Vous êtes sur la page 1sur 8

‫ا‬

‫سّلم‬ ‫تفسير يحيى بن‬


‫المقدمة ‪:‬‬

‫حرص الدارسون لعلم التفسير على بيان مراحله التي مرا بها وعلى استكمال‬
‫حلقاته وأطواره منذ نشأة هذا العلم على يدي النبي األكرم صلى هللا عليه وسل ا‬
‫م‬
‫و قد كان نظرهم خّلل القرون الثّلث األولى متجها إلى مدارس التفسير في‬
‫الشرق اإلسّلمي فتتبعوا مؤلفاتهم و مناهجهم و اعتنوا بذكر سير و تراجم أعّلم‬
‫التفسير الذين برزوا في تلك المدارس و الحواضر ‪.‬‬

‫وبقيت الفترة الفاصلة بين تفسير ابن جريج وتفسير الطبري غير مكتملة المّلمح‬
‫و النسيج و فقدت منها حلقة إفريقية و ما حملت من موروث علمي و فكري و لعل‬
‫بعد الشقة و عدم بلوغ ذروة االتصال بين المشرق و المغرب االسّلمي من‬
‫أسباب ذلك ‪.‬‬

‫فغابت عن كثير من الباحثين و الدارسين تلك الحلقة نظرا لتركيزهم على‬


‫المدارس المشهورة بالعناية بعلم التفسير كمكة و البصرة و الكوفة فجعلوا تفسير‬
‫الطبري هو المرحلة التالية لتفسير ابن جريج و اعتبروه أقدم التفاسير التي‬
‫وصلت إلينا كاملة و محتوية لجميع السور و نسبوا إليه طريقة جمع اآلثار و نقدها‬
‫ا‬
‫سّلم ألف بإفريقية خّلل‬ ‫ن تفسير الطبري سبقه تفسير ليحيى بن‬ ‫و الحال أ ا‬
‫منتصف القرن الثاني هجري و وصفته الدكتورة هند شلبي مح اققة هذا التفسير‬
‫بأناه الحلقة الممهدة لظهور كتاب الطبري ‪.‬‬

‫وسنسعى في هذا البحث إلى التعريف بصاحب هذا التفسير وإلى بيان أهم‬
‫مميازات كتابه و هللا الموفق‪.‬‬
‫ا‬
‫سّلم‬ ‫‪ -1‬ترجمة يحيى بن‬

‫)‪ 124‬هـ ‪ 200‬هـ = ‪ 742‬م ‪ 815‬م)‬

‫يحيى بن سّلم بن أبي ثعلبة‪ ،‬التيمي بالوالء‪ ،‬من تيم ربيعة‪ ،‬البصري ثم‬
‫اإلفريقي القيرواني‬
‫دة شيوخه أكثر من ثّلث مائة رجل و جلهم‬ ‫مفسر‪ ،‬فقيه‪ ،‬عالم بالحديث واللغة‪ ،‬ع ا‬
‫من تّلمذة الحسن البصري و قتادة بن دعامة و مجاهد بن جبر أدرك نحو عشرين‬
‫من التابعين حدث عن سعيد بن أبي عروبة ‪ ،‬وشعبة ‪ ،‬والثوري ‪ ،‬ومالك‪ .‬ولد‬
‫بالكوفة سنة ‪124‬هـ ‪ ،‬وانتقل مع أبيه إلى البصرة‪ ،‬فنشأ بها ونسب إليها‪ .‬ورحل‬
‫إلى الكوفة و سمع من سفيان الثوري و منها إلى المدينة و حضر بها دروس‬
‫م إلى مصر و سمع بها الحديث من عبد هللا بن لهيعة ومن الليث بن‬ ‫اإلمام مالك ث ٌ‬
‫سعد‪ ،‬ومنها إلى إفريقية فاستوطنها و مكث بها نحو عشرين عاما و ألاف بها كتابه‬
‫في التفسير ثم عاد إلى مصر ‪.‬‬
‫وحج في آخر عمره‪ ،‬فتوفي في عودته من الحج‪ ،‬بمصر‪ .‬قال أبو عمرو الداني «‬
‫روى الحروف عن أصحاب الحسن وغيره ‪ .‬وله اختيار في القراءة من طريق اآلثار ‪،‬‬
‫سكن إفريقية دهرا ‪ ،‬وسمعوا منه تفسيره الذي ليس ألحد من المتقدمين مثله‬
‫»‪.‬‬
‫« كتاب التفسير »‬
‫« كتاب التصاريف »‬
‫« كتاب الجامع »‬
‫و ليحيى اختيارات في الفقه ذكرها صاحب معالم اإليمان‪.‬‬
‫شهد لي يحيى بالفضل الدبااغ في معالمه وابن أبي حاتم في كتابه الجرح و‬
‫التعديل و ضعفه ابن عدي في ميزان االعتدال و أجمعوا على علمه بالكتاب و‬
‫السنة و على إلمامه بلغة العرب ‪.‬‬

