابليت‪ ،‬اذلي أطعم ههم من هج ٍ‬
‫بالم اتلعليل وليس بإثره بالقرب ما يصلح للتعليق به ففيه تشويق إىل متعلق هذا املجرور‪ .‬وزاده‬
‫ً‬
‫الطول تشويقا إذ فصل بينه وبني متعلقه بالفتح خبمس لكمات‪ ،‬فيتعلق ﴿إليالف﴾ بقوهل‪:‬‬
‫﴿فليعبه هدوا﴾‪.‬‬
‫وتقديم هذا املجرور لالهتمام به إذ هو من أسباب أمرهم بعبادة الل اليت أعرضوا عنها بعبادة‬
‫األصنام واملجرور متعلق بفعل ﴿فليعبه هدوا﴾ ‪.‬‬
‫رب هذا ابليت اذلي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف‬ ‫وأصل نظم الالكم‪ :‬تلعبد قري‬
‫إليالفهم رحلة الشتاء والصيف‪.‬‬
‫ً‬
‫فلما اقتىض قصد االهتمام باملعمول تقديمه ىلع اعمله‪ ،‬تودل من تقديمه معىن جعله رشطا‬
‫لعامله فاقرتن اعمله بالفاء اليت ه من شأن جواب الرشط‪ ،‬فالفاء ادلاخلة يف قوهل‪﴿ :‬فليعبه هدوا﴾‬
‫مؤذنة بأن ما قبلها من قوة الرشط‪ ،‬أي مؤذنة بأن تقديم املعمول مقصود به اهتمام خاص وعناية‬
‫قوية ه عناية املشرتط برشطه‪ ،‬وتعليق بقية الكمه عليه ملا ينتظره من جوابه‪ ،‬وهذا أسلوب من‬
‫اإلَياز بديع‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ رواه ابلخاري يف كتاب األدب‪ ،‬باب ال َياهد إال بإذن األبوين (‪ ،)5972‬ومسلم يف كتاب الرب والصلة واآلدب‪،‬‬
‫باب بر الوادلين وأنهما أحق به (‪.)6668‬‬
‫(‪ )2‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.295 :29‬‬
‫‪101‬‬
‫قال يف «الكشاف» دخلت الفاء «ملا يف الالكم من معىن الرشط؛ ألن املعىن إما ال فليعبدوه‬
‫إليالفهم» (‪ ،)1‬أي أن نعم الل عليهم ال حتَص فإن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه هلذه الواحدة‬
‫اليت ه نعمة ظاهرة اه) (‪.)2‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪7‬ـ وكذلك هنا آيتان يف األوىل‪﴿ :‬ومن تط لوع خريا﴾‪ ،‬وِف اثلانية‪﴿ :‬فمن تط لوع خريا﴾‪ ،‬قال‬
‫الصفا والمروة من شعائر الل فمن ح لج ابليت أو اعتمر فال هجناح عليه أن ي لط لوف‬ ‫تعاىل‪﴿ :‬إ لن ل‬
‫ً ل‬
‫بهما ومن تط لوع خريا فإن الل شاكر عليم﴾‪[ .‬ابلقرة‪.]158 :‬‬
‫ل‬ ‫ه‬ ‫ل ِّ‬ ‫ً‬ ‫ه ل‬ ‫ل ً ل ه‬
‫ات فمن َكن منكم مريضا أو ىلع سف ٍر فعدة من أيلامٍ أخر وىلع اذلين‬ ‫وقال‪﴿ :‬أياما معدود ٍ‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫وموا خري لكم إن كنتهم‬ ‫ام مسكني فمن تط لوع خريا ً ف ههو خري ل ههل وأن ت هص ه‬ ‫يقون هه فدية طع ه‬ ‫ه ه‬
‫يط‬
‫ٍ‬
‫تعل همون﴾ [ابلقرة‪.]184 :‬‬
‫قال ادلكتور فاضل السامرايئ‪:‬‬
‫(ملاذا قال يف األوىل‪﴿ :‬ومن تط لوع﴾ وِف اثلانية‪﴿ :‬فمن تط لوع﴾؟‬
‫ً‬
‫األوىل يف احلج والعمرة‪﴿ :‬ومن تط لوع خريا﴾ أي من جاء بعبادة أخرى بطواف‪ ،‬حبج‪ ،‬بعمرة‪،‬‬
‫بعبادة أخرى وليس نفس العبادة‪ .‬يف اآلية اثلانية يف الصيام قال‪﴿ :‬فمن تط لوع﴾ كيف يتطوع؟‬
‫يزيد يف الفدية يف نفس املسألة وِف نفس الطاعة ليست طاعة مستحدثة ألن هذه فدية‪ .‬كيف‬
‫يتطوع أكرث؟ ماكن مسكني مسكينان‪ .‬تلك عبادة أخرى مستحدثة أما هذه فنفس العبادة ذلا‬
‫جاءت واحدة بالواو واثلانية بالفاء‪.‬‬
‫ً‬ ‫ه ه ًّ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬
‫اآلية األخرى‪﴿ :‬اذلين يهنفقون أموال ههم يف سبيل الل ث لم ال يهتب هعون ما أنفقوا منا وال أذى ل ههم‬
‫ل‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫أج هرهم عند ر ِّبهم وال خوف عليهم وال هم ُيزنون) [ابلقرة‪﴿ ،]262 :‬اذلين ينفقون أموالهم بالليل‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬
‫رسا وعالنية فل ههم أج هرهم عند ر ِّبهم وال خوف عليهم وال هم ُيزنون﴾ [ابلقرة‪.]274 :‬‬ ‫و ل‬
‫انلهار‬
‫ملاذا جاء بالفاء يف اثلانية دون األوىل؟ الفاء واقعة يف جواب اسم املوصول وهنا االسم املوصول‬
‫ّ‬
‫مشبه بالرشط‪.‬‬
‫يشبه بالرشط بضوابط‪ ،‬فتقرتن الفاء يف جوابه كما تقرتن جبواب الرشط‬‫واسم املوصول أحيانا ً ل‬

‫وَّك واحدة هلا معىن‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ الكشاف ‪. 800 :4‬‬


‫(‪ )2‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.554 :30‬‬
‫‪102‬‬
‫مثال‪ :‬اذلي يدخل ادلار هل ماكفأة واذلي يدخل ادلار فله ماكفأة‪ .‬األوىل فيها احتماالن‪ :‬إما أنه‬
‫هل ماكفأة بسبب دخوهل ادلار كأن ادلار مقفلة وهو يفتحها‪ ،‬أي أن املاكفأة مرتتبة ىلع دخول ادلار‪،‬‬
‫وإما أن يكون للشخص اذلي يدخل ادلار هل ماكفأة بسبب آخر‪.‬‬
‫إذن فيها احتماالن عندما ال تذكر الفاء‪.‬‬
‫ً‬
‫إذا ذكرت الفاء فال بد أن املاكفأة مرتتبة ىلع ادلخول قطعا وليس ألي سبب آخر وهذا تشبيه‬
‫بالرشط أي أن املاكفأة رشط ادلخول يف ادلار‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أيضا هناك مالحظة أنه يف تشبيه املوصول بالرشط أحيانا يكون الغرض من ذكر الفاء هو‬
‫ه‬ ‫ل‬
‫اتلوكيد أي أن ما يهذكر فيه الفاء آكد مما لم يذكر كقوهل تعاىل‪﴿ :‬اذلين يهنفقون أموال ههم يف سبيل‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ً‬ ‫ه ه ًّ‬ ‫ه‬
‫الل ث لم ال يهتب هعون ما أنفقوا منا وال أذى ل ههم أج هرهم عند ر ِّبهم وال خوف عليهم وال هم ُيزنون﴾‬
‫ه‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬
‫رسا وعالنية فل ههم أج هرهم‬ ‫[ابلقرة‪ ]262 :‬بدون فاء‪ ،‬واثلانية ﴿ لاذلين يهنف هقون أموال ههم باللليل و ل‬
‫انلهار‬
‫ً‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫عند ر ِّبهم وال خوف عليهم وال هم ُيزنون﴾ [ابلقرة‪ ،]274 :‬زاد بالليل وانلهار ورسا وعالنية أيها‬
‫آكد؟‬
‫ه‬
‫اليت فيها الفاء‪ ،‬اآلية األوىل قال فقط‪﴿ :‬يهنفقون أموال ههم يف سبيل الل﴾ أما اثلانية فقال‪:‬‬
‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫﴿باللليل و ل‬
‫رسا وعالنية﴾ حدد أكرث‪.‬‬ ‫انلهار‬
‫يف جواب اسم املوصول احتماالن‪ ،‬تشبيه جواب املوصول بالرشط إما أن يكون السبب بمعىن‬
‫أداة الرشط‪ ،‬وإما لزيادة اتلوكيد) (‪.)1‬‬
‫َ ُ َ ُ َ َ َ َّ َ َ‬
‫االتّتاط واتلَّقييد)‬
‫َِ‬ ‫ول يتضم ُن معىن‬
‫‪12‬ـ قاعدة‪( :‬تق ِديم المعم ِ‬
‫[الرشح‪]7:‬‬ ‫هذه القاعدة ذكرها اإلمام ابن اعشور فقال‪( :‬واعلم أن الفاء يف قوهل‪﴿ :‬فانصب﴾‬
‫وقوهل‪﴿ :‬فارغب﴾ [الرشح‪ ]8 :‬رابطة للفعل ألن تقديم املعمول يتضمن معىن االشرتاط واتلقييد فإن‬
‫تقديم املعمول ملا أفاد االختصاص نشأ منه معىن االشرتاط‪ ،‬وهو كثري يف الالكم قال تعاىل‪﴿ :‬بل‬
‫ِّ‬
‫الل فاعبهد﴾ [الزمر‪ ]66:‬وقال‪﴿ :‬ور لبك فك ِّرب‪ ،‬وثيابك فطهر‪ ،‬والرجز فاه هجر﴾ [املدثر‪ ،]5-3:‬وِف تقديم‬
‫املجرور قال تعاىل‪﴿ :‬وِف ذلك فليتنافس ال همتناف هسون﴾ [املطففني‪ ]26:‬وقال انليب صَّل الل عليه وسلم‬
‫ملن سأل منه أن يرج للجهاد‪( :‬ألك أبوان)? قال نعم‪ :‬قال‪( :‬ففيهما فجاهد) (‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ـ ملسات بيانية لسور القرآن الكريم‪.389 :‬‬


‫(‪ )2‬ـ سبق خترَيه يف القاعدة السابقة‪ ،‬ص ‪.101‬‬
‫‪103‬‬
‫بل قد يعامل معاملة الرشط يف اإلعراب كما روي قول انليب صَّل الل عليه وسلم‪( :‬كما‬
‫ه‬ ‫ل‬ ‫ه ه‬
‫تكونوا يهول عليكم) (‪ )1‬جبزم الفعلني‪ ،‬وقد تقدم ذلك عند قوهل تعاىل‪﴿ :‬فبذلك فليفر هحوا﴾ يف‬
‫سورة يونس [‪.]58‬‬
‫وذكر الطييب عن أمايل السيد يعين ابن الشجري أن اجتماع الفاء والواو هنا من أعجب‬
‫الكمهم؛ ألن الفاء تعطف أو تدخل يف اجلواب وما أشبه اجلواب باالسم انلاقص‪ ،‬أو يف صلة‬
‫الوصول الفعلية لشبهها باجلواب‪ ،‬وه هنا خارجة عما وضعت هل اه‪ .‬وال يبىق تعجب بعد ما‬
‫قررناه) (‪.)2‬‬
‫وهذه القاعدة قريبة من القاعدة السابقة‪( :‬اتلقديم إذا اقرتن بالفاء َكن فيه مبالغة)؛ ألن‬
‫ل‬ ‫ه‬
‫اتلقديم حني يقرتن بالفاء‪ ،‬تشعر الفاء برشط مقدر ـ كما سبق يف تلك القاعدة ـ ‪ ،‬فتكون قريبة‬
‫عمول يتض لم هن معىن االشرتاط ل‬
‫واتلقييد)‪.‬‬ ‫يم الم ه‬
‫من هذا املعىن يف هذه القاعدة‪( :‬تقد ه‬
‫املَ َة َّ ْ‬
‫الَّش ِط)‪.‬‬
‫َ ) َ َُ َُ َُ َ‬
‫ور كثِريا ما يعامل مع‬ ‫َْ َ َ ْ ُ‬
‫‪13‬ـ قاعدة‪( :‬تق ِديم المجر ِ‬
‫ً‬ ‫ه ِّ‬
‫أو بعبارة أخرى‪( :‬املجرور إذا قدم قد يفيد معىن قريبا من الرشطية)‪.‬‬
‫ه ِّ‬
‫أو (املجرور إذا قدم ىلع اعمله قد يفيد اتلعليل)‪.‬‬
‫ل‬
‫‪1‬ـ هذه القاعدة ذكرها اإلمام ابن اعشور يف تفسريه عند قوهل تعاىل‪﴿ :‬قال فبما أغويتين ألق هعدن‬
‫ل‬ ‫ل ههم رصاطك ه‬
‫المستقيم﴾ [األعراف‪ ،]16 :‬فقال‪﴿( :‬ألق هعدن﴾ [األعراف‪ ،]16 :‬الم القسم‪ :‬قصد تأكيد‬
‫حصول ذلك وحتقيق العزم عليه‪.‬‬
‫وقدم املجرور ىلع اعمله إلفادة معىن اتلعليل‪ ،‬وهو قريب من الرشط فذللك استحق اتلقديم‬
‫ً‬
‫فإن املجرور إذا قدم قد يفيد معىن قريبا من الرشطية‪ ،‬كما يف قول انليب صَّل الل عليه وسلم‪:‬‬
‫ه‬ ‫ل‬ ‫ه ه‬
‫(كما تكونوا يهوىل عليكم) (‪ )3‬يف رواية جزم تكونوا مع عدم معاملة اعمله معاملة جواب‬
‫الرشط بعالمة اجلزم فلم يرو (يوىل) إال باأللف يف آخره ىلع عدم اعتبار اجلزم‪ .‬وذلك ُيصل من‬
‫االهتمام باملتعلق‪ ،‬إذ َكن هو السبب يف حصول املتعلق به‪ ،‬فاتلقديم لالهتمام‪ ،‬وذللك لم يكن‬

‫ً‬
‫(‪ )1‬ـ هذا احلديث ال يصح مرفواع إىل انليب عليه الصالة والسالم‪ ،‬ذكره الفتين يف (تذكرة املوضواعت)‪ ،182 :‬وقال‪ :‬يف‬
‫سنده انقطاع وواضع ههو ُييا بن هاشم‪ ،‬وهل طريق فيه ُماهيل‪ .‬وقال الشولاين يف (الفوائد املجموعة يف األحاديث‬
‫ل‬
‫املوضوعة)‪ :210 :‬يف إسناده‪ :‬وضاع‪ .‬وفيه‪ :‬انقطاع‪.‬‬
‫(‪ )2‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.418 :30‬‬
‫عمول يتض لم هن معىن االشرتاط ل‬
‫واتلقييد)‪.‬‬ ‫يم الم ه‬
‫(‪ )3‬ـ سبق خترَيه يف القاعدة السابقة‪( :‬تقد ه‬

‫‪104‬‬
‫ً‬
‫هذا اتلقديم منافسا تلصدير الم القسم يف مجلتها‪ ،‬ىلع أنا ال نلزتم ذلك فقد خولف يف كثري من‬
‫الكم العرب) (‪.)1‬‬
‫ً‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫‪2‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬فذللك فادع واستقم كما أمرت وال تتبع أهواءهم﴾ [ابلقرة‪ ]61 :‬قال أيضا‪:‬‬
‫(والفاء يف قوهل‪﴿ :‬فادع﴾ [ابلقرة‪َ ،]61 :‬يوز أن تكون مؤكدة لفاء اتلفريع اليت قبلها‪ ،‬وَيوز أن‬
‫تكون مضمنة معىن اجلزاء ملا يف تقديم املجرور من مشابهة معىن الرشط كما يف قوهل تعاىل‪:‬‬
‫﴿فبذلك فليفر هحوا﴾ [يونس‪.)2( )]58 :‬‬
‫ه‬ ‫ه ه‬
‫الل الر هسل فيقول ماذا أجبتهم﴾ [املائدة‪ ]109 :‬قال‪( :‬فقوهل‪﴿ :‬يوم‬
‫‪3‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬يوم َيم هع ه‬

‫َيم هع﴾ ظرف‪ ،‬واألظهر أنه معمول لعامل حمذوف يقدر بنحو‪:‬اذكر يوم َيمع الل الرسل‪ ،‬أو يقدر‬
‫هل اعمل يكون بمْنلة اجلواب للظرف؛ ألن الظرف إذا تقدم يعامل معاملة الرشط يف إعطائه‬
‫ً‬
‫جوابا‪.‬‬
‫وقد حذف هذا العامل تلذهب نفس السامع ك مذهب ممكن من اتلهويل‪ ،‬تقديره يوم َيمع‬
‫ً‬
‫الل الرسل يكون هول عظيم ال يبلغه طول اتلعبري فينبيغ طيه‪ .‬وَيوز أن يكون متعلقا بفعل‪،‬‬
‫ه‬
‫﴿قالوا ال علم نلا‪ ﴾..‬إ لخ‪ ،‬أي أن ذلك الفعل هو املقصود من اجلملة املستأنفة‪ .‬وأصل نظم‬
‫الالكم‪َ:‬يمع الل الرسل يوم القيامة فيقول الخ‪.‬فغري نظم الالكم إىل األسلوب اذلي وقع يف اآلية‬
‫لالهتمام باخلرب‪ ،‬فيفتتح بهذا الظرف املهول ويلورد االستشهاد يف صورة املقاولة بني الل والرسل‪.‬‬
‫ل‬ ‫ه‬ ‫واملقصود من الالكم هو ما يأيت بقوهل‪﴿ :‬وإذ قال ه‬
‫الل يا عيىس اَن مريم أأنت قلت للناس﴾‬
‫[املائدة‪ ]116:‬وما بينهما اعرتاض‪ .‬ومن ابلعيد أن يكون الظرف متعلقا بقوهل‪﴿ :‬ال يهدي القوم‬
‫الفاسقني﴾ [املائدة‪ ]108:‬ألنه ال جدوى يف نف اهلداية يف يوم القيامة‪ ،‬وألن جزالة الالكم تناسب‬
‫استئنافه‪ ،‬وألن تعلقه به غري واسع املعىن‪.‬‬
‫له‬
‫ومثله قول الزجاج‪:‬إنه متعلق بقوهل‪﴿ :‬واتقوا الل﴾ [املائدة‪ ]108:‬ىلع أن ﴿يوم﴾ مفعول ألجله‪،‬‬
‫له‬
‫وقيل‪ :‬بدل اشتمال من اسم اجلاللة يف قوهل‪﴿ :‬واتقوا الل﴾ [املائدة‪ ]108:‬ألن مجع الرسل مما يشتمل‬

‫(‪ )1‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.46 :8‬‬


‫(‪ )2‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.61 :25‬‬
‫‪105‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫عليه شأن الل‪ ،‬فاالستفهام يف قوهل‪﴿ :‬ماذا أجبتم﴾ [املائدة‪ ،]109 :‬مستعمل يف االستشهاد‪ .‬ينتقل منه‬
‫إىل الزمه‪ ،‬وهو توبيخ اذلين كذبوا الرسل يف حياتهم أو بدلوا وارتدوا بعد مماتهم) (‪.)1‬‬
‫‪4‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬وِف ذلك فليتنافس ال همتناف هسون﴾ [املطففني‪ ]26 :‬قال‪( :‬وملا َكنت الواو‬
‫اعرتاضية لم يكن إشاكل يف وقوع فاء اجلواب بعدها‪ .‬والفاء إما أن تكون فصيحة‪ ،‬واتلقدير‪:‬‬
‫إذا علمتم األوصاف هلذا الرحيق فليتنافس فيه املتنافسون‪ ،‬أو اتلقدير‪ :‬وِف ذلك فلتتنافسوا‬
‫فليتنافس فيه املتنافسون‪ ،‬فتكون اجلملة يف قوة اتلذييل؛ ألن املقدر هو تنافس املخاطبني‪،‬‬
‫واملرصح به تنافس مجيع املتنافسني‪ ،‬فهو تعميم بعد ختصيص‪ ،‬وإما أن تكون الفاء فاء جواب‬
‫ل‬ ‫ً ه‬ ‫ل‬
‫لرشط مقدر يف الالكم يؤذن به تقديم املجرور؛ ألن تقديم املجرور كثريا ما يعامل معاملة الرشط‪.‬‬
‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ه ه‬
‫كما روي قول انليب صَّل الل عليه وسلم‪( :‬كما تكونوا يهول عليكم) (‪ )2‬جبزم (تكونوا)‬
‫ل‬
‫و(يهول)‪ ،‬فاتلقدير‪ :‬إن علمتم ذلك فليتنافس فيه املتنافسون‪ .‬وإما أن تكون الفاء تفريعا ىلع‬
‫حمذوف ىلع طريقة احلذف ىلع رشيطة اتلفسري‪ ،‬واتلقدير‪ :‬وتنافسوا صيغة أمر يف ذلك‪ ،‬فليتنافس‬
‫ً‬
‫املتنافسون فيه‪ ،‬ويكون الالكم مؤذنا بتوكيد فعل اتلنافس ألنه بمْنلة املذكور مرتني‪ ،‬مع إفادة‬
‫اتلخصص بتقديم املجرور) (‪.)3‬‬
‫َ َ ُ ََ َْ َ َ َ َ َ ْ َُ ر َ َُ ر‬
‫ب المعىن فلك أن تقدم وتؤخ َر)‬ ‫ار‬
‫عالن إذا كنا متق ِ‬
‫‪14‬ـ قاعدة‪( :‬ال ِف ِ‬
‫ل ه‬
‫الساعة وانش لق‬ ‫‪1‬ـ ذكر هذه القاعدة اإلمام القرطيب يف تفسريه عند قوهل تعاىل‪﴿ :‬اقرتبت‬
‫القم هر﴾ [القمر‪ ،]1 :‬فقال‪( :‬وقد قيل‪ :‬هو ىلع اتلقديم واتلأخري‪ ،‬وتقديره انشق القمر واقرتبت الساعة‪،‬‬
‫قاهل ابن كيسان‪ .‬وقد مر عن الفراء أن الفعلني إذا َكنا متقاريب املعىن فلك أن تقدم وتؤخر عند‬
‫ل‬ ‫ه‬
‫قوهل تعاىل‪﴿ :‬ث لم دنا فتدىل﴾) (‪.)4‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫‪2‬ـ وعند قوهل تعاىل ﴿ث لم دنا فتدىل﴾ [انلجم‪ ]8 :‬قال أيضا‪( :‬وعن ابن عباس أيضا يف قوهل تعاىل‪:‬‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫﴿ هث لم دنا فتد لىل﴾ أن معناه أن الل تبارك وتعاىل ﴿دنا﴾ من حممد ص لَّل ه‬
‫الل عليه وسلم ﴿فتدىل﴾‪.‬‬
‫ل‬ ‫وروى حنوه أنس بن مالك عن انليب ص لَّل ه‬
‫الل عليه وسلم‪ .‬واملعىن دنا منه أمره وحكمه‪ .‬وأصل‬
‫اتلديل الْنول إىل اليشء حىت يقرب منه فوضع موضع القرب‪ ،‬قال بليد‪:‬‬

‫(‪ )1‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.98 :7‬‬


‫عمول يتض لم هن معىن االشرتاط ل‬
‫واتلقييد)‪ ،‬ص ‪.104‬‬ ‫يم الم ه‬
‫(‪ )2‬ـ سبق خترَيه يف القاعدة (‪( :)12‬تقد ه‬

‫(‪ )3‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.207 :30‬‬


‫(‪ )4‬ـ اجلامع ألحاكم القرآن ‪.126 :17‬‬
‫‪106‬‬
‫ً‬
‫فتديلت عليه قافال ‪ ...‬وىلع األرض غيابات الطفل‬
‫ل‬
‫وذهب الفراء إىل أن الفاء يف ﴿فتدىل﴾ بمعىن الواو‪ ،‬واتلقدير ثم تدىل جربيل عليه السالم‬
‫ً‬
‫ودنا‪ .‬ولكنه جائز إذا َكن معىن الفعلني واحدا أو َكلواحد قدمت أيهما شئت‪ ،‬فقلت فدنا فقرب‬
‫وقرب فدنا‪ ،‬وشتمين فأساء وأساء فشتمين‪ ،‬الن الشتم واإلساءة َش واحد‪ .‬وكذلك قوهل تعاىل‪:‬‬
‫ل ه‬
‫الساعة وانش لق القم هر﴾ املعىن والل أعلم‪ :‬انشق القمر واقرتبت الساعة‪.‬‬ ‫﴿اقرتبت‬
‫وقال اجلرجاين‪ :‬يف الالكم تقديم وتأخري أي تدىل فدنا‪ ،‬ألن اتلديل سبب ادلنو‪ .‬وقال ابن‬
‫ل‬ ‫األنباري‪ :‬ثم تدىل جربيل أي نزل من السماء فدنا من حممد ص لَّل ه‬
‫الل عليه وسلم‪ .‬وقال ابن عباس‪:‬‬
‫ل‬ ‫تدىل الرفرف ملحمد ص لَّل ه‬
‫الل عليه وسلم يللة املعراج فجلس عليه ثم رفع فدنا من ربه‪.‬‬
‫ومن قال‪ :‬املعىن فاستوى جربيل وحممد باألفق األىلع قد يقول‪ :‬ثم دنا حممد من ربه دنو كرامة‬
‫فتدىل أي هوى للسجود‪ .‬وهذا قول الضحاك‪ .‬قال القشريي‪ :‬وقيل ىلع هذا تدىل أي تدلل‪ ،‬كقولك‬
‫تظين بمعىن تظنن‪ ،‬وهذا بعيد‪ ،‬ألن ادلالل غري مريض يف صفة العبودية) (‪.)1‬‬
‫ه‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬ث لم دنا فتدىل﴾ قال اإلمام الطربي‪( :‬يقول تعاىل ذكره‪ :‬ثم دنا جربيل من‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫حممد صَّل الل عليه وسلم فتدىل إيله‪ ،‬وهذا من املؤخر اذلي معناه اتلقديم‪ ،‬وإنما هو‪ :‬ثم تدىل‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ادلنو‪ ،‬كما يقال‪:‬‬ ‫فدنا‪ ،‬ولكنه ح هسن تقديم قوهل‪﴿ :‬دنا﴾‪ ،‬إذ َكن ادلنو يدل ىلع اتلديل واتلديل ىلع‬
‫زارين فالن فأحسن‪ ،‬وأحسن ّ‬
‫إيل فزارين وشتمين فأساء‪ ،‬وأساء فشتمين ألن اإلساءة ه الشتم‪:‬‬
‫والشتم هو اإلساءة) (‪.)2‬‬
‫وقال ادلكتور حجاج أنور عبد الكريم‪( :‬ذهب الكوفيون ـ ووافقهم بعض ابلرصيني ـ إىل أن‬
‫الفاء قد تيجء ملطلق اجلمع‪َ ،‬كلواو تماماً‪ ،‬فال تفيد ترتيبا ً وال تعقيباً‪ّ ،‬‬
‫وقيد ذلك اجلريم باألماكن‬
‫وقت واحد‪،‬‬
‫واملطر ىلع وجه اخلصوص‪ ،‬حنو قوهلم‪ :‬عفا ماكن كذا فماكن كذا‪ ،‬وإن َكن عفاؤهما يف ٍ‬
‫ونزل املطر بماكن كذا فماكن كذا‪ ،‬وإن َكن نزوهل يف وقت واحد‪.‬‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ً‬
‫‪3‬ـ ومن هذه اآليات قوهل تعاىل‪﴿ :‬وكم من قري ٍة أهلكناها فجاءها بأ هسنا َياتا أو هم قائلون﴾‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫[األعراف‪]4 :‬؛ ألنه ملا َكن ابلأس سابقا يف الوجود ىلع اإلهالك‪ ،‬واقعا قبله‪ ،‬وهو يف اآلية مؤخر عنه‪،‬‬

‫(‪ )1‬ـ اجلامع ألحاكم القرآن ‪.89 :17‬‬


‫(‪ )2‬ـ جامع ابليان ‪.13 :22‬‬
‫‪107‬‬
‫ذهب بعض انلحاة ومنهم الفراء إىل جواز أن تكون الفاء يف اآلية ملطلق اجلمع َكلواو‪ ،‬فال تفيد‬
‫الرتتيب‪ ،‬وأن املعىن ىلع تقدير‪ :‬أهلكناها وجاءها بأسنا‪.‬‬
‫وأجاب املانعون عن ذلك بعدة أجوبة‪ :‬منها أن اآلية ىلع تقدير حمذوف‪ ،‬واملعىن‪ :‬وكم من قرية‬
‫أردنا إهالكها فجاءها بأسنا‪ ،‬وعليه فالفاء ىلع بابها من ادلاللة ىلع الرتتيب املعنوي‪ ،‬إذ ميجء‬
‫ه‬
‫مفصل ىلع‬
‫ٍ‬ ‫ابلأس تال إلرادة اإلهالك‪ .‬ومنها أن الفاء يف اآلية للرتتيب اذلكرى اذلي منه عطف‬
‫ً‬ ‫ه ل‬ ‫ً‬ ‫ه ل‬ ‫ل‬
‫ُممل‪ ،‬هو هو يف املعىن‪ ،‬كما يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬إنا أنشأناهن إنشاء‪ .‬فجعلناهن أبكارا﴾ [الواقعة‪- 35 :‬‬
‫ٍ‬
‫‪ ،]36‬وهذا مما تنفرد به الفاء‪.‬‬
‫ل‬ ‫ه‬ ‫ً‬
‫ومن هذه اآليات أيضا قوهل تعاىل‪﴿ :‬ث لم دنا فتدىل﴾ [انلجم‪ ،]8 :‬واملقصود ـ ىلع أحد الوجوه ـ‬
‫جربيل عليه السالم‪ ،‬فقد ذهب بعض انلحاة واملفرسين إىل أن الفاء يف (فتدىل) بمعىن الواو؛ ألنها‬
‫هه‬ ‫ِّ‬
‫ادلنو‪ ،‬سبب هل‪ ،‬وادلنو‪،‬‬ ‫ال تفيد الرتتيب‪ ،‬واتلقدير‪ :‬ثم دنا وتدىل؛ إذ اتلديل‪ ،‬وهو الْنول‪ ،‬سابق ىلع‬
‫تال للتديل ناتج عنه‪ .‬كما ذهب الفراء يف توجيه ذلك إىل أنه ملا َكن معىن الفعلني‬
‫وهو القرب‪ٍ ،‬‬
‫واحداً‪ ،‬أو َكلواحد‪ ،‬جاز تقديم أيهما ىلع اآلخر‪ ،‬فيقال‪ :‬دنا ه‬
‫فقرب‪ ،‬وق هرب فدنا‪ ،‬كما يقال‪ :‬شتمين‬
‫ً‬
‫فأساء‪ ،‬وأساء فشتمين؛ ألن اإلساءة والشتم َشء واحد‪ ،‬فدخول الفاء هنا ـ إذن ـ ليس موجبا‬
‫لالفرتاق‪ ،‬بل قد تكون الفاء بمعىن الواو‪ .‬وإذا َكن من املقرر دلى انلحاة أن عطف املرادف هو‬
‫من خصائص الواو‪ ،‬فف هذا ديلل ىلع كون الفاء هنا بمعىن الواو‪.‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫‪4‬ـ ومن اآليات األخرى اليت يمكن أن حتمل فيها الفاء ىلع أنها بمعىن الواو قوهل تعاىل‪﴿ :‬قالوا‬
‫ل‬ ‫هه‬ ‫ه‬ ‫ل ه‬
‫وط‪ .‬وامرأته قائمة فضحكت فبرشناها بإسحاق﴾ [هود‪ 70 :‬ـ ‪]71‬؛ ألنه إذا‬ ‫ال ختف إنا أرسلنا إىل قوم ل ٍ‬
‫ما محلنا الضحك يف هذه اآلية ىلع حقيقته املعروفة املتبادرة إىل اذلهن‪ ،‬أو ىلع أنه بمعىن اتلعجب‬
‫من هذه البرشى لكرب سنها وسن زوجها؛ بديلل اآلية اتلايلة‪ ،‬ىلع ما ذكر مجهور اللغويني‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫واملفرسين‪ ،‬فإن الفاء يف (فبرشناها) سوف ال تفيد ترتيبا وال تعقيبا؛ ألن األصل أن الضحك ىلع‬
‫الك املعنيني السابقني مرتتب ىلع البشارة‪ ،‬وأن البشارة متقدمة يف املعىن ىلع الضحك بهذين‬
‫املفهومني‪.‬‬
‫أما إذا محلنا الفعل (ضحكت) ىلع أن معناه‪ :‬حاضت‪ ،‬كما يرى بعض العلماء؛ إذ الضحك‬
‫من أسماء احليض‪ ،‬فالفاء ىلع بابها من ادلاللة الرتتيب والسببية‪ .‬واتلوجيه األول عندي هو‬
‫ّ‬
‫األقرب واألرجح؛ بديلل تقدم البشارة وتأخر اإلقبال والصك ىلع الوجه املعطوفني بالفاء من ادلالة‬

‫‪108‬‬
‫وه ب هغالمٍ عليم‪ .‬فأقبلت امرأته هه يف ل‬
‫رص ٍة‬ ‫ىلع الرتتيب واتلعقيب يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬قالهوا ال ختف وب ل ه‬
‫رش ه‬
‫ٍ‬
‫ل‬
‫فصكت وجهها وقالت ع هجوز عقيم﴾ [اذلاريات‪ ،]29 -28 :‬مع أن القصة يف السورتني واحدة) (‪.)1‬‬
‫وأنتقل إىل املبحث الرابع من الفصل اثلاين‪ :‬قواعد اتلقديم واتلأخري عند املفرسين‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫(‪ )1‬ـ باختصار من مقال‪( :‬نيابة الفاء عن الواو)‪ ،‬لدلكتور حجاج أنور عبد الكريم‪ ،‬يف موقع األلوكة‪ ،‬وهذا رابط املقال‪:‬‬
‫‪. /http://www.alukah.net/literature_language/0/81936‬‬
‫‪109‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬قواعد يف أغراض اتلقديم واتلأخري‬
‫يف هذا املبحث سأكمل القواعد املتعلقة باتلقديم واتلأخري عند املفرسين‪ ،‬وسأذكر يف هذا‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ه ل ه ه ه‬
‫انلفس ترقبا ل هو هروده‪ ،‬وتشوقا إيله) ‪.‬‬
‫ث ل‬ ‫املبحث ست قواعد‪ ،‬أوهلا‪( :‬تأخ ه‬
‫ري ما حقه اتلقديم يور‬
‫ه‬ ‫ً ِّ‬ ‫ه ه ل‬
‫ب طلبه‬ ‫ٍ‬ ‫ل‬ ‫ط‬ ‫د‬ ‫المقدم يتض لم هن جوابا لر‬ ‫اتلقديم‪ :‬كون‬‫ثم سأذكر قاعدة‪( :‬من هموجبات ل‬
‫ه‬
‫المخاطب)‪.‬‬
‫ه ه‬ ‫(اتلقد ه‬
‫ثم قاعدة‪ :‬ل‬
‫يم ال يكون ألجل الفاصلة فقط)‪ ،‬حيث يظهر يف هذه القاعدة أن اتلقديم‬
‫هل أغراض عدة‪ ،‬وال يصح أن يكون سببه هو ُمرد مرااعة الفاصلة‪ .‬فاتلقديم أو اتلأخري يف القرآن‬
‫إنما هو ملرااعة املعىن قبل أن يكون ملرااعة اللفظ؛ ألن مرااعة (املعىن) هو األساس وليس‬
‫(اللفظ) ‪ ،‬والالكم ابلليغ ال يل بـ(املعىن) ىلع حساب (اللفظ)‪ ،‬بل َيمع بني مجال (املعىن)‬
‫و(اللفظ)‪ ،‬فكيف بالقرآن أبلغ الالكم!‬
‫ثم قاعدة‪( :‬تقد ه‬
‫يم اجل همل عن مواضع تأخريها تلوفري املعاين)‪.‬‬
‫ل‬
‫فر لبما قدم الل يف موضع ما‬‫ري الختالف املقام)‪ .‬ه‬ ‫واتلأخ ه‬
‫يم ل‬ ‫ثم سأذكر قاعدة‪( :‬قد يتل هف ل‬
‫اتلقد ه‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫أخره يف موضع آخر‪ ،‬أو أخر يف آية ما قدمه يف آية أخرى‪ ،‬وذلك الختالف املقام بني اآليتني‪ .‬فتمام‬
‫ً‬
‫ابلالغة وابليان يف هذا أن يتلف اتلقديم واتلأخري مرااعة للمقام والسياق اذلي جاء الالكم‬
‫ألجله‪.‬‬
‫ّ ه ل‬ ‫ه ل‬
‫ويؤخ هر األجَّل)‪ .‬كما يف قوهل تعاىل يف‬ ‫ثم سأذكر قاعدة‪( :‬يف مقام االستدالل يقد هم اجليل‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫االحتجاج ىلع بطالن عبادة املرشكني لغري الل‪﴿ :‬قل أرأيتهم ما تد هعون من دون الل أ هروين ماذا‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫اب من قبل هذا أو أثار ٍة من عل ٍم إن كنتهم‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫خلقوا من األرض أم لهم رشك يف السموات ائتوين بكت ٍ‬
‫ه‬
‫صادقني﴾ [األحقاف‪ .]4 :‬فقد بدأ بذكر األرض فقال‪﴿ :‬أ هروين ماذا خلقوا من األرض﴾ فبدأ باألمر‬
‫ل‬
‫ترّق إىل األمر األجَّل واألوضح فقال‪﴿ :‬أم ل ههم رشك يف ل‬
‫السموات﴾‪ ،‬فال يمكن هلم أن‬ ‫اجليل‪ ،‬ثم‬
‫ل‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫يدعوا أن هلم رشَك يف السموات‪ ،‬فاكن ذلك أوضح يف ادلاللة ىلع بطالن عبادتهم‪ ،‬فأخر األجَّل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يلكون ذلك حاسما وقاطعا جلداهلم والل أعلم‪.‬‬
‫ً‬
‫وأبدأ مستعينا بالل تعاىل بذكر القاعدة األوىل يف هذا املبحث‪:‬‬

‫‪110‬‬
‫ََ ) َ‬ ‫َ ُ َ َ ُ َّ ُ ُ ُ ْ َ َ )‬
‫ورث انلَّفس ت َرقبا ل ِ ُو ُرو ِده‪ ،‬وتشوقا إيله)‪.‬‬
‫خري ما حقه اتلق ِديم ي ِ‬
‫‪15‬ـ قاعدة‪( :‬تأ ِ‬
‫ل‬
‫‪1‬ـ هذه القاعدة ذكرها اإلمام أبو السعود (املتوّف ‪982‬ه) يف تفسريه فقال عند قوهل تعاىل‪:‬‬
‫ك هم االرض فراشاً﴾ [ابلقرة‪( :]22 :‬وجعل بمعىن ل‬ ‫ه‬ ‫ل‬
‫صري‪ ،‬واملنصوبان بعده مفعواله‪،‬‬ ‫﴿اذلي جعل ل‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫وانتصاب اثلاين ىلع احلايلة والظرف متعلق به ىلع اتلقديرين‪.‬‬ ‫وقيل‪ :‬ه بمعىن خلق‪،‬‬
‫ه‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫املرسة ببيان كون ما يعقبه من منافع املخاطبني‪،‬‬ ‫وتقديمه ىلع املفعول الرصيح تلعجيل‬
‫ً‬ ‫ه‬
‫اتلقديم ال سيما عند اإلشعار بمنفعته تبىق مرتقبة‬ ‫وللتشويق إيله‪ ،‬ألن انلفس عند تأخري ما حقه‬
‫ل‬ ‫ه‬
‫هل‪ ،‬فيتمكن دليها عند وروده عليها فضل تمكن‪ ،‬أو ملا يف املؤخر وما عطف عليه من نوع طول‪.‬‬
‫ه‬
‫جتاوب أطراف انلظم الكريم) (‪.)1‬‬ ‫فلو قدم لفات‬
‫ه‬ ‫ً‬
‫عذاب انلار‬ ‫‪2‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬ول ههم يف اآلخرة عذاب عظيم﴾ [ابلقرة‪ ]114 :‬قال أيضا‪( :‬وهو‬
‫ً‬
‫ه‬
‫وتقديم الظرف يف املوضعني للتشويق‬ ‫ملا أن سببه أيضا وهو ما هحيك من ظلمهم كذلك يف العظم‪،‬‬
‫ه‬
‫اتلقديم موجب تلوجه انلفس‬ ‫إىل ما يذكر بعده من اخلزي والعذاب ملا مر من أن تأخري ما حقه‬
‫لك صدرك﴾ [الرشح‪:‬‬ ‫تمكن كما يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬ألم نرشح‬‫ٍ‬ ‫إيله فيتمكن فيها عند وروده فضل‬
‫كم ّمن االنعام ثمانية أزواج﴾ [الزمر‪ ]6 :‬إىل غري ذلك) (‪.)2‬‬ ‫ه‬
‫‪﴿ ،]1‬وأنزل ل‬
‫ً‬ ‫ً ً‬
‫ه‬
‫صنعه‬ ‫الل مثال قرية﴾ [انلحل‪ ]112 :‬قال أيضا‪( :‬قيل‪ :‬رض هب املثل‬ ‫‪3‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬ورضب ه‬
‫ّ‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫واحد وإنما هعدي الثنني‬
‫ٍ‬ ‫مفعول‬ ‫إىل‬ ‫إال‬ ‫ى‬ ‫يتعد‬ ‫وال‬ ‫‪،‬‬ ‫ابلقرة‬ ‫سورة‬ ‫يف‬ ‫ه‬ ‫حتقيق‬ ‫ل‬
‫مر‬ ‫وقد‬ ‫‪،‬‬ ‫واعتماهل‬
‫ه‬ ‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫ه‬
‫وتأخري قرية مع كونها مفعوال أوال َلال ُيول املفعول اثلاين بينها وبني‬ ‫تلضمينه (‪ )3‬معىن اجلعل‪،‬‬

‫(‪ )1‬ـ إرشاد العقل السليم إىل مزايا الكتاب الكريم ‪.61 :1‬‬
‫(‪ )2‬ـ إرشاد العقل السليم إىل مزايا الكتاب الكريم ‪.149 :1‬‬
‫(‪ )3‬ـ اتلضمني‪ :‬هو إرشاب لفظ معىن لفظ آخر فيهعطى هحكمه ه‬
‫ويعامل معاملته‪ .‬أو إيقاع لفظ موقع غريه تلضمنه معناه‪.‬‬
‫وفائدته‪ :‬أن تؤدي لكمة همؤدى لكمتني‪.‬‬
‫ً‬
‫قال الزركيش يف الربهان‪( :‬اتلضمني وهو إعطاء اليشء معىن اليشء تارة يكون يف األسماء وِف األفعال وِف احلروف‪،‬‬
‫ه‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فأما يف األسماء‪ ،‬فهو‪ :‬أن تضمن اسما معىن اسم إلفادة معىن االسمني مجيعا‪ ،‬كقوهل تعاىل‪﴿ :‬حقيق ىلع أن ال أقول ىلع‬
‫ل‬
‫الل إال احل لق﴾ [األعراف‪ .]105 :‬ضمن حقيق معىن حريص‪ ،‬يلفيد أنه حمقوق بقول احلق وحريص عليه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ه‬
‫وأما األفعال فأن تضمن فعال معىن فعل آخر ويكون فيه معىن الفعلني مجيعا‪ ،‬وذلك بأن يكون الفعل يتعدى حبرف‬
‫ً‬
‫فيأيت متعديا حبرف آخر ليس من اعدته اتلعدي به‪ ،‬فيحتاج إما إىل تأويله أو تأويل الفعل يلصح تعديه به‪.‬‬
‫واختلفوا أيهما أوىل‪ ،‬فذهب أهل اللغة ومجاعة من انلحويني إىل أن اتلوسع يف احلرف‪ ،‬وأنه واقع موقع غريه من احلروف‬
‫أوىل‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫وذهب املحققون إىل أن اتلوسع يف الفعل وتعديته بما ال يتعدى تلضمنه معىن ما يتعدى بذلك احلرف أوىل؛ ألن اتلوسع‬
‫ه‬
‫يف األفعال أكرث‪ ،‬مثاهل قوهل تعاىل‪﴿ :‬يرش هب بها عباد الل﴾ [اإلنسان‪ .]6 :‬فضمن يرشب معىن يرتوي؛ ألن (يرشب) ال‬
‫يتعدى بابلاء‪ ،‬فلما تضمن (يرشب) معىن (يرتوي) دخلت ابلاء‪ ،‬وإال فيرشب يتعدى بنفسه‪ ،‬فأريد باللفظ‪ :‬الرشب‬
‫ً‬
‫والري معا‪ ،‬فجمع بني احلقيقة واملجاز يف لفظ واحد‪.‬‬
‫ً‬
‫وقيل‪ :‬اتلجوز يف احلرف وهو ابلاء فإنها بمعىن (من)‪ ،‬وقيل‪ :‬ال ُماز أصال‪ ،‬بل العني هاهنا إشارة إىل املاكن اذلي ينبع‬
‫منه املاء ال إىل املاء نفسه)‪ .‬الربهان ‪.338 :3‬‬
‫والغرض من اتلضمني هو اإلَياز مع إفادة أكرث من معىن‪.‬‬
‫والقرينة اليت تدل عليه ه‪ :‬تعدية الفعل باحلرف وهو يتعدى بنفسه‪ ،‬أو تعديته بنفسه وهو يتعدى باحلرف‪ ،‬أو تعديته‬
‫بغري حرفه املعتاد‪ ،‬أو يتعدى ملفعول واحد عداه ملفعولني‪ ،‬أو يتعدى ملفعولني عداه لواحد‪ ،‬أو الزم عداه‪ ،‬أو متعد جعله‬
‫ً‬
‫الزما‪ .‬انظر‪ :‬اتلضمني انلحوي يف القرآن الكريم ‪.115 :1‬‬
‫ومن األمثلة ىلع اتلضمني‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫قوهل تعاىل‪﴿ :‬فاستب هقوا ِّ‬
‫الرصاط﴾ [يس‪ ،]66 :‬ضمن (استبق) معىن (ابتدر) فصار متعديا بعد أن َكن الزما‪.‬‬
‫ً‬
‫وقوهل‪﴿ :‬وقال اركبهوا فيها﴾ [هود‪ ،]41 :‬تضمن معىن (دخل) فتعدى باحلرف بعد أن َكن معديا بنفسه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ل‬
‫وقوهل‪﴿ :‬أال إن اعدا كف هروا ر لب ههم﴾ [هود‪ ،]60 :‬أي كفروا بربهم ىلع تضمني (جحدوا) فتعدى بنفسه بعد أن َكن‬
‫ً‬
‫متعديا حبرف اجلر‪.‬‬
‫انلاس تهوي إيلهم﴾ [إيراهيم‪ ،]37 :‬يعين تهوي هلم‪ ،‬فتضمن (تهوي) معىن (تميل) فتعدى‬ ‫وقوهل‪﴿ :‬فاجعل أفئد ًة من ل‬
‫ً‬
‫بإىل بعد أن َكن متعديا بالالم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ه‬
‫الل مائة اعمٍ ث لم َعث هه﴾ [ابلقرة‪ ،]259 :‬تضمن (أمات) معىن (أبلث)‪ ،‬أي أبلثه الل مائة اعم مماتا‪ ،‬قال‬
‫وقوهل‪﴿ :‬فأمات هه ه‬
‫ه‬
‫بأماته‪ ،‬وذلك ممتنع مع بقائه ىلع معناه الوضيع؛ ألن اإلماتة سلب احلياة وه ال‬ ‫ابن هشام‪ :‬فإن املتبادر انتصاب مئة‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫أبلثه‪ ،‬فكأنه قيل‪ :‬فأبلثه الل باملوت مئة اعم‪ ،‬وحينئذ يتعلق به الظرف بما فيه‬ ‫أماته معىن‬ ‫يضمن‬ ‫والصواب‪ :‬أن‬ ‫تمتد‪،‬‬
‫من املعىن العارض هل باتلضمني‪ ،‬أي معىن اللبث ال معىن اإلبلاث‪ ،‬ألنه َكإلماتة يف عدم االمتداد‪ ،‬فلو صح ذلك لعقلناه‬
‫ً‬ ‫بما فيه من معناه الوضيع‪ ،‬ويصري هذا اتلعلق بمْنتله يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬قال بلث ه‬
‫ت يوما أو َعض يومٍ قال بل بلثت مائة‬
‫اعمٍ ﴾ [ابلقرة‪.]259 :‬‬
‫وقوهل‪﴿ :‬كذلك وز لوجن ه‬
‫اهم حبهور عني﴾ [ادلخان‪ ،]54 :‬ل‬
‫زوج يتعدى إىل مفعولني‪ ،‬وعدي إىل اثلاين بابلاء‪ ،‬تلضمنه معىن‬ ‫ٍ ٍ‬
‫(قرناهم)‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الل ه‬‫وقوهل‪﴿ :‬وف لضل ه‬
‫المجاهدين ىلع القاعدين أجرا عظيما﴾ [النساء‪َ ،]95 :‬يوز يف (أجرا) أن يكون مفعوال به ىلع‬
‫ل‬
‫تضمني (فضل) معىن (منح)‪.‬‬
‫ه‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫وتضمني فعل الظن معىن فعل ايلقني يف األمور املحققة قال تعاىل‪﴿ :‬اذلين ي هظنون أن ههم همالقو ر ِّبهم﴾ [ابلقرة‪ ،]46 :‬و‬
‫ل‬ ‫ل ه ه ل‬ ‫ل‬
‫ود أنما فتن هاه﴾ [ص‪ ]24 :‬و﴿وظنوا ما ل ههم‬ ‫انلار فظنوا أن ههم همواق هعوها﴾ [الكهف‪ ،]53 :‬و﴿وظن داو‬
‫المجر همون ل‬‫﴿ورأى ه‬

‫يص﴾ [فصلت‪.]48 :‬‬


‫من حم ٍ‬
‫‪112‬‬
‫ه ٌّ‬ ‫ه‬
‫اتلأخري عن اللك خمل بتجاذب أطراف انلظم وجتاوبها‪ ،‬وألن تأخري‬ ‫صفتها وما يرتتب عليها‪ ،‬إذ‬
‫ل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ه‬
‫اتلقديم مما يورث انلفس ترقبا لوروده وتشوقا إيله‪ ،‬ال سيما إذا َكن يف املقدم ما يدعو إيله‪،‬‬ ‫ما حقه‬
‫ه‬
‫املؤخر عند وروده دليها‬ ‫فإن املثل مما يدعو إىل املحافظة ىلع تفاصيل أحوال ما هو مثل فيتمكن‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ه‬
‫تمكن‪ ،‬والقرية إما حمققة يف الغابرين‪ ،‬وإما مقدرة أي جعلها مثال ألهل مكة خاصة‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬ ‫فضل‬
‫ً‬ ‫ه‬
‫للك قوم أنعم الل تعاىل عليهم فأبطرتهم انلعمة ففعلوا ما فعلوا فبدل الل تعاىل بنعمتهم نقمة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ه‬
‫ودخل فيهم أهل مكة دخوال أويلا) (‪.)1‬‬
‫ه‬ ‫ً‬ ‫ه‬
‫‪4‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬وجعلنا لكم فيها معاي قليال ما تشك هرون﴾ [األعراف‪ ]10 :‬قال‪( :‬وَّك‬
‫صفة ه‬‫ً‬ ‫ً‬
‫هل‪.‬‬ ‫بمحذوف وقع حاال من مفعوهل املنكر إذلو تأخر لاكن‬‫ٍ‬ ‫واحد من الظرفني متعلق به أو‬
‫اتلأخري عنه ملا مر غري مرة من االعتناء بشأ املقدم‬ ‫ه‬ ‫وتقديمها ىلع املفعول مع أن حقهما‬
‫ً‬ ‫اتلقديم ال ل‬
‫ه‬ ‫ل‬
‫سيما عند كون املقدم منبئا عن‬ ‫والتشويق إىل املؤخر‪ ،‬فإن انلفس عند تأخري ما حقه‬
‫ل‬ ‫ً‬
‫منفعة للسامع تبىق مرتقبة لورود املؤخر‪ ،‬فيتمكن فيها عند الورود فضل تمكن‪.‬‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫فاالعتناء بشأنه أتم‪ ،‬واملسارعة‬ ‫املنىبء عما ذكر من املنفعة‬ ‫تقديم الالم ىلع (يف) فلما أنه‬ ‫وأما‬
‫إىل ذكره أهم‪.‬‬

‫ل‬
‫قال الراغب‪ :‬الظن مرتدد بني ايلقني والشك‪ ،‬فمىت ريئ إىل ايلقني أقرب استعمل مع أن املشددة‪ ،‬ومىت رأي إىل الشك‬
‫أقرب استعمل مع أن املخففة حنو‪ :‬ظننت أن يرج‪.‬‬
‫ه‬ ‫ل‬
‫﴿اذلين إذا اكتالهوا ىلع ل‬
‫انلاس يستوفون﴾ [املطففني‪ ،]2 :‬فذهب بعضهم إىل أن ىلع هنا بمعىن (من)‪ ،‬وذهب‬ ‫وقوهل تعاىل‪:‬‬
‫ابلرصيون يف هذا إىل اتلضمني‪ ،‬أي‪ :‬إذا (حكموا) ىلع انلاس يف الكيل‪.‬‬
‫وقوهل تعاىل‪﴿ :‬وال تع هد عيناك عن ههم﴾ [الكهف‪ ،]28 :‬قال الزخمرشي‪ :‬أي وال (تقتحم) عيناك ُماوزتني إىل غريهم‪.‬‬
‫وقوهل تعاىل‪﴿ :‬وال تأ هكلهوا أموال ههم إىل أموال ه‬
‫كم﴾ [النساء‪ ،]2 :‬أي وال (تضموها) إيلها آكلني‪.‬‬
‫ه‬ ‫ه ل‬ ‫ل‬
‫ني ىلع هملك هسليمان﴾ [ابلقرة‪ ،]102 :‬أ ِّولت اآلية ىلع تضمني تتلو معىن‪( :‬تتقول)‪.‬‬
‫الشياط ه‬ ‫وقوهل تعاىل‪﴿ :‬واتب هعوا ما تتلو‬
‫ث إىل نسائ ه‬ ‫ل ه‬ ‫كم يللة ِّ‬ ‫وقوهل تعاىل‪﴿ :‬أهح لل ل ه‬
‫كم﴾ [ابلقرة‪ ،]187 :‬ضمن الرفث معىن اإلفضاء‪ ،‬فعدي بإىل مثل‪:‬‬ ‫الصيام الرف‬
‫﴿وقد أفىض َع هض ه‬
‫كم إىل َع ٍض﴾ [النساء‪ ،]21 :‬وإنما أصل الرفث أن يتعدى بابلاء‪ ،‬يقال‪ :‬أرفث فالن بامرأته‪.‬‬
‫وقوهل تعاىل‪﴿ :‬ونرصن هاه من القوم﴾ [األنبياء‪ ،]77 :‬قيل أن (من) مرادفة (ىلع)‪ ،‬وقيل‪ :‬ىلع اتلضمني‪ ،‬أي منعناه منهم‬
‫ل‬
‫بانلرص‪.‬‬
‫وأمثلة اتلضمني كثرية يف القرآن الكريم‪ .‬يهنظر‪ :‬مغين اللبيب ‪ 260 :1‬و ‪ ،121 :1‬واجلىن ادلاين يف حروف املعاين للمرادي‪:‬‬
‫‪ ،81‬والربهان ‪ .338 :3‬واتلضمني انلحوي يف القرآن الكريم ‪.177 :1‬‬
‫(‪ )1‬ـ إرشاد العقل السليم إىل مزايا الكتاب الكريم ‪.145 :5‬‬
‫‪113‬‬
‫هّ‬ ‫إن اجلعل متعد إىل مفعولني ثانيهما ه‬‫ل‬
‫أحد الظرفني ىلع أنه مستقر قدم ىلع األول‬ ‫هذا وقد قيل‬
‫ً‬ ‫ه‬
‫والظرف اآلخ هر إما لغو متعلق باجلعل أو باملحذوف الواقع حاال من املفعول األول كما مر‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ٌّ‬
‫وأنت خبري بأنه ال فائدة معتد بها يف اإلخبار جبعل املعاي حاصلة هلم أو حاصلة يف األرض)‬
‫(‪.)1‬‬
‫ه‬ ‫ل ه‬ ‫ِّ‬ ‫ه‬ ‫ه ل‬
‫‪5‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬أحل لكم يللة الصيام الرفث إىل نسائكم﴾ [ابلقرة‪ ]187 :‬قال الشيخ‬
‫ه‬ ‫ه ّ‬ ‫ل‬
‫إسماعيل حق بن مصطىف اإلستانبويل احلنف (املتوّف ‪1127‬ه)‪﴿ :‬أحل لكم﴾ تقديم الظرف ىلع‬
‫القائم مقام الفاعل للتشويق فإن ما حقه اتلقديم إذا أخر تبىق انلفس مرتقبة إيله فيتمكن‬
‫عندها وقت وروده فضل تمكن (‪.)2‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ل ه‬ ‫‪6‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬أنزل من ل‬
‫السماء م ً‬
‫السيل زبدا راَيا‬ ‫اء فسالت أودية بقدرها فاحتمل‬
‫ل‬ ‫تاع زبد مثله هه كذلك يرض هب ه‬
‫الل احل لق وابلاطل فأما‬ ‫وم لما يهوق هدون عليه يف ل‬
‫انلار ابتغاء حلي ٍة أو م ٍ‬
‫ه ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه ل‬ ‫ه ه ً ل‬ ‫ل ه‬
‫الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع انلاس فيمكث يف األرض كذلك يرضب الل األمثال﴾ [الرعد‪]17 :‬‬
‫هه‬ ‫قال الشيخ ابن اعشور‪( :‬مجلة ﴿وم لما يهوق هدون عليه يف ل‬
‫انلار ابتغاء حلي ٍة أو م ٍ‬
‫تاع زبد مثله﴾‬
‫ً‬ ‫ل‬
‫الزب هد﴾ إلخ‪ .‬وهذا تمثيل آخر‪ ،‬ورد استطرادا عقب‬‫أما ل‬ ‫معرتضة بني مجلة ﴿فاحتمل﴾ إلخ ومجلة ﴿ف‬
‫ذكر نظريه‪ ،‬يفيد تقريب اتلمثيل لقوم لم يشاهدوا سيول األودية من ساكن القرى‪ ،‬مثل أهل مكة‬
‫وهم املقصود‪ ،‬فقد َكن هلم يف مكة صواغون كما دل عليه حديث اإلذخر‪.‬‬
‫فقرب إيلهم تمثيل عدم انتفاعهم بما انتفع به غريهم بمثل ما يصهر من اذلهب والفضة يف‬
‫ً‬
‫ابلواتق‪ ،‬فإنه يقذف زبدا ينتف عنه وهو اخلبث‪ ،‬وهو غري صالح ليشء يف حني صالح معدنه‬
‫ً‬
‫الختاذه حلية أو متااع‪.‬‬
‫ري خبث احلديد) (‪ ،)3‬فالالكم من قبيل تعدد التشبيه القريب‪،‬‬ ‫وِف احلديث (كما ينف الك ه‬
‫ل‬
‫ب من السماء﴾ [سورة‬
‫كقوهل تعاىل‪﴿ :‬مثله ههم كمثل لاذلي استوقد نارا ً﴾ [ابلقرة‪ ،]17 :‬ثم قوهل‪﴿ :‬أو كص ِّ‬
‫ي‬
‫ٍ‬
‫ابلقرة‪.]19 :‬‬
‫وأقرب إىل ما هنا قول بليد‪:‬‬

