Académique Documents
Professionnel Documents
Culture Documents
ً ل جزى ه
الل خريا ك من أاعن ىلع نرش هذا الكتاب وتوزيعه
للتواصل مع ابلاحث
/https://omarbianony.wordpress.com
الربيد االلكرتوين:
xOMAR88x@gmail.com
بالفيس بوك:
facebook.com/OMARBIANONY
2
اإلهداء
إىل الظامئني ملائدة القرآن ،اذلين يريدون االرتواء من عذب رشابه وسلسبيله..
إىل اذلين يريدون االستفادة من علماء أمتهم وتراثها الزاخر ،واستخراج ما فيه من
الكنوز والفوائد..
فرتاث األمة حبر مملوء بالكنوز والآللئ ،وهو حباجة إىل الكثري من الغواصني
3
مقدمة
احلمد لل اذلي أكرمنا بالقرآن العظيم ،والصالة والسالم ىلع أفصح اخللق وأبلغهم سيد
املرسلني ،وىلع آهل وأصحابه ومن سار ىلع نهجهم إىل يوم ادلين ،أما بعد.
فرغم ما بذل السابقون من جهود عظيمة يف خدمة علوم اإلسالم ،إال أن احلاجة ال تزال ماسة
إلكمال طريقهم ،واالنطالق وفق أصوهلم ومنهجهم.
باتلقديم وا لتلأخري يف ه
حبثت يف كتب علوم القرآن وأصول اتلفسري عن قواعد تتعلق ل ولقد
القرآن ،أو قواعد تتعلق باتلقديم واتلأخري عند املفرسين ،فلم أجد إال ثالث قواعد:
ً ل ه ه ِّ
رب ال يقد همون إال ما يعتنهون به َغبلا).1ـ (الع
ِّ
اذلكر ال يلزم منه اتلقد هم يف ل
الزمان أو الرتبة) (اتلقد هم يف
2ـ ل
هاتان القاعدتان ذكرهما ادلكتور خادل السبت يف كتابه( :قواعد اتلفسري) ( ،)1ل
وعرب عن
القاعدة اثلانية بقوهل( :اتلقدم يف اذلكر ال يعين اتلقدم يف الوقوع واحلكم).
اتلقديم ل ه ل
الرتتيب همق لدم ىلع القول ب ل
واتلأخري). 3ـ (القول ب
ذكر هذه القاعدة ادلكتور حسني احلريب يف كتابه( :قواعد الرتجيح عند املفرسين) (.)2
ثم قمت بابلحث يف ثنايا كتب اتلفسري القديمة واحلديثة ،الستخراج القواعد اليت تتعلق
ه
فأضفت ىلع هذه باتلقديم واتلأخري ،واليت ذكروها يف الكمهم وإن لم ينصوا ىلع أنها قاعدة،
ً ً ً
القواعد :ثالثني قاعدة ،فأصبحت لكها ثالثا وثالثني قاعدة.
ه ه
وانطلقت من معالم هديهم ،وما أنا يف هذا ابلحث وغريه إال وقد استفدت من الكم العلماء
ه
استدركت عليهم فاكن حايل وحاهلم: همقتبس من أنوارهم ،وخادم لعلومهم ،وربما
له َكبلحر هيمط هر هه ل
السح ه
اب وما ههل ...فضل عليه ألنه من مائه
ل
ومن أكرث اتلفاسري اليت استفدت منها تفسري اإلمام حممد الطاهر ابن اعشور رمحه الل (املتوّف
1393ه) ،وهو وإن َكن من العلماء املتأخرين يف الزمن ،إال أنك حني تقرأ هل تعجب من ل
قوته
ه ِّ
وحتسبه من أعيان القرن اخلامس اهلجري ،فكأنه اعلـم متقدم اعش بني املتأخرين ،وذلك فضل
الل يؤتيه من يشاء.
ً
( )1ـ قواعد اتلفسري (مجعا ودراسة) ،لدلكتور خادل السبت379 :ـ .380
( )2ـ قواعد الرتجيح عند املفرسين دراسة نظرية تطبيقية ،لدلكتور حسني بن يلع احلريب.451 :
4
1ـ فكرة املوضوع:
استخراج القواعد املتعلقة باتلقديم واتلأخري يف القرآن عند املفرسين ،فقد قمت بابلحث يف
كتب اتلفسري ،ووصلت القواعد اليت وقفت عليها إىل ثالث وثالثني قاعدة ،وسأقوم بدراسة هذه
القواعد وتطبيق املفرسين هلا.
2ـ أهمية املوضوع وسبب اختياره:
1ـ أنين لم أجد من أفرد هذا املوضوع ببحث مستقل ،فهذه القواعد ل
مفرقة يف كتب اتلفاسري.
ه ه
وأنفعه 2ـ تظهر أهميته من كونه يتعلق بالقرآن العظيم وتفسريه ،فالقرآن هو أفضل الالكم
ه
وأبلغه.
3ـ خدمة مبحث من مباحث اتلفسري وعلوم القرآن وسد ثغرة يف هذا املجال.
4ـ معرفة قواعد اتلقديم واتلأخري عند املفرسين وأثر هذه القواعد يف تطبيق املفرسين هلا.
5ـ بيان أهمية علم اللغة العربية ملن يريد فهم القرآن ومعرفة تفسريه.
3ـ أهداف ابلحث:
1ـ العناية بأصول اتلفسري وقواعده وضوابطه.
ً ً
2ـ معرفة قيمة العلماء وأن هلم قواعد يعتمدون عليها يف علمهم ،وأن هلم أصوال ومنهجا
ً
دقيقا يسريون عليه.
3ـ إبراز الرتابط الوثيق بني علم اللغة العربية وعلم اتلفسري ،وأنه ال بد للمفرس أن يكون
ىلع معرفة باللغة العربية.
4ـ معرفة أهمية الرجوع إىل كتب الرتاث واالستفادة منها ،ففيها الكثري من العلوم واملعارف
اليت ال يمكن االستغناء عنها.
5ـ فتح املجال دلراسة القواعد األخرى عند العلماء.
4ـ ادلراسات السابقة:
من خالل تتبيع وحبيث عن هذا املوضوع لم أجد من أفرد دراسة علمية عن هذا املوضوع.
ولكن ذكر ادلكتور خادل السبت يف كتابه( :قواعد اتلفسري) قاعدتني عن اتلقديم واتلأخري،
وذكر ادلكتور حسني احلريب قاعدة واحدة عن اتلقديم واتلأخري يف كتابه (قواعد الرتجيح عند
املفرسين).
5
وهلذا قمت باستخراج القواعد املتعلقة باتلقديم واتلأخري يف القرآن عند املفرسين ،ووصلت
القواعد اليت وقفت عليها إىل ثالث وثالثني قاعدة ،وسأقوم بدراسة هذه القواعد وتطبيق
املفرسين هلا.
5ـ حدود ابلحث:
سيكون نطاق ابلحث هو كتب اتلفسري اعمة؛ ألنين إذا اقترصت ىلع بعض اتلفاسري ،فلن
أعرث إال ىلع القليل من القواعد.
ً
ونظرا تلداخل علوم اللغة العربية مع تفسري القرآن العظيم ،فقد رجعت إىل عدد من كتب
اللغة العربية واستفدت منها..
فكثري من هذه القواعد مرتبطة باللغة العربية ،ولكما زاد العلم باللغة العربية زاد ذلك يف فهم
القرآن ومعرفة تفسريه.
6ـ خطة ابلحث:
يشتمل ابلحث ىلع مقدمة حتتوي ىلع:
1ـ أهمية املوضوع وسبب اختياره
2ـ أهداف ابلحث
3ـ ادلراسات السابقة
4ـ حدود ابلحث:
5ـ املنهج املتبع يف ابلحث
واتلمهيد :معىن القاعدة ،وفيه ثالثة مباحث:
املبحث األول :معىن القاعدة يف اللغة
املبحث اثلاين :معىن القاعدة االصطالح
املبحث اثلالث :العالقة بني املعىن اللغوي واالصطاليح
ه ل ه ه
العربية والقرآن الكريم، واتلأخري يف اللغة اتلقديم وقسمت ابلحث إىل فصلني :الفصل األول:
ه
وفيه ثالثة مباحث:
ه
مفهوم اتلقديم واتلأخري املبحث األول:
له
أهمية اتلقديم واتلأخري يف اللغة العربية املبحث اثلاين:
6
املبحث اثلالث :أهم أسباب اتلقديم واتلأخري يف القرآن.
ه ل ل ِّ اتلقديم ل ه
قواعد ل
تطبيقية) ،وفيه سبعة نظرية واتلأخري عند املفرسين (دراسة الفصل اثلاين:
مباحث:
املبحث األول :قواعد يف اتلقديم واتلفضيل
املبحث اثلاين :قواعد يف أن اتلقديم واتلأخري ال يكون إال حبجة
املبحث اثلالث :قواعد يف بعض احلروف وتقديم املعمول واملجرور
املبحث الرابع :قواعد يف أغراض اتلقديم واتلأخري
املبحث اخلامس :قواعد يف تقديم املسند إيله
املبحث السادس :قواعد يف تقديم املسند وتقديم اللفظ ىلع اعمله
املبحث السابع :قواعد يف تقديم الضمري وتقديم املفعول
خاتمة :وفيها نتائج ابلحث واتلوصيات.
والفهارس :وفيها:
1ـ فهرس اآليات.
2ـ فهرس األحاديث.
3ـ فهرس املصادر واملراجع.
4ـ فهرس املحتويات.
7ـ املنهج املتبع يف ابلحث وعميل فيه:
املنهج املتبع هو (املنهج االستقرايئ االستنبايط اتلحلييل واملقارن) ،ويتمثل ذلك يف اآليت:
1ـ استقراء كتب اتلفاسري وابلحث يف ثناياها عن قواعد تتعلق باتلقديم واتلأخري.
2ـ عند العثور ىلع قاعدة عند أحد املفرسين ،أحبث عن هذه القاعدة عند غريه من املفرسين.
3ـ قد يعرب بعض املفرسين عن القاعدة بلفظ آخر ،فأذكر ذلك يف رشح القاعدة.
4ـ بعض القواعد قد يكون فيها خالف ،فأبني ذلك.
5ـ بعض القواعد مكملة للبعض اآلخر ،فقد تكون القاعدة همطلقة ،وتأيت قاعدة أخرى
ه ل
اعمة وتأيت قاعدة ِّ
ختصصها ،أو قد تكون القاعدة ُمملة يأيت من تقيِّدها ،أو تكون القاعدة
القواعد ما يبيِّنها.
7
يم ه
أغليب ،كما يف القاعدة (( :)24تقد ه ٌّ ِّ
المسند إيله ىلع 6ـ وقد أبني يف القاعدة أن احلكم
اتلق ِّوي) .فقلت فيها (كثريا ً ما) ،ثم يف القاعدة اليت تليها (( :)25تقد ه
يم يد لعيل كثريا ً ما يهف ه
اخلرب الف ِّ
يد االختصاص) ،قلت( :قد يهف ه
يد) .فهاتان القاعدتان مكملتان عيل قد يهف ه ه
المسند إيله ىلع اخلرب الف ِّ
بلعضهما.
(اتلقد هم
7ـ وهناك بعض القواعد معناها قريب من قاعدة أخرى ،فأبني ذلكَ ،كلقاعدة األوىل :ل
ِّ
اذلكر ال يلزم منه اتلقد هم يف ل
الزمان أو الرتبة) ،فيه قريبة من القاعدة اثلانية( :ليس من لوازم يف
ً يل) .إال أن القاعدة األوىل له اتلقديم :ل
ل
نصت ىلع اتلقدم يف الزمان أيضا. اتلفض
8ـ ذكرت تطبيقات للقواعد عند املفرسين.
ل
9ـ بينت اتلعارض واتلداخل بني القواعد إن وجد.
10ـ ذكرت القيود املستثناة ىلع القواعد إن وجدت.
11ـ بعض هذه القواعد فيها خالف بني العلماء ،فأذكر ذلك يف رشح القاعدة.
12ـ قمت بعزو اآليات ،واستحسنت أن أذكر اسم السورة واآلية يف امل نت وليس يف اهلام
ً
وأضع ذلك خبط صغري بني [معقوفتني] ،جتنبا لكرثة اهلوام ،وحىت ال ينقطع تسلسل القارئ يف
قراءته.
13ـ قمت بتخريج األحاديث وعزوها إىل مصادرها.
ً
فإن َكن احلديث مرويا يف الصحيحني أو أحدهما اكتفيت بذكر ذلك ،وإن لم يرو فيهما ذكرت
أهم املصادر اليت روت احلديث.
ً
وقد يذكر أحد العلماء حديثا ال يصح ،فأنبه إىل ضعف احلديث أو عدم صحته.
ً
14ـ عندما أنقل نصا يف ابلحث وأذكر رقم اجلزء والصفحة ،أو الصفحة فقط ،فهذا يعين أن
بداية الالكم اذلي نقلته من هذه الصفحة ،وقد يكون بقية الالكم يف الصفحات اليت تليها ،فال
حاجة ألقول :صفحة كذا وما بعدها .وعندما أنقل بانلص أجعل انلقل بني (قوسني) ،أما إذا َكن
بترصف فبدون قوسني ،وأقول يف احلاشة :انظر...:
ل
وصَّل الل ىلع سيِّدنا ل ً
حممد وىلع آهل وصحبه سائال من الل تعاىل اإلخالص واتلوفيق والسداد،
ه
واحلمد لل رب العاملني. أمجعني،
1439/1/2ـه
8
قواعد اتلقديم واتلأخري عند املفرسين
املبحث األول :قواعد يف اتلقديم واتلفضيل
اذلكر ال يلزم منه اتلقد هم يف لِّ
الزمان أو الرتبة). (اتلقد هم يف
1ـ ل
ه اتلقديم :ل
2ـ (ليس من لوازم ل
اتلفضيل).
ً ه ِّ
3ـ (العر هب ال يقد همون إال ما يعتنهون به َغبلا).
يم يهف ه
يد االهتمام). اتلقد ه
4ـ ( ل
ِّ المق لدم هو الغرض ه
أن هل اتلقد ه
5ـ ( ل
المعتمد باذلكر وبسوق الالكم ألجله). يم ديلل ىلع
املبحث اثلاين :قواعد يف أن اتلقديم واتلأخري ال يكون إال حبجة
6ـ (ال وجه تلقديم َش ٍء من كتاب الل عن موضعه أو تأخريه عن ماكنه إال حبه لج ٍة واضح ٍة).
ل ل اتلقديم ل 7ـ (ال ضري يف ل
واتلأخري إذا دل ىلع الرتتيب ديلل)
ه ه ه
8ـ (إحلاق الالكم باذلي يليه أوىل من إحلاقه بما قد حيل بينه وبينه من همعرتض الالكم).
ه ل
الرتتيب همق لدم ىلع القول ب ل
اتلقديم ل
واتلأخري). 9ـ (القول ب
املبحث اثلالث :قواعد يف بعض احلروف وتقديم املعمول واملجرور
ً ل ً 10ـ (الو ه
او ال تقتض ترتيبا وال تعقيبا وإنما ه ملطلق اجلمع).
يم إذا اقرتن بالفاء َكن فيه همبالغة).
(اتلقد ه
11ـ ل
عمول يتض لم هن معىن االشرتاط ل
واتلقييد) يم الم ه
12ـ (تقد ه
ل ً ه ه
13ـ (تقديم المج هرور كثريا ما يعامل همعاملة الرشط).
ه ِّ ه ِّ
14ـ (الفعالن إذا َكنا همتقاريب المعىن فلك أن تقدم وتؤخر).
املبحث الرابع :قواعد يف أغراض اتلقديم واتلأخري
ً ً ه ل ه ه ه
انلفس ترقبا ل هو هروده ،وتشوقا إيله).ث ل 15ـ (تأخ ه
ري ما حقه اتلقديم يور
المق لدم يتض لم هن جوابا ً لر ِّد طلب طلب هه ه
المخاطب). اتلقديم :كو هن ه
16ـ (من هموجبات ل
ٍ
ه ه (اتلقد ه
17ـ ل
يم ال يكون ألجل الفاصلة فقط).
يم اجل همل عن مواضع تأخريها تلوفري املعاين). 18ـ (تقد ه
9
املبحث اخلامس :قواعد يف تقديم املسند إيله
ه المسند ال همشت ِّق ال يهف ه
اتلخصيص ،وقد يهستفاد من َعض يد بذاته ل يم ال همسند إيله ىلع ه
21ـ (تقد ه
اتلق ِّوي).
يد لعيل كثريا ً ما يهف ه يم ه
المسند إيله ىلع اخلرب الف ِّ 23ـ (تقد ه
اتلخصيص»). و« ل
26ـ (كثريا ً ما يتق لد هم ه
المسن هد إيله ىلع اخلرب الف ِّ
عيل يف الوعد والضمان).
املبحث السادس :قواعد يف تقديم املسند وتقديم اللفظ ىلع اعمله
المسند إذا احت لفت به قرائن قد يهف ه
يد احلرص). يم ه27ـ (تقد ه
ً يم اللفظ ىلع اعمله يهف ه
28ـ (تقد ه
يد االختصاص َغبلا).
يد االختصاص). جرور كثريا ً ما يهف ه ه ل
الظرف أو الم ه 29ـ (تقديم
ه ه ه 30ـ (حني َيتم هع ل
اتلخص ه
يص مع ل
االهتمام أقوى). اتلقديم يكون
املبحث السابع :قواعد يف تقديم الضمري وتقديم املفعول
يد االختصاص). الضمري كثريا ً ما يهف ه
ه ل
31ـ (تقديم
ه ه
يم لـما ماكنه اتلأخري يهراد به االختصاص). 32ـ (ليس ك تقد ٍ
اتلقديم احلرص من تقديم الم ه
فعول فعول مع اشتغال فعله بضمريه ه
آكد يف إفادة ل يم الم ه
33ـ (تقد ه
10
اتلمهيد :معىن القاعدة
11
اتلمهيد :معىن القاعدة
سأذكر يف اتلمهيد معىن القاعدة يف اللغة ،ومعناها يف االصطالح ،وسأذكر العالقة بني املعىن
اللغوي واالصطاليح .وسأجعل ذلك يف ثالثة مباحث.
املبحث األول :معىن القاعدة يف اللغة
تنوعت عبارات العلماء يف معىن القاعدة يف اللغة ،فقال أبو احلسن يلع بن إسماعيل بن سيده
ه اتلْنيل( :وإذ ير ه ِّ
األس .وِف ل ه ل
إبراهيم القواعد من فع والقاعد والقاعدة أصل (املتوّف458 :ه)( :
الزجاج :القواعد :أساطني ابلناء الل بهنيانهم من القواعد) قال ّ ابليت وإسماعيل) .وفيه (فأىت ه
ل
اليت تع ّمده .وقواعد اهلودج :خشبات أربع ،همعرتضة يف أسفله ،قد كت فيه لن) (.)1
اس وقواعده ه ه
األ ِّس .والقواع هد اإلس ه ل
وِف تاج العروس للزبيدي (املتوّف1205 :ه)( :والقاعدة أصل
ه ل الز ّجاج :القواعد :أساط ه
ني ابلناء اليت تعم هده ،وقوهلمَ :ىن أمره ىلع قاعد ٍة، ابليت إس ه
اسه ( ،)2وقال ل
ه ه وقواعد ،وقاعد هة أمرك واهية ،وتركوا مقاعدهم :مراكزهم ،و ههو ُماز ،وقواع هد ل
السحاب :أصوهلا
المراد بالقواعدابن األثري :هالمعرتضة يف آفاق السماء ،هشبِّهت بقواعد ابلناء ،قاهل أبو هعبي ٍد ،وقال ه
ه
ً
ما اعرتض منها وسفل ،تشبيها بقواعد ابلناء) (.)3
املبحث اثلاين :معىن القاعدة يف االصطالح
اختلفوا يف معىن القاعدة يف االصطالحً ،
بناء ىلع اختالفهم يف مفهومها ،هل ه قضية لكية
أو قضية أغلبية؟ فاللكية :يراد بها القضية املحكوم ىلع مجيع أفرادها ،فف اللكيات أل يب ابلقاء
ه ه ه ً ل
الكفوي (املتوّف1094 :ه)( :والقاعدة ،اصطالحا :قض لية لكية من حيث اشتماهلا بالق لوة ىلع أحاكم
ً
جزئيات موضوعها ،وتسىم فرواع ،واستخراجها منها تفريعا كقونلا( :ك إمجاع حق).
ً
والقاعدة :ه األساس واألصل ملا فوقها ،وه جتمع فرواع من أبواب ش لىت) (.)4
يف الكمه املذكور قبل قليل .أو ألن هذه االستثناءات ال تدخل حتت هذه القاعدة.
ٌّ ل
أكرثي أو أغليب رأى أن هذه االستثناءات جتعل القاعدة أغلبية. ومن ذكر أن القاعدة حكم
والل أعلم.
املبحث اثلالث :العالقة بني املعىن اللغوي واالصطاليح
ه ه
األ ِّس ،والقواع هد اإلس ه
اس وقواع هد ابليت إس ه
اسه ،وكذلك إذا َكنت القاعدة يف اللغة ه أصل
ل
ني ابلناء اليت تعم هده.
القواعد :أساط ه
فكذلك القاعدة يف االصطالح ،ه األساس اذلي يعتمد عليه هذا العلم أو ذاك ،وه األصل
اذلي يهبىن عليه غريه من فروع املسائل اليت تنتظم يف هذا األصل.
ه ه ه ً
كما يف اتلعريفات السابقة للقاعدة اصطالحا ،مثل( :قض لية لكية من حيث اشتماهلا بالق لوة ىلع
ً
يلك ،ينطبق ىلع أكرث جزئياتهأحاكم جزئيات موضوعها ،وتسىم فرواع) ،أو (حكم أكرثي ال ِّ
تلعرف أحاكمها منه).
ُ
اتلقديم واتلأخري
ِ املبحث األول :مفهوم
َّ ُ
واتلأخري يف اللغة العربية
ِ اتلقديم
ِ املبحث اثلاين :أهمية
واتلأخري يف القرآن.
ِ اتلقديم
ِ أسباب
ِ املبحث اثلالث :أهم
15
ُ َّ ُ ُ
واتلأخري يف اللغ ِة العربية والقرآن الكريم اتلقديم الفصل األول:
بعد أن ذكرت تعريف القاعدة يف اللغة واالصطالح ،سأحتدث يف هذا الفصل عن أهمية
اتلقديم واتلأخري يف اللغة العربية ،وعن ارتباط اللغة العربية بالعلوم الرشعية ،وأن من رشوط
املجتهد يف الرشيعة أن يكون ىلع معرفة باللغة العربية ،وسأذكر أهم أسباب اتلقديم واتلأخري
يف القرآن الكريم.
ً
وسأبني ذلك مستعينا بالل تعاىل يف ثالثة مباحث:
ُ
اتلقديم واتلأخري
ِ املبحث األول :مفهوم
مفهوم اتلقديم واتلأخري هو خمالفة الرتتيب األصيل للالكم ،وقد حتدث ادلكتور صالح الشاعر
عن هذا فقال( :يراد باتلقديم واتلأخري أن ختالف عنارص الرتكيب ترتيبها األص ّ
يل يف السياق
ل
يتقدم .واحلاكم للرتتيب األص ّ ل ل ل
يل بني فيتقدم ما األصل فيه أن يتأخر ويتأخر ما األصل فيه أن
ً
عنرصين يتلف إذا َكن الرتتيب الزما أو غري الزم ،فهو يف الرتتيب الالزم (الرتبة املحفوظة)
ل ٌّ ل
حنوي ،أما يف غري الالزم (الرتبة غري املحفوظة) فياكد يكون شيئًا غري حمدد، ٌّ
صنايع حاكم
ِّ ل ل
ولكن توجد بعض األسباب العامة اليت قد تفرس الرتتيب األصيل ـ بنوعيه ـ بني عنرصين ،وه
منطق ،أو ص ّ
نايع ،ومن ّ ّ
لفظي ،أو ّ
معنوي ،ومنها ما اعتباره خمتلفة يف اعتباراتها ،فمنها ما اعتباره
ِّ
أهم هذه األسباب:
ل
1ـ أن تكون العالقة بني العنرصين عالقة املحكوم عليه باحلكم ،فمقتىض األصل أن يتقدم
ل
املحكوم عليه ويتأخر احلكم ،كتقدم املبتدأ ىلع اخلرب.
ل ل
2ـ أن تكون العالقة بينهما عالقة العامل باملعمول ،فمقتىض األصل أن يتقدم العامل ويتأخر
املعمول ،كتقدم الفعل ىلع املفعول (.)1
ه
اللكمات يف اجلملة ،فمنها ( )1ـ معىن العامل والمعمول والعمل :قال األستاذ مصطىف الغالييين رمحه الل( :مىت انتظمت
ب املفعول به ،ولاملبتدأ ،ه
يرفع يرفع الفاعل وينص ه ه
َيزمه ،أو َيهر ههَ ،كلفعل ،ه فريفع ما بعد هه ،أو ينصبه هه أو
ه ما يهؤثر فيما يليه،
ه ه ِّ ه جتزم الفعل املضارع ،وكحروف ِّ ه
المؤث هر ،أو العامل. ختفض ما يليها من األسماء .فهاذ هو اجلر، اخلرب ،وكأدوات اجلزم،
ه
َيزمهَ ،كلفاعل ،واملفعول ،واملضاف إيله ،واملسبوق حبرف ّ
جر، فريفع هه ،أو ينصبه هه ،أو َيهر هه ،أو
ه ؤثر فيه ما قبل هه،
ومنها ما يه ه
ه ه
املتأثر أو املعمول. والفعل املضارع وغريها .فهذا هو
ل ومنها ما ال يهؤثِّ هر وال ي ه
تأثر ،كبعض احلروف ،حنو "هل وبل وقد وسوف وهال" ،وغريها من حروف املعاين.
16
ِّ ل ِّ
3ـ أن تكون العالقة بينهما عالقة املقدمة بانلتيجة ،فمقتىض األصل أن تتقدم املقدمة
ل
وتتأخر انلتيجة ،كتقدم فعل الرشط ىلع جواب الرشط.
ل ِّ
4ـ أن تكون العالقة بينهما عالقة اللك باجلزء املقتطع منه ،فمقتىض األصل أن يتقدم اللك
المستثىن منه ىلع ه ل
ويتأخر اجلزء ،كتقدم ه
المستثىن.
18
والفرق بني الرتبة املحفوظة والرتبة غري املحفوظة هو عينه الفرق بني الواجب واجلائز يف
ِّ ٌّ ٌّ
حنوي رصف ال ُمال فيه الختيار املتلكم ،فهو تركييب انلحو؛ فاتلقديم يف الرتبة املحفوظة حكم
ل ٌّ ل
جار ىلع القاعدة حبفظها ،أو خمالف للقاعدة خمل بسالمة الرتكيب بإهماهل هلا ،أما الرتبة غري
ٍ اإم
يمكن من اتلرصف يف العبارة؛ ألنله يصبح وسيلة أسلوبيةل ِّ املحفوظة فاتلقديم فيها أمر اختياريٌّ
ه ل ه
تستجلب بها املعاين وتقلب العبارة تلناسب مقتىض احلال ،وهلذا دار ابلحث ابلاليغ يف علم
املعاين حول الرتبة غري املحفوظة.
خمالفة األصل فيهما:
ه ل
ينطلق احلـديث عن اتلقـديم واتلأخري من منطلـق الرتبة اليت منها رتبة حمفوظة ال ختالف
ه ه ً ً ل
ِّ
إال خطأ واحنرافا عن انلظام السيايق ،ورتبة غري حمفوظة قد تراىع وقد ال تراىع.
ل ً ل
والرتتيب اذلي جعله انلظام انلحوي أصال يف الرتبة غري املحفوظة ال يهسأل عن علته يف َغلب
عما جاء ىلع خالفه :لم خالف ؟ وما الغاية من اخلالف؟ فاتلقديم واتلأخري األحيان ،وإنلما يهسأل ل
ل
معنوية ،وهذا ل
بيانية نوع من اتلرصف يف الرتكيب والعدول عن أصل ترتيب عنارصه لغاية
ً ل
وإال َكن ً ل ً
جورا ىلع الرتكيب ومعناه وإفسادا للالكم بأرسه. اعتباطا لغري علة اتلرصف ال يكون
ل
حاصل القول يف ظاهرة اتلقديم واتلأخري (اجلائز) أنها تفتقر إىل أمور:
األول :حتديد األصل يف ترتيب عنارص الرتكيب. ل
واثلانية :تكون بإسناد اخلرب وتوابعه وما يتصل به إىل ضمري املبتدأ املسترت يف اخلرب أو فيما
يتصل به أو يف توابعه.
فإذا قلنا« :زيد قائم» أو «زيد قام» فف لفظ «قائم» وِف لفظ «قام» ضمري يعود ىلع «زيد» فيحصل
بذلك إسناد القيام إىل لفظ «زيد» وإسناده إىل ضمريه ،قالوا :وإسنادان أقوى من إسناد واحد ،إذ
هو بمثابة إاعدة اجلملة ل
مرتني ىلع سبيل اتلأكيد.
أما اخلرب اذلي ال يتحمل هو وال ما يتصل به وال بعض توابعه ضمري املبتدأ ،مثل« :القمح ّ ّ
الرب
-القمح الرب اذلي نصنع منه خزبا ً نأكله» ،فاجلملة االسمية معه ل
بقوة اجلملة الفعلية البسيطة،
ً
وهما مجيعا يف املرتبة ادلنيا (.)1
وقال ادلكتور فاضل السامرايئ( :املفهوم الفعيل من حيث ادلاللة اللغوية للتقديم واتلأخري أنه
إذا بدأنا بكلمة سابقة ىلع غريها فقد قدمناها يف الالكم .واتلقديم نواعن أو ثالثة:
ني﴾ وقوهل تعاىل﴿ :ور لبك1ـ تقديم اللفظ ىلع اعمله حنو قوهل تعاىل ﴿ :إيلاك نعبه هد وإيلاك نستع ه
ً ً
فك ِّرب﴾ وقونلا :زيدا أكل أو زيدا أكرمت .وبمحمد اقتديت.
ه ل
2ـ تقديم األلفاظ بعضها ىلع بعض يف غري العامل وذلك حنو قوهل تعاىل ﴿وما أهل به لغري
ه ل
الل﴾ [ابلقرة ،]173 :وقوهل﴿ :وما أهل لغري الل به﴾ [املائدة.]3 :
ً
أوال :تقديم اللفظ ىلع اعمله:
ومن هذا ابلاب تقديم املفعول به ىلع فعله ،وتقديم احلال ىلع فعله ،وتقديم الظرف واجلار
واملجرور ىلع فعلهما ،وتقديم اخلرب ىلع املبتدأ وحنو ذلك .وهذا اتلقديم يف الغالب يفيد
ً ً ً
االختصاص فقولك( :أجندت خادلا) يفيد أنك أجندت خادلا وال يفيد أنك خصصت خادلا
ً
بانلجاة بل َيوز أنك أجندت غريه أو لم تنجد أحدا معه.
ً ً ً
فإذا قلت :خادلا أجندت أفاد ذلك أنك خصصت خادلا بانلجدة وأنك لم تنجد أحدا آخر.
( )1ـ انظر :ابلالغة العربية أسسها وعلومها وفنونها ،للميداين .350 :1
20
ني﴾ يف سورةومثل هذا اتلقديم يف القرآن كثري :فمن ذلك قوهل تعاىل﴿ :إيلاك نع هب هد وإيلاك نستع ه
ل
الفاحتة ،فقد قدم املفعول به ﴿إيلاك﴾ ىلع فعل العبادة وىلع فعل االستعانة دون فعل اهلداية ،فلم
يقل( :إيانا اهد) كما قال يف األويلني.
وسبب ذلك أن العبادة واالستعانة خمتصتان بالل تعاىل فال يعبد أحد غريه وال يستعان به.
ه ل ه
وهذا نظري قوهل تعاىل﴿ :بل الل فاعبهد وكن من الشاكرين﴾ [الزمر ،]66 :وقوهل﴿ :واشك هروا ِل إن
ه
كنتهم إيل هاه تعبه هدون﴾ [ابلقرة ،]172 :فقدم املفعول به ىلع فعل العبادة يف املوضعني؛ وذلك ألن العبادة
خمتصة بالل تعاىل.
ِّ ه ل
ومثل اتلقديم ىلع فعل االستعانة قوهل تعاىل ﴿وىلع الل فليتوَّك ال همتولكون﴾ [إبراهيم ،]12 :وقوهل:
ه ه ﴿ىلع الل تو للكنا ر لبنا﴾ [األعراف ،]89 :وقوهل﴿ :عليه تو للك ه
ت وإيله أنيب﴾ [هود ،]88 :فقدم اجلار
واملجرور لدلاللة ىلع االختصاص وذلك ألن اتلوَّك ال يكون إال ىلع الل وحده واإلنابة ليست
إال إيله وحده.
ولم يقدم مفعول اهلداية ىلع فعله فلم يقل :إيانا اهد كما قال﴿ :إيلاك نعبه هد﴾ وذلك ألن طلب
ً
اهلداية ال يصح فيه االختصاص إذ ال يصح أن تقول :امهلل اهدين وحدي وال تهد أحدا غريي أو
ه
خصين باهلداية من دون انلاس ،وهو كما تقول :امهلل ارزقين واشفين واعفين .فأنت تسأل نلفسك
ً
ذلك ولم تسأهل أن يصك وحدك بالرزق والشفاء والعافية فال يرزق أحدا غريك وال يشفيه وال
يعافيه) (.)1
وقال األستاذ عبد الكريم ادلخييس( :عندما نسمع «اتلقديم واتلأخري» نعرف أننا بصدد
احلديث يف ترتيب عنارص اجلملة العربية .واجلملة العربية إما فعلية وإما اسمية ،فإذا َكنت فعلية
فرتتيب عنارصها واضح ،والفعل هو املقدم يف الرتتيب ىلع األصل.
أما إذا َكنت اسمية واستوى طرفا الرتكيب ولانا معرفني معا ،فقد اختلف يف أيهما يمكن أن
ً
تصدر به اجلملة ،وأيهما جتعله خربا؟
فأما انلحويون فلم يتعرضوا للتحديد ،بل تركوا للمتلكم اخليار ،وأجازوا أن يكون ك منهما
ً ً
هو املبتدأ واثلاين هو اخلرب ،ويعربون املقدم مبتدأ واملؤخر خربا ،لكن ابلالغيني حبثوا األمر حبثا
22
ً ً ً
َكن ذلك عربيا جيدا ،وذلك قولك« :زيدا رضبت» ،واالهتمام والعناية هنا يف اتلقديم واتلأخري
ً ً
سواء ،مثله يف «رضب زيد عمرا» و«رضب عمرا زيد»).
ً
وهو ما أشار إيله اجلرجاين بقوهل« :واعلم أن لم جتدهم اعتمدوا فيه شيئا َيري ُمرى األصل
غري العناية واالهتمام .قال صاحب الكتاب وهو يذكر الفاعل واملفعول :كأنهم إنما يقدمون اذلي
ً
بيانه أهم هلم ،وهم ببيانه أعىن ،وإن َكنا مجيعا يههمانهم ويعنيانهم».
وقد عدد اإلمام جالل ادلين القزويين أسباب الورود اليت نتحدث عنها وذلك بعدما ذكر
تقديم املسند إيله ،قال :فلكون ذكره أهم من ذكر غريه ،فذلك :لكونه األصل وال مقتىض للعدول
ً
عنه ،أو تلمكني اخلرب يف ذهن السامع ألن يف املبتدأ تشويقا إيله ،أو تلعجيل املرسة أو املساءة
للتفاؤل أو اتلطري ،أو إليهام أنه ال يزول عن اخلاطر ،أو أنه يستذل به ،وقد يقوم املسند إيله بنحو
ذلك من األغراض ،وقد يقوم املسند إيله بغرض ختصيصه باخلرب الفعيل ،وقرص هذا اخلرب عليه.
وىلع هذه األسباب مدار اتلقديم واتلأخري ،وقد تكون هنالك أغراض أخرى تدعو إىل
اتلقديم أو اتلأخري.
األغراض ابلالغية تلقديم املسند إيله:
ل
يقول الساكيك (املتوّف626 :ه)« :وأما احلالة اليت تقتض تقديمه ىلع املسند فيه :مىت َكن ذكره
أهم ،يقع باعتبارات خمتلفة :إما ألن أصله اتلقديم وال مقتىض للعدول عنه… ،وإما ألنه متضمن
ً
لالستفهام ،وإما تلضمنه ضمري الشأن والقصة ،وإما ألن يف تقديمه تشويقا للسامع إىل اخلرب
يلتمكن يف ذهنه إذا أورده.»...
وهناك من ذكر غري هذا فتأمله.
1ـ التشويق إىل الالكم املتأخر:
حنو قول الشاعر:
ل
والشب ه ه ثالثة ليس لها إي ه
اب ...الو ه
اب قت واجلمال
ه ه ل ه
2ـ تعجيل املرسة :حنو قوهل تعاىل﴿ :جنات عد ٍن يدخلونها﴾ [الرعد ،23:فاطر ،33 :انلحل.]31 :
ً
3ـ تعجيل املساءة :مثل« :السجن عرشون اعما لقاتل الطفلة».
4ـ للتربك به:
23
حنو« :الل سندي» ،وحنو« :الل َغيتنا» و«الرسول قدوتنا» و«القرآن دستورنا» و«املوت يف سبيل
الل أسىم أمانينا».
ه ه ل
5ـ تقوية احلكم وتقريره :مثل﴿ :واذلين هم بر ِّبهم ال يهرشكون﴾ [املؤمنون.]59:
ـ مواضع اتلقديم واتلأخري:
أ -ما َيب تقديمه ولو تأخر لفسد معناه:
ً
1ـ تقديم املفعول به ىلع فعله ،كقولك« :زيدا رضبت» ،وفيه ختصيص هل بالرضب دون غريه.
وهذا اذلي ذهب إيله املؤلف رأي أغلب علماء ابليان.
2ـ تقديم خرب املبتدأ عليه حنو« :قائم زيد» ،فإنك إذا أخرت اخلرب فليس فيه إال اإلخبار بأن
زيدا قائم ال غري من غري تعرض ملعىن آخر من املعاين ابلليغة.
ه ل ل
3ـ الظرف ،والغالب أنه يرد لدلاللة ىلع االختصاص كقوهل تعاىل﴿ :إن إيلنا إياَ ههم ،ث لم إن
علينا حساَ ههم﴾ [الغاشية25 :ـ .]26
ً ً
4ـ احلال فإنك إذا قدمته فقلت« :جاء ضاحاك زيد» فإنه يفيد أنه جاء ىلع هذه الصفة خمتصا
بها.
ً ً
5ـ االستثناء يف حنو قولك« :ما رضبت إال زيدا أحدا» ،فإنك إذا قدمته فإنه يفيد احلرص.
واملالحظ أن استفاضة اإلمام عبد القاهر اجلرجاين يف ابلحث عن الشواهد واألمثلة ،سواء
القرآين منها أو الشعري للتديلل ىلع هذه األغراض ،إنما َكن املراد به إثبات احلضور القوي هلذه
انلماذج اليت ادىع ابلعض من ابلالغيني أن الغاية األوىل من اتلقديم واتلأخري ه االهتمام فقط.
ولعل املتفحص لكتاب ادلالئل يلحظ هذا الكم اهلائل من األمثلة اليت ساقها املصنف رمحه
الل.
ب -ما َيوز تقديمه ولو تأخر لم يفسد معناه:
ويقصد به ك الكم ورد فيه ذكر لشيئني أو أكرث ،وجاءت املذكورات متتايلة ،فإن ترتيبها ذاك
ً
يكون لغاية معينة ،وَغبلا ما يكون الرتتيب بذكر األرشف فاألرشف ،ولو قدم املتأخر ما َكن
ً
ذلك معيبا ،أو لو عكس الرتتيب ما أخل بمعىن العبارة .فانظر قوهل تعاىل﴿ :وما يع هز هب عن ر ِّبك
ه ه
السماء﴾ [يونس ،]61:وقوهل تعاىل﴿ :ال يع هز هب عنه مثقال ذ لر ٍة يف
من مثقال ذ لرة يف األرض وال يف ل
ٍ
السموات وال يف األرض﴾ [سبأ .]3:فقدم سبحانه مرة األرض ،وِف آية أخرى قدم السماء ،والرتتيب ل
24
إنما يكون حبسب رغبة املتلكم ال غري ،أو كما يقول صاحب الطراز :فأنت ههنا باخليار ،فإن
شئت قدمت املفضول ملا هل من املناسبة ملطلع الالكم ،وإن شئت قدمت الفاضل ملا هل من رتبة
الفضل.
وقد قسم اجلرجاين رمحه الل مواضع اتلقديم إىل ما ييل:
أ -االستفهام:
االستفهام باهلمزة ،فإن موضع الالكم ىلع أنك إذا قلت :أفعلت؟ ،فبدأت بالفعلَ ،كن الشك يف
الفعل نفسه ،ولان غرضك من استفهامك أن تعلم وجوده.
وإذا قلت« :أأنت فعلت»؟ فبدأت باالسمَ ،كن الشك يف الفاعل من هو ،ولان الرتدد فيه.
و ال يىف أن الغرض احلصول ىلع إقرار من املخاطب بأنه الفاعل لذلي تستفهم عنه .أو كما
قال اجلرجاين :واعلم أن اهلمزة فيما ذكرنا تقرير بفعل قد َكن ،وإنكار هل لم َكن ،وتوبيخ لفاعله
عليه.
وقد يكون االستفهام باهلمزة إلنكار أن يكون الفعل قد َكن من أصله .ومثاهل قوهل تعاىل:
ً ً ه ه ً ل ه ل ه ه
﴿أفأصفاكم ربكم بابلنني واختذ من المالئكة إناثا إنكم تلقولون قوال عظيما﴾ [اإلرساء.]40:
ب -انليف:
ً
إذا قلت :ما فعلت ،كنت نفيت عنك فعال لم يثبت أنه مفعول ،وإذا قلت« :ما أنا فعلت»
ً
كنت نفيت عنك فعال يثبت أنه مفعول.
ً ً
وإذا قلت« :ما زيدا رضبت» فقدمت املفعولَ ،كن املعىن ىلع أن رضبا وقع منك ىلع إنسان،
وظن أن ذلك اإلنسان زيد ،فنفيت أن يكون إياه.
وىلع خالف ما ذهب إيله ابلالغيون فهناك من ال يرى أن يلحق بباب اتلقديم واتلأخري يف
ابلالغة العربية تقديم أداة انلف ىلع اللفظ ادلال ىلع العموم ،وال العكس أي تقديم اللفظ ادلال
ىلع العموم ىلع أداة انلف ،يقول :فهذه قضية فكرية تتصل بأصل بناء الالكم يف أدائه للمعاين ،وه
ترجع إىل قاعدة سلب العموم أو عموم السلب فإذا سلط انلف ىلع العموم لم يلزم منه نف مجيع
األفراد ،ألن املنف حينئذ هو العموم ال مجيع أفراده ،وإذا سلط العموم ىلع املنف بأداة انلف فإنه
يدل حينئذ ىلع نف مجيع األفراد .مثل :ليس ك إنسان َكتبا (بتسليط السلب ىلع العموم معناها
ً
أن بعض انلاس ليس َكتبا ،وهذه مجلة صادقة) ،ولكن ك إنسان ليس َكتبا بتسليط اللفظ
25
ادلال ىلع العموم ىلع اجلملة املنفية املسلوبة ،وكأنك تقول ال أحد يف انلاس هو َكتب ،وهذا
احلكم ال يصدق ،أي هو َكذب.
ج -اخلرب:
ً
وهو نواعن ،أحدهما :ظاهر غري مشلك :وهو أن يكون الفعل فعال قد أردت أن تنص فيه ىلع
وجه واحد فتجعله هل ،وتزعم أنه فاعله دون واحد آخر ،أو دون ك أحد.
واثلاين :أن ال يكون القصد إىل الفاعل ىلع هذا املعىن ولكن ىلع أنك أردت أن حتقق ىلع
ً
السامع أنه قد فعل ،وتمنعه من الشك ،فأنت تبدأ بذكره ،وتوقعه أوال ومن قبل أن تذكر الفعل يف
نفسه ..ومثاهل قولك« :هو يعطي اجلزيل».
د – «غري» و«مثل»:
وهما مما يرى تقديمهما يف الالكم ،وقد ذكر علماء ابلالغة العربية أن هاتني اللكمتني «غري»
و«مثل» تالزمان ا تلقديم يف الرتاكيب ابلالغية إذا أريد بهما الكناية عن الشخص اذلي َيري
احلديث عنه ،وذلك حنو قول الشاعر أ يب فراس احلمداين:
()1 هل ّه ه
يذاع ه ّ
رس ولكن مثيل ال بَّل أنا مشتاق وعندي لوعة ...
وحنو قول أ يب تمام:
()2 ه وغريي يأ هك هل المع هروف هسحتا ً ...وتشج ه
ب عند هه َيض األيادي
وحنو قول املتنيب يف قصيدة يعزي فيها عضد ادلولة أبا شجاع يف عمته:
()3 مثلهك يثين احلهزن عن صوبه ...ويسرت ّد ل
ادلمع عن غربه
فموضوع اتلقديم واتلأخري من املوضواعت اليت تناوهلا ادلارسون بالعرض واتلحليل ،للوقوف
ىلع شجاعة اللغة العربية يف اخلروج ىلع املألوف اذلي جاء يف تركيبهم ،ولكن هذا اخلروج ىلع
ً
املعهود لم يكن رضبا من اخلبط والعشوائية ،ولكن َكن هل ما يربره ،ولانت هل دواع اقتضاها
اتلعبري أو املقام أو السياق اذلي جاء فيه اتلغيري املتحدث عنه) (.)4
[اجلاثية ،]36 :فتقديم ﴿احلم هد﴾ يف األول جاء ىلع األصل ،واثلاين ىلع تقدير اجلواب ،فكأنه قيل عند
ه ه
الملك ايلوم﴾ [َغفر ،]16 :ثم وقوع األمر ملن احلمد ومن أهله فجاء اجلواب ىلع ذلك نظريه﴿ :لمن
ل
قالِ﴿ :ل الواحد القهار﴾ [َغفر.]16 :
وقوهل يف سورة يس﴿ :وجاء من أقَص المدينة ر هجل يسع﴾ [يس ،]20 :قدم املجرور ىلع املرفوع
الشتمال ما قبله من سوء معاملة أصحاب القرية الرسل وإرصارهم ىلع تكذيبهم ،فاكن مظنة
ً
اتلتابع ىلع ُمرى العبارة تلك القرية ،ويبىق خميال يف فكره أكانت لكها كذلك أم َكن فيها ىلع
خالف ذلك ،خبالف ما يف سورة القصص.
ه ه
ومنها قوهل يف سورة انلمل﴿ :لقد هوعدنا هذا حن هن وآباؤنا من قبل﴾ [ ،]68وِف سورة املؤمنني:
ه هل ه ً ه ه
﴿لقد هوعدنا حن هن وآباؤنا هذا من قبل﴾ [ ،]83فإن ما قبل األوىل﴿ :أإذا كنا ترابا وآباؤنا﴾ [ ،]67وما
ً هل ه ً
قبل اثلانية﴿ :أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما﴾ [ ،]82فاجلهة املنظور فيها هناك كون أنفسهم وآبائهم
ً ً ً
ترابا ،واجلهة املنظور فيها هنا كونهم ترابا وعظاما ،وال شبهة أن األوىل أدخل عندهم يف تبعيد
ابلعث) (.)2
وقال ابن انلقيب عن أقسام اتلقديم واتلأخري( :قال علماء هذا الشأن أقسامه أربعة ،وقالوا
ً
اتلقديم واتلأخري ال يلو إما أن يكون موجبا لزيادة يف املعىن ،أو ال يكون كذلك ،وإما أن
يكون ما قدم األوىل به اتلقديم ،أو األوىل به اتلأخري ،أو يتاكفأ األمران فيه..
أما األول :فهو ما يلزم فيه زيادة معىن ،فال يلو إما أن يكون املقصود بتقديمه زيادة املعىن
ل خاصة ،كقوهل تعاىل﴿ :إيلاك نعبه هد وإيلاك نستع ه
ني﴾ ،فإن املقصود بتقديم ﴿إيلاك﴾ تعظيم الل
( )1ـ رواه أبو داود يف كتاب الطهارة ،باب الوضوء بماء ابلحر ( ،)83والرتمذي يف أبواب الطهارة ،باب ما جاء يف ماء
ابلحر أنه طهور ( ،)69والنسايئ يف كتاب املياه ،باب الوضوء بماء ابلحر ( ،)332وابن ماجه يف كتاب الطهارة وسننها،
باب الوضوء بماء ابلحر ( ،)386وابن حبان يف صحيحه يف كتاب الطهارة ،باب ذكر اخلرب املدحض قول من نىف جواز
الوضوء بماء ابلحر ( ،) 1243وابن خزيمة يف صحيحه يف كتاب الوضوء ،باب الرخصة يف الغسل والوضوء من ماء ابلحر
(.)112
29
ً ّ
وأما الرابع :فهو ما يتاكفأ تقديمه وتأخريه ،وهذا َكحلال فإنه يقدم كقولك( :جاء راكبا زيد)
ً
ويؤخر كقولك( :جاء زيد راكبا) وهما سواء .وقد وقع يف الكتاب العزيز آيات فيها تقديم وتأخري
ه ِّ ل
جارية ىلع نمط ما تقدم .من ذلك قوهل تعاىل﴿ :ح لىت تستأن هسوا وتسل هموا ىلع أهلها﴾ .وقوهل تعاىل:
ِّ
الز هبور من َعد اذلكر﴾ ىلع قول من قال إن اذلكر هاهنا القرآن. ﴿ولقد كتبنا يف ل
وقال بعض العلماء يف قوهل تعاىل﴿ :ولقد ه لمت به وه لم بها لوال أن رأى بهرهان ر ِّبه﴾ :إن يف
الالكم تقديما ً وتأخريا ً تقديره :ولقد همت به ولو ال أن رأى برهان ِّ
ربه ل
هم بها.
وهذا حسن لكن يف تأويله قلق وال يضطر إىل هذا اتلأويل إال ىلع قول من قال إن األنبياء
معصومون من الكبائر والصغائر.
