Vous êtes sur la page 1sur 74

‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع ‪1‬‬

‫وتعليق‬

‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل‬


‫والنحل‬

‫جمع وتعليق‬
‫عبدالعزيز بن محمد بن علي آل عبداللطيف‬
‫أستاذ مساعد‪ ،‬قسم العقيدة‪ ،‬جامعة المام‬
‫محمد بن سعود السلمية‬
‫الرياض‪ ،‬المملكة العربية السعودية‬

‫شبكة نور السلم‬


‫‪www.islamlight.net‬‬

‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع ‪2‬‬
‫وتعليق‬
‫ملخص البحث‪ .‬يتحدث البحث في المقدمة‪:‬‬
‫عن براعة ابن تيمية في المناظرات‪ ،‬وتقريره‬
‫مشروعية المناظرات‪ ،‬وأن للمناظرات أحوال ً‬
‫متنوعة‪.‬‬
‫ثم ساق الباحث أربع مناظرات لبن تيمية‬
‫تجاه النصارى‪ ،‬في شركهم وتأليههم المسيح‬
‫وقولهم بظهور اللهوت في الناسوت‪.‬‬
‫ثم أتبع ذلك بمناظرات ابن تيمية لهل‬
‫التحاد ووحدة الوجود‪ ،‬والتي تتمّيز بكثرتها‬
‫وع مسائلها‪ ،‬وعثر الباحث على مناظرتين‬ ‫وتن ّ‬
‫لبن تيمية مع القبوريين‪ ،‬إحداهما في شأن‬
‫تعظيمهم الحجار‪ ،‬والخرى في غلوهم في‬
‫قبور العبيديين‪ ،‬ثم أوجز الباحث مناظرات ابن‬
‫تيمية للرفاعية نظرا ً لطولها وشهرتها‪ ،‬ثم‬
‫أعقب ذلك بمناظرتين للرافضة في مسائل‬
‫المامة‪ ،‬وأما مناظراته نفاة الصفات فقد‬
‫منت‬‫وقف الباحث على أربع مناظرات‪ ،‬وتض ّ‬
‫الخاتمة أهم نتائج البحث‪..‬‬

‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع ‪3‬‬
‫وتعليق‬
‫تقديم‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬والصلة والسلم‬
‫على أشرف النبياء والمرسلين‪ ،‬نبينا محمد‪،‬‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫وبعد‪ :‬فل يزال تراث ابن تيمية )‪ (1‬محل‬
‫اهتمام الباحثين في مختلف الدراسات‬
‫السلمية‪ ،‬فما أكثر البحاث والرسائل العلمية‬
‫ت عن منهجية هذا المام في العلوم‬ ‫التي كتب ْ‬
‫الشرعية‪ ،‬وجهوده العلمية‪ ،‬والعملية المتعددة‪،‬‬
‫ومع ذلك فل تزال جوانب مهمة في هذا‬
‫الشأن – مجال ً رحبا ً للباحثين‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫مناظرات )‪ (2‬ابن تيمية لهل الملل والنحل‪،‬‬
‫فهو موضوع لم يسبق بحثه‪ ،‬حسب اطلعي‪،‬‬
‫وأحسب أنه من الموضوعات المهمة‪،‬‬
‫والجديرة بالبحث والدراسة‪ ،‬فهذه المناظرات‬
‫مبثوتة في بطون كتب ورسائل شيخ السلم‬
‫ابن تيمية‪ ،‬وكذا في كتب التاريخ والتراجم‪،‬‬
‫فتحتاج إلى استخراج وترتيب‪ ،‬مع شيء من‬
‫الدراسة والتعليق‪.‬‬
‫وإذا كان من المهم أن ينتفع بمناظرات‬
‫الئمة السابقين‪ ،‬وتجاربهم في مجادلة‬

‫‪ .(1)1‬هو أبو العباس أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلم‪ ،‬ابن‬


‫تيمية النميري الحراني‪ ،‬المام الفقيه‪ ،‬المجتهد‪ ،‬المحدث‪،‬‬
‫سر‪ ،‬الصولي‪ ،‬الزاهد‪ ،‬شيخ السلم‪ ،‬وعلم‬ ‫الحافظ‪ ،‬المف ّ‬
‫العلم‪ ،‬أفتى و دّرس وهو دون العشرين‪ ،‬وله مئات‬
‫التصانيف‪ ،‬توفي سنة ‪728‬هـ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬ذيل طبقات الحنابلة لبن رجب ‪ ،2/387‬والعقود الدرية‬
‫لبن عبدالهادي‪ ،‬والجامع لسيرة ابن تيمية‪.‬‬
‫‪ .(2)2‬عّرف جمع من العلماء المناظرة فقالوا‪ :‬هي النظر‬
‫بالبصيرة من الجانبين في النسبة بين الشيئين إظهارا ً‬
‫للصواب‪ .‬انظر الكليات للكفوي ص ‪ ،849‬منهج الجدل‬
‫والمناظرة في تقرير مسائل العتقاد لعثمان علي حسن‬
‫‪.1/30‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع ‪4‬‬
‫وتعليق‬
‫ومناظرة المخالفين‪ ،‬فإن مناظرات ابن تيمية‬
‫لمخالفيه أكثر أهمية وأعظم نفعا ً ‪ -‬كما‬
‫سيظهر إن شاء الله تعالى ‪. -‬‬
‫ل سيما مع هذا النفتاح الهائل‪ ،‬والتواصل‬
‫الدائم الذي يعيشه العالم الن‪ ،‬فقد أظهر‬
‫ذلك انتشارا ً لمختلف العقائد والفكار‪ ،‬وأوقع‬
‫الكثير في المناظرات والمحاورات‪ ،‬فإبراز‬
‫هذه المناظرات يعطي نماذج متميزة‪،‬‬
‫وتطبيقات عملية محكمة في هذا المقام‪.‬‬
‫لقد قمت ‪ -‬ولله الحمد والمنة‪ -‬باستقراء‬
‫وتتبع مؤلفات شيخ السلم‪ ،‬واستخراج وجمع‬
‫هذه المناظرات ثم تصنيفها‪ ،‬وقد تعذر ترتيب‬
‫أكثرها حسب وقوعها لعدم تمكني من معرفة‬
‫تاريخها‪ ،‬واخترت هذا العنوان "مناظرات ابن‬
‫تيمية لهل الملل والنحل " باعتبار أن الملل‬
‫هي سائر الديان‪ ،‬وأن النحل سائر طوائف‬
‫أهل القبلة‪ ،‬كما استعمل ذلك شيخ السلم‬
‫في غير موضع‪ ،‬كقوله‪" :‬وهذه الفرقة الناجية‬
‫أهل السنة‪ ،‬وهم وسط في النحل‪ ،‬كما أن‬
‫ملة السلم وسط في الملل " )‪.(3‬‬
‫فيتضمن البحث مناظرات ابن تيمية‬
‫للنصارى‪ ،‬ومناظراته لطوائف متعددة من أهل‬
‫القبلة‪ ،‬ومن ينتسب إلى السلم‪ ،‬كأهل‬
‫التحاد و وحدة الوجود )‪ ،(4‬والقبوريين‪،‬‬
‫والحمدية )‪ ،(5‬والرافضة )‪ ،(6‬ونفاة الصفات‪.‬‬

‫مجموع الفتاوى ‪ ،3/370‬وانظر‪ :‬مجموع الفتاوى ‪،4/23‬‬ ‫‪.(3)3‬‬


‫‪.24‬‬
‫‪ .(4)4‬أهل التحاد و وحدة الوجود القائلون‪ :‬أن الله تعالى‬
‫عين وجود الكائنات‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬مجموع الفتاوى لبن تيمية ‪ ،172 /2‬والكليات للكفوي‬
‫ص ‪.36‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع ‪5‬‬
‫وتعليق‬
‫وما كان من هذه المناظرات مطول ً فقد‬
‫أوردته مختصرًا‪ ،‬كما في مناظرة ابن تيمية‬
‫للحمدية‪ ،‬ومناظرته بشأن العقيدة الواسطية‪.‬‬
‫وأسوق – بعد إيراد مناظرة كل طائفة –‬
‫جملة من التحريرات والتقريرات المستفادة‬
‫ومن كلم شيخ السلم‪ ،‬لما يتحقق فيها مال‬
‫يحصل في غيرها‪ ،‬من تجلية لتلك المناظرات‬
‫واستكمالها‪ ،‬وبيان ملبسات وقوعها‪ ،‬وما‬
‫تحويه من قواعد المناظرات وآدابها‪.‬‬
‫ونشير في مطلع هذا البحث إلى ما تحّلى‬
‫به شيخ السلم من براعة في المناظرات‪،‬‬
‫وتقريره مشروعية المناظرات‪ ،‬وبيانه‬
‫أحوالها‪ ،‬وذلك على النسق التالي‪:‬‬
‫أ ( براعة ابن تيمية في المناظرات‪ :‬تمّيز‬
‫شيخ السلم ابن تيمية بدراية فائقة في‬
‫المناظرات‪ ،‬وقوة حجة‪ ،‬وسرعة بديهة‪ ،‬كما‬
‫شهد بذلك الئمة‪ ،‬حتى قال عنه ابن‬

‫‪ . (5)5‬الحمدية‪ :‬طريقة صوفية تنسب إلى أحمد الرفاعي‬


‫) ت ‪512‬هـ (‪ ،‬وتعرف بالطريقة الرفاعية‪ ،‬وتسمى أيضا ً‬
‫الطائفة البطائحية لن الرفاعي سكن في قرى البطائح‬
‫بالعراق‪ ،‬وهذه الطريقة ل تنفك عن محدثات متنوعة‪ ،‬كاتخاذ‬
‫الخرقة والذكار المحدثة‪ ،‬وخوارق شيطانية‪.‬‬
‫انظر‪ :‬سير أعلم النبلء ‪ ،21/72‬والطرق الصوفية للنجار ص‬
‫‪.156‬‬
‫‪ . (6)6‬الرافضة من أكبر طوائف الشيعة‪ ،‬وهم أرباب انحراف‬
‫في الصفات‪ ،‬وشرك في توحيد العبادة‪ ،‬وغلو في الئمة‪،‬‬
‫وتضليل للصحابة – رضي الله عنهم – وزعموا أن المامة أهم‬
‫منازل الدين‪.‬‬
‫انظر‪ :‬مقالت السلميين للشعري ‪ ،2/88‬والملل والنحل‬
‫للشهرستاني ‪.2/162‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع ‪6‬‬
‫وتعليق‬
‫الزملكاني‪ " -(7) :‬ل ُيعرف أنه ناظر أحدا ً‬
‫فانقطع معه " )‪.(8‬‬
‫وقال عنه الحافظ الذهبي )‪" -: (9‬ما رأيت‬
‫أحدا ً أسرع انتـزاعا ً لليات الدالة على المسألة‬
‫التي يوردها منه‪ ،‬ول أشد استحضارا ً لمتون‬
‫الحاديث‪ ،‬وعزوها إلى الصحيح أو إلى‬
‫المسند‪ ،‬أو إلى السنن منه‪ ،‬كأن الكتاب‬
‫والسنن نصب عينيه‪ ،‬وعلى طرف لسانه‪،‬‬
‫بعبارة رشيقة‪ ،‬وعين مفتوحة‪ ،‬وإفحام‬
‫للمخالف " )‪(10‬‬
‫وقال أيضًا‪" :‬لقد نصر السنة المحضة‪،‬‬
‫والطريقة السلفية‪ ،‬واحتج لها ببراهين‪،‬‬
‫ومقدمات وأمور لم يسبق إليها‪ ..‬وقام عليه‬
‫خلق من علماء مصر والشام‪ ،‬قياما ً ل مزيد‬
‫دعوه‪ ،‬وناظروه‪ ،‬وكابروه‪ ،‬وهو ثابت‬ ‫عليه‪ ،‬وب ّ‬
‫ل يداهن ول يحابي‪ ،‬بل يقول الحق المر الذي‬
‫أداه إليه اجتهاده‪ ،‬وحدة ذهنه " )‪.(11‬‬

‫‪ . (7)7‬هو محمد بن علي النصاري الشافعي‪ ،‬شيخ الشافعية‬


‫بالشام‪ ،‬كان معجبا ً بابن تيمية‪ ،‬ثم تغير عليه‪ ،‬توفي سنة‬
‫‪727‬هـ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬البداية لبن كثير ‪ ،14/131‬وشذرات الذهب لبن العماد‬
‫‪.6/78‬‬
‫‪ . (8)8‬العقود الدرية ابن عبدالهادي ص ‪ ،7‬وانظر ص ‪.67‬‬
‫‪ . (9)9‬هو أبو عبدالله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي‪،‬‬
‫المام‪ ،‬الحافظ‪ ،‬المؤرخ‪ ،‬ولد سنة ‪673‬هـ‪ ،‬بدمشق‪ ،‬له رحلت‬
‫في طلب العلم‪ ،‬وصاحب مؤلفات كثيرة‪ ،‬توفي بدمشق سنة‬
‫‪748‬هـ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬طبقات الشافعية ‪ ،9/100‬والبدر الطالع ص ‪2/110‬‬
‫‪ . (1)10‬ذيل تاريخ السلم للذهبي‪ ،‬نقل ً عن الجامع لسيرة‬
‫لسلم ابن تيمية ص ‪.206‬‬ ‫شيخ ا ٍ‬
‫‪ . (11)11‬العقود الدرية ص ‪ = 82‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع ‪7‬‬
‫وتعليق‬
‫وقال ابن عبدالهادي )‪ " (12‬ثم انفتح له بعد‬
‫ذلك من الردّ على الفلسفة والجهمية وسائر‬
‫أهل الهواء والبدع‪ ،‬وما ل يوصف ول يعبر‬
‫عنه‪ ،‬وجرى له من المناظرات العجيبة‬
‫والمباحث الدقيقة‪ ،‬في كتبه وغير كتبه‪ ،‬مع‬
‫أقرانه وغيرهم‪ ،‬في سائر أنواع العلوم ما‬
‫تضيق العبارة عنه " )‪.(13‬‬
‫ب( مشروعية المناظرة وأهميتها عند ابن‬
‫تيمية‪ :‬قرر شيخ السلم مشروعية المناظرة‬
‫وأهميتها‪ ،‬وبّين أن ذلك حال السلف‬
‫السابقين‪ ،‬فقال‪" :‬وأما جنس المناظرة بالحق‬
‫فقد تكون واجبة تارة‪ ،‬ومستحبة أخرى"‪(14) .‬‬
‫ض اللــه علـى‬ ‫وقــال فـي مـوطن آخــر‪ " :‬حـ ّ‬
‫المناظرة والمشاورة‪ ،‬لستخراج الصواب فــي‬
‫الدنيا والخرة‪ ،‬حيث يقول لمن رضي دينهــم ‪:‬‬
‫م ‪) ‬الشــورى‪ (38:‬كمــا‬ ‫م ُ‬ ‫‪َ ‬‬
‫هـ ْ‬ ‫شــوَرى ب َي ْن َ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫مُر ُ‬ ‫وأ ْ‬‫َ‬
‫أمرهــم بالمجادلــة والمقاتلــة‪ ،‬لمــن عــدل عــن‬
‫السبيل العادلة‪ ،‬حيث يقول آمـرا ً وناهيـا ً لنـبيه‬
‫والمؤمنين‪ ،‬لبيــان مــا يرضــاه منــه ومنهــم‪ :‬‬
‫َ‬
‫ن‪) ‬النحــل‪ (125 :‬‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫َ‬ ‫هم ِبال ِّتي ِ‬
‫ه‬ ‫جاِدل ْ ُ‬ ‫و َ‬‫َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫سـ ُ‬‫ح َ‬‫يأ ْ‬‫هـ َ‬
‫ب إ ِل ِبـالِتي ِ‬ ‫ل الك ِت َــا ِ‬ ‫جاِدلوا أ ْ‬ ‫ول ت ُ َ‬ ‫َ‬
‫م ‪ ‬ســـورة العنكبـــوت‬ ‫هـــ ْ‬‫من ْ ُ‬ ‫مـــوا ِ‬ ‫ن ظَل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫إ ِّل ال ّـــ ِ‬
‫)العنكبوت‪.(46 :‬‬
‫فكان أئمة السلم ممتثلين لمر المليك‬
‫لم‪ ،‬ويجادلون أهل الهواء المضلة‪ ،‬حتى‬ ‫الع ّ‬
‫دوهم إلى سواء الملة‪ ،‬كمجادلة ابن عباس ‪-‬‬ ‫ير ّ‬
‫‪ .(12)12‬أبو عبدالله محمد بن أحمد بن عبدالهادي المقدسي‬
‫الحنبلي‪ ،‬مقرئي‪ ،‬فقيه‪ ،‬أصولي‪ ،‬محدث‪ ،‬له مؤلفات‪ ،‬توفي‬
‫بدمشق سنة ‪744‬هـ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الدرر الكامنة ‪ ،3/421‬البدر الطالع ‪.2/108‬‬
‫‪ . (13)13‬العقود الدرية ص ‪.67‬‬
‫‪ . (14)14‬الدرء ‪.7/174‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع ‪8‬‬
‫وتعليق‬
‫رضي الله عنهما ‪ -‬للخوارج المارقين‪ ،‬حتى‬
‫رجع كثير منهم إلى ما خرج عنه من الدين‪،‬‬
‫ومن في قلبه ريب يخالف اليقين " )‪(15‬‬
‫وذكر أن المناظرة المحمودة نوعان‪ ،‬ثم‬
‫ل‪" :‬وذلك لن المناظر إما أن‬ ‫صل ذلك قائ ً‬ ‫ف ّ‬
‫يكون عالما ً بالحق‪ ،‬وإما أن يكون طالبا ً له‪،‬‬
‫فمن كان عالما ً بالحق فمناظرته المحمودة أن‬
‫يبّين لغيره الحجة التي تهديه إن كان‬
‫مسترشدا ً طالبا ً للحق إذا تبّين له‪ ،‬أو يقطعه‬
‫ويكف عدوانه إن كان معاندا ً غير متبع للحق‬
‫إذا تبّين له‪..‬‬
‫وذلك لن المخالف بالمناظرة إذا ناظره‬
‫العالم المبّين للحجة‪ ،‬إما أن يكون ممن يفهم‬
‫الحق ويقبله‪ ،‬وإما أن يكون ممن ل يقبله إذا‬
‫فهمه‪ ،‬أو ليس له غرض في فهمه‪ ،‬بل قصده‬
‫مجرد الردّ له‪ ،‬فهذا إذا نوظر بالحجة انقطع‬
‫وانكف شّره عن الناس‪.‬‬
‫وإما أن يكون الحق قد التبس عليه‪ ،‬وأصل‬
‫قصده الحق‪ ،‬لكن يصعب عليه معرفته لضعف‬
‫علمه بأدلة الحق‪ ،‬مثل من يكون قليل العلم‬
‫بالثار النبوية الدالة على ما أخبر به من الحق‪،‬‬
‫أو لضعف عقله‪ ،‬لكونه ل يمكن أن يفهم دقيق‬
‫العلم‪ ،‬أو ل يفهمه إل بعد عسر‪ ،‬أو قد سمع‬
‫من حجج الباطل ما اعتقد موجبه‪ ،‬وظن أنه ل‬
‫جواب عنه‪ ،‬فهذا إذا نوظر بالحجة أفاده ذلك‪،‬‬
‫إما معرفة بالحق‪ ،‬وإما شكا ً و توقفا ً في‬
‫اعتقاده بالباطل‪ ،‬وبقيت همته على النظر‬
‫في الحق وطلبه‪. (16) "..‬‬
‫‪ . (15)15‬تنبيه الرجل العاقل على تمويه الجدل الباطل ‪4 ،1/3‬‬
‫= بتصرف يسير‬
‫‪ . (16)16‬الدرء ‪ = 168 ،167 /7‬باختصار‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع ‪9‬‬
‫وتعليق‬
‫كد على الجمع بين جدال الكفار وقتالهم‪،‬‬ ‫وأ ّ‬
‫وأنه ل منافاة في حقهم بين الجدال المأمور‬
‫به‪ ،‬وبين القتال المأمور به )‪ ،(17‬فكان مما‬
‫قاله‪" :‬وأما مجاهدة الكفار باللسان‪ ،‬فما زال‬
‫مشروعا ً من أول المر إلى آخره‪ ،‬فإنه إذا‬
‫شرع جهادهم باليد‪ ،‬فباللسان أولى‪ ،‬وقد قال‬
‫النبي ‪ " ‬جاهدوا المشركين بأيديكم‬
‫سان‬
‫وألسنتكم وأموالكم " ) ( وكان ينصب لح ّ‬
‫‪18‬‬

‫منبرا ً في مسجده‪ ،‬يجاهد فيه المشركين‬


‫بلسانه جهاد هجو‪ ،‬وهذا كان بعد نزول آيات‬
‫القتال‪ ،‬وأين منفعة الهجو من منفعة إقامة‬
‫الدلئل والبراهين على حجة السلم‪ ،‬وإبطال‬
‫حجج الكفار من المشركين وأهل الكتاب؟‬
‫)‪.(19‬‬
‫ظم شأن مناظرة المخالفين ودحض‬ ‫وع ّ‬
‫شبهاتهم فقال‪ " :‬كل من لم يناظر أهل‬
‫اللحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن‬
‫أعطى السلم حقه‪ ،‬ول وفى بموجب العلم‬
‫واليمان‪ ،‬ول حصل بكلمه شفاء الصدور‪،‬‬
‫وطمأنينة النفوس " )‪(20‬‬

