Vous êtes sur la page 1sur 10

‫ب�ستمولوجية؟‬

‫َّ‬ ‫ال‬
‫ما إ‬

‫الدرا�سات والبحوث‬

‫ما ا إلب�ستمولوجيَّة؟‬

‫�أ�سعد طرابيه‬

‫الب�س ��تمولوجيا مرتبطة ارتباط ًا ع�ض ��وي ًا بالعلوم إ‬


‫الن�س ��انية فهي‬ ‫م ��ن الجدي ��ر بالذكر �أن إ‬
‫لي�س ��ت قائم ��ة على تحليل اللغة العلمية فح�س ��ب‪ ،‬بل إ�نّها ُتعنَى بن�ش� ��أة الفك ��ر العلمي ونم ِّوه‪.‬‬
‫الب�س ��تمولوجيا تدريجي ًا من نظرية المعرفة التي هي مدخل لكل فل�س ��فة‪.‬‬‫لذلك تخلَّ�ص ��ت إ‬
‫يجب التنويه إ�لى �أن كتاب كانط «نقد العقل النظري»‪ :‬قائم بجوهره على إ�مكانية الت�أ�س ��ي�س‬
‫لقيام ريا�ض ��يات مح�ض ��ة وعلم للطبيعة‪� .‬أي إ�مكان قيام العلم وعلى الرغم من ذلك ال يمكننا‬
‫عد كانط إ�ب�ستمولوج ّي ًا‪.‬‬
‫ّ‬
‫وفي هذا ال�سياق يطرح ال�س ؤ�ال آ‬
‫التي‪ :‬هل يوجد نظرية علمية خالية تمام ًا من �أي ت�ضمين‬
‫فل�سفي؟ هل ينطبق ذلك على نظرية الجاذبية؟‬
‫�أحدث� � ��ت هذه النظرية جدالً فل�سفياً قوياً بي� � ��ن الديكارتيين والنيوتونيين‪ ،‬ففي الريا�ضيات‬
‫دخل� � ��ت الفل�سفة ف� � ��ي المناق�شات حول التفا�ضل والتكامل‪ ،‬وف� � ��ي الفيزياء حول تف�سير المكان‬
‫والزمان‪ ،‬هل نقول تمكين الزمان �أو تزمين المكان؟ وهل الكوانتم ال حتمية �أ�سا�سية �أو ظاهرة‬
‫حتمية خفية؟‬
‫الب�ستمولوجيا في معجم الالند تدل على فل�سفة العلوم‪ .‬فهي لي�ست درا�سة الطرائق العلمية‬
‫�إن إ‬
‫درا�سة و�صفية تحليلية‪ ،‬ألن هذه الدرا�سة مو�ضوع علم المناهج وهي جزء من المنطق‪ .‬وهي لي�ست‬

‫‪55‬‬ ‫الــعــ��دد ‪ 661‬ت�شرين الأ ول ‪2018‬‬


‫ب�ستمولوجية؟‬
‫َّ‬ ‫ال‬
‫ما إ‬

‫تركيباً للقوانين العلمية �أو ا�ستباقاً لها‪� .‬إذن‪ ،‬إ‬


‫الب�ستمولوجيا هي درا�سة لنقد مبادئ مختلف العلوم‬
‫وفر�ضياتها ونتائجها بغية تحدي� � ��د �أ�صلها المنطقي ال النف�سي ومداها المو�ضوعي �أو هي البحث‬
‫النق� � ��دي الرامي �إلى ا�ستخال�ص الفل�سفة التي ينطوي عليه� � ��ا التفكير العلمي‪ .‬يرى الدكتور عادل‬
‫الب�ستمولوجيا بنق� � ��د العلوم منا�سب جداً‪ ،‬ألن النقد ي�صدر حكماً في �أمر‪ ،‬ما له‬
‫الع� � ��وا �أن ترجمة إ‬
‫الب�ستمولوجيا خ�صو�صية فل�سفية �أكثر مما هي علم‬ ‫وم� � ��ا عليه‪� .‬إذن‪ ،‬هي نقد للعلم وبذلك تمتلك إ‬
‫العلم الذي ينزع عنها ال�صفة الفل�سفية‪ .‬يرى بوبر في كتابه «منطق االكت�شاف العلمي» � أ َّن الم�شكلة‬
‫الب�ستمولوج َّية التكوينية عند بياجيه‬‫الب�ستمولوج َّية هي نمو المعرفة العلمية‪� .‬أما إ‬
‫المركزي� � ��ة في إ‬
‫فتعن� � ��ي �أن المعرفة لي�ست ناجزة ومنتهية و�إنما هي �صي� � ��رورة‪ ،‬فالق�ضايا العلمية قابلة للمراجعة‬
‫والت�صحي� � ��ح وهذا ما ي�ص� � ��ادق عليه با�شالر ب�أن العلم هو تاريخ ت�صحي� � ��ح أ‬
‫الخطاء‪ .‬هذا يعني �أن‬
‫الب�ستمولوج َّي� � ��ة نظ� � ��رةٌ فل�سفية مفتوحة‪ ،‬في الوقت نف�سه ال يتناق�� � ��ض هذا التعريف مع القطيعة‬
‫إ‬
‫الب�ستمولوجي يولد‬ ‫الب�ستمولوج َّية بين المعرفة والح�س الم�شترك‪ .‬يقول جان بياجيه‪� :‬إن التفكير إ‬ ‫إ‬
‫ب�سب� � ��ب �أزمات هذا العلم �أو ذاك‪� ،‬أزم� � ��ات تن�ش� أ ب�سبب خط� أ في المناهج ال�سابقة وتُعالج باكت�شاف‬
‫مناهج جديدة‪� ،‬أي �إ َّن إ‬
‫الب�ستمولوجيا هي ميتودولوجيا من الدرجة الثانية‪.‬‬