وأما ىلع قول من قال :إن الصغائر َيوز وقوعها منهم .فال يضطر إىل هذا اتلقديم واتلأخري)(.)1
ل
ولعل الراجح يف هذا هو أن يوسف عليه السالم لم يهم بها؛ ألنه رأى برهان ربه فهو ىلع
اتلقديم واتلأخري أي (لوال أن رأى برهان ربه هلم بها) ،وذلك ألن القول اذلي يعرف لألنبياء
قدرهم وعصمتهم أوىل من غريه.
قال اإلمام القرطيب يف تفسريه﴿( :لوال أن رأى بهرهان ر ِّبه﴾ ولكن ملا رأى الربهان ما هم،
له ه
وهذا لوجوب العصمة لألنبياء ،قال الل تعاىل﴿ :كذلك نلرصف عنه السوء والفحشاء إنه من
عبادنا ه
المخلصني﴾ فإذا يف الالكم تقديم وتأخري ،أي لوال أن رأى برهان ربه هم بها .قال أبو حاتم:
كنت أقرأ غريب القرآن ىلع أ يب عبيدة فلما أتيت ىلع قوهل﴿ :ولقد ه لمت به وه لم بها﴾ اآلية ،قال
أبو عبيدة :هذا ىلع اتلقديم واتلأخري ،كأنه أراد :ولقد همت به ،ولوال أن رأى برهان ربه هلم
بها)(.)2
ً ً
وقال اإلمام ابن اعشور( :ومجلة ﴿ولقد ه لمت به﴾ مستأنفة استئنافا ابتدائيا .واملقصود :أنها
َكنت جادة فيما راودته ال خمتربة.
واملقصود من ذكر ِّ
همها به :اتلمهيد إىل ذكر انتفاء همه بها ،بليان الفرق بني حايلهما يف ادلين
فإنه معصوم).
( )1ـ باختصار من كتاب :مقدمة تفسري ابن انلقيب يف علم ابليان واملعاين وابلديع وإعجاز القرآن 166 :وما بعدها.
ل
والكتاب لإلمام أ يب عبد الل مجال ادلين حممد بن سليمان ابلليخ املقديس احلنف الشهري بابن انلقيب (املتوّف 698ه).
ً
وهو مطبوع خطأ بعنوان :الفوائد املشوق إىل علوم القرآن وعلم ابليان ونسبوه البن القيم.
( )2ـ اجلامع ألحاكم القرآن .166 :9
30
ثم قال( :فاتلقدير :ولوال أن رأى برهان ربه هلم بها ،فقدم اجلواب ىلع رشطه لالهتمام به .ولم
ً
يقرن اجلواب بالالم اليت يكرث اقرتان جواب (لوال) بها ألنه ليس الزما ،وألنه ملا قدم ىلع (لوال)
كره قرنه بالالم قبل ذكر حرف الرشط.
ً
فيحسن الوقف ىلع قوهل﴿ :ولقد ه لمت به﴾ يلظهر معىن االبتداء جبملة ﴿وه لم بها﴾ واضحا.
وبذلك يظهر أن يوسف عليه السالم لم يالطه هم بامرأة العزيز ألن الل عصمه من اهلم باملعصية
بما أراه من الربهان) (.)1
وقال الشيخ الشعراوي عند تفسريه لآلية( :ويكون فه همنا للعبارة :ولوال أن رأى برهان ربه
له لم بها؛ ألننا نعلم أن «لوال» حرف امتناع لوجود؛ مثلما نقول :لوال زيد عندك ألتيتك .ولقائل أن
يقول :كيف َغبت قضية الرشط يف اإلَياد واالمتناع عن اذلين يقولون؛ إن اهلم قد هوجد منه؟
همت به ولم يهم بها؛ حىت خنرج من تلك القضية الصعبة؟ وملاذا لم ي هقل احلق :لقد ل
ه
ونقول :لو قال احلق ذلك ملا أعطانا هذا القول اللقطة املطلوبة؛ ألن امرأة العزيز ه لمت به ألن
ِّ ه
عندها نوازع العمل ،وإن لم يقل نلا أنه قد ه لم بها لظننا أنه عنني أو خصاه موقف أنها سيدته
فخارت قواه.
هم بها؛ لاكن املانع من اله ِّم إما أمر طبييع فيه ،أو أمر طاريء
إذن :لو قال احلق سبحانه :إنه لم ي ّ
ألنها سيدته ،فقد يمنعه احلياء عن اله ِّم بها .ولكن احلق سبحانه يريد أن يوضح نلا أن يوسف
ه ً
أش لده ونهضجه ،ولوال أن رأى برهان ربه له لم بها) (.)2 َكن طبيعيا وهو قد بلغ
َّ ُ
واتلأخري يف اللغة العربية
ِ اتلقديم
ِ ة املبحث اثلاين :أهمي
ٍّ
عريب مبني ،فإن املعرفة باللغة العربية مفتاح مهم بلسان بما أن القرآن قد أنزهل الل تعاىل
ٍ
لفهم القرآن ،ال يمكن ملن فقد هذا املفتاح أن يفهم القرآن ،ولكلما ل
تعمق اإلنسان يف اللغة العربية
ازداد فهمه للقرآن وبالغته وإعجازه.
وهلذا ذكر العلماء من رشوط املجتهد يف الرشيعة أن يكون ىلع معرفة باللغة العربية ،فمن
ال يعرف أسايلب اخلطاب العريب ال يمكنه أن يستنبط األحاكم الرشعية.
وهنا موقف طريف يدل ىلع أهمية املعرفة باللغة العربية ودورها يف فهم األحاكم الرشعية:
المطر(.)1
ل ل وقال ابن ِّ
جين « :إن أكرث من ضل من أهل الرشيعة عن القصد فيها ،وحاد عن الطريقة املثَّل
هه ل
إيلها ،فإنما استهواه واستخف حلمه ضعفه يف هذه اللغة الكريمة الرشيفة اليت خوطب الاكفة بها»
(.)2
وقال اإلمام الرازي« :ملا َكن املرجع يف معرفة رشعنا إىل القرآن واألخبار ،وهما واردان بلغة
ً
العرب وحنوهم وترصيفهم؛ َكن العلم برشعنا موقوفا ىلع العلم بهذه األمور ،وما ال يتم الواجب
ً
املطلق إال به ،ولان مقدورا للملكف؛ فهو واجب» (.)3
ومما يدل ىلع أهمية القرآن واللغة العربية عند املسلمني ما قاهل احلاكم الفرنيس يف فرتة
استعمار اجلزائر يف ذكرى مرور مئة سنة ىلع االستعمار( :إننا لن ننترص ىلع اجلزائريني ما داموا
يقرؤون القرآن ،ويتلكمون العربية ،فيجب أن نزيل القرآن العريب من وجودهم ،ونقتلع اللسان
العريب من ألسنتهم) (!)4
ل
السـياقية األخرى قال ادلكتور صالح الشاعر( :ظاهرة اتلقديم واتلأخري ـ شـأن الظواهر
ل
العربية؛ ففيها إقدام ىلع خمالفة لقرينة من َكحلذف والزيادة وغريها ـ مظهر من مظاهر شجاعة
ً ه
( )1ـ حياة احليوان الكربى ،407 :1وسمط انلجوم العوايل يف أنباء األوائل واتلوايل .418 :3وتروى هذه أيضا عن الفراء،
وليس عن الكسايئ ،كما يف مرآة اجلنان وعربة ايلقظان ،31 :2فقد قال بعد أن ذكرها عن الفراء( :وهذه احلاكية مذكورة
يف ترمجة الكسايئ ،وأنه هو صاحب هذا اجلواب ،والل تعاىل أعلم).
( )2ـ اخلصائص .245 :3انظر مقال( :أهمية اللغة العربية دلارس الكتاب والسنة واملتأمل فيهما) ،لألستاذ عبد الل بن
محد اخلرثانُ ،ملة ابليان ،العدد .182
( )3ـ املحصول للرازي .275 :1
ً
( )4ـ املنار ،عدد .1962/11/9نقال عن :قادة الغرب يقولون :دمروا اإلسالم أبيدوا أهله .جلالل العالم ،عبد الودود يوسف
ادلمشق (املتوّف1403 :ه) .غري مذكور اسم ادلار ،تاريخ النرش 1395 :ـه 1974 -م. 31 .
32
ً ً
قرائن املعىن من غري خشـية لبس ،اعتمادا ىلع قرائن أخرى ،ووصوال بالعبارة إىل دالال ٍت وفوائد
ً ً
رونق ومجال.
ٍ ذات راقية جتعلها عبارة
ابليانية للتقديم واتلأخري مرتبطة باجلائز منه ،ومرهونة حبسن استعماهل ىلع وفق ل والقيمة
ِّ ل
وإال َكن عبثا ً ال قيمة هل وال فائدة بل ل
ربما يؤدي إىل مقتىض احلال ،والويع باستعماهل يف موضعه،
إفساد املعىن.
تبني ثراءها وكرثة فوائـدها ،وكونها منبعا ً ّ
ثرا ً ِّ ِّ ل ل
لريق واألغراض اليت تتفتق عنها ظاهرة اتلقديم
األسايلب وارتفاعها يف ابليان.
فال عجب أن ُيتف اإلمام عبد القاهر اجلرجاين بهذه الظاهرة يف قوهل عن بابها« :هو باب
كثري الفوائد ،جم املحاسن ،واسع اتلرصف ،بعيد الغاية ،ال يزال يفرت لك عن بديعة ،ويفض بك
ه ه
مسمعه ،وي ه ً
موقعه ،ثم تنظر فتجد سبب أن لطف دليك إىل لطيفة ،وال تزال ترى شعرا يروقك
ه
راقك ولطف عندك أن ق ِّدم فيه َشء ه
وح ِّول اللفظ عن ماكن إىل ماكن») (.)1
واتلأخري يف القرآن
ِ اتلقديم
ِ أسباب
ِ املبحث اثلالث :أهم
ِّ اتلقديم ل ه
(قواعد ل
واتلأخري عند املفرسين) ،ولكن هذا املبحث ذلكر سيأيت يف الفصل اثلاين:
أهم أسباب اتلقديم واتلأخري يف القرآن.
وال شك أن هذه األسباب ه اجتهادية من العلماء ،وكذلك تْنيل هذه األسباب ىلع بعض
اآليات ،فقد يتلف يف ذلك العلماء واملفرسون..
وَّك هذا يدخل يف اتلدبر والفهم لكتاب الل تعاىل ،واملجال يف هذا واسع ما دام املتحدث يف
ذلك يتحدث بعلم وفهم ،وهل معرفة بأصول ذلك وضوابطه.
قال اإلمام الزركيش يف أسباب اتلقديم واتلأخري( :وه كثرية:
أحدها :أن يكون أصله اتلقديم وال مقتىض للعدول عنه كتقديم الفاعل ىلع املفعول واملبتدأ
ً
ىلع اخلرب وصاحب احلال عليها حنو« :جاء زيد راكبا».
( )1ـ من مقال( :اتلقديم واتلأخري يف انلحو العريب) ،لدلكتور صالح الشاعر .والكم اجلرجاين يف كتابه :دالئل اإلعجاز:
. 31
33
واثلاين :أن يكون يف اتلأخري إخالل ببيان املعىن كقوهل تعاىل﴿ :وقال ر هجل همؤمن من آل
ه
فرعون يكته هم إيمانه﴾ [َغفر ،]28 :فإنه لو أخر قوهل﴿ :من آل فرعون﴾ فال يفهم أنه منهم.
اثلالث :أن يكون يف اتلأخري إخالل باتلناسب فيقدم ملشالكة الالكم ولراعية الفاصلة كقوهل:
ه ل
ج هدوا ِل اذلي خلق هه لن إن كنتهم إيل هاه تعبه هدون﴾ [فصلت ،]37 :بتقديم ﴿إياه﴾ ىلع ﴿تعبدون﴾
﴿واس ه
ً
ملشالكة رؤوس اآلي وكقوهل﴿ :فأوجس يف نفسه خيفة هموىس﴾ [طه ]67 :فإنه لو أخر ﴿يف نفسه﴾
ل ه ه
عن ﴿ هموىس﴾ فات تناسب الفواصل ألن قبله﴿ :ي ليل إيله من سحرهم أنها تسع﴾ ،وبعده:
ل
﴿إنك أنت األىلع﴾.
الرابع :لعظمه واالهتمام به.
ه ً
اخلامس :أن يكون اخلاطر ملتفتا إيله واهلمة معقودة به ،وذلك كقوهل تعاىل﴿ :وجعلوا ِل
ه
رشلاء﴾ [الرعد ،]33 :بتقديم املجرور ىلع املفعول األول ألن اإلنكار متوجه إىل اجلعل لل ال إىل
مطلق اجلعل.
السادس :أن يكون اتلقديم إلرادة اتلبكيت واتلعجيب من حال املذكور كتقديم املفعول
ه ه
اثلاين ىلع األول يف قوهل تعاىل﴿ :وجعلوا ِل رشلاء اجل لن﴾ [األنعام ،]100 :واألصل «اجلن رشلاء» ،وقدم
ألن املقصود اتلوبيخ وتقديم الرشلاء أبلغ يف حصوهل.
السابع :االختصاص ،وذلك بتقديم املفعول واخلرب والظرف واجلار واملجرور وحنوها ىلع الفعل
كقوهل تعاىل﴿ :إيلاك نعبه هد﴾ [الفاحتة ،]5 :أي خنصك بالعبادة فال نعبد غريك) (.)1
ثم ذكر اإلمام الزركيش أنواع اتلقديم واتلأخري فقال( :وه إما أن يقدم واملعىن عليه ،أو يقدم
وهو يف املعىن مؤخر ،أو بالعكس.
انلوع األول :ما قدم واملعىن عليه.
ل
ومقتضياته كثرية ،أحدها :السبق .وهو أقسام :منها السبق بالزمان واإلَياد ،كقوهل تعاىل﴿ :إن
انليب﴾ [آل عمران ]68 :قال ابن عطية :املراد باذلين اتبعوه يف انلاس بإبراهيم ل لذلين لاتب هع ه
وه وهذا ل أوىل ل
[اجلاثية ،]36 :فتقديم ﴿احلم هد﴾ يف األول جاء ىلع األصل ،واثلاين ىلع تقدير اجلواب ،فكأنه قيل عند
ه ه
الملك ايلوم﴾ [َغفر ،]16 :ثم وقوع األمر ملن احلمد ومن أهله فجاء اجلواب ىلع ذلك نظريه﴿ :لمن
قالِ﴿ :ل الواحد الق لهار﴾ [َغفر.)2( )]16 :
وهنا سؤال مهم ،وهو أنه إذا َكن العرب يقدمون ما هو أهم ،وهم ببيانه أعىن ،فمىت يكون
أحد اللفظني أهم ويكون بيانه أعىن؟ وقد أجاب عن هذا اإلمام أبو القاسم عبد الرمحن بن عبد
ل
الل بن أمحد السهييل (املتوّف581 :ه) فقال:
(مىت يكون أحد الشيئني أحق باتلقديم ويكون املتلكم ببيانه أعىن؟
واجلواب :أن هذا أصل َيب االعتناء به ،لعظم منفعته يف كتاب الل تعاىل وحديث رسوهل صَّل
الل عليه وسلم ،إذ ال بد من الوقوف ىلع احلكمة يف تقديم ما قدم يف القرآن وتأخري ما أخر،
كنحو( :السمع وابلرص) ،و(الظلمات وانلور) ،و(الليل وانلهار) و(اجلن واإلنس) يف أكرث اآلي،
وِف بعضها( :اإلنس واجلن).
ه
( )1ـ ال يصح أن َيعل سبب اتلقديم أو اتلأخري يف القرآن ملجرد مناسبة رؤوس اآلي أو ملرااعة الفاصلة فقط ،فاتلقديم
أو اتلأخري يف القرآن إنما هو ملرااعة املعىن قبل أن يكون ملرااعة اللفظ؛ ألن مرااعة (املعىن) هو األساس وليس (اللفظ)،
والالكم ابلليغ ال يل بـ(املعىن) ىلع حساب (اللفظ) ،بل َيمع بني مجال (املعىن) و(اللفظ) ،فكيف بأبلغ الالكم القرآن
العظيم!.
كما سيأيت يف القاعدة رقم (( :)17اتلقديم ال يكون ألجل الفاصلة فقط).
( )2ـ باختصار من :الربهان.238 :3 :
35
وتقديم السماء ىلع األرض يف اذلكر ،وتقديم األرض عليها يف بعض اآلي ،وحنو قوهل تعاىل:
ه
﴿سميع عليم﴾ ،ولم َيئ( :عليم سميع) ،وكذلك﴿ :عزيز حكيم﴾ ،و﴿غفور رحيم﴾ ،وِف آية
ور﴾ إىل غري ذلك مما ال يكاد ينحرص ،وليس َشء من ذلك يلو عن فائدة يم الغ هف ه
الرح ه
أخرى ﴿ :ل
36
املشيمة ،وثالث معقوالت وه :عدم اإلدراَكت اثلالثة املذكورة يف اآلية املتقدمة ،إذ للك آية
ظهر وبطن ،وللك حرف حد ،وللك حد مطلع ،قال يلع ريض الل عنه :قال رسول الل صَّل الل
ه ل
إن الل خلق عباد هه يف هظلم ٍة ،ث لم ألىق عليهم من نهوره) (.)1 عليه وسلم( :
ه ه ه
ومن املتقدم بالطبع حنو﴿ :مثىن وثالث و هرباع﴾ [النساء ،]3 :وحنوه﴿ :ما يكون من جنوى ثالث ٍة
ل ه
إال هو راب هع ههم﴾ [املجادلة ]7 :اآلية.
وما يتقدم م ن األعداد بعضها ىلع بعض إنما يتقدم بالطبع كتقدم احليوان ىلع اإلنسان،
واجلسم ىلع احليوان.
عز فلما ل
عز حكم. ومن هذا ابلاب تقدم العزيز ىلع احلكيم ،ألنه ل
وربما َكن هذا من تقدم السبب ىلع املسبب ،ومثله كثري يف القرآن
ِّ ه والالكم ،حنو قوهل ﴿ :هُيب ل
اتل لواَني وُيب ال همتطهرين﴾ [ابلقرة ،]222 :ألن اتلوبة سبب الطهارة،
ه ِّ ل
يم﴾ [الشعراء ،]222 :ألن اإلفك سبب اإلثم. اك أث ٍ وكذلك﴿ :ك أف ٍ
يم﴾ [املطففني.]12 : ه ه
وكذلك﴿ :ك معت ٍد أث ٍ
ل ل
يم﴾ القلم 11:فبالرتبة ،ألن امليش مرتتب ىلع از﴾ ىلع ﴿مشا ٍء بنم ٍ وأما تقدم ﴿هم ٍ
از هو :املغتاب ،وذلك ال يفتقر إىل حركة وانتقال من موضعه ،خبالف ل
القعود يف املاكن ،والهم ٍ
انلميمة.
ً
وأما تقدم ﴿م لن ٍ
اع للخري﴾ ىلع ﴿ همعت ٍد﴾ [القلم ]12 :فبالرتبة أيضا ،ألن املناع يمنع خري نفسه،
واملعتدي يعتدي ىلع غريه ،ونفسه يف الرتبة قبل غريه.
ً ه ِّ ً ه
ومن املقدم بالرتبة قوهل تعاىل﴿ :يأتوك رجاال وىلع ك ضام ٍر﴾ [احلج ،]27 :ألن اذلي يأيت راجال
يأيت من املاكن القريب ،واذلي يأيت ىلع الضامر يأيت من املاكن ابلعيد ،ىلع أنه قد روي عن ابن
( )1ـ رواه الرتمذي يف كتاب اإليمان ،باب ما جاء يف افرتاق األمة ( ،)2642وقال( :هذا حديث حسن) ،ورواه أمحد يف
املسند ( ،)6644وابليهق يف السنن الكربى ( ،)18165واحلاكم يف املستدرك ( ،)83عن عبد الل بن عمرو بن العاص
ه ه ً ل
مرفواع( :إن الل خلق خلق هه ِف هظلم ٍة ث لم ألىق عليهم من نوره فمن أصاب هه من ذلك انلور يومئ ٍذ َشء اهتدى ومن أخطأ هه
ه ه ه ل ل
ضل فذللك أقول جف القل هم ىلع علم الل) ،وقال احلاكم( :هذا حديث صحيح قد تداو ههل األئ لمة ،وقد احت لجا جبميع
ه ه لً ه ه
هل علة) .وعلق ىلع ذلك اذلهيب( :ىلع رشطهما وال علة هل). هرواته ،ث لم لم ي ِّرج هاه ،وال أعلم
37
ل ً ه ه
حججت راجال ،ألن الل قدم الرجالة ىلع الركبان يف عباس ريض الل عنهما أنه قال( :وددت أين
القرآن) (.)1
فجعله ابن عباس ريض الل عنهما من تقديم الفاضل ىلع املفضول ،واملعنيان موجودان.
وربما قدم اليشء ثلالثة معاين وأربعة ومخسة ،وربما قدم ملعىن واحد من اخلمسة.
ه ه ه
كم إىل المرافق وامس ه
حوا ومما قدم للفضل والرشف :قوهل تعاىل﴿ :فاغسلوا هو هجوهكم وأيدي
ِّ ِّ ه ه ه
الصديقني﴾ [النساء.]69 : انلبيِّني و
كم﴾ [املائدة ،]6 :وقوهل تعاىل﴿ :من ل ب هرؤوسكم وأرجل
ومنه تقديم (السمع) ىلع (ابلرص) ،وتقديم (سميع) ىلع (بصري).
ومنه تقديم (اجلن) ىلع (اإلنس) يف أكرث املواضع ،ألن اجلن يشتمل ىلع املالئكة وغريهم مما
ً ل ه ه
اج نت ىلع األبصار ،قال الل سبحانه وتعاىل﴿ :وجعلوا بينه وبني اجلنة نسبا﴾ [الصافات.]158 :
وقال األعَش:
ً ً
وس لخر من ج ِّن املالئك تسعة ...قياما دليه يعملون بال أجر (.)2
ه ٌّ
وأما قوهل تعاىل﴿ :لم يطمث هه لن إنس قبل ههم وال جان﴾ [الرمحن ،]74 :وقوهل تعاىل﴿ :فيومئ ٍذ ال يهسأل
ً ه ل ل ٌّ
عن ذنبه إنس وال جان﴾ [الرمحن ،]39 :وقوهل﴿ :وأنا ظننا أن لن تقول اإلن هس واجلن ىلع الل كذبا﴾
[اجلن.]5 :
فإن لفظ اجلن هاهنا ال يتناول املالئكة حبال ،لْناهتهم عن العيوب ،وأنهم ال يتوهم عليهم
الكذب وال سائر اذلنوب.
ً ِّ ( )1ـ رواه اخلطيب ابلغدادي يف تاريخ بغداد ،416 :8ولفظه( :ما آىس ىلع َش ٍء إال أ ِّين لم أ هكن حجج ه
ت راجال ألين
ه ً ه ه ه سمع ه
ت الل تعاىل يقول﴿ :يأتوك رجاال﴾ ،وهكذا َكن يقرؤها) .ورواه الفاكهاين باختالف يسري يف أخبار مكة ،395 :1
(.)840
ً ِّ ل
ورواه ابليهق يف شعب اإليمان )3694( ،444 :5بلفظ( :ما آىس ىلع َش ٍء فاتين من ادلنيا إال أين لم أ هح لج ماشيا ح لىت
ه ِّ ً ه ه ه أدركين الكرب ،أسم هع ه
الل تعاىل يقول﴿ :يأتوك رجاال وىلع ك ضام ٍر﴾).
ل ً
( )2ـ لم أجده يف ديوان األعَش ،ونسبه لألعَش :ابن األنباري يف كتابه :األضداد ،335 :فقال :ويدل أيضا ىلع أن
جن قول األعَش يف ذكره هسليمان بن داود عليهما ل
السالم: املالئكة يقال هلم ّ
ه ً ً ً
سليمان الربيء من ل
ادلهر لو َكن شيئا خادلا همع لمرا ...لاكن
ه ل
براه إليه واصطفاه عباد هه ...وملكه ما بيت ترين إىل مرص
ه ً ً ًّ
وسخر من ج ّن املالئك تسعة ...قياما دليه يعملون بال أجر
ونسبه كذلك لألعَش :ابن سيده يف كتابه املحكم واملحيط األعظم .216 :7
38
فلما لم يتناوهلم عموم لفظ اجلن ،هلذه القرينة ،بدأ بلفظ اإلنس لفضلهم وكماهلم (.)1
ً
وأما تقديم (السماء) ىلع (األرض) فبالرتبة أيضا وبالفضل والرشف.
وأما تقديم (األرض) من قوهل تعاىل﴿ :وما يع هز هب عن ر ِّبك من مثقال ذ لر ٍة يف األرض وال يف
ل
السماء﴾ يونس 61 :فبالرتبة ،ألنها منتظمة بذكر ما ه أقرب إيله ،وهم املخاطبون بقوهل تعاىل﴿ :وال
ه
تعملون من عم ٍل﴾ [يونس.]61 :
فاقتىض حسن انلظم تقديمها مرتبة يف اذلكر مع املخاطبني اذلين هم أهلها ،خبالف اآلية اليت
يف (سبأ) ،فإنها منتظمة بقوهل تعاىل﴿ :اعلم الغيب﴾ سبأ.3 :
وأما تقديم املال ىلع الودل يف كثري من اآلي ،فألن الودل بعد وجود املال نعمة ومرسة ،وعند
الفقر وسوء احلا ل هم ومرضة ،فهذا من تقديم السبب ىلع املسبب ،ألن املال سبب تمام انلعمة
بالودل.
ِّ ل
وأما قوهل تعاىل ﴿ :هحب الشهوات من النساء وابلنني﴾ [آل عمران ،]14 :فتقديم النساء ىلع ابلنني
بالسبب ،وتقديم ابلنني ىلع األموال بالرتبة.
ومما قدم بالرتبة ذكر بالسمع والعلم من قوهل تعاىل﴿ :سميع عليم﴾ ،حيث وقع ،فإنه خرب
يتضمن اتلخويف واتلهديد ،فبدأ بالسمع تلعلقه بما قرب َكألصوات وهمس احلرلات ،فإن من
يسمع حسك وخف صوتك أقرب إيلك ـ يف العادة ـ ممن يقال لك :إنه يعلم ،وإن َكن علم ابلاري
ً ً
سبحانه متعلقا بما ظهر وبطن ،وواقعا ىلع ما قرب وشطن ،ولكن ذي السميع أوقع يف باب
اتلخويف من ذلك العليم فهو أوىل باتلقديم.
ً ل
( )1ـ قال اإلمام صالح ادلين العاليئ ادلمشق (املتوّف761 :ه) تعقيبا ىلع ذلك( :قلت :وهذا يرد عليه قوهل تعاىل﴿ :يا
كم ي هقصون علي ه كم هر هسل من ه مـعرش اجل ِّن واإلنس ألم يأت ه
كم آيايت﴾ األنعام ،130 :فإن املالئكة ال يدخلون يف لفظ
ل ً
اجلن يف هذه اآلية قطعا ،وقد قدمهم يف اللفظ.
فاذلي يظهر أن تقديم اجلن ىلع اإلنس من اتلقدم بالزمان؛ ألنهم خلقوا قبل بين آدم ،وحيث قدم اإلنس يف تلك اآليات
ً
يكون تقديما بالرشف والكمال.
ً
وهذا كما يف تقديم السماء ىلع األرض َغبلا فإنه بالفضل والرشف ،وقدمت األرض عليها يف مثل قوهل﴿ :وما يع هز هب
السماء﴾ يونس ،61 :بالرتبة؛ ألنها مسوقة إلحصاء أعمال املخاطبني ملا تقدم عن ر ِّبك من مثقال ذ لرة يف األرض وال يف ل
ٍ
ه ه ه ً ل له ه
من قوهل﴿ :وال تعملون من عم ٍل إال كنا عليكم شهودا﴾ يونس ،61 :فناسب ذلك هنا تقديم األرض اليت هم أهلها
ومستقرون فيها ،وه أقرب إيلهم من السماء) .الفصول املفيدة يف الواو املزيدة.115 :
39
الرحيم﴾ فهو أوىل بالطبع؛ ألن املغفرة سالمة والرمحة غنيمة،وأما تقديم ﴿الغ هفور﴾ ىلع ﴿ ل
ِّ
والسالمة مطلوبة قبل الغنيمة ،أال ترى لقوهل عليه السالم لعمرو بن العاص ريض الل عنه( :إين
ً ً ِّ ً أر ه
يد أن أَعثك وجها فيهسلمك الل و هيغنمك ،وأرغ هب لك من المال رغبة صاحلة) (.)1
فهذا من الرتتيب ابلديع ،بدأ بالسالمة قبل الغنيمة ،وبالغنيمة قبل الكسب ،والعطية األوىل
من اتلقدم بالطبع ،واثلانية من اتلقدم بالسبب.
يم الغ هف ه
ور﴾ يف سبأ ،2 :فالرمحة هناك متقدمة ىلع املغفرة ،إما بالفضل وأما قوهل﴿ :و ههو ل
الرح ه
والكمال ،وإما بالطبع ،ألنها منتظمة بذكر أوصاف اخللق من امللكفني وغريهم من احليوان ،فالرمحة
تشمهلم واملغفرة ختصهم ،والعموم بالطبع قبل اخلصوص كقوهل تعاىل﴿ :فيهما فاكهة وخنل
ل
و هرمان﴾ [الرمحن.]68 :
ً
وكقوهل تعاىل﴿ :من َكن ع هد ّوا ِل ومالئكته و هر هسله وجربيل ومياكل﴾ [ابلقرة.]98 :
افتتح بالعموم ،اذلي هو متقدم بالطبع ىلع اخلصوص.
جدي واركيع مع ل
الراكعني﴾ [آل عمران ،]43 :ألن السجود أفضل، ومما قدم للفضل قوهل﴿ :واس ه
ه ه
ون العب هد من ر ِّبه و ههو ساجد) (.)2 قال عليه السالم( :أقر هب ما يك
فإن قيل :فالركوع قبل السجود بالزمان والطبع والعادة ألنه انتقال من علو إىل اخنفاض والعلو
بالطبع قبل االخنفاض فهال قدم يف اذلكر ىلع السجود هلاتني العلتني؟
فاجلواب أن يقال هلذا السائل :انتبه ملعىن هذه اآلية من قوهل﴿ :واركيع مع ل
الراكعني﴾ ،ولم
يقل :اسجدي مع الساجدين ،فإنما عرب بالسجود عن الصالة لكها ،وأراد صالتها يف بيتها ،ألن
صالة املرأة يف بيتها أفضل هلا من صالتها مع قومها.
ً ثم قال هلا﴿ :واركيع مع ل
الراكعني﴾ ،أي :صيل مع املصلني يف بيت املقدس ،ولم يرد أيضا
الركوع وحده دون سائر أجزاء الصالة ،ولكنه عرب بالركوع عن الصالة لكها ،كما تقول :ركعت
ركعتني وركعت أربع ركعات ،إنما تريد الصالة ال الركوع بمجرده ،فصارت اآلية متضمنة
لصالتني :صالتها وحدها ،عرب عنها بالسجود؛ ألن السجود أفضل حاالت العبد ،وكذلك صالة
( )1ـ رواه أمحد يف املسند ( ،)17802وابن حبان يف صحيحه ( ،)3211وأبو داود الطياليس يف مسنده ( ،)1061وأبو يعَّل
مسنده (.)7336
( )2ـ رواه مسلم يف كتاب الصالة ،باب ما يقال يف الركوع والسجود (.)1111
40
املرأة يف بيتها أفضل هلا ،ثم صالتها يف املسجد عرب عنها بالركوع ،ألنه يف الفضل دون السجود،
وكذلك صالتها مع املصلني دون صالتها وحدها يف بيتها وحمرابها ،وهذا نظم بديع وفقه دقيق،
وبالل اتلوفيق.
وهذه نبذ تشري لك إىل ما وراء ،أو تنبذن وأنت صحيح بالعراء ،إن شاء الل تعاىل.
ل ومما يليق ذكره بهذا ابلاب ما تضمنه قوهل تعاىل﴿ :وط ِّهر بييت ل ل
لطائفني والقائمني والركع
ً الس ه
جود﴾ [احلج ]26 :من احلكم ابلاهرة ،والفوائد ابلاطنة والظاهرة ،فإنه تعاىل بدا بالطائفني للرتبة
والقرب من ابليت املأمور بتطهريه من أجل الطوافني ،ومجعهم مجع السالمة ،ألن مجع السالمة
أدل ىلع لفظ الفعل اذلي هو علة يتعلق بها حكم اتلطهري ،ولو قال ماكن الطائفني :الطواف ،لم
يكن يف هذا اللفظ من بيان قصد الفعل ما يف قوهل( :الطائفني) .
أال ترى أنك تقول :يطوفون ،كما تقول :طائفون ،فاللفظ مضارع للفظ.
فإن قيل :فهال أيت بلفظ الفعل بعينه فيكون أبني ،فيقول :طهر بييت لذلين يطوفون؟
فاجلواب :أن احلكم معلل بالفعل ال بذوات األشخاص.
ولفظ (اذلين) ينبئ عن الشخص واذلات ،ولفظ (الطواف) يف معىن الفعل وال يبينه ،فاكن
لفظ (الطائفني) أوىل بهذا املوطن.
ه ل
ثم يليه يف الرتتيب (القائمني) ،ألنه يف معىن العاكفني ،وهو يف معىن قوهل تعاىل﴿ :إال ما دمت
ً ً ً
عليه قائما﴾ [آل عمران ،]75 :أي :مثابرا مالزما ،وهو َكلطائفني يف تعلق حكم اتلطهري به ،ثم يليه
بالرتبة لفظ الركع ،ألن املستقبلني ابليت بالركوع ال يتصون بما قرب منه َكلطائفني والعاكفني،
وذللك لم يتعلق حكم انلطهري بهذا الفعل اذلي هو الركوع ،وأنه ال يلزم أن يكون يف ابليت
وال عنده ،فذللك لم َيئ بلفظ اجلمع املسلم ،إذ ال ُيتاج فيه إىل بيان لفظ الفعل كما احتيج فيما
قبله.
ثم وصف الركع بالسجود ،ولم يعطف بالواو كما عطف ما قبله ،ألن الركع هم السجود،
واليشء ال يعطف بالواو ىلع نفسه ،ولفائدة أخرى ،وهو أن (السجود) يف األغلب عبارة عن
املصدر ،واملراد به هاهنا اجلمع ،فلو عطفت بالواو تلوهم أنه يريد السجود اذلي هو املصدر دون
االسم اذلي هو انلعت.
41
وفائدة ثاثلة ،وهو أن الراكع إن لم يسجد فليس براكع يف حكم الرشيعة ،فلو عطفت بالواو
تلوهم أن الركوع حكم َيري ىلع حياهل.
ل
جود﴾ ىلع وزن فعول ،ولم يقل الس لجد كما قال :الركع ،وكما قال يف فإن قيل :فلم قال﴿ :الس ه
ً ه ل ً
﴿ركعا هس لجدا﴾ [الفتح]29 :؟ آية أخرى:
وما احلكمة يف مجع ساجد ىلع سجود ،ولم َيمع راكع ىلع ركوع؟
فاجلواب :أن السجود -يف أصل موضوعه -عبارة عن الفعل ،وهو يف معىن اخلشوع واخلضوع،
وهو يتناول السجود الظاهر وابلاطن ،ولو قال( :الس لجد) مجع ساجد لم يتناول إىل املعىن الظاهر.
ً ل ً ه ل
وكذلك الركع ،أال تراه يقول﴿ :تراهم هركعا هس لجدا﴾ :يعين رؤية العني ،وه ال تتعلق إال
بالظاهر ،واملقصود هاهنا الركوع الظاهر ،لعطفه ىلع ما قبله مما يراد به قصد ابليت ،وابليت ال
يتوجه إيله إال بالعمل الظاهر ،وأما اخلشوع واخلضوع اذلي يتناوهل لفظ الركوع ،دون لفظ الركع
ً
فليس مرشوطا باتلوجه إىل ابليت.
ً ً
وأما السجود فمن حيث أنبأ عن املعىن ابلاطن ،جعل وصفا للركع ومتمما ملعناه ،إذ ال يصح
ً
الركوع الظاهر إال بالسجود ابلاطن ،ومن حيث تناول لفظه أيضا السجود الظاهر اذلي يشرتط
ً
فيه اتلوجه إىل ابليت ،حسن انتظامه أيضا بما قبله ،مما هو معطوف ىلع الطائفني اذلين ذكرهم
ه
بذكر ابليت ،فمن حلظ هذه املعاين بقلبه ،وتدبر هذا انلظم ابلديع بلبِّه ،ترفع يف معرفة اإلعجاز
عن اتلقليد ،وأبرص بعني ايلقني أنه تْنيل من حكيم محيد) (.)1
قال اإلمام ابن القيم يف بدائع الفوائد بعد أن نقل هذا الالكم للسهييل:
(قلت :وقد تولج رمحه الل مضائق تضايق عنها أن توجلها اإلبر ،وأىت بأشياء حسنة ،وبأشياء
غريها أحسن منها ( ،)2فأما تعليله تقديم ربيعة ىلع مرض فف َغية احلسن ،وهذان االسمان
تلالزمهما يف الغالب صارا َكسم واحد ،فحسن فيهما ما ذكره.
43
هنا يف اتلقديم أحسن يف ادلعوة وأبلغ يف عدم اتلهمة ،فإنهم خالفوا ما َكنوا يسمعونه من اإلنس
واجلن ملا تبني هلم كذبهم.
فبداءتهم بذكر اإلنس أبلغ يف نف الغرض واتلهمة ،وأن ال يظن بهم قومهم أنهم ظاهروا اإلنس
عليهم ،فإنهم أول ما أقروا بتقوهلم الكذب ىلع الل تعاىل ،وهذا من ألطف املعاين وأدقها ،ومن
تأمل مواقعه يف اخلطاب عرف صحته.
وأما تقديم اعد ىلع ثمود حيث وقع يف القرآن ،فما ذكره من تقدمهم بالزمان فصحيح ،وكذلك
الظلمات وانلور ،وكذلك مثىن وبابه.
وأما تقديم العزيز ىلع احلكيم ،فإن َكن من احلكم وهو الفصل واألمر فما ذكره من املعىن
صحيح.
و إن َكن من احلكمة وه كمال العلم واإلرادة املتضمنني اتساق صنعه وجريانه ىلع أحسن
الوجوه وأكملها ووضعه األشياء مواضعها ،وهو الظاهر من هذا االسم ،فيكون وجه اتلقديم أن
العزة كمال القدرة واحلكمة كمال العلم ،وهو سبحانه املوصوف من ك صفة كمال بأكملها
وأعظمها وَغيتها ،فتقدم وصف القدرة؛ ألن متعلقه أقرب إىل مشاهدة اخللق وهو مفعوالته تعاىل
وآياته.
ً
وأما احلكمة فمتعلقها بانلظر والفكر واالعتبار َغبلا ،ولانت متأخرة عن متعلق القدرة.
وجه ثان :أن انلظر يف احلكمة بعد انلظر يف املفعول والعلم به ،فينتقل منه إىل انلظر فيما
أودعه من احلكم واملعاين.
وجه ثالث :أن احلكمة َغية الفعل ،فيه متأخرة عنه تأخر الغايات عن وسائلها ،فالقدرة تتعلق
بإَياده ،واحلكمة تتعلق بغايته ،فقدم الوسيلة ىلع الغاية؛ ألنها أسبق يف الرتتيب اخلاريج.
ِّ ه وأما قوهل تعاىل ﴿ :هُيب ل
اتل لواَني وُيب ال همتطهرين﴾ [ابلقرة ،]222 :ففيه معىن آخر سوى ما ذكره،
وهو أن الطهر طهران :طهر باملاء من األحداث وانلجاسات ،وطهر باتلوبة من الرشك واملعايص،
وهذا الطهور أصل لطهور املاء ،وطهور املاء ال ينفع بدونه ،بل هو مكمل هل معد مهيأ حبصوهل،
فاكن أوىل؛باتلقديم ألن الع بد أول ما يدخل يف اإلسالم ،فقد تطهر باتلوبة من الرشك ثم يتطهر
باملاء من احلدث.
44
ه ِّ ل
يم﴾ [الشعراء ]222 :فاإلفك هو الكذب ،وهو يف القول ،واإلثم هو الفجور
اك أث ٍ
وأما قوهل ﴿ك أف ٍ
ل
وهو يف الفعل الكذب يدعو إىل الفجور ،كما يف احلديث الصحيح( :وإن الكذب يهدي إىل
جور يهدي إىل ل
انلار) ( ،)1فاذلي قاهل صحيح. جور ،وإ لن ال هف ه
ال هف ه
( )1ـ رواه ابلخاري يف كتاب األدب ،باب قول الل تعاىل﴿ :يا أيها لاذلين آمنهوا لات هقوا الل و هكونهوا مع ل
الصادقني﴾ [اتلوبة:
،]119ومسلم يف كتاب الرب والصلة واألدب ،باب قبح الكذب وحسن الصدق وفضله (.)6803
45
ً
ومن انلاس من يقول :قدمهم جربا هلم؛ ألن نفوس الركبان تزدريهم وتوخبهم ،وتقول إن الل
ً
تعاىل لم يكتبه عليكم ولم يرده منكم ،وربما توهموا أنه غري نافع هلم ،فبدأ به جربا هلم ورمحة.
تقديم غسل الوجه:
وأما تقديم غسل الوجه ثم ايلد ثم مسح الرأس ثم الرجلني يف الوضوء ،فمن يقول إن هذا
الرتتيب واجب ،وهو الشافيع وأمحد بن حنبل ريض الل عنهما ومن وافقهما ،فاآلية عندهم
ً
اقتضت اتلقديم وجوبا لقرائن عديدة:
ً
أحدها :أنه أدخل ممسوحا بني مغسولني ،وقطع انلظري عن نظريه ،ولو أريد اجلمع املطلق لاكن
املناسب أن يذكر املغسوالت متسقة يف انلظم واملمسوح بعدها ،فلما عدل إىل ذلك دل ىلع وجوب
ترتيبها ىلع الوجه اذلي ذكره الل.
اثلاين :أن ه ذه األفعال ه أجزاء فعل واحد مأمور به وهو الوضوء ،فدخلت الواو اعطفة
ألجزائه بعضها ىلع بعض ،والفعل الواحد ُيصل من ارتباط أجزائه بعضها ببعض ،فدخلت الواو
بني األجزاء للربط ،فأفادت الرتتيب إذ هو الربط املذكور يف اآلية ،وال يلزمه من كونها ال تفيد
الرتتيب بني أ فعال ال ارتباط بينها ،حنو (أقيموا الصالة وآتوا الزلاة) أن ال تفيده بني أجزاء فعل
مرتبطة بعضها ببعض ،فتأمل هذا املوضع ولطفه.
وهذا أحد األقوال اثلالثة يف إفادة الواو للرتتيب ،وأكرث األصويلني ال يعرفونه وال ُيكونه،
وهو قول ابن أ يب موىس من أصحاب أمحد ولعله أرجح األقوال.
اثلالث :أن بلداءة الرب تعاىل بالوجه دون سائر األعضاء خاصة ،فيجب مرااعتها وأن ال تلىغ
وتهدر ،فيهدر ما اعتربه الل تعاىل ،ويؤخر ما قدمه الل ،وقد أشار انليب إىل أن ما قدمه الل فإنه
ينبيغ تقديمه وال يؤخر بل يقدم ما قدمه الل ويؤخر ما أخره الل تعاىل.
ه ه
()1
فلما طاف بني الصفا واملروة بدأ بالصفا وقال( :أبدأ بما بدأ الل به) ،وِف رواية للنسايئ:
ً
(ابدؤوا بما بدأ الل به) ،ىلع األمر ،فتأمل بداءته بالصفا معلال ذلك بكون الل تعاىل بدأ به ،فال
ينبيغ تأخريه ،وهكذا يقول املرتبون للوضوء سواء ،حنن نبدأ بما بدأ الل به وال َيوز تأخري ما قدمه
الل تعاىل ويتعني ابلداءة بما بدأ الل تعاىل به ،وهذا هو الصواب ملواظبة املبني عن الل تعاىل مراده
ً
ىلع الوضوء املرتب ،فاتفق مجيع من نقل عنه وضوءه لكهم ىلع إيقاعه مرتبا ،ولم ينقل عنه أحد
ل ل ل ِّ ل
صَّل ه
الل عليه وسلم (.)1218 ( )1ـ رواه مسلم يف كتاب احلج ،باب حجة انليب
46
ً
قط أنه أخل بالرتتيب مرة واحدة ،فلو َكن الوضوء املنكوس مرشواع لفعله ولو يف عمره مرة واحدة
تلبيني جوازه ألمته ،وهذا حبمد الل أوضح.
تقديم انلبيني ىلع الصديقني:
ً
فأما تقديم انلبيني ىلع الصديقني فلما ذكره ،ولكون الصديق تابعا للنيب ،فإنما استحق اسم
الصديق بكمال تصديقه للنيب ،فهو تابع حمض ،وتأمل تقديم الصديقني ىلع الشهداء لفضل
الصديقني عليهم ،وتقديم الشهداء ىلع الصاحلني لفضلهم عليهم.
تقديم السمع ىلع ابلرص:
ً ً ً
السمع متقدم ىلع ابلرص حيث وقع يف القرآن الكريم مصدرا أو فعال أو اسما ،فاألول كقوهل
ً ه ه ه ه تعاىل﴿ :إ لن ل
السمع وابلرص والفؤاد ك أوَلك َكن عنه مسؤوال﴾ اإلرساء.36 :
ه ل
واثلاين :كقوهل تعاىل﴿ :إنين معكما أسم هع وأرى﴾ طه.46 :
ري﴾ اإلرساء﴿ ،1 :ولان ه
الل يع ابلص ه واثلالث :كقوهل تعاىل﴿ :سميع بصري﴾ احلج ﴿ ،61إنل هه ههو ل
السم ه
ً ً
سميعا بصريا﴾ النساء ،134 :فاحتج بهذا من يقول :إن السمع أرشف من ابلرص ،وهذا قول األكرثين،
وهو اذلي ذكره أصحاب الشافيع ،وحكوا هم وغريهم عن أصحاب أ يب حنيفة أنهم قالوا :ابلرص
أفضل ،ونصبوا معهم اخلالف ،وذكروا احلجاج من الطرفني ،وال أدري ما يرتتب ىلع هذه املسألة
من األحاكم حىت تذكر يف كتب الفقه ،وكذلك القوالن للمتلكمني واملفرسين وحىك أبو املعايل عن
ابن قتيبة تفضيل ابلرص ورد عليه.
واحتج مفضلو السمع بأن الل تعاىل يقدمه يف القرآن حيث وقع ،وبالسمع تنال سعادة ادلنيا
واآلخرة ،فإن السعادة بأمجعها يف طاعة الرسل واإليمان بما جاءوا به ،وهذا إنما يدرك بالسمع،
وهلذا يف احلديث اذلي رواه أمحد وغريه من حديث األسود بن رسيع( :أربعة ُيتجون يوم القيامة)
ً ِّ ً
فذكر منهم رجال أصم يقول( :يا رب ،لقد جاء اإلسال هم ،وما أسم هع شيئا) (.)1
واحتجوا بأن العلوم احلاصلة من السمع أضعاف أضعاف العلوم احلاصلة من ابلرص ،فإن
ابلرص ال يدرك إال بعض املوجودات املشاهدة بابلرص القريبة ،والسمع يدرك املوجودات
( )1ـ رواه أمحد يف املسند ( ،)16301وابن حبان يف صحيحه ( ،)7357والزبار يف مسنده ( ،)9597وإسحاق بن راهويه يف
مسنده (.)41
47
واملعدومات ،واحلارض والغائب ،والقريب وابلعيد ،والواجب واملمكن واملمتنع ،فال نسبة إلدراك
ابلرص إىل إدراكه.
واحتجوا بأن فقد السمع يوجب ثلم القلب واللسان ،وهلذا َكن األطرش خلقة ال ينطق يف
ً
الغالب ،وأما فقد ابلرص فربما َكن معينا ىلع قوة إدراك ابلصرية وشدة ذَكئها ،فإن نور ابلرص
ً ً
ينعكس إىل ابلصرية باطنا ،فيقوي إدراكها ويعظم ،وهلذا جتد كثريا من العميان أو أكرثهم عندهم
من اذلَكء الوقاد والفطنة وضياء احلس ابلاطن ما ال تكاد جتده عند ابلصري.
وال ريب أن سفر ابلرص يف اجلهات واألقطار ومبارشته للمبرصات ىلع اختالفها يوجب تفرق
القلب وتشتيته ،وهلذا َكن الليل أمجع للقلب ،واخللوة أعون ىلع إصابة الفكرة ،قالوا فليس نقص
فاقد السمع كنقص فاقد ابلرص ،وهلذا كثري يف العلماء والفضالء وأئمة اإلسالم من هو أعىم ولم
يعرف فيهم واحد أطرش ،بل ال يعرف يف الصحابة أطرش فهذا وحنوه من احتجاجهم ىلع تفضيل
ابلرص.
قال منازعوهم يفصل بيننا وبينكم أمران :أحدهما :أن مدرك ابلرص انلظر إىل وجه الل تعاىل
يف ادلار اآلخرة ،وهو أفضل نعيم أهل اجلنة وأحبه إيلهم ،وال َشء أكمل من املنظور إيله سبحانه،
فال حاسة يف العبد أكمل من حاسة تراه بها.
اثلاين :أن هذا انلعيم وهذا العطاء إنما نالوه بواسطة السمع ،فاكن السمع َكلوسيلة هلذا
املطلوب األعظم ،فتفضيله عليه كفضيلة الغايات ىلع وسائلها.
وأما ما ذكرتم من سعة إدراَكته وعمومها فيعارضه كرثة اخليانة فيها ووقوع الغلط ،فإن
الصواب فيما يدركه السمع باإلضافة إىل كرثة املسمواعت قليل يف كثري ،ويقابل كثري مدرلاته
صحة مدرلات ابلرص وعدم اخليانة ،وأن ما يراه ويشاهده ال يعرض فيه من الكذب ما يعرض فيه
فيما يسمعه ،وإذا تقابلت املرتبتان بق الرتجيح بما ذكرناه.
قال شيخ اإلسالم تق ادلين بن تيمية قدس الل روحه ونور رضُيه( :وفصل اخلطاب أن إدراك
السمع أعم وأشمل ،وإدراك ابلرص أتم وأكمل ،فهذا هل اتلمام والكمال ،وذاك هل العموم والشمول،
فقد ترجح ك منهما ىلع اآلخر بما اختص به) .تم الكمه.