‫‪ . (17)17‬انظر الجواب الصحيح ‪1/67‬‬


‫‪ . (18)18‬أخرجه أبو داود‪ ،‬ك الجهاد ح )‪ ،2504‬وأحمد ‪،3/124‬‬
‫والحاكم ‪ ،2/81‬وصحح النووي إسناده في رياض الصالحين ح )‬
‫‪.(1349‬‬
‫‪ . (19)19‬الجواب الصحيح ‪1/74‬‬
‫‪ . (20)20‬الدرء ‪ ،357 /1‬وانظر‪ :‬التسعينية ‪232 /1‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪10‬‬
‫وتعليق‬
‫خلصة ما سبق أن المناظرة مشروعة )‪،(21‬‬
‫كما هو حال السلف الصالح‪ ،‬وقد تكون‬
‫مناظرة الكفار ومجاهدتهم باللسان أولى من‬
‫الجهاد باليد‪ ،‬كما أن القيام بها و إظهار الحجة‬
‫فيها من حقوق السلم وموجباته‪ ،‬ل سيما إذا‬
‫كان المناظر عالما ً بالحق‪.‬‬
‫جـ( أحوال المناظرات عند ابن تيمية‪ :‬بّين‬
‫شيخ السلم أن للمناظرات أحوال ً وأطوارا ً‬
‫منها‪:‬‬
‫‪ " -‬إن كان النسان في مقام دفع من‬
‫يلزمه ويأمره ببدعة‪ ،‬ويدعوه إليها‪ ،‬أمكن‬
‫العتصام بالكتاب والسنة‪ ،‬وأن يقول ل أجيبك‬
‫إل إلى كتاب الله وسنة رسوله‪ ،‬بل هذا هو‬
‫الواجب مطلقًا‪. (22) ".‬‬
‫‪ " -‬وإما إذا كان النسان في مقام الدعوة‬
‫لغيره والبيان له‪ ،‬وفي مقام النظر أيضًا‪،‬‬
‫فعليه أن يعتصم أيضا ً بالكتاب والسنة ويدعو‬
‫إلى ذلك‪ ،‬وله أن يتكلم مع ذلك‪ ،‬ويبّين الحق‬
‫الذي جاء به الرسول بالقيسة العقلية‬
‫والمثال المضروبة‪ ،‬فهذه طريقة الكتاب‬
‫والسنة وسلف المة‪(23) " .‬‬
‫‪ " -‬وإذا كان المتكلم في مقام الجابة لمن‬
‫عى أن العقل يعارض‬ ‫عارضه بالعقل‪ ،‬واد ّ‬
‫النصوص‪ ،‬فإنه قد يحتاج إلى حل شبهته وبيان‬
‫‪ . (21)21‬ومما يحسن ذكره هاهنا أن نورد تقرير مشروعية‬
‫طره ابن القيم ضمن فوائد قصة وفد نجران‬ ‫المناظرة كما س ّ‬
‫بقوله‪" :‬جواز مجادلة أهل الكتاب و مناظرتهم‪ ،‬بل استحباب‬
‫ذلك‪ ،‬بل وجوبه إذا ظهرت مصلحته من إسلم من ُيرجى‬
‫إسلمه منهم‪ ،‬وإقامة الحجة عليهم‪ ،‬ول يهرب عن مجادلتهم‬
‫إل عاجز عن إقامة الحجة‪ ،‬فليو ّ‬
‫ل ذلك إلى أهله‪ "..‬زاد المعاد‬
‫‪.3/639‬‬
‫‪ . (22)22‬الدرء ‪.1/234‬‬
‫‪ . (23)23‬الدرء ‪. 236 ،235 /1‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪11‬‬
‫وتعليق‬
‫بطلنها‪ ،‬فإذا أخذ النافي يذكر ألفاظا ً مجملة‪..‬‬
‫فهنا يستفصل السائل ويقول له‪ :‬ماذا تريد‬
‫بهذه اللفاظ المجملة؟ فإن أراد بها حقا ً‬
‫وباط ً‬
‫ل‪ُ ،‬‬
‫قِبل لحق وُردّ الباطل‪(24) " .‬‬
‫وبّين شيخ السلم أن من امتنع عن التكلم‬
‫باللفاظ المجملة نفيا ً واثباتا ً في هذا المقام‬
‫قد ينسب إلى العجز والنقطاع‪ ،‬وإن تكلم بها‬
‫دون تفصيل‪ ،‬نسبوه إلى أنه أطلق تلك‬
‫اللفاظ التي تحتمل حقا ً وباطل ً )‪.(25‬‬
‫ولما قرر شيخ السلم مشروعية المناظرة‬
‫وأحوالها‪ ،‬ذكر جملة من الحوال التي ينهى‬
‫السلف فيها عن المناظرة فقال‪ " :‬وقد‬
‫ينهون عن المجادلة والمناظرة‪ ،‬إذا كان‬
‫المناظر ضعيف العلم بالحجة وجواب الشبهة‪،‬‬
‫فُيخاف عليه أن يفسده ذلك المض ّ‬
‫ل‪ ،‬كما‬
‫ُينهى الضعيف في المقاتلة أن يقاتل علجا ً‬
‫قويا ً من علوج الكفار‪ ،‬فإن ذلك يضّره ويضر‬
‫المسلمين بل منفعة‪ ،‬وقد ينهى عنه إذا كان‬
‫المناظر معاندا ً يظهر له الحق فل يقبله – وهو‬
‫السوفسطائي – فإن المم كلهم متفقون‬
‫على أن المناظرة إذا انتهت إلى مقدمات‬
‫معروفة‪ ،‬بّينة بنفسها‪ ،‬ضرورية‪ ،‬وجحدها‬
‫الخصم كان سوفسطائيًا‪ ،‬ولم يؤمر بمناظرته‬
‫بعد ذلك‪ ،‬بل إن كان فاسد العقل داووه‪ ،‬وإن‬
‫كان عاجزا ً عن معرفة تركوه‪ ،‬وإن كان‬
‫مستحقا ً للعقاب عاقبوه مع القدرة " )‪(26‬‬
‫وبهذا يتبين أن المناظرة المشروعة لها‬
‫أحوال‪ ،‬منها‪ :‬إن كان في مقام دفع من يلزمه‬
‫‪ . (24)24‬الدرء ‪.238 /1‬‬
‫‪ . (25)25‬انظر الدرء ‪. 229 /1‬‬
‫‪ . (26)26‬الدرء ‪.7/173‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪12‬‬
‫وتعليق‬
‫ببدعة فعليه أن ل يجيب إل إلى نصوص‬
‫الوحيين‪ ،‬كما في مناظرة المام أحمد‬
‫للجهمية )‪.(27‬‬
‫وإن كان في مقام الدعوة لغيره‪ ،‬فعليه أن‬
‫يعتصم بالكتاب والسنة‪ ،‬وما يبّين ذلك من‬
‫القيسة العقلية‪ ،‬كما نلحظ في مناظرة ابن‬
‫تيمية لهل التحاد ووحدة الوجود ‪ -‬كما‬
‫سيأتي إن شاء الله ‪ -‬وإن كان في مقام‬
‫ل‬‫الجابة لمن عارضه بالعقل‪ ،‬فيحتاج إلى ح ّ‬
‫شبهته وبيان بطلنها‪ ،‬كما فعل ابن تيمية في‬
‫مناظرته لنفاة الرؤية ‪ -‬كما هو مبسوط في‬
‫موضعه من هذا البحث ‪-‬‬
‫وقد ُينهى عن المناظرة إن كان المناظر‬
‫ضعيف العلم‪ ،‬أو كان معاندا ً مكابرًا‪..‬‬
‫وسنورد مناظرات ابن تيمية لهل الملل‬
‫والنحل على النسق التالي‪:‬‬
‫‪ – 1‬مناظرات ابن تيمية للنصارى‪:‬‬
‫المناظرة الولى‪ :‬حكى شيخ السلم‬
‫مناظرته للنصارى في القاهرة فقال‪" :‬لما‬
‫قدمت القاهرة اجتمع بي بعض معظميهم من‬
‫الرهبان‪ ،‬وناظرني في المسيح ودين‬
‫النصارى‪ ،‬حتى بّينت له فساد ذلك‪ ،‬وأجبته عما‬
‫يدعيه من الحجة‪.‬‬
‫وكان من أواخر ما خاطبت به النصراني أن‬
‫قلت له‪ :‬أنتم مشركون‪ ،‬وبّينت من شركهم ما‬
‫هم عليه من العكوف على التماثيل والقبور‪،‬‬
‫وعبادتها‪ ،‬والستغاثة بها‪.‬‬
‫قال لي‪ :‬نحن ما نشرك بهم ول نعبد هم‪،‬‬
‫وإنما نتوسل بهم‪ ،‬كما يفعل المسلمون إذا‬

‫‪ . (27)27‬انظر الدرء ‪.1/230‬‬


‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪13‬‬
‫وتعليق‬
‫جاءوا إلى قبر الرجل الصالح‪ ،‬فيتعلقون‬
‫بالشباك الذي عليه ونحو ذلك‪.‬‬
‫فقلت له‪:‬وهذا أيضا ً من الشرك‪ ،‬ليس هذا‬
‫من دين المسلمين‪ ،‬وإن فعله الجهال‪ ،‬فأقر‬
‫أنه شرك‪ ،‬حتى إن قسيسا ً كان حاضرا ً في‬
‫هذه المسألة‪ ،‬فلما سمعها قال‪ :‬نعم‪ ،‬على‬
‫هذا التقدير نحن مشركون " )‪.(28‬‬
‫المناظرة الثانية – وقال – أثناء حديثه عمن‬
‫تلّبس بالشرك‪ " -:‬وهؤلء يجعلون الرسل‬
‫والمشايخ يدبرون العالم بالخلق والرزق‪،‬‬
‫وقضاء الحاجات وكشف الكربات‪ ،‬وهذا ليس‬
‫من دين المسلمين‪ ،‬بل النصارى تقول هذا‬
‫في المسيح وحده لشبهة التحاد والحلول‪،‬‬
‫ولهذا لم يقولوا ذلك في إبراهيم وموسى‬
‫وغيرهما من الرسل‪ ،‬مع أنهم في غاية الجهل‬
‫في ذلك‪ ،‬فإن اليات التي بعث بها موسى‬
‫أعظم‪ ،‬ولو كان الحلول ممكنا ً لم يكن للمسيح‬
‫خاصية توجب اختصاصه بذلك‪ ،‬بل موسى أحق‬
‫ت من علماء‬ ‫ت من خاطب ُ‬‫بذلك‪ ،‬ولهذا خاطب ُ‬
‫ت أتنـّزل معهم إلى أن أطالبهم‬ ‫النصارى‪ ،‬وكن ُ‬
‫بالفرق بين المسيح و غيره من جهة اللهية‪،‬‬
‫فلم يجدوا فرقًا‪ ،‬بل أبّين لهم أن ما جاء به‬
‫موسى من اليات أعظم‪ ،‬فإن كان هذا حجة‬
‫في دعوى اللهية فهو أحق" )‪.(29‬‬
‫المناظرة الثالثة‪ :‬ولما سجن شيخ السلم‬
‫بمصر سـنة ‪707‬هـ‪ ،‬حصلت له مناظرة مع‬
‫رهبان النصارى كما أوردها تلميذه إبراهيم بن‬

‫‪ . (28)28‬مجموع الفتاوى ‪ - 462 ،461 /27‬باختصار‬


‫‪ . (29)29‬الرد على البكري ص ‪ ،327‬وانظر مجموع الفتاوى‬
‫‪228 /15‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪14‬‬
‫وتعليق‬
‫أحمد الغياني )‪ (30‬قائ ً‬
‫ل‪ " :‬ولما كان الشيخ‬
‫في قاعة الترسيم )‪ ،(31‬دخل عنده ثلثة‬
‫رهبان من الصعيد‪ ،‬فناظرهم وأقام عليهم‬
‫الحجة بأنهم كفار‪ ،‬وما هم على الدين الذي‬
‫كان عليه إبراهيم والمسيح‪ ،‬فقالوا له‪ :‬نحن‬
‫نعمل مثل ما تعملون‪ ،‬أنتم تقولون بالسيدة‬
‫نفيسة )‪ ،(32‬ونحن نقول بالسيدة مريم‪ ،‬قد‬
‫أجمعنا نحن وأنتم على أن المسيح ومريم‬
‫أفضل من الحسين ومن نفيسة‪ ،‬وأنتم‬
‫تستغيثون بالصالحين الذي قبلكم‪ ،‬ونحن‬
‫كذلك‪.‬‬
‫فقال لهم‪ :‬وإن من فعل ذلك ففيه شبه‬
‫منكم‪ ،‬وهذا ما هو دين إبراهيم الذي كان‬
‫عليه‪ ،‬فإن الدين الذي كان إبراهيم عليه أن ل‬
‫نعبد إل الله وحده‪ ،‬ل شريك له‪ ،‬ول ندّ له‪ ،‬ول‬
‫صاحبة له‪ ،‬ول ولد له‪ ،‬ول نشرك معه ملكًا‪ ،‬ول‬
‫نبيًا‪ ،‬ول صالحًا‪ ،‬وإن المور التي ل يقدر عليها‬
‫غير الله ل تطلب من غيره مثل تفريج‬
‫الكربات‪ ،‬وغفران الذنوب‪.‬‬
‫والنبياء ‪ -‬عليهم الصلة والسلم ‪ -‬نؤمن‬
‫دقهم في جميع ما جاءوا‬ ‫بهم ونعظمهم‪ ،‬ونص ّ‬
‫به ونطيعهم كما قال نوح وصالح وهود‬
‫وشعيب‪ :‬أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون‪،‬‬
‫فجعلوا العبادة والتقوى لله وحده‪ ،‬والطاعة‬
‫‪ . (30)30‬لم أعثر له على ترجمة ‪.‬‬
‫‪ . (31)31‬الترسيم نوع من الحبس انظر مجموع الفتاوى لبن‬
‫تيمية ‪.15/136 ،399 / 35‬‬
‫‪ . (32)32‬هي نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي‬
‫بن أبي طالب )رضي الله عنهما‪ ،‬وهي من الصالحات‬
‫العابدات‪ ،‬كانت في المدينة ثم تحولت إلى مصر‪ ،‬وتوفيت بها‬
‫سنة ‪ 208‬هـ‪.‬‬
‫انظر سير أعلم النبلء ‪ ،10/106‬البداية والنهاية ‪،10/262‬‬
‫شذرات الذهب ‪.2/21‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪15‬‬
‫وتعليق‬
‫لهم‪ ،‬فإن طاعتهم من طاعة الله‪ ،‬فلو كفر‬
‫ي من النبياء وآمن بالجميع ما نفعه‬ ‫أحد بنب ّ‬
‫إيمانه حتى يؤمن بذلك النبي‪.‬‬
‫فلما سمعوا ذلك منه قالوا‪ :‬الدين الذي‬
‫ذكرته خير من الدين الذي نحن وهؤلء عليه"‬
‫)‪(33‬‬
‫المناظرة الرابعة‪ :‬وردّ على النصارى‬
‫تشبيههم ظهور اللهوت في الناسوت بظهور‬
‫الروح في البدن‪ ،‬وأنه إذا كان البدن يتألم بما‬
‫يصيب الروح من اللم‪ ،‬فيلزم النصارى أن‬
‫جع أن يكون أيضا ً‬ ‫يكون الناسوت لما صلب وتو ّ‬
‫اللهوت متوجعًا‪ ،‬ثم ساق هذه المناظرة‪:‬‬
‫"وقد خاطبت بهذا بعض النصارى‪ ،‬فقال‬
‫لي‪ :‬الروح بسيطة‪ ،‬أي ل يلحقها ألم‪ ،‬فقلت‬
‫له‪ :‬فما تقول في أرواح الكفار بعد الموت‬
‫عمة‪ ،‬أو معذبة؟ فقال‪ :‬هي في العذاب‪،‬‬ ‫أمن ّ‬
‫ذب‪،‬‬‫فقلت‪ :‬فعلم أن الروح المفارقة تنعم وتع ّ‬
‫فإذا شبهتم اللهوت في الناسوت‪ ،‬بالروح‬
‫في البدن‪ ،‬لزم أن تتألم إذا تألم الناسوت‪،‬‬
‫كما تتألم الروح إذا تألم البدن‪.‬‬
‫فاعترف هو و غيره بلزوم بذلك )‪. " (34‬‬
‫وبالنظر في تلك المناظرات وما يجليها من‬
‫تقريرات لشيخ السلم‪ ،‬نسوق المور التالية‪:‬‬
‫‪ – 1‬ل يخفى الثر السلبي لنحراف‬
‫المنتسبين إلى السلم‪ ،‬وكيف احتج به‬
‫النصارى هاهنا في تسويغ شركهم‪ ،‬فالنصارى‬
‫يشركون المسيح ومريم‪ ،‬كما أن من‬
‫المسلمين من يشرك الحسين ‪ ‬ونفيسة‪.‬‬
‫‪ . (33)33‬الجامع لسيرة ابن تيمية ص ‪ = 90 ،89‬باختصار‪،‬‬
‫وانظر مجموع الفتاوى ‪371 ،370 /1‬‬
‫‪ . (34)34‬الجواب الصحيح ‪.172 /2‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪16‬‬
‫وتعليق‬
‫ورحم الله ابن القيم )‪ (35‬إذ يقول‪ " :‬ولقد‬
‫دعونا نحن وغيرنا كثيرا ً من أهل الكتاب إلى‬
‫السلم‪ ،‬فأخبروا أن المانع لهم ما يرون عليه‬
‫ظمهم‬ ‫المنتسبين إلى السلم‪ ،‬ممن يع ّ‬
‫الجهال من البدع والظلم والفجور والمكر‬
‫والحتيال‪ ،‬ونسبة ذلك إلى الشرع‪ ،‬ولمن جاء‬
‫به‪ ،‬فساء ظنهم بالشرع وبمن جاء به‪.‬‬
‫طاع طريق الله وحسيبهم‪".‬‬ ‫فالله طليب ق ّ‬
‫)‪(36‬‬
‫ومع هذا النحراف في واقع المسلمين‪ ،‬إل‬
‫أن ابن تيمية كان صاحب استعلء في إيمانه‪،‬‬
‫ورسوخ في حجته‪ ،‬فقد أقام عليهم الحجة‪،‬‬
‫فاعترفوا بشركهم‪ ،‬وصحة دين السلم‪ ،‬بل‬
‫إن بعض النصارى أسلم على يد ابن تيمية‬
‫وحسن إسلمه‪ ،‬كداود المتطبب )‪ ،(37‬والذي‬
‫صار من علماء أهل السنة‪ ،‬وصّنف كتابا ً في‬
‫الطب النبوي‪.‬‬
‫‪ – 2‬بّين ابن تيمية من خلل مناظرته في‬
‫السجن – مناقضة النصارى لدين السلم الذي‬
‫عني ابن‬ ‫بعث الله به جميع المرسلين‪ ،‬وقد ُ‬
‫تيمية في مواطن كثيرة بتقرير هذا السلم‬

‫‪ . (35)35‬هو الشيخ العلمة شمس الدين محمد بن أبي بكر بن‬


‫أيوب الزرعي‪ ،‬برع في علوم متعددة‪ ،‬كان جريئ الجنان‪،‬‬
‫واسع العلم‪ ،‬عارفا ً بالخلف‪ ،‬ومذهب السلف‪ ،‬له تصانيف‬
‫كثيرة‪ ،‬توفي بدمشق سنة ‪751‬هـ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬البداية والنهاية ‪ ،234 /14‬الدرر الكامنة ‪.4/21‬‬
‫‪ . (36)36‬إغاثة اللهفان ‪.2/416‬‬
‫‪ . (37)37‬هو داود بن أبي الفرج الدمشقي‪ ،‬أسلم على يد بن‬
‫تيمية سنة ‪701‬هـ‪ ،‬وصنف كتاب الطب النبوي وحكى فيه‬
‫نصوصا ً عن أحمد‪ ،‬توفي داود سنة ‪737‬هـ‪.‬‬
‫ضد لبن عبدالهادي )ابن المبرد ( ص ‪.38‬‬ ‫انظر الجوهر المن ّ‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪17‬‬
‫وتعليق‬
‫العام وهو عبادة الله تعالى وحده ل شريك له‬
‫)‪.(38‬‬
‫ومن ذلك قوله‪ " :‬والذي أنزله الله هو دين‬
‫واحد اتفقت عليه الكتب والرسل‪ ،‬وهم‬
‫متفقون في أصول الدين وقواعد الشريعة‪،‬‬
‫وعوا في الشريعة والمنهاج‪.‬‬ ‫وإن تن ّ‬
‫‪ -‬إلى إن قال‪ -‬فإن المسلمين واليهود‬
‫والنصارى متفقون على أن في الكتب اللهية‬
‫المر بعبادة الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأنه‬
‫أرسل إلى الخلق رسل ً من البشر‪ ،‬وأنه أوجب‬
‫العدل وحّرم الظلم والفواحش والشرك‪،‬‬
‫وأمثال ذلك من الشرائع الكلية )‪" (39‬‬
‫‪ – 3‬لم يتردد شيخ السلم في الحكم على‬
‫دعى‬ ‫تلك العمال التي تلّبس بها من ي ّ‬
‫السلم‪ ،‬فبّين أن طلب الشفاعة شرك سواءً‬
‫فعله نصراني أو من ينتسب إلى السلم )‪.(40‬‬
‫ونظير ذلك أنه لما ساق اعتراض بعضهم‬
‫د‬
‫بأن الغلو والشرك والبدع في الرافضة موجو ٌ‬
‫في كثير من المنتسبين إلى السنة‪ ،‬أجاب‬
‫ل‪" :‬هذا كله مما نهى الله عنه ورسوله‪،‬‬ ‫قائ ً‬
‫وكل ما نهى الله عنه ورسوله فهو مذموم‬
‫منهي عنه‪ ،‬سواءً كان فاعله منتسبا ً إلى‬
‫السنة أو إلى التشيع‪.(41) "..‬‬
‫‪ . (38)38‬انظر‪ :‬الجواب الصحيح ‪ ،376 ،11 /1‬والتدمرية ص‬
‫‪ ،168‬اقتضاء الصراط المستقيم ‪ ،831 /2‬مجموع الفتاوى‬
‫‪.106 /19‬‬
‫‪ . (39)39‬الجواب الصحيح ‪ = 377 ،376 /1‬باختصار‬
‫‪ . (40)40‬ومما يلحق بذلك ما حكاه ابن حزم من تحريف‬
‫النصارى والنجيل‪ ،‬واحتجاجهم على أهل السلم بمقالة‬
‫ل‪ :‬الروافض‬‫الرافضة بتبديل القرآن‪ ..‬فأجاب ابن حزم قائ ً‬
‫ليسوا من المسلمين‪ ،‬وأنها طائفة تجري مجرى اليهود‬
‫والنصارى في الكذب والكفر‪ ".‬الفصل ‪.2/213‬‬
‫‪ . (41)41‬منهاج السنة النبوية ‪483 /1‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪18‬‬
‫وتعليق‬
‫‪ – 4‬فّرق ابن تيمية – اتباعا ً للنصوص‬
‫الشرعية – بين ما كان حقا ً لله تعالى وحده‬
‫كالعبادة والتقوى‪ ،‬وما كان حقا ً لرسوله‬
‫كالطاعة‪ ،‬فإن من يطع الرسول فقد أطاع‬
‫الله‪ ،‬وقد قرر ذلك في مواضع كثيرة )‪.(42‬‬
‫ومن ذلك قوله‪" :‬والله سبحانه له حقوق ل‬
‫يشركه فيها غيره‪ ،‬وللرسل حقوق ل يشركهم‬
‫فيها غيرهم‪ ،‬وللمؤمنين بعضهم على بعض‬
‫حقوق مشتركة‪ ،‬فالله تعالى مستحق أن نعبده‬
‫ول نشرك به شيئًا‪ ،‬وهذا أصل التوحيد الذي‬
‫بعثت به الرسل‪.‬‬
‫ويــدخل فــي ذلــك أن ل نخــاف إل إيــاه‪ ،‬ول‬
‫ع‬
‫مــن ي ُطِـ ِ‬ ‫و َ‬‫نتقي إل إياه‪ ،‬كمــا قــال تعــالى‪َ  :‬‬
‫ول َئ ِ َ‬ ‫قـه َ ُ‬
‫م‬‫هـ ُ‬
‫ك ُ‬ ‫فـأ ْ‬ ‫وي َت ّ ْ ِ‬ ‫ش الل ّـ َ‬
‫ه َ‬ ‫خـ َ‬
‫وي َ ْ‬ ‫سول َ ُ‬
‫ه َ‬ ‫وَر ُ‬‫ه َ‬‫الل ّ َ‬
‫ن ‪) ‬النــور‪ (52 :‬فعجــل الطاعــة للــه‬ ‫فــائ ُِزو َ‬‫ال ْ َ‬
‫وللرسول‪ ،‬وجعل الخشية والتقوى لله وحده "‬
‫)‪. (43‬‬
‫‪ – 5‬ذكر ابن تيمية‪ :‬بعد إحدى المناظرات‬
‫السابقة – أن " النصارى يفرحون بما يفعله‬
‫أهل البدع والجهل من المسلمين مما يوافق‬
‫دينهم‪ ،‬ويشابهونهم فيه‪ ،‬ويحبون أن يجعلوا‬
‫رهبانهم مثل عّباد المسلمين‪ ،‬وقسيسيهم‬
‫مثل علماء المسلمين‪ ،‬فإن عقلءهم ل‬
‫ينكرون صحة دين السلم‪ ،‬بل يقولون‪ :‬هذا‬
‫طريق إلى الله‪ ،‬وهذا طريق إلى الله )‪" .(44‬‬

‫‪ . (42)42‬انظر‪ :‬منهاج السنة النبوية ‪ ،446 /2‬والتدمرية ص‬


‫‪ ،199‬واقتضاء الصراط المستقيم ‪ ،826 /2‬مجموع الفتاوى‬
‫‪10/36 ،1/181‬‬
‫‪ . (43)43‬اقتضاء الصراط المستقيم ‪ = 826 ،2/825‬باختصار‬
‫‪ . (44)44‬مجموع فتاوى ‪ = 462 /17‬باختصار‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪19‬‬
‫وتعليق‬
‫ذر شيخ السلم وغّلظ من تسويغ‬ ‫كما ح ّ‬
‫اتباع النصرانية أو اليهودية‪ ،‬كما عليه أكثر‬
‫اليهود والنصارى‪ ،‬والذين يرون دين‬
‫المسلمين واليهود والنصارى بمنـزلة المذاهب‬
‫دث عن هذه‬ ‫الربعة في دين المسلمين‪ ،‬فتح ّ‬
‫المسألة في غير موضع )‪ ،(45‬فقال‪" :‬ومعلوم‬
‫بالضطرار من دين المسلمين باتفاق جميع‬
‫وغ غير دين السلم‪ ،‬أو‬ ‫المسلمين أن من س ّ‬
‫اتباع شريعة غير شريعة محمد ‪ ‬فهو كافر‪،‬‬
‫وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب‪ ،‬وكفر ببعض‬
‫الكتاب " )‪. (46‬‬
‫لسلم ‪ -‬في المناظرة‬ ‫‪ -6‬أظهر شيخ ا ٍ‬
‫الرابعة ‪ -‬تهافت قول النصارى في تشبيههم‬
‫ظهور اللهوت في الناسوت بظهور الروح‬
‫في البدن‪ ،‬وما يلزمهم من التنقص لله عز‬
‫وجل‪.‬‬
‫كما كشف ابن تيمية ذاك التناقض الصريح‬
‫عند النصراني عند ما زعم أن الروح ل يلحقها‬
‫ألم‪ ،‬مع أنه مقّر بأن أرواح الكفار في ألم‬
‫وعذاب‪ ،‬كما هو عند النصارى )‪.(47‬‬
‫وهذه المناظرة غيض من فيض في تناقض‬
‫النصارى واضطرابهم‪.‬‬
‫ورحــم اللــه ابــن حــزم )‪ (48‬إذ يقــول فــي‬
‫وصفهم‪ " :‬ولول أن الله تعالى وصــف قــولهم‬
‫‪ . (45)45‬انظر‪ :‬الرد على المنطقيين ص ‪ ،282‬مجموع‬
‫الفتاوى ‪.523 /28 ،463 /17‬‬
‫‪ . (46)46‬مجموع الفتاوى ‪28/524‬‬
‫‪ . (47)47‬انظر‪ :‬اليوم الخر بين اليهودية والمسيحية والسلم‬
‫لفرج الله عبدالباري ص ‪97‬‬
‫‪ . (48)48‬هو أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الظاهري‬
‫الندلسي‪ ،‬فقيه حافظ‪ ،‬وأديب‪ ،‬وزير‪ ،‬صاحب التصانيف‬
‫المشهورة‪ ،‬توفي سنة ‪ 456‬هـ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬سير أعلم النبلء ‪ ،18/184‬وشذرات الذهب ‪.299 /3‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪20‬‬
‫وتعليق‬
‫قــاُلوا ْ إ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫ن َ‬ ‫فَر ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫في كتابه إذ يقول‪ :‬ل ّ َ‬
‫قد ْ ك َ َ‬
‫ة ‪) ‬سورة المائدة‪ (73:‬لما انطلق‬ ‫ث ث َل َث َ ٍ‬
‫ه َثال ِ ُ‬‫الل ّ َ‬
‫لســان مــؤمن بحكايــة هــذا القــول العظيــم‬
‫الشنيع‪ ..‬وتالله لو ل أننا شاهدنا النصارى‪ ،‬مــا‬
‫صدقنا أن في العالم عقل ً يسع هــذا الجنــون "‬
‫)‪. (49‬‬
‫وقال ابن تيمية في هذا الشأن‪ " :‬قال‬
‫طائفة من العقلء‪ :‬إن عامة مقالت الناس‬
‫يمكن تصورها إل مقالة النصارى‪ ،‬وذلك أن‬
‫الذين وضعوها لم يتصوروا ما قالوا‪ ،‬بل‬
‫تكلموا بجهل‪ ،‬وجمعوا في كلمهم بين‬
‫النقيضين‪ ،‬ولهذا قال بعضهم‪ :‬لو اجتمع‬
‫ً ‪50‬‬
‫عشرة نصارى لتفرقوا عن أحد عشر قول ) (‬
‫"‬
‫‪ -2‬مناظرات ابن تيمية لهل التحاد ووحدة‬
‫الوجود‪:‬‬
‫عني شيخ السلم بمناظرات أهل التحاد‬
‫ووحدة الوجود عناية ظاهرة‪ ،‬كما امتحن و‬
‫أوذي بسببهم‪ ،‬فحكى مناظراته المتعددة لهم‪،‬‬
‫وأوردها مختصرة في مواطن‪ ،‬وبسطها في‬
‫مواطن أخرى‪ ،‬وسنورد ‪ -‬بعد التتبع‬
‫والستقراء ‪ -‬جملة من تلك المناظرات كما‬
‫صاغها شيخ السلم‪ ،‬وذلك على النحو التي‪:‬‬
‫أ ( المناظرة الولى‪ :‬يقول شيخ السلم‪:‬‬
‫"وقد كان عندنا بدمشق الشيخ المشهور الذي‬
‫يقال له ابن هود‪ ،‬وكان من أعظم من رأيناه‬
‫من هؤلء التحادية زهدا ً ومعرفة‪ ،‬وكان‬

