Vous êtes sur la page 1sur 114

‫أين قال ال مسيح ‪ " . .‬اعبدوني " ! ؟ وھبي‪ ...‬لسان ال مسيح ) أنا ابن ﷲ ( أو ) أنا ﷲ ( فاع بدوني ؟ !

صلب ال مسيح و مات‪ ،‬وال مسيح ھو ﷲ‪ ... .‬ﷲ ورسول ه ولم يقل أبد اً أنا ﷲ ولم يقل اعبدون ي أدل ة النصار ى على ألوھي ة ال مسيح ‪ ...‬واحد قال في ه عيسى عن ن فس ه‪ :‬أنا إل ه‪ .‬أو قال‪ :‬اعبدوني *** يزعم النصار ى ھيفاء أن قول ال مسيح ‪ ) ) :‬أناو ‪ ...‬في ه أنا ﷲ أنا رب كم أنا إل ھ كم أو قال اعبدوني ؟ ھل قال ال مسيح‪ :‬أنا ﷲ اع بدوني ؟ نص واحد قال في ه عيسى عن نفس ه‪ :‬أنا إل ه‪ .‬أو *** قال‪ :‬اعبدوني ھل ق ال ال مسيح أنا ﷲ أو أعبدوني ب كل ھل خ اطب ال مسيح اتباع ه وقال ل ھم اعبدوني او قال ل ھم انا ال ه ھل يوجد في االنج يل ا ي شيء من ھذا القبيل يا مرھم بان ي عبدوة او صر ح بالوھيت ه أين‪،‬قال‪،‬ال مسيح‪،"،. ،.،‬اعبدون ي‪، !،"،‬؟‪،‬وھبي‪،. ..‬لسان‪،‬ال مسيح ‪،)،‬أنا‪،‬اب ن‪،‬ﷲ ‪،(،‬أو‪،) ،‬أنا‪ ،‬ﷲ‪،(،‬ف اعبدون ي‪،‬؟ ‪، !،‬صلب‪،‬ال مسيح ‪،‬و مات‪،‬وال مسيح‪،‬ھو‪،‬ﷲ‪،...،.‬ﷲ‪،‬ورسول ه‪،‬ولم‪،‬ي قل‪،‬أبد اً‪،‬أن ا‪،‬ﷲ‪،‬ول م‪،‬يقل‪،‬اع بدوني‪،‬أدل ة‪،‬ال نصار ى‬
‫‪،‬على‪،‬ألوھي ة‪،‬ال مسيح‪،...،‬واح د‪،‬قال‪،‬في ه‪،‬ع يسى ‪،‬عن‪،‬نفس ه‪،:‬أن ا‪،‬إل ه‪،.‬أو‪،‬قال‪،:‬اعبدو ني‪،* **،‬يزع م‪،‬النصار ى‪،‬ھيفاء‪،‬أن‪،‬قو ل‪،‬ال مسيح )‪،‬أناو‪، ...،‬في ه‪،‬أنا‪،‬ﷲ‪،‬أنا ‪،‬رب كم‪،‬أنا‪،‬إل ھ كم‪،‬أو‪،‬قال‪،‬اع بدوني ‪،‬؟‪،‬ھ ل‪،‬قال‪،‬ال مسيح‪،:‬أنا ‪،‬ﷲ‪،‬اع بدوني ؟‪،‬ن ص‪،‬واحد‪،‬قا ل‪،‬في ه‪،‬عي سى‪،‬ع ن‪،‬نفس ه‪،:‬أنا‪،‬إل ه‪،.‬أو‪، ***،‬قال‪،:‬اع بدوني‪،‬ھل ‪،‬قال‪،‬ال مسيح‪،‬أنا ‪،‬ﷲ‪،‬أو‪،‬أعبدو ني‪،‬ب كل‪،‬ھل ‪،‬خاطب‪،‬ال مسيح‪،‬اتباع ه‪،‬وقا ل‪،‬ل ھم‪،‬اعبدو ني‪،‬او‪،‬قال‪،‬ل ھ م‪،‬انا‪،‬ال ه‪،‬ھل‪،‬يوج د‪،‬في‪ ،‬االنجيل‪،‬ا ي ‪ ،‬شيء‪ ،‬من‪،‬ھذا‪،‬القبي ل‪،‬يا مرھم‪،‬بان‪،‬ي ع بدوة‪،‬او‪،‬ص رح‪،‬بالوھيت ه‪ ،‬أين‪,‬قال‪,‬ال مسيح‪,,,.,.,‬اعبدو ني‪, !,,,‬؟‪,‬وھبي‪,...‬لسان‪,‬ال مسيح ‪,),‬أن‪,‬ابن‪,‬ﷲ ‪,(,‬أو‪,),‬أن‪,‬ﷲ ‪,(,‬فاعبدو ني‪,‬؟ ‪ !,‬صلب‪,‬ال مسيح‪,‬و مات‪,‬وال مسيح‪,‬ھو‪,‬ﷲ‪,...,.‬ﷲ‪,‬ورسول ه‪,‬ولم‪,‬يقل‪,‬أبد‪,‬أن‪,‬ﷲ‪,‬ولم‪,‬يقل‪,‬اع بدوني ‪,‬أد ل ة‪,‬النصار ى‪,‬على‪,‬ألوھي ة‪,‬ال مسيح‪,...,‬واحد‪,‬قال‪,‬في ه‪,‬عي سى‪,‬عن‪,‬نفس ه‪,:‬أن‪,.,‬أو‪,‬قال‪,:‬اع بدوني‪,***,‬ي زعم‪,‬النصار ى‪,‬ھيفاء‪,‬أن‪,‬قول‪ ,‬ال مسيح)‪,‬أناو‪,...,‬في ه‪,‬أن‪,‬ﷲ‪,‬أن‪,‬رب كم‪,‬أن‪,‬إل ھ كم‪,‬أو‪,‬قال‪,‬اعبدوني‪,‬؟‪,‬ھل ‪,‬قال‪,‬ال مسيح‪,:‬أن‪,‬ﷲ‪,‬اع بدوني؟‪ ,‬نص‪,‬واحد‪,‬قا ل‪,‬في ه‪,‬عيسى‪ ,‬عن‪,‬نفس ه‪,:‬أن‪,‬إل ه‪,.‬أو‪, ***,‬قال‪,:‬اعبدوني‪,‬ھل‪,‬ق ال‪,‬ال مسيح‪,‬أن‪,‬ﷲ‪,‬أو‪,‬أعبدوني‪,‬ب كل‪,‬ھل‪,‬خ اطب‪,‬ال مسيح‪,‬اتباع ه‪,‬وقال‪,‬ل ھم‪,‬اعبدوني‪,‬او‪,‬قال‪,‬ل ھم‪,‬ان‪,‬ال ه‪,‬‬
‫ھل‪,‬يوجد‪,‬في‪,‬االنج يل‪,‬ا ي‪,‬شيء‪ ,‬من‪,‬ھذ‪,‬القبيل‪,‬يا مرھم‪,‬بان‪,‬ي عبدوة‪,‬او‪,‬ص رح‪,‬بالوھيت ه‪,‬‬

‫‪The link ed image cannot be display ed. The file may hav e been mov ed, renamed, or deleted. Verify that the link points to the correct file and location.‬‬

‫أرﻨﻲ‬

‫أﻴن ﻗﺎل اﻝﻤﺴﻴﺢ‪:‬‬

‫”أﻨﺎ ﻫو اﷲ‬
‫ﻓﺎﻋﺒدوﻨﻲ“؟‬
‫أين قال ال مسيح ‪ " . .‬اعبدوني " ! ؟ وھبي‪ ...‬لسان ال مسيح ) أنا ابن ﷲ ( أو ) أنا ﷲ ( فاع بدوني ؟ ! صلب ال مسيح و مات‪ ،‬وال مسيح ھو ﷲ‪ ... .‬ﷲ ورسول ه ولم يقل أبد اً أنا ﷲ ولم يقل اعبدون ي أدل ة النصار ى على ألوھي ة ال مسيح ‪ ...‬واحد قال في ه عيسى عن ن فس ه‪ :‬أنا إل ه‪ .‬أو قال‪ :‬اعبدوني *** يزعم النصار ى ھيفاء أن قول ال مسيح ‪ ) ) :‬أناو ‪ ...‬في ه أنا ﷲ أنا رب كم أنا إل ھ كم أو قال اعبدوني ؟ ھل قال ال مسيح‪ :‬أنا ﷲ اع بدوني ؟ نص واحد قال في ه عيسى عن نفس ه‪ :‬أنا إل ه‪ .‬أو *** قال‪ :‬اعبدوني ھل ق ال ال مسيح أنا ﷲ أو أعبدوني ب كل ھل خ اطب ال مسيح اتباع ه وقال ل ھم اعبدوني او قال ل ھم انا ال ه ھل يوجد في االنج يل ا ي شيء من ھذا القبيل يا مرھم بان ي عبدوة او صر ح بالوھيت ه أين‪،‬قال‪،‬ال مسيح‪،"،. ،.،‬اعبدون ي‪، !،"،‬؟‪،‬وھبي‪،. ..‬لسان‪،‬ال مسيح ‪،)،‬أنا‪،‬اب ن‪،‬ﷲ ‪،(،‬أو‪،) ،‬أنا‪ ،‬ﷲ‪،(،‬ف اعبدون ي‪،‬؟ ‪، !،‬صلب‪،‬ال مسيح ‪،‬و مات‪،‬وال مسيح‪،‬ھو‪،‬ﷲ‪،...،.‬ﷲ‪،‬ورسول ه‪،‬ولم‪،‬ي قل‪،‬أبد اً‪،‬أن ا‪،‬ﷲ‪،‬ول م‪،‬يقل‪،‬اع بدوني‪،‬أدل ة‪،‬ا ل نصار ى‬
‫‪،‬على‪،‬ألوھي ة‪،‬ال مسيح‪،...،‬واح د‪،‬قال‪،‬في ه‪،‬ع يسى ‪،‬عن‪،‬نفس ه‪،:‬أن ا‪،‬إل ه‪،.‬أو‪،‬قال‪،:‬اعبدو ني‪،* **،‬يزع م‪،‬النصار ى‪،‬ھيفاء‪،‬أن‪،‬قو ل‪،‬ال مسيح )‪،‬أناو‪، ...،‬في ه‪،‬أنا‪،‬ﷲ‪،‬أنا ‪،‬رب كم‪،‬أنا‪،‬إل ھ كم‪،‬أو‪،‬قال‪،‬اع بدوني ‪،‬؟‪،‬ھ ل‪،‬قال‪،‬ال مسيح‪،:‬أنا ‪،‬ﷲ‪،‬اع بدوني ؟‪،‬ن ص‪،‬واحد‪،‬قا ل‪،‬في ه‪،‬عي سى‪،‬ع ن‪،‬نفس ه‪،:‬أنا‪،‬إل ه‪،.‬أو‪، ***،‬قال‪،:‬اع بدوني‪،‬ھل ‪،‬قال‪،‬ال مسيح‪،‬أنا ‪،‬ﷲ‪،‬أو‪،‬أعبدو ني‪،‬ب كل‪،‬ھل ‪،‬خاطب‪،‬ال مسيح‪،‬اتباع ه‪،‬وقا ل‪،‬ل ھم‪،‬اعبدو ني‪،‬او‪،‬قال‪،‬ل ھ م‪،‬انا‪،‬ال ه‪،‬ھل‪،‬يوج د‪،‬في‪ ،‬االنجيل‪ ،‬ا ي ‪ ،‬شيء‪ ،‬من‪،‬ھذا‪،‬القبي ل‪،‬يا مرھم‪،‬بان‪،‬ي ع بدوة‪،‬او‪،‬ص رح‪،‬بالوھيت ه‪ ،‬أين‪,‬قال‪,‬ال مسيح‪,,,.,.,‬اعبدو ني‪, !,,,‬؟‪,‬وھبي‪,...‬لسان‪,‬ال مسيح ‪,),‬أن‪,‬ابن‪,‬ﷲ ‪,(,‬أو‪,),‬أن‪,‬ﷲ ‪,(,‬فاعبدو ني‪,‬؟ ‪ !,‬صلب‪,‬ال مسيح‪,‬و مات‪,‬وال مسيح‪,‬ھو‪,‬ﷲ‪,...,.‬ﷲ‪,‬ورسول ه‪,‬ولم‪,‬يقل‪,‬أبد‪,‬أن‪,‬ﷲ‪,‬ولم‪,‬يقل‪,‬اع بدوني ‪,‬أدل ة‪,‬النصار ى‪,‬ع لى‪,‬ألوھي ة‪,‬ال مسيح‪,...,‬واحد‪,‬قال‪,‬في ه‪,‬عي سى‪,‬عن‪,‬نفس ه‪,:‬أن‪,.,‬أو‪,‬قال‪,:‬اع بدوني‪,***,‬ي زعم‪,‬النصار ى‪,‬ھيفاء‪,‬أن‪,‬قول‪ ,‬ال مسيح)‪,‬أناو‪,...,‬في ه‪,‬أن‪,‬ﷲ‪,‬أن‪,‬رب كم‪,‬أن‪,‬إل ھ كم‪,‬أو‪,‬قال‪,‬اعبدوني‪,‬؟‪,‬ھل ‪,‬قال‪,‬ال مسيح‪,:‬أن‪,‬ﷲ‪,‬اع بدوني؟‪ ,‬نص‪,‬واحد‪,‬قا ل‪,‬في ه‪,‬عيسى‪ ,‬عن‪,‬نفس ه‪,:‬أن‪,‬إل ه‪,.‬أو‪, ***,‬قال‪,:‬اعبدوني‪,‬ھل‪,‬ق ال‪,‬ال مسيح‪,‬أن‪,‬ﷲ‪,‬أو‪,‬أعبدوني‪,‬ب كل‪,‬ھل‪,‬خ اطب‪,‬ال مسيح‪,‬اتباع ه‪,‬وقال‪,‬ل ھم‪,‬اعبدوني‪,‬او‪,‬قال‪,‬ل ھم‪,‬ان‪,‬ال ه‪,‬‬
‫ھل‪,‬يوجد‪,‬في‪,‬االنج يل‪,‬ا ي‪,‬شيء‪ ,‬من‪,‬ھذ‪,‬القبيل‪,‬يا مرھم‪,‬بان‪,‬ي عبدوة‪,‬او‪,‬ص رح‪,‬بالوھيت ه‪,‬‬

‫‪The link ed image cannot be display ed. The file may hav e been mov ed, renamed, or deleted. Verify that the link points to the correct file and location.‬‬


دمאא   
ض‬

‫محتويات الكتاب‬
‫تقديم‬

‫‪ -١‬ھذا ما قاله المسيح‬

‫‪ -٢‬المزيد من أقوال المسيح‬

‫‪ -٣‬أعمال المسيح قالت‬

‫‪ -٤‬اآليات المؤيدة لالھوت المسيح‬

‫‪ -٥‬المسيح قبل السجود‬


‫‪ -٦‬أھمية ھذا الحق‬

‫تقديم‬

‫ُيعت َبر اإليمان بالھوت المسيح حجر الزاوية في اإليمان‬


‫المسيحي‪ ،‬والسجود له ‪ -‬بحسب كلمة ﷲ ‪ -‬ھو الطريق الوحيدة‬
‫للحياة األبدية‪ .‬وحيث أن ماليين المسيحيين في العالم اليوم‬
‫يؤمنون أن المسيح ھو ﷲ‪ ،‬وبالتالي فإنھم يتعبدون له‪ ،‬فإننا‬
‫معرضون لھذا السؤال‪” :‬أرني أين قال المسيح‪ :‬أنا ھو ﷲ‬
‫ما لمجاوبة‬ ‫فاعبدوني؟“‪ .‬وحيث إننا يجب أن نكون مستعدين دائ ً‬
‫كل من يسأل عن سبب الرجاء الذي فينا بوداعة وخوف‬
‫)‪١‬بطرس‪ ،(١٥ :٣‬فقد شرعت بمعونة الرب أن أكتب ھذا الكتاب‪.‬‬

‫إن اإلجابة عن السؤال السابق ببساطة ‪ -‬كما سنفھم من ھذا‬


‫الكتاب ‪ -‬ھي أن المسيح قال بكل وضوح إنه ھو ﷲ‪ ،‬ال مرة‬
‫بل مرات عديدة‪ ،‬ال بطريقة واحدة يفھمھما البعض‪ ،‬بل‬
‫بطرق متنوعة وكثيرة لكي يفھمھا الجميع‪ ،‬حتى ال يبقى‬
‫ھناك عذر عند أي واحد كائنًا من كان‪.‬‬

‫وليس فقط أن المسيح قال ذلك عن نفسه‪ ،‬بل إن األنبياء من‬


‫القديم قالوا ذلك عنه‪ ،‬ورسل العھد الجديد أكدوا األمر عينه‪.‬‬
‫وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فلقد عمل المسيح أعماال ً ال يمكن لغير‬
‫ﷲ أن يعملھا‪ ،‬وبالتالي فإن إيمان جماھير المسيحيين‬
‫الذين يؤمنون بوحي الكتاب المقدس‪ ،‬وباعتباره مصدر‬
‫اإلعالن اإللھي الوحيد‪ ،‬يقودھم ‪ -‬عن يقين ‪ -‬لإلقرار بأن‬
‫المسيح ھو ﷲ‪ ،‬وبعبادته أيضًا‪ .‬إن سدى اإلعالن في‬
‫العھد الجديد ولحمته ھو اإليمان بالھوت المسيح‪.‬‬

‫على أن السؤال المطروح أمامنا لم ينتج من فراغ‪ ،‬بل له خلفيته‪.‬‬


‫فالكتاب المقدس يقول عن المسيح‪» :‬الذي إذ كان في صورة‬
‫ﷲ‪ ،‬لم يحسب خلسة أن يكون معادال ً _‪ ،‬لكنه أخلى‬
‫نفسه‪ ،‬آخ ًذا صورة عبد‪ ،‬صائرًا في شبه الناس‪ ،‬وإذ وجد‬
‫في الھيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت‬
‫الصليب« )فيلبي‪.(٨-٦ :٢‬‬

‫في ھذه اآلية يذكر الرسول لنا أمرين ھامين وجديرين باالنتباه ولو‬
‫أنھما متميزان‪:‬‬

‫‪ -١‬من ھو المسيح في ذاته من األزل وإلى األبد‪ .‬إذ يقول عنه إنه‬
‫”كان في صورة ﷲ“‪ ،‬وأنه ”لم يحسب خلسة أن يكون‬
‫معادال ً _“‪ ،‬ذلك ألنه ھو ﷲ‪.‬‬

‫‪ -٢‬ما َق ِبل المسيح أن يصيره‪ ،‬بكامل إرادته‪ ،‬طاعة ألبيه وح ًبا لنا‪،‬‬
‫إذ يقول عنه إنه »أخلى نفسه«‪ ،‬التعبير الذي يتضمن أنه‬
‫أخفى مجده اإللھي في حجاب الناسوت‪ .‬ثم إنه إذ وجد‬
‫قا العظمة‬ ‫في الھيئة كإنسان‪ ،‬فإنه لم يكن قصده إطال ً‬
‫رغم أنه ھو العظيم‪ ،‬بل يستطرد الرسول قائالً‪ :‬إنه »وضع‬
‫نفسه‪ ،‬وأطاع حتى الموت موت الصليب«‪.‬‬

‫فھل الذي أخلى نفسه‪ ،‬آخ ًذا صورة عبد‪ ،‬ننتظر منه أن‬
‫يقول في كل مجلس‪ :‬أنا ربكم؟ أو أن يقول أمام كل‬
‫حشد‪ :‬ألني ﷲ فاسجدوا لي واعبدوني؟! أ ألجل ھذا‬
‫أتى المسيح إلى العالم؟ كال على اإلطالق كما سنفھم‬
‫ونحن ندرس ھذا األمر في ھذا الكتاب‪.‬‬

‫إننا نؤمن بأن المسيح صار في ملء الزمان إنسانًا في كل ما ھو‬


‫اإلنسان‪ ،‬فلقد ولد من امرأة‪ ،‬وختن في اليوم الثامن‪ ،‬وكبر‪ ،‬وجاع‬
‫وعطش‪ ،‬وتعب وتجرب‪ ،‬وتألم ومات‪ .‬وھذا كله يبرھن على أنه‬
‫إنسان بكل معنى الكلمة‪ ،‬لكنه أب ًدا لم يكن مجرد إنسان‪ ،‬بل‬
‫إنه أكثر من ذلك‪ ،‬وھو ما يعلنه الكتاب المقدس أي ً‬
‫ضا‪.‬‬

‫فرغم حجاب الناسوت‪ ،‬الذي خلفه أخفى المسيح مجده‪ ،‬ورغم‬


‫فكر التواضع الذي ميز سيدنا وربنا المعبود كل مسيرة حياته فوق‬
‫األرض‪ ،‬فإن كل الذين جلى الروح القدس بصائرھم عرفوه‪ ،‬وكل‬
‫من أعلن اآلب شخصه لھم قدروه وك ﱠرموه‪ ،‬وأما الباقون فلم يروا‬
‫فيه سوى نجار الناصرة‪ ،‬أو على أكثر تقدير نبي الجليل‪.‬‬

‫لقد كان له المجد مثل خيمة االجتماع التي نصبھا موسى النبي‪،‬‬
‫بناء على أمر الرب‪ .‬لقد كانت ھذه الخيمة ترمز وتشير إليه‪ .‬ولكن‬
‫ھذه الخيمة لم يكن لھا المنظر الخارجي الجذاب على اإلطالق‪،‬‬
‫إذ كانت مغطاة من الخارج بجلود ”التخس“ الذي ال يشد إليه‬
‫الناظرين‪ ،‬لكنھا كانت تحوي من الداخل الذھب النقي‪ .‬والذھب‪،‬‬
‫الذي ھو أنقى المعادن كلھا‪ ،‬يعطينا تصوي ًرا بسيطًا لالھوت‬
‫سر كل الملء أن يحل )كولوسي‪،(١٩ :١‬‬ ‫المسيح‪ .‬ففي المسيح ُ‬
‫ولو أنه بدا للعين البشرية الطبيعية‪ ،‬التي لم يجلھا روح ﷲ‬
‫القدوس‪ ،‬أنه مجرد إنسان فقير ومسكين!‬

