Vous êtes sur la page 1sur 22

‫ رواية الغيث لمحمد ساري أنموذجا‬: ‫الرواية الجزائرية الجديدة و نقد الخطاب الديني‬

‫ قسم اللغة العربية وآدابها‬، ‫زياد بوزيان‬


2‫جامعة الجزائر‬

‫ملخص البحث‬
‫في تسعينيات القرن الماضي ولجت أقالم إعالمية عدة تجربة الكتابة الروائية من دون سابق إنذار تحت صدمة العنف األعمى الذي أتى على األخضر و‬
‫ ثم أن هناك منهم من لفت انتباه‬، ‫اليابس و ذلك توثيقا "لألحداث" فنيا فكانت عندنا بالجزائر مرحلة روائية أطلق عليها النقاد مرحلة الرواية االستعجالية‬
‫المختصين و الرأي العام إليهم فاستمروا في الكتابة الروائية لكن لم يغيروا خطهم في األسلو الذي نهجوه لكنهم استداروا بزاوية معينة ناحية الخطابات الثقافية‬
‫ هذا الشكل‬. ‫عامة و الدينية بخاصة مع عز الدين جالوجي و إبراهيم السعدي مثال التي تتشابك قضاياها و ألغازها السياسية مع اآلخر و الغر و العولمة‬
‫ أراد التأريخ للعنف لكنه بعدها استمر محاوالا تثبيت أقدامه الفنية بما يميزه ؛ شكال روائيا جديدا و خطابا جديدا تمثل في‬، ‫الروائي الجزائري بدأ مترنحا بالصدفة‬
‫ و التي ارمت‬، ‫الديني بالخصوص السلفي و الصوفي الطقوسي ـ الغير العرفاني ـ ـ نود في بحثنا اإلحاطة بهذه الكتابة الجديدة في إطارها العام‬ ‫نقد الخطا‬
‫ال يجي‬ ‫ خطا‬، ‫الديني و تفكيك متعالياته الفكرية و األيديولوجية و الجمالية تخييال‬ ‫بناء جديدا ال يستوي معه غير النبش في الخطابات القديمة منها الخطا‬
‫ ما جعل من مفهوم الذات و اآلخر يتبلوران و يعبران عن نفسيهما بفوضى و‬.‫على األسئلة الحداثية إالﱠ من خالل اإلنجاز النصي الثائر على اآلليات القديمة‬
‫ و لهذه الغاية عمدنا إلى محاولة تقص القواعد الشكلية التي‬.‫رؤية ضبابية مصطدمة باآلخر ( العولمة الثقافية ) و من يقابله محليا و هو اآلخر المحلي‬
‫ و شاعرية اللغة و الرؤية و التباسها‬، ‫ تشابك الواقعي و الحلمي‬، ‫ التجري‬: ‫سارت على دربها هذه " الحساسية الجديدة " و غدت مأخوذة مأخذ التسليم و هي‬
‫ أما منهج البحث فهو عبارة عن توليفة من مناهج عدة لكن تنتمي للنقد الثقافي بحكم اطالع هذا األخير‬.)2002(‫ في رواية محمد ساري الموسومة الغيث‬..
‫بالجماليات الغير النصية و النصية معا مبرزين النسق و السياق الثقافيين و البنيوية التكوينية التي تجمع بين البنية الجمالية المستقلة و البنية المرجعية كما‬
.‫النفسية و تدخل القارئ‬ ‫نظر لها لوسيان گولدمان دون نسيان دور الجوان‬

Abstract

In the nineties of the last century, several media pens experienced the experience of writing without warning under the
shock of blind violence that came on the green and dry land and documented the "events" technically we had in Algeria
a fiction stage called the stage of critics novel urgency, and then that some of them They drew the attention of specialists
and public opinion to them and they continued to write fiction, but did not change their line in the method they followed,
but they turned at a certain angle towards cultural and religious discourses in particular with Izz al-Din Jalawji and
Ibrahim al-Saadi, for example, whose issues and political puzzles are intertwined with the other. Lord and globalization.
This Algerian novelist form began to be staggered by chance. He wanted to date violence, but then he continued to try
to stabilize his artistic features. A new novel form and a new discourse represented in criticizing the religious discourse
in particular the Salafi and Sufi rituals - the non-Sufi - we would like to take note of this new writing. In its general
framework, which aimed to build a new structure with which it is not unmatched in the old discourses, including religious
discourse and the dismantling of its intellectual, ideological and aesthetic implications, a discourse that responds to
modernist questions only through the revolutionary textual achievement of the ancient mechanisms. What Al of the
concept of self and the other Athbloran and reflect about themselves and chaos blurred vision Mstdmh the other (cultural
globalization) and the offset locally and the other is the local. To this end, we attempted to investigate the formal rules
that followed the path of this "new sensitivity" and became taken into consideration: experimentation, the intertwining of
realism and dreams, and the poetics of language, vision and ambiguity. (2007). The research method is a combination
of several approaches, but belong to cultural criticism by virtue of the latter's knowledge of non-text aesthetics and text
together highlighting the cultural context and formative structure, which combines the independent aesthetic structure
and reference structure as seen by Lucien Goldman without forgetting The role of psychological aspects and the
intervention of the reader.

.‫ البنيوية التكوينية‬، ‫ التحليل الثقافي‬، ‫الديني‬ ‫ الخطا‬، ‫ الرواية الجزائرية المعاصرة‬: ‫الكلمات المفاتيح‬
‫المدخل‬

‫قبعت الرواية الجزائرية ردحا من الزمن تحت أتون اإليديولوجيا ‪ ،‬في سياق مجتمع اشتراكي ماركسي‬
‫استمر حكيها لتاريخ الثورة بسنوات غير هينة بعد االستقالل ‪ ،‬إلى ﺃن ظهرت ﺃقالم روائية مميزة و‬
‫واعدة بعد مرحلة التنمية االجتماعية ؛ ﺃخضعت المسلمات التاريخية و السلوكات الشخصية البطولية‬
‫ما بعد‬ ‫‪ ،‬وغيرها من القناعات التاريخية المتعالية الكثيرة الموروثة ﺃو المرتبطة بتأثر الذات بأد‬
‫الكولونيالية للسؤال‪ .‬في الوقت الذي ﺃصبح المعنى الجمالي للثقافة (الثقافة العالمة) يؤكد عبر الفنون‬
‫عل ى الخصوصية الثقافية ‪ ،‬منذ نهاية التسعينيات و بداية األلفية الثالثة ‪ ،‬التاريخ الذي شهد انتشار‬
‫أسلو ما أصبح يعرف بالرواية الجديدة ‪ ،‬و أسلو تيار ما يعرف ب "ما بعد الحداثة " في كتابات‬
‫الروائيين الجزائريين خاصة الهواة منهم ‪ ،‬منذئذ أصبحت الرواية عندنا تطرق موضوعات الهوية‬
‫المرتبطة أساسا بالدين و العرقية ‪ /‬طبقية و النسوية ‪ /‬الجندر ‪ ٬‬حيث لم يعد العمل الفني تعاليا على‬
‫المتمخض عن االستعمار ‪ ،‬حيث تحول التوافق بين طرفي‬ ‫هذه الهويات كما كان في مرحلة األد‬
‫الجدلية الثقافية الجمالية و األنثربولوجية إلى تنافر وصراع ‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ اإلحاطة بمفهومي النقد الثقافي و الخطاب‬

‫‪111‬ـ ـ إرهاصات التحليل الثقافي للخطابات الدينية‬

‫لعل ارتباط األخالق بالدين عند المسلمين هو شيء بديهي أما انفكاكها عنه تدريجيا عند اآلخر‬
‫الغربي غير المسلم ‪ « ٬‬حيث تكون بشرت في الخمسينيات األستاذة مارغريت نايت ‪ ٬‬أستاذة الفلسفة‬
‫في إحدى الجامعات البريطانية بمفهوم أخالق بغير الدين ‪ ٬ religion without moral‬كي تصبح‬
‫مبادئ أخالقية علمانية تتولى تنظيم العالقات بين الناس لتحل محل الدين بالمعنى المعروف »‬
‫طبعا المستقبل الذي كانت تتحدث عنه الباحثة العصر الذي نعيشه ‪ ،‬أي العولمة و‬ ‫‪1‬؛ و واك‬
‫أصبح واقعا تمارسه أمريكا و الغر ضد اإلسالم ‪ ،‬بعد أحداث ‪ 11‬سبتمبر‪ 2001‬داعية ثقافة العالم‬
‫اإلسالمي إلى اال نفتاح على ثقافات العالم ‪ ،‬و تحرير المرأة وحرية التعبير وكل ما يكفل حقوق و‬
‫كرامة اإلنسان ‪ ،‬و كأنما التجربة األخالقية ‪ /‬الدينية كمفهوم مجرد هو بمثابة القفا لوجه ورقة يكون‬
‫المادي‪ /‬النفعي في أي تجربة إنسانية للتالزم الجدلي* بينهما ؛ بالفعل فقد كان‬ ‫وجهها هو الجان‬
‫الشعو اإلسالمية المهددة في هويتها ‪ ،‬منها‬ ‫ظهور موجة مقاومة العولمة و الغزو الثقافي في آدا‬
‫الجزائر‪ ،‬عن طريق السرد الروائي قد بدا و تجلى شأنه شأن ضرو الفنون األخرى ‪ ،‬داعية إلى‬
‫‪2‬‬
‫مقاومة ذلك الغزو وتلك اإلمبريالية الجديدة ‪ ،‬بالعودة إلى األصالة و التراث ‪ ،‬عن طريق صون‬
‫وضبط أخالقنا ضد متغيرات الزمن و الوقوف سدا أمام "وكالء اآلخر"‪ ،‬من شعراء و روائيين رواد‬
‫في تطبيق تلك المناهج الغربية ضمن السياق المحلي ‪ ،‬كأدونيس في المشرق العربي الذي « ربط‬
‫الثابت بالدين و ربط المتحول بالخروج عنه"‪ 2‬معتقدا ﺃن « اإلسالم هو سبب مباشر وراء رداءة‬
‫الشعر و انحطاطه (‪ )11‬وﺃن ظواهر الطبيعة بما فيها القيم األخالقية هي في تحول »‪ ٬3‬وكل من‬
‫هشام جعيط و عبد اهلل العروي في المغر العربي ‪ ،‬غير أن رد فعل المتخيل السردي عندنا تفاعل مع‬
‫؛ مجربا ‪ ،‬مجددا ‪ ،‬و في تناصا له مع التراث و محاكيا للخطا‬ ‫أمريكا ضد اإلرها‬ ‫حرو‬
‫الصوفي ‪ ،‬فكنا أمام نخبة مثقفة ثقافة صوفية كالطاهر وطار وعمر بن قينة ومحمد مفالح وغيرهم‬
‫‪ ،‬لترافع من أجل قيم اجتماعية ـ ـ ثقافية ﺃصيلة عن طريق القصة و الرواية ‪ ،‬وتذود شخوصهم عن‬
‫عادات وتقاليد المجتمع الجزائري في وجه "الغزو الثقافي" العولمي الذي بدأ ممثلوه الروائيون الحداثيون‬
‫قدوة لهم ‪ ،‬منهم بوعالم‬ ‫تنفيذه من فرنسا و أوروبا متخذين من الطاهر بن جلون ومحمد دي‬
‫صنصال و سليم باشي و غيرهم ‪ ،‬حتى ممن يكتبون باللغة العربية تحت ذريعة التفاعل الحضاري‬
‫روائي جديد‬ ‫مع العولمة والعقالنية الغربية ‪ ،‬فشهدنا مع مطلع القرن ال‪ 21‬احتدام جدلي لخطا‬
‫أحدها يمتح من التراث واألصالة في مقابل آخر يجعل من العلمنة و االنفتاح الثقافي عنوانا لكتاباته‪.‬‬
‫إن هذه العالقة الجدلية بين الروحي والمادي‪/‬الجسدي ‪ ،‬التي مثلت لها بوجهي ورقة أو عملة ؛ في‬
‫الروائي الجديد ‪ ،‬بتوظيف فني لعنصري الشخصية العالمة‬ ‫نفس الوقت هي استكناه لجمالية الخطا‬
‫المقابلة للشخصية الغير العالمة ‪ ،‬و جماليات الجسد لدى ﺃرمدة من الروائيين الجزائريين الشبا‬
‫االخر‬
‫مركزين على « الشخصية العابثة بهويتها (رمزية العبث بالجسد) ‪ :‬مصادر ثقافتها هي ثقافة ‪᷃‬‬
‫و الشخصية كمرتكز للحفاظ على هويتها التي مصادر ثقافتها تراثية »‪ 14‬و مع كال الشخصيتين‬
‫نلفي حضور قيم األصالة المتمثلة في البطريركية**‪.‬‬