48
السم هع
وقد ورد يف احلديث املشهور أن انليب صَّل الل عليه وسلم قال أل يب بكر وعمر( :هذان ل
وابل ه
رص) ( ،)1وهذا ُيتمل أربعة أوجه:
أحدها :أن يكون املراد أنهما مين بمْنلة السمع وابلرص.
واثلاين :يريد أنهما من دين اإلسالم بمْنلة السمع وابلرص من اإلنسان ،فيكون الرسول بمْنلة
القلب والروح ،وهما بمْنلة السمع وابلرص من ادلين ،وىلع هذا فيحتمل وجهني:
أحدهما :اتلوزيع فيكون أحدهما بمْنلة السمع واآلخر بمْنلة ابلرص.
ً
واثلاين :الرشكة فيكون هذا اتلْنيل والتشبيه باحلاستني ثابتا للك واحد منهما ،فلك منهما
بمْنلة السمع وابلرص ،فعَّل احتمال اتلوزيع واتلقسيم تكلم انلاس أيهما هو السمع وأيهما هو
ابلرص؟ وبنوا ذلك ىلع أي الصفتني أفضل ،فيه صفة الصديق.
واتلحقيق أن صفة ابلرص للصديق ،وصفة السمع للفاروق ،ويظهر لك هذا من كون عمر
ه ه ه له ه ه ه ً
حمدثا ،كما قال انليب صَّل الل عليه وسلم( :قد َكن يكون يف األمم قبلكم حمدثون ،فإن يكن
ل ه هل
يف أميت من ههم أحد ،فإن عمر َن اخل لطاب من ههم) (.)2
واتلحديث املذكور هو ما يلىق يف القلب من الصواب واحلق ،وهذا طريقه السمع ابلاطن ،وهو
بمْنلة اتلحديث واإلخبار يف األذن.
وأما الصديق فهو اذلي كمل مقام الصديقية لكمال بصريته ،حىت كأنه قد بارش برصه مما أخرب
به الرسول ما بارش قلبه ،فلم يبق بينه وبني إدراك ابلرص إال حجاب الغيب ،فهو كأنه ينظر إىل ما
أخرب به من الغيب من وراء ستوره ،وهذا لكمال ابلصرية ،وهذا أفضل مواهب العبد وأعظم
كراماته اليت يكرم بها ،وليس بعد درجة انلبوة إال ه ،وهلذا جعلها سبحانه بعدها فقال﴿ :ومن
الص ِّديقني والشهداء و ل
الصاحلني﴾ انلبيِّني و ِّ الر هسول فأهوَلك مع لاذلين أنعم ه
الل عليهم من ل يهطع الل و ل
النساء 69 :وهذا هو اذلي سبق به الصديق ،ال بكرثة صوم وال بكرثة صالة ،وصاحب هذا يميش
ً
رويدا وييجء يف األول ،ولقد تعناه من لم يكن سريه ىلع هذا الطريق وتشمريه إىل هذا العلم وقد
( )1ـ رواه الرتمذي يف كتاب املناقب ،باب يف مناقب أ يب بكر وعمر ريض الل عنهما ( ،)3671واحلاكم يف املستدرك
(.)4432
( )2ـ رواه ابلخاري يف كتاب فضائل الصحابة ،باب مناقب عمر ( ،)3486ومسلم يف كتاب فضائل الصحابة ،باب من
فضائل عمر (.)6357
49
ً ً
سبق من شمر إيله وإن َكن يزحف زحفا وُيبو حبوا ،وال تستطل هذا الفصل فإنه أهم مما قصد
بالالكم فليعد إيله ،فقيل :تقديم السمع ىلع ابلرص هل سببان:
ً
أحدهما :أن يكون السياق يقتضيه ،حبيث يكون ذكرها بني الصفتني متضمنا للتهديد
والوعيد ،كما جرت اعدة القرآن بتهديد املخاطبني وحتذيرهم بما يذكره من صفاته اليت تقتض
ل ِّ ه ه
احلذر واالستقامة كقوهل﴿ :فإن زللتهم من َعد ما جاءتك هم ابلينات فاعل هموا أن الل عزيز حكيم﴾
ً ً اب ادلنيا واآلخرة ولان ه ل
اِل ثو ه ابلقرة ،209 :وقوهل﴿ :من َكن يهر ه
الل سميعا بصريا﴾ يد ثواب ادلنيا فعند
النساء 134 :والقرآن الكريم مملوء من هذا ،وىلع هذا فيكون يف ضمن ذلك أين أسمع ما يردون به
عليك وما يقابلون به رسااليت ،وأبرص ما يفعلون ،وال ريب أن املخاطبني بالرسالة بالنسبة إىل
اإلجابة والطاعة نواعن:
أحدهما :قابلوها بقوهلم :صدقت ،ثم عملوا بموجبها.
واثلاين :قابلوها باتلكذيب ،ثم عملوا خبالفها ،فاكنت مرتبة املسموع منهم قبل مرتبة ابلرص،
فقدم ما يتعلق به ىلع ما يتعلق باملبرص.
ه ل
وتأمل هذا املعىن يف قوهل تعاىل ملوىس﴿ :إنين معكما أسم هع وأرى﴾ طه 46 :هو يسمع ما َييبهم
به ،ويرى ما يصنعه ،وهذا ال يعم سائر املواضع بل يتص منها بما هذا شأنه.
والسبب اثلاين :أن إنكار األوهام الفاسدة لسمع الالكم مع َغية ابلعد بني السامع واملسموع
أشد من إنكارها لرؤيته مع بعده.
وِف الصحيحني عن ابن مسعود قال( :اجتمع عند ابليت ثالث هة نفر ،قهرش ليان وثق ٌّ
ف ،أو ثقف ليان ٍ
ه ه ه ه ه هه وقهر ٌّ
َش ،قليل فقه قلوبهم ،كثري شح هم هَ هطونهم ،فقال أح هدهم :أترون الل يسم هع ما نقول؟ وقال
اآلخ هر :يسم هع إن جهرنا ،وال يسم هع إن أخفينا ،وقال اآلخ هر :إن َكن يسم هع ،إذا جهرنا ،ف ههو يسم هع إذا
أخفينا) ( ،)1ولم يقولوا :أترون الل يرانا ،فاكن تقديم السمع أهم واحلاجة إىل العلم به أمس.
ً
وسبب ثالث :وهو أن حركة اللسان بالالكم أعظم حرلات اجلوارح ،وأشدها تأثريا يف اخلري
والرش والصالح والفساد ،بل اعمة ما يرتتب يف الوجود من األفعال إنما ينشأ بعد حركة اللسان،
فكأن تقديم الصفة املتعلقة به أهم وأوىل ،وبهذا يعلم تقديمه ىلع العليم حيث وقع.
غيب فيها ومن جهتها تبتديء وتنشأ ،وهلذا قدم صعق أهل السموات ىلع أهل األرض عندها
فقال تعاىل﴿ :ونهفخ يف الصور فصعق من يف ل
السموات ومن يف األرض﴾ الزمر.68 :
وأما تقديم األرض ىلع السماء يف سورة يونس ،فإنه ملا َكن السياق سياق حتذير وتهديد للبرش،
وإعالمهم أنه سبحانه اعلم بأعماهلم دقيقها وجليلها ،وأنه ال يغيب عنه منها َشء ،اقتىض ذلك
ذكر حملهم وهو األرض قبل ذكر السماء ،فتبارك من أودع الكمه من احلكم واألرسار والعلوم ما
ً ً
يشهد أنه الكم الل تعاىل ،وأن خملوقا ال يمكن أن يصدر منه مثل هذا احلكم أبدا.
تقديم املال ىلع الودل:
ً
وأما تقديم املال ىلع الودل فلم يطرد هذا اتلقديم يف القرآن الكريم ،بل قد جاء مقدما كذلك
ه ه ل ه ه ه ل ه ه ه
يف قوهل﴿ :وما أموالكم وال أوالدكم باليت تق ِّر هبكم﴾ [سبأ ]37 :وقوهل﴿ :واعل هموا أنما أموالكم
ه ه ه ه ه ه ه ه
وأوالدكم فتنة﴾ [األنفال ]28 :وقوهل﴿ :ال تلهكم أموالكم وال أوالدكم عن ذكر الل﴾ [املنافقون:
.]9
ه ه ه ه ه ه ه ً
وجاء ذكر ابلنني مقدما كما يف قوهل﴿ :قل إن َكن آباؤكم وأَناؤكم وإخوانكم
ل ل ه ه ه ه
اجكم وعشريتكم وأموال اقرتفته هموها﴾ [اتلوبة ،]24 :وقوهل ﴿ :هز ِّين للناس هحب الشهوات من وأزو
ل ل ِّ
النساء وابلنني والقناطري ال همقنطرة من اذلهب والفضة﴾ [آل عمران .]14
51
فأما تقديم األموال يف تلك املواضع اثلالثة فألنه ينتظمها معىن واحد ،وهو اتلحذير من
االشتغال بها واحلرص ىلع حتصيلها حىت يفوته حظه من الل وادلار اآلخرة ،فيه يف موضع عن
االتلهاء بها ،وأخرب يف موضع أنها فتنة ،وأخرب يف موضع آخر أن اذلي يقرب عباده إيله إيمانهم
وعملهم الصالح ال أمواهلم وال أوالدهم ،فف ضمن هذا انليه عن االشتغال بها عما يقرب إيله،
ومعلوم أن اشتغال انلاس بأمواهلم واتلاله بها أعظم من اشتغاهلم بأوالدهم ،وهذا هو الواقع
حىت إن الرجل ليستغرقه اشتغاهل بماهل عن مصلحة ودله وعن معارشته وقربه.
وأما تقديمهم ىلع األموال يف تينك اآليتني فلحكمة باهرة ،وه أن براءة متضمنة لوعيد من
َكنت تلك األشياء املذكورة فيها أحب إيله من اجلهاد يف سبيل الل ،ومعلوم أن تصور املجاهد
فراق أهله وأوالده وآبائه وإخوانه وعشريته تمنعه من اخلروج عنهم أكرث مما يمنعه مفارقته ماهل،
فإن تصور مع هذا أن يقتل فيفارقهم فراق ادلهر نفرت نفسه عن هذه أكرث وأكرث ،وال يكاد
عند هذا اتلصور يطر هل مفارقة ماهل ،بل يغيب بمفارقة األحباب عن مفارقة املال ،فاكن تقديم
هذا اجلنس أوىل من تقديم املال).
ثم قال( :ويتعلق بهذا نوع آخر من اتلقديم لم يذكره وهو تقديم األموال ىلع األنفس يف اجلهاد
حيث ما وقع يف القرآن الكريم ،إال يف موضع واحد وهو قوهل﴿ :إ لن الل اشرتى من ه
المؤمنني
ل ه ه ل ه
أنفس ههم وأموال ههم بأن ل هه هم اجلنة يقاتلون يف سبيل الل﴾ [اتلوبة.]111 :
ه ه
وأما سائر املواضع فقدم فيها املال ،حنو قوهل﴿ :وجتاه هدون يف سبيل الل بأموالكم
ه ه ه
وأنفسكم﴾ [الصف ،]11 :وقوهل﴿ :وجاه هدوا يف سبيل الل بأموالهم وأنفسهم﴾ [اتلوبة ،]20 :وهو كثري.
فما احلكمة يف تقديم املال ىلع انلفس؟ وما احلكمة يف تأخريه يف هذا املوضع وحده؟
ً
وهذا لم يتعرض هل السهييل رمحه الل ،فيقال :أوال :هذا ديلل ىلع وجوب اجلهاد باملال كما َيب
ً
بانلفس ،فإذا دهم العدو وجب ىلع القادر اخلروج بنفسه ،فإن َكن اعجزا وجب عليه أن يكرتي
بماهل ،وهذا إحدى الروايتني عن اإلمام أمحد ،واألدلة عليها أكرث من أن تذكر هنا.
ومن تأمل أحوال انليب وسريته يف أصحابه وأمرهم بإخراج أمواهلم يف اجلهاد قطع بصحة هذا
القول ،واملقصود تقديم املال يف اذلكر وأن ذلك مشعر بإنكار وهم من يتوهم أن العاجز بنفسه
ً
إذا َكن قادرا ىلع أن يغزو بماهل ال َيب عليه َشء ،فحيث ذكر اجلهاد قدم ذكر املال فكيف يقال:
ال َيب به.
52
ولو قيل :إن وجوبه باملال أعظم وأقوى من وجوبه بانلفس لاكن هذا القول أصح من قول من
قال ال َيب باملال ،وهذا بني ،وىلع هذا فتظهر الفائدة يف تقديمه يف اذلكر.
وفائدة ثانية ىلع تقدير عدم الوجوب :وه أن املال حمبوب انلفس ومعشوقها اليت تبذل ذاتها
يف حتصيله ،وترتكب األخطار وتتعرض للموت يف طلبه ،وهذا يدل ىلع أنه هو حمبوبها
ومعشوقها ،فندب الل تعاىل حمبيه املجاهدين يف سبيله إىل بذل معشوقهم وحمبوبهم يف مرضاته،
فإن املقصود أن يكون الل هو أحب َشء إيلهم ،وال يكون يف الوجود َشء أحب إيلهم منه،
فإذا بذلوا حمبوبهم يف حبه نقلهم إىل مرتبة أخرى أكمل منها ،وه بذل نفوسهم هل ،فهذا َغية
احلب ،فإن اإلنسان ال َشء أحب إيله من نفسه.
ً
فإذا أحب شيئا بذل هل حمبوبه من نفسه وماهل ،فإذا آل األمر إىل بذل نفسه ضن بنفسه وآثرها
ىلع حمبوبه ،هذا هو الغالب وهو مقتىض الطبيعة احليوانية واإلنسانية ،وهلذا يدافع الرجل عن ماهل
وأهله وودله ،فإذا أحس باملغلوبية والوصول إىل مهجته ونفسه ل
فر وتركهم.
ً
فلم يرض الل من حمبيه بهذا ،بل أمرهم أن يبذلوا هل نفوسهم بعد أن بذلوا هل حمبوباتهم ،وأيضا
ً
فبذل انلفس آخر املراتب ،فإن العبد يبذل ماهل أوال يق به نفسه ،فإذا لم يبق هل ماهل بذل نفسه،
ً
فاكن تقديم املال ىلع انلفس يف اجلهاد مطابقا للواقع.
ه وأما قوهل﴿ :إ لن الل اشرتى من ه
المؤمنني أنفس ههم وأموال ههم﴾ [اتلوبة .]111 :فاكن تقديم األنفس
هو األوىل؛ ألنها ه املشرتاة يف احلقيقة ،وه مورد العقد ،وه السلعة اليت استلمها ربها ،وطلب
رشاءها نلفسه ،وجعل ثمن هذا العقد رضاه وجنته ،فاكنت ه املقصود بعقد الرشاء ،واألموال
تبع هلا.
فإذا ملكها مشرتيها ملك ماهلا ،فإن العبد وما يملكه لسيده ليس هل فيه َشء ،فاملالك احلق
ً
إذا ملك انلفس ملك أمواهلا ومتعلقاتها ،فحسن تقديم انلفس ىلع املال يف هذه اآلية حسنا ال
مزيد عليه.
ً
لرنجع إىل الكم السهييل ،فما ذكره من تقديم الغفور ىلع الرحيم فحسن جدا ،وأما تقديم الرحيم
ىلع الغفور يف موضع واحد وهو أول سبأ ،ففيه معىن غري ما ذكره يظهر ملن تأمل سياق أوصافه
يم الغ هف ه
ور﴾ يف [سبأ.]2 : العَّل وأسمائه احلسىن يف أول السورة إىل قوهل﴿ :و ههو ل
الرح ه
53
فإنه ابتدأ سبحانه السورة حبمده اذلي هو أعم املعارف وأوسع العلوم ،وهو متضمن جلميع
صفات كماهل ونعوت جالهل مستلزم هلا ،كما هو متضمن حلكمته يف مجيع أفعاهل وأوامره ،فهو
املحمود ىلع ك حال وىلع ك ما خلقه ورشعه.
هل ما يف ل
السموات وما يف ثم عقب هذا احلمد بملكه الواسع املديد فقال﴿ :احلم هد ِل لاذلي ه
ً
األرض﴾ [سبأ ،]1 :ثم عقبه بأن هذا احلمد ثابت هل يف اآلخرة غري منقطع أبدا ،فإنه محد يستحقه
ً
ذلاته وكمال أوصافه وما يستحقه ذلاته دائم بدوامه ال يزول أبدا.
وقرن بني امللك واحلمد ىلع اعداته تعاىل يف الكمه ،فإن اقرتان أحدهما باآلخر هل كمال زائد
ىلع الكمال بكل واحد منهما ،فله كمال من ملكه ،وكمال من محده ،وكمال من اقرتان أحدهما
ً ً
باألخر ،فإن امللك بال محد يستلزم نقصا ،واحلمد بال ملك يستلزم عجزا ،واحلمد مع امللك َغية
الكمال.
ونظري هذا العزة والرمحة والعفو والقدرة والغىن والكرم ،فوسط امللك بني اجلملتني ،فجعله
ً
حمفوفا حبمد قبله ومحد بعده ،ثم عقب هذا احلمد وامللك باسم احلكيم اخلبري ادلالني ىلع كمال
اإلرادة ،وأنها ال تتعلق بمراد إال حلكمة بالغة ،وىلع كمال العلم ،وأنه كما يتعلق بظواهر
املعلومات فهو متعلق ببواطنها اليت ال تدرك إال خبربة ،فنسبة احلكمة إىل اإلرادة كنسبة اخلربة
إىل العلم ،فاملراد ظاهر واحلكمة باطنة ،والعلم ظاهر واخلربة باطنة.
ً
فكمال اإلرادة أن تكون واقعة ىلع وجه احلكمة ،وكمال العلم أن يكون َكشفا عن اخلربة،
فاخلربة باطن العلم وكماهل ،واحلكمة باطن اإلرادة وكماهلا ،فتضمنت اآلية إثبات محده وملكه
وحكمته وعلمه ىلع أكمل الوجوه ،ثم ذكر تفاصيل علمه بما ظهر وما بطن يف العالم العلوي
ه ه ل ه ه ه ه ه
والسفيل فقال﴿ :يعلم ما يلج يف األرض وما يرج منها وما يْنل من السماء وما يعرج فيها﴾ [سبأ:
،]2ثم ختم اآلية بصفتني تقتضيان َغية اإلحسان إىل خلقه ،وهما :الرمحة واملغفرة ،فيجلب هلم
اإلحسان وانلفع ىلع أتم الوجوه برمحته ،ويعفو عن زتلهم ،ويهب هلم ذنوبهم وال يؤاخذهم بها
يم الغ هف ه
ور﴾ [سبأ ،]2 :فتضمنت هذه اآلية سعة علمه ورمحته وحكمه بمغفرته ،فقال﴿ :و ههو ل
الرح ه
ومغفرته ،وهو سبحانه يقرن بني سعة العلم والرمحة كما يقرن بني العلم واحللم ،فمن األول قوهل:
ك َش ٍء رمح ًة وعلما ً﴾ [َغفر ،]7 :ومن اثلاين﴿ :و ه
الل عليم حليم﴾ [النساء ،]12 :فما
هل
﴿ر لبنا وسعت
قرن َشء إىل َشء أحسن من حلم إىل علم ومن رمحة إىل علم.
54
ومحلة العرش أربعة ،اثنان يقوالن :سبحانك امهلل ربنا وحبمدك لك احلمد ىلع حلمك بعد
علمك .واثنان يقوالن :سبحانك امهلل ربنا وحبمدك لك احلمد ىلع عفوك بعد قدرتك.
فاقرتان العفو بالقدرة َكقرتان احللم والرمحة بالعلم؛ ألن العفو إنما ُيسن عند القدرة،
وكذلك احللم والرمحة إنما ُيسنان مع العلم ،وقدم الرحيم يف هذا املوضع تلقدم صفة العلم،
ً ً هل
فحسن ذكر الرحيم بعده يلقرتن به ،فيطابق قوهل﴿ :ر لبنا وسعت ك َش ٍء رمحة وعلما﴾ [َغفر.]7 :
ثم ختم اآلية بذكر صفة املغفرة تلضمنها دفع الرش وتضمن ما قبلها جلب اخلري ،وملا َكن دفع
ً
الرش مقدما ىلع جلب اخلري قدم اسم الغفور ىلع الرحيم حيث وقع ،وملا َكن يف هذا املوضع تعارض
يقتض تقديم اسمه الرحيم ألجل ما قبله قدم ىلع الغفور.
جدي واركيع مع ل
الراكعني﴾ [آل عمران ،]43فقد وأما قوهل تعاىل﴿ :يا مري هم اقنهيت لر ِّبك واس ه
أبعد انلجعة فيما تعسفه من فائدة اتلقديم وأىت بما ينبو اللفظ عنه.
وقال غريه :السجود َكن يف دينهم قبل الركوع ،وهذا قائل ما ال علم هل به.
واذلي يظهر يف اآلية والل أعلم بمراده من الكمه :أنها اشتملت ىلع مطلق العبادة وتفصيلها،
فذكر األعم ثم ما هو أخص منه ،ثم ما هو أخص من األخص.
ً
فذكر القنوت أوال وهو الطاعة ادلائمة ،فيدخل فيه القيام واذلكر وادلاعء وأنواع الطاعة ،ثم
ذكر ما هو أخص منه وهو السجود اذلي يرشع وحده ،كسجود الشكر واتلالوة ،ويرشع يف الصالة،
فهو أخص من مطلق القنوت ،ثم ذكر الركوع اذلي ال يرشع إال يف الصالة ،فال يسن اإلتيان به
ً
منفردا ،فهو أخص مما قبله.
ففائدة الرتتيب :الْنول من األعم إىل األخص ،إىل أخص منه ،وهما طريقتان معروفتان يف
الالكم ،الْنول من األعم إىل األخص ،وعكسها وهو الرتيق من األخص إىل ما هو أعم منه ،إىل ما
هو أعم.
ه ه ل
ونظريها﴿ :يا أيها اذلين آمنهوا ارك هعوا واس هج هدوا واعبه هدوا ر لبكم وافعلوا اخلري﴾ [احلج،]77 :
فذكر أربعة أشياء ،أخصها الركوع ،ثم السجود أعم منه ،ثم العبادة أعم من السجود ،ثم فعل اخلري
ً
العام املتضمن ذللك لكه ،واذلي يزيد هذا وضوحا الالكم ىلع ما ذكره بعد هذه اآلية من قوهل:
جود﴾ [احلج ]26 :فإنه ذكر أخص هذه اثلالثة ،وهو لطائفني والقائمني والر لكع الس ه
﴿وط ِّهر بييت ل ل
الطواف اذلي ال يرشع إال بابليت خاصة ،ثم انتقل منه إىل االعتاكف وهو القيام املذكور يف احلج،
55
وهو أعم من الطواف؛ ألنه يكون يف ك مسجد ،ويتص باملساجد ال يتعداها ،ثم ذكر الصالة
ً
اليت تعم سائر بقاع األرض سوى ما منع منه مانع أو استثين رشاع.
وإن شئت قلت :ذكر الطواف اذلي هو أقرب العبادات بابليت ،ثم االعتاكف اذلي يكون يف
سائر املساجد ،ثم الصالة اليت تكون يف ابلدل لكه ،بل يف ك بقعة ،فهذا تمام الالكم ىلع ما ذكره
من األمثلة ،وهل رمحه الل مزيد السبق وفضل اتلقدم) (.)1
وقال اإلمام الزركيش( :القول يف اتلقديم واتلأخري ،هو أحد أسايلب ابلالغة فإنهم أتوا به داللة
ىلع تمكنهم يف الفصاحة ،وملكتهم يف الالكم وانقياده هلم ،وهل يف القلوب أحسن موقع وأعذب
مذاق.
وقد اختلف يف عدة من املجاز ،فمنهم من عده منه؛ ألنه تقديم ما رتبته اتلأخريَ ،كملفعول،
وتأخري ما رتبته اتلقديمَ ،كلفاعل ،نقل ك واحد منهما عن رتبته وحقه.
والصحيح أنه ليس منه ،فإن املجاز نقل ما وضع هل إىل ما لم يوضع) (.)2
ً
اء ط ههورا .هنلحي به وقال األستاذ ميح ادلين ادلروي عند قوهل تعاىل﴿ :وأنزنلا من ل
السماء م ً
ً بدل ًة ميتا ً ونهسقي هه م لما خلقنا أنعاما ً وأن ل
ايس كثريا﴾ [الفرقان48 :ـ ( :]49فن اتلقديم واتلأخري وهو فن
عجيب دقيق املسلك خف ادلاللة ،وهو قسمان :قسم يتص بداللة األلفاظ ىلع املعاين وقسم
يتص بدرجة اتلقدم يف اذلكر ومنه اآلية اليت حنن بصددها ،فقد قدم حياة األرض وإسقاء األنعام
ً
ىلع إسقاء انلاس وإن َكنوا أرشف حمال ألن حياة األرض ه سبب حلياة األنعام وانلاس ،فلما
واحلياة للناس َكنت بهذه املثابة جعلت مقدمة يف اذلكر وملا َكنت األنعام من أسباب اتلعي
قدمها يف اذلكر ىلع انلاس ألن حياة انلاس حبياة أرضهم وأنعامهم فقدم سق ما هو سبب نمائهم
ومعاشهم ىلع سقيهم) (.)3
وقال ادلكتور سايم عطا حسن( :اتلقديم واتلأخري من أهم مباحث علم املعاين اذلي يبحث
يف بناء اجلمل ،وصياغة العبارات ،ويتأمل الرتاكيب ليك يربز ما يكمن وراءها من أرسار ومزايا
بالغية.
( )1ـ يف حبثه :اتلقديم واتلأخري يف انلظم القرآين الكريم بالغته ودالالته.
57
الفصل اثلاين:
ه
وفيه سبعة مباحث:
املبحث األول :قواعد يف اتلقديم واتلفضيل
اذلكر ال يلزم منه اتلقد هم يف ل ِّ
الزمان أو الرتبة). (اتلقد هم يف
1ـ ل
ه اتلقديم :ل
2ـ (ليس من لوازم ل
اتلفضيل).
ً ه ِّ
3ـ (العر هب ال يقد همون إال ما يعتنهون به َغبلا).
يد االهتمام).يم يهف ه
اتلقد ه
4ـ ( ل
ِّ المق لدم هو الغرض ه
أن هل اتلقد ه
5ـ ( ل
المعتمد باذلكر وبسوق الالكم ألجله). يم ديلل ىلع
املبحث اثلاين :قواعد يف أن اتلقديم واتلأخري ال يكون إال حبجة
6ـ (ال وجه تلقديم َش ٍء من كتاب الل عن موضعه أو تأخريه عن ماكنه إال حبه لج ٍة واضح ٍة).
ل ل اتلقديم ل
7ـ (ال ضري يف ل
واتلأخري إذا دل ىلع الرتتيب ديلل)
ه ه ه
8ـ (إحلاق الالكم باذلي يليه أوىل من إحلاقه بما قد حيل بينه وبينه من همعرتض الالكم).
اتلقديم ل ه ل
الرتتيب همق لدم ىلع القول ب ل
واتلأخري). 9ـ (القول ب
املبحث اثلالث :قواعد يف بعض احلروف وتقديم املعمول واملجرور
ً ل ً 10ـ (الو ه
او ال تقتض ترتيبا وال تعقيبا وإنما ه ملطلق اجلمع).
يم إذا اقرتن بالفاء َكن فيه همبالغة).
(اتلقد ه
11ـ ل
عمول يتض لم هن معىن االشرتاط ل
واتلقييد) يم الم ه
12ـ (تقد ه
ل ً ه ه
13ـ (تقديم المج هرور كثريا ما يعامل همعاملة الرشط).
ه ِّ ه ِّ
14ـ (الفعالن إذا َكنا همتقاريب المعىن فلك أن تقدم وتؤخر).
املبحث الرابع :قواعد يف أغراض اتلقديم واتلأخري
ً ً ه ل ه ه ه
انلفس ترقبا ل هو هروده ،وتشوقا إيله).
ث ل 15ـ (تأخ ه
ري ما حقه اتلقديم يور
58
المق لدم يتض لم هن جوابا ً لر ِّد طلب طلب هه ه
المخاطب). اتلقديم :كو هن ه
16ـ (من هموجبات ل
ٍ
ه ه (اتلقد ه
17ـ ل
يم ال يكون ألجل الفاصلة فقط).
18ـ (تقد ه
يم اجل همل عن مواضع تأخريها تلوفري املعاين).
ري الختالف املقام).واتلأخ ه
يم ل 19ـ (قد يتل هف ل
اتلقد ه
ّ ه ل ه ل
ويؤخ هر األجَّل). 20ـ (يف مقام االستدالل يقد هم اجليل
املبحث اخلامس :قواعد يف تقديم املسند إيله
ه المسند ال همشت ِّق ال يهف ه
اتلخصيص ،وقد يهستفاد من َعض
يد بذاته ل يم ال همسند إيله ىلع ه
21ـ (تقد ه
اتلق ِّوي).
يد لعيل كثريا ً ما يهف ه يم ه
المسند إيله ىلع اخلرب الف ِّ 23ـ (تقد ه
اتلخصيص»). و« ل
26ـ (كثريا ً ما يتق لد هم ه
المسن هد إيله ىلع اخلرب الف ِّ
عيل يف الوعد والضمان).
املبحث السادس :قواعد يف تقديم املسند وتقديم اللفظ ىلع اعمله
يد احلرص).المسند إذا احت لفت به قرائن قد يهف ه يم ه
27ـ (تقد ه
ً يم اللفظ ىلع اعمله يهف ه
28ـ (تقد ه
يد االختصاص َغبلا).
يد االختصاص). جرور كثريا ً ما يهف هالظرف أو الم هه ل
29ـ (تقديم
ه ه ه يص مع ل اتلخص ه30ـ (حني َيتم هع ل
االهتمام أقوى). اتلقديم يكون
املبحث السابع :قواعد يف تقديم الضمري وتقديم املفعول
يد االختصاص)الضمري كثريا ً ما يهف ه
ه ل
31ـ (تقديم
ه ه
يم لـما ماكنه اتلأخري يهراد به االختصاص). 32ـ (ليس ك تقد ٍ
اتلقديم احلرص من تقديم الم ه
فعول فعول مع اشتغال فعله بضمريه ه
آكد يف إفادة ل يم الم ه
33ـ (تقد ه
59
َّ َّ ر ُ
املفرسين (دراسة نظرية تطبيقية) يم واتلَّأخري عند
الفصل اثلاين :قواعد اتلَّق ِد ِ
سأحتدث يف هذا الفصل عن القواعد اليت تتعلق باتلقديم واتلأخري عند املفرسين ،وعندما
باتلقديم ل
واتلأخري يف القرآن ،أو حبثت يف كتب علوم القرآن وأصول اتلفسري عن قواعد تتعلق ل ه
قواعد تتعلق باتلقديم واتلأخري عند املفرسين ،لم أجد إال ثالث قواعد:
ً ل ه ه ِّ
رب ال يقد همون إال ما يعتنهون به َغبلا).1ـ (الع
ِّ
اذلكر ال يلزم منه اتلقد هم يف ل
الزمان أو الرتبة) (اتلقد هم يف
2ـ ل
هاتان القاعدتان ذكرهما ادلكتور خادل السبت يف كتابه( :قواعد اتلفسري) ،ل
وعرب عن القاعدة
اثلانية بقوهل( :اتلقدم يف اذلكر ال يعين اتلقدم يف الوقوع واحلكم).
اتلقديم ل ه ل
الرتتيب همق لدم ىلع القول ب ل
واتلأخري). 3ـ (القول ب
ذكر هذه القاعدة ادلكتور حسني احلريب يف كتابه( :قواعد الرتجيح عند املفرسين).
ثم قمت بابلحث يف ثنايا كتب اتلفسري القديمة واحلديثة ،الستخراج القواعد اليت تتعلق
ه
فأضفت ىلع هذه باتلقديم واتلأخري ،واليت ذكروها يف الكمهم وإن لم ينصوا ىلع أنها قاعدة،
ً ً ه ً
القواعد لكها ثالثا وثالثني قاعدة. القواعد :ثالثني قاعدة ،فأصبحت
ه
وتظهر أهمية هذه القواعد من كونها تتعلق بالقرآن العظيم وتفسريه ،فالقرآن هو أفضل
ه ه
وأنفعه وأبلغه. الالكم
ً ه
وهذه القواعد تظهر قيمة العلماء وأن هلم قواعد يعتمدون عليها يف علمهم ،وأن هلم أصوال
ً ً
ومنهجا دقيقا يسريون عليه.
ه
الوثيق بني علم اللغة العربية وعلم اتلفسري ،وأنه ال بد للمفرس ه
الرتابط ويظهر يف هذه القواعد
أن يكون ىلع معرفة يف اللغة العربية.
وسأجعل الالكم يف هذه القواعد ىلع سبعة مباحث:
املبحث األول :قواعد يف اتلقديم واتلفضيل
سأذكر يف هذا املبحث مخس قواعد من قواعد اتلقديم واتلأخري عند املفرسين ،وه قواعد
متقاربة يف املعىن ،وِف بعضها إضافة ىلع القواعد األخرى.
ِّ
اذلكر ال يلزم منه اتلقد هم يف ل
الزمان أو الرتبة) ،سأذكر فيه أن (اتلقد هم يف
فأول قاعدة ه :ل
60
ه اتلقديم :لثم سأذكر قاعدة( :ليس من لوازم ل
اتلفضيل).
يم يهف ه
يد االهتمام). وكذلك قاعدة( :العر هب ال هيق ِّد همون إال ما يعتنهون به َغبلاً) .و ل
(اتلقد ه
ِّ المق لدم هو الغرض ه أن هل (اتلقد ه
و ل
المعتمد باذلكر وبسوق الالكم ألجله). يم ديلل ىلع
وسأذكر أمثلة وتطبيقات ىلع هذه القواعد من الكم العلماء واملفرسين.
ً
وأبدأ مستعينا بالل تعاىل يف القاعدة األوىل:
َْ َّ َ ُ َ ر ْ َّ ُ
ان أو الرتبة)
ِ م الز يف م اتلقد منه لزم ي ال ر
1ـ قاعدة( :اتلقدم يف اذل ِ
ك
هذه القاعدة ذكرها ادلكتور خادل السبت يف كتابه( :قواعد اتلفسري ،)379 :وعرب عنها بقوهل:
(اتلقدم يف اذلكر ال يعين اتلقدم يف الوقوع واحلكم).
ِّ
اذلكر ال يلزم منه اتلقد هم يف ل
الزمان أو الرتبة). (اتلقد هم يف
وأقرتح أن تكون :ل
ألن اتلقدم يف اذلكر قد يكون بسبب اتلقدم يف الزمان والوقوع أو اتلقدم يف املرتبة.
ِّ ل ِّ ل
وهذه القاعدة تبني أن تقديم ذكر الل ألمر ال يدل بالرضورة أنه أفضل مما أخره يف اذلكر ،وال
ل
يدل بالرضورة كذلك ىلع أنه قدمه ألنه متقدم يف الزمان ،فقد يكون اتلقديم ألغراض أخرى.
ً
وهذا َيعل املفرس واملتدبر للقرآن ال يتلكف أوجها بعيدة مبنية ىلع أن اتلقدم يف اذلكر هو إما
للتفضيل أو للتقدم يف الوقوع فقط ،وحىت يبتعد عن حتميل انلص ما ال ُيتمل.
ه ل
1ـ ومن األمثلة ىلع هذه القاعدة قوهل تعاىل﴿ :وإذ قال هموىس لقومه إن الل يأ هم هركم أن تذحبهوا
ل ً ل ه ً
َقرة﴾ [ابلقرة ،]67 :ثم قال بعد ذلك﴿ :وإذ قتلتهم نفسا فادارأتم فيها﴾ [ابلقرة ]72 :معلوم أن اخلالف
واتلدارؤ يف القاتل وقع قبل أن يقول هلم موىس عليه السالم ذلك القول ،يعين :تم القتل بالفعل،
ل
وتم اخلالف يف القاتل ،والقرآن الكريم يريد أن يشد األنظار ،ويلفت االنتباه قال﴿ :وإذ قال
ً ه ل ل
هموىس لقومه إن اِل يأ هم هركم أن تذحبهوا َقرة﴾ [ابلقرة ،]67 :ثم عرض لألمور لكها ،وجدال موىس،
ه ِّ ه ه
أو جدال قوم موىس مع موىس عليه السالم﴿ :قالوا ادع نلا ر لبك يهبني نلا ما ه﴾ [ابلقرة﴿ ،]70 :قالوا
ل ِّ ه ه ه ِّ ه
ادع نلا ر لبك يهبني نلا ما لونها﴾ [ابلقرة﴿ ]69 :قالوا ادع نلا ر لبك يهبني نلا ما ه إن ابلقر تشابه
ل ه
علينا﴾ [ابلقرة ]70 :بعد ذلك يقول تعاىل﴿ :وإذ قتلتهم نف ًسا فادارأتم فيها﴾ [ابلقرة ]72 :إذن اتلقدم يف
اذلكر ال يعين اتلقدم يف الوقوع واحلكم.
ً ل ه
قال اإلمام الرازي يف تفسريه( :أما قوهل تعاىل﴿ :وإذ قتلتهم نفسا فادارأتم فيها﴾ فاعلم أن وقوع
ً
ذلك القتل ال بد وأن يكون متقدما ألمره تعاىل باذلبح.
61
أما اإلخبار عن وقوع ذلك القتل ،وعن أنه ال بد وأن يرضب القتيل ببعض تلك ابلقرة ،فال
ً
َيب أن يكون متقدما ىلع اإلخبار عن قصة ابلقرة ،فقول من يقول :هذه القصة َيب أن تكون
متقدمة يف اتلالوة ىلع األوىل خطأ ،ألن هذه القصة يف نفسها َيب أن تكون متقدمة ىلع األول
يف الوجود.
ِّ
واجب؛ ألنه تارة يتقدم ذكر السبب ىلع ذكر احلكم ،وأخرى ىلع
ٍ
اذلكر ه
فغري فأما اتلقد هم يف
العكس من ذلك ،فكأنه ملا وقعت هلم تلك الواقعة ،أمرهم تعاىل بذبح ابلقرة ،فلما ذحبوها قال:
ً
وإذ قتلتم نفسا من قبل واختلفتم وتنازعتم ،فإين مظهر لكم القاتل اذلي سرتتموه بأن يرضب
القتيل ببعض هذه ابلقرة املذبوحة ،وذلك مستقيم.
ً
فإن قيل :هب أنه ال خلل يف هذا انلظم ،ولكن انلظم اآلخر َكن مستحسنا فما الفائدة يف
ترجيح هذا انلظم؟ قلنا :إنما قدمت قصة األمر بذبح ابلقرة ىلع ذكر القتيل ألنه لو عمل ىلع
عكسه لاكنت قصة واحدة ولو َكنت قصة واحدة ذلهب الغرض من بينية اتلفريع) (.)1
ِّ ِّ ً
2ـ ومن األمثلة ىلع هذه القاعدة أيضا قول الل تعاىل لعيىس عليه السالم﴿ :إين همتوفيك
ل
وراف هعك إ ليل﴾ [آل عمران ]55 :ىلع القول بأن املقصود بالوفاة هنا هو املوت احلقيق ،فمعلوم أن الرفع
واقع قبله رافعك ،ثم متوفيك إذن اتلقدم يف اذلكر ال يعين اتلقدم يف الوقوع واحلكم.
ً ه ه ه ه
3ـ وِف سورة ابلقرة يف قوهل تعاىل﴿ :وادخلوا ابلاب هس لجدا وقولوا ح لطة﴾ [ابلقرة ،]58 :وِف سورة
ً ه ه ه ه
األعراف قوهل تعاىل﴿ :وقولوا ح لطة وادخلوا ابلاب هس لجدا﴾ [األعراف ]161 :يعين يف سورة ابلقرة
ً ه ه ه ه
دخول ابلاب قبل﴿ :وقولوا ح لطة﴾ ،ثم ﴿وادخلوا ابلاب هس لجدا﴾ هنا تقديم وتأخري ،هذا املثال
يبني حقيقة مهمة تقول :ال ينبيغ أن نتلكف يف استنباط علل اتلقديم واتلأخري ،وإنما علينا أن
ننتبه فما وجدناه يهمكن أن يعلل هل بعلل واضحة ال تكلف فيها فيشء مقبول ،أما أن نتلكف
فهذا تمحل وتعسف مرذول.
ه 4ـ ومن األمثلة أيضا ً قوهل تعاىل﴿ :وإذ أخذنا من ل
انلبيِّني ميثاق ههم ومنك ومن ن ٍ
وح وإبراهيم
ًّ
و هموىس وعيىس ابن مريم﴾ [األحزاب ،]7 :بدأ هنا بانليب صَّل الل عليه وسلم مع أن األنبياء زمنيا
أسبق منه يف الوجود يعين :نوح وإبراهيم وموىس وعيىس عليهم السالم قبل انليب صَّل الل عليه
﴿واخليل وابلغال واحلمري﴾ [انلحل ]8 :يقولون :بدأ بما هو أرشف ،وما هو أهم ،وما هو أفيد ﴿من
ً ً ل
َعد وص لي ٍة يهويص بها أو دي ٍن﴾ [النساء ]11 :يقولون :قدم الوصية مع أن ادلين مقدم عليها رشاع حثا
ل ً
وحذرا من اتلهاون بها؛ ألن انلاس يعين ممكن أن يفرطوا يف الوصية وال يفرطون يف ادلين، عليها،
ادلين هل من يطالب به ومن يبحث عنه (.)1
ً ِّ ّ ل
قال سيبويه( :كأنهم إنما يقدمون اذلي بيانه أهم هلم وهم ببيانه أعىن ،وإن َكنا مجيعا يهه لمانهم
ويعنيانهم) (.)2
1ـ ومن األمثلة ىلع ذلك ،قوهل تعاىل﴿ :قال أراغب أنت عن آلهيت يا إبراه ه
يم لِئ لم تنته
ً ه ل
ألرمجنك واه هجرين مل ّيا﴾ [مريم ]46 :قال اإلمام الزخمرشي( :ملا أطلعه ىلع سماجة صورة أمره ،وهدم
مذهبه باحلجج القاطعة ،وناصحه املناصحة العجيبة مع تلك املالطفات ،أقبل عليه الشيخ
بفظاظة الكفر وغلظة العناد ،فناداه باسمه ،ولم يقابل يا أبت بيا ّ
بين.
يم﴾؛ ألنه َكن ّ ّ
وقدم اخلرب ىلع املبتدأ يف قوهل﴿ :أراغب أنت عن آلهيت يا إبراه ه
أهم عنده وهو
عنده أ عىن ،وفيه رضب من اتلعجب واإلنكار لرغبته عن آهلته ،وأن آهلته ،ما ينبيغ أن يرغب
عنها أحد.
وِف هذا سلوان وثلج لصدر رسول الل صَّل الل عليه وسلم عما َكن يلىق من مثل ذلك من
كفار قومه) (.)3
ه ه ً ً ه هه
2ـ وعند قوهل تعاىل﴿ :إذ قال ألَيه وقومه ماذا تعبدون .أئفاك آلهة دون الل تريدون﴾ الصافات:
ً ً
[85ـ ]86قال( :أإفاك مفعول هل ،تقديره :أتريدون آهلة من دون الل إفاك.
( )1ـ هذه القاعدة ذكرها ادلكتور خادل السبت يف كتابه( :قواعد اتلفسري) .انظر :قواعد اتلفسري لدلكتور خادل السبت:
.380وفيه :انظر الربهان للزركيش ،235 :3اإلكسري ،154 :اإلتقان ،35 :3فتح ابلاري ،102 :7تفسري القاسيم ،261 :1
احلروف العاملة يف القرآن الكريم ،34 :بدائع اتلفسري .394 :1
( )2ـ الكتاب لسيبويه .34 :1
( )3ـ الكشاف.20 :3 .
65
ّ ّ ّ
األهم عنده أن وإنما قدم املفعول ىلع الفعل للعناية ،وقدم املفعول هل ىلع املفعول به ،ألنه َكن
يكافحهم بأنهم ىلع إفك وباطل يف رشكهم.
ً ً ً
وَيوز أن يكون إفاك مفعوال ،يعين :أتريدون به إفاك.
ً ً ه
ثم فرس اإلفك بقوهل ﴿آلهة دون الل﴾ ىلع أنها إفك يف أنفسها .وَيوز أن يكون حاال ،بمعىن:
ً ل ه
أتريدون آهلة من دون الل آفكني فما ظنكم بمن هو احلقيق بالعبادة ،ألن من َكن ربا للعاملني
ّ
استحق عليهم أن يعبدوه ،حىت تركتم عبادته إىل عبادة األصنام :واملعىن :أنه ال يقدر يف وهم وال
ّ ّ
ظن ما يصد عن عبادته .أو فما ظنكم به أى َشء هو من األشياء ،حىت جعلتم األصنام هل أندادا.
أو فما ظنكم به ماذا يفعل بكم وكيف يعاقبكم وقد عبدتم غريه)؟ (.)1
3ـ وقال اإلمام الرازي( :لم قال هاهنا﴿ :ال ريب فيه﴾ [ابلقرة ]2 :وِف موضع آخر﴿ :ال فيها
غول﴾ [الصافات]47 :؟ اجلواب :ألنهم يقدمون األهم فاألهم ،وهاهنا األهم نف الريب باللكية عن
ً
الكتاب ،ولو قلت :ال فيه ريب ألوهم أن هناك كتابا آخر حصل الريب فيه ال ها هنا ،كما قصد
يف قوهل﴿ :ال فيها غول﴾ تفضيل مخر اجلنة ىلع مخور ادلنيا ،فإنها ال تغتال العقول كما تغتاهلا مخرة
ادلنيا السؤال اثلالث :من أين يدل قوهل :ال ريب فيه ىلع نف الريب باللكية؟ اجلواب :قرأ أبو
الشعثاء ال ريب فيه بالرفع .واعلم أن القراءة املشهورة توجب ارتفاع الريب باللكية ،وادليلل
عليه أن قوهل﴿ :ال ريب﴾ نف ملاهية الريب ونف املاهية يقتض نف ك فرد من أفراد املاهية ،ألنه
لو ثبت فرد من أفراد املاهية ثلبتت املاهية ،وذلك يناقض نف املاهية ،وهلذا الرس َكن قونلا« :ال هلإ
ً ّ
إال اِل» نفيا جلميع اآلهلة سوى الل تعاىل .وأما قونلا« :ال ريب فيه» بالرفع فهو نقيض لقونلا« :ريب
فيه» وهو يفيد ثبوت فرد واحد ،فذلك انلف يوجب انتفاء مجيع األفراد يلتحقق اتلناقض) (.)2
[اتلوبة: المرشكني استجارك فأجر هه ح لىت يسمع الكم الل﴾
4ـ وعند قوهل تعاىل﴿ :وإن أحد من ه
.]6قال( :أحد مرتفع بفعل مضمر يفرسه الظاهر ،وتقديره :وإن استجارك أحد ،وال َيوز أن يرتفع
باالبتداء ألن إن من عوامل الفعل ال يدخل ىلع غريه.
فإن قيل :ملا َكن اتلقدير ما ذكرتم فما احلكمة يف ترك هذا الرتتيب احلقيق؟
ومن لطائف قوهل« :سالم عليكم» أنها أكمل من قوهل« :السالم عليك» وذلك ألن قوهل« :سالم
عليك» معناه :سالم َكمل تام رشيف رفيع عليك.
وأما قوهل :السالم عليك ،فالسالم لفظ مفرد حمَّل باأللف والالم ،وأنه ال يفيد إال أصل
املاهية ،واللفظ ادلال ىلع أصل املاهية ال إشعار فيه باألحوال العارضة للماهية وبكماالت
املاهية ،فاكن قوهل« :سالم عليك» أكمل من قوهل« :السالم عليك» ومما يؤكد هذا املعىن أنه أينما
ل
جاء لفظ «السالم» من الل تعاىل ورد ىلع سبيل اتلنكري ،كقوهل﴿ :وإذا جاءك اذلين يهؤمنهون بيآياتنا
ل ه ه ه ه
فقل سالم عليكم﴾ [األنعام ]54 :وقوهل﴿ :قل احلمد ِل وسالم ىلع عباده اذلين اصطىف﴾ [انلمل:
[األعراف ،]180 :وقد الزتم مثل هذا اتلقديم يف مجيع اآلي اليت يف هذا الغرض مثل قوهل يف سورة
ه ه ه ه
اإلرساء [﴿ ]110فله األسماء احل هسىن﴾ وسورة طه [﴿ ]8هل األسماء احل هسىن﴾ وِف سورة احلرش []24
﴿ ههل األسم ه
اء احلهسىن﴾ ،وَّك ذلك تأكيد للرد ىلع املرشكني أن يكون بعض األسماء الواردة يف
( )1ـ اتلحرير واتلنوير .620 :30قال الزخمرشي يف الكشاف ( :818 :4فإن قلت :الالكم العريب الفصيح أن يؤخر الظرف
ل
اذلي هو لغو غري مستقر وال يقدم ،وقد نص سيبويه ىلع ذلك يف كتابه ،فما باهل مقدما يف أفصح الكم وأعربه؟
قلت :هذا الالكم إنما سيق نلف املاكفأة عن ذات ابلاري سبحانه ،وهذا املعىن مصبه ومركزه هو هذا الظرف ،فاكن ذللك
أهم َشء وأعناه ،وأحقه باتلقدم وأحراه).
( )2ـ الكشاف .380 :3
70
ً
املنظور فيها هنا يف سورة انلمل ه كون أنفسهم وكون آبائهم ترابا ال جزء هناك من بناهم «مجع
ً
بنية» ىلع ـ أي باقيا ـ صورة نفسه «أي ىلع صورته اليت َكن عليها وهو يح» .وال شبهة أنها أدخل
عندهم يف تبعيد ابلعث فاستلزم زيادة االعتناء بالقصد إىل ذكره فصريه هذا العارض أهم اه) (.)1
ه ل
اختذ م لما يله ه ً
ات وأصفاكم بابلنني﴾ [الزخرف:]16 :
ٍ ن َ ق مأ ﴿ :تعاىل قوهل عند 2ـ وقال أيضا
(وتقديم «ابلنات» يف اذلكر ىلع «ابلنني» ألن ذكرهن أهم هنا إذ هو الغرض املسوق هل الالكم خبالف
ً ل ه ه
مقام قوهل﴿ :أفأصفاكم ربكم بابلنني واختذ من المالئكة إناثا﴾ يف سورة اإلرساء[ ]40وملا يف
اتلقديم من الرد ىلع املرشكني يف حتقريهم ابلنات وتطريهم منهن مثل ما تقدم يف سورة الشورى)
(.)2
هل ً
3ـ وقال أيضا( :وتقديم «لكما» ىلع العامل استعمال شائع ال يكاد يتخلف ،ألنهم يريدون
بتقديمه االهتمام به ،يلظهر أنه هو حمل الغرض املسوقة هل مجلته ،فإن استمرار صنيعهم ذلك مع
مجيع الرسل يف مجيع األوقات ديلل ىلع أن اتلكذيب والقتل صارا سجيتني هلم ال تتخلفان ،إذ لم
ينظروا إىل حال رسول دون آخر وال إىل زمان دون آخر ،وذلك أظهر يف فظاعة حاهلم ،وه املقصود
هنا.