‫إالب�ستمولوجيا والفل�سفة‬
‫الدارية والجامعية فرعاً من فروع الفل�سفة‪.‬‬
‫ب�ستمولوجية على �صعيد المنظمات إ‬
‫َّ‬ ‫ال‬
‫ماتزال إ‬
‫ولكنها على الرغم من ذلك �أخذت منذ قرن ت�ؤكد بالتدريج �أنها مبحث مت�سق تنزع لالنف�صال‬
‫ع� � ��ن الفل�سفة و�أنها علم حقيقي‪� .‬إنها تفكير في العلم كما � أ َّن علم الجمال تفكير في الجمال‪.‬‬
‫�إن عال� � ��م �أر�سطو يختلف عن عالمنا ألن �أر�سطو اختار لغ� � ��ة ال�صفات الح�سية ولم يطرق باب‬
‫الريا�ضي� � ��ات ك�أ�ست� � ��اذه �أفالطون‪ .‬فال بد من تحلي� � ��ل لغة العلم حتى يت�س ّنى لن� � ��ا �إدراك البنية‬
‫العميق� � ��ة‪ ،‬لذلك لم يب َق مو�ضوع الريا�ضيات درا�سة العدد والطول فح�سب‪ ،‬وال الفيزياء درا�سة‬
‫الظواهر الح�سية‪ ،‬وال علم النف�س درا�سة ظواهر ال�شعور‪� .‬إن ما يواجه العلماء اليوم هو توظيف‬
‫العلم ل�صالح المنفع� � ��ة البيولوجية واالجتماعية‪ .‬يقول با�شالر‪ :‬كل علم موعظة‪ ،‬علم ينفي كل‬
‫تو�صل العلماء إلجماع كامل‪ .‬ويلخ�ص‬‫الخ�صوم� � ��ات حوله والتي تكون من طبيعة فل�سفية‪ ،‬وقد َّ‬
‫الق�ضي� � ��ة (ر‪ .‬مارتان) في كتابه «المنطق المعا�صر و�إ�سباغ ال�صبغة ال�صورية»‪ :‬بما �أن الفل�سفة‬
‫ق� � ��د �أقلعت منذ زمن بعيد عن �أن تُملي على العلوم مبادئها وطرائقها ف�إ َّن ثروتها الوحيدة هي‬
‫�أن تتخذ الفكر العلمي الناجز مو�ضوعها‪.‬‬

‫الــعــ��دد ‪ 661‬ت�شرين الأ ول ‪2018‬‬ ‫‪56‬‬


‫ب�ستمولوجية؟‬
‫َّ‬ ‫ال‬
‫ما إ‬

‫إ�ب�ستمولوجيا االختزال‬
‫يت�صل م�صطلح االختزالية بم�صطلح الرد‪� ،‬أي رد �شيء �إلى �شيء �آخر‪ ،‬ريا�ضياً كرد الك�سور‬
‫�إل� � ��ى مخرج واح� � ��د‪ .‬وعند الفيل�سوف هو�سرل ه� � ��و �إرجاع ال�شيء �إلى حقيقت� � ��ه وتخلي�صه من‬
‫الزوائ� � ��د التي لحقت به‪ .‬وهو ق�سمان الرد �إل� � ��ى الماهيات والرد �إلى الظواهر �أي الفكر الذي‬
‫يعد معطيات التجرب� � ��ة الداخلية والخارجية هي ظواهر‪ ،‬وي�ستمر في ر ّد الظواهر حتى ن�صل‬
‫ّ‬
‫لظاهرة ال رد لها وهي ا ألنا المتعالية‪.‬‬
‫يميز �إرن�ست ماير �أحد �أن�صار االختزالية بين ثالثة �أنواع من االختزالية‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪ -1‬االختزالية التكوينية‪ :‬وهي طريقة لدرا�سة المكونات ا أل�سا�سية أ‬
‫لل�شياء‪.‬‬
‫‪ -2‬االختزالية النظرية‪ :‬وهي تف�سير نظري في �إطار نظرية �شاملة‪.‬‬
‫‪ -3‬االختزالية التف�سيرية‪ :‬التي تع ُّد مجرد معرفة المركبات النهائية لمنظومة ما‪ ،‬يكفي لتف�سيرها‪.‬‬
‫يميز �ستيفن واينبرغ بين االختزالية كو�صفة عامة للتقدم في العلم �أي المقوالت المركزية‬
‫ّ‬
‫تعد مفتاح علم من العل� � ��وم‪ .‬واالختزالية كمقولة في نظام الطبيعة وهذا ما‬ ‫والجوهري� � ��ة التي ّ‬
‫نجده عند الماديين والو�ضعيي� � ��ن والمارك�سيين‪ ،‬الذين يع ُّدون الفكر انعكا�ساً لقوانين الطبيعة‬
‫المو�ضوعية بعيداً عن العواط� � ��ف والم�شاعر‪ .‬ومن َّ‬
‫ثم يمكن التفريق بين �إب�ستمولوجيا داخلية‬
‫تنب� � ��ع من عمل العالم في �أثناء عمله العلم� � ��ي‪ ،‬و�إب�ستمولوجيا خارجية تكون ذات فائدة نظرية‬
‫وهي �أقرب �إلى الفل�سفة‪.‬‬