‫(‪ )1‬ـ إرشاد العقل السليم إىل مزايا الكتاب الكريم ‪.214 :3‬‬
‫(‪ )2‬ـ روح ابليان ‪.244 :1‬‬
‫(‪ )3‬ـ رواه ابلخاري يف كتاب فضائل املدينة‪ ،‬باب فضل املدينة وأنها تنف انلاس (‪ ،)1871‬ومسلم يف كتاب احلج‪ ،‬باب‬
‫املدينة تنف رشارها (‪.)1382‬‬
‫‪114‬‬
‫هل ‪ ...‬ك هدخان همشعلة يشب رض ه‬
‫امها‬ ‫ري ظال ه ه‬
‫فتنازاع سبطا ً يط ه‬
‫ٍ‬
‫ه (‪)1‬‬
‫ار ساط ٍع أسنامها‬‫ن‬ ‫ان‬‫خ‬‫د‬‫مش همولة هغلثت بنابت عرفج ‪ ...‬ك ه‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫هه‬
‫وأفاد ذلك يف هذه اآلية قوهل‪﴿ :‬زبد مثله﴾‪.‬‬
‫ً‬
‫وتقديم املسند ىلع املسند إيله يف هذه اجلملة لالهتمام باملسند ألنه موضع اعتبار أيضا ببديع‬
‫صنع الل تعاىل إذ جعل الزبد يطفو ىلع أرق األجسام وهو املاء وىلع أغلظها وهو املعدن فهو ناموس‬
‫من نواميس اخللقة‪ .‬فباتلقديم يقع تشويق السامع إىل ترقب املسند إيله) (‪.)2‬‬
‫ً‬ ‫‪7‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬إ لن لل هم لتقني عند ر ِّبهم ج لنات ل‬
‫انلعيم﴾ [القلم‪ ]34:‬قال أيضا‪:‬‬
‫(وتقديم املسند ىلع املسند إيله لالهتمام بشأن املتقني ليسبق ذكر صفتهم العظيمة ذكر‬
‫جزاءها‪.‬‬
‫والالم لالستحقاق‪ .‬و﴿عند﴾ ظرف متعلق بمعىن الكون اذلي يقتضيه حرف اجلر‪ ،‬وذللك‬
‫قدم متعلقه معه ىلع املسند إيله ألجل ذلك االهتمام‪.‬‬
‫وقد حصل من تقديم املسند بما معه طول يثري تشويق السامع إىل املسند إيله) (‪.)3‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ل‬
‫وهكذا يتبني أن تأخري ما حقه اتلقديم يهورث انلفس ترقبا لوروده‪ ،‬وتشوقا إيله‪.‬‬
‫َ ْ ُ ُ َ َّ ِ َ َ َ َّ ُ َ َ ) َ ر َ َ َ َ َ ُ ُ َ َ‬ ‫‪16‬ـ قاعدة‪ِ ( :‬م ْن ُموج َبات اتلَّ‬
‫ب طلبه المخاطب)‬ ‫ٍ‬ ‫ل‬‫ط‬ ‫د‬‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ابا‬‫و‬ ‫ج‬ ‫ن‬‫م‬ ‫ض‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫د‬‫ق‬‫الم‬ ‫ن‬ ‫و‬‫ك‬ ‫‪:‬‬‫يم‬
‫ِ‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ق‬ ‫ِ ِ‬
‫ً‬
‫هذه القاعدة ذكرها اإلمام ابن اعشور يف تفسريه فقال عند قوهل تعاىل‪﴿ :‬أفغري الل أَتيغ حكما‬
‫اه هم الكتاب يعل همون أنل هه هم ل‬ ‫ه‬ ‫ً ل‬ ‫ه‬ ‫ه ل‬
‫ْنل من ر ِّبك باحل ِّق‬ ‫وهو اذلي أنزل إيلك هم الكتاب همف لصال واذلين آتين‬
‫ً‬ ‫ه‬
‫فال تكون لن من ال هممرتين﴾ [األنعام‪( :]114 :‬ومن موجبات اتلقديم كون املقدم يتضمن جوابا لرد‬
‫ً‬ ‫ه‬
‫طلب طلبه املخاطب‪ ،‬كما أشار إيله صاحب الكشاف يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬قل أغري الل أبيغ ر ّبا﴾‬
‫ً‬
‫[األنعام‪ ]164 :‬يف هذه السورة‪ .‬واهلمزة لالستفهام اإلنكاري‪ :‬أي ظننتم ذلك فقد ظننتم منكرا‪.‬‬
‫وتقديم ﴿أفغري الل﴾ ىلع ﴿أَتيغ﴾ ألن املفعول هو حمل اإلنكار‪ .‬فهو احلقيق بمواالة همزة‬
‫ً‬ ‫ل ه‬ ‫ه‬
‫االستفهام اإلنكاري‪ ،‬كما تقدم يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬قل أغري الل أختذ و ّيلا﴾ [األنعام‪ ]14 :‬يف هذه‬
‫السورة) (‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬ـ ديوان بليد بن ربيعة‪.170 :‬‬


‫(‪ )2‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.118 :13‬‬
‫(‪ )3‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.90 :29‬‬
‫(‪ )4‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.14 :8‬‬
‫‪115‬‬
‫‪ :]14‬قال‪:‬‬ ‫[األنعام‪:‬‬
‫وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬قهل أغري الل أ لخت هذ و ّيلا ً فاطر ل‬
‫السموات واألرض﴾‬
‫ً‬
‫(واالستفهام لإلنكار‪ .‬وقدم املفعول األول لـ﴿أختذ﴾ىلع الفعل وفاعله يلكون موايلا لالستفهام‬
‫ألنه هو املقصود باإلنكار ال مطلق اختاذ الويل‪.‬‬
‫وشأن همزة االستفهام جبميع استعماالته أن يليها جزء اجلملة املستفهم عنه َكملنكر هنا‪.‬‬
‫فاتلقديم لالهتمام به‪ ،‬وهو من جزئيات العناية اليت قال فيها عبد القاهر أن ال بد من بيان‬
‫وجه العناية‪.‬‬
‫ً‬
‫وليس مفيدا للتخصيص يف مثل هذا لظهور أن دايع اتلقديم هو تعيني املراد باالستفهام فال‬
‫يتعني أن يكون لغرض غري ذلك) (‪.)1‬‬
‫َ َ‬ ‫َّ ُ َ ُ ُ‬
‫اصل ِة فقط)‪.‬‬
‫ألجل الف ِ‬
‫ِ‬ ‫يم ال يكون‬ ‫‪17‬ـ قاعدة‪( :‬اتلق ِد‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ه‬
‫الفواصل القرآنية من بالغة القرآن وإعجازه‪ ،‬وه تضف ىلع الالكم زينة ومجاال‪ ،‬لكن هذا‬
‫ً‬
‫ال يعين أن اتلقديم أو اتلأخري حصل يف القرآن مرااعة للفاصلة فقط‪.‬‬
‫فاتلقديم أو اتلأخري يف القرآن إنما هو ملرااعة املعىن قبل أن يكون ملرااعة اللفظ؛ ألن مرااعة‬
‫(املعىن) هو األساس وليس (اللفظ)‪ ،‬والالكم ابلليغ ال يل بـ(املعىن) ىلع حساب (اللفظ)‪ ،‬بل‬
‫َيمع بني مجال (املعىن) و(اللفظ)‪ ،‬فكيف بالقرآن أبلغ الالكم!‬
‫وقد ل‬
‫عرف اإلمام ابن اعشور رمحه الل الفواصل القرآنية بأنها (اللكمات اليت تتماثل يف أواخر‬
‫ً‬
‫حروفها أو تتقارب‪ ،‬مع تماثل أو تقارب صيغ انلطق بها‪ ،‬وتكرر يف السورة تكررا يؤذن بأن‬
‫تماثلها أو تقاربها مقصود من انلظم يف آيات كثرية متماثلة‪ ،‬تكرث وتقل‪ ،‬وأكرثها قريب من‬
‫األسجاع يف الالكم املسجوع‪.‬‬
‫والعربة فيها بتماثل صيغ اللكمات من حرلات وسكون وه أكرث شبها بالزتام ما ال يلزم يف‬
‫القوايف‪ .‬وأكرثها جار ىلع أسلوب األسجاع‪.‬‬
‫ً‬
‫واذلي استخلصته أيضا أن تلك الفواصل لكها منتىه آيات ولو َكن الالكم اذلي تقع فيه لم‬
‫يتم فيه الغرض املسوق إيله‪ ،‬وأنه إذا انتىه الغرض املقصود من الالكم ولم تقع عند انتهائه فاصلة‬
‫ِّ‬ ‫ه‬ ‫ً‬
‫ال يكون منتىه الالكم نهاية آية إال نادرا‪ ،‬كقوهل تعاىل‪﴿ :‬ص والقرآن ذي اذلكر﴾ [ص‪ ،]1 :‬فهذا‬

‫(‪ )1‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.156 :7‬‬


‫‪116‬‬
‫املقدار عد آية وهو لم ينته بفاصلة‪ ،‬ومثله نادر‪ .‬فإن فواصل تلك اآليات الواقعة يف أول السورة‬
‫أقيمت ىلع حرف مفتوح بعده ألف مد بعدها حرف‪ ،‬مثل‪ :‬شقاق‪ ،‬مناص‪ ،‬كذاب‪ ،‬عجاب‪.‬‬
‫وفواصل بنيت ىلع حرف مضموم مشبع بواو‪ .‬أو ىلع حرف مكسور مشبع بياء ساكنة‪ ،‬وبعد‬
‫ه‬
‫ذلك حرف‪ ،‬مثل‪﴿ :‬أنتهم عنه همعر هضون﴾ [ص‪﴿ ،]68:‬إذ يستم هعون﴾ [اإلرساء‪﴿ ]47 :‬نذير همبني﴾‬
‫ني﴾ [األنعام‪.]2 :‬‬
‫[األعراف‪﴿ ]184 :‬من ط ٍ‬
‫فلو انتىه الغرض اذلي سيق هل الالكم ولانت فاصلة تأيت بعد انتهاء الالكم تكون اآلية غري‬
‫ً‬
‫منتهية ولو طالت‪ ،‬كقوهل تعاىل‪﴿ :‬قال لقد ظلمك ب هسؤال نعجتك﴾ [ص‪ ]24 :‬إىل قوهل ﴿وخ لر راكعا‬
‫وأناب﴾ [ ص‪ ]24 :‬فهذه اجلمل لكها عدت آية واحدة) (‪.)1‬‬
‫قال اإلمام القرطيب‪( :‬الفواصل حلية وزينة للالكم املنظوم‪ ،‬ولوالها لم يتبني املنظوم من املنثور‪.‬‬
‫وال خفاء أن الالكم املنظوم أحسن‪ ،‬فثبت بذلك أن الفواصل من حماسن الالكم املنظوم‪ ،‬فمن أظهر‬
‫فواصله بالوقوف عليها فقد أبدى حماسنه‪ ،‬وترك الوقوف يف تلك املحاسن‪ ،‬ويشبه املنثور‬
‫باملنظوم‪ ،‬وذلك إخالل حبق املقروء) (‪.)2‬‬
‫وِف تفسري املنار‪( :‬إن ك لكمة يف القرآن موضوعة يف موضعها الالئق بها‪ ،‬فليس فيه لكمة‬
‫تقدمت وال لكمة تأخرت ألجل الفاصلة؛ ألن القول براعية الفواصل إثبات للرضورة‪ ،‬كما قالوا‬
‫يف كثري من السجع والشعر‪ :‬إنه قدم كذا وأخر كذا ألجل السجع وألجل القافية‪.‬‬
‫والقرآن ليس بشعر‪ ،‬وال الزتام فيه للسجع‪ ،‬وهو من الل اذلي ال تعرض هل الرضورة‪ ،‬بل هو‬
‫ىلع ك َشء قدير‪ ،‬وهو العليم احلكيم اذلي يضع ك َشء يف موضعه‪.‬‬
‫وما قال بعض املفرسين مثل هذا القول إال تلأثرهم بقوانني فنون ابلالغة وغلبتها عليهم يف‬
‫توجيه الالكم‪ ،‬مع الغفلة يف هذه انلقطة عن ماكنة القرآن يف ذاته‪ ،‬وعدم االتلفات إىل ما للك لكمة‬
‫يف ماكنها من اتلأثري اخلاص عند أهل اذلوق العريب) (‪.)3‬‬
‫وقال اإلمام ابن اعشور‪( :‬واعلم أن هذه الفواصل من مجلة املقصود من اإلعجاز ألنها ترجع‬
‫إىل حمسن ات الالكم وه من جانب فصاحة الالكم فمن الغرض ابلاليغ الوقوف عند الفواصل‬

‫(‪ )1‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.75 :1‬‬


‫(‪ )2‬ـ اجلامع ألحاكم القرآن ‪.207 :20‬‬
‫(‪ )3‬ـ تفسري املنار ‪.11 :2‬‬
‫‪117‬‬
‫تلقع يف األسماع فتتأثر نفوس السامعني بمحاسن ذلك اتلماثل‪ ،‬كما تتأثر بالقوايف يف الشعر‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫السالسل يهسحبهون‪ .‬يف‬ ‫الل يف أعناقهم و ل‬ ‫وباألسجاع يف الالكم املسجوع‪ .‬فإن قوهل تعاىل‪﴿ :‬إذ األغ‬
‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫احلميم هث لم يف ل‬
‫انلار يهسج هرون‪ .‬ث لم قيل ل ههم أين ما كنتهم ترشكون‪ .‬من دون الل﴾ [َغفر‪71 :‬ـ ‪ ]74‬إىل آخر‬
‫ه‬
‫اآليات‪ .‬فقوهل‪﴿ :‬يف احلميم﴾ [َغفر‪ ]72 :‬متصل بقوهل‪﴿ :‬يهسحبهون﴾ [َغفر‪ ]71 :‬وقوهل‪﴿ :‬من دون الل﴾‬
‫ه ه‬
‫[ابلقرة‪ ]23 :‬متصل بقوهل‪﴿ :‬ترشكون﴾ [َغفر‪ ]73 :‬وينبيغ الوقف عند نهاية ك آية منها‪.‬‬
‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ِّ‬
‫وقوهل تعاىل‪﴿ :‬واشه هدوا أين بريء م لما ترشكون﴾ [هود‪ ]54 :‬آية‪.‬وقوهل‪﴿ :‬من دونه﴾ ابتداء اآلية‬
‫بعدها يف سورة هود [‪.]55‬‬
‫أال ترى أن من اإلضاعة دلقائق الشعر أن يلقيه ملقيه ىلع مسامع انلاس دون وقف عند‬
‫قوافيه‪ ،‬فإن ذلك إضاعة جلهود الشعراء‪ ،‬وتغطية ىلع حماسن الشعر‪ ،‬وإحلاق للشعر بانلرث‪.‬‬
‫وإن إلقاء السجع دون وقوف عند أسجاعه هو كذلك ال حمالة‪ .‬ومن السذاجة أن ينرصف‬
‫ً‬
‫ملق الالكم عن حمافظة هذه ادلقائق فيكون مضيعا ألمر نفيس أجهد فيه قائله نفسه وعنايته‪.‬‬
‫والعلة بأنه يريد أن يبني للسامعني معاين الالكم‪ ،‬فضول‪ ،‬فإن ابليان وظيفة ملق درس ال وظيفة‬
‫منشد الشعر‪ ،‬ولو َكن هو الشاعر نفسه‪.‬‬
‫وِف «اإلتقان» عن أ يب عمرو قال بعضهم‪ :‬الوقف ىلع رؤوس اآلي سنة‪ .‬وفيه عن ابليهق يف‬
‫شعب اإليمان‪ :‬الفضل الوقف ىلع رؤوس اآليات وان تعلقت بما بعدها اتبااع هلدي رسول الل‬
‫صَّل الل عليه وسلم وسنته‪ ،‬وِف سنن أ يب داود عن أم سلمة أن انليب صَّل الل عليه وسلم َكن إذا‬
‫ِّ‬
‫الرحيم﴾ [الفاحتة‪ ]1:‬ثم يقف‪﴿ .‬احلم هد ِل رب‬
‫الرمحن ل‬ ‫قرأ قطع قراءته آية آية يقول‪ِ﴿ :‬مْسِب الل ل‬
‫الرمحن ل‬
‫الرحيم﴾ [الفاحتة‪ ]1 :‬ثم يقف‪.‬‬ ‫العالمني﴾ [الفاحتة‪ ،]2:‬ثم يقف ﴿ ل‬

‫ىلع أن وراء هذا وجوب اتباع املأثور من حتديد اآلي كما قال ابن العريب والزخمرشي‪ ،‬ولكن‬
‫ذلك ال يصدنا عن حماولة ضوابط تنفع انلاظر وإن شذ عنها ما شذ‪.‬‬
‫أال ترى أن بعض احلروف املقطعة اليت افتتحت بها بعض السور قد عد بعضها آيات مثل‪.‬‬
‫﴿الم﴾‪﴿ .‬املص﴾‪﴿ .‬كهيعص﴾‪﴿ .‬عسق﴾‪﴿ .‬طسم﴾‪﴿ .‬يس﴾‪﴿ .‬حم﴾‪﴿ .‬طه﴾ ‪ .‬ولم تعد ألر‪ .‬أملر‪.‬‬
‫طس‪ .‬ص‪ .‬ق‪ .‬ن‪ .‬آيات‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫وآيات القرآن متفاوتة يف مقادير لكماتها فبعضها أطول من بعض وذللك فتقدير الزمان بها يف‬
‫قوهلم‪ :‬مقدار ما يقرأ الق ارئ مخسني آية مثال‪ ،‬تقدير تقرييب‪ ،‬وتفاوت اآليات يف الطول تابع ملا‬
‫يقتضيه مقام ابلالغة من مواقع لكمات الفواصل ىلع حسب ما قبلها من الالكم) (‪.)1‬‬
‫وقال‪( :‬ولان لفصاحة ألفاظه وتناسبها يف تراكيبه وترتيبه ىلع ابتاكر أسلوب الفواصل العجيبة‬
‫املتماثلة يف األسماع‪ ،‬وإن لم تكن متماثلة احلروف يف األسجاع‪َ ،‬كن ذللك رسيع العلوق‬
‫باحلوافظ‪ ،‬خفيف االنتقال والسري يف القبائل‪ ،‬مع كون مادته وحلمته ه احلقيقة دون املبالغات‬
‫الاكذبة واملفاخرات املزعومة‪.‬‬
‫فاكن بذلك هل صولة احلق وروعة لسامعيه‪ ،‬وذلك تأثري روحاين وليس بلفظي وال معنوي‪.‬‬
‫وقد رأيت املحسنات يف ابلديع جاءت يف القرآن أكرث مما جاءت يف شعر العرب‪ ،‬وخاصة‬
‫ً‬ ‫ل ه‬ ‫ه‬
‫اجلناس كقوهل‪﴿ :‬وهم ُيسبهون أن ههم ُيسنهون هصنعا﴾ [الكهف‪.]104 :‬‬
‫ل‬ ‫ل ه له ه ه‬ ‫له‬ ‫ه‬
‫والطباق كقوهل‪﴿ :‬كتب عليه أنه من تواله فأنه يضله ويهديه إىل عذاب السعري﴾ [احلج‪]4:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وقد ألف ابن أ يب اإلصبع كتابا يف بديع القرآن‪ .‬وصار ملجيئه نرثا أدبا جديدا غضا ومتناوال‬
‫للك الطبقات‪.‬‬
‫ه ه‬
‫ولان بلالغته وتناسقه نافذ الوصول إىل القلوب حىت وصفوه بالسحر وبالشعر ﴿أم يقولون‬
‫شاعر نرت لب هص به ريب المنهون﴾ [الطور‪.)2( )]30:‬‬
‫فللنص القرآين خصوصيته املتفردة يف لكماته ومفرداته‪ ،‬وِف تراكيبه ومجله‪ ،‬وِف سوره وآياته‪،‬‬
‫يف نظمه‪ ،‬ورسمه‪ ،‬يف تقسيم اآليات‪ ،‬يف فصله ووصله‪ ،‬يف بالَغته وفواصله‪ ،‬وِف ك ما يتعلق به‪.‬‬
‫ً‬
‫فالفواصل حتوي ألوانا إعجازية وداليلة بالغة اجلمال‪ ،‬ورائقة السياق (‪.)3‬‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ِّ‬ ‫ه‬
‫وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬لقد جيآءكم ر هسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم‬
‫ه‬
‫بال همؤمنني رؤوف لرحيم﴾ [اتلوبة ‪ ]128‬قال اإلمام ابلقايع‪( :‬ولكن املعاين املرادة تارة يظهرها الل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫نعاىل لعبده منحة هل وإكراما‪ ،‬وتارة يفيها إظهارا لعجزه ونقصانه ثم يظهرها هل يف وقت آخر إن‬
‫ً‬
‫صدق يف اتلرضع وإظهار االفتقار واتلذلل وأدام الطلب‪ ،‬أو لغريه ممن هو أقل منه علما وأضعف‬

‫(‪ )1‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.76 :1‬‬


‫(‪ )2‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.119 :1‬‬
‫ه‬
‫اتلأخري يف الفاصلة القرآن لية‪ ،‬دراسة بالغية تطبيقية ىلع حزب املفصل يف القرآن الكريم‪،‬‬
‫اتلقديم و ل‬
‫(‪ )3‬ـ انظر مقال‪ :‬ل‬

‫لدلكتور أسامة عبد العزيز جاب الل‪.‬‬


‫‪119‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫نظرا وفهما‪ ،‬وإذا تأملت كتا يب هذا ظهر لك أن كثريا من اآليات فرسها ىلع غري املراد منها قطعا‬
‫أكابر العلماء‪ ،‬فعَّل اإلنسان ‪ -‬إذا خف عليه أمر ‪ -‬أن يقول‪ :‬ال أعلم‪ ،‬وال يظن أنه رتب َشء من‬
‫هذا الكتاب العزيز ألجل الفواصل‪ ،‬فذللك ال يليق بكالم الل تعاىل‪.‬‬
‫ه‬
‫وقد اعب انليب صَّل الل عليه وسلم السجع‪ ،‬ألن الساجع يكون حمط نظره األلفاظ‪ ،‬فيدير‬
‫املعاين عليها ويتبعها إياها‪ ،‬فربما عجز اللفظ عن توفية املعىن؛ روى ابلخاري يف الطب وغريه من‬
‫صحيحه ومسلم يف ادليات وأبو داود والنسايئ وغريهم عن أ يب هريرة ريض الل عنه أن رسول الل‬
‫صَّل الل عليه وسلم قىض يف اجلنني يقتل يف بطن أمه بغرة عبد أو ويلدة‪ ،‬فقال اذلي قىض عليه‪:‬‬
‫ل‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬
‫كيف أغر هم من ال رشب وال أكل‪ ،‬وال نطق وال استهل‪ ،‬فمثل ذلك يطل؟ فقال ر هسول الل صَّل‬
‫ل‬ ‫هل‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫الل عليه وسلم‪« :‬إنما هذا من إخوان الكهان»‪ ،‬من أجل سجعه اذلي سجع‪ ،‬وِف رواية‪ :‬فقال انليب‬
‫صَّل الل عليه وسلم‪( :‬سجع كسجع األعراب) (‪ .)1‬وذلك والل أعلم أنه لو َكن نظره إىل املعىن‬
‫وتصحيحه ألغىن عن هذا السجع ان يقال‪ :‬كيف أغرم من الحياة هل‪ ،‬ولو قصد السجع وتهذيب‬
‫املعىن ألىت مما يدل ىلع نف احلياة اليت جعلها حمط أمره فإن ما أىت به ال يستلزم نفيها‪ ،‬ولو تقيد‬
‫بالصحة الغتىن بنف انلطق عن نف االستهالل‪ ،‬فصح بهذا أنه دائر مع حتسني اللفظ صح املعىن‬
‫أم ال‪ ،‬وينطبع يف عقل اعقل أن يكون انليب صَّل الل عليه وسلم يذم السجع وهو يأيت به ويقصده‬
‫يف القرآن أو يف السنة‪ ،‬ولو َكن ذلك ألرسعوا الرد عليه‪.‬‬
‫وذكر أصحاب فتوح ابلالد يف فتح مكران من بالد فارس أن احلكم بن عمرو ملا فتحها ارسل‬
‫باألمخاس مع صحار العبدي‪ ،‬فلما قدم ىلع عمر ريض الل عنه سأهل عن مكران ولان ال يأتيه‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫أحد إال سأهل عن الوجه اذلي ييجء منه فقال‪( :‬يا أمري ال همؤمنني‪ ،‬ه أرض سهلها جبل‪ ،‬وماؤها‬
‫ه‬ ‫ريها قليل‪ ،‬ورشها طويل‪ ،‬والكث ه‬ ‫وشل‪ ،‬وتم هرها دقل‪ ،‬وع هدوها َطل‪ ،‬وخ ه‬
‫ري فيها قليل‪ ،‬والقليل فيها‬
‫ً‬
‫رش منها)‪ .‬فقال‪ :‬أس لجاع أنت أم هخمرب؟ ال والل ال يغ هزوها جي يل أبدا (‪.)2‬‬
‫ضائع‪ ،‬وما وراءها ٌّ‬

‫(‪ )1‬ـ رواه ابلخاري يف كتاب الطب‪ ،‬باب الكهانة (‪ ،)5758‬ومسلم يف كتاب القسامة و ه‬
‫المحاربني والقصاص و ِّ‬
‫ادليات‪،‬‬
‫باب دية اجلنني‪ ،‬ووجوب ِّ‬
‫ادلية يف قتل اخلطأ‪ ،‬وشبه العمد ىلع اعقلة اجلاين (‪.)1682( )1681‬‬
‫(‪ )2‬ـ ذكره الطربي يف تاريخ األمم وامللوك ‪ ،555 :2‬وابن اجلوزي يف تلقيح فهوم أهل األثر‪ ،512 :‬وابن األثري يف الاكمل يف‬
‫اتلاريخ ‪ ،425 :2‬وأبو الربيع الالكيع يف االكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الل صَّل الل عليه وسلم واثلالثة اخللفاء‬
‫‪.596 :2‬‬
‫‪120‬‬
‫ً‬
‫فقد جعل الفاروق السجع قسيما للخرب‪ ،‬فدل ىلع أن اتلقيد به عيب‪ ،‬إلخالهل بالفائدة أو‬
‫ً‬
‫بتمام الفائدة‪ ،‬ولعله إنما جوز أن يكون خمربا ألنه انفك عن السجع يف آخر الكمه‪ ،‬وكرر لفظ‬
‫(قليل) فاكن ما ظنه‪ ،‬ألنه لو أراد السجع ألمكنه أن يقول والكثري بها ذيلل‪ ،‬والقليل بها ضائع‬
‫لكيل‪ ،‬وما وراءها رش منها بأقوم قيل؛ وقد نىف سبحانه عن هذا القرآن املجيد تصويب انلظر إىل‬
‫ً ه‬ ‫ه‬
‫السجع كما نىف عنه الشعر فإنه تعاىل قال‪﴿ :‬وما هو بقول شاع ٍر قليال ما تؤم هنون‪ .‬وال بقول َكه ٍن‬
‫ً‬ ‫ل‬ ‫ً‬
‫قليال ما تذك هرون﴾ [ احلاقة‪ 41 :‬ـ ‪ ]42‬فكما أن قول الشاعر إتيانه بالالكم موزونا‪ ،‬فكذلك قول الاكهن‬
‫ً‬
‫إتيانه بالالكم مسجواع والقرآن ليس من هذا وال من هذا‪.‬‬
‫وإن وقع فيه ك من األمرين فغري مقصود إيله وال معول عليه‪ ،‬بل لكون املعىن انتظم به ىلع‬
‫أتم الوجوه فيؤىت به ذللك‪ ،‬ثم تبني أنه غري مقصود باالنفاكك عنه يف كثري من األماكن بقرينة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ليس هلا ُمانس يف اللفظ تلمام املعاين املرادة عندها فيعلم قطعا عن تكميل املشالكة ونقصا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تعاىل الل عن ذلك علوا كبريا‪.‬‬
‫ومما يوجب لك القطع بأن ترتيب هذين االسمني الرشيفني هكذا لغري مرااعة الفواصل قوهل‬
‫ً‬ ‫ل ه ه ً‬ ‫ل‬ ‫هه‬
‫وه رأفة ورمحة﴾ [احلديد‪ ]27 :‬وسيأيت إن شاء الل‬ ‫تعاىل يف سورة احلديد‪﴿ :‬وجعلنا يف قلوب اذلين اتبع‬
‫يف سورة طه عن الفخر الرازي والقايض أ يب بكر ابلاقالين منع انلظر إىل السجع يف الكتاب‬
‫ً‬
‫العزيز نقال عن مجيع األشاعرة‪ ،‬وإذا تأملت الفواصل يف اإلتيان بها تارة بكرثة وتارة بقلة‪ ،‬وتارة‬
‫ترتك باللكية ويؤىت يف ك آية بفاصلة ال توافق األخرى‪ ،‬علمت أن هذا املذهب هو الصواب وال‬
‫سيما آخر سورة (اقرأ) وإذا تأملت كتب اهل العدد أتقنت علم هذا املستند‪ ،‬وإذا تأملت ما قلته‬
‫يف هذا انلحو من كتا يب‪( :‬مصاعد انلظر لإلرشاف ىلع مقاصد السور) لم يبق عندك شك يف َشء‬
‫من هذا‪ ،‬فإياك ان جتنح هلذا القول فتكون قد وقعت يف أمر عظيم وأنت ال تشعر) (‪.)1‬‬
‫ً‬ ‫ه‬ ‫ل‬
‫وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬وإن نلا لآلخرة واألوىل﴾ [الليل‪ ]13 :‬قال ابلقايع أيضا‪( :‬وليس اتلقديم ألجل‬
‫الفاصلة‪ ،‬فقد ثبت بطالن هذا وأنه ال ُيل اعتقاده يف غري موضع‪ ،‬منها آخر سورة براءة‪ ،‬وأنه ال‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فرق بني أن يعتقد أن فيه شيئا موزونا بقصد الوزن فقط يلكون شعرا‪ ،‬وأن يعتقد أن فيه شيئا‬

‫(‪ )1‬ـ نظم ادلرر ‪.407 :3‬‬


‫‪121‬‬
‫ً‬
‫قدم أو أخر ألجل الفاصلة فقط يلكون سجعا‪ ،‬ىلع أنه لو َكن هذا ألجل الفاصلة فقط لاكن‬
‫ً‬
‫يمكن أن يقال‪ :‬لألوىل ‪ -‬أو لألولة ‪ -‬واألخرى مثال) (‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ ُ َُ‬
‫ِري املع ِاين)‬
‫ريها ِتلوف ِ‬
‫خ ِ‬‫اضع تأ ِ‬
‫اجلم ِل عن مو ِ‬ ‫‪18‬ـ قاعدة‪( :‬تق ِديم‬
‫ل ل‬
‫هذه القاعدة ذكرها الشيخ ابن اعشور يف تفسريه فقال‪( :‬وِف تقديم مجلة‪﴿ :‬إن اذلي فرض‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه ِّ‬ ‫ه‬
‫عليك القرآن لرادك إىل معا ٍد﴾ [القصص‪ ،]85 :‬ىلع مجلة ﴿قل ريب أعلم من جاء بالهدى﴾ [القصص‪:‬‬

‫‪ ،]85‬إعداد لصالحية اجلملة اثلانية للمعنيني املذكورين‪ .‬فهذا من ادلاللة ىلع معاين الالكم بمواقعه‬
‫وترتيب نظامه‪ .‬وتقديم اجلمل عن مواضع تأخريها تلوفري املعاين) (‪.)2‬‬
‫وقال يف املقدمة العارشة يف تفسريه‪( :‬إن نظم القرآن مبين ىلع وفرة اإلفادة وتعدد ادلاللة‪،‬‬
‫فجمل القرآن هلا دالتلها الوضعية الرتكيبية اليت يشاركها فيها الالكم العريب لكه‪ ،‬وهلا دالتلها‬
‫ابلالغية اليت يشاركها يف ُمملها الكم ابللغاء وال يصل َشء من الكمهم إىل مبلغ بالغتها‪.‬‬
‫ً‬
‫وهلا دالتلها املطوية وه داللة ما يذكر ىلع ما يقدر اعتمادا ىلع القرينة‪ ،‬وهذه ادلاللة قليلة‬
‫يف الكم ابللغاء وكرثت يف القرآن مثل تقدير القول وتقدير املوصوف وتقدير الصفة‪.‬‬
‫وهلا داللة مواقع مجله حبسب ما قبلها وما بعدها‪ ،‬ككون اجلملة يف موقع العلة لالكم قبلها‪،‬‬
‫أو يف موقع االستدراك‪ ،‬أو يف موقع جواب سؤال‪ ،‬أو يف موقع تعريض أو حنوه‪ .‬وهذه ادلاللة ال تتأىت‬
‫يف الكم العرب لقرص أغراضه يف قصائدهم وخطبهم خبالف القرآن‪ ،‬فإنه ملا َكن من قبيل اتلذكري‬
‫واتلالوة سمحت أغراضه باإلطالة‪ ،‬وبتلك اإلطالة تأىت تعدد مواقع اجلمل واألغراض‪.‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫السموات واألرض باحل ِّق و هتلجزى ك نف ٍس بما كسبت وهم‬ ‫الل ل‬
‫مثال ذلك قوهل تعاىل‪﴿ :‬وخلق ه‬
‫ه‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ل ِّ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫ال يظل همون﴾ [اجلاثية‪ ]22:‬بعد قوهل‪﴿ :‬أم حسب اذلين اجرتحوا السيئات أن جنعلهم َكذلين آمنوا‬
‫ك همون﴾ [اجلاثية‪ ]21:‬فإن قوهل ﴿وخلق ه‬
‫الل‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫اء حمياهم وممات ههم ساء ما ُي‬ ‫وعملهوا ل‬
‫الصاحلات سو ً‬
‫ل‬
‫السماوات واألرض﴾ [اجلاثية‪ ]22 :‬إىل آخره مفيد برتاكيبه فوائد من اتلعليم واتلذكري‪ ،‬وهو لوقوعه‬
‫ل ِّ‬ ‫ل‬
‫السيئات﴾ [اجلاثية‪ ]21 :‬واقع موقع ادليلل ىلع أنه ال يستوي‬ ‫عقب قوهل‪﴿ :‬أم حسب اذلين اجرت هحوا‬
‫من عمل السيئات مع من عمل الصاحلات يف نعيم اآلخرة‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ نظم ادلرر ‪.449 :8‬‬


‫(‪ )2‬ـ اتلحرير واتلنوير‪.194 :20‬‬
‫‪122‬‬
‫وإن للتقديم واتلأخري يف وضع اجلمل وأجزائها يف القرآن دقائق عجيبة كثرية ال ُياط بها‬
‫وسننبه ىلع ما يلوح منها يف مواضعه إن شاء الل‪ .‬وإيلك مثال من ذلك يكون لك عونا ىلع‬
‫ل‬ ‫ً‬ ‫استجالء أمثاهل‪ .‬قال تعاىل‪﴿ :‬إ لن جه لنم َكنت مرصادا ً ل ل‬
‫لطاغني ميآبا﴾ [انلبأ‪21:‬ـ ‪ ،]22‬إىل قوهل‪﴿ :‬إن‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ل‬
‫لل همتقني مفازا حدائق وأعنابا﴾ [انلبأ‪31 :‬ـ ‪ ،]32‬إىل قوهل‪﴿ :‬وكأسا دهاقا ال يسم هعون فيها لغوا وال‬
‫ً‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل ً‬
‫كذابا﴾ [انلبأ‪34 :‬ـ‪ ]35‬فاكن لالبتداء بذكر جهنم ما يفرس املفاز يف قوهل‪﴿ :‬إن لل همتقني مفازا﴾ أنه‬
‫ل ً‬ ‫ً‬
‫اجلنة ألن اجلنة ماكن فوز‪ .‬ثم َكن قوهل ﴿ال يسم هعون فيها لغوا وال كذابا﴾ ما ُيتمل لضمري فيها‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫من قوهل‪﴿ :‬ال يسم هعون فيها﴾ أن يعود إىل ﴿وكأسا دهاقا﴾‪.‬‬
‫وتكون يف للظرفية املجازية أي املالبسة أو السببية أي ال يسمعون يف مالبسة رشب الكأس‬
‫ً‬
‫ما يعرتي شاربيها يف ادلنيا من اللغو واللجاج‪ ،‬وان يعود إىل ﴿مفازا﴾ بتأويله باسم مؤنث وهو‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اجلنة وتكون يف للظرفية احلقيقية أي ال يسمعون يف اجلنة الكما ال فائدة فيه وال الكما مؤذيا‪.‬‬
‫ً‬
‫وه ذه املعاين ال يتأىت مجيعها إال جبمل كثرية لو لم يقدم ذكر جهنم ولم يعقب بكلمة ﴿مفازا﴾‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ولم يؤخر ﴿وكأسا دهاقا﴾ ولم يعقب جبملة ﴿ال يسم هعون فيها﴾ الخ) (‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫(ق ْد َي َتلِ ُف اتلَّق ِد ُ‬‫َ‬
‫الف املقام)‪.‬‬ ‫خ ُ‬
‫ري الخت ِ ِ‬ ‫يم واتلَّأ ِ‬ ‫‪19‬ـ قاعدة‪:‬‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫هر لبما قدم الل يف موضع ما أخره يف موضع آخر‪ ،‬أو أخر يف آية ما قدمه يف آية أخرى‪ ،‬وذلك‬
‫ً‬
‫الختالف املقام بني اآليتني‪ .‬فتمام ابلالغة وابليان يف هذا أن يتلف اتلقديم واتلأخري مرااعة‬
‫للمقام والسياق اذلي جاء الالكم ألجله‪.‬‬
‫ومرااعة املقام يف أن ينظم الالكم ىلع خصوصيات بالغية‪ ،‬ه مرااعة من مقومات بالغة الالكم‬
‫وخاصة يف إعجاز القرآن‪ ،‬فقد يتساءل املفرس عما اشتملت عليه اآلية من خصوصيات ويتساءل‬
‫عن دواعيها وما يقتضيها‪ ،‬فيتصدى لطلب مقتضيات هلا ربما جاءت متلكفة‪ ،‬وذلك ألنه اقترص‬
‫ىلع انلظر يف ألفاظ اآلية‪ ،‬مع أن مقتضياتها يف الواقع ه منوطة باملقامات اليت نزلت فيها اآلية‪،‬‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ه ل‬ ‫ه‬
‫كما يف قوهل تعاىل يف سورة املجادلة‪﴿ :‬أوَلك حزب الشيطان أال إن حزب الشيطان هم اخلارسون﴾‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫[املجادلة‪ ،]19 :‬ثم قوهل‪﴿ :‬أوَلك حزب الل أال إن حزب الل هم المفلحون﴾ [املجادلة‪ ]22 :‬فقد يىف‬
‫مقتىض اجتالب حرف اتلنبيه يف افتتاح لكتا اجلملتني فيأوي املفرس إىل تطلب مقتضه ويأيت‬
‫بمقتضيات اعمة مثل أن يقول‪ :‬اتلنبيه لالهتمام باخلرب‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.110 :1‬‬


‫‪123‬‬
‫ً‬
‫ولكن إذا وضعنا يف اعتبارنا أن اآليتني نزتلا بمسمع من املنافقني واملؤمنني مجيعا‪ ،‬علمنا أن‬
‫ً‬
‫اختالف حرف اتلنبيه يف األوىل ملرااعة إيقاظ فريق املنافقني واملؤمنني مجيعا‪ ،‬فاألولون ألنهم‬
‫يتظاهرون بأنهم ليسوا من حزب الشيطان يف نظر املؤمنني إذ هم يتظاهرون باإلسالم‪ ،‬فكأن الل‬
‫يقول هلم‪ :‬قد عرفنا دخائلكم‪ .‬وثاين الفريقني وهم املؤمنون نبهوا ألنهم َغفلون عن دخائل‬
‫ً‬
‫اآلخرين فكأنه يقول هلم‪ :‬تيقظوا فإن اذلين يتولون أعداءكم هم أيضا عدو لكم؛ ألنهم حزب‬
‫الشيطان‪ ،‬والشيطان عدو الل‪ ،‬وعدو الل عدو لكم‪.‬‬
‫وجاء حرف اتلنبيه يف اآلية اثلانية تلنبيه املنافقني إىل فضيلة املسلمني لعلهم يرغبون فيها‬
‫ً‬
‫فريعوون عن انلفاق‪ ،‬وتنبيه املسلمني إىل أن حوهلم فريقا ليسوا من حزب الل فليسوا بمفلحني‬
‫يلتوسموا أحواهلم حق اتلوسم فيحذروهم‪.‬‬
‫ومرجع هذا الصنف من اإلعجاز إىل ما يسىم يف عرف علماء ابلالغة بـ (انلكت ابلالغية)‪،‬‬
‫ه‬
‫تنافس بلغائهم يف وفرة ما يف الكمهم من هذه انلكت‪ ،‬وبذلك تفاضل بلغاؤهم‪ ،‬فحني‬ ‫فقد َكن‬
‫ً‬
‫سمعوا القرآن‪ ،‬انثالت ىلع مسامعهم من انلكت اليت تفطنوا هلا ما لم َيدوا من قدرتهم قبال‬
‫بمثله (‪.)1‬‬
‫ومن أسايلب القرآن‪ :‬العدول عن تكرير اللفظ والصيغة فيما عدا املقامات اليت تقتض‬
‫اتلكرير من تهويل وحنوه‪ ،‬ومما عدل فيه عن تكرير الصيغة قوهل تعاىل‪﴿ :‬إن تتهوبا إىل الل فقد‬
‫ً‬ ‫هه ه ه‬
‫وبكما﴾ [اتلحريم‪ ]4 :‬فجاء بلفظ قلوب مجعا مع أن املخاطب امرأتان‪ ،‬فلم يقل قلباكما‪،‬‬ ‫صغت قل‬
‫ً‬
‫جتنبا تلعدد صيغة املثىن‪.‬‬
‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬
‫ومن ذلك قوهل تعاىل‪﴿ :‬وقالوا ما يف هَ هطون هذه األنعام خالصة ذلكورنا وحم لرم ىلع أزواجنا﴾‬
‫[األنعام‪ ]139 :‬فرويع معىن ما املوصولة مرة فأىت بضمري مجاعة املؤنث وهو خالصة‪ ،‬ورويع لفظ ما‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫املوصولة فأيت بمحرم مذكرا مفردا‪.‬‬
‫ً‬
‫فاملقام قد يقتض شيئني متساويني أو أشياء متساوية‪ ،‬فيكون ابلليغ خمريا يف أحدهما‪ ،‬وهل‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ً‬
‫ذكرهما تفننا‪ ،‬وقد وقع يف القرآن كثري من هذا‪ :‬من ذلك قوهل‪﴿ :‬وقلنا يا آد هم اسكن أنت وزو هجك‬
‫ه‬ ‫ً‬ ‫ل ه‬
‫اجلنة والك منها رغدا﴾ بواو العطف يف سورة ابلقرة [‪ ]35‬وقوهل يف األعراف [‪﴿ ]19‬فالك﴾ بفاء‬
‫اتلفريع والكهما مطابق للمقام‪ ،‬فإنه أمر ثان وهو أمر مفرع ىلع اإلساكن فيجوز أن ُييك بكل‬

‫(‪ )1‬ـ انظر‪ :‬اتلحرير واتلنوير ‪.111 :1‬‬


‫‪124‬‬
‫هه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬
‫من االعتبارين‪ ،‬ومنه قوهل تعاىل يف سورة ابلقرة [‪﴿ :]58‬وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فلكوا منها﴾‬
‫هه‬ ‫ه‬
‫وِف سورة األعراف[‪﴿ :]161‬وإذ قيل ل هه هم اسكنهوا هذه القرية ولكوا منها﴾ [األعراف‪ ،]161:‬فعرب مرة بـ‬
‫ه‬ ‫ه ه‬
‫﴿ادخلوا﴾ ومرة بـ ﴿اسكنهوا﴾ وعرب مرة بواو العطف ومرة بفاء اتلفريع‪.‬‬
‫وهذا االختالف يهراد منه تلوين املعاين املعادة‪ ،‬حىت ال ختلو إاعدتها عن جتدد يف املعىن‪ ،‬وتغاير‬
‫يف األسلوب‪ ،‬فال تقترص اإلاعدة ىلع اتلذكري (‪.)1‬‬
‫وأسلوب القرآن الكريم هو طريقته اليت انفرد بها يف تأيلف الكمه واختيار ألفاظه‪ ،‬واألسلوب‬
‫غري املفردات والرتاكيب اليت يتألف منها الالكم‪ ،‬وإنما هو الطريقة اليت انتهجها املؤلف يف اختيار‬
‫املفردات والرتاكيب لالكمه‪.‬‬
‫ل‬
‫وهذا هو الرس يف أنك جتد األسايلب خمتلفة باختالف املتلكمني من ناثرين وناظمني‪ ،‬مع أن‬
‫املفردات اليت يستخدمها اجلميع واحدة‪ ،‬والرتاكيب يف مجلتها واحدة‪ ،‬وقواعد صوغ املفردات‬
‫ً‬
‫وتكوين اجلمل واحدة‪ ،‬وهذا هو الرس أيضا يف أن القرآن لم يرج عن معهود العرب يف لغتهم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫العربية من حيث ذوات املفردات واجلمل وقوانينها العامة‪ ،‬بل جاء كتابا عربيا جاريا ىلع مألوف‬
‫ه‬
‫العرب من هذه انلاحية‪ ،‬فمن حروفهم تألفت لكماته‪ ،‬ومن لكماتهم تألفت تراكيبهه‪ ،‬وىلع قواعدهم‬
‫ه‬
‫العامة يف صياغة هذه املفردات وتكوين الرتاكيب جاء تأيلفه‪ .‬ولكن املعجز واملده واملثري‬
‫ألعجب العجب أنه مع دخوهل ىلع العرب من هذا ابلاب اذلي عهدوه‪ ،‬ومع ُميئه بهذه املفردات‬
‫والرتاكيب اليت توافروا ىلع معرفتها‪ ،‬وتنافسوا يف حلبتها‪ ،‬وبلغوا الشأو األىلع فيها‪ ،‬فمع ذلك لكه‬
‫قد أعجزهم بأسلوبه الفذ وبالغته املبهرة وبيانه املعجز‪ ،‬ولو دخل عليهم من غري هذا ابلاب‬
‫اذلي يعرفونه ألمكن أن يلتمس هلم عذر أو شبه عذر‪ ،‬وأن يسلم هلم طعن أو شبه طعن‪﴿ ،‬ولو‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫جعلن هاه قهرآنا أعجم ّيا لقالهوا لوال فه ِّصلت آياته هه أأعج ٌّ‬
‫يم وعر ٌّ‬
‫يب﴾ [فصلت‪.]44 :‬‬
‫ً‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫الكمه هس هموا يملك‬ ‫ه‬
‫اختياره ويسمو‬ ‫حاسته ابليانية‪ُ ،‬يسن‬ ‫فحني يسلم ذوق املتلكم وتسمو‬
‫القلوب واألبلاب (‪.)2‬‬
‫هه‬
‫‪1‬ـ وحتدث اإلمام اخلطيب اإلساكيف عن رس اتلعبري بالفاء يف لفظ‪﴿ :‬لكوا﴾ من قوهل سبحانه‬
‫ه‬ ‫هه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬
‫يف سورة ابلقرة‪﴿ :‬وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فلكوا منها حيث شئتهم﴾ وعن رس اتلعبري بالواو ال‬

‫(‪ )1‬ـ انظر‪ :‬اتلحرير واتلنوير ‪.117 :1‬‬


‫(‪ )2‬ـ انظر‪ :‬مناهل العرفان‪ ،‬للزرقاين ‪.303 :2‬‬
‫‪125‬‬
‫ه‬ ‫هه‬
‫بالفاء يف لفظ‪﴿ :‬لكوا﴾ من قوهل سبحانه يف سورة األعراف‪﴿ :‬وإذ قيل ل هه هم اسكنهوا هذه القرية‬
‫ه‬ ‫هه‬
‫ولكوا منها حيث شئتهم﴾ [‪ ،]161‬مع أن القصة واحدة ومدخول احلرف واحد‪ ،‬فقال رمحه الل‪:‬‬
‫(األصل يف ذلك أن ك فعل عطف عليه ما يتعلق به تعلق اجلواب باالبتداء‪ ،‬ولان األول مع اثلاين‬
‫بمعىن الرشط واجلزاء‪ ،‬فاألصل فيه عطف اثلاين ىلع األول بالفاء دون الواو‪ ،‬كقوهل تعاىل‪﴿ :‬وإذ‬
‫ه ه‬ ‫هه‬ ‫هه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬
‫قلنا ادخلوا هذه القرية فلكوا﴾ [ابلقرة‪ ،]58 :‬فعطف ﴿لكوا﴾ ىلع ﴿ادخلوا﴾ بالفاء ملا َكن وجود‬
‫ً‬
‫األكل منها متعلقا بدخوهلا‪ ،‬فكأنه قال‪ :‬إن دخلتموها أكلتم منها‪ ،‬فادلخول موصل إىل األكل‪،‬‬
‫واألكل متعلق وجوده بوجوده‪ .‬يبني ذلك قوهل تعاىل يف مثل هذه من سورة األعراف‪﴿ :‬وإذ قيل ل هه هم‬
‫ه‬ ‫هه‬ ‫هه‬ ‫ه‬
‫اسكنهوا هذه القرية ولكوا﴾ [األعراف‪ ]161 :‬فعطف ﴿لكوا﴾ ىلع قوهل‪﴿ :‬اسكنهوا﴾ بالواو دون الفاء؛‬
‫ه‬
‫ألن ﴿اسكنهوا﴾ من السكىن‪ ،‬وه املقام مع طول بلث‪ .‬واألكل ال يتص وجوده بوجوده‪ ،‬ألن من‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يدخل بستانا قد يأكل منه وإن َكن ُمتازا‪ ،‬فلما لم يتعلق اثلاين باألول تعلق اجلواب باالبتداء‪،‬‬
‫وجب العطف بالواو دون الفاء) (‪.)1‬‬
‫‪2‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬قال ر ِّيب يعل هم القول يف ل‬
‫السماء واألرض﴾ [األنبياء‪ ]4 :‬قال الزخمرشي‪:‬‬
‫(ليس بواجب أن َياء باآلكد يف ك موضع ولكن َياء بالوكيد تارة وباآلكد أخرى كما َياء‬
‫ً‬
‫باحلسن يف موضع وباألحسن يف غريه يلف نت الالكم افتنانا) (‪.)2‬‬
‫‪3‬ـ أقول‪ :‬ومن األمثلة ىلع ذلك‪ :‬قوهل سبحانه يف سورة يس‪﴿ :‬وجاء من أقَص المدينة ر هجل‬
‫يسع قال يا قوم اتلب هعوا ه‬
‫المرسلني﴾ [‪ ،]20‬فقدم ﴿من أقَص المدينة﴾ ىلع ﴿ر هجل﴾ أما يف سورة‬
‫ل‬
‫القصص‪ ،‬فقال‪﴿ :‬وجاء ر هجل من أقَص المدينة يسع قال يا هموىس إن المأل يأتم هرون بك‬
‫ه‬
‫يلقتهلوك﴾‪ ،‬ولعل سبب تقديم‪﴿ :‬من أقَص المدينة﴾ يف سورة يس هو لإلشارة أن أهل أقَص‬
‫املدينة وأطرافها أقرب إىل اتباع احلق من غريهم؛ ألن أهل السيادة والعظمة يف الغالب ال يسكنون‬
‫يف األطراف‪ ،‬وهلذا َكن كثري من الضعفاء أرسع إىل االستجابة للحق من كبار القوم؛ ألن كبار‬
‫ً‬
‫القوم كثريا ما يمنعهم من احلق ما هم فيه من اجلاه والكرب اذلي يصدهم عن احلق‪ .‬والل أعلم‪.‬‬
‫‪4‬ـ ومن األمثلة اليت يذكرها العلماء‪ :‬قوهل تعاىل يف فاحتة الفاحتة‪﴿ :‬احلم هد ِل﴾ [الفاحتة‪ ]2 :‬وِف‬
‫لِلَف احلم هد﴾ [اجلاثية‪ ،]36 :‬فتقديم ﴿احلم هد﴾ يف األول جاء ىلع األصل‪ ،‬واثلاين ىلع‬
‫خاتمة اجلاثية‪ ﴿ :‬ل‬

‫(‪ )1‬ـ درة اتلْنيل وغرة اتلأويل لإلساكيف ‪.222 :1‬‬


‫(‪ )2‬ـ الكشاف ‪.103 :3‬‬
‫‪126‬‬
‫تقدير اجلواب‪ ،‬فكأنه قيل عند وقوع األمر ملن احلمد ومن أهله فجاء اجلواب ىلع ذلك نظريه‪:‬‬
‫ل‬ ‫ه ه‬
‫الملك ايلوم﴾ [َغفر‪ ،]16 :‬ثم قال‪ِ﴿ :‬ل الواحد القهار﴾ [إبرهيم‪.]48 :‬‬ ‫﴿لمن‬
‫ِّ‬
‫عند قوهل تعاىل‪﴿ :‬احلم هد ِل رب العالمني﴾ [الفاحتة‪ ]2 :‬قال ابن اعشور‪( :‬قدم احلمد ألن املقام‬
‫هنا مقام احلمد إذ هو ابتداء أوىل انلعم باحلمد وه نعمة تْنيل القرآن اذلي فيه جناح ادلارين‪،‬‬
‫فتلك املنة من أكرب ما ُيمد الل عليه من جالئل صفات الكمال ال سيما وقد اشتمل القرآن ىلع‬
‫ً‬
‫كمال املعىن واللفظ والغاية فاكن خطوره عند ابتداء سماع إنزاهل وابتداء تالوته مذكرا بما ملْنهل‬
‫تعاىل من الصفات اجلميلة‪ ،‬وذلك يذكر بوجوب محده وأن ال يغفل عنه‪ ،‬فاكن املقام مقام احلمد ال‬
‫حمالة‪ ،‬فذللك قدم وأزيل عنه ما يؤذن بتأخره ملنافاته االهتمام‪ .‬ثم إن ذلك االهتمام تأىت به اعتبار‬
‫االهتمام بتقديمه أيضا ىلع ذكر الل تعاىل اعتدادا بأهمية احلمد العارضة يف املقام وإن َكن ذكر‬
‫الل أهم يف نفسه؛ ألن األهمية العارضة تقدم ىلع األهمية األصلية‪ ،‬ألنها أمر يقتضيه املقام‬
‫واحلال‪ ،‬واآلخر يقتضيه الواقع‪ ،‬وابلالغة ه املطابقة ملقتىض احلال واملقام‪ ،‬وألن ما َكن االهتمام‬
‫به لعارض هو املحتاج للتنبيه ىلع اعرضه إذ قد يىف‪ ،‬خبالف األمر املعروف املقرر فال فائدة يف‬
‫اتلنبيه عليه بل وال يفيته اتلنبيه ىلع غريه) (‪.)1‬‬
‫ثم قال يف تفسريه لآلية نفسها‪( :‬وإنما لم يقدم املسند املجرور وهو متضمن السم اجلاللة ىلع‬
‫املسند إيله فيقال‪ :‬لل احلمد؛ ألن املسند إيله محد ىلع تْنيل القرآن والترشف باإلسالم وهما منة‬
‫من الل تعاىل فحمده عليهما عند ابتداء تالوة الكتاب اذلي به صالح انلاس يف ادلارين فاكن‬
‫ً‬
‫املقام لالهتمام به اعتبارا ألهمية احلمد العارضة‪ ،‬وإن َكن ذكر الل أهم أصالة فإن األهمية‬
‫العارضة تقدم ىلع األهمية األصلية القتضاء املقام واحلال‪ .‬وابلالغة ه املطابقة ملقتىض احلال‪.‬‬
‫ىلع أن احلمد ملا تعلق باسم الل تعاىل َكن يف االهتمام به اهتمام بشؤون الل تعاىل) (‪.)2‬‬
‫وتقديم اجلار واملجرور ىلع اسم العلم يكون بقصد االختصاص واحلرص كما يف (لل احلمد)‪،‬‬
‫إلزالة الشك أن احلمد سيكون لغري الل‪ .‬أما املقام يف الفاحتة فليس مقام اختصاص‪ ،‬بل هو مقام‬
‫خطاب للمؤمنني اذلين يقرون بالعبادة لل سبحانه‪ ،‬ويطلبون منه االستعانة واهلداية‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.158 :1‬‬