‫‪ . (49)49‬الفصل ‪ = 112 ،1/111‬باختصار‬


‫‪ . (50)50‬الجواب الصحيح ‪ ،155 /2‬وانظر‪ :‬إغاثة اللهفان لبن‬
‫القيم ‪414 ،400 /2‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪21‬‬
‫وتعليق‬
‫أصحابه يعتقدون فيه أنه الله‪ ،‬وأنه ‪ -‬أعنى ابن‬
‫هود )‪ - (51‬هو المسيح بن مريم‪ ،‬ويقولون‪ :‬إن‬
‫أمه كان اسمها مريم‪ ،‬وكانت نصرانية‪،‬‬
‫ويعتقدون أن قول النبي ‪" ‬ينـزل فيكم ابن‬
‫مريم " )‪ (52‬هو هذا وأن روحانية عيسى تنـزل‬
‫عليه‪.‬‬
‫وقد ناظرني في ذلك من كان أفضل الناس‬
‫إذ ذاك معرفة بالعلوم الفلسفية وغيرها‪ ،‬مع‬
‫دخوله في الزهد والتصوف‪ ،‬وجرى لهم في‬
‫ذلك مخاطبات ومناظرات يطول ذكرها جرت‬
‫بيني وبينهم‪ ،‬حتى بّينت لهم فساد دعواهم‬
‫بالحاديث الصحيحة الواردة في نزول عيسى‬
‫بن مريم‪ ،‬وأن ذلك الوصف ل ينطبق على‬
‫هذا‪ ،‬وبّينت فساد ما دخلوا فيه من القرمطة‪،‬‬
‫حتى ظهرت مباهلتهم وحلفت لهم أن ما‬
‫ينتظرونه من هذه ل يكون ول يتم‪ ،‬وأن الله ل‬
‫يتم أمر هذا الشيخ‪ ،‬فأبر الله تلك القسام‪،‬‬
‫والحمد لله رب العالمين‪ ،‬هذا مع تعظيمهم لي‬
‫بمعرفتي عندهم‪ ،‬وإل فهم يعتقدون أن سائر‬
‫الناس محجوبون جهال بحقيقتهم‬
‫وغوامضهم‪ ،‬حتى قال لي شيخ مشهور من‬
‫شيوخهم لما بّينت له حقيقة قولهم‪ ،‬فأخذ‬
‫يستحسن ويعظم معرفتي بقولهم‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫هؤلء الفقهاء صم بكم عمي فهم ل يعقلون‪،‬‬
‫فقلت له‪ :‬هب أن الفقهاء كذلك أبالله أهذا‬
‫القول موافق لدين السلم ؟‬
‫‪ . (51)51‬ابن هود هو حسن بن علي المغربي الندلسي‪،‬‬
‫متصوف فيلسوف‪ ،‬له صلة باليهود‪ ،‬صاحب شطح وذهول‪،‬‬
‫هلك سنة ‪699‬هـ‪.‬‬
‫انظر‪ ،‬شذرات الذهب ‪،5/446‬و العلم ‪.2/203‬‬
‫‪ . (52)52‬أخرجه البخاري ك النبياء ح )‪ ،3448‬ومسلم ك‬
‫اليمان ح )‪.(242‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪22‬‬
‫وتعليق‬
‫وقال لي بعض من كان يصدق هؤلء‬
‫التحادية ثم رجع عن ذلك‪ ،‬فكان من أفضل‬
‫الناس و أكابرهم‪ ،‬ما المانع من أن يظهر الله‬
‫في صورة بشر؟ والنبي ‪ ‬يقول في الدجال‬
‫" إنه أعور )‪ ،(53‬وإن ربكم ليس بأعور " فلول‬
‫جواز ظهوره في هذه الصورة لما احتاج إلى‬
‫هذا في كلم له‪ ..‬فبّينت له امتناع ذلك من‬
‫وجوه‪ ،‬وتكلمت معه في ذلك بكلم طال عهدي‬
‫ت أضبطه الن‪ ،‬حتى تبّين له بطلن‬ ‫به‪ ،‬لس ُ‬
‫ت له أن هذا الحديث ل حجة فيه‪،‬‬ ‫ذلك‪ ،‬وذكر ُ‬
‫والله سبحانه قد بّين عبودية المسيح وكفر‬
‫من ادعى فيه اللهية )‪.(54‬‬
‫طر شيخ السلم‬ ‫ب(المناظرة الثانية‪ :‬وس ّ‬
‫مناظرة أخرى مع أهل وحدة الوجود فقال‪:‬‬
‫ذاقهم‪ ،‬وعنده أن هذا‬ ‫"ولما اجتمع بي بعض ح ّ‬
‫المذهب هو غاية التحقيق الذي ينتهي إليه‬
‫الكملون من الخلق‪ ،‬ول يفهمه إل خواصهم‪،‬‬
‫وذكر أن الحاطة هو الوجود المطلق‪ .‬قلت له‪:‬‬
‫فأنتم تثبتون أمركم على القوانين المنطقية‪،‬‬
‫ومن المعروف في قوانين المنطق أن‬
‫المطلق ل يوجد في الخارج مطلقًا‪ ،‬بل ل‬
‫يوجد إل معينًا‪ ،‬فل يكون الوجود المطلق‬
‫موجودا ً في الخارج‪ ،‬فُبهت‪ ،‬ثم أخذ يفتش‬
‫لعّله يظفر بجواب‪ ،‬فقال‪ :‬نستثني الوجود‬
‫المطلق من الكليات‪ ،‬فقلت له‪ُ :‬‬
‫غلبت‪،‬‬
‫ت لظهور فساد كلمه‪.‬‬ ‫وضحك ُ‬
‫وذلك أن القانون المذكور لو فّرق فيه بين‬
‫مطلق ومطلق لفسد القانون‪ ،‬ولن هذا فرق‬
‫‪ . (53)53‬أخرجه البخاري ك الفتن ح )‪ ،(7127‬ومسلم ك‬
‫اليمان ح )‪.(2933‬‬
‫‪ . (54)54‬السبعينية )بغية المرتاد ( ص ‪ = 521 ،520‬باختصار‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪23‬‬
‫وتعليق‬
‫بمجرد الدعوى والتحكم‪ ،‬ولن ما في القانون‬
‫صحيح في نفسه وإن لم يقولوه‪ ،‬وهو يعم كل‬
‫مطلق )‪.(55‬‬
‫"وقال لي رجل من أعيانهم‪ :‬بلغنا أنك ترد‬
‫على الشيخ عبدالحق )‪ ،(56‬نحن نقول إن‬
‫الناس ما يفهمون كلمه‪ ،‬فإن كنت تشرحه لنا‬
‫وبّين فساده قبلناه وإل فل‪.‬‬
‫فقلت له‪ :‬نعم‪ ،‬أنا أبّين لك مراده من كتبه‬
‫كالُبد والحاطة والفقرية )‪ (57‬وغير ذلك‪.‬‬
‫فقال‪ :‬عندنا الكتاب الخاص الذي يسمى‬
‫"لوح الصالة" وهو سر السر‪ ،‬وهو الذي‬
‫نطلب بيانه‪ ،‬ولم أكن رأيته‪ ،‬فذهب وجاء به‪،‬‬
‫ففسرته له حتى تبين مراده‪ ،‬وكتب أسئلة‬
‫سألني عنها تكلمت فيها على أصل قولهم‪،‬‬
‫وقول ابن عربي وابن سيناء ومن ضاهى‬
‫هؤلء‪ ،‬وبينت له أن أصل قولهم يرجع إلى‬
‫الوجود المطلق‪ ،‬ثم بّينت له أن المطلق ل‬
‫يكون إل في الذهان ل في العيان‪ ،‬وكان له‬
‫فضيلة‪ ،‬فلما تبّين له ذلك أخذ يصنف في الّرد‬
‫عليهم‪ ،‬وذهب إلى شيخ كبير منهم فقال له‪:‬‬
‫بلغني أنك جرى بينك وبين فلن كلم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬قال‪ :‬أي شيء قال لك؟ قال‪ :‬فقال لي‪:‬‬
‫آخر أمركم ينتهي إلى الوجود المطلق‪ ،‬قال‪:‬‬
‫جيد‪ ،‬قال‪ :‬بأي شيء يرد ذلك؟ قال‪ :‬المطلق‬
‫‪ . (55)55‬الصفدية ‪.1/296‬‬
‫‪ . (56)56‬وهو ابن سبعين‪.‬‬
‫‪ . (57)57‬كتاب البدُ وهو كتاب بد العارف لبن سبعين‪ ،‬وهو‬
‫مطبوع بتحقيق د‪ .‬جورج‪ ،‬كما حققه عبدالرحمن بدوي‪،‬‬
‫طبعت ضمن رسائل‬ ‫والحاطة إحدى رسائل ابن سبعين‪ ،‬وقد ُ‬
‫ابن سبعين بتحقيق عبدالرحمن بدوي‪ ،‬والرسالة الفقرية‬
‫ولوح الصالة من رسائل ابن سبعين أيضًا‪.‬‬
‫انظر‪ :‬النبوات لبن تيمية ‪ ،399 /1‬الوحدة المطلقة عند ابن‬
‫سبعين لمحمد ياسر شرف ص ‪.38-35‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪24‬‬
‫وتعليق‬
‫إنما هو في الذهان ل في العيان‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أخرب بيوتنا وقلع أصولنا " )‪(58‬‬
‫وأضاف شيخ السلم – في مصنف آخر –‬
‫ً ‪59‬‬
‫قائل‪:‬‬
‫"وسألني هذا عما يحتجون به من الحديث‬
‫مثل الحديث المذكور في العقل )‪ ،(60‬ومثل‬
‫ت أن أعرف‬ ‫ت كنـزا ً ل أعرف فأحبب ُ‬ ‫حديث‪ :‬كن ُ‬
‫ن‬
‫تأ ّ‬ ‫ت جوابا ً مبسوطًا‪ ،‬وذكر ُ‬ ‫وغير ذلك؟ فكتب ُ‬
‫هذه الحاديث موضوعة )‪" (61‬‬
‫جـ( المناظرة الثالثة‪ :‬ومن مناظراته‬
‫ل‪:‬‬‫ومخاطباته لشيوخ تلك الطائفة ما حكاه قائ ً‬
‫" وقد خاطبني مرة شيخ مــن هــؤلء‪ ،‬وكــان‬
‫لج )‪ (62‬قــال‪" :‬أنــا الحــق "‬ ‫ممن يظــن أن الح ّ‬
‫لكونه كان في هذا التوحيد‪ ،‬فقال‪ :‬الفرق بين‬
‫ل أ َن َــا‬ ‫ف َ‬
‫قــا َ‬ ‫لج أن فرعون قــال‪َ  :‬‬ ‫فرعون والح ّ‬
‫عَلى ‪)‬سورة النازعات‪ (24 :‬وهو يشير‬ ‫م اْل َ ْ‬‫َرب ّك ُ ُ‬
‫إلى نفسه‪ ،‬وأما الحلج فكان فانيا ً عن نفســه‪،‬‬
‫والحق نطق علــى لســانه‪ ،‬فقلــت لــه‪ :‬أ فصــار‬
‫الحق في قلب الحلج ينطق على لســانه‪ ،‬كمــا‬
‫ينطق الجني على لسان المصروع‪.‬‬
‫وهو سبحانه بائن عن قلب الحلج وغيره‬
‫من المخلوقات‪ ،‬فقلب الحلج أو غيره كيف‬
‫‪ . (58)58‬الصفدية ‪ ،303 ،302 /1‬وانظر‪ :‬النبوات ‪- 398 /1‬‬
‫‪401‬‬
‫‪59‬‬

‫‪ . (60)60‬يعنى الحديث الموضوع‪" :‬أول ما خلق الله العقل‪..‬‬


‫الخ " وانظر تفصيل الكلم عن هذا الحديث في السبعينية ص‬
‫‪ ،182 – 171‬والصفدية ‪.1/233‬‬
‫‪ . (61)61‬النبوات ‪.402 /1‬‬
‫لج‪ ،‬نشأ بتستر و خالط‬‫‪ . (62)62‬هو الحسين بن منصور الح ّ‬
‫الصوفية وزعم أن الله حل فيه‪ ،‬فأمر الخليفة المقتدر بصلبه‬
‫وقتله سنة ‪ 309‬هـ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تاريخ بغداد ‪ ،141-8/112‬سير أعلم النبلء ‪– 14/313‬‬
‫‪.354‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪25‬‬
‫وتعليق‬
‫يسع ذات الحق؟ ثم الجّني يدخل في جسد‬
‫النسان‪ ،‬ل يكون الجني في قلبه فقط‪ ،‬فإن‬
‫القلب كل ما قام به فإنما هو عرض من‬
‫العراض‪ ،‬ليس شيئا ً موجودا ً قائما ً بنفسه‪..‬‬
‫دعون أن ذات الحق قامت بقلبه‬ ‫وهؤلء قد ي ّ‬
‫فقط‪ ،‬فهذا يستحيل في حق المخلوق فكيف‬
‫بالخالق جل جلله؟ )‪.(63‬‬
‫دون شيخ السلم‬ ‫د ( المناظرة الرابعة‪ :‬و ّ‬
‫مناظرة رابعة مع التحادية فقال‪":‬وقد‬
‫خاطبني مرة شيخ من شيوخ هؤلء الضلل‪،‬‬
‫لما قدم التتار آخر قدماتهم‪ ،‬وكنت أحرض‬
‫الناس على جهادهم‪ ،‬فقال لي هذا الشيخ‪:‬‬
‫أقاتل الله؟ فقلت له‪ :‬هؤلء التتار هم الله‪،‬‬
‫وهم من شر الخلق؟ هؤلء خارجون عن دين‬
‫الله‪ ،‬وإن قدر أنهم كما يقولون فالذي‬
‫يقاتلهم هو الله‪ ،‬ويكون الله يقاتل الله؟‬
‫وقول هذا الشيخ لزم هذا وأمثاله )‪." (64‬‬
‫بالنظر إلى تلك المناظرات وملبسات‬
‫وقوعها وما يلحق بها‪ ،‬تظهر المور التية‪:‬‬
‫‪ -1‬اهتم شيخ السلم بمناظرة أهل وحدة‬
‫الوجود‪ ،‬وقرر بطلن مذهبهم في عدة‬
‫مصنفات‪ ،‬نظرا ً لعظم محنتهم‪ ،‬وتفاقم‬
‫شأنهم‪ ،‬كما أوضحه بقوله‪:‬‬
‫"ولهذا لما وقعت محنة هؤلء بمصر‬
‫والشام‪ ،‬وأظهروا مذهب الجهمية الذي هو‬
‫شعارهم في الظاهر‪ ،‬وكتموا مذهب التحادية‬
‫الذي هو حقيقة تجهمهم‪ ،‬وأضلوا بعض ولة‬
‫المور حتى يرفعوا إخوانهم‪ ،‬ويهينوا من‬
‫‪ . (63)63‬منهاج السنة النبوية ‪ = 379 ،5/378‬باختصار يسير‬
‫‪ . (64)64‬الرد على البكري ص ‪ ،191‬وانظر مجموع الفتاوى‬
‫‪.2/309‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪26‬‬
‫وتعليق‬
‫خالفهم‪ ،‬وصار كل من كان إلى السلم‬
‫أقرب‪ ،‬أقصوه وعزلوه وخفضوه‪ ،‬وكل من‬
‫كان عن السلم أبعد رفعوه‪ ،‬حتى رفعوا‬
‫صيروه بعد السلم‬ ‫شخصا ً كان نصرانيا ً و ّ‬
‫سبعينيًا" )‪ (65‬فرفعوا درجته حتى جعلوا ل‬
‫يصل إلى أحد رزق‪ ،‬ول ولية إل بخطه‪ ،‬هنالك‬
‫ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزال ً شديدًا‪ ،‬حتى‬
‫أزال الله كلمتهم عن المسلمين‪ ،‬وأذلهم بعد‬
‫العز‪ ،‬وأهلك من أهلك منهم‪ ،‬وكشف‬
‫أسرارهم وهتك أستارهم )‪.(66‬‬
‫وذكر شيخ السلم ‪ -‬في موضع آخر ‪ -‬أن ما‬
‫جرى للمؤمنين مع أولئك التحادية هي أشهر‬
‫المحن الواقعة في السلم )‪.(67‬‬
‫‪ -2‬بّين ابن تيمية شناعة كفرهم‪ ،‬وكشف‬
‫عن زندقتهم ‪ -‬في مواطن كثيرة ‪ -‬فكان مما‬
‫قاله‪" :‬وأما ما جاء به هؤلء من التحاد العام‪،‬‬
‫ت أحدا ً سبقهم إليه إل من أنكر وجود‬ ‫فما علم ُ‬
‫الصانع‪ ،‬مثل فرعون والقرامطة‪ ،‬وذلك أن‬
‫حقيقة أمرهم أنهم يرون أن عين وجود الحق‬
‫هو عين وجود الخلق‪ ،‬وأن وجود ذات الله‬
‫خالق السموات والرض‪ ،‬هي نفس وجود‬
‫المخلوقات‪ ،‬فل يتصور عندهم أن يكون الله‬
‫تعالى خلق غيره‪ ،‬ول أنه رب العالمين‪" ..‬‬
‫)‪. (68‬‬

‫‪ . (65)65‬على طريقة ابن سبعين‪ ،‬وهو عبدالحق الرقوطي‪،‬‬


‫اشتغل بالفلسفة فأصابه إلحاد‪ ،‬وجاور بغار حراء راجيا ً النبوة‪،‬‬
‫هلك عام ‪669‬هـ انظر البداية والنهاية ‪ ،13/61‬وشذرات‬
‫الذهب ‪.329 /5‬‬
‫‪ . (66)66‬الصفدية ‪ = 272 ،271 /1‬باختصار يسير‬
‫‪ . (67)67‬انظر السبعينية ص ‪527‬‬
‫‪ . (68)68‬مجموع الفتاوى ‪466 /2‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪27‬‬
‫وتعليق‬
‫إلى أن قال‪ " :‬وكنت أخاطب بكشف أمرهم‬
‫لبعض الفضلء الضالين‪ ،‬وأقول إن حقيقة‬
‫أمرهم هو حقيقة قول فرعون‪ ،‬المنكر لوجود‬
‫الخالق الصانع‪ ،‬حتى حدثني بعض عن كثير من‬
‫كبرائهم أنهم يعترفون ويقولون نحن على‬
‫قول فرعون‪. (69) " .‬‬
‫وقال في موضع آخر‪ " :‬فإن هؤلء حقيقة‬
‫قولهم تعطيل الصانع‪ ،‬وأنه ليس وراء الفلك‬
‫شيء‪ ،‬فلو عدمت السموات والرض لما يكن‬
‫م شيء موجود‪ ،‬ولهذا كان يصرح بذلك‬ ‫ث ّ‬
‫التلمساني‪ ،‬وهو كان أعرفهم بقولهم‬
‫وأكملهم تحقيقا ً له‪ ،‬ولهذا خرج إلى الباحة‬
‫والفجور‪ ،‬وكان ل يحّرم الفواحش ول‬
‫المنكرات‪ ،‬ول الكفر والفسوق والعصيان‪.‬‬
‫وحدثني الثقة الذي رجع عنهم لما انكشفت‬
‫له أسرارهم أنه قرأ عليه‪" ،‬فصوص الحكم "‬
‫لبن عربي‪ ،‬قال‪ :‬فقلت له‪ :‬هذا الكلم يخالف‬
‫القرآن‪ .‬فقال القرآن كله شرك‪ ،‬وإنما‬
‫التوحيد في كلمنا )‪. (70‬‬
‫ومعلوم أن أصول اليمان ثلثة‪ :‬اليمان‬
‫بالله ورسله واليوم الخر‪ ،‬وهم ألحدوا في‬
‫الصول الثلثة‪ ،‬أما اليمان بالله فجعلوا وجود‬
‫المخلوق هو وجود الخالق‪ ،‬وهذا غاية‬
‫التعطيل‪ ،‬وأما اليمان باليوم الخر‪ ،‬فادعى‬
‫ابن عربي أن أصحاب النار يتنعمون في النار‪،‬‬
‫كما يتنعم أهل الجنة‪ ،‬وأنه يسمى عذابا ً من‬
‫عذوبة طعامه‪.‬‬
‫ولهذا قال بعض أصحابنا لهؤلء الملحدة‪:‬‬
‫الله يذيقكم هذه العذوبة‪.‬‬
‫‪ . (69)69‬مجموع الفتاوى ‪468 /2‬‬
‫‪ . (70)70‬انظر‪ :‬مجموع الفتاوى ‪127 /2‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪28‬‬
‫وتعليق‬
‫وأما اليمان بالرسل فقد ادعوا أن خاتم‬
‫الولياء أعلم بالله من خاتم النبياء‪ ،‬وأن خاتم‬
‫النبياء هو وسائر النبياء يأخذون العلم بالله‬
‫من مشكاة خاتم الولياء " )‪. (71‬‬
‫‪ -3‬مع أن شيخ السلم ابن تيمية قد امتحن‬
‫بسببهم‪ ،‬فشكوه إلى الدولة )‪ ،(72‬إل أنه ظل‬
‫شديد النكار عليهم مباشرا ً الحتساب بنفسه‪،‬‬
‫كد على أهمية الحتساب عليهم‪ ،‬وأن القيام‬ ‫وأ ّ‬
‫عليهم من آكد الواجبات‪ ،‬فقال‪ " :‬إن القيام‬
‫على هؤلء من أعظم الواجبات‪ ،‬لنهم أفسدوا‬
‫العقول والديان‪ ،‬على خلق من المشايخ‬
‫والعلماء‪ ،‬والملوك والمراء‪ ،‬وهم يسعون في‬
‫الرض فسادًا‪ ،‬ويصدون عن سبيل الله " )‪(73‬‬
‫وقال في موضع آخر‪ " :‬إن إنكار هذا المنكر‬
‫الساري في كثير من المسلمين أولى من‬
‫إنكار دين اليهود والنصارى‪ ،‬الذي ل يضل به‬
‫المسلمون‪ ،‬لسيما وأقوال هؤلء شر من‬
‫أقوال اليهود والنصارى وفرعون‪ ،‬ومن عرف‬
‫معناها واعتقدها كان من المنافقين‪.‬‬
‫وليس لهذه المقالت وجه سائغ‪ ..‬فإن‬
‫ضررها على المسلمين أعظم من ضرر‬
‫السموم التي يأكلونها ول يعرفون أنها‬
‫سموم‪ ..‬فهؤلء يسقون الناس شراب الكفر‬
‫واللحاد في آنية أنبياء الله وأوليائه‪ ،‬ويلبسون‬
‫ثياب المجاهدين في سبيل الله‪ ،‬وهو في‬
‫الباطن من المحاربين لله ورسوله " )‪.(74‬‬