‫تعليق‬
‫و يظهر لنا من خّلل مسيرة يحيى أناه مرا بأغلب مدارس التفسير في زمانه من‬
‫البصرة التي سمع بها من تّلميذ الحسن البصري إلى الكوفة التي جلس فيها‬
‫إلى الثوري إلى المدينة و عالمها اإلمام مالك إلى مصر و مفتيها الليث بن سعد‬
‫عّلوة عن مرويااته عن مجاهد و عكرمة و هما من أعّلم المدرسة المكياة فكل‬
‫هذه المراحل هياأت لظهور شخصياة يحيى العلمياة و هياأت لميّلد‬
‫تفسيره‪.‬بإفريقية فكان تفسيرا جامعا ألقوال من سبقه على المنهج األثري و لكن‬
‫أدخل فيه النقد و التعليق و االختيار‪.‬‬
‫فمثل ميّلدا لمرحلة وحلقة جديدة من حلقات تفسير القرآن‪.‬‬

‫‪-2‬يحي بن سّلم مؤسس طريقة التفسير النقدي‬

‫مر تفسير القران بمراحل بدابة بعهد النبي صلى هللا عليه وسلم فقد كان صلى‬
‫اس مَا‬
‫ِ‬ ‫ذ ْك َر لِ ُتبَ ِي انَ لِل َّن‬ ‫المفسر األول للقرآن قال تعالى وَأَنز َْلنَا إِلَ ْي َ‬
‫ك ال ِا‬ ‫ا‬ ‫هللا عليه وسلام‬
‫ون النحل ‪.44‬فكانت اآلية من القران تفسر باآلية أو بحديثه‬ ‫ك ُر َ‬ ‫م وَلَ َعلَّ ُه ْ‬
‫م يَ َت َف َّ‬ ‫ل إِلَ ْي ِه ْ‬
‫نُ ِزا َ‬
‫صلى هللا عليه فعن عبدهللا بن مسعود رضـي هللا عنه قال‪ :‬لما نزلت هذه اآلية‬
‫ون) ‪-‬األنعام ‪82‬‬ ‫َهم م ْهت َُد َ‬ ‫نو ُ‬ ‫م األ َ ْم ُ‬ ‫م ُأ ْولَـئِ َ‬
‫ك لَ ُه ُ‬ ‫وا إِيمَانَ ُهم بِظُ ْل ٍ‬
‫س ْ‬ ‫م ي َْلبِ ُ‬‫وا وَلَ ْ‬ ‫(الَّ ِذينَ آ َم ُن ْ‬
‫‪ -‬شق ذلك علي الناس فقالوا‪ :‬يا رسول هللا وأينا ال يظلم نفسه؟)‪ .‬قال‪ :‬إنه ليس‬
‫الذي تعنون ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح إن الشرك لظلم عظيم ‪-‬رواه البخاري‬
‫ومسلم ‪.‬‬