‫(‪ )2‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.165 :1‬‬
‫‪127‬‬
‫أما يف سورة اجلاثية فاملقام يف الاكفرين وعقائدهم وقد نسبوا احلياة واملوت لغري الل سبحانه‪،‬‬
‫ذلا اقتىض ذكر تفضله سبحانه بأنه خلق السموات واألرض‪ ،‬وأثبت هلم أن احلمد األول لل‬
‫لِلَف احلم هد﴾ [اجلاثية‪ ،]36 :‬مقدمة حسب‬
‫سبحانه ىلع ك ما خلق نلا‪ ،‬فهو املحمود األول‪ ،‬ذلا جاءت ﴿ ل‬

‫ني﴾‪ .‬فقد وردت‬ ‫ما اقتضاه السياق العام لآليات يف السورة‪ ،‬وليست مثل‪﴿ :‬إيلاك نعبه هد وإيلاك نستع ه‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫لِلَف احلم هد ر ِّب ل‬
‫يف القران الكريم‪ ﴿ :‬ل‬
‫السموات ورب األرض رب العالمني) [اجلاثية‪ .]36 :‬فاتلقديم‬
‫واتلأخري يف القران الكريم يكون حسب ما يقتضيه السياق واملقام (‪.)1‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫‪5‬ـ ومن األمثلة‪ :‬قوهل يف سورة انلمل‪﴿ :‬لقد هوعدنا هذا حن هن وآباؤنا من قبل﴾ [انلمل‪ ،]68 :‬وِف‬
‫هل ه ً‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫سورة املؤمنني‪﴿ :‬لقد هوعدنا حن هن وآباؤنا هذا من قبل﴾ [‪ ،]83‬فإن ما قبل األوىل‪﴿ :‬أإذا كنا ترابا‬
‫ً‬ ‫هل ه ً‬ ‫ه‬
‫وآباؤنا﴾ [انلمل‪ ،]67 :‬وما قبل اثلانية‪﴿ :‬أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما﴾ [املؤمنون‪ ،]82 :‬فاجلهة املنظور‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فيها هناك كون أنفسهم وآبائهم ترابا‪ ،‬واجلهة املنظور فيها هنا كونهم ترابا وعظاما‪ ،‬وال شبهة أن‬
‫ل‬ ‫ه‬
‫أل من قومه اذلين‬ ‫األوىل أدخل عندهم يف تبعيد ابلعث‪ .‬ومنها قوهل يف سورة املؤمنني‪﴿ :‬وقال الم ُه‬
‫كف هروا﴾ [املؤمنون‪ ،]33 :‬فقدم املجرور ىلع الوصف؛ ألنه لو أخرب عنه ـ وأنت تعلم أن تمام الوصف‬
‫ه‬
‫بتمام ما يدخل عليه املوصوف وتمامه ﴿وأترفناهم يف احلياة ادلنيا﴾ [املؤمنون‪ ]33 :‬ـ الحتمل أن‬
‫يكون من نعيم ادلنيا‪ ،‬واشتبه األمر يف القائلني أهم من قومه أم ال؟ خبالف قوهل يف موضع آخر‬
‫ه ل‬
‫منها‪﴿ :‬فقال المأل اذلين كف هروا من قومه﴾ [هود‪ ،]27 :‬فإنه جاء ىلع األصل‪ .‬ومنها قوهل يف سورة‬
‫ارون و هموىس﴾ [‪ .]70‬خبالف قوهل يف سورة الشعراء‪﴿ :‬ر ِّب هموىس وه ه‬
‫ارون﴾ [‪.]48‬‬ ‫طه‪﴿ :‬آم لنا بر ِّب ه ه‬
‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫هه‬
‫الق حن هن نر هزقكم وإيلاهم﴾ [األنعام‪ ،]151 :‬وقال يف سورة‬
‫ٍ‬ ‫م‬‫إ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫الد‬ ‫و‬‫أ‬ ‫وا‬ ‫ومنها قوهل‪﴿ :‬وال تقتل‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫اإلرساء‪﴿ :‬حن هن نر هزق ههم وإيلاكم﴾‪ ،‬قدم املخاطبني يف األوىل دون اثلانية؛ ألن اخلطاب يف األوىل‬
‫الق﴾‪ ،‬فاكن رزقهم عندهم أهم من رزق أوالدهم‪ ،‬فقدم الوعد‬
‫يف الفقراء‪ ،‬بديلل قوهل‪﴿ :‬من إم ٍ‬
‫الق﴾ [اإلرساء‪:‬‬
‫برزقهم ىلع الوعد برزق أوالدهم‪ .‬واخلطاب يف اثلانية لألغنياء‪ ،‬بديلل‪﴿ :‬خشية إم ٍ‬
‫‪ ،]31‬فإن اخلشية إنما تكون مما لم يقع‪ ،‬فاكن رزق أوالدهم هو املطلوب دون رزقهم ألنه حاصل‪،‬‬
‫فاكن أهم‪ ،‬فقدم الوعد برزق أوالدهم ىلع الوعد برزقهم (‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ـ انظر‪ :‬حمارضة مفرغة يف املكتبة الشاملة بعنوان‪ :‬ملسات بيانية يف نصوص من اتلْنيل‪ ،‬لدلكتور فاضل السامرايئ‪:‬‬
‫‪.12‬‬
‫(‪ )2‬ـ انظر‪ :‬الربهان للزركيش‪.284 :3 .‬‬
‫‪128‬‬
‫واتلأخ ه‬
‫ري الختالف املقام) ما قاهل اإلمام‬ ‫يم ل‬ ‫‪6‬ـ ومن تطبيقات هذه القاعدة‪( :‬قد يتل هف ل‬
‫اتلقد ه‬
‫هه‬ ‫ه‬
‫الفريزآبادي (‪( :)1‬قوهل‪﴿ :‬وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فلكوا﴾ [ابلقرة‪ ]58 :‬بالفاء‪ ،‬وِف األعراف‪:‬‬
‫ه‬ ‫هه‬
‫﴿ولكوا﴾ بالواو؛ ألن ادلخول رسيع االنقضاء فيعقبه األكل‪ ،‬وِف األعراف‪﴿ :‬اسكنهوا﴾ واملعىن‪:‬‬
‫ً‬ ‫ٌّ‬
‫أقيموا فيها‪ ،‬وذلك ممتد‪ ،‬فذكر بالواو‪ ،‬أي امجعوا بني السكىن واألكل‪ ،‬وزاد يف ابلقرة‪﴿ :‬رغدا﴾‬
‫ه ه‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫ألنه تعاىل أسنده إىل ذاته بلفظ اتلعظيم‪ ،‬خبالف األعراف؛ فإن فيه ﴿وإذ قيل﴾‪ .‬وقدم ﴿ادخلوا‬
‫ّ‬ ‫ه ه‬ ‫ً‬
‫ابلاب هس لجدا﴾ يف هذه السورة وأخرها يف األعراف؛ ألن السابق يف هذه السورة‪﴿ :‬ادخلوا﴾ فبني‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ادلخول‪ ،‬وِف هذه ّ‬ ‫ل‬
‫كيفية ّ‬
‫السورة ﴿خطاياكم﴾ باإلمجاع‪ ،‬وِف األعراف ﴿خطيئاتكم﴾؛ ألن‬
‫خطايا صيغة اجلمع الكثري‪ ،‬ومغفرتها أيلق يف اآلية بإسناد الفعل إىل نفسه سبحانه‪ .‬وقال هنا‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫واو؛ ألن اتصاهلما ِف هذه السورة أشد؛ التفاق‬
‫﴿وسْنيد﴾ بواو‪ ،‬وِف األعراف ﴿سْنيد﴾ بغري ٍ‬
‫ً‬ ‫الللفظني‪ ،‬واختلفا يف األعراف؛ أل لن الالئق به ﴿سْن ه‬
‫يد﴾ حبذف الواو؛ يلكون استئنافا للالكم‪ .‬وّف‬
‫ً‬
‫هذه السورة‪﴿ :‬اذلين ظل هموا قوال﴾ وِف األعراف‪﴿ :‬ظل هموا من ههم﴾ موافقة لقوهل‪﴿ :‬ومن قوم‬
‫ل‬ ‫ه‬ ‫هموىس﴾‪ ،‬ولقوهل‪﴿ :‬من هه هم ل‬
‫الصاحل هون ومن ههم دون ذلك﴾‪ .‬وِف هذه السورة‪﴿ :‬فأنزنلا ىلع اذلين‬
‫الرسول والرسالة كرثت يف األعراف‪ ،‬فجاء ذلك ىلع‬‫ظل هموا﴾ وِف األعراف ﴿فأرسلنا﴾؛ ألن لفظ ل‬

‫طبق ما قبله‪ ،‬وليس كذلك ِف سورة ابلقرة) (‪.)2‬‬


‫ه ل‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫هه‬
‫الق حن هن نر هزق ههم وإيلاكم إن قتل ههم َكن‬
‫‪7‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬وال تقتلوا أوالدكم خشية إم ٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫خطئا كبريا﴾ [اإلرساء‪ ]31 :‬قال اإلمام ابن اعشور‪( :‬وتقدم الالكم ىلع نظري هذه اآلية يف سورة األنعام‪،‬‬
‫ً‬
‫الق﴾ [اإلرساء‪،]31 :‬‬
‫ٍ‬ ‫م‬‫إ‬ ‫ة‬‫ي‬ ‫ش‬ ‫خ‬ ‫﴿‬ ‫هنا‬ ‫قيل‬ ‫أنه‬ ‫األول‪:‬‬ ‫وجهني‪:‬‬ ‫من‬ ‫انلظم‬ ‫يف‬ ‫ولكن بني اآليتني فرقا‬
‫الق﴾ [األنعام‪ .]151 :‬ويقتض ذلك أن اذلين َكنوا يئدون بناتهم يئدونهن‬‫وقيل يف آية األنعام‪﴿ :‬من إم ٍ‬
‫لغرضني‪ :‬إما ألنهم فقراء ال يستطيعون إنفاق ابلنت وال يرجون منها إن كربت إاعنة ىلع الكسب‬
‫الق﴾ [األنعام‪ ]151 :‬فإن (من) اتلعليلية‬
‫فهم يئدونها ذللك‪ ،‬فذلك مورد قوهل يف األنعام‪﴿ :‬من إم ٍ‬
‫تقتض أن اإلمالق سبب قتلهن فيقتض أن اإلمالق موجود حني القتل‪ .‬وإما أن يكون احلامل‬

‫الشريازي الفريوزآبادي‪ ،‬صاحب الق ه‬ ‫ِّ‬ ‫ه‬ ‫الطاهر ُمد ادلين ل‬


‫(‪ )1‬ـ أبو ل‬
‫اموس‪ ،‬ودل سنة تسع وعرشين وسبعمائة‪،‬‬ ‫حممد بن يعقوب‬
‫ابلخاري) و(تنوير املقباس ىلع تفسري ابن ع لباس) و(بصائر ذوي اتلميزي يف لطائف‬
‫ومن تصانيفه‪( :‬فتح ابلاري رشح ه‬

‫الكتاب العزيز)‪ ،‬ولانت وفاته سنة سبع عرشة وثمانمائة‪ .‬انظر‪ :‬طبقات املفرسين لألدنه وي‪ ،312 .‬والضوء الالمع ‪:10‬‬
‫‪.79‬‬
‫(‪ )2‬ـ بصائر ذوي اتلميزي يف لطائف الكتاب العزيز ‪.142 :1‬‬
‫‪129‬‬
‫ىلع ذلك ليس فقر األب ولكن خشية عروض الفقر هل أو عروض الفقر للبنت بموت أبيها‪ ،‬إذ‬
‫َكنوا يف جاهليتهم ال يورثون ابلنات‪ ،‬فيكون ادلافع للوأد هو توقع اإلمالق‪ .‬فلتحذير املسلمني‬
‫من آثار هذه اخلواطر ذكروا بتحريم الوأد وما يف معناه‪ .‬الوجه اثلاين‪ :‬فمن أجل هذا االعتبار يف‬
‫ه‬ ‫ه ه‬
‫الفرق للوجه األول قيل هنالك‪﴿ :‬حن هن نر هزقكم وإيلاهم﴾ [األنعام‪ ،]151 :‬بتقديم ضمري اآلباء ىلع‬
‫ضمري األوالد‪ ،‬ألن اإلمالق ادلافع للوأد املحيك به يف آية األنعام هو إمالق اآلباء فقدم اإلخبار‬
‫بان الل هو رازقهم وكمل بأنه رازق بناتهم‪ .‬وأما اإلمالق املحيك يف هذه اآلية فهو اإلمالق املخيش‬
‫وقوعه‪ .‬واألكرث أنه توقع إمالق ابلنات كما رأيت يف األبيات‪ ،‬فذللك قدم اإلعالم بان الل رازق‬
‫األبناء وكمل بأنه رازق آبائهم‪ .‬وهذا من نكت القرآن) (‪.)1‬‬
‫وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬إيلاك نعبه هد وإيلاك نستع ه‬
‫ني﴾ [الفاحتة‪ ]5 :‬قال‪( :‬فإن قلت‪ :‬كيف أمرنا بأن ال‬
‫نعبد إال الل وال نستعني إال به حسبما تشري إيله هذه اآلية‪ ،‬وقد ورد يف الصحيح أن انليب صَّل‬
‫الل عليه وسلم ملا علم عبد الل ابن عباس قال هل‪( :‬إذا سألت فاسأل الل وإذا استعنت فاستعن‬
‫بالل) (‪ ،)2‬فلم يأت بصيغة قرص؟ قلت‪ :‬قد ذكر الشيخ اجلد قدس الل روحه (‪ )3‬يف تعليقه ىلع هذا‬
‫احلديث أن ترك طريقة القرص إيماء إىل أن املقام ال يقبل الرشكة وأن من حق السؤال أن ال يكون‬
‫ً‬
‫إال لل القادر العليم‪ .‬وقد قال علماء ابلالغة إذا َكن الفعل مقصورا يف نفسه فارتكاب طريق‬
‫القرص لغو من الالكم اه‪ .‬وأقول تقفية ىلع أثره‪ :‬إن مقام احلديث غري مقام اآلية فمقام احلديث‬
‫مقام تعليم خاص ملن نشأ وشب وترجل يف اإلسالم فتقرر قرص احلكم دليه ىلع طرف اثلمام‬
‫وذللك استغىن عنه وأما مقام هذه اآلية فمقام مفتتح الويح والترشيع واستهالل الوعظ واتلقريع‪،‬‬
‫فناسب تأكيد احلكم بالقرص مع اتلعريض حبال الرشك الشنيع ىلع أن تعليق األمر بهما يف جواب‬

‫(‪ )1‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.87 :15‬‬


‫(‪ )2‬ـ رواه الرتمذي يف كتاب صفة القيامة والرقائق والورع (‪ ،)2516‬وقال‪( :‬حديث حسن صحيح)‪ .‬ورواه أمحد يف‬
‫املسند (‪ ،)2669‬واحلاكم يف املستدرك (‪.)6303‬‬
‫ل‬
‫(‪ )3‬ـ هو جد الشيخ حممد الطاهر ابن اعشور‪ :‬حممد العزيز بهوعتور (‪1325-1240‬ه)‪ ،‬اذلي توىل الوزارة الكربى بعد‬
‫ل‬
‫مصطىف إسماعيل‪ ،‬وحتققت ىلع يديه إصالحات نالت إعجاب الوزراء وتقدير األمراء‪َ ،‬كن من فقهاء عرصه‪ ،‬وهو من‬
‫ِّ‬ ‫وتقدل مناصب ل‬
‫هامة يف القضاء واإلفتاء ل‬ ‫ل‬
‫واتلدريس‪ ،‬إضافة إىل تويله نقابة‬ ‫شيوخ الشيخ حممد الطاهر ابن اعشور‪،‬‬
‫ل‬
‫األرشاف‪ ،‬وهل مؤلفات مطبوعة‪ .‬انظر مقال‪ :‬العالمة حممد الطاهر ابن اعشور ألمحد بن حممود ادلاهن‪ .‬يف موقع األلوكة‪.‬‬
‫وهذا رابط املقال‪. http://www.alukah.net/culture/0/856/#ixzz4EL2pclkN :‬‬
‫‪130‬‬
‫ً‬
‫الرشط ىلع حصول أي سؤال وأية استعانة يفيد مفاد القرص تعريضا باملرشكني وبراءة من صنيعهم‬
‫فقد َكنوا يستعينون بيآهلتهم‪ .‬ومن ذلك االستقسام باألزالم املوضوعة عند اآلهلة واألصنام) (‪.)1‬‬
‫ِّ ه‬
‫قال‪( :‬وقدمت مجلة‪:‬‬ ‫‪8‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬و هيعل همك هم الكتاب واحلكمة﴾‬
‫[ابلقرة‪:]151 :‬‬
‫ِّ ه‬ ‫ِّ ه‬
‫﴿و هيزكيكم﴾ ىلع مجلة‪﴿ :‬و هيعل همك هم الكتاب واحلكمة﴾ هنا عكس ما يف اآلية السابقة يف‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ه‬
‫حاكية قول إبراهيم‪﴿ :‬يتلو عليهم آياتك و هيعل هم هه هم الكتاب واحلكمة و هيزكيهم﴾ [ابلقرة‪ ،]129 :‬ألن‬
‫املقام هنا لالمتنان ىلع املسلمني فقدم فيها ما يفيد معىن املنفعة احلاصلة من تالوة اآليات عليهم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وه منفعة تزكية نفوسهم اهتماما بها وبعثا هلا باحلرص ىلع حتصيل وسائلها‪ ،‬وتعجيال للبشارة‬
‫بها‪ .‬فأما يف دعوة إبراهيم فقد رتبت اجلمل ىلع حسب ترتيب حصول ما تضمنته يف اخلارج‪ ،‬مع‬
‫ما يف ذلك اتلخالف من اتلفنن) (‪.)2‬‬
‫ل‬ ‫هل ه‬ ‫ه‬
‫‪9‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬كنتهم خري أم ٍة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫ه‬ ‫هه ه‬ ‫ه ه ه ه‬ ‫ً ه‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬
‫وتؤمنون بالل ولو آمن أهل الكتاب لاكن خريا لهم منهم المؤمنون وأكرثهم الفاسقون﴾ [آل عمران‪:‬‬
‫ه‬
‫‪ .]110‬قال‪( :‬وإنما قدم ﴿تأ هم هرون بالمع هروف وتنهون عن ال همنكر﴾ ىلع قوهل‪﴿ :‬وتؤمنهون بالل﴾ ألنهما‬
‫األهم يف هذا املقام املسوق للتنويه بفضيلة األمر باملعروف وانليه عن املنكر احلاصلة من قوهل‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه هل‬ ‫ه‬
‫تعاىل‪﴿ :‬وتلكن منكم أمة يدعون إىل اخلري ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر﴾ [آل عمران‪:‬‬

‫‪ ،]104‬واالهتمام اذلي هو سبب اتلقديم يتلف باختالف مقامات الالكم وال ينظر فيه إىل ما يف‬
‫نفس األمر ألن إيمانهم ثابت حمقق من قبل‪ .‬وإنما ذكر اإليمان بالل يف عداد األحوال اليت‬
‫استحقوا بها اتلفصيل ىلع األمم‪ ،‬ألن للك من تلك األحوال املوجبة لألفضلية أثرا يف اتلفضيل‬
‫ىلع بعض الفرق‪ ،‬فاإليمان قصد به اتلفضيل ىلع املرشكني اذلين َكنوا يفتخرون بأنهم أهل حرم‬
‫ِّ‬ ‫ً‬
‫الل وسدنة بيته وقد رد الل ذلك رصُيا يف قوهل‪﴿ :‬أجعلتهم سقاية احلاج وعمارة المسجد احلرام‬
‫كمن آمن بالل وايلوم اآلخر وجاهد يف سبيل الل ال يست هوون عند الل﴾ [اتلوبة‪ ]19 :‬وذكر األمر‬
‫باملعروف وانليه عن املنكر‪ ،‬قصد به اتلفضيل ىلع أهل الكتاب‪ ،‬اذلين أضاعوا ذلك بينهم‪ ،‬وقد‬
‫قال تعاىل فيهم‪َ﴿ :‬كنهوا ال يتناهون عن همنكر فعله ه‬
‫وه﴾ [املائدة‪.)3( )]79 :‬‬ ‫ٍ‬

‫(‪ )1‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.185 :1‬‬


‫(‪ )2‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.87 :15‬‬
‫(‪ )3‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.87 :15‬‬
‫‪131‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫‪10‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬قد جاءكم بصائ هر من ر ِّبكم فمن أبرص فلنفسه ومن عيم فعليها‬
‫ه‬
‫يظ﴾ [األنعام‪ ]104 :‬قال‪( :‬وإنما نسج نظم اآلية ىلع هذا النسج لإليذان بأن‬
‫وما أنا عليكم حبف ٍ‬
‫﴿فلنفسه﴾ مقدم يف اتلقدير ىلع متعلقه املحذوف‪ .‬واتلقدير‪ :‬فلنفسه أبرص‪ ،‬ولوال قصد اإليذان‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫بهذا اتلقديم لقال‪ :‬فمن أبرص أبرص نلفسه‪ ،‬كما قال‪﴿ :‬إن أحسنتم أحسنتم ألنفسكم﴾ [اإلرساء‪:‬‬

‫‪.]7‬‬
‫واملقام يقتض تقديم املعمول هنا يلفيد القرص‪ ،‬أي فلنفسه أبرص ال لفائدة غريه؛ ألنهم َكنوا‬
‫ُيسبون أنهم يغيظون انليب صَّل الل عليه وسلم بإعراضهم عن دعوته إياهم إىل اهلدى‪.‬‬
‫وقرينة ذلك أن هذا الالكم مقول من انليب صَّل الل عليه وسلم وقد أومأ إىل هذا صاحب‬
‫ً‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫«الكشاف» (‪ ،)1‬خبالف آية‪﴿ :‬إن أحسنتهم أحسنتهم ألنفسكم﴾ [اإلرساء‪ ،]7 :‬فإنهم حكت الكما‬
‫خوطب به بنو إرسائيل من جانب الل تعاىل وهم ال يتوهمون أن إحسانهم ينفع الل أو إساءتهم‬
‫ترض الل) (‪.)2‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫‪11‬ـ ومن األمثلة ىلع ذلك‪ :‬قوهل تعاىل‪﴿ :‬تؤمنهون بالل ور هسوهل وجتاه هدون يف سبيل الل‬
‫ل‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫بأموالكم وأنفسكم ذلكم خري لكم إن كنتهم تعل همون﴾ [الصف‪ :]11 :‬فف هذه اآلية قدم اجلهاد‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫باملال ىلع اجلهاد بانلفس يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬وجتاه هدون يف سبيل الل بأموالكم وأنفسكم﴾‪ .‬أما يف‬
‫ه‬ ‫ل‬
‫سورة اتلوبة فقد قدم انلفس ىلع املال فقال‪ ﴿ :‬إن الل اشرتى من ال همؤمنني أنفس ههم وأموال ههم﴾‬
‫[اتلوبة‪ ،]111 :‬ولعل سبب ذلك أن املقام يف آية «الصف» مقام تفسري وبيان ملعىن اتلجارة الراحبة‬
‫باجلهاد يف سبيل الل‪ .‬وحقيقة اجلهاد بذل اجلهد والطاقة‪ ،‬واملال هو عصب احلرب وهو مدد‬
‫اجلي ‪ ،‬وهو أهم من اجلهاد بالسالح‪ ،‬فباملال يشرتى السالح‪ ،‬وقد تستأجر الرجال كما يف اجليوش‬
‫احلديثة من الفرق األجنبية‪ ،‬وباملال َيهز اجلي ‪ ،‬وذلا ملا جاء اإلذن باجلهاد أعذر الل املرىض‬
‫والضعفاء‪ ،‬وأعذر معهم الفقراء اذلين ال يستطيعون جتهزي أنفسهم‪ ،‬وأعذر معهم الرسول صَّل الل‬
‫عليه وسلم إذ لم يوجد عنده ما َيهزهم به كما يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬ليس ىلع الضعفاء وال ىلع المرىض‪،‬‬

‫كم﴾ هو وارد ىلع لسان رسول الل صَّل الل عليه وسلم‪،‬‬ ‫كم بصائ هر من ر ِّب ه‬
‫(‪ )1‬ـ قال اإلمام الزخمرشي‪﴿( :‬قد جاء ه‬

‫يظ﴾‪ .‬وابلصرية نور القلب اذلي به يستبرص‪ ،‬كما أن ابلرص نور العني اذلي به تبرص أى‬ ‫ه‬
‫لقوهل‪﴿ :‬وما أنا عليكم حبف ٍ‬
‫جاءكم من الوىح‪ ،‬واتلنبيه ىلع ما َيوز ىلع الل وما ال َيوز ما هو للقلوب َكبلصائر‪ .‬فمن أبرص احلق وآمن فلنفسه‬
‫أبرص‪ ،‬وإياها نفع‪ ،‬ومن عيم عنه فعَّل نفسه عيم‪ ،‬وإياها ل‬
‫رض بالعىم)‪ .‬الكشاف ‪.55 :2‬‬
‫(‪ )2‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.420 :7‬‬
‫‪132‬‬
‫ه‬ ‫ل‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬
‫إىل قوهل‪ :‬وال ىلع اذلين إذا ما أتوك تلحمل ههم قلت ال أج هد ما أمحلكم عليه تولوا وأعيهنه ههم تفيض‬
‫ه ه‬ ‫ً ل‬
‫ادلمع حزنا أال َي هدوا ما ينفقون﴾ [اتلوبة‪91 :‬ـ ‪ .]92‬وكذلك من جانب آخر‪ ،‬قد َياهد باملال من‬‫من ل‬
‫ً‬ ‫ل‬
‫ال يستطيع بالسالح َكلنساء والضعفاء‪ ،‬كما قال صَّل الل عليه وسلم‪( :‬من جهز َغزيا فقد غزا)‬
‫(‪.)1‬‬
‫أما اآلية اثلانية يف سورة اتلوبة فيه يف معرض االستبدال والعرض والطلب أو ما يسىم‬
‫باملساومة‪ ،‬فقدم انلفس؛ ألنها أعز ما يملكه اليح‪ ،‬وجعل يف مقابلها اجلنة وه أعز ما يوهب‪،‬‬
‫ً‬
‫فاتلجارة هنا معاملة مع الل إيمانا بالل وبرسوهل‪ ،‬وجهادا باملال وانلفس‪ ،‬والعمل الصالح‪ .‬وِف آية‪:‬‬
‫ل‬
‫﴿إن الل اشرتى﴾ تقديم برشى خفية لطيفة بانلرص ملن جاهد يف سبيل الل وه تقديم قوهل‪:‬‬
‫فيقتلون بابلناء للفاعل أي فيقتلون عدوهم‪ ،‬ويقتلون بابلناء للمجهول‪ ،‬ألن اتلقديم هنا يشعر‬
‫بأنهم يقتلون العدو قبل أن يقتلهم ويصيبون منه قبل أن يصيب منهم‪ ،‬ومثل هذا يكون يف‬
‫موقف القوة وانلرص‪ ،‬والعلم عند الل تعاىل (‪.)2‬‬
‫ًّ‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫رضا وال‬ ‫‪12‬ـ ومن األمثلة كذلك‪ :‬تقديم الرض ىلع انلفع يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬قل ال أملك نلفيس‬
‫ه‬ ‫ً‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه ه ِّ ه ل‬ ‫ً ل‬
‫نفعا إال ما شاء الل للك أم ٍة أجل إذا جاء أجلهم فال يستأخرون ساعة وال يستقدمون﴾ [يونس‪:‬‬
‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫رضا وال نفعا﴾‬ ‫‪ :]49‬فقد لقن الل رسوهل صَّل الل عليه وسلم اجلواب بقوهل‪﴿ :‬قل ال أملك نلفيس‬
‫ً‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫[يونس‪ ...]49 :‬أما يف سورة األعراف فقد قدم انلفع ىلع الرض فقال‪﴿ :‬قل ال أملك نلفيس نفعا وال‬
‫الل﴾ [‪ .]188‬واالختالف بني اآليتني يف تقديم ذكر الرض ىلع انلفع وتأخريه‬ ‫رضا ً إ لال ما شاء ه‬
‫ّ‬

‫الختالف املقام‪ ،‬فقد قدم الرض يف آية يونس ألنها جواب للمرشكني عن ميعاد العذاب اذلي‬
‫أنذروا ب ه‪ ،‬وهو من الرض‪ ،‬وقدم انلفع يف آية األعراف؛ ألن املقام بيان احلقيقة يف نفسها‪ ،‬وهو أن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الرسول ال يملك نلفسه شيئا من اتلرصف يف الكون بغري األسباب العامة فضال عن ملكه لغريه‪،‬‬
‫واملناسب يف هذا تقديم انلفع ألنه هو املقصود باذلات من ترصف اإلنسان وسعيه نلفسه (‪.)3‬‬
‫وآية األعراف جاءت بعد السؤال عن الساعة أيان مرساها؟ وأكرب فوائد العلم بالساعة‪ ،‬وهو‬
‫من علم الغيب‪ ،‬االستعداد هلا بالعمل الصالح‪ ،‬واتقاء أسباب العقاب فيها‪ ،‬فاقتىض ذلك ابلدء‬
‫ً‬
‫(‪ )1‬ـ رواه ابلخاري يف كتاب اجلهاد والسري‪ ،‬باب فضل من جهز َغزيا أو خلفه خبري (‪ ،)2843‬ومسلم يف كتاب اإلمارة‪،‬‬
‫باب فضل إاعنة الغازي يف سبيل الل بمركوب وغريه وخالفته يف أهله خبري (‪.)1895‬‬
‫انظر‪ :‬أضواء ابليان ‪.113 :8‬‬ ‫(‪ )2‬ـ‬
‫(‪ )3‬ـ انظر‪ :‬تفسري املنار ‪.320 :11‬‬
‫‪133‬‬
‫بنف ملك انلفع نلفسه بمثل هذا االستعداد‪ ،‬وتأخري ملك الرض املراد به ملك دفعه واتقاء وقوعه‪،‬‬
‫ً‬
‫وأن يستدل ىلع ذلك بما ذكر من أنه لو َكن يعلم الغيب حىت فيما دون الساعة زمنا وعظم شأنه‬
‫الستكرث من اخلري اذلي يتعلق باالستعداد للمستقبل‪ ،‬واتىق أسباب ما يمسه من السوء فيه‪.‬‬
‫وأما اآلية يف سورة يونس‪ ،‬فقد وردت يف سياق تماري الكفار فيما أوعدهم الل من العقاب‬
‫ً‬
‫ىلع اتلكذيب بما جاءهم به رسوهل من ابلينات واهلدى‪ ،‬واستعجاهلم إياه تهكما ومبالغة يف‬
‫ً‬
‫اجلحود‪ ،‬فناسب أن يذكر يف جوابهم أنه ال يملك نلفسه وال هلم رضا‪ ،‬كتعجيل العذاب اذلي‬
‫ً‬
‫يكذبون به‪ ،‬وال نفعا َكنلرص اذلي يرتتب ىلع تعجيل العذاب هلم يف ادلنيا‪ ،‬فقد أمره الل تعاىل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أن يبلغهم أن أمر عذابهم تعجيال أو تأخريا لل تعاىل وحده‪ ،‬كما أمره أن ينف عن نفسه القدرة‬
‫ىلع ما اقرتحوه من اآليات‪ ،‬ومن ذلك ما ذكره تعاىل من مقرتحاتهم يف سورة اإلرساء من تفجري‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ينبوع يف مكة‪ ،‬وإَياد جنة تتفجر األنهار خالهلا تفجريا‪ ،‬أو إسقاط السماء عليهم كسفا (‪.)1‬‬
‫إن تقديم األلفاظ بعضها ىلع بعض هل أسباب عديدة يقتضيها املقام وسياق القول‪َ ،‬يمعها‬
‫قوهلم‪ :‬إن اتلقديم إنما يكون للعناية واالهتمام‪ .‬فما َكنت به عنايتك أكرب قدمته يف الالكم‪.‬‬
‫والعناية باللفظة ال تكون من حيث إنها لفظة معينة بل قد تكون العناية حبسب مقتىض‬
‫احلال‪ .‬وهلذا ربما َكن عليك أن تقدم لكمة يف موضع ثم تؤخرها يف موضع آخر؛ ألن مرااعة املقام‬
‫ومقتىض احلال تقتض ذاك‪.‬‬
‫والقرآن الكريم هو أىلع مثل يف ذلك‪ ،‬فرتاه يقدم لفظة مرة ويؤخرها مرة أخرى ىلع حسب‬
‫املقام‪ .‬فمرة يقدم السماء ىلع األرض ومرة يقدم األرض ىلع السماء ومرة يقدم اإلنس ىلع اجلن‬
‫ومرة يقدم اجلن ىلع اإلنس ومرة يقدم الرض ىلع انلفع ومرة يقدم انلفع ىلع الرض ك ذلك حبسب‬
‫ما يقتضيه القول وسياق اتلعبري‪.‬‬
‫وعند بيان سبب هذا اتلقديم أو ذاك‪ ،‬ال يصح االكتفاء بالقول إنه قدم هذه اللكم للعناية‬
‫ً‬
‫واالهتمام بها‪ ،‬دون بيان مواطن هذه العناية وسبب هذا اتلقديم‪ .‬فإذا قيل لك مثال‪ :‬ملاذا قدم‬
‫السماء ىلع األرض هنا؟ قلت‪ :‬ألن االهتمام بالسماء أكرب‪ .‬ثم إذا قيل لك‪ :‬وملاذا قدم األرض ىلع‬
‫السماء يف هذه اآلية؟‬

‫(‪ )1‬ـ انظر‪ :‬تفسري املنار ‪.427 :9‬‬


‫‪134‬‬
‫قلت‪ :‬ألن االهتمام باألرض هنا أكرب‪ ،‬فإذا قيل‪ :‬وملاذا َكن االهتمام بالسماء هناك أكرب ولان‬
‫االهتمام باألرض هنا أكرب؟ وجب عليك أن تبني سبب ذلك وبيان االختالف بني املوطنني حبيث‬
‫تبني أنه ال يصح أو ال ُيسن تقديم األرض ىلع السماء فيما قدمت فيه السماء‪ ،‬أو تقديم السماء‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ىلع األرض فيما قدمت فيه األرض بيانا شافيا‪ ،‬وكذلك بقية املواطن األخرى‪.‬‬
‫أما االكتفاء بعبارة أن هذه اللفظة قدمت للعناية واالهتمام‪ ،‬فهذا يضيع معرفة اتلمايز بني‬
‫األسايلب‪ ،‬فال تعرف األسلوب العايل الرفيع‪ ،‬من األسلوب املهلهل الضعيف‪.‬‬
‫ً‬
‫إن فن اتلقديم واتلأخري فن رفيع يعرفه أهل ابلرص باتلعبري‪ ،‬واذلين أوتوا حظا من معرفة مواقع‬
‫اللكم‪ ،‬وليس اداعء يدىع أو لكمة تقال‪ .‬وقد بلغ القرآن الكريم يف هذا الفن كما يف غريه اذلروة‬
‫يف وضع اللكمات الوضع اذلي تستحقه يف اتلعبري‪ ،‬حبيث تستقر يف ماكنها املناسب‪.‬‬
‫ولم يكتف القرآن الكريم اذلي وضع اللفظة بمرااعة السياق اذلي وردت فيه بل راىع مجيع‬
‫املواضع اليت وردت فيها اللفظة ونظر إيلها نظرة واحدة شاملة يف القرآن الكريم لكه‪ .‬فجاء اتلعبري‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫متسقا متناسقا مع غريه من اتلعبريات كأنه لوحة فنية واحدة مكتملة متاكملة‪.‬‬
‫فالقرآن الكريم دقيق يف وضع األلفاظ ورصفها يف أفضل صورة‪ ،‬فهناك خطوط اعمة يف‬
‫اتلقديم واتلأخري‪ ،‬وهناك مواطن تقتض تقديم هذه اللفظة أو تلك‪ ،‬ك ذلك مراىع فيه سياق‬
‫الالكم واالتساق العام يف اتلعبري ىلع أكمل وجه وأبىه صورة (‪.)1‬‬
‫وقد يكون اتلقديم ملالحظ أخرى تتناسب مع السياق فرتاه يقدم لفظة يف موضع ويؤخرها‬
‫ه‬ ‫ه ه ل‬
‫الل إال بهرشى لكم‬ ‫يف موضع آخر حبسب ما يقتض السياق‪ .‬فمن ذلك قوهل تعاىل‪﴿ :‬وما جعله‬
‫ل ه ل‬ ‫ل هه ه ه‬
‫رص إال من عند الل العزيز احلكيم﴾ [آل عمران‪ ،]126 :‬وقوهل‪﴿ :‬وما‬ ‫وبكم به وما انل‬ ‫وتلطمِئ قل‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫انل ه‬
‫كم وما ل‬‫هه ه ه‬ ‫ل‬
‫الل إال بهرشى وتلطم ل‬‫جعل هه ه‬
‫رص إال من عند الل إن الل عزيز حكيم﴾‬ ‫ِئ به قلوب‬
‫ل‬ ‫ل هه ه ه‬ ‫ّ‬
‫وبكم به﴾‪ ،‬وأخرها‬ ‫[األنفال‪ .]10 :‬فقدم القلب ىلع اجلار واملجرور يف آل عمران فقال‪﴿ :‬وتلطمِئ قل‬
‫ً‬ ‫ل هه ه ه‬
‫وبكم﴾‪ ،‬علما بأن الالكم ىلع معركة بدر يف املوطنني غري‬ ‫عنه يف األنفال فقال‪﴿ :‬وتلطمِئ به قل‬
‫ً‬
‫أن املوقف خمتلف‪ .‬فف آل عمران ذكر معركة بدر تمهيدا ذلكر موقعة أحد وما أصابهم فيها من‬
‫ه‬
‫قرح وحزن واملقام مقام مسح ىلع القلوب وطمأنة هلا من مثل قوهل تعاىل‪﴿ :‬وال تهنهوا وال حتزنوا‬
‫كم قرح فقد م لس القوم قرح مثله هه وتلك األيل ه‬
‫ام‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫وأنته هم األعلون إن كنتهم همؤمنني (‪ )139‬إن يمسس‬

‫(‪ )1‬ـ انظر‪ :‬أرسار ابليان يف اتلعبري القرآين‪.27 :‬‬


‫‪135‬‬
‫ل‬ ‫ه ه‬ ‫ه ه‬ ‫ل‬ ‫ه ل‬ ‫نهداولهها َني ل‬
‫الل ال ُيب الظالمني (‪﴾)140‬‬ ‫الل اذلين آمنهوا ويتخذ منكم شهداء و‬ ‫انلاس ويلعلم‬
‫ه‬ ‫ه ه ل‬
‫الل إال بهرشى لكم‬ ‫إىل غري ذلك من آيات املواساة واتلصبري‪ ،‬فقال يف هذا املوطن‪﴿ :‬وما جعله‬
‫ل هه ه ه‬
‫وبكم به﴾‪ .‬فذكر أن البرشى (هلم) وقدم (قلوبهم) ىلع اإلمداد باملالئكة فقال‪:‬‬ ‫وتلطمِئ قل‬
‫ل هه ه ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬
‫وبكم به﴾ ك ذلك من قبيل املواساة واتلبشري والطمأنة‪ .‬وملا لم‬ ‫﴿إال بهرشى لكم وتلطمِئ قل‬
‫يكن املقام يف سورة األنفال كذلك‪ ،‬وإنما املقام ذكر موقعة بدر وانتصارهم فيها ودور اإلمداد‬
‫السماوي يف هذا انلرص‪ ،‬وقد فصل يف ذلك أكرث مما ذكر يف آل عمران‪.‬‬
‫ً‬
‫فلما َكن املقام خمتلفا خالف يف اتلعبري‪ .‬ملا َكن املقام يف األنفال مقام االنتصار وإبراز دور‬
‫اإلمداد الرباين قدم ﴿به﴾ ىلع القلوب والضمري يعود ىلع اإلمداد‪ .‬وملا َكن املقام يف آل عمران هو‬
‫ل هه ه ه‬
‫وبكم به﴾ وزاد لكمة‬ ‫الطمأنينة وتسكني القلوب قدمها ىلع اإلمداد فقال‪﴿ :‬وتلطمِئ قل‬
‫ه‬ ‫ه ه ل‬ ‫ه‬
‫الل إال بهرشى لكم﴾ زيادة يف املواساة واملسح ىلع القلوب فجعل‬ ‫﴿لكم﴾ فقال‪﴿ :‬وما جعله‬
‫ً‬
‫الك يف مقامه (‪.)1‬‬
‫ه ه‬
‫ات وال انل ه‬ ‫‪13‬ـ ومن األمثلة‪ :‬قوهل سبحانه‪﴿ :‬وما يستوي األعىم وابلص ه‬
‫ور‪ .‬وال‬ ‫ري‪ .‬وال الظلم‬
‫ه‬ ‫ِّ‬
‫الظل وال احل هر ه‬
‫ور‪ .‬وما يستوي األحي ه‬
‫اء وال األموات﴾ [فاطر‪19 :‬ـ ‪ ]22‬فيالحظ هنا تقديم الظل ىلع‬
‫احلرور‪ ،‬واألحياء ىلع األموات‪ ..‬ولان انلظم يقض بتقديم احلرور ىلع الظل‪ ،‬واألموات‪ ،‬ىلع‬
‫األحياء‪ ،‬تلتسق ألوان الصورة لكها‪ ،‬فيكون األسود املعتم (األعىم‪ ،‬والظلمات‪ ،‬واحلرور‪،‬‬
‫واألموات) يف جانب‪ ،‬واألبيض املرشق (ابلصري‪ ،‬وانلور‪ ،‬واألحياء‪ ،‬والظل) يف جانب آخر! فما‬
‫حكمة هذا؟ ولعل سبب ذلك أن الظل هو نعمة‪ ،‬يف مقابلة احلرور‪ ،‬وكذلك احلياة نعمة‪ ،‬يف مقابلة‬
‫املوت‪ ،‬فقدمت هنا نعمتان‪ ،‬ىلع حني قدمت قبلهما آفتان‪ ،‬هما العىم والظلمات‪ ،‬وِف هذا اتلوزيع‬
‫توازن أللوان الصورة‪ ،‬حيث جاءت هكذا‪ :‬آفتان تقابالن نعمتني‪ ..‬العىم وابلرص‪ ،‬والظالم وانلور‪..‬‬
‫ونعمتان تقابالن آفتني‪ ..‬الظل واحلرور‪ ،‬واحلياة واملوت‪.‬‬
‫ً‬
‫وكذلك ألن األصل يف نف االستواء وهو اتلوازن بني الشيئني‪ ،‬أن يقع أوال ىلع انلاقص منهما‪،‬‬
‫ل‬ ‫انلار وأص ه‬ ‫فيقدم املفضول ىلع الفاضل‪ ،‬كما يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬ال يستوي أص ه‬
‫حاب ل‬ ‫ّ‬
‫حاب اجلنة‬
‫حاب اجل لنة هه هم الفائ هزون﴾ [احلرش‪ ..]20 :‬وقوهل سبحانه‪﴿ :‬ال يستوي القاع هدون من ه‬
‫المؤمنني غ ه‬
‫ري‬ ‫أص ه‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫أويل الرضر والمجاهدون يف سبيل الل﴾ [النساء‪ ..]95 :‬هذا هو االستعمال يف أصل اللغة‪ ،‬فإذا خرج‬

‫(‪ )1‬ـ انظر‪ :‬أرسار ابليان يف اتلعبري القرآين ‪ 49‬ـ ‪ .74‬وذكر أمثلة كثرية عن هذا املوضوع‪.‬‬
‫‪136‬‬
‫ل‬ ‫ه‬
‫االستعمال عن هذا األصل‪َ ،‬كن ذلك لغاية يراد هلا‪ ..‬كما يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬قل هل يستوي اذلين‬
‫ل‬
‫يعل همون واذلين ال يعل همون﴾ [الزمر‪ ]9 :‬وذلك حني ال يكون املراد هو تقرير حكم يف املفاضلة‬
‫بني أمرين‪ ،‬وإنما املراد هو اإللفات إىل أن األمور ليست ىلع وجه واحد‪ ،‬وإنما للك أمر وجهان‪..‬‬
‫ّ‬
‫وجه‪ ،‬وضد هلذا الوجه‪ .‬مثل الوجود والعدم‪ ،‬واحلق وابلاطل‪ ،‬واإليمان والكفر‪ ،‬وانلور والظالم‪،‬‬
‫والظل واحلر‪ ،‬وهكذا‪ ..‬واملطلوب من اخلصم أن يعرتف به هنا‪ ،‬هو أن اليشء اذلي يمسك به‪،‬‬
‫ليس هو ك اليشء‪ ،‬وإنما يقابله نقيضه‪ ،‬اذلي َيب أن ينظر فيه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فإذا َكن املرشكون يتمسكون بالرشك‪ ،‬وال يرون معتقدا غريه‪ ،‬فليعلموا أن هناك وجها آخر‬
‫يقابل هذا الرشك‪ ،‬دون اتلفات إىل أيهما الفاضل وأيهما املفضول‪ ..‬إن األمور ال تكون إال ىلع‬
‫ً‬
‫هذا االزدواج‪ ،‬اليشء وضده‪ ..‬ورشكهم ليس بداع من األشياء‪ ،‬فليبحثوا عن الوجه اآلخر املقابل‬
‫هل‪ ..‬فإذا فعلوا‪َ ،‬كنت املرحلة اثلانية من مراحل انلظر‪ ،‬وىه أن يوازنوا بني ما معهم من رشك‪،‬‬
‫وبني الوجه اآلخر املقابل هل‪ ،‬وهو اإليمان‪..‬‬
‫ّ‬
‫وقد جاء األمران األوالن ىلع األصل‪ ،‬فقدم فيهما املفضول ىلع الفاضل‪ ،‬ىلع حني جاء األمران‬
‫اآلخران ىلع غري األصل‪ ،‬فقدم فيهما الفاضل ىلع املفضول‪ ..‬وبهذا أخذ ك من الفاضل واملفضول‬
‫ماكنه يف الصورة ىلع قدم املساواة‪ ..‬ألن األمر لم يكن يراد منه املفاضلة‪ ،‬وإنما املراد هو إثبات‬
‫تلك احلقيقة اليت ال خالف عليها‪ ،‬وىه االزدواج يف األشياء‪ ،‬واتلقابل بني اليشء وضده‪..‬‬
‫وِف ميجء املقطع األول من الصورة‪ ،‬ىلع أصل الوضع يف اللغة‪ ،‬اذلي يتفق مع ُمرى اتلفكري‪،‬‬
‫وذلك بتقديم املفضول ىلع الفاضل‪ ،‬يف مقام املوازنة واملفاضلة بينهما‪ ،‬يف هذا اتلقاء مع املرشكني‬
‫ىلع أمر ال خالف عليه‪ ،‬بني مؤمن وغري مؤمن‪ ..‬وهذا من شأنه أن ال يصدم تفكريهم‪ ،‬وال يرج‬
‫بهم عن مألوفهم‪ ،‬األمر اذلي يدعوهم إىل االستماع إىل هذا اذلي يعرض عليهم‪ ،‬وإىل انلظر فيه‪..‬‬
‫فإذا وقع مقطع هذا احلديث من أنفسهم هذا املوقع‪ ،‬واجههم املقطع اآلخر من الصورة‪ ،‬وهو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مقطع انقلب فيه الوضع‪ ،‬وانعكست فيه األمور‪ ،‬فقدم ما حقه اتلأخري‪ ،‬وأخر ما حقه اتلقديم‪،‬‬
‫وِف هذا إشارة إىل أمرين‪:‬‬
‫أوهلما‪ :‬أن املرشكني قد انعكست يف أنفسهم حقائق األشياء‪ ،‬وأنهم إنما ينظرون إىل األمور يف‬
‫وضع منكوس‪ ،‬ولو اعتدلوا يف وضعهم لرأوا هذا املقطع من الصورة ىلع حقيقته‪ ..‬فهم يعيشون يف‬
‫ّ‬
‫احلرور وُيسبونه الظل‪ ،‬وهم أموات‪ ،‬وُيسبون أنهم أحياء‪..‬‬

‫‪137‬‬
‫وثانيهما‪ :‬أنهم لو أرادوا أن يقيموا الصورة لكها ىلع وضع سليم‪ ،‬لاكن عليهم أن ّ‬
‫يغريوا بأيديهم‬
‫هذا الوضع اذلي أخذه املقطع اثلاين من الصورة‪ ،‬وأن َيعلوه موافقا للوضع األول‪ ،‬فيقدموا احلرور‬
‫ىلع الظل‪ ،‬واألموات ىلع األحياء‪ ،‬وبهذا يكون احلكم ىلع املطلوب صادرا منهم‪ ،‬فتىجء الصورة‬
‫ِّ‬
‫الظل وال احل هر ه‬ ‫ه ه‬
‫ات وال انل ه‬ ‫العامة هكذا‪﴿ :‬وما يستوي األعىم وابلص ه‬
‫ور‪ .‬وما‬ ‫ور‪ .‬وال‬ ‫ري‪ .‬وال الظلم‬
‫ه‬
‫يستوي األحيا هء وال األموات﴾ [فاطر‪19 :‬ـ ‪.]21‬‬
‫إنها دعوة إىل حتريك العقل‪ ،‬وتسوية هذه املتناقضات‪ ..‬فإذا اجتهت عقوهلم إىل هذا االجتاه‪،‬‬
‫َكن عليهم أن ال يرضوا بهذه اتلناقضات اليت تقوم يف كيانهم‪ ،‬حيث يؤثرون الضالل ىلع اهلدى‪،‬‬
‫وهكذا تيجء آيات الل بهذه اإلُياءات انلفسية‪ ،‬اليت تدخل العقل وخترتق القلب يف رفق ولطف‪،‬‬
‫إىل مواطن اهلدى (‪.)1‬‬
‫‪14‬ـ ومن األمثلة كذلك‪ :‬أن الل سبحانه أقسم يف سورة «الليل»‪ ،‬بالليل إذا يغَش‪ ،‬وبانلهار إذا‬
‫جتَّل‪ ..‬وبدأ بالقسم بالليل‪ ،‬ثم أعقبه بالقسم بانلهار‪ ..‬أما يف سورة الضىح فأقسم الل سبحانه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بانلهار أوال ﴿والضىح﴾ [الضىح‪ ،]1 :‬ثم بالليل ثانيا‪﴿ ..‬والليل إذا سىج﴾ [الضىح‪ ،]2 :‬وبهذا يتوازن‬
‫ّ‬
‫الليل وانلهار‪ ،‬فيقدم أحدهما يف موضع ويقدم اآلخر يف موضع‪ ،‬وللك من اتلقديم واتلأخري يف‬
‫املوضعني مناسبته‪..‬‬
‫ّ‬ ‫ل‬
‫سجو هذا الليل وسكونه‪ ،‬إشارة أخرى إىل أن فرتة‬ ‫ولعل يف القسم بالليل بعد الضىح‪ ،‬وإىل‬
‫انقطاع الويح‪ ،‬ه فرتة هدوء واستجمام‪َ ،‬يمع فيها انليب عليه الصالة والسالم نفسه‪ ،‬ويلم فيها‬
‫خواطره‪ ،‬بعد هذا انلور الساطع اذلي بهره‪ ،‬وهز أعماق نفسه‪ ..‬وبعد هذا الليل اهلادئ الوادع نهار‬
‫مرشق وضيئ‪ ..‬فهكذا َيرى نظام السكون‪ ،‬ىلع ما أقامه اخلالق احلكيم (‪.)2‬‬
‫ه ه‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫ً‬
‫‪15‬ـ ومن األمثلة‪ :‬قوهل سبحانه‪﴿ :‬واتقوا يوما ال جتزي نفس عن نف ٍس شيئا وال يقبل منها‬
‫ً‬ ‫شفاعة وال يهؤخ هذ منها عدل وال ههم هين ه‬
‫رصون﴾ [ابلقرة‪ .]48 :‬وقال يف آية أخرى‪﴿ :‬واتقوا يوما ال‬
‫جتزي نفس عن لنفس شيئا ً وال هيقب هل منها عدل وال تنف هعها شفاعة وال ههم يه ه‬
‫نرصون﴾ [ابلقرة‪.]123 :‬‬ ‫ٍ‬
‫ل‬ ‫ل‬
‫إن ابلالغة احلقة تتجَّل يف اآليتني؛ ألن القارىء لصدر ك آية منهما‪ ،‬والفاهم للملكة اللغوية‬
‫العربية أن ع هجز ك آية يناسب صدرها‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ انظر‪ :‬اتلفسري القرآين للقرآن لألستاذ عبد الكريم يونس اخلطيب ‪.872 :11‬‬
‫(‪ )2‬ـ انظر‪ :‬اتلفسري القرآين للقرآن ‪.1598 :16‬‬
‫‪138‬‬
‫ل‬ ‫ً‬
‫ومن يقرأ قول احلق سبحانه‪﴿ :‬واتقوا يوما ال جتزي نفس عن نف ٍس﴾ [ابلقرة‪.]48 :‬‬
‫ِّ‬
‫يرى أنه أمام نفسني‪ :‬انلفس األوىل ه اليت تقدم الشفاعة‪ ،‬وانلفس اثلانية ه املشفوع هلا‪.‬‬
‫ه‬
‫والشفاعة هنا ال تقبل من انلفس األوىل الشافعة‪ ،‬وكذلك ال يهقبل العدل‪.‬‬
‫ه‬
‫وِف اآلية اثلانية ال تقبل الشفاعة وال العدل من انلفس املشفوع هلا‪ ،‬فيه حتاول أن تقدم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫العدل أوال‪ ،‬ثم حني ال ينفعها تأيت بالشفيع‪ .‬وهكذا جاء اتلقديم واتلأخري يف اآليتني مناسبا‬
‫للموقف واملقام (‪.)1‬‬
‫ه‬ ‫ل‬
‫وانلصارى ل‬
‫والصابئني من آمن بالل‬ ‫ادوا ل‬ ‫‪16‬ـ ومن األمثلة‪ :‬قوهل تعاىل‪﴿ :‬إن اذلين آمنهوا واذلين ه‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ِّ‬ ‫ه ه‬ ‫ً ه‬
‫وايلوم اآلخر وعمل صاحلا فلهم أجرهم عند ربهم وال خوف عليهم وال هم ُيزنون﴾ [ابلقرة‪]62 :‬‬
‫ل‬ ‫ِّ‬
‫وِف املائدة يهقدم الصابئني ىلع انلصارى‪ ،‬وِف هذا املوضع تأيت بالرفع بالواو‪ ،‬يقول تعاىل‪﴿ :‬إن اذلين‬
‫ً‬ ‫ه‬
‫وانلصارى من آمن بالل وايلوم اآلخر وعمل صاحلا فال خوف عليهم‬ ‫ادوا ل‬
‫والصابئون ل‬ ‫آمنهوا واذلين ه‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫وال هم ُيزنون﴾ [املائدة‪.]69 :‬‬
‫ه‬
‫﴿اذلين آمنهوا‪[ ﴾..‬احلج‪ ]17 :‬أي‪ :‬بمحمد صَّل الل عليه وسلم‪﴿ ،‬واذلين هادوا‪[ ﴾..‬احلج‪ ]17 :‬أي‪:‬‬
‫ايلهود‪ ،‬ثم انلصارى وهما قبل اإلسالم‪ ،‬أما الصابئون‪ :‬فهؤالء مجاعة َكنوا ىلع دين إبراهيم عليه‬
‫السالم‪ ،‬ثم عبدوا الكواكب ف هسموا الصابئة خلروجهم عن ادلين احلق‪ .‬أما املجوس‪ :‬فهم عبدة‬
‫انلار‪ ،‬واذلين أرشكوا‪ :‬هم املرشكون عبدة األصنام واألوثان‪.‬‬
‫أما اتلقديم واتلأخري بني انلصارى والصابئني‪ ،‬قالوا‪ :‬ألن انلصارى فرقة كبرية معروفة وهلم‬
‫ل‬
‫نيب‪ ،‬أما الصابئة فاكنوا مجاعة خرجوا ىلع نبيهم وخالفوه‪ ،‬وأتوا بعقيدة غري عقيدته‪ ،‬فهم قلة‪،‬‬
‫السبق الزمين يقول‪﴿ :‬و ل‬
‫الصابئون‬ ‫لكن سبقوا انلصارى يف الرتتيب الزمين؛ ذللك حني يرايع ل‬