‫‪ 211‬ــ مفهوم النقد الثقافي‬

‫يقول عبد اهلل الغذامي عن النقد الثقافي « ﺃنه نظرية ومنهج في األنساق المضمرة أو المعتقدات‬
‫الذهنية العميقة باعتبارها نماذج راسخة ومنظومة فكرية ثابتة ‪ ٬‬ذات أثر في النصوص الثقافية‪٬‬‬
‫والجمالية بالذات ‪ ٬‬تتولد منها هذه النصوص بالضرورة و يمكن القول بأن النقد الثقافي استعمال‬
‫لألدوات النقدية لنقد الخطاب الثقافي وكشف مجموعة األفكار المتآزرة و المترابطة التي تتمكن‬
‫في األعماق‪ ٬‬و تؤثر بشكل حتمي في الفعل الجمالي و الثقافي ‪ ٬‬حتى تصبح ذات وجود حقيقي‬
‫يمثل األصل النظري للكشف والتأويل »‪ 5‬و مفاصل هذا النقد هي‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ -1‬أنه "نسق" يمكن ﺃن يحدد هذا النسق عبر وظيفته ‪ ،‬و عمله و أثره ‪ ،‬و ليس من خالل وجوده‬
‫المجرد‪.‬‬
‫الثقافي و هذا النظام له‬ ‫‪ -2‬إنه نظام بني وي بمعنى أن له بنية متآزرة كامنة في أعماق الخطا‬
‫وجهان أحدهما ظاهر و اآلخر مضمر‪.‬‬
‫‪ -3‬إن الوظيفة النسقية تظهر في النص الجمالي خاصة ‪ :‬كالشعر والقصة‪ ،‬وتظهر في غير الجمالي‬
‫أيضا‪.‬‬
‫‪ -4‬إن الدﱠاللة النسقية المضمرة موجودة أزلية راسخة لها الغلبة دائما‪.‬‬
‫‪ -5‬إن الوظيفة النسقية لها جبروت رمزي يقوم بدور المحرك الفاعل في الذهن الثقافي وهو المكون‬
‫الخفي لذائقتها وألنماط تفكيرها وصياغة أنساقها المهيمنة‪.‬‬
‫‪ -6‬النقد الثقافي بمنهجه الموصوف وأدواته المذكورة وأسسه هو عبارة عن رؤية شمولية معززة‬
‫بآليات ثقافية ونقدية ‪ ،‬تستعمل فيه أدوات النقد من مثل‪ :‬المجاز الكلي‪ ،‬التورية الثقافية‪،‬‬
‫المجمل‪ ،‬الكلي‪ ،‬المضمر‪ ،‬الكناية‪.‬‬
‫‪ -7‬بما أن األنساق المضمرة هي صل النقد الثقافي وبما أنها حتمية فمجموعة المثقفين و المبدعين‬
‫ليسو سوى (كائنات نسقية)‪ ،‬ومهما كانت ق اررات الثقافة الشخصية الذاتية لدراسته فإنها ال تملك‬
‫القدرة على إلغاء مفعول النسق‪ ،‬ألنه مضمر من جهة‪ ،‬وألنه متمكن ومنغرس منذ القديم وكشفه‬
‫يحتاج إلى جهد نقدي متواصل ومكثف‪.‬‬
‫‪ -8‬المراد بالنقد الثقافي كشف المخبوء تحت أقنعة البالغة والشعر والنص الجميل ولذلك كان من‬
‫أصحابه إيجاد نظريات في (القبحيات) لكشف حركة األنساق وفعلها المضاد للوعي والحس‬ ‫مطال‬
‫النقدي‪.6‬‬

‫‪ 311‬ـــ مفهوم الخــطاب‬

‫هو فعل التلفظ من طرف متكلم وفق صياغة و نظام ما ‪ ،‬قصد التأثير في طرف ثاني‪،‬‬ ‫الخطا‬
‫أال و هو المستمع‪ ،‬و« هو الوعي البياني عند علماء الكالم واألصوليين عموما ‪ ..‬نظر إليه بوصفه‬
‫بأنه الكالم المقصود منه إفهام من هو متهيئ للفهم ‪،‬‬ ‫جنسا خاصا من الكالم (‪ )...‬يعرف الخطا‬
‫بعينه لتحقيق غاية بعينها‪ ،‬هي إفهام ما‬ ‫وهذا يقتضي أنه الكالم الموجه توجيها مباشر من مخاط‬
‫‪7‬‬
‫هو متهيئ لفهمه«‬

‫‪4‬‬
‫بوصفه‬ ‫نظام ‪ ،‬يقتضي بدوره أنظمة أخرى تدخل في تركيبه ‪ « ،‬يمكن النظر إلى الخطا‬ ‫الخطا‬
‫سترتيجية التلفظ ‪ ،‬أو بوصفه نظاما مركبا من عدد من األنظمة التوجيهية والتركيبية والداللية‬
‫ا ا‬
‫‪8‬‬
‫والوظيفية ( النفعية) التي تتوارى أو تتقاطع جزئيا أو كليا فيما بينها »‬

‫بالخبرة لذاتية المتلفظة ‪ ،‬و التي هي في حد ذاتها بنية اجتماعية ‪،‬‬ ‫ربط ميخائيل باختين الخطا‬
‫ونظر للخطا « بوصفه تلفظا يمكن وصفه حس تودوروف بأنه عبارة عن حدث اجتماعي‪ ،‬وليس‬
‫حدث فرديا ‪ ،‬وهو حدث اجتماعي ألن الذات المتلفظة وان بدا عليها أنها مأخوذة من الداخل ‪ ،‬إال‬
‫‪9‬‬
‫أنها تعد بصورة كلية نتاجا لعالقات متداخلة»‬

‫الديني‪ :‬فيراد به ما يصدر عن رجال الدين من أقوال أو نصائح أو مواقف سياسية من‬ ‫أما الخطا‬
‫‪11‬‬
‫قضايا العصر ويكون مستندهم فيها إلى الدين الذي يدينون به‪.‬‬

‫يتمثل خطا رواية الغيث الهوية الدينية الوسطية المنفتحة على اآلخر ويذم الفكر السلفي في الوقت‬
‫ذاته ينقد تحول التصوف إلى إنتاج البدع و الخرافات والى احتضان الزاوية للسلفية المتابعة أمنيا ‪،‬‬
‫بالتالي الزج بالصوفية في الجزائر إلى المعترك السياسي وقد تجلى عبر متضادات نسقية ثالث‪:‬‬
‫نسق السلطة األيديولوجية (المسيطر) ونسق المجتمع األصيل ( المحايد ) و نسق اإلسالم المتطرف‬
‫‪:‬‬ ‫الغائ‬

‫‪2‬ـــ تحليـــل رواية الـــغـــيـــث*** على ضوء النقد الثقافي‬

‫رواية "الغيث" ونستجلي البنية الجمالية‬ ‫نحاول الكشف عن األنساق الثقافية المضمرة في خطا‬
‫للرواية( جمالية السرد) وفق جماليات التحليل الثقافي باعتبارها (األنساق) تشكل بنية عميقة على‬
‫مستوى الذهن أي تقع خارج مستوى اللغة كبنية سطحية‪.‬‬

‫◊‬
‫‪112‬ـ ـ تحقيق الذات و فضح النسق المسيطر‬

‫الحكاية األولى في الرواية هي حكاية الشيخ امبارك سيد ضريح الولي "سيدي المخفي" أحد أحفاد‬
‫الرسول (ص) ‪ ،‬لكن الراوي يعلن صراحة أن النسوة أصبحن يقصدن هذا الولي في م ازره ليحييهن‬
‫من الموت ُّ‬
‫ويرد عليهن العقم في ‪ ،‬و"الوالي" االسم العامي للولي في تقاليد المجتمع الجزائري شخصية‬
‫محترمة ال يجوز إلصاق هذه األوصاف بها ‪ ،‬إال إذا كان المعنى خرج عن المألوف ؛ هذا المألوف‬
‫هو نفسه النسق المضمر قبل مرحلة التعددية و اقتصاد السوق في الجزائر ‪ ،‬فمن كان في مرحلة‬
‫التسلط يج أر على الوقوف ضد القاضي أو رجل الدين الذي له سلطة تضاهي سلطة رئيس الدائرة؟‪،‬‬

‫‪5‬‬
‫غير أن محمد ساري يبني شخصيتا الرواية المفارقة ‪" :‬نايلة" المتحررة وابنها "المهدي" أمير جماعة‬
‫إسالمية مسلحة ‪ ،‬حيث بانصياع الشيخ امبارك لرغباته و زواجه من "نايلة"‪ ،‬ثم ال يضبط سلوكها‬
‫لهذه الفئة (األولياء) التي‬ ‫المشبوه ‪ ،‬و يجعلها تتدخل في أمور الرجال ‪ ،‬هو بمثابة إدانة من الكات‬
‫طالما عدت ﺃخيار المجتمع ‪ ،‬وأكثر من ذلك يجعلها في مرتبة نايلة الساقطة جاعالا دور البطولة‬
‫؛ سيجعل الكات‬ ‫ألبنها "المهدي" الحامل لفكر تكفيري سلفي◊◊‪ ٬‬كما أن وفاة الولي في وقت عصي‬
‫(عبر الراوي العليم) يتابع مسلسل إتباع "نايلة" للهوى ألنها ستتزوج من عشيقها أعمر حلموش خفية‬
‫‪ ،‬وتقع فريسة لسلسلة من االغتصابات في المدينة و تصبح مومس ا هي و ابنتها ليلى‪.‬‬