‫ا‬
‫ففسر المصطفى الظلم بالشرك‪.‬‬

‫م َع ْ‬
‫ن‬ ‫َسلَّ َ‬
‫هو َ‬ ‫َّللا صَلَّى َّ ُ‬
‫َّللا َعلَ ْي ِ‬ ‫ل َّ ِ‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫سأَ ْل ُ‬ ‫و عن عائشة رضي هللا عنها قالت‪َ :‬‬
‫َش َر ُب َ‬
‫ون‬ ‫َّ‬
‫م ال ِذينَ ي ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ‬
‫شة ‪:‬أ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ت َعائِ َ‬ ‫َ‬
‫جلة َقال ْ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫م َو ِ‬ ‫ون مَا آتَ ْوا و َُقلُو ُب ُه ْ‬‫ة ‪:‬وَالَّ ِذينَ ُي ْؤتُ َ‬ ‫ه ِذ ِه ْاآليَ ِ‬‫َ‬
‫ون َو ُيصَل َ‬
‫ون‬ ‫صو ُم َ‬ ‫َّ‬
‫م ال ِذينَ يَ ُ‬ ‫يق ! وَلَ ِ‬
‫ك َّن ُه ْ‬ ‫صا ِ ا‬ ‫ل ‪َ :‬ال يَا بِ ْن َ‬‫ون ؟ َقا َ‬ ‫ُ‬
‫َس ِرق َ‬ ‫م َر َوي ْ‬ ‫خ ْ‬ ‫ْال َ‬
‫د ُِ‬ ‫ت ال ِ‬
‫ون فِي ْال َ‬
‫خ ْي َراتِ‬ ‫ار ُع َ‬ ‫ك ال َّ ِذينَ ُي َ‬
‫س ِ‬ ‫م أولَئِ َ‬ ‫ل ِم ْن ُه ْ‬‫ون أَ ْن َال ُي ْقبَ َ‬‫اف َ‬ ‫خ ُ‬‫م يَ َ‬‫َه ْ‬ ‫ص َّد ُق َ‬
‫ون و ُ‬ ‫َويَ َت َ‬
‫رواه الترمذي رقم‪3175/‬‬
‫وسلم ثم اشتهر جمع من الصحابة بالتفسير كالخلفاء االربعة وعبد هللا بن مسعود‬
‫وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وعائشة وأبو هريرة وابن عباس وأبو موسى‬
‫األشعري‪ ،‬وغيرهم وعنهم أخذ هذا العلم‪.‬‬

‫و كان شدة ورعهم و خوفهم من القول بالرأي في كّلم هللا من أسباب قلة‬
‫المروي عنهم من اجتهادات ‪.‬‬

‫قال عبد هللا بن أبي مليكة‪ :‬سئل أبو بكر الصديق رضي هللا عنه عن آية من كتاب‬
‫هللا عز وجل ‪ ،‬فقال‪ :‬أيَّة أرض تقلني‪ ،‬أو أيَّة سماء تظلني‪ ،‬أو أين أذهب‪ ،‬وكيف‬
‫أصنع إذا أنا قلت في آية من كتاب هللا بغير ما أراد هللا بها؟‪ .‬رواه سعيد بن منصور‬

‫ومن أمثلة اجتهادهم في التفسير‪ :‬اجتهاد أبي بكر رضي هللا عنه في تفسير‬
‫الكّللة؛ فيما روي عنه من طرق أنه قال‪« :‬إني قد رأيت في الكّللة رأيا‪ ،‬فإن كان‬
‫صوابا فمن هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وإن يكن خطأ فمني والشيطان‪ ،‬وهللا منه بريء؛‬
‫إن الكّللة ما خّل الولد والوالد ‪.‬‬

‫ومن أمثلته أيضا‬

‫اختّلفهم في المراد بالعذاب األدنى‬


‫ي بن كعب‪ :‬هو مصائب الدنيا‬ ‫فقال أب ا‬
‫وقال ابن مسعود‪ :‬هو يوم بدر‬

‫وكذلك اختّلفهم في المراد بالقسورة‬

‫فقال ابن عباس‪ :‬هم الرماة‬

‫وقال أبو هريرة‪ :‬األسد‬


‫ٌّ‬
‫وكل قد قال ببعض‬ ‫والقسورة لفظ مشترك يطلق على الرماة وعلى األسد‪،‬‬
‫المعنى ‪.‬‬

‫وفي منتصف القرن االول للهجرة صار ابن عب ااس قبلة الطالبين لعلم التفسير وبرع‬
‫في هذا الفن‬

‫ببركة دعوة النبي له‪ ،‬فقد روى اإلمام أحمد والطبرانى عن ابن عباس أن الرسول‬
‫وع ِل ا ْ‬
‫م ُه التأويل‬ ‫م َفقهه في الدين َ‬
‫الله َّ‬
‫ُ‬ ‫دعا له فقال‪" :‬‬

‫فصار رضي هللا عنه الشمس التي يدور العلماء في فلكها وقد اضاف ابن عباس‬
‫الى جانب عنصر الرواية والتفسير بالمأثور عنصر أسباب النزول والجانب اللغوي‬
‫في فهم معنى المفرد‪.‬‬

