Académique Documents
Professionnel Documents
Culture Documents
الفسق والنفاق
تأليف
فضيلة الشيخ الدكتور
عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف
جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ د.عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف
www.islamlight.net/alabdullatif
الفسق والنفاق
بسم الله الرحمن الرحيم
أول ً :الفسق
مقدمة
إن الحمد لله ،نحمده ،ونستعينه ،ونستغفره ،ونعوذ بالله من شرور
ل فل ل له ،ومن ُيضل ِ ْ مض ّ أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ،من يهده الله فل ُ
هاديَ له ،وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له ،وأشهد أن محمدا ً
عبده ورسوله .
أما بعد :
فتظهر أهمية دراسة موضوع ))الفسق(( عندما نعلم أن أول نزاع ظهر في
السلم كان في مسألة الفاسق الملي) ،(1فقد أحدث الخوارج القول
حدين وتخليدهم في النار ،وزعمت المرجئة أن أولئك عصاة المو ّ بتكفير ُ
الُعصاة كاملو اليمان ،وقالت المعتزلة بالمنزلة بين المنزلتين في الدنيا ،مع
الّتخليد في النار في الخرة.
وهدى الله أهل السنة لما اختلفوا فيه من الحقّ بإذنه ،فقالوا عن أولئك
الُعصاة :إنهم مؤمنون ،ناقصو اليمان ،أو مؤمنون بإيمانهم ،فاسقون
بمعاصيهم ،وأنهم تحت مشيئة الله في الخرة ،إن شاء عذبهم بعدله ،وإن
شاء غفر لهم برحمته.
ن الفسق من الوعيد الذي يترّتب عليه نتائج وتبعات ،كما قال ابن كما أ ّ
تيمية )) :اعلم أن مسائل التكفير والتفسيق هي من مسائل ))السماء
والحكام(( التي يتعّلق بها الوعد والوعيد في الدار الخرة ،وتتعلق بها
ذر النبي ـ صلى الله الموالة والمعاداة .(2)((...إضافة إلى ذلك فقد ح ّ
جة،
عليه وسلم ـ من الحكم بالفسق على شخص ما دون بينة ،وإقامة للح ّ
لَ)) :ل فَعن أ َبي ذ َر رضي الل ّه ع َن َ
قو ُ م يَ ُسل ّ َ
ه ع َل َي ْهِ وَ َصّلى الل ّ ُ ي َ معَ الن ّب ِ ّ
س ِه َ ه أن ّ ُُ ْ ُ ّ َ ِ َ َ ْ ِ
م ي َك ُ ْ
ن َ
نل ْ َ
ت ع َلي ْهِ إ ِ ْ ّ
فرِ إ ِل اْرت َد ّ ْ ْ
ميهِ ِبالك ُ ْ َ
ق وَل ي َْر ِ سو ِ
ف ُ ْ
جل ِبال ًُ ل َر ُ ج ٌ مي َر ُ ي َْر ِ
ك(( ).(3 ه ك َذ َل ِ َ حب ُ ُ
صا َِ
• يقول الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث :قوله )) :إل ارتدت
عليه (( ،يعني :رجعت عليه ،وهذا يقتضي أن من قال لخر :أنت
فاسق ،فإن كان ليس كما قال ،كان هو المستحق للوصف المذكور ،
وأنه إذا كان كما قال لم يرجع عليه شيء ،لكونه صدق فيما قال :
ولكن ل يلزم من كونه ل يصير بذلك فاسقا ً ،أن ل يكون آثما ً في
معنى الفسق
الفسق لغة :الخروج عن الشيء ،أو القصد ،وهو الخروج عن الطاعة .
والفسق :الفجور ،والعرب تقول :إذا خرجت الرطبة من قشرها :قد
فسقت الرطبة من قشرها .
ون على نفسه ،واتسعوفسق فلن في الدنيا فسقا ً :إذا اتسع فيها ،وه ّ
بركونها لها ،لم يضّيقها عليه .