‫إ�ب�ستمولوجيا الع�شواء‬
‫كت� � ��ب �أين�شتاين �إلى ماك�� � ��س بورن ر�سالة قال فيها‪�« :‬أنت ت�ؤمن ب�إله يلعب النرد و�أنا �أ�ؤمن بقانون‬
‫زت النظام والنظام بدوره ي�ؤدي �إلى‬ ‫ونظ� � ��ام كاملين» �إال �أن الفيزياء الميكروية قالت �إن الفو�ضى غَ ِ‬
‫�أ�ش� � ��كال جديدة من الفو�ضى‪ .‬منذ بدايات الجن�س الب�شري ُع َّدت الطبيعة مخلوقاً متقلباً ال انتظام‬
‫في� � ��ه‪ ،‬و ُع َّد غياب النظام ناتجاً عن نزوات �آلهة تنزع �إلى الفو�ضى‪ .‬وبالتدريج نما اتجاه يدرك‬
‫ا أل�سب� � ��اب وراء الظواه� � ��ر ووراء الكثرة المبعث� � ��رة‪ .‬وما �إ ْن �أطل القرن التا�س� � ��ع ع�شر ب�إطاللته‬
‫ال�صارم� � ��ة حتى تو�صل العلماء �إلى �صياغة قوانين الطبيع� � ��ة‪ ،‬و�سمي قرن الحتمية‪ .‬واليوم مع‬
‫ظهور ميكانيك الكم �أ�صبحت حوادث الطبيعة تخ�ضع لل�صدفة ال قانون محدد لها‪ ،‬مثل تفكيك‬
‫الذرة الم�شعة ودوامات التدفق ف� � ��ي ال�سوائل‪ ،‬وتقلبات الحقل المغناطي�سي ا ألر�ضي‪ ،‬واهتزاز‬

‫‪57‬‬ ‫الــعــ��دد ‪ 661‬ت�شرين الأ ول ‪2018‬‬


‫ب�ستمولوجية؟‬
‫َّ‬ ‫ال‬
‫ما إ‬

‫اللكترونية وحركة كرات البلياردو وا�صطدام ذرات الغاز‪� .‬إذ �أ�صبحت الفيزياء تنو�س‬
‫الدارات إ‬
‫بين ع�شوائية ال�صدفة وتحديدات القانون‪.‬‬
‫عل� � ��ى م�ست� � ��وى الكبائر وال�صغائر النظم غي� � ��ر خا�ضعة لقوانين دقيق� � ��ة �صارمة فالقوانين‬
‫الب�سيط� � ��ة قد تقود �إلى �سلوك ع�شوائي‪ .‬لقد دخل القانون التفا�ضلي للداللة على عدم القدرة‬
‫على ال�ضبط الكامل للظواه������ر‪ .‬والمعادالت التفا�ضلية تعتمد على وجود ثوابت �إ�ضافية‬
‫ال نهائية‪.‬‬

‫إ�ب�ستمولوجيا الزمان‬
‫كثير من الفيزيائيين والفال�سفة على حد �سواء‪،‬‬ ‫�شكَّل الزمان �إ�شكالية ومعرفية وعلمية لدى ٍ‬
‫فقد كتب �إ�سحق نيوتن في كتابه «الفل�سفة الطبيعية للمبادئ الريا�ضية» عن الزمان ب�أنه زمان‬
‫مطلق حقيقي ريا�ضي ين�ساب من تلقاء نف�سه وم�ستقل ب�شكل تام عن � أ ٍّي من ا ألحداث‪ ،‬كما �أنه‬
‫متناه بالفعل ألن لحظاته متجان�سة تجان�س � � �اً تاماً‪ ،‬والزمان المطلق م�ستقل عن القوانين‬ ‫غي� � ��ر ٍ‬
‫الت� � ��ي ت�سير بموجبه� � ��ا الحركات‪ ،‬لذلك يمكن الحديث عن التزامن عل� � ��ى الم�ستوى الكوني �أي‬
‫ا ألح� � ��داث مت�أنية في لحظة محددة‪ .‬و�أن الزمان المطلق يتدفق ب�سرعة مت�ساوقة خالل الكون‬
‫ول� � ��دى كل الرا�صدي� � ��ن في الدفق نف�سه‪ .‬ه� � ��ذا الفهم الزماني �شكَّل عقب� � ��ة �إب�ستمولوجية حتى‬
‫مجيء النظرية الن�سبية في �أواخر القرن التا�سع ع�شر‪ .‬التي وجهت �ضربة قوية لمفهوم الزمن‬
‫المطل� � ��ق‪ .‬لقد بينت النظرية الن�سبية ألين�شتاين ب�أن مفه� � ��وم الحوادث المتزامنة التي تقع في‬
‫اللحظ� � ��ة نف�سها غير �صحيح �إذ ال وجود للحظة �شاملة ت�سود الكون كله‪ ،‬وذلك ب�سبب اختالف‬
‫المراجع العطالية‪ .‬كما �أن الزمان ين�ساب على ا أل�شياء �سريعة الحركة ب�سرعة �أبط� أ مما لو كان‬
‫عل� � ��ى ا أل�شياء الثابتة‪ .‬وكلما اقترب ج�سم متحرك من �سرعة ال�ضوء كان تمدد الزمن وا�ضحاً‪،‬‬
‫فلكل را�صد له زمانه الخا�ص وهو �أ�سير هذا الزمن‪.‬‬
‫ترب� � ��ط النظرية الن�سبية الزمان بالمكان فيما ي�سمى الزمكان وهذا الزمكان لي�س م�سطحاً‬
‫�أو م�ستقيم � � �اً‪ .‬فالمادة تخل� � ��ق ن�سيج الزمكان ثم يعود الزمكان ب� � ��دوره ليتحكم ب�سلوك المادة‪.‬‬
‫وعلى هذا ف�إ َّن عمر الكون من على نجم نيوتروني يبلغ ملياري �سنة‪ ،‬في حين عمر الكون في‬
‫مرج� � ��ع �آخر �أربعة ع�شر مليار �سنة‪� ،‬أي �أن الزمان تم� � ��دد ألن الجاذبية عالية جداً على النجم‬
‫النيوترون� � ��ي‪ .‬ولما كانت الجاذبية ت�شوه الزم� � ��ان والمكان ف�إن الخط الم�ستقيم مجرد افترا�ض‬
‫من افترا�ض� � ��ات الفيزياء التقليدية‪� .‬إن الزمكان لي�س واح� � ��داً‪ ،‬فعند دخول �أفق الحدث لثقب‬