‫و مثال رجوعه إلى لغة العرب لتفسير المفردات ما رواه إبراهيم بن مهاجر عن‬
‫مجاهد قال‪ :‬كان ابن عباس ال يدري ما {فاطر السموات} حتى جاءه أعرابيان‬
‫يختصمان في بئر فقال أحدهما‪ :‬يا ابن عباس بئري أنا فطرتها‪ ،‬فقال‪ :‬خذها يا‬
‫مجاهد {فاطر السموات})‪ .‬رواه ابن جرير والبيهقي‬
‫واتخذ من الشعر الجاهلي زادا لتفسير معاني المفردات فكان يقول رضي هللا‬
‫عنه اما سمعتم الشاعر يقول كذا وقد خرج له البخاري اقواال عنه في صحيحه‬

‫قال عبيد هللا بن عبد هللا بن عتبة‪« :‬شهدت ابن عباس‪ ،‬وهو يسأل عن عربية‬
‫القرآن‪ ،‬فينشد الشعر» رواه اإلمام أحمد في فضائل الصحابة‬

‫واضاف ابن عباس كذلك عنصر االخبار التي لم تكن في حديث النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم وتّلميذه كمجاهد بن جبر و عكرمة وسعيد بن جبير وطاووس‬
‫والضحاك بن مزاجم والسدي وعطاء بن أبي رباح فتناثرت هذه االخبار بين تّلميذ‬
‫ابن عباس وقد كانت التفاسير في هذه المرحلة منها ما يعتمد اعتمادا مطلقا‬
‫على االسانيد في سرد الرواية كما فعل مجاهد في تفسيره ومنها ما يتخلف‬
‫عنده هذا المنهج ومنها ما زاد على جانب الرواية علوم اللغة وعلوم القران وقد‬
‫كانت هذه التفاسير تتناول السور وفق ترتيب المصحف اال انها ال تتناول تفسير‬
‫جميع اآليات وقد اكتفى الثوري بتفسير جميع ما استشكل منها والسكوت عن‬
‫غيرها ولعله كان منهجه في ذ لك ومع بداية عصر التدوين في مستهل القرن‬
‫الثاني للهجرة جمع عبد الملك ابن جريج تلميذ عطاء بن رباح االخبار في كتاب هو‬
‫أول ما ألف من التفاسير وجمع فيه صاحبه الصحيح والسقيم من الروايات دون نقد‬
‫او تمحيص حتى جاء يحي بن سّلم فأسس لمرحلة جديدة سماها الشيخ محمد‬
‫الفاضل بن عاشور طريقة التفسير النقدي او االثر النظري التي سار عليها من‬
‫بعده ابن جرير الطبري فكان يحي يورد االخبار ذاكرا اسنادها ثم يتعقبها بالنقد‬
‫والترجيح معتمدا في ذ لك على المعنى اللغوي والتخريج االعرابي ‪.‬‬
‫ي أو ال يأخذ به يحيى أو‬ ‫فيقول بعد ذكر األقوال و به يأخذ يحيى أو و هو أعجب إل ا‬
‫ي أراد بيانه‪.‬‬ ‫يقول و قال يحيى إذا كان عنده رأ ٌ‬
‫و من أمثلة ذلك ما أورده في تفسير قوله تعالى ‪:‬‬
‫عبِينَ (‪ )16‬سورة األنبياء‬ ‫َاألَرْضَ َومَا بَ ْين َُهمَا َال ِ‬ ‫السمَا َء و ْ‬
‫َّ‬ ‫خلَ ْقنَا‬
‫َومَا َ‬
‫تفسير مجاهد ما خلقنا من جناة و ال نار و ال موت و ال بعث و ال حساب العبين‬
‫السدي أي إناا لم نخلقهما و ما بينهما باطّل‬ ‫ا‬ ‫و قال‬
‫قال يحيى أي إناما خلقناهما للبعث و الحساب و الجناة و الناار‬
‫ه َو ْالحَق‬ ‫ن َّ َ‬
‫َّللا ُ‬ ‫ون أَ َّ‬
‫م َ‬ ‫َق َوي َْعلَ ُ‬‫م ْالح َّ‬ ‫م َّ ُ‬
‫َّللا ِدين َُه ُ‬ ‫وكذلك في قوله تعالى‪ :‬يَ ْو َمئِ ٍذ ُيوَفِا ِ‬
‫يه ُ‬
‫ين (‪ )25‬سورة الناور‬ ‫ْال ُ‬
‫م ِب ُ‬
‫قال قتادة‪ :‬أي عملهم الحق أهل الحق بحقهم و أهل الباطل بباطلهم‬
‫السدي حسابهم العدل‬ ‫ا‬ ‫وقال‬
‫قال يحي يدانون بعملهم‬
‫سي َْغ ِل ُب َ‬
‫ون‬ ‫م َ‬ ‫ن بَ ْع ِد َغلَ ِب ِه ْ‬‫م ِم ْ‬ ‫َه ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت الرو ُم ﴿‪ ﴾2‬فِي أ ْدنَى ْاألرْضِ و ُ‬ ‫و في قوله تعالى‪ُ :‬غ ِلبَ ِ‬
‫﴿‪ ﴾3‬سورة الراوم‬
‫السدي يعني أرض األردن و فلسطين ‪.‬‬ ‫ا‬ ‫في أدنى األرض قال‬
‫و قال يحي أدنى األرض يعني أرض الروم بأذرعات من الشام ‪.‬‬