سق .ف ْ
سق :دائم ال ِ ورجل فاسق ،وفسيق وفُ َ
والفويسقة الفأرة :تصغر فاسقة ،لخروجها من جحرها على الناس
وإفسادها ،والتفسيق ضد ّ الّتعديل ). (1
حا :فقد تنوعت عبارات العلماء في ذلك، وأما المقصود بالفسق اصطل ً
فنذكر منها ما يلي :
* يقول ابن عطية':الفسق في عرف الستعمال الشرعي :الخروج من
طاعة الله ـ عز وجل ـ فقد يقع على من خرج بكفر ،وعلى من خرج
بعصيان ((. 2
3
وكذا قال القرطبي
• قال ابن عباس – رضي الله عنهما )) : -كل شيء نسبه الله إلى غير
أهل السلم من اسم مثل خاسر ،ومسرف ،وظالم ،وفاسق ،فإنما
9
يعني به الكفر ،وما نسبه إلى أهل السلم فإنما يعني به ال ّ
ذنب ((
)) وقد روي عن ابن عباس وطاووس وعطاء وغير واحد من أهل العلم ،
قالوا :كفر دون كفر ،وفسوق دون فسوق (( .10
قال محمد بن نصر المروزي رحمه الله )) :والفسق فسقان :فسق ينقل
قا ،والفاسق من عن الملة ،وفسق ل ينقل عن الملة ،فيسمى الكافر فاس ً
قا(( .11
المسلمين فاس ً
ومثال الفسق العملي المخرج عن الملة :فسق إبليس ،حيث قال الله
دوا إ ِّل إ ِب ِْلي َ
س ج ُ م فَ َ
س َ دوا ِلد َ َ ج ُ
س ُ مَلئ ِك َةِ ا ْ ل )) : -وَإ ِذ ْ قُل َْنا ل ِل ْ َ تعالى – عّز وج ّ
َ َ َ
م
دوِني وَهُ ْ من ُ ه أوْل َِياء ِ ه وَذ ُّري ّت َ ُذون َ ُ مرِ َرب ّهِ أفَت َت ّ ِ
خ ُ نأ ْ سقَ ع َ ْ ف َ ن فَ َ ن ال ْ ِ
ج ّ م َ ن ِكا َ َ
ن ب َد َل ً (( ).الكهف . (50: مي َ ظال ِ ِس ِلل ّ م ع َد ُوّ ب ِئ ْ َ ل َك ُ ْ
ففسق إبليس إنما كان بتركه للسجود ،وامتناعه عن اتباع أمر ربه – عّز
16
ل – وهذا الّترك يعد ّ فعل ً وعمل ً – كما هو مقّرر في كتب الصول - وج ّ
• وفسق الكفر هو المذكور في غالب آيات القرآن الكريم ،وكما قال ابن
الوزير )) :قد ورد في السمع ما يدل على أن الفاسق في زمان النبي،
ن
صلى الله عليه وسلم ،يطلق على الكافر كثيًرا ،كقوله تعالى )) :إ ِ ّ
ن (( )التوبة . (67 : قو َ س ُ فا ِ م ال ْ َ
ن هُ ُ قي َمَنافِ ِال ْ ُ
ن
قو َ س ُفا ِ فُر ب َِها إ ِّل ال ْ َ
ما ي َك ْ ُ ت وَ َ ت ب َي َّنا ٍك آَيا ٍ قد ْ أ َن َْزل َْنا إ ِل َي ْ َ • وقوله تعالى )) :وَل َ َ
(( )البقرة . (99 :
-1212وهو قوله صلى الله عليه وسلم :اليمان بضع وستون شعبة أعلها قول ل إله إل
الله وأدناها إماطة الذى عن الطريق (( ..أخرجه البخاري ،كتاب اليمان ح ). (9
ومسلم ،كتاب اليمان ح). (35
-1313انظر :كتاب الصلة لبن القيم ص ). (58-53
-1414انظر :فتح القدير للشوكاني ) . (2/369
-1515فتح القدير ). (2/379
-1616انظر :روضة الناظر لبن قدامة ص ) ، (54وإرشاد الفحول للشوكاني ص )(52
.والقواعد الصولية لبن اللحام ص ) ، (62ويقول الشوكاني في تفسيره ): (2/158
)) وإطلق اسم الفسق على تارك ما فرضه الله عليه غير ممتنع شرعا ً (( .
جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ د.عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف
www.islamlight.net/alabdullatif
الفسق والنفاق
دوا َأن َ قوا فَ ْ َ
ما أَرا ُ م الّناُر ك ُل ّ َ مأَواهُ ُ َ س ُ ن فَ َ ذي َ ما ال ّ ِ • وقوله تعالى )) :وَأ ّ
ه
كنُتم ب ِ ِ ذي ُ ب الّنارِ ال ّ ِ ذا َ ذوُقوا ع َ َ م ُ ل ل َهُ ْ دوا ِفيَها وَِقي َ عي ُ من َْها أ ُ ِ جوا ِ خُر ُ يَ ْ
ن (( ) السجدة . (20 : ت ُك َذ ُّبو َ
وذكر آيات كثيرة ثم قال:
)) فهذه اليات دالة على أن الفاسق في العرف الول يطلق على الكافر،
17
ويسبق إلى الفهم (( .
وسنورد إضافة إلى ما سبق بعض الدلة كأمثلة على فسق الكفر .
وما ً كاُنوا قَ ْ م َ ل إ ِن ّهُ ْ من قَب ْ ُ ح ّ قال الله تعالى عن قوم نوح )) :وَقَوْ َ
م ُنو ٍ
ن (( )الذاريات . (46: قي َ س ِ َفا ِ
ن
م ْ ضاء ِ ج ب َي ْ َ خُر ْ ك تَ ْ جي ْب ِ َ ك ِفي َ ل ي َد َ َ خ ْ وقال تعالى عن فرعون وقومه )) :وَأ َد ْ ِ
ن (( قي َ س ِ وما ً َفا ِ كاُنوا قَ ْ م َ مهِ إ ِن ّهُ ْ ن وَقَوْ ِ ت إ َِلى فِْرع َوْ َ سِع آَيا ٍ سوٍء ِفي ت ِ ْ غ َي ْرِ ُ
)النمل . (12 :
ب إ ِّني ل َر ّ ل عن اليهود على لسان موسى عليه السلم َ)) :قا َ وقال عّز وج ّ
ل فَإ ِن َّها ن * َقا َ قوْم ِ ال ْ َ ن ال ْ َ َ ك إ ِل ّ ن َ ْ مل ِ ُ َ
قي َ س ِ فا ِ َ خي َفافُْرقْ ب َي ْن ََنا وَب َي ْ سي وَأ ِ ف ِ لأ ْ
قوْم ِ ال ْ َ س ع ََلى ال ْ َ ْ َ ة ع َل َيه َ
ن
قي َ س ِ فا ِ ض فَل َ ت َأ َ ن ِفي الْر ِ ة ي َِتيُهو َ سن َ ً ن َ م أْرب َِعي َ ِْ ْ م ٌ حّر َ م َ
ُ
(( ) المائدة . (26-25 :
م إ ِّل اب ْت َِغاء ها ع َل َي ْهِ ْ ما ك َت َب َْنا َ ها َ عو َ ة اب ْت َد َ ُ وقال سبحانه عن النصارى )) :وََرهَْبان ِي ّ ً
َ
م وَك َِثيٌر جَرهُ ْ مأ ْ من ْهُ ْ مُنوا ِ نآ َ ذي َ عاي َت َِها َفآت َي َْنا ال ّ ِ حقّ رِ َ ها َ ما َرع َوْ َ ن الل ّهِ فَ َ وا ِ ض َ رِ ْ
ن (( ) الحديد . (27 : قو َ س ُم َفا ِ من ْهُ ْ ّ
ً ً
وجاء في حديث لبن مسعود – رضي الله عنه – مرفوعا تفسيرا لهذه