هل
وبهذا اتلقديم يرشب ظرف «لكما» معىن الرشطية فيصري العامل فيه بمْنلة اجلواب هل ،كما
ه ه ه ه
تصري أسماء الرشط متقدمة ىلع أفعاهلا وأجوبتها يف حنو ﴿أينما تكونوا يهدركك هم الموت﴾
هل
[النساء ]78:إال أن «لكما» لم يسمع اجلزم بعدها وذللك لم تعد يف أسماء الرشط ألن«ك» بعيد عن
معىن الرشطية.
واحلق أن إطالق الرشط عليها يف الكم بعض انلحاة تسامح .وقد أطلقه صاحب الكشاف يف
ه هل ً ً
هذه اآلية ،ألنه لم َيد هلا سببا لفظيا يوجب تقديمها خبالف ما يف قوهل تعاىل﴿ :أفلكما جاءكم
ً هل ه ه ه
ر هسول بما ال تهوى أنف هسك هم استكربتم﴾ يف سورة ابلقرة[ ،]87وِف قوهل﴿ :أولكما اعه هدوا عهدا
نبذ هه فريق من ههم﴾ []100يف تلك السورة؛ فإن اتلقديم فيهما تبع لوقوعهما متصلتني بهمزة االستفهام
كما ذكرناه هنالك ،وإن َكن قد سكت عليهما يف الكشاف لظهور أمرهما يف تينك اآليتني) (.)3
الل آمنني﴾ [يوسف( :]99 :يقول جل ثناؤه :فلما دخل آوى إيله أبويه وقال اد هخلهوا مرص إن شاء ه
ه ه
يعقوب وودله وأهلوهم ىلع يوسف ﴿آوى إيله أبويه﴾ ،يقول :ضم إيله أبويه فقال هلم﴿ :ادخلوا
مرص إن شاء ه
الل آمنني﴾.
الل آمنني﴾ ،بعد ما دخلوها ،وقد فإن قال قائل :وكيف قال هلم يوسف﴿ :اد هخلهوا مرص إن شاء ه
أخرب الل عز وجل عنهم أنهم ملا دخلوها ىلع يوسف وض ّم إيله أبويه ،قال هلم هذا القول؟
قيل :قد اختلف أهل اتلأويل يف ذلك.
74
فقال بعضهم :إن يعقوب إنما دخل ىلع يوسف هو وودله ،وآوى يوسف أبويه إيله قبل دخول
ً ل
مرص .قالوا :وذلك أن يوسف تلىق أباه تكرمة هل قبل أن يدخل مرص ،فيآواه إيله ،ثم قال هل وملن
معه﴿ :اد هخلهوا مرص إن شاء ه
الل آمنني﴾ ،بها قبل ادلخول.
ل
عن السدي :فحملوا إيله أهلهم وعياهلم ،فلما بلغوا مرص ،لكم يوسف امللك اذلي فوقه ،فخرج
الل آمنني﴾.يتلقونهم ،فلما بلغوا مرص قال﴿ :اد هخلهوا مرص إن شاء ه
ل
هو وامللوك
ه ِّ وقال آخرون :بل قوهل﴿ :إن شاء ه
الل﴾ ،استثناء من قول يعقوب بلنيه﴿ :أستغف هر لكم ريب﴾.
قال :وهو من املؤخر اذلي مع ناه اتلقديم .قالوا :وإنما معىن الالكم :قال :أستغفر لكم ريب إن شاء
الل إنه هو الغفور الرحيم .فلما دخلوا ىلع يوسف آوى إيله أبويه ،وقال ادخلوا مرص ،ورفع أبويه.
قال أبو جعفر :والصواب من القول يف ذلك عندنا ما قاهل السدي ،وهو أن يوسف قال ذلك
ل
ألبويه ومن معهما من أوالدهما وأهايلهم قبل دخوهلم مرص حني تلقاهم ،ألن ذلك يف ظاهر
اتلْنيل كذلك ،فال داللة تدل ىلع صحة ما قال ابن جريج ،وال وجه تلقديم َشء من كتاب الل
عن موضعه أو تأخريه عن ماكنه إال ّ
حبجة واضح ٍة) (.)1
فاألصل يف الالكم تقديم ما حقه اتلقديم ،وتأخري ما حقه اتلأخري ،وال يعدل عن هذا األصل
إال حبجة َيب التسليم هلا.
قال أبو جعفر انلحاس« :اتلقديم واتلأخري إنما يكون إذا لم َيز غريهما» (.)2
وقال أبو عمرو ادلاين « :اتلقديم واتلأخري ُماز ،فال يستعمل إال بتوقيف أو بديلل قاطع» (.)3
وقال اإلمام ابن تيمية« :واتلقديم واتلأخري ىلع خالف األصل ،فاألصل إقرار الالكم ىلع نظمه
وترتيبه ال تغيري ترتيبه ،ثم إنما َيوز فيه اتلقديم واتلأخري مع القرينة ،أما مع اللبس فال َيوز؛
ألنه يلتبس ىلع املخاطب» (.)4
2ـ ومن األمثلة ىلع ذلك :قوهل تعاىل﴿ :و لاذلي أخرج المرىع .فجعل هه هغث ً
اء أحوى﴾ [األىلع4 :ـ.]5
األحوى :شديد السواد ،أو األخرض الضارب إىل السواد من شدة اخلرضة.
والغثاء :اهلشيم ايلابس.
( )1ـ باختصار من :جامع ابليان يف تأويل آي القرآن .264 :16
( )2ـ القطع واالئتناف.157 :
( )3ـ املكتىف يف الوقف واالبتدا.64 :
( )4ـ ُمموع الفتاوى .218 :16وانظر :فصول يف أصول اتلفسري لدلكتور مساعد الطيار.143 :
75
وِف معىن اآلية قوالن:
ً ً ً
األول :أن الل أخرج املرىع أخرض ،ثم جعله من بعد اخلرضة هشيما متكرسا ،مائال إىل السواد
من القدم.
ً
اثلاين :أن الل أخرج املرىع أحوى؛ أي :أخرض شديد اخلرضة ،مائال بشدة خرضته إىل السواد،
ً ً ً
ثم جعله هشيما متكرسا ،ويكون ىلع هذا القول (أحوى) مؤخرا حقه اتلقديم (.)1
ه ل
قال اإلمام الطربي يف تفسريه عند قوهل تعاىل﴿ :واذلي أخرج المرىع﴾ [األىلع( :]4 :وقو ههل:
ل
﴿واذلي أخرج المرىع﴾ .يقول( :واذلي أخرج من األرض مرىع األنعام من صنوف انلبات
وأنواع احلشي .
ّ ه وقوهل﴿ :فجعل هه هغث ً
اء أحوى﴾ يقول تعاىل ذكره :فجعل ذلك املرىع غثاء ،وهو ما جف من
ً ً ً
انلبات ويبس ،فطارت به الريح؛ وإنما هعين به هاهنا أنه جعله هشيما يابسا متغريا إىل احل ه لوة ،وه
ّ
السواد من بعد ابلياض أو اخلرضة ،من شدة ايلبس.
ً ً عن ابن عباس يف قوهل ﴿ :هغث ً
اء أحوى﴾ يقول :هشيما متغريا.
ه ً
وقال ُماهد :غثاء السيل أحوى ،قال :أسود .وقال قتادة :يعود يبسا بعد خرضة.
ً ً قال ابن زيد ،يف قوهل﴿ :فجعل هه هغث ً
اء أحوى﴾ قالَ :كن بقال ونباتا أخرض ،ثم هاج فيبهس،
ه
فصار غثاء أحوى تذهب به الرياح والسيول .ولان بعض أهل العلم بكالم العرب يرى أن ذلك
ل
من املؤخر اذلي معناه اتلقديم ،وأن معىن الالكم :واذلي أخرج املرىع أحوى :أي أخرض إىل السواد،
فجعله غثاء بعد ذلك ،ويعتل لقوهل ذلك بقول ذي الرمة:
اذلها هب وح لفتها الرباع ه
يم
ِّ
حاء أرشاط لية وكفت ...فيها ح لو ه
اء قر ه
ّ
وهذا القول وإن َكن غري مدفوع أن يكون ما اشتدت خرضته من انلبات ،قد تسميه العرب
أسود ،غري صواب عندي خبالفه تأويل أهل اتلأويل يف أن احلرف إنما ُيتال ملعناه املخرج باتلقديم
واتلأخري إذا لم يكن هل وجه مفهوم إال بتقديمه عن موضعه ،أو تأخريه ،فأما وهل يف موضعه وجه
صحيح فال وجه لطلب االحتيال ملعناه باتلقديم واتلأخري) (.)2
( )1ـ انظر :فصول يف أصول اتلفسري لدلكتور مساعد الطيار.109 :
( )2ـ باختصار من :جامع ابليان .312 :24
76
ٌّ
3ـ وقال اإلمام القرطيب يف تفسريه( :قوهل تعاىل﴿ :فإن لم يهصبها وابل فطل﴾ [ابلقرة ،]265 :تأكيد
منه تعاىل ملدح هذه الربوة بأنها إن لم يصبها وابل فإن الطل يكفيها ومنوب مناب الوابل يف
إخراج اثلمرة ضعفني ،وذلك لكرم األرض وطيبها .قال املربد وغريه :تقديره فطل يكفيها .وقال
الزجاج :فاذلي يصيبها طل.
والطل :املطر الضعيف املستدق من القطر اخلفيف ،قاهل ابن عباس وغريه ،وهو مشهور اللغة.
وقال قوم منهم ُماهد :الطل :انلدى .قال ابن عطية :وهو جتوز وتشبيه.
قال انلحاس :وحىك أهل اللغة وبلت وأوبلت ،وطلت وأطلت .وِف الصحاح :الطل أضعف
املطر واجلمع الطالل ،تقول منه :طلت األرض وأطلها انلدى فيه مطلولة .قال املاوردي :وزرع
ً
الطل أضعف من زرع املطر وأقل ريعا ،وفيه ـ وإن قل ـ تماسك ونفع.
قال بعضهم :يف اآلية تقديم وتأخري ،ومعناه كمثل جنة بربوة أصابها وابل فإن لم يصبها وابل
فطل فيآتت أكلها ضعفني .يعىن اخرضت أوراق البستان وخرجت ثمرتها ضعفني.
قلت :اتلأويل األول أصوب وال حاجة إىل اتلقديم واتلأخري .فشبه تعاىل نمو نفقات هؤالء
املخلصني اذلين يريب الل صدقاتهم كرتبية الفلو والفصيل بنمو نبات اجلنة بالربوة املوصوفة،
ً
خبالف الصفوان اذلي انكشف عنه ترابه فبىق صدلا .وخرج مسلم وغريه عن أ يب هريرة رىض
الل عليه وسللم( :ال يتص لد هق أحد بتمرة من كسب طيِّب ،إ لال أخذها ه
الل الل عنه عن انليب ص لَّل ه
ٍ ٍ ٍ
ه ه ه ه ِّ
َيمينه ،ف هري ِّبيها كما يهريب أح هدكم فل لو هه ـ أو فصيله ـ ح لىت تكون مثل اجلبل أو أعظم) ( )1خرجه
ً
يف املوطأ أيضا) (.)2
ه ِّ ه ه ه
الل لك هم 4ـ ومن األمثلة كذلك قول اإلمام الرازي يف تفسريه( :أما قوهل﴿ :كذلك يبني
اآليات﴾ [ابلقرة ،]219 :فمعناه أين بينت لكم األمر فيما سأتلم عنه من وجوه اإلنفاق ومصارفه
فهكذا أبني لكم يف مستأنف أيامكم مجيع ما حتتاجون.
ل ل ه
وقوهل﴿ :لعلكم تتفك هرون يف ادلنيا واآلخرة﴾ [ابلقرة219 :ـ ،]220فيه وجوه ،األول :قال احلسن:
فيه تقديم وتأخري ،واتلقدير :كذلك يبني الل لكم اآليات يف ادلنيا واآلخرة لعلكم تتفكرون.
( )1ـ رواه مسلم يف كتاب الزلاة ،باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها ( ،)2390واللفظ هل ،ورواه مالك يف
املوطأ ،يف كتاب اجلامع ،باب الرتغيب يف الصدقة (.)2100
( )2ـ اجلامع ألحاكم القرآن .317 :3
77
ه ني هواثلاين :كذلك يهب ِّ ه
الل لك هم اآليات فيعرفكم أن اخلمر وامليرس فيهما منافع يف ادلنيا
ومضار يف اآلخرة ،فإذا تفكرتم يف أحوال ادلنيا واآلخرة علمتم أنه ال بد من ترجيح اآلخرة ىلع
ادلنيا.
اثلالث :يعرفكم أن إنفاق املال يف وجوه اخلري ألجل اآلخرة وإمساكه ألجل ادلنيا ،فتتفكرون
يف أمر ادلنيا واآلخرة ،وتعلمون أنه ال بد من ترجيح اآلخرة ىلع ادلنيا.
واعلم أنه ملا أمكن إجراء الالكم ىلع ظاهره ،كما قررناه يف هذين الوجهني ،ففرض اتلقديم
ً
واتلأخري ىلع ما قاهل احلسن يكون عدوال عن الظاهر ال دليلل وأنه ال َيوز) (.)1
ه ِّ ه ه خذ أربع ًة من ل
ه
الطري ف هرصه لن إيلك ث لم اجعل ىلع ك جب ٍل من هه لن 5ـ وعند قوهل تعاىل﴿ :قال ف
ً ل ً ه ً ه
هجزءا ث لم ادع هه لن يأتينك سعيا واعلم أن الل عزيز حكيم﴾ [ابلقرة ]260 :قال أيضا :أمجع أهل اتلفسري
ىلع أن املراد باآلية :قطعهن ،وأن إبراهيم قطع أعضاءها وحلومها وريشها ودماءها ،وخلط بعضها
ىلع بعض ،غري أ يب مسلم فإنه أنكر ذلك ،وقال :إن إبراهيم عليه السالم ملا طلب إحياء امليت
ً
من الل تعاىل أراه الل تعاىل مثاال قرب به األمر عليه.
واملراد برصهن إيلك اإلمالة واتلمرين ىلع اإلجابة ،أي فعود الطيور األربعة أن تصري حبيث
ً
إذا دعوتها أجابتك وأتتك ،فإذا صارت كذلك ،فاجعل ىلع ك جبل واحدا حال حياته ،ثم ادعهن
ً
يأتينك سعيا ،والغرض منه ذكر مثال حمسوس يف عود األرواح إىل األجساد ىلع سبيل السهولة
وأنكر القول بأن املراد منه :فقطعهن.
ه
واحتج عليه بوجوه ،األول :أن املشهور يف اللغة يف قوهل﴿ :ف هرصه لن﴾ أمل ههن ،وأما اتلقطيع
ً
واذلبح فليس يف اآلية ما يدل عليه ،فاكن إدراجه يف اآلية إحلاقا لزيادة باآلية لم يدل ادليلل عليها
وأنه ال َيوز.
واثلاين :أنه لو َكن املراد برصهن قطعهن لم يقل إيلك ،فإن ذلك ال يتعدى بإىل وإنما يتعدى
بهذا احلرف إذا َكن بمعىن اإلمالة.
فإن قيل :لم ال َيوز أن يقال يف الالكم تقديم وتأخري ،واتلقدير :فخذ إيلك أربعة من الطري
فرصهن.
قلنا :الزتام اتلقديم واتلأخري من غري ديلل ملجئ إىل الزتامه خالف الظاهر.
81
أما اتلقديم واتلأخري اذلي يعنينا يف هذه القاعدة ،فهو دعوى اتلقديم واتلأخري يف الكم لم
ينصب عليه ديلل يف الالكم ،وال أرشدت إيله قرينة ،ويل بفهم أصل املعىن ،فإرادة اتلقديم
واتلأخري بمثل هذا اخلطاب خالف ابليان ،وأمر املخاطب بفهمه تكليف ملا ال يطاق.
فمثل هذه ادلعوى يف اتلقديم واتلأخري ه اليت نعين وه اليت تهض لعف وتهؤخر ،واذلي يه ل
صحح
ويرجح إبقاء الالكم ىلع ترتيبه ونظمه.
وهذا انلوع من اتلقديم واتلأخري ٌّ
خف تنارع فيه العلماء بني ُمزي لوقوعه يف القرآن َكلقائلني
ً
به ،ومانع لوقوعه يف القرآن مطلقا كأ يب حيان ،وسالك سبيل اتلوسط بني ذلك كما هو حال كثري
من املفرسين ،وهذه هو احلق وهو ما تويح به هذه القاعدة من أن تضعيف القول به من باب
الرتجيح وتقديم الراجح وهو القول بالرتتيب ،وذلك ألن اتلقديم واتلأخري هل أصل يف اللغة
والقرآن ،وقد أثر عن بعض الصحابة ،وىلع رأسهم حرب األمة وترمجان القرآن ابن عباس ،وعن
بعض اتلابعني وىلع رأسهم من إذا جاءك اتلفسري عنه كفاكُ ،ماهد بن جربوقتادة وغريهم.
ً ً ِّ
وهؤالء َكنوا أعلم بلغة العرب وبلغة القرآن وتفسريه ،فالقول برده مطلقا مجلة وتفصيال وأنه
ال يقع يف القرآن فيه اطراح ألقوال هؤالء وأمثاهلم ،وِف انلفس هنات من ذلك ،ولكن األوىل هو
الرتجيح اذلي هو من باب تقديم األرجح واألوىل دون اطراح لألقوال املرجوحة ،قد يكون
ً ً
جالء ووضوحا أن أبا حيان وهو القائل بمنع اتلقديم بلعضها وجه ولو بعيد ،ومما يزيد األمر
واتلأخري اذلي هو من هذا انلوع مضطرب يف ذلك فتارة يرد ويطرح القول باتلقديم واتلأخري ً
بناء
ىلع ما قرر ،وتارة جتده يرجح األصل وهو الرتتيب ،وإن أجاب ىلع القول القائل باتلقديم واتلأخري
ً
فبعبارة لطيفة تويح بثبوته كقول يف اآلية ،وال توجب اطراحه وإن َكن ضعيفا ،وربما ذكر القول
باتلقديم واتلأخري ولم يعقب عليه بيشء.
ً
وأيا َكن األمر ،فإذا لم توجد قرينة تدل ىلع اتلقديم واتلأخري وتنازع العلماء يف اآلية،
فالصحيح هو محل اآلية ىلع الرتتيب ،ومن قال أو اختار اتلقديم واتلأخري ولو َكن ممن يقرر هذه
القاعدة َكلطربي وابن عطية والرازي وأ يب حيان وغريهم ،فهو حمجوج بهذه القاعدة ،وقوهل
ل ل
املؤخر وامل ل
املقدم واملصحح والل أعلم) (.)1 ضعف ،والقول بالرتتيب هو واختياره هو
وقد نص ىلع هذه القاعدة الطربي والرازي وابن تيمية وغريهم.
( )1ـ قواعد الرتجيح عند املفرسين لدلكتور حسني احلريب.451 :
82
1ـ قال اإلمام الطربي عند تفسريه لقوهل تعاىل﴿ :فال هتعجبك أموال ه ههم وال أوال هد ههم إ لنما يهر ه
يد
ه ه ِّ
الل هيلعذَ ههم بها يف احلياة ادلنيا وتزهق أنف هس ههم وهم َكف هرون﴾ [اتلوبة( :]55 :اختلف أهل اتلأويل
ه
الل.
ِّ وقال ابن زيد يف قوهل﴿ :إ لنما يهر ه
الل هيلعذَ ههم بها يف احلياة ادلنيا﴾ ،باملصائب فيها ،ه هلم
يد ه
( )1ـ انظر :قواعد الرتجيح عند املفرسين لدلكتور حسني احلريب.458 :
( )2ـ رواه الرتمذي يف كتاب الزلاة ،باب ما جاء يف زلاة اذلهب والورق ( ،)620وأبو داود يف كتاب الزلاة ،باب يف زلاة
السائمة ( ،)1576وابن ماجه يف كتاب الزلاة ،باب زلاة الورق واذلهب (.)1790
84
لل غ هفور حليم﴾ وهذه اآلية تدل ىلع أن املراد من قوهل﴿ :عفا ه
الل عنها﴾ ثم قال تعاىل﴿ :وا ه
برشط مقدر ،كما يف قوهل تعاىل﴿ :وإيلاي فارهبهون﴾ [ابلقرة ،]40:فتعني تقدير الرشط هنا( :مهما
يكن َشء) ،وكما يف قوهل تعاىل﴿ :ور لبك فك ِّرب﴾ [املدثر ،]3:أي كأنه قيل( :مهما َكن فال تدع
تكبريه).
واتلقييد) ،كما يف قوهل تعاىل﴿ :بلعمول يتض لم هن معىن االشرتاط ل يم الم هثم سأذكر قاعدة( :تقد ه
جر﴾ [املدثر.]5-3:الل فاعبهد﴾ [الزمر ،]66:وقال﴿ :ور لبك فك ِّرب ،وثيابك فط ِّهر ،والرجز فاه ه
ل ً ه ه
ثم سأذكر قاعدة( :تقديم المج هرور كثريا ما يعامل همعاملة الرشط) .أو بعبارة أخرى( :املجرور
ً ه ه ً ه ِّ
إذا قدم قد يفيد معىن قريبا من الرشطية) .ثم سأذكر قاعدة( :تقديم المج هرور كثريا ما يعامل
ً ه ِّ ل
همعاملة الرشط) .أو بعبارة أخرى( :املجرور إذا قدم قد يفيد معىن قريبا من الرشطية) .كما يف
قوهل تعاىل﴿ :قال فبما أغويتين ألق هعد لن ل ههم رصاطك ه
المستقيم﴾ [األعراف ،]16 :فقد قدم املجرور
ً
ىلع اعمله إلفادة معىن اتلعليل ،وهو قريب من الرشط .فإن املجرور إذا قدم قد يفيد معىن قريبا
من الرشطية.
ه ِّ ه ِّ
ثم قاعدة( :الفعالن إذا َكنا همتقاريب المعىن فلك أن تقدم وتؤخر) ،كما يف قوهل تعاىل:
ل ه ل ه
الساعة وانش لق القم هر﴾ [القمر ،]1 :وقوهل﴿ :ث لم دنا فتدىل﴾[انلجم.]8 : ﴿اقرتبت
واآلن إىل القاعدة األوىل يف هذا املبحث:
َْ َ ) َّ
وإن َما ِ َ َ َ ) َ ُ َ َ
اجلمع). ِه ملطل ِق او ال تقت ِِض ترت ِيبا وال تع ِقيبا10ـ قاعدة( :الو
الواو ـ كما تقرر دلى انلحاة ـ ه أصل حروف العطف ،أو ه ّ
أم ابلاب كما يقولون؛ وذلك
لكرثة استعماهلا من جهة ،واختصاصها بأمور ليست لغريها من جهة أخرى .وه تدل ىلع إرشاك
ً
تقييد حلصوهل برتتيب أو
ٍ اثلاين فيما دخل فيه األول مطلقا ،أو ىلع االجتماع يف الفعل من دون
معية؛ إذ قد تعطف اليشء ىلع مصاحبه ،أو ىلع سابقه ،أو ىلع الحقه ،فيه ىلع اجلملة -عند
87
ه ه
واملبدوء به يف بزيد وعمرو،
ٍ مجهور انلحاة -ملطلق اجلمع ،قال سيبويهَ( :يوز أن تقول :مررت
ً
املرور عمرو ،وَيوز أن يكون زيدا ،وَيوز أن يكون املرور وقع عليهما يف حالة واحدة ،عمرو،
ً
وَيوز أن يكون زيدا ،وَيوز أن يكون املرور وقع عليهما يف حالة واحدة ،فالواو جتمع هذه
األشياء ىلع هذه املعاين) (.)1
ه
غري أنها -إذا لم ترصف إىل أي من هذه املعاين ،وانتفت معها القرائن املحددة هلذا املعىن أو
ً ً
ذاك -تصري املعية فيها راجحة ،والرتتيب كثريا ،وعكسه قليال ،كما يرى ابن مالك.
وإذا َكن هذا هو حال الواو يف األصل ،فإن من انلحاة من ذهب إىل أنها قد خترج عن هذا
األصل ادلاليل إىل استعمال آخر تنوب فيه عن غريها من حروف العطف ،خاصة حرِف العطف
(أو) ،والفاء .وه ذا هو موضوع حديثنا يف هذا املبحث؛ حيث نتعرض دلراسة هذا انلوع من
اتلحول يف داللة الواو ،ومدى صحة ُميئها نائبة يف املعىن عن هذين احلرفني ،ومدى ثبوته يف
انلص القرآين (.)2
واختلف العلماء يف الواو العاطفة ىلع ماذا تدل؟ وهلم يف ذلك أقوال:
األول :أنها تدل ىلع مطلق اجلمع من غري أن تدل ىلع املعية أو الرتتيب ،فيه تدل ىلع اجلمع
ً
بني املعطوف واملعطوف عليه ،وال تدل ىلع أنهما معا بالزمان أو أن أحدهما قبل اآلخر ،ولكن
ً ً
هذا ال ينايف احتمال أن يكون ذلك وقع منهما معا أو مرتبا ىلع حسب ما ذكرا به ،فال يفهم َشء
من ذلك من ُمرد الواو العاطفة.
وهذا قول اجلمهور من أئمة العربية واألصول والفقه ونص عليه سيبويه يف مواطن من كتابه،
ونقل أبو يلع الفاريس اتفاق أئمة العربية عليه ،وفيه نظر.
ً
والقول اثلاين :أن الواو تفيد الرتتيب مطلقا ،سواء َكنت اعطفة يف املفردات أو يف اجلمل ،وهو
قول بعض الكوفيني منهم ثعلب وابن درستويه حاكه عنهم مجاعة من انلحاة.
ً
والقول اثلالث :أن الواو للجمع بقيد املعية ،فإذا استعملت يف غري ذلك يكون ُمازا (.)3
( )1ـ عدد من ابلاحثني يشككون يف صحة نسبة الكتاب للطرباين .وأسلوب الكتاب يتلف عن أسلوب الطرباين وعن
الطريقة الشائعة يف اتلأيلف يف ذلك العرص .وِف هذا الرابط الكم عن ذلك:
. http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=83331
ه ل
انلبيِّني من َعده﴾ [النساء.]163 :
وح و ل
( )2ـ تفسري القرآن العظيم عند قوهل تعاىل﴿ :إنا أوحينا إيلك كما أوحينا إىل ن ٍ
( )3ـ رواه الزبار يف مسنده ( ،)9518والطربي يف تهذيب اآلثار ( )2768يف حديث طويل وفيه أن الل تعاىل قال هل صَّل
ً ً
انلبيِّني خلقا ،وآخر ههم َعثا).
الل عليه وسلم( :وجعلتهك أ لول ل
ه
انلب ِّيني يف اخللق وآخر ههم يف (كن ه
ت أ لول ل ورواه الطرباين يف مسند الشاميني ( ،)2662وتمام يف فوائده ( )1003بلفظ:
ابلعث).
قال احلافظ ابن كثري يف تفسريه بعد أن ذكر هذا احلديث( :سعيد بن بشري فيه ضعف .وقد رواه سعيد بن أ يب عروبة،
ً ً
عن قتادة مرسال وهو أشبه .ورواه بعضهم عن قتادة موقوفا ،والل أعلم) .تفسري القرآن العظيم .383 :6
( )4ـ تفسري السمعاين .261 :4
92
ً
7ـ وعند قوهل تعاىل﴿ :وإذ قتلتهم نفسا﴾ [ابلقرة ] 72 :قال اإلمام الشولاين( :قيل :إن قصة ذبح
ً ه ل ل
ابلقرة املذكورة هنا مقدم يف اتلالوة ،ومؤخر يف املعىن ،ىلع قوهل تعاىل﴿ :وإذ قتلتم نفسا﴾ [ابلقرة:
ً ل ً
] 72وَيوز أن يكون قوهل﴿ :قتلتهم﴾ مقدما يف الْنول ،ويكون األمر باذلبح مؤخرا ،وَيوز أن
يكون ترتيب نزوهلا ىلع حسب تالوتها ،فكأن الل أمر بذبح ابلقرة حىت ذحبوها ،ثم وقع ما وقع
من أمر القتل ،فأمروا أن يرضبوه ببعضها هذا ىلع فرض أن الواو تقتض الرتتيب ،وقد تقرر يف
علم العربية أنها ملجرد اجلمع ،من دون ترتيب ،وال معية) (.)1
8ـ وعند قوهل تعاىل﴿ :يامري هم اقنهيت لر ِّبك واس هجدي واركيع مع ل
الراكعني﴾ [آل عمران ]43 :قال
ً
أيضا( :وقدم السجود ىلع الركوع لكونه أفضل ،أو لكون صالتهم ال ترتيب فيها ،مع كون الواو
ملجرد اجلمع بال ترتيب) (.)2
ه ه ه ه ه ه ه ل
9ـ وعند قوهل تعاىل﴿ :فاذلين هاج هروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا يف سبييل وقاتلوا وقتلوا
ً ه
ألدخل لن ههم ج لنات جتري من حتتها األنه ه ه ِّ ل ه ِّ
ار﴾ [آل عمران ]195 :قال أيضا( :وقرأ ٍ و م هات ئ ألكفرن عنهم سي
ه ه ه ِّ ه
ابن كثري وابن اعمر :وقتلوا ىلع اتلكثري ،وقرأ األعم ومحزة والكسايئ :وقتلوا وقاتلوا وهو مثل
قول الشاعر:
تصاىب وأمىس عاله الكرب أي :قد عاله الكرب ،وأصل الواو :ملطلق اجلمع بال ترتيب ،كما قال
به اجلمهور .واملراد هنا :أنهم قاتلوا وقتل بعضهم ،كما قال امرؤ القيس:
ه ه ()3 ه ه ِّ
فإن تقتهلونا نقتلكم
ه ه ه
وقرأ عمر بن عبد العزيز :وقتلوا وقتلوا (.)4
ً ه
10ـ وِف تفسري اإلمام الرازي( :قال تعاىل يف سورة ابلقرة﴿ :والك منها رغدا﴾ [ ]35بالواو وقال
ه
هاهنا﴿ :فالك﴾ بالفاء فما السبب فيه؟ وجوابه من وجهني :األول :أن الواو تفيد اجلمع املطلق
حتسب أن عطف مجل ىلع مجلة الصلة يقتض لزوم اجتماع ل [اتلوبة ]29:قال اإلمام ابن اعشور( :وال
تلك الصالت للك ما صدق عليه اسم املوصول ،فإن الواو ال تقيد إال مطلق اجلمع يف احلكم،
اجلمع يف احلكم املعطوف فيه ،فهم عرفوا الل بأنه رب هذين الرجلني؛ فحيك الكمهم بما يدل
ِّ ل ه
ىلع ذلك؛ إال ترى أنه حيك يف سورة األعراف [ ]121قول السحرة﴿ :قالوا آمنا برب العالمني﴾ ،ولم
ُيك ذلك هنا ،ألن حاكية األخبار ال تقتض اإلحاطة جبميع املحيك وإنما املقصود موضع العربة
يف ذلك املقام حبسب احلاجة) (.)2
ِّ ِّ
ذكر الشيخ حممد األمني 15ـ وعند قوهل تعاىل﴿ :إين همتوفيك وراف هعك إ ليل﴾
[آل عمران]55 :
ً ل
الشنقيطي (املتوّف 1393ه) وجه عدم داللة اآلية ىلع موت عيىس فعال ،فقال( :واجلواب عن هذا
ِّ
من ثالثة أوجه :األول :أن قوهل تعاىل ﴿ :همتوفيك﴾ [آل عمران ]55 :ال يدل ىلع تعيني الوقت ،وال يدل
ً ً
ىلع كونه قد مىض ،وهو متوفيه قطعا يوما ما ،ولكن ال ىلع أن ذلك ايلوم قد مىض .
ِّ
وأما عطفه ﴿وراف هعك إ ليل﴾ ىلع قوهل ﴿ :همتوفيك﴾ فال ديلل فيه إلطباق مجهور أهل اللسان
العريب ىلع أن الواو ال تقتض الرتتيب وال اجلمع ،وإنما تقتض مطلق الترشيك.
ل ل ل ِّ ل
صَّل ه
الل عليه وسلم (.)1218 ( )1ـ رواه مسلم يف كتاب احلج ،باب حجة انليب
( )2ـ أضواء ابليان ،133 :7ودفع إيهام االضطراب.40 :
96
ً
لكن إن قلنا« :جاءين زيد فعمرو» فزيد هو اذلي جاء أوال وتبعه عمرو؛ ألن «الفاء» تقتض
ِّ ِّ
الرتتيب ،أما «الواو» فتأيت ملطلق اجلمع وال تتعلق بكيفية اجلمع ،وسبحانه قال﴿ :إين همتوفيك
وراف هعك إ ليل﴾ هذا الرضب من اجلمع اليدل ىلع أن اتلوِف قد تم قبل الرفع ،وديللنا أن احلق سبحانه
أنزل يف القرآن آيات تدل ىلع مثل هذا ،كقوهل احلق﴿ :وإذ أخذنا من انلبيني ميثاق ههم ومنك ومن
ه
وح وإبراهيم﴾ [ األحزاب.] 7 :
ن ٍ
ً
فسبحانه أخذ امليثاق من حممد صَّل الل عليه وسلم ومجع معه سيدنا نوحا وإبراهيم ،فهل هذا
ً ً ً
اجلمع َكن قائما ىلع الرتتيب؟ ال؛ ألن نوحا متقدم جدا يف املوكب الرسايل وسبق سيدنا رسول الل
بسنوات طويلة ويفصل بينهما رسل كثريون .إذن فـ «الواو» ال تقتض الرتتيب يف اجلمع .وملاذا
جاء احلق بأمر الوفاة مع أمر الرفع؟ جاء احلق بذلك ليشعر عيىس أن الوفاة أمر مقطوع به ،لكن
الرفع ُمرد عملية مرحلية.
أو جاء قوهل احلق﴿ :إ ِّين همتوفِّيك وراف هعك إ ل
يل﴾؛ ألن اإلنسان املخلوق لل مكون ومركب من
مادة وِف داخلها الروح ،وعندما يريد احلق أن ينيه حياة إنسان ما ،فهو يقبضه بدون سبب وبدون
ً
نقض يف ابلنية ،ويموت حتف أنفه ،أما إذا ما رضب إنسان إنسانا رضبة عنيفة ىلع رأسه فاملرضوب
ً
أيضا يموت ،ألن الروح ال حتل يف جسم به عطب شديد (.)1
َُ ََ َّ ُ َ َ َ َ َ َ َ
اقّتن ب ِالفاءِ كن فِي ِه مبالغة). 11ـ قاعدة (اتلق ِديم إذا
ه ه ه
1ـ هذه القاعدة ذكرها ابن اعشور يف تفسريه عند قوهل تعاىل﴿ :وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم
وإيلاي فارهبهون﴾ [ابلقرة :]40:فقال( :واتلقديم إذا اقرتن بالفاء َكن فيه مبالغة؛ ألن الفاء كما يف
ً
هذه اآلية مؤذنة برشط مقدر ،وملا َكن هذا الرشط ال ديلل عليه إال الفاء تعني تقديره اعما حنو:
«إن يكن َشء» أو «مهما يكن َشء» كما أشار هل صاحب الكشاف يف قوهل تعاىل﴿ :ور لبك
فك ِّرب﴾ [املدثر ]3:حيث قال« :ودخلت الفاء ملعىن الرشط كأنه قيل مهما َكن فال تدع تكبريه» (.)2
فاملعىن هنا :وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم ،ومهما يكن َشء فإياي ارهبوين ،فلما حذفت
مجلة الرشط بعد واو العطف ،بقيت فاء اجلواب موايلة لواو العطف ،فزحلقت إىل أثناء اجلواب،
ً
كراهية توايل حرفني ،فقيل﴿ :وإيلاي فارهبهون﴾ [ابلقرة ،]40 :بدال عن أن يقال فارهبون.
98
ً ً ً ً
اتلقوى ،ومراد الزخمرشي بقوهل معطوفا عليه ومعطوفا العطف اللغوي أي معقبا ومعقبا به ال
العطف انلحوي ،إذ ال يستقيم هنا.
فتحصل أن يف اتلعبري عن مثل هذا االختصاص يف الكم ابللغاء مراتب أربعُ :مرد اتلقديم
ً
للمفعول حنو﴿ :إيلاك نعبه هد﴾ [الفاحتة .]5 :وتقديمه ىلع فعله العامل يف ضمريه حنو زيدا رهبته.
وتقديمه ىلع فعله مع اقرتان الفعل بالفاء حنو﴿ :ور لبك فك ِّرب﴾ [املدثر.]3 :
وتقديمه ىلع فعله العامل يف ضمريه مع اقرتان الفعل بالفاء حنو ﴿وإيلاي فارهبهون﴾ .فاثلانية
واثلاثلة والرابعة أوكد منهما) (.)1
2ـ وذكر اإلمام ابن اعشور أن الفاء مشعرة ومؤذنة برشط مقدر ،يف مواضع أخرى من تفسريه،
ه ل ل ل
الصابئني من آمن بالل وايلومانلصارى و ل
ادوا و ل فقال يف تفسري قوهل تعاىل﴿ :إن اذلين آمنهوا واذلين ه
ه ه ه ً
اآلخر وعمل صاحلا فل ههم أج هرهم عند ر ِّبهم وال خوف عليهم وال هم ُيزنون﴾ [ابلقرة( :]62 :وقوهل
ه ً
تعاىل﴿ :من آمن﴾ َيوز أن تكون ﴿من﴾ رشطا يف موضع املبتدأ ويكون ﴿فل ههم أج هرهم﴾
جواب الرشط ،والرشط مع اجلواب خرب {إن} ،فيكون املعىن إن اذلين آمنوا من يؤمن بالل منهم
ل ه
فله أجره ....ودخلت الفاء يف ﴿فل ههم أج هرهم﴾ [ابلقرة ،]62 :إما ىلع أنها تدخل يف اخلرب ...حنو﴿ :إن
ل ه ه ه ه ل ه ه ه ه ل
اذلين فتنوا المؤمنني والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم﴾ [الربوج ]10 :عند غري سيبويه.
وإما ىلع أن املوصول عومل معاملة الرشط لإليذان باتلعليل فأدخلت الفاء قرينة ىلع ذلك.
ويكون املفاد من اآلية حينئذ استثناء صاليح بين إرسائيل من احلكم ،برضب اذللة واملسكنة
والغضب من الل ويكون ذكر بقية صاليح األمم معهم ىلع هذا إشارة إىل أن هذه سنة الل يف
معاملته خلقه وُمازاته الك ىلع فعله) (.)2
ه ً ًّ ل
﴿اذلين هينف هقون أموال ههم باللليل و ل
رسا وعالنية فل ههم أج هرهم عند انلهار 3ـ وعند قوهل تعاىل:
ً ه ه
ر ِّبهم وال خوف عليهم وال هم ُيزنون﴾ [ابلقرة ]274 :قال أيضا( :وأدخل الفاء يف خرب املوصول
ً
للتنبيه ىلع تسبب استحقاق األجر ىلع اإلنفاق؛ ألن املبتدأ ملا َكن مشتمال ىلع صلة مقصود منها
اتلعميم ،واتلعليل ،واإليماء إىل علة بناء اخلرب ىلع املبتدأ ـ وه ينفقون ـ صح إدخال الفاء يف
قدم ىلع اعمله إلفادة االختصاص ،أي ال تكرب غريه ،وهو قرص إفراد ،أي دون األصنام.
ه
والواو عطفت مجلة ﴿ور لبك فك ِّرب﴾ ىلع مجلة ﴿قم فأنذر﴾ [املدثر.]2:
ً
ودخلت الفاء ىلع (ك ِّرب) إيذانا برشط حمذوف يكون (ك ِّرب) جوابه ،وهو رشط اعم إذ ال ديلل
ىلع رشط خمصوص.
( )1ـ رواه ابلخاري يف كتاب األدب ،باب ال َياهد إال بإذن األبوين ( ،)5972ومسلم يف كتاب الرب والصلة واآلدب،
باب بر الوادلين وأنهما أحق به (.)6668
( )2ـ اتلحرير واتلنوير .295 :29
101
قال يف «الكشاف» دخلت الفاء «ملا يف الالكم من معىن الرشط؛ ألن املعىن إما ال فليعبدوه
إليالفهم» ( ،)1أي أن نعم الل عليهم ال حتَص فإن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه هلذه الواحدة
اليت ه نعمة ظاهرة اه) (.)2
ً ً
7ـ وكذلك هنا آيتان يف األوىل﴿ :ومن تط لوع خريا﴾ ،وِف اثلانية﴿ :فمن تط لوع خريا﴾ ،قال
الصفا والمروة من شعائر الل فمن ح لج ابليت أو اعتمر فال هجناح عليه أن ي لط لوف تعاىل﴿ :إ لن ل
ً ل
بهما ومن تط لوع خريا فإن الل شاكر عليم﴾[ .ابلقرة.]158 :
ل ه ل ِّ ً ه ل ل ً ل ه
ات فمن َكن منكم مريضا أو ىلع سف ٍر فعدة من أيلامٍ أخر وىلع اذلين وقال﴿ :أياما معدود ٍ
ه ه
وموا خري لكم إن كنتهم ام مسكني فمن تط لوع خريا ً ف ههو خري ل ههل وأن ت هص ه يقون هه فدية طع ه ه ه
يط
ٍ
تعل همون﴾ [ابلقرة.]184 :
قال ادلكتور فاضل السامرايئ:
(ملاذا قال يف األوىل﴿ :ومن تط لوع﴾ وِف اثلانية﴿ :فمن تط لوع﴾؟
ً
األوىل يف احلج والعمرة﴿ :ومن تط لوع خريا﴾ أي من جاء بعبادة أخرى بطواف ،حبج ،بعمرة،
بعبادة أخرى وليس نفس العبادة .يف اآلية اثلانية يف الصيام قال﴿ :فمن تط لوع﴾ كيف يتطوع؟
يزيد يف الفدية يف نفس املسألة وِف نفس الطاعة ليست طاعة مستحدثة ألن هذه فدية .كيف
يتطوع أكرث؟ ماكن مسكني مسكينان .تلك عبادة أخرى مستحدثة أما هذه فنفس العبادة ذلا
جاءت واحدة بالواو واثلانية بالفاء.
ً ه ه ًّ ه ه ل
اآلية األخرى﴿ :اذلين يهنفقون أموال ههم يف سبيل الل ث لم ال يهتب هعون ما أنفقوا منا وال أذى ل ههم
ل ه ه ه ل ه ه ه
أج هرهم عند ر ِّبهم وال خوف عليهم وال هم ُيزنون) [ابلقرة﴿ ،]262 :اذلين ينفقون أموالهم بالليل
ه ه ه ً ًّ
رسا وعالنية فل ههم أج هرهم عند ر ِّبهم وال خوف عليهم وال هم ُيزنون﴾ [ابلقرة.]274 : و ل
انلهار
ملاذا جاء بالفاء يف اثلانية دون األوىل؟ الفاء واقعة يف جواب اسم املوصول وهنا االسم املوصول
ّ
مشبه بالرشط.
يشبه بالرشط بضوابط ،فتقرتن الفاء يف جوابه كما تقرتن جبواب الرشطواسم املوصول أحيانا ً ل
ً
( )1ـ هذا احلديث ال يصح مرفواع إىل انليب عليه الصالة والسالم ،ذكره الفتين يف (تذكرة املوضواعت) ،182 :وقال :يف
سنده انقطاع وواضع ههو ُييا بن هاشم ،وهل طريق فيه ُماهيل .وقال الشولاين يف (الفوائد املجموعة يف األحاديث
ل
املوضوعة) :210 :يف إسناده :وضاع .وفيه :انقطاع.
( )2ـ اتلحرير واتلنوير .418 :30
عمول يتض لم هن معىن االشرتاط ل
واتلقييد). يم الم ه
( )3ـ سبق خترَيه يف القاعدة السابقة( :تقد ه
104
ً
هذا اتلقديم منافسا تلصدير الم القسم يف مجلتها ،ىلع أنا ال نلزتم ذلك فقد خولف يف كثري من
الكم العرب) (.)1
ً ه ل ه ه
2ـ وعند قوهل تعاىل﴿ :فذللك فادع واستقم كما أمرت وال تتبع أهواءهم﴾ [ابلقرة ]61 :قال أيضا:
(والفاء يف قوهل﴿ :فادع﴾ [ابلقرةَ ،]61 :يوز أن تكون مؤكدة لفاء اتلفريع اليت قبلها ،وَيوز أن
تكون مضمنة معىن اجلزاء ملا يف تقديم املجرور من مشابهة معىن الرشط كما يف قوهل تعاىل:
﴿فبذلك فليفر هحوا﴾ [يونس.)2( )]58 :
ه ه ه
الل الر هسل فيقول ماذا أجبتهم﴾ [املائدة ]109 :قال( :فقوهل﴿ :يوم
3ـ وعند قوهل تعاىل﴿ :يوم َيم هع ه
َيم هع﴾ ظرف ،واألظهر أنه معمول لعامل حمذوف يقدر بنحو:اذكر يوم َيمع الل الرسل ،أو يقدر
هل اعمل يكون بمْنلة اجلواب للظرف؛ ألن الظرف إذا تقدم يعامل معاملة الرشط يف إعطائه
ً
جوابا.
وقد حذف هذا العامل تلذهب نفس السامع ك مذهب ممكن من اتلهويل ،تقديره يوم َيمع
ً
الل الرسل يكون هول عظيم ال يبلغه طول اتلعبري فينبيغ طيه .وَيوز أن يكون متعلقا بفعل،
ه
﴿قالوا ال علم نلا ﴾..إ لخ ،أي أن ذلك الفعل هو املقصود من اجلملة املستأنفة .وأصل نظم
الالكمَ:يمع الل الرسل يوم القيامة فيقول الخ.فغري نظم الالكم إىل األسلوب اذلي وقع يف اآلية
لالهتمام باخلرب ،فيفتتح بهذا الظرف املهول ويلورد االستشهاد يف صورة املقاولة بني الل والرسل.
ل ه واملقصود من الالكم هو ما يأيت بقوهل﴿ :وإذ قال ه
الل يا عيىس اَن مريم أأنت قلت للناس﴾
[املائدة ]116:وما بينهما اعرتاض .ومن ابلعيد أن يكون الظرف متعلقا بقوهل﴿ :ال يهدي القوم
الفاسقني﴾ [املائدة ]108:ألنه ال جدوى يف نف اهلداية يف يوم القيامة ،وألن جزالة الالكم تناسب
استئنافه ،وألن تعلقه به غري واسع املعىن.
له
ومثله قول الزجاج:إنه متعلق بقوهل﴿ :واتقوا الل﴾ [املائدة ]108:ىلع أن ﴿يوم﴾ مفعول ألجله،
له
وقيل :بدل اشتمال من اسم اجلاللة يف قوهل﴿ :واتقوا الل﴾ [املائدة ]108:ألن مجع الرسل مما يشتمل
108
وه ب هغالمٍ عليم .فأقبلت امرأته هه يف ل
رص ٍة ىلع الرتتيب واتلعقيب يف قوهل تعاىل﴿ :قالهوا ال ختف وب ل ه
رش ه
ٍ
ل
فصكت وجهها وقالت ع هجوز عقيم﴾ [اذلاريات ،]29 -28 :مع أن القصة يف السورتني واحدة) (.)1
وأنتقل إىل املبحث الرابع من الفصل اثلاين :قواعد اتلقديم واتلأخري عند املفرسين.
( )1ـ باختصار من مقال( :نيابة الفاء عن الواو) ،لدلكتور حجاج أنور عبد الكريم ،يف موقع األلوكة ،وهذا رابط املقال:
. /http://www.alukah.net/literature_language/0/81936
109
املبحث الرابع :قواعد يف أغراض اتلقديم واتلأخري
يف هذا املبحث سأكمل القواعد املتعلقة باتلقديم واتلأخري عند املفرسين ،وسأذكر يف هذا
ً ً ه ل ه ه ه
انلفس ترقبا ل هو هروده ،وتشوقا إيله) .
ث ل املبحث ست قواعد ،أوهلا( :تأخ ه
ري ما حقه اتلقديم يور
ه ً ِّ ه ه ل
ب طلبه ٍ ل ط د المقدم يتض لم هن جوابا لر اتلقديم :كونثم سأذكر قاعدة( :من هموجبات ل
ه
المخاطب).
ه ه (اتلقد ه
ثم قاعدة :ل
يم ال يكون ألجل الفاصلة فقط) ،حيث يظهر يف هذه القاعدة أن اتلقديم
هل أغراض عدة ،وال يصح أن يكون سببه هو ُمرد مرااعة الفاصلة .فاتلقديم أو اتلأخري يف القرآن
إنما هو ملرااعة املعىن قبل أن يكون ملرااعة اللفظ؛ ألن مرااعة (املعىن) هو األساس وليس
(اللفظ) ،والالكم ابلليغ ال يل بـ(املعىن) ىلع حساب (اللفظ) ،بل َيمع بني مجال (املعىن)
و(اللفظ) ،فكيف بالقرآن أبلغ الالكم!
ثم قاعدة( :تقد ه
يم اجل همل عن مواضع تأخريها تلوفري املعاين).
ل
فر لبما قدم الل يف موضع ماري الختالف املقام) .ه واتلأخ ه
يم ل ثم سأذكر قاعدة( :قد يتل هف ل
اتلقد ه
ل ل ل
أخره يف موضع آخر ،أو أخر يف آية ما قدمه يف آية أخرى ،وذلك الختالف املقام بني اآليتني .فتمام
ً
ابلالغة وابليان يف هذا أن يتلف اتلقديم واتلأخري مرااعة للمقام والسياق اذلي جاء الالكم
ألجله.