‫والحال ھكذا‪ ،‬فإن المسيح لم يقل بحصر اللفظ‪” :‬أنا ھو‬


‫ﷲ فاعبدوني“‪ .‬وال كان من المنتظر أن يقول ذلك‪ ،‬ولو أنه‬
‫قال ھذا المعنى ‪ -‬كما ذكرنا – مرة ومرات‪ ،‬ال بطريقة‬
‫واحدة بل بطرق عديدة‪.‬‬

‫ولمن كان من المنتظر أن يقول المسيح ذلك؟ أ يقوله‬


‫للمؤمنين أم لغير المؤمنين؟ أما المؤمنون فقد عرفوه‬
‫كذلك وسجدوا له بدل المرة مرات‪ ،‬وأما عن غير المؤمنين‬
‫فإننا نقرأ كلمات الوحي الكريم على لسان النبي إشعياء‪:‬‬
‫»من صدق خبرنا؟ ولمن استعلنت ذراع الرب؟«‪ .‬ثم‬
‫يستطرد النبي قائالً‪» :‬محتقر ومخذول من الناس‪..‬‬
‫وكمستر عنه وجوھنا‪ ،‬محتقر فلم نعتد به« )إشعياء‪-١ :٥٣‬‬
‫‪ .(٣‬وعبارة ”مستر عنه وجوھنا“ تعني‪ ،‬ضمن ما تعني‪ ،‬أن‬
‫الناس لم يعرفوه‪ ،‬وأنھم عثروا فيه‪ .‬ال عجب فإنه بحسب‬
‫تعليم كلمة ﷲ ھو ”حجر صدمة وصخرة عثرة“ )إشعياء‪:٨‬‬
‫‪ ،(١٤‬وكثيرون عثروا به في يومه‪ ،‬وما زال الكثيرون‬
‫يعثرون‪ .‬لكن كلمات المسيح لتلميذي المعمدان‪ ،‬تظل‬
‫تنطق لنا نحن أيضًا‪» :‬طوبى لمن ال يعثر في« )متى‪:١١‬‬
‫‪ ،٦‬لوقا‪ ،(٢٣ :٧‬وليس ذلك فقط‪ ،‬بل إن كل من اتكل عليه‬
‫وآمن به لن يخزى )‪١‬بطرس‪.(٦ :٢‬‬

‫فمن أي الفريقين أنت أيھا القارئ الكريم؟ ھل أنت من‬


‫فريق المتعثرين به‪ ،‬أم من فريق الذين اتكلوا عليه وآمنوا‬
‫به؟‬

‫ما سمعت ملك سبأ عن مجد سليمان وحكمته‪ ،‬ولكنھا لم‬ ‫قدي ً‬
‫تصدق الخبر حتى أتت ورأت‪ ،‬وعندئذ قالت‪» :‬صحيحًا كان الخبر‬
‫الذي سمعته في أرضي عن أمورك وعن حكمتك‪ ،‬ولم‬
‫أصدق األخبار حتى جئت وأبصرت عيناي‪ ،‬فھوذا النصف لم‬
‫أخبر به« )‪١‬ملوك‪ .(٧ ،٦ :١٠‬وفي العھد الجديد لم يصدق‬
‫حا يمكن أن يخرج‬ ‫نثنائيل‪ ،‬واحد من تالميذ المسيح‪ ،‬أن شي ًئا صال ً‬
‫من الناصرة‪ ،‬إلى أن التقاه‪ ،‬فھتف قائالً‪» :‬يا معلم أنت ابن ﷲ‪.‬‬
‫أنت ملك إسرائيل« )يوحنا‪ .(٤٩ :١‬فھل تكلف خاطرك أيھا‬
‫القارئ العزيز أن تعمل معنا سياحة في الكتاب المقدس‬
‫نحو ذلك الشخص العظيم‪ ،‬لنعرف شي ًئا عن مجد من ھو‬
‫”أعظم من سليمان“؟ أ تذھب معنا لكي تبصر شي ًئا عن ذاك‬
‫الذي قال عنه يوحنا »رأينا مجده مجدًا‪ ،‬كما لوحيد من اآلب‪،‬‬
‫مملوءًا نعمة وح ً‬
‫قا« )يوحنا‪(١٤ :١‬؟‬

‫ليتك تفعل ذلك لبركة نفسك‪ ،‬وألجل حياتك األبدية‬

‫)‪(١‬‬
‫ھذا ما قاله المسيح‬
‫»فقال لھم يسوع‪ :‬أنا من البدء ما أكلمكم أيضًا به«‬
‫)يوحنا‪.(٢٥ :٨‬‬

‫****‬

‫نبدأ حديثنا في ھذا الكتاب – كما ھو متوقع‪ -‬بما قاله المسيح‬


‫عن نفسه‪ ،‬مركزين حديثنا في ھذا الفصل عما قاله المسيح‬
‫جله لنا البشير يوحنا – أحد تالميذ المسيح‬
‫بفمه الكريم‪ ،‬وس ﱠ‬
‫األوائل ‪ -‬في البشارة المعنونة باسمه‪ .‬والمعروف لدارسي الكتاب‬
‫أن إنجيل يوحنا يحدثنا – في المقام األول ‪ -‬عن الھوت المسيح‪،‬‬
‫ولذلك فإن كل عباراته محملة بالمعاني المجيدة األكيدة‪ ،‬على أن‬
‫المسيح ھو ﷲ الذي ظھر في الجسد‪.‬‬
‫ضا من أقوال المسيح بحسب أھميتھا‬‫وسنسرد فيما يلي بع ً‬
‫ووضوح داللتھا من جھة ما نتحدث عنه اآلن‪:‬‬

‫‪ -١‬قال المسيح‪ :‬إنه األزلي‪ ،‬والواجب الوجود‪:‬‬

‫فلقد قال المسيح لليھود‪:‬‬

‫»الحق الحق أقول لكم قبل أن يكون إبراھيم أنا كائن«‪.‬‬


‫)يوحنا‪٥٨ :٨‬و‪.(٥٩‬‬

‫خلفية ھذا اإلعالن العظيم أن المسيح كان قد قال إن الذي يؤمن‬


‫به لن يرى الموت إلى األبد‪ .‬فاعترض السامعون من اليھود على‬
‫ھذا الكالم وقالوا له‪» :‬أ لعلك أعظم من أبينا إبراھيم الذي مات؟‬
‫واألنبياء ماتوا‪ .‬من تجعل نفسك؟«‪ .‬فقال لھم‪» :‬أبوكم إبراھيم‬
‫تھلل بأن يرى يومي فرأى وفرح«‪ .‬سألوه‪» :‬ليس لك خمسون‬
‫سنة بعد‪ .‬أ فرأيت إبراھيم؟« )يوحنا‪ .(٥٧ :٨‬ونحن نعرف أن‬
‫إبراھيم أتى قبل المسيح بنحو ألفي عام‪ .‬لكن الحظ ‪ -‬عزيزي‬
‫القارئ ‪ -‬أن المسيح لم يقل إنه ھو الذي رأى إبراھيم‪ ،‬بل قال إن‬
‫إبراھيم ھو الذي تھلل بأن يرى يومه‪ ،‬فرأى وفرح‪ .‬وھنا جاء‬
‫اإلعالن العظيم‪ ،‬الذي وقع كالصاعقة على ھؤالء األشرار غير‬
‫المؤمنين‪ ،‬إذ قال لھم المسيح إنه ”كائن“ قبل إبراھيم!‬

‫ھل تعرف معنى ھذه العبارة أيھا القارئ العزيز؟‬

‫دعني قبل أن أذكُر لك معناھا‪ ،‬أذ ِّكرك بما قاله يوحنا المعمدان عن‬
‫المسيح‪» :‬إن الذي يأتي بعدي صار قدامي ألنه كان قبلي«‬
‫)يوحنا‪ .(١٥ :١‬ومعروف أن يوحنا ولد قبل المسيح بنحو ستة‬
‫أشھر‪ ،‬وھذا معنى قول المعمدان »الذي يأتي بعدي«‪ .‬لكن‬
‫المعمدان يقول عن ھذا الشخص‪» :‬صار قدامي‪ ،‬ألنه كان قبلي«‪.‬‬
‫فكيف يمكننا فھم أن المسيح الذي ولد بعد يوحنا المعمدان بنحو‬
‫ستة أشھر‪ ،‬كان قبل يوحنا‪ ،‬إن لم نضع في االعتبار الھوت‬
‫المسيح؟‬

‫واآلن ما الذي يعنيه قول المسيح‪” :‬أنا كائن“ قبل إبراھيم‪ .‬الحظ‬
‫أن المسيح ال يقول لليھود‪ ” :‬قبل أن يكون إبراھيم أنا كنت“‪ ،‬بل‬
‫أرجو أن تالحظ عظمة قول المسيح‪» :‬قبل أن يكون إبراھيم‪” ،‬أنا‬
‫كائن“«‪ .‬إنھا كينونة ال عالقة لھا بالزمن‪ ،‬كينونة دائمة!‬

‫إن عبارة ”أنا كائن“ تعادل تماما القول ”أنا ﷲ“ أو ”أنا الرب“ أو ”أنا‬
‫يھوه“ الذي ھو اسم الجاللة بحسب التوراة العبرية‪ .‬فھذا التعبير‬
‫”أنا كائن“ ھو بحسب األصل اليوناني الذي كتب به العھد الجديد‬
‫”إجو آيمي“‪ ،‬وتعني الواجب الوجود والدائم‪ ،‬األزلي واألبدي‪ .‬فمن‬
‫يكون ذلك سوى ﷲ؟‬

‫عندما ظھر الرب لموسى في العليقة‪ ،‬وطلب أن يرسله إلى بني‬


‫إسرائيل‪ ،‬وقدم موسى العديد من االعتراضات‪ ،‬كان أحد تلك‬
‫االعتراضات »فقال موسى § ھا أنا آتي إلى بني إسرائيل وأقول‬
‫لھم إله آبائكم أرسلني إليكم‪ ،‬فإذا قالوا لي ما اسمه‪ ،‬فماذا أقول‬
‫لھم؟ فقال ﷲ لموسى‪” :‬أھيه الذي أھيه“‪ .‬وقال ھكذا تقول‬
‫لبني إسرائيل ”أھيه“ أرسلني إليكم« )خر‪ .(١٤ ،١٣ :٣‬وعندما‬
‫ُترجم العھد القديم إلى اللغة اليونانية‪ ،‬وھي تلك الترجمة‬
‫المعروفة باسم الترجمة السبعينية‪ ،‬فقد ُترجم اسم الجاللة‬
‫”أھيه“‪ ،‬إلى ”إجو آيمي“‪ .‬نفس الكلمة التي استخدمھا المسيح‬
‫مع اليھود عندما قال لھم‪” :‬أنا كائن“!‬

‫وعبارة ”أنا كائن“ مشتقة من الفعل ”أكون“‪ ،‬والذي منه جاء اسم‬
‫الجاللة ”يھوه“‪ .‬وقد تكررت ھذه العبارة ”إجو آيمي“ عن المسيح‬
‫في إنجيل يوحنا ‪ ٢١‬مرة )‪ .(٧×٣‬كأن المسيح يرى في نفسه‬
‫بحسب ما أعلن عن ذاته‪ ،‬أنه ھو ذات اإلله القديم الذي‬
‫ظھر لموسى في العليقة في جبل حوريب‪ .‬والذي أرسل‬
‫موسى ليخرج بني إسرائيل من أرض مصر‪.‬‬

‫ومن ضمن مرات استخدام المسيح لھذا االسم عن نفسه‪ ،‬ھي‬


‫ما قاله المسيح في ھذا األصحاح عينه لليھود‪» :‬إن لم تؤمنوا أني‬
‫”أنا ھو“ )إجو آيمي( تموتون في خطاياكم« )يوحنا‪.(٢٤ :٨‬‬

‫ومرة أخرى لما تحدث لتالميذه عن خيانة يھوذا اإلسخريوطي قبل‬


‫حدوثھا‪ ،‬فقال‪» :‬أقول لكم اآلن قبل أن يكون )أي قبل أن تتم‬
‫األحداث(‪ ،‬حتى متى كان تؤمنون أني أنا ھو ”إجو آيمي“ )أي أنا‬
‫ﷲ‪ ،‬عالم الغيوب(« )يوحنا‪.(١٩ :١٣‬‬

‫وفي حادثة إلقاء القبض على المسيح في البستان‪ ،‬عندما سأل‬


‫المسيح الذين أتوا للقبض عليه‪ :‬من تطلبون؟ قالوا له يسوع‬
‫الناصرى‪ .‬قال لھم يسوع‪” :‬أنا ھو“ )أي ”إجو آيمي“(‪ .‬ويعلق‬
‫البشير على ذلك بالقول إنھم رجعوا إلى الوراء وسقطوا على‬
‫األرض )يوحنا‪ .(٤ :١٨‬فھم لم يقدروا أن يقفوا أمام مجد شخصه!‬

‫إن ھذا اإلعالن الذي ذكره المسيح في يوحنا ‪ ٥٨ :٨‬يعتبر أعظم‬


‫األدلة والبراھين على الھوت المسيح بحيث لو أنه ليس لدينا في‬
‫كل الكتاب سوى ھذا اإلعالن لكان يكفي‪ ،‬ولو أنه لدينا العديد من‬
‫البراھين كما سنرى اآلن‪.‬‬

‫ولقد فھم اليھود جي ًدا ماذا كان المسيح يقصد من ھذه األقوال‪،‬‬
‫ولم بكن ممك ًنا التجاوب مع ذلك اإلعالن العظيم إال بأسلوب من‬
‫اثنين‪ ،‬إما أن ينحنوا أمامه بالسجود باعتباره ﷲ‪ ،‬أو أن يعتبروه‬
‫مجد ًفا‪ .‬ولألسف ھم اختاروا األسلوب الثاني المدمر لھم! ويذكر‬
‫البشير أن اليھود عندما سمعوا من المسيح ھذا اإلعالن »رفعوا‬
‫حجارة ليرجموه‪ ،‬أما يسوع فاختفى‪ ،‬وخرج من الھيكل مجتا ًزا في‬
‫وسطھم‪ ،‬ومضى ھكذا«‪ ،‬مما يدل على أنھم فھموا ما كان يعنيه‬
‫المسيح تما ًما‪ ،‬أنه ھو ﷲ‪.‬‬

‫يا للعار‪ ،‬فلقد أعطاھم المسيح فرصة في أول الفصل أن يرجموا‬


‫المرأة الزانية‪ ،‬بشرط أن يكون الشخص الذي سيرجمھا بال خظية‪،‬‬
‫أي لم يقع في الفعل ذاته‪ ،‬فلم يستطيعوا‪ ،‬وخرجوا ھاربين من‬
‫ضيائه‪ ،‬ولكنھم اآلن انحنوا ال ليسجدوا له‪ ،‬بل انحنوا يلتقطون‬
‫الحجارة‪ ،‬ال ليرجموا بھا الزانية‪ ،‬وال حتى لكي يرجموا موسى‪،‬‬
‫كما حاول آباؤھم األشرار‪ ،‬بل ليرجموا ذاك الذي ظھر لموسى‬
‫وقال له‪” :‬أنا أھيه“ ”إجو آيمي“!‬

‫‪ -٢‬قال المسيح إن له ذات الكرامة اإللھية‬

‫فلقد قال لليھود‪:‬‬

‫»لكي يكرم الجميع االبن كما يكرمون اآلب« )يوحنا‪(٢٣ :٥‬‬

‫في حديث الرب مع اليھود‪ ،‬بعد شفائه للرجل المقعد في بيت‬


‫حسدا )يوحنا‪ ،(٥‬قال المسيح عبارة فھم اليھود منھا أنه يعادل‬
‫نفسه با§‪ .‬والمسيح في الحديث الذي تلى ذلك‪ ،‬لم يحاول‬
‫تبرئة نفسه من ھذه التھمة‪ ،‬وذلك ألنه فعال ً »ﷲ )الذي( ظھر‬
‫في الجسد« )‪١‬تيموثاوس‪ ،(١٦ :٣‬بل أكد ذلك المفھوم بصور‬
‫متعددة‪ .‬فلقد أوضح )في ع‪ (٢٢‬أنه يعمل األعمال اإللھية ذاتھا‪،‬‬
‫من ثم يخطو خطوة أبعد في اآلية موضوع دراستنا فيقول إن له‬
‫ذات الكرامة اإللھية‪ .‬وواضح أن األولى )األعمال اإللھية( ال يقوى‬
‫عليھا مخلوق‪ ،‬وأن الثانية )الكرامة اإللھية( ليست من حق‬
‫مخلوق‪ ،‬كائ ًنا من كان‪ .‬فلقد ختم المسيح تلك القائمة من‬
‫األعمال اإللھية التي يمارسھا بالقول إن اآلب ال يدين أح ًدا‪ ،‬بل قد‬
‫أعطى كل الدينونة لالبن‪ ،‬ويوضح السبب لذلك فيقول‪» :‬لكي‬
‫يكرم الجميع االبن كما يكرمون اآلب«‪.‬‬

‫واآلن أرجو ‪ -‬عزيزي القارئ ‪ -‬أن تالحظ ھذين األمرين اللذين ال‬
‫يجب أن يمرا بدون تعليق من الكاتب‪ ،‬ودون انتباه من القارئ‪.‬‬
‫األمر األول‪ :‬أن الجميع سيكرمون االبن‪ ،‬وليس فريق من الناس‬
‫دون غيرھم‪ .‬واألمر الثاني‪ :‬أنھم سيكرمون االبن كما يكرمون‬
‫اآلب‪ ،‬وليس بمستوى أقل أو بأسلوب أضعف‪.‬‬

‫ھذه اآلية إ ًذا توضح بأسلوب قاطع وصريح أن االبن له ذات الكرامة‬
‫والمجد الذي لآلب‪ ،‬ويستحيل أن يكون ھذا مع أي مخلوق أيا‬
‫كان‪ .‬لقد قال ﷲ في العھد القديم مجدي ال أعطيه آلخر‪ .‬وﷲ‬
‫طبعا لم يتراجع عن ذلك عندما أعلن المسيح أن اآلب يريد إكرام‬
‫االبن بذات الكرامة التي لآلب‪ ،‬وذلك ألن اآلب واالبن واحد‬
‫)يوحنا‪.(٣٠ :١٠‬‬

‫ما ‪ -‬بعد‬‫ونالحظ أن المسيح في ھذه اآلية ‪ -‬كعادة إنجيل يوحنا دائ ً‬


‫أن ذكر ھذا الحق إيجاب ًيا‪ ،‬عاد وأكده في صيغة سلبية‪ .‬فقال‪:‬‬
‫»من ال يكرم االبن ال يكرم اآلب«‪ .‬يقول البعض إنھم يكرمون ﷲ‪،‬‬
‫ويسجدون له‪ ،‬ولكنھم ال يقبلون فكرة إكرام المسيح بذات‬
‫مستوى إكرامھم §‪ ،‬بل وربما تتضمن نظرتھم للمسيح شي ًئا من‬
‫االحتقار لشخصه‪ .‬ولكن كلمات المسيح ھنا قاطعة‪ ،‬إن ”من ال‬
‫يكرم االبن ال يكرم اآلب“‪ ،‬وبعد ذلك قال المسيح إن من يبغض‬
‫ضا إن من ينكر االبن‬ ‫االبن يبغض اآلب )يوحنا‪ ،(٢٣ :١٥‬كما قال أي ً‬
‫ينكر اآلب أي ً‬
‫ضا )‪١‬يوحنا‪.(٢٣ :٢‬‬

‫وعندما يقول المسيح إن ”الجميع“ سيكرمون االبن‪ ،‬فھو كان‬


‫يعني المؤمنين وغير المؤمنين على السواء‪ .‬فا§ لم يدع ذلك‬
‫األمر حسب مزاج اإلنسان‪ ،‬أن يكرم المسيح أو ال يكرمه‪ ،‬ولو أنه‬
‫وضع في يديه أسلوب إكرامه لالبن‪ .‬فجميع البشر سوف يكرمون‬
‫االبن بطريقة أو بأخرى‪ ،‬إما بإيمانھم به اآلن‪ ،‬أو بدينونتھم منه‬
‫فيما بعد‪ .‬والمسيح إما أن يحيي أو يدين‪ .‬من يؤمن به ينال الحياة‬
‫األبدية‪ ،‬ومن ال يؤمن يدان‪.‬‬

‫‪ -٣‬قال المسيح إنه ابن ﷲ الوحيد‪:‬‬

‫فلقد قال لنيقوديموس أي ً‬


‫ضا‪:‬‬

‫»ألنه ھكذا أحب ﷲ العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي ال‬
‫يھلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة األبدية‪ .‬ألن لم‬
‫يرسل ﷲ ابنه إلى العالم ليدين العالم‪ ،‬بل ليخلص به‬
‫العالم‪ .‬الذي يؤمن به ال يدان‪ ،‬والذي ال يؤمن قد دين ألنه‬
‫لم يؤمن باسم ابن ﷲ الوحيد« )يوحنا‪.(١٦ :٣‬‬

‫يقول البعض – بجھل أو بخبث ‪ -‬إن الكتاب المقدس عندما يقول‬


‫إن المسيح ھو ابن ﷲ‪ ،‬فھو في ذلك نظير الكثيرين من الخالئق‬
‫الذين دعوا ”أبناء ﷲ“‪ ،‬مثل المالئكة )أيوب ‪٦ :١‬؛ ‪ ،(١ :٢‬أو مثل‬
‫آدم )لوقا‪ ،(٣٨ :٣‬أو مثل المؤمنين )غالطية ‪ .(٢٦ :٣‬لكن الحقيقة‬
‫أن الفارق بين األمرين واسع وكبير‪.‬‬

‫إن المالئكة‪ ،‬وكذلك آدم‪ ،‬اعتبروا أبناء ﷲ باعتبارھم مخلوقين منه‬


‫بالخلق المباشر‪ .‬وأما المسيح فھو ليس مخلو ًقا بل ھو الخالق‬
‫)يوحنا‪٣ :١‬؛ كولوسي ‪ .(١٦ :١‬ثم إن المؤمنين ھم أبناء §‬
‫باإليمان وبالنعمة )يوحنا‪١٢ :١‬؛ ‪١‬يوحنا‪ ،(١ :٣‬أما المسيح فھو‬
‫االبن األزلي‪ .‬وسوف نعود لھذا األمر في الفصل التالي عند حديثنا‬
‫عن المسيح ابن ﷲ‪.‬‬