‫التمس بحرية تناول تابو الجنس ‪ /‬جماليات الجسد في المجتمع المحافظ لتعرية‬ ‫و لعل الكات‬
‫الحقائق التي كانت تعيشها األسر الجزائرية أثناء الثورة ‪ ،‬أو بعدها ‪ ،‬فهو بمثابة إدانة وفضح‬
‫المسكوت عنه في فترات السابقة لالنفتاح الليبرالي ‪ ،‬ثم يجعل نهاية أسرة االنحالل والزنا هذه على‬
‫في مقتل أمه وشقيقته طبقا للشريعة ‪ ،‬ولعل وصف‬ ‫يد أحد أفرادها ‪ ،‬اإلرهابي المهدي الذي يتسب‬
‫ممارسة "نايلة" للجنس في الغابة وخيانتها للشيخ امبارك ثم تبني "نايلة" هتك عرض المجتمع المحافظ‬
‫بجسدها وجسد ابنتها الزانية ‪ ،‬هو بمثابة إدانة للنظام السلطوي آنذاك ‪ ،‬وتحقيق لذات المثقف التواقة‬
‫إلى التحرر من نسق السلطة المسيطر االستبدادي ؛ السلطة التي تشتري ذمة الولي والفقيه معا‬
‫ألجل اإلبقاء على المصالح المشتركة بينهما ‪ »:‬ٳن السلطة المستبدة استطاعت ﺃن تسلبه دوره‬
‫الفقيرة المقهورة‬ ‫كما هو انفجار للمكبوتات لدى فئات الشع‬ ‫‪17‬‬
‫التاريخي عبر المنح والمنع‪»11‬‬
‫‪ ،‬وعلى يد الثقافة الجمالية في مواجهة نقدية صريحة للتمظهر الديني و الثقافة األنثربولوجية ‪ :‬من‬
‫جهة تعبد مستمر‪ ،‬ومن جهة ﺃخرى استعالء وطبقية وتفسخ أخالقي يتم تحت ﺃجنحة الظالم ‪« :‬‬
‫سحرت العبادة عقول الناس ‪ ٬‬غاصت المساجد بالمصلين ‪ ٬‬جاءوا من كل األحياء و الدشور و‬
‫األزقة مطأطئي الرؤوس ‪ ٬‬قلوبهم مرتجفة يطلبون المغفرة ‪ 11‬ال تخدعكم المظاهر و سرعة اال نفعال‬
‫حتى وان بدت في ثو تقريري ورؤية ذاتية واضحة وهي انتقاد منطقي للسلفية‬ ‫‪18‬‬
‫‪ ٬‬التوبة مؤقتة »‬
‫ومناقشة السلوكات الدينية ‪ « :‬أضحت الشوارع حزينة ‪ 11‬في غياب النساء ما فائدة االعتناء‬
‫‪،‬‬ ‫؛ كشفت جماليات السرد عن تقنية رؤية الراوي من الخلف و هو الغال‬ ‫‪19‬‬
‫بالمظهر األنيق »‬
‫نسقية‪ ،‬بينما تقول الناقدة فاطمة‬ ‫ولعل ذلك يشي مع محمد ساري ميال ذاتيا واضحا لكشف عيو‬
‫زيراوي عنه ‪ 11 « :‬فإننا ننطلق من أن (الذاتي) ال يكتسي دوما صفة سلبية ‪ ٬‬كما أن (الموضوعي)‬
‫ليس دوما ذي صبغة إيجابية (‪ )11‬فإن الذاتي ال ينحصر في الكتابة عن الغرام بل حتى في الكتابة‬
‫عن اآلخرين»‪ 121‬كما أن نظرة المؤلف الذاتية هاته إزاء السلفيين تمتح هويتها من نظرة تقاليد‬

‫‪6‬‬
‫المجتمع الجزائري األصيلة إليها أيضا ‪ ،‬كما يتجلى في الحوار التالي بين المهدي و صديقه األصولي‬
‫سليمان‪ ،‬كانا يتجوالن في الحديقة واذا بهما يالقيان طالبة فاجرة « ــ هذه أرض اإلسالم وال نسمح‬
‫لكالب ضالة بأن تدنسها بالفاحشة والرذيلة‪1‬‬
‫ردت الفتاة بازدراء ‪:‬‬
‫ّ‬
‫ــ أنتم الكالب الضالة‪ 111‬تقضون وقتكم في حراسة سلوك الناس وتتدخلون فيما ال يعنيكم‪1‬‬
‫تقدم سليمان نحو الفتاة ‪ ٬‬رافعا يده في محاولة لصفعها‪ 1‬لكنه لم يفعل‪1‬‬
‫ّ‬
‫تحرك الفتى للدفاع عن عشيقته‪ ٬‬قائال ‪:‬‬
‫ّ‬
‫امراة‪111‬‬
‫قدام ْ‬
‫ــ احترم روحك يا سي‪ 111‬راك ّ‬
‫قهقه سليمان بازدراء وقال ‪:‬‬
‫امرة! المرأة المحترمة تبقى في بيت أهلها و ال تمارس العهر في وضح‬
‫الفاي َحة أ‬
‫ــ هذه القحبة ْ‬
‫‪21‬‬
‫النهار و أمام المأل »‬

‫‪ 212‬ـ ـ ـ نقد ثقافة الكرامات‬

‫إذا كان الفرد األول من عائلة الفقيه قد كسر المحظور( التابو األخالقي ؛ تقول عنه زوجته نايلة‬
‫التي خانته دون ندم وهو والي « لم يكن فحال مثلما كان سي اعمر‪ ،‬ذاك الجواد األصيل‪ ،‬إن أتى‬
‫امرأة‪ ،‬أنساها في كل الرجال» ) فإن الفرد اآلخر و هو المهدي ابن الولي الشيخ امبارك من نايلة ‪،‬‬
‫أصبح أمير لجماعة التكفيرية ‪ ،‬فتتبع من خالله الكات تحول الخطا الديني بالجزائر منذ االستقالل‬
‫ثم تبلوره في الثمانينيات ‪ ،‬ليمرر من خالله خطابا ثقافيا مفاده أن العصابات اإلرهابية ابن غير‬
‫شرعي للطرقية والزوايا المنتشرة بكثرة في ربوع الوطن ‪ :‬يقوم من خالله بكسر االعتقاد الراسخ أن‬
‫الكرامة الصوفية حالة ثقافية متأصلة تخالف تصور الجهادية السلفية‪ 22‬لإلسالم و العالقة مع اآلخر‪،‬‬
‫أراد أنها يمكن ﺃن تقع في أخطاء فادحة كالتي وقع فيها الشيخ امبارك ‪ ،‬فشخصية المهدي حاولت‬
‫السياسي الديني آنذاك ‪ ،‬أن تسخر تكوينها الصوفي في الزاوية ‪ :‬زاوية سيدي‬ ‫متأسية بالخطا‬
‫موجة األحداث السياسية والوصول إلى‬ ‫المخفي الولي الصالح المشهور بمنطقة غليزان ‪ ،‬لركو‬
‫مثل "ابن تومرت"‪ ،‬الذي نكل واستباح حتى دالت له دولة الموحدين ‪،‬‬ ‫مصاف اإلرهابي المها‬
‫ويفعل ذلك تحت وهم أن مجتمعنا الحالي يشبه مجتمعات العصور الوسطى‪ ،‬يسهل قيادته إلى الدولة‬
‫اإلسالمية تحت حكم الشريعة السلفية ‪ ،‬لكنه يفاجئ بعبثية أعضاء جماعته وعدم قدرتهم حتى على‬
‫االنضباط األخالقي‪ ،‬وما بالك بتنفيذ مشروع االهتداء بحياة "المهدي ابن تومرت"‪ ،‬فيستنجد بالمهندس‬
‫المغتر سليمان مرواني للكشف عن السر الذي تركته كرامة الشيخ امبارك ‪ ،‬و كي يتبوأ به درجة‬
‫‪7‬‬
‫دينية تؤهله لبدء مشروع تطهير المجتمع من البدع ‪ ،‬واقامة شريعة قطع األيدي و رجم الزانية في‬
‫بلدة عين الكرمة بالشرق الجزائري ؛ « فالتاريخ و التراث في نظر هؤالء (السلفيون) صفحة ناصعة‬
‫البياض يجب استعادتهما ‪ ٬‬و هما الحقيقة المطلقة التي يجب اإلشادة بها (‪ )11‬هذه النظرة إضافة‬
‫إلى خطئها فإنها مستحيلة التحقق أيضاﹰ‪ 1‬فالماضي ليس وضاءا بهذا القدر‪ ٬‬وليس خي ار كله»‪،23‬‬
‫تقنيا في اكتشاف السر الذي تركه والده وهو ممر سري إلى مكة المنورة عبر ضريح‬
‫و يفشل المهدي ا‬
‫سيدي المخفي فيصا بالجنون ‪.‬‬

‫ثقافي غير مغال الهجونة الثقافية ‪ ،‬مقارنة بنصوص‬ ‫و ينجح محمد ساري في تمرير خطا‬
‫جزائرية مشابهة‪/‬عجائبية أو صوفية ‪ ،‬كونه يطرح التساؤل حول انتهاز الفكر الخرافي الفرصة للتسلل‬
‫بين ضرو األقببية و األضرحة المعزولة في المراحل التي تغفل فيه األعين مكرساﹰ التمذه المكرس‬
‫للتخلف ‪ « :‬تذكر تلك الليلة الشتوية التي صادفه الرجل داخل الضريح وحدثه عن نفق يشق‬
‫مساهما سلبياﹰ في األزمة األمنية التي شهدتها البالد بعد ‪1992‬‬ ‫‪24‬‬
‫األرض إلى غاية مكة المكرمة »‬
‫(مع جمعيات الوعظ وٳقامات الطلبة‪ ، )25‬كل ذلك عن طريق الخروج عن النسق الرسمي الذي‬
‫معا لجيل الثمانينات ؛ كما يقول علي حر ‪ « :‬بادعائهم تمثيل‬
‫يضم المثقفين والنسق الشعبي ا‬
‫العقل واحتكار الحقيقة ‪ ٬‬كان ثمنه عزلة النخب وتخلفها عن المجتمع ‪ ٬‬فضال عن انغالق العقل‬
‫و األنساق الشعبية لهذا الجيل المنضوي تحت سلطة رجل السياسة وقداسة‬ ‫‪26‬‬
‫و جمود الفكر»‬
‫شيخ الزاوية ‪ « :‬فلم يعد المبدع الروائي كما كان شاعر النسق ‪ ٬‬ذلك الحارس الفحل ‪ ٬‬فقد استطاع‬
‫الخروج عن سلطة النسق‪ ٬‬ليقدم الواقع الثقافي بكل ما فيه من تابو إجتماعي‪ -‬سياسي من دون‬
‫كما يلقي الضوء على قداسة األولياء ـ ـ في نقد ثقافة الكرامة و قداسة االنسان ـ ـ‬ ‫‪27‬‬
‫مخاتلة (‪» )11‬‬
‫كيف وهم ﺃشخاص لهم صفات إنسانية غير ﺃنهم "باستمرارهم في الزمان! الديمومة ( ﺃبو الزمان )‬
‫كما خلقوا نوع من الطبقية في‬ ‫‪28‬‬
‫والطهارة والتنوير‪ ٬‬وكلها خصائص تمتح من القداسة والتقديس"‬
‫المجتمعات االسالمية خاصة على المستوى الشعبي للتصوف ﺃي الطرقية ويظهر ذلك على األقل‬
‫في شغف نايلة بالزواج من الشيخ امبارك في بادئ األمر ؛ « ﺃشخاص دعوا ﺃنفسهم األشراف منذ‬
‫السلطنة العثمانية ـ ﺃهل التكايا ( الزاويا ﺃو الخنكات بالتركية ) ـ ـ استحوذوا على مكانة وقطاع‬
‫‪29‬‬
‫اقتصادي مرموقين‪»1‬‬