‫الــعــ��دد ‪ 661‬ت�شرين الأ ول ‪2018‬‬ ‫‪58‬‬


‫ب�ستمولوجية؟‬
‫َّ‬ ‫ال‬
‫ما إ‬

‫يتم الولوج �إلى كون �آخر ب�شرط �أن نتحرك ب�سرعة �أعلى‬ ‫ثم ُّ‬ ‫�أ�سود ف�إ َّن زمكاناً � آ َ‬
‫خر يت�شكل‪ ،‬ومن َّ‬
‫من ال�ضوء‪� .‬أكد �أين�شتاين �أن �سرعة ال�ضوء ثابتة في كل مكان ولكل �شخ�ص وم�ستقلة عن المنبع‬
‫الذي انطلقت منه و�إال �أتت �إلينا المعلومات ب�سرعات مختلفة واختلط الحابل بالنابل وتداخل‬
‫الدراك‪� .‬أخيراً �إن مفاهيم الزمان والمكان لي�ست‬ ‫الما�ضي م� � ��ع الحا�ضر مع الم�ستقبل وت�شوه إ‬
‫�صلبة ثابتة بل مفاهيم مائعة مطاطة ن�سبية‪ .‬كما �أن تعاقب ا ألحداث محكوم بقانون ال�سبيبة‪،‬‬
‫لذلك ال ن�ستطيع ر�ؤية النتيجة قبل �سببها‪ .‬ولكن حينما ن�سير ب�سرعة تفوق �سرعة ال�ضوء نرى‬
‫معلوم� � ��ات الم�ستقبل قبل حدوثها بالحا�ضر ور�ؤية النتيج� � ��ة قبل ال�سبب‪� .‬إن �أفكارنا قد ت�سبق‬
‫ال�صيرورة وما عليها �إال � أ ْن تنتقل من حقل الالزمان �إلى حقل الزمان بحد�س عبقري خلاّ ق‪.‬‬

‫الخيال والعلم‬
‫الن�س� � ��ان المعطى الح�سي المبا�ش� � ��ر �إلى التخيل حينما يري� � ��د �أن يقونن عمله �أو‬
‫يتج� � ��اوز إ‬
‫الن�سان الريا�ضيات‬ ‫عندما يعجز عن الو�صول �إلى نتيجة عبر �أدواته المعرفية الح�سية‪ .‬اخترع إ‬
‫ك� � ��ي يف�سر ظواهر ال ي�ستطيع فهمها ب�أدواته الح�سية‪ .‬فاخت� � ��رع ريا�ضيات التكامل كي يح�سب‬
‫الم�ساح� � ��ات الممتدة �إلى الالنهاية‪ ،‬واخترع ريا�ضي� � ��ات ت�ستخدم العدد ال�سالب و�أ�سماها حقل‬
‫ا ألع� � ��داد العقدي� � ��ة كي يف�سر عدداً من الظواهر مثل تغيرات التي� � ��ار وفرق الكمون في كل من‬
‫للن�سان �أن يفهم ا أل�شياء بعقله وهوية‬ ‫المك ّثف� � ��ة والملف‪ .‬هنا يطرح ال�س�ؤال ا آلتي‪ :‬كيف يمكن إ‬
‫عقله الفكر ولي�س ا أل�شياء؟ فالمطابقة هي مطابقة الهوية للهوية �أي ا أل�شياء أ‬
‫لل�شياء‪ ،‬والفكر‬
‫للفك� � ��ر‪� .‬أم� � ��ا �أن يتعامل الفكر م� � ��ع ا أل�شياء فهذا لي�س مطابقة بل مقارب� � ��ة و�أداتها الخيال‪� .‬إن‬
‫للفاق المحدودة للت�صورات‪ ،‬فالمعقولية‬ ‫الخي� � ��ال يقوم على بناء المفاج�أة والتخطي الم�ستمر آ‬
‫عن� � ��د با�شالر ت�أتي من الم�ستقبل �إلى الما�ضي‪ .‬هك� � ��ذا يتيح الخيال للفيل�سوف �أن ي�ضم الواقع‬
‫الدراك ويتكون المعنى بالتكامل بين الواقع والعقل‪.‬‬ ‫�إلى الممكن‪ ،‬فيتو�سع إ‬

‫ستمولوجية‬
‫َّ‬ ‫مفهوم العقبة والقطيعة إالب�‬
‫�إن �إب�ستمولوجيا العلم تطرح م�شكالت تت�أتى من العلم نف�سه‪ .‬بما ي�شكل عقبة �إب�ستمولوجية‬
‫في وجه تطور العلم‪ .‬ويكون هنا مهمة �إب�ستمولوجيا العلم النقدية البحث فيما �إذا كانت نتائج‬
‫التفكير العلمي عقبة في وجه العلم نف�سه �أو تف�سح المجال �أمام تطوره‪� .‬ساد قروناً عديدة �أن‬
‫ا ألر�� � ��ض مركز الكون وهذا الت�صور مبني َوف َق اعتب� � ��ارات نف�سية واجتماعية معاً‪ ،‬تتجلى فكرة‬
‫المركزي� � ��ة على الم�ست� � ��وى النف�سي في عدم القدرة على قبول معرفة جديدة تتنافى مع طبيعة‬