‫الصفدية ‪ = 247 – 244 /1‬باختصار‬ ‫‪. (71)71‬‬


‫انظر‪ :‬العقود الدرية ص ‪ ،178‬البداية والنهاية‬ ‫‪. (72)72‬‬
‫والدرء ‪170 /5‬‬ ‫‪،14/45‬‬
‫مجموع الفتاوى ‪.132 /2‬‬ ‫‪. (73)73‬‬
‫مجموع الفتاوى ‪ = 360 ،359 /2‬باختصار‬ ‫‪. (74)74‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪29‬‬
‫وتعليق‬
‫كما تحدث عن نفاقهم وتلونهم‪ ،‬وإنكاره‬
‫عليهم فقال‪ " :‬فإن أحد هؤلء إن أمكن أن‬
‫دعي اللهية أو النبوة‪ ،‬ولو بعبارة غريبة ل‬ ‫ي ّ‬
‫ينفر عنه الناس فعل‪ ،‬حتى كان في زماننا‬
‫غير واحد ممن اجتمع بي وأنكرت عليه‪ ،‬وجرى‬
‫دعي‬‫لنا في القيام عليهم فصول ممن ي ّ‬
‫الرسالة ظانا ً أن هذا يسلم له‪ ،‬إذا لم تسّلم له‬
‫دعون الرسالة‪ ،‬فإذا جاء من يخاف‬ ‫النبوة‪ ،‬في ّ‬
‫دعى أحدهم الرسال العام‬ ‫منه من العلماء‪ ،‬ا ّ‬
‫الكوني كإرسال الرياح وإرسال الشياطين "‬
‫)‪. (75‬‬
‫ومن وقائع احتسابه عليهم ما كتبه قائ ً‬
‫ل‪:‬‬
‫"وغاية من تجده يتحرى الحق منهم أن يقول‪:‬‬
‫العالم ل هو الله ول غير الله‪.‬‬
‫ولما وقعت محنة هؤلء الملحدة‬
‫المشهورة‪ ،‬وجرى فيها ما جرى من الحوال‪،‬‬
‫ونصر الله السلم عليهم‪ ،‬طلبنا شيوخهم‬
‫وبهم‪ ،‬فجاء من كان من شيوخهم‪ ،‬وقد‬ ‫لنت ّ‬
‫استعد لن يظهر عندنا غاية ما يمكن أن يقوله‬
‫لنا ليسلم من العقاب‪ ،‬فقلنا له‪ :‬العالم هو‬
‫الله أو غيره؟ فقال‪ :‬ل هو الله ول غيره‪.‬‬
‫وهذا كان عنده هو القول الذي ل يمكن أحد‬
‫أن يخالف فيه‪ ،‬ولو علم أنا ننكره لما قاله لنا‪،‬‬
‫وكان من أعيان شيوخهم ومحققيهم )‪" (76‬‬
‫‪ -4‬تضمنت هذه المناظرات الرحمة بالخلق‬
‫والشفاق عليهم‪ ،‬والحرص على هدايتهم‪،‬‬
‫فقد أظهر شيخ السلم الحق وأبانه لولئك‬
‫لتحادية‪ ،‬فاهتدى منهم أقوام‪ ،‬وصاروا دعاة‬
‫للحق‪.‬‬
‫‪ . (75)75‬السبعينية ص ‪392 ،391‬‬
‫‪ . (76)76‬الدرء ‪172 /6‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪30‬‬
‫وتعليق‬
‫فلم تكن هذه المناظرات مجرد إقامة حجة‬
‫وكشف شبهة‪ ،‬بل كانت سبيل ً إلى التزام‬
‫السنة والجماعة‪ ،‬لما تحّلى به شيخ السلم‬
‫من أدب المناظرة‪ ،‬وظهور الحجة‪ ،‬ودرايته‬
‫العميقة بمذاهب القوم‪ ،‬وتنـّزله معهم‪.‬‬
‫يقول شيخ السلم – في هذا المقام – "‬
‫سر الله أني بينت لهم حقائقهم‪،‬‬ ‫فلما ي ّ‬
‫وكتبت في ذلك من المصنفات ما علموا به أن‬
‫هذا هو تحقيق قولهم‪ ،‬وتبّين لهم بطلنه‬
‫بالعقل الصريح‪ ،‬والنقل الصحيح‪ ،‬رجع عن‬
‫ذلك من علمائهم وفضلئهم من رجع‪ ،‬وأخذ‬
‫هؤلء يثبتون للناس تناقضهم‪ ،‬ويردونهم إلى‬
‫الحق )‪" (77‬‬
‫ويقول أيضا‪" :‬وقد قال لي أفضل شيوخ‬
‫هؤلء بالديار المصرية لما أوقفته على بعض‬
‫هذا الكتاب‪ (78).‬فقال‪ :‬هذا كفر‪ ،‬وقال لي في‬
‫مجلس آخر‪" :‬هذا الكتاب عندنا من أربعين‬
‫سنة نعظمه‪ ،‬ونعظم صاحبه‪ ،‬ما أظهر لنا هذه‬
‫المصائب إل أنت )‪. (79‬‬
‫ومن أجل هداية أولئك‪ ،‬ودعوتهم إلى الحق‪،‬‬
‫كان الشيخ يتنـزل معهم لعلهم يرجعون‪ ،‬كما‬
‫في المناظرة الولى‪ ،‬وكما جاء في إحدى‬
‫ل‪" :‬وقلت لبعض حذاقهم‪:‬‬ ‫مخاطباته لهم قائ ً‬
‫هب أن هذا الوجود المطلق ثابت في الخارج‪،‬‬
‫وأنه عين الموجودات المشهودة‪ ،‬فمن أين لك‬
‫أن هذا هو رب العالمين الذي خلق السموات‬
‫والرض وكل شيء ؟‬

‫‪ . (77)77‬منهاج السنة النبوية ‪.26 /8‬‬


‫‪ . (78)78‬يعنى‪ :‬كتاب الفصوص لبن عربي‪.‬‬
‫‪ . (79)79‬السبعينية ص ‪.488‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪31‬‬
‫وتعليق‬
‫فاعترف بذلك‪ ،‬قال ‪ :‬هذا ما فيه حيلة )‪" (80‬‬
‫ومن باب الشفاق على المغترين‬
‫بالتحادية‪ ،‬حكى شيخ السلم لهم هذا المثال‪،‬‬
‫ت لهم مرة مثل ً بقوم أخذوا‬ ‫فقال‪ ":‬ولقد ضرب ُ‬
‫طائفة من الحجاج ليحجوا بهم‪ ،‬فذهبوا بهم‬
‫صروهم‪ ،‬فقال لي بعض من‬ ‫إلى قبرص لين ّ‬
‫كان قد انكشف له ضللهم من أتباعهم‪ ،‬لو‬
‫كانوا يذهبون بنا إلى قبرص لكانوا يجعلوننا‬
‫نصارى‪ ،‬وهؤلء كانوا يجعلوننا شرا ً من‬
‫النصارى‪.‬‬
‫والمر كما قال هذا القائل )‪" (81‬‬
‫ومع أن شيخ السلم كشف عن مقالت‬
‫ابن عربي )‪ (82‬وما تحويه من أنواع الكفر‬
‫البواح )‪ ،(83‬والردة المغلظة‪ ،‬إل أنه قال عنه‪:‬‬
‫"والله تعالى أعلم بما مات الرجل عليه‪ ،‬والله‬
‫يغفر لجميع المسلمين والمسلمات‪،‬‬
‫والمؤمنين والمؤمنات‪ ،‬والحياء منهم‬
‫والموات " )‪. (84‬‬
‫‪ -5‬إذا كان ابن تيمية يقرر أنه ل يحتج‬
‫مبطل بآية أو حديث صحيح على باطله إل و‬
‫في ذلك الدليل ما يدل على نقيض قوله )‪،(85‬‬
‫ده على أهل‬ ‫فإنه قد حقق ذلك وطّبقه في ر ّ‬
‫التحاد و وحدة الوجود‪.‬‬
‫‪ . (80)80‬الجواب الصحيح ‪.3/81‬‬
‫‪ . (81)81‬مجموع الفتاوى ‪361 /2‬‬
‫‪ . (82)82‬هو أبو بكر محمد بن علي الطائي‪ ،‬ارتحل وطاف‬
‫البلدان‪ ،‬نطق بوحدة الوجود كما في كتابه " الفصوص" وكان‬
‫يقول بقدم العالم‪ ،‬هلك سنة ‪638‬هـ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬سير أعلم النبلء ‪ ،23/48‬شذرات الذهب ‪.5/190‬‬
‫‪ . (83)83‬انظر‪ :‬مجموع الفتاوى ‪133 - 122 /2‬‬
‫‪ . (84)84‬مجموع الفتاوى ‪469 /2‬‬
‫‪ . (85)85‬انظر‪ :‬الدرء ‪ ،374 /1‬مجموع الفتاوى ‪ ،29 /8‬حادي‬
‫الرواح لبن القيم ص ‪.208‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪32‬‬
‫وتعليق‬
‫ومن ذلك احتجاجهم بحديث الرؤية )‪ (86‬على‬
‫ظهور الله تعالى في كل صورة من الصور‬
‫المشهودة في الدنيا والخرة‪ ،‬حيث بّين شيخ‬
‫السلم أن الحديث حجة عليهم )‪ ،(87‬ودليل‬
‫على فساد مذهبهم من وجوه‪:‬‬
‫أ( "أن ناسا ً سألوا رسول الله ‪ ‬هل يرون‬
‫ربهم يوم القيامة؟ ولم يسألوه عن رؤيته في‬
‫الدنيا‪ ،‬فإن هذا كان معلوما ً عندهم أنهم ل‬
‫يرونه في الدنيا‪ ،‬وقد أخبرهم النبي ‪ ‬بذلك "‬
‫)‪.(88‬‬
‫إلى أن قال‪ " :‬فل أحد من الناس يرى الله‬
‫في الدنيا بعينه‪ ،‬ل في صورة ول في غير‬
‫صورة‪ ،‬وأن الحديث الذي احتج به التحادية‬
‫على تجليه لهم من الصور في الدنيا يدل على‬
‫نقيض ذلك " )‪. (89‬‬
‫ب( "لو كانت الرؤية هي تجليه في صور‬
‫المخلوقات كلها كما يقوله التحادية لقال‬
‫لهم‪ :‬إنكم ترون ربكم في هذه الصور " ) ( ‪.‬‬
‫‪90‬‬

‫جـ( "إنه قال " ل تضامون في رؤيته‪ ،‬و " ل‬


‫تضارون في رؤيته " أي ل يلحقكم ضير ول‬
‫ضيم‪ .‬وهذا كله بيان لرؤيته في غاية التجلي‬
‫والظهور‪ ،‬وبحيث ل يلحق الرائي ضرر ول‬

‫‪ . (86)86‬يعنى حديث أبي هريرة ‪ ‬أن أناسا ً قالوا لرسول‬


‫الله ‪ :‬هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله ‪ :‬نعم‬
‫هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا‪ :‬ل يا رسول‬
‫الله‪ .‬قال‪ :‬هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب؟‬
‫قالوا‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬فإنكم ترونه كذلك‪ ..‬الحديث أخرجه البخاري ك‬
‫التوحيد ح )‪ (7437‬ومسلم ك اليمان ح )‪.(302‬‬
‫‪ . (87)87‬انظر السبعينية ص ‪.451‬‬
‫‪ . (88)88‬السبعينية ص ‪.466‬‬
‫‪ . (89)89‬السبعينية ص ‪ = 528‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫‪ . (90)90‬السبعينية ص ‪.529‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪33‬‬
‫وتعليق‬
‫ضيم‪ ،‬كما يلحق عند رؤية الشيء الخفي‬
‫والبعيد ‪.‬‬
‫وعلى قول هؤلء المر العكس‪ ،‬فإنهم إذا‬
‫قالوا يتجلى في كل صورة‪ ،‬من صورة الذباب‬
‫والبعوض ونحو ذلك من الجسام الصغيرة‪،‬‬
‫فمعلوم ما يلحق في رؤيتها من الضيم‪. (91) .‬‬
‫‪ – 6‬تمّيز شيخ السلم بقوة الحجة‬
‫وحضورها‪ ،‬فقد كشف عن شبهات القوم‪ ،‬كما‬
‫في نقضه لما في "لوح الصالة " مع أنه لم‬
‫يطلع عليه إل أنذاك ‪ -‬كما سبق آنفا ً ‪-‬‬
‫كما عني ابن تيمية بنقض أصول التحادية‬
‫وأهل وحدة الوجود ومصادرهم‪ ،‬فل يمكن‬
‫قطع دابر تلك الشبه إلى بملحقة أصولها‬
‫)‪ ،(92‬ومن ذلك تقريره – في غير موضع – أن‬
‫المطلق في الذهان ل في العيان‪ ،‬فاعترفوا‬
‫عندئذ بأن هذا التقرير يقلع أصولهم ويخرب‬
‫بيوتهم‪ ،‬كما جاء في المناظرة الثانية‪.‬‬
‫ومن ذلك أنه أبطل مقالة التحادية من‬
‫خلل نقض دعواهم بالكشف‪ ،‬وهو من‬
‫ولوا عليها‪ ،‬حيث قال‪ " :‬لكن‬ ‫مصادرهم التي ع ّ‬
‫هؤلء يقولون‪ :‬إن لم تترك العقل والنقل لم‬
‫يحصل لك التحقيق الذي حصل لنا‪ ،‬ويقولون‪:‬‬
‫ثبت عندنا في الكشف ما يناقض صريح‬
‫العقل‪.‬‬
‫فقلت لبعضهم‪ :‬إن النبياء صلوات الله‬
‫عليهم أكمل الناس كشفًا‪ ،‬وهم يخبرون بما‬
‫يعجز عقول الناس عن معرفته‪ ،‬ل بما تعرف‬
‫عقولهم أنه باطل‪ ،‬فيخبرون بمحارات العقول‬
‫‪ . (91)91‬السبعينية ص ‪530‬‬
‫‪ . (92)92‬انظر‪ :‬موقف ابن تيمية من الشاعرة ‪226 /2‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪34‬‬
‫وتعليق‬
‫ل بمحالت العقول‪.‬‬
‫فمن دونهم إذا أخبر عن شهود و كشف‪،‬‬
‫يعلم بصريح العقل بطلنه‪ ،‬علم أن كشفه‬
‫باطل )‪"(93‬‬
‫‪ -7‬حرر شيخ السلم القواسم المشتركة‬
‫بين أرباب وحدة الوجود‪ ،‬وبين الفلسفة‪،‬‬
‫فمن أوجه الشبه بين الفريقين دعواهم أن‬
‫الله تعالى هو الوجود المطلق بشرط الطلق‪،‬‬
‫وزعم الفلسفة أن النبوة مكتسبة‪ ،‬وكذا أهل‬
‫وحدة الوجود‪ ،‬فقط طلب النبوة أمثال‬
‫السهروردي المقتول )‪ (94‬وابن سبعين‪ ،‬وإذا‬
‫كان بعض الفلسفة كالفارابي يجعل‬
‫الفيلسوف أعظم النبي‪ ،‬فإن ابن عربي‬
‫ضل الولي على النبي )‪.(95‬‬ ‫يف ّ‬
‫ثم بّين أهمية معرفة هذا التشابه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫"ولكن المقصود التنبيه على تشابه رؤوس‬
‫الضلل‪ ،‬حتى إذا فهم المؤمن قول أحدهم‪،‬‬
‫أعانه على فهم قول الخر‪ ،‬واحترز منهم‪،‬‬
‫وبّين ضللهم لكثرة ما أوقعوا في الوجود من‬
‫الضللت " )‪. (96‬‬
‫ومع تحريره لتلك الوجه من التشابه‪ ،‬إل أنه‬
‫يقرر أوجه التباين و الختلف بين الطوائف‪،‬‬
‫وتفاوت النحراف بين أصحابها‪ ،‬ويؤكد على‬
‫أهمية معرفة مراتب النحراف والشرور‪،‬‬
‫تحقيقا ً للعدل و مراعاة لقاعدة المصالح‬
‫‪ . (93)93‬الجواب الصحيح ‪.79 /3‬‬
‫‪ . 949)94‬يحيى بن حبش السهروردي‪ ،‬فيلسوف قليل الدين‪،‬‬
‫له مؤلفات ليست من علوم السلم‪ ،‬قتل سنة ‪ 587‬هـ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬سير أعلم النبلء ‪ ،21/207‬شذرات الذهب ‪.4/290‬‬
‫‪ . (95)95‬انظر‪ :‬مجموع الفتاوى ‪ ،588 ،587 / 7‬والحموية ص‬
‫‪ ،282‬والدرء ‪1/9‬‬
‫‪ . (96)96‬مجموع الفتاوى ‪593 /7‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪35‬‬
‫وتعليق‬
‫والمفاسد‪ ،‬حيث فال‪" :‬والمؤمن ينبغي له أن‬
‫يعرف الشرور الواقعة ومراتبها في الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬كما يعرف الخيرات الواقعة‪ ،‬مراتبها‬
‫في الكتاب والسنة‪ ،‬فيقدم ما هو أكثر خيرًا‪،‬‬
‫وأقل شرا ً على ما هو دونه‪ ،‬ويدفع أعظم‬
‫الشرين باحتمال أدناهما‪ ،‬ويجتلب أعظم‬
‫الخيرين بفوات أدناهما‪ ،‬فإن من لم يعرف‬
‫الواقع في الخلق‪ ،‬والواجب في الدين‪ ،‬لم‬
‫يعرف أحكام الله في عباده " )‪. (97‬‬
‫ويقول ‪ -‬في موضع آخر‪ " :‬فقد يكون‬
‫الرجل على طريقة من الشر عظيمة‪ ،‬فينتقل‬
‫إلى ما هو أقل منها شرا ً وأقرب إلى الخير‪..‬‬
‫فالتحادية الذين يجعلون الله هو الوجود‬
‫المطلق‪ ،‬متى تاب الرجل منهم من هذا‪ ،‬وصار‬
‫كن نفسه بعشق بعض الصور‪ ،‬وهو ل يعبد‬ ‫يس ّ‬
‫إل الله وحده‪ ،‬كانت هذه الحال خيرا ً من تلك‬
‫الحال " )‪.(98‬‬
‫ومن تلك تقريره أن مقالة التحادية وأهل‬
‫وحدة الوجود شّر من مقالة اليهود والنصارى‪.‬‬
‫دعون أنه خير من‬ ‫ظمون فرعون‪ ،‬وي ّ‬ ‫فهم يع ّ‬
‫موسى عليه السلم )‪ ،(99‬كما بّين شيخ‬
‫السلم أن أهل وحدة الوجود متفاوتون‪،‬‬
‫فمنهم العارف ببطن المذهب‪ ،‬ومنهم‬
‫الجاهل‪ ،‬فإن من كان أعرف بحقيقة المذهب‬
‫كان أظهر كفرا ً وإلحادًا‪ ،‬وأما الجهال‬
‫فيحسنون الظن بقول هؤلء ول يفهمونه "‬
‫)‪. (100‬‬

‫جامع الرسائل ‪305 /2‬‬ ‫‪. (97)97‬‬


‫الستقامة ‪ = 466 ،464 /1‬بتصرف يسير‬ ‫‪. (98)98‬‬
‫انظر مجموع الفتاوى ‪2/359‬‬ ‫‪. (99)99‬‬
‫‪ .‬مجموع الفتاوى ‪2/366‬‬ ‫‪(100)100‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪36‬‬
‫وتعليق‬
‫ء‪ ،‬فابن‬ ‫بل إن رؤوس المذهب ليسوا سوا ً‬
‫عربي أقربهم إلى السلم‪ ،‬والصدر الرومي‬
‫كان متفلسفا ً فهو أبعد عن السلم‪ ،‬وأما‬
‫الفاجر التلسماني )‪ (101‬فهو أخبث القوم‬
‫وأعمقهم في الكفر )‪.(102‬‬
‫‪ -3‬مناظرات ابن تيمية للقبوريين‪:‬‬
‫كان لشيخ السلم صولت مع القبوريين‪،‬‬
‫فقد ناظرهم بالدليل والبرهان‪ ،‬وأجاب عن‬
‫شبهاتهم‪ ،‬ودحض أكاذيبهم بالحجة والبيان‪،‬‬
‫كما كسر المشاهد والوثان‪ ،‬وسنورد هاتين‬
‫المناظرتين‪:‬‬
‫المناظرة الولى‪ :‬ساق إبراهيم بن أحمد‬
‫الغياني هذه المناظرة‪:‬‬
‫"شرع شيخ السلم يعيب تلك الحجار‪،‬‬
‫التي كان الناس يتبركون بها‪ ،‬وينهى الناس‬
‫عن إتيانها‪ ،‬أو أن يحسن بها الظن‪.‬‬
‫فقال بعض الناس‪ :‬إن قد جاء حديث " لو‬
‫أحسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه الله به"‬
‫فقال الشــيخ‪ :‬هــذا الحــديث كــذب مختلــق و‬
‫ح‬‫إفك مفترى على رسول اللــه ‪ ،‬والــذي صــ ّ‬
‫وثبت عن النــبي ‪ ‬فيمــا يــروي عــن رب ّــه ع ـّز‬
‫ل أنه قال‪" :‬أنا عند ظن عبــدي بــي " )‪،(103‬‬ ‫وج ّ‬
‫وقال " ل يموتن أحدكم إل هــو يحســن الظــن‬
‫بالله " )‪ (104‬فهو الرب العظيم الكبير المتعال‪،‬‬

‫‪ . (101)101‬أبو الربيع سليمان بن علي العابدي‪ ،‬شاعر النحوي‪،‬‬


‫نسب إليه حلول و اتحاد وزندقة‪ ،‬له مؤلفات‪ ،‬هلك سنة‬
‫‪690‬هـ‪.‬‬
‫وانظر‪ :‬البداية والنهاية ‪ ،13/226‬شذرات الذهب ‪.412 /5‬‬
‫‪ . (102)102‬مجموع الفتاوى ‪.472-2/470‬‬
‫‪ . (103)103‬أخرجه البخاري ك التوحيد ح )‪ ،( 7405‬ومسلم ك‬
‫الذكر والدعاة ح )‪.(2675‬‬
‫‪ . (104)104‬أخرجه مسلم ك الجنة ح ) ‪.(2877‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪37‬‬
‫وتعليق‬
‫الذي بيده ملكوت كل شــيء‪ُ ،‬يحســن العبــد بــه‬
‫ظنــه‪ ،‬ل يحســن ظنــه بالحجــار‪ ،‬فــإن الكفــار‬
‫أحسنوا ظنهم بالحجار فــأدخلتهم النــار‪ ،‬وقــد‬
‫قال الله تعالى في الحجــار‪ ،‬وفيمــن أحســنوا‬
‫َ‬
‫بها الظن حتى عبــدوها مــن دونــه " ‪‬ي َــا أي ّ َ‬
‫هــا‬
‫هــا‬‫قودُ َ‬ ‫و ُ‬‫م َناًرا َ‬ ‫وأ َ ْ‬
‫هِليك ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫قوا َأن ُ‬
‫ف َ‬ ‫مُنوا ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫جاَرةُ ‪) ‬التحريم‪ ،(6:‬وقد أمر النبي‬ ‫وال ْ ِ‬
‫ح َ‬ ‫س َ‬ ‫الّنا ُ‬
‫‪ ‬أن يستجمر من البول بثلثة أحجار‪ ،‬ما قال‬
‫أحسنوا ظنكم بها‪ ،‬بل قال استجمروا بها مــن‬
‫البول‪ ،‬وقد كسر النبي ‪ ‬الحجار التي أحسن‬
‫بها الظن حتى عبدت ‪ -‬حول البيت" )‪.(105‬‬
‫المناظرة الثانية‪ - :‬ومن ذلك أنه لما بّين‬
‫حال أولئك الغلة الذين يطلبون حاجاتهم عند‬
‫القبور‪ ،‬وربما كان صاحب القبر كافرا ً أو‬
‫منافقًا‪ ,‬ساق المناظرة التية‪:‬‬
‫" وكان بالبلد جماعة كثيرون يظنون في‬
‫العبيديين )‪ (106‬أنهم أولياء الله تعالى‪ ،‬فلما‬
‫ت لهم أن هؤلء كانوا منافقين زنادقة‪،‬‬ ‫ذكر ُ‬
‫وخيار من فيهم الرافضة‪ ،‬جعلوا يتعجبون‬
‫ويقولون‪ :‬نحن نذهب بالفرس التي بها مغل‬
‫)‪ (107‬إلى قبورهم‪ ،‬فتشفى عند قبورهم‪،‬‬
‫فقلت لهم‪ :‬هذا من أعظم الدلة على‬
‫ت طائفة من سياس الخيل‪،‬‬ ‫كفرهم‪ ،‬وطلب ُ‬
‫فقلت‪ :‬أنتم بالشام ومصر إذا أصاب الخيل‬
‫المغل أين تذهبون بهم؟ فقالوا‪ :‬في الشام‬
‫نذهب بها إلى القبور التي ببلد السماعيلية‪،‬‬