‫‪ 311‬ـ ـ نقد إيديولوجية التطرف الديني‬

‫‪8‬‬
‫تتطرق رواية الغيث إلى ظاهرة "اإليديولوجية اإلسالمية" التي برزت في الثمانينيات وما صاحبها من‬
‫انهيار في المفاهيم و اإليديولوجيات الوطنية و االشتراكية ‪ ،‬التي سادت في العشريتين األولتين بعد‬
‫االستقالل ‪ ،‬و كيف اندمج بطل الرواية المهدي في الجماعات اإلسالمية التي احتلت المساجد‬
‫وكفرت المجتمع ‪ ،‬و كيف ظهرت إيديولوجيات جديدة منتقدة للمجتمع بتنكرها لكل اإليجابيات‬
‫الموجودة و المحققة ‪ ،‬حيث نكتشف في الحوار الذي جمع المهدي بأحد المجاهدين ـ ـ هو نفسه‬
‫اعمر حلموش الذي اغتص والدته ـ تنكر اإلسالميين السلفيين للتضحيات التي قدمها مجاهدو الثورة‬
‫التحريرية زاعمين أنها ال تستوفي شروط الشهادة ‪ ،‬يقول المهدي الشخصية المعتدة بنفسها اعتدادا‬
‫ولم يحاربوا من أجل الدين ؛ « إن‬ ‫أ صوليا أن قدماء المجاهدين حاربوا من أجل األرض والت ار‬
‫المجاهدين الحقيقيين يوجدون في أفغانستان لمحاربة الروس المالحدة‪ 1‬ومن يتوفى هناك شهيد‬
‫حقيقي‪ 1‬أما أمواتكم فليسوا شهداء على اإلطالق‪ 1‬و مجاهدوكم أيضا ليسوا مجاهدين‪ ٬‬إنهم‬
‫قدمتموها‪ 1‬فأين الجهاد في‬
‫جراء خدمة ّ‬
‫محاربين ليس إال‪ 1‬والدليل أن الدولة تمنحكم منحا شهرية ّ‬
‫سبيل اهلل؟»‪ 31‬فكأنما المهدي قد لعبت بعقله تحريضات دعاة المساجد وخطباء منابر الجمعة في‬
‫ذلك الوقت منهم قدوته الشيخ عبد القادر‪ ،‬إمام مسجد النور بالبليدة ‪ ،‬إلى درجة عطلت قدرة التأمل‬
‫لديه ؛ أوال في كونه ينابز شيخا درس في جامع الزيتونة في مقام معلمه بأشد العبارات قبحا ‪ ،‬وهو‬
‫السي عد الحق إمام مسجد سي عبد الرحمن في أمر اإلفتاء والحالل والحرام ‪ ،‬وثانيا ينابز شيخا‬
‫مجاهدا في مقام والده هو اعمر حلموش بنفس العبارات‪ .‬أو أنه يشكوا من اضطرابات نفسية نتيجة‬
‫تربيته في بيت والده الشيخ امبارك تربية غير طبيعية‪.‬‬

‫عن جوهر أحداث العنف الدامية التي ضربت الجزائر ‪،‬‬ ‫في هذا الحوار يكشف محمد ساري النقا‬
‫جوهر مفاده لم يكن توقيف المسار االنتخابي إال مطية تستر خلفها أصحابها ولوجا للعنف ‪ ،‬بل‬
‫الواحد المترتبة عن الالعدالة و الالمساواة‬ ‫إنها الطبقية في شكل نسق و ممارسات الحز‬
‫االجتماعيتين وصوالﹰ لسنوات األزمة و التراجع االقتصادي ‪ ،‬في الحقيقة هذا النسق الذي طال‬
‫الواحد و هو جله‬ ‫بمنح عالوات المجاهدين مرة واحدة لردم الفوارق االجتماعية بين أبناء الشع‬
‫نسق أبناء الحركة ومن الشعبيين الذين لم يحركوا ساكنا في الثورة وهو نسق اجتماعي مكبوت ملغى‬
‫الحقوق ف ي الجزائر؛ قد يكون المجاهد يملك أرضا مع أجرة شهرية وسكنا الئقين و أوالد موظفين‬
‫في قطاعات حكومية ‪ ،‬بينما لم يجد هؤالء المسكوت عنهم ما يسد رمقهم ولعل امبارك من بينهم‬
‫وان لم يذكر السارد صراحة فعله الحركي ـ ـ ليجعل زوجته نايلة تلجأ إلى جارهم المجاهد اعمر حلموش‬
‫إلنقاذه من ذبح المجاهدين له ـ ـ ولعل في داللة مقابلة عفته بعفة وشرف اعمر حلموش داللة على‬

‫‪9‬‬
‫أن المهدي ما هو إال ابن حركي سابق ؛ أي أن محمد ساري وضعنا بإزاء نسقين متقابلين أحدهما‬
‫مضمر واآلخر مسيطر ساهما في تبلور أيديولوجية غريبة عن القيم الصرفة للجزائريين وهي التطرف‬
‫اعمر حلموش المفارق هو اآلخر بحمله العصا‬ ‫األعمى ‪ ،‬ولعل ما يومئ و يسند رأينا هو خطا‬
‫انقض على المهدي‪1‬‬‫مرغ غضبا‪ ٬‬و ّ‬‫و محاولة ضر المهدي ‪ « :‬أمسك بها باليد اليمنى و وقف ٍ‬
‫ولكن هذا األخير‪ ٬‬بخفة قط يقظ‪ ٬‬قفز بعيدا خلف الزيتونة‪ 1‬عمد الكهل إلى مطاردته ولكنه انتبه‬
‫‪31‬‬
‫إلى قدميه الحافيتين‪ 1‬انحنى لينتعل حذاءه‪ 1‬و عندما استعد للركض كان المهدي قد اختفى‪»11‬‬
‫المهدي حول الجهاد في أفغانستان تنفجر داللة عميقة تحيل إلى‬ ‫وفي نقد اعمر حلموش لخطا‬
‫النسق ‪ ،‬ألنه مضمر من جهة ‪ ،‬وألنه متمكن و منغرس منذ القديم وكشفه يحتاج إلى جهد نقدي‬
‫متواصل و مكثف ‪ ،‬فالراوي‪ /‬المؤلف بصدد الكشف عن بذور العنف في ثورة التحرير نفسها كما‬
‫تكشف عن دالالت جانبية هي جهل السلفيين ببيان أول نوفمبر ‪ 1954‬أهم وثيقة إيديولوجية من‬
‫ضمن وثائق الثورة الجزائرية ‪ ..‬أنها مستمدة من روح اإلسالم و قيمه ‪ ،‬فهي نابعة من أصالة و‬
‫ثقافة المجتمع الجزائري المسلم‪.‬‬

‫عن نسق كان مطمور ‪ :‬حقائق كانت مطموسة ردمتها طبقات‬ ‫بصدد إزالة الت ار‬ ‫و كأنما الكات‬
‫السنين ‪ ،‬مضادة للوعي المطمئن ‪ ،‬كما أدلى به شخصيا ألحدى الصحف ‪ " :‬ما هي جذور العنف؟‬
‫و يمكننا العودة إلى العنف على مستوى االحتالل الفرنسي لنعيش بعده عشريتين هادئتين ‪ ،‬ثم أزمة‬
‫يخرج‬ ‫اقتصادية بحكم تدهور أسعار البترول ثم فجأة ندخل في مظاهرات ‪ 5‬أكتوبر‪ ،‬و إذا بالشبا‬
‫للشارع ويدمر ويرفع شعارات مناهضة لثورة التحرير ولفترة من التاريخ‪ ..‬ومن بعد ذلك تجربة‬
‫ديمقراطية تدخلك مباشرة في عنف دموي منقطع النظير‪ .‬لماذا؟ هذه هي فقط تساؤالت مررت بها‬
‫"الورم" ورافقني حين كتبت "الغيث"‪.32‬‬ ‫وأنا أكت‬

‫لعل الربط المباشر لظاهرة نشوء التيار السلفي في الجزائر بالممارسات الشخصية البطولية التي‬
‫تبوأت السلطة من مجاهدين سابقين ؛ ممارسات طبقية خلقت التيار اإلسالمي‪ ،‬و كال الطرفين هما‬
‫في حيص بيص من أمرهما ‪ ،‬على اعتبار أن القادة السلطويين غير أكفاء لمعالجة مشاكل التسيير‬
‫التي اعترضت سبيلهم ‪ ،‬واإلسالميين كذلك لم يقوموا بما قاموا به لوال جهلهم الحقيقي بجوهر الدين‬
‫نستشف ذلك من خالل صراع اعمر حملوش المجاهد البطل ذو الوظائف العدة في قطاعات الدولة‬
‫مع عريف سابق في جيش التحرير الوطني حول راقصة! « تمادى العسكري في تعنته ‪ ٬‬فازداد‬
‫جر الراقصة بالقوة‪ ٬‬و هو ال يتوقف عن إطالق التهديدات و الشتائم البذيئة ‪ 1‬شعر‬
‫فظاظة وأراد ّ‬

‫‪01‬‬
‫اعمر حلموش بانتهاك عرضه ‪ ٬‬هو الذكر الذي ينبغي له الدفاع عن أنثاه التي ساندته ووقفت‬
‫‪33‬‬
‫إلى جانبه»‬

‫‪ 3‬ــ الــقـصـــة‬

‫تشكل قصة حياتنا كجزائريين كلها من تفاعل ما هو إمبريالي استعماري مازالت ثقافتنا ترزح تحت‬
‫التراث‪ .‬وقصة الغيث ـ ـ وليس المطر؛‬ ‫نيره ‪ ،‬متداخلة مع ما هو مقاوم لتلك الثقافة ومن صل‬
‫فالداللة اللغوية للغيث هي السقي و االرتواء و هي لفظة مستقاة من التراث العربي اإلسالمي و‬
‫ﱠ‬
‫المسيحي عكس المطر الذي له داللة العاصفة والتدميرـ ـ ـ الذي دعا المهدي ربه كي ينزله عن طريق‬
‫صالة االستسقاء و انتظاره طويال دون جدوى ‪ ،‬و لعل الغيث هنا يرمز إلى إسالم السلفيين نفسه ‪،‬‬
‫الحري به إخراج المسلمين من التخلف لكن دون جدوى ‪ ،‬تأتي في حقبة االستعمار الثقافي الذي‬
‫اللهو في شوارع‬ ‫سقطت فيه شخصيات الرواية ‪ :‬نايلة و عبد القادر كروش السكير الذي يح‬
‫مرسيليا ‪ ،‬وسي أعمر حلموش المجاهد الذي يهيم بنايلة ويستمع إلى األغاني الراقصة ‪ ،‬بشكل عفوي‬
‫قتل المعمر الرومي بعد وقف إطالق النار في مارس ‪ 1962‬و غنم بيته ‪ ،‬فتأتي القصة مدمجة لثقافة‬
‫اللهو الفرانكفونية الهجينة المتمخضة عن اإلمبريالية الثقافية ‪ ،‬بالثقافة التراثية الشعبية مع التطور‬
‫في حركة المجتمع الجزائري ‪ ،‬لكن السياق الروائي يجمعها بتآلف (في أسرة الشيخ امبارك)‪ .‬حتى‬
‫أن‪ « :‬التفاعل مع الماضي اال ستعماري و التراثي في القصة يظهر كنسيج من الثقافة والعقائدية‬
‫‪34‬‬
‫والسياسة وقد انسرب إلى الماليين كي يمارس تأثيره عليهم»‬