ّ ه ل ه ل
ويؤخ هر األجَّل) .كما يف قوهل تعاىل يف ثم سأذكر قاعدة( :يف مقام االستدالل يقد هم اجليل
ه ه
االحتجاج ىلع بطالن عبادة املرشكني لغري الل﴿ :قل أرأيتهم ما تد هعون من دون الل أ هروين ماذا
ه ه
اب من قبل هذا أو أثار ٍة من عل ٍم إن كنتهم ه ل ه
خلقوا من األرض أم لهم رشك يف السموات ائتوين بكت ٍ
ه
صادقني﴾ [األحقاف .]4 :فقد بدأ بذكر األرض فقال﴿ :أ هروين ماذا خلقوا من األرض﴾ فبدأ باألمر
ل
ترّق إىل األمر األجَّل واألوضح فقال﴿ :أم ل ههم رشك يف ل
السموات﴾ ،فال يمكن هلم أن اجليل ،ثم
ل ً ل ل
يدعوا أن هلم رشَك يف السموات ،فاكن ذلك أوضح يف ادلاللة ىلع بطالن عبادتهم ،فأخر األجَّل
ً ً
يلكون ذلك حاسما وقاطعا جلداهلم والل أعلم.
ً
وأبدأ مستعينا بالل تعاىل بذكر القاعدة األوىل يف هذا املبحث:
110
ََ ) َ َ ُ َ َ ُ َّ ُ ُ ُ ْ َ َ )
ورث انلَّفس ت َرقبا ل ِ ُو ُرو ِده ،وتشوقا إيله).
خري ما حقه اتلق ِديم ي ِ
15ـ قاعدة( :تأ ِ
ل
1ـ هذه القاعدة ذكرها اإلمام أبو السعود (املتوّف 982ه) يف تفسريه فقال عند قوهل تعاىل:
ك هم االرض فراشاً﴾ [ابلقرة( :]22 :وجعل بمعىن ل ه ل
صري ،واملنصوبان بعده مفعواله، ﴿اذلي جعل ل
ه ه
وانتصاب اثلاين ىلع احلايلة والظرف متعلق به ىلع اتلقديرين. وقيل :ه بمعىن خلق،
ه ل ه
املرسة ببيان كون ما يعقبه من منافع املخاطبني، وتقديمه ىلع املفعول الرصيح تلعجيل
ً ه
اتلقديم ال سيما عند اإلشعار بمنفعته تبىق مرتقبة وللتشويق إيله ،ألن انلفس عند تأخري ما حقه
ل ه
هل ،فيتمكن دليها عند وروده عليها فضل تمكن ،أو ملا يف املؤخر وما عطف عليه من نوع طول.
ه
جتاوب أطراف انلظم الكريم) (.)1 فلو قدم لفات
ه ً
عذاب انلار 2ـ وعند قوهل تعاىل﴿ :ول ههم يف اآلخرة عذاب عظيم﴾ [ابلقرة ]114 :قال أيضا( :وهو
ً
ه
وتقديم الظرف يف املوضعني للتشويق ملا أن سببه أيضا وهو ما هحيك من ظلمهم كذلك يف العظم،
ه
اتلقديم موجب تلوجه انلفس إىل ما يذكر بعده من اخلزي والعذاب ملا مر من أن تأخري ما حقه
لك صدرك﴾ [الرشح: تمكن كما يف قوهل تعاىل﴿ :ألم نرشحٍ إيله فيتمكن فيها عند وروده فضل
كم ّمن االنعام ثمانية أزواج﴾ [الزمر ]6 :إىل غري ذلك) (.)2 ه
﴿ ،]1وأنزل ل
ً ً ً
ه
صنعه الل مثال قرية﴾ [انلحل ]112 :قال أيضا( :قيل :رض هب املثل 3ـ وعند قوهل تعاىل﴿ :ورضب ه
ّ ه ه
واحد وإنما هعدي الثنني
ٍ مفعول إىل إال ى يتعد وال ، ابلقرة سورة يف ه حتقيق ل
مر وقد ، واعتماهل
ه ً ً ً ه
وتأخري قرية مع كونها مفعوال أوال َلال ُيول املفعول اثلاين بينها وبني تلضمينه ( )3معىن اجلعل،
( )1ـ إرشاد العقل السليم إىل مزايا الكتاب الكريم .61 :1
( )2ـ إرشاد العقل السليم إىل مزايا الكتاب الكريم .149 :1
( )3ـ اتلضمني :هو إرشاب لفظ معىن لفظ آخر فيهعطى هحكمه ه
ويعامل معاملته .أو إيقاع لفظ موقع غريه تلضمنه معناه.
وفائدته :أن تؤدي لكمة همؤدى لكمتني.
ً
قال الزركيش يف الربهان( :اتلضمني وهو إعطاء اليشء معىن اليشء تارة يكون يف األسماء وِف األفعال وِف احلروف،
ه ً ً
فأما يف األسماء ،فهو :أن تضمن اسما معىن اسم إلفادة معىن االسمني مجيعا ،كقوهل تعاىل﴿ :حقيق ىلع أن ال أقول ىلع
ل
الل إال احل لق﴾ [األعراف .]105 :ضمن حقيق معىن حريص ،يلفيد أنه حمقوق بقول احلق وحريص عليه.
ً ً ه
وأما األفعال فأن تضمن فعال معىن فعل آخر ويكون فيه معىن الفعلني مجيعا ،وذلك بأن يكون الفعل يتعدى حبرف
ً
فيأيت متعديا حبرف آخر ليس من اعدته اتلعدي به ،فيحتاج إما إىل تأويله أو تأويل الفعل يلصح تعديه به.
واختلفوا أيهما أوىل ،فذهب أهل اللغة ومجاعة من انلحويني إىل أن اتلوسع يف احلرف ،وأنه واقع موقع غريه من احلروف
أوىل.
111
وذهب املحققون إىل أن اتلوسع يف الفعل وتعديته بما ال يتعدى تلضمنه معىن ما يتعدى بذلك احلرف أوىل؛ ألن اتلوسع
ه
يف األفعال أكرث ،مثاهل قوهل تعاىل﴿ :يرش هب بها عباد الل﴾ [اإلنسان .]6 :فضمن يرشب معىن يرتوي؛ ألن (يرشب) ال
يتعدى بابلاء ،فلما تضمن (يرشب) معىن (يرتوي) دخلت ابلاء ،وإال فيرشب يتعدى بنفسه ،فأريد باللفظ :الرشب
ً
والري معا ،فجمع بني احلقيقة واملجاز يف لفظ واحد.
ً
وقيل :اتلجوز يف احلرف وهو ابلاء فإنها بمعىن (من) ،وقيل :ال ُماز أصال ،بل العني هاهنا إشارة إىل املاكن اذلي ينبع
منه املاء ال إىل املاء نفسه) .الربهان .338 :3
والغرض من اتلضمني هو اإلَياز مع إفادة أكرث من معىن.
والقرينة اليت تدل عليه ه :تعدية الفعل باحلرف وهو يتعدى بنفسه ،أو تعديته بنفسه وهو يتعدى باحلرف ،أو تعديته
بغري حرفه املعتاد ،أو يتعدى ملفعول واحد عداه ملفعولني ،أو يتعدى ملفعولني عداه لواحد ،أو الزم عداه ،أو متعد جعله
ً
الزما .انظر :اتلضمني انلحوي يف القرآن الكريم .115 :1
ومن األمثلة ىلع اتلضمني:
ً ً قوهل تعاىل﴿ :فاستب هقوا ِّ
الرصاط﴾ [يس ،]66 :ضمن (استبق) معىن (ابتدر) فصار متعديا بعد أن َكن الزما.
ً
وقوهل﴿ :وقال اركبهوا فيها﴾ [هود ،]41 :تضمن معىن (دخل) فتعدى باحلرف بعد أن َكن معديا بنفسه.
ً ل
وقوهل﴿ :أال إن اعدا كف هروا ر لب ههم﴾ [هود ،]60 :أي كفروا بربهم ىلع تضمني (جحدوا) فتعدى بنفسه بعد أن َكن
ً
متعديا حبرف اجلر.
انلاس تهوي إيلهم﴾ [إيراهيم ،]37 :يعين تهوي هلم ،فتضمن (تهوي) معىن (تميل) فتعدى وقوهل﴿ :فاجعل أفئد ًة من ل
ً
بإىل بعد أن َكن متعديا بالالم.
ً ه
الل مائة اعمٍ ث لم َعث هه﴾ [ابلقرة ،]259 :تضمن (أمات) معىن (أبلث) ،أي أبلثه الل مائة اعم مماتا ،قال
وقوهل﴿ :فأمات هه ه
ه
بأماته ،وذلك ممتنع مع بقائه ىلع معناه الوضيع؛ ألن اإلماتة سلب احلياة وه ال ابن هشام :فإن املتبادر انتصاب مئة
ه ه ل ه
أبلثه ،فكأنه قيل :فأبلثه الل باملوت مئة اعم ،وحينئذ يتعلق به الظرف بما فيه أماته معىن يضمن والصواب :أن تمتد،
من املعىن العارض هل باتلضمني ،أي معىن اللبث ال معىن اإلبلاث ،ألنه َكإلماتة يف عدم االمتداد ،فلو صح ذلك لعقلناه
ً بما فيه من معناه الوضيع ،ويصري هذا اتلعلق بمْنتله يف قوهل تعاىل﴿ :قال بلث ه
ت يوما أو َعض يومٍ قال بل بلثت مائة
اعمٍ ﴾ [ابلقرة.]259 :
وقوهل﴿ :كذلك وز لوجن ه
اهم حبهور عني﴾ [ادلخان ،]54 :ل
زوج يتعدى إىل مفعولني ،وعدي إىل اثلاين بابلاء ،تلضمنه معىن ٍ ٍ
(قرناهم).
ً ً ً ً الل هوقوهل﴿ :وف لضل ه
المجاهدين ىلع القاعدين أجرا عظيما﴾ [النساءَ ،]95 :يوز يف (أجرا) أن يكون مفعوال به ىلع
ل
تضمني (فضل) معىن (منح).
ه ل ل
وتضمني فعل الظن معىن فعل ايلقني يف األمور املحققة قال تعاىل﴿ :اذلين ي هظنون أن ههم همالقو ر ِّبهم﴾ [ابلقرة ،]46 :و
ل ل ه ه ل ل
ود أنما فتن هاه﴾ [ص ]24 :و﴿وظنوا ما ل ههم انلار فظنوا أن ههم همواق هعوها﴾ [الكهف ،]53 :و﴿وظن داو
المجر همون ل﴿ورأى ه
ل
قال الراغب :الظن مرتدد بني ايلقني والشك ،فمىت ريئ إىل ايلقني أقرب استعمل مع أن املشددة ،ومىت رأي إىل الشك
أقرب استعمل مع أن املخففة حنو :ظننت أن يرج.
ه ل
﴿اذلين إذا اكتالهوا ىلع ل
انلاس يستوفون﴾ [املطففني ،]2 :فذهب بعضهم إىل أن ىلع هنا بمعىن (من) ،وذهب وقوهل تعاىل:
ابلرصيون يف هذا إىل اتلضمني ،أي :إذا (حكموا) ىلع انلاس يف الكيل.
وقوهل تعاىل﴿ :وال تع هد عيناك عن ههم﴾ [الكهف ،]28 :قال الزخمرشي :أي وال (تقتحم) عيناك ُماوزتني إىل غريهم.
وقوهل تعاىل﴿ :وال تأ هكلهوا أموال ههم إىل أموال ه
كم﴾ [النساء ،]2 :أي وال (تضموها) إيلها آكلني.
ه ه ل ل
ني ىلع هملك هسليمان﴾ [ابلقرة ،]102 :أ ِّولت اآلية ىلع تضمني تتلو معىن( :تتقول).
الشياط ه وقوهل تعاىل﴿ :واتب هعوا ما تتلو
ث إىل نسائ ه ل ه كم يللة ِّ وقوهل تعاىل﴿ :أهح لل ل ه
كم﴾ [ابلقرة ،]187 :ضمن الرفث معىن اإلفضاء ،فعدي بإىل مثل: الصيام الرف
﴿وقد أفىض َع هض ه
كم إىل َع ٍض﴾ [النساء ،]21 :وإنما أصل الرفث أن يتعدى بابلاء ،يقال :أرفث فالن بامرأته.
وقوهل تعاىل﴿ :ونرصن هاه من القوم﴾ [األنبياء ،]77 :قيل أن (من) مرادفة (ىلع) ،وقيل :ىلع اتلضمني ،أي منعناه منهم
ل
بانلرص.
وأمثلة اتلضمني كثرية يف القرآن الكريم .يهنظر :مغين اللبيب 260 :1و ،121 :1واجلىن ادلاين يف حروف املعاين للمرادي:
،81والربهان .338 :3واتلضمني انلحوي يف القرآن الكريم .177 :1
( )1ـ إرشاد العقل السليم إىل مزايا الكتاب الكريم .145 :5
113
هّ إن اجلعل متعد إىل مفعولني ثانيهما هل
أحد الظرفني ىلع أنه مستقر قدم ىلع األول هذا وقد قيل
ً ه
والظرف اآلخ هر إما لغو متعلق باجلعل أو باملحذوف الواقع حاال من املفعول األول كما مر.
ً ً ٌّ
وأنت خبري بأنه ال فائدة معتد بها يف اإلخبار جبعل املعاي حاصلة هلم أو حاصلة يف األرض)
(.)1
ه ل ه ِّ ه ه ل
5ـ وعند قوهل تعاىل﴿ :أحل لكم يللة الصيام الرفث إىل نسائكم﴾ [ابلقرة ]187 :قال الشيخ
ه ه ّ ل
إسماعيل حق بن مصطىف اإلستانبويل احلنف (املتوّف 1127ه)﴿ :أحل لكم﴾ تقديم الظرف ىلع
القائم مقام الفاعل للتشويق فإن ما حقه اتلقديم إذا أخر تبىق انلفس مرتقبة إيله فيتمكن
عندها وقت وروده فضل تمكن (.)2
ً ً ل ه 6ـ وعند قوهل تعاىل﴿ :أنزل من ل
السماء م ً
السيل زبدا راَيا اء فسالت أودية بقدرها فاحتمل
ل تاع زبد مثله هه كذلك يرض هب ه
الل احل لق وابلاطل فأما وم لما يهوق هدون عليه يف ل
انلار ابتغاء حلي ٍة أو م ٍ
ه ه ه ه ه ل ه ه ً ل ل ه
الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع انلاس فيمكث يف األرض كذلك يرضب الل األمثال﴾ [الرعد]17 :
هه قال الشيخ ابن اعشور( :مجلة ﴿وم لما يهوق هدون عليه يف ل
انلار ابتغاء حلي ٍة أو م ٍ
تاع زبد مثله﴾
ً ل
الزب هد﴾ إلخ .وهذا تمثيل آخر ،ورد استطرادا عقبأما ل معرتضة بني مجلة ﴿فاحتمل﴾ إلخ ومجلة ﴿ف
ذكر نظريه ،يفيد تقريب اتلمثيل لقوم لم يشاهدوا سيول األودية من ساكن القرى ،مثل أهل مكة
وهم املقصود ،فقد َكن هلم يف مكة صواغون كما دل عليه حديث اإلذخر.
فقرب إيلهم تمثيل عدم انتفاعهم بما انتفع به غريهم بمثل ما يصهر من اذلهب والفضة يف
ً
ابلواتق ،فإنه يقذف زبدا ينتف عنه وهو اخلبث ،وهو غري صالح ليشء يف حني صالح معدنه
ً
الختاذه حلية أو متااع.
ري خبث احلديد) ( ،)3فالالكم من قبيل تعدد التشبيه القريب، وِف احلديث (كما ينف الك ه
ل
ب من السماء﴾ [سورة
كقوهل تعاىل﴿ :مثله ههم كمثل لاذلي استوقد نارا ً﴾ [ابلقرة ،]17 :ثم قوهل﴿ :أو كص ِّ
ي
ٍ
ابلقرة.]19 :
وأقرب إىل ما هنا قول بليد:
( )1ـ إرشاد العقل السليم إىل مزايا الكتاب الكريم .214 :3
( )2ـ روح ابليان .244 :1
( )3ـ رواه ابلخاري يف كتاب فضائل املدينة ،باب فضل املدينة وأنها تنف انلاس ( ،)1871ومسلم يف كتاب احلج ،باب
املدينة تنف رشارها (.)1382
114
هل ...ك هدخان همشعلة يشب رض ه
امها ري ظال ه ه
فتنازاع سبطا ً يط ه
ٍ
ه ()1
ار ساط ٍع أسنامهان انخدمش همولة هغلثت بنابت عرفج ...ك ه
ٍ ٍ ٍ
هه
وأفاد ذلك يف هذه اآلية قوهل﴿ :زبد مثله﴾.
ً
وتقديم املسند ىلع املسند إيله يف هذه اجلملة لالهتمام باملسند ألنه موضع اعتبار أيضا ببديع
صنع الل تعاىل إذ جعل الزبد يطفو ىلع أرق األجسام وهو املاء وىلع أغلظها وهو املعدن فهو ناموس
من نواميس اخللقة .فباتلقديم يقع تشويق السامع إىل ترقب املسند إيله) (.)2
ً 7ـ وعند قوهل تعاىل﴿ :إ لن لل هم لتقني عند ر ِّبهم ج لنات ل
انلعيم﴾ [القلم ]34:قال أيضا:
(وتقديم املسند ىلع املسند إيله لالهتمام بشأن املتقني ليسبق ذكر صفتهم العظيمة ذكر
جزاءها.
والالم لالستحقاق .و﴿عند﴾ ظرف متعلق بمعىن الكون اذلي يقتضيه حرف اجلر ،وذللك
قدم متعلقه معه ىلع املسند إيله ألجل ذلك االهتمام.
وقد حصل من تقديم املسند بما معه طول يثري تشويق السامع إىل املسند إيله) (.)3
ً ً ل
وهكذا يتبني أن تأخري ما حقه اتلقديم يهورث انلفس ترقبا لوروده ،وتشوقا إيله.
َ ْ ُ ُ َ َّ ِ َ َ َ َّ ُ َ َ ) َ ر َ َ َ َ َ ُ ُ َ َ 16ـ قاعدةِ ( :م ْن ُموج َبات اتلَّ
ب طلبه المخاطب) ٍ لط در ِ ل اباو ج نم ض ت ي م دقالم ن وك :يم
ِ د
ِ ق ِ ِ
ً
هذه القاعدة ذكرها اإلمام ابن اعشور يف تفسريه فقال عند قوهل تعاىل﴿ :أفغري الل أَتيغ حكما
اه هم الكتاب يعل همون أنل هه هم ل ه ً ل ه ه ل
ْنل من ر ِّبك باحل ِّق وهو اذلي أنزل إيلك هم الكتاب همف لصال واذلين آتين
ً ه
فال تكون لن من ال هممرتين﴾ [األنعام( :]114 :ومن موجبات اتلقديم كون املقدم يتضمن جوابا لرد
ً ه
طلب طلبه املخاطب ،كما أشار إيله صاحب الكشاف يف قوهل تعاىل﴿ :قل أغري الل أبيغ ر ّبا﴾
ً
[األنعام ]164 :يف هذه السورة .واهلمزة لالستفهام اإلنكاري :أي ظننتم ذلك فقد ظننتم منكرا.
وتقديم ﴿أفغري الل﴾ ىلع ﴿أَتيغ﴾ ألن املفعول هو حمل اإلنكار .فهو احلقيق بمواالة همزة
ً ل ه ه
االستفهام اإلنكاري ،كما تقدم يف قوهل تعاىل﴿ :قل أغري الل أختذ و ّيلا﴾ [األنعام ]14 :يف هذه
السورة) (.)4
ىلع أن وراء هذا وجوب اتباع املأثور من حتديد اآلي كما قال ابن العريب والزخمرشي ،ولكن
ذلك ال يصدنا عن حماولة ضوابط تنفع انلاظر وإن شذ عنها ما شذ.
أال ترى أن بعض احلروف املقطعة اليت افتتحت بها بعض السور قد عد بعضها آيات مثل.
﴿الم﴾﴿ .املص﴾﴿ .كهيعص﴾﴿ .عسق﴾﴿ .طسم﴾﴿ .يس﴾﴿ .حم﴾﴿ .طه﴾ .ولم تعد ألر .أملر.
طس .ص .ق .ن .آيات.
118
وآيات القرآن متفاوتة يف مقادير لكماتها فبعضها أطول من بعض وذللك فتقدير الزمان بها يف
قوهلم :مقدار ما يقرأ الق ارئ مخسني آية مثال ،تقدير تقرييب ،وتفاوت اآليات يف الطول تابع ملا
يقتضيه مقام ابلالغة من مواقع لكمات الفواصل ىلع حسب ما قبلها من الالكم) (.)1
وقال( :ولان لفصاحة ألفاظه وتناسبها يف تراكيبه وترتيبه ىلع ابتاكر أسلوب الفواصل العجيبة
املتماثلة يف األسماع ،وإن لم تكن متماثلة احلروف يف األسجاعَ ،كن ذللك رسيع العلوق
باحلوافظ ،خفيف االنتقال والسري يف القبائل ،مع كون مادته وحلمته ه احلقيقة دون املبالغات
الاكذبة واملفاخرات املزعومة.
فاكن بذلك هل صولة احلق وروعة لسامعيه ،وذلك تأثري روحاين وليس بلفظي وال معنوي.
وقد رأيت املحسنات يف ابلديع جاءت يف القرآن أكرث مما جاءت يف شعر العرب ،وخاصة
ً ل ه ه
اجلناس كقوهل﴿ :وهم ُيسبهون أن ههم ُيسنهون هصنعا﴾ [الكهف.]104 :
ل ل ه له ه ه له ه
والطباق كقوهل﴿ :كتب عليه أنه من تواله فأنه يضله ويهديه إىل عذاب السعري﴾ [احلج]4:
ً ً ً ً ً
وقد ألف ابن أ يب اإلصبع كتابا يف بديع القرآن .وصار ملجيئه نرثا أدبا جديدا غضا ومتناوال
للك الطبقات.
ه ه
ولان بلالغته وتناسقه نافذ الوصول إىل القلوب حىت وصفوه بالسحر وبالشعر ﴿أم يقولون
شاعر نرت لب هص به ريب المنهون﴾ [الطور.)2( )]30:
فللنص القرآين خصوصيته املتفردة يف لكماته ومفرداته ،وِف تراكيبه ومجله ،وِف سوره وآياته،
يف نظمه ،ورسمه ،يف تقسيم اآليات ،يف فصله ووصله ،يف بالَغته وفواصله ،وِف ك ما يتعلق به.
ً
فالفواصل حتوي ألوانا إعجازية وداليلة بالغة اجلمال ،ورائقة السياق (.)3
ه ه ه ِّ ه
وعند قوهل تعاىل﴿ :لقد جيآءكم ر هسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم
ه
بال همؤمنني رؤوف لرحيم﴾ [اتلوبة ]128قال اإلمام ابلقايع( :ولكن املعاين املرادة تارة يظهرها الل
ً ً
نعاىل لعبده منحة هل وإكراما ،وتارة يفيها إظهارا لعجزه ونقصانه ثم يظهرها هل يف وقت آخر إن
ً
صدق يف اتلرضع وإظهار االفتقار واتلذلل وأدام الطلب ،أو لغريه ممن هو أقل منه علما وأضعف
( )1ـ رواه ابلخاري يف كتاب الطب ،باب الكهانة ( ،)5758ومسلم يف كتاب القسامة و ه
المحاربني والقصاص و ِّ
ادليات،
باب دية اجلنني ،ووجوب ِّ
ادلية يف قتل اخلطأ ،وشبه العمد ىلع اعقلة اجلاين (.)1682( )1681
( )2ـ ذكره الطربي يف تاريخ األمم وامللوك ،555 :2وابن اجلوزي يف تلقيح فهوم أهل األثر ،512 :وابن األثري يف الاكمل يف
اتلاريخ ،425 :2وأبو الربيع الالكيع يف االكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الل صَّل الل عليه وسلم واثلالثة اخللفاء
.596 :2
120
ً
فقد جعل الفاروق السجع قسيما للخرب ،فدل ىلع أن اتلقيد به عيب ،إلخالهل بالفائدة أو
ً
بتمام الفائدة ،ولعله إنما جوز أن يكون خمربا ألنه انفك عن السجع يف آخر الكمه ،وكرر لفظ
(قليل) فاكن ما ظنه ،ألنه لو أراد السجع ألمكنه أن يقول والكثري بها ذيلل ،والقليل بها ضائع
لكيل ،وما وراءها رش منها بأقوم قيل؛ وقد نىف سبحانه عن هذا القرآن املجيد تصويب انلظر إىل
ً ه ه
السجع كما نىف عنه الشعر فإنه تعاىل قال﴿ :وما هو بقول شاع ٍر قليال ما تؤم هنون .وال بقول َكه ٍن
ً ل ً
قليال ما تذك هرون﴾ [ احلاقة 41 :ـ ]42فكما أن قول الشاعر إتيانه بالالكم موزونا ،فكذلك قول الاكهن
ً
إتيانه بالالكم مسجواع والقرآن ليس من هذا وال من هذا.
وإن وقع فيه ك من األمرين فغري مقصود إيله وال معول عليه ،بل لكون املعىن انتظم به ىلع
أتم الوجوه فيؤىت به ذللك ،ثم تبني أنه غري مقصود باالنفاكك عنه يف كثري من األماكن بقرينة
ً ً
ليس هلا ُمانس يف اللفظ تلمام املعاين املرادة عندها فيعلم قطعا عن تكميل املشالكة ونقصا
ً ً
تعاىل الل عن ذلك علوا كبريا.
ومما يوجب لك القطع بأن ترتيب هذين االسمني الرشيفني هكذا لغري مرااعة الفواصل قوهل
ً ل ه ه ً ل هه
وه رأفة ورمحة﴾ [احلديد ]27 :وسيأيت إن شاء الل تعاىل يف سورة احلديد﴿ :وجعلنا يف قلوب اذلين اتبع
يف سورة طه عن الفخر الرازي والقايض أ يب بكر ابلاقالين منع انلظر إىل السجع يف الكتاب
ً
العزيز نقال عن مجيع األشاعرة ،وإذا تأملت الفواصل يف اإلتيان بها تارة بكرثة وتارة بقلة ،وتارة
ترتك باللكية ويؤىت يف ك آية بفاصلة ال توافق األخرى ،علمت أن هذا املذهب هو الصواب وال
سيما آخر سورة (اقرأ) وإذا تأملت كتب اهل العدد أتقنت علم هذا املستند ،وإذا تأملت ما قلته
يف هذا انلحو من كتا يب( :مصاعد انلظر لإلرشاف ىلع مقاصد السور) لم يبق عندك شك يف َشء
من هذا ،فإياك ان جتنح هلذا القول فتكون قد وقعت يف أمر عظيم وأنت ال تشعر) (.)1
ً ه ل
وعند قوهل تعاىل﴿ :وإن نلا لآلخرة واألوىل﴾ [الليل ]13 :قال ابلقايع أيضا( :وليس اتلقديم ألجل
الفاصلة ،فقد ثبت بطالن هذا وأنه ال ُيل اعتقاده يف غري موضع ،منها آخر سورة براءة ،وأنه ال
ً ً ً ً
فرق بني أن يعتقد أن فيه شيئا موزونا بقصد الوزن فقط يلكون شعرا ،وأن يعتقد أن فيه شيئا
،]85إعداد لصالحية اجلملة اثلانية للمعنيني املذكورين .فهذا من ادلاللة ىلع معاين الالكم بمواقعه
وترتيب نظامه .وتقديم اجلمل عن مواضع تأخريها تلوفري املعاين) (.)2
وقال يف املقدمة العارشة يف تفسريه( :إن نظم القرآن مبين ىلع وفرة اإلفادة وتعدد ادلاللة،
فجمل القرآن هلا دالتلها الوضعية الرتكيبية اليت يشاركها فيها الالكم العريب لكه ،وهلا دالتلها
ابلالغية اليت يشاركها يف ُمملها الكم ابللغاء وال يصل َشء من الكمهم إىل مبلغ بالغتها.
ً
وهلا دالتلها املطوية وه داللة ما يذكر ىلع ما يقدر اعتمادا ىلع القرينة ،وهذه ادلاللة قليلة
يف الكم ابللغاء وكرثت يف القرآن مثل تقدير القول وتقدير املوصوف وتقدير الصفة.
وهلا داللة مواقع مجله حبسب ما قبلها وما بعدها ،ككون اجلملة يف موقع العلة لالكم قبلها،
أو يف موقع االستدراك ،أو يف موقع جواب سؤال ،أو يف موقع تعريض أو حنوه .وهذه ادلاللة ال تتأىت
يف الكم العرب لقرص أغراضه يف قصائدهم وخطبهم خبالف القرآن ،فإنه ملا َكن من قبيل اتلذكري
واتلالوة سمحت أغراضه باإلطالة ،وبتلك اإلطالة تأىت تعدد مواقع اجلمل واألغراض.
ه ه
السموات واألرض باحل ِّق و هتلجزى ك نف ٍس بما كسبت وهم الل ل
مثال ذلك قوهل تعاىل﴿ :وخلق ه
ه ل ه ل ِّ ه ل ه
ال يظل همون﴾ [اجلاثية ]22:بعد قوهل﴿ :أم حسب اذلين اجرتحوا السيئات أن جنعلهم َكذلين آمنوا
ك همون﴾ [اجلاثية ]21:فإن قوهل ﴿وخلق ه
الل
ه ه ه
اء حمياهم وممات ههم ساء ما ُي وعملهوا ل
الصاحلات سو ً
ل
السماوات واألرض﴾ [اجلاثية ]22 :إىل آخره مفيد برتاكيبه فوائد من اتلعليم واتلذكري ،وهو لوقوعه
ل ِّ ل
السيئات﴾ [اجلاثية ]21 :واقع موقع ادليلل ىلع أنه ال يستوي عقب قوهل﴿ :أم حسب اذلين اجرت هحوا
من عمل السيئات مع من عمل الصاحلات يف نعيم اآلخرة.
ني﴾ .فقد وردت ما اقتضاه السياق العام لآليات يف السورة ،وليست مثل﴿ :إيلاك نعبه هد وإيلاك نستع ه
ِّ ِّ لِلَف احلم هد ر ِّب ل
يف القران الكريم ﴿ :ل
السموات ورب األرض رب العالمني) [اجلاثية .]36 :فاتلقديم
واتلأخري يف القران الكريم يكون حسب ما يقتضيه السياق واملقام (.)1
ه ه
5ـ ومن األمثلة :قوهل يف سورة انلمل﴿ :لقد هوعدنا هذا حن هن وآباؤنا من قبل﴾ [انلمل ،]68 :وِف
هل ه ً ه ه
سورة املؤمنني﴿ :لقد هوعدنا حن هن وآباؤنا هذا من قبل﴾ [ ،]83فإن ما قبل األوىل﴿ :أإذا كنا ترابا
ً هل ه ً ه
وآباؤنا﴾ [انلمل ،]67 :وما قبل اثلانية﴿ :أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما﴾ [املؤمنون ،]82 :فاجلهة املنظور
ً ً ً
فيها هناك كون أنفسهم وآبائهم ترابا ،واجلهة املنظور فيها هنا كونهم ترابا وعظاما ،وال شبهة أن
ل ه
أل من قومه اذلين األوىل أدخل عندهم يف تبعيد ابلعث .ومنها قوهل يف سورة املؤمنني﴿ :وقال الم ُه
كف هروا﴾ [املؤمنون ،]33 :فقدم املجرور ىلع الوصف؛ ألنه لو أخرب عنه ـ وأنت تعلم أن تمام الوصف
ه
بتمام ما يدخل عليه املوصوف وتمامه ﴿وأترفناهم يف احلياة ادلنيا﴾ [املؤمنون ]33 :ـ الحتمل أن
يكون من نعيم ادلنيا ،واشتبه األمر يف القائلني أهم من قومه أم ال؟ خبالف قوهل يف موضع آخر
ه ل
منها﴿ :فقال المأل اذلين كف هروا من قومه﴾ [هود ،]27 :فإنه جاء ىلع األصل .ومنها قوهل يف سورة
ارون و هموىس﴾ [ .]70خبالف قوهل يف سورة الشعراء﴿ :ر ِّب هموىس وه ه
ارون﴾ [.]48 طه﴿ :آم لنا بر ِّب ه ه
ه ه ه ه هه
الق حن هن نر هزقكم وإيلاهم﴾ [األنعام ،]151 :وقال يف سورة
ٍ مإ ن م م ك الد وأ وا ومنها قوهل﴿ :وال تقتل
ه ه
اإلرساء﴿ :حن هن نر هزق ههم وإيلاكم﴾ ،قدم املخاطبني يف األوىل دون اثلانية؛ ألن اخلطاب يف األوىل
الق﴾ ،فاكن رزقهم عندهم أهم من رزق أوالدهم ،فقدم الوعد
يف الفقراء ،بديلل قوهل﴿ :من إم ٍ
الق﴾ [اإلرساء:
برزقهم ىلع الوعد برزق أوالدهم .واخلطاب يف اثلانية لألغنياء ،بديلل﴿ :خشية إم ٍ
،]31فإن اخلشية إنما تكون مما لم يقع ،فاكن رزق أوالدهم هو املطلوب دون رزقهم ألنه حاصل،
فاكن أهم ،فقدم الوعد برزق أوالدهم ىلع الوعد برزقهم (.)2
( )1ـ انظر :حمارضة مفرغة يف املكتبة الشاملة بعنوان :ملسات بيانية يف نصوص من اتلْنيل ،لدلكتور فاضل السامرايئ:
.12
( )2ـ انظر :الربهان للزركيش.284 :3 .
128
واتلأخ ه
ري الختالف املقام) ما قاهل اإلمام يم ل 6ـ ومن تطبيقات هذه القاعدة( :قد يتل هف ل
اتلقد ه
هه ه
الفريزآبادي (( :)1قوهل﴿ :وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فلكوا﴾ [ابلقرة ]58 :بالفاء ،وِف األعراف:
ه هه
﴿ولكوا﴾ بالواو؛ ألن ادلخول رسيع االنقضاء فيعقبه األكل ،وِف األعراف﴿ :اسكنهوا﴾ واملعىن:
ً ٌّ
أقيموا فيها ،وذلك ممتد ،فذكر بالواو ،أي امجعوا بني السكىن واألكل ،وزاد يف ابلقرة﴿ :رغدا﴾
ه ه ل ل
ألنه تعاىل أسنده إىل ذاته بلفظ اتلعظيم ،خبالف األعراف؛ فإن فيه ﴿وإذ قيل﴾ .وقدم ﴿ادخلوا
ّ ه ه ً
ابلاب هس لجدا﴾ يف هذه السورة وأخرها يف األعراف؛ ألن السابق يف هذه السورة﴿ :ادخلوا﴾ فبني
ه ه ادلخول ،وِف هذه ّ ل
كيفية ّ
السورة ﴿خطاياكم﴾ باإلمجاع ،وِف األعراف ﴿خطيئاتكم﴾؛ ألن
خطايا صيغة اجلمع الكثري ،ومغفرتها أيلق يف اآلية بإسناد الفعل إىل نفسه سبحانه .وقال هنا:
ّ ل ه ه
واو؛ ألن اتصاهلما ِف هذه السورة أشد؛ التفاق
﴿وسْنيد﴾ بواو ،وِف األعراف ﴿سْنيد﴾ بغري ٍ
ً الللفظني ،واختلفا يف األعراف؛ أل لن الالئق به ﴿سْن ه
يد﴾ حبذف الواو؛ يلكون استئنافا للالكم .وّف
ً
هذه السورة﴿ :اذلين ظل هموا قوال﴾ وِف األعراف﴿ :ظل هموا من ههم﴾ موافقة لقوهل﴿ :ومن قوم
ل ه هموىس﴾ ،ولقوهل﴿ :من هه هم ل
الصاحل هون ومن ههم دون ذلك﴾ .وِف هذه السورة﴿ :فأنزنلا ىلع اذلين
الرسول والرسالة كرثت يف األعراف ،فجاء ذلك ىلعظل هموا﴾ وِف األعراف ﴿فأرسلنا﴾؛ ألن لفظ ل
الكتاب العزيز) ،ولانت وفاته سنة سبع عرشة وثمانمائة .انظر :طبقات املفرسين لألدنه وي ،312 .والضوء الالمع :10
.79
( )2ـ بصائر ذوي اتلميزي يف لطائف الكتاب العزيز .142 :1
129
ىلع ذلك ليس فقر األب ولكن خشية عروض الفقر هل أو عروض الفقر للبنت بموت أبيها ،إذ
َكنوا يف جاهليتهم ال يورثون ابلنات ،فيكون ادلافع للوأد هو توقع اإلمالق .فلتحذير املسلمني
من آثار هذه اخلواطر ذكروا بتحريم الوأد وما يف معناه .الوجه اثلاين :فمن أجل هذا االعتبار يف
ه ه ه
الفرق للوجه األول قيل هنالك﴿ :حن هن نر هزقكم وإيلاهم﴾ [األنعام ،]151 :بتقديم ضمري اآلباء ىلع
ضمري األوالد ،ألن اإلمالق ادلافع للوأد املحيك به يف آية األنعام هو إمالق اآلباء فقدم اإلخبار
بان الل هو رازقهم وكمل بأنه رازق بناتهم .وأما اإلمالق املحيك يف هذه اآلية فهو اإلمالق املخيش
وقوعه .واألكرث أنه توقع إمالق ابلنات كما رأيت يف األبيات ،فذللك قدم اإلعالم بان الل رازق
األبناء وكمل بأنه رازق آبائهم .وهذا من نكت القرآن) (.)1
وعند قوهل تعاىل﴿ :إيلاك نعبه هد وإيلاك نستع ه
ني﴾ [الفاحتة ]5 :قال( :فإن قلت :كيف أمرنا بأن ال
نعبد إال الل وال نستعني إال به حسبما تشري إيله هذه اآلية ،وقد ورد يف الصحيح أن انليب صَّل
الل عليه وسلم ملا علم عبد الل ابن عباس قال هل( :إذا سألت فاسأل الل وإذا استعنت فاستعن
بالل) ( ،)2فلم يأت بصيغة قرص؟ قلت :قد ذكر الشيخ اجلد قدس الل روحه ( )3يف تعليقه ىلع هذا
احلديث أن ترك طريقة القرص إيماء إىل أن املقام ال يقبل الرشكة وأن من حق السؤال أن ال يكون
ً
إال لل القادر العليم .وقد قال علماء ابلالغة إذا َكن الفعل مقصورا يف نفسه فارتكاب طريق
القرص لغو من الالكم اه .وأقول تقفية ىلع أثره :إن مقام احلديث غري مقام اآلية فمقام احلديث
مقام تعليم خاص ملن نشأ وشب وترجل يف اإلسالم فتقرر قرص احلكم دليه ىلع طرف اثلمام
وذللك استغىن عنه وأما مقام هذه اآلية فمقام مفتتح الويح والترشيع واستهالل الوعظ واتلقريع،
فناسب تأكيد احلكم بالقرص مع اتلعريض حبال الرشك الشنيع ىلع أن تعليق األمر بهما يف جواب
،]104واالهتمام اذلي هو سبب اتلقديم يتلف باختالف مقامات الالكم وال ينظر فيه إىل ما يف
نفس األمر ألن إيمانهم ثابت حمقق من قبل .وإنما ذكر اإليمان بالل يف عداد األحوال اليت
استحقوا بها اتلفصيل ىلع األمم ،ألن للك من تلك األحوال املوجبة لألفضلية أثرا يف اتلفضيل
ىلع بعض الفرق ،فاإليمان قصد به اتلفضيل ىلع املرشكني اذلين َكنوا يفتخرون بأنهم أهل حرم
ِّ ً
الل وسدنة بيته وقد رد الل ذلك رصُيا يف قوهل﴿ :أجعلتهم سقاية احلاج وعمارة المسجد احلرام
كمن آمن بالل وايلوم اآلخر وجاهد يف سبيل الل ال يست هوون عند الل﴾ [اتلوبة ]19 :وذكر األمر
باملعروف وانليه عن املنكر ،قصد به اتلفضيل ىلع أهل الكتاب ،اذلين أضاعوا ذلك بينهم ،وقد
قال تعاىل فيهمَ﴿ :كنهوا ال يتناهون عن همنكر فعله ه
وه﴾ [املائدة.)3( )]79 : ٍ
.]7
واملقام يقتض تقديم املعمول هنا يلفيد القرص ،أي فلنفسه أبرص ال لفائدة غريه؛ ألنهم َكنوا
ُيسبون أنهم يغيظون انليب صَّل الل عليه وسلم بإعراضهم عن دعوته إياهم إىل اهلدى.
وقرينة ذلك أن هذا الالكم مقول من انليب صَّل الل عليه وسلم وقد أومأ إىل هذا صاحب
ً ه ه
«الكشاف» ( ،)1خبالف آية﴿ :إن أحسنتهم أحسنتهم ألنفسكم﴾ [اإلرساء ،]7 :فإنهم حكت الكما
خوطب به بنو إرسائيل من جانب الل تعاىل وهم ال يتوهمون أن إحسانهم ينفع الل أو إساءتهم
ترض الل) (.)2
ه ه
11ـ ومن األمثلة ىلع ذلك :قوهل تعاىل﴿ :تؤمنهون بالل ور هسوهل وجتاه هدون يف سبيل الل
ل ه ه ه ه ه ه
بأموالكم وأنفسكم ذلكم خري لكم إن كنتهم تعل همون﴾ [الصف :]11 :فف هذه اآلية قدم اجلهاد
ه ه ه ه
باملال ىلع اجلهاد بانلفس يف قوهل تعاىل﴿ :وجتاه هدون يف سبيل الل بأموالكم وأنفسكم﴾ .أما يف
ه ل
سورة اتلوبة فقد قدم انلفس ىلع املال فقال ﴿ :إن الل اشرتى من ال همؤمنني أنفس ههم وأموال ههم﴾
[اتلوبة ،]111 :ولعل سبب ذلك أن املقام يف آية «الصف» مقام تفسري وبيان ملعىن اتلجارة الراحبة
باجلهاد يف سبيل الل .وحقيقة اجلهاد بذل اجلهد والطاقة ،واملال هو عصب احلرب وهو مدد
اجلي ،وهو أهم من اجلهاد بالسالح ،فباملال يشرتى السالح ،وقد تستأجر الرجال كما يف اجليوش
احلديثة من الفرق األجنبية ،وباملال َيهز اجلي ،وذلا ملا جاء اإلذن باجلهاد أعذر الل املرىض
والضعفاء ،وأعذر معهم الفقراء اذلين ال يستطيعون جتهزي أنفسهم ،وأعذر معهم الرسول صَّل الل
عليه وسلم إذ لم يوجد عنده ما َيهزهم به كما يف قوهل تعاىل﴿ :ليس ىلع الضعفاء وال ىلع المرىض،
كم﴾ هو وارد ىلع لسان رسول الل صَّل الل عليه وسلم، كم بصائ هر من ر ِّب ه
( )1ـ قال اإلمام الزخمرشي﴿( :قد جاء ه
يظ﴾ .وابلصرية نور القلب اذلي به يستبرص ،كما أن ابلرص نور العني اذلي به تبرص أى ه
لقوهل﴿ :وما أنا عليكم حبف ٍ
جاءكم من الوىح ،واتلنبيه ىلع ما َيوز ىلع الل وما ال َيوز ما هو للقلوب َكبلصائر .فمن أبرص احلق وآمن فلنفسه
أبرص ،وإياها نفع ،ومن عيم عنه فعَّل نفسه عيم ،وإياها ل
رض بالعىم) .الكشاف .55 :2
( )2ـ اتلحرير واتلنوير .420 :7
132
ه ل ه ه ه ل
إىل قوهل :وال ىلع اذلين إذا ما أتوك تلحمل ههم قلت ال أج هد ما أمحلكم عليه تولوا وأعيهنه ههم تفيض
ه ه ً ل
ادلمع حزنا أال َي هدوا ما ينفقون﴾ [اتلوبة91 :ـ .]92وكذلك من جانب آخر ،قد َياهد باملال منمن ل
ً ل
ال يستطيع بالسالح َكلنساء والضعفاء ،كما قال صَّل الل عليه وسلم( :من جهز َغزيا فقد غزا)
(.)1
أما اآلية اثلانية يف سورة اتلوبة فيه يف معرض االستبدال والعرض والطلب أو ما يسىم
باملساومة ،فقدم انلفس؛ ألنها أعز ما يملكه اليح ،وجعل يف مقابلها اجلنة وه أعز ما يوهب،
ً
فاتلجارة هنا معاملة مع الل إيمانا بالل وبرسوهل ،وجهادا باملال وانلفس ،والعمل الصالح .وِف آية:
ل
﴿إن الل اشرتى﴾ تقديم برشى خفية لطيفة بانلرص ملن جاهد يف سبيل الل وه تقديم قوهل:
فيقتلون بابلناء للفاعل أي فيقتلون عدوهم ،ويقتلون بابلناء للمجهول ،ألن اتلقديم هنا يشعر
بأنهم يقتلون العدو قبل أن يقتلهم ويصيبون منه قبل أن يصيب منهم ،ومثل هذا يكون يف
موقف القوة وانلرص ،والعلم عند الل تعاىل (.)2
ًّ ه ه
رضا وال 12ـ ومن األمثلة كذلك :تقديم الرض ىلع انلفع يف قوهل تعاىل﴿ :قل ال أملك نلفيس
ه ً ه ه ه ه ه ِّ ه ل ً ل
نفعا إال ما شاء الل للك أم ٍة أجل إذا جاء أجلهم فال يستأخرون ساعة وال يستقدمون﴾ [يونس:
ً ًّ ه ه
رضا وال نفعا﴾ :]49فقد لقن الل رسوهل صَّل الل عليه وسلم اجلواب بقوهل﴿ :قل ال أملك نلفيس
ً ه ه
[يونس ...]49 :أما يف سورة األعراف فقد قدم انلفع ىلع الرض فقال﴿ :قل ال أملك نلفيس نفعا وال
الل﴾ [ .]188واالختالف بني اآليتني يف تقديم ذكر الرض ىلع انلفع وتأخريه رضا ً إ لال ما شاء ه
ّ
الختالف املقام ،فقد قدم الرض يف آية يونس ألنها جواب للمرشكني عن ميعاد العذاب اذلي
أنذروا ب ه ،وهو من الرض ،وقدم انلفع يف آية األعراف؛ ألن املقام بيان احلقيقة يف نفسها ،وهو أن
ً ً
الرسول ال يملك نلفسه شيئا من اتلرصف يف الكون بغري األسباب العامة فضال عن ملكه لغريه،
واملناسب يف هذا تقديم انلفع ألنه هو املقصود باذلات من ترصف اإلنسان وسعيه نلفسه (.)3
وآية األعراف جاءت بعد السؤال عن الساعة أيان مرساها؟ وأكرب فوائد العلم بالساعة ،وهو
من علم الغيب ،االستعداد هلا بالعمل الصالح ،واتقاء أسباب العقاب فيها ،فاقتىض ذلك ابلدء
ً
( )1ـ رواه ابلخاري يف كتاب اجلهاد والسري ،باب فضل من جهز َغزيا أو خلفه خبري ( ،)2843ومسلم يف كتاب اإلمارة،
باب فضل إاعنة الغازي يف سبيل الل بمركوب وغريه وخالفته يف أهله خبري (.)1895
انظر :أضواء ابليان .113 :8 ( )2ـ
( )3ـ انظر :تفسري املنار .320 :11
133
بنف ملك انلفع نلفسه بمثل هذا االستعداد ،وتأخري ملك الرض املراد به ملك دفعه واتقاء وقوعه،
ً
وأن يستدل ىلع ذلك بما ذكر من أنه لو َكن يعلم الغيب حىت فيما دون الساعة زمنا وعظم شأنه
الستكرث من اخلري اذلي يتعلق باالستعداد للمستقبل ،واتىق أسباب ما يمسه من السوء فيه.
وأما اآلية يف سورة يونس ،فقد وردت يف سياق تماري الكفار فيما أوعدهم الل من العقاب
ً
ىلع اتلكذيب بما جاءهم به رسوهل من ابلينات واهلدى ،واستعجاهلم إياه تهكما ومبالغة يف
ً
اجلحود ،فناسب أن يذكر يف جوابهم أنه ال يملك نلفسه وال هلم رضا ،كتعجيل العذاب اذلي
ً
يكذبون به ،وال نفعا َكنلرص اذلي يرتتب ىلع تعجيل العذاب هلم يف ادلنيا ،فقد أمره الل تعاىل
ً ً
أن يبلغهم أن أمر عذابهم تعجيال أو تأخريا لل تعاىل وحده ،كما أمره أن ينف عن نفسه القدرة
ىلع ما اقرتحوه من اآليات ،ومن ذلك ما ذكره تعاىل من مقرتحاتهم يف سورة اإلرساء من تفجري
ً ً
ينبوع يف مكة ،وإَياد جنة تتفجر األنهار خالهلا تفجريا ،أو إسقاط السماء عليهم كسفا (.)1
إن تقديم األلفاظ بعضها ىلع بعض هل أسباب عديدة يقتضيها املقام وسياق القولَ ،يمعها
قوهلم :إن اتلقديم إنما يكون للعناية واالهتمام .فما َكنت به عنايتك أكرب قدمته يف الالكم.
والعناية باللفظة ال تكون من حيث إنها لفظة معينة بل قد تكون العناية حبسب مقتىض
احلال .وهلذا ربما َكن عليك أن تقدم لكمة يف موضع ثم تؤخرها يف موضع آخر؛ ألن مرااعة املقام
ومقتىض احلال تقتض ذاك.
والقرآن الكريم هو أىلع مثل يف ذلك ،فرتاه يقدم لفظة مرة ويؤخرها مرة أخرى ىلع حسب
املقام .فمرة يقدم السماء ىلع األرض ومرة يقدم األرض ىلع السماء ومرة يقدم اإلنس ىلع اجلن
ومرة يقدم اجلن ىلع اإلنس ومرة يقدم الرض ىلع انلفع ومرة يقدم انلفع ىلع الرض ك ذلك حبسب
ما يقتضيه القول وسياق اتلعبري.