‫وقد رجحت الدكتورة هند شلبي أن يكون االمام الطبري قد اطلع على تفسير‬
‫يحي بن سّلم خّلل رحلته الى مصر نظرا للشبه الكبير بينهما في المنهج و‬
‫الروايات و االتفاق في كثير من األسانيد وفي ذ لك يقول الشيخ محمد الفاضل بن‬
‫عاشور اذا اعتبرنا يحي بن سّلم مؤسس طريقة التفسير النقدي أو االثري‬
‫النظري في القرن الثاني وانه لكذلك فان محمد بن جرير الطبري هو ربيب تلك‬
‫الطريقة وثمرة ذلك الغراس ‪.‬‬
‫‪-3‬منهج ابن سّلم في التفسير‬
‫‪ .1‬اعتنى يحيى في تفسيره بذكر المكي و المدني من اآليات والسور في كثير من‬
‫المواضع قال في تفسيره لسورة النحل ومن أولها إلى صدر هذه اآلية – وَالَّ ِذينَ‬
‫خ َر ِة أَ ْكبَ ُر ۚ‬
‫ج ُر ْاآل ِ‬ ‫َس َن ًة ۖ و ََأل َ ْ‬
‫م فِي الد ْنيَا ح َ‬ ‫موا لَ ُنبَ ِوائ َ َّن ُه ْ‬ ‫َّللا ِمن بَ ْع ِد مَا ظُلِ ُ‬ ‫ج ُروا فِي َّ ِ‬ ‫ها َ‬ ‫َ‬
‫ون (‪– )41‬مكي وسائرها مدني‪.‬‬ ‫م َ‬ ‫لَ ْو َكانُوا ي َْعل َ ُ‬
‫‪ .2‬يذكر أسباب النزول في بعض المواضع فيسوق الحديث مسندا أو يكتفي بقوله‬
‫حدثني أو بلغني عن فّلن ومثاله ما ذكره عن الكلبي في أسباب نزول سورة‬
‫المسد قال إن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم خرج حتى قام على الصفا‬
‫وقريش في المسجد ثم نادى يا صباحاه ففزع الناس فخرجوا فقالوا مالك ياابن‬
‫عبد المطلب فقال يا آل غالب قالوا هذه غالب عندك ثم نادى يا آل لؤي ثم نادى‬
‫يا آل كعب ثم نادى آل مرة ثم نادى يا آل كّلب ثم نادى يا آل قصي فقالت‬
‫قريش أنذر الرجل عشيرته األقربين انظروا ماذا يريد فقال له أبو لهب هؤالء‬
‫عشيرتك قد حضروا فماذا تريد فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أرأيتم لو‬
‫أنذرتكم أن جيشا يصبحونكم أصدقتموني قالوا نعم قال فاني أنذركم النار واني ال‬
‫أملك لكم من الدنيا منفعة وال من اآلخرة نصيبا إال أن تقولوا ال إله إال هللا فقال أبو‬
‫لهب تبا لك فانزل هللا‪-‬تبت يدا أبي لهب‪ -‬سورة المسد‬
‫كذلك في سورة األحزاب في قوله تعالى ‪ -‬وما جعل أدعياءكم أبناءكم‪-‬قال عاصم‬
‫بن حكم أن مجاهدا قال هذا في زيد بن حارثة تبناه محمد صلى هللا عليه وسلم‬
‫وكان الرجل في الجاهلية يكون ذليّل فيأتي الرجل ذا القوة والشرف فيقول أنا‬
‫ابنك فيقول نعم فإذا قبله واتخذه ابنا أصبح اعز أهلها وكان زيد بن حارثة ممن‬
‫كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم تبناه على ما كان في الجاهلية وكان‬
‫مولى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فلما جاء اإلسّلم أمرهم أن يلحقوهم‬
‫م ‪.‬سورة األحزاب اآلية ‪.4‬‬ ‫م أَ ْبنَاء َُك ْ‬ ‫عيَاء َُك ْ‬ ‫ل أَ ْد ِ‬ ‫ج َع َ‬
‫بآبائهم فقال – َومَا َ‬
‫حسان بن ثابت و مسطحا و‬ ‫ا‬ ‫ن عبد هللا ابن أبي ابن سلول و‬ ‫قال يحيى بلغنا أ ا‬
‫ن‬‫حمنة ابنة جحش هم الذين تكلموا في ذلك ثم شاع ذلك في الناس فزعموا أ ا‬
‫ما أنزل هللا عذرها جلد كل واحد منهم الحد‬ ‫رسول هللا ل ا‬
‫َ‬
‫‪ .3‬يفسر القرآن بالقرآن ومثاله قوله في تفسيره لآلية (‪ )44‬من سورة مريم‪ -‬يا أبَتِ‬
‫صيًّا ‪.‬قال بأن عبادة الوثن عبادة‬ ‫ن َع ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ان لِل َّر ْ‬
‫ح َٰ َ‬ ‫ان َك َ‬ ‫الش ْيطَ َ‬ ‫َّ‬ ‫ن‬‫ان ۖ إِ َّ‬
‫الش ْيطَ َ‬ ‫َّ‬ ‫َال ت َ ْع ُب ِد‬
‫للشيطان الن الوثن لم يدعه إلى نفسه ولكن الشيطان دعاه إلى عبادته كقوله‬
‫ش ْيطَانًا م َِري ًدا‪.‬‬ ‫ون إِ َّال َ‬