‫[ابلقرة‪]62 :‬‬
‫وانلصارى ل‬
‫والصابئني‪﴾..‬‬ ‫وانلصارى‪[ ﴾..‬احلج‪ ]17 :‬وحني يرايع الكرثة والشهرة‪ ،‬يقول‪ ﴿ :‬ل‬
‫ل‬
‫ل‬ ‫ٌّ‬
‫فلك من اتلقديم أو اتلأخري همراد ملعىن همعني‪.‬‬
‫أما قوهل‪ ﴿ :‬ل‬
‫والصابئون﴾ [املائدة‪ ]69 :‬بالرفع ىلع خالف القاعدة يف العطف‪ ،‬حيث عطفت ىلع‬
‫ً‬ ‫منصوب‪ ،‬واملعطوف تابع للمعطوف عليه يف إعرابه‪ ،‬فلماذا ل‬
‫وسط مرفواع بني منصوبات؟‬

‫(‪ )1‬ـ انظر‪ :‬تفسري الشعراوي ‪.5989 :10‬‬


‫‪139‬‬
‫ألن الرفع ال يتم بني املنصوبات إال بعد تمام اجلملة‪ ،‬فكأنه قال‪ :‬إن اذلين آمنوا واذلين هادوا‬
‫ل‬ ‫ل‬
‫وانلصارى‪ ،‬والصابئون كذلك‪ ،‬فعطف هنا مجلة تامة‪ ،‬فيه همؤخرة يف املعىن‪ ،‬همقدمة يف اللفظ‪،‬‬
‫وهكذا تشمل اآلية اتلقديم واتلأخري السابق (‪.)1‬‬
‫قال اإلمام ابن عطية‪( :‬واختلف القراء يف إعراب الصابئني يف هذه اآلية فقرأ اجلمهور‬
‫و﴿ ل‬
‫والصابئون﴾ بالرفع وعليه مصاحف األمصار والقراء السبعة‪ ،‬وقرأ عثمان بن عفان واعئشة‬
‫وأ يب بن كعب وسعيد بن جبري واجلحدري «والصابني»‪ ،‬وهذه قراءة بينة اإلعراب‪ ،‬وقرأ احلسن بن‬
‫أ يب احلسن والزهري «والصابيون» بكرس ابلاء وضم ايلاء دون همز‪ .‬وأما قراءة اجلمهور‪:‬‬
‫﴿ ل‬
‫والصابئون﴾ فمذهب سيبويه واخلليل وحناة ابلرصة أنه من املقدم اذلي معناه اتلأخري‪ ،‬وهو املراد‬
‫ً‬
‫به‪ ،‬كأنه قال‪« :‬إن اذلين آمنوا واذلين هادوا من آمن بالل وايلوم اآلخر وعمل صاحلا فال خوف‬
‫ل‬
‫عليهم وال هم ُيزنون‪ ،‬والصابئون وانلصارى» كذلك‪ ...‬وحىك الزجاج عن الكسايئ والفراء أنهما‬
‫والصابئون﴾ عطف ىلع ﴿اذلين﴾‪ ،‬إذ األصل يف ﴿اذلين﴾ الرفع وإن نصب (إن) ضعيف‪.‬‬ ‫قاال‪ ﴿ :‬ل‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ل‬
‫وخطأ الزجاج هذا القول وقال‪( :‬إن) أقوى انلواصب‪ ،‬وحيك أيضا عن الكسايئ أنه قال‪:‬‬
‫والصابئون﴾ عطف ىلع الضمري يف ﴿هادوا﴾ واتلقدير‪ :‬هادوا هم الصابئون‪ ،‬وهذا قول يرده‬ ‫﴿ ل‬

‫املعىن ألنه يقتض أن الصابئني هادوا‪ ،‬وقيل‪( :‬إن) بمعىن نعم‪ ،‬وما بعدها مرفوع باالبتداء‪ ،‬وروي‬
‫عن بعضهم أنه قرأ « والصابئون » باهلمز) (‪.)2‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فهذه أمثلة ىلع اختالف اتلقديم واتلأخري الختالف املقام‪ ،‬وإتماما للموضوع سأذكر مثاال‬
‫ً‬
‫ىلع االختالف يف األسلوب مرااعة للمقام‪:‬‬
‫وه لن فعىس أن تكر ههوا شيئا ً وَيعل ه‬
‫الل‬
‫هه ه‬ ‫ه ه‬
‫رشوه لن بالمع هروف فإن كرهتم‬ ‫فعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬واع‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فيه خريا كثريا﴾ [النساء‪ ]19 :‬قال اإلمام ابن اعشور‪( :‬واقترص هنا ىلع مقاربة حصول الكراهية‬
‫ً ه‬ ‫ه‬
‫ليشء فيه خري كثري‪ ،‬دون مقابلة‪ ،‬كما يف آية ابلقرة [‪ ﴿ :]216‬وعىس أن تكرهوا شيئا وهو خري‬
‫ً ه ٌّ ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫رش لكم﴾؛ ألن املقام يف سورة ابلقرة مقام بيان احلقيقة بطرفيها‬ ‫لكم وعىس أن حتبوا شيئا وهو‬
‫ً‬
‫إذ املخاطبون فيها كرهوا القتال‪ ،‬وأحبوا السلم‪ ،‬فاكن حاهلم مقتضيا بيان أن القتال قد يكون‬

‫(‪ )1‬ـ انظر‪ :‬تفسري الشعراوي ‪.9745 :16‬‬


‫(‪ )2‬ـ املحرر الوجزي ‪.321 :2‬‬
‫‪140‬‬
‫ً‬
‫هو اخلري ملا ُيصل بعده من أمن دائم‪ ،‬وخد شوكة العدو‪ ،‬وأن السلم قد يكون رشا ملا ُيصل‬
‫معها من استخفاف األعداء بهم‪ ،‬وطمعهم فيهم‪ ،‬وذهاب عزهم املفض إىل استعبادهم‪.‬‬
‫أما املقام يف هذه السورة فهو بليان حكم من حدث بينه وبني زوجه ما كره فيها‪ ،‬ورام فراقها‪،‬‬
‫ً‬
‫وليس هل مع ذلك ميل إىل غريها‪ ،‬فاكن حاهل مقتضيا بيان ما يف كثري من املكروهات من اخلريات‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وال يناسب أن يبني هل أن يف بعض األمور املحبوبة رشورا‪ ،‬لكونه فتحا بلاب اتلعلل هلم بما‬
‫يأخذون من الطرف اذلي يميل إيله هواهم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫وأسند جعل اخلري يف املكروه هنا لل بقوهل‪﴿ :‬وَيعل ه‬
‫الل فيه خريا كثريا﴾ املقتض أنه جعل‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫اعرض ملكروه خاص‪ ،‬وِف سورة ابلقرة [‪ ]216‬قال‪﴿ :‬وهو خري لكم﴾؛ ألن تلك بيان ملا يقارن بعض‬
‫ً‬
‫احلقائق من اخلفاء يف ذات احلقيقة‪ ،‬يلكون رجاء اخلري من القتال مطردا يف مجيع األحوال يغ‬
‫حاصل َيعل اعرض‪.‬‬
‫خبالف هذه اآلية‪ ،‬فإن الصرب ىلع الزوجة املؤذية أو املكروهة إذا َكن ألجل امتثال أمر الل‬
‫حبسن معارشتهن‪ ،‬يكون جعل اخلري يف ذلك جزا ًء من الل ىلع االمتثال) (‪.)1‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫وقال عند قوهل تعاىل‪﴿ :‬قد جاءكم بصائ هر من ر ِّبكم فمن أبرص فلنفسه ومن عيم فعليها‬
‫ه‬
‫يظ﴾ [األنعام‪( :]104 :‬وإنما نسج نظم اآلية ىلع هذا النسج لإليذان بأن‬
‫وما أنا عليكم حبف ٍ‬
‫﴿فلنفسه﴾ مقدم يف اتلقدير ىلع متعلقه املحذوف‪.‬‬
‫واتلقدير‪ :‬فلنفسه أبرص‪ ،‬ولوال قصد اإليذان بهذا اتلقديم لقال‪ :‬فمن أبرص أبرص نلفسه‪ ،‬كما‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫قال‪﴿ :‬إن أحسنتهم أحسنتهم ألنفسكم﴾ [اإلرساء‪.]7 :‬‬
‫واملقام يقتض تقديم املعمول هنا يلفيد القرص‪ ،‬أي فلنفسه أبرص ال لفائدة غريه؛ ألنهم َكنوا‬
‫ُيسبون أنهم يغيظون انليب صَّل الل عليه وسلم بإعراضهم عن دعوته إياهم إىل اهلدى‪.‬‬
‫وقرينة ذلك أن هذا الالكم مقول من انليب صَّل الل عليه وسلم وقد أومأ إىل هذا صاحب‬
‫ً‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫«الكشاف»‪ ،‬خبالف آية‪﴿ :‬إن أحسنتهم أحسنتهم ألنفسكم﴾ [اإلرساء‪ ،]7 :‬فإنهم حكت الكما‬
‫خوطب به بنو إرسائيل من جانب الل تعاىل وهم ال يتوهمون أن إحسانهم ينفع الل أو إساءتهم‬
‫ترض الل (‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.288 :4‬‬


‫(‪ )2‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.420 :7‬‬
‫‪141‬‬
‫ً‬ ‫هه‬ ‫ه ه‬ ‫ِّ ه‬ ‫ً ه‬ ‫ل ل‬
‫ومن األمثلة ىلع ذلك‪ :‬قوهل تعاىل‪﴿ :‬ألم تر أن اِل يهزيج سحابا ث لم يهؤلف بينه ث لم َيعله هرَكما‬
‫هه‬
‫اء ويرصفه‬ ‫يب به من يش ه‬‫السماء من جبال فيها من برد فيهص ه‬ ‫ْن هل من ل‬
‫فرتى الودق ي هر هج من خالهل و هي ِّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب باألبصار (‪[ ﴾)43‬انلور]‬

‫ب باألبصار﴾ هو كقوهل يف هسورة ابلقرة [‪:]20‬‬


‫ه‬
‫كاد سنا برقه يذه ه‬ ‫هل‪﴿ :‬ي‬ ‫قال ابن اعشور‪( :‬وقو ه ه‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫﴿يكاد الربق يطف أبصارهم﴾ سوى أن هذه اآلية زيد فيها لفظ «سنا»؛ ألن هذه اآلية واردة‬
‫ً‬
‫يف مقام االعتبار بتكوين السحاب وإنزال الغيث‪ ،‬فاكن املقام مقتضيا للتنويه بهذا الربق وشدة‬
‫ضيائه حىت يكون االعتبار بأمرين‪ :‬بتكوين الربق يف السحاب‪ ،‬وبقوة ضيائه حىت يكاد يذهب‬
‫باألبصار‪ ،‬وآية ابلقرة واردة يف مقام اتلهديد والتشويه حلاهلم‪ ،‬حني َكنوا مظهرين اإلسالم‬
‫ومنطوين ىلع الكفر واجلحود‪ ،‬فاكنت حاهلم كحالة الغيث املشتمل ىلع صواعق ورعد وبرق‪،‬‬
‫فظاهره منفعة‪ ،‬وِف باطنه قوارع ومصائب‪.‬‬
‫ه‬ ‫ومن أجل اختالف املقامني وضع اتلعبري هنا بـ ﴿يذه ه‬
‫ب باألبصار﴾ وهنالك بقوهل‪﴿ :‬يطف‬
‫أبصار ههم﴾؛ ألن يف اخلطف من معىن انلاكية بهم والتسلط عليهم ما ليس يف ﴿يذه ه‬
‫ب﴾‪ ،‬إذ هو‬
‫ُمرد االستالب) (‪.)1‬‬

‫ُ َ َّ ُ َ ّ ُ َ َّ‬ ‫َ‬
‫يل ويؤخ ُر األجىل)‬ ‫دالل يقدم اجل ِ‬ ‫‪20‬ـ قاعدة‪( :‬يف َمق ِ‬
‫ام االستِ ِ‬
‫‪1‬ـ هذه القاعدة ذكرها الشيخ حممد مجال ادلين القاسيم رمحه الل‪ ،‬فقد قال عند قوهل تعاىل‪:‬‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه ه ه ه ِّ‬ ‫ل‬
‫يح اَ هن مريم إال ر هسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة َكنا يأكالن الطعام انظر‬
‫ل‬ ‫﴿ما المس ه‬
‫ه‬ ‫ه ل‬ ‫ه‬ ‫كيف نهب ِّ ه‬
‫ني ل هه هم اآليات ث لم انظر أىن يهؤفكون﴾ [املائدة‪( :]75 :‬إنما أخر يف االستدالل ىلع بطالن‬
‫ً‬
‫مذهب انلصارى‪ ،‬حاجتهما للطعام عما قبله من مساواتهما للرسل عليهم السالم‪ ،‬ترقيا يف باب‬
‫ّ‬
‫يل لألجَّل‪ ،‬ىلع ما هو القاعدة يف سوق الرباهني إللزام اخلصم‪ ،‬حىت إذا لم يسلم‬‫االستدالل من اجل ِّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يل لغموضه عليه‪ ،‬يورد هل األجَّل تعريضا بغباوته‪ .‬فيضطر للتسليم‪ ،‬إن لم يكن معاندا وال‬ ‫يف اجل ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬
‫ابليضاوي ـ يف‬ ‫اخلفايج ـ ملخصا الكم‬ ‫ماكبرا‪ .‬هذا ما ظهر يل يف رس اتلقديم واتلأخري‪ .‬وأما قول‬
‫ً‬ ‫ل‬
‫رس ذلك‪ :‬أنه تعاىل «بني أوال أقَص مراتب كماهلما‪ ،‬وأنه ال يقتض األلوهية‪ ،‬وقدمه َلال يواجههما‬
‫الل عنك لم‬ ‫بذكر نقائص البرشية املوجبة بلطالن ما ادعوا فيهما‪ ،‬ىلع حد قوهل تعاىل‪﴿ :‬عفا ه‬

‫(‪ )1‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.263 :18‬‬


‫‪142‬‬
‫أذنت ل ههم﴾ [اتلوبة‪ .]43 :‬حيث قدم العفو ىلع املعاتبة هل صَّل الل عليه وسلم» (‪ )1‬انتىه؛ فبعيد‪.‬‬
‫وقياسه ىلع اآلية قياس مع الفارق الختالف املقامني‪ .‬فاألظهر ما ذكرناه‪ ،‬والل أعلم بأرسار‬
‫كتابه) (‪.)2‬‬
‫وقال الشيخ ابن اعشور‪( :‬وقوهل‪َ :‬كنا يأكالن الطعام مجلة واقعة موقع االستدالل ىلع مفهوم‬
‫القرص اذلي هو نف إهلية املسيح وأمه‪ ،‬وذللك فصلت عن اليت قبلها ألن ادليلل بمْنلة ابليان‪،‬‬
‫وقد استدل ىلع برشيتهما بإثبات صفة من صفات البرش‪ ،‬وه أكل الطعام‪ .‬وإنما اختريت هذه‬
‫الصفة من بني صفات كثرية ألنها ظاهرة واضحة للناس) (‪.)3‬‬
‫ه‬ ‫ل‬
‫يح اَ هن مريم إال ر هسول قد خلت من قبله الر هسل﴾‪ ،‬فهو‬
‫فلهذا بدأ بهذا االستدالل‪﴿ :‬ما المس ه‬
‫وأخر هذا االستدالل‪َ﴿ :‬كنا يأ هكالن ل‬
‫الطعام﴾ ألنه أوضح وأجَّل‬
‫ل‬
‫رسول مثل من سبقه من الرسل‪،‬‬
‫يف االستدالل ىلع نف إهلية املسيح وأمه‪.‬‬
‫‪2‬ـ ومن األمثلة ىلع هذه القاعدة ما أخربنا الل عن إبراهيم اخلليل عليه الصالة والسالم‬
‫ل‬
‫عندما أراد الرد ىلع قومه يف عبادتهم لغري الل‪ ،‬فبدأ يف االستدالل باجليل‪ ،‬ثم ترّق إىل األجَّل‬
‫ه‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫ل ه‬
‫واألوضح‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬فل لما ج لن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ريب فل لما أفل قال ال أحب‬
‫ه‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬
‫اآلفلني‪ .‬فل لما رأى القمر بازَغ قال هذا ريب فل لما أفل قال لِئ لم يهدين ريب ألكون لن من القوم‬
‫ِّ‬ ‫الشمس بازغ ًة قال هذا ر ِّيب هذا أك ه‬
‫ل‬ ‫ل ِّ‬
‫رب فل لما أفلت قال يا قوم إين بريء م لما‬ ‫الضالني‪ .‬فل لما رأى‬
‫ه‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ِّ ل ه‬ ‫ه ه‬
‫ترشكون‪ .‬إين وجهت وجيه لذلي فطر السموات واألرض حنيفا وما أنا من المرشكني﴾ [األنعام ‪76‬ـ‬
‫‪.]79‬‬
‫ً‬
‫فلما رأى إبراهيم عليه الصالة والسالم امللكوت‪ ،‬وأيقن أن شيئا منها ال يصلح لإلهلية‪ ،‬أراد‬
‫الرد ىلع قومه يف اعتقاد إهليتها‪ ،‬باعتبار افتقارها يف أفعاهلا إىل أجسام ناقصة هلا طبع األفول‬
‫والزوال‪ .‬فاآلية بيان لكيفية استدالهل عليه الصالة والسالم‪ ،‬ووصوهل إىل رتبة اإليقان‪ .‬ومعىن‬
‫ل ه‬
‫﴿ج لن عليه الليل﴾ سرته بظالمه‪.‬‬

‫ه‬ ‫ه‬ ‫ِّ‬


‫وكفاية ل‬
‫الرايض ىلع تفسري ابليضاوي)‪ ،‬لشهاب‬ ‫المس لماة‪( :‬عناية القايض‬
‫الشهاب ىلع تفسري ابليضاوي‪ .‬ه‬ ‫(‪ )1‬ـ حاشية‬
‫ادلين اخلفايج ‪.216 :4‬‬
‫(‪ )2‬ـ حماسن اتلأويل ‪.216 :4‬‬
‫(‪ )3‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.285 :6‬‬
‫‪143‬‬
‫ولانوا يعبدون األصنام والشمس والقمر والكواكب فأراد أن ينبههم ىلع اخلطأ يف دينهم‪ ،‬وأن‬
‫ً‬
‫يرشدهم إىل طريق انلظر واالستدالل‪ ،‬ويعرفهم أن انلظر الصحيح مؤد إىل أن شيئا منها ال يصح‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫أن يكون إهلا‪ ،‬لقيام ديلل احلدوث فيها وأن وراءها حمدثا أحدثها‪ ،‬وصانعا صنعها‪ ،‬ومدبرا دبر‬
‫طلوعها وأفوهلا وانتقاهلا ومسريها وسائر أحواهلا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ِّ‬
‫وقول إبراهيم لقومه‪﴿ :‬هذا ريب﴾ إرخاء للعنان معهم بإظهار موافقته هلم أوال‪ ،‬وهو من باب‬
‫(اتلْنل مع اخلصم) وإظهار موافقتهم يف ذلك‪ ،‬ثم يقوم باالستدالل ىلع إبطال قوهلم‪ ،‬ألنه أقرب‬
‫لرجوع اخلصم‪.‬‬
‫و قول إبراهيم ذلك‪ .‬هو قول من ينصف خصمه‪ ،‬مع علمه بأنه مبطل‪ُ .‬ييك قوهل كما هو غري‬
‫ّ‬
‫يكر عليه بعد حاكيته‪ ،‬فيبطله‬ ‫متعصب ملذهبه‪ ،‬ألن ذلك أدىع إىل احلق‪ ،‬وأنىج من الشغب‪ .‬ثم‬
‫باحلجة‪.‬‬
‫ه‬
‫فل لما أفل وَغب‪ ،‬قال ﴿ال أحب اآلفلني﴾ أي‪ :‬ال أحب عبادة من َكن كذلك‪ ،‬فإن األفول نقص‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كبري ينايف اإلهلية‪ ،‬بل يمنع من امليل إىل صاحبها‪ ،‬فضال عن اختاذه إهلا أو معبودا‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫﴿فل لما رأى القمر بازَغ﴾ طالعا منترش الضوء قال هذا ريب ىلع األسلوب املتقدم‪﴿ ،‬فل لما أفل‬
‫ل ِّ‬ ‫ه‬ ‫ِّ‬
‫قال لِئ لم يهدين ريب ألكون لن من القوم الضالني﴾ فإن ما رأيته ال يليق باإلهلية اليت ال يليق بها‬
‫إال الكمال املطلق‪.‬‬
‫ً‬
‫وفيه تنبيه لقومه ىلع أن من اختذ القمر إهلا‪ ،‬وهو نظري الكواكب يف األفول‪ ،‬فهو ضال‪ .‬وأن‬
‫اهلداية إىل احلق بتوفيق الل تعاىل ولطفه‪.‬‬
‫ه‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫واتلعريض بضالهلم ثانيا أرصح وأقوى من قوهل أوال‪﴿ :‬ال أحب اآلفلني﴾ وإنما ترّق إىل ذلك؛‬
‫ألن اخلصوم قد أقامت عليه‪ ،‬باالستدالل األول‪ ،‬حجة فأنسوا بالقدح يف معتقدهم‪ ،‬ولو قيل هذا‬
‫يف األول فلعلهم َكنوا ينفرون‪ ،‬وال يصغون إىل االستدالل‪.‬‬
‫عرض صلوات الل عليه بأنهم يف ضاللة‪ ،‬إال بعد أن وثق بإصغائهم إىل تمام املقصود‪،‬‬ ‫فما ل‬

‫واستماعهم إىل آخره‪.‬‬


‫وادليلل ىلع ذلك أنه ترّق يف انلوبة اثلاثلة إىل اتلرصيح بالرباءة منهم‪ ،‬واتلقريع بأنهم ىلع رشك‬
‫ً‬ ‫ل‬ ‫ّ‬
‫احلق‪ ،‬وبلغ من الظهور َغية املقصود‪﴿ :‬فل لما رأى الشمس بازغة قال‬ ‫وتبلج ّ‬ ‫حني ّ‬
‫تم قيام احلجة‪،‬‬

‫‪144‬‬
‫ً‬ ‫هذا ر ِّيب هذا أك ه‬
‫رب﴾ أي‪ :‬أكرب الكواكب جرما‪ ،‬وأعظمها قوة‪ ،‬فهو أوىل باإلهلية من غريها من‬
‫الكواكب‪.‬‬
‫وفيه تأكيد ملا رامه عليه الصالة والسالم من إظهار انلصفة‪ ،‬مع إشارة خفية إىل فساد دينهم‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬ببيان أن األكرب أحق بالربوبية من األصغر‪.‬‬
‫ت وجيه﴾ أي‪:‬‬‫﴿فل لما أفلت قال﴾ صاداع ً باحلق‪﴿ :‬يا قوم إ ِّين بريء م لما تهرش هكون‪ .‬إ ِّين و لجه ه‬
‫ً‬
‫السموات واألرض حنيفا﴾‬ ‫وجهت قليب ورويح يف املحبة والعبادة‪ ،‬بل جعلته مسلما ً ﴿ل لذلي فطر ل‬
‫ً‬
‫أي‪ :‬مائال عن األديان ابلاطلة‪ ،‬والعقائد الزائغة‪﴿ ،‬وما أنا من ال همرشكني﴾ (‪.)1‬‬
‫ولو قيل‪ :‬إن األفول‪ ،‬ملا َكن يمنع من استحقاق معروضه لصفة الربوبية ىلع ما ذكرنا‪ ،‬وقد ثبت‬
‫ذكر يف أكرب الكواكب ـ أعين الشمس ـ فلزم ثبوته فيما دونها باألوىل‪ -‬فهال اقترص ىلع أفول‬
‫الشمس راعية لإلَياز واالختصار؟‬
‫أجيب‪ :‬بأن األخذ من األدىن فاألدىن‪ ،‬إىل األىلع فاألىلع‪ ،‬هل نوع تأثري يف اتلقرير وابليان‬
‫واتلأكيد‪ ،‬ال ُيصل من غريه‪ ،‬فاكن سوق االستدالل ىلع هذا الوجه أوىل (‪.)2‬‬
‫الل ه‬ ‫ل‬
‫اج إبراهيم يف ر ِّبه أن آ ه‬
‫تاه ه‬ ‫ل‬
‫الملك إذ‬ ‫‪3‬ـ ومن األمثلة كذلك قوهل تعاىل‪﴿ :‬ألم تر إىل اذلي ح‬
‫ل‬ ‫ه ل‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه ِّ ل‬
‫قال إبراهيم ريب اذلي ُيي ويميت قال أنا أحي وأميت قال إبراهيم فإن الل يأيت بالشمس من‬
‫ل‬ ‫المرشق فأت بها من المغرب فبههت لاذلي كفر و ه‬
‫الل ال يهدي القوم الظالمني﴾ [ابلقرة‪.]258 :‬‬
‫فقد جادل إبراهيم يف ربه ألن آتاه الل امللك‪ ،‬يعين أن إيتاء امللك أبطره وأورثه الكرب‪ .‬فحاج‬
‫وجادل ذللك‪ ،‬كما يقال‪ :‬اعداين فالن ألين أحسنت إيله‪ .‬تريد أنه عكس ما َكن َيب عليه من‬
‫ه ل ه ه ِّ‬ ‫ه‬
‫املواالة ألجل اإلحسان‪ ،‬مثل قوهل تعاىل‪﴿ :‬وجتعلون رزقكم أنكم تكذبهون﴾ [الواقعة‪ .]82 :‬فامللك‬
‫بالء وفتنة ىلع من أوتيه‪.‬‬
‫يم حني سأهل من ربك اذلي تدعونا إيله‪﴿ :‬ر ِّيب لاذلي هُيي و هيم ه‬
‫يت﴾ أي بنفخ الروح‬ ‫فقال إبراه ه‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫يف اجلسم وإخراجها منه قال‪﴿ :‬أنا أحي وأميت﴾ أي بالقتل والعفو عنه‪.‬‬
‫وملا سلك الطاغية مسلك اتللبيس واتلمويه‪ ،‬ولان بطالن جوابه من اجلالء والظهور حبيث ال‬
‫حاصل‪ ،‬انتقل إبراهيم عليه السالم‪ ،‬إىل‬
‫ٍ‬ ‫ألمر‬
‫ٍ‬ ‫يىف ىلع أحد‪ ،‬ولان اتلصدي إلبطاهل هو حتصيل‬

‫(‪ )1‬ـ انظر‪ :‬حماسن اتلأويل ‪.402 :4‬‬


‫(‪ )2‬ـ انظر‪ :‬حماسن اتلأويل ‪.410 :4‬‬
‫‪145‬‬
‫حجة أخرى ال جتري فيها املغالطة وال يتيرس للطاغية أن يرج عنها بمخرج ماكبرة أو مشاغبة‬
‫ل‬ ‫ه ل‬
‫يم فإن الل يأيت بالشمس من المرشق فأت بها من المغرب﴾ أي إذا كنت‬ ‫أو تلبيس‪﴿ :‬قال إبراه‬
‫كما تديع من أنك حتي وتميت‪ ،‬فاذلي ُيي ويميت هو اذلي يترصف يف الوجود‪ ،‬يف خلق ذواته‬
‫وتسخري كواكبه وحرلاته‪ .‬فهذه الشمس تبدو ك يوم من املرشق‪ ،‬فإن كنت إهلا كما ادعيت فأت‬
‫بها من املغرب‪.‬‬
‫وغلب باحلجة‪ ،‬ملا علم عجزه وانقطاعه وأنه ال يقدر‬ ‫﴿فبههت لاذلي كفر﴾ فقد ل‬
‫حتري وده‬
‫ىلع املاكبرة يف هذا (‪.)1‬‬
‫ه ه‬ ‫ً‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫‪4‬ـ ومن األمثلة ىلع ذلك قوهل تعاىل‪﴿ :‬كيف تكف هرون بالل وكنتهم أمواتا فأحياكم ث لم‬
‫ً ه‬ ‫ه‬ ‫ه ل‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه ه ه‬
‫يهميتهكم ث لم ُيييكم ث لم إيله ترج هعون (‪ )28‬هو اذلي خلق لكم ما يف األرض مجيعا ث لم استوى‬
‫ه ِّ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫إىل ل‬
‫ماوات وهو بكل َش ٍء عليم (‪[ ﴾)29‬ابلقرة]‬
‫ٍ‬ ‫السماء فس لواه لن سبع س‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فقد استدل الل تعاىل أوال ىلع إنكار كفرهم بأنه أحياهم بعد أن َكنوا أمواتا‪ ،‬ثم يميتهم ثم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ُيييهم‪ ،‬ثم استدل ثانيا بأنه خلق هلم ما يف األرض مجيعا‪ ،‬ثم ارتىق يف االستدالل ثاثلا بأنه استوى‬
‫إىل السماء فسواهن سبع سموات‪ ،‬وهذا أبلغ يف االستدالل‪.‬‬
‫ً‬ ‫ه‬ ‫ه ل‬
‫عند قوهل تعاىل‪﴿ :‬هو اذلي خلق لكم ما يف األرض مجيعا﴾ قال الشيخ ابن اعشور‪( :‬هذا إما‬
‫استدالل ثان ىلع شناعة كفرهم بالل تعاىل‪ ،‬وىلع أنه مما يقىض منه العجب‪ ،‬فإن دالئل ربوبية‬
‫الل ووحدانيته ظاهرة يف خلق اإلنسان‪ ،‬وِف خلق مجيع ما يف األرض‪.‬‬
‫فهو ارتقاء يف االستدالل بكرثة املخلوقات‪ ،‬وفصل اجلملة السابقة َيوز أن يكون ملرااعة‬
‫كمال االتصال بني اجلملتني؛ ألن هذه َكنلتيجة لدليلل األول‪ ،‬ألن يف خلق األرض ومجيع ما فيها‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وِف كون ذلك ملنفعة البرش إكماال إلَيادهم املشار إيله بقوهل‪﴿ :‬وكنتم أمواتا فأحياكم﴾ [ابلقرة‪:‬‬
‫ل‬
‫‪]28‬؛ ألن فائدة اإلَياد ال تكمل إال بإمداد املوجود بما فيه سالمته من آالم احلاجة إىل مقومات‬
‫وجوده) (‪.)2‬‬
‫ل‬ ‫ه‬ ‫ً‬ ‫ه‬ ‫ه ل‬
‫وبعد أن قال سبحانه‪﴿ :‬هو اذلي خلق لكم ما يف األرض مجيعا﴾ أتبع ذلك بقوهل‪﴿ :‬ثم استوى‬
‫ه ِّ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫إىل ل‬
‫ماوات وهو بكل َش ٍء عليم﴾ قال ابن اعشور‪( :‬انتقال من االستدالل‬
‫ٍ‬ ‫السماء فس لواه لن سبع س‬

‫(‪ )1‬ـ انظر‪ :‬حماسن اتلأويل ‪.195 :2‬‬


‫(‪ )2‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.378 :1‬‬
‫‪146‬‬
‫خبلق األرض وما فيها وهو مما علمه رضوري للناس‪ ،‬إىل االستدالل خبلق ما هو أعظم من خلق‬
‫ً‬
‫األرض‪ ،‬وهو أيضا قد يغفل عن انلظر يف االستدالل به ىلع وجود الل‪ ،‬وذلك خلق السماوات‪،‬‬
‫ً‬
‫ويشبه أن يكون هذا االنتقال استطرادا إلكمال تنبيه انلاس إىل عظيم القدرة) (‪.)1‬‬
‫ً‬
‫‪5‬ـ أقول‪ :‬ومن األمثلة ىلع ذلك أيضا‪ :‬قوهل تعاىل يف االحتجاج ىلع بطالن عبادة املرشكني لغري‬
‫السموات‬‫الل‪﴿ :‬قهل أرأيتهم ما تد هعون من هدون الل أ هروين ماذا خل هقوا من األرض أم ل ههم رشك يف ل‬
‫ه‬
‫اب من قبل هذا أو أثار ٍة من عل ٍم إن كنتهم صادقني﴾ [األحقاف‪ .]4 :‬فقد بدأ بذكر‬ ‫ائتوين بكت ٍ‬
‫ه‬
‫ل‬ ‫ه‬
‫األرض فقال‪﴿ :‬أ هروين ماذا خلقوا من األرض﴾ فبدأ باألمر اجليل‪ ،‬ثم ترّق إىل األمر األجَّل‬
‫ً‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫واألوضح فقال‪﴿ :‬أم ل ههم رشك يف ل‬
‫السموات﴾‪ ،‬فال يمكن هلم أن يدعوا أن هلم رشَك يف السموات‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ل‬
‫فاكن ذلك أوضح يف ادلاللة ىلع بطالن عبادتهم‪ ،‬فأخر األجَّل يلكون ذلك حاسما وقاطعا جلداهلم‪،‬‬
‫والل أعلم‪.‬‬
‫وأنتقل إىل املبحث اخلامس من الفصل اثلاين‪ :‬قواعد اتلقديم واتلأخري عند املفرسين‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫(‪ )1‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.382 :1‬‬


‫‪147‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬قواعد يف تقديم املسند إيله‬
‫سأذكر يف هذا املبحث ست قواعد من قواعد اتلقديم واتلأخري عند املفرسين‪ ،‬والقواعد يف‬
‫المسند ال همشت ِّق‬
‫يم ال همسند إيله ىلع ه‬
‫هذا املبحث تتعلق بتقديم املسند إيله‪ ،‬والقاعدة األوىل‪( :‬تقد ه‬
‫ه‬ ‫ال يهفي هد بذاته ل‬
‫اتلخصيص بالقرائن)‪ .‬كما يف تقديم‬ ‫اد من َعض مواقعه معىن ل‬ ‫اتلخصيص‪ ،‬وقد يهستف‬
‫املسند إيله يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬وما ههم خبارجني من ل‬
‫انلار﴾ [ابلقرة‪.]167 :‬‬
‫المسن هد‬
‫نف‪ ،‬إذا لم يقع ه‬‫يل الم ِّ‬
‫المسند إيله ىلع اخلرب الفع ِّ‬‫(األكرث يف تقديم ه‬
‫ه‬ ‫ثم سأذكر قاعدة‪:‬‬
‫ل‬ ‫اتلق ِّوي‪ ،‬هدون ل‬
‫انلف‪ ،‬أن ال يهفيد تقديمه إال ل‬‫إيله عقب حرف ل‬
‫اتلخصيص)‪ .‬كما يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬إن‬
‫ل‬ ‫ل ل ِّ‬
‫ادلواب عند الل اذلين كف هروا ف ههم ال يهؤمنهون﴾ [األنفال‪ .]55 :‬فإن تقديم املسند إيله ىلع اخلرب‬ ‫رش‬
‫الفعيل املنف مع عدم إيالء املسند إيله حرف انلف‪ ،‬لقصد إفادة تقوية نف اإليمان عنهم‪ ،‬وليس‬
‫ً‬
‫اتلقديم هنا مفيدا للتخصيص؛ ألن األكرث يف تقديم املسند إيله ىلع اخلرب الفعيل املنف‪ ،‬إذا لم يقع‬
‫املسند إيله عقب حرف انلف‪ ،‬أن ال يفيد تقديمه إال اتلقوي‪ ،‬دون اتلخصيص‪.‬‬
‫اتلق ِّوي)‪ .‬كما يف قوهل‬
‫يد ل‬‫عيل كثريا ً ما يهف ه‬ ‫يم ه‬
‫المسند إيله ىلع اخلرب الف ِّ‬ ‫ثم سأذكر قاعدة‪( :‬تقد ه‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬
‫تعاىل‪﴿ :‬الشيطان يع هدك هم الفقر ويأ هم هركم بالفحشاء﴾ [ابلقرة‪ :]268 :‬فقدم املسند إيله‬
‫(الشيطان)؛ ألن تقديمه يفيد ذم احلكم اذلي سيق هل الالكم‪ ،‬تلحذير املسلمني من هذا احلكم‪،‬‬
‫كما يقال‪« :‬السفاح يف دار صديقك»‪ .‬وألن يف تقديم املسند إيله ىلع اخلرب الفعيل تقوي احلكم‬
‫وحتقيقه‪.‬‬
‫ه‬
‫﴿الل‬ ‫عيل قد يهف ه‬
‫يد االختصاص)‪ .‬كما يف قوهل تعاىل‪:‬‬ ‫يم ه‬
‫المسند إيله ىلع اخلرب الف ِّ‬ ‫ثم قاعدة‪( :‬تقد ه‬
‫ال ومن ل‬ ‫هه ً‬
‫انلاس﴾ [احلج‪ ،]75 :‬فقدم املسند إيله (الل) ىلع اخلرب الفعيل‬ ‫يصطف من المالئكة رس‬
‫(يصطف) إلفادة االختصاص‪ ،‬أي الل وحده هو اذلي يصطف وليس أنتم تصطفون‪.‬‬
‫اتلخصيص»)‪.‬‬‫اتلق ِّوي» و« ل‬
‫مع بني قصد « ل‬ ‫المسند إيله اجل ه‬
‫ثم سأذكر قاعدة‪( :‬قد َيتم هع يف تقديم ه‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫﴿الل يستهزئ بهم وي همدهم يف هطغيانهم يعم ههون﴾ [ابلقرة‪ ،]15 :‬فتقديم املسند‬
‫ه‬ ‫كما يف قوهل تعاىل‪:‬‬
‫إيله ىلع اخلرب الفعيل هنا إلفادة ِّ‬
‫تقوي احلكم‪ ،‬ثم هو يفيد مع ذلك‪ :‬قرص املسند ىلع املسند إيله‪،‬‬
‫وكما يقال‪( :‬انلكت ال تزتاحم)‪.‬‬
‫ثم قاعدة‪( :‬كثريا ً ما يتق لد هم ه‬
‫المسن هد إيله ىلع اخلرب الف ِّ‬
‫عيل يف الوعد والضمان)‪ .‬كما يف قوهل تعاىل‪:‬‬
‫ل‬
‫﴿والل يعصمك من انلاس﴾ [املائدة‪ ،]67 :‬وقوهل تعاىل حاكية عن يوسف‪﴿ :‬وأنا به زعيم﴾ [يوسف‪:‬‬
‫ه‬ ‫ه‬

‫‪148‬‬
‫‪ .]72‬وقد ذكر الشيخ عبد القاهر يف أبواب اتلقديم من «دالئل اإلعجاز» أن مما ُيسن فيه تقديم‬
‫املسند إيله ىلع اخلرب الفعيل ويكرث‪ :‬الوعد والضمان؛ ألن ذلك ينف أن يشك من يوعد يف تمام‬
‫الوعد والوفاء به‪ ،‬فهو من أحوج انلاس إىل اتلأكيد‪ ،‬كقول الرجل‪ :‬أنا أكفيك‪.‬‬
‫ً‬
‫وأبدأ مستعينا بالل تعاىل بذكر القاعدة األوىل يف هذا املبحث‪:‬‬
‫َ ُ ََ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ ُ ُ ْ َ َ ََ ُ ْ َ ُ ْ َر َ ُ ُ َ‬
‫يم المسن ِد إ ِ ْيل ِه ىلع المسن ِد المشتق ال ي ِفيد بِذات ِ ِه اتلَّخ ِصيص‪َ ،‬وقد يستفاد مِن‬ ‫‪21‬ـ قاعدة (تق ِد‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ َّ ْ‬ ‫ََ‬ ‫َْ‬
‫يص ب ِالق َرائ ِِن)‪.‬‬ ‫بع ِض مواق ِ ِع ِه معىن اتلخ ِص ِ‬
‫هذه القاعدة ذكرها الشيخ ابن اعشور يف تفسريه عند قوهل تعاىل‪﴿ :‬وما ههم خبارجني من ل‬
‫انلار﴾‬
‫[ابلقرة‪ ]167 :‬فقال‪( :‬وعدل عن اجلملة الفعلية بأن يقال (وما يرجون) إىل االسمية لدلاللة ىلع أن‬
‫هذا احلكم ثابت أنه من صفاتهم‪.‬‬
‫وليس تلقديم املسند إيله هنا نكتة‪ ،‬إال أنه األصل يف اتلعبري باجلملة االسمية يف مثل هذا إذ‬
‫ال تتأىت بسوى هذا اتلقديم‪ ،‬فليس يف اتلقديم داللة ىلع اختصاص ملا علمت‪ ،‬وألن اتلقديم ىلع‬
‫املسند املشتق ال يفيد االختصاص عند مجهور أئمة املعاين‪ ،‬بل االختصاص مفروض يف تقديمه‬
‫ً‬
‫ىلع املسند الفعيل خاصة‪ ،‬وألجل ذلك رصح صاحب «الكشاف» تبعا للشيخ عبد القاهر بأن‬
‫موقع الضمري هنا كموقعه يف قول املعذل ابلكري‪:‬‬
‫ل‬ ‫ِّ ه ل‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫(‪)1‬‬
‫اق يبهذ المغايلا‬ ‫ل‬
‫هم يفرشون اللبد ك طمر ٍة ‪ ...‬وأجرد سب ٍ‬
‫يف دالتله ىلع قوة أمرهم فيما أسند إيلهم ال ىلع االختصاص‪.‬‬
‫ل‬
‫وادىع صاحب «املفتاح» أن تقديم املسند إيله ىلع املسند املشتق قد يفيد االختصاص كقوهل‬
‫ه‬ ‫ل‬
‫يز﴾ [هود‪﴿ ]91:‬وما أنا بطارد اذلين آمنوا﴾ [هود‪﴿ ]29:‬وما أنت عليهم‬
‫تعاىل‪﴿ :‬وما أنت علينا بعز ٍ‬
‫يل﴾ [األنعام‪.]107:‬‬‫بوك ٍ‬

‫ه‬ ‫ً‬ ‫ه‬


‫(‪ )1‬ـ يفرشون اللبد‪ ،‬أي َيعلون اللبد فراشا للظهور‪ .‬يقال‪ :‬فرشت الفراش وأفرشنيه فالن‪ ،‬أي جعلين أفرشه‪ .‬والطمرة‪:‬‬
‫ّ‬
‫الفرس الكثرية اجلري‪ .‬واألجرد‪ :‬الفرس القصري الشعر‪ .‬ويبذ‪ :‬يغلب‪ .‬واملغايل‪ :‬السهم‪ ،‬يصفهم بالفروسية وجودة املطاردة‪.‬‬
‫ّ‬
‫الشيباين‬ ‫من‪ :‬رشح ديوان احلماسة (ديوان احلماسة‪ :‬اختاره أبو تمام حبيب بن أوس ت ‪ 231‬ه)‪ .‬يلحىي بن يلع بن حممد‬
‫اتلربيزي (املتوّف‪502 :‬ه)‪.359 :2 .‬‬
‫‪149‬‬
‫فالوجه أن تقديم املسند إيله ىلع املسند املشتق ال يفيد بذاته اتلخصيص وقد يستفاد من‬
‫بعض مواقعه معىن اتلخصيص بالقرائن‪ ،‬وليس يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬وما ههم خبارجني من ل‬
‫انلار﴾ ما‬
‫يفيد اتلخصيص وال ما يدعو إيله) (‪.)1‬‬
‫ِّ ه ل‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫وقال الزخمرشي‪﴿( :‬وما هم خبارجني﴾‪( :‬هم بمْنتله يف قوهل‪ :‬هم يفرشون اللبد ك طم لر ٍة‪ .‬يف‬
‫دالتله ىلع ّ‬
‫قوة أمرهم فيما أسند إيلهم ال ىلع االختصاص) (‪.)2‬‬
‫ل‬
‫وعقب اإلمام ابن املنري ىلع الزخمرشي فقال‪( :‬ملا استشعر داللة اآلية ألهل السنة ىلع أنه ال‬
‫يدل يف انلار إال الاكفر‪ .‬وأما العايص‪ -‬وإن أرص ىلع الكبائر‪ -‬فتوحيده يرجه منها وال بد وفاء‬
‫بالوعد‪ .‬ووجه ادلاللة منها ىلع ذلك أنه صدر اجلملة بضمري مبتدأ‪ ،‬ومثل هذا انلظم يقتىض‬
‫االختصاص واحلرص لغة‪ .‬وستمر للزخمرشي مواضع يستدل فيها ىلع احلرص بذلك‪ ،‬فقد قال يف‬
‫ل‬
‫اخت هذوا آله ًة من األرض ههم يهن ه‬
‫رشون﴾ [األنبياء‪ ]21:‬أن معناه ال ينرش إال هم‪ ،‬وأن‬ ‫قوهل تعاىل‪﴿ :‬أم‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫املنكر عليهم ما يلزمهم من حرص األلوهية فيهم‪ .‬وكذلك يقول يف أمثال قوهل‪﴿ :‬وهم باآلخرة هم‬
‫يهوقنهون﴾ [انلمل‪ ]3 :‬أن معناه احلرص أنه ال يوقن باآلخرة إال هم‪ ،‬فإذا ابتىن األمر ىلع ذلك لزم حرص‬
‫نىف اخلروج من انلار يف هؤالء الكفار دون غريهم من املوحدين‪ .‬لكن الزخمرشي يأىب ذلك‪،‬‬
‫فيعمل احلال من معارضة هذه الفائدة بفائدة تتم هل ىلع القاعدة‪ ،‬فيجعل الضمري املذكور يفيد‬
‫تأكيد نسبة اخللود إيلهم الختصاصه بهم‪ ،‬وهم عنده بهذه املثابة‪ ،‬ألن العصاة وإن خدلوا ىلع زعمه‬
‫إال أن الكفار أحق باخللود وأدخل يف استحقاقه منهم‪ .‬فسبحان من امتحنه بهذه املحنة ىلع حذقه‬
‫وفطنته‪ .‬والل ويل اتلوفيق) (‪.)3‬‬
‫ل‬
‫وعقب ىلع الزخمرشي كذلك أبو حيان فقال بعد أن نقل الكم الزخمرشي‪( :‬وفيه دسيسة‬
‫اعزتال؛ ألنه إذا لم يدل ىلع االختصاص‪ ،‬ال يكون فيه رد لقول املعزتلة‪ :‬إن الفاسق يدل يف انلار‬
‫وال يرج منها) (‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.100 :2‬‬


‫(‪ )2‬ـ الكشاف ‪.212 :1‬‬
‫(‪ )3‬ـ «االنتصاف من الكشاف» مطبوع يف حاشية ىلع «الكشاف»‪.212 :1 .‬‬
‫(‪ )4‬ـ ابلحر املحيط ‪.94 :2‬‬
‫‪150‬‬
‫ُ َُ‬ ‫ََ‬ ‫ر َ‬
‫الم ِ ر‬ ‫ََ َ‬
‫اخل َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َُ َ‬
‫نيف‪ ،‬إذا لم يقع المسند إيله‬ ‫رب ال ِفعيل‬
‫ِ‬ ‫ىلع‬ ‫إيله‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫سن‬ ‫الم‬ ‫يم‬
‫ِ‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ق‬ ‫‪22‬ـ قاعدة‪( :‬األكث يف ت‬
‫َر ُ َ‬ ‫ْ ُ َ َ‬ ‫عقب َحرف انلَّ‬
‫خصيص)‪.‬‬‫يف‪ ،‬أن ال ي ِفيد تق ِديمه إال اتلَّقوي‪ ،‬دون اتلَّ ِ‬
‫ِ‬
‫ل‬ ‫ل ل ل ِّ‬
‫ادلواب عند الل اذلين‬ ‫هذه القاعدة ذكرها ابن اعشور يف تفسريه فقال عند قوهل تعاىل‪﴿ :‬إن رش‬
‫كف هروا ف ههم ال يهؤمنهون﴾ [األنفال‪( :]55 :‬وتعريف املسند باملوصويلة لإليماء إىل وجه بناء اخلرب عنهم‬
‫بأنهم رش ادلواب‪.‬‬
‫والفاء يف فهم ال يؤمنون عطفت صلة ىلع صلة‪ ،‬فأفادت أن اجلملة اثلانية من الصلة‪ ،‬وأنها‬
‫تمام الصلة املقصودة لإليماء‪ ،‬أي‪ :‬اذلين كفروا من قبل اإلسالم فاستمر كفرهم فهم ال يؤمنون‬
‫بعد سماع دعوة اإلسالم‪.‬‬
‫وملا َكن هذا الوصف هو اذلي جعلهم رش ادلواب عند الل عطف هنا بالفاء لإلشارة إىل أن‬
‫سبب إج راء ذلك احلكم عليهم هو ُمموع الوصفني‪ ،‬وأىت بصلة فهم ال يؤمنون مجلة اسمية‬
‫إلفادة ثبوت عدم إيمانهم وأنهم غري مرجو منهم اإليمان‪.‬‬
‫فإن تقديم املسند إيله ىلع اخلرب الفعيل املنف مع عدم إيالء املسند إيله حرف انلف‪ ،‬لقصد‬
‫إفادة تقوية نف اإليمان عنهم‪ ،‬أي اذلين ينتف اإليمان منهم يف املستقبل انتفاء قويا فهم بعداء‬
‫عنه أشد االبتعاد‪.‬‬
‫ً‬
‫وليس اتلقديم هنا مفيدا للتخصيص؛ ألن اتلخصيص ال أثر هل يف الصلة‪.‬‬
‫وألن األكرث يف تقديم املسند إيله ىلع اخلرب الفعيل املنف‪ ،‬إذا لم يقع املسند إيله عقب حرف‬
‫انلف‪ ،‬أن ال يفيد تقديمه إال اتلقوي‪ ،‬دون اتلخصيص‪ ،‬وذلك هو األكرث يف القرآن كقوهل تعاىل‪:‬‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ه ه‬
‫ري يهوف إيلكم وأنتهم ال تظل همون﴾ [ابلقرة‪ ]272 :‬إذ ال يراد وأنتم دون غريكم ال‬
‫ٍ‬ ‫خ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫وا‬ ‫ق‬‫﴿وما تنف‬
‫تظلمون) (‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.47 :10‬‬


‫‪151‬‬
‫ر َ ) ُ ُ َ‬ ‫َ ُ ُ َ َ ََ‬
‫ىلع اخلَ َ‬
‫عيل كثِريا ما ي ِفيد اتلَّق روي)‬
‫ِ‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫ال‬ ‫رب‬
‫ِ‬ ‫‪23‬ـ قاعدة‪( :‬تق ِديم المسن ِد إيل ِه‬
‫قال ادلكتور حممد حممد أبو موىس عن تقديم املسند إيله ىلع اخلرب الفعيل‪( :‬هذا الرتكيب كما‬
‫يقول ابلالغيون صالح‪ ،‬ألن يفيد أمرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬تقوية احلكم‪ .‬فقونلا‪« :‬حممد يقول الشعر» أوكد يف بيان أنه يقول الشعر من قونلا‪:‬‬
‫«يقول حممد الشعر»‪ ،‬ومثله‪« :‬هو يعطي» أوكد يف ادلاللة من قونلا‪« :‬يعطي»‪ ،‬وذللك جتري هذه‬
‫الصياغة يف املقامات اليت تدعو إىل اتلوكيد‪ ،‬واتلقرير مثل مواجهة الشك يف نفس املخاطب‪،‬‬
‫ً‬
‫والرغبة يف إقناعه‪ ،‬ومثل رد ادلعوى اليت يدعيها املخاطب‪ ،‬ومثل أن يكون املتلكم معنيا‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫بكالمه مقتنعا به‪ ،‬فهو يريد أن يثبته يف القلوب قويا مقررا كما هو مقرر يف نفسه‪ ،‬وغري ذلك‬
‫من مقامات اتلقوية واتلقرير‪ ،‬وه كثرية ال حتَص‪...‬‬
‫واألمر اثلاين‪ :‬هو االختصاص‪ .‬أي أن الفعل خاص باملسند إيله ال يتعداه إىل غريه‪ ،‬وذلك‬
‫يكون إذا ساعد السياق ىلع ذلك‪ ،‬تقول‪ :‬أنا أعرف هذه املسألة يف سياق‪ ،‬تعين فيه أنك وحدك‬
‫اذلي تعرفها وتقول‪ :‬حممد يعطي من خري ماهل؛ إذا كنت تريد أنه ال يفعل ذلك سواه‪ ،‬أو أنه يفعله‬
‫خبالف شخص معني وهكذا) (‪.)1‬‬
‫اتلق ِّوي) مستفادة من‬ ‫عيل كثريا ً ما يهف ه‬
‫يد ل‬ ‫يم ه‬
‫المسند إيله ىلع اخلرب الف ِّ‬ ‫‪1‬ـ وهذه القاعدة‪( :‬تقد ه‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬
‫الكم الشيخ ابن اعشور رمحه الل‪ ،‬فقد قال عند قوهل تعاىل‪﴿ :‬الشيطان يع هدك هم الفقر ويأ هم هركم‬
‫ه‬
‫بالفحشاء﴾ [ابلقرة‪( :]268 :‬استئناف عن قوهل‪﴿ :‬أنفقوا من طيِّبات ما كسبتهم﴾ [ابلقرة‪]267 :‬؛ ألن‬
‫الشيطان يصد انلاس عن إعطاء خيار أمواهلم‪ ،‬ويغريهم بالشح أو بإعطاء الرديء واخلبيث‪،‬‬
‫ويوفهم من الفقر إن أعطوا بعض ماهلم‪.‬‬
‫ً‬
‫وقدم اسم الشيطان مسندا إيله ألن تقديمه مؤذن بذم احلكم اذلي سيق هل الالكم وشؤمه‪،‬‬
‫تلحذير املسلمني من هذا احلكم‪ ،‬كما يقال يف مثال علم املعاين «السفاح يف دار صديقك»‪.‬‬
‫وألن يف تقديم املسند إيله ىلع اخلرب الفعيل تقوي احلكم وحتقيقه) (‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ـ خصائص الرتاكيب دارسة حتليلية ملسائل علم املعاين‪.220 :‬‬
‫(‪ )2‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.59 :3‬‬
‫‪152‬‬
‫ل‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬
‫ري فألنفسكم وما تنفقون إال ابتغاء وجه الل وما‬ ‫‪2‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬وما تنفقوا من خ ٍ‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ه ه‬
‫ري يهوف إيلكم وأنتهم ال تظل همون﴾ [ابلقرة‪ .]272 :‬قال‪( :‬وتقديم ﴿وأنتهم﴾ ىلع اخلرب‬
‫تنفقوا من خ ٍ‬
‫الفعيل ملجرد اتلقوي‪ ،‬وزيادة اتلنبيه ىلع أنهم ال يظلمون‪ ،‬وإنما يظلمون أنفسهم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وإنما جعلت هاته األحاكم مجال مستقال بعضها عن بعض‪ ،‬ولم جتعل مجلة واحدة مقيدة‬
‫ً‬
‫فائدتها بقيود مجيع اجلمل‪ ،‬وأعيد لفظ اإلنفاق يف مجيعها بصيغ خمتلفة‪ ،‬تكريرا لالهتمام بشأنه‪،‬‬
‫تلكون ك مجلة مستقلة بمعناها‪ ،‬قصرية األلفاظ كثرية املعاين‪ ،‬فتجري ُمرى األمثال‪ ،‬وتتناقلها‬
‫األجيال) (‪.)1‬‬
‫له‬ ‫ه‬ ‫ه ِّ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬
‫‪3‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬اذلين اعهدت من ههم ث لم ينق هضون عهدهم يف ك م لر ٍة وهم ال يتقون﴾‬
‫[األنفال‪ ]56 :‬قال‪( :‬ومجلة‪ :‬وهم ال يتقون إما عطف ىلع الصلة‪ ،‬أو ىلع اخلرب‪ ،‬أو يف حمل احلال من‬
‫ضمري ينقضون‪.‬‬
‫وىلع مجيع االحتماالت فيه دالة ىلع أن انتفاء اتلقوى عنهم صفة متمكنة منهم‪ ،‬وملكة فيهم‪،‬‬
‫بما دل عليه تقديم املسند إيله ىلع اخلرب الفعيل املنف من تقوي احلكم وحتقيقه‪ ،‬كما تقدم يف‬
‫قوهل‪﴿ :‬ف ههم ال يهؤمنهون﴾) (‪.)2‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫‪4‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬وأعدوا ل ههم ما استطعتهم من ق لو ٍة ومن رباط اخليل تره هبون به ع هد لو الل‬
‫﴿الل يعل هم ههم﴾‬
‫ه‬ ‫كم وآخرين من هدونهم ال تعل همون هه هم ه‬
‫الل يعل هم ههم﴾ [األنفال‪ ]60 :‬قال‪( :‬ومجلة‬
‫ه ل ه‬
‫وعدو‬
‫تعريض باتلهديد هلؤالء اآلخرين‪ ،‬فاخلرب مستعمل يف معناه الكنايئ‪ ،‬وهو تعقبهم واإلغراء بهم‪،‬‬
‫وتعريض باالمتنان ىلع املسلمني بأنهم بمحل عناية الل فهو ُييص أعداءهم وينبههم إيلهم‪.‬‬
‫ل‬
‫وتقديم املسند إيله ىلع اخلرب الفعيل‪ :‬للتق ِّوي‪ ،‬أي حتقيق اخلرب وتأكيده‪ ،‬واملقصود تأكيد الزم‬
‫معناه‪ ،‬أما أصل املعىن فال ُيتاج إىل اتلأكيد إذ ال ينكره أحد‪ ،‬وأما محل اتلقديم هنا ىلع إرادة‬
‫االختصاص فال ُيسن لالستغناء عن طريق القرص جبملة انلف يف قوهل‪﴿ :‬ال تعل همون هه هم﴾ فلو قيل‪:‬‬
‫ويعلمهم الل حلصل معىن القرص من ُمموع اجلملتني) (‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.73 :3‬‬