‫تبنى قصة الغيث و تتراكم حيثيات شخوصها مع تصادم الماضي التراثي الديني و الماضي السياسي‬
‫عن االستقالل ‪ ،‬مع الواقع الجزائري الحالي ‪ ،‬إلى ﺃن تخرج بنا إلى حلبة الصراع أو الحبكة‬ ‫المترت‬
‫و هي محاوالت بناء المجتمع اإلسالمي كما بناه "المهدي ابن تومرت"‪ .‬أما تعقد وضع الماضي‬
‫التراثي يظهر في مظهرية التدين؛ ذلك التدين الطبقي ؛ الذي يميز بين تدين العوائل البورجوازية و‬
‫الفقيرة والذي شغل ﺃدبائنا المحدثين كجبران ‪ ،‬في قول نايلة عندما عثر عليها تزني ‪ «:‬من ستر‬
‫مؤمنا ستره اهلل في الدنيا واآلخرة!»‪ ،35‬ﺃما تعقد الماضي السياسي فظهر في عرض طلبة االقامة‬
‫الجامعية األقر إلى مدينة عين البيضاء مسرحية محمد خذ حقيبتك◊◊◊ لكات ياسين‪ ، 11‬لكن تدخل‬
‫مضمر بين‬ ‫جهات نافذة في اإلقامة يؤدي إلى منع العرض‪ .‬في حكاية "نايلة" ما يشي عن خطا‬
‫ثنايا نص الغيث و مسكوت عنه ‪ ،‬مقابل المصرح به في ثقافتنا ‪ ،‬وفي حكاية "المهدي" رد فعل‬

‫‪00‬‬
‫متطرف على إهمال السلطة لتراثها‪ .‬وفي كلتا الحالتين تدخل الهوية الدينية في بناء منظومة ثقافية‬
‫مرجعية‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ ـ ـ جماليات الســـرد‬

‫‪ 114‬ـ ـ شعرية الخطـاب‬

‫هو طريقة المثلى لتقديم المادة السردية ‪ ،‬و هو " شكل التعبير اللغوي الذي يحقق‬ ‫لما كان الخطا‬
‫المصورة على حد السواء ‪ ،‬التي‬
‫َّ‬ ‫المصورة و‬
‫ِّ‬ ‫االختالف بين كاتب وآخر"‪ ٬ 36‬أي « الخاصية اللغوية‬
‫الروائي هو قبل كل شيء خطا‬ ‫فإن الخطا‬ ‫‪37‬‬
‫تتوسل بعدد من الوسائل األسلوبية المناسبة»‬
‫عقدي أيديولوجي ‪ ،‬فاللغة أداة الرواية ‪ ،‬وهي وعاء الفكر‪ :‬ال‬ ‫جمالي لغوي قبل ﺃن يكون خطا‬
‫الجمالي ‪ « ،‬ﺃصبح مفهوم الشكل مفهوما متكامالً من حيث‬ ‫الفكري والخطا‬ ‫انفصام بين الخطا‬
‫المبنى و المعنى و التركيب و الداللة ‪ ٬‬و هذه نقلة نوعية تضاف للشكليين عندما‬
‫استطاعوا تجاوز التفرقة بينما كان يسمى الشكل والمضمون ‪ ٬‬والنظر ٳليها نظرة ادماجية واحدة‬
‫تنصهران في بوتقة الشكل المتكامل »‪ 138‬على هذا األساس ال مناص من أن يكون اعتماد محمد‬
‫ساري عليها جارية على لسان الراوي العليم (المتفقه في اللغة) ‪ ،‬وهذا ما يظهر جليا في الصفحتين‬
‫األوليتين للرواية حيث دخل الراوي في الموضوع ببالغة عالية و شاعرية فذة « ها هو يقرع كالسوط‬
‫تمدد ‪٬‬‬
‫‪ ٬‬بل كالرعد المدوي‪ 1‬يختلط بالغبار وصفير الريح‪ 1‬يشق الهواء كالحسام البتار‪ 1‬يمكنكم ال ّ‬
‫وغمض الجفون ‪ ٬‬وسيحملكم صوتي بعيدا‪ ٬‬إلى أبعد مما يرغبه خيالكم‪ 1‬وستسبحون في الفضاءات‬
‫العجيبة ‪ ٬‬وسط الكائنات الغريبة‪ 1‬ستتوغلون بداخل غابات وأدغال تخجل أشعة الشمس من الولوج‬
‫إليها‪ 1‬سأمتحن أعصابهم عبر الوهاد والشعاب والجبال الشامخات‪ 1‬وان أردتم ‪ ٬‬حلّقت بكم عبر‬
‫السماوات السبع ‪ ٬‬وأنتم مسترخون على السجاد الطائر‪ ٬‬أو معلّقون بمخالب طائر الر ّخ‬
‫هو التأثير قصد االستمالة العاطفية إلى الرأي أو الحجة‬ ‫والحق أن جوهر الخطا‬ ‫‪39‬‬
‫العمالق»‬
‫المرادة بيد أن هناك ميزة لغوية جعلت من الرواية الجديدة مثار جدل عكس الرواية التقليدية ـ ـ حتى‬
‫يجري على‬ ‫من المشرق العربي ـ ـ وهي األسلبة السردية‪ o‬أي جعل اللفظ‪/‬الخطا‬ ‫لدى كتابها الشبا‬
‫أكثر من لغة مباشرة ‪ ،‬وفي الفقرة السابقة ينتقل الراوي من سرد ال (هو) وفجأة دون سابق إنذار‬
‫(أنتم) ثم ينتقل بفجائية أخرى إلى مخاطبتهم بضمير‬ ‫(أنا) للمخاط‬ ‫يصبح الراوي هو المخاط‬
‫(هم) ناهيك من أنها ال تعبر مضمونيا عن مستوى قائلها الثقافي‪.‬‬

‫‪02‬‬
‫تنتمي شخصية كل من نايلة و المهندس األصولي سليمان مرواني والمهدي إلى مستوى ثقافي‬
‫بمستوى لغوي واحد عند الشخصيات الثالث ‪ ،‬مما يوحى‬ ‫متفاوت ‪ ،‬على الرغم من ذلك تقيد الكات‬
‫‪ ،‬كقول الراوي عن الشعبيين الذين سقطوا في البطالة بعد‬ ‫أنها تعبر بتلك اللغة عن فكر الكات‬
‫االستقالل ‪ 11«:‬ٳن هذا البلد كان دوما جنة المحاربين والدراويش ال غير‪ ٬‬ﺃما الفنانون و الشعراء‬
‫‪ ،‬فألجل تمثيل المرجعية الثقافية‪ ،‬ال‬ ‫‪41‬‬
‫فكانو دوما من المغضوب عليهم ولن يتغير الوضع ‪»11‬‬
‫ابتداء من الجزء األول من "لحظة‬
‫ا‬ ‫يتوانى الراوي السقوط في السرد المباشر ملتحما بالبطل المهدي‬
‫االنتظار" ‪ ،‬من هنا تأتي األهمية الخاصة للرواية الجديدة في التعبير عن الذات ‪ « :‬قدرتها الفائقة‬
‫في تمثيل المرجعيات الثقافية و النفسية و االجتماعية و التاريخية ‪ ٬‬ال قدرة لألنواع األخرى‬
‫المنحصرة عليها ‪ ٬‬فكفت ٳلى درجة بعيدة عن اإلسهام في تمثيل التصورات الكبرى عن الذات و‬
‫االخر»‪ 141‬لكن من شروط اللفظ ليس أن يكون له اشتقاق أو له اصطالح ‪ ،‬بل في أن يكون‬
‫‪᷃‬‬
‫ال ‪ ،‬فاأللفاظ التي جاء بها الكات في غالبيتها لها استعماالتها السياسية واإلعالمية كهذه األلفاظ‬
‫متداو ﹰ‬
‫المستقاة تواليا‪ : oo‬الجنة ـ الكنود ـ أعيارهم ـ أمعزهم ـ الحالزن ـ قرطاس متغضن ـ الخط الدامغ ـ‬
‫ـ اآلجام ـ آرقة ـ وغمي قبره برغم شعريتها وانسيابها الوجداني‬ ‫خصيانا ـ أتانة ـ لحاس قدور ـ مطب‬
‫فهي ليس لها وجود في العربية و ال تعني التحديث في شيء بل تعني عدم القدرة على التطويع‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫‪ 214‬ـ خطاب بنية التفاصيل السردية الدقيقة‬

‫لعل المتتبعون للحركة الروائية في الجزائر كثي ار ما يلحظون انسياق روائيو ما يعرف ب "الرواية‬
‫الجزائرية الجديدة" ـ ـ بل لهثهم أحيانا ـ ـ وراء شعرية اللغة لدرجة يضيع من أيديهم معها المضمون كليا‬
‫أو جزئيا كرواية "األسود يليق بك" ألحالم مستغانمي‪ ،‬وحتى يضيع آليا من بين أيديهم أحيانا كذلك‬
‫التفاصيل الفنية الدقيقة في العمل السردي ‪ ،‬أي ما يؤديه التجنيس و التناص وتعدد األصوات‬
‫السردية‪ ..‬الخ من خدمة ألفكار أجزاء النص المختلفة و ما يربطها بفكرة النص الكلية أو الموضوع‬
‫السردي وانسجامها ـ ـ أو يحدث معهم العكس ؛ يجرون وراء‬ ‫اجماال ـ ـ ارتباط جزئيات الخطا‬
‫المضمون فيهملون اللغة إما تمردا على قواعدها وتراكيبها النحوية الصحيحة كرواية "أصابع لوليتا"‬
‫لواس يني األعرج مثال ‪ ،‬أو ف ار ار متعمدا من منطق اللغة كليا جانحين نحو جماليات لغة الخطا‬
‫غنى عنها ‪ ،‬و ال يختلف في ذلك‬
‫معتركاتها هم أصال في ﹰ‬ ‫الصوفي أو اإلعالمي وهلم جر‪ ،‬لتجن‬
‫عن الروائيون المخضرمين كما سنرى‪.‬‬ ‫الروائيون الشبا‬

‫‪03‬‬
‫تخل ل حكي األحداث عرضا مطوال لماضي الشخصيات من قبل السارد ‪ ،‬مثل ماضي الشيخ امبارك‬
‫‪ ،‬و المجاهد اعمر حلموش ‪ ،‬باإلضافة إلى ماضي شخصيات تاريخية كالمهدي بن تومرت ‪ ،‬و‬
‫رضي اهلل عنهما‪.‬‬ ‫ابراهيم العظـم ‪ ،‬وشخصيات دينية كالخليفة عثمان بن عفان وعمر بن أبي طال‬
‫وقد أطال السارد في ذكر هذه األحداث التي تمثلت وظيفتها في أخذ العبرة و االقتداء باألولياء ‪،‬‬
‫وأهمية الرجوع إلى التراث والتاريخ لتحقيق المساواة ‪ ،‬ونبذ الخالف المؤدي إلى االقتتال و‬
‫العنف‪ .‬تكشف أحداث رواية الغيث عن تمرد عائلة الشيخ امبارك (الولي) بعد وفاته متمثلة في‬
‫عن األحداث‬ ‫شخصية ابن الشيخ مبارك "المهدي" الذي تحول إلى إرهابي ؛ وهو البطل الذي يغي‬
‫من حين ۤ‬
‫الخر‪ ،‬لتأخذ مكانه شخصية اعمر حلموش و والدته نايلة (كشخصية ثانوية) مع ابنتها "‬
‫ليلى" المتحولتين إلى عاهرتين بعد وفاة الشيخ امبارك ‪ ،‬تفكك البطل في الرواية الجديدة مرده‬
‫التحوالت العميقة التي عرفها المجتمع ‪ « :‬لم تعد النزعة الوثوقية ‪ dogmatism‬هاجساً بل غدا‬
‫‪43‬‬
‫الشك والنسبية و القلق من مرتكزات الرؤية الجديدة‪»1‬‬