ذبوا دقوا بي ،والفاسقون الذين ك ّ الية )) فالمؤمنون الذين آمنوا بي ،وص ّ
بي وجحدوا بي (( . 18
ف وَِإن ي َظ ْهَُروا ساقا ً ،فقال سبحانه )) :ك َي ْ َ مى الله تعالى المشركين ف ّ وس ّ
َ ْ َ
مم وَأك ْث َُرهُ ْ م وَت َأَبى قُُلوب ُهُ ْ واه ِهِ ْ كم ب ِأفْ َ ضون َ ُ ة ي ُْر ُ م ًم إ ِل ّ وَل َ ذ ِ ّ م ل َ ي َْرقُُبوا ْ ِفيك ُ ْ ع َل َي ْك ُ ْ
ن(( ) التوبة . (8 : قو َ س ُ َفا ِ
شرك فسقا ً ،فقال سبحانه : ص القرآني بتسمية بعض أفراد ال ّ وجاء ْالن ّ
سقٌ (( ) النعام . (121 : ف ْ ه لَ ِ م الل ّهِ ع َل َي ْهِ وَإ ِن ّ ُ س ُ م ي ُذ ْك َرِ ا ْ ما ل َ ْ م ّ ))وَل َ ت َأك ُُلوا ْ ِ
19
فقد حمل الشافعي – رحمه الله – ذلك على ما ذبح لغير الله
ُ م ال ْ ِ
ما أه ِ ّ
ل زيرِ وَ َ خن ْ ِ ح ُ م وَل َ ْ ة َوال ْد ّ ُ مي ْت َ ُ م ال ْ َ ت ع َل َي ْك ُ ُ م ْ حّر َ ل ُ )) : - وقال – عّز وج ّ
َ
ماسب ُعُ إ ِل ّ َ ل ال ّ ما أك َ َ ة وَ َ ح ُطي َ ة َوالن ّ ِ مت ََرد ّي َ ُ موُْقوذ َة ُ َوال ْ ُ ة َوال ْ َ ق ُ خن ِ َمن ْ َ ل ِغَي ْرِ الل ّهِ ب ِهِ َوال ْ ُ
فالفسق أعم من البدعة ،حيث ُيطلق الفسق على البدعة وغيرها؛ ولذا •
عا (( . 22
قال ابن الصلح)) كل مبتدع فاسق ،وليس كل فاسق مبتد ً
ويدل على ذلك ما ورد عن سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – من •
تسمية الخوارج فاسقين . 23
وكذا كان شعبة بن الحجاج رحمه الله يسميهم الفاسقين 24لن •
الخوارج خرجوا عن طريق الحق ،ومرقوا من الدين بشهادة رسول
الله صلى الله عليه وسلم كما خرجوا على خيار المسلمين .
وأما فسق العمل فأمثلته كثيرة :وإطلقاته متعددة ،كما جاء ذلك في
النصوص الشرعية ،وآثار أهل العلم ،ولعل ما يضبط ذلك ما قاله النووي
فأما ضابط الكبيرة فقد اختلف في ذلك العلماء اختلفا ً كثيرا ً 26ولعل أصح
القوال في هذه المسألة أن الكبيرة :هي ما فيها حد في الدنيا ،أو وعيد
خاص في الخرة ،كالوعيد بالنار ،والغضب ،واللعنة ،وأن الصغيرة ما ليس
له حد في الدنيا ول وعيد في الخرة.