‫(‪ )2‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.49 :10‬‬
‫(‪ )3‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.57 :10‬‬
‫‪153‬‬
‫هه‬ ‫ه ِّ‬
‫مان يأكل هه لن سبع عجاف وسبع‬‫ٍ‬ ‫س‬ ‫رات‬
‫ٍ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫رى‬ ‫أ‬ ‫ين‬ ‫‪5‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬وقال الملك إ‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬
‫سات يا أيها المأل أفتوين يف رؤياي إن كنتم للرؤيا تعربون‪ .‬قالوا أضغاث‬ ‫رض وأخر ياب ٍ‬‫الت خ ٍ‬
‫سنب ٍ‬
‫ً‬
‫أحالمٍ وما حن هن بتأويل األحالم بعالمني﴾ [يوسف‪43 :‬ـ ‪ ]44‬قال أيضا‪( :‬وتقديم هذا املعمول ىلع‬
‫ربون﴾‪.‬‬ ‫الوصف العامل فيه كتقديم املجرور يف قوهل‪﴿ :‬إن هكنتهم للرؤيا تع ه ه‬

‫فلما ظهر عوص تعبري هذا احللم تذكر سايق امللك ما جرى هل مع يوسف عليه السالم فقال‪:‬‬
‫ه ِّ ه ه‬
‫﴿أنا أنبئكم بتأويله﴾ [يوسف‪.]45 :‬‬
‫ً‬
‫وابتداء الكمه بضمريه وجعله مسندا إيله وخربه فعيل‪ ،‬لقصد استجالب تعجب امللك من أن‬
‫يكون السايق ينبئ بتأويل رؤيا عوصت ىلع علماء بالط امللك‪ ،‬مع إفادة تقوي احلكم‪ ،‬وهو‬
‫إنباؤه إياهم بتأويلها؛ ألن تقديم املسند إيله ىلع اخلرب الفعيل يف سياق اإلثبات يفيد اتلقوي‪ ،‬وإسناد‬
‫ه‬
‫اإلنباء إيله ُماز عقيل؛ ألنه سبب اإلنباء‪ ،‬وذللك قال ﴿فأرسلون﴾‪.‬‬
‫وِف ذلك ما يستفز امللك إىل أن يأذن هل باذلهاب إىل حيث يريد يلأيت بنبأ اتلأويل‪ ،‬إذ ال َيوز‬
‫ً‬
‫ملثله أن يغادر ُملس امللك دون إذن‪ .‬وقد َكن موقنا بأنه َيد يوسف عليه السالم يف السجن أنه‬
‫َكن سجن اخلاصة فاكن ما ُيدث فيه من إطالق أو موت يبلغ مسامع امللك وشيعته) (‪.)1‬‬
‫ل ه ه‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫له‬ ‫ل ه‬
‫ان‬‫‪6‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬والسابقون األولون من المهاجرين واألنصار واذلين اتبعوهم بإحس ٍ‬
‫ً‬ ‫الل عن ههم ور هضوا عن هه وأع لد ل ههم ج لنات جتري حتتها األنه ه‬
‫ار خادلين فيها أبدا ذلك الفو هز‬ ‫ٍ‬
‫ريض ه‬

‫يم﴾ [اتلوبة‪ ]100 :‬قال‪( :‬وقد خالفت هذه اآلية عند معظم القراء أخواتها فلم تذكر فيها (من)‬ ‫العظ ه‬

‫مع (حتتها) يف َغلب املصاحف وِف رواية مجهور القراء (‪ ،)2‬فتكون خايلة من اتلأكيد إذ ليس‬
‫حلرف (من) معىن مع أسماء الظروف إال اتلأكيد‪.‬‬
‫ويكون خلو اجلملة من اتلأكيد حلصول ما يغين عنه من إفادة اتلقوي بتقديم املسند إيله‬
‫ىلع اخلرب الفعيل‪ ،‬ومن فعل (أعد) املؤذن بكمال العناية فال يكون املعد إال أكمل نوعه) (‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.282 :12‬‬


‫ل‬
‫ات جتري حتتها﴾‪ .‬قرأ امليك بزيادة‪( :‬من) قبل‪( :‬حتتها) مع جر اتلاء‪ ،‬وابلاقون حبذف‪( :‬من) وفتح تاء حتتها)‪.‬‬‫(‪ )2‬ـ (﴿جن ٍ‬
‫من‪ :‬ابلدور الزاهرة يف القراءات العرش املتواترة من طريق الشاطبية وادلرة‪ .‬عبد الفتاح بن عبد الغين بن حممد القايض‬
‫(املتوّف‪1403 :‬ه)‪.139 .‬‬
‫(‪ )3‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.19 :11‬‬
‫‪154‬‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫‪7‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬ومن ههم من يستم هعون إيلك أفأنت تسم هع الص لم ولو َكنوا ال يعقلون‪ .‬ومن ههم‬
‫رصون﴾ [يونس‪42 :‬ـ ‪ ]43‬قال‪( :‬وِف هذين‬ ‫من ين هظ هر إيلك أفأنت تهدي ال هعيم ولو َكنهوا ال هيب ه‬

‫االستفهامني ترشيح الستعارة الصم والعيم هلؤالء الاكفرين‪ ،‬أي أن الل ملا خلق نفوسهم مفطورة‬
‫ىلع املاكبرة والعناد وبغضاء من أنعم الل عليه وحسده‪َ ،‬كنت هاته اخلصال حوائل بينهم وبني‬
‫اتلأثر باملسمواعت واملبرصات‪ ،‬فيجء بصيغة االستفهام اتلعجييب املشتملة ىلع تقوى اخلرب بتقديم‬
‫ه‬
‫املسند إيله ىلع اخلرب الفعيل بقوهل‪﴿ :‬أفأنت تسم هع﴾ وقوهل‪﴿ :‬أفأنت تهدي﴾‪ ،‬دون أن يقال‪ :‬أتسمع‬
‫ً‬
‫الصم وأتهدي العيم‪ ،‬فاكن هذا اتلعجيب مؤكدا مقوى) (‪.)1‬‬
‫ل ل‬
‫عز وجل يف سورة آل عمران بشأن فريق من‬ ‫‪8‬ـ ومن األمثلة واتلطبيقات ىلع ذلك‪ :‬قول الل‬
‫ه‬
‫وه من الكتاب وما هو من الكتاب‬ ‫ايلهود‪﴿ :‬وإ لن من ههم لفريقا ً يل هوون ألسنت ههم بالكتاب تلحسبه ه‬
‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه ه ه‬
‫ويقولون هو من عند الل وما هو من عند الل ويقولون ىلع الل الكذب وهم يعل همون﴾ [اآلية‪.]78 :‬‬
‫ه ِّ‬ ‫ه‬
‫فجملة‪﴿ :‬وهم يعل همون﴾ مجلة حايلة قدم فيها املسند إيله ىلع املسند الفعيل تلقوية اإلسناد‬
‫ّ‬
‫فيها وتأكيده‪ ،‬ألن مقتىض احلال يستديع اتلقوية واتلأكيد‪.‬‬
‫الل يف الكتهب ىلع‬ ‫يزع همون أنلها ّ‬
‫مما أنزل ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬
‫والسبب يف ذلك أن هؤالء َكنوا يكتبون مكتوبات‬
‫ه‬ ‫ً‬ ‫ه‬
‫وافرتوه ىلع الل بغية أن يقبله عوامهم‪ ،‬وه أن‬ ‫رسلهم‪ ،‬ويتخذون مع ذلك حيلة لرتويج ما كتبوه‬
‫يل هووا ألسنت ههم به دلى تالوته‪ ،‬كما يفعلون دلى تالوة ما أنزل الل من كتاب‪ ،‬فيخلطون املدسوس‬
‫ّ‬ ‫اذلي هو من افرتائهم باألصل ل‬
‫الصحيح‪ ،‬لإليهام بأنه من كتاب الل‪ ،‬وهم بذلك يقولون ىلع الل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الكذب‪ ،‬ويعلمون ذلك من أنفسهم‪ ،‬ولكنهم ال يعرتفون بأنهم يكذبون‪.‬‬
‫فاقتىض واقع حاهلم سوق الالكم هلم بطريقة فيها تقوية وتأكيد‪ ،‬فجاء يف اجلملة تقديم املسند‬
‫إيله ىلع املسند الفعيل‪ ،‬ملا يف هذا اتلقديم من تقوية وتأكيد‪.‬‬
‫مع ما يف تأخري املسند من مرااعة للجمال يف اللفظ‪ ،‬وهو مرااعة اتلناظر يف رؤوس اآليات قبل‬
‫اآلية وبعدها (‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.178 :11‬‬


‫(‪ )2‬ـ انظر‪ :‬ابلالغة العربية أسسها وعلومها وفنونها‪ ،‬للميداين ‪.369 :1‬‬
‫‪155‬‬
‫َ‬ ‫ر َْ ُ ُ‬ ‫َ ُ ُ َ َ ََ‬
‫ىلع اخلَ َ‬
‫عيل قد ي ِفيد االختِصاص)‬
‫ِ‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫ال‬ ‫رب‬ ‫‪24‬ـ قاعدة‪( :‬تق ِديم المسن ِد إيل ِه‬
‫ه‬
‫﴿الل‬ ‫‪1‬ـ هذه القاعدة مستفادة من الكم الشيخ ابن اعشور رمحه الل‪ ،‬فقد قال عند قوهل تعاىل‪:‬‬
‫ل‬ ‫هه ً‬
‫ال ومن ل‬
‫انلاس إن الل سميع بصري﴾ [احلج‪( :]75 :‬وتقديم املسند إيله وهو‬ ‫يصطف من المالئكة رس‬
‫ه‬
‫﴿الل يصطف﴾ دون أن يقول‪ :‬نصطف‪ ،‬إلفادة االختصاص‪،‬‬ ‫اسم اجلاللة ىلع اخلرب الفعيل يف قوهل‪:‬‬
‫أي الل وحده هو اذلي يصطف ال أنتم تصطفون وتنسبون إيله) (‪.)1‬‬
‫ل‬
‫‪2‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬اذلي خلقين ف ههو يهدين﴾ [الشعراء‪ ]78 :‬قال‪( :‬وتقديم املسند إيله ىلع‬
‫اخلرب الفعيل يف قوهل‪ :‬فهو يهدين دون أن يقول‪ :‬فيهدين‪ ،‬تلخصيصه بأنه متويل اهلداية دون غريه؛‬
‫ألن املقام إلبطال اعتقادهم ترصف أصنامهم بالقرص اإلضايف‪ ،‬وهو قرص قلب‪ .‬وليس الضمري‬
‫ضمري فصل ألن ضمري الفصل ال يقع بعد العاطف) (‪.)2‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫الل يعل هم ما ترسون وما تعلنهون﴾ [انلحل‪ ]19 :‬قال‪( :‬عطف ىلع مجلة‬
‫‪3‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬و ه‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫﴿أفمن يل هق كمن ال يل هق﴾ [سورة انلحل‪ . ]17 :‬فبعد أن أثبت أن الل منفرد بصفة اخللق دون غريه‬
‫باألدلة العديدة ثم باستنتاج ذلك بقوهل‪ :‬أفمن يلق كمن ال يلق انتقل هنا إىل إثبات أنه منفرد‬
‫بعموم العلم‪.‬‬
‫ولم يقدم هلذا اخلرب استدالل وال عقب بادليلل ألنه مما دلت عليه أدلة االنفراد باخللق‪ ،‬ألن‬
‫خالق أجزاء اإلنسان الظاهرة وابلاطنة َيب هل أن يكون اعملا بدقائق حرلات تلك األجزاء وه‬
‫بني ظاهر وخف‪ ،‬فذللك قال‪ :‬والل يعلم ما ترسون وما تعلنون‪.‬‬
‫ل‬
‫واملخاطب هنا هم املخاطبون بقوهل تعاىل‪﴿ :‬أفال تذك هرون﴾ [سورة انلحل‪. ]17 :‬‬
‫وفيه تعريض باتلهديد والوعيد بأن الل حماسبهم ىلع كفرهم‪.‬‬
‫وفيه إعالم بأن أصنامهم خبالف ذلك كما دل عليه تقديم املسند إيله ىلع اخلرب الفعيل فإنه‬
‫يفيد القرص لرد دعوى الرشكة) (‪.)3‬‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬
‫‪4‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬فمن اتىق وأصلح فال خوف عليهم وال هم ُيزنون﴾ [األعراف‪ ]35 :‬قال‪:‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫(وقوهل‪﴿ :‬وال هم ُيزنون﴾ مجلة عطفت ىلع مجلة‪﴿ :‬فال خوف عليهم﴾‪ ،‬وعدل عن عطف‬

‫(‪ )1‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.344 :17‬‬


‫(‪ )2‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.142 :19‬‬
‫(‪ )3‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.124 :14‬‬
‫‪156‬‬
‫املفرد‪ ،‬بأن يقال وال حزن‪ ،‬إىل اجلملة‪ :‬يلتأىت بذلك بناء املسند الفعيل ىلع ضمريهم‪ ،‬فيدل ىلع أن‬
‫احلزن واقع بغريهم‪ ،‬وهم اذلين كفروا‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ل‬
‫فإن بناء اخلرب الفع ِّ‬
‫يل ىلع املسند إيله املتقدم عليه يفيد ختصيص املسند إيله بذلك اخلرب‪ ،‬حنو‪:‬‬
‫ً‬
‫ما أنا قلت هذا‪ ،‬فإنه نف صدور القول من املتلكم مع كون القول واقعا من غريه‪ ،‬وعليه بيت‬
‫«دالئل اإلعجاز»‪( ،‬وهو للمتنيب)‪:‬‬
‫(‪)1‬‬ ‫ت جسيم به ‪ ...‬وال أنا أرضم ه‬
‫ت يف القلب نارا‬ ‫وما أنا أسقم ه‬

‫فيفيد أن اذلين كفروا ُيزنون إفادة بطريق املفهوم‪ ،‬يلكون َكملقدمة للخرب عنهم بعد ذلك‬
‫بأنهم أصحاب انلار هم فيها خادلون) (‪.)2‬‬
‫وقال اإلمام عبد القاهر اجلرجاين‪( :‬وقد يقدم املسند إيله يلفيد ختصيصه باخلرب الفعيل إن ويل‬
‫حرف انلف‪ ،‬كقولك ما أنا قلت هذا‪ .‬أي لم أقله مع أنه مقول‪ ،‬فأفاد نف الفعل عنك وثبوته‬
‫ً‬
‫لغريك‪ .‬فال تقول ذلك إال يف َشء ثبت أنه مقول وأنت تريد نف كونك قائال هل‪ ...‬وهلذا ال يقال‪:‬‬
‫ما أنا قلت وال أحد غريي‪ .‬ملناقضة منطوق اثلاين مفهوم األول‪ ،‬بل يقال‪ :‬ما قلت أنا وال أحد‬
‫غريي) (‪.)3‬‬
‫ل‬
‫وعقب ىلع ذلك ادلكتور حممد أبو موىس فقال‪( :‬ولعل اذلي أغرى عبد القاهر بالقطع بأن مثل‬
‫ً‬
‫ما أنا فعلت يفيد االختصاص قطعا‪ ،‬هو ما حلظه من تسلط انلف ىلع الفاعل‪ ،‬ففهم من ذلك أن‬
‫انلف خاص بالفاعل‪ ،‬وأن الفعل غري منف‪ ،‬وإذا َكن الفعل غري منف‪ ،‬وقد نف فاعل مني فقد‬
‫ً‬
‫وجب أن يكون هذا الفعل مسندا إىل فاعل آخر‪ ،‬وهذا هو معىن االختصاص‪.‬‬
‫واذلي قاهل عبد القاهر يف هذا مع دقته اليت أغرت ابلاحثني من بعده ليس عندنا ىلع إطالقه‪،‬‬
‫وإنما هو أمر َغلب ال الزم؛ ألن املتلكم حني يسلط انلف ىلع الفاعل ال يلزم منه ثبوت الفعل؛‬
‫ً‬
‫ألن الفعل مسكوت عنه فيمكن أن يكون ثابتا كما يف أمثلة االختصاص اليت ذكرها عبد‬
‫القاهر‪ ،‬وقد يكون غري ثابت كما يف قونلا‪« :‬ما أنا قلت هذا»‪ .‬أي هذا اذلي تزعمون أنه قد قيل‪،‬‬
‫نعم يمكنك يف هذا املعىن أن تقول ما قلت هذا‪ ،‬ولكنك قدمت الفاعل لالهتمام‪ ،‬والرغبة يف‬

‫(‪ )1‬ـ ديوان املتنيب‪.365 .‬‬


‫(‪ )2‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.110 :8‬‬
‫(‪ )3‬ـ اإليضاح يف علوم ابلالغة للقزويين‪ .56 :‬ونص الكم اجلرجاين يف كتابه‪ :‬دالئل اإلعجاز‪ .‬حتقيق‪ :‬حممود حممد شاكر‪.‬‬
‫القاهرة‪ :‬مطبعة املدين‪1413 ،‬ه‪ 124 .‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪157‬‬
‫توكيد ن ف الفعل عنه‪ ،‬وقد جاء هذا الرتكيب يف القرآن الكريم من غري أن يكون داال ىلع‬
‫كفون عن هو هجوهه هم ل‬‫ه‬ ‫ل‬
‫انلار وال‬ ‫االختصاص‪ ،‬وذلك كقوهل تعاىل‪﴿ :‬لو يعل هم اذلين كف هروا حني ال ي‬
‫ه ه‬ ‫ل‬
‫يعون ردها وال هم ينظ هرون﴾‬ ‫رصون‪ .‬بل تأتيهم َغت ًة فتبهته ههم فال يستط ه‬
‫عن هظ ههورهم وال ههم هين ه‬
‫ه ه‬ ‫[األنبياء‪39 :‬ـ ‪ ،]40‬فقوهل‪﴿ :‬وال ههم هين ه‬
‫رصون﴾ ﴿وال هم ينظ هرون﴾‪ ،‬قدم فيه املسند إيله ىلع اخلرب‬
‫الفعيل‪ ،‬وهو مسبوق حبرف انلف‪ ،‬ومع هذا يفيد اتلقوية فقط؛ ألن االختصاص يعين أن يغرهم‬
‫ينرص من عذاب الل‪ ،‬وينظر حني تأتيه الساعة وذلك ال يكون‪ .‬وقد رأيت مثل ذلك يف الكم‬
‫رسول الل صَّل الل عليه وسلم‪ ،‬وِف الكم اذلين نزل القرآن فيهم‪ ،‬ولكنين لم أقيده غفلة أو اكتفاء‬
‫بما يف الكتاب العزيز‪.‬‬
‫وتأمل الصور املفزعة اليت تضعها اآلية األوىل شاخصة أمام عيون الاكفرين لريتدعوا‪﴿ :‬لو‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬
‫انلار وال عن ظ ههورهم﴾ انلار تنصب ىلع‬
‫كفون عن هو هجوهه هم ل‬ ‫يعل هم اذلين كف هروا حني ال ي‬
‫وجوهم وظهورهم‪ ،‬وهم َياهدون دفع هذا الويل القاهر فال يستطعون‪ ،‬وتأمل اآلية اثلانية وأحسن‬
‫ً‬ ‫ل‬ ‫تدبر‪﴿ :‬فتبهته ههم فال يستط ه‬
‫يعون ردها﴾‪ ،‬وما وراء ذلك من تدايع األفعال تداعيا يطوي يف اقتداره‬
‫املتدفق حماوالتهم ايلائسة يف رده) (‪.)1‬‬
‫وذكر اإلمام السيويط أن طرق احلرص كثرية‪ ،‬وذكر منها‪( :‬السابع‪ :‬تقديم املسند إيله ىلع ما قال‬
‫الشيخ عبد القاهر قد يقدم املسند إيله يلفيد ختصيصه باخلرب الفعيل واحلاصل ىلع رأيه أن هل‬
‫ً‬
‫أحواال‪:‬‬
‫ً‬
‫أحدها‪ :‬أن يكون املسند إيله معرفة واملسند مثبتا‪ ،‬فيأيت للتخصيص حنو‪« :‬أنا قمت» و«أنا‬
‫سعيت يف حاجتك»‪ ،‬فإن قصد به قرص اإلفراد أكد بنحو «وحدي»‪ ،‬أو قرص القلب أكد بنحو «ال‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل ه‬ ‫ه‬
‫ال﴾‬ ‫غريي»‪ ،‬ومنه‪﴿ :‬بل أنتم بهديتكم تفرحون﴾ [انلمل‪ ]36 :‬فإن ما قبله من قوهل‪﴿ :‬أتمدونن بم ٍ‬
‫[انلمل‪ ،]36 :‬ولفظ «بل» املشعر باإلرضاب يقض بأن املراد بل أنتم ال غريكم‪ ،‬فإن املقصود نف فرحه‬
‫هو باهلدية ال إثبات الفرح هلم بهديتهم‪ .‬قاهل يف عروس األفراح‪ ،‬قال‪ :‬وكذا قوهل‪﴿ :‬ال تعل هم ههم حن هن‬
‫نعل هم ههم﴾ [اتلوبة‪ ،]101 :‬أي ال نعلمهم إال حنن‪.‬‬
‫وقد يأيت للتقوية واتلأكيد دون اتلخصيص قال الشيخ بهاء ادلين وال يتمزي ذلك إال بما يقتضيه‬
‫احلال وسياق الالكم‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ خصائص الرتاكيب دارسة حتليلية ملسائل علم املعاين‪ ،‬لدلكتور حممد حممد أ يب موىس‪.231 :‬‬
‫‪158‬‬
‫ً‬
‫ثانيها‪ :‬أن يكون املسند منفيا‪ ،‬حنو (أنت ال تكذب) فإنه أبلغ يف نف الكذب من (ال‬
‫ه‬
‫تكذب) ومن (ال تكذب أنت)‪ ،‬وقد يفيد اتلخصيص ومنه‪﴿ :‬ف ههم ال يتساءلون﴾ [القصص‪.]66 :‬‬
‫ً‬
‫ثاثلها‪ :‬أن يكون املسند إيله نكرة مثتبا‪ ،‬حنو «رجل جاءين» فيفيد اتلخصيص إما باجلنس‬
‫أي ال امرأة أو الوحدة أي ال رجالن‪.‬‬
‫رابعها‪ :‬أن ييل املسند إيله حرف انلف فيفيده‪ ،‬حنو‪« :‬ما أنا قلت هذا» أي لم أقله مع أن غريي‬
‫يز﴾ [هود‪ ]91 :‬أي‪ :‬العزيز علينا رهطك ال أنت‪ ،‬وذلا قال‪﴿ :‬أرهطي‬
‫قاهل‪ ،‬ومنه‪ :‬و﴿وما أنت علينا بعز ٍ‬
‫ً‬ ‫ه‬
‫أعز عليكم من الل﴾ [هود‪ ،]92 :‬هذا حاصل رأي الشيخ عبد القاهر ووافقه الساكيك وزاد رشوطا‬
‫وتفاصيل بسطناها يف رشح ألفية املعاين) (‪.)1‬‬

‫َ‬ ‫َ ُ َ َ َ‬ ‫ُ َ َ ََ‬
‫ىلع اخلَ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ َ ُ‬
‫ني قص ِد «اتلَّق روي»‬ ‫ال ِف ِ ر‬
‫عيل اجلمع ب‬ ‫رب‬
‫ِ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫إيل‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫سن‬ ‫الم‬ ‫يم‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫يف‬ ‫ع‬ ‫‪25‬ـ قاعدة‪( :‬قد َيت ِم‬
‫خصيص»)‬‫َو«اتلَّ ِ‬
‫‪1‬ـ هذه القاعدة مستفادة من الكم اإلمامني اجلرجاين والزخمرشي‪ ،‬وذكرها الشيخ ابن اعشور‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫﴿الل يستهزئ بهم وي همدهم يف هطغيانهم يعم ههون﴾ [ابلقرة‪( :]15 :‬ذكر‬
‫ه‬ ‫يف تفسريه فقال عند قوهل تعاىل‪:‬‬
‫يستهزئ ديلل ىلع أن مضمون اجلملة ُمازاة ىلع استهزائهم‪ .‬وألجل اعتبار االستئناف قدم اسم‬
‫الل تعاىل ىلع اخلرب الفعيل‪ .‬ولم يقل يستهزىء الل بهم؛ ألن مما َيول يف خاطر السائل أن يقول من‬
‫اذلي يتوىل مقابلة سوء صنيعهم‪ ،‬فأعلم أن اذلي يتوىل ذلك هو رب العزة تعاىل‪ ،‬وِف ذلك تنويه‬
‫ل‬ ‫ل‬
‫بشأن املنترص هلم وهم املؤمنون كما قال تعاىل‪﴿ :‬إن الل يهداف هع عن اذلين آمنهوا﴾ [احلج‪.]38 :‬‬
‫فتقديم املسند إيله ىلع اخلرب الفعيل هنا إلفادة تقوي احلكم ال حمالة‪ ،‬ثم يفيد مع ذلك قرص‬
‫املسند ىلع املسند إيله‪ ،‬فإنه ملا َكن تقديم املسند إيله ىلع املسند الفعيل يف سياق اإلَياب يأيت‬
‫تلقوي احلكم ويأيت للقرص ىلع رأي الشيخ عبد القاهر وصاحب «الكشاف»‪ ،‬كما رصح به يف‬
‫والل هيق ِّد هر الليل و ل‬
‫انلهار﴾ يف سورة املزمل [‪َ ،)2( ]20‬كن اجلمع بني قصد اتلقوي وقصد‬ ‫قوهل تعاىل‪ ﴿ :‬ه‬

‫(‪ )1‬ـ اإلتقان ‪.171 :3‬‬


‫الل هيق ِّد هر اللليل و ل‬
‫انلهار وال يقدر ىلع تقدير الليل وانلهار ومعرفة مقادير سااعتهما إال الل وحده‪،‬‬ ‫(‪ )2‬ـ قال الزخمرشي‪( :‬و ه‬
‫ّ‬
‫وتقديم اسمه عز وجل مبتدأ مبنيا عليه يقدر‪ :‬هو ادلال ىلع معىن االختصاص باتلقدير‪ ،‬واملعىن‪ :‬أنكم ال تقدرون‬
‫ّ‬
‫وه ملصدر يقدر‪ ،‬أى علم أ نه ال يصح منكم ضبط األوقات وال يتأىت حسابها باتلعديل‬ ‫عليه‪ ،‬والضمري يف لن هحت هص ه‬

‫‪159‬‬
‫ه‬ ‫ً‬
‫اتلخصيص جائزا يف مقاصد الالكم ابلليغ وقد جوزه يف «الكشاف» عند قوهل تعاىل‪﴿ :‬فال ياف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫خبسا وال رهقا﴾ يف سورة اجلن [‪)1( ]13‬؛ ألن ما يراعيه ابلليغ من اخلصوصيات ال يرتك محل الالكم‬
‫ابلليغ عليه فكيف بأبلغ الكم‪ ،‬وذللك يقال‪ :‬انلكت ال تزتاحم) (‪.)2‬‬
‫ه ه ه ل‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫﴿الل ن لزل أحسن احلديث كتابا همتشابها مثاين تقشعر منه هجلود اذلين‬
‫ه‬ ‫‪2‬ـ وعند قوهل تعاىل‪:‬‬
‫ود ههم وقهله ه‬
‫وب ههم إىل ذكر الل ذلك ههدى الل يهدي به من ي ه‬
‫شاء ومن يهضلل‬
‫له هل ه ه ه ه‬
‫يشون ربهم ثم تلني جل‬
‫الل فما ههل من ها ٍد﴾ [الزمر‪ ]23 :‬قال‪( :‬وافتتاح اجلملة باسم اجلاللة يؤذن بتفخيم أحسن احلديث‬
‫ه‬

‫املْنل بأن مْنهل هو أعظم عظيم‪ ،‬ثم اإلخبار عن اسم اجلاللة باخلرب الفعيل يدل ىلع تقوية احلكم‬
‫وحتقيقه ىلع حنو قوهلم‪ :‬هو يعطي اجلزيل‪ ،‬ويفيد مع اتلقوية داللة ىلع االختصاص‪ ،‬أي اختصاص‬
‫تْنيل الكتاب بالل تعاىل‪ ،‬واملعىن‪ :‬الل نزل الكتاب ال غريه وضعه‪ ،‬ففيه إثبات أنه مْنل من اعلم‬
‫القدس‪ ،‬وذلك أيضا كناية عن كونه وحيا من عند الل ال من وضع البرش‪.‬‬
‫فدلت اجلملة ىلع تقو واختصاص بالرصاحة‪ ،‬وىلع اختصاص بالكناية‪ ،‬وإذ أخذ مفهوم القرص‬
‫ومفهوم الكناية وهو املغاير ملنطوقهما كذلك يؤخذ مغاير اتلْنيل فعال يليق بوضع البرش‪،‬‬
‫فاتلقدير‪ :‬ال غري الل وضعه‪ ،‬ردا لقول املرشكني‪ :‬هو أساطري األولني‪.‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬الل يستهزئ بهم﴾ [ابلقرة‪]15 :‬‬ ‫واتلحقيق اذلي درج عليه صاحب «الكشاف»‬
‫هو أن اتلقوي واالختصاص َيتمعان يف إسناد اخلرب الفعيل إىل املسند إيله‪ ،‬ووافقه ىلع ذلك رشاح‬
‫«الكشاف» (‪.)3‬‬

‫والتسوية‪ ،‬إال أن تأخذوا باألوسع لالحتياط‪ :‬وذلك شاق عليكم بالغ منكم فتاب علي ه‬
‫كم عبارة عن الرتخيص يف‬
‫ّ‬
‫ترك القيام املقدر)‪ .‬الكشاف ‪.643 :4‬‬
‫ّ‬ ‫ه‬
‫(‪ )1‬ـ قال الزخمرشي‪( :‬فال ياف‪ ،‬فهو ال ياف‪ ،‬أى فهو غري خائف‪ ،‬وألن الالكم يف تقدير مبتدأ وخرب دخلت الفاء‪،‬‬
‫ً‬
‫ولوال ذاك لقيل‪ :‬ال يف‪ .‬فإن قلت‪ :‬أي فائدة يف رفع الفعل وتقدير مبتدأ قبله حىت يقع خربا هل ووجوب إدخال الفاء‪،‬‬
‫ً‬
‫ولان ذلك لكه مستغىن عنه بأن يقال‪ :‬ال يف؟ قلت‪ :‬الفائدة فيه أنه إذا فعل ذلك‪ ،‬فكأنه قيل‪ :‬فهو ال ياف‪ ،‬فاكن داال‬
‫ّ‬
‫ىلع حتقيق أن املؤمن ناج ال حمالة‪ ،‬وأنه هو املختص بذلك دون غريه‪ .‬وقرأ األعم ‪ :‬فال يف‪ ،‬ىلع انليه)‪ .‬الكشاف ‪:4‬‬
‫‪.627‬‬
‫(‪ )2‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.293 :1‬‬
‫ه‬ ‫(‪ )3‬ـ قال الزخمرشي‪( :‬فإن قلت‪ :‬كيف ابتدئ قوهل‪ :‬ه‬
‫(الل يستهزئ بهم) ولم يعطف ىلع الالكم قبله؟ قلت‪ :‬هو استئناف‬
‫يف َغية اجلزالة والفخامة‪ .‬وفيه أن الل عز وجل هو اذلي يستهزئ بهم االستهزاء األبلغ‪ ،‬اذلي ليس استهزاؤهم إيله‬
‫باستهزاء وال يؤبه هل يف مقابلته‪ ،‬ملا يْنل بهم من انلاكل وُيل بهم من اهلوان واذلل‪ .‬وفيه أن الل هو اذلي يتوىل االستهزاء‬
‫‪160‬‬
‫ومفاد هذا اتلقديم ىلع اخلرب الفعيل فيه حتقيق ملا تضمنته اإلضافة من اتلعظيم لشأن املضاف‬
‫ً‬
‫يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬من ذكر الل﴾ [الزمر‪ ]22 :‬كما علمته آنفا‪.‬‬
‫فاملراد بـ (أحسن احلديث) عني املراد بـ (ذكر الل) وهو القرآن‪ ،‬عدل عن ذكر ضمريه لقصد‬
‫ه ه ه ل‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫إجراء األوصاف اثلالثة عليه‪ .‬وه قوهل‪ ﴿ :‬كتابا همتشابها مثاين تقشعر منه هجلود اذلين يشون‬
‫ر لب ههم﴾ إلخ (‪.)1‬‬
‫ه ِّ‬ ‫ه‬
‫قال‪( :‬وأوثرت اجلملة‬ ‫‪3‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬وحن هن نسبِّ هح حبمدك ونقد هس لك﴾‬
‫[ابلقرة‪]30 :‬‬
‫ه‬
‫االسمية يف قوهل‪﴿ :‬وحن هن نسبِّ هح﴾ إلفادة ادلاللة ىلع ادلوام واثلبات أي هو وصفهم املالزم جلبلتهم‪.‬‬
‫وتقديم املسند إيله ىلع اخلرب الفعيل دون حرف انلف ُيتمل أن يكون للتخصيص حباصل ما‬
‫دلت عليه اجلملة االسمية من ادلوام أي حنن ادلائمون ىلع التسبيح واتلقديس دون هذا املخلوق‪.‬‬
‫واألظهر أن اتلقديم ملجرد اتلقوي حنو هو يعطي اجلزيل) (‪.)2‬‬
‫عيل يف َ‬
‫رب ال ِف ِ ر‬ ‫َ ) َ َ َ َ َّ ُ ُ َ ُ َ َ َ‬
‫ىلع اخلَ َ‬
‫الوع ِد والضمان)‬ ‫ِ‬ ‫‪26‬ـ قاعدة‪( :‬كث ِريا ما يتقدم المسند إيل ِه‬
‫هذه القاعدة مستفادة من الكم اإلمام اجلرجاين رمحه الل تعاىل‪ ،‬فقد قال‪( :‬وجوه تقديم املحدث‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫عنه ومعانيها‪ :‬وم ّما ُي ه‬
‫الوعد والضمان‪ ،‬كقول الرجل‪« :‬أنا أعطيك»‪« ،‬أنا‬ ‫سن ذلك فيه ويكرث‪،‬‬
‫ل‬
‫قوم بهذا األمر»‪ ،‬وذلك أن من شأن من تع هد هه وتضم هن هل‪ ،‬أن يعرتضه الشك يف تمام‬
‫أكفيك»‪« ،‬أنا أ ه‬
‫الوعد وِف الوفاء به‪ ،‬فهو من أحوج َش ٍء إىل ل‬
‫اتلأكيد) (‪.)3‬‬
‫الل‬ ‫الل يعص همك من ل‬
‫انلاس﴾ [املائدة‪ ]67 :‬قال الشيخ ابن اعشور‪( :‬وقوهل‪﴿ :‬و ه‬ ‫وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬و ه‬

‫انلاس﴾ افتتح باسم اجلاللة لالهتمام به؛ ألن املخاطب والسامعني يرتقبون عقب‬ ‫يعص همك من ل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫األمر بتبليغ ك ما أنزل إيله‪ ،‬أن ياليق عنتا وتكابلا عليه من أعدائه‪ .‬فافتتح تطمينه بذكر اسم‬

‫ً‬
‫بهم انتقاما للمؤمنني‪ ،‬وال ُيوج املؤمنني أن يعارضوهم باستهزاء مثله‪ .‬فإن قلت‪ :‬فهال قيل‪ :‬الل مستهزئ بهم‪ ،‬يلكون‬
‫ه‬ ‫ل‬ ‫ً‬
‫طبقا لقوهل‪( :‬إنما حن هن همستهزؤن)؟ قلت‪ :‬ألن (يستهزئ) يفيد حدوث االستهزاء وجتدده وقتا بعد وقت‪ ،‬وهكذا َكنت‬
‫ً‬ ‫ه ِّ‬ ‫ل ه‬
‫نكايات الل فيهم وبالياه انلازلة بهم (أوال يرون أن ههم يفتنهون يف ك اعمٍ م لرة أو م لرتني)‪ ،‬وما َكنوا يلون يف أكرث‬
‫المناف هقون أن هت ل‬
‫ْنل‬ ‫أوقاتهم من تهتك أستار‪ ،‬وتكشف أرسار‪ ،‬ونزول يف شأنهم واستشعار حذر من أن يْنل فيهم (ُيذ هر ه‬
‫ه‬ ‫ه ل‬ ‫ه‬ ‫هه‬ ‫ه‬
‫عليهم هسورة تنبِّئه ههم بما يف قلوبهم)‪( ،‬قل استهزؤا إن الل خمرج ما حتذ هرون)‪ .‬الكشاف ‪.67 :1‬‬
‫(‪ )1‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.383 :23‬‬
‫(‪ )2‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.406 :1‬‬
‫(‪ )3‬ـ يف كتابه‪ :‬دالئل اإلعجاز‪.134 :‬‬
‫‪161‬‬
‫الل؛ ألن املعىن أن هذا ما عليك‪ .‬فأما ما علينا فالل يعصمك‪ ،‬فموقع تقديم اسم اجلاللة هنا همغ ٍن‬
‫عن اإلتيان بأما‪.‬‬
‫ىلع أن الشيخ عبد القاهر قد ذكر يف أبواب اتلقديم من «دالئل اإلعجاز» أن «مما ُيسن فيه‬
‫تقديم املسند إيله ىلع اخلرب الفعيل ويكرث‪ :‬الوعد والضمان؛ ألن ذلك ينف أن يشك من يوعد يف‬
‫تمام الوعد والوفاء به‪ ،‬فهو من أحوج انلاس إىل اتلأكيد‪ ،‬كقول الرجل‪ :‬أنا أكفيك‪ ،‬أنا أقوم بهذا‬
‫األمر» (‪ )1‬انتىه‪.‬‬
‫الل يعص همك من‬
‫ومنه قوهل تعاىل حاكية عن يوسف‪﴿ :‬وأنا به زعيم﴾ [يوسف‪ . ]72 :‬فقوهل‪﴿ :‬و ه‬
‫ً‬ ‫ل‬
‫انلاس﴾ فيه هذا املعىن أيضا‪ .‬والعصمة هنا احلفظ والوقاية من كيد أعدائه) (‪.)2‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫(‪ )1‬ـ سبق نقل الكم اجلرجاين قبل قليل‪.‬‬


‫(‪ )2‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.263 :6‬‬
‫‪162‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬قواعد يف تقديم املسند وتقديم اللفظ ىلع اعمله‬
‫سأذكر يف هذا املبحث أربع قواعد تتعلق بتقديم املسند‪ ،‬وبتقديم اللفظ ىلع اعمله‪ ،‬وحنو‬
‫المسند إذا احت لفت به قرائن قد يهف ه‬
‫يد احلرص)‪ .‬كما يف قوهل تعاىل‪ ﴿ :‬ههل‬ ‫يم ه‬‫ذلك‪ ،‬أوهلا‪ :‬قاعدة‪( :‬تقد ه‬
‫ّ‬ ‫ه‬
‫هل احلكم وإيله ترج هعون﴾ [القصص‪ ،]70 :‬فهذه اآلية فيها مجلتان قدم‬ ‫احلمد يف األوىل واآلخرة و ه‬

‫هل احلكم﴾‪ .‬واجلملتان‬‫هل احلمد يف األوىل واآلخرة﴾‪ ،‬و‪﴿ :‬و ه‬


‫فيهما املسند ىلع املسند إيله‪ ،‬هما‪ ﴿ :‬ه‬

‫اسميتان‪ ،‬واألصل فيهما تقديم املسند إيله‪ ،‬وقدم فيهما املسند إلفادة االختصاص‪.‬‬
‫ً‬ ‫يم اللفظ ىلع اعمله يهف ه‬
‫يد االختصاص َغبلا)‪ .‬كما يف قوهل سبحانه‪﴿ :‬إيلاك‬ ‫ثم قاعدة‪( :‬تقد ه‬

‫نعبه هد﴾‪.‬‬
‫يد االختصاص)‪ .‬مثل قوهل تعاىل عن مخر‬ ‫جرور كثريا ً ما يهف ه‬ ‫ه ل‬
‫الظرف أو الم ه‬ ‫ثم قاعدة‪( :‬تقديم‬
‫اجلنة‪﴿ :‬ال فيها غول﴾ فقدم ﴿فيها﴾ ىلع ﴿غول﴾ يلفيد ختصيص ذلك خبمر اجلنة؛ ألن مخر‬
‫اجلنة ال تغتال العقول‪ ،‬فيه ليست كخمر ادلنيا‪.‬‬
‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫يص مع ل‬‫اتلخص ه‬‫ثم قاعدة‪( :‬حني َيتم هع ل‬
‫االهتمام أقوى)‪ .‬كما يف قوهل سبحانه‪:‬‬ ‫اتلقديم يكون‬
‫ِّ‬ ‫ه ل‬
‫﴿قل إنما ح لرم ريب الفواح ما ظهر منها وما َطن واإلثم وابليغ بغري احل ِّق ﴾ [األعراف‪ :]33 :‬فاإلثم‬
‫قبله لالهتمام باتلحذير منها قبل‬ ‫يشمل ك ذنب‪ ،‬وهو أعم من الفواح ‪ ،‬فيكون ذكر الفواح‬
‫اتلحذير من اعمة اذلنوب‪ ،‬فهو من ذكر اخلاص قبل العام لالهتمام‪ ،‬واالهتمام احلاصل باتلخصيص‬
‫ً‬
‫مع اتلقديم أقوى؛ ألن فيه اهتماما من جهتني‪.‬‬
‫واآلن إىل القاعدة األوىل يف هذا املبحث‪:‬‬
‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ َ َ َ َّ ْ‬
‫يد َ‬
‫احلرص)‬ ‫يم المسن ِد إذا احتفت به ق َرائن قد ي ِف‬ ‫‪27‬ـ قاعدة‪( :‬تق ِد‬
‫ه‬
‫تقديم املسند إذا َكن حقه يف اجلملة اتلأخري‪ ،‬فقد يفيد القرص بمساعدة قرائن احلال أو املقال‪،‬‬
‫ل‬
‫واملقصور عليه هو املقدم‪ .‬مثل‪:‬‬
‫ه‬
‫الك لف ه‬ ‫ه‬
‫ار‬ ‫اء أنتهم أيها‬
‫كم ‪ ...‬هجبن ه‬ ‫لن تهز هموا إيماننا بسالح‬
‫ل‬
‫االسمية‪ :‬اتلأخري‪ ،‬تأخري «أنتم»‪،‬‬ ‫فجاء يف هذا الالكم تقديم « هجبناء» وهو مسند حقه يف اجلملة‬
‫وهو مسند إيله‪ ،‬وحقه هنا‪ :‬اتلقديم إلفادة القرص بمساعدة قرينة املقال السابق‪ ،‬وقرينة حال‬

‫‪163‬‬
‫ل‬
‫وتولكنا ىلع ِّ‬ ‫ل‬
‫ربنا‬ ‫االستبسال‪ ،‬واملعىن أنتم وحدكم اجلبناء بكفركم‪ ،‬أما حنن فشجعان بإيماننا‬
‫(‪.)1‬‬
‫ومن ادلوايع ابلالغية تلقديم املسند إذا َكن األصل فيه اتلأخري‪ :‬ختصيص املسند باملسند‬
‫رص املسند ىلع املسند إيله‪ ،‬فال يكون لغريه‪.‬‬‫إيله‪ ،‬أي‪ :‬ق ه‬
‫‪1‬ـ ومن األمثلة ىلع ذلك‪ :‬قوهل تعاىل‪﴿ :‬و ههو الل ال هلإ إ لال ههو ه‬
‫هل احلمد يف األوىل واآلخرة و ه‬
‫هل‬
‫ّ‬ ‫ه‬
‫احلكم وإيله ترج هعون﴾ [القصص‪ ،]70 :‬فف هذه اآلية مجلتان قدم فيهما املسند ىلع املسند إيله‪،‬‬
‫هما‪ ﴿ :‬ههل احلمد يف األوىل واآلخرة﴾‪ ،‬و‪﴿ :‬و ههل احلكم﴾‪ .‬واجلملتان اسميتان‪ ،‬واألصل فيهما تقديم‬
‫املسند إيله‪ ،‬وقدم فيهما املسند إلفادة اتلخصيص بمعىن القرص‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ ل‬
‫والالم بمعىن االختصاص‪ ،‬بمعىن أن ك احلمد وَّك احلكم مقصوران عليه‪ ،‬ال يتعديان إىل‬
‫غريه سبحانه‪.‬‬
‫ه‬
‫‪2‬ـ ومن األمثلة كذلك‪ :‬قوهل سبحانه‪ِ﴿ :‬ل األمر من قبل ومن َع هد﴾ [الروم‪ ،]4 :‬فهذه مجلة‬
‫هّ‬
‫اسمية‪ ،‬واألصل فيها تقديم املسند إيله‪ ،‬وقدم فيها املسند إلفادة اتلخصيص‪ ،‬أي‪ :‬احلرص‪.‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫ونظري ذلك قوهل تعاىل‪﴿ :‬لكم دينهكم ويل دين﴾ [الاكفرون‪.]6 :‬‬
‫هل‬ ‫عد احلق فإذا ه شاخصة أبص ه‬ ‫وقوهل تعاىل‪﴿ :‬واقرتب الو ه‬
‫ار اذلين كف هروا ياويلنا قد كنا يف‬
‫هل‬ ‫ِّ‬
‫غفل ٍة من هاذا بل كنا ظالمني﴾ [األنبياء‪. ]97 :‬‬
‫ه ِّ‬ ‫فجملة ﴿شاخصة أبص ه‬
‫ار اذلين كف هروا﴾ قدم فيها اخلرب وهو ﴿شاخصة﴾ ىلع املبتدأ وهو‬
‫ار اذلين كف هروا﴾ إلرادة اتلخصيص‪ ،‬فأبصار اذلين كفروا يوم القيامة ه الشاخصة‪،‬‬ ‫﴿أبص ه‬

‫دون غريهم وهم أهل اإليمان‪.‬‬


‫ِّ ل‬ ‫ه ه‬ ‫ّ‬
‫ني‪.‬‬
‫وقوهل سبحانه بشأن عباد الل املخلصني يف جنات انلعيم‪﴿ :‬يطاف عليهم بكأ ٍس من مع ٍ‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل ِّ ل‬
‫َيضاء ذل ٍة للشاربني‪ .‬ال فيها غول وال هم عنها يهْنفون﴾ [الصافات‪. ]47 - 45 :‬‬
‫ً‬ ‫ه‬
‫الغول ما ُيدثه رشب اخلمر من صداع وسكر‪ ،‬والغول اإلهالك‪ ،‬يقال‪َ :‬غهل غوال إذا أهلكه‪.‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫تذهب عقوهلم‪.‬‬ ‫و هيْنفون‪ :‬يسك هرون‪،‬‬

‫(‪ )1‬ـ انظر‪ :‬ابلالغة العربية أسسها وعلومها وفنونها‪ ،‬للميداين ‪.542 :1‬‬
‫‪164‬‬
‫ل‬ ‫ل‬
‫فف قوهل‪﴿ :‬ال فيها غول﴾ قدم املسند هو ﴿فيها﴾ املتعلق خبرب حمذوف مقدر‪ ،‬وأخر املسند‬
‫ّ‬
‫إيله وهو ﴿غول﴾ إلفادة اتلخصيص‪ ،‬أي‪ :‬مخر اجلنة خمصوصة بنف الغول عنها خبالف مخر ادلنيا‬
‫(‪.)1‬‬
‫ه‬ ‫هل‬
‫‪3‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتهم﴾ [ابلقرة‪ ]134 :‬قال‬
‫اإلمام أبو السعود‪﴿ :‬لها ما كسبت﴾ (مجلة مستأنفة ال حمل هلا من اإلعراب أو صفة أخرى ألمة‪،‬‬
‫ه‬
‫والعائد إيلها حمذوف‪ ،‬أي هلا ما كسبته من‬ ‫أو حال من الضمري يف خلت‪ ،‬وما موصولة أو موصوفة‬
‫األعمال الصاحلة املحكية ال تتخطاها إىل غريها‪.‬‬
‫ه ل‬
‫المسند إيله عليه كما هو املشهور‪﴿ ،‬ولكم ما كسبتهم﴾‬
‫المسند يوجب قرص ه‬ ‫فإن تقديم ه‬

‫عطف ىلع نظريتها ىلع الوجه األول‪ ،‬ومجلة مبتدأة ىلع الوجهني األخريين‪ ،‬إذ ال رابط فيها وال بد‬
‫منه يف الصفة‪ ،‬وال مقارنة يف الزمان‪ ،‬وال بد منها يف احلال‪ ،‬أي لكم ما كسبتموه ال ما كسبه‬
‫غريكم‪.‬‬‫ه‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫قرصه ىلع املسند إيله‪ ،‬كما قيل يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬لكم دينهكم‬
‫فإن تقديم املسند قد يهقصد به ه‬
‫ه‬
‫وىل دين﴾‪ ،‬أي ويل ديين ال دينهكم‪ ،‬ومحل اجلملة األوىل ىلع هذا القرص ىلع معىن أن أوَلك ال‬
‫ِّ‬ ‫ه‬
‫املقام‪ ،‬إذ ال يتوهم متوهم انتفاعهم بكسب هؤالء‬ ‫ينفعهم إال ما اكتسبوا‪ ،‬كما قيل مما ال يساعده‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫حىت ُيتاج إىل بيان امتناعه‪ ،‬وإنما اذلي يهتوهم انتفاع هؤالء بكسبهم‪ ،‬فبني امتناعه بأن أعماهلم‬
‫الصاحلة خمصوصة بهم ال تتخطاهم إىل غريهم‪ ،‬وليس هلؤالء إال ما كسبوا فال ه‬
‫ينفعهم انتسابههم‬
‫ه‬
‫اتباعهم هلم يف األعمال) (‪.)2‬‬ ‫إيلهم وإنما ينفعهم‬
‫ه‬
‫تقديم املسند‪،‬‬ ‫وقد ذكر اإلمام السيويط يف اإلتقان أن طرق احلرص كثرية‪ ،‬وذكر منها‪( :‬اثلامن‪:‬‬
‫ل‬
‫ذكر ابن األثري وابن انلفيس وغريهما أن تقديم اخلرب ىلع املبتدأ يفيد االختصاص‪.‬‬
‫ورده صاحب الفلك ادلائر بأنه لم يقل به أحد‪ ،‬وهو ممنوع فقد رصح الساكيك وغريه بأن تقديم‬
‫ما رتبته اتلأخري يفيده‪ ،‬ومثلوه بنحو‪ :‬تمييم أنا) (‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬ـ انظر‪ :‬ابلالغة العربية أسسها وعلومها وفنونها ‪.376 :1‬‬
‫(‪ )2‬ـ إرشاد العقل السليم ‪.165 :1‬‬
‫(‪ )3‬ـ اإلتقان ‪.172 :3‬‬
‫‪165‬‬
‫ه ه‬ ‫ه ه ه‬ ‫ل‬ ‫ً‬
‫‪4‬ـ ومن األمثلة أيضا‪ :‬قوهل تعاىل‪﴿ :‬اذلين آمنهوا ولم يلب هسوا إيمانهم بظل ٍم أوَلك لهم األمن وهم‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫ً‬
‫همهت هدون﴾ [األنعام‪ ،]82 :‬فحرص األمن فيمن ذكر ىلع الوجهني يهؤخذ من‪ :‬تكرار اإلسناد ثالثا‪،‬‬
‫وتقديم املسند ىلع املسند إيله اثلالث‪.‬‬
‫ولوال إرادة االختصاص لاكن الالكم هكذا‪ :‬األمن لذلين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم‪.‬‬
‫ولو قيل‪( :‬لذلين آمنوا األمن) لاكن آكد‪ ،‬وآكد منه أن يقال‪( :‬اذلين آمنوا‪ ...‬هلم األمن)‪.‬‬
‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬
‫وآكد من هذا‪ :‬نص اآلية‪﴿ :‬اذلين آمنهوا ولم يلب هسوا إيمان ههم بظل ٍم أوَلك لهم األمن وهم‬
‫ه‬ ‫ه‬

‫همهت هدون﴾ (‪.)1‬‬


‫ه‬ ‫يش يهر ه‬ ‫ل‬
‫يدون وجهه ما عليك‬ ‫‪5‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬وال تط هرد اذلين يد هعون ر لب ههم بالغداة والع ِّ‬
‫ل‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬
‫من حسابهم من َش ٍء وما من حسابك عليهم من َش ٍء فتطردهم فتكون من الظالمني﴾ [األنعام‪:‬‬

‫‪ ]52‬قال الشيخ ابن اعشور‪( :‬وتقديم املسندين ىلع املسند إيلهما يف قوهل‪﴿ :‬ما عليك من حسابهم‬
‫من َش ٍء وما من حسابك عليهم من َش ٍء﴾ تقديم غري واجب؛ ألن لالبتداء بانلكرتني هنا‬
‫ً‬
‫مسوَغ‪ ،‬وهو وقوعهما يف سياق انلف‪.‬‬
‫ً‬
‫فاكن تقديم املجرورين هنا اختياريا فال بد هل من غرض‪.‬‬
‫والغرض ُيتمل ُمرد االهتمام وُيتمل االختصاص‪ .‬وحيث تأىت معىن االختصاص هنا‬
‫فاعتباره أيلق بأبلغ الكم‪ ،‬وذللك جرى عليه الكم «الكشاف» ‪.‬‬
‫وعليه فمعىن الالكم قرص نف حسابهم ىلع انليب صَّل الل عليه وسلم‪ ،‬يلفيد أن حسابهم ىلع‬
‫غريه وهو الل تعاىل‪ .‬وذلك هو مفاد القرص احلاصل باتلقديم إذا وقع يف سياق انلف‪ ،‬وهو مفاد خف‬
‫ىلع كثري‪ ،‬لقلة وقوع القرص بواسطة اتلقديم يف سياق انلف‪.‬‬
‫ومثاهل املشهور قوهل تعاىل‪﴿ :‬ال فيها غول﴾ [الصافات‪ ،]47 :‬فإنهم فرسوه بأن عدم الغول مقصور‬
‫ىلع االتصاف خبمور اجلنة‪ ،‬فالقرص قرص قلب‪.‬‬
‫وقد اجتمع يف هذا الالكم مخسة مؤكدات‪ .‬وه (من) ابليانية‪ ،‬و(من) الزائدة‪ ،‬وتقديم املعمول‪،‬‬
‫وصيغة احلرص يف قوهل‪ :‬ما عليك من حسابهم من َشء‪ ،‬واتلأكيد باتلتميم بنف املقابل يف قوهل‪:‬‬

‫(‪ )1‬ـ انظر‪ :‬تفسري املنار‪.484 :7 .‬‬


‫‪166‬‬
‫وما من حسابك عليهم من َشء‪ ،‬فإنه شبيه باتلوكيد اللفظي‪ .‬وَّك ذلك للتنصيص ىلع منتىه‬
‫اتلربئة من حماولة إجابتهم القرتاحهم) (‪.)1‬‬
‫ه ه‬
‫اهم ولك لن الل يهدي من يش ه‬
‫اء﴾ [ابلقرة‪ ]272 :‬قال‪:‬‬ ‫‪6‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬ليس عليك هد‬
‫ه ه‬
‫(وتقديم الظرف وهو ﴿عليك﴾ ىلع املسند إيله وهو ﴿هداهم﴾ إذا أجرى ىلع ما تقرر يف علم‬
‫املعاين من أن تقديم املسند اذلي حقه اتلأخري يفيد قرص املسند إيله إىل املسند‪ ،‬ولان ذلك يف‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫اإلثبات بينا ال غبار عليه حنو ﴿لكم دينهكم ويل دين﴾ [الاكفرون‪ ،]6:‬وقوهل‪﴿ :‬لها ما كسبت‬
‫وعليها ما اكتسبت﴾ [ابلقرة‪ ]286:‬فهو إذا وقع يف سياق انلف غري بني ألنه إذا َكن اتلقديم يف صورة‬
‫اإلثبات مفيدا للحرص اقتىض أنه إذا نف فقد نف ذلك االحنصار‪ ،‬ألن اجلملة املكيفة بالقرص يف‬
‫حالة اإلثبات ه مجلة مقيدة نسبتها بقيد االحنصار أي بقيد احنصار موضوعها يف معىن حمموهلا‪.‬‬
‫ً‬
‫فإذا دخل عليها انلف َكن مقتضيا نف النسبة املقيدة‪ ،‬أي نف ذلك االحنصار‪ ،‬ألن شأن انلف إذا‬
‫توجه إىل الكم مقيد أن ينصب ىلع ذلك القيد‪.‬‬
‫لكن أئمة الفن حني ذكروا أمثلة تقديم املسند ىلع املسند إيله سووا فيها بني اإلثبات وبني‬
‫انلف حنو‪﴿ :‬ال فيها غول﴾ فقد مثل به يف «الكشاف» عند قوهل تعاىل‪﴿ :‬ال فيها غول﴾ [الصافات‪]47:‬‬

‫فقد مثل به يف «الكشاف» عند قوهل تعاىل‪﴿ :‬ال ريب فيه﴾ [ابلقرة‪ ]2:‬فقال‪« :‬قصد تفضيل مخر اجلنة‬
‫ً‬ ‫ل‬
‫ىلع مخور ادلنيا» (‪ ،)2‬وقال السيد يف رشحه هنالك‪ « :‬هعد قرصا للموصوف ىلع الصفة‪ ،‬أي الغول‬
‫مقصور ىلع عدم احلصول يف مخور اجلنة ال يتعداه إىل عدم احلصول فيما يقابله‪ ،‬أو عدم الغول‬
‫مقصور ىلع احلصول فيها ال يتجاوزه إىل احلصول يف هذه اخلمور»‪ .‬وقد أحلت عند قوهل تعاىل‪:‬‬
‫﴿الريب فيه﴾ ىلع هذه اآلية هنا‪.‬‬
‫فبنا أن نبني طريقة القرص باتلقديم يف انلف‪ ،‬وه أن القرص ملا َكن كيفية اعرضة للرتكيب‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ولم يكن قيدا لفظيا حبيث يتوجه انلف إيله َكنت تلك الكيفية مستصحبة مع انلف‪ ،‬فنحو‪﴿ :‬ال‬
‫فيها غول﴾ يفيد قرص الغول ىلع االنتفاء عن مخور ادلنيا وال يفيد قرص الغول ىلع الكون يف مخور‬
‫إذ قال‪:‬‬ ‫اجلنة‪ .‬وإىل هذا أشار السيد يف رشح «الكشاف» عند قوهل‪﴿ :‬ال ريب فيه﴾‬
‫[ابلقرة‪]2:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫«وباجلملة َيعل حرف انلف جزءا أو حرفا من حروف املسند أو املسند إيله» وىلع هذا بىن‬