‫و تعرض األحداث متسلسلة من فترة االستعمار حتى نهاية الثمانينات ضمن تاريخ هو تاريخ الجزائر‬
‫االجتماعي والسياسي المتصارع مع ذاته برغم تغير السلطة عام ‪ ، 1929‬تولد الفقر والبؤس‬
‫مثله شخصية االمام‬ ‫واآلفات االجتماعية ضمن أنساق ‪ :‬نسقق إسالمي معتدل ‪ ،‬أشاد به الكات‬
‫السي عبد الحق مؤمن بالردع األخالقي ‪ ،‬نسق ريعي نفعي مثله اعمر حلموش ‪ ،‬ونسق صوفي‬
‫مثله الشيخ امبارك ‪ ،‬وكردة فعل طبيعية للردع تتجه نايلة شيئا فشيئا إلى ممارسة حريتها ذريعتها‬
‫البؤس‪ .‬بدايةﹰ كان بدخول الغابة رفقة عشيقها أعمر حمروش ‪ ،‬كتعبير عن رفض الحر التي أودت‬
‫بزوجها األول ‪ ،‬ثم تدخل حياة العهر بعد االستقالل كمواجهة حتمية للفقر و الحرمان الذي تعرضت‬
‫له ‪ ،‬حيث تعيش حالة الهامش مع ابنتها ليلى التي أصبح التالميذ يضربونها ويدعونها بنت الحرام‬
‫إلى قدره المحتوم‬ ‫‪ ،‬وتسقط أخي ار منزوية في بيتها على أيدي البطل ابنها الذي يختاره الراوي‪/‬الكات‬
‫هو اآلخر"الجنون"‪ ،‬ألنه أراد تطبيق الشريعة السلفية في مجتمع القرن العشرين‪ ،‬نلمس غلبة طريقة‬
‫السرد الذاتي مع االسترسال في الحوار و األسلو التقريري دون قصد ؛ لم نجد خلط المفردة العامية‬
‫بدل "حراقة" وتفضيل المفردة التي تحافظ‬ ‫‪44‬‬
‫بالفصحى إالﱠ في مواضع محددة كمفردة "مهاجرين"‬
‫على حياد الراوي بين النسقين الثقافيين المتحضر و المحافظ ؛ بدل قوله ‪ :‬ر العالمين يفضل "سيد‬
‫العالمين"‪ ٬‬كما يقول " ال يلويي بتأوهات األرض الجدباء"‪ 45‬بدل "ال يكترث بتأوهات األرض الجدباء"‪1‬‬

‫عمد محمد ساري كثي ار إلى الحوار المشهدي سواء لكبح الحركة السردية بالمشهد ‪ la scène‬بغية‬
‫تكسير تسلسل زمن السرد و التشويش على القارئ لجعله يحاول اإلمساك برﺃس الخيط كل مرة‬

‫‪04‬‬
‫ليتعلق بالفكرة رئيسية جديدة تبتغيها األحداث‪ .‬لكن يعطي الراوي أحكاما على ما تقدمه الشخصية‬
‫كثي ار وبطريقة تقريرية على مدار المتخيل السردي ‪ « :‬و قد أبدى المهدي كرهاً شديداً لتعليقاته‬
‫‪ ،‬و في مثل قوله ‪ « :‬وحسب ابنه‬ ‫‪46‬‬
‫على حياة "ﺇبن تومرت" المتصوف الجليل الذي أعجب به »‬
‫دائما إن المجاهد‬
‫ﹰ‬ ‫الرشيد ‪ ٬‬قضى األيام األخيرة من حياته يجوب حوافي الضريح ‪ 11‬وحسب اإلبن‬
‫في هذيانه األخير‪ ٬‬قد نطق م ار ار باسمه وباسم الولي الصالح سيدي المخفي ‪ 11‬ربما زاره مالك‬
‫‪47‬‬
‫في هذيانه وكشف له السر‪»1‬‬

‫اإلصرار على إدانة " المهدي" مسبقا عندما تقول أمه "نايلة" لزوجها األول الشيخ امبارك ‪ ،‬ﺃن المهدي‬
‫نقدي‪ .‬و ذلك إلدانة‬ ‫ليس من صلبك توجيها لألحداث لتبني حبكة منطلية على ما يفهم أنه خطا‬
‫يبتعد عن اإلقناع و‬ ‫الفكر التكفيري وجعله بدون أصول وقواعد صحيحة ‪ ،‬بيد ﺃن الراوي‪ /‬الكات‬
‫التأثير الفنيين نسبيا ‪ ،‬بالتدخل لتوجيه البطل ثم تعليقه عليه وشرح موقفه األيديولوجي من األحداث‬
‫الرموز التراثية الشعبية (الجماهيرية) التي ترسخت في المخيال‬ ‫و الشخصيات ‪ ،‬و يوظف الكات‬
‫الجمعي كخوارق "األولياء" و الخوف من طقوسية األمكنة كقوله ‪ « :‬علي ﺃن ﺃبتعد عن هذه البقاع‬
‫لنقد سياسة البالد بعد االستقالل التي خلقت طبقة األولياء ‪ ،‬عندما يجعل عائلة‬ ‫‪48‬‬
‫التي لعنتني »‬
‫مرتين زانيتين و إرهابي وهذه سمة من سمات التفكيك الما بعد حداثي ‪«:‬‬
‫الولي امبارك تخرج ا أ‬
‫األعمال الجديدة تمحوا الفواصل والحدود‪ ٬‬فال تميز بين الثقافة العليا والثقافة الجماهيرية (الشعبية)‬
‫‪ ٬‬لعل ذلك راجع ٳلى تحول العرفان الصوفي عن مساره التعليمي التأديبي إلى مسار تمذهبي‬ ‫‪49‬‬
‫»‬
‫حماية الدولة ‪ ،‬و هو ما أبداه الشيخ امبارك مع المجاهد اعمر حلموش‬ ‫مع فالن ﺃو عالن ثم طل‬
‫‪ « :‬لم يعد لتجليات الصوفية ﺃكثر من كرامات األولياء ‪ ٬‬و سلوكهم سبيل الدروشة والمسكنة‬
‫‪51‬‬
‫والزهد ودفاعهم عن رهبانية اإلسالم كوسيلة للحماية و الهروب من البطش»‬

‫‪ 214‬ـ السارد في الحوار ( نمط الرؤية من الخلف‪ /‬الراوي العليم)‬

‫من خالل الحوارات الداخلية العديدة التي جرت بين الشخصيات نجد في كل مرة تدخل السارد ‪ ،‬ذلك‬
‫السارد العالم بكل شيء معطيا كل شخصية أهميتها باإلفصاح عن خوالجها ‪ ،‬تم لتوابع إدراكات‬
‫العام للرواية‪ .‬و من أمثلة ذلك الحوار الذي دار بين الشيخ‬ ‫بما ستضيفه للخطا‬ ‫الراوي ‪ /‬الكات‬
‫امبارك و زوجته نايلة عندما جلبت الماء من حوش الرومي‪:‬‬
‫ـــ و من رخص لك الخروج؟‬
‫ـــ ال يوجد في البيت ماء و ‪111‬‬

‫‪05‬‬
‫ـــ و الدلو الذي جلبته باألمس؟‬
‫ـــ غسلت به الثياب‪1‬‬
‫‪51‬‬
‫ــ ال أقبل أي تبرير‪ 1‬من اليوم ‪ ٬‬ال أريد أن تضعي قدما خارج البيت دون أن ترافقيني‬
‫نفسه إماما‬ ‫ومن هذه المشاهد الحوارية ما دار بين السي عبد الحق والمهدي الذي يقوم بتنصي‬
‫على مسجد عبد الرحمن عنوة ‪ ،‬و يقيل السي عبد الحق الذي تناقش معه حول المسألة ‪:‬‬
‫« ــ يا السي عبد الحق ‪ ٬‬إن أيامك قد انتهت في هذا المسجد‪ 1‬لقد أممناه اليوم‪ 1‬حان وقت تقاعدك‬
‫أو‪ 111‬أطلب من الولي أن يبني لك مسجدا جديدا‪1‬‬
‫ــ إن المسجد ملك لوزارة الشؤون الدينية‪ 1‬أنا اإلمام الرسمي هنا‪ 1‬ال تملك الحق وال القوة لعزلي‪1‬‬
‫ــ إن المسجد ملك هلل وللمصلين وليس لوزارة الشيوخ التي تتحدث عنها ثم إنك تتقاضى أجرة لتؤم‬
‫المصلين‪ ٬‬وهذا ال يجوز في اإلسالم‪1‬‬
‫ــ ال يجوز ! من أين خرجت بهذه الفتوى؟‬
‫ــ قالها علماء أجالء ال تسمع عنهم أنت‪1‬‬
‫ــ شوف أسيدي‪ 1‬ال تعرف سور إقامة الصالة وتأتي لتعلمني ما يجوز وما ال يجوز‪٬‬‬
‫أنا حافظ الستين وعمري ال يتجاوز العاشرة‪ 1‬وال تنسى بأنني درست في جامع الزيتونة قبل أن‬
‫تخرج من بطن أمك‪111‬‬
‫ــ ال تجادل فيما ال تعرفه يا السي عبد الحق‪ 1‬أنت موظف وال عالقة لك بالدين‪ 1‬أصبحت شيخا ال‬
‫تقوى حتى على الوقوف ‪ ٬‬وذاكرتك مخربة‪ 1‬خذ تقاعدك وأترك الشباب يسير هذا المسجد‪1‬‬
‫ــ سأشتكي إلى الوزارة وستطردكم الشرطة من هنا مثلما طردتكم من سوق الفالح‪1‬‬
‫ــ هكذا يا السي عبد الحق ‪ ٬‬تهددنا اآلن وتقف مع الطغاة ‪ 11‬رشيد ‪ ٬‬سليمان ‪ 11‬خذوه و ارموه‬
‫خارج المسجد ‪ 11‬ال أريد أن أره هنا مرة أخرى‪ 1‬هذا المسجد مسجدي‪ ٬‬اليوم وغدا وأبدا‪ 1‬وال يخرجني‬
‫‪52‬‬
‫منه أحدا‪»1‬‬
‫و تتواصل نفس التقنية ‪ ،‬و هذا ما الحظناه في الحوار الذي دار بين الجياللى و نايلة حينما عرف‬
‫أنها حامل‪ :‬ـ ـ ألم تقولي بأنك كنت متزوجة ولم تخلعي ذرية؟‬
‫ــ نعم‪ ٬‬إنها الحقيقة ‪ ٬‬قلت كاذبة وأنا أحاول إخفاء ارتباكي‪1‬‬
‫ــ وكيف حدث وأنت لم تحملي؟ قلعت ثالث سنوات؟‬
‫ــ ال أعرف السبب‪ 1‬كان زوجي شيخا كبير ولم يكن ينام معي إال نادر‪1‬‬
‫ــ إنها شوكة كبيرة‪ 1‬يستعصي علينا نزعها‪1‬‬