‫على أن اآلية التي نتحدث عنھا ھنا قاطعة الداللة‪ ،‬فھي تقول‬
‫عن المسيح إنه ”ابن ﷲ الوحيد“ )ارجع أي ً‬
‫ضا إلى يوحنا‪١٤ :١‬و‬
‫‪١٨‬؛ ‪١٨ :٣‬؛ يوحنا األولى ‪ .(٩ :٤‬وعندما يقول إنه ابن ﷲ الوحيد‪،‬‬
‫فھذا معناه أنه ليس له شبيه وال نظير‪ .‬ولقد كرر المسيح الفكر‬
‫عينه في أحد أمثاله الشھيرة ‪ ،‬حيث ذكر المسيح أن اإلنسان‬
‫صاحب الكرم )الذي يرمز في المثل إلى ﷲ( أرسل عبي ًدا كثيرين‬
‫إلى الكرامين ليأخذوا ثمر الكرم‪ ،‬لكن الكرامين أھانوا العبيد‬
‫وأرسلوھم فارغين‪ ،‬لكنه أخي ًرا أرسل إليھم ابنه‪ .‬يقول المسيح‪:‬‬
‫ضا إليھم أخي ًرا‬ ‫ضا ابن واحد حبيب إليه‪ ،‬أرسله أي ً‬ ‫»إذ كان له أي ً‬
‫قائال ً إنھم يھابون ابني« )مرقس ‪ .(٦ :١٢‬وواضح أن العبيد‬
‫الكثيرين ھم األنبياء‪ ،‬وأما االبن الوحيد الذي أرسله إليھم أخي ًرا‬
‫فھو الرب يسوع المسيح‪.‬‬

‫ضح كاتب رسالة العبرانيين ھذا األمر عندما يقول‪» :‬ﷲ بعدما‬ ‫ويو ِ ّ‬
‫ما بأنواع وطرق كثيرة‪ ،‬كلمنا في ھذه األيام‬‫كلم اآلباء باألنبياء قدي ً‬
‫األخيرة في ابنه‪ ..‬الذي به أي ً‬
‫ضا عمل العالمين‪ .‬الذي وھو بھاء‬
‫مجده ورسم جوھره وحامل كل األشياء بكلمة قدرته« )عبرانيين‬
‫‪.(٣-١ :١‬‬

‫ونالحظ أن المسيح لما كان ھنا على األرض لم يستخدم عن ﷲ‬


‫سوى تعبير ”اآلب“ أو ”أبي“‪ ،‬ولم يستعمل تعبير ”أبانا“ قط‪ ،‬وذلك‬
‫ألن ھناك فار ًقا كبي ًرا بين بنوته ھو § وبنوتنا نحن‪ .‬وبعد قيامته له‬
‫المجد من األموات قال لمريم المجدلية‪» :‬إني أصعد إلى أبي‬
‫وأبيكم« )يوحنا‪ .(١٧ :٢٠‬لقد صرنا نحن أبناء ﷲ بالنعمة‪ ،‬وأما ھو‬
‫فاالبن من األزل‪.‬‬

‫صحيح ھو كان قد سبق وقال عن نفسه لنيقوديموس إنه ابن‬


‫اإلنسان )ع‪ ،(١٤‬واآلن يقول إنه ابن ﷲ الوحيد )ع‪ ،(١٦‬وفي‬
‫الحالتين استخدم التعبير ذاته‪” :‬يؤمن به“‪ ،‬وذلك ألننا نؤمن‬
‫بالطبيعتين الالھوتية والناسوتية في المسيح‪ ،‬فھو ”ابن ﷲ‬
‫ضا ”ابن اإلنسان“‪ ،‬ھو ﷲ وھو اإلنسان في آن‪.‬‬ ‫الوحيد“‪ ،‬وھو أي ً‬
‫واإليمان به ينجي من الھالك األبدي ويمتع بالحياة األبدية‪.‬‬

‫ثم تفكر في ھذا المجد‪ :‬فيقول المسيح لنيقوديموس‪” :‬لكي ال‬


‫يھلك كل من يؤمن“ باالبن الوحيد‪ ،‬أي شخصه المعبود‪ ،‬بل تكون‬
‫له الحياة األبدية“‪ .‬وأي ً‬
‫ضا‪” :‬الذي يؤمن به ال يدان‪ ،‬والذي ال يؤمن‬
‫قد دين‪ ،‬ألنه لم يؤمن باسم ابن ﷲ الوحيد“ )يوحنا‪ .(١٨ :٣‬إنه ھو‬
‫إ ًذا سر الحياة األبدية‪ ،‬وھو السبب للدينونة األبدية‪ ،‬أ فليس لھذا‬
‫من معنى يا أولي األلباب؟‬
‫‪ -٤‬قال المسيح‪” :‬أنا واآلب واحد“‪:‬‬

‫فلقد قال المسيح لليھود‪:‬‬

‫»قلت لكم ولستم تؤمنون‪ ..‬ألنكم لستم من خرافي‪..‬‬


‫خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفھا فتتبعني‪ ،‬وأنا أعطيھا‬
‫حياة أبدية‪ ،‬ولن تھلك إلى األبد‪ ..‬أبي الذي أعطاني إياھا‬
‫ھو أعظم من الكل‪ ،‬وال يقدر أحد أن يخطف من يد أبي‪ .‬أنا‬
‫واآلب واحد« )يوحنا‪.(٣٠-٢٥ :١٠‬‬

‫ھذه اآليات تتحدث عن أن المسيح ھو مصدر الحياة األبدية لمن‬


‫ضا عن قدرة المسيح‬ ‫يؤمن به‪ ،‬باعتباره المحيي‪ .‬كما تتحدث أي ً‬
‫باعتباره ”الراعي العظيم“ على حفظ الخراف‪ ،‬بحيث أنه أكد أنه ال‬
‫يقدر كائن أن يخطف أحد خرافه من يده‪ .‬ھنا نجد قدرة المسيح‬
‫كالحافظ‪ ،‬وھي قدرة مطلقة‪ .‬وفي أثناء الحديث عن تلك القدرة‬
‫الفائقة‪ ،‬أعلن ھذا اإلعالن العظيم‪» :‬أنا واآلب واحد«‪.‬‬

‫ھنا نجد المسيح للمرة الثالثة ‪ -‬بحسب إنجيل يوحنا ‪ -‬يعلن‬


‫صراحة للجموع الھوته وأزليته ومعادلته لآلب‪ .‬كانت المرة األولى‬
‫في يوحنا‪ ،١٧ :٥‬والثانية في يوحنا‪ ،٥٨ :٨‬وھنا نجد المرة الثالثة‪،‬‬
‫وفي ھذه المرات الثالث حاول اليھود رجمه‪ ،‬ألنھم فھموا تما ًما ما‬
‫كان المسيح يقصده من كالمه‪.‬‬

‫في المرة األولى في يوحنا ‪ ١٧ :٥‬تحدث المسيح عن معادلته‬


‫لآلب في األقنومية‪ ،‬عندما قال لليھود‪» :‬أبي يعمل حتى اآلن وأنا‬
‫أعمل«؛ وفي المرة الثانية في يوحنا ‪ ٥٨ :٨‬تحدث عن أزليته‪،‬‬
‫عندما قال‪» :‬قبل أن يكون إبراھيم أنا كائن« وھنا في المرة الثالثة‬
‫تحدث المسيح عن وحدته مع اآلب في الجوھر‪.‬‬

‫ي ﱠدعي بعض المبتدعين أن الوحدة ھنا ھي وحدة في الغرض‪،‬‬


‫بمعنى أن غرض المسيح ھو بعينه غرض ﷲ‪ .‬لكن واضح من‬
‫قرينة اآلية أن الوحدة بين االبن واآلب ھي أكثر بكثير من مجرد‬
‫الوحدة في الغرض‪ ،‬وإن كانت طبعًا تشملھا‪ .‬كان المسيح يتحدث‬
‫عن عظمة اآلب ال عن غرضه‪ .‬فيقول‪» :‬أبي الذي أعطاني إياھا‬
‫ھو أعظم من الكل«‪ ..‬ثم يستطرد قائالً‪» :‬أنا واآلب واحد«‪.‬‬
‫فالوحدة المقصودة ھنا ھي وحدة في الجوھر‪ .‬وھذا التعليم مقرر‬
‫بوضوح في كل إنجيل يوحنا‪.‬‬

‫واليھود الذين كان المسيح يوجه كالمه إليھم فھموا تما ًما كالم‬
‫المسيح‪ ،‬بدليل عزمھم على رجمه باعتباره مجد ًفا‪ .‬أن تلك‬
‫الحجارة التي رفعھا أولئك اآلثمون تصرخ‪ .‬نعم إنھا تصرخ في وجه‬
‫من ينكر أن المسيح قال إنه ﷲ‪ .‬فلماذا ‪ -‬لو كان المسيح يقصد‬
‫أي شيء آخر – أراد اليھود رجمه؟!‬

‫‪ -٥‬قال المسيح إن من رآه رأى اآلب‬

‫قال الرب يسوع لتلميذه فيلبس‪:‬‬

‫»أنا معكم زمانًا ھذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس‪ .‬الذي رآني فقد‬
‫رأى اآلب‪ ،‬فكيف تقول أنت أرنا اآلب‪ .‬أ لست تؤمن أني أنا في‬
‫اآلب واآلب في؟« )يوحنا‪.(١٠-٨ :١٤‬‬

‫ھذه األقوال قالھا المسيح ردا على فيلبس عندما قال له‪» :‬يا‬
‫سيد أرنا اآلب وكفانا«‪ .‬الحظ أن فيلبس لم يقل ”نريد أن نرى‬
‫المسيا“ أو ”المسيح“‪ ،‬بل قال‪» :‬أرنا اآلب«‪ .‬فكانت إجابة المسيح‬
‫بما معناه‪ :‬كيف لم تعرفني حتى اآلن يا فيلبس‪ ،‬رغم أنك من‬
‫أوائل تالميذي؟ ليس معنى ذلك أن فيلبس لم يعرف أن يسوع ھو‬
‫المسيح‪ ،‬كال‪ ،‬لقد عرفه كذلك‪ ،‬وعرفه من أول لقاء له معه‪ ،‬إذ قال‬
‫لنثنائيل‪» :‬وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس واألنبياء«‬
‫)يوحنا‪ .(٤٥-٤٣ :١‬أي وجدنا المسيح المنتظر‪ ،‬لكن المسيح ھنا‬
‫كان ينتظر من فيلبس‪ ،‬ومن باقي التالميذ‪ ،‬أن يدركوا من‬
‫معاشرتھم للمسيح على مدى أكثر من ثالث سنين‪ ،‬أنه ابن‬
‫اآلب‪ ،‬المعبر عنه‪ .‬ألنه ھو واآلب واحد )يوحنا‪.(٣١ :١٠‬‬

‫لقد قال المسيح له‪» :‬أ لست تؤمن أني أنا في اآلب واآلب‬
‫في؟«‪ .‬وكون االبن في اآلب‪ ،‬واآلب في االبن‪ ،‬فھذا يدل على‬
‫المساواة في األقنومية والوحدة في الجوھر‪.‬‬

‫ونالحظ أن المسيح ‪ -‬بحسب إنجيل يوحنا ‪ -‬أكد أن من يعرفه‬


‫يعرف اآلب )يوحنا‪١٩ :٨‬؛ ‪ ،(٧ :١٤‬وأن من يبغضه يبغض اآلب‬
‫)يوحنا‪ ،(٢٣ :١٥‬وأن من يؤمن به يؤمن باآلب )يوحنا‪٤٠ :١٠‬؛ ‪:١٢‬‬
‫‪٤٤‬؛ ‪ ،(١ :١٤‬وأن من رآه فقد رأى اآلب )يوحنا‪٩ :١٤‬؛ ‪،(٤٥ :١٢‬‬
‫وأن من يكرمه يكرم اآلب أي ً‬
‫ضا )يوحنا‪!(٢٣ :٥‬‬

‫وإننا نقول كما قال أحد المفسرين‪ :‬إن إنكار الھوت المسيح إزاء‬
‫ھذه الكلمات يظھر رعب ظالم الذھن الطبيعي‪ .‬فكيف يمكن‬
‫لشخص‪ ،‬أثبت ‪ -‬في كل أعماله وأقواله ‪ -‬أنه كامل‪ ،‬أن يقول مثل‬
‫ھذه العبارات‪ ،‬إن لم يكن ھو ﷲ؟! ال يمكن لشخص مسيحي‬
‫اليوم‪ ،‬مھما بلغت درجة كماله‪ ،‬أن يقول إن من رآه فقد رأى‬
‫المسيح‪ ،‬إال إذا كان مدع ًيا‪ ،‬فكم بالحري لشخص يھودي أن يقول‬
‫إن من رآه فقد رأى اآلب!‬

‫‪ -٦‬قال يسوع إنه مصدر الحياة األبدية ومعطيھا‬

‫فلقد قال المسيح لليھود‪:‬‬

‫»الحق الحق أقول لكم تأتي ساعة وھي اآلن حين‬


‫يسمع األموات صوت ابن ﷲ والسامعون يحيون«‬
‫)يوحنا‪ .(٢٥ :٥‬انظر أيضا يوحنا‪٢٨ ،٢٧ :١٠‬؛ ‪٢ :١٧‬‬

‫سبق أن رأينا )في البند ‪ (٤‬كيف قال المسيح إنه يعطي خرافه‪،‬‬
‫أي المؤمنين باسمه‪ ،‬الحياة األبدية )يوحنا‪ .(٢٨ ،٢٧ :١٠‬والمسيح‬
‫ھنا في حديثه الجامع المانع يؤكد على ھذا الحق ذاته‪ .‬وھذا‬
‫الحديث كان المسيح قد قاله لليھود بعد أن شفى رجل بركة بيت‬
‫حسدا من مرض دام ‪ ٣٨‬سنة‪ ،‬وشفاه المسيح بكلمة واحدة منه‪.‬‬
‫ثم أوضح المسيح في حديثه التالي مع اليھود أن ھذه الكلمة‬
‫عينھا تھب الحياة األبدية لمن يسمعھا‪.‬‬

‫ونحن نعلم أنه ليس سوى ﷲ يميت ويحيي )تثنية ‪٣٩ :٣٢‬؛‬
‫‪١‬صموئيل‪٦ :٢‬؛ ‪١‬تيموثاوس ‪ .(١٣ :٦‬لكن في ھذه اآليات يقول‬
‫المسيح إن صوته يعطي الحياة‪.‬‬

‫كان المسيح في األقول السابقة قال عن نفسه إنه »يحيي من‬


‫يشاء« )يوحنا‪ .(٢١ :٥‬فالمسيح ھو المحيي‪ ،‬وھو يفعل ذلك‬
‫ليس كمجرد منفذ أو كواسطة‪ ،‬بل إنما يفعله بمقتضى إرادته ھو‬
‫وسلطانه الشخصي‪ ،‬فھو »يحيي من يشاء«‪.‬‬

‫ثم الحظ وسيلة اإلحياء التي يذكرھا المسيح ھنا‪ ،‬إنھا في‬
‫منتھى البساطة‪ ،‬كما أن لھا داللة عظمى‪ ،‬إذ قال المسيح بعد‬
‫ذلك‪» :‬تأتي ساعة وھي اآلن‪ ،‬حين يسمع األموات صوت ابن‬
‫ﷲ والسامعون يحيون«‪ .‬إن ھذه الكلمة التي تھب الحياة ھي‬
‫كلمة ﷲ )مزمور ‪ ،(٥٠ :١١٩‬وھذا الصوت المحيي ال يمكن إال أن‬
‫يكون صوت ﷲ )إشعياء ‪.(٣ :٥٥‬‬

‫كما أن نوعية الحياة ھي أسمى أنواع الحياة‪ ،‬إنھا الحياة األبدية‬


‫)يوحنا‪١٦ :٣‬؛ ‪ ،(٢٤ :٥‬الحياة األفضل )يوحنا‪ .(١٠ :١٠‬إن إعطاء‬
‫الحياة في أية صورة‪ ،‬أمر ال يقوى عليه سوى ﷲ‪ ،‬فكم‬
‫بالحري عندما تكون الحياة ھي الحياة األبدية!‬

‫واآلن ھل أدركت عزيزي القارئ سمو المجد الذي تتضمنه ھذه‬


‫األقوال‪ .‬إن ھذه الساعة امتدت لآلن نحو ألفي عام‪ ،‬وفيھا سمع‬
‫ما ال يحصى من ماليين األموات صوت ابن ﷲ‪ .‬وھل يمكن‬
‫لألموات أن يسمعوا صوتًا؟ ھذا محال‪ .‬لكن السر يكمن في أن‬
‫ھذا الصوت ليس صوتًا عاد ًيا‪ ،‬بل ھو صوت ابن ﷲ‪ .‬إنه الصوت‬
‫الذي يخترق الموت‪ ،‬ويصل ألولئك األموات في ذنوبھم وخطاياھم‬
‫ويحييھم‪ .‬ومھما كانت حالتھم‪ ،‬ولو كان لھم في موتھم عشرات‬
‫من السنين‪ ،‬ولو كانوا قد أنتنوا في قبور خطاياھم‪ ،‬فإنھم بمجرد‬
‫أن يسمعوا صوت ابن ﷲ فإنھم ينالون فو ًرا الحياة األبدية! أ ليس‬
‫لھذا داللته ومعناه؟‬

‫‪ -٧‬قال المسيح إنه مقيم الموتي ومحيي الرميم‪:‬‬

‫قال المسيح أي ً‬
‫ضا لليھود‪:‬‬

‫»الحق الحق أقول لكم تأتي ساعة فيھا يسمع جميع‬


‫الذين في القبور صوته )صوت المسيح(‪ ،‬فيخرج الذين‬
‫فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة‪ ،‬والذين عملوا السيئات‬
‫إلى قيامة الدينونة« )يوحنا‪٢٨ :٥‬و‪.(٢٩‬‬

‫ھنا نحن نجد شي ًئا أكثر عج ًبا مما ذكرناه اآلن! فليس أن صوت ابن‬
‫ﷲ يحيي الموتى روح ًيا فقط‪ ،‬بل إن ما ال يحصى من الباليين‬
‫الذين دخلوا القبور‪ ،‬سيخرجون من القبور بمجرد سماعھم لصوته!‬

‫الكل سيسمع صوته وھم في القبور‪ ،‬حتى أولئك الذين لم‬


‫يسمعوه في حياتھم على األرض‪ .‬وإذ يسمعون صوته سيخرجون‬
‫من قبورھم ليقفوا أمامه للحساب‪.‬‬

‫ھذا معناه أن المسيح ھو مقيم األموات ومحيي الرميم‪ .‬ونحن‬


‫صا ماتوا من آالف السنين‪ ،‬يستحيل جمع‬ ‫نعلم أن ھناك أشخا ً‬
‫ذرات أجسادھم‪ ،‬وقد تبعثرت في أربع أطراف المسكونة‪ ،‬وأربع‬
‫رياح األرض‪ ،‬ولكن سيأتي يوم فيه يسمعون صوته مناد ًيا‪،‬‬
‫فيخرجون جميعھم من قبورھم‪ ،‬سواء كانوا أشرا ًرا أم صالحين!‬

‫ما إلى الحياة؟ أ يقدر إنسان أن‬


‫من ذا الذي يقدر أن يبعث رم ً‬
‫أناسا ماتوا من آالف السنين‪ ،‬وتحللت أجسادھم فعادت‬ ‫ً‬ ‫يبعث‬
‫إلى التراب‪ ،‬وزرع في مكان دف ِنھم بستان‪ ،‬طلعت فيه أشجار‪،‬‬
‫أكل منه اإلنسان والحيوان‪ ،‬وھؤالء بدورھم ماتوا وتحللت‬
‫أجسادھم‪ ،‬وھكذا دواليك!‬

‫من ھو ھذا الذي صوته يقيم جميع الذين في القبور؟ أ‬


‫يمكن أن يكون مجرد إنسان؟ وإن لم يكن ھو ﷲ فمن‬
‫يكون؟ أ يعطي ﷲ مجده آلخر؟ أ يشارك أحد المخلوقات‬
‫ﷲ في قدرته المطلقة؟‬

‫والمسيح لم يقل ذلك فقط‪ ،‬بل برھنه عمل ًيا إذ أقام الرميم فعالً‪،‬‬
‫كما حدث عند إقامته للعازر من األموات وھو ما سنوضحه في‬
‫الفصل الثالث‪ .‬وذلك الصوت الذي دعا لعازر فخرج فو ًرا بعد أن كان‬
‫قد أنتن‪ ،‬سيخترق في يوم قادم قبور البشر جميعھم‪ ،‬ويأمر‬
‫األرواح أن تلبس أجسادھا من جديد لتقوم من موتھا‪.‬‬

‫‪ -٨‬قال المسيح إنه أتى من السماء إلى األرض‪.‬‬

‫فلقد قال المسيح لليھود‪:‬‬

‫»ألني قد نزلت من السماء ليس ألعمل مشيئتي‪ ،‬بل‬


‫مشيئة الذي أرسلني« )يوحنا‪(٣٨ :٦‬‬

‫كثيرون يؤمنون بأن ﷲ رفع المسيح إلى السماء‪ ،‬وھذا طبعًا‬


‫شيء عظيم‪ ،‬ولكن ما يؤكده المسيح ھنا ال مرة وال مرتين بل‬
‫سبع مرات في فصل واحد ھو يوحنا ‪ ٦‬أنه نزل من السماء )ع ‪٣٣‬و‬
‫‪٣٨‬و ‪٤١‬و ‪٤٢‬و ‪٥٠‬و ‪٥١‬و ‪.(٥٨‬‬

‫وفي مناسبة أخرى قال المسيح لليھود‪» :‬أنتم من أسفل‪ ،‬أما أنا‬
‫فمن فوق‪ .‬أنتم من ھذا العالم‪ ،‬أما أنا فلست من ھذا العالم«‬
‫)يوحنا‪ .(٢٣ :٨‬وھو عين ما أكده لنيقوديموس قبل ذلك‪» :‬وليس‬
‫أحد صعد إلى السماء‪ ،‬إال الذي نزل من السماء‪ ،‬ابن اإلنسان‬
‫الذي ھو في السماء« )يوحنا‪.(١٣ :١٣‬‬