‫(‪ )1‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.250 :7‬‬


‫(‪ )2‬ـ الكشاف ‪.34 :1‬‬
‫‪167‬‬
‫صاحب «الكشاف» فجعل وجه أن لم يقدم الظرف يف قوهل‪﴿ :‬ال ريب فيه﴾ كما قدم الظرف يف‬
‫ً‬
‫قوهل‪﴿ :‬ال فيها غول﴾ [الصافات‪]47 :‬؛ ألنه لو أول لقصد أن كتابا آخر فيه الريب‪ ،‬ال يف القرآن‪،‬‬
‫وليس ذلك بمراد‪.‬‬
‫ه ه‬
‫فإذا تقرر هذا فقوهل‪﴿ :‬ليس عليك هداهم﴾ [ابلقرة‪ ،]272 :‬إذا أجري ىلع هذا املنوال َكن مفاده‬
‫هداهم مقصور ىلع انتفاء كونه عليك‪ ،‬فيلزم منه استفادة إبطال انتفاء كونه ىلع غري املخاطب‪،‬‬
‫أي إبطال انتفاء كونه ىلع الل‪ ،‬والك املفادين غري مراد إذ ال يعتقد األول وال اثلاين‪ .‬فالوجه‪ :‬إما‬
‫أن يكون اتلقديم هنا ملجرد االهتمام كتقديم يوم انلدى يف قول احلريري‪:‬‬
‫ما فيه من عيب سوى أنه ‪ ...‬يوم انلدى قسمته ضزيى‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫بنف كون هداهم حقا ىلع الرسول‪ ،‬تهوينا لألمر عليه‪ ،‬فأما ادلاللة ىلع كون ذلك مفوضا إىل‬
‫اء﴾‪ .‬وإما أن يكون جرى ىلع خالف مقتىض‬ ‫الل تعاىل‪ ،‬فمن قوهل‪﴿ :‬ولك لن الل يهدي من يش ه‬

‫الظاهر‪ ،‬بتْنيل السامعني مْنلة من يعتقد أن إَياد اإليمان يف الكفار يكون بتكوين الل‬
‫وباإلجلاء من املخلوق‪ ،‬فقرص هداهم ىلع عدم الكون يف إجلاء املخلوقني إياهم‪ ،‬ال ىلع عدم الكون‬
‫يف أنه ىلع الل‪ ،‬فيلزم من ذلك أنه ىلع الل‪ ،‬أي مفوض إيله) (‪.)1‬‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫‪7‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬إ لن ه‬
‫هؤالء همت لرب ما هم فيه وباطل ما َكنوا يعملون﴾ [األعراف‪ ]139 :‬قال‪:‬‬
‫ه‬ ‫ل ه‬ ‫ه‬ ‫ل ه ه ل‬
‫(ومجلة ﴿إن هؤالء مترب ما هم فيه﴾ بمعىن اتلعليل ملضمون مجلة ﴿إنكم قوم جتهلون﴾ [األعراف‪:‬‬

‫‪ ،]138‬فذللك فصلت عنها وقد أكدت وجعلت اسمية ملثل األغراض اليت ذكرت يف أختها‪ ،‬وقد‬
‫عرف املسند إيله باإلشارة تلميزيهم بتلك احلالة اليت هم متلبسون بها أكمل تميزي‪ ،‬وللتنبيه ىلع‬
‫ً‬
‫أنهم أحرياء بما يرد بعد اسم اإلشارة من األوصاف وه كونهم متربا أمرهم وباطال عملهم‪.‬‬
‫ه‬
‫﴿مت لرب﴾ ىلع املسند إيله وهو ﴿ما هم فيه﴾ يلفيد ختصيصه باملسند إيله‪،‬‬‫وقدم املسند وهو ه‬

‫أي‪ :‬هم املعرض ون للتبار وأنه ال يعدوهم ابلتة وأنه هلم رضبة الزب‪ ،‬وال يصح أن َيعل ﴿ همت لرب﴾‬
‫مسندا إيله ألن املقصود باالخبار هو ما هم فيه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫واملترب‪ :‬املدمر‪ ،‬واتلبار بفتح اتلاء اهلالك ﴿وال تزد الظالمني إال تبارا﴾ [نوح‪ .]28 :‬يقال‪ :‬ترب‬
‫اليشء كرضب وتعب وقتل وتربه تضعيف للتعدية‪ ،‬أي أهلكه واتلتبري مستعار هنا لفساد احلال‪،‬‬
‫فيبىق اسم املفعول ىلع حقيقته يف أنه وصف للموصوف به يف زمن احلال‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.70 :3‬‬


‫‪168‬‬
‫وَيوز أن يكون اتلتبري مستعار لسوء العاقبة‪ ،‬شبه حاهلم املزخرف ظاهره حبال اليشء ابلهيج‬
‫ً‬
‫اآليل إىل ادلمار والكرس فيكون اسم املفعول ُمازا يف االستقبال‪ ،‬أي صائر إىل السوء) (‪.)1‬‬
‫ه‬ ‫ً‬ ‫ه‬
‫‪8‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬من كفر فعليه كف هر هه ومن عمل صاحلا فألنفسهم يمه هدون‪ .‬يلجزي‬
‫له ه‬
‫الصاحلات من فضله إنه ال ُيب الاكفرين﴾ [الروم‪44 :‬ـ ‪ ]45‬قال‪( :‬هذه اجلملة‬‫لاذلين آمنهوا وعملهوا ل‬

‫تتْنل مْنلة ابليان إلمجال اجلملة اليت قبلها وه ﴿فأقم وجهك ل ِّدلين القيِّم﴾ [الروم‪ ،]43 :‬إذ‬
‫اتلثبيت ىلع ادلين بعد ذكر ما أصاب املرشكني من الفساد بسبب رشكهم يتضمن حتقري شأنهم‬
‫عند الرسول صَّل الل عليه وسلم واملؤمنني‪ ،‬فبني ذلك بأنهم ال يرضون بكفرهم إال أنفسهم‪.‬‬
‫ه‬
‫واذلي يكشف هذا املعىن‪ :‬تقديم املسند يف قوهل‪﴿ :‬فعليه كف هر هه﴾‪ ،‬فإنه يفيد ختصيصه‬
‫باملسند إيله‪ ،‬أي فكفره عليه ال عليك وال ىلع املؤمنني‪ ،‬وهلذا ابتدئ بذكر حال من كفر ثم‬
‫ً‬
‫ذكر بعده ﴿ومن عمل صاحلا﴾ (‪.)2‬‬
‫ه ه ه‬ ‫ه‬ ‫هه‬ ‫ه ل ه‬ ‫ل‬
‫‪9‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬واذلين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إىل الل لهم البرشى﴾ [الزمر‪:‬‬
‫ه‬
‫‪ ]17‬قال‪( :‬وِف تقديم املسند من قوهل‪﴿ :‬ل هه هم البهرشى﴾ إفادة القرص‪ ،‬وهو مثل القرص يف‪﴿ :‬أوَلك‬
‫ه ه ه‬ ‫ه ه ه ه‬ ‫ل‬
‫(‪)3‬‬
‫اذلين هداهم الل وأوَلك هم أولو األبلاب﴾ [الزمر‪. )]18 :‬‬
‫وِف حاشية الشهاب اخلفايج ىلع ابليضاوي‪( :‬تقديم املسند ىلع املسند إيله‪ ،‬مذهب الساكيك‬
‫واخلطيب أنه يفيد قرص املسند إيله ىلع املسند‪ ،‬فمعىن عليك اتلالكن ال ىلع غريك‪ ،‬ورصح به‬
‫الزخمرشي يف مواضع والساكيك يف أحوال املسند‪ .‬وقال يف القرص‪ :‬إنه من قرص املوصوف ىلع الصفة‪.‬‬
‫وعند الطييب ومن تابعه أنه من قرص املسند ىلع املسند إيله وهو عنده من قرص املوصوف ىلع‬
‫الصفة‪ ،‬ذكره يف اتلبيان‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وذكر صاحب الفلك ادلائر أنه ال يفيد قرصا أصال‪ ،‬وذهب بعض املتأخرين أنه يرد للك منهما)‬
‫(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.82 :9‬‬


‫(‪ )2‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.116 :21‬‬
‫(‪ )3‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.365 :23‬‬
‫(‪ )4‬ـ حاشية الشهاب اخلفايج ىلع ابليضاوي ‪.243 :2‬‬
‫‪169‬‬
‫)‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ََ َ‬ ‫‪28‬ـ قاعدة‪( :‬تَق ِد ُ‬
‫اللفظ ىلع اع ِملِه ي ِفيد االختِصاص غبلا)‪.‬‬
‫ِ‬ ‫يم‬
‫ه‬
‫حىت ال ُيصل لبس عند بعض الق لراء ال بد من اتلنبيه إىل أن االختصاص واحلرص والقرص‬
‫بمعىن واحد عند كثري من ابلالغيني (‪.)1‬‬
‫يعرب عن هذه القاعدة بأحد هذه األلفاظ (االختصاص أو احلرص أو القرص)‪.‬‬ ‫فهناك من ِّ‬
‫ومن أنواع اتلقديم‪ :‬تقديم اللفظ ىلع اعمله‪ ،‬مثل قوهل تعاىل‪﴿ :‬إيلاك نعبه هد وإيلاك نستع ه‬
‫ني﴾‬
‫[الفاحتة‪ ،]5 :‬وقوهل تعاىل‪﴿ :‬ور لبك فك ِّرب﴾ [املدثر‪.]3 :‬‬
‫ومن أنواع اتلقديم‪ :‬تقديم األلفاظ بعضها ىلع بعض يف غري العامل‪ ،‬وذلك مثل قوهل تعاىل‬
‫ه ل‬ ‫ه ل‬
‫﴿وما أهل به لغري الل﴾ [ابلقرة‪ ]137 :‬وقوهل ﴿وما أهل لغري الل به﴾ [املائدة‪.]3 :‬‬
‫فأما تقديم اللفظ ىلع اعمله‪ ،‬فيدخل فيه تقديم املفعول به ىلع فعله‪ ،‬وتقديم احلال ىلع فعله‪،‬‬
‫وتقديم الظرف واجلار واملجرور ىلع فعلهما‪ ،‬وتقديم اخلرب ىلع املبتدأ وحنو ذلك‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وهذا اتلقديم يف الغالب يفيد االختصاص‪ .‬فقولك (أجندت خادلا) يفيد أنك أجندت خادلا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وال يفيد أنك خصصت خادلا بانلجاة بل َيوز أنك أجندت غريه أو لم تنجد أحدا معه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فإذا قلت‪ :‬خادلا أجندت أفاد ذلك أنك خصصت خادلا بانلجدة وأنك لم تنجد أحدا آخر‪.‬‬
‫ِّ ه‬ ‫ل‬
‫ومثل اتلقديم ىلع فعل االستعانة قوهل تعاىل‪﴿ :‬وىلع الل فليتوَّك ال همتولكون﴾ [إبراهيم‪ ]12 :‬وقوهل‪:‬‬
‫يب﴾ [هود‪ ]88 :‬فقدم اجلار واملجرور‬ ‫ت وإيله أهن ه‬
‫﴿ىلع الل تو للكنا﴾ [األعراف‪ ]89 :‬وقوهل ﴿عليه تو للك ه‬
‫ّ‬
‫لدلاللة ىلع االختصاص‪ ،‬وذلك ألن اتلوَّك ال يكون إال ىلع الل وحده‪ ،‬واإلنابة ليست إال إيله‬
‫وحده (‪.)2‬‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ه ل‬ ‫ً‬
‫‪1‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬ساء مثال القوم اذلين كذبوا بيآياتنا وأنفسهم َكنوا يظلمون﴾ [األعراف‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ ]177‬قال اإلمام الزخمرشي‪﴿( :‬ساء مثال القو هم﴾‪ :‬أي مثل القوم‪ .‬أو ساء أصحاب مثل القوم‪ .‬وقرأ‬
‫اجلحدري‪ :‬ساء مثل القوم‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ انظر‪ :‬إفادة تقديم ما حقه اتلأخري لالختصاص بني الزخمرشي وأ يب حيان‪ ،‬لدلكتور منصور أ يب زينة‪ ،‬وادلكتور حممد‬
‫رضا احلوري‪ ،7 :‬وأسايلب القرص يف القرآن الكريم وأرسارها ابلالغية لدلكتور صباح دراز‪.19 :‬‬
‫وهناك من يرى أن هناك فرقا ً بني االختصاص واحلرص‪ ،‬إال أن كثريا ً من العلماء ال ِّ‬
‫يفرقون بني ذلك يف االستعمال‬
‫ِّ‬
‫فيعربون بأحد هذين اللفظني‪.‬‬
‫(‪ )2‬ـ انظر‪ :‬ملسات بيانية يف نصوص من اتلْنيل‪.476 :‬‬
‫‪170‬‬
‫ً‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫﴿وأنفس ههم َكنوا يظل همون﴾ [األعراف‪ ،]177 :‬إما أن يكون معطوفا ىلع كذبوا‪ ،‬فيدخل يف حزي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الصلة بمعىن‪ :‬اذلين مجعوا بني اتلكذيب‪ ،‬بيآيات الل وظلم أنفسهم‪ .‬وإما أن يكون الكما منقطعا‬
‫عن الصلة‪ ،‬بمعىن‪ :‬وما ظلموا إال أنفسهم باتلكذيب‪.‬‬
‫ل‬
‫يتعدها إىل غريها) (‪.)1‬‬ ‫وتقديم املفعول به لالختصاص‪ ،‬كأنه قيل‪ :‬وخصوا أنفسهم بالظلم لم‬
‫‪2‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬ولِئ همتم أو قهتلتهم إلىل الل هحت ه‬
‫رشون﴾ [آل عمران‪ ]158 :‬قال أبو حيان‪( :‬هذا‬
‫خطاب اعم للمؤمن والاكفر‪ .‬أعلم فيه أن مصري اجلميع إيله‪ ،‬فيجازي الك بعمله‪ ،‬هكذا قال‬
‫بعضهم‪.‬‬
‫ل‬
‫وكأنه ملا رأى املوت والقتل أطلقا ولم يقيدا بذكر سبيل الل كما قيدا يف اآلية‪ ،‬فهم أن ذلك‬
‫ّ‬
‫اعم‪ .‬والظاهر أنه خطاب للمؤمنني َكخلطاب السابق‪ ،‬وذللك قدره الزخمرشي‪ :‬إلىل ا للرحيم الواسع‬
‫الرمحة املميت العظيم اثلواب حترشون‪.‬‬
‫قال‪ :‬ولوقوع اسم الل هذا املوقع مع تقديمه وإدخال الالم ىلع احلرف املتصل به سيان ليس‬
‫باخلف انتىه‪ .‬يشري بذلك إىل مذهبه‪ :‬من أن اتلقديم يؤذن باالختصاص‪ ،‬فاكن املعىن عنده‪ :‬فإىل‬
‫الل ال غريه حترشون‪ .‬وهو عندنا ال يدل بالوضع ىلع ذلك‪ ،‬وإنما يدل اتلقديم ىلع االعتناء باليشء‬
‫ل‬ ‫ً‬
‫واالهتمام بذكره‪ ،‬كما قال سيبويه‪ :‬وزاده حسنا هنا أن تأخر الفعل هنا فاضلة‪ ،‬فلو تأخر املجرور‬
‫ل‬
‫لفات هذا الغرض وتضمنت اآلية حتقري أمر ادلنيا واحلرص ىلع الشهادة‪ ،‬وأن مصري العالم لكهم‬
‫ل‬
‫إىل الل‪ ،‬فاملوافاة ىلع الشهادة أمثل باملرء يلحرز ثوابها‪ ،‬وَيده وقت احلرش‪ .‬وقدم املوت هنا ىلع‬
‫القتل؛ ألنها آية وعظ باآلخرة واحلرش‪ ،‬وتزهيد يف ادلنيا واحلياة‪ ،‬واملوت فيها مطلق لم يقيد بيشء‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فإما أن يكون اخلطاب خمتصا بمن خوطب قبل‪ ،‬أو اعما واندرج أوَلك فيه‪ ،‬فقدم لعمومه‪،‬‬
‫وألنه أغلب يف انلاس من القتل‪ ،‬فهذه ثالثة مواضع‪ .‬ما ماتوا وما قتلوا‪:‬‬
‫ه هّ ً‬ ‫ه‬
‫فقدم املوت ىلع القتل ملناسبة ما قبله من قوهل‪﴿ :‬إذا رضبوا يف األرض أو َكنوا غزى﴾ [آل عمران‪:‬‬

‫‪.]156‬‬
‫ل‬
‫وتقدم القتل ىلع املوت بعد‪ ،‬ألنه حمل حتريض ىلع اجلهاد‪ ،‬فقدم األهم واألرشف‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ الكشاف ‪.179 :2‬‬


‫‪171‬‬
‫ً‬
‫وقدم املوت هنا ألنه األغلب‪ ،‬ولم يؤكد الفعل الواقع جوابا للقسم املحذوف ألنه فصل بني‬
‫ه ه‬
‫الالم املتلىق بها القسم وبينه باجلار واملجرور‪ .‬ولو تأخر لاكن‪ :‬تلحرشن إيله كقوهل‪﴿ :‬يلقول لن ما‬
‫ُيب هس هه﴾ [هود‪.)1( )]8 :‬‬
‫هل ابليان يهطب هقون ىلع أ لن تقديم ه‬
‫املعمول يهف ه‬ ‫ه‬
‫يد احلرص سواء َكن‬ ‫وقال اإلمام السيويط‪َ( :‬كد أ‬
‫ه ه‬
‫عناه‪ :‬خنصك‬ ‫وال أو ظرفا ً أو ُم هرورا ً‪ ،‬وهلذا قيل يف‪﴿ :‬إيلاك نعبه هد وإيلاك نستع ه‬
‫ني﴾ [الفاحتة‪ ،]5 :‬م‬
‫ه ً‬
‫مفع‬
‫رشون﴾ [آل عمران‪ ،]158 :‬معن هاه‪ :‬إيله ال إىل غريه‪ ،‬وِف‪:‬‬ ‫بالعبادة واالستعانة‪ ،‬وِف‪﴿ :‬إلىل الل هحت ه‬
‫ِّ ه‬ ‫ه ِّ‬ ‫ً‬ ‫ه‬ ‫ل ه‬ ‫ه‬ ‫كونهوا هشهداء ىلع ل‬ ‫ه‬
‫الصلة يف‬ ‫الر هسول عليكم شهيدا﴾ [ابلقرة‪ ،]143 :‬أخرت‬ ‫انلاس ويكون‬ ‫﴿تل‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ه ِّ‬ ‫ه‬ ‫ل‬
‫الشهادة األوىل وقدمت يف اثللانية ألن الغرض يف األ لول إثبات شهادتهم وِف اثللاين إثبات‬
‫ل‬ ‫يب ص لَّل ه‬ ‫اختصاصهم بشهادة ل‬
‫انل ِّ‬
‫الل عليه وسلم عليهم) (‪.)2‬‬
‫‪3‬ـ وقال اإلمام ابن اعشور‪( :‬واحلرص املستفاد من تقديم املعمول يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬إيلاك نعبه هد﴾‬
‫حرص حقيق ألن املؤمنني امللقنني هلذا احلمد ال يعبدون إال الل‪ .‬وزعم ابن احلاجب يف إيضاح‬
‫املفصل يف رشح ديباجة املفصل عند قول الزخمرشي الل أمحد أن اتلقديم ال يفيد إال االهتمام‬
‫دون حرص وأن قوهل تعاىل ﴿إيلاك نعبه هد﴾ تقديم املفعول لالهتمام دون قرص وأن تمسكهم بقوهل‬
‫﴿بل الل فاعبهد﴾ [الزمر‪ ]66 :‬ضعيف لورود ﴿فاعبهد الل هخملصا ً ه‬
‫هل ِّ‬
‫ادلين﴾ [الزمر‪ ]2 :‬وإبطال رأيه‬
‫مقرر يف كتب علم املعاين‪.‬‬
‫وأنا أرى استدالهل بورود قوهل تعاىل ﴿فاعبهد الل﴾ ال يليق بمقامه العليم إذ ال يظن أن حمامل‬
‫ني﴾ مجلة معطوفة ىلع مجلة ﴿إيلاك نعبه هد﴾ وإنما لم‬‫الالكم متماثلة يف ك مقام‪﴿ ،‬وإيلاك نستع ه‬

‫تفصل عن مجلة ﴿إيلاك نعبه هد﴾ بطريقة تعداد اجلمل مقام اتلرضع وحنوه من مقامات اتلعداد‬
‫ً‬
‫واتلكرير الك أو بعضا لإلشارة إىل خطور الفعلني مجيعا يف إرادة املتلكمني بهذا اتلخصيص‪ ،‬أي‬
‫ً‬
‫خنصك باالستعانة أيضا مع ختصيصك بالعبادة) (‪.)3‬‬
‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ً‬
‫‪4‬ـ وقال أيضا‪( :‬ومعىن‪﴿ :‬يل عميل ولكم عملكم﴾ [يونس‪ ،]41 ،‬املتاركة‪ .‬وهو مما أجري ُمرى‬
‫املثل‪ ،‬وذللك بين ىلع االختصار ووفرة املعىن‪ ،‬فأفيد فيه معىن احلرص بتقديم املعمول وباتلعبري‬

‫(‪ )1‬ـ ابلحر املحيط ‪.406 :3‬‬


‫(‪ )2‬ـ السيويط‪ .‬اإلتقان ‪.174 :3‬‬
‫(‪ )3‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.183 :1‬‬
‫‪172‬‬
‫ه ه‬
‫باإلضافة بـ ﴿عميل﴾ و ﴿عملكم﴾‪ ،‬ولم يعرب بنحو يل ما أعمل ولكم ما تعملون‪ ،‬كما عرب به‬
‫بعد) (‪.)1‬‬
‫ه ه‬ ‫ه ه ل هل ه ه‬
‫ب قل أبالل‬ ‫‪5‬ـ ومن األمثلة ىلع ذلك‪ :‬قوهل تعاىل‪﴿ :‬ولِئ سأتل ههم يلقول لن إنما كنا خنوض ونلع‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫وآياته ور هسوهل كنتهم تستهزئون﴾ [اتلوبة‪ :]65 :‬فقدم معمول فعل االستهزاء عليه يلفيد القرص‬
‫واالستفهام عنه لإلنكار اتلوبييخ‪ ،‬واملعىن‪ :‬ألم جتدوا ما تستهزئون به يف خوضكم ولعبكم إال‬
‫الل وآياته ورسوهل‪ ،‬فقرصتم ذلك عليهما‪ ،‬ثم تظنون أن هذا عذر مقبول‪ ،‬فتدلون به بال خوف وال‬
‫حياء؟!‬
‫ال تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم أي‪ :‬قد كفرتم بهذا اخلوض واللعب بعد إيمانكم‪،‬‬
‫فاعتذاركم إقرار بذنبكم‪ ،‬وإنما االعتذار اإلدالء بالعذر‪ ،‬وهو بالضم ما يراد به حمو اذلنب‪ ،‬وترك‬
‫املؤاخذة عليه‪ ،‬وأنتم قد جئتم بما يثبت اذلنب ويقتض العقاب‪ ،‬أو هو كما قيل‪« :‬عذر أقبح من‬
‫اذلنب» يقال‪ :‬اعتذر إيل عن ذنبه فعذرته‪ ،‬أي‪ :‬قبلت عذره (‪.)2‬‬
‫وقد يتقدم املفعول ىلع فعله‪ ،‬أو يتقدم اجلار واملجرور أو الظرف واحلال‪ ،‬ألجل إفادة‬
‫ِّ‬
‫االختصاص‪ ،‬وهو إما باتلعيني يف الرتدد‪ ،‬أو برد اخلطأ‪ ،‬أي خطأ السامع يف تعيني املفعول وحنوه إىل‬
‫ً‬
‫الصواب‪ ،‬وهو املراد من اتلخصيص‪ ،‬كما يف اعتقاد العكس أو االشرتاك كقولك‪ :‬زيدا عرفت‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ملن تردد‪ ،‬إشارة إىل أنه اعتقد أنك عرفت إنسانا‪ ،‬لكن يرتدد يف تعيني أنك زيدا عرفت أم عمرا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فقولك‪ :‬زيدا عرفت‪ ،‬تعيني وختصيص‪ ،‬أو ملن أخطأ يف اعتقاده‪ ،‬بأن اعتقد أنك عرفت عمرا دون‬
‫ً‬
‫زيد‪ ،‬ىلع عكس عرفانك‪ ،‬فقولك زيدا عرفت‪ ،‬يفيد االختصاص برد اخلطأ‪ ،‬وإذا قلنا املاء رشبت‬
‫ال غريه‪ ،‬فهذا من االختصاص اذلي يشمل قرص القلب واإلفراد واتلعيني‪.‬‬
‫ّ‬
‫وقد ورد تقديم املفعول ىلع فعله أو فاعله ملزية يقتضيها املعىن املراد بثه يف انلفوس ومن ذلك‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ً‬
‫قوهل تعاىل‪﴿ :‬ساء مثال القو هم اذلين كذبهوا بيآياتنا وأنفس ههم َكنوا يظل همون﴾ [األعراف‪ ]177 :‬فلو جاء‬
‫ً‬
‫السياق مثال‪َ :‬كنوا يظلمون أنفسهم ملا حتققت مزية ختصيص أنفسهم وحدهم بالظلم‪ ،‬فجأة تقديم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وخصوا أنفسهم بالظلم لم يتعدها إىل غريها وهنا إبراز للنفس‬ ‫املفعول به لالختصاص كأنه قيل‪:‬‬
‫اليت ظلمت ّ‬
‫وختيل ألثره عليها‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.176 :11‬‬


‫(‪ )2‬ـ انظر‪ :‬تفسري املنار ‪.457 :10‬‬
‫‪173‬‬
‫ومن ذلك قوهل تعاىل‪﴿ :‬رساَيله ههم من قطران وتغَش هو هجوه هه هم ل‬
‫انل ه‬
‫ار﴾ [إبراهيم‪.]50 :‬‬ ‫ٍ‬
‫ً‬ ‫ل‬ ‫ً‬
‫وقد يقع الظرف خربا‪ ،‬أو يتقدم اجلار األصيل فيكون خربا‪ ،‬وحينئذ يشرتط يف الظرف الواقع‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫خربا وِف اجلار األصيل مع املجرور كذلك أن يكون تاما‪ ،‬أي ُيصل باإلخبار به فائدة بمجرد‬
‫ذكره‪ ،‬ويكمل به املعىن املطلوب من غري خفاء وال لبس‪ ،‬والبد للظرف أو اجلار واملجرور من‬
‫متعلق حىت تتم الفائدة أو املعىن‪ ،‬وإال لم يكن منهما فائدة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ل‬ ‫ه ه ل‬ ‫ه‬ ‫له‬
‫وهل فأن ههل نار جهنم خادلا فيها‬ ‫‪6‬ـ ومن األمثلة قوهل تعاىل‪﴿ :‬ألم يعل هموا أنه من ُيادد الل ورس‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫ذلك اخلزي العظيم﴾ [اتلوبة‪.]63 :‬‬

‫فقدم اخلرب (هل) ىلع اسم (أن)‪( :‬نار جهنم) إلفادة القرص‪ ،‬أي هل ال لغريه‪ ،‬واإلفراد يف (هل)‬
‫ً‬
‫و(خادلا) مراد به العموم‪.‬‬
‫ه ه‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫‪7‬ـ ومن ذلك ما جاء يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬قالت ل ههم هر هسل ههم إن حن هن إال برش مثلكم ولك لن الل‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫ان إال بإذن الل وىلع الل فليتوَّك‬ ‫يمن ىلع من يشاء من عباده وما َكن نلا أن نأتيكم بسلط ٍ‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫المؤمنهون‪ .‬وما نلا أال نتوَّك ىلع الل وقد هدانا هسبهلنا ونلصربن ىلع ما آذيته همونا وىلع الل فليتوَّك‬ ‫ه‬
‫ه ِّ ه‬
‫المتولكون) [إبراهيم ‪.]12-11‬‬
‫فف تقديم اجلار واملجرور يف لفظة اجلاللة ﴿وىلع الل﴾ يف اآليتني إلفادة القرص واتلخصيص‬
‫أي‪ :‬اتلوَّك واالعتماد ال يكون إال ىلع الل ال ىلع غريه‪.‬‬
‫ه ل‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اء لذلين‬‫‪8‬ـ ومن ذلك أيضا ما جاء يف السورة نفسها قوهل تعاىل‪﴿ :‬وبر هزوا ِل مجيعا فقال الضعف‬
‫كم تبعا ً فهل أنتهم همغنهون ع لنا من عذاب الل من َش ٍء قالهوا لو هدانا ه‬
‫الل‬
‫ه‬ ‫ه ل هل‬
‫ربوا إنا كنا ل‬ ‫استك‬
‫ه‬
‫يص﴾ [إبراهيم‪.]21:‬‬
‫لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صربنا ما نلا من حم ٍ‬
‫ً‬ ‫ه‬
‫جاء تقديم ﴿لكم﴾ ىلع ﴿تبعا﴾ إلفادة اتلخصيص اتلبعية هلم وقرصها عليهم دون غريهم‬
‫وحبس حياتهم رهن إشارتهم وفيه إظهار مدى ندامتهم وحرستهم ىلع تلك اتلبعية لسادتهم اذلين‬
‫ً‬
‫لم يستطيعوا أن يدفعوا عنهم وال عن أنفسهم شيئا وقد هلك اجلميع‪.‬‬
‫‪9‬ـ ومما جاء يف ختصيص امللك واحلمد بالل وحده دون غريه‪ ،‬قوهل تعاىل‪﴿ :‬يهسبِّ هح ِل ما يف‬
‫ه ِّ‬ ‫ه‬ ‫ه ه ه‬
‫هل احلم هد وهو ىلع ك َش ٍء قدير﴾ [اتلغابن‪.]1:‬‬
‫كو ه‬ ‫ل‬
‫السموات وما يف األرض هل المل‬

‫‪174‬‬
‫‪10‬ـ ومما جاء يف اتلقديم إلفادة اتلخصيص وراعية الفاصلة‪ ،‬قوهل تعاىل‪﴿ :‬بئسما اشرتوا به‬
‫اء من عباده فب ه‬
‫اءوا‬ ‫الل من فضله ىلع من يش ه‬‫ْنل ه‬ ‫الل َغيا ً أن هي ِّ‬
‫أن هفس ههم أن يك هف هروا بما أنزل ه‬
‫ه‬
‫ب وللاكفرين عذاب مهني﴾ [ابلقرة ‪.]90‬‬
‫ب ىلع غض ٍ‬
‫بغض ٍ‬
‫ِّ‬ ‫ه ه‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫‪11‬ـ ومنه أيضا قوهل تعاىل‪﴿ :‬ولقد أرسلنا من قبلك هر هسال إىل قومهم فجاؤوهم بابلينات‬
‫فانتقمنا من لاذلين أجر هموا ولان ح ّقا ً علينا ن ه‬
‫رص ال همؤمنني﴾ [الروم ‪.] 47‬‬
‫ً‬
‫فتقديم اتلوكيد ﴿حقا﴾ وتقديم خرب َكن ﴿علينا﴾ إلشعار املؤمنني بانلرص املحقق اذلي ال‬
‫مرية فيه وِف هذا ترسيخ للعقيدة وحسن اتلوَّك ىلع الل واثلقة فيه ال يف غريه‪ ،‬عندما يشعر املؤمن‬
‫ٌّ‬
‫خمتص بالل مقصور عليه سبحانه (‪.)1‬‬ ‫بأن انلرص‬
‫ومن الطرق اليت يستفاد منها القرص‪ :‬أن يكون القرص بدالالت يف الالكم تفهم من‪ :‬تقديم‬
‫ه‬
‫ما حقه اتلأخري يف اجلملة‪ ،‬أو إضافة ضمري الفصل‪ ،‬أو تعريف طرِف اإلسناد يف اجلملة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فأما تقديم ما حق هه اتلأخري يف اجلملة‪ ،‬فقد ل‬
‫نبه ابلالغيون ىلع أن تقديم ما حقه اتلأخري يف‬
‫يد القرص يف بعض هصوره‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬تقديم املعمول ىلع اعمله‪ ،‬أو تقديم املسند إيله‬ ‫اجلملة قد يهف ه‬

‫إذا َكن حقه يف اجلملة اتلأخري‪ ،‬أو تقديم املسند إذا َكن حقه يف اجلملة اتلأخري‪.‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ل‬
‫أما تقديم املعمول ىلع اعمله فجمهور ابلالغيني ىلع أنه يفيد القرص‪ ،‬سواء أكان مفعوال‪ ،‬أم‬
‫ل‬
‫جر‪ ،‬واملقصور عليه هو املقدم‪.‬‬ ‫ظرفاً‪ ،‬أم ُمرورا ً حبرف ّ‬
‫ل ل‬ ‫ّ‬ ‫كما يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬إيلاك نعبه هد وإيلاك نستع ه‬
‫عز وجل‬ ‫ني﴾‪ ،‬فدل هذا اتلقديم ىلع ختصيص الل‬
‫ل‬ ‫ل‬
‫بالعبادة واالستعانة‪ ،‬فاملعىن‪ :‬ال نعبهد إال إيّاك‪ ،‬وال نستعني إال بك‪.‬‬
‫والقرص هنا من قرص الصفة ىلع املوصوف‪ ،‬وهو قرص حقيق‪.‬‬
‫كونهوا هشهدآء ىلع ل‬ ‫ه‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫ه هلً‬
‫انلاس‬ ‫‪12‬ـ ومن األمثلة قوهل تعاىل‪﴿ :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا تل‬
‫ً‬ ‫ه‬ ‫ل ه‬ ‫ه‬
‫الر هسول عليكم شهيدا‪[ ﴾...‬ابلقرة ‪.]143‬‬ ‫ويكون‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ِّ‬ ‫ه ِّ‬
‫فأخرت الصلة عن اعملها يف العبارة األوىل‪﴿ :‬شهداء ىلع انلاس﴾‪ ،‬ألن املراد ُمرد إثبات‬
‫شهادة املسلمني ىلع انلاس دون ختصيصهم بهذه الشهادة‪ ،‬إذ قد يشه هد عليهم عيىس عليه السالم‬
‫اذلي ل ه‬
‫برشهم خباتم املرسلني‪ ،‬وسيشه هد عليهم عند نزوهل‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ انظر‪« :‬اإلعجاز ابلاليغ يف اتلقديم واتلأخري» لدلكتور حممد السيد عبد الرازق موىس‪.‬‬
‫‪175‬‬
‫ه‬ ‫ه ِّ‬ ‫ً‬ ‫ه‬ ‫ل ه‬ ‫ه‬ ‫ّ‬
‫الر هسول عليكم شهيدا﴾ فقد قدمت الصلة ﴿عليكم﴾‬ ‫أما يف العبارة اثلانية‪﴿ :‬ويكون‬
‫ل‬ ‫ً‬
‫ىلع اعملها ﴿شهيدا﴾؛ ألن املراد ختصيص الرسول بالشهادة عليهم‪.‬‬
‫ه‬ ‫‪13‬ـ ومن األمثلة قوهل تعاىل‪﴿ :‬أفتهؤمنهون ببعض الكتاب وتك هف هرون ببعض فما جز ه‬
‫آء من يفعل‬ ‫ٍ‬
‫ِّ‬ ‫ه ل‬
‫ذالك منكم إال خزي يف احلياة ادلنيا ويوم القيامة يهردون إىل أشد العذاب‪[ ﴾..‬ابلقرة ‪.]85‬‬
‫ِّ‬ ‫لّ‬ ‫ِّ‬ ‫ه ِّ ل ه‬
‫الرد إىل أشد‬ ‫فقدم الظرف ﴿ويوم القيامة﴾ ىلع اعمله ﴿يهردون إىل أشد العذاب﴾ إلفادة قرص‬
‫العذاب ىلع كونه يقع يوم القيام‪ ،‬وهو قرص حقيق‪.‬‬
‫ل‬
‫وأما تقديم املسند إيله إذا َكن حقه يف اجلملة اتلأخري‪ ،‬فقد يفيد القرص يف بعض أحواهل‪ ،‬وقد‬
‫ُمرد اتلقوية واتلأكيد‪ ،‬وداللة القرص يساعد عليها سباق الالكم وسياقه‪ ،‬وقرائن احلال‪،‬‬‫يفيد ّ‬
‫ل‬
‫واملقصور عليه هو املقدم‪.‬‬
‫فمن إفادة تقديم املسند إيله القرص ما ييل‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫األول‪ :‬أن يكون املسند إيله معرفة واملسن هد فعال مثبتا‪ ،‬كأن تقول‪« :‬أنا قمت» «أنا سعيت يف‬
‫حاجتك»‪.‬‬
‫قمت وحدي» «أنا سعي ه‬
‫ت يف حاجتك‬ ‫ه‬ ‫فإذا َكن القرص قرص «إفراد» جاء اتلأكيد بنحو‪« :‬أنا‬
‫وحدي»‪.‬‬
‫وإذا َكن قرص «قلب» جاء اتلأكيد بنحو‪« :‬أنا قهم ه‬
‫ت دون غريي»‪« ،‬أنا سعي ه‬
‫ت يف حاجتك ال‬
‫غريي» وكذلك إذا َكن القرص قرص تعيني‪.‬‬
‫وجل يف سورة انلمل يف عرض ّ‬ ‫ل ل‬
‫قصة هديلة ملكه سبأ لسليمان‬ ‫‪14‬ـ ومنه ما جاء يف قول الل عز‬
‫ه ه ه‬ ‫ِّ‬
‫المرسلون‪ .‬فل لما جيآء هسليمان قال‬ ‫السالم‪ ،‬قالت‪﴿ :‬وإين همرسلة إيلهم بهديل ٍة فناظرة بم يرجع‬
‫عليه ل‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ِّ‬
‫الل خري م لما آتاكم بل أنتهم بهديلتكم تفر هحون﴾ [انلمل‪35 :‬ـ ‪.]36‬‬‫أتهمدونن بمال فميآ آتاين ه‬
‫ٍ‬
‫المسند‪﴿ :‬تفر هحون﴾ مع تقديم املعمول‬ ‫انلص تقديم املسند إيله‪﴿ :‬أنتهم﴾ ىلع ه‬ ‫جاء يف هذا ِّ‬
‫ه‬
‫﴿بهديلتكم﴾ ىلع اعمله ﴿تفر هحون﴾‪.‬‬
‫انلص القرص اإلضايف‪،‬‬ ‫والشاهد هنا تقديم املسند إيله املفيد مع القرائن اليت اشتمل عليها ل‬
‫إيل‪ ،‬فأنا لست بها فرحاً‪ ،‬فما آتاين ا ه‬
‫لل خري‬
‫ل‬
‫يتعدى ل‬ ‫ل‬
‫واملعىن أن الفرح باهلديلة مقصور عليكم‪ ،‬ال‬
‫ل‬
‫مما آتاكم‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫ه ِّ‬ ‫ل ل‬
‫عز وجل لرسوهل بشأن املنافقني‪﴿ :‬وم لمن حولكم من األعراب‬ ‫‪15‬ـ ومنه ما جاء يف قول الل‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫همنافقون ومن أهل المدينة مردوا ىلع انلِّفاق ال تعل هم ههم حن هن نعل هم ههم‪[ ﴾..‬اتلوبة ‪.]101‬‬
‫قدم يف هذا انل ّص املسند إيله ﴿حن هن﴾ ىلع ال همسند ﴿نعل هم ههم﴾ إلفادة قرص العلم بهم ىلع الل‪،‬‬
‫ً‬ ‫ل‬
‫وظاهر أن القرص هنا هو من قبيل القرص اإلضايف‪ ،‬إذ قد تعل هم هه هم املالئكة أيضا‪ ،‬ولكن جاء‬
‫ه ه‬ ‫ل‬
‫القرص يف مقابلة نف العلم بهم عن الرسول‪ ،‬ولعل ذلك قد َكن قبل أن يعلمه الل بهم‪ ،‬أو أن بعض‬
‫املنافقني لم يهعلم الل رسوهل بهم‪.‬‬
‫ًّ‬
‫منفيا‪ ،‬كأن تقول ملن ختاطبه‪« :‬أنت ال تكذب» فهذه العبارة أبلغ‬ ‫المسن هد‬
‫اثلاين‪ :‬أن يكون ه‬

‫تكذب أنت» وهذا اتلقديم قد يفيد القرص بمساعدة القرائن‪.‬‬ ‫ه‬ ‫من أن تقول هل‪« :‬ال‬
‫ً‬ ‫ه‬ ‫ه ه ه ل ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل ل‬
‫عز وجل‪﴿ :‬كتب عليك هم القتال وهو كره لكم وعىس أن تكرهوا شيئا‬ ‫‪16‬ـ ومنه قول الل‬
‫ً ه ٌّ ل ه‬ ‫ه‬ ‫ل ه‬ ‫ه‬
‫الل يعل هم وأنتهم ال تعل همون﴾ [ابلقرة‪.]216 :‬‬ ‫كم و ه‬ ‫وهو خري لكم وعىس أن حتبوا شيئا وهو رش ل‬
‫انل ّص‪ ،‬وساعد ىلع‬ ‫رص عدم العلم ىلع املخاطبني يف ل‬ ‫فف قوهل‪﴿ :‬وأنتهم ال تعل همون﴾ يهالح هظ ق ه‬
‫هذه ادلاللة قوهل تعاىل قبله ﴿و ه‬
‫الل يعل هم﴾‪.‬‬
‫نكرة مثبتاً‪ ،‬كأن تقول‪ « :‬ه‬
‫رجل جاءين»‪.‬‬
‫ً‬
‫اثلالث‪ :‬أن يكون املسند إيله‬
‫فقد يفيد تقديم املسند إيله فيه هذه احلالة القرص بمساعدة القرائن من احلال أو من املقال‪.‬‬
‫فإذا كنت يف معرض تساؤل متسائل هل اذلي جاءك من الرجال أو من النساء؟ َكن قولك‪:‬‬
‫ً ل‬
‫«رجل جاءين» مفيدا أنه ليس امرأة‪.‬‬
‫ً‬
‫وإذا كنت يف معرض تساؤل متساءل هل جاءك رجل أو أكرث؟ َكن قولك‪« :‬رجل جاءين» مفيدا‬
‫ّ‬
‫أنه رجل واحد ال أكرث‪.‬‬
‫ه‬ ‫الرابع‪ :‬أن يأيت قبل املسند إيله حر هف نف‪ ،‬كأن تقول‪« :‬ما أنا ه‬
‫قلت هذا القول» أي‪ :‬أنام لم أقله‬
‫ّ‬
‫مع أن غريي قاهل فتدل بعبارتك ىلع قرص انلف ىلع نفسك‪ ،‬مع إثبات القول لغريك‪.‬‬
‫ّ ً‬ ‫ل‬ ‫ِّ‬
‫نصا يف ادلاللة (‪.)1‬‬ ‫وِف ك ذلك ال بهد من مساعدة القرائن‪ ،‬فليس القول‬

‫(‪ )1‬ـ انظر‪ :‬ابلالغة العربية أسسها وعلومها وفنونها ‪.536 :1‬‬
‫‪177‬‬
‫َ‬ ‫َ ) ُ ُ‬ ‫َ‬
‫الم ُ‬ ‫َ ُ َّ‬
‫الظ ْ‬
‫ور كثِريا ما ي ِفيد االخت ِصاص)‬
‫ِ‬ ‫جر‬ ‫أو‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫‪29‬ـ قاعدة‪( :‬تق ِديم‬
‫‪1‬ـ هذه القاعدة مستفادة من عدد من العلماء‪ ،‬منهم‪ :‬الزخمرشي والزركيش والشهاب اخلفايج‬
‫ل‬ ‫ه‬ ‫وابن اعشور‪ ،‬قال اإلمام الزخمرشي عند قوهل تعاىل‪﴿ :‬ذلك الكت ه‬
‫اب ال ريب فيه هدى لل همتقني﴾‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫[ابلقرة‪( :]2 :‬فإن قلت‪ :‬فهال قدم الظرف ىلع الريب‪ ،‬كما قدم ىلع الغول يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬ال فيها‬
‫غول﴾؟‬
‫ل‬
‫قلت‪ :‬ألن القصد يف إيالء الريب حرف انلف‪ ،‬نف الريب عنه‪ ،‬وإثبات أنه حق وصدق ال باطل‬
‫ً‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫وكذب‪ ،‬كما َكن املرشكون يدعونه‪ ،‬ولو أوىل الظرف لقصد إىل ما يبعد عن املراد‪ ،‬وهو أن كتابا‬
‫آخر فيه الريب ال فيه‪ ،‬كما قصد يف قوهل‪﴿ :‬ال فيها غول﴾ تفضيل مخر اجلنة ىلع مخور ادلنيا‪ ،‬بأنها‬
‫ال تغتال العقول كما تغتاهلا ه‪ ،‬كأنه قيل‪ :‬ليس فيها ما يف غريها من هذا العيب وانلقيصة) (‪.)1‬‬
‫وبعد أن أشار اإلمام ابن اعشور إىل الكم الزخمرشي قال‪( :‬يعين ألن اتلقديم يف مثله يفيد‬
‫ً‬
‫االختصاص‪ ،‬فيكون مفيدا أن نف الريب عنه مقصور عليه‪ ،‬وأن غريه من الكتب فيه الريب وهو‬
‫غري مقصود هنا‪.‬‬
‫وليس احلرص يف قوهل‪﴿ :‬ال ريب﴾ فيه بمقصود؛ ألن السياق خطاب للعرب املتحدين بالقرآن‬
‫وليسوا من أهل كتاب حىت يرد عليهم‪ .‬وإنما أريد أنهم ال عذر هلم يف إنكارهم أنه من عند الل‬
‫إذ هم قد دعوا إىل معارضته فعجزوا‪.‬‬
‫نعم يستفاد منه تعريض بأهل الكتاب اذلين آزروا املرشكني‪ ،‬وشجعوهم ىلع اتلكذيب به‪ ،‬بأن‬
‫ً‬
‫القرآن لعلو شأنه بني نظرائه من الكتب‪ ،‬ليس فيه ما يدعو إىل االرتياب يف كونه مْنال من الل‪،‬‬
‫إثارة للتدبر فيه هل َيدون ما يوجب االرتياب فيه‪ ،‬وذلك يستطري جاثم إعجابهم بكتابهم املبدل‬
‫املحرف‪ ،‬فإن الشك يف احلقائق رائد ظهورها‪ .‬والفجر باملستطري بني يدي طلوع الشمس بشري‬
‫بسفورها‪.‬‬
‫وقد بىن الكمه ىلع أن اجلملة املكيفة بالقرص يف حالة اإلثبات‪ ،‬لو دخل عليها نف وه بتلك‬
‫الكيفية أفاد قرص انلف ال نف القرص‪ .‬وأمثلة صاحب «املفتاح» يف تقديم املسند لالختصاص‬
‫سوى فيها بني ما جاء باإلثبات وما جاء بانلف‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ الكشاف ‪.34 :1‬‬


‫‪178‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫(‪.)1‬‬ ‫وعندي فيه نظر سأذكره عند قوهل تعاىل‪﴿ :‬ليس عليك هداهم﴾ [ابلقرة‪]272 :‬‬
‫ه‬ ‫ل‬ ‫ً ه ه ه‬ ‫ه هلً‬
‫‪2‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا تلكونوا شهداء ىلع انلاس ويكون‬
‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫ه‬ ‫ل ه‬
‫الر هسول عليكم شهيدا﴾ [ابلقرة‪ ،]143 :‬قال الزخمرشي‪( :‬فإن قلت‪ :‬لم أخرت صلة الشهادة أوال‬
‫ً‬ ‫ِّ‬
‫وقدمت آخرا؟‬
‫قلت‪ :‬ألن الغرض يف ل‬
‫األول إثبات شهادتهم ىلع األمم‪ ،‬وِف اآلخر اختصاصهم بكون الرسول‬
‫ً‬
‫شهيدا عليهم) (‪.)2‬‬
‫وقال اإلمام الزركيش‪( :‬وأما تقديم الظرف‪ ،‬ففيه تفصيل فإن َكن يف اإلثبات دل ىلع‬
‫االختصاص‪ ،‬كقوهل تعاىل‪﴿ :‬إ لن إيلنا إياَ ههم هث لم إ لن علينا حساَ ههم﴾ [الغاشية‪25 :‬ـ ‪ ،]26‬وكذلك‪ ﴿ :‬ه‬
‫هل‬
‫ه ه‬
‫هل احلم هد﴾ [اتلغابن‪ ،]1 :‬فإن ذلك يفيد اختصاص ذلك بالل تعاىل‪ :‬وقوهل‪﴿ :‬إلىل الل‬ ‫كو ه‬ ‫المل‬
‫رشون﴾ [آل عمران‪.]158 :‬‬‫هحت ه‬
‫ه‬ ‫ً ه‬
‫كونهوا هشهداء ىلع ل‬ ‫ه هلً‬
‫انلاس ويكون‬ ‫أي ال إىل غريه وقوهل‪﴿ :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا تل‬
‫ً‬ ‫ه‬ ‫ل ه‬
‫الر هسول عليكم شهيدا﴾ [ابلقرة‪ ،]143 :‬أخرت صلة الشهادة يف األول وقدمت يف اثلاين ألن الغرض‬
‫يف األول إثبات شهادتهم ىلع األمم وِف اختصاصهم بكون الرسول شهيدا عليهم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ل‬
‫وقوهل‪﴿ :‬وأرسلناك للناس ر هسوال﴾ [النساء‪ ،]79 :‬أي جلميع انلاس من العجم والعرب ىلع أن‬
‫اتلعريف لالستغراق‪.‬‬
‫وإن َكن يف انلف فإن تقديمه يفيد تفضيل املنف عنه كما يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬ال فيها غول وال‬
‫ه ه‬ ‫ه‬
‫هم عنها يْنفون﴾ [الصافات‪ ،]47 :‬أي ليس يف مخر اجلنة ما يف مخرة غريها من الغول وأما تأخريه‬
‫فإنها تفيد انلف فقط كما يف قوهل‪﴿ :‬ال ريب فيه﴾ [ابلقرة‪ ،]2 :‬فكذلك إذا قلنا العيب يف ادلار َكن‬
‫معناه نف العيب يف ادلار وإذا قلنا ال يف ادلار عيب َكن معناه أنها تفضل ىلع غريها بعدم العيب)‬
‫(‪.)3‬‬
‫ه ه ه‬
‫‪3‬ـ وِف حاشية الشهاب اخلفايج ىلع ابليضاوي عند قوهل تعاىل‪﴿ :‬وباآلخرة هم يوقنون﴾ [ابلقرة‪:‬‬

‫‪( :]4‬فهنا تقديمان‪:‬‬

‫(‪ )1‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪ .224 :1‬وسبق نقل الكم ابن اعشور عن هذه اآلية‪﴿ :‬ليس عليك هه ه‬
‫داهم﴾ [ابلقرة‪ ]272 :‬يف‬
‫المسند إذا احت لفت به قرائن قد يهف ه‬
‫يد احلرص)‪ ،‬ص ‪.167‬‬ ‫يم ه‬‫القاعدة رقم (‪( :)27‬تقد ه‬

‫(‪ )2‬ـ الكشاف ‪.199 :1‬‬


‫(‪ )3‬ـ الربهان‪.236 :3 :‬‬
‫‪179‬‬
‫تقديم الصلة وه اجلار واملجرور‪ ،‬وهو يفيد ختصيص إيقانهم باآلخرة‪ ،‬فإن قلت‪ :‬هذا اتلقديم‬
‫يفيد أنهم يؤمنون باآلخرة ال بغريها وهو غري صحيح هنا وال يفيد اتلعريض املراد ‪.‬‬
‫ل‬
‫قلت‪ :‬املراد بغري اآلخرة املتق عنهم إيمانهم باآلخرة اليت يزعمها أهل الكتاب‪ ،‬فاملعىن أن‬
‫ل‬
‫إيقانهم مقصور ىلع حقيقة اآلخرة ال يتعداها إىل ما هو خالف حقيقتها‪ ،‬ففيه تعريض بأن ما‬
‫عليه مقابلوهم ليس من حقيقة اآلخرة يف َشء‪ ،‬كأنه قيل‪ :‬يوقنون باآلخرة ال خبالفها كبقية أهل‬
‫الكتاب‪.‬‬
‫ل‬
‫اثلاين‪ :‬تقديم املسند إيله اذلي أخرب عنه جبملة يوقنون‪ ،‬وهو يفيد اتلخصيص (‪ ،)1‬وأن اإليقان‬
‫ل‬
‫باآلخرة منحرص فيهم ال يتجاوزهم إىل أهل الكتاب وفيه تعريض بأن اعتقادهم يف اآلخرة جهل‬
‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫للتقوي أيضا‬ ‫املنف يأيت إلفادة احلرص وقد يأيت‬ ‫حمض وختيل فارغ‪ ،‬فإن الضمري املقدم أو املزيد‬
‫كما حقق يف املعاين‪.‬‬
‫ّ‬
‫فف انلظم قرصان‪ ،‬وتعريضان‪ ،‬ال قرص واحد كما قيل‪ ،‬وتفصيل رده يف رشوح الكشاف‪.‬‬
‫ل‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫واملراد بابلناء جعله خربا ال خربا مؤخرا كما قيل إال أن يراد بيان الواقع هنا‪ ،‬فإن ابلناء كما‬
‫ألن املحمول كأنه ٌّ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬
‫مبين ىلع املوضوع‪،‬‬ ‫مر يكون مقابل اإلعراب وصوغ اللكمة وابلنية واالخبار؛‬
‫ً‬
‫كما يشعر به تعبري املحمول واملوضوع أيضا) (‪.)2‬‬
‫ل ه ل‬ ‫هه ه ه‬ ‫الل إ لال بهرشى وتلطم ل‬
‫‪4‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬وما جعل هه ه‬
‫رص إال من عند‬ ‫وبكم وما انل‬ ‫ِئ به قل‬
‫ل‬
‫الل إن الل عزيز حكيم﴾ [آل عمران‪ ،]10 :‬قال اإلمام ابن اعشور‪( :‬تقديم املجرور هنا يف قوهل‪﴿ :‬به‬
‫هه ه ه‬
‫وبكم﴾ وهو يفيد االختصاص‪ ،‬فيكون املعىن‪ :‬وتلطمِئ به قلوبكم ال بغريه‪ ،‬وِف هذا‬ ‫قل‬
‫االختصاص تعريض بما اعرتاهم من الوجل من الطائفة ذات الشوكة وقناعتهم بغنم العروض اليت‬
‫َكنت مع العري‪ ،‬فعرض هلم بأنهم لم يتفهموا مراد الرسول صَّل الل عليه وسلم‪ ،‬حني استشارهم‪،‬‬
‫ً‬
‫وأخربهم بان العري سلكت طريق الساحل فاكن ذلك َكفيا يف أن يعلموا أن الطائفة املوعود بها‬
‫تمحضت أنها طائفة انلفري‪.‬‬