وهذا المأثور عن ابن عباس رضي الله عنهما ،وابن عيينة ،وأحمد بن حنبل،
27
وأبي عبيد القاسم بن سلم
ً
قال ابن الصلح ) :الكبيرة كل ذنب كبر وعظم عظما يصح مع أن ُيطلق
عليه اسم الكبيرة ،ووصف بكونه عظيما ً على الطلق ،فهذا فاصل لها عن
الصغيرة التي وإن كانت كبيرة بالضافة إلى ما دونها فليست كبيرة يطلق
عليها الوصف بالكبر والعظم إطلقا ً ،ثم إن لكبر الكبيرة وعظمها أمارات
معّرفة بها ،منها إيجاب الحد ،ومنها اليعد عليها بالعذاب بالنار ونحوها في
صا ً ،ومنها اللعن كما فيالكتاب والسنة ،ومنها وصف فاعلها بالفسق ن ّ
28
قوله صلى الله عليه وسلم )) :لعن الله من غّير منار الرض (( في
29
أشباه لذلك ل نحصيها ((
• وقال العز بن عبد السلم )) :إذا أردت معرفة الفرق بين الصغائر
والكبائر فاعرض مفسدة الذنب على مفاسد الكبائر المنصوص عليها ،
ل مفاسد الكبائر فهي من الصغائر ،وإن ساوت فإذا نقصت عن أق ّ
30
أدنى مفاسد الكبائر وأربت عليها فهي من الكبائر ((
• ويقول في موضوع آخر )) :والولى أن تضبط الكبيرة بما يشعر
بتهاون مرتكبها في دينه إشعار أصغر الكبائر المنصوص عليها بذلك ((
31
جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ د.عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف
www.islamlight.net/alabdullatif
الفسق والنفاق
* وكما في الحديث السابق حيث قال صلى الله عليه وسلم ) :سباب
المسلم فسوق (( .
مى النبي صلى الله عليه وسلم كافر النعمة فاسقا ً ،كما جاء في قوله وس ّ
ساق هم أهل النار (( قيل :يا رسول صلى الله عليه وسلم )) :إن الف ّ
ساق ؟ قال )) :النساء (( قال رجل :يا رسول الله أولسن من الف ّالله ! و َ
أمهاتنا وأخواتنا وأزواجنا ؟ قال )) :بلى ولكنهن إذا أعطين لم يشكرن ،
38
وإذا ابتلين لم يصبرن ((
39
فيجوز أن يسمى الفاسق كافر نعمة ،حيث أطلقته الشريعة
*ويسمى السارق فاسقا ً ،حيث سئل حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه –
فقيل له :ما بال هؤلء الذين يبقرون 40بيوتنا ،ويسرقون أعلقنا 41؟
قال :حذيفة ) :أولئك الفساق( . 42
ً 43
* ويعد ّ صاحب النفاق الصغر فاسقا
* يقول ابن تيمية )) :يسمى الفاسق منافقا ً النفاق الصغر ،ل النفاق
الكبر ،والنفاق ُيطلق على النفاق الكبر الذي هو إضمار الكفر ،وعلى
44
النفاق الصغره ،الذي هو اختلف السر والعلنية في الواجبات ((
* ويقول _أيضًا_ )) :وإن أظهر أنه صادق ،أو موف،أوأمين،وأبطن الكذب
والغدر والخيانة ونحو ذلك ،فهذا هو النفاق الصغر الذي يكون صاحبه فاسقا ً
((
ويدل على ذلك جملة من الثار :منها )) أن هرم بن حيان قال :إياكم
والعالم الفاسق ،فبلغ عمر بن الخطاب ،فكتب إليه وأشفق منها ! ما
العالم الفاسق ؟ قال :فكتب إليه هرم :يا أمير المؤمنين ! والله ما أدرت
به إل الخير ،يكون إمام يتكلم بالعلم ،ويعمل بالفسق ،فيشبه على الناس
45
فيضلون ((
جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ د.عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف
www.islamlight.net/alabdullatif
الفسق والنفاق
الوعد ،والرياء ،والخيانة ،والجبن ،وترك الجهاد في سبيل الله تعالى ،وعدم
تحديث النفس بذلك.