وعند بيان سبب هذا اتلقديم أو ذاك ،ال يصح االكتفاء بالقول إنه قدم هذه اللكم للعناية
ً
واالهتمام بها ،دون بيان مواطن هذه العناية وسبب هذا اتلقديم .فإذا قيل لك مثال :ملاذا قدم
السماء ىلع األرض هنا؟ قلت :ألن االهتمام بالسماء أكرب .ثم إذا قيل لك :وملاذا قدم األرض ىلع
السماء يف هذه اآلية؟
( )1ـ انظر :أرسار ابليان يف اتلعبري القرآين 49ـ .74وذكر أمثلة كثرية عن هذا املوضوع.
136
ل ه
االستعمال عن هذا األصلَ ،كن ذلك لغاية يراد هلا ..كما يف قوهل تعاىل﴿ :قل هل يستوي اذلين
ل
يعل همون واذلين ال يعل همون﴾ [الزمر ]9 :وذلك حني ال يكون املراد هو تقرير حكم يف املفاضلة
بني أمرين ،وإنما املراد هو اإللفات إىل أن األمور ليست ىلع وجه واحد ،وإنما للك أمر وجهان..
ّ
وجه ،وضد هلذا الوجه .مثل الوجود والعدم ،واحلق وابلاطل ،واإليمان والكفر ،وانلور والظالم،
والظل واحلر ،وهكذا ..واملطلوب من اخلصم أن يعرتف به هنا ،هو أن اليشء اذلي يمسك به،
ليس هو ك اليشء ،وإنما يقابله نقيضه ،اذلي َيب أن ينظر فيه.
ً ً
فإذا َكن املرشكون يتمسكون بالرشك ،وال يرون معتقدا غريه ،فليعلموا أن هناك وجها آخر
يقابل هذا الرشك ،دون اتلفات إىل أيهما الفاضل وأيهما املفضول ..إن األمور ال تكون إال ىلع
ً
هذا االزدواج ،اليشء وضده ..ورشكهم ليس بداع من األشياء ،فليبحثوا عن الوجه اآلخر املقابل
هل ..فإذا فعلواَ ،كنت املرحلة اثلانية من مراحل انلظر ،وىه أن يوازنوا بني ما معهم من رشك،
وبني الوجه اآلخر املقابل هل ،وهو اإليمان..
ّ
وقد جاء األمران األوالن ىلع األصل ،فقدم فيهما املفضول ىلع الفاضل ،ىلع حني جاء األمران
اآلخران ىلع غري األصل ،فقدم فيهما الفاضل ىلع املفضول ..وبهذا أخذ ك من الفاضل واملفضول
ماكنه يف الصورة ىلع قدم املساواة ..ألن األمر لم يكن يراد منه املفاضلة ،وإنما املراد هو إثبات
تلك احلقيقة اليت ال خالف عليها ،وىه االزدواج يف األشياء ،واتلقابل بني اليشء وضده..
وِف ميجء املقطع األول من الصورة ،ىلع أصل الوضع يف اللغة ،اذلي يتفق مع ُمرى اتلفكري،
وذلك بتقديم املفضول ىلع الفاضل ،يف مقام املوازنة واملفاضلة بينهما ،يف هذا اتلقاء مع املرشكني
ىلع أمر ال خالف عليه ،بني مؤمن وغري مؤمن ..وهذا من شأنه أن ال يصدم تفكريهم ،وال يرج
بهم عن مألوفهم ،األمر اذلي يدعوهم إىل االستماع إىل هذا اذلي يعرض عليهم ،وإىل انلظر فيه..
فإذا وقع مقطع هذا احلديث من أنفسهم هذا املوقع ،واجههم املقطع اآلخر من الصورة ،وهو
ّ ّ
مقطع انقلب فيه الوضع ،وانعكست فيه األمور ،فقدم ما حقه اتلأخري ،وأخر ما حقه اتلقديم،
وِف هذا إشارة إىل أمرين:
أوهلما :أن املرشكني قد انعكست يف أنفسهم حقائق األشياء ،وأنهم إنما ينظرون إىل األمور يف
وضع منكوس ،ولو اعتدلوا يف وضعهم لرأوا هذا املقطع من الصورة ىلع حقيقته ..فهم يعيشون يف
ّ
احلرور وُيسبونه الظل ،وهم أموات ،وُيسبون أنهم أحياء..
137
وثانيهما :أنهم لو أرادوا أن يقيموا الصورة لكها ىلع وضع سليم ،لاكن عليهم أن ّ
يغريوا بأيديهم
هذا الوضع اذلي أخذه املقطع اثلاين من الصورة ،وأن َيعلوه موافقا للوضع األول ،فيقدموا احلرور
ىلع الظل ،واألموات ىلع األحياء ،وبهذا يكون احلكم ىلع املطلوب صادرا منهم ،فتىجء الصورة
ِّ
الظل وال احل هر ه ه ه
ات وال انل ه العامة هكذا﴿ :وما يستوي األعىم وابلص ه
ور .وما ور .وال ري .وال الظلم
ه
يستوي األحيا هء وال األموات﴾ [فاطر19 :ـ .]21
إنها دعوة إىل حتريك العقل ،وتسوية هذه املتناقضات ..فإذا اجتهت عقوهلم إىل هذا االجتاه،
َكن عليهم أن ال يرضوا بهذه اتلناقضات اليت تقوم يف كيانهم ،حيث يؤثرون الضالل ىلع اهلدى،
وهكذا تيجء آيات الل بهذه اإلُياءات انلفسية ،اليت تدخل العقل وخترتق القلب يف رفق ولطف،
إىل مواطن اهلدى (.)1
14ـ ومن األمثلة كذلك :أن الل سبحانه أقسم يف سورة «الليل» ،بالليل إذا يغَش ،وبانلهار إذا
جتَّل ..وبدأ بالقسم بالليل ،ثم أعقبه بالقسم بانلهار ..أما يف سورة الضىح فأقسم الل سبحانه
ً ً
بانلهار أوال ﴿والضىح﴾ [الضىح ،]1 :ثم بالليل ثانيا﴿ ..والليل إذا سىج﴾ [الضىح ،]2 :وبهذا يتوازن
ّ
الليل وانلهار ،فيقدم أحدهما يف موضع ويقدم اآلخر يف موضع ،وللك من اتلقديم واتلأخري يف
املوضعني مناسبته..
ّ ل
سجو هذا الليل وسكونه ،إشارة أخرى إىل أن فرتة ولعل يف القسم بالليل بعد الضىح ،وإىل
انقطاع الويح ،ه فرتة هدوء واستجمامَ ،يمع فيها انليب عليه الصالة والسالم نفسه ،ويلم فيها
خواطره ،بعد هذا انلور الساطع اذلي بهره ،وهز أعماق نفسه ..وبعد هذا الليل اهلادئ الوادع نهار
مرشق وضيئ ..فهكذا َيرى نظام السكون ،ىلع ما أقامه اخلالق احلكيم (.)2
ه ه ً ل ً
15ـ ومن األمثلة :قوهل سبحانه﴿ :واتقوا يوما ال جتزي نفس عن نف ٍس شيئا وال يقبل منها
ً شفاعة وال يهؤخ هذ منها عدل وال ههم هين ه
رصون﴾ [ابلقرة .]48 :وقال يف آية أخرى﴿ :واتقوا يوما ال
جتزي نفس عن لنفس شيئا ً وال هيقب هل منها عدل وال تنف هعها شفاعة وال ههم يه ه
نرصون﴾ [ابلقرة.]123 : ٍ
ل ل
إن ابلالغة احلقة تتجَّل يف اآليتني؛ ألن القارىء لصدر ك آية منهما ،والفاهم للملكة اللغوية
العربية أن ع هجز ك آية يناسب صدرها.
( )1ـ انظر :اتلفسري القرآين للقرآن لألستاذ عبد الكريم يونس اخلطيب .872 :11
( )2ـ انظر :اتلفسري القرآين للقرآن .1598 :16
138
ل ً
ومن يقرأ قول احلق سبحانه﴿ :واتقوا يوما ال جتزي نفس عن نف ٍس﴾ [ابلقرة.]48 :
ِّ
يرى أنه أمام نفسني :انلفس األوىل ه اليت تقدم الشفاعة ،وانلفس اثلانية ه املشفوع هلا.
ه
والشفاعة هنا ال تقبل من انلفس األوىل الشافعة ،وكذلك ال يهقبل العدل.
ه
وِف اآلية اثلانية ال تقبل الشفاعة وال العدل من انلفس املشفوع هلا ،فيه حتاول أن تقدم
ً ً
العدل أوال ،ثم حني ال ينفعها تأيت بالشفيع .وهكذا جاء اتلقديم واتلأخري يف اآليتني مناسبا
للموقف واملقام (.)1
ه ل
وانلصارى ل
والصابئني من آمن بالل ادوا ل 16ـ ومن األمثلة :قوهل تعاىل﴿ :إن اذلين آمنهوا واذلين ه
ه ه ِّ ه ه ً ه
وايلوم اآلخر وعمل صاحلا فلهم أجرهم عند ربهم وال خوف عليهم وال هم ُيزنون﴾ [ابلقرة]62 :
ل ِّ
وِف املائدة يهقدم الصابئني ىلع انلصارى ،وِف هذا املوضع تأيت بالرفع بالواو ،يقول تعاىل﴿ :إن اذلين
ً ه
وانلصارى من آمن بالل وايلوم اآلخر وعمل صاحلا فال خوف عليهم ادوا ل
والصابئون ل آمنهوا واذلين ه
ه ه
وال هم ُيزنون﴾ [املائدة.]69 :
ه
﴿اذلين آمنهوا[ ﴾..احلج ]17 :أي :بمحمد صَّل الل عليه وسلم﴿ ،واذلين هادوا[ ﴾..احلج ]17 :أي:
ايلهود ،ثم انلصارى وهما قبل اإلسالم ،أما الصابئون :فهؤالء مجاعة َكنوا ىلع دين إبراهيم عليه
السالم ،ثم عبدوا الكواكب ف هسموا الصابئة خلروجهم عن ادلين احلق .أما املجوس :فهم عبدة
انلار ،واذلين أرشكوا :هم املرشكون عبدة األصنام واألوثان.
أما اتلقديم واتلأخري بني انلصارى والصابئني ،قالوا :ألن انلصارى فرقة كبرية معروفة وهلم
ل
نيب ،أما الصابئة فاكنوا مجاعة خرجوا ىلع نبيهم وخالفوه ،وأتوا بعقيدة غري عقيدته ،فهم قلة،
السبق الزمين يقول﴿ :و ل
الصابئون لكن سبقوا انلصارى يف الرتتيب الزمين؛ ذللك حني يرايع ل
[ابلقرة]62 :
وانلصارى ل
والصابئني﴾.. وانلصارى[ ﴾..احلج ]17 :وحني يرايع الكرثة والشهرة ،يقول ﴿ :ل
ل
ل ٌّ
فلك من اتلقديم أو اتلأخري همراد ملعىن همعني.
أما قوهل ﴿ :ل
والصابئون﴾ [املائدة ]69 :بالرفع ىلع خالف القاعدة يف العطف ،حيث عطفت ىلع
ً منصوب ،واملعطوف تابع للمعطوف عليه يف إعرابه ،فلماذا ل
وسط مرفواع بني منصوبات؟
املعىن ألنه يقتض أن الصابئني هادوا ،وقيل( :إن) بمعىن نعم ،وما بعدها مرفوع باالبتداء ،وروي
عن بعضهم أنه قرأ « والصابئون » باهلمز) (.)2
ً ً
فهذه أمثلة ىلع اختالف اتلقديم واتلأخري الختالف املقام ،وإتماما للموضوع سأذكر مثاال
ً
ىلع االختالف يف األسلوب مرااعة للمقام:
وه لن فعىس أن تكر ههوا شيئا ً وَيعل ه
الل
هه ه ه ه
رشوه لن بالمع هروف فإن كرهتم فعند قوهل تعاىل﴿ :واع
ً ً
فيه خريا كثريا﴾ [النساء ]19 :قال اإلمام ابن اعشور( :واقترص هنا ىلع مقاربة حصول الكراهية
ً ه ه
ليشء فيه خري كثري ،دون مقابلة ،كما يف آية ابلقرة [ ﴿ :]216وعىس أن تكرهوا شيئا وهو خري
ً ه ٌّ ه ه ه
رش لكم﴾؛ ألن املقام يف سورة ابلقرة مقام بيان احلقيقة بطرفيها لكم وعىس أن حتبوا شيئا وهو
ً
إذ املخاطبون فيها كرهوا القتال ،وأحبوا السلم ،فاكن حاهلم مقتضيا بيان أن القتال قد يكون
ُ َ َّ ُ َ ّ ُ َ َّ َ
يل ويؤخ ُر األجىل) دالل يقدم اجل ِ 20ـ قاعدة( :يف َمق ِ
ام االستِ ِ
1ـ هذه القاعدة ذكرها الشيخ حممد مجال ادلين القاسيم رمحه الل ،فقد قال عند قوهل تعاىل:
ه ه ه ه ه ه ِّ ل
يح اَ هن مريم إال ر هسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة َكنا يأكالن الطعام انظر
ل ﴿ما المس ه
ه ه ل ه كيف نهب ِّ ه
ني ل هه هم اآليات ث لم انظر أىن يهؤفكون﴾ [املائدة( :]75 :إنما أخر يف االستدالل ىلع بطالن
ً
مذهب انلصارى ،حاجتهما للطعام عما قبله من مساواتهما للرسل عليهم السالم ،ترقيا يف باب
ّ
يل لألجَّل ،ىلع ما هو القاعدة يف سوق الرباهني إللزام اخلصم ،حىت إذا لم يسلماالستدالل من اجل ِّ
ً ً
يل لغموضه عليه ،يورد هل األجَّل تعريضا بغباوته .فيضطر للتسليم ،إن لم يكن معاندا وال يف اجل ِّ
ِّ ً ِّ ً
ابليضاوي ـ يف اخلفايج ـ ملخصا الكم ماكبرا .هذا ما ظهر يل يف رس اتلقديم واتلأخري .وأما قول
ً ل
رس ذلك :أنه تعاىل «بني أوال أقَص مراتب كماهلما ،وأنه ال يقتض األلوهية ،وقدمه َلال يواجههما
الل عنك لم بذكر نقائص البرشية املوجبة بلطالن ما ادعوا فيهما ،ىلع حد قوهل تعاىل﴿ :عفا ه
144
ً هذا ر ِّيب هذا أك ه
رب﴾ أي :أكرب الكواكب جرما ،وأعظمها قوة ،فهو أوىل باإلهلية من غريها من
الكواكب.
وفيه تأكيد ملا رامه عليه الصالة والسالم من إظهار انلصفة ،مع إشارة خفية إىل فساد دينهم
من جهة أخرى ،ببيان أن األكرب أحق بالربوبية من األصغر.
ت وجيه﴾ أي:﴿فل لما أفلت قال﴾ صاداع ً باحلق﴿ :يا قوم إ ِّين بريء م لما تهرش هكون .إ ِّين و لجه ه
ً
السموات واألرض حنيفا﴾ وجهت قليب ورويح يف املحبة والعبادة ،بل جعلته مسلما ً ﴿ل لذلي فطر ل
ً
أي :مائال عن األديان ابلاطلة ،والعقائد الزائغة﴿ ،وما أنا من ال همرشكني﴾ (.)1
ولو قيل :إن األفول ،ملا َكن يمنع من استحقاق معروضه لصفة الربوبية ىلع ما ذكرنا ،وقد ثبت
ذكر يف أكرب الكواكب ـ أعين الشمس ـ فلزم ثبوته فيما دونها باألوىل -فهال اقترص ىلع أفول
الشمس راعية لإلَياز واالختصار؟
أجيب :بأن األخذ من األدىن فاألدىن ،إىل األىلع فاألىلع ،هل نوع تأثري يف اتلقرير وابليان
واتلأكيد ،ال ُيصل من غريه ،فاكن سوق االستدالل ىلع هذا الوجه أوىل (.)2
الل ه ل
اج إبراهيم يف ر ِّبه أن آ ه
تاه ه ل
الملك إذ 3ـ ومن األمثلة كذلك قوهل تعاىل﴿ :ألم تر إىل اذلي ح
ل ه ل ه ه ه ه ه ه ه ِّ ل
قال إبراهيم ريب اذلي ُيي ويميت قال أنا أحي وأميت قال إبراهيم فإن الل يأيت بالشمس من
ل المرشق فأت بها من المغرب فبههت لاذلي كفر و ه
الل ال يهدي القوم الظالمني﴾ [ابلقرة.]258 :
فقد جادل إبراهيم يف ربه ألن آتاه الل امللك ،يعين أن إيتاء امللك أبطره وأورثه الكرب .فحاج
وجادل ذللك ،كما يقال :اعداين فالن ألين أحسنت إيله .تريد أنه عكس ما َكن َيب عليه من
ه ل ه ه ِّ ه
املواالة ألجل اإلحسان ،مثل قوهل تعاىل﴿ :وجتعلون رزقكم أنكم تكذبهون﴾ [الواقعة .]82 :فامللك
بالء وفتنة ىلع من أوتيه.
يم حني سأهل من ربك اذلي تدعونا إيله﴿ :ر ِّيب لاذلي هُيي و هيم ه
يت﴾ أي بنفخ الروح فقال إبراه ه
ه ه ه
يف اجلسم وإخراجها منه قال﴿ :أنا أحي وأميت﴾ أي بالقتل والعفو عنه.
وملا سلك الطاغية مسلك اتللبيس واتلمويه ،ولان بطالن جوابه من اجلالء والظهور حبيث ال
حاصل ،انتقل إبراهيم عليه السالم ،إىل
ٍ ألمر
ٍ يىف ىلع أحد ،ولان اتلصدي إلبطاهل هو حتصيل
148
.]72وقد ذكر الشيخ عبد القاهر يف أبواب اتلقديم من «دالئل اإلعجاز» أن مما ُيسن فيه تقديم
املسند إيله ىلع اخلرب الفعيل ويكرث :الوعد والضمان؛ ألن ذلك ينف أن يشك من يوعد يف تمام
الوعد والوفاء به ،فهو من أحوج انلاس إىل اتلأكيد ،كقول الرجل :أنا أكفيك.
ً
وأبدأ مستعينا بالل تعاىل بذكر القاعدة األوىل يف هذا املبحث:
َ ُ ََ ُ ْ َ ْ َْ ُ ُ ْ َ َ ََ ُ ْ َ ُ ْ َر َ ُ ُ َ
يم المسن ِد إ ِ ْيل ِه ىلع المسن ِد المشتق ال ي ِفيد بِذات ِ ِه اتلَّخ ِصيصَ ،وقد يستفاد مِن 21ـ قاعدة (تق ِد
َ َ ْ َ َّ ْ ََ َْ
يص ب ِالق َرائ ِِن). بع ِض مواق ِ ِع ِه معىن اتلخ ِص ِ
هذه القاعدة ذكرها الشيخ ابن اعشور يف تفسريه عند قوهل تعاىل﴿ :وما ههم خبارجني من ل
انلار﴾
[ابلقرة ]167 :فقال( :وعدل عن اجلملة الفعلية بأن يقال (وما يرجون) إىل االسمية لدلاللة ىلع أن
هذا احلكم ثابت أنه من صفاتهم.
وليس تلقديم املسند إيله هنا نكتة ،إال أنه األصل يف اتلعبري باجلملة االسمية يف مثل هذا إذ
ال تتأىت بسوى هذا اتلقديم ،فليس يف اتلقديم داللة ىلع اختصاص ملا علمت ،وألن اتلقديم ىلع
املسند املشتق ال يفيد االختصاص عند مجهور أئمة املعاين ،بل االختصاص مفروض يف تقديمه
ً
ىلع املسند الفعيل خاصة ،وألجل ذلك رصح صاحب «الكشاف» تبعا للشيخ عبد القاهر بأن
موقع الضمري هنا كموقعه يف قول املعذل ابلكري:
ل ِّ ه ل ه ه
()1
اق يبهذ المغايلا ل
هم يفرشون اللبد ك طمر ٍة ...وأجرد سب ٍ
يف دالتله ىلع قوة أمرهم فيما أسند إيلهم ال ىلع االختصاص.
ل
وادىع صاحب «املفتاح» أن تقديم املسند إيله ىلع املسند املشتق قد يفيد االختصاص كقوهل
ه ل
يز﴾ [هود﴿ ]91:وما أنا بطارد اذلين آمنوا﴾ [هود﴿ ]29:وما أنت عليهم
تعاىل﴿ :وما أنت علينا بعز ٍ
يل﴾ [األنعام.]107:بوك ٍ
( )1ـ خصائص الرتاكيب دارسة حتليلية ملسائل علم املعاين.220 :
( )2ـ اتلحرير واتلنوير .59 :3
152
ل ه ه ه ه ه ه
ري فألنفسكم وما تنفقون إال ابتغاء وجه الل وما 2ـ وعند قوهل تعاىل﴿ :وما تنفقوا من خ ٍ
ه ه ل ه ه
ري يهوف إيلكم وأنتهم ال تظل همون﴾ [ابلقرة .]272 :قال( :وتقديم ﴿وأنتهم﴾ ىلع اخلرب
تنفقوا من خ ٍ
الفعيل ملجرد اتلقوي ،وزيادة اتلنبيه ىلع أنهم ال يظلمون ،وإنما يظلمون أنفسهم.
ً ً
وإنما جعلت هاته األحاكم مجال مستقال بعضها عن بعض ،ولم جتعل مجلة واحدة مقيدة
ً
فائدتها بقيود مجيع اجلمل ،وأعيد لفظ اإلنفاق يف مجيعها بصيغ خمتلفة ،تكريرا لالهتمام بشأنه،
تلكون ك مجلة مستقلة بمعناها ،قصرية األلفاظ كثرية املعاين ،فتجري ُمرى األمثال ،وتتناقلها
األجيال) (.)1
له ه ه ِّ ه ه ه ل
3ـ وعند قوهل تعاىل﴿ :اذلين اعهدت من ههم ث لم ينق هضون عهدهم يف ك م لر ٍة وهم ال يتقون﴾
[األنفال ]56 :قال( :ومجلة :وهم ال يتقون إما عطف ىلع الصلة ،أو ىلع اخلرب ،أو يف حمل احلال من
ضمري ينقضون.
وىلع مجيع االحتماالت فيه دالة ىلع أن انتفاء اتلقوى عنهم صفة متمكنة منهم ،وملكة فيهم،
بما دل عليه تقديم املسند إيله ىلع اخلرب الفعيل املنف من تقوي احلكم وحتقيقه ،كما تقدم يف
قوهل﴿ :ف ههم ال يهؤمنهون﴾) (.)2
ه ه
4ـ وعند قوهل تعاىل﴿ :وأعدوا ل ههم ما استطعتهم من ق لو ٍة ومن رباط اخليل تره هبون به ع هد لو الل
﴿الل يعل هم ههم﴾
ه كم وآخرين من هدونهم ال تعل همون هه هم ه
الل يعل هم ههم﴾ [األنفال ]60 :قال( :ومجلة
ه ل ه
وعدو
تعريض باتلهديد هلؤالء اآلخرين ،فاخلرب مستعمل يف معناه الكنايئ ،وهو تعقبهم واإلغراء بهم،
وتعريض باالمتنان ىلع املسلمني بأنهم بمحل عناية الل فهو ُييص أعداءهم وينبههم إيلهم.
ل
وتقديم املسند إيله ىلع اخلرب الفعيل :للتق ِّوي ،أي حتقيق اخلرب وتأكيده ،واملقصود تأكيد الزم
معناه ،أما أصل املعىن فال ُيتاج إىل اتلأكيد إذ ال ينكره أحد ،وأما محل اتلقديم هنا ىلع إرادة
االختصاص فال ُيسن لالستغناء عن طريق القرص جبملة انلف يف قوهل﴿ :ال تعل همون هه هم﴾ فلو قيل:
ويعلمهم الل حلصل معىن القرص من ُمموع اجلملتني) (.)3
فلما ظهر عوص تعبري هذا احللم تذكر سايق امللك ما جرى هل مع يوسف عليه السالم فقال:
ه ِّ ه ه
﴿أنا أنبئكم بتأويله﴾ [يوسف.]45 :
ً
وابتداء الكمه بضمريه وجعله مسندا إيله وخربه فعيل ،لقصد استجالب تعجب امللك من أن
يكون السايق ينبئ بتأويل رؤيا عوصت ىلع علماء بالط امللك ،مع إفادة تقوي احلكم ،وهو
إنباؤه إياهم بتأويلها؛ ألن تقديم املسند إيله ىلع اخلرب الفعيل يف سياق اإلثبات يفيد اتلقوي ،وإسناد
ه
اإلنباء إيله ُماز عقيل؛ ألنه سبب اإلنباء ،وذللك قال ﴿فأرسلون﴾.
وِف ذلك ما يستفز امللك إىل أن يأذن هل باذلهاب إىل حيث يريد يلأيت بنبأ اتلأويل ،إذ ال َيوز
ً
ملثله أن يغادر ُملس امللك دون إذن .وقد َكن موقنا بأنه َيد يوسف عليه السالم يف السجن أنه
َكن سجن اخلاصة فاكن ما ُيدث فيه من إطالق أو موت يبلغ مسامع امللك وشيعته) (.)1
ل ه ه ل ه له ل ه
ان6ـ وعند قوهل تعاىل﴿ :والسابقون األولون من المهاجرين واألنصار واذلين اتبعوهم بإحس ٍ
ً الل عن ههم ور هضوا عن هه وأع لد ل ههم ج لنات جتري حتتها األنه ه
ار خادلين فيها أبدا ذلك الفو هز ٍ
ريض ه
يم﴾ [اتلوبة ]100 :قال( :وقد خالفت هذه اآلية عند معظم القراء أخواتها فلم تذكر فيها (من) العظ ه
مع (حتتها) يف َغلب املصاحف وِف رواية مجهور القراء ( ،)2فتكون خايلة من اتلأكيد إذ ليس
حلرف (من) معىن مع أسماء الظروف إال اتلأكيد.
ويكون خلو اجلملة من اتلأكيد حلصول ما يغين عنه من إفادة اتلقوي بتقديم املسند إيله
ىلع اخلرب الفعيل ،ومن فعل (أعد) املؤذن بكمال العناية فال يكون املعد إال أكمل نوعه) (.)3
االستفهامني ترشيح الستعارة الصم والعيم هلؤالء الاكفرين ،أي أن الل ملا خلق نفوسهم مفطورة
ىلع املاكبرة والعناد وبغضاء من أنعم الل عليه وحسدهَ ،كنت هاته اخلصال حوائل بينهم وبني
اتلأثر باملسمواعت واملبرصات ،فيجء بصيغة االستفهام اتلعجييب املشتملة ىلع تقوى اخلرب بتقديم
ه
املسند إيله ىلع اخلرب الفعيل بقوهل﴿ :أفأنت تسم هع﴾ وقوهل﴿ :أفأنت تهدي﴾ ،دون أن يقال :أتسمع
ً
الصم وأتهدي العيم ،فاكن هذا اتلعجيب مؤكدا مقوى) (.)1
ل ل
عز وجل يف سورة آل عمران بشأن فريق من 8ـ ومن األمثلة واتلطبيقات ىلع ذلك :قول الل
ه
وه من الكتاب وما هو من الكتاب ايلهود﴿ :وإ لن من ههم لفريقا ً يل هوون ألسنت ههم بالكتاب تلحسبه ه
ه ه ه ه ه ه ه
ويقولون هو من عند الل وما هو من عند الل ويقولون ىلع الل الكذب وهم يعل همون﴾ [اآلية.]78 :
ه ِّ ه
فجملة﴿ :وهم يعل همون﴾ مجلة حايلة قدم فيها املسند إيله ىلع املسند الفعيل تلقوية اإلسناد
ّ
فيها وتأكيده ،ألن مقتىض احلال يستديع اتلقوية واتلأكيد.
الل يف الكتهب ىلع يزع همون أنلها ّ
مما أنزل ه ه ه ل
والسبب يف ذلك أن هؤالء َكنوا يكتبون مكتوبات
ه ً ه
وافرتوه ىلع الل بغية أن يقبله عوامهم ،وه أن رسلهم ،ويتخذون مع ذلك حيلة لرتويج ما كتبوه
يل هووا ألسنت ههم به دلى تالوته ،كما يفعلون دلى تالوة ما أنزل الل من كتاب ،فيخلطون املدسوس
ّ اذلي هو من افرتائهم باألصل ل
الصحيح ،لإليهام بأنه من كتاب الل ،وهم بذلك يقولون ىلع الل
ّ ّ
الكذب ،ويعلمون ذلك من أنفسهم ،ولكنهم ال يعرتفون بأنهم يكذبون.
فاقتىض واقع حاهلم سوق الالكم هلم بطريقة فيها تقوية وتأكيد ،فجاء يف اجلملة تقديم املسند
إيله ىلع املسند الفعيل ،ملا يف هذا اتلقديم من تقوية وتأكيد.
مع ما يف تأخري املسند من مرااعة للجمال يف اللفظ ،وهو مرااعة اتلناظر يف رؤوس اآليات قبل
اآلية وبعدها (.)2
فيفيد أن اذلين كفروا ُيزنون إفادة بطريق املفهوم ،يلكون َكملقدمة للخرب عنهم بعد ذلك
بأنهم أصحاب انلار هم فيها خادلون) (.)2
وقال اإلمام عبد القاهر اجلرجاين( :وقد يقدم املسند إيله يلفيد ختصيصه باخلرب الفعيل إن ويل
حرف انلف ،كقولك ما أنا قلت هذا .أي لم أقله مع أنه مقول ،فأفاد نف الفعل عنك وثبوته
ً
لغريك .فال تقول ذلك إال يف َشء ثبت أنه مقول وأنت تريد نف كونك قائال هل ...وهلذا ال يقال:
ما أنا قلت وال أحد غريي .ملناقضة منطوق اثلاين مفهوم األول ،بل يقال :ما قلت أنا وال أحد
غريي) (.)3
ل
وعقب ىلع ذلك ادلكتور حممد أبو موىس فقال( :ولعل اذلي أغرى عبد القاهر بالقطع بأن مثل
ً
ما أنا فعلت يفيد االختصاص قطعا ،هو ما حلظه من تسلط انلف ىلع الفاعل ،ففهم من ذلك أن
انلف خاص بالفاعل ،وأن الفعل غري منف ،وإذا َكن الفعل غري منف ،وقد نف فاعل مني فقد
ً
وجب أن يكون هذا الفعل مسندا إىل فاعل آخر ،وهذا هو معىن االختصاص.
واذلي قاهل عبد القاهر يف هذا مع دقته اليت أغرت ابلاحثني من بعده ليس عندنا ىلع إطالقه،
وإنما هو أمر َغلب ال الزم؛ ألن املتلكم حني يسلط انلف ىلع الفاعل ال يلزم منه ثبوت الفعل؛
ً
ألن الفعل مسكوت عنه فيمكن أن يكون ثابتا كما يف أمثلة االختصاص اليت ذكرها عبد
القاهر ،وقد يكون غري ثابت كما يف قونلا« :ما أنا قلت هذا» .أي هذا اذلي تزعمون أنه قد قيل،
نعم يمكنك يف هذا املعىن أن تقول ما قلت هذا ،ولكنك قدمت الفاعل لالهتمام ،والرغبة يف
( )1ـ خصائص الرتاكيب دارسة حتليلية ملسائل علم املعاين ،لدلكتور حممد حممد أ يب موىس.231 :
158
ً
ثانيها :أن يكون املسند منفيا ،حنو (أنت ال تكذب) فإنه أبلغ يف نف الكذب من (ال
ه
تكذب) ومن (ال تكذب أنت) ،وقد يفيد اتلخصيص ومنه﴿ :ف ههم ال يتساءلون﴾ [القصص.]66 :
ً
ثاثلها :أن يكون املسند إيله نكرة مثتبا ،حنو «رجل جاءين» فيفيد اتلخصيص إما باجلنس
أي ال امرأة أو الوحدة أي ال رجالن.
رابعها :أن ييل املسند إيله حرف انلف فيفيده ،حنو« :ما أنا قلت هذا» أي لم أقله مع أن غريي
يز﴾ [هود ]91 :أي :العزيز علينا رهطك ال أنت ،وذلا قال﴿ :أرهطي
قاهل ،ومنه :و﴿وما أنت علينا بعز ٍ
ً ه
أعز عليكم من الل﴾ [هود ،]92 :هذا حاصل رأي الشيخ عبد القاهر ووافقه الساكيك وزاد رشوطا
وتفاصيل بسطناها يف رشح ألفية املعاين) (.)1
َ َ ُ َ َ َ ُ َ َ ََ
ىلع اخلَ َ َ َْ َ َ ُ
ني قص ِد «اتلَّق روي» ال ِف ِ ر
عيل اجلمع ب رب
ِ ه
ِ إيل د
ِ سن الم يم د
ِ ق ت يف ع 25ـ قاعدة( :قد َيت ِم
خصيص»)َو«اتلَّ ِ
1ـ هذه القاعدة مستفادة من الكم اإلمامني اجلرجاين والزخمرشي ،وذكرها الشيخ ابن اعشور
ه ه
﴿الل يستهزئ بهم وي همدهم يف هطغيانهم يعم ههون﴾ [ابلقرة( :]15 :ذكر
ه يف تفسريه فقال عند قوهل تعاىل:
يستهزئ ديلل ىلع أن مضمون اجلملة ُمازاة ىلع استهزائهم .وألجل اعتبار االستئناف قدم اسم
الل تعاىل ىلع اخلرب الفعيل .ولم يقل يستهزىء الل بهم؛ ألن مما َيول يف خاطر السائل أن يقول من
اذلي يتوىل مقابلة سوء صنيعهم ،فأعلم أن اذلي يتوىل ذلك هو رب العزة تعاىل ،وِف ذلك تنويه
ل ل
بشأن املنترص هلم وهم املؤمنون كما قال تعاىل﴿ :إن الل يهداف هع عن اذلين آمنهوا﴾ [احلج.]38 :
فتقديم املسند إيله ىلع اخلرب الفعيل هنا إلفادة تقوي احلكم ال حمالة ،ثم يفيد مع ذلك قرص
املسند ىلع املسند إيله ،فإنه ملا َكن تقديم املسند إيله ىلع املسند الفعيل يف سياق اإلَياب يأيت
تلقوي احلكم ويأيت للقرص ىلع رأي الشيخ عبد القاهر وصاحب «الكشاف» ،كما رصح به يف
والل هيق ِّد هر الليل و ل
انلهار﴾ يف سورة املزمل [َ ،)2( ]20كن اجلمع بني قصد اتلقوي وقصد قوهل تعاىل ﴿ :ه
159
ه ً
اتلخصيص جائزا يف مقاصد الالكم ابلليغ وقد جوزه يف «الكشاف» عند قوهل تعاىل﴿ :فال ياف
ً ً
خبسا وال رهقا﴾ يف سورة اجلن [)1( ]13؛ ألن ما يراعيه ابلليغ من اخلصوصيات ال يرتك محل الالكم
ابلليغ عليه فكيف بأبلغ الكم ،وذللك يقال :انلكت ال تزتاحم) (.)2
ه ه ه ل ً ً
﴿الل ن لزل أحسن احلديث كتابا همتشابها مثاين تقشعر منه هجلود اذلين
ه 2ـ وعند قوهل تعاىل:
ود ههم وقهله ه
وب ههم إىل ذكر الل ذلك ههدى الل يهدي به من ي ه
شاء ومن يهضلل
له هل ه ه ه ه
يشون ربهم ثم تلني جل
الل فما ههل من ها ٍد﴾ [الزمر ]23 :قال( :وافتتاح اجلملة باسم اجلاللة يؤذن بتفخيم أحسن احلديث
ه
املْنل بأن مْنهل هو أعظم عظيم ،ثم اإلخبار عن اسم اجلاللة باخلرب الفعيل يدل ىلع تقوية احلكم
وحتقيقه ىلع حنو قوهلم :هو يعطي اجلزيل ،ويفيد مع اتلقوية داللة ىلع االختصاص ،أي اختصاص
تْنيل الكتاب بالل تعاىل ،واملعىن :الل نزل الكتاب ال غريه وضعه ،ففيه إثبات أنه مْنل من اعلم
القدس ،وذلك أيضا كناية عن كونه وحيا من عند الل ال من وضع البرش.
فدلت اجلملة ىلع تقو واختصاص بالرصاحة ،وىلع اختصاص بالكناية ،وإذ أخذ مفهوم القرص
ومفهوم الكناية وهو املغاير ملنطوقهما كذلك يؤخذ مغاير اتلْنيل فعال يليق بوضع البرش،
فاتلقدير :ال غري الل وضعه ،ردا لقول املرشكني :هو أساطري األولني.
ه ه
يف قوهل تعاىل﴿ :الل يستهزئ بهم﴾ [ابلقرة]15 : واتلحقيق اذلي درج عليه صاحب «الكشاف»
هو أن اتلقوي واالختصاص َيتمعان يف إسناد اخلرب الفعيل إىل املسند إيله ،ووافقه ىلع ذلك رشاح
«الكشاف» (.)3
والتسوية ،إال أن تأخذوا باألوسع لالحتياط :وذلك شاق عليكم بالغ منكم فتاب علي ه
كم عبارة عن الرتخيص يف
ّ
ترك القيام املقدر) .الكشاف .643 :4
ّ ه
( )1ـ قال الزخمرشي( :فال ياف ،فهو ال ياف ،أى فهو غري خائف ،وألن الالكم يف تقدير مبتدأ وخرب دخلت الفاء،
ً
ولوال ذاك لقيل :ال يف .فإن قلت :أي فائدة يف رفع الفعل وتقدير مبتدأ قبله حىت يقع خربا هل ووجوب إدخال الفاء،
ً
ولان ذلك لكه مستغىن عنه بأن يقال :ال يف؟ قلت :الفائدة فيه أنه إذا فعل ذلك ،فكأنه قيل :فهو ال ياف ،فاكن داال
ّ
ىلع حتقيق أن املؤمن ناج ال حمالة ،وأنه هو املختص بذلك دون غريه .وقرأ األعم :فال يف ،ىلع انليه) .الكشاف :4
.627
( )2ـ اتلحرير واتلنوير .293 :1
ه ( )3ـ قال الزخمرشي( :فإن قلت :كيف ابتدئ قوهل :ه
(الل يستهزئ بهم) ولم يعطف ىلع الالكم قبله؟ قلت :هو استئناف
يف َغية اجلزالة والفخامة .وفيه أن الل عز وجل هو اذلي يستهزئ بهم االستهزاء األبلغ ،اذلي ليس استهزاؤهم إيله
باستهزاء وال يؤبه هل يف مقابلته ،ملا يْنل بهم من انلاكل وُيل بهم من اهلوان واذلل .وفيه أن الل هو اذلي يتوىل االستهزاء
160
ومفاد هذا اتلقديم ىلع اخلرب الفعيل فيه حتقيق ملا تضمنته اإلضافة من اتلعظيم لشأن املضاف
ً
يف قوهل تعاىل﴿ :من ذكر الل﴾ [الزمر ]22 :كما علمته آنفا.
فاملراد بـ (أحسن احلديث) عني املراد بـ (ذكر الل) وهو القرآن ،عدل عن ذكر ضمريه لقصد
ه ه ه ل ً ً
إجراء األوصاف اثلالثة عليه .وه قوهل ﴿ :كتابا همتشابها مثاين تقشعر منه هجلود اذلين يشون
ر لب ههم﴾ إلخ (.)1
ه ِّ ه
قال( :وأوثرت اجلملة 3ـ وعند قوهل تعاىل﴿ :وحن هن نسبِّ هح حبمدك ونقد هس لك﴾
[ابلقرة]30 :
ه
االسمية يف قوهل﴿ :وحن هن نسبِّ هح﴾ إلفادة ادلاللة ىلع ادلوام واثلبات أي هو وصفهم املالزم جلبلتهم.
وتقديم املسند إيله ىلع اخلرب الفعيل دون حرف انلف ُيتمل أن يكون للتخصيص حباصل ما
دلت عليه اجلملة االسمية من ادلوام أي حنن ادلائمون ىلع التسبيح واتلقديس دون هذا املخلوق.
واألظهر أن اتلقديم ملجرد اتلقوي حنو هو يعطي اجلزيل) (.)2
عيل يف َ
رب ال ِف ِ ر َ ) َ َ َ َ َّ ُ ُ َ ُ َ َ َ
ىلع اخلَ َ
الوع ِد والضمان) ِ 26ـ قاعدة( :كث ِريا ما يتقدم المسند إيل ِه
هذه القاعدة مستفادة من الكم اإلمام اجلرجاين رمحه الل تعاىل ،فقد قال( :وجوه تقديم املحدث
ه ه ه ه عنه ومعانيها :وم ّما ُي ه
الوعد والضمان ،كقول الرجل« :أنا أعطيك»« ،أنا سن ذلك فيه ويكرث،
ل
قوم بهذا األمر» ،وذلك أن من شأن من تع هد هه وتضم هن هل ،أن يعرتضه الشك يف تمام
أكفيك»« ،أنا أ ه
الوعد وِف الوفاء به ،فهو من أحوج َش ٍء إىل ل
اتلأكيد) (.)3
الل الل يعص همك من ل
انلاس﴾ [املائدة ]67 :قال الشيخ ابن اعشور( :وقوهل﴿ :و ه وعند قوهل تعاىل﴿ :و ه
انلاس﴾ افتتح باسم اجلاللة لالهتمام به؛ ألن املخاطب والسامعني يرتقبون عقب يعص همك من ل
ً ً
األمر بتبليغ ك ما أنزل إيله ،أن ياليق عنتا وتكابلا عليه من أعدائه .فافتتح تطمينه بذكر اسم
ً
بهم انتقاما للمؤمنني ،وال ُيوج املؤمنني أن يعارضوهم باستهزاء مثله .فإن قلت :فهال قيل :الل مستهزئ بهم ،يلكون
ه ل ً
طبقا لقوهل( :إنما حن هن همستهزؤن)؟ قلت :ألن (يستهزئ) يفيد حدوث االستهزاء وجتدده وقتا بعد وقت ،وهكذا َكنت
ً ه ِّ ل ه
نكايات الل فيهم وبالياه انلازلة بهم (أوال يرون أن ههم يفتنهون يف ك اعمٍ م لرة أو م لرتني) ،وما َكنوا يلون يف أكرث
المناف هقون أن هت ل
ْنل أوقاتهم من تهتك أستار ،وتكشف أرسار ،ونزول يف شأنهم واستشعار حذر من أن يْنل فيهم (ُيذ هر ه
ه ه ل ه هه ه
عليهم هسورة تنبِّئه ههم بما يف قلوبهم)( ،قل استهزؤا إن الل خمرج ما حتذ هرون) .الكشاف .67 :1
( )1ـ اتلحرير واتلنوير .383 :23
( )2ـ اتلحرير واتلنوير .406 :1
( )3ـ يف كتابه :دالئل اإلعجاز.134 :
161
الل؛ ألن املعىن أن هذا ما عليك .فأما ما علينا فالل يعصمك ،فموقع تقديم اسم اجلاللة هنا همغ ٍن
عن اإلتيان بأما.
ىلع أن الشيخ عبد القاهر قد ذكر يف أبواب اتلقديم من «دالئل اإلعجاز» أن «مما ُيسن فيه
تقديم املسند إيله ىلع اخلرب الفعيل ويكرث :الوعد والضمان؛ ألن ذلك ينف أن يشك من يوعد يف
تمام الوعد والوفاء به ،فهو من أحوج انلاس إىل اتلأكيد ،كقول الرجل :أنا أكفيك ،أنا أقوم بهذا
األمر» ( )1انتىه.
الل يعص همك من
ومنه قوهل تعاىل حاكية عن يوسف﴿ :وأنا به زعيم﴾ [يوسف . ]72 :فقوهل﴿ :و ه
ً ل
انلاس﴾ فيه هذا املعىن أيضا .والعصمة هنا احلفظ والوقاية من كيد أعدائه) (.)2
اسميتان ،واألصل فيهما تقديم املسند إيله ،وقدم فيهما املسند إلفادة االختصاص.
ً يم اللفظ ىلع اعمله يهف ه
يد االختصاص َغبلا) .كما يف قوهل سبحانه﴿ :إيلاك ثم قاعدة( :تقد ه
نعبه هد﴾.
يد االختصاص) .مثل قوهل تعاىل عن مخر جرور كثريا ً ما يهف ه ه ل
الظرف أو الم ه ثم قاعدة( :تقديم
اجلنة﴿ :ال فيها غول﴾ فقدم ﴿فيها﴾ ىلع ﴿غول﴾ يلفيد ختصيص ذلك خبمر اجلنة؛ ألن مخر
اجلنة ال تغتال العقول ،فيه ليست كخمر ادلنيا.
ه ه ه يص مع لاتلخص هثم قاعدة( :حني َيتم هع ل
االهتمام أقوى) .كما يف قوهل سبحانه: اتلقديم يكون
ِّ ه ل
﴿قل إنما ح لرم ريب الفواح ما ظهر منها وما َطن واإلثم وابليغ بغري احل ِّق ﴾ [األعراف :]33 :فاإلثم
قبله لالهتمام باتلحذير منها قبل يشمل ك ذنب ،وهو أعم من الفواح ،فيكون ذكر الفواح
اتلحذير من اعمة اذلنوب ،فهو من ذكر اخلاص قبل العام لالهتمام ،واالهتمام احلاصل باتلخصيص
ً
مع اتلقديم أقوى؛ ألن فيه اهتماما من جهتني.
واآلن إىل القاعدة األوىل يف هذا املبحث:
ُ ُ َ َ َ ُ ُ َ َ َ َّ ْ
يد َ
احلرص) يم المسن ِد إذا احتفت به ق َرائن قد ي ِف 27ـ قاعدة( :تق ِد
ه
تقديم املسند إذا َكن حقه يف اجلملة اتلأخري ،فقد يفيد القرص بمساعدة قرائن احلال أو املقال،
ل
واملقصور عليه هو املقدم .مثل:
ه
الك لف ه ه
ار اء أنتهم أيها
كم ...هجبن ه لن تهز هموا إيماننا بسالح
ل
االسمية :اتلأخري ،تأخري «أنتم»، فجاء يف هذا الالكم تقديم « هجبناء» وهو مسند حقه يف اجلملة
وهو مسند إيله ،وحقه هنا :اتلقديم إلفادة القرص بمساعدة قرينة املقال السابق ،وقرينة حال
163
ل
وتولكنا ىلع ِّ ل
ربنا االستبسال ،واملعىن أنتم وحدكم اجلبناء بكفركم ،أما حنن فشجعان بإيماننا
(.)1
ومن ادلوايع ابلالغية تلقديم املسند إذا َكن األصل فيه اتلأخري :ختصيص املسند باملسند
رص املسند ىلع املسند إيله ،فال يكون لغريه.إيله ،أي :ق ه
1ـ ومن األمثلة ىلع ذلك :قوهل تعاىل﴿ :و ههو الل ال هلإ إ لال ههو ه
هل احلمد يف األوىل واآلخرة و ه
هل
ّ ه
احلكم وإيله ترج هعون﴾ [القصص ،]70 :فف هذه اآلية مجلتان قدم فيهما املسند ىلع املسند إيله،
هما ﴿ :ههل احلمد يف األوىل واآلخرة﴾ ،و﴿ :و ههل احلكم﴾ .واجلملتان اسميتان ،واألصل فيهما تقديم
املسند إيله ،وقدم فيهما املسند إلفادة اتلخصيص بمعىن القرص.
ّ ّ ل
والالم بمعىن االختصاص ،بمعىن أن ك احلمد وَّك احلكم مقصوران عليه ،ال يتعديان إىل
غريه سبحانه.
ه
2ـ ومن األمثلة كذلك :قوهل سبحانهِ﴿ :ل األمر من قبل ومن َع هد﴾ [الروم ،]4 :فهذه مجلة
هّ
اسمية ،واألصل فيها تقديم املسند إيله ،وقدم فيها املسند إلفادة اتلخصيص ،أي :احلرص.
ه ه
ونظري ذلك قوهل تعاىل﴿ :لكم دينهكم ويل دين﴾ [الاكفرون.]6 :
هل عد احلق فإذا ه شاخصة أبص ه وقوهل تعاىل﴿ :واقرتب الو ه
ار اذلين كف هروا ياويلنا قد كنا يف
هل ِّ
غفل ٍة من هاذا بل كنا ظالمني﴾ [األنبياء. ]97 :
ه ِّ فجملة ﴿شاخصة أبص ه
ار اذلين كف هروا﴾ قدم فيها اخلرب وهو ﴿شاخصة﴾ ىلع املبتدأ وهو
ار اذلين كف هروا﴾ إلرادة اتلخصيص ،فأبصار اذلين كفروا يوم القيامة ه الشاخصة، ﴿أبص ه
( )1ـ انظر :ابلالغة العربية أسسها وعلومها وفنونها ،للميداين .542 :1
164
ل ل
فف قوهل﴿ :ال فيها غول﴾ قدم املسند هو ﴿فيها﴾ املتعلق خبرب حمذوف مقدر ،وأخر املسند
ّ
إيله وهو ﴿غول﴾ إلفادة اتلخصيص ،أي :مخر اجلنة خمصوصة بنف الغول عنها خبالف مخر ادلنيا
(.)1
ه هل
3ـ وعند قوهل تعاىل﴿ :تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتهم﴾ [ابلقرة ]134 :قال
اإلمام أبو السعود﴿ :لها ما كسبت﴾ (مجلة مستأنفة ال حمل هلا من اإلعراب أو صفة أخرى ألمة،
ه
والعائد إيلها حمذوف ،أي هلا ما كسبته من أو حال من الضمري يف خلت ،وما موصولة أو موصوفة
األعمال الصاحلة املحكية ال تتخطاها إىل غريها.
ه ل
المسند إيله عليه كما هو املشهور﴿ ،ولكم ما كسبتهم﴾
المسند يوجب قرص ه فإن تقديم ه
عطف ىلع نظريتها ىلع الوجه األول ،ومجلة مبتدأة ىلع الوجهني األخريين ،إذ ال رابط فيها وال بد
منه يف الصفة ،وال مقارنة يف الزمان ،وال بد منها يف احلال ،أي لكم ما كسبتموه ال ما كسبه
غريكم.ه
ه ه
قرصه ىلع املسند إيله ،كما قيل يف قوهل تعاىل﴿ :لكم دينهكم
فإن تقديم املسند قد يهقصد به ه
ه
وىل دين﴾ ،أي ويل ديين ال دينهكم ،ومحل اجلملة األوىل ىلع هذا القرص ىلع معىن أن أوَلك ال
ِّ ه
املقام ،إذ ال يتوهم متوهم انتفاعهم بكسب هؤالء ينفعهم إال ما اكتسبوا ،كما قيل مما ال يساعده
ه ه
حىت ُيتاج إىل بيان امتناعه ،وإنما اذلي يهتوهم انتفاع هؤالء بكسبهم ،فبني امتناعه بأن أعماهلم
الصاحلة خمصوصة بهم ال تتخطاهم إىل غريهم ،وليس هلؤالء إال ما كسبوا فال ه
ينفعهم انتسابههم
ه
اتباعهم هلم يف األعمال) (.)2 إيلهم وإنما ينفعهم
ه
تقديم املسند، وقد ذكر اإلمام السيويط يف اإلتقان أن طرق احلرص كثرية ،وذكر منها( :اثلامن:
ل
ذكر ابن األثري وابن انلفيس وغريهما أن تقديم اخلرب ىلع املبتدأ يفيد االختصاص.