‫وعن ھذا األمر عينه قال يوحنا المعمدان‪» :‬الذي من األرض ھو‬
‫أرضي‪ ،‬ومن األرض يتكلم‪ ،‬الذي يأتي من السماء ھو فوق‬
‫الجميع« )يوحنا‪ .(٣١ :٣‬ترى ما الذي دفع المعمدان أن يقول ذلك؟‬
‫لماذا اعتبر المعمدان أن الذي يأتي من السماء ھو فوق الجميع؟‬
‫اإلجابة ألن الذي يأتي من السماء ال يمكن أن يكون مجرد إنسان‪.‬‬
‫فاإلنسان مصدره أرضي‪ .‬فإن لم يكن إنسانًا‪ .‬فمن يكون إ ًذا؟‬

‫ضا معنى آخر‪ ،‬أعني به سبق الكينونة‪ .‬فإن‬‫ثم إن ھذا يتضمن أي ً‬


‫مولد المسيح في ”بيت لحم“ لم يكن بداية وجوده‪ ،‬فمع أنه خرج‬
‫من بيت لحم‪ ،‬كما يقول عنه النبي ميخا في العھد القديم‪ ،‬لكن‬
‫ھو الذي »مخارجه منذ القديم منذ أيام األزل« )ميخا‪٢ :٥‬؛‬
‫متى ‪ .(٦ :٢‬بمعنى أنه ھو األزلي‪.‬‬

‫وفي مناسبة أخرى قال المسيح لتالميذه‪» :‬خرجت من عند اآلب‬


‫ضا أترك العالم وأذھب إلى اآلب«‬‫وقد أتيت إلى العالم‪ ،‬وأي ً‬
‫)يوحنا‪ .(٢٨ :١٦‬الحظ أنه في العبارة األولى يقول ”خرجت من‬
‫عند اآلب“‪ ،‬ولم يقل ”تركت“ اآلب‪ ،‬بينما في العبارة الثانية يقول‬
‫”أترك العالم“‪ .‬فعندما يتحدث عن خروجه من عند اآلب فاإلشارة‬
‫ھنا إلى الھوته‪ ،‬ذلك الالھوت الذي يمأل السماء واألرض‪ ،‬ولكن‬
‫عند حديثه عن تركه للعالم فإنه يتحدث عن ناسوته ومحدودية‬
‫ھذا الناسوت‪.‬‬

‫إذا كان المسيح قال إنه أزلي‪ ،‬ونحن نعرف أنه ليس أزلي سوى‬
‫ﷲ‪ ،‬أ ال يكون المسيح بھذا قد قال أي ً‬
‫ضا أنا ھو ﷲ؟ وھذا الحق‬
‫ُذكر في العديد من الفصول في اإلنجيل ذاته مثل ‪١ :١‬؛ ‪،٥ :١٧‬‬
‫‪٢٤‬‬
‫‪ -٩‬قال المسيح إن روحه اإلنسانية ملكه وتحت سلطانه‪:‬‬

‫فقال لليھود‪:‬‬

‫»ليس أحد يأخذھا )نفسي( مني‪ ،‬بل أضعھا أنا من ذاتي‪.‬‬


‫لي سلطان أن أضعھا ولي سلطان أيضًا أن آخذھا«‬
‫)يوحنا‪.(١٧ :١٠‬‬

‫ضا‪ ،‬أنه »ليس‬ ‫حقيقة يعملھا الجميع‪ ،‬و ُيع ِل ّم بھا الكتاب المقدس أي ً‬
‫إلنسان سلطان على الروح« )جامعة‪ .(٨ :٨‬أما المسيح فكان له‬
‫السلطان على روحه‪ ،‬نظ ًرا ألنه لم يكن مجرد إنسان‪ .‬وھو لم يقل‬
‫ضا‪ ،‬فلقد مات ليس ألن قواه نفدت‪ ،‬أو ألن‬ ‫ذلك فقط‪ ،‬بل نفذه أي ً‬
‫السر اإللھي خرج منه‪ ،‬بل يقول الوحي‪» :‬فصرخ يسوع بصوت‬
‫عظيم‪ ،‬وأسلم الروح« )متى‪ .(٥٠ :٢٧‬الحظ عبارة ”أسلم الروح“‪،‬‬
‫وھي عيارة – نظ ًرا ألھميتھا ‪ -‬تكرر ذكرھا في البشائر األربع‬
‫)متى‪٥٠ :٢٧‬؛ مرقس‪٣٧ :١٥‬؛ لوقا‪٤٦ :٢٣‬؛ يوحنا‪.(٣٠ :١٩‬‬

‫وفي إنجيل يوحنا الذي يحدثنا عن المسيح ابن ﷲ‪ ،‬يذكر شيئا‬


‫جميال ً عن المسيح‪ ،‬فيقول إنه ”نكس رأسه‪ ،‬وأسلم الروح“‪.‬‬
‫فليس أن روحه خرجت‪ ،‬ورأسه تدلدلت‪ ،‬بل إنه أوال نكس رأسه‪،‬‬
‫استعدا ًدا للموت الذي كان سيدخله بكامل إرادته‪ ،‬ثم أسلم‬
‫الروح‪.‬‬

‫ولذلك فإن استفانوس الشھيد األول في المسيحية لحظة موته‬


‫قال للمسيح‪» :‬أيھا الرب يسوع اقبل روحي« )أعمال ‪ ،(٥٩ :٧‬وأما‬
‫المسيح فإنه عند موته قال‪» :‬يا أبتاه في يديك أستودع روحي«‪.‬‬
‫ذلك ألن استفانوس مجرد إنسان‪ ،‬ولكن المسيح َقبِل أن يصير‬
‫إنسانًا‪ ،‬وھم ليس مجرد إنسان‪ ،‬كما ذكرنا مرا ًرا‪ ،‬بل ھو ﷲ‬
‫وإنسان في آن‪.‬‬

‫‪ -١٠‬قال المسيح إنه ”النور“‬

‫فلقد قال لليھود‪:‬‬

‫»أنا ھو نور العالم‪ .‬من يتبعني فال يمشي في الظلمة بل‬


‫يكون له نور الحياة« )يوحنا ‪(١١ :٨‬‬

‫نحن نعرف من ھو نور السماوات واألرض‪ ،‬فيذكر الكتاب المقدس‬


‫أن »ﷲ نور« )‪١‬يوحنا‪ .(٥ :١‬وفي العھد القديم قال داود‪» :‬الرب‬
‫نوري وخالصي« )مزمور‪ .(١ :٢٧‬فأن يقول المسيح إنه ھو ”نور‬
‫العالم“‪ ،‬بل وأكثر من ذلك‪ ،‬ھو يعد كل من يتبعه أال يمشي في‬
‫الظلمة‪ ،‬بل يكون له ”نور الحياة“‪ ،‬أي النور الذي يفضي إلى الحياة‬
‫والذي يمتع بالحياة؛ فھذا معناه بكل وضوح أنه ھو الرب‪ .‬ونالحظ‬
‫أن البشير يوحنا ذكر عن المسيح إنه النور في إنجيل يوحنا‪ ،‬ال‬
‫مرة وال مرتين‪ ،‬بل ‪ ٢١‬مرة )‪.(٧×٣‬‬

‫كان المسيح في اليوم السابق مباشرة قد دعا كل العطاش لكي‬


‫يأتوا إليه ويشربوا )يوحنا‪ ،(٣٩-٣٧ :٧‬أي إنه وعد البؤساء بالري‬
‫واالنتعاش‪ ،‬وھنا يدعو الذين في ظلمة الخطية والجھل ليأتوا إليه‬
‫فيتمتعوا بنور الحياة!‬

‫والمسيح يقول عن نفسه إنه ”النور“‪ ،‬في الوقت الذي يقول فيه‬
‫عن يوحنا المعمدان النبي العظيم‪ ،‬بل الذي ھو أفضل من نبي‪،‬‬
‫إنه ”السراج الموقد المنير“ )يوحنا‪ .(٣٥ :٥‬الحظ الفراق الكبير بين‬
‫”النور“ ومجرد ”السراج“‪ .‬بكلمات أخرى‪ ،‬بين المطلق )النور(‬
‫والنسبي )السراج(‪.‬‬

‫والمسيح لم يقل ذلك فقط‪ ،‬بل برھن عليه فورا‪ ،‬في المعجزة‬
‫العظيمة التي فعلھا بعد ذلك مباشرة‪ ،‬إذ منح نعمة البصر لمولود‬
‫أعمى‪ ،‬وسنتأمل – بمشيئة الرب ‪ -‬تلك المعجزة في الفصل‬
‫الثالث‪.‬‬

‫‪ -١١‬قال المسيح إنه الراعي الصالح‪:‬‬

‫فلقد قال المسيح لليھود‪:‬‬

‫»أنا ھو الراعي الصالح‪ ،‬والراعي الصالح يبذل نفسه عن‬


‫الخراف« )يوحنا‪.(١٤ :١٠‬‬

‫ھذه اآلية تحمل أكثر من دليل على كون المسيح ھو ﷲ‪،‬‬


‫فالراعي الذي يرعى األفراد والجماعات أي ً‬
‫ضا‪ ،‬ال يمكن أن يكون ‪-‬‬
‫صا آخر بخالف ”الرب“‪” ،‬ﷲ“‪.‬‬
‫بحسب تعليم العھد القديم – شخ ً‬
‫ي فال يعوزني شيء « )مزمور‪ ،(١ :٢٣‬وقال‬‫قال داود‪» :‬الرب راع ّ‬
‫إشعياء النبي عن الرب‪» :‬كراعٍ يرعى قطيعه‪ ،‬بذراعه يجمع‬
‫الحمالن‪ ،‬وفي حضنه يحملھا‪ ،‬ويقود المرضعات« )إشعياء ‪:٤٠‬‬
‫‪ .(١١‬فالراعي ھو الرب ﷲ‪.‬‬

‫ثم إن المسيح قال ھنا‪» :‬أنا ھو الراعي الصالح«‪ .‬وفي مناسبة‬


‫حا إال واحد وھو ﷲ«‪ .‬فكون ال‬ ‫أخرى قال المسيح‪» :‬ليس أحد صال ً‬
‫حا‪ ،‬كقوله ھنا »أنا ھو‬
‫أحد صالح إال ﷲ‪ ،‬وكون المسيح صال ً‬
‫الراعي الصالح« يعني أنه قال عنه نفسه إنه ھو ﷲ‪.‬‬

‫‪ -١٢‬قال المسيح إنه ھو القيامة والحياة‬

‫فلقد قال لمرثا‪» :‬أنا ھو القيامة والحياة‪ ،‬من آمن بي ولو مات‬
‫فسيحيا‪ ،‬وكل من كان ح ًيا وآمن بي فلن يموت إلى األبد«‬
‫)يوحنا‪.(٢٦-٢٤ :١١‬‬

‫قيلت ھذه العبارة عندما ذھب الرب يسوع إلى بيت عنيا ليقيم‬
‫لعازر من األموات‪ .‬ونحن نعلم أنه لم يقل كلمات مثل ھذه أي نبي‬
‫قبل المسيح‪ ،‬وال أي رسول بعده‪ ،‬مع أن بعضھم أقام موتى‪ .‬إنھا‬
‫عبارة مملوءة بالجالل‪ ،‬بحيث ال يمكن لشخص بشري أن يقول‬
‫نظيرھا‪ ،‬ما لم يكن مدع ًيا‪ .‬فالمسيح يوضح بتلك الكلمات أنه ليس‬
‫ما بشر ًيا يتحدث عن القيامة‪ ،‬بل ھو المصدر اإللھي لكل‬
‫معل ً‬
‫قيامة‪ ،‬سواء كانت روحية اآلن‪ ،‬أو حرفية في أوانھا‪ .‬كما أنه أصل‬
‫وينبوع كل حياة‪ ،‬طبيعية كانت أم روحية أم أبدية‪.‬‬

‫فھذه العبارة إذا ھي عبارة فريدة وتعطي دالالت أكيدة على‬


‫الھوت المسيح‪ .‬فذاك الذي ھو مصدر الحياة‪ ،‬والذي فيه كانت‬
‫الحياة )يوحنا‪َ ،(٤ :١‬ق ِبل أن ”يذوق بنعمة ﷲ الموت“ )عبرانيين ‪:٢‬‬
‫ضا القيامة لمن يؤمن به‪ .‬وحده وليس سواه‬ ‫‪ ،(٩‬ليمكنه أن يكون أي ً‬
‫– بموته وقيامته ‪ -‬أمكنه أن يبطل الموت‪ ،‬وينير الحياة والخلود‬
‫بواسطة اإلنجيل )‪٢‬تيموثاوس‪.(١٠ :١‬‬

‫‪ -١٣‬قال المسيح إنه يستجيب الدعاء‬


‫فلقد قال لتالميذه في حديث العلية‪:‬‬

‫»ومھما سألتم باسمي فذلك أفعله ليتمجد اآلب باالبن‪.‬‬


‫إن سألتم شيئا باسمي فإني أفعله« )يوحنا‪(١٤ ،١٣ :١٤‬‬

‫ال يوجد شخص ممكن أن يسمع كل دعوات الداعين‪ ،‬الصاعده له‬


‫من كل العالم‪ ،‬إال ﷲ وحده‪ .‬وأي ادعاء بأن ھناك مخلوق يمكن أن‬
‫يستمع إلى نداءات البشر الذين يتجھون إليه‪ ،‬ھو ادعاء عار من‬
‫الصحة‪ .‬أسفي على الذين ألﱠھوا البشر‪ ،‬ونسبوا لھم سماع‬
‫الصلوات واستجابتھا‪ .‬لقد قال إيليا النبي العظيم مرة ألليشع‪:‬‬
‫»ماذا أفعل لك‪ ،‬قبل أن أؤخذ منك؟« )‪٢‬ملوك‪ .(٩ :٢‬الحظ قوله‪:‬‬
‫”قبل أن أؤخذ منك“‪ ،‬وأما المسيح فھو ما زال يفعل‪ ،‬وذلك بعد‬
‫رحيله بألفي سنة‪ .‬إنه يسمع الصلوات ويستجيبھا‪ .‬ھذا ما أكده‬
‫المسيح ھنا‪ ،‬وما اختبره كل المؤمنين األتقياء‪.‬‬

‫ونالحظ أن المسيح لم يقل ھنا‪” :‬مھما سألتم باسمي فذلك‬


‫يفعله اآلب“‪ ،‬ولم يقل ”إن سألتم شي ًئا باسمي فإن اآلب يفعله“‪،‬‬
‫ضا »فإني أفعله«‪.‬‬‫بل قال‪» :‬فذلك أفعله«‪ ،‬وأي ً‬

‫‪ -١٤‬قال المسيح إن تالميذه بدونه ال يقدرون أن يفعلوا‬


‫شي ًئا‪.‬‬

‫فلقد قال في حديثه األخير مع تالميذه في العلية أي ً‬


‫ضا‪:‬‬

‫»ألنكم بدوني ال تقدرون أن تفعلوا شي ًئا« )يوحنا‪.(٥ :١٥‬‬

‫في ھذه األقوال ينسب الرب يسوع لنفسه القوة والقدرة على‬
‫كل شيء‪ .‬ونالحظ أن الرب قال ھذا لتالميذه‪ ،‬ليس في بداية‬
‫تواجده معھم‪ ،‬بل في نھايته‪ ،‬وفي نفس ليلة آالمه‪ .‬فھو كان‬
‫ق معھم‪ .‬وعليھم‬ ‫مزمعًا أن يتركھم‪ ،‬لكنه يؤكد لھم أنه بالھوته با ٍ‬
‫أن يدركوا أنھم لن يقدروا أن يعملوا أي شيء بدونه‪ .‬وھذا معناه‬
‫أنه ليس مجرد إنسان‪ ،‬غيا ُبه عنھم ينھي عمله‪ ،‬بل إن الھوته‬
‫ظاھر في أقواله ھنا‪ ،‬وھم بدونه لن يقووا على عمل أي شيء‪.‬‬

‫والعكس أي ً‬
‫ضا صحيح‪ ،‬فلقد قال الرسول بولس‪» :‬أستطيع كل‬
‫شيء في المسيح الذي يقويني« )فيلبي‪.(١٣ :٤‬‬

‫ونالحظ أن المسيح لم يقل في المقابل‪” :‬ألني بدونكم ال أقدر أن‬


‫أفعل شي ًئا“‪ .‬فكون المسيح يستخدمنا‪ ،‬فليس ذلك ألنه بدوننا‬
‫عاجز‪ ،‬حاشا‪ ،‬بل إنه يكرمنا بأن يقبل أن يستخدمنا في عمله‪،‬‬
‫وھو وحده الكفؤ لھذا العمل‪ ،‬فمسرة الرب بيده تنجح )إشعياء‪:٥٣‬‬
‫‪.(١٠‬‬

‫‪ -١٥‬قال المسيح إنه ھو معطي الروح القدس‬

‫فقد قال لتالميذه في العلية‪:‬‬

‫»خير لكم أن أنطلق‪ ،‬ألنه إن لم أنطلق ال يأتيكم المعزي‪،‬‬


‫ولكن إن ذھبت أرسله إليكم« )يوحنا‪.(٧ :١٦‬‬

‫فإذا عرفنا أن الروح القدس ھو أقنوم في الالھوت )ارجع إلى‬


‫تعليقنا على األقانيم في متى ‪ ٢٠ :٢٨‬في الفصل التالي(‪ ،‬اتضح‬
‫لنا فو ًرا أنه ال يمكن أن يرسل أقنو ًما إلھ ًيا سوى ﷲ‪.‬‬

‫وفي ھذا قال الرب في العھد القديم‪» :‬أني أنا الرب إلھكم وليس‬
‫غيري‪ ..‬ويكون بعد ذلك أني أسكب روحي على كل بشر«‬
‫)يوئيل‪٢٧ :٢‬و‪.(٢٨‬‬

‫ونالحظ أن المسيح في العظة نفسھا قال إن اآلب سيرسل إليكم‬


‫الروح القدس )‪ ،(٢٦ :١٤‬وھنا يقول إنه ھو الذي سيرسله‪ ،‬مما‬
‫يدل على االتحاد والتوافق بين االبن واآلب‪.‬‬

‫‪ -١٦‬قال المسيح إن كل ما لآلب ھو له‬

‫فلقد قال المسيح لتالميذه في عظة العلية‪:‬‬

‫»كل ما لآلب ھو لي« )يوحنا‪،(١٥ :١٦‬‬

‫ومرة ثانية قال في صالته إلى أبيه‪:‬‬

‫»كل ما ھو لي فھو لك‪ ،‬وما ھو لك فھو لي« )يوحنا ‪:١٧‬‬


‫‪.(١٠‬‬

‫حس ًنا علﱠق القديس لوثر على ھذه اآلية بالقول‪” :‬قد يمكن ألي‬
‫مؤمن أن يقول الجزء األول من ھذه اآلية العظيمة‪» :‬كل ما ھو لي‬
‫فھو )لآلب(«‪ ،‬ولكن من ذا الذي يقدر أن يضيف قائالً‪» :‬وما ھو‬
‫)لآلب( ھو لي«؟“‪.‬‬

‫ونالحظ أن المسيح لم يقل لآلب كل ”من ھو“ لي ھو لك‪،‬‬


‫”ومن ھو“ لك ھو لي‪ ،‬بل قال‪» :‬كل‪ ..‬ما لك فھو لي«‪ .‬إن عبارة‬
‫»كل ما لآلب« تعني‪ ،‬ضمن ما تعني‪ :‬أزلية اآلب‪ ،‬وقداسته‪،‬‬
‫وكماله‪ ،‬ومجده‪ ،‬وصفاته‪ ،‬وعرشه‪.‬‬

‫ثم إن ھذه العبارة ال تعني مجرد معادلة ومساواة االبن باآلب‪ ،‬بل‬
‫ھي في الواقع تعني شي ًئا أكثر من ذلك‪ ،‬إذ إنھا تستلزم أي ً‬
‫ضا‬
‫الشركة والوحدة الكاملة في كل شيء‪ ،‬كقول المسيح‪» :‬أنا‬
‫واآلب واحد« )يوحنا‪ (٣٠ :١٠‬وھذا ھو تعليم الكتاب المقدس‬
‫بخصوص أقانيم الالھوت‪ .‬مساواة في األقنومية ووحدة في‬
‫الجوھر!‬

‫‪ -١٧‬قال المسيح إنه صاحب المجد األزلي‬

‫فلقد قال المسيح في صالته ألبيه على مسمع من تالميذه‪:‬‬

‫»واآلن مجدني أنت أيھا اآلب عند ذاتك‪ ،‬بالمجد الذي كان‬
‫لي عندك قبل كون العالم« )يوحنا‪٤ :١٧‬و‪.(٥‬‬

‫ما أقوى ھذه العبارة‪» :‬المجد الذي لي عندك قبل كون العالم«!‬
‫إننا نتفق مع أحد الشراح الذي قال لو لم يكن لدينا سوى ھذه‬
‫اآلية‪ ،‬تحدثنا عن الھوت المسيح‪ ،‬لما أمكننا أن نطعن في الھوته‪.‬‬
‫فھي تقول لنا صراحة إن المسيح كان من األزل مع اآلب‪ ،‬وليس‬
‫ذلك فقط‪ ،‬بل تحدثنا أن له مج ًدا أزل ًيا يتمتع به مع اآلب في األزل!‬
‫ونحن طبعًا ال يمكننا أن ندرك كنه ھذا المجد األزلي‪ ،‬فھو من‬
‫ناحية غير معلن‪ ،‬ومن ناحية أخرى يفوق عقولنا المحدودة‪ .‬ولكن‬
‫ما ال نقدر أن نستوعبه ونفھمه‪ ،‬يمكننا أن نؤمن به ونسجد ألجله‪.‬‬
‫)‪(٢‬‬
‫المزيد من أقوال المسيح‬
‫»ولما جاء يسوع إلى نواحي قيصرية فيلبس سأل تالميذه‬
‫قائالً‪ :‬من يقول الناس إني أنا ابن اإلنسان؟« )متى‪:١٦‬‬
‫‪.(١٣‬‬