ومع أن هذه الخصال من النفاق الصغر ،لكنها قد تؤول إلى النفاق الكبر
المخرج من الملة .وفي هذا يقول ابن رجب ) :والنفاق الصغر وسيلة
وذريعة إلى النفاق الكبر ،كما أن المعاصي بريد الكفر ،فكما ُيخشى على
من أصّر على المعصية أن ُيسلب اليمان عند الموت ،كذلك يخشى على
من أصر على خصال النفاق أن يسلب اليمان ،فيصير منافقا ً خالصًا(.79
بل استفحل المر ،وعظم النفاق حتى صرنا نشاهد صورا ً أو أنواعا ً من
النفاق الكبر في بلد المسلمين ،ومن ذلك :الستهزاء بدين الله تعالى ،
والفرح والسرور بانخفاض دين السلم وهزيمة المسلمين ،والعراض التام
عن حكم الله تعالى ،ومظاهرة الكفار ضد المسلمين...
حذروا مكايد المنافقين ومسالكهم ،فل إن على الدعاة إلى الله أن ي َ ْ
ينخدعوا بهم ،أو يتساهلوا معهم ،وأن يعنى الدعاة بمعرفة النفاق وخطره
وشعبه؛ مخافة أن يصيبهم ،وأن يتعرفوا على مكايد المنافقين ومخططاتهم
في الماضي والحاضر لكي ل يقعوا في شراكهم ،وأن يجتهد المصلحون في
تحقيق تزكية النفوس وتربية الجيال على اليمان الصحيح ،والقيام بالعبادة
ظاهرا ً وباطنًا،
فالمنافقون أرباب ظواهر ل بواطن ،وسيدرك الصادقون في إيمانهم أولئك
َ المنافقين من خلل لحن القول ،كما قال سبحانه)) :وَل َوْ ن َ َ
مشاُء لَري َْناك َهُ ْ
ل(( ]محمد.[30 : قو ْ ِ
ن ال َ م ِفي ل َ ْ
ح ِ م وَل َت َعْرِفَن ّهُ ْ
ماهُ ْ
سي َفَل َعََرفْت َُهم ب ِ ِ
سم عليها ،لكن هذا يكون ق َ
م ْ
قال شيخ السلم ) :فمعرفة المنافقين ثابتة ُ
80
إذا تكلموا ،وأما معرفتهم بالسيما فهو موقوف على مشيئة الله( .
وقال أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه :ما أسّر أحد سريرة
إل أظهرها الله على وجهه وفلتات لسانه.
ً
وأشير إلى مسألة مهمة ،وهي :أن النفاق موجود وواقع ،خلفا لمن أنكره
من طوائف المرجئة ،فقد زعم صنف من المرجئة أنه ليس في هذه المة
نفاق.81
79
80
) (79جامع العلوم . 2/492 ،
) (80مجموع الفتاوي . 17/118 ،
انظر ) :التنبيه والرد( للملطي ،ص 164 )(81
أخرجه الخلل في السنة ) ، (5/72والفريابي في صفة المنافق ). (85 ، 72 )(82
أخرجه الفريابي في )صفة المنافق( ،ص . 93 )(83
انظر :جامع العلوم والحكم ،لبن رجب . 2/480 ، )(84
81
جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ د.عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف
www.islamlight.net/alabdullatif
الفسق والنفاق
قيل للحسن البصري :إن قوما ً يزعمون أن ل نفاق ،ول يخافون النفاق،
ي من ب إل ّ فقال الحسن :والله لن أكون أعلم أني بريء من النفاق أح ّ
طلع )ملء( الرض ذهبا ً.82
وقال سفيان الثوري :خلف ما بيننا وبين المرجئة ثلثة ..،وذكر منها :نحن
نقول :النفاق ،وهم يقولون :ل نفاق.83
وحمل أولئك المرجئة حديث عبد الله بن عمرو )) :أربع من كن فيه كان
منافقًا ((...على المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله -صلى الله
عليه وسلم ،-حيث تلبسوا بهذه الخصال الربع.84
وليس لهم أن يحتجوا بما أخرجه البخاري عن حذيفة )رضي الله عنه( ،حيث
قال) :إنما كان النفاق على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم ،-فأما اليوم
فإنما هو الكفر بعد اليمان(.