ورده صاحب الفلك ادلائر بأنه لم يقل به أحد ،وهو ممنوع فقد رصح الساكيك وغريه بأن تقديم
ما رتبته اتلأخري يفيده ،ومثلوه بنحو :تمييم أنا) (.)3
( )1ـ انظر :ابلالغة العربية أسسها وعلومها وفنونها .376 :1
( )2ـ إرشاد العقل السليم .165 :1
( )3ـ اإلتقان .172 :3
165
ه ه ه ه ه ل ً
4ـ ومن األمثلة أيضا :قوهل تعاىل﴿ :اذلين آمنهوا ولم يلب هسوا إيمانهم بظل ٍم أوَلك لهم األمن وهم
ه ه
ً
همهت هدون﴾ [األنعام ،]82 :فحرص األمن فيمن ذكر ىلع الوجهني يهؤخذ من :تكرار اإلسناد ثالثا،
وتقديم املسند ىلع املسند إيله اثلالث.
ولوال إرادة االختصاص لاكن الالكم هكذا :األمن لذلين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم.
ولو قيل( :لذلين آمنوا األمن) لاكن آكد ،وآكد منه أن يقال( :اذلين آمنوا ...هلم األمن).
ه ه ه ه ل
وآكد من هذا :نص اآلية﴿ :اذلين آمنهوا ولم يلب هسوا إيمان ههم بظل ٍم أوَلك لهم األمن وهم
ه ه
]52قال الشيخ ابن اعشور( :وتقديم املسندين ىلع املسند إيلهما يف قوهل﴿ :ما عليك من حسابهم
من َش ٍء وما من حسابك عليهم من َش ٍء﴾ تقديم غري واجب؛ ألن لالبتداء بانلكرتني هنا
ً
مسوَغ ،وهو وقوعهما يف سياق انلف.
ً
فاكن تقديم املجرورين هنا اختياريا فال بد هل من غرض.
والغرض ُيتمل ُمرد االهتمام وُيتمل االختصاص .وحيث تأىت معىن االختصاص هنا
فاعتباره أيلق بأبلغ الكم ،وذللك جرى عليه الكم «الكشاف» .
وعليه فمعىن الالكم قرص نف حسابهم ىلع انليب صَّل الل عليه وسلم ،يلفيد أن حسابهم ىلع
غريه وهو الل تعاىل .وذلك هو مفاد القرص احلاصل باتلقديم إذا وقع يف سياق انلف ،وهو مفاد خف
ىلع كثري ،لقلة وقوع القرص بواسطة اتلقديم يف سياق انلف.
ومثاهل املشهور قوهل تعاىل﴿ :ال فيها غول﴾ [الصافات ،]47 :فإنهم فرسوه بأن عدم الغول مقصور
ىلع االتصاف خبمور اجلنة ،فالقرص قرص قلب.
وقد اجتمع يف هذا الالكم مخسة مؤكدات .وه (من) ابليانية ،و(من) الزائدة ،وتقديم املعمول،
وصيغة احلرص يف قوهل :ما عليك من حسابهم من َشء ،واتلأكيد باتلتميم بنف املقابل يف قوهل:
فقد مثل به يف «الكشاف» عند قوهل تعاىل﴿ :ال ريب فيه﴾ [ابلقرة ]2:فقال« :قصد تفضيل مخر اجلنة
ً ل
ىلع مخور ادلنيا» ( ،)2وقال السيد يف رشحه هنالك « :هعد قرصا للموصوف ىلع الصفة ،أي الغول
مقصور ىلع عدم احلصول يف مخور اجلنة ال يتعداه إىل عدم احلصول فيما يقابله ،أو عدم الغول
مقصور ىلع احلصول فيها ال يتجاوزه إىل احلصول يف هذه اخلمور» .وقد أحلت عند قوهل تعاىل:
﴿الريب فيه﴾ ىلع هذه اآلية هنا.
فبنا أن نبني طريقة القرص باتلقديم يف انلف ،وه أن القرص ملا َكن كيفية اعرضة للرتكيب
ً ً
ولم يكن قيدا لفظيا حبيث يتوجه انلف إيله َكنت تلك الكيفية مستصحبة مع انلف ،فنحو﴿ :ال
فيها غول﴾ يفيد قرص الغول ىلع االنتفاء عن مخور ادلنيا وال يفيد قرص الغول ىلع الكون يف مخور
إذ قال: اجلنة .وإىل هذا أشار السيد يف رشح «الكشاف» عند قوهل﴿ :ال ريب فيه﴾
[ابلقرة]2:
ً ً
«وباجلملة َيعل حرف انلف جزءا أو حرفا من حروف املسند أو املسند إيله» وىلع هذا بىن
الظاهر ،بتْنيل السامعني مْنلة من يعتقد أن إَياد اإليمان يف الكفار يكون بتكوين الل
وباإلجلاء من املخلوق ،فقرص هداهم ىلع عدم الكون يف إجلاء املخلوقني إياهم ،ال ىلع عدم الكون
يف أنه ىلع الل ،فيلزم من ذلك أنه ىلع الل ،أي مفوض إيله) (.)1
ه ه ه 7ـ وعند قوهل تعاىل﴿ :إ لن ه
هؤالء همت لرب ما هم فيه وباطل ما َكنوا يعملون﴾ [األعراف ]139 :قال:
ه ل ه ه ل ه ه ل
(ومجلة ﴿إن هؤالء مترب ما هم فيه﴾ بمعىن اتلعليل ملضمون مجلة ﴿إنكم قوم جتهلون﴾ [األعراف:
،]138فذللك فصلت عنها وقد أكدت وجعلت اسمية ملثل األغراض اليت ذكرت يف أختها ،وقد
عرف املسند إيله باإلشارة تلميزيهم بتلك احلالة اليت هم متلبسون بها أكمل تميزي ،وللتنبيه ىلع
ً
أنهم أحرياء بما يرد بعد اسم اإلشارة من األوصاف وه كونهم متربا أمرهم وباطال عملهم.
ه
﴿مت لرب﴾ ىلع املسند إيله وهو ﴿ما هم فيه﴾ يلفيد ختصيصه باملسند إيله،وقدم املسند وهو ه
أي :هم املعرض ون للتبار وأنه ال يعدوهم ابلتة وأنه هلم رضبة الزب ،وال يصح أن َيعل ﴿ همت لرب﴾
مسندا إيله ألن املقصود باالخبار هو ما هم فيه.
ً ل ل
واملترب :املدمر ،واتلبار بفتح اتلاء اهلالك ﴿وال تزد الظالمني إال تبارا﴾ [نوح .]28 :يقال :ترب
اليشء كرضب وتعب وقتل وتربه تضعيف للتعدية ،أي أهلكه واتلتبري مستعار هنا لفساد احلال،
فيبىق اسم املفعول ىلع حقيقته يف أنه وصف للموصوف به يف زمن احلال.
تتْنل مْنلة ابليان إلمجال اجلملة اليت قبلها وه ﴿فأقم وجهك ل ِّدلين القيِّم﴾ [الروم ،]43 :إذ
اتلثبيت ىلع ادلين بعد ذكر ما أصاب املرشكني من الفساد بسبب رشكهم يتضمن حتقري شأنهم
عند الرسول صَّل الل عليه وسلم واملؤمنني ،فبني ذلك بأنهم ال يرضون بكفرهم إال أنفسهم.
ه
واذلي يكشف هذا املعىن :تقديم املسند يف قوهل﴿ :فعليه كف هر هه﴾ ،فإنه يفيد ختصيصه
باملسند إيله ،أي فكفره عليه ال عليك وال ىلع املؤمنني ،وهلذا ابتدئ بذكر حال من كفر ثم
ً
ذكر بعده ﴿ومن عمل صاحلا﴾ (.)2
ه ه ه ه هه ه ل ه ل
9ـ وعند قوهل تعاىل﴿ :واذلين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إىل الل لهم البرشى﴾ [الزمر:
ه
]17قال( :وِف تقديم املسند من قوهل﴿ :ل هه هم البهرشى﴾ إفادة القرص ،وهو مثل القرص يف﴿ :أوَلك
ه ه ه ه ه ه ه ل
()3
اذلين هداهم الل وأوَلك هم أولو األبلاب﴾ [الزمر. )]18 :
وِف حاشية الشهاب اخلفايج ىلع ابليضاوي( :تقديم املسند ىلع املسند إيله ،مذهب الساكيك
واخلطيب أنه يفيد قرص املسند إيله ىلع املسند ،فمعىن عليك اتلالكن ال ىلع غريك ،ورصح به
الزخمرشي يف مواضع والساكيك يف أحوال املسند .وقال يف القرص :إنه من قرص املوصوف ىلع الصفة.
وعند الطييب ومن تابعه أنه من قرص املسند ىلع املسند إيله وهو عنده من قرص املوصوف ىلع
الصفة ،ذكره يف اتلبيان.
ً ً
وذكر صاحب الفلك ادلائر أنه ال يفيد قرصا أصال ،وذهب بعض املتأخرين أنه يرد للك منهما)
(.)4
( )1ـ انظر :إفادة تقديم ما حقه اتلأخري لالختصاص بني الزخمرشي وأ يب حيان ،لدلكتور منصور أ يب زينة ،وادلكتور حممد
رضا احلوري ،7 :وأسايلب القرص يف القرآن الكريم وأرسارها ابلالغية لدلكتور صباح دراز.19 :
وهناك من يرى أن هناك فرقا ً بني االختصاص واحلرص ،إال أن كثريا ً من العلماء ال ِّ
يفرقون بني ذلك يف االستعمال
ِّ
فيعربون بأحد هذين اللفظني.
( )2ـ انظر :ملسات بيانية يف نصوص من اتلْنيل.476 :
170
ً ه ه
﴿وأنفس ههم َكنوا يظل همون﴾ [األعراف ،]177 :إما أن يكون معطوفا ىلع كذبوا ،فيدخل يف حزي
ً ً
الصلة بمعىن :اذلين مجعوا بني اتلكذيب ،بيآيات الل وظلم أنفسهم .وإما أن يكون الكما منقطعا
عن الصلة ،بمعىن :وما ظلموا إال أنفسهم باتلكذيب.
ل
يتعدها إىل غريها) (.)1 وتقديم املفعول به لالختصاص ،كأنه قيل :وخصوا أنفسهم بالظلم لم
2ـ وعند قوهل تعاىل﴿ :ولِئ همتم أو قهتلتهم إلىل الل هحت ه
رشون﴾ [آل عمران ]158 :قال أبو حيان( :هذا
خطاب اعم للمؤمن والاكفر .أعلم فيه أن مصري اجلميع إيله ،فيجازي الك بعمله ،هكذا قال
بعضهم.
ل
وكأنه ملا رأى املوت والقتل أطلقا ولم يقيدا بذكر سبيل الل كما قيدا يف اآلية ،فهم أن ذلك
ّ
اعم .والظاهر أنه خطاب للمؤمنني َكخلطاب السابق ،وذللك قدره الزخمرشي :إلىل ا للرحيم الواسع
الرمحة املميت العظيم اثلواب حترشون.
قال :ولوقوع اسم الل هذا املوقع مع تقديمه وإدخال الالم ىلع احلرف املتصل به سيان ليس
باخلف انتىه .يشري بذلك إىل مذهبه :من أن اتلقديم يؤذن باالختصاص ،فاكن املعىن عنده :فإىل
الل ال غريه حترشون .وهو عندنا ال يدل بالوضع ىلع ذلك ،وإنما يدل اتلقديم ىلع االعتناء باليشء
ل ً
واالهتمام بذكره ،كما قال سيبويه :وزاده حسنا هنا أن تأخر الفعل هنا فاضلة ،فلو تأخر املجرور
ل
لفات هذا الغرض وتضمنت اآلية حتقري أمر ادلنيا واحلرص ىلع الشهادة ،وأن مصري العالم لكهم
ل
إىل الل ،فاملوافاة ىلع الشهادة أمثل باملرء يلحرز ثوابها ،وَيده وقت احلرش .وقدم املوت هنا ىلع
القتل؛ ألنها آية وعظ باآلخرة واحلرش ،وتزهيد يف ادلنيا واحلياة ،واملوت فيها مطلق لم يقيد بيشء.
ّ ً ً
فإما أن يكون اخلطاب خمتصا بمن خوطب قبل ،أو اعما واندرج أوَلك فيه ،فقدم لعمومه،
وألنه أغلب يف انلاس من القتل ،فهذه ثالثة مواضع .ما ماتوا وما قتلوا:
ه هّ ً ه
فقدم املوت ىلع القتل ملناسبة ما قبله من قوهل﴿ :إذا رضبوا يف األرض أو َكنوا غزى﴾ [آل عمران:
.]156
ل
وتقدم القتل ىلع املوت بعد ،ألنه حمل حتريض ىلع اجلهاد ،فقدم األهم واألرشف.
تفصل عن مجلة ﴿إيلاك نعبه هد﴾ بطريقة تعداد اجلمل مقام اتلرضع وحنوه من مقامات اتلعداد
ً
واتلكرير الك أو بعضا لإلشارة إىل خطور الفعلني مجيعا يف إرادة املتلكمني بهذا اتلخصيص ،أي
ً
خنصك باالستعانة أيضا مع ختصيصك بالعبادة) (.)3
ه ه ه ً
4ـ وقال أيضا( :ومعىن﴿ :يل عميل ولكم عملكم﴾ [يونس ،]41 ،املتاركة .وهو مما أجري ُمرى
املثل ،وذللك بين ىلع االختصار ووفرة املعىن ،فأفيد فيه معىن احلرص بتقديم املعمول وباتلعبري
فقدم اخلرب (هل) ىلع اسم (أن)( :نار جهنم) إلفادة القرص ،أي هل ال لغريه ،واإلفراد يف (هل)
ً
و(خادلا) مراد به العموم.
ه ه ل ه
7ـ ومن ذلك ما جاء يف قوهل تعاىل﴿ :قالت ل ههم هر هسل ههم إن حن هن إال برش مثلكم ولك لن الل
ل ل ه ه ه ه
ان إال بإذن الل وىلع الل فليتوَّك يمن ىلع من يشاء من عباده وما َكن نلا أن نأتيكم بسلط ٍ
ل ل ل ل
المؤمنهون .وما نلا أال نتوَّك ىلع الل وقد هدانا هسبهلنا ونلصربن ىلع ما آذيته همونا وىلع الل فليتوَّك ه
ه ِّ ه
المتولكون) [إبراهيم .]12-11
فف تقديم اجلار واملجرور يف لفظة اجلاللة ﴿وىلع الل﴾ يف اآليتني إلفادة القرص واتلخصيص
أي :اتلوَّك واالعتماد ال يكون إال ىلع الل ال ىلع غريه.
ه ل ً ً
اء لذلين8ـ ومن ذلك أيضا ما جاء يف السورة نفسها قوهل تعاىل﴿ :وبر هزوا ِل مجيعا فقال الضعف
كم تبعا ً فهل أنتهم همغنهون ع لنا من عذاب الل من َش ٍء قالهوا لو هدانا ه
الل
ه ه ل هل
ربوا إنا كنا ل استك
ه
يص﴾ [إبراهيم.]21:
لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صربنا ما نلا من حم ٍ
ً ه
جاء تقديم ﴿لكم﴾ ىلع ﴿تبعا﴾ إلفادة اتلخصيص اتلبعية هلم وقرصها عليهم دون غريهم
وحبس حياتهم رهن إشارتهم وفيه إظهار مدى ندامتهم وحرستهم ىلع تلك اتلبعية لسادتهم اذلين
ً
لم يستطيعوا أن يدفعوا عنهم وال عن أنفسهم شيئا وقد هلك اجلميع.
9ـ ومما جاء يف ختصيص امللك واحلمد بالل وحده دون غريه ،قوهل تعاىل﴿ :يهسبِّ هح ِل ما يف
ه ِّ ه ه ه ه
هل احلم هد وهو ىلع ك َش ٍء قدير﴾ [اتلغابن.]1:
كو ه ل
السموات وما يف األرض هل المل
174
10ـ ومما جاء يف اتلقديم إلفادة اتلخصيص وراعية الفاصلة ،قوهل تعاىل﴿ :بئسما اشرتوا به
اء من عباده فب ه
اءوا الل من فضله ىلع من يش هْنل ه الل َغيا ً أن هي ِّ
أن هفس ههم أن يك هف هروا بما أنزل ه
ه
ب وللاكفرين عذاب مهني﴾ [ابلقرة .]90
ب ىلع غض ٍ
بغض ٍ
ِّ ه ه ً ً
11ـ ومنه أيضا قوهل تعاىل﴿ :ولقد أرسلنا من قبلك هر هسال إىل قومهم فجاؤوهم بابلينات
فانتقمنا من لاذلين أجر هموا ولان ح ّقا ً علينا ن ه
رص ال همؤمنني﴾ [الروم .] 47
ً
فتقديم اتلوكيد ﴿حقا﴾ وتقديم خرب َكن ﴿علينا﴾ إلشعار املؤمنني بانلرص املحقق اذلي ال
مرية فيه وِف هذا ترسيخ للعقيدة وحسن اتلوَّك ىلع الل واثلقة فيه ال يف غريه ،عندما يشعر املؤمن
ٌّ
خمتص بالل مقصور عليه سبحانه (.)1 بأن انلرص
ومن الطرق اليت يستفاد منها القرص :أن يكون القرص بدالالت يف الالكم تفهم من :تقديم
ه
ما حقه اتلأخري يف اجلملة ،أو إضافة ضمري الفصل ،أو تعريف طرِف اإلسناد يف اجلملة.
ّ ّ فأما تقديم ما حق هه اتلأخري يف اجلملة ،فقد ل
نبه ابلالغيون ىلع أن تقديم ما حقه اتلأخري يف
يد القرص يف بعض هصوره ،ومن ذلك :تقديم املعمول ىلع اعمله ،أو تقديم املسند إيله اجلملة قد يهف ه
إذا َكن حقه يف اجلملة اتلأخري ،أو تقديم املسند إذا َكن حقه يف اجلملة اتلأخري.
ً ّ ل
أما تقديم املعمول ىلع اعمله فجمهور ابلالغيني ىلع أنه يفيد القرص ،سواء أكان مفعوال ،أم
ل
جر ،واملقصور عليه هو املقدم. ظرفاً ،أم ُمرورا ً حبرف ّ
ل ل ّ كما يف قوهل تعاىل﴿ :إيلاك نعبه هد وإيلاك نستع ه
عز وجل ني﴾ ،فدل هذا اتلقديم ىلع ختصيص الل
ل ل
بالعبادة واالستعانة ،فاملعىن :ال نعبهد إال إيّاك ،وال نستعني إال بك.
والقرص هنا من قرص الصفة ىلع املوصوف ،وهو قرص حقيق.
كونهوا هشهدآء ىلع ل ه ِّ ً ه هلً
انلاس 12ـ ومن األمثلة قوهل تعاىل﴿ :وكذلك جعلناكم أمة وسطا تل
ً ه ل ه ه
الر هسول عليكم شهيدا[ ﴾...ابلقرة .]143 ويكون
ل ل ل ه ِّ ه ِّ
فأخرت الصلة عن اعملها يف العبارة األوىل﴿ :شهداء ىلع انلاس﴾ ،ألن املراد ُمرد إثبات
شهادة املسلمني ىلع انلاس دون ختصيصهم بهذه الشهادة ،إذ قد يشه هد عليهم عيىس عليه السالم
اذلي ل ه
برشهم خباتم املرسلني ،وسيشه هد عليهم عند نزوهل.
( )1ـ انظر« :اإلعجاز ابلاليغ يف اتلقديم واتلأخري» لدلكتور حممد السيد عبد الرازق موىس.
175
ه ه ِّ ً ه ل ه ه ّ
الر هسول عليكم شهيدا﴾ فقد قدمت الصلة ﴿عليكم﴾ أما يف العبارة اثلانية﴿ :ويكون
ل ً
ىلع اعملها ﴿شهيدا﴾؛ ألن املراد ختصيص الرسول بالشهادة عليهم.
ه 13ـ ومن األمثلة قوهل تعاىل﴿ :أفتهؤمنهون ببعض الكتاب وتك هف هرون ببعض فما جز ه
آء من يفعل ٍ
ِّ ه ل
ذالك منكم إال خزي يف احلياة ادلنيا ويوم القيامة يهردون إىل أشد العذاب[ ﴾..ابلقرة .]85
ِّ لّ ِّ ه ِّ ل ه
الرد إىل أشد فقدم الظرف ﴿ويوم القيامة﴾ ىلع اعمله ﴿يهردون إىل أشد العذاب﴾ إلفادة قرص
العذاب ىلع كونه يقع يوم القيام ،وهو قرص حقيق.
ل
وأما تقديم املسند إيله إذا َكن حقه يف اجلملة اتلأخري ،فقد يفيد القرص يف بعض أحواهل ،وقد
ُمرد اتلقوية واتلأكيد ،وداللة القرص يساعد عليها سباق الالكم وسياقه ،وقرائن احلال،يفيد ّ
ل
واملقصور عليه هو املقدم.
فمن إفادة تقديم املسند إيله القرص ما ييل:
ً ً ً
األول :أن يكون املسند إيله معرفة واملسن هد فعال مثبتا ،كأن تقول« :أنا قمت» «أنا سعيت يف
حاجتك».
قمت وحدي» «أنا سعي ه
ت يف حاجتك ه فإذا َكن القرص قرص «إفراد» جاء اتلأكيد بنحو« :أنا
وحدي».
وإذا َكن قرص «قلب» جاء اتلأكيد بنحو« :أنا قهم ه
ت دون غريي»« ،أنا سعي ه
ت يف حاجتك ال
غريي» وكذلك إذا َكن القرص قرص تعيني.
وجل يف سورة انلمل يف عرض ّ ل ل
قصة هديلة ملكه سبأ لسليمان 14ـ ومنه ما جاء يف قول الل عز
ه ه ه ِّ
المرسلون .فل لما جيآء هسليمان قال السالم ،قالت﴿ :وإين همرسلة إيلهم بهديل ٍة فناظرة بم يرجع
عليه ل
ه ه ِّ
الل خري م لما آتاكم بل أنتهم بهديلتكم تفر هحون﴾ [انلمل35 :ـ .]36أتهمدونن بمال فميآ آتاين ه
ٍ
المسند﴿ :تفر هحون﴾ مع تقديم املعمول انلص تقديم املسند إيله﴿ :أنتهم﴾ ىلع ه جاء يف هذا ِّ
ه
﴿بهديلتكم﴾ ىلع اعمله ﴿تفر هحون﴾.
انلص القرص اإلضايف، والشاهد هنا تقديم املسند إيله املفيد مع القرائن اليت اشتمل عليها ل
إيل ،فأنا لست بها فرحاً ،فما آتاين ا ه
لل خري
ل
يتعدى ل ل
واملعىن أن الفرح باهلديلة مقصور عليكم ،ال
ل
مما آتاكم.
176
ه ِّ ل ل
عز وجل لرسوهل بشأن املنافقني﴿ :وم لمن حولكم من األعراب 15ـ ومنه ما جاء يف قول الل
ه ه
همنافقون ومن أهل المدينة مردوا ىلع انلِّفاق ال تعل هم ههم حن هن نعل هم ههم[ ﴾..اتلوبة .]101
قدم يف هذا انل ّص املسند إيله ﴿حن هن﴾ ىلع ال همسند ﴿نعل هم ههم﴾ إلفادة قرص العلم بهم ىلع الل،
ً ل
وظاهر أن القرص هنا هو من قبيل القرص اإلضايف ،إذ قد تعل هم هه هم املالئكة أيضا ،ولكن جاء
ه ه ل
القرص يف مقابلة نف العلم بهم عن الرسول ،ولعل ذلك قد َكن قبل أن يعلمه الل بهم ،أو أن بعض
املنافقني لم يهعلم الل رسوهل بهم.
ًّ
منفيا ،كأن تقول ملن ختاطبه« :أنت ال تكذب» فهذه العبارة أبلغ المسن هد
اثلاين :أن يكون ه
تكذب أنت» وهذا اتلقديم قد يفيد القرص بمساعدة القرائن. ه من أن تقول هل« :ال
ً ه ه ه ه ل ه ه ه ل ل
عز وجل﴿ :كتب عليك هم القتال وهو كره لكم وعىس أن تكرهوا شيئا 16ـ ومنه قول الل
ً ه ٌّ ل ه ه ل ه ه
الل يعل هم وأنتهم ال تعل همون﴾ [ابلقرة.]216 : كم و ه وهو خري لكم وعىس أن حتبوا شيئا وهو رش ل
انل ّص ،وساعد ىلع رص عدم العلم ىلع املخاطبني يف ل فف قوهل﴿ :وأنتهم ال تعل همون﴾ يهالح هظ ق ه
هذه ادلاللة قوهل تعاىل قبله ﴿و ه
الل يعل هم﴾.
نكرة مثبتاً ،كأن تقول « :ه
رجل جاءين».
ً
اثلالث :أن يكون املسند إيله
فقد يفيد تقديم املسند إيله فيه هذه احلالة القرص بمساعدة القرائن من احلال أو من املقال.
فإذا كنت يف معرض تساؤل متسائل هل اذلي جاءك من الرجال أو من النساء؟ َكن قولك:
ً ل
«رجل جاءين» مفيدا أنه ليس امرأة.
ً
وإذا كنت يف معرض تساؤل متساءل هل جاءك رجل أو أكرث؟ َكن قولك« :رجل جاءين» مفيدا
ّ
أنه رجل واحد ال أكرث.
ه الرابع :أن يأيت قبل املسند إيله حر هف نف ،كأن تقول« :ما أنا ه
قلت هذا القول» أي :أنام لم أقله
ّ
مع أن غريي قاهل فتدل بعبارتك ىلع قرص انلف ىلع نفسك ،مع إثبات القول لغريك.
ّ ً ل ِّ
نصا يف ادلاللة (.)1 وِف ك ذلك ال بهد من مساعدة القرائن ،فليس القول
( )1ـ انظر :ابلالغة العربية أسسها وعلومها وفنونها .536 :1
177
َ َ ) ُ ُ َ
الم ُ َ ُ َّ
الظ ْ
ور كثِريا ما ي ِفيد االخت ِصاص)
ِ جر أو ف
ِ ر 29ـ قاعدة( :تق ِديم
1ـ هذه القاعدة مستفادة من عدد من العلماء ،منهم :الزخمرشي والزركيش والشهاب اخلفايج
ل ه وابن اعشور ،قال اإلمام الزخمرشي عند قوهل تعاىل﴿ :ذلك الكت ه
اب ال ريب فيه هدى لل همتقني﴾
ّ ّ
[ابلقرة( :]2 :فإن قلت :فهال قدم الظرف ىلع الريب ،كما قدم ىلع الغول يف قوهل تعاىل﴿ :ال فيها
غول﴾؟
ل
قلت :ألن القصد يف إيالء الريب حرف انلف ،نف الريب عنه ،وإثبات أنه حق وصدق ال باطل
ً ل ل
وكذب ،كما َكن املرشكون يدعونه ،ولو أوىل الظرف لقصد إىل ما يبعد عن املراد ،وهو أن كتابا
آخر فيه الريب ال فيه ،كما قصد يف قوهل﴿ :ال فيها غول﴾ تفضيل مخر اجلنة ىلع مخور ادلنيا ،بأنها
ال تغتال العقول كما تغتاهلا ه ،كأنه قيل :ليس فيها ما يف غريها من هذا العيب وانلقيصة) (.)1
وبعد أن أشار اإلمام ابن اعشور إىل الكم الزخمرشي قال( :يعين ألن اتلقديم يف مثله يفيد
ً
االختصاص ،فيكون مفيدا أن نف الريب عنه مقصور عليه ،وأن غريه من الكتب فيه الريب وهو
غري مقصود هنا.
وليس احلرص يف قوهل﴿ :ال ريب﴾ فيه بمقصود؛ ألن السياق خطاب للعرب املتحدين بالقرآن
وليسوا من أهل كتاب حىت يرد عليهم .وإنما أريد أنهم ال عذر هلم يف إنكارهم أنه من عند الل
إذ هم قد دعوا إىل معارضته فعجزوا.
نعم يستفاد منه تعريض بأهل الكتاب اذلين آزروا املرشكني ،وشجعوهم ىلع اتلكذيب به ،بأن
ً
القرآن لعلو شأنه بني نظرائه من الكتب ،ليس فيه ما يدعو إىل االرتياب يف كونه مْنال من الل،
إثارة للتدبر فيه هل َيدون ما يوجب االرتياب فيه ،وذلك يستطري جاثم إعجابهم بكتابهم املبدل
املحرف ،فإن الشك يف احلقائق رائد ظهورها .والفجر باملستطري بني يدي طلوع الشمس بشري
بسفورها.
وقد بىن الكمه ىلع أن اجلملة املكيفة بالقرص يف حالة اإلثبات ،لو دخل عليها نف وه بتلك
الكيفية أفاد قرص انلف ال نف القرص .وأمثلة صاحب «املفتاح» يف تقديم املسند لالختصاص
سوى فيها بني ما جاء باإلثبات وما جاء بانلف.
( )1ـ اتلحرير واتلنوير .224 :1وسبق نقل الكم ابن اعشور عن هذه اآلية﴿ :ليس عليك هه ه
داهم﴾ [ابلقرة ]272 :يف
المسند إذا احت لفت به قرائن قد يهف ه
يد احلرص) ،ص .167 يم هالقاعدة رقم (( :)27تقد ه
( )1ـ اتلحرير واتلنوير .418 :30
ل
( )2ـ اتلحرير واتلنوير .144 :4ونص الكم الزخمرشي«( :ما» مزيدة للتوكيد ،وادلاللة ىلع أن يلنه هلم ما َكن إال برمحة
من الل ،وحنوه﴿ :فبما نقضهم ميثاق ههم لع لن ه
اهم﴾) الكشاف .431 :1
( )3ـ اتلحرير واتلنوير .100 :8
182
املبحث السابع :قواعد يف تقديم الضمري وتقديم املفعول
سأذكر يف هذا املبحث ثالث قواعد من قواعد اتلقديم واتلأخري تتعلق بتقديم الضمري،
يد االختصاص) .كما يف قوهل الضمري كثريا ً ما يهف ه
ه ل
وبتقديم املفعول ،وأول هذه القواعد( :تقديم
ل ه ل
ار اذلين كف هروا﴾ [األنبياء ،]97 :يلفيد أن تعاىل﴿ :واقرتب الوع هد احلق فإذا ه شاخصة أبص
ٌّ
الشخوص خاص بالاكفرين دون غريهم.
ه ه
يم لـما ماكنه اتلأخري يهراد به االختصاص) .فهناك أغراض أخرى ثم قاعدة( :ليس ك تقد ٍ
للتقديم.
اتلقديم احلرص من تقديم فعول مع اشتغال فعله بضمريه ه
آكد يف إفادة ل يم الم ه
ثم قاعدة( :تقد ه
فتقديم املفعول هنا متعني لالختصاص ،وتقديم املفعول مع اشتغال فعله بضمريه آكد يف إفادة
اتلقديم للحرص من تقديم املفعول ىلع الفعل غري املشتغل بضمريه.
ً
وأبدأ مستمدا العون من الل سبحانه بالقاعدة األوىل يف هذا املبحث:
) ُ ُ ْ َ َ َ ْ ُ َّ
ري كثريا ما ي ِفيد االختِصاص)
ِ م
ِ الض 31ـ قاعدة( :تق ِديم
هذه القاعدة مستفادة من عدد من العلماء ،منهم اإلمام نرص الل بن حممد أبو الفتح ،املعروف
بابن األثري (املتوّف637 :ه) ،فقد قال يف قوهل تعاىل﴿ :واقرتب الوع هد احلق فإذا ه شاخصة أبص ه
ار
ل
اذلين كف هروا﴾ [األنبياء( :]97 :إنما قال ذلك ،ولم يقل :فإذا أبصار اذلين كفروا شاخصة ألمرين:
أحدهما ختصيص األبصار بالشخوص دون غريها ،أما األول فلو قال :فإذا أبصار اذلين كفروا
شاخصة جلاز أن يضع موضع «شاخصة» غريه ،فيقول« :حائرة» ،أو «مطموسة» ،أو غري ذلك ،فلما
قدم الضمري اختص الشخوص باألبصار دون غريها.
ً
وأما اثلاين :فإنه ملا أراد أن الشخوص بهم دون غريهم دل عليه بتقديم الضمري أوال ،ثم
ً
بصاحبه ثانيا ،كأنه قال :فإذا هم شاخصون دون غريهم ،ولوال أنه أراد هذين األمرين املشار
إيلهما لقال :فإذا أبصار اذلين كفروا شاخصة؛ ألنه أخرص حبذف الضمري من الالكم.
183
الط هه ه ه
(هو ل
ور ومن هذا انلوع قول انليب صَّل الل عليه وسلم وقد سئل عن ماء ابلحر ،فقال:
ه ه
ماؤ هه احلل ميتتهه) ( ،)1وتقدير الالكم :هو اذلي ماؤه طهور ،وميتته حل؛ ألن األلف والالم ههنا
بمعىن اذلي.
ً
وأما تقديم الظرف ،فإنه إذا َكن الالكم مقصودا به اإلثبات ،فإن تقديمه أوىل من تأخريه،
وفائدته إسناد الالكم الواقع بعده إىل صاحب الظرف دون غريه.
فإذا أريد بالالكم انلف فيحسن فيه تقديم الظرف وتأخريه ،والك هذين األمرين هل موضع
يتص به.
فأما تقديمه يف انلف ،فإنه يقصد به تفضيل املنف عنه ىلع غريه أما تأخريه ،فإنه يقصد به
انلف أصال من غري تفضيل.
فأما األول ـ وهو تقديم الظرف يف اإلثبات ـ فكقولك يف الصورة املقدمة :إن إيل مصري هذا
األمر ،ولو أخرت الظرف ،فقلت :إن مصري هذا األمر إيل ،لم يعط من املعىن ما أعطاه األول،
وذلك أن األول دل ىلع أن مصري األمر ليس إال إيلك ،وذلك خبالف اثلاين ،إذ ُيتمل أن توقع
الالكم بعد الظرف ىلع غريك ،فيقال :إىل زيد ،أو عمرو ،أو غريهما.
ه ل ل
ىلع حنو منه جاء قوهل تعاىل﴿ :إن إيلنا إياَ ههم .ث لم إن علينا حساَ ههم﴾ [الغاشية25 :ـ .]26
ه ه ه ه ه ل ه ِّ ه
وكذلك جاء قوهل تعاىل﴿ :يسبح ِل ما يف السموات وما يف األرض هل الملك وهل احلمد﴾ [اتلغابن:
.]1
ه ه ه
هل احلم هد﴾؛ يلدل بتقديمها ىلع اختصاص
كو ه فإنه إنما قدم الظرفني ههنا يف قوهل ﴿هل المل
امللك ،واحلمد بالل ال بغريه.
ً
﴿و هجوه يومئ ٍذ نارضة ،إىل ر ِّبها
وقد استعمل تقديم الظرف يف القرآن كثريا كقوهل تعاىل :ه
ناظرة﴾ [القيامة22 :ـ ،]23أي تنظر إىل ربها دون غريه ،فتقديم الظرف ههنا ليس لالختصاص ،وإنما
هو َكذلي أرشت إيله يف تقديم املفعول ،وأنه لم يقدم لالختصاص ،وإنما قدم من أجل نظم الالكم؛
﴿و هجوه يومئ ٍذ نارضة ،إىل ر ِّبها ناظرة﴾ ،أحسن من أن لو قيل :وجوه يومئذ نارضة
ألن قوهل تعاىل :ه
فإن هذه مجيعها لم تقدم الظروف فيها لالختصاص ،وإنما قدمت ملرااعة احلسن يف نظم الالكم،
فاعرف ذلك.
وأما اثلاين :وهو تأخري الظرف وتقديمه يف انلف ،فنحو قوهل تعاىل﴿ :الم .ذلك الكت ه
اب ال ريب
ه ه ه
فيه﴾ [ابلقرة1 :ـ ،]2وقوهل تعاىل﴿ :ال فيها غول وال هم عنها يْنفون﴾ [الصافات .]47 :فإنه إنما أخر
الظرف يف األول؛ ألن القصد يف إيالء حرف انلف الريب نف الريب عنه ،وإثبات أنه حق وصدق،
ال باطل وكذب ،كما َكن املرشكون يدعونه.
ً
ولو قدم الظرف لقصد أن كتابا آخر فيه الريب ال فيه ،كما قصد يف قوهل﴿ :ال فيها غول﴾،
ً
فتأخري الظرف يقتض انلف أصال من غري تفصيل ،وتقديمه يقتض تفضيل املنف عنه ،وهو مخر
اجلنة ،ىلع غريها من مخور ادلنيا ،أي ليس فيها ما يف غريها من الغول ،وهذا مثل قونلا :ال عيب
يف ادلار ،وقونلا ال فيها عيب ،فاألول نف للعيب عن ادلار فقط ،واثلاين تفضيل هلا ىلع غريها :أي
ليس فيها ما يف غريها من العيب ،فاعرف ذلك فإنه من دقائق هذا ابلاب) (.)1
ه ه ه
وعند قوهل تعاىل﴿ :حن هن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إيلك هذا القرآن وإن كنت
ل
من قبله لمن الغافلني﴾ [يوسف ،]3 :قال الشيخ ابن اعشور( :هذه اجلملة تتْنل من مجلة ﴿إنا أنزنل هاه
ً ه ً
قرآنا عربيا﴾ [سورة يوسف ]2 :مْنلة بدل االشتمال ألن أحسن القصص مما يشتمل عليه إنزال
القرآن .وكون القصص من عند الل يتْنل مْنلة االشتمال من مجلة تأكيد إنزاهل من عند الل.
ً ه
وقوهل﴿ :بما أوحينا إيلك هذا القرآن﴾ [يوسف ،]3 :يتضمن رابطا بني مجلة ابلدل واجلملة املبدل
منها.
ني﴾ ،وذاك ملرااعة حسن انلظم السجيع اذلي هو ىلع حرف انلون ،ولو قالك نعبه هد وإيلاك نستع ه
187
ل ه ً
وىلع حنو منه ورد قوهل تعاىل﴿ :فأوجس يف نفسه خيفة هموىس .قلنا ال ختف إنك أنت األىلع﴾
[طه 67 :ـ ،]68وتقدير الالكم :فأوجس موىس يف نفسه خيفة ،وإنما قدم املفعول ىلع الفاعل وفصل
ً
بني الفعل ،والفاعل واملفعول وحبرف اجلر قصدا تلحسني انلظم.
وىلع هذا فليس ك تقديم ملا ماكنه اتلأخري من باب االختصاص ،فبطل إذا ما ذهب إيله
الزخمرشي وغريه) (.)1
وعند قوهل تعاىل﴿ :قهل أغري الل أ لخت هذ و ّيلا ً فاطر ل
السموات واألرض﴾ [األنعام ]14 :قال اإلمام ابن
ً
اعشور( :واالستفهام لإلنكار.وقدم املفعول األول لـ﴿أختذ﴾ىلع الفعل وفاعله يلكون موايلا
لالستفهام ألنه هو املقصود باإلنكار ال مطلق اختاذ الويل.وشأن همزة االستفهام جبميع
استعماالته أن يليها جزء اجلملة املستفهم عنه َكملنكر هنا ،فاتلقديم لالهتمام به ،وهو من
ً
جزئيات العناية اليت قال فيها عبد القاهر أن ال بد من بيان وجه العناية ،وليس مفيدا للتخصيص
يف مثل هذا لظهور أن دايع اتلقديم هو تعيني املراد باالستفهام فال يتعني أن يكون لغرض غري
ذلك.
ً
فمن جعل اتلقديم هنا مفيدا لالختصاص ،أي احنصار إنكار اختاذ الويل يف غري الل كما مال
إيله بعض رشاح الكشاف فقد تكلف ما يشهد االستعمال واذلوق خبالفه ،والكم الكشاف بريء
منه بل احلق أن اتلقديم هنا ليس إال لالهتمام بشأن املقدم يليل أداة االستفهام فيعلم أن حمل
ً
اإلنكار هو اختاذ غري الل ويلا ،وأما ما زاد ىلع ذلك فال اتلفات إيله من املتلكم.
ِّ
ولعل اذلي حداهم إىل ذلك أن املفعول يف هذه اآلية ونظائرها مثل﴿ :أفغري الل تأ هم هروين
أعبه هد﴾ [الزمر﴿ ]64:أغري الل تد هعون﴾ [األنعام ]40:هو لكمة (غري) املضافة إىل اسم اجلاللة ،وه
ً ً
اعمة يف ك ما عدا الل ،فاكن الل ملحوظا من لفظ املفعول فاكن إنكار اختاذ الل ويلا ألن إنكار
ً ً ً
اختاذ غريه ويلا مستلزما عدم إنكار اختاذ الل ويلا؛ ألن إنكار اختاذ غري الل ال يبىق معه إال
ً
اختاذ الل ويلا.
ً ً
فاكن هذا الرتكيب مستلزما معىن القرص وآئال إيله ،وليس هو بدال ىلع القرص مطابقة ،وال
ً
مفيدا ملا يفيده القرص اإلضايف من قلب اعتقاد أو إفراد أو تعيني ،أال ترى أنه لو َكن املفعول
ً ً ً
خالف لكمة «غري» ملا صح اعتبار القرص ،كما لو قلت :أزيدا أتتخذ صديقا ،لم يكن مفيدا إال
رضبتهَ ،كن االختصاص أوكد ،أي َكن احتمال اتلقوي أضعف ،وذلك ألن إسناد الفعل إىل الضمري
اتلق ِّوي ،فتعني أن تقديم املفعول لالختصاص دون ا لتلق ِّوي إذ
بعد إسناده إىل الظاهر املتقدم يفيد ل
ً ً
اتلق ِّوي قد حصل بإسناد الفعل أوال إىل االسم أو الظاهر املتقدم ،وثانيا :إىل ضمري املتقدم وهلذا
ل
ً ً
لم يقل صاحب الكشاف وهو أكرث اختصاصا وال أقوى اختصاصا إذ االختصاص ال يقبل اتلقوية،
بل قال :وهو أوكد يف إفادة االختصاص ،أي أن إفادته االختصاص أقوى؛ ألن احتمال كون اتلقديم
ً ً ل
للتق ِّوي قد صار مع االشتغال ضعيفا جدا.
ل
ولسنا نديع أن االشتغال متعني للتخصيص فإنه قد يأيت بال ختصيص يف حنو قوهل تعاىل﴿ :إنا
ً ل ه ً ل هل
ك َش ٍء خلقن هاه بقد ٍر﴾ [القمر ،]49:وقوهل ﴿أبرشا منا واحدا نتب هعه﴾ [القمر ]24 :وقول زهري:
()1 ه ه اهم أصب ههًّ ه
ات بمخرم ال طالع ٍٍ م اتيح ح ص ... هون ل قع ي وا ح فالك أر
لظهور أن ال معىن للتخصيص يف َشء مما ذكرنا غري أن الغالب أن يكون اتلقديم مع صيغة
ً
االشتغال للتخصيص إذ العرب ال تقدم املفعول َغبلا إال ذللك وال اتلفات إىل ما وجه به صاحب
اتلق ِّوي باق ىلع حاهل ولكنك إن قدرت الفعل
املفتاح أن احتمال املفعول يف االشتغال اتلخصيص و ل
ل ً
املحذوف متقدما ىلع املفعول َكن اتلقديم للتق ِّوي.
وإن قدرته بعد املفعول َكن اتلقديم للتخصيص فإنه بناه ىلع حالة موقع الفعل املقدر مع أن
تقدير الفعل اعتبار ال يالحظه ابللغاء ،وألنهم ينصبون ىلع موقعه قرينه فتعني أن السامع إنما
يعتد باتلقديم املحسوس وبتكرير اتلعلق وأما االعتداد بموقع الفعل املقدر فحوالة ىلع غري
مشاهد؛ ألن اتلقدير إن َكن بنية املتلكم فال قبل للسامع بمعرفة نيته وال يصح أن يكون اخليار
يف اتلقدير للسامع) (.)2
( )1ـ ديوان زهري بن أ يب سلىم .رشحه :يلع فاعور .بريوت :دار الكتب العلمية1408 ،ه.109 .
( )2ـ اتلحرير واتلنوير .454 :1
190
وهذا ما يرس الل تعاىل كتابته يف هذا الفصل ،وه ملحة موجزة أرجو أن تفتح ابلاب للباحثني
عن هذا املوضوع ،يلكملوا السري ،ويضيفوا ما دليهم وما ل
توصلوا إيله ،فبتاكتف وتضافر اجلهود،
مستعينني بالواحد املعبودُ ،يصل املطلوب واملقصود.
وقد ظهر يف هذا ابلحث ل
قوة العالقة بني علم اتلفسري وعلم اللغة العربية..
ً ً ل
وظهر أن هناك ُماال واسعا الستنباطات العلماء وابلاحثني يف تفسري الكم الل تعاىل ،وأن
اللطائف وانلكت ال تزتاحم..
وظهر يف هذه القواعد طرف مما يهفيد يف تدبر القرآن وفهمه..
والل أسأهل أن يتقبل مين هذا العمل ،ويتجاوز عما دلي من تقصري وزلل..
191
اخلاتمة
أهم نتائج ابلحث:
1ـ ذكرت يف ابلحث معىن القاعدة يف اللغة ،وبينت اختالفهم يف معىن القاعدة يف االصطالح،
ففريق يرى أن القاعدة ال بد أن تكون لكية ،والفريق اآلخر يرى أنها أغلبية أكرثية .واذلي
أختاره هو أن القاعدة قضية أغلبية؛ ألن أكرث القواعد ال ختلو من استثناءات.
ه
2ـ ثم ذكرت العالقة بني املعىن اللغوي واالصطاليح ،فإذا َكنت القاعدة يف اللغة ه أصل
ه ِّ
األس ،فالقاعدة يف االصطالح ،ه األساس اذلي يعتمد عليه هذا العلم أو ذاك ،وه األصل
اذلي يهبىن عليه غريه من فروع املسائل.
ه ل
العربية والقرآن الكريم ،وأن من رشوط املجتهد 3ـ ثم حتدثت عن اتلقديم واتلأخري يف اللغة
يف الرشيعة أن يكون ىلع معرفة باللغة العربية ،وظهر يف هذا قوة العالقة والرتابط بني علم اللغة
ً
العربية وعلم اتلفسري ،فالقرآن نزل بلسان عريب مبني ،وال يمكن ألحد أن يكون متعمقا يف
فهم القرآن ومعرفة تفسريه دون أن يتعمق يف اللغة العربية.
وذكرت مفهوم اتلقديم واتلأخري ،وأهم أسباب اتلقديم واتلأخري يف القرآن.
ِّ اتلقديم ل4ـ ثم حتدثت عن قواعد ل
واتلأخري عند املفرسين مع رشحها وذكر أمثلة وتطبيقات
عليها.
ِّ
اذلكر ال يلزم منه اتلقد هم يف ل
الزمان أو الرتبة) ،فاتلقدم يف اذلكر ال (اتلقد هم يف
وذكرت قاعدة :ل
يدل بالرضورة ىلع أن املتقدم يف اذلكر أفضل من املتأخر ،أو أنه وقع قبله .فهناك أسباب أخرى
للتقديم واتلأخري.
ل
5ـ وذكرت قاعدة( :ال وجه تلقديم َش ٍء من كتاب الل عن موضعه أو تأخريه عن ماكنه إال
ه ه ه
حبه لج ٍة واضح ٍة) .وقاعدة( :إحلاق الالكم باذلي يليه أوىل من إحلاقه بما قد حيل بينه وبينه من
همعرتض الالكم) .فعندما يكون هناك تفسري لآلية ليس فيه دعوى أن هذه اجلملة معرتضة،
وتفسري آخر يرى أن هذه اجلملة معرتضة ،ولان للتفسري اذلي يرى عدم االعرتاض تأويل صحيح،
ه ه
فاحلمل عليه أوىل؛ ألن إحلاق الالكم باذلي يليه أوىل من إحلاقه بما قد حيل بينه وبينه من همعرتض
الالكم.
192
ً ل ً وحتدثت عن قاعدة( :الو ه
او ال تقتض ترتيبا وال تعقيبا وإنما ه ملطلق اجلمع) ،فالواو ه
ل
ملطلق اجلمع ،وال تدل ىلع الرتتيب الزماين وال الرتتيب الرتيب ،فقد يهؤخر ما هو متقدم يف الزمان،
أو يؤخر ما هو متقدم يف الرتبة.
واتلقييد)؛ فإن تقديم املعمول لـ لما
عمول يتض لم هن معىن االشرتاط ل
6ـ وذكرت قاعدة( :تقديم الم ه
أفاد االختصاص نشأ منه معىن االشرتاط ،مثل قوهل تعاىل﴿ :بل الل فاعبهد﴾ [الزمر.]66:
ه ِّ ه ِّ
وقاعدة( :الفعالن إذا َكنا همتقاريب المعىن فلك أن تقدم وتؤخر) كما يف قوهل تعاىل﴿ :اقرتبت
ل ه ل ه
الساعة وانش لق القم هر﴾ [القمر ،]1 :وقوهل سبحانه﴿ :ث لم دنا فتدىل﴾.
ه ه (اتلقد ه
7ـ وحتدثت عن قاعدة :ل
يم ال يكون ألجل الفاصلة فقط) ،حيث يظهر يف هذه القاعدة
أن اتلقديم هل أغراض كثرية ،وال يصح أن يكون سببه هو ُمرد مرااعة الفاصلة .فاتلقديم أو
اتلأخري يف القرآن إنما هو ملرااعة املعىن قبل أن يكون ملرااعة اللفظ؛ ألن مرااعة (املعىن) هو
األصل وليس (اللفظ) ،والالكم ابلليغ ال يل بـ(املعىن) ىلع حساب (اللفظ) ،بل َيمع بني مجال
(املعىن) و(اللفظ) ،فكيف بالقرآن أبلغ الالكم!