‫‪ . (105)105‬الجامع لسيرة ابن تيمية ص ‪ = 80 ،89‬باختصار‬


‫‪ . (106)106‬وهم الذين ُيسمون كذبا ً بالفاطميين‪ ،‬انظر الكلم‬
‫عن نسبهم في مجموع الفتاوى لبن تيمية ‪132 -128 /35‬‬
‫‪ . (107)107‬المغل‪ :‬وجع أو داء في البطن‪ .‬انظر‪ :‬ترتيب‬
‫القاموس المحيط للزاوي ‪ ،266 /4‬والمعجم الوسيط ‪886 /2‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪38‬‬
‫وتعليق‬
‫وأما في مصر فنذهب بها إلى دير هناك‬
‫للنصارى‪ ،‬ونذهب بها إلى قبور هؤلء‬
‫الشراف‪ ،‬وهم يظنون أن العبيديين شرفاء‬
‫لما أظهروا أنهم من أهل البيت‪ ،‬فقلت‪ :‬هل‬
‫تذهبون بها إلى قبور صالحي المسلمين؟‬
‫فقالوا‪ :‬ل‪ .‬فقلت لولئك‪ :‬اسمعوا إنما‬
‫يذهبون بها إلى قبور الكفار والمنافقين‪،‬‬
‫وبّينت لهم سبب ذلك‪ ،‬قلت‪ :‬لن هؤلء يعذبون‬
‫في قبورهم‪ ،‬والبهائم تسمع أصواتهم‪ ،‬كما‬
‫ثبت ذلك في الحديث الصحيح‪ ،‬فإذا سمعت‬
‫ذلك فزعت‪ ،‬فبسبب الرعب الذي يحصل لها‬
‫تنحل بطونها ـ فتروث‪ ،‬فإن الفزع يقتضي‬
‫السهال‪ ،‬فيتعجبون من ذلك‪ ،‬وهذا المعنى‬
‫كثيرا ً ما كنت أذكره للناس‪" (108) ..‬‬
‫تسترعي هذه المناظرات عدة أمور‪ ،‬نورد‬
‫منها ما يلي‪:‬‬
‫ول القبوريون على أحاديث مكذوبة‪،‬‬ ‫‪ -1‬يع ّ‬
‫وأخبار مغلوطة‪ ،‬فالنقل الذي يحتجون به " إما‬
‫كذب أو غلط‪ ،‬أو ليس بحجة " )‪. (109‬‬
‫ومن ذلك ما قاله شيخ السلم‪ " :‬قدم بعض‬
‫شيوخ المشرق‪ ،‬وتكلم معي في هذا )‪،(110‬‬
‫فبينت له فساد هذا‪ ،‬فقال‪ :‬أليس قد قال‬
‫النبي ‪ " :‬إذا أعيتكم المور فعليكم بأصحاب‬
‫القبور " فقلت‪ :‬هذا مكذوب باتفاق أهل‬
‫العلم‪ ،‬لم يروه عن النبي ‪ ‬أحد من علماء‬
‫الحديث " )‪. (111‬‬
‫‪ . (108)108‬الرد على البكري ص ‪ = 310 ،309‬باختصار يسير‪،‬‬
‫وانظر الجامع لسيرة ابن تيمية ص ‪.88‬‬
‫‪ . (109)109‬اقتضاء الصراط المستقيم ‪688 /2‬‬
‫‪ . (110)110‬أي في دعاء الموات‪.‬‬
‫‪ . (111)111‬الرد على البكري ص ‪ ،302‬وانظر‪ :‬اقتضاء الصراط‬
‫المستقيم ‪688 /2‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪39‬‬
‫وتعليق‬
‫‪ -2‬أن غلبة الجهل سبب في ظهور‬
‫الستغاثة بالموات‪ ،‬ووقوع الشرك في توحيد‬
‫العبادة‪ ،‬فيستغيث أولئك الجهال بأصحاب‬
‫القبور‪ ،‬وقد تقضي الشياطين حوائجهم‪،‬‬
‫فيظنون ذلك كرامة‪ ،‬وإنما هي أحوال‬
‫شيطانية ناشئة عن تلك الوثنية )‪.(112‬‬
‫وقد قال شيخ السلم عن هؤلء‬
‫القبوريين‪ " :‬ليس معهم دليل شرعي ول نقل‬
‫عن عالم مرضي‪ ،‬بل عادة جروا عليها كما‬
‫جرت عادة كثير من الناس بأنه يستغيث‬
‫بشيخه في الشدائد ويدعوه‪ ،‬وكان بعض‬
‫الشيوخ الذين أعرفهم‪ ،‬وله فضل وعلم وزهد‬
‫إذا نزل به أمر خطا إلى جهة الشيخ عبدالقادر‬
‫خطوت معدودات‪ ،‬وهؤلء ليس لهم مستند‬
‫شرعي من كتاب أو سنة‪ ،‬أو قول عن الصحابة‬
‫والئمة‪ ..‬وكلما كان القوم أعظم جهل ً‬
‫ل‪ ،‬كانت هذه الحوال الشيطانية عندهم‬ ‫وضل ً‬
‫أكثر‪. (113) "..‬‬
‫‪ -3‬كانت حجة شيخ السلم ظاهرة جلية‬
‫ده على القبوريين‪ ،‬لما احتجوا بحديث "‬ ‫في ر ّ‬
‫لو أحسن أحدكم بحجر لنفعه "‪ ،‬فقد بّين أنه‬
‫كذب مختلق‪ ،‬وأن المتعّين هو إحسان الظن‬
‫ب العالمين‪ ،‬بيده المر كله‪،‬‬ ‫بالله تعالى‪ ،‬فهو ر ّ‬
‫ولما أحسن الكفار ظنهم بالحجار‪ ،‬لم تنفعهم‬
‫بل أدخلتهم النار‪ ،‬فهذه الحجار ل تستحق إل‬
‫الزالة والستجمار‪.‬‬
‫وقد ساق شيخ السلم حجة عقلية في‬
‫إبطال تلك الوثنية فقال‪ " :‬ثم إنك تجد كثيرا ً‬

‫‪ . (112)112‬انظر‪ :‬مجموع الفتاوى ‪ ،115 /35‬ونظرية العقد‬


‫لبن تيمية ص ‪.29‬‬
‫‪ . (113)113‬الرد على البكري ص ‪ = 251 ،250‬باختصار‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪40‬‬
‫وتعليق‬
‫من هؤلء الذي يستغيثون عند قبر أو غيره‪،‬‬
‫كل منهم قد اتخذ وثنا ً أحسن به الظن‪ ،‬وأساء‬
‫الظن بآخر‪ ،‬وكل منهم يزعم أن وثنه يستجاب‬
‫عنده‪ ،‬ول يستجاب عند غيره‪ ،‬فمن المحال‬
‫إصابتهم جميعًا‪ ،‬وموافقة بعضهم دون بعض‬
‫تحكم‪ ،‬وترجيح بل مرجح‪ ،‬والتدين بدينهم‬
‫جميعا ً جمع بين الضداد‪ ،‬فإن أكثر هؤلء إنما‬
‫يكون تأثرهم ‪ -‬فيما يزعمون ‪ -‬بقدر إقبالهم‬
‫على وثنهم‪ ،‬وانصرافهم عن غيره‪" (114)..‬‬
‫ولما استدلوا ‪ -‬في المناظرة الخرى ‪ -‬بأن‬
‫الخيل تشفى عند قبور العبيديين‪ ،‬قلب شيخ‬
‫السلم الدليل عليهم‪ ،‬وبّين أن شفاء الخيل‬
‫بسبب ما تسمعه من العذاب الذي يعقبه‬
‫الفزع والسهال‪.‬‬
‫‪ -4‬لم يقتصر شيخ السلم على الجانب‬
‫العلمي في تلك المخاطبات والمناظرات‪ ،‬بل‬
‫اقترن به جانب عملي احتسابي‪ ،‬فعمد إلى‬
‫تكسير الوثان‪ ،‬ومن ذلك أنه أزال العمود‬
‫المخّلق‪ ،‬وكسر بلطة سوداء زعموا أن عليها‬
‫كف النبي ‪ ،‬كما حطم صخرة كبيرة كان‬
‫الناس ينذرون لها‪ ،‬ويتبركون بها‪ ،‬إلى غير‬
‫ذلك من الوقائع التي ساقها الغياني في‬
‫رسالة مفرده )‪.(115‬‬
‫‪ -5‬قرر شيخ السلم أن النصر على العداء‬
‫إنما يكون بالستغاثة بالله تعالى واللجأ إليه‪،‬‬
‫وأما الستغاثة بالموات فهو سبيل الهزيمة‬
‫كد على أهمية هذا الصل ‪-‬‬ ‫والخنوع للعداء‪ ،‬فأ ّ‬
‫‪ . (114)114‬اقتضاء الصراط المستقيم ‪.688 /2‬‬
‫‪ . (115)115‬عنوان هذه الرسالة‪ :‬فصل فيما قام به ابن تيمية‬
‫وتفّرد به‪ ،‬وذلك في تكسير الحجار‪ ،‬وهي ضمن الجامع‬
‫لسيرة ابن تيمية ص ‪ ،96 – 78‬وانظر‪ :‬البداية لبن كثير‬
‫‪ ،14/34‬وإغاثة اللهفان ‪.1/329‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪41‬‬
‫وتعليق‬
‫وهو دعاء الله تعالى والستغاثة به ‪ -‬وبّين أن‬
‫تحقيقه كان سبب هزيمة التتار آنذاك‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫" فإنا بعد معرفة ما جاء به الرسول نعلم‬
‫بالضرورة أنه لم يشرع لمته أن تدعو أحدا ً من‬
‫الموات‪ ،‬ل النبياء‪ ،‬ول الصالحين ول غيرهم‪،‬‬
‫ل بلفظ الستغاثة‪ ،‬ول بغيرها‪..‬‬
‫ولهذا ما بّينت هذه المسألة قط لمن يعرف‬
‫أصل السلم إل تفطن‪ ،‬وقال‪ :‬هذا أصل دين‬
‫السلم‪ ،‬وكان بعض الكابر من الشيوخ‬
‫العارفين يقول‪ :‬هذا أعظم ما بينته لنا‪ ،‬لعلم‬
‫بأن هذا أصل الدين إلى أن قال – ولما قدم‬
‫العدو – الخارج عن شريعة السلم – دمشق‪،‬‬
‫خرجوا يستغيثون بالموتى عند القبور التي‬
‫يرجون عندها كشف ضرهم‪ ،‬وقال بعض‬
‫الشعراء‪:‬‬
‫لوذوا بقبر أبي عمر‬ ‫يا خائفين من التتر‬
‫فقلت لهم‪ :‬هؤلء الذين تستغيثون بهم لو‬
‫كانوا معكم في القتال لنهزموا‪ ..‬فلما كان‬
‫بعد ذلك جعلنا نأمر الناس بإخلص الدين لله‬
‫عز وجل‪ ،‬والستغاثة به‪ ..‬فلما أصلح الناس‬
‫أمورهم وصدقوا في الستغاثة بربهم‪،‬‬
‫نصرهم على عدوهم نصرا ً عزيزًا‪ ،‬ولم تنهزم‬
‫التتار مثل هذه الهزيمة قبل ذلك )‪" (116‬‬
‫‪ -4‬مناظرات ابن تيمية للحمدية )الرفاعية‬
‫البطحائية (‬
‫جرت هذه المناظرات في ثلثة مجالس‬
‫سنة ‪705‬هـ‪ ،‬وقد بسط شيخ السلم وقائع‬

‫‪ . (116)116‬الرد على البكري ص ‪ = 377 ،376‬باختصار‬


‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪42‬‬
‫وتعليق‬
‫المناظرة في رسالة مفردة )‪ (117‬ونظرا ً‬
‫لطولها فسنورد أهم أحداثها كما يلي‪:‬‬
‫يقول شيخ السلم ‪ -‬في مقدمة تلك‬
‫المناظرة ‪ ": -‬فقد كتبت ما حضرني ذكره في‬
‫المشهد الكبير بقصر المارة‪ ،‬بحضرة الخلق‬
‫من المراء والكتاب والعلماء والفقراء‪،‬‬
‫لتشوف الهمم إلى معرفة ذلك وحرص الناس‬
‫على الطلع عليه‪ ..‬ولما حصل بها من عز‬
‫الدين‪ ،‬وظهور كلمته العليا‪ ،‬وظهور زيف من‬
‫خرج عن ذلك‪"(118) .‬‬
‫‪ " -‬وقد تقدمت لي معهم وقائع متعددة‪،‬‬
‫بّينت فيها لمن خاطبته منهم‪ ،‬ومن غيرهم‬
‫بعض ما فيهم من حق وباطل‪ ،‬وأحوالهم التي‬
‫يسمونها الشارات‪ ،‬وتاب منهم جماعة‪ ،‬وأدب‬
‫منهم جماعة من شيوخهم‪ ،‬وبينت صورة ما‬
‫يظهرونه من المخاريق‪ ..‬وإن عامة ذلك من‬
‫حيل معروفة‪ ،‬وأسباب مصنوعة‪ ..‬ولما‬
‫عارضتهم بأني أدخل معكم النار بعد أن‬
‫نغتسل بما يذهب الحيلة‪ ،‬ومن احترق كان‬
‫مغلوبًا‪ ،‬فلما رأوا الصدق أمسكوا عن ذلك‬
‫)‪"(119‬‬
‫‪ " -‬فلما نهيتهم عن ذلك‪ ،‬أظهروا‬
‫الموافقة‪ ،‬ومضت على ذلك مدة‪ ،‬والناس‬
‫يذكرون عنهم الصرار على البتداع في‬
‫الدين‪ ،‬وإظهار ما يخالف شرعة المسلمين‪..‬‬
‫وحضر عندنا منهم شخص فنـزعنا الغل من‬
‫عنقه‪ ،‬فحملهم هواهم على أن تجمعوا تجمع‬
‫‪ . (117)117‬كما في مجموع الفتاوى ‪ ،475 – 445 /11‬كما حكى‬
‫ابن عبدالهادي وابن كثير هذه المناظرة‪ .‬انظر العقود الدرية‬
‫ص ‪ ،131‬والبداية ‪14/36‬‬
‫‪ . (118)118‬مجموع الفتاوى ‪ = 446 ،446 /11‬باختصار‬
‫‪ . (119)119‬مجموع الفتاوى ‪ = 11/447‬باختصار‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪43‬‬
‫وتعليق‬
‫الحزاب‪ ،‬مظهرين الضجيج والرعاد‪،‬‬
‫واضطراب الرءوس والعضاء‪ ،‬وإبراز ما‬
‫يدعون من الحال والمحال‪.‬‬
‫فلما رأي المير ذلك هاله ذلك المنظر‪ ،‬ثم‬
‫ي‪،‬‬
‫دخل عليه شيخهم‪ ،‬وأظهر الشكوى عل ّ‬
‫ى المير يريد كشف أمرهم‪ ،..‬فلما‬ ‫فأرسل إل ّ‬
‫ُ‬
‫علمت ذلك ألقي في قلبي أن ذلك لمر يريده‬
‫الله من إظهار الدين‪ ،‬وكشف حال المبتدعين‬
‫)‪" (120‬‬
‫"فانتدب شيخهم وقال‪ :‬نحن لنا أحوال‬
‫وأمور باطنة ل يوقف عليها‪.‬‬
‫فقلت له‪ :‬الباطن والظاهر مردود إلى كتاب‬
‫الله وسنة رسوله ‪ ،‬ليس لحد الخروج عن‬
‫كتاب الله وسنة رسوله ‪ ،‬ل من المشايخ‬
‫والفقراء‪ ،‬ول من الملوك والمراء‪..‬‬
‫فقال‪ :‬نحن لنا أحوال خارقة ‪ -‬كالنار‬
‫وغيرها ‪.-‬‬
‫فقلت‪ :‬أنا أخاطب كل أحمدي أي شيء‬
‫فعلوه في النار‪ ،‬فأنا أصنع مثل ما تصنعون‪،‬‬
‫ومن احترق فهو مغلوب‪ ،‬ولكن بعد أن نغسل‬
‫جسومنا بالخل والماء الحار‪ ،‬فسألني الناس‬
‫عن ذلك؟ فقلت‪ :‬لن لهم حيل ً في التصال‬
‫بالنار يصنعونها من أشياء‪..‬‬
‫دعي القدرة على ذلك‪،‬‬ ‫فأخذ شيخهم ي ّ‬
‫ويظهر التحايل‪ ..‬فقلت‪ :‬هذا تطويل وتفريق‬
‫للجمع‪ ،‬ول يحصل به مقصود‪ ،‬بل قنديل يوقد‬
‫وأدخل إصبعي وإصبعك فيه بعد الغسل‪ ،‬ومن‬
‫احترقت إصبعه فهو مغلوب‪ ،‬فلما قلت ذلك‬
‫تغّير و ذ ّ‬
‫ل‪.‬‬

‫‪ . (120)120‬مجموع الفتاوى ‪ = 454-11/452‬باختصار‬


‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪44‬‬
‫وتعليق‬
‫ثم قلت لهم‪ :‬ومع هذا فلو دخلتم النار‪،‬‬
‫وخرجتم مها سالمين‪ ،‬لم يكن في ذلك ما يدل‬
‫على صحة ما تدعونه من مخالفة الشرع‪.‬‬
‫ومشايخهم يتضرعون عند المير في طلب‬
‫ت ألح عليه في إظهار ما ادعوه‬ ‫الصلح‪ ،‬وجعل ُ‬
‫من النار مرة بعد مرة‪ ،‬وهو ل يجيبون‪.‬‬
‫فلما ظهر للحاضرين عجزهم وكذبهم‪،‬‬
‫طلبت منهم متابعة الكتاب والسنة وأن‬
‫يلتزموا هذا التـزاما ً عامًا‪ ،‬ومن خرج عنه‬
‫ضربت عنقه‪. (121) " .‬‬
‫‪" -‬فلما أظهروا التزام الكتاب والسنة‪،‬‬
‫وجموعهم بالميدان بأصواتهم وحركاتهم‬
‫الشيطانية يظهرون أحوالهم‪ ،‬قلت لشيخهم‪:،‬‬
‫أهذا موافق للكتاب والسنة؟ فقال‪ :‬هذا من‬
‫رد عليهم‪ ،‬فقلت‪ :‬هذا من الشيطان‬ ‫الله حال ي َ ِ‬
‫الرجيم‪ ..‬فقال‪ :‬ما في السموات والرض‬
‫حركة إل بمشيئة الله تعالى‪ ،‬فقلت له‪ :‬هذا‬
‫من باب القدر‪ ،‬وهكذا كل ما في العالم من‬
‫كفر وفسوق هو بمشيئته‪ ،‬وليس ذلك بحجة‬
‫لحد في فعله‪. (122) "..‬‬
‫‪" -‬فلما ظهر قبح البدع في السلم‪ ،‬وأنهم‬
‫مبتدعون بدعا ً منكرة‪ ،‬فيكون حالهم أسوأ من‬
‫حال الزاني والسارق‪ ،‬فقال شيخهم‪ :‬ل‬
‫تتعرض لهذا الجناب العزيز ‪ -‬يعنى الحمدية ‪-‬‬
‫فقلت‪ :‬ويحك‪ ،‬أي شيء هو الجناب العزيز‪،‬‬
‫وجناب من خالفه أولى بالعز‪ ،‬تريدون أن‬
‫تبطلوا دين الله ورسوله‪ ..‬وقلت لهم‪ :‬يا شبه‬
‫الرافضة‪ ،‬يا بيت الكذب ‪ -‬حتى قيل فيهم‪ ،‬ل‬

‫‪ . (121)121‬مجموع الفتاوى ‪ = 468-11/464‬باختصار‬


‫‪ . (122)122‬مجموع فتاوى ‪ = 11/470‬باختصار‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪45‬‬
‫وتعليق‬
‫تقولوا أكذب من اليهود على الله‪ ،‬ولكن قولوا‬
‫أكذب من الحمدية على شيخهم ‪.-‬‬
‫ت عليهم الحاديث المكذوبة‪ ،‬أخذوا‬ ‫ولما ردد ُ‬
‫يطلبون مني كتبا ً صحيحة ليهتدوا بها‪ ،‬فبذلت‬
‫لهم ذلك‪ ،‬وأعيد الكلم أنه من خرج عن الكتاب‬
‫والسنة ضربت عنقه وأعاد المير هذا الكلم‪،‬‬
‫واستقر الكلم على ذلك‪ ،‬والحمد لله )‪"..(123‬‬
‫ونورد بعد هذا العرض المختصر المور‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪ – 1‬مما كان يقرره شيخ السلم‪ :‬وجوب‬
‫العدل مطلقًا‪ ،‬فكان يقول‪ " :‬أوجب الله العدل‬
‫لكل أحد‪ ،‬على كل أحد‪ ،‬في كل حال‪. (124) ".‬‬
‫ويتجلى من هذه المناظرات ما تحّلى به‬
‫شيخ السلم من العدل والنصاف في جميع‬
‫الحوال‪ ،‬فمع خصومته للحمدية‪ ،‬لما تلّبسوا‬
‫به من بدع شنيعة‪ ،‬وأحوال شيطانية‪ ،‬إل أنه‬
‫أنصفهم فأثبت ما لبعضهم من التعبد والزهد‬
‫ولين الجانب )‪ ،(125‬وخاطب الحمدية قائ ً‬
‫ل‪:‬‬
‫فالتتري وأمثاله سود‪ ،‬وأهل السلم المحض‬
‫بياض‪ ،‬وأنتم بلق فيكم سواد وبياض " )‪.(126‬‬
‫وما أروع مقالة بعض العلماء ‪ -‬عن ابن‬
‫ت أني لصحابي مثله لعدائه‬ ‫تيمية ‪" :-‬ودد ُ‬
‫وخصومه )‪" (127‬‬
‫‪ -2‬نلحظ في ثنايا هذه المناظرة ما أصاب‬
‫شيخ السلم من المحن والبتلء‪ ،‬فالحمدية‬
‫قد أجلبوا عليه بأحوالهم وخوارقهم‪ ،‬وحّرضوا‬
‫‪ . (123)123‬مجموع الفتاوى ‪ = 475 ،11/474‬باختصار‬
‫‪ . (124)124‬الرد على المنطقيين ص ‪ ،425‬وانظر‪ :‬جامع‬
‫المسائل ‪5/166‬‬
‫‪ . (125)125‬انظر‪ :‬مجموع الفتاوى ‪11/446‬‬
‫‪ . (126)126‬مجموع الفتاوى ‪.11/448‬‬
‫‪ . (127)127‬مدارج السالكين ‪.2/345‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪46‬‬
‫وتعليق‬
‫المراء عليه‪ ،‬والكثير من الصوفية والفقهاء‬
‫مع أولئك الحمدية‪ ،‬بل إن بعضهم طعن في‬
‫شيخ السلم لجل رده على الحمدية‪ ،‬فانتصر‬
‫له العلمة أحمد بن إبراهيم الواسطي )‪(128‬‬
‫ده على الطائفة الفلنية )‪(129‬‬ ‫قائ ً‬
‫ل‪" :‬أما ر ّ‬
‫رط التائه‪ ،‬الذي ل يدري ما يقول‪ ،‬أ‬ ‫مف ِ‬
‫أيها ال ُ‬
‫فيقوم دين محمد بن عبدالله الذي أنزل من‬
‫السماء‪ ،‬إل بالطعن على هؤلء؟ )‪ (130‬وكيف‬
‫يظهر الحق إن لم ُيخذل الباطل؟ ل يقول هذا‬
‫إل تائه‪ ،‬أو حاسد‪. (131) " .‬‬
‫‪ -3‬تبدو شجاعة ابن تيمية ظاهرة جلية‪،‬‬
‫فقد كان قوي القلب ثابت الفؤاد‪ ،‬فلم تفزعه‬
‫تلك الحوال والمخاريق‪ ،‬فتحدى الحمدية‪،‬‬
‫وعارضهم‪ ،‬في مستهل المناظرة‪ ،‬وقال‪ " :‬أنا‬
‫معارض لكم مانع لكم ؛ لنكم تقصدون بذلك‬
‫إبطال شريعة رسول الله ‪ ،‬فإن كان لكم‬
‫قدرة على إظهار ذلك فافعلوا‪ .‬فانقلبو‬
‫صاغرين )‪" (132‬‬
‫وصاح بهم في آخرها – قائ ً‬
‫ل‪" :‬يا شبه‬
‫الرافضة يا بيت الكذب‪ ..‬أنا كافر بكم‬