‫‪59‬‬ ‫الــعــ��دد ‪ 661‬ت�شرين الأ ول ‪2018‬‬


‫ب�ستمولوجية؟‬
‫َّ‬ ‫ال‬
‫ما إ‬

‫المع� � ��ارف الت� � ��ي اعتدنا عليها‪ .‬وعل� � ��ى الم�ستوى االجتماعي نبذ كل م� � ��ن ي�سمح له عقله بنقد‬
‫المعارفة ال�سائدة‪ ،‬لذلك لم تكن نهاية كوبرنيكو�س �سعيدة فقد توفي والبابا �ساخطٌ عليه‪ ،‬وقد‬
‫حكم� � ��ت محاكم التفتي�ش على غاليليو بالعزل مدة ثمان� � ��ي �سنوات‪ .‬وكذلك نموذج نيوتن الذي‬
‫�سيطر على العلم قرابة ثالثمئة �سنة �شكّل عقبة �إب�ستمولوجية �أمام نموذج �أين�شتاين‪.‬‬
‫ومث� � ��ال وا�ض� � ��ح على العقبة النف�سي� � ��ة ي�أتي من فكرة ال�سفر عبر الزم� � ��ن‪ ،‬هذه الفكرة غير‬
‫مقبول� � ��ة على الم�ست� � ��وى العام‪� ،‬إال �أن الح�سابات العلمية التي قام به� � ��ا �أين�شتاين ت�ؤكد �إمكانية‬
‫االرتح� � ��ال بالزم� � ��ن �إلى الما�ضي �أو ال�سفر عب� � ��ر الزمن �إلى الم�ستقبل �إذا م� � ��ا �سرنا �أ�سرع من‬
‫بت�صور العودة �إلى الما�ضي �أو ال�سفر �إلى‬
‫ّ‬ ‫للن�سان ال ي�سمح له‬ ‫ال�ض� � ��وء‪ .‬لكن التركي� � ��ب النف�سي إ‬
‫الم�ستقب� � ��ل‪� .‬إن العادات النف�سية تقف عائقاً �أمام �أي تح� � ��ول �أو تغيير �أو فكرة جديدة‪ .‬فزمنه‬
‫المعي�ش هو الزمن الحقيقي الوحيد‪ .‬فهو يرف�ض فكرة ال�سفر عبر الزمن ويفتر�ض �أنها فكرة‬
‫خيالية مع �أن تجارب علمية ت�ؤكد �أن الوقوع في حقل الدوامات الكهرومغناطي�سية ي�ؤخر الزمن‬
‫�أو يقدمه‪ ،‬وكذلك ا ألمر مع فكرة ا ألكوان المتوازية‪ ،‬كما �أن الفيزياء الكونية �أثبتت وجود ن�سخ‬
‫الن�سان وا أل�شياء في �أمكنة و�أزمنة مختلفة وهو م� � ��ا ترف�ضه الذات النف�سية واالعتيادية‬ ‫ع� � ��ن إ‬
‫وه� � ��و ما ي�شكل عقبة �أمام تطور الفيزي� � ��اء الكوانتية‪ .‬فالمعرفة �إذن من حيث هي ذاتية نف�سية‬
‫تحولت �إلى عقبة �إب�ستمولوجية ال تف�سح المجال �أمام ر�ؤية تطور العقل‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ب�ستمولوجية تكمن في �أن العلم ل� � ��ه مو�ضوعه وفائدته‬
‫َّ‬ ‫�أم� � ��ا الجانب ا آلخر من العقب� � ��ة إ‬
‫ال‬
‫الن�سان‪ ،‬و�أن المعرفة النظرية مرتبطة بتطبيقاتها العملية‬ ‫ونتائ� � ��ج مادية وتقنية ي�ستفيد منها إ‬
‫لذلك من ال�صعب التخلّي عن تلك المعرفة مادامت �أنتجت نموذجاً تقنياً نافعاً‪ .‬بكالم �آخر كل‬
‫�إنتاج علمي معرفي ي�شكل عقبة �إب�ستمولوجية �أمام تطور المعرفة‪.‬‬

‫�أنواع العقبات‬
‫يرى با�شالر �أن تاريخ العلوم ال ي�سير وفقاً إليقاع الزمن ا ألفقي‪ ،‬فالعلوم عندما تُنتج تخلق‬
‫ب�ستمولوجية‪ ،‬وكي يتجاوزها الفكر العلمي‬
‫َّ‬ ‫عقبات �أمام تطورها‪ ،‬هذه العقبات هي العقبات إ‬
‫ال‬
‫ي�أتي الخيال كي يحدث قطيعة �إب�ستمولوجية معها‪ ،‬فيتجاوزها ويتقدم العلم‪.‬‬
‫الب�ستمولوج َّية‪:‬‬ ‫‪ -‬العقبة إ‬
‫ب�ستمولوجية في �صميم المعرفة العلمي� � ��ة‪ ،‬ألن المعرفة تقيم بناءاتها �إذ‬
‫َّ‬ ‫ال‬
‫تكم� � ��ن العقب� � ��ة إ‬
‫ع�صر ما تف�سيرها تظل عقبة‪.‬‬‫ٌ‬ ‫معرفة � أ َ‬
‫�ساء‬ ‫ٍ‬ ‫تحجب ما لم يُفكَّر فيه‪ ،‬فكل معرفة �آ�سرة‪ .‬وكل‬