‫****‬

‫سنواصل الحديث في ھذا الفصل عما قاله المسيح بفمه الكريم‬


‫عن نفسه في البشائر المتماثلة )متى ومرقس ولوقا(‪ ،‬وسنتجاوز‬
‫ما ورد من أدلة على الھوت المسيح في سفر األعمال وفي‬
‫الرسائل‪ ،‬نظ ًرا ألننا ال نريد أن ننشغل اآلن بأقوال الرسل الكثيرة‬
‫عن سيدھم في ھذه األسفار‪ ،‬رغم أن شھادتھم لھا تقديرھا‪،‬‬
‫ألن الرسل ھم من عايشوا المسيح لمدة تزيد على ثالث‬
‫سنوات‪ ،‬ويعرفون عنه أكثر من يعرف غيرھم عنه؛ بل إننا سنقصر‬
‫حديثنا فقط عن أقوال المسيح نفسه التي تبرھن أنه ﷲ‪ .‬ثم‬
‫نذكر بعض اآليات من سفر الرؤيا‪ ،‬نظرا ألن ھذا السفر ھو ”إعالن‬
‫يسوع المسيح“‪ .‬وكالم المسيح فيه يرد دائما بصيغة المتكلم‪.‬‬
‫ضا من ھذه اآليات بحسب ترتيب ورودھا في الكتاب‬ ‫وسنذكر بع ً‬
‫المقدس‪.‬‬

‫‪ -١‬قال المسيح‪ :‬إنه ھو الرب الديان‬

‫فلقد قال في المسيح موعظته من فوق الجبل‪ ،‬وھي أول‬


‫مواعظه المسجلة له في األناجيل‪:‬‬

‫»كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم‪” :‬يا رب يا رب‪ :‬أ‬


‫ليس باسمك تنبأنا؟ وباسمك أخرجنا شياطين؟ وباسمك‬
‫صنعنا قوات كثيرة؟“ حينئذ أصرح لھم إني ما أعرفكم«‬
‫)متى‪.(٢٢ :٧‬‬
‫تحتوي موعظة المسيح من فوق الجبل على العديد من البراھين‬
‫على الھوت المسيح‪ .‬فمثال في بداية الموعظة قدم المسيح‬
‫مجموعة من التطويبات‪ ،‬ختمھا بھذه التطويبة‪» :‬طوبى لكم إذا‬
‫عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي‬
‫كاذبين‪ .‬افرحوا وتھللوا ألن أجركم عظيم في السماوات‪ .‬فإنھم‬
‫ھكذا طردوا األنبياء الذين قبلكم« )متى‪ .(١٢ ،١١ :٥‬والشيء‬
‫الالفت ھنا أن المسيح يقارن بين تالميذه الذين يتألمون ألجله‪،‬‬
‫واألنبياء في العھد القديم‪ .‬لقد اضطھدوا األنبياء في العھد القديم‬
‫بسبب أمانتھم §‪ ،‬واآلن يقول المسيح لتالميذه إنھم‪ ،‬في‬
‫اتباعھم له‪ ،‬سيتعرضون لالضطھاد بسبب أمانتھم له‪ ،‬ويعدھم‬
‫بأنه سيكون لھم ذات المكافأة التي لألنبياء‪ .‬الداللة واضحة ھنا‪،‬‬
‫ش ﱠبھون بأنبياء ﷲ‪ ،‬فھذا معناه أنه ھو‬‫فإن كان تالميذ المسيح ُي َ‬
‫ش ِب ّه نفسه با§‪ .‬أو بكلمات أخرى‪ ،‬يعتبر نفسه أنه ھو ﷲ‪.‬‬ ‫ُي َ‬

‫ثم في ختام العظة يقول المسيح‪» :‬من يسمع أقوالي ھذه‬


‫ويعمل بھا أشبھه برجل عاقل بنى بيته على الصخر« )متى‪:٧‬‬
‫ضح المسيح ھنا أن أساس األمن والسالم في الحياة‬ ‫‪ .(٢٤‬يو ِ ّ‬
‫الحاضرة وفي األبدية أي ً‬
‫ضا ھو االستماع إلى كالمه‪ .‬فمن يكون‬
‫ھذا؟‬

‫ثم في األقوال السابقة لآلية التي نتحدث فيھا قال المسيح‪:‬‬


‫»ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات‪ ،‬بل‬
‫الذي يفعل إرادة أبي الذي في السماوات«‪ .‬وھذا معناه أن ھناك‬
‫حسا ًبا لمن يقول له‪” :‬يا رب“ دون أن يعيھا‪ ،‬فكم بالحري لمن‬
‫يرفض من األساس أن يقولھا!‬

‫وھذه اآلية وردت في إنجيل لوقا ھكذا‪» :‬ولماذا تدعونني يا رب يا‬


‫رب‪ ،‬وأنتم ال تفعلون ما أقوله لكم« )لوقا ‪ .(٤٦ :٦‬ومن ھذا نفھم‬
‫أن المسيح ال يعتبر نفسه مجرد سيد ُيق ﱠدر‪ ،‬بل إنه رب ُيطاع‪.‬‬

‫وإن كانت األقوال التي قالھا المسيح في )ع‪ (٢١‬تنطبق على‬


‫الوقت الحاضر‪ ،‬فإن كلماته في )ع ‪ (٢٢‬تنطبق على يوم قادم‪ .‬إن‬
‫”ذلك اليوم“ الذي يتحدث عنه المسيح في اآلية السابقة‪ ،‬ھو يوم‬
‫الدينونة‪ .‬إنھم سيقولون له‪ ،‬باعتبارھم المدانون‪ ،‬وھو‬
‫سيصرح لھم‪ ،‬باعتباره الديان‪ .‬وكالمه ھو‪ ،‬وليس كالمھم‬
‫ھم‪ ،‬ھو الفيصل في ذلك اليوم العصيب!‬

‫ثم نالحظ أن ھؤالء الكثيرين من البشر سيقولون للمسيح الديان‬


‫في ذلك اليوم‪» :‬يا رب يا رب«‪ .‬فالمسيح إ ًذا بحسب كالمه ھنا‪،‬‬
‫ھو ”الرب“ وھو ”الديان“‪.‬‬

‫وفي ھذا االتجاه قال المسيح في عظة جبل الزيتون‪ ،‬إنه متى‬
‫جاء في مجده وجميع المالئكة القديسون معه‪ ،‬سيجمع أمامه‬
‫جميع الشعوب‪ ،‬ويقول للذين عن يمينه‪» :‬تعالوا يا مباركي أبي‪،‬‬
‫رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم ‪ ..‬ثم يقول للذين عن‬
‫اليسار اذھبوا عني يا مالعين إلى النار األبدية المعدة إلبليس‬
‫ومالئكته‪ .‬فيمضي ھؤالء إلى عذاب أبدي واألبرار إلى حياة أبدية«‬
‫)متى ‪ .(٤٦ -٣١ :٢٥‬ھذه اآليات تؤكد لنا أيضا أن المسيح ھو‬
‫الديان‪ .‬ومن ھذه اآليات نفھم أن مصائر جميع الشعوب سيحدده‬
‫المسيح‪ ،‬وذلك عندما يأتي كالديان في مجده‪ ،‬ومعه ال جمھور‬
‫كبير من المالئكة‪ ،‬بل جميع المالئكة‪ .‬ويومھا سيجتمع أمامه ال‬
‫جنس واحد من البشر‪ ،‬وال مجموعة محدودة‪ ،‬بل جميع الشعوب‪،‬‬
‫وسيقوم ھو باعتباره الديان بمحاسبتھم‪.‬‬

‫ترى من ھو الديان الذي سيدين جميع البشر؟ قال إبراھيم في‬


‫العھد القديم وھو يكلم الرب والمولى‪» :‬أ ديان كل األرض ال يصنع‬
‫عدالً؟« )تكوين ‪٢٢ :١٨‬و‪ .(٢٥‬ويقول موسى النبي في العھد‬
‫القديم‪» :‬الرب يدين شعبه« )تثنية‪ ،(٣٦ :٣٢‬وفي العھد الجديد‬
‫يقول كاتب العبرانيين‪» :‬أتيتم‪ ..‬إلى ﷲ ديان الجميع« )عبرانيين‬
‫‪٢٢ :١٢‬و‪.(٢٣‬‬

‫وبحسب أقدم نبوة في الكتاب المقدس‪ ،‬وھي تلك التي نطق بھا‬
‫أخنوخ السابع من آدم‪ ،‬فإن الذي سيدين الجميع ھو الرب‪ ،‬فلقد‬
‫قال أخنوخ‪» :‬ھوذا قد جاء الرب في ربوات قديسييه ليصنع دينونة‬
‫على الجميع‪ ،‬ويعاقب جميع فجارھم‪ ،‬على جميع أعمال‬
‫فجورھم التي فجروا بھا‪ ،‬وعلى جميع الكلمات الصعبة التي تكلم‬
‫بھا عليه خطاة فجار« )يھوذا‪.(١٤‬‬

‫ومن ھذا نفھم أن الرب الديان كان في ذات يوم محتق ًرا ومخذوال ً‬
‫من الناس‪ ،‬ولذلك فقد تكلموا عليه الكلمات الصعبة‪ .‬إنه ھو الرب‬
‫يسوع المسيح الذي ُرفض لما كان ھنا على األرض‪ ،‬وما زال‬
‫مرفوضًا من عدد كبير من البشر‪ ،‬لكنه مع ذلك سيأتي عن قريب‬
‫باعتباره الرب الد ﱠيان‪ ،‬وسيدين جميع البشر!‬

‫معين‪ ،‬ومريح كل المتعبين‬


‫‪ -٢‬قال المسيح‪ :‬إنه ال ُ‬

‫ففي متى ‪ ٢٨ :١١‬يقول المسيح‪» :‬تعالوا إلي يا جميع‬


‫المتعبين والثقيلي األحمال وأنا أريحكم«‬

‫فإذا كان المسيح‪ ،‬في المستقبل ‪ -‬كما ذكرنا لتونا – ھو الديان‪،‬‬


‫فإنه في الحاضر ھو المستعان!‬

‫والمسيح قبل أن يذكر ھذه اآلية العظيمة‪ ،‬فإنه ذكر في اآليات‬


‫السابقة أمجا ًدا ثالثية عن نفسه تؤكد الھوته‪ .‬وھذه األمجاد‬
‫الثالثية ھي‪:‬‬

‫أن ”اآلب قد دفع كل شيء إلى يديه“‪.‬‬

‫أن ”ال أحد البتة – سوى اآلب ‪ -‬يقدر أن يعرفه“‪،‬‬

‫أنه وحده يقدر أن ”يعلن اآلب للبشر“‪.‬‬

‫وبدراسة ھذه األمجاد الثالثية يتضح لنا عظمة شخصه المعبود‪،‬‬


‫فليس سوى الالھوت ھو الذي يقدر أن يمسك بيديه كل شيء‪.‬‬
‫ثم لماذا ال يقدر أحد أن يعرف شخصه الكريم سوى اآلب؟ السبب‬
‫في ذلك ھو اتحاد الالھوت والناسوت في شخص المسيح‪،‬‬
‫وبالتالي فإنه فوق مدارك البشر‪ .‬وأخي ًرا ليس سواه من يقدر أن‬
‫يعلن اآلب‪ ،‬فا§ ساكن في نور ال يدنى منه‪ ،‬وأما المسيح فإنه‬
‫واحد مع اآلب‪ ،‬ساك ًنا في حضنه‪» .‬ﷲ لم يره أحد قط‪ ،‬االبن‬
‫الوحيد الذي ھو في حضن اآلب ھو خبر« )يوحنا‪ .(١٨ :١‬وكون ال‬
‫أحد يعرف اآلب إال االبن‪ ،‬فھذا معناه أن االبن ليس مجرد أحد‪.‬‬
‫وح ًقا إنه ال يقدر أن يعلن ﷲ إال ﷲ‪.‬‬

‫بعد ذلك تحدث المسيح عن نفسه باعتباره مسدد احتياجات‬


‫صا‬
‫البشر الملحة‪ ،‬فأعلن أنه المريح‪ ،‬الذي بوسعه ال أن يريح شخ ً‬
‫أو مجموعة من األشخاص‪ ،‬بل يريح جميع التعابى‪ ،‬فيقول‪:‬‬

‫إلي يا جميع المتعبين والثقيلي األحمال وأنا‬


‫ﱠ‬ ‫»تعالوا‬
‫أريحكم« )ع‪.(٢٨‬‬

‫من ذا يستطيع أن يدعو جميع التعابى الذين في العالم كله ليأتوا‬


‫إليه‪ ،‬ويعدھم إنه سيعطيھم الراحة‪ ،‬إال ﷲ؟‬

‫إلي«‪ ،‬ويعد من يأتي إليه‬


‫ّ‬ ‫إننا عندما نسمعه يقول »تعالوا‬
‫بالراحة‪ ،‬كأننا نستمع إلى رجع الصدى من إعالن ﷲ العجيب في‬
‫ي واخلصوا يا جميع أقاصي‬ ‫العھد القديم وھو يقول‪» :‬التفتوا إل ﱠ‬
‫األرض‪ ،‬ألني أنا ﷲ وليس آخر« )إشعياء‪(٢٢ :٤٥‬؟‬

‫‪ -٣‬قال المسيح إنه رب السبت‪:‬‬

‫فلقد قال لليھود‪:‬‬

‫»إن ابن اإلنسان ھو رب السبت أيضًا« )متى‪.(٨ :١٢‬‬

‫والمسيح في األصحاح نفسه الذي يذكر فيه أنه رب السبت‪ ،‬يؤكد‬


‫أنه أعظم من يونان النبي )ع ‪ ،(٤١‬وأعظم من سليمان الملك )ع‬
‫‪ ،(٤٢‬بل إنه قال أي ً‬
‫ضا‪ :‬إنه أعظم من الھيكل )ع ‪ .(٦‬من ھو ھذا‬
‫الذي ليس فقط أعظم من نبي أو من ملك‪ ،‬بل أعظم من ھيكل‬
‫ﷲ نفسه‪ ،‬بنظامه وعبادته‪ ،‬بذبائحه وكھنوته؟ وإن لم يكن ھو ﷲ‬
‫فمن يكون؟‬

‫لكن المسيح لم يذكر فقط إنه أعظم من الھيكل‪ ،‬بل قال إنه ”رب‬
‫السبت أي ً‬
‫ضا“‪ .‬وھذا القول يتضمن اإلعالن عن الھوته‪ .‬فلو عرفنا‬
‫ماذا قال الرب في العھد القديم عن يوم السبت‪ ،‬ألمكننا أن نفھم‬
‫بصورة أفضل معنى قول المسيح إنه ”رب السبت“‪.‬‬

‫م َب ِني‬ ‫لقد قال ﷲ لموسى في خروج‪١٣ :٣١‬و‪َ » ١٧‬وأَ ْن َ‬


‫ت تُ َك ِل ّ ُ‬
‫ُم فِي‬
‫ة بَ ْي ِني َو َب ْي َنك ْ‬ ‫ح َفظُونَ َھا ألَنﱠ ُه َعال َ َم ٌ‬ ‫ل َقائِالً‪ُ :‬‬
‫س ُبوتِي تَ ْ‬ ‫س َرائِي َ‬ ‫إِ ْ‬
‫ة إِلَى األَ َبد«‪ .‬فأن‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫ع‬ ‫ل‬
‫ِ ْ َ ِ َ َ َ ٌ‬ ‫ي‬ ‫ئ‬ ‫ا‬‫ر‬ ‫س‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ن‬‫ي‬ ‫ب‬
‫ََْ َ َِ‬‫و‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ي‬‫ب‬ ‫و‬‫ھ‬
‫ُ َ َِْ‬ ‫‪..‬‬ ‫ُم‬
‫جَ ِ ْ‬
‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫أَ ْ‬
‫ضا‪ ،‬فھذا معناه أنه ھو الرب‬ ‫يقول المسيح إنه ”رب السبت“ أي ً‬
‫ما‬
‫ما إلى موسى‪ ،‬والذي أمر الشعب قدي ً‬ ‫”يھوه“ الذي تكلم قدي ً‬
‫بحفظ السبوت‪ .‬فواضح أنه ال يجرؤ نبي أن يعتبر نفسه ”رب‬
‫السبت“ بعد أن قال الرب عن السبوت إنھا سبوته )ارجع إلى‬
‫خروج‪١٣ :٣١‬؛ الويين‪٣ :١٩‬و ‪٣٠‬؛ ‪٢ :٢٦‬؛ حزقيال ‪١٢ :٢٠‬و ‪٢٠‬؛‬
‫‪.(٢٤ :٤٤‬‬

‫لقد أوضح المسيح أنه في عمله ھو أعظم من الھيكل‪ ،‬إذ يقدم‬


‫جا كامال ً للخطية‪ ،‬لكنه في مجد شخصه ھو أعظم من‬‫عال ً‬
‫السبت‪ ،‬بل ھو رب السبت أي ً‬
‫ضا‪.‬‬

‫‪ -٤‬قال المسيح إنه موجود في كل مكان‪.‬‬

‫فلقد قال المسيح لتالميذه‪:‬‬

‫»ألنه حيثما اجتمع اثنان أو ثالثة باسمي فھناك أكون في‬


‫وسطھم« )متى ‪.(٢٠ :١٨‬‬

‫كيف يمكن للمسيح أن يوجد في وسط كل اجتماع يوجد فيه‬


‫اثنان أو ثالثة مجتمعون إلى اسمه؟ أ ليس ھذا دليال ً على أنه‬
‫الرب الذي يمأل الكل؟ وفي ما بعد أوضح الرسول بولس أن‬
‫المسيح »يمأل الكل في الكل« )أفسس‪٢٣ :١‬؛ ‪.(١٠ :٤‬‬

‫وھناك عبارة نطق بھا المسيح توضح كيف أنه يمأل الكل‪ ،‬فلقد‬
‫قال لنيقوديموس‪» :‬وليس أحد صعد إلى السماء‪ ،‬إال الذي‬
‫نزل من السماء‪ ،‬ابن اإلنسان الذي ھو في السماء«‬
‫)يوحنا‪ .(١٣ :٣‬لقد كان المسيح يتكلم مع نيقوديموس في‬
‫أورشليم‪ ،‬لكنه يعلن أن السماء ال تخلو منه‪ .‬فھو موجود على‬
‫ضا في السماء‪ .‬وھذه واحدة من الخصائص‬ ‫األرض وموجود أي ً‬
‫اإللھية‪ ،‬فا§ وحده يمأل السماء واألرض‪ ،‬كقول الرب إلرميا‪» :‬أ ما‬
‫أمأل أنا السماوات واألرض يقول الرب؟« )إرميا‪.(٢٤ :٢٣‬‬

‫ونالحظ أن المسيح الذي كان يتكلم مع نيقوديموس‪ ،‬كان بناسوته‬


‫في أورشليم‪ ،‬وبالھوته ھو يمأل السماء واألرض‪ .‬واتحاد الطبيعتين‬
‫‪ -‬الالھوتية والناسوتية ‪ -‬في شخص المسيح‪ ،‬ھو فوق المدارك‬
‫البشرية‪.‬‬
‫‪ -٥‬قال المسيح إنه رب داود‪.‬‬

‫فلقد سأل الفريسيين‪:‬‬

‫»ماذا تظنون في المسيح؟ ابن من ھو؟ فقالوا ابن داود‪.‬‬


‫فقال لھم يسوع‪ :‬فكيف يدعوه داود بالروح ربًا قائال‪ :‬قال‬
‫الرب لربي حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك؟ فإن كان ھو‬
‫ابنه فكيف يكون ربه؟« )متى‪.(٤٥-٤٢ :٢٢‬‬

‫لقد ُق ِدمت في ھذا الفصل )متى ‪ (٢٢‬أسئلة كثيرة‪ :‬سؤال عن‬


‫الجزية التي ُتعطى لقيصر‪ ،‬وسؤال عن الزواج في العالم اآلتي‪،‬‬
‫وسؤال عن الناموس ووصيته العظمى‪ ،‬ولقد أجاب المسيح عنھا‬
‫كلھا إجابات رائعة‪ ،‬ولكنه ھنا يوجه السامعين إلى السؤال األكثر‬
‫أھمية‪» .‬ماذا تظنون في المسيح؟ ابن من ھو؟«‬

‫والمسيح ‪ -‬كما يعلن الوحي ‪ -‬ھو ابن داود‪ ،‬ولكنه ليس مجرد ابن‬
‫لداود‪ ،‬وإال الستحال أن يدعوه داود ر ًبا‪ .‬إنه ابن داود بالجسد‪،‬‬
‫ولكنه في الوقت نفسه ھو رب داود بالھوته‪ .‬ونحن نعرف أن‬
‫الفريسيين واليھود لم يستطيعوا اإلجابة عن سؤال المسيح الذي‬
‫تركه معھم ليفكروا فيه‪ .‬وھم إلى اآلن‪ ،‬وبعد نحو ألفي عام لم‬
‫يصلوا إلى اإلجابة عنه‪.‬‬

‫ومن الجميل أن يقول المسيح إن داود دعاه بالروح ر ًبا‪ ،‬فليس‬


‫أحد يقدر أن يقول ”يسوع رب“ إال بالروح القدس )‪١‬كورنثوس‪:١٢‬‬
‫‪ .(٣‬ولھذا فقد دعته أليصابات‪ ،‬وھو ما زال جنينا في بطن أمه‪:‬‬
‫”ربي“‪ .‬قالت ھذا وھي ممتلئة من الروح القدس )لوقا‪.(٤٣ :١‬‬
‫وقال توما له بعد قيامته من األموات‪” :‬ربي وإلھي“ )يوحنا‪:٢٠‬‬
‫‪ ،(٢٨‬وقالھا الرسول بولس عنه بعد صعوده إلى السماء )فيلبي‬
‫‪ ،(٨ :٣‬ويخبرنا الوحي أنه سيأتي الوقت الذي فيه سيقول كل‬
‫لسان أن يسوع رب )فيلبي ‪.(١١ :٢‬‬