‫‪ . (128)128‬وهو المعروف بابن شيخ الحّزامين‪،‬كان شافعي‬


‫المذهب صوفي المسلك‪ ،‬فلما قدم الشام تتلمذ على يد ابن‬
‫تيمية فانتقل إلى مذهب أحمد وترك التصوف‪ ،‬له مؤلفات‪،‬‬
‫توفي سنة ‪711‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬الدرر الكامنة ‪ ،1/91‬وشذرات‬
‫الذهب ‪.6/24‬‬
‫‪ .(129)129‬يعنى‪ :‬الحمدية‪ ،‬كما صّرح بذلك في كلم سابق‪،‬‬
‫انظر الجامع لسيرة ابن تيمية ص ‪.75‬‬
‫ً‬
‫‪ . (130)130‬كان العلمة الواسطي عارفا بهم‪ ،‬فقد كان أبوه‬
‫شيخ الحمدية‪ ،‬ونشأ بينهم‪ .‬انظر‪ :‬شذرات الذهب ‪.24 /6‬‬
‫‪ . (131)131‬الجامع سيرة ابن تيمية ص ‪.76‬‬
‫‪ . (132)132‬مجموع الفتاوى ‪448 /11‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪47‬‬
‫وتعليق‬
‫وبأحوالكم‪ ،‬فكيدوني جميعا ً ثم ل تنظرون"‬
‫)‪. (133‬‬
‫ولقد اعترف خصومه بشجاعته‪ ،‬فقالوا عنه‪:‬‬
‫صم‪ ،‬وماله قلوب يفزع‬ ‫"هذا رجل محجاج خ ِ‬
‫من الملوك‪ ،‬وقد اجتمع بقازان ملك التتر‬
‫وكبار دولته‪ ،‬وما خافهم )‪.(134‬‬
‫وكثيرا ً ما يقرر شيخ السلم أن صلح بني‬
‫آدم ل يتم في دينهم ودنياهم إل بالشجاعة‬
‫والكرم )‪ ،(135‬وكان يقول أيضًا‪ " :‬فل تتم‬
‫رعاية الخلق وسياستهم إل بالجود الذي هو‬
‫العطاء‪ ،‬والنجدة التي هي الشجاعة‪ ،‬بل ل‬
‫يصلح الدين والدنيا إل بذلك " )‪.(136‬‬
‫كد ابن تيمية ‪ -‬في غير موضع ‪ -‬على‬ ‫‪ -4‬أ ّ‬
‫ذر من البدع‬ ‫أصل التباع لرسول الله ‪ ،‬وح ّ‬
‫والمحدثات‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬تطويق أغلل الحديد‬
‫في أعناقهم على سبيل التعبد‪ ،‬فل يصح‬
‫التقّرب بذلك إلى الله تعالى‪ ،‬لن عبادة بما لم‬
‫يشرعه ضللة )‪.(137‬‬
‫يقول شيخ السلم ‪ -‬في هذا الشأن ‪" :-‬‬
‫فهذا أصل عظيم تجب معرفته والعتناء به‬
‫وهو أن المباحات إنما تكون مباحة إذا جعلت‬
‫مباحات‪ ،‬فأما إذا اتخذت واجبات أو مستحبات‬
‫كان ذلك دينا ً لم يشرعه الله‪ ،‬ولهذا عظم ذم‬
‫الله في القرآن لمن شرع دينا ً لم يأذن الله به‬
‫)‪." (138‬‬

‫مجموع الفتاوى ‪ = 475 ،11/474‬باختصار‬ ‫‪.‬‬ ‫‪(133)133‬‬


‫الجامع لسيرة ابن تيمية ص ‪92‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪(134)134‬‬
‫انظر‪ :‬الستقامة ‪269 /2‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪(135)135‬‬
‫مجموع الفتاوى ‪28/291‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪(136)136‬‬
‫انظر‪ :‬مجموع الفتاوى ‪11/450‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪(137)137‬‬
‫مجموع الفتاوى ‪ = 451 /11‬باختصار‬ ‫‪.‬‬ ‫‪(138)138‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪48‬‬
‫وتعليق‬
‫كما قرر – في ثنايا المناظرة – أن البدعة‬
‫شّر من المعصية‪ ،‬وساق أدلته على ذلك )‪.(139‬‬
‫‪ -5‬طلب الحمدية من شيخ السلم أن‬
‫يسّلم إليهم حالهم‪ ،‬فل يعارضهم ول ينكر‬
‫عليهم‪ ،140‬فامتنع عن ذلك‪ ،‬وأمرهم باتباع‬
‫الشريعة‪ ،‬وأما مسألة فلن يسّلم إليه حاله‪ ،‬أو‬
‫ل يسّلم إليه حاله‪ ،‬فمن المسائل التي تنازع‬
‫الناس فيها بين إفراط وتفريط‪.‬‬
‫وقد حقق شيخ السلم هذه المسألة في‬
‫أحد أجوبته‪ ،‬وبّين أن قولهم‪ :‬يسّلم له حاله‪،‬‬
‫له معنى سائغ إذا أريد به رفع اللوم عن‬
‫صاحب الحال‪ ،‬فل يؤّثم ول يعاقب‪ ،‬وإن أريد‬
‫بتسليم حاله أن يكون صنيعه صوابا ً أو صحيحًا‪،‬‬
‫فل يجوز‪ ،‬ول يسّلم حاله بهذا المعنى )‪.(141‬‬
‫‪ – 6‬تمّيز شيخ السلم بالثقة بالله تعالى‬
‫وحسن الظن به عز وجل‪ ،‬كما هو بّين في‬
‫مناظراته وتقريراته‪ ،‬فإن الحمدية لما‬
‫اجتمعوا تجمع الحزاب‪ ،‬وتكالبوا تكالب‬
‫العداء‪ ،‬وأظهروا خوارقهم‪ ،‬وطالبوا بحضور‬
‫ابن تيمية‪ ،‬قال حينئذ‪" :‬فلما علمت ذلك‪ ،‬ألقى‬
‫في قلبي أن ذلك لمر يريده الله من إظهار‬
‫الدين‪ ،‬وكشف حال أهل النفاق المبتدعين"‬
‫)‪.(142‬‬
‫وقرر هذا المعني في أكثر من موضع‪ ،‬ومن‬
‫ذلك قوله‪ " :‬ومن أعظم أسباب ظهور اليمان‬
‫والدين‪ ،‬وبيان حقيقة أنباء المرسلين‪ :‬ظهور‬
‫المعارضين لهم من أهل الفك المبين‪ ..‬وذلك‬

‫انظر‪ :‬مجموع الفتاوى ‪472 /11‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪(139)139‬‬


‫انظر‪ :‬مجموع الفتاوى ‪465 ،454 /11‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪(140)140‬‬
‫انظر‪ :‬مجموع الفتاوى ‪.386 – 378 /10‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪(141)141‬‬
‫مجموع الفتاوى ‪454 /11‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪(142)142‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪49‬‬
‫وتعليق‬
‫أن الحق إذا جحد وعورض بالشبهات‪ ،‬أقام‬
‫الله تعالى له مما يحق به الحق‪ ،‬ويبطل به‬
‫الباطل من اليات والبينات بما يظهره من‬
‫أدلة الحق و براهنيه الواضحة‪ ،‬وفساد ما‬
‫عارضه من الحجج الداحضة " )‪.(143‬‬
‫‪ -7‬لما أبطل شيخ السلم أحوالهم‪ ،‬وبّين‬
‫مخالفتهم الشرع المنـّزل‪ ،‬احتجوا بالقدر‬
‫قائلين‪:‬‬
‫" ما في السموات و الرض حركة إل‬
‫بمشيئته "‪ ،‬فأجابهم بقوله‪ " :‬هذا من باب‬
‫القدر‪ ،‬وهكذا كل ما في العالم من كفر‬
‫وفسق هو بمشيئته‪ ،‬وليس ذلك بحجة لحد‬
‫في فعله‪ ،‬بل ذلك مما زّينه الشيطان وسخطه‬
‫الرحمن " )‪.(144‬‬
‫وقد ساق شيخ السلم جوابا ً آخر على‬
‫المحتجين بالقدر في فعل المصايب‪ ،‬كما جاء‬
‫في مناظرته التي حكاها ابن القيم بقوله‪:‬‬
‫"وسمعت شيخ السلم ابن تيمية –رحمه الله‬
‫ت بعض الباحية‪ ،‬فقال لي‪ :‬المحبة‬ ‫– يقول‪ :‬لم ُ‬
‫نار في القلب‪ ،‬تحرق ما سوى مراد المحبوب‪،‬‬
‫والكون كله مراده فأي شيء أبغض فيه؟ قال‬
‫الشيخ‪ :‬فقلت له‪ :‬إذا كان المحبوب قد أبغض‬
‫ل‪ ،‬وأقوامًا‪ ،‬وعاداهم فطردهم‬ ‫أفعال ً و أقوا ً‬
‫ولعنهم‪ ،‬فأحببتهم‪ ،‬تكون مواليا ً للمحبوب أو‬
‫معاديا ً له؟ قال‪ :‬فكأنما ألقم حجرًا‪ ،‬وافتضح‬
‫بين أصحابه‪ ،‬وكان مقدما ً فيهم مشارا ً إليه "‬
‫)‪. (145‬‬
‫‪ . (143)143‬الجواب الصحيح ‪ = 14 ،13 /1‬باختصار‪ ،‬وانظر‪:‬‬
‫مجموع الفتاوى ‪59 - 57 /28‬‬
‫‪ . (144)144‬مجموع الفتاوى ‪470 /11‬‬
‫‪ . (145)145‬مدارج السالكين ‪ ،3/14‬وانظر‪ :‬مجموع الفتاوى ‪/10‬‬
‫‪ ،210‬وطريق الهجرتين ص ‪303‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪50‬‬
‫وتعليق‬
‫‪ -5‬مناظرات ابن تيمية للرافضة‪:‬‬
‫مع أن شيخ السلم أخبر بوقوع مناظرات‬
‫ومفاوضات مع الرافضة يطول وصفها‪ ،‬إل أنه‬
‫لم يتيسر الوقوف إل على هاتين المناظرتين‪:‬‬
‫المناظرة الولى‪ :‬جادل ابن تيمية أحد‬
‫شيوخ الرافضة‪ ،‬وكان الجدل والبحث في‬
‫مسألة دعوى عصمة المام‪ ،‬وأن أمير‬
‫المؤمنين على بن أبي طالب ‪ ‬معصوم من‬
‫جه شيخ السلم في أن‬ ‫الصغائر والكبائر فحا ّ‬
‫العصمة لم تثبت إل للنبياء عليهم السلم‪،‬‬
‫وأن عليا ً وعبدالله بن مسعود رضي الله‬
‫عنهما اختلفا في مسائل وقعت‪ ،‬وأن تلك‬
‫وب فيها‬ ‫عرضت على النبي ‪ ،‬فص ّ‬ ‫المسائل ُ‬
‫قول ابن مسعود ‪.( ) ‬‬
‫‪146‬‬

‫المناظرة الثانية‪ :‬ساق ابن تيمية مناظرته‬


‫لشيخ رافضي في إحدى مسائل المامة‬
‫فقال‪:‬‬
‫"ولقد طلب أكابر شيوخهم الفضلء أن‬
‫ت به‬ ‫يخلو بي‪ ،‬وأتكلم معه في ذلك‪ ،‬فخلو ُ‬
‫وقررت له ما يقولونه في هذا الباب‪،‬‬
‫كقولهم‪ :‬إن الله أمر العباد‪ ،‬ونهاهم‪ ،‬فيجب‬
‫أن يفعل بهم اللطف الذي يكونون عنده أقرب‬
‫إلى فعل الواجب وترك القبيح‪ ..‬وهذا أخذوه‬
‫من المعتـزلة‪.‬‬
‫ثم قالوا‪ :‬والمام لطف؛ لن الناس إذا كان‬
‫لهم إمام يأمرهم بالواجب وينهاهم عن‬
‫القبيح‪ ،‬كانوا أقرب إلى فعل المأمور‪ ،‬وترك‬
‫المحظور‪ ،‬فيجب أن يكون لهم إمام‪ ،‬ولبد أن‬
‫يكون معصومًا‪ ،‬لنه إذا لم يكن معصوما ً لم‬

‫‪ . (146)146‬انظر‪ :‬العقود الدرية ص ‪ = 122‬باختصار‬


‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪51‬‬
‫وتعليق‬
‫يحصل به المقصود‪ ،‬ولم تدع العصمة لحد بعد‬
‫ي‪ ،‬فتعّين أن يكون هو إياه‬ ‫النبي ‪ ‬إل لعل ّ‬
‫للجماع على انتفاء ما سواه‪ ،‬وبسطت له‬
‫العبارة في هذه المعاني‪.‬‬
‫ص على الحسن‪ ،‬والحسن‬ ‫ين ّ‬‫ثم قالوا‪ :‬وعل ّ‬
‫على الحسين‪ ،‬إلى أن انتهت النوبة إلى‬
‫المنتظر محمد بن الحسن فاعترف بأن هذا‬
‫تقرير مذهبهم على غاية الكمال‪.‬‬
‫قلت له‪ :‬فأنا وأنت طالبان للعلم والحق‪،‬‬
‫وهم يقولون‪ :‬من لم يؤمن بالمنتظر فهو‬
‫كافر‪ ،‬فهذا المنتظر هل رأيته؟ أو رأيت من‬
‫رآه؟ أو تعرف شيئا ً من كلمه الذي قاله هو؟‬
‫أو ما أمر به أو ما نهى عنه مأخوذا ً كما يؤخذ‬
‫عن الئمة؟‪.‬‬
‫قال‪ :‬ل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فأي فائدة في إيماننا هذا؟ وأي‬
‫لطف يحصل لنا بهذا؟ ثم كيف يجوز أن يكلفنا‬
‫الله بطاعة شخص‪ ،‬ونحن ل نعلم ما يأمرنا به‪،‬‬
‫ول ما ينهانا عنه‪ ،‬ول طريق لنا إلى معرفة‬
‫ذلك بوجه من الوجوه؟ وهم من أشد الناس‬
‫إنكارا ً لتكليف ما ل يطاق‪ ،‬فهل يكون في‬
‫تكليف ما ل يطاق أبلغ من هذا؟ )‪" (147‬‬
‫وبالنظر إلى هاتين المناظرتين وما يحتف‬
‫بهما‪ ،‬نسوق الجمل التية‪:‬‬
‫‪ -1‬المامة أهم أصول الرافضة " فهي‬
‫الصل الذي تدور عليه أحاديثهم‪ ،‬وترجع إليه‬
‫عقائدهم‪ ،‬وتلمس أثره في فقههم وأصولهم‪،‬‬
‫وتفاسيرهم وسائر علومهم " )‪. (148‬‬
‫‪ . (147)147‬منهاج السنة النبوبة ‪ = 103-1/101‬باختصار‪،‬‬
‫وانظر‪ :‬التسعينية ‪.628 /2‬‬
‫‪ . (148)148‬أصول مذهب الشيعة للقفاري ‪2/653‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪52‬‬
‫وتعليق‬
‫والمامة مما شذّ به الرافضة عن سائر‬
‫الطوائف‪ ،‬ولذا قال شيخ السلم‪" :‬خاصة‬
‫مذهب الرافضة المامية من الثني عشرية‬
‫ونحوهم هو إثبات المام المعصوم‪ ،‬وادعاء‬
‫ي بالنص عليه‪،‬‬ ‫ثبوت إمام عل ّ‬
‫ثم على غيره واحدا ً بعد واحد " )‪. (149‬‬
‫وأما أصولهم الخرى كالتوحيد والعدل‬
‫والنبوة‪ ،‬فيشتركون مع سائر أهل الهواء‪.‬‬
‫فل عجب أن يعنى شيخ السلم بنقض أصل‬
‫المامة‪ ،‬وبيان ما يحويه من فساد )‪،(150‬‬
‫كدعواهم بالنص على الئمة الثنى عشر‪،‬‬
‫وعصمتهم‪ ،‬وأن المام المنتظر لطف من‬
‫الله‪ ،‬فإنه إذا انتقض هذا الصل‪ ،‬انتقض ما‬
‫يبنى عليه من عقائدهم و آرائهم‪.‬‬
‫‪ -2‬لم يكتف شيخ السلم بمناظرة‬
‫الرافضة ومجادلتهم‪ ،‬بل جاهدهم بالسنان‪،‬‬
‫وغزاهم في عقر دارهم‪ ،‬وذلك لما عليه‬
‫الرافضة من الضلل الشنيع‪ ،‬والمكر الكّبار‬
‫لهل السلم‪.‬‬
‫كما قال عنهم‪" :‬فلينظر كل عاقل فيما‬
‫يحدث في زمانه‪ ،‬وما يقرب من زمانه من‬
‫الفتن والشرور والفساد في السلم‪ ،‬فإنه‬
‫قبل الرافضة‪ ،‬وتجدهم‬ ‫يجد معظم ذلك من ِ‬
‫من أعظم الناس فتنا ً وشرًا‪ ،‬وأنهم ل يقعدون‬
‫ما يمكنهم من الفتن والشر وإيقاع الفساد‬ ‫ع ّ‬
‫بين المة " )‪.(151‬‬
‫وتحدث عن نصرتهم لعداء الله تعالى‬

‫‪ . (149)149‬التسعينية ‪625 /2‬‬


‫‪ . (150)150‬انظر‪ :‬منهاج السنة النبوة‪،487 ،3/378 ،100 /1 :‬‬
‫‪.442- 6/384 ،5/163‬‬
‫‪ . (151)151‬منهاج السنة النبوية ‪372 /6‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪53‬‬
‫وتعليق‬
‫فقال‪" :‬ولهذا الرافضة يوالون أعداء الدين‪،‬‬
‫الذين يعرف كل أحد معاداتهم‪ ،‬من اليهود‬
‫والنصارى والمشركين‪ ،‬ويعادون أولياء الله‬
‫الذين هم خيار أهل الدين‪ ،‬وسادات المتقين‪،‬‬
‫ولهذا كان الرافضة من أعظم السباب في‬
‫دخول الترك الكفار إلى بلد السلم‪ ..‬وهم‬
‫كانوا أعظم السباب في استيلء النصارى‬
‫قديما ً عل بيت المقدس )‪"..(152‬‬
‫لقد أفتى شيخ السلم بغزوهم‪ ،‬ودعاهم‬
‫إلى اللتزام بشرع الله تعالى‪ ،‬وذلك سنة‬
‫‪699‬هـ )‪ ،(153‬حيث قال‪" :‬وقد علم أنه كان‬
‫بساحل الشام جبل كبير )‪ ،(154‬فيه ألوف‬
‫الرافضة يسفكون دماء الناس‪ ،‬ويأخذون‬
‫أموالهم‪ ،‬وقتلوا خلقا ً عظيمًا‪ ،‬وأخذوا أموالهم‬
‫وباعوا السرى للكفار النصارى‪ ..‬ومع هذا‬
‫فلما استشار بعض ولة المر في غزوهم‪،‬‬
‫وكتبت جوابا ً مبسوطا ً في غزوهم )‪.(155‬‬
‫وذهبنا إلى ناحيتهم وحضر عندي جماعة‬
‫منهم‪ ،‬وجرت بيني وبنيهم مناظرات‬
‫ومفاوضات يطول وصفها‪ ،‬فلما فتح‬
‫كن المسلمون‬ ‫المسلمون بلدهم )‪ ،(156‬وتـم ّ‬
‫منهم‪ ،‬نهيتهم عن قتلهم‪ ،‬وعن سبيهم‪،‬‬

‫‪ . (152)152‬منهاج السنة النبوية ‪ = 414 /7‬باختصار‬


‫‪ . (153)153‬انظر‪ :‬البداية لبن كثير ‪.14/12‬‬
‫‪ . (154)154‬وهو جبل كسروان‪ .‬انظر‪ :‬منهاج السنة النبوية ‪/6‬‬
‫‪ ،418‬العقود الدرية ص ‪.120‬‬
‫‪ . (155)155‬من مؤلفات ابن تيمية‪ :‬الرد على أهل كسروان‬
‫الرافضة في مجلدين‪ .‬انظر‪ :‬الجامع لسيرة ابن تيمية ص ‪232‬‬
‫‪ . (156)156‬انظر تفصيل ذلك في‪ :‬العقودية الدرية ص ‪- 120‬‬
‫‪ ،122‬والبداية لبن كثير ‪14/12‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪54‬‬
‫وتعليق‬
‫وأنزلناهم في بلد المسلمين متفرقين لئل‬
‫يجتمعوا" )‪. (157‬‬
‫‪ -3‬مع أن الرافضة أرباب بدع مغلظة‬
‫وزندقة مكشوفة " فليس في جميع الطوائف‬
‫المنتسبين إلى السلم مع بدعة وضللة شّر‬
‫منهم‪ ،‬ل أجهل ول أكذب ول أظلم ول أقرب‬
‫إلى الكفر والفسوق والعصيان‪ ،‬وأبعد عن‬
‫حقائق اليمان منهم " )‪. (158‬‬
‫ومع كيدهم وبغيهم على أهل السنة‪ ،‬إل أن‬
‫أهل السنة عاملوهم بكل عدل وإنصاف‪ ،‬كما‬
‫حققه شيخ السلم في غزوه لهم‪ ،‬حيث نهى‬
‫عن قتلهم وسبيهم بعد أن تمكن منهم‪ ،‬مع‬
‫أنهم قتلوا المسلمين وسبوهم ‪.‬‬
‫وقد اعترف الرافضة بهذا العدل‪ ،‬شهدوا أن‬
‫أهل السنة ينصفونهم ما ل ينصفهم سائر‬
‫إخوانهم الرافضة‪ ،‬وكما حكاه شيخ السلم‬
‫ل‪ " :‬فأهل السنة يستعملون معهم العدل‬ ‫قائ ً‬
‫والنصاف‪ ،‬ول يظلمونهم‪ ،‬فإن الظلم حرام‬
‫مطلقًا‪ ،‬بل أهل السنة لكل طائفة من هؤلء‬
‫)‪ (159‬خير من بعضهم لبعض‪ ،‬بل هم للرافضة‬
‫خير وأعدل من بعض الرافضة لبعض‪.‬‬
‫وهذا مما يعترفون هم به‪ ،‬ويقولون‪ :‬أنتم‬
‫تنصفوننا ما ل ينصف بعضنا بعضًا‪(160) .‬‬
‫ويقول ‪ -‬في موضع آخر ‪ " :-‬فما من طائفة‬
‫من طوائف أهل السنة على ‪ -‬تنوعهم ‪ -‬إل إذا‬
‫اعتبرتها وجدتها أعلم وأعدل‪ ،‬وأبعد عن‬
‫الجهل والظلم من طائفة الرافضة‪.‬‬
‫‪ . (157)157‬منهاج السنة النبوية ‪ ،160 - 158 /5‬وانظر‪ :‬منهاج‬
‫السنة النبوية ‪ ،367 /3‬ومجموع الفتاوى ‪.474 /11‬‬
‫‪ . (158)158‬منهاج السنة النبوية ‪.160 /5‬‬
‫‪ . (159)159‬المراد بهؤلء‪ :‬أهل الهواء‪.‬‬
‫‪ . (160)160‬منهاج السنة النبوية ‪.157 /5‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪55‬‬
‫وتعليق‬
‫وهذا أمر يشهد به العيان والسماع‪ ،‬لمن له‬
‫اعتبار ونظر‪ ،‬ول يوجد في جميع الطوائف ل‬
‫أكذب منهم‪ ،‬ول أظلم منهم‪ ،‬وشيوخهم‬
‫يقرون بألسنتهم يقولون‪ :‬يا أهل السنة أنتم‬
‫فّتوة‪ ،‬لو قدرنا عليكم لما عاملناكم بما‬ ‫فيكم ُ‬
‫تعاملونا به عند القدرة علينا‪(161) ".‬‬
‫‪ -4‬نلمس ‪ -‬في المناظرة الثانية ‪ -‬ما عليه‬
‫شيخ السلم من تحقيق لداب المناظرة‪ ،‬فقد‬
‫أحسن التعامل مع مخالفه‪ ،‬وتّرفق به‪،‬‬
‫فوصفه بأنه من فضلء شيوخهم‪ ،‬وأجاب طلبه‬
‫في الخلوة والكلم معه في مسألة المامة‪،‬‬
‫كما بّين شيخ السلم مذهب الرافضة بكل‬
‫إنصاف‪ ،‬حتى أقّر الرافضي بأن هذا البيان‬
‫على غاية الكمال‪ ،‬وكان ابن تيمية في غاية‬
‫التجرد للحق‪ ،‬والنصح لمخالفه‪ ،‬حيث قال‪:‬‬
‫"فأنا وأنت طالبان للعلم والحق "‬
‫فالباعث من تلك المناظرة المناصحة‬
‫والرحمة‪ ،‬ل المغالبة والظهور )‪.(162‬‬
‫‪ -5‬تمّيز شيخ السلم بقوة حجته‪ ،‬وبراعة‬
‫مناظرته‪ ،‬وتمام درايته بمذهب الرافضة‪ ،‬ول‬
‫غرو في تلك الدراية وهو القائل‪ " :‬أنا أعلم‬
‫كل بدعة حدثت في السلم‪ ،‬وأول من‬
‫ابتدعها‪ ،‬وما كان سبب ابتداعها" )‪. (163‬‬
‫لقد طالبهم في مناظرته الولى بالدليل‬
‫على دعواهم بعصمة الئمة‪ ،‬فالعصمة ل تثبت‬
‫إل للنبياء عليهم السلم‪ ،‬وكما قرر شيخ‬
‫السلم في أحد مؤلفاته أنه ل عبرة بكثرة‬