‫الــعــ��دد ‪ 661‬ت�شرين الأ ول ‪2018‬‬ ‫‪60‬‬


‫ب�ستمولوجية؟‬
‫َّ‬ ‫ال‬
‫ما إ‬

‫يوجد للعقبة �سمات بنيوية‪ ،‬ومن هذه العقبات‪:‬‬


‫المعرفة ال�شائعة‪:‬‬
‫كل معرفة ت�شيع ت�شكِّل عقبة �إب�ستمولوجية في وجه التق ُّدم العلمي‪� ،‬إذ ت�صبح جزءاً‬
‫ال يتجز� أ من الالوعي الجمعي‪ ،‬الذي ال يف�سح المجال �أمام قبول � أ ّي معلومات جديدة‪ .‬المعرفة‬
‫ال�شائع� � ��ة ه� � ��ي امتداد الزمن ا ألفق� � ��ي‪� ،‬أي امتداد الزمن المعي�ش والمعت� � ��اد عليه لدى الب�شر‪.‬‬
‫ومثال على ذلك مو�ضوعة بطليمو�س عن مركزية ا ألر�ض التي تم تداولها �آالف ال�سنين و�صوالً‬
‫بالعدام‪،‬‬‫�إل� � ��ى غاليلي� � ��و وكوبرينكو�س اللذين �أرادا تقوي�ض تلك الر�ؤية فكان� � ��ت النتيجة حكماً إ‬
‫ذل� � ��ك �أن العقل ال�سائد ال ي�ستطيع �أن يتحم� � ��ل الجديد �أو المخالف لما اعتاد عليه‪� .‬إن العقبة‬
‫ب�ستمولوجي� � ��ة تتمثل في كل معرفة ت�شيع �سواء كانت علمية �أم غير علمية‪� .‬إن قوانين نيوتن‬
‫َّ‬ ‫ال‬
‫إ‬
‫تحول� � ��ت �إلى عقبة �إب�ستمولوجية في وج� � ��ه قوانين �أين�شتاين والذي على الرغم من معاناته من‬
‫عقب� � ��ة قوانين نيوتن تحول �أين�شتاين �شخ�صياً والفكر العلمي الذي عا�ش على قوانين �أين�شتاين‬
‫�إل� � ��ى عقبة �إب�ستمولوج ِّية في وجه الفيزياء الكمومية‪ .‬كذلك �شكلت نظرية بور ورذرفورد حول‬
‫بنية المادة عقبة في وجه نظرية الثقالة الفائقة وا ألوتار الفائقة‪.‬‬
‫عقبة االختبار أ‬
‫الول‪:‬‬
‫ي�أت� � ��ي االختبار ا ألول عقب � � � ًة �إب�ستمولوجية ألنه يو�ضع قبل النق� � ��د وفوقه‪ ،‬فهو تكوين غير‬
‫عقالني وال بد من تجاوزه من خالل عقلنة هذا االختبار‪ .‬فاالختبار ا ألول يتقاطع مع المعرفة‬
‫الن�سان المنطلقة من الميول وا ألهواء عند مالحظة الظواهر‪ ،‬لذلك‬ ‫بناء على فطرة إ‬ ‫ال�شائعة ً‬
‫الن�سانية هو تاريخ ت�صحيح ا ألخطاء‪ .‬يرى با�شالر‬ ‫المعرفة ا ألولى خاطئة ولكن تاريخ المعرفة إ‬
‫الب�ستمولوجي� � ��ا لي�ست �س� � ��رداً لتاريخ العلم‪ ،‬بل وقفة إلعادة التفكي� � ��ر في ا�ستر�سال الزمن‬‫�أن إ‬
‫ا ألفقي الذي يتثبت التاريخ ويقتل الجديد‪.‬‬
‫‪ -‬عقبة التعميم‪:‬‬
‫ق� � ��ال �أر�سط� � ��و‪« :‬ال علم �إال بالكلي� � ��ات»‪ ،‬ولكن المعرفة لي�ست دائم � � �اً بالكليات‪ ،‬فالميل �إلى‬
‫التعمي� � ��م وال�شمولية �آفة الفكر الب�شري الذي يغ�ض النظر عن التنوع والخا�ص‪ ،‬ذلك �أن العقل‬
‫يتكيف مع التن� � ��وع دون �أن ي�صيغ التنوع بالواح� � ��د والخا�ص بالعام‪.‬‬
‫الن�سان� � ��ي ال ي�ستطي� � ��ع �أن ّ‬ ‫إ‬
‫�اء على ذلك ال ي�ستطي� � ��ع الجن�س الب�شري �أن يعي�� � ��ش من دون عقبات‬ ‫ف� � ��كل تعميم عقبة‪ ،‬وبن� � � ً‬
‫�إب�ستمولوجي� � ��ة‪ .‬مع ا ألخذ في الح�سبان ب�أنه يمكن �أن يُعاد ا�ستخدام العقبات المعرفية نف�سها‬
‫لحل م�شكلة راهنة‪.‬‬