حيث قال الحافظ ابن حجر رحمه الله ) :والذي يظهر :أن حذيفة لم يرد
نفي الوقوع ،وإنما أراد نفي اتفاق الحكم؛ لن النفاق إظهار اليمان وإخفاء
الكفر ،ووجود ذلك ممكن في كل عصر ،وإنما اختلف الحكم؛ لن النبي
-صلى الله عليه وسلم -كان يتألفهم ويقبل ما أظهروه من السلم ولو ظهر
منهم احتمال خلفه ،وأما بعده :فمن أظهر شيئا ً فإنه يؤاخذ به ول يترك
لمصلحة التآلف لعدم الحتياج إلى ذلك(.85
ص حذيفة على وقوع النفاق بعد عهد النبوة في وبالضافة إلى ذلك :فقد ن ّ
عدة أقوال ،ومن ذلك قوله رضي الله عنه ) :المنافقون الذين فيكم شّر
من المنافقين الذين كانوا على عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم،-
فقيل له :وكيف ذاك ؟ ،فقال :إن أولئك كانوا يسرون نفاقهم ،وإن هؤلء
يعلنون(.86
وجاء رجل من المرجئة ليوب السختياني ،فقال :إنما هو الكفر واليمان،
جو َ َ
بما ي َُتو ُ
م َوإ ّ مرِ الل ّهِ إ ّ
ما ي ُعَذ ّب ُهُ ْ نل ْ مْر َ ْن ُ
خُرو َ
فقال أيوب :أرأيت قولهَ)) :وآ َ
م(( ]التوبة ،[106 :أمؤمنون هم أم كفار؟ فسكت الرجل ،فقال أيوب: ع َل َي ْهِ ْ
اذهب فاقرأ القرآن ،فكل آية في القرآن فيها ذكر النفاق فإني أخافها على
نفسي!.87
82
83
84
ل ،فالتصديق بل نية أو عمل قلبي نفاق ،91 وهذا ل يعد ّ إيمانا ً صحيحا ً ول مقبو ً
فجعلوا اليمان مجرد ومن ثم سينكرون النفاق ،والله أعلم.
أما عن الموقف والواجب تجاه المنافقين ،فيتمثل في جملة أمور ،منها:
88
89
90
جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ د.عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف
www.islamlight.net/alabdullatif
الفسق والنفاق
قال القرطبي) :إنما كان ذو الوجهين شر الناس؛ لن حاله حال المنافق ،إذ
هو متعلق بالباطل وبالكذب ،مدخل للفساد بين الناس ،وقال النووي :هو
الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها ،فيظهر لها أنه منها ومخالف لضدها،
وصنيعه نفاق ومحض كذب(.95
فالمداهنة محرمة ومذمومة ،بخلف المداراة؛ فقد سلكها رسول الله -صلى
الله عليه وسلم ،-كما في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
عندما )) :استأذن رجل في الدخول على النبي -صلى الله عليه وسلم،-
فقال :بئس أخو العشيرة فلما جلس َتطّلق له النبي -صلى الله عليه
وسلم -في وجهه ،وانبسط له ،فسألته عائشة ،فقال :يا عائشة متى
عهدتيني فاحشا ً ؟ إن شر الناس عند الله :من ت ََركه الناس مخافة
فحشه ((.96
وقد بّين أهل العلم الفرق بين المداراة والمداهنة ،ومراد النبي -صلى الله
عليه وسلم -في مسلكه تجاه ذلك الرجل ) ..قال القاضي عياض :الفرق
بين المداراة والمداهنة :أن المداراة :بذل الدنيا لصلح الدين ،أو الدنيا ،أو
هما معًا ،وهي مباحة ،وربما استحبت ،والمداهنة :ترك الدين لصلح الدنيا،
والنبي -صلى الله عليه وسلم -إنما بذل له من دنياه حسن عشرته والرفق
في مكالمته ،ومع ذلك فلم يمدحه بقول ،فلم يناقض قوله فيه فعله ،فإن
قوله فيه قول حق ،وفعله معه حسن عشرة(.97
قاه بالبشر وقال ابن بطال) :حيث ذمه كان لقصد التعريف بحاله ،وحيث ت َل َ ّ
كان لتأليفه ،أو لتقاء شره ،فما قصد بالحالتين إل نفع المسلمين ،ويؤيده
أنه لم يصفه في حال لقائه بأنه فاضل ول صالح(.98
إذا تقرر ذلك فليتق الله قوم يداهنون أنظمة طاغوتية ،وحكاما ً مضلين ،ثم
يسمون صنيعهم مدارة وحكمة وسياسة ،فإن العبرة بالحقائق ،والله عّز
ل مطلع على السرائر وما تخفى الصدور.وج ّ
ثانيًا :ينبغي أن نفّرق بين النفاق وبين ما يعرض للقلب من الغفلة والتغير
بعد الخشوع والخبات.