ّ ه ل ه ل
ويؤخ هر األجَّل). وقاعدة( :يف مقام االستدالل يقد هم اجليل
ري الختالف املقام). واتلأخ ه
يم لاتلقد ه 8ـ وذكرت قاعدة( :قد يتل هف ل
ِّ ِّ
فقد يقدم الل يف موضع ما يؤخره يف موضع آخر ،وذلك الختالف املقام بني اآليتني .فتمام
ً
ابلالغة وابليان يف هذا أن يتلف اتلقديم واتلأخري مرااعة للمقام والسياق اذلي جاء الالكم
ألجله.
9ـ وهكذا يظهر أن معرفة القواعد واإلملام بها تتيح لإلنسان أن يفهم القرآن بطريقة أفضل،
ً
وتفتح هل آفاقا واسعة يف اتلدبر.
ً ً ً
وظهر أن للعلماء قواعد يعتمدون عليها يف علمهم ،وأن هلم أصوال ومنهجا دقيقا يسريون
عليه.
193
أهم اتلوصيات:
ً ل ل
وتطبيقية عند العلماء اعمة وعند املفرسين خاصة. نظرية 1ـ االهتمام بدراسة القواعد دراسة
2ـ استخراج قواعد من الكمهم انلظري وتطبيقهم العميل ،وإن لم ينصوا ىلع أنها قاعدة.
3ـ يمكن إفراد الكثري من هذه القواعد أو املباحث ببحث مستقل ودراستها دراسة موسعة.
ه أسسوه ل 4ـ حماولة اإلضافة ىلع ما ذكره السابقون ،وابلناء ىلع ما ل
وشيدوه ورصفوه .فكم ترك
ه
األول لآلخر .وقد يهوجد يف األنهار ما ال يهوجد يف ابلحار.
ً ً ل الل ىلع سيِّدنا ونبيِّنا ل ل
وصَّل ه
حممد وىلع آهل وصحبه وسلم تسليما كثريا ..عدد ما ذكره
ِّ ه ه ل
واحلمد لل رب العاملني. اذلاكرون ،وغفل عن ذكره الغافلون.
194
املصادر واملراجع
القرآن الكريم وعلومه:
ـ جامع ابليان يف تأويل آي القرآن (تفسري الطربي) ،أبو جعفر حممد بن جرير الطربي (- 224
،)310حتقيق :مكتب اتلحقيق بدار هجر ،دار هجر ،الطبعة األوىل.
ـ اتلقييد الكبري يف تفسري كتاب الل املجيد ،أبو العباس أمحد بن حممد بن أمحد البسييل اتلونيس
(املتوّف380 :ه) ،لكية أصول ادلين ،جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية الرياض.
ـ درة اتلْنيل وغرة اتلأويل ،أبو عبد الل حممد بن عبد الل األصبهاين املعروف باخلطيب اإلساكيف
(املتوّف 420 :ه) ،حتقيق :د .حممد مصطىف آيدين ،انلارش :جامعة أم القرى ،وزارة اتلعليم العايل
سلسلة الرسائل العلمية املوىص بها ( )30معهد ابلحوث العلمية مكة املكرمة ،الطبعة األوىل،
1422ـه2001 -م.
ـ دالئل اإلعجاز يف علم املعاين ،أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرمحن بن حممد الفاريس األصل،
اجلرجاين ادلار (املتوّف471 :ه) ،حتقيق :حممود حممد شاكر أبو فهر ،مطبعة املدين بالقاهرة -دار
املدين جبدة ،الطبعة اثلاثلة 1413ـه1992 -م.
ـ املكتىف يف الوقف واالبتدا ،لعثمان بن سعيد بن عثمان بن عمر أبو عمرو ادلاين (املتوّف444 :ه)،
املحقق :حمي ادلين عبد الرمحن رمضان ،دار عمار ،الطبعة األوىل 1422ـه2001 -م.
ـ تفسري القرآن ،أبو املظفر منصور بن حممد بن عبد اجلبار السمعاين( ،املولود426 :ه،
واملتوّف489:ه) ،حتقيق :يارس بن إبراهيم و غنيم بن عباس بن غنيم ،دار الوطن الرياض1418 ،ه-
1997م.
ـ القطع واالئتناف .أل يب جعفر انلحاس ،أمحد بن حممد .حتقيق :أمحد العمر .بغداد :مطبعة العاين،
1398ه.
ـ الاكمل يف القراءات واألربعني الزائدة عليها ،يوسف بن يلع بن جبارة بن حممد بن عقيل بن
سواده أبو القاسم ه
الهذيل اليشكري املغريب (املتوّف465 :ه) ،حتقيق :مجال بن السيد بن رفايع
الشايب ،مؤسسة سما للتوزيع والنرش ،الطبعة األوىل 1428ـه 2007 -م.
ـ الكشف وابليان عن تفسري القرآن ،أبو إسحاق أمحد بن إبراهيم اثلعلىب انليسابوري ،دار إحياء
الرتاث العريب بريوت 1422 ،ه.
195
ـ الكشاف عن حقائق غوامض اتلْنيل وعيون األقاويل يف وجوه اتلأويل ،العالمة جار الل أبو
القاسم حممود بن عمر الزخمرشي ( 467ـ 538ه) ،دار الكتاب العريب بريوت 1407ه.
ـ مفاتيح الغيب ،اإلمام حممد بن عمر املعروف بفخر ادلين الرازي ،دار إحياء الرتاث العريب
بريوت.
ـ اجلامع ألحاكم القرآن (تفسري القرطيب) ،أبو عبد الل حممد بن أمحد بن أ يب بكر بن فرح
األنصاري اخلزريج شمس ادلين القرطيب (املتوّف671 :ه) ،حتقيق :أمحد الربدوين وإبراهيم
أطفي ،دار الكتب املرصية القاهرة ،الطبعة :اثلانية 1384 ،ـه1964 -م.
ـ بلاب اتلأويل يف معاين اتلْنيل ،عالء ادلين يلع بن حممد بن إبراهيم بن عمر الشييح أبو احلسن،
املعروف باخلازن (املتوّف741 :ه) ،تصحيح :حممد يلع شاهني ،دار الكتب العلمية بريوت ،الطبعة
األوىل 1415ه.
ـ ابلحر املحيط يف اتلفسري ،أبو حيان حممد بن يوسف بن يلع بن يوسف بن حيان أثري ادلين
األندليس (املتوّف745 :ه) ،حتقيق :صديق حممد مجيل ،دار الفكر بريوت ،الطبعة1420 :ه.
ـ الربهان يف علوم القرآن ،أبو عبد الل بدر ادلين حممد بن عبد الل بن بهادر الزركيش (املتوّف:
794ه) ،حتقيق :حممد أبو الفضل إبراهيم ،دار إحياء الكتب العربية عيىس ابلاىب احلليب ورشلائه،
الطبعة األوىل 1376 ،ـه1957 -م.
ـ بصائر ذوي اتلميزي يف لطائف الكتاب العزيز ،ملجد ادلين أبو طاهر حممد بن يعقوب
الفريوزآبادى (املتوّف817 :ه) ،املحقق :حممد يلع انلجار ،انلارش :املجلس األىلع للشؤون
اإلسالمية ،جلنة إحياء الرتاث اإلساليم ،القاهرة اعم النرش 1416 :ـه1996 -م.
ـ نظم ادلرر يف تناسب اآليات والسور ،برهان ادلين أ يب احلسن إبراهيم بن عمر ابلقايع ،حتقيق:
عبد الرزاق َغلب املهدي ،دار الكتب العلمية بريوت 1415ـه 1995 -م.
ـ إرشاد العقل السليم إىل مزايا الكتاب الكريم (تفسري أ يب السعود) ،أبو السعود العمادي حممد
بن حممد بن مصطىف (املتوّف982 :ه) ،انلارش :دار إحياء الرتاث العريب بريوت.
ـ اإللكيل يف استنباط اتلْنيل ،لعبد الرمحن بن أ يب بكر ،جالل ادلين السيويط (املتوّف911 :ه)،
حتقيق :سيف ادلين عبد القادر الاكتب ،دار الكتب العلمية ،بريوت 1401ه1981 -م.
196
ـ ادلر املنثور يف اتلفسري باملاثور ،عبد الرمحن بن أ يب بكر السيويط ،حتقيق :مركز هجر للبحوث،
دار هجر ،مرص.
ـ روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاين ،شهاب ادلين حممود بن عبد الل احلسيين
اآللويس ،حتقيق :يلع عبد ابلارى عطية ،دار الكتب العلمية بريوت 1415 ،ه.
ـ روح ابليان ،إسماعيل حق بن مصطىف اإلستانبويل احلنف اخللويت ،املوىل أبو الفداء (املتوّف:
1127ه) ،دار الفكر بريوت.
ه ه ه ِّ
اية ل
الرايض ىلع تفسري (المس لماة :عناية القايض وكف
الشهاب ىلع تفسري ابليضاوي ،ه ـ حاشية
ابليضاوي) ،أمحد بن حممد بن عمر شهاب ادلين اخلفايج املرصي احلنف ،دار صادر ،بريوت.
ـ أضواء ابليان يف إيضاح القرآن بالقرآن ،حممد األمني بن حممد املختار بن عبد القادر اجلكين
الشنقيطي (املتوّف1393 :ه) ،دار الفكر للطباعة و النرش و اتلوزيع بريوت 1415ـه1995 -م .
ـ دفع إيهام االضطراب عن آيات الكتاب ،حممد األمني بن حممد املختار بن عبد القادر اجلكين
الشنقيطي (املتوّف1393 :ه) ،مكتبة ابن تيمية -القاهرة ،توزيع :مكتبة اخلراز جدة ،الطبعة األوىل
1417ـه 1996 -م.
ـ فتح القدير ،ملحمد بن يلع بن حممد بن عبد الل الشولاين ايلمين (املتوّف1250 :ه) ،دار ابن كثري،
دار اللكم الطيب ،دمشق ،بريوت ،الطبعة األوىل 1414ه.
ـ حماسن اتلأويل ،حممد مجال ادلين بن حممد سعيد بن قاسم احلالق القاسيم (املتوّف1332 :ه)،
حتقيق :حممد باسل عيون السود ،دار الكتب العلمية بريوت ،الطبعة األوىل 1418ه.
ـ اتلحرير واتلنوير «حترير املعىن السديد وتنوير العقل اجلديد من تفسري الكتاب املجيد» ،حممد
الطاهر بن حممد بن حممد الطاهر بن اعشور اتلونيس (املتوّف1393 :ه) ،ادلار اتلونسية للنرش
تونس 1984ه.
ـ اتلفسري القرآين للقرآن ،عبد الكريم يونس اخلطيب (املتوّف :بعد 1390ه) ،دار الفكر العريب،
القاهرة.
ـ تفسري الشعراوي ،حممد متويل الشعراوي (املتوّف1418 :ه) ،مطابع أخبار ايلوم.
ـ ابلدور الزاهرة يف القراءات العرش املتواترة من طريق الشاطبية وادلرة ،عبد الفتاح بن عبد
الغين بن حممد القايض (املتوّف1403 :ه) دار الكتاب العريب ،بريوت.
197
(املتوّف1403 :ه) ،دار اإلرشاد ـ إعراب القرآن وبيانه ،حمي ادلين بن أمحد مصطىف دروي
للشؤون اجلامعية -محص سورية( ،دار ايلمامة -دمشق -بريوت)( ،دار ابن كثري -دمشق -
بريوت) ،الطبعة الرابعة 1415ه.
ـ خصائص اتلعبري القرآين وسماته ابلالغية ،عبد العظيم إبراهيم حممد املطعين (املتوّف1429 :ه)،
مكتبة وهبة ،الطبعة :األوىل 1413 ،ـه 1992 -م.
ـ قواعد الرتجيح عند املفرسين ،دراسة نظرية تطبيقية .لدلكتور حسني بن يلع احلريب .دار القاسم،
الرياض الطبعة األوىل 1417ه.
ـ فصول يف أصول اتلفسري ،د .مساعد بن سليمان بن نارص الطيار ،دار ابن اجلوزي ،الطبعة اثلانية
1423ه.
ـ أرسار ابليان يف اتلعبري القرآين ،فاضل بن صالح بن مهدي بن خليل ابلدري السامرايئ ،دار
الفكر ،عمان ،األردن ،الطبعة األوىل 1429ـه2009 /م.
ـ مناهل العرفان يف علوم القرآن ،حممد عبد العظيم الزرقاين (املتوّف1367 :ه) ،مطبعة عيىس
ابلا يب احلليب ورشلاه ،الطبعة اثلاثلة.
ـ اجتاهات اتلفسري يف القرن الرابع عرش ،لدلكتور فهد بن عبد الرمحن الرويم ،انلارش :طبع بإذن
رئاسة إدارات ابلحوث العلمية واالفتاء وادلعوة واالرشاد يف اململكة العربية السعودية برقم /951
5وتاريخ 1406/8/5ـهالطبعة :األوىل 1407ه1986 -م.
198
ـ سنن الرتمذي ،حممد بن عيىس بن سورة بن موىس بن الضحاك ،الرتمذي ،أبو عيىس (املتوّف:
279ه) ،حتقيق :أمحد حممد شاكر ( ـج ،)2 ،1وحممد فؤاد عبد ابلايق ( ـج ،)3وإبراهيم عطوة عوض
املدرس يف األزهر الرشيف ( ـج ،)5 ،4رشكة مكتبة ومطبعة مصطىف ابلا يب احلليب مرص ،الطبعة:
اثلانية 1395 ،ـه 1975 -م.
ـ سنن ابن ماجه ،أبو عبد الل حممد بن يزيد القزويين ،وماجه اسم أبيه يزيد (املتوّف273 :ه)،
حتقيق :حممد فؤاد عبد ابلايق ،دار إحياء الكتب العربية -فيصل عيىس ابلا يب احلليب.
ـ املجتىب من السنن (السنن الصغرى للنسايئ) ،أبو عبد الرمحن أمحد بن شعيب بن يلع اخلراساين،
النسايئ (املتوّف303 :ه) ،حتقيق :عبد الفتاح أبو غدة ،مكتب املطبواعت اإلسالمية حلب الطبعة:
اثلانية. 1986 – 1406 ،
ـ سنن أ يب داود ،سليمان بن األشعث بن إسحاق بن بشري بن شداد بن عمرو األزدي ِّ
السجستاين
(املتوّف275 :ه) ،حتقيق :شعيب األرنؤوط -حم لمد َكمل قره بليل ،دار الرسالة العاملية ،الطبعة:
األوىل 1430 ،ـه 2009 -م.
ه ه
صحيح ابن خزيمة ،أبو بكر حممد بن إسحاق بن خزيمة بن املغرية بن صالح بن بكر السليم ـ
انليسابوري (املتوّف311 :ه) ،حتقيق :ادلكتور حممد مصطىف األعظيم ،املكتب اإلساليم ،الطبعة:
اثلاثلة 1424 ،ـه2003 -م.
ـ صحيح ابن حبان برتتيب ابن بلبان ،حممد بن حبان بن أمحد بن حبان بن معاذ بن معبد،
اتلمييم ،أبو حاتم ،ادلاريم ،البهسيت (املتوّف354 :ه) ،ترتيب :يلع بن بلبان بن عبد الل ،عالء
ادلين الفاريس ،املنعوت باألمري(املتوّف739 :ه) ،مؤسسة الرسالة
ـ مسند اإلمام أمحد بن حنبل ،أبو عبد الل أمحد بن حممد بن حنبل بن هالل بن أسد الشيباين
(املتوّف241 :ه) ،حتقيق :شعيب األرنؤوط -اعدل مرشد ،وآخرون ،مؤسسة الرسالة ،الطبعة األوىل
1421ـه 2001 -م.
ـ املعجم الكبري ،سليمان بن أمحد بن أيوب بن مطري اللخيم الشايم ،أبو القاسم الطرباين (املتوّف:
360ه) ،حتقيق :محدي بن عبد املجيد السلف ،مكتبة ابن تيمية القاهرة ،الطبعة اثلانية.
ـ مسند الشاميني ،سليمان بن أمحد بن أيوب أبو القاسم الطرباين ،حتقيق :محدي بن عبداملجيد
السلف ،مؤسسة الرسالة – بريوت ،الطبعة األوىل .1984 – 1405
199
ـ شعب اإليمان ،أمحد بن احلسني بن يلع بن موىس اخلهرسوجردي اخلراساين ،أبو بكر ابليهق
(املتوّف 458 :ه) ،حتقيق :ادلكتور عبد العيل عبد احلميد حامد ،مكتبة الرشد للنرش واتلوزيع
بالرياض باتلعاون مع ادلار السلفية ببومباي باهلند ،الطبعة األوىل 1423ـه 2003 -م.
ـ حلية األويلاء وطبقات األصفياء ،أبو نعيم أمحد بن عبد الل األصبهاين [ ت ،]430 :دار الكتاب
العريب بريوت الطبعة الرابعة .1405
ه
ـ املستدرك ىلع الصحيحني ،أبو عبد الل احلاكم حممد بن عبد الل بن حممد بن محدويه بن نعيم
بن احلكم الضيب الطهماين انليسابوري املعروف بابن ابليع (املتوّف405 :ه) ،حتقيق :مصطىف عبد
القادر عطا ،انلارش :دار الكتب العلمية بريوت الطبعة :األوىل.1990 – 1411 ،
ـ الفوائد املجموعة يف األحاديث املوضوعة ،حممد بن يلع بن حممد الشولاين (املتوّف1250 :ه)،
حتقيق :عبد الرمحن بن ييح املعليم ايلماين ،دار الكتب العلمية بريوت.
ل
ـ تذكرة املوضواعت ،حممد طاهر بن يلع الصديق اهلندي الفتين (املتوّف986 :ه) ،إدارة الطباعة
املنريية ،الطبعة :األوىل 1343 ،ه.
ـ همصنف ابن أ يب شيبة ،أبو بكر عبد الل بن حممد بن أ يب شيبة العبيس الكوِف ( 159ـ 235ه)
حتقيق :الشيخ حممد عوامة.
ـ رشح مشلك اآلثار ،أبو جعفر أمحد بن حممد بن سالمة بن عبد امللك بن سلمة األزدي احلجري
املرصي املعروف بالطحاوي (املتوّف321 :ه) ،حتقيق :شعيب األرنؤوط ،مؤسسة الرسالة ،الطبعة
األوىل 1415ه 1494 ،م.
ـ مسند أ يب داود الطياليس ،أبو داود سليمان بن داود بن اجلارود الطياليس ابلرصى (املتوّف:
204ه) ،دار هجر ،مرص ،الطبعة األوىل 1419ـه1999 -م.
ـ مسند أ يب يعَّل ،أمحد بن يلع بن املثىن أبو يعَّل املوصيل اتلمييم ،حتقيق :حسني سليم أسد ،دار
املأمون للرتاث ،دمشق ،الطبعة األوىل .1984 – 1404
اللغة العربية:
ـ الكتاب ،عمرو بن عثمان بن قنرب احلاريث بالوالء ،أبو برش ،امللقب سيبويه (املتوّف180 :ه)،
حتقيق :عبد السالم حممد هارون ،مكتبة اخلانيج القاهرة ،الطبعة اثلاثلة 1408 ،ـه1988 -م.
200
ـ ديوان بليد بن ربيعة العامري ،بليد بن ربيعة بن مالك ،أبو عقيل العامري الشاعر معدود من
الصحابة (املتوّف41 :ه) ،اعتىن به :محدو ّ
طماس ،دار املعرفة ،الطبعة األوىل 1425ـه2004 -م.
ه
ـ ديوان امرئ القيس ،ام هرؤ القيس بن حجر بن احلارث الكندي ،من بين آكل املرار (املتوّف545 :
م) ،اعتىن به :عبد الرمحن املصطاوي ،دار املعرفة ،بريوت ،الطبعة اثلانية 1425ـه 2004 -م.
ـ ديوان بليد بن ربيعة .بريوت :دار صادر .غري مذكور تاريخ النرش.
ـ ديوان املتنيب ،دار بريوت للطباعة والنرش ،بريوت 1403 ،ـهـ 1983م.
ـ ديوان الفرزدق ،رشحه وضبطه :يلع فاعور ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،الطبعة األوىل 1407ـهـ
1987م.
ـ األضداد ،أبو بكر ،حممد بن القاسم بن حممد بن بشار بن احلسن بن بيان بن سماعة بن فروة
بن قطن بن داعمة األنباري (املتوّف328 :ه) ،حتقيق :حممد أبو الفضل إبراهيم ،املكتبة العرصية،
بريوت بلنان 1407 ،ـه1987 -م.
ـ الاكمل يف اللغة واألدب ،ملحمد بن يزيد املربد ،أبو العباس (املتوّف285 :ه) ،املحقق :حممد أبو
الفضل إبراهيم ،دار الفكر العريب ،القاهرة ،الطبعة اثلاثلة 1417ـه1997 -م.
ـ األمايل (شذور األمايل) (انلوادر) ،أل يب يلع القايل ،إسماعيل بن القاسم بن عيذون بن هارون
بن عيىس بن حممد بن سلمان (املتوّف356 :ه) ،عين بوضعها وترتيبها :حممد عبد اجلواد األصميع،
دار الكتب املرصية ،الطبعة اثلانية 1344ـه1926 -م.
ـ تهذيب اللغة ،ملحمد بن أمحد بن األزهري اهلروي ،أبو منصور (املتوّف370 :ه) ،املحقق :حممد
عوض مرعب ،دار إحياء الرتاث العريب ،بريوت ،الطبعة األوىل2001 ،م.
ـ فقه اللغة ورس العربية ،لعبد امللك بن حممد بن إسماعيل أبو منصور اثلعاليب (املتوّف429 :ه)،
املحقق :عبد الرزاق املهدي ،إحياء الرتاث العريب ،الطبعة األوىل 1422ـه2002 -م.
ـ املحكم واملحيط األعظم ،أبو احلسن يلع بن إسماعيل بن سيده املريس [ت458 :ه] ،حتقيق:
عبد احلميد هنداوي ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،الطبعة األوىل 1421 ،ـه2000 -م.
ـ العمدة يف حماسن الشعر وآدابه ،أل يب يلع احلسن بن رشيق القريواين األزدي (املتوّف463 :ه)،
املحقق :حممد حمي ادلين عبد احلميد ،دار اجليل ،الطبعة اخلامسة1401 ،ه1981-م.
ـ اخلصائص ،أبو الفتح عثمان بن جين ،حتقيق :حممد يلع انلجار ،اعلم الكتب بريوت.
201
ـ رشح ديوان احلماسة (ديوان احلماسة :اختاره أبو تمام حبيب بن أوس ت 231ه)ُ ،يىي بن يلع
ّ
الشيباين اتلربيزي ،أبو زكريا (املتوّف502 :ه) ،دار القلم ،بريوت. بن حممد
ـ نتائج الفكر يف ل
انلحو ،أبو القاسم عبد الرمحن بن عبد الل بن أمحد السهييل (املتوّف581 :ه)،
دار الكتب العلمية ،بريوت ،الطبعة األوىل 1992 - 1412م.
ـ املثل السائر يف أدب الاكتب والشاعر ،نرص الل بن حممد بن حممد بن عبد الكريم الشيباين،
اجلزري ،أبو الفتح ،ضياء ادلين ،املعروف بابن األثري الاكتب (املتوّف637 :ه) ،حتقيق :حممد ميح
ادلين عبد احلميد ،املكتبة العرصية للطباعة والنرش بريوت 1420ه.
ابن أ يب الرسايا حممد بن يلع ،أبو ابلقاء، بن يلع بن يعي ـ رشح املفصل للزخمرشي ،يلعي
وبابن الصانع (املتوّف643 :ه) ،دار الكتب موفق ادلين األسدي املوصيل ،املعروف بابن يعي
العلمية ،بريوت ،الطبعة األوىل 1422ـه 2001 -م.
ـ الفلك ادلائر ىلع املثل السائر (مطبوع بيآخر اجلزء الرابع من املثل السائر) ،املؤلف :عبد احلميد
بن هبة الل بن حممد بن احلسني بن أ يب احلديد ،أبو حامد ،عز ادلين (املتوّف656 :ه) ،املحقق:
أمحد احلوِف ،بدوي طبانة ،دار نهضة مرص للطباعة والنرش واتلوزيع ،القاهرة.
ـ منهاج ابللغاء ورساج األدباء ،حلازم بن حممد بن حسن ،ابن حازم القرطاجين ،أبو احلسن
(املتوّف684 :ه)( ،وهو مطبوع ضمن اجلزء اثلاين من سلسلة األعمال الاكملة لدلكتور احلبيب ابن
اخلوجة) املحقق :ادلكتور احلبيب ابن اخلوجة ،ادلار العربية للكتاب تونس.2008 ،
ـ مقدمة تفسري ابن انلقيب يف علم ابليان واملعاين وابلديع وإعجاز القرآن .والكتاب لإلمام أ يب
ل
عبد الل مجال ادلين حممد بن سليمان ابلليخ املقديس احلنف الشهري بابن انلقيب (املتوّف 698
ه) .املحقق :زكريا سعيد يلع .مرص :مكتبة اخلانيج .سنة النرش 1415 :ـه– 1995م.
ـ الفصول املفيدة يف الواو املزيدة ،صالح ادلين أبو سعيد خليل بن كيللكدي بن عبداهلل العاليئ
ادلمشق الشافيع ،حتقيق :د .حسن موىس الشاعر ،دار البشري عمان ،الطبعة األوىل 1990م.
ـ اإليضاح يف علوم ابلالغة ،ملحمد بن عبد الرمحن بن عمر ،أبو املعايل ،جالل ادلين القزويين
الشافيع ،املعروف خبطيب دمشق (املتوّف739 :ه) ،املحقق :حممد عبد املنعم خفايج ،دار اجليل،
بريوت.
202
ـ اتلعريفات ،يلع بن حممد بن يلع الزين الرشيف اجلرجاين (املتوّف816 :ه) ،حتقيقُ :مموعة من
املحققني ،دار الكتب العلمية بريوت بلنان ،الطبعة األوىل 1403ـه1983-م.
ـ اللكيات معجم يف املصطلحات والفروق اللغوية ،أيوب بن موىس احلسيين القرييم الكفوي ،أبو
ل
ابلقاء احلنف (املتوّف1094 :ه) ،حتقيق :عدنان دروي -حممد املرصي ،مؤسسة الرسالة ،بريوت،
1419ه.
ّ حممد بن عبد ّحممد بن ّ
ـ تاج العروس من جواهر القاموسّ ،
الرزاق احلسيين ،أبو الفيض ،امللقب
ل بمرتىض ،ل
الزبيدي (املتوّف1205 :ه) ،حتقيقُ :مموعة من املحققني ،دار اهلداية.
ـ جامع ادلروس العربية ،مصطىف بن حممد سليم الغالييين (املتوّف1364 :ه) ،املكتبة العرصية،
صيدا ،بريوت ،الطبعة اثلامنة والعرشون 1414 ،ـه1993 -م.
ل
ـ ابلالغة العربية أسسها وعلومها وفنونها ،الشيخ عبد الرمحن بن حسن حبنكة امليداين ادلمشق
(املتوّف1425 :ه) ،دار القلم ،دمشق ،ادلار الشامية ،بريوت ،الطبعة األوىل 1416ـه 1996 -م.
ـ إفادة تقديم ما حقه اتلأخري لالختصاص بني الزخمرشي وأ يب حيان ،لدلكتور منصور أبو زينة،
وادلكتور حممد رضا احلوري.
ـ اتلضمني انلحوي يف القرآن الكريم ،األستاذ حممد نديم فاضل ،دار الزمان ،املدينة املنورة،
الطبعة األوىل 1426ـه 2005 -م.
ـ خصائص الرتاكيب دارسة حتليلية ملسائل علم املعاين ،د .حممد حممد أبو موىس ،مكتبة وهبة،
الطبعة السابعة.
203
ـ أخبار مكة يف قديم ادلهر وحديثه ،أبو عبد الل حممد بن إسحاق بن العباس امليك الفاكيه
(املتوّف272 :ه) ،حتقيق :د .عبد امللك عبد الل دهي ،دار خرض ،بريوت ،الطبعة اثلانية 1414ه.
ـ الاكمل يف اتلاريخ ،أبو احلسن يلع بن أ يب الكرم حممد بن حممد بن عبد الكريم بن عبد الواحد
الشيباين اجلزري ،عز ادلين ابن األثري (املتوّف630 :ه) ،حتقيق :عمر عبد السالم تدمري ،دار
الكتاب العريب بريوت بلنان ،الطبعة :األوىل 1417 ،ـه1997 /م.
ـ تلقيح فهوم أهل األثر يف عيون اتلاريخ والسري ،مجال ادلين أ يب الفرج عبد الرمحن ابن اجلوزي
(املتوّف597 :ه) ،رشكة دار األرقم بن أ يب األرقم بريوت1997م.
ـ االكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الل صَّل الل عليه وسلم واثلالثة اخللفاء ،سليمان بن
موىس بن سالم بن حسان الالكيع احلمريي ،أبو الربيع (املتوّف634 :ه) ،دار الكتب العلمية،
بريوت ،الطبعة األوىل 1420ه.
ـ رشح الشفا ،يلع بن سلطان حممد ،أبو احلسن نور ادلين املال اهلروي القاري (املتوّف1014 :ه)،
دار الكتب العلمية بريوت ،الطبعة األوىل 1421ه.
الّتاجم والطبقات:
ـ نزهة األبلاء يف طبقات األدباء ،لعبد الرمحن بن حممد بن عبيد الل األنصاري ،أبو الربلات ،كمال
ادلين األنباري (املتوّف577 :ه) ،املحقق :إبراهيم السامرايئ ،مكتبة املنار ،الزرقاء ،األردن،
الطبعة :اثلاثلة 1405 ،ـه1985 -م.
ـ بغية امللتمس يف تاريخ رجال أهل األندلس ،ألمحد بن ُيىي بن أمحد بن عمرية ،أبو جعفر الضيب
(املتوّف599 :ه) ،دار الاكتب العريب – القاهرة ،اعم النرش1967 :م.
ـ إنباه الرواة ىلع أنباه انلحاة ،جلمال ادلين أبو احلسن يلع بن يوسف القفطي (املتوّف646 :ه)،
املحقق :حممد أبو الفضل إبراهيم ،دار الفكر العريب ،القاهرة ،ومؤسسة الكتب اثلقافية ،بريوت،
الطبعة األوىل 1406 ،ـه1982 -م.
ـ وفيات األعيان وأنباء أبناء الزمان ،أل يب العباس شمس ادلين أمحد بن حممد بن إبراهيم بن أ يب
بكر ابن خلاكن الربميك اإلربيل (املتوّف681 :ه) ،املحقق :إحسان عباس ،دار صادر ،بريوت
1994م.
204
ـ سري أعالم انلبالء ،شمس ادلين أبو عبد الل حممد بن أمحد بن عثمان بن قايماز اذلهيب (املتوّف:
748ه) ،حتقيقُ :مموعة من املحققني بإرشاف الشيخ شعيب األرناؤوط ،مؤسسة الرسالة ،الطبعة
اثلاثلة 1405ـه ـ 1985م.
ـ املعني يف طبقات املحدثني ،لشمس ادلين أبو عبد الل حممد بن أمحد بن عثمان بن قايماز اذلهيب
(املتوّف748 :ه) ،املحقق :د .همام عبد الرحيم سعيد ،دار الفرقان ،األردن ،الطبعة األوىل 1404ه.
ـ تذكرة احلفاظ ،ملحمد بن أمحد بن عثمان اذلهيب ،حتقيق :زكريا عمريات ،دار الكتب العلمية
بريوت ،الطبعة األوىل 1419ه1998 -م.
ـ الوايف بالوفيات ،صالح ادلين خليل بن أيبك بن عبد الل الصفدي (املتوّف764 :ه) ،حتقيق:
أمحد األرناؤوط ،وتريك مصطىف ،دار إحياء الرتاث ،بريوت1420 ،ه2000 -م.
ـ مرآة اجلنان وعربة ايلقظان يف معرفة ما يعترب من حوادث الزمان ،أبو حممد عفيف ادلين عبد
الل بن أسعد بن يلع بن سليمان ايلافيع (املتوّف768 :ه) ،دار الكتب العلمية بريوت بلنان ،الطبعة
األوىل 1417ـه 1997 -م.
ـ طبقات الشافعية الكربى ،تاج ادلين عبد الوهاب بن تق ادلين السبيك (املتوّف771 :ه) ،حتقيق:
د .حممود حممد الطنايح د .عبد الفتاح حممد احللو ،دار هجر للطباعة والنرش واتلوزيع .الطبعة:
اثلانية 1413ه.
ـ طبقات الشافعية ،أبو بكر بن أمحد بن حممد بن عمر األسدي الشهيب ادلمشق ،تق ادلين ابن
قايض شهبة (املتوّف851 :ه) ،حتقيق :د .احلافظ عبد العليم خان ،دار اعلم الكتب ،بريوت ،الطبعة:
اثلانية1413 ،ه.
ـ طبقات املفرسين العرشين ،لعبد الرمحن بن أ يب بكر ،جالل ادلين السيويط (املتوّف911 :ه)،
املحقق :يلع حممد عمر ،مكتبة وهبة – القاهرة ،الطبعة األوىل1396 ،ه.
ـ بغية الواعة يف طبقات اللغويني وانلحاة ،لعبد الرمحن بن أ يب بكر ،جالل ادلين السيويط،
املحقق :حممد أبو الفضل إبراهيم ،املكتبة العرصية -بلنان /صيدا.
ـ طبقات املفرسين لدلاوودي ،ملحمد بن يلع بن أمحد ،شمس ادلين ادلاوودي املاليك (املتوّف:
945ه) ،دار الكتب العلمية ،بريوت.
205
ـ الكواكب السائرة بأعيان املئة العارشة ،نلجم ادلين حممد بن حممد الغزي (املتوّف1061 :ه)،
املحقق :خليل املنصور ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،الطبعة األوىل 1418 ،ـه1997 -م.
ـ سمط انلجوم العوايل يف أنباء األوائل واتلوايل ،عبد امللك بن حسني بن عبد امللك العصايم
امليك (املتوّف1111 :ه) ،حتقيق :اعدل أمحد عبد املوجود -يلع حممد معوض ،دار الكتب العلمية
بريوت ،الطبعة األوىل 1419ـه 1998 -م.
ـ طبقات املفرسين ألمحد بن حممد األدنه وي من علماء القرن احلادي عرش ،املحقق :سليمان
بن صالح اخلزي ،انلارش :مكتبة العلوم واحلكم ،السعودية ،الطبعة األوىل1417 ،ه1997 -م.
ـ ابلدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع ،حممد بن يلع بن حممد بن عبد الل الشولاين ايلمين
(املتوّف1250 :ه) ،دار املعرفة ،بريوت.
ـ سلك ادلرر يف أعيان القرن اثلاين عرش ،ملحمد خليل بن يلع بن حممد بن حممد مراد احلسيين،
أبو الفضل (املتوّف1206 :ه) ،دار البشائر اإلسالمية ،دار ابن حزم ،الطبعة :اثلاثلة 1408 ،ـه-
1988م.
ـ نفح الطيب من غصن األندلس الرطيب ،وذكر وزيرها لسان ادلين بن اخلطيب ،لشهاب ادلين
أمحد بن حممد املقري اتللمساين (املتوّف1041 :ه) ،حتقيق :إحسان عباس ،دار صادر ،بريوت،
الطبعة األوىل 1997م.
ـ ادلرر الاكمنة يف أعيان املئة اثلامنة ،أل يب الفضل أمحد بن يلع بن حممد بن أمحد بن حجر
العسقالين (املتوّف852 :ه) ،املحقق :حممد عبد املعيد ضان ،انلارشُ :ملس دائرة املعارف
العثمانية -صيدر اباد /اهلند ،الطبعة :اثلانية1392 ،ه1972 -م.
ـ اجلواهر املضية يف طبقات احلنفية ،لعبد القادر بن حممد بن نرص الل القرَش ،أبو حممد ،حمي
ادلين احلنف (املتوّف775 :ه) ،انلارش :مري حممد كتب خانه – كراتيش.
ـ طبقات انلحويني واللغويني (سلسلة ذخائر العرب ،)50ملحمد بن احلسن بن عبيد الل بن
مذحج الزبيدي األندليس اإلشبييل ،أبو بكر (املتوّف379 :ه) ،املحقق :حممد أبو الفضل إبراهيم،
الطبعة اثلانية ،انلارش :دار املعارف
َغية انلهاية يف طبقات القراء ،شمس ادلين أبو اخلري ابن اجلزري ،حممد بن حممد بن يوسف
(املتوّف833 :ه) ،مكتبة ابن تيمية ،عين بنرشه ألول مرة اعم 1351ـهج .برجسرتارس.
206
ـ لسان املزيان ،أبو الفضل أمحد بن يلع بن حممد بن أمحد بن حجر العسقالين (املتوّف852 :ه)،
املحقق :عبد الفتاح أبو غدة .دار البشائر اإلسالمية ،الطبعة األوىل2002 ،م
ـ شجرة انلور الزكية يف طبقات املالكية ،ملحمد بن حممد بن عمر بن يلع ابن سالم خملوف (املتوّف:
1360ه) ،علق عليه :عبد املجيد خيايل ،دار الكتب العلمية ،بلنان ،الطبعة األوىل 1424 ،ـه-
2003م.
ـ إيضاح املكنون يف اذليل ىلع كشف الظنون ،إلسماعيل بن حممد أمني بن مري سليم ابلاباين
ابلغدادي (املتوّف1399 :ه) ،حتقيق :حممد رشف ادلين باتلقايا رئيس أمور ادلين ،واملعلم رفعت
بيلكه اللكيىس ،دار إحياء الرتاث العريب ،بريوت.
ـ شذرات اذلهب يف أخبار من ذهب ،لعبد اليح بن أمحد بن حممد ابن العماد العكري احلنبيل،
أبو الفالح (املتوّف1089 :ه) ،حققه :حممود األرناؤوط ،خرج أحاديثه :عبد القادر األرناؤوط ،دار
ابن كثري ،دمشق ،بريوت ،الطبعة :األوىل 1406 ،ـه1986 -م.
ـ هدية العارفني أسماء املؤلفني وآثار املصنفني ،إلسماعيل بن حممد أمني بن مري سليم ابلاباين
ابلغدادي (املتوّف1399 :ه) ،انلارش :طبع بعناية ولالة املعارف اجلليلة يف مطبعتها ابلهية استانبول
.1951أاعدت طبعه باألوفست :دار إحياء الرتاث العريب بريوت.
ـ حلية البرش يف تاريخ القرن اثلالث عرش ،لعبد الرزاق بن حسن بن إبراهيم ابليطار امليداين
ادلمشق (املتوّف1335 :ه) ،حتقيق :حممد بهجة ابليطار ،دار صادر ،بريوت ،الطبعة اثلانية1413 ،
ـه 1993 -م.
ـ األعالم ،خلري ادلين بن حممود بن حممد بن يلع بن فارس ،الزريلك ادلمشق (املتوّف1396 :ه)،
دار العلم للماليني ،الطبعة اخلامسة عرش 2002م.
الفقه وأصوهل:
ل
ـ املحصول يف علم األصول ،حممد بن عمر بن احلسني الرازي (املتوّف ،)606حتقيق :طه جابر
فياض العلواين ،جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية ،الرياض ،الطبعة األوىل .1400
ـ رشح تنقيح الفصول ،أبو العباس شهاب ادلين أمحد بن إدريس بن عبد الرمحن املاليك الشهري
بالقرايف (املتوّف684 :ه) ،حتقيق :طه عبد الرؤوف سعد ،رشكة الطباعة الفنية املتحدة ،الطبعة
األوىل 1393ـه1973 -م.
207
ـ الفروق (أنوار الربوق يف أنواء الفروق) ،أبو العباس شهاب ادلين أمحد بن إدريس بن عبد الرمحن
املاليك الشهري بالقرايف (املتوّف684 :ه) ،اعلم الكتب.
وبأىلع الصفحة :كتاب الفروق (أنوار الربوق يف أنواء الفروق) للقرايف
وبعده (مفصوال بفاصل)« :إدرار الرشوق ىلع أنوار الفروق» وهو حاشية الشيخ قاسم بن عبد الل
املعروف بابن الشاط (723ه) تلصحيح بعض األحاكم وتنقيح بعض املسائل
وبعده (مفصوال بفاصل)« :تهذيب الفروق والقواعد السنية يف األرسار الفقهية» للشيخ حممد بن
يلع بن حسني مفىت املالكية بمكة املكرمة (1367ه) ،وفيها اخترص الفروق وخلصه وهذبه ووضح
بعض معانيه.
ـ املوافقات ،إبراهيم بن موىس بن حممد اللخيم الغرنايط الشهري بالشاطيب (املتوّف790 :ه)،
حتقيق :أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان ،دار ابن عفان ،الطبعة األوىل 1417ه1997 /م.
ـ رشح اتللويح ىلع اتلوضيح مل نت اتلنقيح يف أصول الفقه ،سعد ادلين مسعود بن عمر اتلفتازاين
الشافيع (املتوّف793 :ه) ،املحقق :زكريا عمريات ،دار الكتب العلمية ،بريوت بلنان ،الطبعة
األوىل 1416ـه 1996 -م.
ـ غمز عيون ابلصائر يف رشح األشباه وانلظائر ،أمحد بن حممد ميك ،أبو العباس ،شهاب ادلين
احلسيين احلموي احلنف (املتوّف1098 :ه) ،دار الكتب العلمية ،الطبعة األوىل 1405ـه1985 -م.
ـ الوجزي يف إيضاح قواعد الفقة اللكية ،ادلكتور حممد صديق بن أمحد بن حممد آل بورنو أبو احلارث
الغزي ،مؤسسة الرسالة ،بريوت بلنان ،الطبعة :الرابعة 1416ـه 1996 -م.
ـ القواعد الفقهية ،لدلكتور يلع أمحد انلدوي ،دار القلم دمشق 1414 ،ـهـ1994م.
منواعت:
ـ بدائع الفوائد ،حممد بن أ يب بكر أيوب الزريع أبو عبد الل ابن القيم اجلوزية ،مكتبة نزار
مصطىف ابلاز ،مكة املكرمة ،الطبعة األوىل 1416ـه– 1996م.
ـ ُمموع الفتاوى ،تلق ادلين أبو العباس أمحد بن عبد احلليم بن تيمية احلراين (املتوّف728 :ه)،
املحقق :عبد الرمحن بن حممد بن قاسم ،انلارشُ :ممع امللك فهد لطباعة املصحف الرشيف،
املدينة انلبوية ،اململكة العربيةالسعودية 1416ه1995/م.
208
ـ مفتاح العلوم ،يل وسف بن أ يب بكر بن حممد بن يلع الساكيك اخلوارزيم احلنف أبو يعقوب
(املتوّف626 :ه) ،حتقيق :نعيم زرزور ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،الطبعة اثلانية 1407 ،ـه1987 -م.
ه ـ قادة الغرب يقولون «د ِّم هروا اإلسالم أَ ه
يدوا أهله».جلالل العالم (عبد الودود يوسف ادلمشق)
(املتوّف1403 :ه) ،غري مذكور اسم ادلار ،تاريخ النرش 1395 :ه1974-م.
ـ حياة احليوان الكربى ،حممد بن موىس بن عيىس بن يلع ادلمريي ،أبو ابلقاء ،كمال ادلين الشافيع
(املتوّف808 :ه) ،دار الكتب العلمية بريوت ،الطبعة اثلانية 1424ه.
ً
ـ قواعد اتلفسري (مجعا ودراسة) ،خادل السبت ،دار ابن عفان 1421 ،ـه
209
فهرس املحتويات
الصفحة الرقم املوضوع
3 اإلهداء 1
4 املقدمة 2
11 اتلمهيد 3
12 املبحث األول :معىن القاعدة يف اللغة 4
12 املبحث اثلاين :معىن القاعدة يف االصطالح 5
14 املبحث اثلالث :العالقة بني املعىن اللغوي واالصطاليح 6
ه ل ه ه
15 العربية والقرآن الكريم واتلأخري يف اللغة اتلقديم الفصل األول: 7
16 ه
مفهوم اتلقديم واتلأخري املبحث األول: 8
له
31 أهمية اتلقديم واتلأخري يف اللغة العربية املبحث اثلاين: 9
33 املبحث اثلالث :أهم أسباب اتلقديم واتلأخري يف القرآن 10
ِّ اتلقديم ل ه
قواعد ل
58 واتلأخري عند املفرسين الفصل اثلاين: 11
60 املبحث األول :قواعد يف اتلقديم واتلفضيل 12
اذلكر ال يلزم منه اتلقد هم يف ل ِّ
61 الزمان أو الرتبة) (اتلقد هم يف
1ـ ل 13
ه اتلقديم :ل
2ـ (ليس من لوازم ل
64 اتلفضيل) 14
ً ه ِّ
64 3ـ (العر هب ال يقد همون إال ما يعتنهون به َغبلا) 15
68 يد االهتمام) يم يهف ه
اتلقد ه
4ـ ( ل 16
ِّ المق لدم هو الغرض ه
أن هل اتلقد ه
5ـ ( ل
المعتمد باذلكر وبسوق 70 يم ديلل ىلع 17
الالكم ألجله)
74 املبحث اثلاين :قواعد يف أن اتلقديم واتلأخري ال يكون إال حبجة 18
6ـ (ال وجه تلقديم َش ٍء من كتاب الل عن موضعه أو تأخريه عن 74 19
حب لج ٍة واضح ٍة).
ماكنه إال ه
ل ل اتلقديم ل 7ـ (ال ضري يف ل
79 واتلأخري إذا دل ىلع الرتتيب ديلل) 20
210
ه ه ه
8ـ (إحلاق الالكم باذلي يليه أوىل من إحلاقه بما قد حيل بينه وبينه 79 21
من همعرتض الالكم)
ه ل
الرتتيب همق لدم ىلع القول ب ل
اتلقديم ل
81 واتلأخري) 9ـ (القول ب 22
املبحث اثلالث :قواعد يف بعض احلروف وتقديم املعمول واملجرور 87 23
ً ل ً 10ـ (الو ه
87 او ال تقتض ترتيبا وال تعقيبا وإنما ه ملطلق اجلمع) 24
97 يم إذا اقرتن بالفاء َكن فيه همبالغة).
(اتلقد ه
11ـ ل 25
103 عمول يتض لم هن معىن االشرتاط ل
واتلقييد) يم الم ه
12ـ (تقد ه 26
ل ً ه ه
104 13ـ (تقديم المج هرور كثريا ما يعامل همعاملة الرشط). 27
ه ِّ ه ِّ
106 14ـ (الفعالن إذا َكنا همتقاريب المعىن فلك أن تقدم وتؤخر) 28
110 املبحث الرابع :قواعد يف أغراض اتلقديم واتلأخري 29
ً ً ه ل ه ه ه
انلفس ترقبا ل هو هروده ،وتشوقا 111 ث ل 15ـ (تأخ ه
ري ما حقه اتلقديم يور 30
إيله).
ً ِّ ه ه ل
ب 115
ٍ ل ط د المقدم يتض لم هن جوابا لر 16ـ (من هموجبات ل
اتلقديم :كون 31
طلب هه ه
المخاطب).
ه ه (اتلقد ه
17ـ ل
116 يم ال يكون ألجل الفاصلة فقط). 32
122 18ـ (تقد ه
يم اجل همل عن مواضع تأخريها تلوفري املعاين). 33
123 ري الختالف املقام).واتلأخ ه
يم ل 19ـ (قد يتل هف ل
اتلقد ه 34
ّ ه ل ه ل
142 ويؤخ هر األجَّل). 20ـ (يف مقام االستدالل يقد هم اجليل 35
145 املبحث اخلامس :قواعد يف تقديم املسند إيله 36
المسند ال همشت ِّق ال يهف ه
يد بذاته 149 يم ال همسند إيله ىلع ه21ـ (تقد ه 37
ه
اتلخصيص اد من َعض مواقعه معىن ل اتلخصيص ،وقد يهستفل
بالقرائن).
ف ،إذا لم 151 يل المن ِّ (األكرث يف تقديم ه
المسند إيله ىلع اخلرب الفع ِّ ه 22ـ 38
انلف ،أن ال يهفيد تقديمه إال ل
اتلق ِّوي، المسن هد إيله عقب حرف ل
يقع ه
هدون ل
اتلخصيص).
211
152 اتلق ِّوي).
يد لعيل كثريا ً ما يهف ه يم ه
المسند إيله ىلع اخلرب الف ِّ 23ـ (تقد ه 39
156 يد االختصاص). عيل قد يهف ه يم ه
المسند إيله ىلع اخلرب الف ِّ 24ـ (تقد ه 40
عيل اجل ه
مع بني 159 25ـ (قد َيتم هع يف تقديم ه
المسند إيله ىلع اخلرب الف ِّ 41
اتلخصيص»). اتلق ِّوي» و« ل
قصد « ل
المسن هد إيله ىلع اخلرب الف ِّ
عيل يف الوعد 161 26ـ (كثريا ً ما يتق لد هم ه 42
والضمان)
املبحث السادس :قواعد يف تقديم املسند وتقديم اللفظ ىلع اعمله 163 43
163 المسند إذا احت لفت به قرائن قد يهف ه
يد احلرص) يم ه27ـ (تقد ه 44
ً يم اللفظ ىلع اعمله يهف ه
28ـ (تقد ه
170 يد االختصاص َغبلا) 45
178 يد االختصاص) جرور كثريا ً ما يهف ه ه ل
الظرف أو الم ه 29ـ (تقديم 46
ه ه ه 30ـ (حني َيتم هع ل
اتلخص ه
يص مع ل
182 االهتمام أقوى) اتلقديم يكون 47
183 املبحث السابع :قواعد يف تقديم الضمري وتقديم املفعول 48
183 يد االختصاص) الضمري كثريا ً ما يهف ه
ه ل
31ـ (تقديم 49
ه ه
186 يم لـما ماكنه اتلأخري يهراد به االختصاص) 32ـ (ليس ك تقد ٍ 50
فعول مع اشتغال فعله بضمريه ه
آكد يف إفادة ا لتلقديم 189 يم الم ه
33ـ (تقد ه 51
المشتغل بضمريه) فعول ىلع الفعل غري ه احلرص من تقديم الم ه
212