‫‪06‬‬
‫ــ أنت الرجل ولحل بين يديك‪1‬‬
‫‪1‬‬ ‫اتركيني أفكر؟ ال مشكلة إال لها حال‬
‫‪53‬‬

‫و نخلص من كل هذه الحوارات إلى أن حيادية الراوي بين الثقافة العالمة مع المهدي وصديقه‬
‫المهندس الذي أراد تطبيق شريعة ‪ :‬الرجم ‪ ،‬الفلقة ‪ ،‬الهجر‪ ،‬قطع اليد ‪ ..‬في إتباعه لفكر زعيم‬
‫الخوارج "المهدي‪/‬ابن تومرت"‪ ،‬و بين الثقافة الغير عالمة مع نايلة و اعمر حلموش ( اتباع الهوى)‬
‫عن التعبير بواقعية عن أصالة البطل المهدي ‪ ،‬ألن المجتمع‬ ‫قد اهتزت و فشل من خالله الكات‬
‫الجزائري أصالا كان مهزو از اقتصاديا فتنازعته الصراعات السياسية ؛ فلم توجد نظرة واحدة للتراث‬
‫وهوية البلد الثقافية ‪ ،‬حتى النزعة الصوفية بقيت طيعة للسلطة إلى أن اختلط الحابل بالنابل بعد‬
‫أحداث أكتوبر ‪ ، 1911‬ويوظف الروائي محمد ساري النمط السردي الذاتي ( ما تخبر به الشخصيات‬
‫عن نفسها) و لمسته الفنية تظهر كذلك في عرض الشخصية لنفسها من الداخل عن طريق المنولوج‬
‫المباشر و الغير المباشر‪ ،‬فنايلة تزور األضرحة و األولياء وتبكي عليها لكنها ال تتوانى في ضبط‬
‫« تيار الوعي‬ ‫؛ وقد استفاد كتا‬ ‫‪54‬‬
‫أهوائها ‪ :‬تزور بيت ﺃعمر حلموش لمكافأته وليس معها ﺃحد‬
‫‪55‬‬
‫من هذه التقنية في تحقيق عنصر اال زدواجية بين الحياة الداخلية والحياة الخارجية في آن »‬
‫همفري روبرت ‪ ،‬فهو لم يتدخل لتوجيه الشخصيات إال ناد اﹰر بل تركها تعرض مشاكلها‬ ‫‪ ٬‬حس‬
‫وذواتها كما يظهر في هذا الحوار‪:‬‬
‫" ـ ـ قال بأنه يكره البدلة العسكرية‪ ٬‬ويريد يهاجر إلى ﺃوروبا‪1‬‬
‫‪ ،‬لعلﱠ تمرد الشخصية‬ ‫‪56‬‬
‫ـ ـ و من قال لك ﺃن الباخرة ستأخذك معها ‪ ٬‬قال شاب غليظ األنف‪"11‬‬
‫السردي ‪ ،‬و هو شكل من‬ ‫األخالقي مهما كان مستواها الثقافي مطلو في البنية الجمالية للخطا‬
‫في الرواية الجزائرية الجديدة ‪ ،‬و« تحوالت الرواية العربية اليوم (‪ )11‬هي أمام‬ ‫ﺃشكال التجري‬
‫اختيارين اثنين ‪ ٬‬إما أن تكون حجابا يزيف العواطف و الحقائق ‪ ٬‬فتغرق في الذاتية و البكائية‬
‫مشهدا للتصادم و التجريب و الحداثة ‪ ٬‬عن‬
‫ً‬ ‫التي سادت فترة طويلة من الزمن ‪ ٬‬واما أن تكون‬
‫‪57‬‬
‫طريق خلخلة البديهي الجامد و تدمير المعتقدات التكريسية‪»1‬‬

‫الخاتمة‬

‫ـ أوال ومن حيث انتهى بحثنا لعل التعبير بواقعية من عدمه قد تجلت معالمه في مدى انسجام بنية‬
‫‪ ،‬أي ما أفرزه مضمون الشكل من دالالت كبنية تخليلية ‪ ،‬فاالنسجام لم يكن واضحا كما‬ ‫الخطا‬
‫نبر ساحة التيار السلفي و ال حتى الديني إجماال‪ .‬ألن هناك روايات عربية‬
‫و نحن هنا ال أ‬ ‫يج‬
‫مشرقية نجحت في ذلك التعبير و اكتست شهرة كروايتا ع اززيل و عمارة يعقوبيان من هذا المنظور‬
‫‪07‬‬
‫يبقى التجسيد الدرامي لألحداث بتدخل للشخصية و الحوار و رؤية السارد و الحوارية تجسيدا نسبيا‬
‫في رواية الغيث ‪ ،‬و إنما الذي أحدث خلال في هذه الرواية و جعلنا كأنما نحس أن من كان وراء‬
‫الري العام و وسائل‬
‫ذلك كله كان هو توجيه من لدن االتجاه الثقافي للمؤلف‪ .‬و يرجع ذلك لدور أ‬
‫أدبي هو وليد سياقه السوسيو‬ ‫الثقافة المدنية أو األكاديمية في حياة الكات ‪ .‬بتعبير آخر أي خطا‬
‫ثقافي أما إذا لم يكن كذلك فيتعسف في تفسيره سواء من مؤلفه أو ق ارءه‪.‬‬

‫ـ ـ دائما األعمال التخييلية التي تحاول بناء أحداث مشيدة على دراما العنف ذات مرجع واقعي إنما‬
‫تفعل ذلك بعد انتهاء ذلك العنف على يد السلطة الحاكمة في زمن تأـليف العمل األدبي بالتالي من‬
‫أن ال يكون لتلك السلطة تواجد في النص‪ .‬ما يعطي انطباعا أن للثقافة سلطة ممارسة وهذا‬ ‫الصع‬
‫و وسيلة الوصول إليها بل‬ ‫الروائي هو أوال و أخي ار خطا‬ ‫السلطة ‪ ،‬فالخطا‬ ‫مؤيد لنظرية خطا‬
‫الحداثة الغربية المعاصرة‪.‬‬ ‫هو السلطة و المعرفة ذاتها لدى ميشيل فوكو أحد أقطا‬
‫ـ ـ منظومة المجتمعات العربية في هذا المضمار تباعدت في عصر العولمة الثقافية الكاسحة بحس‬
‫درجة قربها أو بعدها عن "اإلمبريالية" حيث منهم من تحول ـ غير األكاديميين ـ إلى تبني خطا‬
‫ما بعد االستعمار الجديد ‪ Neo-colonialism‬بعيدا عن السلطة في‬ ‫اإلمبريالية الثقافية و خطا‬
‫أعمالهم الروائية الجديدة كالروائي المخضرم رشيد بوجدرة‪ .‬بينما بقي بعضهم يغطي على السلطة‬
‫بنقد فضفاض للخطابات الدينية كالروائي األكاديمي محمد ساري في رويتا الغيث ‪ 2002‬و القالع‬
‫المتآكلة ‪.2011‬‬
‫رواية الغيث عن مدى مقاربته لثقافة جزائرية أصيلة و تقاليد منفتحة على اآلخر (‬ ‫ـ ـ كشف خطا‬
‫بذمه لبعض السلوكات الصوفية التي صافت المستعمر الفرنسي ولم تقم أي وزن لما يعرف‬
‫باإلمبيريالية والصهيونية و ذ ﱠم الفكر السلفي و التقاليد البطريركية التي تمنع المرأة من التحرر أيضا‬
‫عن المتضادات النسقية التالية ‪ :‬نسق السلطة األيديولوجية ‪ ،‬نسق المجتمع‬ ‫) عبر رفع الحجا‬
‫األصيل البنية االجتماعية في بطريركيته و هو المسيطر ‪ ،‬و نسقا المجتمع العلماني المؤمن بحرية‬
‫المرأة و اإلسالم المتطرف كنسقين غائبين‪.‬‬

‫‪ -1‬أحمد أبو زيد ‪ :‬أخالقيات المستقبل العلمانية الرشيدة ‪ ،‬مجلة العربي ‪ ،‬و ازرة اإلعالم الكويت ‪ ،‬عدد‬
‫‪ ، 541‬يوليو ‪ ، 2004‬ص‪.12‬‬

‫‪08‬‬
‫* ‪ -‬التالزم الجدلي بين الروحي‪/‬األخالقي و الغريزي المادي مستمد من الثنائيات الجدلية الدال ـ ـ مدلول في‬
‫ينظر حمادي الصمود ‪ :‬الوجه‬ ‫اللسانيات الحديثة و فكرـ ـ لغة‪ ،‬حيث ال يمكن إلغاء طرف دون إلغاء نقيضه‪.‬‬
‫الجديد ‪ ،‬بيروت ‪ ،1911‬ص‪.55‬‬ ‫و القفا في تالزم التراث و الحداثة ‪ ،‬دار الكتا‬
‫كذلك يقول نتشة بجدلية العالقة بين أخالق الكنيسة والغريزة كالهما يتطور إلى نقيضه وتدخل العقل في تنظيم‬
‫العالقة بينهما‪ ،‬جاعال أخالق الكنيسة خاصية اإلنسان الضعيف و الغريزة من إرادة القوة في اإلنسان‪ .‬يسري‬
‫إبراهيم ‪ :‬فلسفة االٴخالق لفريديريك نتشة ‪ ،‬منشورات االختالف‪ ،‬الجزائر ‪ ،2005‬ص‪.666‬‬
‫‪ -2‬جميل حمداوي ‪ :‬نظريات النقد األدبي لمرحلة ما بعد الحداثة ‪ ،‬نشر بتاريخ ‪ ، 2016/9/25‬على الموقع‬
‫‪http://k-tb.com/book/download/296028 :‬‬
‫‪ -3‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص‪.216-215‬‬
‫‪ -4‬بشير بويجرة ‪ :‬أزمة الهوية أم عبث الراهن في أرس المحنة ‪ ،‬مقاربة حول تعالق راهنية الهوية ‪ ،‬ملتقى‬
‫رواية الراهن و راهنية الرواية بجامعة سطيف ‪ 6/2/1 ، 2‬ماي ‪ .2006‬د ص‪.‬‬
‫**‪ -‬السلطة األبوية ( البطريركية ‪ : ) patriarchal order‬هي رعاية أو وصايا دينية على الفرد تقف ضد‬
‫فكره الحر والمستقل‪.‬‬
‫‪-5‬عبد اهلل الغذامي ‪ :‬النقد الثقافي قراءة في األنساق الثقافية ‪ ،‬م ث ع ‪ ،‬بيروت ‪ ، 2000‬ص‪.62‬‬
‫‪ -6‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص‪.62‬‬
‫العر ‪ ،‬دمشق ‪ ، 2001‬ص ‪.29‬‬ ‫السردي ‪ ،‬اتحاد الكتا‬ ‫‪ -2‬عمر عيالن ‪ :‬في مناهج تحليل الخطا‬
‫وكيف نحلله؟ ‪ ،‬مؤسسة مجد ‪ ،‬بيروت ‪ ، 2009‬ص‪.21‬‬ ‫‪ -1‬عبد الواسع الحميري ‪ :‬ما الخطا‬
‫و النص ( المفهوم العالقة السلطة) ‪ ،‬مجد للدراسات ‪ ،‬بيروت ‪، 2001‬‬ ‫‪ -9‬عبد الواسع الحميري ‪ :‬الخطا‬
‫ص‪.99‬‬
‫الديني مفهومه وضوابطه‪ ،‬جامعة اإلمام مهدي بن سعود‬ ‫‪ - 10‬عياض بن نامي السلمي ‪ :‬تجديد الخطا‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ص‪.4‬‬
‫***‪ -‬محمد ساري روائي وأكاديمي جزائري من مواليد ‪ 1951‬بشرشال يعتبر حاليا ثاني أهم قامة روائية بعد‬
‫واسيني األعرج إنتاجا و متابعة ‪ ،‬أهم أعماله ‪ :‬البطاقة السحرية (‪ )1992‬الورم (‪ )2002‬والغيث (‪)2002‬‬
‫وقالع متا‪᷃‬كلة (‪ ، )2011‬الملخص ‪ :‬يأتي المهدي إلى الحياة في ظروف قاسية ليترعرع في بيت ديني لكنه‬
‫ناقة و يجعلها تمشي في فناء "سوق‬ ‫غير شريف ‪ ،‬يترأس جماعة إسالمية مسلحة في عين البيضاء‪ ،‬يجل‬
‫الفالح" بغية بناء مسجد تيمنا بالرسول الكريم في المدينة المنورة ‪ ،‬في انتظار الغيث يبدأ صراع بينه و بين‬
‫هؤالء الذين استولوا على المستودع والسلطة‪ .‬يقوم بمحاولة شق طريق سحري من ضريح سيدي المخفي إلى مكة‬
‫بالجنون مكتشفا أن الغيث لن يأتي أبدا ‪ ،‬الرواية تستمد بعض‬ ‫بعد حرقه لعائلته و عندما يدركه الفشل يصا‬
‫عجائبيتها من العادات الصوفية‪.‬‬
‫◊‪ -‬النسق المسيطر هنا هو النظام السلطوي حليف السلطة الدينية المتمثلة في الزوايا ‪ ،‬والنسق التابع هي‬
‫النخبة المثقفة ثقافة غربية (الثقافة العالمة) لو تغيرت األدوار وأصبح النسق التابع هو المسيطر وتلغى رتبة‬