‫‪ . (161)161‬منهاج السنة النبوية ‪ ،121 /4‬وانظر‪.2/342 :‬‬


‫‪ . (162)162‬انظر‪ :‬الكلم عن مناظرة المناصحة والمغالبة في‬
‫كتاب البانة الكبرى لبن بطة )اليمان( ‪.2/548‬‬
‫‪ . (163)163‬مجموع الفتاوى ‪.84 /3‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪56‬‬
‫وتعليق‬
‫الدعاوى‪ ،‬وإنما العبرة بقوة الدلة وتعددها‬
‫دق عن معصوم‪،‬‬ ‫)‪ ،(164‬والعلم إما نقل مص ّ‬
‫وإما قول عليه دليل معلوم )‪.(165‬‬
‫وكما جاء في قواعد المناظرات‪ :‬إن كنت‬
‫ناقل ً فالصحة‪ ،‬أو مدعيا ً فالدليل )‪.(166‬‬
‫كما كشف عن تناقضهم ‪ -‬في المناظرة‬
‫الثانية ‪ -‬فاليمان بالمام الغائب ل يتحقق به‬
‫لطف‪ ،‬بل هو تكليف بما ل يطاق‪ ،‬فإثباتهم‬
‫المام الغائب وأنه لطف من الله‪ ،‬يبطله‬
‫نفيهم بتكليف ما ل يطاق‪ ،‬فأظهر شيخ‬
‫السلم أن أقوالهم ينقض بعضها بعضًا‪.‬‬
‫وصدق – رحمه الله – إذ يقول‪" :‬ما أعلم‬
‫أحد من الخارجين عن الكتاب والسنة إل ولبد‬
‫أن يتناقض‪(167) " ..‬‬
‫‪ -6‬مناظرات ابن تيمية لنفاة الصفات‪:‬‬
‫من المعلوم أن مسائل السماء والصفات‬
‫من أهم المسائل التي اشتغل ابن تيمية‬
‫بتقريرها‪ ،‬والرد على المخالفين‪ ،‬فقد س ّ‬
‫طر‬
‫المصنفات العديدة في هذا الباب‪ ،‬كما كانت‬
‫سيرته حافلة بمناظرات لنفاة الصفات‪ ،‬كما‬
‫في المثلة التية‪:‬‬
‫المناظرة الولى‪ :‬كان موضوع " الرسالة‬
‫المدنية" )‪ (168‬ومحتواها‪ :‬مناظرة ابن تيمية‬
‫لبعض الناس في مسألة تأويل الصفات‪،‬‬
‫وخلصة المناظرة‪ :‬أن شيخ السلم قرر‬
‫لمخالفه مذهب أهل السنة في مسألة‬
‫‪ . (164)164‬انظر‪ :‬تنبيه الرجل العاقل ‪.63 /1‬‬
‫‪ . (165)165‬انظر‪ :‬مجموع الفتاوى ‪.329 /13‬‬
‫‪ . (166)166‬انظر‪ :‬منهج الجدل والمناظرة ‪.687 /2‬‬
‫‪ . (167)167‬مجموع الفتاوى ‪ = 13/305‬باختصار‪.‬‬
‫‪ . (168)168‬طبعت "الرسالة المدنية " مفردة بتحقيق‪ :‬د‪ .‬الوليد‬
‫الفريان‪ ،‬وهي موجود ضمن مجموع الفتاوى ‪373 - 351 /6‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪57‬‬
‫وتعليق‬
‫الصفات‪ ،‬ومعنى قولهم‪ :‬ظاهر نصوص‬
‫الصفات مراد أو ليس مرادًا‪ ،‬وأن الظاهر مراد‬
‫إذا كان المقصود إثبات الصفات لله تعالى‪،‬‬
‫كما يليق بجلله وعظمته‪ ،‬فأقّر المناظر على‬
‫ذلك‪ ،‬ثم ساق ابن تيمية شروطا ً في صرف‬
‫نصوص الصفات عن ظاهرها‪ ،‬فل يجوز أن‬
‫يكون في نصوص الوحيين كلم يراد به خلف‬
‫صب دليل يمنع من حمله‬ ‫ظاهره‪ ،‬إل وقد ن ُ ِ‬
‫على ظاهره‪ ،‬حيث سّلم ذلك الرجل بهذا‬
‫التقرير‪ ،‬ثم ساق شيخ السلم صفة اليد لله‬
‫تعالى مثال ً وأنموذجا ً لذلك‪ ،‬وحكى تأويلت‬
‫المخالفين‪ ،‬واعترف الرجل بها‪ ،‬ثم أجاب شيخ‬
‫السلم عن تأويلتهم بحجج من القرآن‬
‫والسنة واللغة والعقل‪ ،‬ثم اعترض المخالف‬
‫بأن إضافة اليد لله كناقة الله وبيت الله‪،‬‬
‫فأجاب ابن تيمية عن العتراض‪ ،‬ثم ختم‬
‫مناظرته بإيراد أحاديث في إثبات صفة اليد‬
‫ل‪ " :‬هل‬‫لله تعالى‪ ،‬ثم خاطب مناظره قائ ً‬
‫ل؟ أو هي نصوص‬ ‫تقبل هذه الحاديث تأوي ً‬
‫قاطعة؟ وهذه أحاديث تلقتها المة بالقبول‬
‫والتصديق " )‪(169‬‬
‫"فأظهر الرجل التوبة‪ ،‬وتبّين له الحق "‬
‫)‪(170‬‬
‫المناظرة الثانية‪ :‬كتب شيخ السلم‬
‫مناظراته بشأن العقيدة الواسطية‪ ،‬ونظرا َ‬
‫لطولها فسنوردها بتصرف وإيجاز شديد على‬
‫النحو التي‪:‬‬

‫‪ . (169)169‬الرسالة المدنية ص ‪66‬‬


‫‪ . (170)170‬الرسالة المدنية‪ ،‬وانظر تفصيل المناظرة في‬
‫الرسالة المدنية ص ‪66- 28‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪58‬‬
‫وتعليق‬
‫جرت هذه المناظرات في ثلثة مجالس‬
‫سنة ‪705‬هـ )‪ ،(171‬حيث ُأحضرت العقيدة‬
‫الواسطية‪ ،‬وقرئت بتمامها على الحاضرين‬
‫)‪ ،(172‬وبين الشيخ سبب تأليفها‪ ،‬وأجاب عما‬
‫أورده الحاضرون من إشكالت واعتراضات‪.‬‬
‫وبّين أن هذه عقيدة السلف الصالح جميعًا‪،‬‬
‫فليس للمام أحمد اختصاص بها )‪ ،(173‬وأزال‬
‫شيخ السلم اللبس عند الحاضرين في مسألة‬
‫الحرف والصوف‪ ،‬والفرق بين تكلم الله‬
‫بصوت‪ ،‬وبين صوت العبد )‪ ،(174‬فأسكت بهذا‬
‫التفصيل طائفة من المعاندين المتجهمة‬
‫)‪.(175‬‬
‫ولما قرر ابن تيمية أن الكلم إنما يضاف‬
‫حقيقة إلى من قاله مبتدئًا‪ ،‬ل إلى من قاله‬
‫مبلغا ً مؤديًا‪ ،‬استحسن الحاضرون هذا الكلم‬
‫وعظموه‪ ،‬واعترفوا بزوال الشبهة عنهم‬
‫)‪.(176‬‬
‫ثم ساق مجموع اعتراضاتهم‪ ،‬وأجاب عنها‬
‫)‪.(177‬‬
‫وافتتح شيخ السلم المجلس الثاني بأهمية‬
‫الجماعة‪ ،‬والنهي عن الفرقة )‪ ،(178‬ثم قال‬
‫الشيخ المقدم من المعترضين‪" :‬ل ريب أن‬
‫المام أحمد إمام عظيم القدر‪ ،‬لكن قد انتسب‬
‫إليه أناس ابتدعوا أشياء" )‪. (179‬‬
‫انظر‪ :‬مجموع الفتاوى ‪.161 /3‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪(171)171‬‬
‫انظر‪ :‬مجموع الفتاوى ‪.164 /3‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪(172)172‬‬
‫انظر‪ :‬مجموع الفتاوى ‪.3/169‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪(173)173‬‬
‫انظر‪ :‬مجموع الفتاوى ‪.3/170‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪(174)174‬‬
‫انظر‪ :‬مجموع الفتاوى ‪.3/172‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪(175)175‬‬
‫انظر‪ :‬مجموع الفتاوى ‪.3/176‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪(176)176‬‬
‫انظر‪ :‬مجموع الفتاوى ‪.180-3/177‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪(177)177‬‬
‫انظر‪ :‬مجموع الفتاوى ‪.3/181‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪(178)178‬‬
‫مجموع الفتاوى ‪.184 /3‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪(179)179‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪59‬‬
‫وتعليق‬
‫فقال ابن تيمية‪" :‬أما هذا فحق‪ ،‬وليس هذا‬
‫من خصائص أحمد‪ ،‬بل ما من إمام إل وقد‬
‫انتسب إليه أقوام هو منهم بريئ " )‪.(180‬‬
‫دعاه‬ ‫ب عن أئمة الحنابلة‪ ،‬وبّين كذب ما ا ّ‬ ‫وذ ّ‬
‫كد أن هذه‬ ‫ابن الخطيب )‪ (181‬عنهم )‪ ،(182‬وأ ّ‬
‫العقيدة ل تختص بالمام أحمد‪ ،‬وإنما هذا‬
‫اعتقاد رسول الله ‪ ‬وسلف المة‪ ،‬وخاطب‬
‫أكابر الشافعية بأن ما قرره في هذه العقيدة‬
‫هو قول أئمة أصحاب الشافعي )‪.(183‬‬
‫ولما عزم بعضهم علــى الطعــن فــي حــديث‬
‫الوعال )‪ ،(184‬بادر ابن تيميــة بإثبــات الحــديث‬
‫وقبــوله‪ ،‬ولمــا أحضــر بعضــهم كتــاب الســماء‬
‫والصــفات للــبيهقي‪ ،‬وأن فيــه تأويــل الــوجه‪،‬‬
‫فعــاجله الشــيخ بــالجواب وبّيــن جــواز تأويــل‬
‫ول ِل ّـ ِ‬
‫ه‬ ‫الوجه بالجهة والقبلة في قوله تعالى‪َ  :‬‬
‫غرب َ َ‬
‫ه الّلــ ِ‬
‫ه‬ ‫ج ُ‬
‫و ْ‬
‫م َ‬ ‫وّلوا ْ َ‬
‫فث َ ّ‬ ‫ما ت ُ َ‬
‫فأي ْن َ َ‬ ‫وال ْ َ‬
‫م ْ ِ ُ‬ ‫رق ُ َ‬‫ش ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫م ْ‬
‫)البقرة‪ (115 :‬فل محذور فيه‪ ،‬وكما جــاء عــن‬
‫مجاهد والشافعي في تفسير الية‪ ،‬ولكن هذه‬
‫الية ليست من آيات الصفات )‪.(185‬‬

‫‪ . (180)180‬مجموع الفتاوى ‪3/185‬‬


‫‪ . (181)181‬ابن الخطيب هو الفخر الرازي‬
‫‪ . (182)182‬انظر‪ :‬مجموع الفتاوى ‪186-184 /3‬‬
‫‪ . 1839)183‬انظر‪ :‬مجموع الفتاوى ‪3/191‬‬
‫‪ . (184)184‬وهو حديث العباس بن عبدالمطلب ‪ ..‬ومنه " ثم‬
‫فوق السابعة بحر بين أسفله وأعله مثل ما بين سماء إلى‬
‫سماء‪ ،‬ثم فوق ذلك ثمانية أوعال‪ ،‬بين أظلفهم وركبهم مثل‬
‫ما بين سماء إلى سماء‪ ،‬ثم على ظهورهم العرش بين أسفله‬
‫وأعله مثل ما بين سماء إلى سماء‪ ،‬ثم الله تبارك وتعالى‬
‫فوق ذلك " أخرجه أبو داود ك السنة ح )‪ ،(4723‬والترمذي ك‬
‫سنه ابن تيمية في‬‫التفسير ح )‪ ،(3320‬وأحمد ‪ ،1/260‬وح ّ‬
‫مجموعة الفتاوى ‪ ،3/139‬وابن القيم في تهذيب سنن أبي‬
‫داود ‪.7/91‬‬
‫‪ . (185)185‬انظر‪ :‬مجموع الفتاوى ‪3/193‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪60‬‬
‫وتعليق‬
‫ونها‬‫هذه خلصة تلك المناظرة ) (‪ ،‬كما د ّ‬
‫‪186‬‬

‫شيخ السلم‪ ،‬كما حكيت المناظرة في مواضع‬


‫أخرى بشيء من الزيادات )‪.(187‬‬
‫ج( ومن مناظراته نفاة الصفات ما حكاه‬
‫ل‪ " :‬وقد ناظرت غير واحد من هؤلء من‬ ‫قائ ً‬
‫نفاة الصفات ومحّر فيها من شيعي ومعتزلي‬
‫وغيرهما‪ ،‬وذكرت لهم الشبهة التي تذكرها‬
‫نفاة الرؤية‪ ،‬فقلت هي كلها مبنية على‬
‫مقدمتين‪:‬‬
‫إحداهما‪ :‬أن الرؤية تستلزم كذا و كذا‬
‫كالمقابلة والتحيز وغيرهما‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أن هذه اللوازم منتفية عن الله‬
‫تعالى‪ ،‬فكل ما يذكره هؤلء فأحد المرين فيه‬
‫لزم‪ ،‬إما أن ل يكون لزما ً بل يمكن الرؤية مع‬
‫عدمه‪ ،‬وهذا المسلك سلكه الشعري وغيره‪،‬‬
‫لكن أكثر العقلء يقولون‪ :‬إن من ذلك ما هو‬
‫معلوم الفساد بالضرورة‪.‬‬
‫ل‪ ،‬فليس‬ ‫وإما أن يكون لزمًا‪ ،‬فل يكون محا ً‬
‫في العقل‪ ،‬ول في السمع ما يحيله‪ ،‬بل إذا‬
‫قدر أنه لزم للرؤية فهو حق ؛ لن الرؤية حق‪،‬‬ ‫ّ‬
‫قد علم ذلك بالضطرار عن خير البرية‪ ،‬أهل‬
‫العلم بالخبار النبوية )‪.(188‬‬
‫وحكى ‪ -‬في موطن آخر ‪ -‬مقالة نفاة‬
‫الرؤية‪ ،‬واحتجاجهم بانتفاء لزمها وهو الجهة‪،‬‬
‫صل )‪ ،(189‬ثم قال‪" :‬هذا مما‬ ‫وأتبعه بجواب مف ّ‬
‫خاطبت به غير واحد من الشيعة والمعتـزلة‪،‬‬
‫فنفعه الله به‪ ،‬وانكشف بسبب هذا التفصيل‬
‫‪ . (186)186‬انظر‪ :‬البداية لبن كثير ‪ ،14/36‬والعقود الدرية ص‬
‫‪164- 140‬‬
‫‪ . (187)187‬انظر‪ :‬مجموع الفتاوى ‪210-202 ،210 -194 /3‬‬
‫‪ . 1889)188‬السبعينية ص ‪ = 476‬باختصار يسير‬
‫‪ . (189)189‬منهاج السنة والنبوية ‪559 ،2/348‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪61‬‬
‫وتعليق‬
‫ما وقع في هذا المقام من الشتباه‬
‫والتعطيل‪. (190) " .‬‬
‫د ( ومن تلك المناظرات ما أورده بقوله‪:‬‬
‫سمع كلم ل‬ ‫" وقد يحكى عن بعضهم أن ُ‬
‫معنى له في نفس المر‪ ،‬كما حكى الرازي‬
‫من سماهم بحشوية‪ ،‬أنهم‬ ‫في "محصوله" ع ّ‬
‫قالوا‪ :‬يجوز أن يتكلم الله بكلم ول يعنى به‬
‫ل‪ ،‬بل لم‬‫شيئًا‪ ،‬لكن هذا القول ل أعرف به قائ ً‬
‫يقل هذا أحد من طوائف المسلمين‪.‬‬
‫ولهذا كنا مرة في مجلس‪ ،‬فجرت هذه‬
‫المسألة‪ ،‬فقلت‪ :‬هذا لم يقله أحد من طوائف‬
‫المسلمين‪ ،‬وإن كان أحد ذكره فليس فيما‬
‫ذكره حجة على إبطاله‪ ،‬فقال بعض الذابين‬
‫عنه‪ :‬هذا قالته الكرامية‪ ،‬فقلت‪ :‬هذا لم يقله‬
‫ل كّرامي ول غير كّرامي‪ ،‬ول أحد من أهل‬
‫المذاهب الربعة ول غيرهم‪ ،‬وبتقدير أن يكون‬
‫ل‪ ،‬فإنما احتج على فساده بأن هذا عبث‪،‬‬ ‫قو ً‬
‫والعبث على الله محال‪ ،‬وهذه الحجة فاسدة‬
‫على أصله‪ ،‬لن النـزاع إنما هو في الحروف‬
‫المؤلفة‪ ،‬هل يجوز أن ينـزل حروفا ً ل معنى‬
‫لها‪ ،‬والحروف عنده من المخلوقات‪ ،‬وعنده‬
‫يجوز أن يخلق الله كل شيء؛ لنه فعله ل‬
‫يتوقف على الحكمة والمصلحة‪ ،‬فليس فيما‬
‫ذكره حجة على بطلن هذا‪ ،‬وإنما النـزاع‬
‫المشهور‪ :‬هل يجوز أن ينـّزل الله تعالى ما ل‬
‫وز هذا في أحد‬ ‫ُيفهم معناه‪ ،‬والرازي ممن يج ّ‬
‫قوليه " )‪. (191‬‬
‫نخلص بعد هذا العرض الموجز إلى المور‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪ . (190)190‬منهاج السنة النبوية ‪349 /2‬‬
‫‪ . (191)191‬الصفدية ‪288 ،1/287‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪62‬‬
‫وتعليق‬
‫‪ -1‬نلحظ في المناظرة الولى أن شيخ‬
‫السلم اهتم بمسألة تأويل الصفات‪ ،‬والتي‬
‫ل السنة‪ ،‬وعلل ذلك‬ ‫خالف فيها الشاعرةُ أه َ‬
‫ل‪" :‬بأنها الم وسائر المسائل فرع عنها"‬ ‫قائ ً‬
‫)‪. (192‬‬
‫ومن المعلوم أن شيخ السلم يعني في‬
‫التقرير بالقواعد والصول‪ ،‬كما يعنى بها في‬
‫الردّ والمناقشة‪.‬‬
‫ولذا يقول‪ " :‬لبد أن يكون مع النسان‬
‫أصول كلية ترد إليها الجزئيات‪ ،‬ليتكلم بعلم‬
‫وعدل‪ ،‬ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت؟ وإل‬
‫فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات‪ ،‬وجهل‬
‫وظلم في الكليات‪ ،‬فيتولد فساد عظيم "‬
‫)‪.(193‬‬
‫كما نلحظ أن شيخ السلم – في تلك‬
‫المناظرة – كان يتدرج مع المخالف في تقرير‬
‫مذهب أهل السنة‪ ،‬ويورد ذلك مسألة تلو‬
‫مسألة‪ ،‬حتى سّلم المناظر‪ ،‬وأظهر التوبة‪.‬‬
‫وبرع أيضا ً في التطبيق لما يقرره ويحرره‪،‬‬
‫فما قرره من الشروط في صرف نصوص‬
‫الصفات عن ظاهرها‪ ،‬قد حققه عبر مثال‬
‫ظاهر‪ ،‬وأنموذج بّين‪.‬‬
‫‪ -2‬مع أن ابن تيمية عرض له في المناظرة‬
‫بشأن الواسطية ‪ -‬صنوف الذى والوشاية‪،‬‬
‫والكيد والكذب من قبل مخالفية‪ ،‬إل أنه‬
‫عاملهم بالرحمة‪ ،‬والعفو‪ ،‬والحسان )‪،(194‬‬

‫‪ . (192)192‬الرسالة المدنية ص ‪29‬‬


‫‪ . (193)193‬انظر‪ :‬مجموع الفتاوى ‪19/203‬‬
‫‪ . (194)194‬انظر‪ :‬مجموع الفتاوى ‪،169 ،164 ،162 ،161 /3‬‬
‫‪210‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪63‬‬
‫وتعليق‬
‫والسعي إلى الجتماع والنهي عن الفرقة –‬
‫كما جاء مبسوطا ً في ثنايا المناظرة‪.‬‬
‫ومن ذلك قوله – في المجلس الثاني من‬
‫المناظرة – " إن الله تعالى أمرنا بالجماعة‬
‫والئتلف‪ ،‬ونهانا عن الفرقة والختلف‪..‬‬
‫وربنا واحد‪ ،‬وكتابنا واحد‪ ،‬ونبينا واحد‪ ،‬أصول‬
‫الدين ل تحتمل التفرق والختلف‪ ،‬وأنا أقول‬
‫ما يوجب الجماعة بين المسلمين" )‪.(195‬‬
‫ويقول – في موضع آخر – " أنا كنت من‬
‫أعظم الناس تأليفا ً لقلوب المسلمين‪ ،‬وطلبا ً‬
‫لتفاق كلمتهم‪،‬واتباعا ً لما أمرنا به من‬
‫العتصام بحبل الله‪ ،‬وأزلت عامة ما كان في‬
‫النفوس من الوحشة" )‪. (196‬‬
‫‪ -3‬التـزام ابن تيمية في العقيدة‬
‫الواسطية بالدليل والثر‪ ،‬وقرر أن العتقاد‬
‫يؤخذ عن الله تعالى‪ ،‬ورسوله ‪ ،‬وما أجمع‬
‫عليه سلف المة )‪.(197‬‬
‫وقال ‪ -‬رحمه الله‪ " :-‬كل لفظ قلته فهو‬
‫مأثور عن النبي ‪. (198) " ‬‬
‫قافا ً على نصوص‬ ‫لقد كان شيخ السلم و ّ‬
‫الوحيين نفيا ً وإثباتًا‪ ،‬ومن ذلك قوله‪ ":‬إني‬
‫عدلت عن لفظ التأويل إلى لفظ التحريف‪،‬‬
‫لن التحريف اسم جاء في القرآن بذمه‪ ،‬وأنا‬
‫تحريت في هذه العقيدة اتباع الكتاب والسنة‪،‬‬
‫وفنفيت ما ذمه الله من التحريف )‪.(199‬‬
‫‪ . (195)195‬مجموع الفتاوى ‪ = 181،182 /3‬باختصار يسير‬
‫‪ . (196)196‬مجموع الفتاوى ‪3/227‬‬
‫‪ . (197)197‬انظر‪ :‬مجموع الفتاوى ‪.161 /3‬‬
‫‪ . (198)198‬مجموع الفتاوى ‪.3/179‬‬
‫‪ . (199)199‬في قوله‪" :‬ومن اليمان بالله‪ :‬اليمان بما وصف به‬
‫نفسه في كتابه‪ ،‬وبما وصفه به رسوله ‪ ،‬من غير تحريف‬
‫ول تعطيل‪ ،‬من غير تكييف ول تمثيل " انظر‪ :‬العقيدة‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪64‬‬
‫وتعليق‬
‫ت في النفــي التمثيــل‪ ،‬ولــم‬ ‫وقلت لهم ذكر ُ‬
‫أذكر التشبيه‪ ،‬لن التمثيل نفاه الله بنص كتابه‬
‫يءٌ ‪) ‬الشــورى‪:‬‬ ‫ه َ‬
‫شـ ْ‬ ‫حيث قــال‪  :‬ل َي ْـ َ‬
‫س كَ ِ‬
‫مث ْل ِـ ِ‬
‫‪.(11‬‬
‫وقلت‪ :‬من غير تكييف ول تمثيل‪ ،‬لن‬
‫التكييف مأثور نفيه عن السلف‪ ،‬وهو أيضا ً‬
‫منفي بالنص‪ ،‬فإن تأويل آيات الصفات يدخل‬
‫فيها حقيقة الموصوف‪ ،‬وحقيقة صفاته غير‬
‫معلومة )‪"..(200‬‬
‫‪ -4‬يبدو جليا ً من خلل المناظرة بشأن‬
‫الواسطية قوة حجة ابن تيمية‪ ،‬ورسوخ علمه‪،‬‬
‫وحدة فهمه‪ ،‬ودقة تحقيقه‪ ،‬ودرايته بالمقالت‬
‫والمذاهب‪ ،‬وحضور حجته‪ ،‬ومسارعته بإيراد‬
‫الجواب عن كل إشكال‪.‬‬
‫فالعقيدة الواسطية كتبها في قعدة بعد‬
‫العصر‪ ،‬ومع ذلك قال لمخالفيه‪" :‬كل من‬
‫خالفني في شيء مما كتبته فأنا أعلم بمذهبه‬
‫منه " )‪. (201‬‬
‫وقال أيضا‪ " :‬قد أمهلت كل من خالفني‬
‫في شيء منها ثلث سنين‪ ،‬فإن جاء بحرف‬
‫واحد عن أحد القرون الثلثة يخالف ما ذكرته‬
‫ي أن آتي بنقول جميع‬ ‫فأنا أرجع عن ذلك‪ ،‬وعل ّ‬
‫الطوائف – عن القرون الثلثة – توافق ما‬
‫ذكرته‪. (202) " ..‬‬