‫ولألسف يعلق البشير متى قائال‪» :‬من ذلك الوقت لم يتجاسر‬


‫الفريسيون أن يسألوه شي ًئا« )ع‪ .(٤٦‬إنھم لم يستطيعوا الرد‬
‫على منطقه الواضح وحجته القاطعة‪ ،‬لكنھم بدال ً من اإليمان به‬
‫ضا‪ ،‬كما ھو رب داود‪ ،‬فإنھم‬ ‫واالنحناء بالسجود له‪ ،‬باعتباره ربھم أي ً‬
‫فضلوا أن يمضوا في عماھم وظالم فكرھم باقي عمرھم وإلى أبد‬
‫اآلبدين!‬

‫‪ -٦‬قال المسيح إنه ھو الذي يرسل األنبياء‪.‬‬

‫فلقد قال في عظة الويالت‪:‬‬

‫م‬
‫م ْن ُھ ْ‬ ‫ة َ‬
‫ف ِ‬ ‫ك َت َب ً‬
‫ما َء َو َ‬ ‫ُم أَ ْن ِب َيا َء َو ُ‬
‫ح َ‬
‫ك َ‬ ‫ل إِلَ ْيك ْ‬ ‫س ُ‬‫ھا أَنَا أُ ْر ِ‬‫ك َ‬ ‫»لِ َذلِ َ‬
‫ُم َوتَ ْ‬
‫ط ُر ُدونَ‬ ‫عك ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جا ِ‬‫م َ‬‫َج ِل ُدونَ فِي َ‬ ‫مت ْ‬ ‫ص ِل ُبونَ َو ِ‬
‫م ْن ُھ ْ‬ ‫تَقْ ُتلُونَ َوتَ ْ‬
‫ة« )متى ‪(٣٤ :٢٣‬‬ ‫دي َن ٍ‬
‫م ِ‬
‫ة إِلى َ‬‫َ‬ ‫دي َن ٍ‬
‫م ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ِ‬

‫لقد قال المسيح ھذه الكلمات لليھود‪ ،‬قبيل صلبه بأيام أو ساعات‬
‫معدودة‪ ،‬قال إنه سيرسل إليھم أنبياء وحكماء وكتبة‪ .‬فمتى‬
‫أرسلھم؟ يقي ًنا أرسلھم بعد قيامته من األموات‪ ،‬وصعوده فوق‬
‫جميع السماوات‪.‬‬

‫ھذه األقوال تؤكد أن المسيح ليس مجرد نبي وال مجرد رسول‪،‬‬
‫بل إنه ھو الذي يرسل الرسل واألنبياء‪ .‬وعليه فإن من يظن أن‬
‫المسيح مجرد رسول أو نبي‪ ،‬يكون قد فاته مدلول ھذه العبارة‬
‫العظمى‪ .‬فمن الذي يرسل األنبياء والحكماء؟ أليس ھو ﷲ؟‬
‫)ارجع إلى إشعياء ‪٨ :٦‬؛ يوحنا‪ .(٦ :١‬إ ًذا قول المسيح ھنا يتضمن‬
‫أنه ھو بنفسه الرب ”إله األنبياء القديسين“ )رؤيا‪ .(٦ :٢٢‬ولقد‬
‫تمم المسيح كالمه ھنا بعد قيامته من األموات وصعوده إلى‬
‫السماوات‪ ،‬حيث أرسل إلى تلك األمة العاصية أنبياء وحكماء‬
‫وكتبة‪.‬‬

‫ضا في موعظة جبل الزيتون ھذا‬ ‫وفي ھذا الصدد يقول المسيح أي ً‬
‫القول المبارك والمحمل بالمعاني »تظھر عالمة ابن اإلنسان ‪...‬‬
‫فيبصرون ابن اإلنسان ‪ ...‬فيرسل مالئكته ببوق عظيم الصوت‬
‫فيجمعون مختاريه« )متى ‪ .(٣١ :٢٤‬ھذا معناه أن المالئكة ھم‬
‫مالئكة ابن اإلنسان‪ ،‬وأنه يملك السلطان على إرسالھم‪ ،‬وكذلك‬
‫فإن المختارين ھم مختاروه‪ .‬فھذا الذي اتضع وافتقر لم يكن‪ ،‬كما‬
‫نفھم من األصحاح األول في ھذه البشارة سوى ”عمانوئيل الذي‬
‫تفسيره ﷲ معنا“ )‪.(٢٣ :١‬‬

‫‪ -٧‬قال المسيح أن كالمه ال يزول‬


‫فلقد قال المسيح في موعظة جبل الزيتون‪:‬‬

‫»السماء واألرض تزوالن ولكن كالمي ال يزول« )متى ‪:٢٤‬‬


‫‪.(٣٥‬‬

‫ونحن نعرف أنه بعض الدكتاتوريين كانوا يفرضون على الناس‬


‫أقوالھم‪ ،‬وربما قال مغرور من ھؤالء إن كالمه ال يزول‪ .‬ولكن ماذا‬
‫بعد موت ھؤالء؟ يقول المرنم‪» :‬تخرج روحه فيعود إلى ترابه‪ .‬في‬
‫ذلك اليوم نفسه تھلك أفكاره« )مزمور‪ .(٤ :١٤٦‬نعم ليس اإلنسان‬
‫‪ -‬كائ ًنا من كان ‪ -‬ھو الذي كالمه ال يزول‪ ،‬بل ﷲ‪ ،‬كقول المرنم‪:‬‬
‫»إلى األبد يا رب كلمتك مثبتة في السماوات« )مز‪.(٨٩ :١١٩‬‬

‫ما يبدأون نبواتھم بالقول‪» :‬ھكذا قال الرب«‪.‬‬


‫ولقد كان األنبياء دائ ً‬
‫ولكن المسيح ليس كذلك‪ ،‬بل إنه يقول ھنا‪» :‬كالمي ال يزول«!‬

‫ومن الجميل أن نذكر أن المسيح قال ھذا الكالم قبيل آالمه وموته‬
‫بساعات معدودة‪ .‬وكانت األيام التالية ستحمل الكثير من‬
‫المفاجآت غير السارة لتالميذه‪ ،‬ومع ذلك فقد ثبت أن كل ما قاله‬
‫المسيح تم‪ ،‬وتم حرف ًيا‪.‬‬

‫إن طريقة موته تمت كما قال‪ ،‬فمات فوق الصليب )قارن يوحنا‪:١٨‬‬
‫‪ ،٣٢‬مع يوحنا ‪ .(٣٣ :١٢‬لقد كان قصد قادة اليھود األشرار أنه‬
‫بموته فوق الصليب‪ ،‬وھي ميتة اللعنة والعار‪ ،‬ستنتھي إلى األبد‬
‫شعبيته )ارجع إلى مزمور‪ ،(٥ :٤١‬ولكن العجيب أن العكس ھو ما‬
‫حصل‪ ،‬وبعد نحو خمسين يو ًما بدأت الكرازة به‪ ،‬وآمن في عظة‬
‫واحدة ثالثة آالف نفس‪ ،‬وما زال ھذا يحدث يوم ًيا في كل بقاع‬
‫العالم‪ .‬ھناك ماليين لم تكن لھم به أية عالقة‪ ،‬والبعض كان ينكره‬
‫ويبغضه‪ ،‬لكن الصليب غيرھم فأحبوه وعبدوه‪ ،‬وذلك إتما ًما لقوله‪:‬‬
‫»وأنا إن ارتفعت عن األرض أجذب إلي الجميع« )يوحنا‪.(٣٢ :١٢‬‬
‫ضا إنه سيقوم في اليوم الثالث‪ .‬وھو ما حدث فعال‪،‬‬ ‫ولقد قال أي ً‬
‫فعندما ذھبت المرأتان إلى القبر في فجر أول األسبوع‪ ،‬وجدن‬
‫الحجر مدحرجا عن باب القبر‪ ،‬وسمعن صوت مالك السماء يقول‬
‫لھما‪» :‬إني أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب‪ ،‬ليس ھو ھھنا‬
‫ألنه قد قام كما قال« )متى ‪ .(٦ ،٥ :٢٨‬ولقد ظھر لتالميذه في‬
‫ضا )متى ‪٣٢ :٢٦‬؛ ‪ .(٧ :٢٨‬وقال إن الھيكل‬ ‫الجليل كما قال أي ً‬
‫سيدمر تما ًما‪ ،‬بحيث ال يترك حجر على حجر فيه إال وينقض‪ ،‬وحدد‬
‫المدة قائالً‪» :‬الحق أقول لكم‪ :‬ال يمضي ھذا الجيل حتى يكون‬
‫ھذا كله« )متى ‪ .(٣٤ ،٢ :٢٤‬وھو ما تم فعالً‪ ،‬ويخبرنا التاريخ أنه‬
‫رغم تعليمات تيطس القائد الروماني بعدم المساس بمبنى‬
‫الھيكل‪ ،‬واإلبقاء عليه كأثر تاريخي‪ ،‬إال أن كالم المسيح‪ ،‬وليس‬
‫كالم تيطس‪ ،‬ھو الذي تم‪.‬‬

‫وقبل ذلك كان قد قال‪» :‬على ھذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب‬
‫الجحيم لن تقوى عليھا« )متى ‪ (١٨ :١٦‬وھو ما تشھد به القرون‬
‫العشرون الماضية‪ .‬فكم حاولت معاول الھدم أن تھدم كنيسة‬
‫المسيح‪ ،‬ولكن طاش سھمھم! واتضح أن كالم المسيح ھو أشد‬
‫ثباتًا من السماوات بقوانينھا الثابتة‪ ،‬وأكثر رسوخا من األرض‬
‫بجبالھا الراسخة‪.‬‬

‫إذا فكالم المسيح أبدي وإلھي‪ ،‬معصوم وصادق‪ .‬إن كالمه له ذات‬
‫صفات كالم ﷲ‪ ،‬ألنه ھو ﷲ‪.‬‬

‫‪ -٨‬قال إنه صاحب كل سلطان في السماء وعلى األرض‪:‬‬

‫فلقد قال المسيح لتالميذه بعد القيامة‪:‬‬

‫»دفع إلي كل سلطان في السماء وعلى األرض« )مت‪:٢٨‬‬


‫‪.(١٨‬‬

‫من ھو ھذا الذي له كل السلطان في السماء وعلى األرض؟ أ‬


‫سلم له كل السلطان ال‬‫يمكن أن يكون مجرد مخلوق محدود‪ ،‬و ُي َ‬
‫ضا‪ ،‬حيث مسكن ﷲ؟‬ ‫في األرض فقط‪ ،‬بل في السماء أي ً‬

‫أ يمكن أن يكون ھذا الشخص صاحب السلطان المطلق في‬


‫األرض وفي السماء شخص آخر غير ﷲ؟‬

‫قال أحد المفسرين‪” :‬أن ُيعطى مجرد مخلوق‪ ،‬مھما سما‪ ،‬كل‬
‫السلطان في السماء وعلى األرض‪ ،‬ھو تعليم أكثر صعوبة بما ال‬
‫يقاس‪ ،‬من التقرير بأن المسيح ھو ﷲ‪ .‬فإن العبارة األولى تتضمن‬
‫فكرين متنافرين وال يمكن جمعھما معًا على اإلطالق“‪.‬‬
‫‪ -٩‬المسيح قال إنه واحد مع اآلب والروح القدس‪:‬‬

‫فلقد قال المسيح أي ً‬


‫ضا لتالميذه بعد قيامته من األموات‪:‬‬

‫»اذھبوا وتلمذوا جميع األمم‪ ،‬وعمدوھم باسم اآلب واالبن‬


‫والروح القدس« )متى ‪.(٢٠ :٢٨‬‬

‫وعبارة »عمدوھم باسم اآلب واالبن والروح القدس« تتضمن‬


‫ما‪ ،‬يعتبر قمة اإلعالن في اإليمان المسيحي‪ ،‬أعني‬ ‫ما عظي ً‬
‫تعلي ً‬
‫به وحدانية ﷲ‪ ،‬وثالوث أقانيمه‪ .‬فا§ واحد‪ ،‬لكن وحدانيته ليست‬
‫مطلقة وال مجردة بل جامعة مانعة‪ .‬ولذلك فقد قال لتالميذه ھنا‪:‬‬
‫»اذھبوا وتلمذوا جميع األمم‪ ،‬وعمدوھم باسم اآل ب واالبن والروح‬
‫القدس«‪ .‬إنه ال يقول‪” :‬عمدوھم باسم ﷲ“‪ ،‬فھذا ھو اإليمان‬
‫اليھودي غير الكامل‪ ،‬وال يقول عمدوھم بأسماء اآلب واالبن‬
‫والروح القدس‪ ،‬كأن ھناك أكثر من إله واحد‪ ،‬فتعدد اآللھة ھو‬
‫مفھوم وثني‪ ،‬وھو مفھوم خاطئ وفاسد‪ ،‬بل يقول‪» :‬عمدوھم‬
‫باسم اآلب واالبن والروح القدس«‪ .‬ھذا ھو التعليم العظيم الذي‬
‫ُيم ِي ّز المسيحية عن كل من الوثنية واليھودية؛ فاألولى تعلم بتعدد‬
‫اآللھة‪ ،‬والثانية تعلم بوحدانية مجردة مطلقة‪ ،‬وأما المسيحية‬
‫فتعلم بوحدانية جامعة مانعة‪ ،‬تجعل ﷲ الواحد ليس في حاجة‬
‫إلى خليقته ليمارس معھا صفاته األصيلة‪ .‬فا§ واحد في جوھره‪،‬‬
‫لكنه ثالوث في أقانيمه‪ .‬لذلك قال المسيح لتالميذه‪ ،‬عندما‬
‫يتلمذون األمم‪ ،‬أن يعمدوھم ”باسم اآلب واالبن والروح القدس“‪.‬‬

‫ولقد تم ھذا اإلعالن عن ﷲ في المسيحية‪ ،‬ففي اليھودية لم‬


‫يكن قد جاء بعد وقت اإلعالن الكامل عن ﷲ‪ ،‬حيث يقول البشير‬
‫يوحنا‪» :‬ﷲ لم يره أحد قط‪ ،‬االبن الوحيد الذي ھو في حضن اآلب‬
‫ھو خبر« )يوحنا‪.(١٨ :١‬‬

‫لقد أعلن الكتاب المقدس حقيقة الوحدانية والتثليث معًا‪ ،‬فا§‬


‫واحد في ثالوث وثالوث في واحد‪ .‬الجوھر واحد‪ ،‬ولكن التعينات )أو‬
‫األقانيم( ثالثة‪ .‬وھذا األمر‪ ،‬وإن كان يسمو على العقل‪ ،‬لكنه ليس‬
‫ضد العقل‪.‬‬

‫‪ -١٠‬قال المسيح إنه الموجود دائما أبدًا‬


‫فلقد قال لتالميذه‪:‬‬

‫»وھا أنا معكم كل األيام إلى انقضاء الدھر« )متى ‪:٢٨‬‬


‫‪(٢٠‬‬

‫في متى ‪ ٢٠ :١٨‬يتحدث المسيح عن وجوده في كل مكان‪ ،‬واآلن‬


‫في متى ‪ ٢٠ :٢٨‬يشير المسيح إلى وجوده في كل زمان‪.‬‬

‫من ذا الذي يمأل الزمان والمكان سوى ﷲ كلي التواجد‪ .‬فأن يعد‬
‫المسيح تالميذه بأنه معھم كل األيام‪ ،‬إلى انقضاء الدھر‪ ،‬فھذا‬
‫معناه أن »يسوع المسيح ھو ھو أمسا واليوم وإلى األبد«‬
‫)عبرانيين ‪.(٨ :١٣‬‬

‫ومن ھذا فإننا نرى أن األقوال الختامية إلنجيل متى تحمل لنا أدلة‬
‫متنوعة على الھوت المسيح‪ ،‬فيذكر أوال ً أنه موضوع سجود‬
‫األتقياء‪ ،‬إذ يقول عن تالميذه إنھم لما رأوه سجدوا له‪ .‬وثان ًيا‪ :‬أنه‬
‫كلي السلطان‪ ،‬ليس في السماء فقط وال على األرض فحسب‪،‬‬
‫ضا واحدة من خصائص ﷲ‪.‬‬ ‫بل في السماء وعلى األرض‪ ،‬وھذه أي ً‬
‫وثال ًثا‪ :‬ھو كلي التواجد‪ ،‬ال يخلو منه زمان وال مكان‪ ،‬إذ قال‬
‫لتالميذه‪» :‬أنا معكم كل األيام إلى انقضاء الدھر«‪ ،‬ونعلم أن ھذه‬
‫ضا واحدة من الخصائص اإللھية‪ .‬فليس مالك وال إنسان يقال‬ ‫أي ً‬
‫عنه إنه موجود في كل مكان وكل زمان‪.‬‬

‫ومن الجميل أن إنجيل متى يبدأ بمولد ابن العذراء الذي ُدعي‬
‫»اسمه عمانوئيل‪ ،‬الذي تفسيره ﷲ معنا« )متى ‪ ،(٢٣ :١‬ويختم‬
‫اإلنجيل بقول عمانوئيل نفسه إنه مع تالميذه كل األيام إلى‬
‫انقضاء الدھر!‬

‫‪ -١١‬قال المسيح‪ :‬إنه الرب‪:‬‬

‫فالمسيح بعد أن خلص مجنون كورة الجدريين قال له‪:‬‬

‫»اذھب إلى بيتك وإلى أھلك واخبرھم كم صنع الرب بك‬


‫ورحمك« )مرقس ‪.(١٩ :٥‬‬

‫ترى كيف فھم الرجل الذي شفاه المسيح ھذا التعبير‪» :‬أخبرھم‬
‫كم صنع بك الرب‪ ،‬ورحمك«؟ من ھو الرب الذي أنقذ ھذا‬
‫المجنون من الشياطين التي كانت تسكنه؟‬

‫نرى اإلجابة على ذلك من كلمات البشير مرقس التي تلت عبارة‬
‫المسيح ھذه‪» :‬أما ھو )أي الرجل الذي كان مجنونًا ورحمه الرب‬
‫وشفاه( فمضى ونادى في العشر المدن كم صنع به يسوع«‪.‬‬
‫وھذا معناه أن يسوع الذي خلص الرجل من الشياطين‪ ،‬ھو الرب‪.‬‬
‫ونحن نعرف أن ھذا ھو التعبير الذي ارتبط بالنسيح من يوم مولده‪،‬‬
‫عندما قال مالك السماء للرعاة‪» :‬ولد لكم اليوم في مدينة داود‬
‫مخلص ھو المسيح الرب«‪ .‬فلم يكن يسوع ھذا مجرد مسيح‪ ،‬وال‬
‫مجرد رب‪ ،‬بل ھو ”المسيح الرب“‪.‬‬

‫وفي العھد الجديد بعد قيامة المسيح وصعوده‪ ،‬اربتط لقب الرب‬
‫بأقنوم االبن‪ ،‬واستخدم فيما ندر عن اآلب أو الروح القدس‪ ،‬لكنه‬
‫استخدم عن االبن حوالي ‪ ٦٥٠‬مرة!‬

‫‪ -١٢‬قال المسيح‪ :‬إنه ”ابن ﷲ“‪:‬‬

‫ففي محاكمة المسيح أمام رئيس الكھنة يقول الوحي‬

‫»قال يسوع‪ :‬أنا ھو )المسيح ابن المبارك(« )مرقس‪:١٤‬‬


‫‪.(٦٢‬‬

‫في محاكمة المسيح أمام قيافا رئيس الكھنة‪ ،‬طرح رئيس الكھنة‬
‫سؤاال ً محد ًدا‪ ،‬ليجيب المسيح عنه بنعم أو ال‪ ،‬إن كان ھو ”ابن‬
‫ﷲ“‪ ،‬فأجابه المسيح قائال ً له‪» :‬أنا ھو«‪ .‬فكانت النتيجة أن »مزق‬
‫رئيس الكھنة ثيابه وقال‪ :‬ما حاجتنا بعد إلى شھود؟ قد سمعتم‬
‫التجاديف‪ .‬ما رأيكم؟ فالجميع حكموا عليه أنه مستوجب الموت«‬

‫ھذه الكلمة ابن ﷲ تعني في مفھوم اليھود أنه المعادل §‬


‫)يوحنا‪ ،(١٨ :٥‬ولقد فھموھا ھم بھذا المعنى‪ ،‬والرب لم يصحح‬
‫لھم مفھومھم‪ ،‬ولو أنھم بكل أسف – في عمى عدم اإليمان ‪-‬‬
‫رفضوا اإليمان بھذه الحقيقة‪ ،‬وصلبوه باعتباره مجد ًفا ألنه قال ذلك‬
‫عن نفسه‪.‬‬

‫ھذا التعبير الذي أثار حنق رئيس الكھنة الشرير ھو وبطانته‪ ،‬ورد‬
‫عن المسيح في العھد الجديد ما ال يقل عن خمسين مرة‪ .‬ومع‬
‫أن المسيح بصفة عامة لم يشر إلى شخصه أنه ابن ﷲ‪ ،‬إال فيما‬
‫ندر‪ ،‬ومع ذلك فقد عرفه الكثيرون كذلك‪ ،‬إذ الحظوا عظمة شخصه‬
‫وسمو أمجاده‪.‬‬

‫مرة قال عن نفسه لليھود‪» :‬فالذي قدسه اآلب‪ ،‬وأرسله إلى‬


‫العالم‪ ،‬أ تقولون له إنك تجدف‪ ،‬ألني قلت إني ابن ﷲ؟«‬
‫)يوحنا‪ .(٣٦ :١٠‬وفي مناسبة أخرى قال لليھود‪» :‬أبي يعمل حتى‬
‫اآلن وأنا أعمل‪ .‬فمن أجل ھذا كان اليھود يطلبون أكثر أن يقتلوه‪،‬‬
‫ضا إن ﷲ أبوه‪ ،‬معادال ً نفسه‬
‫ألنه لم ينقض السبت فقط‪ ،‬بل قال أي ً‬
‫با§« )يوحنا‪.(١٨ ،١٧ :٥‬‬