‫عيل قد يهف ه‬ ‫يم ه‬ ‫ً‬


‫مثاال للقاعدة رقم (‪( :)26‬تقد ه‬
‫يد االختصاص)‪ ،‬ص‬ ‫المسند إيله ىلع اخلرب الف ِّ‬ ‫(‪ )1‬ـ وهذا اتلقديم يصلح‬
‫‪.161‬‬
‫(‪ )2‬ـ حاشية الشهاب اخلفايج ىلع ابليضاوي ‪.237 :1‬‬
‫‪180‬‬
‫ولان الشأن أن يظنوا بوعد الل أكمل األحوال‪ ،‬فلما أراد الل تسكني روعهم‪ ،‬وعدهم بنرصة‬
‫املالئكة علما بأنه ال يطمِئ قلوبهم إال ذلك‪.‬‬
‫وجعل الفخر‪ :‬اتلقديم هنا ملجرد االهتمام بذلك الوعد‪ ،‬وذلك من وجوه اتلقديم لكنه وجه‬
‫تأخريه يف آل عمران بما هو غري مقبول) (‪.)1‬‬
‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ه‬
‫‪5‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬إيله مرج هعكم مجيعا وعد الل حقا﴾ [يونس‪ ]4 :‬قال أيضا‪( :‬وِف تقديم‬
‫ه‬
‫املجرور يف قوهل‪﴿ :‬إيله مرج هعكم﴾ إفادة القرص‪ ،‬أي ال إىل غريه‪ ،‬قطع ملطامع بعضهم القائلني يف‬
‫ه ه‬
‫إهلتهم‪﴿ :‬ه هؤالء شفعاؤنا عند الل﴾ [يونس‪ ]18 :‬يريدون أنهم شفعاء ىلع تسليم وقوع ابلعث للجزاء‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فإذا َكن الرجوع إيله ال إىل غريه َكن حقيقا بالعبادة ولانت عبادة غريه باطال) (‪.)2‬‬
‫‪6‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬وِف ذلك فليتنافس ه‬
‫المتناف هسون﴾ [املطففني‪ ،]26 :‬قال‪( :‬وتقديم املجرور‬
‫إلفادة احلرص‪ ،‬أي وِف ذلك الرحيق فليتنافس انلاس‪ ،‬ال يف رحيق ادلنيا اذلي يتنافس فيه أهل‬
‫ابلذخ‪ ،‬وَيلبونه من أقايص ابلالد وينفقون فيه األموال‪.‬‬
‫وملا َكنت الواو اعرتاضية لم يكن إشاكل يف وقوع فاء اجلواب بعدها‪ .‬والفاء إما أن تكون‬
‫فصيحة‪ ،‬واتلقدير‪ :‬إذا علمتم األوصاف هلذا الرحيق فليتنافس فيه املتنافسون‪ ،‬أو اتلقدير‪ :‬وِف‬
‫ذلك فلتتنافسوا فليتنافس فيه املتنافسون‪.‬‬
‫فتكون اجلملة يف قوة اتلذييل ألن املقدر هو تنافس املخاطبني‪ ،‬واملرصح به تنافس مجيع‬
‫املتنافسني فهو تعميم بعد ختصيص‪.‬‬
‫وإما أن تكون الفاء فاء جواب لرشط مقدر يف الالكم‪ ،‬يؤذن به تقديم املجرور ألن تقديم‬
‫ه ه‬ ‫ً‬
‫املجرور كثريا ما يعامل معاملة الرشط‪ ،‬كما روي قول انليب صَّل الل عليه وسلم‪( :‬كما تكونوا‬
‫ه‬ ‫ل‬
‫يهول عليكم) (‪ )3‬جبزم (تكونوا) و (يول)‪ ،‬فاتلقدير‪ :‬إن علمتم ذلك فليتنافس فيه املتنافسون‪.‬‬
‫وإما أن تكون الفاء تفريعا ىلع حمذوف ىلع طريقة احلذف ىلع رشيطة اتلفسري‪ ،‬واتلقدير‪:‬‬
‫وتنافسوا صيغة أمر يف ذلك‪ ،‬فليتنافس املتنافسون فيه‪ ،‬ويكون الالكم مؤذنا بتوكيد فعل اتلنافس‬
‫ألنه بمْنلة املذكور مرتني‪ ،‬مع إفادة اتلخصص بتقديم املجرور) (‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.277 :9‬‬


‫(‪ )2‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.90 :11‬‬
‫عمول يتض لم هن معىن االشرتاط ل‬
‫واتلقييد)‪ ،‬ص ‪.104‬‬ ‫يم الم ه‬
‫(‪ )3‬ـ سبق خترَيه يف القاعدة رقم (‪( :)12‬تقد ه‬

‫(‪ )4‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.206 :30‬‬


‫‪181‬‬
‫ً‬
‫‪7‬ـ وقال أيضا‪( :‬وتقديم ﴿وإىل ر ِّبك﴾ [الرشح‪ ،]8 ،‬ىلع ﴿فارغب﴾ [الرشح‪ ،]8 :‬إلفادة االختصاص‪،‬‬
‫أي إيله ال إىل غريه تكون رغبتك فإن صفة الرسالة أعظم صفات اخللق فال يليق بصاحبها أن‬
‫يرغب غري الل تعاىل) (‪.)1‬‬
‫ّ ً‬ ‫ه‬
‫‪8‬ـ وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬فبما رمح ٍة من الل نلت ل ههم ولو كنت فظا غليظ القلب النفضوا من‬
‫ه‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫حولك فاعف عن ههم واستغفر ل ههم وشاورهم يف األمر فإذا عزمت فتوَّك ىلع الل إن الل ُيب‬
‫ه ِّ‬
‫المتولكني﴾ [آل عمران‪ ]159:‬قال‪( :‬تقديم املجرور مفيد للحرص اإلضايف‪ ،‬أي‪ :‬برمحة من الل ال بغري‬
‫ذلك من أحواهلم‪ ،‬وهذا القرص مفيد اتلعريض بأن أحواهلم َكنت مستوجبة الغلط عليهم‪ ،‬ولكن‬
‫الل أالن خلق رسوهل رمحة بهم‪ ،‬حلكمة علمها الل يف سياسة هذه األمة‪.‬‬
‫وزيدت ما بعد باء اجلر تلأكيد ا جلملة بما فيها من القرص‪ ،‬فتعني بزيادتها كون اتلقديم‬
‫للحرص‪ ،‬ال ملجرد االهتمام‪ ،‬ل‬
‫ونبه عليه يف الكشاف) (‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ُ ََ‬ ‫َ َ َ ُ‬
‫خصيص مع اتلَّق ِد ِ‬
‫يم يكون االهتمام أقوى)‬ ‫حني َيت ِمع اتلَّ ِ‬
‫‪30‬ـ قاعدة‪ِ ( :‬‬
‫ه‬
‫هذه القاعدة مستفادة من الكم الشيخ ابن اعشور فقد قال يف تفسريه عند قوهل تعاىل‪﴿ :‬قل‬
‫ه ه‬ ‫ِّ‬ ‫ل‬
‫إنما ح لرم ريب الفواح ما ظهر منها وما َطن واإلثم وابليغ بغري احل ِّق وأن ترشكوا بالل ما لم‬
‫ه ه‬ ‫ً‬ ‫هي ِّ‬
‫ْنل به هسلطانا وأن تقولوا ىلع الل ما ال تعل همون﴾ [األعراف‪( :]33 :‬وأما اإلثم فهو ك ذنب‪ ،‬فهو‬
‫ه‬
‫أعم من الفواح ‪ ،‬وتقدم يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬قل فيهما إثم كبري﴾ يف سورة ابلقرة [‪ .]219‬وقوهل‪:‬‬
‫ه‬
‫﴿وذ هروا ظاهر األثم وباطنه﴾ يف سورة األنعام [‪ ،]120‬فيكون ذكر الفواح قبله لالهتمام باتلحذير‬
‫منها قبل اتلحذير من عموم اذلنوب‪.‬‬
‫فهو من ذكر اخلاص قبل العام لالهتمام‪ ،‬كذكر اخلاص بعد العام‪ ،‬إال أن االهتمام احلاصل‬
‫ً‬
‫باتلخصيص مع اتلقديم أقوى ألن فيه اهتماما من جهتني) (‪.)3‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫(‪ )1‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.418 :30‬‬
‫ل‬
‫(‪ )2‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪ .144 :4‬ونص الكم الزخمرشي‪«( :‬ما» مزيدة للتوكيد‪ ،‬وادلاللة ىلع أن يلنه هلم ما َكن إال برمحة‬
‫من الل‪ ،‬وحنوه‪﴿ :‬فبما نقضهم ميثاق ههم لع لن ه‬
‫اهم﴾) الكشاف ‪.431 :1‬‬
‫(‪ )3‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.100 :8‬‬
‫‪182‬‬
‫املبحث السابع‪ :‬قواعد يف تقديم الضمري وتقديم املفعول‬
‫سأذكر يف هذا املبحث ثالث قواعد من قواعد اتلقديم واتلأخري تتعلق بتقديم الضمري‪،‬‬
‫يد االختصاص)‪ .‬كما يف قوهل‬ ‫الضمري كثريا ً ما يهف ه‬
‫ه ل‬
‫وبتقديم املفعول‪ ،‬وأول هذه القواعد‪( :‬تقديم‬
‫ل‬ ‫ه ل‬
‫ار اذلين كف هروا﴾ [األنبياء‪ ،]97 :‬يلفيد أن‬ ‫تعاىل‪﴿ :‬واقرتب الوع هد احلق فإذا ه شاخصة أبص‬
‫ٌّ‬
‫الشخوص خاص بالاكفرين دون غريهم‪.‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫يم لـما ماكنه اتلأخري يهراد به االختصاص)‪ .‬فهناك أغراض أخرى‬ ‫ثم قاعدة‪( :‬ليس ك تقد ٍ‬
‫للتقديم‪.‬‬
‫اتلقديم احلرص من تقديم‬ ‫فعول مع اشتغال فعله بضمريه ه‬
‫آكد يف إفادة ل‬ ‫يم الم ه‬
‫ثم قاعدة‪( :‬تقد ه‬

‫المشتغل بضمريه)‪ .‬كما يف قوهل سبحانه‪﴿ :‬وإيلاي فارهبهون﴾ [ابلقرة‪،]40 :‬‬


‫فعول ىلع الفعل غري ه‬‫الم ه‬

‫فتقديم املفعول هنا متعني لالختصاص‪ ،‬وتقديم املفعول مع اشتغال فعله بضمريه آكد يف إفادة‬
‫اتلقديم للحرص من تقديم املفعول ىلع الفعل غري املشتغل بضمريه‪.‬‬
‫ً‬
‫وأبدأ مستمدا العون من الل سبحانه بالقاعدة األوىل يف هذا املبحث‪:‬‬
‫) ُ ُ ْ َ َ‬ ‫َ ْ ُ َّ‬
‫ري كثريا ما ي ِفيد االختِصاص)‬
‫ِ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫الض‬ ‫‪31‬ـ قاعدة‪( :‬تق ِديم‬
‫هذه القاعدة مستفادة من عدد من العلماء‪ ،‬منهم اإلمام نرص الل بن حممد أبو الفتح‪ ،‬املعروف‬
‫بابن األثري (املتوّف‪637 :‬ه)‪ ،‬فقد قال يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬واقرتب الوع هد احلق فإذا ه شاخصة أبص ه‬
‫ار‬
‫ل‬
‫اذلين كف هروا﴾ [األنبياء‪( :]97 :‬إنما قال ذلك‪ ،‬ولم يقل‪ :‬فإذا أبصار اذلين كفروا شاخصة ألمرين‪:‬‬
‫أحدهما ختصيص األبصار بالشخوص دون غريها‪ ،‬أما األول فلو قال‪ :‬فإذا أبصار اذلين كفروا‬
‫شاخصة جلاز أن يضع موضع «شاخصة» غريه‪ ،‬فيقول‪« :‬حائرة»‪ ،‬أو «مطموسة»‪ ،‬أو غري ذلك‪ ،‬فلما‬
‫قدم الضمري اختص الشخوص باألبصار دون غريها‪.‬‬
‫ً‬
‫وأما اثلاين‪ :‬فإنه ملا أراد أن الشخوص بهم دون غريهم دل عليه بتقديم الضمري أوال‪ ،‬ثم‬
‫ً‬
‫بصاحبه ثانيا‪ ،‬كأنه قال‪ :‬فإذا هم شاخصون دون غريهم‪ ،‬ولوال أنه أراد هذين األمرين املشار‬
‫إيلهما لقال‪ :‬فإذا أبصار اذلين كفروا شاخصة؛ ألنه أخرص حبذف الضمري من الالكم‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫الط هه ه‬ ‫ه‬
‫(هو ل‬
‫ور‬ ‫ومن هذا انلوع قول انليب صَّل الل عليه وسلم وقد سئل عن ماء ابلحر‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫ماؤ هه احلل ميتتهه) (‪ ،)1‬وتقدير الالكم‪ :‬هو اذلي ماؤه طهور‪ ،‬وميتته حل؛ ألن األلف والالم ههنا‬
‫بمعىن اذلي‪.‬‬
‫ً‬
‫وأما تقديم الظرف‪ ،‬فإنه إذا َكن الالكم مقصودا به اإلثبات‪ ،‬فإن تقديمه أوىل من تأخريه‪،‬‬
‫وفائدته إسناد الالكم الواقع بعده إىل صاحب الظرف دون غريه‪.‬‬
‫فإذا أريد بالالكم انلف فيحسن فيه تقديم الظرف وتأخريه‪ ،‬والك هذين األمرين هل موضع‬
‫يتص به‪.‬‬
‫فأما تقديمه يف انلف‪ ،‬فإنه يقصد به تفضيل املنف عنه ىلع غريه أما تأخريه‪ ،‬فإنه يقصد به‬
‫انلف أصال من غري تفضيل‪.‬‬
‫فأما األول ـ وهو تقديم الظرف يف اإلثبات ـ فكقولك يف الصورة املقدمة‪ :‬إن إيل مصري هذا‬
‫األمر‪ ،‬ولو أخرت الظرف‪ ،‬فقلت‪ :‬إن مصري هذا األمر إيل‪ ،‬لم يعط من املعىن ما أعطاه األول‪،‬‬
‫وذلك أن األول دل ىلع أن مصري األمر ليس إال إيلك‪ ،‬وذلك خبالف اثلاين‪ ،‬إذ ُيتمل أن توقع‬
‫الالكم بعد الظرف ىلع غريك‪ ،‬فيقال‪ :‬إىل زيد‪ ،‬أو عمرو‪ ،‬أو غريهما‪.‬‬
‫ه ل‬ ‫ل‬
‫ىلع حنو منه جاء قوهل تعاىل‪﴿ :‬إن إيلنا إياَ ههم‪ .‬ث لم إن علينا حساَ ههم﴾ [الغاشية‪25 :‬ـ ‪.]26‬‬
‫ه‬ ‫ه ه ه ه‬ ‫ل‬ ‫ه ِّ ه‬
‫وكذلك جاء قوهل تعاىل‪﴿ :‬يسبح ِل ما يف السموات وما يف األرض هل الملك وهل احلمد﴾ [اتلغابن‪:‬‬

‫‪.]1‬‬
‫ه ه ه‬
‫هل احلم هد﴾؛ يلدل بتقديمها ىلع اختصاص‬
‫كو ه‬ ‫فإنه إنما قدم الظرفني ههنا يف قوهل ﴿هل المل‬
‫امللك‪ ،‬واحلمد بالل ال بغريه‪.‬‬
‫ً‬
‫﴿و هجوه يومئ ٍذ نارضة‪ ،‬إىل ر ِّبها‬
‫وقد استعمل تقديم الظرف يف القرآن كثريا كقوهل تعاىل‪ :‬ه‬

‫ناظرة﴾ [القيامة‪22 :‬ـ ‪ ،]23‬أي تنظر إىل ربها دون غريه‪ ،‬فتقديم الظرف ههنا ليس لالختصاص‪ ،‬وإنما‬
‫هو َكذلي أرشت إيله يف تقديم املفعول‪ ،‬وأنه لم يقدم لالختصاص‪ ،‬وإنما قدم من أجل نظم الالكم؛‬
‫﴿و هجوه يومئ ٍذ نارضة‪ ،‬إىل ر ِّبها ناظرة﴾‪ ،‬أحسن من أن لو قيل‪ :‬وجوه يومئذ نارضة‬
‫ألن قوهل تعاىل‪ :‬ه‬

‫ناظرة إىل ربها‪ ،‬والفرق بني انلظمني ظاهر‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ سبق خترَيه ص ‪.29‬‬


‫‪184‬‬
‫ه‬ ‫ل ه‬ ‫ل‬
‫الساق‪ ،‬إىل ر ِّبك يومئ ٍذ المساق﴾ [القيامة‪29 :‬ـ ‪ ،]30‬فإن هذا‬
‫اق ب ل‬‫وكذلك قوهل تعاىل‪﴿ :‬واتلفت الس‬
‫رويع فيه حسن انلظم ال االختصاص‪ ،‬يف تقديم الظرف‪.‬‬
‫وِف القرآن مواضع كثرية من هذا القبيل يقيسها غري العارف بأرسار الفصاحة ىلع مواضع‬
‫أخرى‪ ،‬وردت لالختصاص‪ ،‬وليست كذلك‪.‬‬
‫المستقر﴾ [القيامة‪.]12 :‬‬‫فمنها قوهل تعاىل‪﴿ :‬إىل ر ِّبك يومئذ ه‬
‫ٍ‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬
‫ه‬
‫وقوهل تعاىل‪﴿ :‬أال إىل الل تصري األمور﴾ [الشورى‪ ،]53 :‬و﴿هل احلكم وإيله ترجعون﴾ [القصص‪:‬‬
‫يب﴾ [هود‪.]88 :‬‬ ‫ت وإيله أهن ه‬
‫‪ ،]88‬و﴿عليه تو للك ه‬

‫فإن هذه مجيعها لم تقدم الظروف فيها لالختصاص‪ ،‬وإنما قدمت ملرااعة احلسن يف نظم الالكم‪،‬‬
‫فاعرف ذلك‪.‬‬
‫وأما اثلاين‪ :‬وهو تأخري الظرف وتقديمه يف انلف‪ ،‬فنحو قوهل تعاىل‪﴿ :‬الم‪ .‬ذلك الكت ه‬
‫اب ال ريب‬
‫ه ه‬ ‫ه‬
‫فيه﴾ [ابلقرة‪1 :‬ـ ‪ ،]2‬وقوهل تعاىل‪﴿ :‬ال فيها غول وال هم عنها يْنفون﴾ [الصافات‪ .]47 :‬فإنه إنما أخر‬
‫الظرف يف األول؛ ألن القصد يف إيالء حرف انلف الريب نف الريب عنه‪ ،‬وإثبات أنه حق وصدق‪،‬‬
‫ال باطل وكذب‪ ،‬كما َكن املرشكون يدعونه‪.‬‬
‫ً‬
‫ولو قدم الظرف لقصد أن كتابا آخر فيه الريب ال فيه‪ ،‬كما قصد يف قوهل‪﴿ :‬ال فيها غول﴾‪،‬‬
‫ً‬
‫فتأخري الظرف يقتض انلف أصال من غري تفصيل‪ ،‬وتقديمه يقتض تفضيل املنف عنه‪ ،‬وهو مخر‬
‫اجلنة‪ ،‬ىلع غريها من مخور ادلنيا‪ ،‬أي ليس فيها ما يف غريها من الغول‪ ،‬وهذا مثل قونلا‪ :‬ال عيب‬
‫يف ادلار‪ ،‬وقونلا ال فيها عيب‪ ،‬فاألول نف للعيب عن ادلار فقط‪ ،‬واثلاين تفضيل هلا ىلع غريها‪ :‬أي‬
‫ليس فيها ما يف غريها من العيب‪ ،‬فاعرف ذلك فإنه من دقائق هذا ابلاب) (‪.)1‬‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬حن هن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إيلك هذا القرآن وإن كنت‬
‫ل‬
‫من قبله لمن الغافلني﴾ [يوسف‪ ،]3 :‬قال الشيخ ابن اعشور‪( :‬هذه اجلملة تتْنل من مجلة ﴿إنا أنزنل هاه‬
‫ً‬ ‫ه ً‬
‫قرآنا عربيا﴾ [سورة يوسف‪ ]2 :‬مْنلة بدل االشتمال ألن أحسن القصص مما يشتمل عليه إنزال‬
‫القرآن‪ .‬وكون القصص من عند الل يتْنل مْنلة االشتمال من مجلة تأكيد إنزاهل من عند الل‪.‬‬
‫ً‬ ‫ه‬
‫وقوهل‪﴿ :‬بما أوحينا إيلك هذا القرآن﴾ [يوسف‪ ،]3 :‬يتضمن رابطا بني مجلة ابلدل واجلملة املبدل‬
‫منها‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ املثل السائر يف أدب الاكتب والشاعر ‪.176 :2‬‬


‫‪185‬‬
‫وافتتاح اجلملة بضمري العظمة للتنويه باخلرب‪ ،‬كما يقول كتاب «ادليوان»‪ :‬أمري املؤمنني يأمر‬
‫بكذا‪.‬‬
‫ً‬
‫وتقديم الضمري ىلع اخلرب الفعيل يفيد االختصاص‪ ،‬أي حنن نقص ال غرينا‪ ،‬ردا ىلع من يطعن‬
‫﴿إنما هيعلِّ هم هه برش﴾ [سورة انلحل‪ ]103 :‬وقوهلم‪﴿ :‬أساط ه‬
‫ري األ لولني‬
‫ل‬
‫من املرشكني يف القرآن بقوهلم‪:‬‬
‫اكتتبها﴾ [سورة الفرقان‪ ،]5 :‬وقوهلم‪ :‬يعلمه رجل من أهل ايلمامة اسمه الرمحان‪ .‬وقول انلرض بن‬
‫احلارث املتقدم ديباجة تفسري هذه السورة‪.‬‬
‫وِف هذا االختصاص توافق بني مجلة ابلدل واجلملة املبدل منها يف تأكيد كون القرآن من عند‬
‫ً‬ ‫ه ً‬
‫الل املفاد بقوهل‪ ﴿ :‬إنلا أنزنل هاه قرآنا عربيا ﴾ [سورة يوسف‪.)1( )]2 :‬‬
‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ َ‬
‫يم ل ِـما مَكنه اتلأخري ي َراد بِه االختصاص)‬
‫‪32‬ـ قاعدة‪( :‬ليس ك تق ِد ٍ‬
‫هذه القاعدة ذكرها اإلمام نرص الل بن حممد أبو الفتح‪ ،‬املعروف بابن األثري (املتوّف‪637 :‬ه)‬
‫يف كتابه (املثل السائر يف أدب الاكتب والشاعر)‪ ،‬ولفظه‪( :‬ليس ك تقديم لـما ماكنه اتلأخري من‬
‫باب االختصاص) فقال‪( :‬انلوع اتلاسع‪ :‬يف اتلقديم واتلأخري‪ ...‬وهو رضبان‪:‬‬
‫األول‪ :‬يتص بداللة األلفاظ ىلع املعاين‪ ،‬ولو أخر املقدم أو قدم املؤخر تلغري املعىن‪.‬‬
‫واثلاين‪ :‬يتص بدرجة اتلقدم يف اذلكر الختصاصه بما يوجب هل ذلك‪ ،‬ولو أخر ملا تغري املعىن‪.‬‬
‫فأما الرضب األول‪ ،‬فإنه ينقسم إىل قسمني‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬يكون اتلقديم فيه هو األبلغ‪ .‬واآلخر‪ :‬يكون اتلأخري فيه هو األبلغ‪.‬‬
‫فأما القسم اذلي يكون اتلقديم فيه هو األبلغ‪ ،‬فكتقديم املفعول ىلع الفعل‪ ،‬وتقديم اخلرب‬
‫ىلع املبتدأ‪ ،‬وتقديم الظرف أو احلال‪ ،‬أو االستثناء ىلع العامل‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فمن ذلك تقديم املفعول ىلع الفعل‪ ،‬كقولك‪ :‬زيدا رضبت‪ ،‬ورضبت زيدا‪ ،‬فإن يف قولك‪ :‬زيدا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫رضبت‪ ،‬ختصيصا به بالرضب دون غريه‪ ،‬وذلك خالف قولك‪« :‬رضب زيدا»؛ ألنك إذا قدمت‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الفعل كنت باخليار يف إيقاعه ىلع أي مفعول شئت‪ ،‬بأن تقول‪ :‬خادلا‪ ،‬أو بكرا‪ ،‬أو غريهما‪ ،‬وإذا‬
‫أخرته لزم االختصاص للمفعول‪.‬‬

‫(‪ )1‬ـ اتلحرير واتلنوير‪.202 :12 .‬‬


‫‪186‬‬
‫وكذلك تقديم خرب املبتدأ عليه‪ ،‬كقولك‪ :‬زيد قائم‪ ،‬وقائم زيد‪ ،‬فقولك‪« :‬قائم زيد» قد أثبت هل‬
‫القيام دون غريه‪ ،‬وقولك‪« :‬زيد قائم» أنت باخليار يف إثبات القيام هل‪ ،‬ونفيه عنه‪ ،‬بأن تقول‪ :‬ضارب‪،‬‬
‫أو جالس‪ ،‬أو غري ذلك‪.‬‬
‫وهكذا َيري احلكم يف تقديم الظرف‪ ،‬كقولك‪ :‬إن إيل مصري هذا األمر‪ ،‬وقولك‪ :‬إن مصري‬
‫هذا األمر إيل‪ ،‬فإن تقديم الظرف دل ىلع أن مصري األمر ليس إال إيلك خبالف قولك‪ :‬إن مصري‬
‫هذا األمر إيل‪ ،‬إذ ُيتمل إيقاع الالكم بعد الظرف ىلع غريك‪ ،‬فيقال‪ :‬إىل زيد‪ ،‬أو عمرو‪ ،‬أو غريهما‪.‬‬
‫وكذلك َيري األمر يف احلال واالستثناء‪.‬‬
‫وقال علماء ابليان‪ ،‬ومنهم الزخمرشي رمحه الل‪ :‬إن تقديم هذه الصورة املذكورة إنما هو‬
‫لالختصاص‪ ،‬وليس كذلك‪.‬‬
‫واذلي عندي فيه أن يستعمل ىلع وجهني‪ :‬أحدهما‪ :‬االختصاص‪.‬‬
‫واآلخر‪ :‬مرااعة نظم الالكم‪ ،‬وذاك أن يكون نظمه ال ُيسن إال باتلقديم‪ ،‬وإذا أخر املقدم ذهب‬
‫ذلك احلسن‪ ،‬وهذا الوجه أبلغ وأوكد من االختصاص‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ه‬
‫فأما األول ـ اذلي هو االختصاص ـ فنحو قوهل تعاىل‪﴿ :‬قل أفغري الل تأ هم هروين أعبه هد أيها‬
‫ل‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫اجلاهلون‪ ،‬ولقد أويح إيلك وإىل اذلين من قبلك لِئ أرشكت يلحبطن عملك وتلكونن من‬
‫ل‬ ‫ه‬
‫اخلارسين‪ ،‬بل الل فاعبهد وكن من الشاكرين﴾ [الزمر‪64 :‬ـ ‪.]66‬‬
‫فإنه إنما قال‪﴿ :‬بل الل فاعبهد﴾‪ ،‬ولم يقل‪« :‬بل اعبد الل»؛ ألنه إذا تقدم وجب اختصاص‬
‫العبادة به دون غريه‪ ،‬ولو قال‪« :‬بل اعبد» جلاز إيقاع الفعل ىلع أي مفعول شاء‪.‬‬
‫وأما الوجه اثلاين ـ اذلي يتص بنظم الالكم ـ فنحو قوهل تعاىل‪﴿ :‬إيلاك نعبه هد وإيلاك نستع ه‬
‫ني﴾‪.‬‬
‫وقد ذكر الزخمرشي يف تفسريه أن اتلقديم يف هذا املوضع قصد به االختصاص‪ ،‬وليس كذلك‪،‬‬
‫فإنه لم يقدم املفعول فيه ىلع الفعل لالختصاص‪ ،‬وإنما قدم ملاكن نظم الالكم؛ ألنه لو قال‪ :‬نعبدك‬
‫ونستعينك لم يكن هل من احلسن ما لقوهل‪﴿ :‬إيلاك نعبه هد وإيلاك نستع ه‬
‫ني﴾‪ ،‬أال ترى أنه تقدم قوهل‬
‫ادلين﴾‪ ،‬فجاء بعد ذلك قوهل‪﴿ :‬إيلاك‬
‫الرحيم‪ ،‬مالك يوم ِّ‬ ‫تعاىل‪﴿ :‬احلم هد ِل ر ِّب العالمني‪ ،‬ل‬
‫الرمحن ل‬

‫ني﴾‪ ،‬وذاك ملرااعة حسن انلظم السجيع اذلي هو ىلع حرف انلون‪ ،‬ولو قالك‬ ‫نعبه هد وإيلاك نستع ه‬

‫نعبدك ونستعينك ذلهبت تلك الطالوة‪ ،‬وزال ذلك احلسن‪.‬‬


‫ً‬
‫وهذا غري خاف ىلع أحد من انلاس‪ ،‬فضال ىلع أرباب علم ابليان‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫ل‬ ‫ه‬ ‫ً‬
‫وىلع حنو منه ورد قوهل تعاىل‪﴿ :‬فأوجس يف نفسه خيفة هموىس‪ .‬قلنا ال ختف إنك أنت األىلع﴾‬
‫[طه‪ 67 :‬ـ ‪ ،]68‬وتقدير الالكم‪ :‬فأوجس موىس يف نفسه خيفة‪ ،‬وإنما قدم املفعول ىلع الفاعل وفصل‬
‫ً‬
‫بني الفعل‪ ،‬والفاعل واملفعول وحبرف اجلر قصدا تلحسني انلظم‪.‬‬
‫وىلع هذا فليس ك تقديم ملا ماكنه اتلأخري من باب االختصاص‪ ،‬فبطل إذا ما ذهب إيله‬
‫الزخمرشي وغريه) (‪.)1‬‬
‫وعند قوهل تعاىل‪﴿ :‬قهل أغري الل أ لخت هذ و ّيلا ً فاطر ل‬
‫السموات واألرض﴾ [األنعام‪ ]14 :‬قال اإلمام ابن‬
‫ً‬
‫اعشور‪( :‬واالستفهام لإلنكار‪.‬وقدم املفعول األول لـ﴿أختذ﴾ىلع الفعل وفاعله يلكون موايلا‬
‫لالستفهام ألنه هو املقصود باإلنكار ال مطلق اختاذ الويل‪.‬وشأن همزة االستفهام جبميع‬
‫استعماالته أن يليها جزء اجلملة املستفهم عنه َكملنكر هنا‪ ،‬فاتلقديم لالهتمام به‪ ،‬وهو من‬
‫ً‬
‫جزئيات العناية اليت قال فيها عبد القاهر أن ال بد من بيان وجه العناية‪ ،‬وليس مفيدا للتخصيص‬
‫يف مثل هذا لظهور أن دايع اتلقديم هو تعيني املراد باالستفهام فال يتعني أن يكون لغرض غري‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ً‬
‫فمن جعل اتلقديم هنا مفيدا لالختصاص‪ ،‬أي احنصار إنكار اختاذ الويل يف غري الل كما مال‬
‫إيله بعض رشاح الكشاف فقد تكلف ما يشهد االستعمال واذلوق خبالفه‪ ،‬والكم الكشاف بريء‬
‫منه بل احلق أن اتلقديم هنا ليس إال لالهتمام بشأن املقدم يليل أداة االستفهام فيعلم أن حمل‬
‫ً‬
‫اإلنكار هو اختاذ غري الل ويلا‪ ،‬وأما ما زاد ىلع ذلك فال اتلفات إيله من املتلكم‪.‬‬
‫ِّ‬
‫ولعل اذلي حداهم إىل ذلك أن املفعول يف هذه اآلية ونظائرها مثل‪﴿ :‬أفغري الل تأ هم هروين‬
‫أعبه هد﴾ [الزمر‪﴿ ]64:‬أغري الل تد هعون﴾ [األنعام‪ ]40:‬هو لكمة (غري) املضافة إىل اسم اجلاللة‪ ،‬وه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اعمة يف ك ما عدا الل‪ ،‬فاكن الل ملحوظا من لفظ املفعول فاكن إنكار اختاذ الل ويلا ألن إنكار‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اختاذ غريه ويلا مستلزما عدم إنكار اختاذ الل ويلا؛ ألن إنكار اختاذ غري الل ال يبىق معه إال‬
‫ً‬
‫اختاذ الل ويلا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فاكن هذا الرتكيب مستلزما معىن القرص وآئال إيله‪ ،‬وليس هو بدال ىلع القرص مطابقة‪ ،‬وال‬
‫ً‬
‫مفيدا ملا يفيده القرص اإلضايف من قلب اعتقاد أو إفراد أو تعيني‪ ،‬أال ترى أنه لو َكن املفعول‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫خالف لكمة «غري» ملا صح اعتبار القرص‪ ،‬كما لو قلت‪ :‬أزيدا أتتخذ صديقا‪ ،‬لم يكن مفيدا إال‬

‫(‪ )1‬ـ املثل السائر يف أدب الاكتب والشاعر ‪.35 :2‬‬


‫‪188‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إنكار اختاذ زيد صديقا من غري اتلفات إىل اختاذ غريه‪ ،‬وإنما ذلك ألنك تراه ليس أهال للصداقة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فال فرق بينه وبني قولك‪ :‬أتتخذ زيدا صديقا‪ ،‬إال أنك أردت توجه اإلنكار للمتخذ ال لالختاذ‬
‫ً‬
‫اهتماما به‪.‬والفرق بينهما دقيق فأجد فيه نظرك‪.‬‬
‫ثم إن َكن املرشكون قد سألوا من انليب صَّل الل عليه وسلم أن يتخذ أصنامهم أويلاء َكن‬
‫ه‬ ‫ً‬
‫تلقديم املفعول نكتة اهتمام ثانية وه كونه جوابا لالكم هو املقصود منه كما يف قوهل‪﴿ :‬قل أفغري‬
‫ً‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ِّ‬
‫الل تأ هم هروين أعبه هد أيها اجلاهلون﴾ [الزمر‪ ]64:‬وقوهل‪﴿ :‬قالوا يا هموىس اجعل نلا إهلا كما ل ههم آلهة﴾‬
‫ً‬ ‫ه‬
‫إىل قوهل‪﴿ :‬قال أغري الل أبغيكم إهلا﴾ [األعراف‪.]140:‬‬
‫ً‬ ‫ه‬
‫وأشار صاحب الكشاف يف قوهل‪﴿ :‬قل أغري الل أبيغ ر ّبا﴾ اآليت يف آخر السورة إىل أن تقديم‬
‫ً‬
‫﴿أغري الل﴾ ىلع ﴿أبيغ﴾ لكونه جوابا عن ندائهم هل إىل عبادة آهلتهم‪.‬‬
‫قال الطييب‪« :‬ألن ك تقديم إما لالهتمام أو جلواب إنكار» (‪.)1‬‬
‫َ َ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ ُ َ‬
‫رص ِمن تق ِديم‬ ‫ريه آكد يف إفادة ِ اتلَّق ِد ِ‬
‫يم احل‬ ‫ول مع اتت ِغال ف ِعلِ ِه ب ِض ِم ِ‬ ‫‪33‬ـ قاعدة‪( :‬تق ِديم المفع ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫ريه)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ض‬ ‫ب‬
‫ِ ِ‬ ‫شتغل‬ ‫الم‬ ‫ري‬
‫ول ىلع ال ِفعل ِ‬
‫غ‬ ‫المفع ِ‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫هذه القاعدة مستفادة من اإلمام الزخمرشي‪ ،‬فقد قال عند قوهل سبحانه‪﴿ :‬وأوفوا بعهدي أوف‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫بعهدكم وإيلاي فارهبهون﴾ [ابلقرة‪﴿( :]40 :‬أوف بعهدكم﴾ بما اعهدتكم عليه من حسن اثلواب‬
‫ىلع حسناتكم‪﴿ .‬وإيلاي فارهبهون﴾ فال تنقضوا عهدي‪.‬‬
‫ً‬
‫وهو من قولك‪ :‬زيدا رهبته‪ .‬وهو أوكد يف إفادة االختصاص من ﴿إيلاك نعبه هد﴾)‪.‬‬
‫وقد أشار اإلمام ابن اعشور إىل قول اإلمام الزخمرشي يف ذلك وأضاف عليه فقال عند قوهل‬
‫سبحانه‪﴿ :‬وإيلاي فارهبهون﴾ [ابلقرة‪( :]40 :‬فتقديم املفعول هنا متعني لالختصاص‪ ،‬يلحصل من‬
‫اجلملة إثبات ونف‪ ،‬واختري من طرق القرص طريق اتلقديم دون ما وإال يلكون احلاصل باملنطوق‬
‫ً‬
‫هو األمر برهبة الل تعاىل ويكون انليه عن رهبة غريه حاصال باملفهوم‪.‬‬
‫فإنهم إذا رهبوا الل تعاىل حرصوا ىلع اإليفاء بالعهد‪ ،‬وملا َكنت رهبتهم أحبارهم تمنعهم من‬
‫اإليفاء بالعهد أدمج انليه عن رهبة غري الل مع األمر برهبة الل تعاىل يف صيغة واحدة‪.‬‬
‫وتقديم املفعول مع اشتغال فعله بضمريه آكد يف إفادة اتلقديم احلرص من تقديم املفعول ىلع‬
‫الفعل غري املشتغل بضمريه‪ ،‬فإياي ارهبون آكد من حنو إياي ارهبوا كما أشار إيله صاحب‬

‫(‪ )1‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.156 :7‬‬


‫‪189‬‬
‫ً‬
‫الكشاف إذ قال‪« :‬وهو من قولك‪ :‬زيدا رهبته‪ ،‬وهو أوكد يف إفادة االختصاص من‪﴿ :‬إيلاك نعبه هد﴾»‬
‫اه‪.‬‬
‫ووجهه عندي أن تقديم املفعول ُيتمل االختصاص‪ ،‬إال أن األصل فيه أن يدل ىلع االختصاص‬
‫ً‬
‫اتلق ِّوي فإذا َكن مع اتلقديم اشتغال الفعل بضمري املقدم حنو زيدا‬
‫إال إذا أقامت القرينة ىلع ل‬

‫رضبته‪َ ،‬كن االختصاص أوكد‪ ،‬أي َكن احتمال اتلقوي أضعف‪ ،‬وذلك ألن إسناد الفعل إىل الضمري‬
‫اتلق ِّوي‪ ،‬فتعني أن تقديم املفعول لالختصاص دون ا لتلق ِّوي إذ‬
‫بعد إسناده إىل الظاهر املتقدم يفيد ل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اتلق ِّوي قد حصل بإسناد الفعل أوال إىل االسم أو الظاهر املتقدم‪ ،‬وثانيا‪ :‬إىل ضمري املتقدم وهلذا‬
‫ل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لم يقل صاحب الكشاف وهو أكرث اختصاصا وال أقوى اختصاصا إذ االختصاص ال يقبل اتلقوية‪،‬‬
‫بل قال‪ :‬وهو أوكد يف إفادة االختصاص‪ ،‬أي أن إفادته االختصاص أقوى؛ ألن احتمال كون اتلقديم‬
‫ً ً‬ ‫ل‬
‫للتق ِّوي قد صار مع االشتغال ضعيفا جدا‪.‬‬
‫ل‬
‫ولسنا نديع أن االشتغال متعني للتخصيص فإنه قد يأيت بال ختصيص يف حنو قوهل تعاىل‪﴿ :‬إنا‬
‫ً ل ه‬ ‫ً ل‬ ‫هل‬
‫ك َش ٍء خلقن هاه بقد ٍر﴾ [القمر‪ ،]49:‬وقوهل ﴿أبرشا منا واحدا نتب هعه﴾ [القمر‪ ]24 :‬وقول زهري‪:‬‬
‫(‪)1‬‬ ‫ه ه‬ ‫اهم أصب ه‬‫هًّ ه‬
‫ات بمخرم‬ ‫ال طالع ٍ‬‫ٍ‬ ‫م‬ ‫ات‬‫يح‬ ‫ح‬ ‫ص‬ ‫‪...‬‬ ‫ه‬‫ون‬ ‫ل‬ ‫ق‬‫ع‬ ‫ي‬ ‫وا‬ ‫ح‬ ‫فالك أر‬
‫لظهور أن ال معىن للتخصيص يف َشء مما ذكرنا غري أن الغالب أن يكون اتلقديم مع صيغة‬
‫ً‬
‫االشتغال للتخصيص إذ العرب ال تقدم املفعول َغبلا إال ذللك وال اتلفات إىل ما وجه به صاحب‬
‫اتلق ِّوي باق ىلع حاهل ولكنك إن قدرت الفعل‬
‫املفتاح أن احتمال املفعول يف االشتغال اتلخصيص و ل‬
‫ل‬ ‫ً‬
‫املحذوف متقدما ىلع املفعول َكن اتلقديم للتق ِّوي‪.‬‬
‫وإن قدرته بعد املفعول َكن اتلقديم للتخصيص فإنه بناه ىلع حالة موقع الفعل املقدر مع أن‬
‫تقدير الفعل اعتبار ال يالحظه ابللغاء‪ ،‬وألنهم ينصبون ىلع موقعه قرينه فتعني أن السامع إنما‬
‫يعتد باتلقديم املحسوس وبتكرير اتلعلق وأما االعتداد بموقع الفعل املقدر فحوالة ىلع غري‬
‫مشاهد؛ ألن اتلقدير إن َكن بنية املتلكم فال قبل للسامع بمعرفة نيته وال يصح أن يكون اخليار‬
‫يف اتلقدير للسامع) (‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ـ ديوان زهري بن أ يب سلىم‪ .‬رشحه‪ :‬يلع فاعور‪ .‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪1408 ،‬ه‪.109 .‬‬
‫(‪ )2‬ـ اتلحرير واتلنوير ‪.454 :1‬‬
‫‪190‬‬
‫وهذا ما يرس الل تعاىل كتابته يف هذا الفصل‪ ،‬وه ملحة موجزة أرجو أن تفتح ابلاب للباحثني‬
‫عن هذا املوضوع‪ ،‬يلكملوا السري‪ ،‬ويضيفوا ما دليهم وما ل‬
‫توصلوا إيله‪ ،‬فبتاكتف وتضافر اجلهود‪،‬‬
‫مستعينني بالواحد املعبود‪ُ ،‬يصل املطلوب واملقصود‪.‬‬
‫وقد ظهر يف هذا ابلحث ل‬
‫قوة العالقة بني علم اتلفسري وعلم اللغة العربية‪..‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ل‬
‫وظهر أن هناك ُماال واسعا الستنباطات العلماء وابلاحثني يف تفسري الكم الل تعاىل‪ ،‬وأن‬
‫اللطائف وانلكت ال تزتاحم‪..‬‬
‫وظهر يف هذه القواعد طرف مما يهفيد يف تدبر القرآن وفهمه‪..‬‬
‫والل أسأهل أن يتقبل مين هذا العمل‪ ،‬ويتجاوز عما دلي من تقصري وزلل‪..‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪191‬‬
‫اخلاتمة‬
‫أهم نتائج ابلحث‪:‬‬
‫‪1‬ـ ذكرت يف ابلحث معىن القاعدة يف اللغة‪ ،‬وبينت اختالفهم يف معىن القاعدة يف االصطالح‪،‬‬
‫ففريق يرى أن القاعدة ال بد أن تكون لكية‪ ،‬والفريق اآلخر يرى أنها أغلبية أكرثية‪ .‬واذلي‬
‫أختاره هو أن القاعدة قضية أغلبية؛ ألن أكرث القواعد ال ختلو من استثناءات‪.‬‬
‫ه‬
‫‪2‬ـ ثم ذكرت العالقة بني املعىن اللغوي واالصطاليح‪ ،‬فإذا َكنت القاعدة يف اللغة ه أصل‬
‫ه ِّ‬
‫األس‪ ،‬فالقاعدة يف االصطالح‪ ،‬ه األساس اذلي يعتمد عليه هذا العلم أو ذاك‪ ،‬وه األصل‬
‫اذلي يهبىن عليه غريه من فروع املسائل‪.‬‬
‫ه‬ ‫ل‬
‫العربية والقرآن الكريم‪ ،‬وأن من رشوط املجتهد‬ ‫‪3‬ـ ثم حتدثت عن اتلقديم واتلأخري يف اللغة‬
‫يف الرشيعة أن يكون ىلع معرفة باللغة العربية‪ ،‬وظهر يف هذا قوة العالقة والرتابط بني علم اللغة‬
‫ً‬
‫العربية وعلم اتلفسري‪ ،‬فالقرآن نزل بلسان عريب مبني‪ ،‬وال يمكن ألحد أن يكون متعمقا يف‬
‫فهم القرآن ومعرفة تفسريه دون أن يتعمق يف اللغة العربية‪.‬‬
‫وذكرت مفهوم اتلقديم واتلأخري‪ ،‬وأهم أسباب اتلقديم واتلأخري يف القرآن‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫اتلقديم ل‬‫‪4‬ـ ثم حتدثت عن قواعد ل‬
‫واتلأخري عند املفرسين مع رشحها وذكر أمثلة وتطبيقات‬
‫عليها‪.‬‬
‫ِّ‬
‫اذلكر ال يلزم منه اتلقد هم يف ل‬
‫الزمان أو الرتبة)‪ ،‬فاتلقدم يف اذلكر ال‬ ‫(اتلقد هم يف‬
‫وذكرت قاعدة‪ :‬ل‬

‫يدل بالرضورة ىلع أن املتقدم يف اذلكر أفضل من املتأخر‪ ،‬أو أنه وقع قبله‪ .‬فهناك أسباب أخرى‬
‫للتقديم واتلأخري‪.‬‬
‫ل‬
‫‪5‬ـ وذكرت قاعدة‪( :‬ال وجه تلقديم َش ٍء من كتاب الل عن موضعه أو تأخريه عن ماكنه إال‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫حبه لج ٍة واضح ٍة)‪ .‬وقاعدة‪( :‬إحلاق الالكم باذلي يليه أوىل من إحلاقه بما قد حيل بينه وبينه من‬
‫همعرتض الالكم)‪ .‬فعندما يكون هناك تفسري لآلية ليس فيه دعوى أن هذه اجلملة معرتضة‪،‬‬
‫وتفسري آخر يرى أن هذه اجلملة معرتضة‪ ،‬ولان للتفسري اذلي يرى عدم االعرتاض تأويل صحيح‪،‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫فاحلمل عليه أوىل؛ ألن إحلاق الالكم باذلي يليه أوىل من إحلاقه بما قد حيل بينه وبينه من همعرتض‬
‫الالكم‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫ً ل‬ ‫ً‬ ‫وحتدثت عن قاعدة‪( :‬الو ه‬
‫او ال تقتض ترتيبا وال تعقيبا وإنما ه ملطلق اجلمع)‪ ،‬فالواو ه‬
‫ل‬
‫ملطلق اجلمع‪ ،‬وال تدل ىلع الرتتيب الزماين وال الرتتيب الرتيب‪ ،‬فقد يهؤخر ما هو متقدم يف الزمان‪،‬‬
‫أو يؤخر ما هو متقدم يف الرتبة‪.‬‬
‫واتلقييد)؛ فإن تقديم املعمول لـ لما‬
‫عمول يتض لم هن معىن االشرتاط ل‬
‫‪6‬ـ وذكرت قاعدة‪( :‬تقديم الم ه‬

‫أفاد االختصاص نشأ منه معىن االشرتاط‪ ،‬مثل قوهل تعاىل‪﴿ :‬بل الل فاعبهد﴾ [الزمر‪.]66:‬‬
‫ه ِّ ه ِّ‬
‫وقاعدة‪( :‬الفعالن إذا َكنا همتقاريب المعىن فلك أن تقدم وتؤخر) كما يف قوهل تعاىل‪﴿ :‬اقرتبت‬
‫ل‬ ‫ه‬ ‫ل ه‬
‫الساعة وانش لق القم هر﴾ [القمر‪ ،]1 :‬وقوهل سبحانه‪﴿ :‬ث لم دنا فتدىل﴾‪.‬‬
‫ه ه‬ ‫(اتلقد ه‬
‫‪7‬ـ وحتدثت عن قاعدة‪ :‬ل‬
‫يم ال يكون ألجل الفاصلة فقط)‪ ،‬حيث يظهر يف هذه القاعدة‬
‫أن اتلقديم هل أغراض كثرية‪ ،‬وال يصح أن يكون سببه هو ُمرد مرااعة الفاصلة‪ .‬فاتلقديم أو‬
‫اتلأخري يف القرآن إنما هو ملرااعة املعىن قبل أن يكون ملرااعة اللفظ؛ ألن مرااعة (املعىن) هو‬
‫األصل وليس (اللفظ)‪ ،‬والالكم ابلليغ ال يل بـ(املعىن) ىلع حساب (اللفظ)‪ ،‬بل َيمع بني مجال‬
‫(املعىن) و(اللفظ)‪ ،‬فكيف بالقرآن أبلغ الالكم!‬
‫ّ ه ل‬ ‫ه ل‬
‫ويؤخ هر األجَّل)‪.‬‬ ‫وقاعدة‪( :‬يف مقام االستدالل يقد هم اجليل‬
‫ري الختالف املقام)‪.‬‬ ‫واتلأخ ه‬
‫يم ل‬‫اتلقد ه‬ ‫‪8‬ـ وذكرت قاعدة‪( :‬قد يتل هف ل‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫فقد يقدم الل يف موضع ما يؤخره يف موضع آخر‪ ،‬وذلك الختالف املقام بني اآليتني‪ .‬فتمام‬
‫ً‬
‫ابلالغة وابليان يف هذا أن يتلف اتلقديم واتلأخري مرااعة للمقام والسياق اذلي جاء الالكم‬
‫ألجله‪.‬‬
‫‪ 9‬ـ وهكذا يظهر أن معرفة القواعد واإلملام بها تتيح لإلنسان أن يفهم القرآن بطريقة أفضل‪،‬‬
‫ً‬
‫وتفتح هل آفاقا واسعة يف اتلدبر‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وظهر أن للعلماء قواعد يعتمدون عليها يف علمهم‪ ،‬وأن هلم أصوال ومنهجا دقيقا يسريون‬
‫عليه‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫أهم اتلوصيات‪:‬‬
‫ً‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫وتطبيقية عند العلماء اعمة وعند املفرسين خاصة‪.‬‬ ‫نظرية‬ ‫‪1‬ـ االهتمام بدراسة القواعد دراسة‬
‫‪2‬ـ استخراج قواعد من الكمهم انلظري وتطبيقهم العميل‪ ،‬وإن لم ينصوا ىلع أنها قاعدة‪.‬‬
‫‪3‬ـ يمكن إفراد الكثري من هذه القواعد أو املباحث ببحث مستقل ودراستها دراسة موسعة‪.‬‬
‫ه‬ ‫أسسوه ل‬ ‫‪4‬ـ حماولة اإلضافة ىلع ما ذكره السابقون‪ ،‬وابلناء ىلع ما ل‬
‫وشيدوه ورصفوه‪ .‬فكم ترك‬
‫ه‬
‫األول لآلخر‪ .‬وقد يهوجد يف األنهار ما ال يهوجد يف ابلحار‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫الل ىلع سيِّدنا ونبيِّنا ل‬ ‫ل‬
‫وصَّل ه‬
‫حممد وىلع آهل وصحبه وسلم تسليما كثريا‪ ..‬عدد ما ذكره‬
‫ِّ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬
‫واحلمد لل رب العاملني‪.‬‬ ‫اذلاكرون‪ ،‬وغفل عن ذكره الغافلون‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪194‬‬
‫املصادر واملراجع‬
‫القرآن الكريم وعلومه‪:‬‬
‫ـ جامع ابليان يف تأويل آي القرآن (تفسري الطربي)‪ ،‬أبو جعفر حممد بن جرير الطربي (‪- 224‬‬
‫‪ ،)310‬حتقيق‪ :‬مكتب اتلحقيق بدار هجر‪ ،‬دار هجر‪ ،‬الطبعة األوىل‪.‬‬
‫ـ اتلقييد الكبري يف تفسري كتاب الل املجيد‪ ،‬أبو العباس أمحد بن حممد بن أمحد البسييل اتلونيس‬
‫(املتوّف‪380 :‬ه)‪ ،‬لكية أصول ادلين‪ ،‬جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية الرياض‪.‬‬
‫ـ درة اتلْنيل وغرة اتلأويل‪ ،‬أبو عبد الل حممد بن عبد الل األصبهاين املعروف باخلطيب اإلساكيف‬
‫(املتوّف‪ 420 :‬ه)‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬حممد مصطىف آيدين‪ ،‬انلارش‪ :‬جامعة أم القرى‪ ،‬وزارة اتلعليم العايل‬
‫سلسلة الرسائل العلمية املوىص بها (‪ )30‬معهد ابلحوث العلمية مكة املكرمة‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬
‫‪ 1422‬ـه‪2001 -‬م‪.‬‬
‫ـ دالئل اإلعجاز يف علم املعاين‪ ،‬أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرمحن بن حممد الفاريس األصل‪،‬‬
‫اجلرجاين ادلار (املتوّف‪471 :‬ه)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممود حممد شاكر أبو فهر‪ ،‬مطبعة املدين بالقاهرة ‪ -‬دار‬
‫املدين جبدة‪ ،‬الطبعة اثلاثلة ‪ 1413‬ـه‪1992 -‬م‪.‬‬
‫ـ املكتىف يف الوقف واالبتدا‪ ،‬لعثمان بن سعيد بن عثمان بن عمر أبو عمرو ادلاين (املتوّف‪444 :‬ه)‪،‬‬
‫املحقق‪ :‬حمي ادلين عبد الرمحن رمضان‪ ،‬دار عمار‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ 1422‬ـه‪2001 -‬م‪.‬‬
‫ـ تفسري القرآن‪ ،‬أبو املظفر منصور بن حممد بن عبد اجلبار السمعاين‪( ،‬املولود‪426 :‬ه‪،‬‬
‫واملتوّف‪489:‬ه)‪ ،‬حتقيق‪ :‬يارس بن إبراهيم و غنيم بن عباس بن غنيم‪ ،‬دار الوطن الرياض‪1418 ،‬ه‪-‬‬
‫‪1997‬م‪.‬‬
‫ـ القطع واالئتناف‪ .‬أل يب جعفر انلحاس‪ ،‬أمحد بن حممد‪ .‬حتقيق‪ :‬أمحد العمر‪ .‬بغداد‪ :‬مطبعة العاين‪،‬‬
‫‪1398‬ه‪.‬‬
‫ـ الاكمل يف القراءات واألربعني الزائدة عليها‪ ،‬يوسف بن يلع بن جبارة بن حممد بن عقيل بن‬
‫سواده أبو القاسم ه‬
‫الهذيل اليشكري املغريب (املتوّف‪465 :‬ه)‪ ،‬حتقيق‪ :‬مجال بن السيد بن رفايع‬
‫الشايب‪ ،‬مؤسسة سما للتوزيع والنرش‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ 1428‬ـه‪ 2007 -‬م‪.‬‬
‫ـ الكشف وابليان عن تفسري القرآن‪ ،‬أبو إسحاق أمحد بن إبراهيم اثلعلىب انليسابوري‪ ،‬دار إحياء‬
‫الرتاث العريب بريوت‪ 1422 ،‬ه‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫ـ الكشاف عن حقائق غوامض اتلْنيل وعيون األقاويل يف وجوه اتلأويل‪ ،‬العالمة جار الل أبو‬
‫القاسم حممود بن عمر الزخمرشي (‪ 467‬ـ ‪ 538‬ه)‪ ،‬دار الكتاب العريب بريوت ‪ 1407‬ه‪.‬‬
‫ـ مفاتيح الغيب‪ ،‬اإلمام حممد بن عمر املعروف بفخر ادلين الرازي‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‬
‫بريوت‪.‬‬
‫ـ اجلامع ألحاكم القرآن (تفسري القرطيب)‪ ،‬أبو عبد الل حممد بن أمحد بن أ يب بكر بن فرح‬
‫األنصاري اخلزريج شمس ادلين القرطيب (املتوّف‪671 :‬ه)‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد الربدوين وإبراهيم‬
‫أطفي ‪ ،‬دار الكتب املرصية القاهرة‪ ،‬الطبعة‪ :‬اثلانية‪ 1384 ،‬ـه‪1964 -‬م‪.‬‬
‫ـ بلاب اتلأويل يف معاين اتلْنيل‪ ،‬عالء ادلين يلع بن حممد بن إبراهيم بن عمر الشييح أبو احلسن‪،‬‬
‫املعروف باخلازن (املتوّف‪741 :‬ه)‪ ،‬تصحيح‪ :‬حممد يلع شاهني‪ ،‬دار الكتب العلمية بريوت‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل ‪ 1415‬ه‪.‬‬
‫ـ ابلحر املحيط يف اتلفسري‪ ،‬أبو حيان حممد بن يوسف بن يلع بن يوسف بن حيان أثري ادلين‬
‫األندليس (املتوّف‪745 :‬ه)‪ ،‬حتقيق‪ :‬صديق حممد مجيل‪ ،‬دار الفكر بريوت‪ ،‬الطبعة‪1420 :‬ه‪.‬‬
‫ـ الربهان يف علوم القرآن‪ ،‬أبو عبد الل بدر ادلين حممد بن عبد الل بن بهادر الزركيش (املتوّف‪:‬‬
‫‪794‬ه)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬دار إحياء الكتب العربية عيىس ابلاىب احلليب ورشلائه‪،‬‬
‫الطبعة األوىل‪ 1376 ،‬ـه‪1957 -‬م‪.‬‬
‫ـ بصائر ذوي اتلميزي يف لطائف الكتاب العزيز‪ ،‬ملجد ادلين أبو طاهر حممد بن يعقوب‬
‫الفريوزآبادى (املتوّف‪817 :‬ه)‪ ،‬املحقق‪ :‬حممد يلع انلجار‪ ،‬انلارش‪ :‬املجلس األىلع للشؤون‬
‫اإلسالمية‪ ،‬جلنة إحياء الرتاث اإلساليم‪ ،‬القاهرة اعم النرش‪ 1416 :‬ـه‪1996 -‬م‪.‬‬
‫ـ نظم ادلرر يف تناسب اآليات والسور‪ ،‬برهان ادلين أ يب احلسن إبراهيم بن عمر ابلقايع‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫عبد الرزاق َغلب املهدي‪ ،‬دار الكتب العلمية بريوت ‪ 1415‬ـه‪ 1995 -‬م‪.‬‬
‫ـ إرشاد العقل السليم إىل مزايا الكتاب الكريم (تفسري أ يب السعود)‪ ،‬أبو السعود العمادي حممد‬
‫بن حممد بن مصطىف (املتوّف‪982 :‬ه)‪ ،‬انلارش‪ :‬دار إحياء الرتاث العريب بريوت‪.‬‬
‫ـ اإللكيل يف استنباط اتلْنيل‪ ،‬لعبد الرمحن بن أ يب بكر‪ ،‬جالل ادلين السيويط (املتوّف‪911 :‬ه)‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬سيف ادلين عبد القادر الاكتب‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ‪ 1401‬ه‪1981 -‬م‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫ـ ادلر املنثور يف اتلفسري باملاثور‪ ،‬عبد الرمحن بن أ يب بكر السيويط‪ ،‬حتقيق‪ :‬مركز هجر للبحوث‪،‬‬
‫دار هجر‪ ،‬مرص‪.‬‬
‫ـ روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاين‪ ،‬شهاب ادلين حممود بن عبد الل احلسيين‬
‫اآللويس‪ ،‬حتقيق‪ :‬يلع عبد ابلارى عطية‪ ،‬دار الكتب العلمية بريوت‪ 1415 ،‬ه‪.‬‬
‫ـ روح ابليان‪ ،‬إسماعيل حق بن مصطىف اإلستانبويل احلنف اخللويت‪ ،‬املوىل أبو الفداء (املتوّف‪:‬‬
‫‪1127‬ه)‪ ،‬دار الفكر بريوت‪.‬‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه ِّ‬
‫اية ل‬
‫الرايض ىلع تفسري‬ ‫(المس لماة‪ :‬عناية القايض وكف‬
‫الشهاب ىلع تفسري ابليضاوي‪ ،‬ه‬ ‫ـ حاشية‬
‫ابليضاوي)‪ ،‬أمحد بن حممد بن عمر شهاب ادلين اخلفايج املرصي احلنف‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫ـ أضواء ابليان يف إيضاح القرآن بالقرآن‪ ،‬حممد األمني بن حممد املختار بن عبد القادر اجلكين‬
‫الشنقيطي (املتوّف‪1393 :‬ه)‪ ،‬دار الفكر للطباعة و النرش و اتلوزيع بريوت ‪ 1415‬ـه‪1995 -‬م ‪.‬‬
‫ـ دفع إيهام االضطراب عن آيات الكتاب‪ ،‬حممد األمني بن حممد املختار بن عبد القادر اجلكين‬
‫الشنقيطي (املتوّف‪1393 :‬ه)‪ ،‬مكتبة ابن تيمية ‪ -‬القاهرة‪ ،‬توزيع‪ :‬مكتبة اخلراز جدة‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫‪ 1417‬ـه‪ 1996 -‬م‪.‬‬
‫ـ فتح القدير‪ ،‬ملحمد بن يلع بن حممد بن عبد الل الشولاين ايلمين (املتوّف‪1250 :‬ه)‪ ،‬دار ابن كثري‪،‬‬
‫دار اللكم الطيب‪ ،‬دمشق‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1414‬ه‪.‬‬
‫ـ حماسن اتلأويل‪ ،‬حممد مجال ادلين بن حممد سعيد بن قاسم احلالق القاسيم (املتوّف‪1332 :‬ه)‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬حممد باسل عيون السود‪ ،‬دار الكتب العلمية بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1418‬ه‪.‬‬
‫ـ اتلحرير واتلنوير «حترير املعىن السديد وتنوير العقل اجلديد من تفسري الكتاب املجيد»‪ ،‬حممد‬
‫الطاهر بن حممد بن حممد الطاهر بن اعشور اتلونيس (املتوّف‪1393 :‬ه)‪ ،‬ادلار اتلونسية للنرش‬
‫تونس ‪ 1984‬ه‪.‬‬
‫ـ اتلفسري القرآين للقرآن‪ ،‬عبد الكريم يونس اخلطيب (املتوّف‪ :‬بعد ‪1390‬ه)‪ ،‬دار الفكر العريب‪،‬‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫ـ تفسري الشعراوي‪ ،‬حممد متويل الشعراوي (املتوّف‪1418 :‬ه)‪ ،‬مطابع أخبار ايلوم‪.‬‬
‫ـ ابلدور الزاهرة يف القراءات العرش املتواترة من طريق الشاطبية وادلرة‪ ،‬عبد الفتاح بن عبد‬
‫الغين بن حممد القايض (املتوّف‪1403 :‬ه) دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫(املتوّف‪1403 :‬ه)‪ ،‬دار اإلرشاد‬ ‫ـ إعراب القرآن وبيانه‪ ،‬حمي ادلين بن أمحد مصطىف دروي‬
‫للشؤون اجلامعية ‪ -‬محص سورية‪( ،‬دار ايلمامة ‪ -‬دمشق ‪ -‬بريوت)‪( ،‬دار ابن كثري ‪ -‬دمشق ‪-‬‬
‫بريوت)‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪ 1415‬ه‪.‬‬
‫ـ خصائص اتلعبري القرآين وسماته ابلالغية‪ ،‬عبد العظيم إبراهيم حممد املطعين (املتوّف‪1429 :‬ه)‪،‬‬
‫مكتبة وهبة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪ 1413 ،‬ـه‪ 1992 -‬م‪.‬‬
‫ـ قواعد الرتجيح عند املفرسين‪ ،‬دراسة نظرية تطبيقية‪ .‬لدلكتور حسني بن يلع احلريب‪ .‬دار القاسم‪،‬‬
‫الرياض الطبعة األوىل ‪1417‬ه‪.‬‬
‫ـ فصول يف أصول اتلفسري‪ ،‬د‪ .‬مساعد بن سليمان بن نارص الطيار‪ ،‬دار ابن اجلوزي‪ ،‬الطبعة اثلانية‬
‫‪1423‬ه‪.‬‬
‫ـ أرسار ابليان يف اتلعبري القرآين‪ ،‬فاضل بن صالح بن مهدي بن خليل ابلدري السامرايئ‪ ،‬دار‬
‫الفكر ‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ 1429‬ـه‪2009 /‬م‪.‬‬
‫ـ مناهل العرفان يف علوم القرآن‪ ،‬حممد عبد العظيم الزرقاين (املتوّف‪1367 :‬ه)‪ ،‬مطبعة عيىس‬
‫ابلا يب احلليب ورشلاه‪ ،‬الطبعة اثلاثلة‪.‬‬
‫ـ اجتاهات اتلفسري يف القرن الرابع عرش‪ ،‬لدلكتور فهد بن عبد الرمحن الرويم‪ ،‬انلارش‪ :‬طبع بإذن‬
‫رئاسة إدارات ابلحوث العلمية واالفتاء وادلعوة واالرشاد يف اململكة العربية السعودية برقم ‪/951‬‬
‫‪ 5‬وتاريخ ‪ 1406/8/5‬ـهالطبعة‪ :‬األوىل ‪1407‬ه‪1986 -‬م‪.‬‬