‫‪61‬‬ ‫الــعــ��دد ‪ 661‬ت�شرين الأ ول ‪2018‬‬


‫ب�ستمولوجية؟‬
‫َّ‬ ‫ال‬
‫ما إ‬

‫يوجد ثالث حاالت للتعميم‪:‬‬


‫�أو ًال‪ :‬تعميم يكون ا�ستجابة ل�ضرورة علمية في الك�شف عن قوانين ظاهرة ما‪ ،‬وفي مرحلة‬
‫الحقة ي�صبح عقبة �إب�ستمولوجية‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬تعميم ينتج عن المنفعة العقلية التي تت�أتى عن الت�سرع في التعميم وا�ست�سهال ا ألمور‪،‬‬
‫مثل الفرق بين القول‪� :‬إ َّن كل ا ألج�سام ت�سقط‪ ،‬والقول‪ :‬كل ا ألج�سام ت�سقط بال�سرعة نف�سها في‬
‫يحرك الفكر العلمي لفهم الظواهر العلمية‪.‬‬ ‫الفراغ‪ ،‬فا ألول يغري بب�ساطته‪ ،‬والثاني ّ‬
‫ثالث� � ًا‪ :‬تعمي� � ��م يقوم على �أ�سا�س منفعي‪ ،‬فالعلم ي�سعى �إل� � ��ى الوحدة‪ .‬مثل تف�سير �أكبر عدد‬
‫ممك� � ��ن من الظواهر بالعودة �إلى قوانين الكهرباء الخا�ص� � ��ة بميدان ما وتعميمها على ميادين‬
‫�أخرى‪ .‬هنا التعميم ي�صبح عقبة �إب�ستمولوجية‪.‬‬
‫‪ -‬العقبة اجلوهرية‪:‬‬
‫الن�سان� � ��ي يبحث دائماً ع� � ��ن الجوهر‪ ،‬وجوهر الحياة وجوه� � ��ر الوجود وجوهر‬
‫�إن الفك� � ��ر إ‬
‫الم� � ��ادة‪� .‬إن البحث عن الجوه� � ��ر يعني البحث عن الباطن وراء الظاه� � ��ر‪ .‬ولكن جوهر المادة‬
‫لل�شياء كان عقبة �إب�ستمولوجية في وجه‬ ‫ي� � ��درك من خالل تفاعالتها‪ .‬لذلك الفهم الجوهري أ‬
‫�إدراك العالقات الحقيقة للظواهر‪.‬‬
‫الحيائية‪:‬‬
‫‪ -‬العقبة إ‬
‫تطبي� � ��ق الحي على غير الح� � ��ي‪� ،‬أي تف�سير الظواه� � ��ر الفيزيائي� � ��ة والكيميائية على �ضوء‬
‫يتحدثون عن العالقة بين‬ ‫ّ‬ ‫المع� � ��ارف الفيزيولوجية‪ .‬لقد كان العلماء في القرن الثامن ع�ش� � ��ر‬
‫المملكة النباتية والحيوانية والمعدنية بو�صفها مختلطة‪ .‬فقد ُع َّدت الكهرباء مبد� أ للحياة كلها‬
‫وهذا ما عطل فهم الظواهر الفيزيائية والكيميائية ب�شكل دقيق‪.‬‬

‫ستمولوجية‬
‫َّ‬ ‫القطيعة إالب�‬
‫الفقي وت�سير‬‫الب�ستمولوج َّية هي المعرف� � ��ة ال�شائعة التي ت�سير في الزمن أ‬
‫�إن �أول� � ��ى العقبات إ‬
‫الب�ستمولوحية التي تح�صل ال تح�صل ب�شكل كامل‪� ،‬أي ال يوجد‬ ‫معارفنا �سيراً �أفقياً‪ .‬و�إ َّن القطيعة إ‬
‫قط� � ��ع كام� � ��ل‪� .‬إن القطيعة تح�صل في الزمن العمودي‪� ،‬أي �أن الزم� � ��ان الذي كانت تن�ساب فيه‬
‫المعرف� � ��ة ال�سابقة لم يعد موجوداً‪ ،‬لقد تمت القطيعة معه ليتحول بدوره �إلى زمن �أفقي ي�شكل‬
‫ب�ستمولوجياً �أمام �أهمية‬
‫ّ‬ ‫عقب� � ��ة في وجه تطور المعرفة‪ .‬فالتجربة والنظرية �أ�صبحتا عائق � � �اً �إ‬
‫ب�ستمولوجية‪:‬‬
‫َّ‬ ‫الحد�س في المعرفة العلمية‪ .‬وهناك �أنواع للقطيعة إ‬
‫ال‬

‫الــعــ��دد ‪ 661‬ت�شرين الأ ول ‪2018‬‬ ‫‪62‬‬


‫ب�ستمولوجية؟‬
‫َّ‬ ‫ال‬
‫ما إ‬

‫القط ��ع الت ��ام‪ :‬انقطاع المعرفة الالحقة عن المعرفة ال�سابقة انقطاعاً كلياً‪ .‬كالقطع التام‬
‫بين كوبرنيكو�س الذي قال بمركزية ال�شم�س‪ ،‬وبطليمو�س الذي قال بمركزية ا ألر�ض‪.‬‬
‫القطع باالحتواء‪ :‬كالقطيعة بين فيزياء نيوتن وفيزياء �أين�شتاين �إذ �أ�صبحت قوانين نيوتن‬
‫حالة خا�صة من قوانين �أين�شتاين‪.‬‬
‫القطع بالتعاي�ش والت�ضايف‪ :‬كالقطع بين نظرية ماك�سويل حول الطبيعة التموجية لل�ضوء‬
‫والت� � ��ي تف�سر ظواه� � ��ر االنعراج في ال�ضوء‪ ،‬والطبيع� � ��ة الج�سمية لل�ضوء الت� � ��ي قال بها نيوتن‬
‫بع ِّد‬
‫وظهرت في نظرية ماك�س بالنك وتم القطع بالجمع الت�ضايفي والتعاي�شي بين النظريتين َ‬
‫ال�ضوء ج�سيمات تموجية‪.‬‬