‫‪09‬‬
‫يمكنه الحضور في أي وقت ويقدم مشروعه الثقافي‪،‬‬ ‫السيطرة و التابعية باالشتراك ‪ ،‬أي اٴن النسق الغائ‬
‫ديمقراطية الثقافة‪.‬‬ ‫فتغي‬ ‫فتتحقق ديمقراطية الثقافة‪ .‬أما إذا أصبح النسق التابع مسيط ار ملغيا النسق الغائ‬
‫◊◊‪ -‬التيار السلفي التكفيري ‪ :‬هو طرف الصراع الرئيسي مع العلمانيين و التحديثيين و القوميين يختلف عن‬
‫العقل‪/‬الري‪ .‬و السلفية هم الوهابية و‬
‫أ‬ ‫السلفي اإلصالحي في قضيتين جوهريتين؛ ‪ -1‬االجتهاد ‪-2‬النقل‪/‬الوحي و‬
‫االخيرين كفروا عديد المفكرين كنصر حامد ٔابو زيد وحسن حنفي و سيد‬
‫ٔاتباع ابن تيمية و االخوان المسلمين‪ٔ .‬‬
‫القمني واتهموهم بالردة و الكفر والزندقة أو تهمة "تعريض الهوية الدينية للخطر" من ثمة تصفيتهم وكم قتلوا منهم‬
‫في التسعينات بمصر و الجزائر ‪ .‬ينظر عبد السالم يوبي ‪ :‬المسكوت عنه في نقد نصر حامد أبوزيد آلليات‬
‫الديني ‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة تيزي وزو‪ ،‬ص ‪.166‬‬ ‫الخطا‬
‫‪-12‬هويدا صالح ‪ :‬الصورة الروائية للمثقف ‪ ،‬منشور بتاريخ ‪ ، 2016 /11/2‬د ص‪،‬‬
‫الموقع‪http://www.balagh.co/pages/tex.php?tid=5931‬‬
‫‪ -11‬محمد ساري ‪ :‬الغيث ‪ ،‬ص‪.16‬‬
‫‪ -19‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪.205‬‬
‫‪ - 20‬فاطمة زيراوي و ‪᷃‬اخرون ‪ :‬صورة المثقف في القصة القصيرة الجزائرية ‪ ، 1983 -1925‬ديوان‬
‫المطبوعات الجامعية‪ ،‬دت ‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ -21‬محمد ساري ‪ :‬الغيث ‪ ،‬ص‪.200‬‬
‫‪ - 22‬ﺃحمد بعلبكي و آخرون ‪ :‬الهوية وقضاياها في الوعي العربي المعاصر‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪،‬‬
‫ط‪ ، 1‬بيروت ‪ ، 2016‬ص‪. 11‬‬
‫‪ -26‬محمد ساري ‪ :‬الغيث ‪ ،‬ص‪.261‬‬
‫‪ -24‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪[25].206‬‬
‫‪ -25‬علي حر ‪ :‬نقد المثقف أو أوهام النخبة ‪ ،‬مر كز ثقافي العربي ‪ ،‬الدار البيضاء ‪ ، 2004‬ص‪.16‬‬
‫‪ -26‬شهال العجيلي ‪ :‬الخصوصية الثقافية في الرواية العربية ‪ ،‬ص‪.119‬‬
‫‪-22‬عبد الرحيم المؤذن ‪ :‬الولي الطاهر يرفع يديه بالدعاء رواية الكشف و االكتشاف ‪ ،‬نشر يوم ‪10 /2‬‬
‫‪ ، 2016/‬على الموقع‪https://www.alquds.co.uk/comment-page-1/ :‬‬
‫‪ -21‬سعيد عيادي ‪ :‬التصوف في الجزائر‪ ،‬حصة أهل الفكر‪ ،‬اإلذاعة الثقافية ‪ ،‬بثت في ‪2015/11/21‬‬
‫‪ ،‬الساعة ‪.20 h‬‬
‫‪ -60‬محمد ساري ‪ :‬الغيث ‪ ،‬ص ‪.52‬‬
‫‪ -61‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.59‬‬
‫‪ -62‬محمد عبيدو ‪ :‬صحيفة الجزائر نيوز ‪ ،‬عدد يوم ‪.2016/12/21‬‬
‫‪ -66‬محمد ساري ‪ :‬الغيث ‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫‪ ،‬بيروت ‪ ، 1992‬ص‪.16‬‬ ‫‪ ،‬دار اآلدا‬ ‫‪ -64‬إدوارد سعيد ‪ :‬الثقافة و اإلمبريالية ‪ ،‬ترجمة كمال أبو دي‬
‫‪ -65‬محمد ساري ‪ :‬الغيث ‪ ،‬ص‪.105‬‬

‫‪21‬‬
‫رواية نجمة ‪، 1956‬‬ ‫ياسين (صاح‬ ‫مسرحية "محمد خذ حقيبتك" لكات‬ ‫ــــ‬ ‫◊◊◊‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪206‬‬
‫ولد بقسنطينة سنة ‪ 1929‬وتوفي بغرونوبل عام ‪ ،)1919‬اعتبرها المتشددون اإلسالميون اساءة لإلسالم ‪ :‬يقصد‬
‫‪ ،‬بينما يصر هو‬ ‫‪ les fusille qui ne décolle pas‬صوامع المساجد التي ال تنطلق و تعوي بها الذئا‬
‫أنه يصور معاناة المغتربين الجزائريين ليس ٳال‪.‬‬
‫الروائي ‪ ،‬المركز الثقافي الغربي‪ ،‬الدار البيضاء ‪ ، 1992،‬ص‪.612‬‬ ‫‪ -66‬سعيد يقطين ‪ :‬تحليل الخطا‬
‫‪ -62‬زياد العوف ‪ :‬األثر األيديولوجي في النص الروائي‪ ،‬مؤسسة النوري ‪ ،‬دمشق ‪ ، 1996،‬ص‪.161‬‬
‫‪ -61‬عبد الرحمن مبروك ‪ :‬آليات المنهج الشكلي في نقد الرواية العربية المعاصرة ‪ ،‬دار الوفاء‪ ،‬ط‪، 1‬‬
‫اإلسكندرية ‪ ، 2002‬ص‪.12‬‬
‫‪ -69‬محمد ساري ‪ :‬الغيث ‪ ،‬ص‪.2‬‬
‫أو الجمع بين لغة مباشرة (أ) من خالل لغة ضمنية ( ) في‬ ‫‪ -o‬األسلبة الروائية ‪ :‬تقوم على تقليد األسالي‬
‫ملفوظ واحد‪.‬‬
‫‪ -40‬محمد ساري ‪ :‬الغيث ‪ ،‬ص‪.15‬‬
‫‪ -41‬عبداهلل إبراهيم ‪ :‬السردية العربية الحديثة األبنية السردية و الداللية‪ ،‬الجزء‪ ، 2‬المؤسسة العربية للدراسة‬
‫والنشر‪ ،‬ط‪ ، 1‬بيروت ‪ ، 2016‬ص‪.5‬‬
‫‪ -42‬محمد ساري ‪ :‬الغيث ‪ ،‬ص‪.51-44-6-2‬‬
‫احتفاء بالسرد التقريري ‪ ،‬و‬
‫ا‬ ‫‪ -oo‬هذا النص الروائي " الغيث" من أكثر النصوص التي قرأتها لروائي أكاديمي‬
‫كأن الكات لشدة حرسه على إظهار بعض تفاصيل رأى أنها جوهرية في خطابه نسي أنه يعيد استنساخ أحداثا‬
‫أكمل دراسته و تكوينه ضمن سياق هجين اللغة في منطقة شناوة ثم في‬ ‫خبرية من يوميات وطنية ‪ ،‬لكن الكات‬
‫السوربون‬
‫‪Lucien Goldman : pour une sociologie de roman, gallimard , paris , p245. -46‬‬
‫‪ -44‬محمد ساري ‪ :‬الغيث ‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫‪ -45‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.144‬‬
‫‪ -46‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.52‬‬
‫‪ -42‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.262‬‬
‫‪ -41‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫‪ -49‬فريديريك جيمسون ‪ :‬التحول الثقافي ‪ ، 1991-1916‬ترجمة محمد الجنيدي‪ ،‬أكاديمية الفنون ‪ ،‬ط‪1‬‬
‫‪ ،‬القاهرة ‪ ، 2000‬ص‪.21‬‬
‫‪ :‬في اإلشراق الصوفي فلسفة وحدة الوجود ‪ ،‬منشور بتاريخ ‪ ، 2014 /2/19‬الموقع‬ ‫‪ -50‬إحسان طال‬
‫‪http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=401544#null‬‬
‫‪ - 51‬محمد ساري ‪ :‬الغيث ‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫‪ -52‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪.92‬‬
‫‪ -56‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪.104‬‬
‫‪20‬‬
‫‪ -54‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪.96‬‬
‫‪ -55‬همفري روبرت ‪ :‬تيار الوعي في الرواية الحديثة ‪ ،‬ص‪.26‬‬
‫‪ -56‬محمد ساري ‪ :‬الغيث ‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫‪ -52‬تيارات السرد في الرواية العربية المعاصرة ‪ ،‬مجلة العربي‪ ،‬و ازرة اإلعالم الكويت ‪ ،‬عدد ‪ ، 611‬أكتوبر‬
‫‪ ، 2009‬ص‪.122‬‬

‫‪22‬‬

Vous aimerez peut-être aussi