‫ه إِ َّال إِنَاثًا وَإِ ْن ي َْد ُع َ‬ ‫ن ُدونِ ِ‬ ‫ون ِم ْ‬ ‫في سورة النساء‪ -‬إِ ْن ي َْد ُع َ‬
‫النساء‪177‬‬
‫وقال في تفسير اآلية ‪ 47‬من مريم –سأستغفر لك ربي –قال فهو قوله – َومَا َك َ‬
‫ان‬
‫ِّل تَبَ َّرأَ ِم ْن ُه ۚ‬
‫ما تَبَيَّنَ لَ ُه أَنَّ ُه َع ُد ٌّو ا ِ َّ ِ‬‫ها إِيَّا ُه َفلَ َّ‬ ‫َع َد َ‬ ‫ع َد ٍة و َ‬ ‫ه إِ َّال َعن َّم ْو ِ‬ ‫م ِألَبِي ِ‬ ‫هي َ‬ ‫استِ ْغ َفا ُر إِ ْب َرا ِ‬ ‫ْ‬
‫في سورة التوبة أية ‪.114‬‬
‫‪ .4‬يفسر القران بالسنة وأقوال الصحابة ومثاله قوله في تفسير اآلية ‪ 59‬من سورة‬
‫مريم –فسوف يلقون غيا‪-‬قال حدثني شريك عن أبي إسحاق الهمذاني عن أبي‬
‫عبيدة عن عبدهللا بن مسعود قال وادي في جهنم من حميم وحدثني نصر بن‬
‫طريف عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن ابن مسعود قال وادي في جهنم‬
‫بعيد القعر خبيث الطعم‪ ،‬وحدثنا يونس ابن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن ابن‬
‫مسعود قال نهر في جهنم من صديد أهل النار‪ .‬وقال حدثني يونس بن أبي‬
‫إسحاق عن أبيه عن أبي االحوص عن عبد هللا بن مسعود في قوله –وإن منكم‬
‫إال واردها –سورة مريم آية ‪ 71‬قال الصراط على جهنم مثل حد السيف والمّلئكة‬
‫معهم كّلليب من حديد كلما وقع رجل اختطفوه فيمر الصنف األول كالبرق‬
‫والثاني كالريح والثالث كأجود الخيل والرابع كأجود البهائم والمّلئكة يقولون اللهم‬
‫سلم سلم‪.‬‬
‫‪ ‬قال وسمعت حماد بن سلمة يذكر عن عاصم بن بهدلة عن شمر بن حوشب أن‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أوصى معاد بن جبل بأشياء فقال في أخرذلك‬
‫والقيام من الليل ثم تّل هذه اآلية –تتجافى جنوبهم عن المضاجع‬
‫‪ ‬وقال حدثنا عثمان ابن نعيم عن عبد هللا عن أبي هريرة قال رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم أن هللا تبارك وتعالى قال أعددت لعبادي الصالحين ماال عين رأت وال‬
‫أذن سمعت وال خطر على قلب بشر اقرؤوا إن شئتم –فّل تعلم نفس ما أخفي‬
‫لهم من قرة أعين –السجدة اآلية ‪17‬‬
‫‪ .5‬تفسير القران بأقوال التابعين قال في تفسيره وسمعت سعيدا يذكر عن قتادة‬
‫عن الحسن أنه قال –تتجافى جنوبهم عن المضاجع‪-‬سورة السجدة اآلية ‪16‬‬
‫قال هو قيام الليل‪.‬‬
‫قرة بن خالد عن الضحاك بن مزاحم قال طه يا رجل وقال –أتى آمر هللا فّل‬
‫ا‬
‫السدي‬ ‫تستعجلوه –اية ‪1‬سورة النحل يعني القيامة وهو تفسير‬
‫‪ .6‬لم يهمل يحي جانب التفسير باالعتماد على اللغة العربياة و شاع في كتابه هذا‬
‫ن فهم اآليات متوقف على شرح‬ ‫المنهج فكتاب هللا نزل بلغة العرب و ال يخفى أ ا‬
‫مفردات األلفاظ بحسب وضعها في لغة العرب و من أمثلة ذلك قال يحي‪ :‬الدين‬
‫في اللغة الجزاء و من كّلم العرب دنته أي جازيته و أصل الصبر الحبس و لذلك‬
‫مي الصائم صابرا لحبس نفسه عن األكل و الشرب‬ ‫س ا‬
‫‪ .7‬اهتم يحي في تفسيره بعلم القراءات فذكر في مواضع كثيرة القراءات الواردة‬
‫في بعض اآليات ولكن دون أن ينسب القراءة إلى صاحبها وقد يوجه القراءة التي‬
‫يذكرها ولم يخل تفسيره من ذكر الشاذ منها قال في تفسيره لسورة لقمان –‬
‫والبحر يمده من بعده سبعة أبحر وبعضهم قرأها بالنصب والبحر يمده من بعده‬
‫سبعة أبحر أي ولو أن البحر‪.‬‬
‫‪ .8‬اهتم يحي بذكر األحكام الفقهية في تفسيره واعتنى بذكر أقوال الصحابة‬
‫والتابعين واختار منها ما رآه راجحا ‪.‬‬
‫‪-4‬ما يستدرك على يحيى في تفسيره‬