‫فل�سفة النق�ض عند غا�ستون با�شالر‬


‫كان با�شالر مت�سامحاً مع ال�شعراء والر�سامين‪ ،‬ولكنه كان قا�سياً على الفال�سفة‪ ،‬ففي بع�ض‬
‫ا ألحيان يقوم الفيل�سوف بدور التلميذ الرديء في مدر�سة العلم المعا�صر‪ .‬فعلى الفيل�سوف �أن‬
‫يخ� � ��رج من كهفه الفل�سفي الخا�� � ��ص‪ .‬فالعلماء ال يرون ال�ضوء فح�سب‪ ،‬بل ي�صنعونه‪ .‬لقد حلت‬
‫ذرة الفيزيائي� � ��ن مح� � ��ل ذرة الفال�سفة وح�سمت الجدل بين الفال�سف� � ��ة غير المدعم بالتجربة‪.‬‬
‫يتبنى با�شالر فل�سفة النق�ض الم�سلحة بنتائج العلم المعا�صر وهي الفل�سفة الوحيدة المنفتحة‬
‫بح�س� � ��ب وجهة نظره‪ ،‬و�أي فل�سفة تع � � � ُّد � أ َّن حقائقها ال تم�س‪ ،‬و�أنها حقائق تامة ومكتملة‪ ،‬تبقى‬
‫الن�سان ذو المذهب الواحد فهو‬ ‫مغلق� � ��ة عل� � ��ى ذاتها م�سيرها �إلى الجمود‪� .‬إن الفيل�سوف ه� � ��و إ‬
‫مثال� � ��ي �أو واقعي �أو و�ضعي ولكن العل� � ��م الحديث ي�أبى �أن يت�أطر بمذهب محدد‪ .‬ولفهم مناهج‬
‫كثير م� � ��ن الفل�سفات‪ ،‬وهذه الفل�سفات عليها �أن تجمع بين التجريبية‬ ‫العق� � ��ل يجب التوفيق بين ٍ‬
‫والعقالني� � ��ة‪ .‬التجريبي� � ��ة تحتاج �إلى الفهم‪ ،‬في حين تحت� � ��اج العقالنية �إلى التطبيق‪ .‬وهذا هو‬
‫الب�ستمولوجي الحقيقي هو الذي ي�سعى �إلى �أن يعطي‬ ‫التق� � � ّ�دم الفل�سفي في فل�سفة العلوم‪� .‬إن إ‬
‫الفل�سفة فر�صة كي تتحول �إلى فل�سفة معا�صرة للعلم‪.‬‬
‫لق� � ��د تحرر العلم من �ضغط المعطيات الح�سية ولم يب َق �أ�سيراً لها‪� ،‬إنه يفكر ب�أدواته ويعيد تنظيم‬
‫المعطى الح�سي‪ .‬ال توجد تجربة �سلبية ال يكون في عمقها تجربة �إيجابية‪ ،‬كما هي الحال في تجربة‬
‫مايكل�سون مورلي‪ .‬كذلك ال يوجد ف�شل جذري وال يوجد نجاح نهائي‪ ،‬هذا هو م�صير العلم‪.‬‬
‫م� � ��ن خارج حقل المجتمع ال يوجد غي� � ��ر الرعد والبرق‪� .‬إن المجتمع هو وحده القادر على‬
‫و�ض� � ��ع الكهرباء في ال�سلك ونقل ال�صوت من قارة �إلى �أخ� � ��رى بو�سائل طبيعية‪ .‬بكالم �آخر �إ َّن‬

‫‪63‬‬ ‫الــعــ��دد ‪ 661‬ت�شرين الأ ول ‪2018‬‬


‫ب�ستمولوجية؟‬
‫َّ‬ ‫ال‬
‫ما إ‬

‫الن�س� � ��ان وحده‪ ،‬هو الذي يقيم العالقات بين الظواهر عن‬ ‫الحتمي� � ��ة ال�شاملة ال معنى لها‪� .‬إ َّن إ‬
‫طري� � ��ق القيا�س والك�شف والتحليل وبناء نظرية ريا�ضية وتقني� � ��ة لل�سببية‪ .‬ينقد با�شالر مفهوم‬
‫الن�س� � ��ان ال�صانع ألنه متك ِّيف مع الحياة العامة‪ ،‬وال يتالءم مع المفهوم الثوري للتفكير العلمي‬ ‫إ‬
‫الذي يقيم القطيعة مع التفكير العامي‪.‬‬
‫�أخي� � ��راً على الفال�سفة �أن يختاروا مواقفهم‪ ،‬ف�إذا كان العلم عم� �ل � ً‬
‫ا وممار�سة و�إنجازاً‪ ،‬فلم يعد‬
‫من الممكن �أن تكون الفل�سفة فراغاً و�ضياعاً وتنظيراً في �سماء الالمعنى المتخارج عن تعين العلم‬
‫المعا�صر‪.‬‬

‫المراجع‬
‫الب�ستمولوجي� � ��ا وبع�� � ��ض م�سائلها‪ ،‬عماد فوزي �شعيب� � ��ي‪ ،‬من�شورات جامعة دم�شق‪ ،‬كلي� � ��ة ا آلداب والعلوم‬
‫(‪ -)1‬إ‬
‫الن�سانية‪2010 ،‬م‪.‬‬ ‫إ‬
‫(‪ -)2‬ا ألوت� � ��ار الفائق� � ��ة‪ ،‬نظرية لكل �شيء‪ ،‬ب� � ��ول ديفي�س وجوليان براون‪ ،‬ترجمة د‪� .‬أده� � ��م ال�سمان‪ ،‬دار طال�س‪،‬‬
‫المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجية‪ ،‬دم�شق‪ ،‬ط‪1993 ،1‬م‪.‬‬
‫(‪-)3‬محمد وقيدي‪ ،‬فل�سفة المعرفة عند غا�ستون با�شالر‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1980 ،1‬م‪.‬‬
‫(‪ -)4‬غا�ست� � ��ون با�ش� �ل��ار‪ ،‬تكوين العقل العلمي‪ ،‬ترجم� � ��ة‪ :‬د‪ .‬خليل �أحمد خليل‪ ،‬الم�ؤ�س�س� � ��ة الجامعية للدرا�سات‬
‫والن�شر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1982 ،2‬م‪.‬‬
‫(‪ -)5‬غا�ستون با�شالر‪ ،‬الفكر العلمي الجديد‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬عادل العوا‪ ،‬وزارة الثقافة‪ ،‬دم�شق‪1969 ،‬م‪.‬‬

‫‪¥µ‬‬

‫الــعــ��دد ‪ 661‬ت�شرين الأ ول ‪2018‬‬ ‫‪64‬‬

Vous aimerez peut-être aussi