يقول ابن رجب ) :لما تقرر عند الصحابة رضي الله عنهم أن النفاق هو
اختلف السر والعلنية ،خشي بعضهم على نفسه أن يكون إذا تغير عليه
حضور قلبه ورقته وخشوعه عند سماع الذكر برجوعه إلى الدنيا والشتغال
بالهل والولد والموال ..أن يكون ذلك منه نفاقًا ،كما في صحيح مسلم
95
جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ د.عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف
www.islamlight.net/alabdullatif
الفسق والنفاق
لسْيديّ أنه مّر بأبي بكر الصديق رضي الله عنه ) فقال :كيف عن حنظلة ا ُ
أنت يا حنظلة ،قلت :نافق حنظلة ،قال :سبحان الله! ما تقول ،قال :نكون
عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم -يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي
العين ،فإذا خرجنا من عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم -عافسنا
] اشتغلنا بـ [ الزواج والولد والضيعات ،فنسينا كثيرًا ،فقال أبو بكر :فوالله
إنا لنلقى مثل هذا ،فانطلقا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم ،-وأخبره
حنظلة بحاله ،فقال عليه الصلة
والسلم )) :والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي
لصافحتكم الملئكة على فرشكم وفي طرقكم ،ولكن يا حنظلة ساعة
وساعة((.99
وقال النووي ) :وأصل النفاق :إظهار ما يكتم خلفه من الـشـــر ،فخـاف
أن يكــون ذلك منافقًا ،فأعلمهم النبي -صلى الله عليه وسلم -أنه ليس
بنـفــاق ،وأنهم ل يكلفون الدوام على ذلك(.100
والمقصود :أن أمر النفاق شيء ،وأما الغفلة والذهول شـيء آخــــر ،حيث
يرد هذا التغير على القلب ،لكنه أمر عارض يصيب القلب ساعة ،فيستغفر
العبد ربه وينيب.
ثالثا ً :أن نفّرق بين قبول الحق من كل شخص ســواًء أكان مؤمنا ً أو كافرا ً
أو منافقًا ،وبين موالة ذلك الشخص ومودته ،فالمنافق إذا قال صوابــًا،
فإنه يقبل هذا الصواب منه ،ومع ذلك فله حق العداوة والبغضاء بحسب
نفاقه ،وفي المقابل :فإن العالم الفاضل أو الداعية الصادق ،وإن وقع في
واَفق على زلته وعثرته ،لكن يبقى له حق الولء والنصرة زلة أو عثرة ،فل ي ُ َ
حسب إيمانه وتقواه.
كما قال معاذ بن جبل رضي الله عنه)) :واحذروا زيغة الحكيم ،وقد يقول
المنافق كلمة الحق ،فاقبلوا الحق؛ فإن على الحق نورًا((. 101
فنسأل الله العظيم أن يعيذنا من النفاق ،وأن يختم لنا باليمان
وبالله التوفيق ,
99
100
101
) (101أخرجه أبو نعيم في الحلية . 233 ، 1/232 ،
جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ د.عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف
www.islamlight.net/alabdullatif