‫السنة انلبوية وعلومها‪:‬‬


‫ـ اجلامع املسند الصحيح املخترص من أمور رسول الل صَّل الل عليه وسلم وسننه وأيامه (صحيح‬
‫ابلخاري)‪ ،‬حممد بن إسماعيل أبو عبداهلل ابلخاري اجلعف‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد زهري بن نارص انلارص‪،‬‬
‫دار طوق انلجاة‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1422‬ه‪.‬‬
‫ـ املسند الصحيح املخترص بنقل العدل عن العدل إىل رسول الل صَّل الل عليه وسلم (صحيح‬
‫مسلم)‪ ،‬مسلم بن احلجاج أبو احلسن القشريي انليسابوري (املتوّف‪261 :‬ه)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد فؤاد‬
‫عبد ابلايق‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب بريوت‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫ـ سنن الرتمذي‪ ،‬حممد بن عيىس بن سورة بن موىس بن الضحاك‪ ،‬الرتمذي‪ ،‬أبو عيىس (املتوّف‪:‬‬
‫‪279‬ه)‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد حممد شاكر ( ـج‪ ،)2 ،1‬وحممد فؤاد عبد ابلايق ( ـج‪ ،)3‬وإبراهيم عطوة عوض‬
‫املدرس يف األزهر الرشيف ( ـج‪ ،)5 ،4‬رشكة مكتبة ومطبعة مصطىف ابلا يب احلليب مرص‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫اثلانية‪ 1395 ،‬ـه‪ 1975 -‬م‪.‬‬
‫ـ سنن ابن ماجه‪ ،‬أبو عبد الل حممد بن يزيد القزويين‪ ،‬وماجه اسم أبيه يزيد (املتوّف‪273 :‬ه)‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬حممد فؤاد عبد ابلايق‪ ،‬دار إحياء الكتب العربية ‪ -‬فيصل عيىس ابلا يب احلليب‪.‬‬
‫ـ املجتىب من السنن (السنن الصغرى للنسايئ)‪ ،‬أبو عبد الرمحن أمحد بن شعيب بن يلع اخلراساين‪،‬‬
‫النسايئ (املتوّف‪303 :‬ه)‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد الفتاح أبو غدة‪ ،‬مكتب املطبواعت اإلسالمية حلب الطبعة‪:‬‬
‫اثلانية‪. 1986 – 1406 ،‬‬
‫ـ سنن أ يب داود‪ ،‬سليمان بن األشعث بن إسحاق بن بشري بن شداد بن عمرو األزدي ِّ‬
‫السجستاين‬
‫(املتوّف‪275 :‬ه)‪ ،‬حتقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط ‪ -‬حم لمد َكمل قره بليل‪ ،‬دار الرسالة العاملية‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫األوىل‪ 1430 ،‬ـه‪ 2009 -‬م‪.‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫صحيح ابن خزيمة‪ ،‬أبو بكر حممد بن إسحاق بن خزيمة بن املغرية بن صالح بن بكر السليم‬ ‫ـ‬
‫انليسابوري (املتوّف‪311 :‬ه)‪ ،‬حتقيق‪ :‬ادلكتور حممد مصطىف األعظيم‪ ،‬املكتب اإلساليم‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫اثلاثلة‪ 1424 ،‬ـه‪2003 -‬م‪.‬‬
‫ـ صحيح ابن حبان برتتيب ابن بلبان‪ ،‬حممد بن حبان بن أمحد بن حبان بن معاذ بن معبد‪،‬‬
‫اتلمييم‪ ،‬أبو حاتم‪ ،‬ادلاريم‪ ،‬البهسيت (املتوّف‪354 :‬ه)‪ ،‬ترتيب‪ :‬يلع بن بلبان بن عبد الل‪ ،‬عالء‬
‫ادلين الفاريس‪ ،‬املنعوت باألمري(املتوّف‪739 :‬ه)‪ ،‬مؤسسة الرسالة‬
‫ـ مسند اإلمام أمحد بن حنبل‪ ،‬أبو عبد الل أمحد بن حممد بن حنبل بن هالل بن أسد الشيباين‬
‫(املتوّف‪241 :‬ه)‪ ،‬حتقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط ‪ -‬اعدل مرشد‪ ،‬وآخرون‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫‪ 1421‬ـه‪ 2001 -‬م‪.‬‬
‫ـ املعجم الكبري‪ ،‬سليمان بن أمحد بن أيوب بن مطري اللخيم الشايم‪ ،‬أبو القاسم الطرباين (املتوّف‪:‬‬
‫‪360‬ه)‪ ،‬حتقيق‪ :‬محدي بن عبد املجيد السلف‪ ،‬مكتبة ابن تيمية القاهرة‪ ،‬الطبعة اثلانية‪.‬‬
‫ـ مسند الشاميني‪ ،‬سليمان بن أمحد بن أيوب أبو القاسم الطرباين‪ ،‬حتقيق‪ :‬محدي بن عبداملجيد‬
‫السلف‪ ،‬مؤسسة الرسالة – بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل ‪.1984 – 1405‬‬

‫‪199‬‬
‫ـ شعب اإليمان‪ ،‬أمحد بن احلسني بن يلع بن موىس اخلهرسوجردي اخلراساين‪ ،‬أبو بكر ابليهق‬
‫(املتوّف‪ 458 :‬ه)‪ ،‬حتقيق‪ :‬ادلكتور عبد العيل عبد احلميد حامد‪ ،‬مكتبة الرشد للنرش واتلوزيع‬
‫بالرياض باتلعاون مع ادلار السلفية ببومباي باهلند‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ 1423‬ـه‪ 2003 -‬م‪.‬‬
‫ـ حلية األويلاء وطبقات األصفياء‪ ،‬أبو نعيم أمحد بن عبد الل األصبهاين [ ت‪ ،]430 :‬دار الكتاب‬
‫العريب بريوت الطبعة الرابعة ‪.1405‬‬
‫ه‬
‫ـ املستدرك ىلع الصحيحني‪ ،‬أبو عبد الل احلاكم حممد بن عبد الل بن حممد بن محدويه بن نعيم‬
‫بن احلكم الضيب الطهماين انليسابوري املعروف بابن ابليع (املتوّف‪405 :‬ه)‪ ،‬حتقيق‪ :‬مصطىف عبد‬
‫القادر عطا‪ ،‬انلارش‪ :‬دار الكتب العلمية بريوت الطبعة‪ :‬األوىل‪.1990 – 1411 ،‬‬
‫ـ الفوائد املجموعة يف األحاديث املوضوعة‪ ،‬حممد بن يلع بن حممد الشولاين (املتوّف‪1250 :‬ه)‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬عبد الرمحن بن ييح املعليم ايلماين‪ ،‬دار الكتب العلمية بريوت‪.‬‬
‫ل‬
‫ـ تذكرة املوضواعت‪ ،‬حممد طاهر بن يلع الصديق اهلندي الفتين (املتوّف‪986 :‬ه)‪ ،‬إدارة الطباعة‬
‫املنريية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪ 1343 ،‬ه‪.‬‬
‫ـ همصنف ابن أ يب شيبة‪ ،‬أبو بكر عبد الل بن حممد بن أ يب شيبة العبيس الكوِف (‪ 159‬ـ ‪ 235‬ه)‬
‫حتقيق‪ :‬الشيخ حممد عوامة‪.‬‬
‫ـ رشح مشلك اآلثار‪ ،‬أبو جعفر أمحد بن حممد بن سالمة بن عبد امللك بن سلمة األزدي احلجري‬
‫املرصي املعروف بالطحاوي (املتوّف‪321 :‬ه)‪ ،‬حتقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل ‪ 1415‬ه‪ 1494 ،‬م‪.‬‬
‫ـ مسند أ يب داود الطياليس‪ ،‬أبو داود سليمان بن داود بن اجلارود الطياليس ابلرصى (املتوّف‪:‬‬
‫‪204‬ه)‪ ،‬دار هجر‪ ،‬مرص‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ 1419‬ـه‪1999 -‬م‪.‬‬
‫ـ مسند أ يب يعَّل‪ ،‬أمحد بن يلع بن املثىن أبو يعَّل املوصيل اتلمييم‪ ،‬حتقيق‪ :‬حسني سليم أسد‪ ،‬دار‬
‫املأمون للرتاث‪ ،‬دمشق‪ ،‬الطبعة األوىل ‪.1984 – 1404‬‬

‫اللغة العربية‪:‬‬
‫ـ الكتاب‪ ،‬عمرو بن عثمان بن قنرب احلاريث بالوالء‪ ،‬أبو برش‪ ،‬امللقب سيبويه (املتوّف‪180 :‬ه)‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬عبد السالم حممد هارون‪ ،‬مكتبة اخلانيج القاهرة‪ ،‬الطبعة اثلاثلة‪ 1408 ،‬ـه‪1988 -‬م‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫ـ ديوان بليد بن ربيعة العامري‪ ،‬بليد بن ربيعة بن مالك‪ ،‬أبو عقيل العامري الشاعر معدود من‬
‫الصحابة (املتوّف‪41 :‬ه)‪ ،‬اعتىن به‪ :‬محدو ّ‬
‫طماس‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ 1425‬ـه‪2004 -‬م‪.‬‬
‫ه‬
‫ـ ديوان امرئ القيس‪ ،‬ام هرؤ القيس بن حجر بن احلارث الكندي‪ ،‬من بين آكل املرار (املتوّف‪545 :‬‬
‫م)‪ ،‬اعتىن به‪ :‬عبد الرمحن املصطاوي‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة اثلانية ‪ 1425‬ـه‪ 2004 -‬م‪.‬‬
‫ـ ديوان بليد بن ربيعة‪ .‬بريوت‪ :‬دار صادر‪ .‬غري مذكور تاريخ النرش‪.‬‬
‫ـ ديوان املتنيب‪ ،‬دار بريوت للطباعة والنرش‪ ،‬بريوت‪ 1403 ،‬ـهـ ‪1983‬م‪.‬‬
‫ـ ديوان الفرزدق‪ ،‬رشحه وضبطه‪ :‬يلع فاعور‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ 1407‬ـهـ‬
‫‪1987‬م‪.‬‬
‫ـ األضداد‪ ،‬أبو بكر‪ ،‬حممد بن القاسم بن حممد بن بشار بن احلسن بن بيان بن سماعة بن فروة‬
‫بن قطن بن داعمة األنباري (املتوّف‪328 :‬ه)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬املكتبة العرصية‪،‬‬
‫بريوت بلنان‪ 1407 ،‬ـه‪1987 -‬م‪.‬‬
‫ـ الاكمل يف اللغة واألدب‪ ،‬ملحمد بن يزيد املربد‪ ،‬أبو العباس (املتوّف‪285 :‬ه)‪ ،‬املحقق‪ :‬حممد أبو‬
‫الفضل إبراهيم‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة اثلاثلة ‪ 1417‬ـه‪1997 -‬م‪.‬‬
‫ـ األمايل (شذور األمايل) (انلوادر)‪ ،‬أل يب يلع القايل‪ ،‬إسماعيل بن القاسم بن عيذون بن هارون‬
‫بن عيىس بن حممد بن سلمان (املتوّف‪356 :‬ه)‪ ،‬عين بوضعها وترتيبها‪ :‬حممد عبد اجلواد األصميع‪،‬‬
‫دار الكتب املرصية‪ ،‬الطبعة اثلانية ‪ 1344‬ـه‪1926 -‬م‪.‬‬
‫ـ تهذيب اللغة‪ ،‬ملحمد بن أمحد بن األزهري اهلروي‪ ،‬أبو منصور (املتوّف‪370 :‬ه)‪ ،‬املحقق‪ :‬حممد‬
‫عوض مرعب‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫ـ فقه اللغة ورس العربية‪ ،‬لعبد امللك بن حممد بن إسماعيل أبو منصور اثلعاليب (املتوّف‪429 :‬ه)‪،‬‬
‫املحقق‪ :‬عبد الرزاق املهدي‪ ،‬إحياء الرتاث العريب‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ 1422‬ـه‪2002 -‬م‪.‬‬
‫ـ املحكم واملحيط األعظم‪ ،‬أبو احلسن يلع بن إسماعيل بن سيده املريس [ت‪458 :‬ه]‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫عبد احلميد هنداوي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 1421 ،‬ـه‪2000 -‬م‪.‬‬
‫ـ العمدة يف حماسن الشعر وآدابه‪ ،‬أل يب يلع احلسن بن رشيق القريواين األزدي (املتوّف‪463 :‬ه)‪،‬‬
‫املحقق‪ :‬حممد حمي ادلين عبد احلميد‪ ،‬دار اجليل‪ ،‬الطبعة اخلامسة‪1401 ،‬ه‪1981-‬م‪.‬‬
‫ـ اخلصائص‪ ،‬أبو الفتح عثمان بن جين‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد يلع انلجار‪ ،‬اعلم الكتب بريوت‪.‬‬

‫‪201‬‬
‫ـ رشح ديوان احلماسة (ديوان احلماسة‪ :‬اختاره أبو تمام حبيب بن أوس ت ‪ 231‬ه)‪ُ ،‬يىي بن يلع‬
‫ّ‬
‫الشيباين اتلربيزي‪ ،‬أبو زكريا (املتوّف‪502 :‬ه)‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بريوت‪.‬‬ ‫بن حممد‬
‫ـ نتائج الفكر يف ل‬
‫انلحو‪ ،‬أبو القاسم عبد الرمحن بن عبد الل بن أمحد السهييل (املتوّف‪581 :‬ه)‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1992 - 1412‬م‪.‬‬
‫ـ املثل السائر يف أدب الاكتب والشاعر‪ ،‬نرص الل بن حممد بن حممد بن عبد الكريم الشيباين‪،‬‬
‫اجلزري‪ ،‬أبو الفتح‪ ،‬ضياء ادلين‪ ،‬املعروف بابن األثري الاكتب (املتوّف‪637 :‬ه)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد ميح‬
‫ادلين عبد احلميد‪ ،‬املكتبة العرصية للطباعة والنرش بريوت‪ 1420‬ه‪.‬‬
‫ابن أ يب الرسايا حممد بن يلع‪ ،‬أبو ابلقاء‪،‬‬ ‫بن يلع بن يعي‬ ‫ـ رشح املفصل للزخمرشي‪ ،‬يلعي‬
‫وبابن الصانع (املتوّف‪643 :‬ه)‪ ،‬دار الكتب‬ ‫موفق ادلين األسدي املوصيل‪ ،‬املعروف بابن يعي‬
‫العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ 1422‬ـه‪ 2001 -‬م‪.‬‬
‫ـ الفلك ادلائر ىلع املثل السائر (مطبوع بيآخر اجلزء الرابع من املثل السائر)‪ ،‬املؤلف‪ :‬عبد احلميد‬
‫بن هبة الل بن حممد بن احلسني بن أ يب احلديد‪ ،‬أبو حامد‪ ،‬عز ادلين (املتوّف‪656 :‬ه)‪ ،‬املحقق‪:‬‬
‫أمحد احلوِف‪ ،‬بدوي طبانة‪ ،‬دار نهضة مرص للطباعة والنرش واتلوزيع‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫ـ منهاج ابللغاء ورساج األدباء‪ ،‬حلازم بن حممد بن حسن‪ ،‬ابن حازم القرطاجين‪ ،‬أبو احلسن‬
‫(املتوّف‪684 :‬ه)‪( ،‬وهو مطبوع ضمن اجلزء اثلاين من سلسلة األعمال الاكملة لدلكتور احلبيب ابن‬
‫اخلوجة) املحقق‪ :‬ادلكتور احلبيب ابن اخلوجة‪ ،‬ادلار العربية للكتاب تونس‪.2008 ،‬‬
‫ـ مقدمة تفسري ابن انلقيب يف علم ابليان واملعاين وابلديع وإعجاز القرآن‪ .‬والكتاب لإلمام أ يب‬
‫ل‬
‫عبد الل مجال ادلين حممد بن سليمان ابلليخ املقديس احلنف الشهري بابن انلقيب (املتوّف ‪698‬‬
‫ه)‪ .‬املحقق‪ :‬زكريا سعيد يلع‪ .‬مرص‪ :‬مكتبة اخلانيج‪ .‬سنة النرش‪ 1415 :‬ـه– ‪1995‬م‪.‬‬
‫ـ الفصول املفيدة يف الواو املزيدة‪ ،‬صالح ادلين أبو سعيد خليل بن كيللكدي بن عبداهلل العاليئ‬
‫ادلمشق الشافيع‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬حسن موىس الشاعر‪ ،‬دار البشري عمان‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1990‬م‪.‬‬
‫ـ اإليضاح يف علوم ابلالغة‪ ،‬ملحمد بن عبد الرمحن بن عمر‪ ،‬أبو املعايل‪ ،‬جالل ادلين القزويين‬
‫الشافيع‪ ،‬املعروف خبطيب دمشق (املتوّف‪739 :‬ه)‪ ،‬املحقق‪ :‬حممد عبد املنعم خفايج‪ ،‬دار اجليل‪،‬‬
‫بريوت‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫ـ اتلعريفات‪ ،‬يلع بن حممد بن يلع الزين الرشيف اجلرجاين (املتوّف‪816 :‬ه)‪ ،‬حتقيق‪ُ :‬مموعة من‬
‫املحققني‪ ،‬دار الكتب العلمية بريوت بلنان‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ 1403‬ـه‪1983-‬م‪.‬‬
‫ـ اللكيات معجم يف املصطلحات والفروق اللغوية‪ ،‬أيوب بن موىس احلسيين القرييم الكفوي‪ ،‬أبو‬
‫ل‬
‫ابلقاء احلنف (املتوّف‪1094 :‬ه)‪ ،‬حتقيق‪ :‬عدنان دروي ‪ -‬حممد املرصي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪1419‬ه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫حممد بن عبد ّ‬‫حممد بن ّ‬
‫ـ تاج العروس من جواهر القاموس‪ّ ،‬‬
‫الرزاق احلسيين‪ ،‬أبو الفيض‪ ،‬امللقب‬
‫ل‬ ‫بمرتىض‪ ،‬ل‬
‫الزبيدي (املتوّف‪1205 :‬ه)‪ ،‬حتقيق‪ُ :‬مموعة من املحققني‪ ،‬دار اهلداية‪.‬‬
‫ـ جامع ادلروس العربية‪ ،‬مصطىف بن حممد سليم الغالييين (املتوّف‪1364 :‬ه)‪ ،‬املكتبة العرصية‪،‬‬
‫صيدا‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة اثلامنة والعرشون‪ 1414 ،‬ـه‪1993 -‬م‪.‬‬
‫ل‬
‫ـ ابلالغة العربية أسسها وعلومها وفنونها‪ ،‬الشيخ عبد الرمحن بن حسن حبنكة امليداين ادلمشق‬
‫(املتوّف‪1425 :‬ه)‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪ ،‬ادلار الشامية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ 1416‬ـه‪ 1996 -‬م‪.‬‬
‫ـ إفادة تقديم ما حقه اتلأخري لالختصاص بني الزخمرشي وأ يب حيان‪ ،‬لدلكتور منصور أبو زينة‪،‬‬
‫وادلكتور حممد رضا احلوري‪.‬‬
‫ـ اتلضمني انلحوي يف القرآن الكريم‪ ،‬األستاذ حممد نديم فاضل‪ ،‬دار الزمان‪ ،‬املدينة املنورة‪،‬‬
‫الطبعة األوىل ‪ 1426‬ـه‪ 2005 -‬م‪.‬‬
‫ـ خصائص الرتاكيب دارسة حتليلية ملسائل علم املعاين‪ ،‬د‪ .‬حممد حممد أبو موىس‪ ،‬مكتبة وهبة‪،‬‬
‫الطبعة السابعة‪.‬‬

‫اتلاريخ والسرية انلبوية‪:‬‬


‫ـ تاريخ األمم وامللوك‪ ،‬أبو جعفر حممد بن جرير الطربي (املتوّف‪ 310 :‬ه)‪ ،‬دار الكتب العلمية‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1407‬ه‪.‬‬
‫ـ تاريخ بغداد‪ ،‬أبو بكر أمحد بن يلع بن ثابت بن أمحد بن مهدي اخلطيب ابلغدادي (املتوّف‪:‬‬
‫‪463‬ه)‪ ،‬حتقيق‪ :‬ادلكتور بشار عواد معروف‪ ،‬دار الغرب اإلساليم بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ 1422‬ـه‪-‬‬
‫‪ 2002‬م‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫ـ أخبار مكة يف قديم ادلهر وحديثه‪ ،‬أبو عبد الل حممد بن إسحاق بن العباس امليك الفاكيه‬
‫(املتوّف‪272 :‬ه)‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬عبد امللك عبد الل دهي ‪،‬دار خرض‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة اثلانية ‪1414‬ه‪.‬‬
‫ـ الاكمل يف اتلاريخ‪ ،‬أبو احلسن يلع بن أ يب الكرم حممد بن حممد بن عبد الكريم بن عبد الواحد‬
‫الشيباين اجلزري‪ ،‬عز ادلين ابن األثري (املتوّف‪630 :‬ه)‪ ،‬حتقيق‪ :‬عمر عبد السالم تدمري‪ ،‬دار‬
‫الكتاب العريب بريوت بلنان‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪ 1417 ،‬ـه‪1997 /‬م‪.‬‬
‫ـ تلقيح فهوم أهل األثر يف عيون اتلاريخ والسري‪ ،‬مجال ادلين أ يب الفرج عبد الرمحن ابن اجلوزي‬
‫(املتوّف‪597 :‬ه)‪ ،‬رشكة دار األرقم بن أ يب األرقم بريوت‪1997‬م‪.‬‬
‫ـ االكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الل صَّل الل عليه وسلم واثلالثة اخللفاء‪ ،‬سليمان بن‬
‫موىس بن سالم بن حسان الالكيع احلمريي‪ ،‬أبو الربيع (املتوّف‪634 :‬ه)‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1420‬ه‪.‬‬
‫ـ رشح الشفا‪ ،‬يلع بن سلطان حممد‪ ،‬أبو احلسن نور ادلين املال اهلروي القاري (املتوّف‪1014 :‬ه)‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1421‬ه‪.‬‬

‫الّتاجم والطبقات‪:‬‬
‫ـ نزهة األبلاء يف طبقات األدباء‪ ،‬لعبد الرمحن بن حممد بن عبيد الل األنصاري‪ ،‬أبو الربلات‪ ،‬كمال‬
‫ادلين األنباري (املتوّف‪577 :‬ه)‪ ،‬املحقق‪ :‬إبراهيم السامرايئ‪ ،‬مكتبة املنار‪ ،‬الزرقاء‪ ،‬األردن‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬اثلاثلة‪ 1405 ،‬ـه‪1985 -‬م‪.‬‬
‫ـ بغية امللتمس يف تاريخ رجال أهل األندلس‪ ،‬ألمحد بن ُيىي بن أمحد بن عمرية‪ ،‬أبو جعفر الضيب‬
‫(املتوّف‪599 :‬ه)‪ ،‬دار الاكتب العريب – القاهرة‪ ،‬اعم النرش‪1967 :‬م‪.‬‬
‫ـ إنباه الرواة ىلع أنباه انلحاة‪ ،‬جلمال ادلين أبو احلسن يلع بن يوسف القفطي (املتوّف‪646 :‬ه)‪،‬‬
‫املحقق‪ :‬حممد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ومؤسسة الكتب اثلقافية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫الطبعة األوىل‪ 1406 ،‬ـه‪1982 -‬م‪.‬‬
‫ـ وفيات األعيان وأنباء أبناء الزمان‪ ،‬أل يب العباس شمس ادلين أمحد بن حممد بن إبراهيم بن أ يب‬
‫بكر ابن خلاكن الربميك اإلربيل (املتوّف‪681 :‬ه)‪ ،‬املحقق‪ :‬إحسان عباس‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‬
‫‪1994‬م‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫ـ سري أعالم انلبالء‪ ،‬شمس ادلين أبو عبد الل حممد بن أمحد بن عثمان بن قايماز اذلهيب (املتوّف‪:‬‬
‫‪748‬ه)‪ ،‬حتقيق‪ُ :‬مموعة من املحققني بإرشاف الشيخ شعيب األرناؤوط‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة‬
‫اثلاثلة ‪ 1405‬ـه ـ ‪1985‬م‪.‬‬
‫ـ املعني يف طبقات املحدثني‪ ،‬لشمس ادلين أبو عبد الل حممد بن أمحد بن عثمان بن قايماز اذلهيب‬
‫(املتوّف‪748 :‬ه)‪ ،‬املحقق‪ :‬د‪ .‬همام عبد الرحيم سعيد‪ ،‬دار الفرقان‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1404‬ه‪.‬‬
‫ـ تذكرة احلفاظ‪ ،‬ملحمد بن أمحد بن عثمان اذلهيب‪ ،‬حتقيق‪ :‬زكريا عمريات‪ ،‬دار الكتب العلمية‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1419‬ه‪1998 -‬م‪.‬‬
‫ـ الوايف بالوفيات‪ ،‬صالح ادلين خليل بن أيبك بن عبد الل الصفدي (املتوّف‪764 :‬ه)‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫أمحد األرناؤوط‪ ،‬وتريك مصطىف‪ ،‬دار إحياء الرتاث‪ ،‬بريوت‪1420 ،‬ه‪2000 -‬م‪.‬‬
‫ـ مرآة اجلنان وعربة ايلقظان يف معرفة ما يعترب من حوادث الزمان‪ ،‬أبو حممد عفيف ادلين عبد‬
‫الل بن أسعد بن يلع بن سليمان ايلافيع (املتوّف‪768 :‬ه)‪ ،‬دار الكتب العلمية بريوت بلنان‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل ‪ 1417‬ـه‪ 1997 -‬م‪.‬‬
‫ـ طبقات الشافعية الكربى‪ ،‬تاج ادلين عبد الوهاب بن تق ادلين السبيك (املتوّف‪771 :‬ه)‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫د‪ .‬حممود حممد الطنايح د‪ .‬عبد الفتاح حممد احللو‪ ،‬دار هجر للطباعة والنرش واتلوزيع‪ .‬الطبعة‪:‬‬
‫اثلانية ‪1413‬ه‪.‬‬
‫ـ طبقات الشافعية‪ ،‬أبو بكر بن أمحد بن حممد بن عمر األسدي الشهيب ادلمشق‪ ،‬تق ادلين ابن‬
‫قايض شهبة (املتوّف‪851 :‬ه)‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬احلافظ عبد العليم خان‪ ،‬دار اعلم الكتب‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫اثلانية‪1413 ،‬ه‪.‬‬
‫ـ طبقات املفرسين العرشين‪ ،‬لعبد الرمحن بن أ يب بكر‪ ،‬جالل ادلين السيويط (املتوّف‪911 :‬ه)‪،‬‬
‫املحقق‪ :‬يلع حممد عمر‪ ،‬مكتبة وهبة – القاهرة‪ ،‬الطبعة األوىل‪1396 ،‬ه‪.‬‬
‫ـ بغية الواعة يف طبقات اللغويني وانلحاة‪ ،‬لعبد الرمحن بن أ يب بكر‪ ،‬جالل ادلين السيويط‪،‬‬
‫املحقق‪ :‬حممد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬املكتبة العرصية ‪ -‬بلنان ‪ /‬صيدا‪.‬‬
‫ـ طبقات املفرسين لدلاوودي‪ ،‬ملحمد بن يلع بن أمحد‪ ،‬شمس ادلين ادلاوودي املاليك (املتوّف‪:‬‬
‫‪945‬ه)‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫ـ الكواكب السائرة بأعيان املئة العارشة‪ ،‬نلجم ادلين حممد بن حممد الغزي (املتوّف‪1061 :‬ه)‪،‬‬
‫املحقق‪ :‬خليل املنصور‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 1418 ،‬ـه‪1997 -‬م‪.‬‬
‫ـ سمط انلجوم العوايل يف أنباء األوائل واتلوايل‪ ،‬عبد امللك بن حسني بن عبد امللك العصايم‬
‫امليك (املتوّف‪1111 :‬ه)‪ ،‬حتقيق‪ :‬اعدل أمحد عبد املوجود‪ -‬يلع حممد معوض‪ ،‬دار الكتب العلمية‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ 1419‬ـه‪ 1998 -‬م‪.‬‬
‫ـ طبقات املفرسين ألمحد بن حممد األدنه وي من علماء القرن احلادي عرش‪ ،‬املحقق‪ :‬سليمان‬
‫بن صالح اخلزي‪ ،‬انلارش‪ :‬مكتبة العلوم واحلكم‪ ،‬السعودية‪ ،‬الطبعة األوىل‪1417 ،‬ه‪1997 -‬م‪.‬‬
‫ـ ابلدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع‪ ،‬حممد بن يلع بن حممد بن عبد الل الشولاين ايلمين‬
‫(املتوّف‪1250 :‬ه)‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫ـ سلك ادلرر يف أعيان القرن اثلاين عرش‪ ،‬ملحمد خليل بن يلع بن حممد بن حممد مراد احلسيين‪،‬‬
‫أبو الفضل (املتوّف‪1206 :‬ه)‪ ،‬دار البشائر اإلسالمية‪ ،‬دار ابن حزم‪ ،‬الطبعة‪ :‬اثلاثلة‪ 1408 ،‬ـه‪-‬‬
‫‪1988‬م‪.‬‬
‫ـ نفح الطيب من غصن األندلس الرطيب‪ ،‬وذكر وزيرها لسان ادلين بن اخلطيب‪ ،‬لشهاب ادلين‬
‫أمحد بن حممد املقري اتللمساين (املتوّف‪1041 :‬ه)‪ ،‬حتقيق‪ :‬إحسان عباس‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫الطبعة األوىل ‪1997‬م‪.‬‬
‫ـ ادلرر الاكمنة يف أعيان املئة اثلامنة‪ ،‬أل يب الفضل أمحد بن يلع بن حممد بن أمحد بن حجر‬
‫العسقالين (املتوّف‪852 :‬ه)‪ ،‬املحقق‪ :‬حممد عبد املعيد ضان‪ ،‬انلارش‪ُ :‬ملس دائرة املعارف‬
‫العثمانية ‪ -‬صيدر اباد‪ /‬اهلند‪ ،‬الطبعة‪ :‬اثلانية‪1392 ،‬ه‪1972 -‬م‪.‬‬
‫ـ اجلواهر املضية يف طبقات احلنفية‪ ،‬لعبد القادر بن حممد بن نرص الل القرَش‪ ،‬أبو حممد‪ ،‬حمي‬
‫ادلين احلنف (املتوّف‪775 :‬ه)‪ ،‬انلارش‪ :‬مري حممد كتب خانه – كراتيش‪.‬‬
‫ـ طبقات انلحويني واللغويني (سلسلة ذخائر العرب ‪ ،)50‬ملحمد بن احلسن بن عبيد الل بن‬
‫مذحج الزبيدي األندليس اإلشبييل‪ ،‬أبو بكر (املتوّف‪379 :‬ه)‪ ،‬املحقق‪ :‬حممد أبو الفضل إبراهيم‪،‬‬
‫الطبعة اثلانية‪ ،‬انلارش‪ :‬دار املعارف‬
‫َغية انلهاية يف طبقات القراء‪ ،‬شمس ادلين أبو اخلري ابن اجلزري‪ ،‬حممد بن حممد بن يوسف‬
‫(املتوّف‪833 :‬ه)‪ ،‬مكتبة ابن تيمية‪ ،‬عين بنرشه ألول مرة اعم ‪ 1351‬ـهج‪ .‬برجسرتارس‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫ـ لسان املزيان‪ ،‬أبو الفضل أمحد بن يلع بن حممد بن أمحد بن حجر العسقالين (املتوّف‪852 :‬ه)‪،‬‬
‫املحقق‪ :‬عبد الفتاح أبو غدة‪ .‬دار البشائر اإلسالمية‪ ،‬الطبعة األوىل‪2002 ،‬م‬
‫ـ شجرة انلور الزكية يف طبقات املالكية‪ ،‬ملحمد بن حممد بن عمر بن يلع ابن سالم خملوف (املتوّف‪:‬‬
‫‪1360‬ه)‪ ،‬علق عليه‪ :‬عبد املجيد خيايل‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بلنان‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 1424 ،‬ـه‪-‬‬
‫‪2003‬م‪.‬‬
‫ـ إيضاح املكنون يف اذليل ىلع كشف الظنون‪ ،‬إلسماعيل بن حممد أمني بن مري سليم ابلاباين‬
‫ابلغدادي (املتوّف‪1399 :‬ه)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد رشف ادلين باتلقايا رئيس أمور ادلين‪ ،‬واملعلم رفعت‬
‫بيلكه اللكيىس‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫ـ شذرات اذلهب يف أخبار من ذهب‪ ،‬لعبد اليح بن أمحد بن حممد ابن العماد العكري احلنبيل‪،‬‬
‫أبو الفالح (املتوّف‪1089 :‬ه)‪ ،‬حققه‪ :‬حممود األرناؤوط‪ ،‬خرج أحاديثه‪ :‬عبد القادر األرناؤوط‪ ،‬دار‬
‫ابن كثري‪ ،‬دمشق‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪ 1406 ،‬ـه‪1986 -‬م‪.‬‬
‫ـ هدية العارفني أسماء املؤلفني وآثار املصنفني‪ ،‬إلسماعيل بن حممد أمني بن مري سليم ابلاباين‬
‫ابلغدادي (املتوّف‪1399 :‬ه)‪ ،‬انلارش‪ :‬طبع بعناية ولالة املعارف اجلليلة يف مطبعتها ابلهية استانبول‬
‫‪.1951‬أاعدت طبعه باألوفست‪ :‬دار إحياء الرتاث العريب بريوت‪.‬‬
‫ـ حلية البرش يف تاريخ القرن اثلالث عرش‪ ،‬لعبد الرزاق بن حسن بن إبراهيم ابليطار امليداين‬
‫ادلمشق (املتوّف‪1335 :‬ه)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد بهجة ابليطار‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة اثلانية‪1413 ،‬‬
‫ ـه‪ 1993 -‬م‪.‬‬
‫ـ األعالم‪ ،‬خلري ادلين بن حممود بن حممد بن يلع بن فارس‪ ،‬الزريلك ادلمشق (املتوّف‪1396 :‬ه)‪،‬‬
‫دار العلم للماليني‪ ،‬الطبعة اخلامسة عرش ‪2002‬م‪.‬‬
‫الفقه وأصوهل‪:‬‬
‫ل‬
‫ـ املحصول يف علم األصول‪ ،‬حممد بن عمر بن احلسني الرازي (املتوّف ‪ ،)606‬حتقيق‪ :‬طه جابر‬
‫فياض العلواين‪ ،‬جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األوىل ‪.1400‬‬
‫ـ رشح تنقيح الفصول‪ ،‬أبو العباس شهاب ادلين أمحد بن إدريس بن عبد الرمحن املاليك الشهري‬
‫بالقرايف (املتوّف‪684 :‬ه)‪ ،‬حتقيق‪ :‬طه عبد الرؤوف سعد‪ ،‬رشكة الطباعة الفنية املتحدة‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل ‪ 1393‬ـه‪1973 -‬م‪.‬‬

‫‪207‬‬
‫ـ الفروق (أنوار الربوق يف أنواء الفروق)‪ ،‬أبو العباس شهاب ادلين أمحد بن إدريس بن عبد الرمحن‬
‫املاليك الشهري بالقرايف (املتوّف‪684 :‬ه)‪ ،‬اعلم الكتب‪.‬‬
‫وبأىلع الصفحة‪ :‬كتاب الفروق (أنوار الربوق يف أنواء الفروق) للقرايف‬
‫وبعده (مفصوال بفاصل)‪« :‬إدرار الرشوق ىلع أنوار الفروق» وهو حاشية الشيخ قاسم بن عبد الل‬
‫املعروف بابن الشاط (‪723‬ه) تلصحيح بعض األحاكم وتنقيح بعض املسائل‬
‫وبعده (مفصوال بفاصل)‪« :‬تهذيب الفروق والقواعد السنية يف األرسار الفقهية» للشيخ حممد بن‬
‫يلع بن حسني مفىت املالكية بمكة املكرمة (‪1367‬ه)‪ ،‬وفيها اخترص الفروق وخلصه وهذبه ووضح‬
‫بعض معانيه‪.‬‬
‫ـ املوافقات‪ ،‬إبراهيم بن موىس بن حممد اللخيم الغرنايط الشهري بالشاطيب (املتوّف‪790 :‬ه)‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان‪ ،‬دار ابن عفان‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1417‬ه‪1997 /‬م‪.‬‬
‫ـ رشح اتللويح ىلع اتلوضيح مل نت اتلنقيح يف أصول الفقه‪ ،‬سعد ادلين مسعود بن عمر اتلفتازاين‬
‫الشافيع (املتوّف‪793 :‬ه)‪ ،‬املحقق‪ :‬زكريا عمريات‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت بلنان‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل ‪ 1416‬ـه‪ 1996 -‬م‪.‬‬
‫ـ غمز عيون ابلصائر يف رشح األشباه وانلظائر‪ ،‬أمحد بن حممد ميك‪ ،‬أبو العباس‪ ،‬شهاب ادلين‬
‫احلسيين احلموي احلنف (املتوّف‪1098 :‬ه)‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ 1405‬ـه‪1985 -‬م‪.‬‬
‫ـ الوجزي يف إيضاح قواعد الفقة اللكية‪ ،‬ادلكتور حممد صديق بن أمحد بن حممد آل بورنو أبو احلارث‬
‫الغزي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت بلنان‪ ،‬الطبعة‪ :‬الرابعة ‪ 1416‬ـه‪ 1996 -‬م‪.‬‬
‫ـ القواعد الفقهية‪ ،‬لدلكتور يلع أمحد انلدوي‪ ،‬دار القلم دمشق‪ 1414 ،‬ـهـ‪1994‬م‪.‬‬

‫منواعت‪:‬‬
‫ـ بدائع الفوائد‪ ،‬حممد بن أ يب بكر أيوب الزريع أبو عبد الل ابن القيم اجلوزية‪ ،‬مكتبة نزار‬
‫مصطىف ابلاز‪ ،‬مكة املكرمة‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ 1416‬ـه– ‪1996‬م‪.‬‬
‫ـ ُمموع الفتاوى‪ ،‬تلق ادلين أبو العباس أمحد بن عبد احلليم بن تيمية احلراين (املتوّف‪728 :‬ه)‪،‬‬
‫املحقق‪ :‬عبد الرمحن بن حممد بن قاسم‪ ،‬انلارش‪ُ :‬ممع امللك فهد لطباعة املصحف الرشيف‪،‬‬
‫املدينة انلبوية‪ ،‬اململكة العربيةالسعودية ‪1416‬ه‪1995/‬م‪.‬‬

‫‪208‬‬
‫ـ مفتاح العلوم‪ ،‬يل وسف بن أ يب بكر بن حممد بن يلع الساكيك اخلوارزيم احلنف أبو يعقوب‬
‫(املتوّف‪626 :‬ه)‪ ،‬حتقيق‪ :‬نعيم زرزور‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة اثلانية‪ 1407 ،‬ـه‪1987 -‬م‪.‬‬
‫ه‬ ‫ـ قادة الغرب يقولون «د ِّم هروا اإلسالم أَ ه‬
‫يدوا أهله»‪.‬جلالل العالم (عبد الودود يوسف ادلمشق)‬
‫(املتوّف‪1403 :‬ه)‪ ،‬غري مذكور اسم ادلار‪ ،‬تاريخ النرش‪ 1395 :‬ه‪1974-‬م‪.‬‬
‫ـ حياة احليوان الكربى‪ ،‬حممد بن موىس بن عيىس بن يلع ادلمريي‪ ،‬أبو ابلقاء‪ ،‬كمال ادلين الشافيع‬
‫(املتوّف‪808 :‬ه)‪ ،‬دار الكتب العلمية بريوت‪ ،‬الطبعة اثلانية ‪1424‬ه‪.‬‬
‫ً‬
‫ـ قواعد اتلفسري (مجعا ودراسة)‪ ،‬خادل السبت‪ ،‬دار ابن عفان‪ 1421 ،‬ـه‬

‫‪209‬‬
‫فهرس املحتويات‬
‫الصفحة‬ ‫الرقم املوضوع‬
‫‪3‬‬ ‫اإلهداء‬ ‫‪1‬‬
‫‪4‬‬ ‫املقدمة‬ ‫‪2‬‬
‫‪11‬‬ ‫اتلمهيد‬ ‫‪3‬‬
‫‪12‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬معىن القاعدة يف اللغة‬ ‫‪4‬‬
‫‪12‬‬ ‫املبحث اثلاين‪ :‬معىن القاعدة يف االصطالح‬ ‫‪5‬‬
‫‪14‬‬ ‫املبحث اثلالث‪ :‬العالقة بني املعىن اللغوي واالصطاليح‬ ‫‪6‬‬
‫ه‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫‪15‬‬ ‫العربية والقرآن الكريم‬ ‫واتلأخري يف اللغة‬ ‫اتلقديم‬ ‫الفصل األول‪:‬‬ ‫‪7‬‬
‫‪16‬‬ ‫ه‬
‫مفهوم اتلقديم واتلأخري‬ ‫املبحث األول‪:‬‬ ‫‪8‬‬
‫له‬
‫‪31‬‬ ‫أهمية اتلقديم واتلأخري يف اللغة العربية‬ ‫املبحث اثلاين‪:‬‬ ‫‪9‬‬
‫‪33‬‬ ‫املبحث اثلالث‪ :‬أهم أسباب اتلقديم واتلأخري يف القرآن‬ ‫‪10‬‬
‫ِّ‬ ‫اتلقديم ل‬ ‫ه‬
‫قواعد ل‬
‫‪58‬‬ ‫واتلأخري عند املفرسين‬ ‫الفصل اثلاين‪:‬‬ ‫‪11‬‬
‫‪60‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬قواعد يف اتلقديم واتلفضيل‬ ‫‪12‬‬
‫اذلكر ال يلزم منه اتلقد هم يف ل‬ ‫ِّ‬
‫‪61‬‬ ‫الزمان أو الرتبة)‬ ‫(اتلقد هم يف‬
‫‪1‬ـ ل‬ ‫‪13‬‬
‫ه‬ ‫اتلقديم‪ :‬ل‬
‫‪2‬ـ (ليس من لوازم ل‬
‫‪64‬‬ ‫اتلفضيل)‬ ‫‪14‬‬
‫ً‬ ‫ه ِّ‬
‫‪64‬‬ ‫‪3‬ـ (العر هب ال يقد همون إال ما يعتنهون به َغبلا)‬ ‫‪15‬‬
‫‪68‬‬ ‫يد االهتمام)‬ ‫يم يهف ه‬
‫اتلقد ه‬
‫‪4‬ـ ( ل‬ ‫‪16‬‬
‫ِّ‬ ‫المق لدم هو الغرض ه‬
‫أن ه‬‫ل‬ ‫اتلقد ه‬
‫‪5‬ـ ( ل‬
‫المعتمد باذلكر وبسوق ‪70‬‬ ‫يم ديلل ىلع‬ ‫‪17‬‬
‫الالكم ألجله)‬
‫‪74‬‬ ‫املبحث اثلاين‪ :‬قواعد يف أن اتلقديم واتلأخري ال يكون إال حبجة‬ ‫‪18‬‬
‫‪6‬ـ (ال وجه تلقديم َش ٍء من كتاب الل عن موضعه أو تأخريه عن ‪74‬‬ ‫‪19‬‬
‫حب لج ٍة واضح ٍة)‪.‬‬
‫ماكنه إال ه‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫اتلقديم ل‬ ‫‪7‬ـ (ال ضري يف ل‬
‫‪79‬‬ ‫واتلأخري إذا دل ىلع الرتتيب ديلل)‬ ‫‪20‬‬

‫‪210‬‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫‪8‬ـ (إحلاق الالكم باذلي يليه أوىل من إحلاقه بما قد حيل بينه وبينه ‪79‬‬ ‫‪21‬‬
‫من همعرتض الالكم)‬
‫ه ل‬
‫الرتتيب همق لدم ىلع القول ب ل‬
‫اتلقديم ل‬
‫‪81‬‬ ‫واتلأخري)‬ ‫‪9‬ـ (القول ب‬ ‫‪22‬‬
‫املبحث اثلالث‪ :‬قواعد يف بعض احلروف وتقديم املعمول واملجرور ‪87‬‬ ‫‪23‬‬
‫ً ل‬ ‫ً‬ ‫‪10‬ـ (الو ه‬
‫‪87‬‬ ‫او ال تقتض ترتيبا وال تعقيبا وإنما ه ملطلق اجلمع)‬ ‫‪24‬‬
‫‪97‬‬ ‫يم إذا اقرتن بالفاء َكن فيه همبالغة)‪.‬‬
‫(اتلقد ه‬
‫‪11‬ـ ل‬ ‫‪25‬‬
‫‪103‬‬ ‫عمول يتض لم هن معىن االشرتاط ل‬
‫واتلقييد)‬ ‫يم الم ه‬
‫‪12‬ـ (تقد ه‬ ‫‪26‬‬
‫ل‬ ‫ً ه ه‬
‫‪104‬‬ ‫‪13‬ـ (تقديم المج هرور كثريا ما يعامل همعاملة الرشط)‪.‬‬ ‫‪27‬‬
‫ه ِّ ه ِّ‬
‫‪106‬‬ ‫‪14‬ـ (الفعالن إذا َكنا همتقاريب المعىن فلك أن تقدم وتؤخر)‬ ‫‪28‬‬
‫‪110‬‬ ‫املبحث الرابع‪ :‬قواعد يف أغراض اتلقديم واتلأخري‬ ‫‪29‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ه ل ه ه ه‬
‫انلفس ترقبا ل هو هروده‪ ،‬وتشوقا ‪111‬‬ ‫ث ل‬ ‫‪15‬ـ (تأخ ه‬
‫ري ما حقه اتلقديم يور‬ ‫‪30‬‬
‫إيله)‪.‬‬
‫ً ِّ‬ ‫ه ه ل‬
‫ب ‪115‬‬
‫ٍ‬ ‫ل‬ ‫ط‬ ‫د‬ ‫المقدم يتض لم هن جوابا لر‬ ‫‪16‬ـ (من هموجبات ل‬
‫اتلقديم‪ :‬كون‬ ‫‪31‬‬
‫طلب هه ه‬
‫المخاطب)‪.‬‬
‫ه ه‬ ‫(اتلقد ه‬
‫‪17‬ـ ل‬
‫‪116‬‬ ‫يم ال يكون ألجل الفاصلة فقط)‪.‬‬ ‫‪32‬‬
‫‪122‬‬ ‫‪18‬ـ (تقد ه‬
‫يم اجل همل عن مواضع تأخريها تلوفري املعاين)‪.‬‬ ‫‪33‬‬
‫‪123‬‬ ‫ري الختالف املقام)‪.‬‬‫واتلأخ ه‬
‫يم ل‬ ‫‪19‬ـ (قد يتل هف ل‬
‫اتلقد ه‬ ‫‪34‬‬
‫ّ ه ل‬ ‫ه ل‬
‫‪142‬‬ ‫ويؤخ هر األجَّل)‪.‬‬ ‫‪20‬ـ (يف مقام االستدالل يقد هم اجليل‬ ‫‪35‬‬
‫‪145‬‬ ‫املبحث اخلامس‪ :‬قواعد يف تقديم املسند إيله‬ ‫‪36‬‬
‫المسند ال همشت ِّق ال يهف ه‬
‫يد بذاته ‪149‬‬ ‫يم ال همسند إيله ىلع ه‬‫‪21‬ـ (تقد ه‬ ‫‪37‬‬
‫ه‬
‫اتلخصيص‬ ‫اد من َعض مواقعه معىن ل‬ ‫اتلخصيص‪ ،‬وقد يهستف‬‫ل‬

‫بالقرائن)‪.‬‬
‫ف‪ ،‬إذا لم ‪151‬‬ ‫يل المن ِّ‬ ‫(األكرث يف تقديم ه‬
‫المسند إيله ىلع اخلرب الفع ِّ‬ ‫ه‬ ‫‪22‬ـ‬ ‫‪38‬‬
‫انلف‪ ،‬أن ال يهفيد تقديمه إال ل‬
‫اتلق ِّوي‪،‬‬ ‫المسن هد إيله عقب حرف ل‬
‫يقع ه‬
‫هدون ل‬
‫اتلخصيص)‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫‪152‬‬ ‫اتلق ِّوي)‪.‬‬
‫يد ل‬‫عيل كثريا ً ما يهف ه‬ ‫يم ه‬
‫المسند إيله ىلع اخلرب الف ِّ‬ ‫‪23‬ـ (تقد ه‬ ‫‪39‬‬
‫‪156‬‬ ‫يد االختصاص)‪.‬‬ ‫عيل قد يهف ه‬ ‫يم ه‬
‫المسند إيله ىلع اخلرب الف ِّ‬ ‫‪24‬ـ (تقد ه‬ ‫‪40‬‬
‫عيل اجل ه‬
‫مع بني ‪159‬‬ ‫‪25‬ـ (قد َيتم هع يف تقديم ه‬
‫المسند إيله ىلع اخلرب الف ِّ‬ ‫‪41‬‬
‫اتلخصيص»)‪.‬‬ ‫اتلق ِّوي» و« ل‬
‫قصد « ل‬
‫المسن هد إيله ىلع اخلرب الف ِّ‬
‫عيل يف الوعد ‪161‬‬ ‫‪26‬ـ (كثريا ً ما يتق لد هم ه‬ ‫‪42‬‬
‫والضمان)‬
‫املبحث السادس‪ :‬قواعد يف تقديم املسند وتقديم اللفظ ىلع اعمله ‪163‬‬ ‫‪43‬‬
‫‪163‬‬ ‫المسند إذا احت لفت به قرائن قد يهف ه‬
‫يد احلرص)‬ ‫يم ه‬‫‪27‬ـ (تقد ه‬ ‫‪44‬‬
‫ً‬ ‫يم اللفظ ىلع اعمله يهف ه‬
‫‪28‬ـ (تقد ه‬
‫‪170‬‬ ‫يد االختصاص َغبلا)‬ ‫‪45‬‬
‫‪178‬‬ ‫يد االختصاص)‬ ‫جرور كثريا ً ما يهف ه‬ ‫ه ل‬
‫الظرف أو الم ه‬ ‫‪29‬ـ (تقديم‬ ‫‪46‬‬
‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫‪30‬ـ (حني َيتم هع ل‬
‫اتلخص ه‬
‫يص مع ل‬
‫‪182‬‬ ‫االهتمام أقوى)‬ ‫اتلقديم يكون‬ ‫‪47‬‬
‫‪183‬‬ ‫املبحث السابع‪ :‬قواعد يف تقديم الضمري وتقديم املفعول‬ ‫‪48‬‬
‫‪183‬‬ ‫يد االختصاص)‬ ‫الضمري كثريا ً ما يهف ه‬
‫ه ل‬
‫‪31‬ـ (تقديم‬ ‫‪49‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫‪186‬‬ ‫يم لـما ماكنه اتلأخري يهراد به االختصاص)‬ ‫‪32‬ـ (ليس ك تقد ٍ‬ ‫‪50‬‬
‫فعول مع اشتغال فعله بضمريه ه‬
‫آكد يف إفادة ا لتلقديم ‪189‬‬ ‫يم الم ه‬
‫‪33‬ـ (تقد ه‬ ‫‪51‬‬
‫المشتغل بضمريه)‬ ‫فعول ىلع الفعل غري ه‬ ‫احلرص من تقديم الم ه‬

‫‪192‬‬ ‫اخلاتمة‪ :‬أهم نتائج ابلحث‬ ‫‪52‬‬


‫‪194‬‬ ‫اتلوصيات‬ ‫‪53‬‬
‫‪195‬‬ ‫املصادر واملراجع‬ ‫‪54‬‬
‫‪210‬‬ ‫فهرس املحتويات‬ ‫‪55‬‬

‫‪212‬‬

Vous aimerez peut-être aussi