‫‪ .9‬روى يحيى في تفسيره كثيرا من اإلسرائيليات ويكثر وقوعها في اآليات التي‬


‫تتحدث عن بدأ الخلق ووصف المّلئكة أو قصص األنبياء والمرسلين ولم يعلق‬
‫على فسادها وبطّلنها ومثال ذلك ما رواه في سورة النحل عن أبي أمية عن‬
‫حميد بن هّلل عن أبي الضيف عن كعب قال إن من أقرب المّلئكة إلى هللا‬
‫اسرافيل وله أربعة أجنحة جناح بالمشرق وجناح بالمغرب وقد تسرول بالثالث‬
‫وللرابع بينه وبين اللوح المحفوظ فإذا أراد هللا أمرا أن يوجبه جاء اللوح المحفوظ‬
‫حتى يصعق جبهة إسرافيل فيرجع رأسه فينظر فإذا األمر مكتوب فينادي جبريل‬
‫فيأتيه فيقول أمرت كذا أمرت بكذا فّل يهبط جبريل من سماء إلى سماء إال فزع‬
‫أهلها مخافة الساعة حتى يقول جبريل الحق من عند الحق فيهبط إلى النبي‬
‫فيوحى إليه‬
‫كان اعتناء يحيى بن سّلم بالشواهد اللغوية قليّل فلم يرد في تفسيره‬ ‫‪.10‬‬
‫مسائل االشتقاق والتعريف واإلعراب وال يورد الشواهد اللغوية‪.‬‬