‫ومرة أخرى سأل الرب تالميذه قائالً‪» :‬من يقول الناس عني إني‬
‫أنا ابن اإلنسان؟«‪ .‬ومن ردود التالميذ نفھم أن البشر قالوا عن‬
‫المسيح كال ًما حس ًنا‪ ،‬في مجمله أنه ”واحد من األنبياء“‪ ،‬لكن‬
‫المسيح لم تسره ھذه اإلجابة‪ ،‬وكأنه كان ينتظر شي ًئا أفضل بعد‬
‫كل ما عمله بينھم‪ .‬لذلك فإنه سأل تالميذه‪» :‬وأنتم من تقولون‬
‫إني أنا ھو؟«‪ ،‬فأجابه بطرس قائالً‪» :‬أنت ھو المسيح ابن ﷲ‬
‫الحي«‪ .‬والرب ط ﱠوب بطرسا ألن اآلب أعلن ھذا له‪ ،‬مما يدل على‬
‫أن ھذا اإلعالن‪” :‬المسيح ابن ﷲ الحي“ يختلف تما ًما عما وصل‬
‫م‬
‫َ‬ ‫فعال‬ ‫إليه باقي الناس من أن المسيح ”ھو واحد من األنبياء“‪ ،‬وإال‬
‫كان التطويب لبطرس؟‬

‫ونحن نالحظ أن المسيح لم يندھش إلجابة بطرس السابقة‪،‬‬


‫وكأنه يفاجأ بھا‪ ،‬وال طرب لھا وكأنھا تكريم لم يكن يتوقعه‪ ،‬وال ھو‬
‫اعترض عليھا‪ ،‬بل إنه بكل بساطة ط ﱠوب صاحبھا قائال ً له‪» :‬إن‬
‫ما ود ًما لم يعلن لك‪ ،‬لكن أبي الذي في السماوات« )متى‪:١٦‬‬ ‫لح ً‬
‫‪ .(١٧‬مما يدل على أن ھذه المعرفة عن المسيح يلزمھا إعالن‬
‫من ﷲ اآلب مباشرة‪.‬‬

‫والذين شھدوا في الوحي بأن المسيح ھو ابن ﷲ كثيرون‪.‬‬


‫نكتفي باإلشارة إلى سبع شھادات‪:‬‬

‫· فاآلب شھد له بأنه ابنه‪ ،‬وفعل ذلك ‪ ٧‬مرات )متى‪١٧ :٣‬؛ ‪٥ :١٧‬؛‬
‫مرقس ‪١١ :١‬؛ ‪٧ :٩‬؛ لو‪٢٢ :٣‬؛ ‪٣٥ :٩‬؛ ‪٢‬بط‪.(١٧ :١‬‬
‫· والروح القدس شھد عنه كذلك )مرقس‪،(١:١‬‬

‫· وھو قال كذلك عن نفسه سواء قبل الصليب )يوحنا‪٣٥ :٩‬؛ ‪:١٠‬‬
‫‪ ،(٣٦‬أو بعد القيامة )رؤيا‪.(١٨ :٢‬‬

‫· والمالك جبرائيل في بشارته للمطوبة العذراء قال ذلك )لوقا‪:١‬‬


‫‪٣٥‬و ‪.(٣٦‬‬

‫· وحتى الشياطين عرفته كذلك )مرقس‪.(٧ :٥‬‬

‫· والتالميذ أقروا بھذا األمر أكثر من مرة )متى ‪٣٣ :١٤‬؛ ‪١٦ :١٦‬؛‬
‫يوحنا ‪٣٤ :١‬و ‪٤٩‬؛ ‪،(٢٧ :١١‬‬

‫· بل وحتى الغرباء عرفوا ذلك واعترفوا به‪ ،‬كما حدث مثال ً من قائد‬
‫المئة األممي الذي كان عند الصليب‪ ،‬الذي لما رأى أعاجيب‬
‫الجلجثة قال‪» :‬ح ًقا كان ھذا ابن ﷲ« )متى‪٥٤ :٢٧‬؛ مرقس‪:١٥‬‬
‫‪.(٣٩‬‬

‫‪ -١٣‬قال المسيح إنه المخلص الوحيد‪.‬‬

‫فلقد قال لتلميذيه يعقوب ويوحنا‪:‬‬

‫»لستما تعلمان من أي روح أنتما ألن ابن اإلنسان لم يأت‬


‫ليھلك أنفس الناس بل ليخلص« )لوقا‪.(٥٦ ،٥٥ :٩‬‬

‫كما قال أي ً‬
‫ضا‪:‬‬

‫»ألن ابن اإلنسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد ھلك«‬


‫)لوقا‪.(١٠ :١٩‬‬

‫وقال أي ً‬
‫ضا لليھود‪:‬‬

‫»أنا ھو الباب‪ .‬إن دخل بي أحد فيخلص ويدخل ويخرج‬


‫ويجد مرعي« )يوحنا‪(٩ :١٠‬‬

‫ضح المسيح في األقوال السابقة أنه ليس إحدى طرق‬


‫يو ِ ّ‬
‫الخالص‪ ،‬بل ھو الطريق الوحيدة له‪ .‬ولھذا فإنه ھنا يقول إنه‬
‫”الباب“‪ ،‬بمعنى أنه الباب الوحيد للخالص‪ .‬وفي مكان آخر قال‬
‫المسيح لتالميذه‪» :‬أنا ھو الطريق والحق والحياة‪ ،‬ليس أحد يأتي‬
‫إلى اآلب إال بي« )يوحنا‪.(٦ :١٤‬‬

‫ونحن نعرف من العھد القديم أن المخلص الوحيد ھو ﷲ‪ .‬فيقول‬


‫المرنم‪» :‬ال تتكلوا على الرؤساء‪ ،‬وال على ابن آدم‪ ،‬حيث ال خالص‬
‫عنده« )مزمور ‪ .(٣ :١٤٦‬كما قال ﷲ على لسان نبيه إشعياء‪» :‬أ‬
‫ليس أنا الرب وال إله آخر غيري؟ إله بار ومخلص‪ ،‬ليس سواي‪.‬‬
‫إلي واخلصوا يا جميع أقاصي األرض‪ ،‬ألني أنا ﷲ وليس‬
‫ﱠ‬ ‫التفتوا‬
‫آخر« )إشعياء‪ .(٢٢ ،٢١ :٤٥‬كما قال النبي يونان‪» :‬للرب الخالص«‬
‫)يونان ‪ .(٩ :٢‬ويقول الرسول بطرس عنه »ليس بأحد غيره‬
‫الخالص‪ ،‬ألن ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس‬
‫به ينبغي أن نخلص« )أعمال ‪.(١٢ :٤‬‬

‫لو كان المسيح مجرد نبي ما كان يمكنه مطل ًقا أن يكون الطريق‬
‫الوحيدة للخالص‪ ،‬بل في ھذه الحالة يكون إحدى طرق ﷲ‬
‫لخالص البشر‪ .‬أما أن يكون ھو الطريق الوحيد للخالص‪ ،‬فليس‬
‫لھذا من تفسير معقول سوى أنه ليس نب ًيا‪ ،‬من األنبياء الذين أتوا‬
‫ورحلوا‪ ،‬بل ھو ﷲ‪ ،‬إذ ھو ”المخلص الوحيد“‪.‬‬

‫‪ -١٤‬قال المسيح إنه ھو األول واآلخر‪ .‬البداية والنھاية‪.‬‬


‫األلف والياء‪.‬‬

‫فلقد قال لعبده يوحنا في سفر الرؤيا‪:‬‬

‫»ال تخف أنا ھو األول واآلخر« )رؤيا‪(١٧ :١‬؛‬

‫وقال لمالك كنيسة سميرنا‪:‬‬

‫»ھذا يقوله األول واآلخر‪ .‬الذي كان ميتًا فعاش« )رؤيا‪(٨ :٢‬؛‬

‫ومرة أخرى‪:‬‬

‫»قال لي قد تم‪ .‬أنا ھو األلف والياء‪ ،‬البداية والنھاية‪ .‬أنا‬


‫أعطي العطشان من ينبوع ماء الحياة مجانًا« )رؤيا‪:٢١‬‬
‫‪٥‬و‪(٦‬‬

‫كما قال أي ً‬
‫ضا‪:‬‬

‫»وھا أنا آتي سريعا وأجرتي معي ألجازي كل واحد كما‬


‫يكون عمله‪ .‬أنا األلف والياء‪ ،‬البداية والنھاية‪ ،‬األول واآلخر«‬
‫)رؤيا‪١٢ :٢٢‬و‪(١٣‬‬

‫لقد قال الرب ھذا ليوحنا »أنا ھو األول واآلخر«‪ ،‬عندما سقط يوحنا‬
‫عند رجليه كميت‪ .‬ونحن نجد في العھد القديم تأثي ًرا مشاب ًھا لھذا‬
‫حدث في ظھورات إلھية سابقة‪ ،‬مع إبراھيم )تكوين‪،(٣ :١٧‬‬
‫ومنوح )قضاة‪(٢٠ :١٣‬؛ وحزقيال )حزقيال‪٢٣ :٣‬؛ ‪٣ :٤٣‬؛ ‪،(٤ :٤٤‬‬
‫ودانيآل )دانيال‪١٧ :٨‬؛ ‪.(١٧-١٥ ،٩ ،٨ :١٠‬‬

‫لكن‪ ،‬إن كان ‪ -‬من جانب يوحنا – حدث الخوف والفزع‪ ،‬فمن جانب‬
‫المسيح أتت تلك اإلعالنات السامية عن شخصه‪ ،‬مستخد ًما‬
‫التعبيرات الخاصة با§ دون سواه‪ .‬فمن سوى ﷲ يمكن أن يكون‬
‫»األول واآلخر‪ ،‬البداية والنھاية‪ ،‬األلف والياء«‪ .‬ھذا التعبير ال يرد‬
‫في كل الكتاب سوى في نبوة إشعياء‪ ،‬ويرد فيھا ثالث مرات )في‬
‫ص‪٤ :٤١‬؛ ‪٦ :٤٤‬؛ ‪ (١٢ :٤٨‬كلھا عن الرب )يھوه( مما يدل على‬
‫عبر إشعياء في اآلية‬ ‫أن ھذا التعبير إلھي‪ .‬فا§ ھو وحده – كما ﱠ‬
‫األولى )‪ (٤ :٤١‬الذي يقف خارج التاريخ‪ ،‬خارج تاريخ الفداء‬
‫)إشعياء ‪ ،(٦ :٤٤‬وخارج تاريخ الخليقة )إشعياء‪ .(١٢ :٤٨‬إن الزمان‬
‫ضيف عليه! ھو األول وال شيء قبله‪ .‬ھو علة كل شيء وليس له‬
‫علة‪ .‬ثم إنه ھو اآلخر‪ ،‬وليس بعده شيء‪ ،‬ھو المآل لكل خليقته‪.‬‬
‫وعندما يكرر الوحي ھذا الفكر ثالث مرات‪ :‬األول واآلخر‪ ،‬البداية‬
‫والنھاية‪ ،‬األلف والياء‪ ،‬فإن ھذا ال يمكن أن ينطبق إال على ﷲ‬
‫وحده‪.‬‬

‫ضا عن المسيح بحسب كولوسي ‪» ١٧ :١‬إنه قبل كل‬ ‫لقد قيل أي ً‬


‫شي‪ ،‬وفيه يقوم الكل«‪ .‬كل شيء يستمد األصل منه‪ ،‬وكل‬
‫شيء يستمد الوجود منه‪ .‬وإليه يؤول كل شيء‪ .‬إنه األول في‬
‫كل مجال‪ ،‬وھو اآلخر لكل مدى‪ .‬ھو يحتوي الكل‪ ،‬وخارجه ال يوجد‬
‫سوى العدم‪ .‬إنه تعبير يدل على األولوية الكاملة والتفوق‬
‫المطلق‪.‬‬
‫وعليه فإنه في ضوء اإلعالن الصريح عن ﷲ باعتباره ”األول‬
‫واآلخر“‪ ،‬وعن المسيح باعتباره ”األول واآلخر“‪ ،‬يتضح على الفور‬
‫أن المسيح قال عن نفسه صراحة أنه ھو ﷲ‪.‬‬

‫من جھة الزمان ھو األول‪ ،‬ومن جھة األبدية ھو اآلخر‪ .‬بكلمات‬


‫أخرى ھو أزلي أبدي‪ .‬أو بكلمات أخرى ھو الكائن بذاته والواجب‬
‫الوجود‪.‬‬

‫‪ -١٥‬قال المسيح إنه ھو الحي إلى أبد اآلبدين‪.‬‬

‫قال المسيح عن نفسه ليوحنا في جزيرة بطمس إنه‬

‫»الحي‪ .‬وكنت ميتًا‪ ،‬وھا أنا حي إلى أبد اآلبدين« )رؤيا‪:١‬‬


‫‪(١٨‬‬

‫في اآلية السابقة كان الرب قد قال ليوحنا‪» :‬أنا ھو األول واآلخر«‪.‬‬
‫واآلن يضيف له أنا ”الحي“‪ ،‬وأيضا ”أنا حي إلى أبد اآلبدين“‪ .‬فا§‬
‫يسمى في الكتاب المقدس بأنه الحي‪ .‬بينما الكل عداه أموات‪.‬‬
‫قال اليھود للمسيح عن إبراھيم وعن باقي األنبياء‪» :‬ألعلك أعظم‬
‫من أبينا إبراھيم الذي مات‪ ،‬واألنبياء ماتوا جميعًا«‪ .‬نعم كل األنبياء‬
‫ماتوا ألنھم بشر‪ ،‬أما ﷲ فال يموت‪ .‬وھنا يقول المسيح عن نفسه‬
‫إنه ھو الحي‪ .‬بل ھو الذي قيل عنه‪» :‬فيه كانت الحياة« )يوحنا‪:١‬‬
‫‪.(٤‬‬

‫ويرد التعبير ”ﷲ الحي“ في الكتاب المقدس ‪ ٢٨‬مرة‪ ١٤ .‬مرة في‬


‫العھد القديم و‪ ١٤‬مرة في العھد الجديد‪ ،‬منھا ست مرات في‬
‫سفر الرؤيا )‪١٨ :١‬؛ ‪١٠ ،٩ :٤‬؛ ‪١٤ :٥‬؛ ‪٦ :١٠‬؛ ‪ .(٧ :١٥‬ويقول‬
‫الكتاب المقدس عن ﷲ إنه »وحده له عدم الموت«‪ .‬لكن ھا‬
‫ضا‪ ،‬ألنه بلغة الرسول بطرس ھو ”رئيس‬ ‫إنسان مات‪ ،‬ولكنه قام أي ً‬
‫الحياة“ )أعمال‪ .(١٥ :٣‬وعندما مات لم يمت ألن ھذا كان ح ًقا‬
‫عليه كما على كل إنسان‪ ،‬بل كان موته اختيار ًيا‪ ،‬كما كان موتًا‬
‫كفار ًيا عن الجنس البشري كله‪ .‬وھذا الشخص يقول عن نفسه‬
‫إنه »حي إلى أبد اآلبدين«‪ .‬وتعبير ”أبد أالبدين“ كما ورد في اللغة‬
‫اليونانية‪ ،‬ھو أقوى تعبير في اللغة للداللة على عدم نھاية الزمن‪.‬‬
‫فكيف يكون ھذا؟ أ ليس ببساطة ألنه ليس مجرد إنسان‪ ،‬بل ھو‬
‫ﷲ وإنسان في آن واحد معًا؟‬

‫‪ -١٦‬قال المسيح إن له مفاتيح الموت والھاوية‬

‫ففي اآلية السابقة استطرد المسيح متحدثًا إلى يوحنا فقال له‪:‬‬

‫»ولي مفاتيح الھاوية والموت« )رؤيا‪.(١٨ :١‬‬

‫يستطرد المسيح مع يوحنا في جزيرة بطمس‪ ،‬بعد كالمع السابق‬


‫له‪ ،‬قائالً‪» :‬ولي مفاتيح الھاوية والموت«‪ .‬وھذا التعبير يدل على‬
‫أن المسيح ھو المھيمن المطلق على أجساد وأنفس الجميع‪.‬‬
‫السلطان الذي كان الشيطان به يرعب اإلنسان‪ ،‬بسبب خطيته‪،‬‬
‫ولكن ھا قد أتى الفادي الذي أمكنه أن يعتق اإلنسان من تلك‬
‫العبودية القاسية‪.‬‬

‫ونحن نتساءل من ذا الذي يملك مفاتيح الحياة والموت؟ أ ليس‬


‫إلي كل سلطان في السماء‬‫ﱠ‬ ‫ھو بعينه الذي قال عن نفسه‪» :‬دفع‬
‫وعلى األرض« )متى‪ .(١٨ :٢٨‬وإن لم يكن صاحب ھذا السطان‬
‫ھو ﷲ‪ ،‬فمن يكون؟‬

‫‪ -١٧‬قال المسيح أنا فاحص القلوب‬

‫فھو قال لمالك كنيسة ثياتيرا‪» :‬فستعرف جميع الكنائس أني‬


‫أنا ھو الفاحص الكلى والقلوب‪ ،‬وسأعطي كل واحد منكم‬
‫بحسب أعماله« )رؤيا‪.(٢٣ :٢‬‬

‫يقال ھذا التعبر عن الرب يھوه أكثر من مرة في نبوة إرميا‪ .‬فلقد‬
‫قال‪» :‬القلب أخدع من كل شيء وھو نجيس من يعرفه؟«‬
‫ويجيب‪» :‬أنا الرب فاحص القلوب ومختبر الكلى« )إرميا‪١٠ :١٧‬‬
‫انظر أيضا ص‪٢٠ :١١‬؛ ‪ ،(١٢ :٢٠‬بمعنى أنه ال يوجد من يعرف‬
‫قلوب البشر إال ﷲ‪ .‬وھو عين ما قاله سليمان الحكيم‪» :‬ألنك أنت‬
‫وحدك عرفت أفكار جميع بني البشر« )‪١‬ملوك‪ .(٣٩ :٨‬وال يوجد‬
‫مطل ًقا من يعلم ما في صدور الناس سوى ﷲ »ألنه ھو يعرف‬
‫خفيات القلب« )مزمور‪ .(٢١ :٤٤‬ھذا مجد يخص الرب )يھوه( وحده‬
‫دون سواه‪.‬‬
‫لكن المسيح ھنا يقول إنه ھو »فاحص الكلى والقلوب«‪ ،‬بمعنى‬
‫إنه يعرف األفكار والنيات‪ ،‬ويعلم أعماق اإلنسان‪ .‬يدرك الدوافع‬
‫واألفكار‪ ،‬ويفحص العواطف الداخلية والرغبات في األعماق‪.‬‬
‫بكلمات أخرى ھو الكلي العلم‪ .‬كيف ال وھو الديان!‬

‫فعندما يؤكد المسيح إنه يعرف قلوب البشر جميعًا‪ ،‬مستخدما‬


‫العبارة عينھا التي استخدمھا الرب يھوه عن نفسه في نبوة‬
‫إرميا‪ ،‬أ فال يكون المسيح بھذا قد قال عن نفسه إنه ھو ﷲ؟‬

‫‪ -١٨‬قال المسيح إنه أصل داود )أي خالقه(‬

‫فلقد قال ليوحنا الرائي في ختام سفر الرؤيا‪:‬‬

‫»أنا أصل وذرية داود‪ ،‬كوكب الصبح المنير« )رؤيا‪.(١٦ :٢٢‬‬

‫والمقطع األول من اآلية السابقة ليس أحجية‪ ،‬بل إنه إجابة عن‬
‫أحجية المسيح التي قالھا كآخر سؤال وجھه لليھود قبل أن ينطق‬
‫عليھم بمرثاته‪ .‬عندما سألھم »ماذا تظنون في المسيح؟ ابن من‬
‫ھو؟ فقالوا ابن داود‪ .‬فقال لھم يسوع‪ :‬فكيف يدعوه داود بالروح ر ًبا‬
‫قائال‪ :‬قال الرب لربي حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك؟ فإن كان‬
‫ھو ابنه فكيف يكون ربه؟« )متى‪.(٤٥-٤٣ :٢٢‬‬

‫لم يستطع الفريسيون واليھود اإلجابة عن سؤال المسيح‬


‫السابق‪ .‬لكن اللغز الذي ورد في متى ‪ ،٢٢‬نجد اإلجابة عنه في‬
‫رؤيا ‪ .٢٢‬فالمسيح كما أعلن ھنا عن نفسه‪” :‬أصل وذرية داود“‪.‬‬
‫بالھوته ھو أصل داود أي ھو خالقه‪ ،‬وبناسوته ھو ذرية داود‪ ،‬ألنه‬
‫ولد من مريم بنت داود‪.‬‬

‫ھذه اآلية تشبه كثيرا ما قاله النبي إشعياء عن المسيح‪» :‬ويخرج‬


‫قضيب من جذع يسى وينبت فرع من أصوله‪ ..‬في ذلك اليوم يكون‬
‫أصل يسى راية للشعوب« )إشعياء ‪ .(١٠ ،١ :١١‬فالمسيح ھو‬
‫قضيب من جذع يسى بمقتضى ناسوته‪ ،‬وھو أصل يسى‬
‫بمقتضى الھوته‪ .‬كما تشبه ما ورد عن المسيح في رومية ‪٥ :٩‬‬
‫فلقد قال الرسول عن المسيح‪» :‬منھم المسيح حسب الجسد‬
‫)أي إنه من الشعب اليھودي‪ ،‬ولكنه أضاف في الحال القول(‬
‫الكائن على الكل إلھا مباركا إلى األبد )أو بتعبير أكثر دقة ”ﷲ‬
‫المبارك إلى األبد“(«‬

‫)‪(٣‬‬
‫ماذا قالت أعمال المسيح؟‬
‫»صدقوني‪ ..‬وإال فصدقوني بسبب األعمال نفسھا«‬
‫)يوحنا ‪٣٧ :١٠‬و‪.(٣٨‬‬

‫****‬

‫رأينا في الفصلين السابقين أن المسيح قال مرات عديدة ما يفيد‬


‫أنه ﷲ الظاھر في الجسد‪ .‬وسنرى في ھذا الفصل أنه لم يقل‬
‫ذلك فقط‪ ،‬بل قدم أي ً‬
‫ضا الدليل الساطع والبرھان القاطع عليه‪.‬‬
‫ونحن نعرف أن األفعال لھا صوت أعلى من األقوال‪ ،‬فما أسھل أن‬
‫يدعي شخص بأنه إله‪ ،‬أو أنه رسول من عند ﷲ ‪ ،‬أو أنه أحد‬
‫أنبيائه‪ .‬لقد تقابلت أنا شخص ًيا مع أشخاص فقدوا قواھم العقلية‬
‫فادعوا مثل ھذه االدعاءات‪ .‬لكن المسيح – له كل المجد – كما‬
‫قال بأساليب مختلفة إنه ﷲ‪ ،‬فقد برھن على ذلك أي ً‬
‫ضا بما ال‬
‫يحصى من أعمال‪.‬‬