‫الواسطية ضمن مجموع الفتاوى ‪.3/129‬‬


‫‪ . (200)200‬مجموع الفتاوى ‪ = 196 ،195 /3‬باختصار‪.‬‬
‫‪ . (201)201‬مجموع الفتاوى ‪3/163‬‬
‫‪ . (202)202‬مجموع الفتاوى ‪3/169‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪65‬‬
‫وتعليق‬
‫كما ردّ على أولئك الشافعية الذي ناظروه‬
‫بكلم أئمتهم المقدمين )‪ ،(203‬وأنصف الحنابلة‬
‫بالرد على ما ادعاه الفخر الرازي " )‪. (204‬‬
‫ومع أن المجلس الول من المناظرة كان‬
‫ة لبن تيمية )‪ ،(205‬إل أن خيره عظيم كما‬ ‫بغت ً‬
‫قال – رحمه الله – " أظهر الله من قيام‬
‫الحجة‪ ،‬وبيان المحجة‪ ،‬ما أعز الله به السنة‬
‫والجماعة‪ ،‬وأرغم به أهل البدعة والضللة‪" .‬‬
‫)‪.(206‬‬
‫‪ – 5‬كان شيخ السلم مراعيا ً عوارض‬
‫ول ونحوهما – كما في‬ ‫الهلية – كالجهل والتأ ّ‬
‫حكاية مناظرة الواسطية‪ ،‬فلما اعترض‬
‫الخصوم بأن من خالف شيئا ً من عقيدة‬
‫الفرقة الناجية يلزم هلكه‪.‬‬
‫ل‪ " :‬ليس من خالف في شيء‬ ‫فأجاب قائ ً‬
‫من هذا العتقاد يجب أن يكون هالكًا‪ ،‬فإن‬
‫المنازع قد يكون مجتهدا ً مخطئا ً يغفر الله‬
‫خطأه‪ ،‬وقد ل يكون بلغه في ذلك من العلم ما‬
‫تقوم به عليه الحجة‪ ،‬وقد يكون له من‬
‫الحسنات ما يمحو الله به سيئاته" )‪.(207‬‬
‫ويقول ‪ -‬في موطن آخر ‪ " -‬كنت أقول‬
‫للجهمية من الحلولية والنفاة‪ ،‬والذين نفوا أن‬
‫الله تعالى فوق العرش‪ ،‬لما وقعت محنتهم‪،‬‬
‫أنا لو وافقتكم كنت كافرا ً ؛ لني أعلم أن‬
‫قولكم كفر‪ ،‬وأنتم عندي ل تكفرون؛ لنكم‬

‫انظر‪ :‬مجموع الفتاوى ‪150 ،3/172‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪(203)203‬‬


‫انظر‪ :‬مجموع الفتاوى ‪3/186‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪(204)204‬‬
‫انظر‪ :‬مجموع الفتاوى ‪3/181‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪(205)205‬‬
‫مجموع الفتاوى ‪3/180‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪(206)206‬‬
‫مجموع الفتاوى ‪ ،3/179‬وانظر‪231 ،3/230 :‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪(207)207‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪66‬‬
‫وتعليق‬
‫جهال‪ ،‬وكان هذا خطابا ً لعلمائهم وقضاتهم‬
‫وشيوخهم وأمرائهم‪.(208) " .‬‬
‫وبالجملة فإن المناظرة بشأن الواسطية‬
‫تستحق أن تفرد بمصّنف نظرا ً لطولها‪ ،‬ولما‬
‫تحويه من معالم مهمة‪ ،‬وفوائد جمة في‬
‫تقرير العتقاد‪ ،‬وشرح العقيدة الواسطية‪،‬‬
‫والردّ على المخالفين‪ ،‬وجوانب عملية‬
‫تطبيقية في المناظرات و آدابها‪.‬‬
‫خص ابن تيمية في المناظرة الثالثة‪:‬‬ ‫‪ -6‬ل ّ‬
‫شبهة نفاة الرؤية في مقدمتين‪ ،‬ثم نقضها‪،‬‬
‫وأشار إلى ثبوت الرؤية كما جاء في الثار‬
‫الصحيحة‪ ،‬فابتدأ بنقض الصل الفاسد‪ ،‬ثم‬
‫أتبعه بتقرير الحق‪ ،‬و علل ابن تيمية هذا‬
‫المسلك بقوله‪ " :‬فإن المبتدع الذي بنى‬
‫مذهبه على أصل فاسد‪ ،‬متى ذكرت له الحق‬
‫الذي عندك ابتداء أخذ يعارضك فيه‪ ،‬لما قام‬
‫في نفسه من الشبهة‪ ،‬فينبغي إذا كان‬
‫المناظر مدعيا ً أن الحق معه أن يبدأ بهدم ما‬
‫عنده‪ ،‬فإذا انكسر وطلب الحق فأعطه إياه‬
‫)‪"..(209‬‬
‫وساق ابن تيمية جواب الشاعرة عن شبهة‬
‫نفاة الرؤية‪ ،‬حيث أثبت الشاعرة الرؤية مع‬
‫نفي الجهة والمقابلة‪ ،‬وإن كان قول‬
‫الشاعرة بنفي الجهة فاسدا ً وممتنعًا‪ ،‬إل أن‬
‫مقالة المعتـزلة والشيعة بنفي الرؤية والجهة‬
‫أشد فسادا ً وأعظم امتناعا ً من جهة النقل‬
‫والعقل )‪.(210‬‬

‫‪ . (208)208‬الرد على البكري ص ‪.259‬‬


‫‪ . (209)209‬مجموع الفتاوى ‪17/159‬‬
‫‪ . (210)210‬انظر‪ :‬منهاج السنة النبوية ‪348-330 /2‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪67‬‬
‫وتعليق‬
‫والذي عليه أهل السنة أن تلك اللوازم –‬
‫كالجهة والمقابلة ونحوها – ليست ممتنعة‪،‬‬
‫فإذا كانت المقابلة لزمة للرؤية فهي حق‪،‬‬
‫فما كان حقا ً وصوابا ً فلزمه كذلك‪ ،‬لذا يقول‬
‫دعى‬‫دعى ثبوت الشيء فقد ا ّ‬ ‫ابن تيمية‪" :‬من ا ّ‬
‫ثبوت لوازمه‪ ،‬ولوازم لوازمه‪ ،‬وهلم جّرا ً‬
‫ضرورة عدم النفكاك عنه" )‪. (211‬‬
‫دعى أن‬ ‫‪ -7‬وأما عن مناظرته بشأن من ا ّ‬
‫الله يتكلم بكلم ل معنى له‪ ..‬فقد تميزت‬
‫بأجوبة مهمة‪ ،‬منها‪ :‬تقريره أن هذه المقولة‬
‫لم يقلها أحد من الطوائف ل حشوية ول‬
‫كرامية‪ ،‬ول غيرهما‪.‬‬
‫وهذا من درايته التامة بمقالت الفرق‪،‬‬
‫ودقته في نسبة القوال إلى أصحابها ) ( ‪.‬‬
‫‪212‬‬

‫ومن تلك الجوبة‪ :‬أنه لو فرض أنه قول‪،‬‬


‫فإنما احتج الرازي على فساده بأنه هذا عبث‪،‬‬
‫والعبث على الله محال‪ ،‬وهذه الحجة مردودة‬
‫على أصله لمرين‪ ،‬أحدهما‪ :‬أن النـزاع إنما هو‬
‫في الحروف‪ ،‬والحروف عند الرازي مخلوقة‪،‬‬
‫فل تقوم بها حجة‪.‬‬
‫وثانيها‪ :‬أنه يجوز عند الرازي أن يخلق الله‬
‫كل شيء‪ ،‬وأن ينـزل حروفا ً ل معنى لها‪ ،‬فل‬
‫يوصف الله – عنده – بالحكمة‪..‬‬

‫‪ . (211)211‬تنبيه الرجل العاقل ‪1/63‬‬


‫‪ . (212)212‬انظر‪ :‬موقف ابن تيمية من الشاعرة ‪322 /1‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪68‬‬
‫وتعليق‬

‫خــاتـــمـــة‬
‫نخلص في نهاية هذا البحث إلى النتائج‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪ -‬كثرة مناظرات ومخاطبات شيخ السلم‬
‫لهل الملل والنحل‪ ،‬ل سيما التحادية وأهل‬
‫وحدة الوجود‪ ،‬والرافضة‪ ،‬فقد جرى بينه‬
‫وبينهم مناظرات ومخاطبات يطول وصفها‪..‬‬
‫ومد تضمن هذا البحث سبع عشرة مناظرة‪،‬‬
‫فضل ً عن المناظرات والمخاطبات الواردة‬
‫في ثنايا التعليقات‪.‬‬
‫‪ -‬مشروعية المناظرة وضابطها‪ ،‬مع بيان‬
‫أحوال المناظرة المشروعية‪ ،‬وأن المناظرة‬
‫قد تكون ممنوعة إن كان المناظر ضعيف‬
‫العلم أو معاندًا‪.‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪69‬‬
‫وتعليق‬
‫‪ -‬ما تحلى به شيخ السلم في تلك‬
‫المناظرات ‪ -‬وكذا سائر مواقفه العلمية‬
‫والعملية ‪ -‬من عدل وإنصاف لمخالفيه‪ ،‬وكما‬
‫شهد بذلك خصومه‪ ،‬ولعل عدله كان سببا ً‬
‫في إفحام مخالفيه‪ ،‬واعترافهم بما معه من‬
‫الحق‪.‬‬
‫ويشهد لذلك قوله ‪ -‬رحمه الله ‪ " -‬إن‬
‫النسان إذا اتبع العدل ُنصر على خصمه‪ ،‬وإذا‬
‫خرج عنه طمع فيه خصمه" )‪.(213‬‬
‫وتحقيقا ً لكمال العدل فإن ابن تيمية يتنـزل‬
‫مع مناظريه – كما سبق في مناظرته للنصارى‬
‫والتحادية – وكان يقول‪" :‬التنـزل في‬
‫المناظرات من تمام النصاف‪ ،‬ومن الداعي‬
‫للنظر في الدلة والبراهين المرجحة‪ ،‬وفيه‬
‫دعوة لطيفة لهل النحراف‪ ،‬كما هو معروف‬
‫بالتأمل " )‪. (214‬‬
‫‪ -‬مع ما في هذه المناظرات من صدع بالحق‪،‬‬
‫وإزهاق للباطل‪ ،‬وفضح للمنافقين‪ ،‬ومباهلة‬
‫)‪ ،(215‬إل إنها ل تنفك عن رحمة بالمخالف‪،‬‬
‫ومحبة الخير لهم‪ ،‬والترفق بهم من أجل‬
‫هدايتهم‪ ،‬ومراعاة عوارض الهلية كالجهل‬
‫والتأويل ونحوهما‪.‬‬
‫‪ -‬أن ما يورده شيخ السلم من تقرير‬
‫وتأصيل ‪ -‬تبعه ‪ -‬في تلك المناظرات ‪-‬‬
‫بالتطبيق والتحقيق‪ ،‬فإذا كان بابن تيمية‬
‫‪ .(213)213‬الدرء ‪ ،8/409‬وانظر‪ :‬نقض التأسيس ‪348 - 2/344‬‬
‫‪ . (214)214‬طريق الوصول إلى العلم المأمول للسعدي ص‬
‫‪251‬‬
‫‪ . (215)215‬جرت مباهلة بين شيخ السلم وبين التحادية – كما‬
‫سبق ذكره – وانظر‪ :‬مجموع الفتاوى ‪ .4/82‬وعّرف ابن الثير‬
‫المباهلة بقوله‪" :‬الملعنة‪ ،‬وهو أن يجتمع القوم إذا اختلفوا‬
‫في شيء‪ ،‬فيقولوا لعنة الله على الظالم منا " النهاية ‪1/167‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪70‬‬
‫وتعليق‬
‫يقرر ‪ -‬مثل ً ‪ -‬أن أهل السنة يعلمون الحق‪،‬‬
‫ويرحمون الخلق‪ ،‬فقد حقق ذلك والتزمه في‬
‫تلك المناظرات‪ ،‬ولما ساق في مناظرته‬
‫المذكورة في الرسالة المدنية‪ ،‬شروط صرف‬
‫الكلم عن ظاهره‪ ،‬أتبعه بالمثال والتطبيق‪..‬‬
‫‪ -‬تمّيز شيخ السلم بقوة حجته‪ ،‬وظهور‬
‫أدلته‪ ،‬ووضوح براهنيه‪.‬‬
‫وكان يقول‪" :‬قد ل يتأتى في المناظرات‬
‫تفسير المجملت‪ ،‬خوفا ً من لدد الخصم‪،‬‬
‫فيؤتى بالواضحات )‪" (216‬‬
‫ومن ذلك نقضه لصول التحادية بالبرهان‪،‬‬
‫عند ما قرر أن المطلق في الذهان وليس في‬
‫العيان‪ ،‬فاعترف التحادية بأن هذا التقرير‬
‫يقلع أصولهم‪.‬‬
‫وكذا بيانه تناقض الرافضة عندما أوضح أن‬
‫إثباتهم المام الغائب‪ ،‬وأنه لطف من الله‬
‫تعالى ينقضه قولهم بنفي تكليف ما ل يطاق‪.‬‬
‫ومن قوة حجته‪ :‬قلب الدليل عليهم‪ ،‬فلما‬
‫احتج التحادية بحديث الرؤية‪ ،‬قرر ابن تيمية‬
‫أن هذا الحديث حجة عليهم من عدة وجوه‪،‬‬
‫ولما استدل القبوريون بأن الخيل تشفى عند‬
‫قبور العبيديين‪ ،‬قلب الدليل عليهم‪ ،‬وبّين أن‬
‫سبب شفاء الخيل ما تسمعه من العذاب الذي‬
‫يؤدي إلى فزع الخيل وإسهالها‪.‬‬
‫‪ -‬ما كان عليه شيخ السلم من حضور‬
‫الحجة‪ ،‬وسرعة البديهة‪ ،‬فمع أن جملة من‬
‫المناظرات يقع بغتة‪ ،‬إل أن حجته حاضرة‬
‫وظاهرة‪ ،‬فلم يناظر أحدا ً إل غلبه ‪ -‬كما قال‬
‫ابن الزمكاني ‪.-‬‬

‫‪ . (216)216‬مجموع الفتاوى ‪.18/140‬‬


‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪71‬‬
‫وتعليق‬
‫سر كتاب "لوح الصالة " لبن‬ ‫ومن ذلك أنه ف ّ‬
‫سبعين وبّين فساده‪ ،‬مع أنه لم يره من قبل‪،‬‬
‫ومع أن المجلس الول من المناظرة في شأن‬
‫" الواسطية " كان بغتة‪ ،‬إل أن الله تعالى‬
‫أظهر به قيام الحجة‪ ،‬وظهور السنة‪.‬‬
‫‪ -‬يقترن بتلك المناظرات جوانب عملية من‬
‫الحتساب‪ ،‬والمر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر‪ ،‬والستتابة‪ ،‬والتأديب‪.‬‬
‫هذا ما تيسر جمعه وبحثه وبالله التوفيق‪.‬‬

‫المراجع‬
‫)‪ (1‬إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان‪ ،‬لبن‬
‫القّيم‪ ،‬ت‪ :‬محمد عفيفي‪ ،‬ط ‪1407 ،1‬هـ‪،‬‬
‫المكتب السلمي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫)‪ (2‬أصول مذهب الشيعة المامية الثني‬
‫عشرية‪ ،‬لناصر القفاري‪ ،‬ط ‪1414 ،1‬هـ‪.‬‬
‫)‪ (3‬اقتضاء الصراط المستقيم‪ ،‬لبن تيمية‪ ،‬ت‪:‬‬
‫ناصر العقل‪ ،‬ط ‪1404 ،1‬هـ‪ ،‬مكتبة الرشد‪،‬‬
‫الرياض‪.‬‬
‫)‪ (4‬البانة عن شريعة الفرقة الناجية‪ ،‬لبن‬
‫بطة الحنبلي‪ ،‬ت‪ :‬رضا معطي‪ ،‬ط ‪1409 ،1‬هـ‪،‬‬
‫دار الراية‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫)‪ (5‬البداية والنهاية‪ ،‬لبن كثير‪ ،‬ط ‪1348 ،1‬هـ‪،‬‬
‫مطبعة كردستان‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫)‪ (6‬البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن‬
‫السابع‪ ،‬لمحمد بن علي الشوكاني‪ ،‬دار المعرفة‪،‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫)‪ (7‬بغية المرتاد في الردّ على المتفلسفة‬
‫والقرامطة والباطنية )السبعينية(‪ ،‬لبن تيمية‪،‬‬
‫ت‪ :‬موسى الدويش‪ ،‬ط ‪1408 ،1‬هـ‪ ،‬مكتبة‬
‫العلوم والحكم‪ ،‬المدينة‪.‬‬

‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪72‬‬
‫وتعليق‬
‫)‪ (8‬بيان تلبيس الجهمية أو نقض تأسيس‬
‫الجهمية‪ ،‬لبن تيمية‪ ،‬ت‪ :‬محمد القاسم‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪1392‬هـ‪ ،‬مطبعة الحكومة‪ ،‬مكة‪.‬‬
‫)‪ (9‬التدمرية‪ ،‬لبن تيمية‪ ،‬ت‪ :‬محمد السعوي‪،‬‬
‫ط ‪1405 ،1‬هـ‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫)‪ (10‬التسعينية‪ ،‬لبن تيمية‪ ،‬ت‪ :‬محمد العجلن‪،‬‬
‫ط ‪1420 ،1‬هـ‪ ،‬مكتبة المعارف‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫)‪ (11‬تنبيه الرجل العاقل على تمويه الجدل‬
‫والباطل‪ ،‬لبن تيمية‪ ،‬ط ‪1425 ،1‬هـ‪ ،‬دار عالم‬
‫الفوائد‪ ،‬مكة‪.‬‬
‫)‪ (12‬الجامع لسيرة ابن تيمية خلل سبعة‬
‫قرون‪ ،‬لمحمد عزيز شمس‪ ،‬وعلي العمران‪ ،‬ط‬
‫‪1420 ،1‬هـ‪ ،‬دار عالم الفوائد‪ ،‬مكة‪.‬‬
‫)‪ (13‬جامع الرسائل‪ ،‬لبن تيمية‪ ،‬ت‪ :‬محمد‬
‫رشاد سالم‪ ،‬ط ‪1405 ،2‬هـ‪ ،‬دار المدني‪ ،‬جدة‪.‬‬
‫)‪ (14‬جامع المسائل‪ ،‬لبن تيمية‪ ،‬ت‪ :‬محمد‬
‫عزيز شمس‪ ،‬ط ‪1422 ،1‬هـ‪ ،‬دار عالم الفوائد‪،‬‬
‫مكة‪.‬‬
‫دل دين المسيح‪،‬‬ ‫)‪ (15‬الجواب الصحيح لمن ب ّ‬
‫لبن تيمية‪ ،‬مطبعة المدني‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫ضد في طبقات متأخري‬ ‫)‪ (16‬الجوهر المن ّ‬
‫أصحاب أحمد‪ ،‬لبن عبدالهادي‪) ،‬ت ‪909‬هـ (‪ ،‬ت‪:‬‬
‫عبدالرحمن العثيمين‪ ،‬ط ‪1407 ،1‬هـ‪ ،‬مكتبة‬
‫الخانجي‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫)‪ (17‬درء تعارض العقل والنقل‪ ،‬لبن تيمية‪،‬‬
‫ت‪ :‬محمد رشاد سالم‪ ،‬ط ‪1399 ،1‬هـ‪ ،‬مطبوعات‬
‫جامعة المام محمد بن سعود‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫)‪ (18‬الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة‪،‬‬
‫لحمد بن حجر العسقلني‪ ،‬ت‪ :‬محمد جاد الحق‪،‬‬
‫دار الكتب الحديثة‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫)‪ (19‬الرد على البكري‪ ،‬لبن تيمية‪ ،‬ط ‪،2‬‬
‫‪1405‬هـ الدار العلمية‪ ،‬دلهي‪.‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪73‬‬
‫وتعليق‬
‫)‪ (20‬الرد على المنطقيين‪ ،‬لبن تيمية‪ ،‬ط ‪،2‬‬
‫‪1396‬هـ‪ ،‬إدارة ترجمان السنة‪ ،‬لهور‪ ،‬باكستان‪.‬‬
‫)‪ (21‬الرسالة المدنية‪ ،‬لبن تيمية‪ ،‬ت‪ :‬الوليد‬
‫الفريان‪ ،‬ط ‪1408 ،1‬هـ‪ ،‬دار طيبة‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫)‪ (22‬زاد المعاد في هدي خير العباد‪ ،‬لبن‬
‫القّيم‪ ،‬ت‪ :‬شعيب الرناؤوط و عبدالقادر‬
‫الرناؤوط‪ ،‬ط ‪1406 ،13‬هـ‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫)‪ (23‬الستقامة‪ ،‬لبن تيمية‪ ،‬ت‪ :‬محمد رشاد‬
‫سالم‪ ،‬ط ‪1411 ،2‬هـ‪ ،‬جامعة المام محمد بن‬
‫سعود‪.‬‬
‫)‪ (24‬سير أعلم النبلء‪ ،‬للذهبي‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪1409‬هـ‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫)‪ (25‬شذرات الذهب في أخبار من ذهب‪ ،‬لبن‬
‫العماد الحنبلي‪ ،‬ط ‪1399 ،1‬هـ‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫)‪ (26‬الصفدية‪ ،‬لبن تيمية‪ ،‬ت‪ :‬محمد رشاد‬
‫سالم‪ ،‬مكتبة ابن تيمية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫)‪ (27‬طبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬للسبكي‪ ،‬ت‪:‬‬
‫عبدالفتاح الحلو‪ ،‬و محمود الطناحي‪1964،‬م‪،‬‬
‫القاهرة ‪1392‬هـ‪ ،‬مطبعة الحكومة‪ ،‬مكة‬
‫)‪ (28‬طريق الوصول إلى العلم المأمول مختار‬
‫من كتب ابن تيمية‪ ،‬لعبدالرحمن السعدي‪،‬‬
‫المؤسسة السعدية‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫)‪ (29‬العقود الدرية‪ ،‬لبن عبدالهادي‪ ،‬مطبعة‬
‫المدني‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫)‪ (30‬الفتوى الحموية الكبرى‪ ،‬لبن تيمية‪ ،‬ت‪:‬‬
‫حمد التويجري‪ ،‬ط ‪1419 ،1‬هـ‪ ،‬دار الصميعي‪،‬‬
‫الرياض‪.‬‬
‫)‪ (31‬الفصل في الملل والهواء والنحل‪ ،‬لبن‬
‫حزم‪ ،‬ت‪ :‬محمد نصر وعبدالرحمن عميرة‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪1402‬هـ‪ ،‬شركة عكاظ‪ ،‬جدة‪.‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬
‫مناظرات ابن تيمية لهل الملل والنحل جمع‪74‬‬
‫وتعليق‬
‫)‪ (32‬مجموع الفتاوى‪ ،‬لبن تيمية‪ ،‬جمع‪:‬‬
‫عبدالرحمن بن قاسم‪ ،‬ط ‪1416‬هـ‪ ،‬مجمع الملك‬
‫فهد لطباعة المصحف الشريف‪ ،‬المدينة‪.‬‬
‫)‪ (33‬مدارج السالكين‪ ،‬لبن القيم‪ ،‬ت‪ :‬محمد‬
‫حامد الفقي‪1375 ،‬هـ‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫)‪ (34‬منهاج السنة النبوية في نقض كلم‬
‫الشيعة القدرية‪ ،‬لبن تيمية‪ ،‬ت‪ :‬محمد رشاد‬
‫سالم‪ ،‬ط جامعة المام محمد بن سعود‪،‬‬
‫الرياض‪1406 ،‬هـ‪.‬‬
‫)‪ (35‬منهج الجدل والمناظرة في تقرير مسائل‬
‫العتقاد‪ ،‬لعثمان علي حسن‪ ،‬ط ‪1420 1‬هـ‪ ،‬دار‬
‫إشبيليا‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫)‪ (36‬موقف ابن تيمية من الشاعرة‪،‬‬
‫لعبدالرحمن المحمود‪ ،‬ط ‪1415 ،1‬هـ‪ ،‬مكتبة‬
‫الرشد‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫)‪ (37‬النبوات‪ ،‬لبن تيمية‪ ،‬ت‪ :‬عبدالعزيز‬
‫الطويان‪ ،‬ط ‪1420 ،1‬هـ‪ ،‬مكتبة أضوء السلف‪،‬‬
‫الرياض‪.‬‬
‫)‪ (38‬النهاية في غريب الحديث‪ ،‬ابن الثير‪ ،‬ت‪:‬‬
‫الطاهر الزاوي‪ ،‬ومحمود الطناحي‪ ،‬المكتبة‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف‬

‫‪www.islamlight.net/alabdullatif‬‬

Vous aimerez peut-être aussi