‫درك على يحيى تكراراه لكثير من األحاديث و ذكره لمسائل يقوم علم‬ ‫اس ُت ِ‬ ‫‪.11‬‬
‫التفسير بدونها حتى طال الكتاب و هو ما دفع بعض الدارسين إلى إختصاره‬
‫كأبي عبد الرحمن محمد بن عبد هللا األندلسي المري األلبيري‪ ،‬نزيل قرطبة‪،‬‬
‫المالكي المعروف بابن أبي زمنين (‪324‬ه‪399‬هـ)‪ .‬و كذلك هود بن محكم‬
‫الهواري‪ ،‬قاضي اإلباضية في قبيلة (هوارة) البربرية في الجزائر (ت ‪380‬هـ)‪.‬‬

‫الخاتمة ‪:‬‬
‫لقد كان لطول باع يحيى بن سّلم في علم الرواية و القراآت و علوم العربية عّلوة‬
‫على أخذه عن أشهر شيوخ زمانه و اطّلعاه على مرويات و أراء مدارس التفسير‬
‫كلاها كان لهذا كلاه أثر بالغ في تفسيره الذي جاء بحلاة لم يسبق إليها بل مثل‬
‫هدة لما بعدها و ال تخفى‬ ‫تفسيره بداية لحلقة جديدة مختلفة عن ما قبلها و مم ا‬
‫حاجة أهل إفريقية في ذلك الوقت إلى كتاب يجمع لهم أقوال السابقين و يزيد‬
‫في معرفتهم و إدراكهم للغة العرب التي نزل بها القرآن فهياأ هللا ليحيى الزمان و‬
‫المكان لتكون إفريقية هي األرض التي ولد بها تفسيره‪.‬‬
‫المصادر‬

‫سّلم التيمي البصري القيرواني من سورة‬ ‫ا‬ ‫‪ .1‬تفسير يحيى بن‬


‫النحل إلى سورة الصاافات تحقيق و تقديم الدكتورة هند شلبي‬
‫دار الكتب العلمياة بيروت الطبعة األولى ‪2004‬م ‪1425‬ه‬
‫‪ .2‬معالم اإليمان في معرفة أهل القيروان‬
‫صنافه أبو زيد عبد الرحمان بن محمد األنصاري الدباغ أكمله و‬
‫علاق عليه أبو الفضل أبو الفضل بن عيسى بن ناجي التنوخي‬
‫مكتبة الخنانجي بمصر‪. 1968‬‬
‫‪ .3‬مدرسة الحديث في القيروان من الفتح اإلسّلمي إلى منتصف‬
‫القرن الخامس الهجري" شواط ‪،‬الحسين بن محمد‪ ،‬نشر‪ :‬الدار‬
‫العالمية للكتاب اإلسّلمي الطبعة األولى‪1411 /‬هـ الفواكه‬
‫الدواني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني‬
‫‪ .4‬رياض النفوس في طبقات علماء القيروان و إفريقيا اإلمام عبد هللا‬
‫المالكي ‪،‬تحقيق ‪ :‬بشير البكوش ‪،‬الناشر ‪ :‬دار الغرب اإلسّلمي‬
‫بيروت ‪،‬الطبعة ‪ :‬الثانية ‪1414‬هـ‪1994 /‬م‬
‫‪ .5‬سير أعّلم النبّلء لشمس الدين أبو عبد هللا محمد بن أحمد بن‬
‫عثمان بن َقا ْيماز الذهبي (المتوفى‪748 :‬هـ) المحقق‪ :‬مجموعة‬
‫من المحققين بإشراف الشيخ شعيب األرناؤوط الناشر‪ :‬مؤسسة‬
‫الرسالة الطبعة‪ :‬الثالثة‪ 1405 ،‬هـ ‪ 1985 /‬م‬
‫‪ .6‬التفسير و رجاله لفضيلة الشيخ محمد الفاضل بن عاشور ‪:‬‬
‫سلسلة البحوث اإلسّلمية ‪1417:‬ه ‪1997 .‬م ‪.‬‬
‫‪ .7‬القرا آت بإفريقية من الفتح إلى منتصف القرن الخامس الهجري‪.‬‬
‫تأليف‪ :‬د‪ .‬هند شلبي‪ .‬دار النشر‪ :‬الدار العربية للكتاب‪ .‬سنة‬
‫الطبع‪ :‬الطبعة األولى (‪ 1983‬م)‪.‬‬
‫‪ .8‬تفسير القرآن العزيز البن أبي زمنين المؤلف‪ :‬محمد بن عبد هللا‬
‫بن أبي زمنين أبو عبد هللا‬
‫المحقق‪ :‬عبد هللا بن حسين عكاشة و محمد بن مصطفى الكنز‬
‫سنة النشر‪2002-1423 :‬‬

Vous aimerez peut-être aussi