‫في ختام حياته مع التالميذ وھو يحدثھم حديث الوداع في العلية‪،‬‬


‫قال له المجد للتالميذ‪» :‬لو لم أكن قد جئت وكلمتھم )يقصد‬
‫اليھود( لم تكن لھم خطية‪ ،‬وأما اآلن فليس لھم عذر في‬
‫خطيتھم‪ .‬لو لم أكن قد عملت بينھم أعماال ً لم يعملھا أحد غيري‬
‫لم تكن لھم خطية‪ ،‬وأما اآلن فقد رأوا وأبغضوني أنا وأبي«‬
‫)يوحنا‪ .(٢٤-٢٢ :١٥‬والمقصود بعبارة ”خطيتھم“ ھو خطية رفضه‪،‬‬
‫وعدم اإليمان به أنه ھو ﷲ الذي ظھر في الجسد‪ ،‬وأنه المسيا‪.‬‬

‫واآلن‪ ،‬دعنا نمر على ثمانية أنواع من المعجزات التي عملھا‬


‫المسيح له المجد كعينات‪:‬‬

‫‪ -١‬تطھير األبرص‪:‬‬

‫لقد اخترت ھذه المعجزة ألتحدث عنھا في البداية‪ ،‬ألنھا كانت أول‬
‫معجزة مسجلة للمسيح في البشائر األربع‪ .‬وھي معجزة عظيمة‬
‫في نظر اليھود الذين عملت المعجزة بينھم‪ ،‬والذين كتب متى‬
‫البشير إنجيله إليھم‪ ،‬وذلك لجملة أسباب‪:‬‬

‫أوال ً‪ :‬ألن مرض البرص ھو مرض بشع للغاية‪ ،‬يجعل صاحبه‬


‫كالميت الذي أكل لحمه )عدد‪ .(١٢ :١٢‬وھذا يعطينا فكرة عن‬
‫مقدار بشاعة ھذا المرض‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬كان ھذا المرض ‪ -‬بحسب شريعة موسى – يعتبر نجاسة‪،‬‬
‫تحرم صاحبھا ليس فقط من ممارسة العبادة في ھيكل ﷲ‪ ،‬بل‬
‫حتى من االختالط مع شعب ﷲ‪ ،‬فكان يتم عزله خارج أماكن‬
‫إقامة الشعب‪ .‬وعن ھذا المرض اللعين أفرد الناموس أصحاحين‬
‫كاملين لشرحه وشرح كيفية التعامل مع المصابين به )الويين ‪١٣‬؛‬
‫‪.(١٤‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬إنه كان يستحيل الشفاء من ھذا المرض‪ .‬ولھذا فإنه عندما‬
‫رئيس جيشه نعمان السرياني‬‫َ‬ ‫أرسل ملك أرام إلى ملك إسرائيل‬
‫ليشفيه من برصه‪ ،‬مزق الملك ثيابه‪ ،‬وقال‪» :‬ھل أنا ﷲ لكي‬
‫ي أن أشفي رجال ً من‬‫أميت وأحيي‪ ،‬حتى أن ھذا يرسل إل ﱠ‬
‫برصه؟« )‪٢‬ملوك‪ .(٧ :٥‬مما يوضح لنا نظرة الناس إلى خطورة ھذا‬
‫المرض‪ ،‬واستحالة الشفاء منه‪.‬‬

‫لكن المسيح في ھذه المعجزة بلمسة واحدة مصحوبة بأمر منه‪،‬‬


‫ط ﱠھر األبرص!‬

‫ما يلمس من يقوم بشفائھم‪،‬‬


‫نالحظ أن الرب يسوع لم يكن دائ ً‬
‫فكثي ًرا ما اكتفى بالكلمة وحدھا‪ ،‬لكنه في حالتنا ھذه لمس‬
‫األبرص‪ .‬ولقد كان – بحسب الشريعة ‪ -‬من يلمس األبرص‬
‫صا يلمس األبرص فال يتنجس ھو‪ ،‬بل‬‫يتنجس‪ ،‬لكننا ھنا نرى شخ ً‬
‫األبرص ھو الذي يطُھر‪ .‬فمن يكون ھذا الشخص العجيب؟‬

‫وعندما أتي ذلك األبرص فقد قال للمسيح‪» :‬يا سيد‪ :‬إن أردت‬
‫تقدر أن تطھرني«‪ ،‬فقال له يسوع‪» :‬أريد فاطھر«‪ .‬الحظ أن‬
‫المسيح لم يقل له‪” :‬كل شيء بإذن ﷲ“‪ ،‬بل قال‪” :‬أريد“‪ .‬ونقرأ‪:‬‬
‫”ففي الحال طھر برصه“!‬

‫ترى من الذي له سلطان أن يقول ”أريد“‪ .‬وال يقولھا فقط‪ ،‬بل يفعل‬
‫ضا‪ .‬ح ًقا لقد أثبت المسيح بھذا أنه ھو ﷲ الذي يعمل كل‬‫أي ً‬
‫شيء حسب رأي مشيئته« )أفسس‪.(١١ :١‬‬

‫والمسيح ھنا نراه بحنانه يلمس األبرص المنبوذ‪ ،‬وبقوته يطھره‬


‫من برصه‪ .‬مج ًدا له فإنه صاحب أرق قلب‪ ،‬وأقوى ذراع!‬

‫‪ -٢‬شفاء المرضى‪:‬‬

‫لقد قام بعض األنبياء والرسل بعمل معجزات شفاء‪ ،‬لكنھم عملوا‬
‫تلك المعجزات بقوة استمدوھا من ﷲ عن طريق الصالة‪ ،‬أو‬
‫بسلطان أخذوه من الرب يسوع المسيح نفسه‪ ،‬أما المسيح ‪-‬‬
‫بخالف كل من سبقه وكل من لحقه ‪ -‬فعل تلك المعجزات بقوته‬
‫ھو وسلطانه الشخصي‪ .‬وليس ذلك فقط بل إنه أعطى ھذا‬
‫السلطان آلخرين )متى ‪ .(٨-٥ :١٠‬وواضح أن من يعطي السلطان‬
‫لغيره‪ ،‬يملك ھو شخص ًيا ھذا السلطان‪.‬‬

‫ثم الحظ أنه لم تكن ھناك أنواع من األمراض متخصص فيھا الرب‬
‫يسوع‪ ،‬بل يقول عنه متى البشير إنه »كان يشفي كل مرض‬
‫وكل ضعف في الشعب ‪ ..‬فأحضروا إليه جميع السقماء‬
‫المصابين بأمراض وأوجاع مختلفة والمجانين والمصروعين‬
‫والمفلوجين فشفاھم« )متى ‪٢٣ :٤‬و‪ .(٢٤‬ومرة ثانية يقول‪:‬‬
‫»وكان يسوع يطوف المدن كلھا والقرى يعلم في مجامعھم‪...‬‬
‫ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب« )متى‪.(٣٥ :٩‬‬
‫ضا إلى متى ‪٣٥ :١٤‬و‪٣٦‬؛ ‪٣٠ :١٥‬و‪٣١‬؛ مرقس‪٣٤-٣٢ :١‬؛‬ ‫ارجع أي ً‬
‫‪١٠ :٣‬؛ ‪٥٥ :٦‬و‪٥٦‬؛ لوقا‪٤٠ :٤‬؛ ‪١٩ :٦‬‬

‫وأما كيف كان الرب يشفي المرضى‪ ،‬فإن المسيح أحيانًا كان‬
‫يشفي بكلمة‪ ،‬مجرد كلمة يقولھا‪ ،‬وكانت كلمته تحمل معھا‬
‫السلطان‪ ،‬فيھرب المرض من المريض الذي أمامه‪ .‬ومرات كان‬
‫المسيح يشفي بكلمة‪ ،‬لكن من على بعد‪ ،‬دون أن يقابل المريض‬
‫شخص ًيا‪ ،‬لكن كلمته وأمره كانا يحمالن معھما السلطان؛ وأحيان ًا‬
‫كان الذين يلمسونه ينالون الشفاء‪.‬‬

‫لقد شفى المسيح بكلمة‪ .‬فھو مثال ً قال للمفلوج الذي ُق ِدم‬
‫إليه يحمله أربعة‪» :‬قم واحمل سريرك‪ ،‬واذھب إلى بيتك‪ .‬فقام‬
‫للوقت وحمل السرير وخرج قدام الكل« )مرقس‪.(١٢ ،١١ :٢‬‬
‫ولمريض بركة بيت حسدا الذي ظل مقع ًدا لمدة ثماني وثالثين‬
‫سنة‪ ،‬يرجو الحصول على الشفاء عن طريق نزوله في البركة‬
‫متى تحرك الماء‪ ،‬كلمة واحدة من فم المسيح جعلت ذلك الرجل‬
‫صاحب أقدم مرض‪ ،‬يحمل سريره ويمشي« )يوحنا‪.(٩-٥ :٥‬‬
‫ولحماة بطرس نقرأ أنه انتھر الحمى فتركتھا‪ ،‬بل نقرأ إنھا في‬
‫الحال قامت وصارت تخدمھم )لوقا‪ .(٣٩ ،٣٨ :٤‬ومع الرجل ذي اليد‬
‫اليابسة قال المسيح له مد يدك فعادت صحيحة كاألخرى‬
‫)متى‪.(١٣ :١٢‬‬

‫في ھذا يقف المسيح في موقف المباينة مع كل رجال ﷲ‬


‫واألنبياء‪ ،‬ففي العھد القديم نقرأ عن ملك يبس ﷲ يده‪ ،‬ردعً ا له‬
‫عن شره‪ ،‬ھو الملك يربعام‪ ،‬الذي مد يده ليمسك رجل ﷲ الذي‬
‫تنبأ ضده في ذلك اليوم‪ .‬لقد يبست يده في الحال‪ ،‬ولم يستطيع‬
‫أن يردھا‪ .‬ولما تضرع رجل ﷲ إلى وجه الرب من أجل الملك‪،‬‬
‫رجعت يد الملك إليه‪ ،‬وكانت كما في األول )‪١‬مل ‪ .(١٣‬أما الرب‬
‫جا إلى‬ ‫يسوع فعندما شفي الرجل ذا اليد اليابسة‪ ،‬لم يكن محتا ً‬
‫أن يتضرع إلى وجه الرب‪ ،‬ألنه ھو الرب‪ .‬ففارق كبير بين ”رجل‬
‫ل أن‬ ‫ﷲ“ الذي يعمل معجزة‪ ،‬وبين ﷲ نفسه الذي تنازل و َق ِب َ‬
‫للحمى التي شفى حماة بطرس منھا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫يصير رجالً‪ .‬وأما بالنسبة‬
‫فمعروف اليوم أن العالج من الحمى‪ ،‬برغم تقدم الطب الھائل‪،‬‬
‫يحتاج عالج يستمر أليام كثيرة‪ ،‬فيھا تبدأ الحمى في االختفاء‬
‫بالتدريج تاركة المريض منھ ًكا‪ .‬أما المسيح فال يلزمه سوى أن‬
‫يأمر‪ ،‬فتھرب الحمى ھرو ًبا من أمام وجھه! قال النبي عن الرب‪:‬‬
‫»قدامه ذھب الوبأ‪ ،‬وعند رجليه خرجت الحمى« )حبقوق ‪.(٥ :٣‬‬

‫وبالنسبة لمريض بركة بيت حسدا‪ ،‬فنحن نتذكر ما عمل ﷲ في‬


‫الخليقة األولى‪ ،‬عندما »قال ليكن نور فكان نور« )تكوين ‪.(٣ :١‬‬
‫ويقول المرنم‪» :‬قال فكان‪ ،‬ھو أمر فصار« )مزمور‪ .(٩ :٣٣‬ھكذا‬
‫المسيح ھنا‪ ،‬كلمة واحدة حملت معھا القوة للمريض‪ ،‬فقام طاعة‬
‫لكلمات المسيح )يوحنا‪ .(٩ ،٨ :٥‬إنه الرب الذي قال عنه المرنم‪:‬‬
‫»أرسل كلمته فشفاھم« )مزمور‪.(٢٠ :١٠٧‬‬

‫ومرات كان المسيح يشفي بكلمة‪ ،‬ولكن من على بعد‪ ،‬فمرة‬


‫أتى قائد مئة إلى يسوع يطلب إليه من أجل غالمه المفلوج‪ ،‬ولما‬
‫قال المسيح‪» :‬أنا آتي وأشفيه‪ .‬فأجاب قائد المئة وقال‪ :‬يا سيد‬
‫لست مستح ًقا أن تدخل تحت سقفي‪ ،‬لكن قل كلمة فقط فيبرأ‬
‫غالمي«‪ .‬ولقد تعجب يسوع من إيمان ذلك القائد‪ ،‬ألنه كان أمم ًيا‪،‬‬
‫وقال له‪» :‬اذھب‪ ،‬وكما آمنت ليكن لك‪ ،‬فبرأ غالمه في تلك‬
‫الساعة« )متى ‪ .(١٣-٥ :٨‬ومرة ثانية مع ضابط من الحرس‬
‫الملكي في كفرناحوم‪ ،‬أتى إلى يسوع وھو في قانا الجليل‬
‫وطلب إليه أن ينزل معه‪ ،‬ليشفي ابنه قبل أن يموت‪ ،‬ألنه كان‬
‫مصا ًبا بحمى شديدة‪» ،‬قال له يسوع‪ :‬اذھب‪ ،‬ابنك حي«‬
‫)يوحنا‪ .(٥٤-٤٦ :٥‬إن قانا الجليل حيث التقى الرب ذلك الضابط‪،‬‬
‫تبعد عن كفر ناحوم نحو أربعين كيلو مت ًرا‪ .‬لكن األمر لم يستلزم‬
‫أكثر من قول الرب »اذھب‪ ،‬ابنك حي«!‬

‫يفتخر اإلنسان اليوم في القرن الواحد والعشرين بقدرته على‬


‫التحكم من بعد‪ .‬فمن األرض يمكنه أن يصلح األعطال التي تحدث‬
‫في األقمار الصناعية ومركبات الفضاء‪ .‬لكن إن كان اإلنسان يقدر‬
‫أن يصحح من ُبعد أخطاء في أشياء صنعھا‪ ،‬فإن ﷲ يستطيع أن‬
‫يشفي من ُبعد أمراضًا في أشخاص خلقھم‪ .‬ھذا ما عمله الرب‬
‫يسوع في معجزة شفاء ابن خادم الملك في كفرناحوم‪ ،‬وشفاء‬
‫ضا‪ .‬لقد شفى المرض المستعصي‬ ‫غالم قائد الئة في كفرناحوم أي ً‬
‫من ُبعد‪ ،‬وأقام المشرف على الموت بكلمة قدرته‪ .‬يا لروعة‬
‫المعجزة!! وما ذلك إال ألنه بالھوته يمأل كل مكان‪.‬‬

‫ونحن نتذكر كيف في بداية المسيحية كان ظل بطرس يشفي‬


‫المرضى‪ .‬فبمجرد أن يخيم ولو ظله على أحد المرضى كان يبرأ‬
‫في الحال )أعمال‪ .(١٥ :٥‬وأما بولس فقد صنع ﷲ على يده قوات‬
‫غير المعتادة‪ ،‬حتى إنه كان ُيؤتى عن جسده بمناديل أو مآزر إلى‬
‫المرضى فتزول عنھم األمراض )أعمال‪١١ :١٩‬و‪ .(١٢‬لكن رب‬
‫بطرس وبولس لم يكن بحاجة ال إلى أن يخيم بظله‪ ،‬وال أن يؤتى‬
‫عن جسده بمناديل‪ .‬بل إن كلمة تخرج من فمه‪ ،‬وھو في مكانه‪،‬‬
‫كانت تحمل معھا األمر‪ ،‬وھذا يكفي!‬

‫ومرات كان المسيح يشفي بدون كلمة يقولھا ھو‪ ،‬وال كلمة‬
‫يقولھا المريض‪ ،‬كل ما في المسألة أن يأتي المريض ويلمس‬
‫ھدب ثوب المسيح فينال المريض الشفاء في الحال‪ .‬ويخبرنا‬
‫الوحي عن امرأة نازفة دم منذ اثنتي عشرة سنة‪ ،‬تألمت كثي ًرا‬
‫من أطباء كثيرين‪ ،‬وأنفقت كل ما عندھا‪ ،‬ولم تنتفع شي ًئا بل صارت‬
‫إلى حال أردأ‪ .‬ما أن سمعت عن يسوع حتى أتت إليه ألنھا قالت‬
‫إن مسست ولو ھدب ثوبه شفيت‪ ،‬وقد كان‪ .‬ولقد صارت ھذه‬
‫المرأة رائدة‪ ،‬اقتدى بھا الكثيرون‪ .‬ففي مرقس ‪ ٢٨ :٥‬يذكر لنا‬
‫لمسة ھذه المرأة للمسيح وشفائھا‪ ،‬وفي مرقس ‪ ٥٦ :٦‬يذكر‬
‫كيف أن مرضى كثيرين طلبوا أن يلمسوا ولو ھدب ثوبه‪ ،‬وكل من‬
‫لمسه شفي!‬

‫وبالنسبة للمرأة نازفة الدم تذكر البشائر أن الرب توقف ليسأل‬


‫ھذا السؤال‪ ،‬الذي بدا على المسامع غريبًا‪” :‬من لمسني؟“‪ .‬قال‬
‫له تالميذه أنت ترى الجمع يزحمك‪ ،‬وتقول من لمسني؟ لكن الرب‬
‫أصر على أن يرى الذي فعل ذلك‪ .‬وكان له في ھذا حكمة‪ ،‬فلقد‬
‫أراد الرب أن تذھب ھذه المرأة نازفة الدم إلى بيتھا‪ ،‬ليست‬
‫متمتعة بالشفاء الجسدي فقط‪ ،‬بل بما ھو أفضل وأھم‪ ،‬ببركة‬
‫السالم لنفسھا وروحھا‪ ،‬فما أن اعترفت أمامه بالحق كله‪ ،‬حتى‬
‫قال لھا‪» :‬اذھبي بسالم«‪ .‬لقد خرجت من بيتھا مريضة وھا ھي‬
‫تعود إلى البيت صحيحة؛ وجاءت إلى الرب »وھي خائفة‬
‫ومرتعدة« وھا ھو يقول لھا »اذھبي بسالم«!‬

‫فإيمان ھذه المرأة شفاھا‪ ،‬ولكن كلمة الرب مألت قلبھا بالثقة‪.‬‬

‫درسا ھا ًما‪ ،‬وھو أنه العليم‬


‫ً‬ ‫وباإلضافة إلى ذلك أراد الرب أن يعلمنا‬
‫بكل شيء‪ .‬فال شيء يمكن أن يختفي عنه على اإلطالق‪ ،‬وال‬
‫حتى لمسات أصابعنا! وذاك الذي رأى إيمان ھذه المرأة وانتعش‬
‫به‪ ،‬أ لم يكن يرى أي ً‬
‫ضا عدم إيمان الجموع؟!‬

‫قارئي العزيز إنه أيضا يراك ويعرفك‪ ،‬فھل لديك إيمان؟ »إيمان‬
‫مختاري ﷲ«؟ )تيطس ‪ .(١ :١‬مكتوب‪» :‬ولكن بدون إيمان ال يمكن‬
‫إرضاؤه )أي إرضاء ﷲ(‪ .‬ألنه يجب أن الذي يأتي إلى ﷲ يؤمن بأنه‬
‫موجود‪ ،‬وأنه يجازي الذين يطلبونه« )عبرانيين ‪.(٦ :١١‬‬

‫‪ -٣‬فتح أعين العميان‪:‬‬

‫ھذه اآلية لم يقم بعمل نظيرھا نبي من قبل المسيح‪ ،‬وال رسول‬
‫من بعده‪ .‬وكان معرو ًفا بين معلمي اليھود أن آية تفتيح أعين‬
‫العميان تخص المسيح وحده دون سواه‪ ،‬بحيث أن من يفتح أعين‬
‫العميان يكون بالتأكيد ھو المسيح من َتظَر األمة‪ .‬ولھذا فلما أرسل‬
‫يوحنا المعمدان اثنين من تالميذه إلى الرب ليسأله‪» :‬أنت ھو‬
‫اآلتي أم ننتظر آخر؟« فإن المسيح في إجابته على المعمدان‪،‬‬
‫أشار على رأس ما أشار‪ ،‬إلى معجزات تفتيح أعين العميان قائالً‪:‬‬
‫»إذھبا وأخبرا يوحنا بما تسمعان وتنظران‪ .‬العمي يبصرون‪ ،‬والعرج‬
‫يمشون‪ ،‬والبرص يطھرون‪ ،‬والصم يسمعون‪ ،‬والموتي يقومون‪،‬‬
‫في« )متى ‪.(٥ ،٤ :١١‬‬ ‫ﱠ‬ ‫والمساكين يبشرون‪ .‬وطوبى لمن ال يعثر‬

‫لكن ھذه المعجزة العظيمة‪ ،‬تفتيح أعين العميان‪ ،‬ليست دليال ً‬


‫ضا‪ .‬ففي العھد‬‫على مسياوية يسوع فقط‪ ،‬بل على الھوته أي ً‬
‫القديم ينسب تفتيح العميان إلى الرب وإلى ﷲ‪ ،‬فنقرأ قول‬
‫المرنم‪» :‬الرب يفتح أعين العميان« )مزمور ‪ ،(٨ :١٤٦‬كما يقول‬
‫النبي‪» :‬ھوذا إلھكم ‪ ..‬ھو يأتي ويخلصكم‪ ،‬حينئذ تتفقح عيون‬
‫العمي« )إشعياء‪ .(٥ ،٤ :٣٥‬وكلمة ”تتفقح“ تعني إنھا تتفتح على‬
‫اتساعھا‪ ،‬وتبصر بكل وضوح‪.‬‬

‫ولھذا فآية تفتيح أعين العميان برھنت لكل ذي بصيرة داخلية أن‬
‫يسوع ھو المسيح‪ ،‬وأنه ھو الرب اإلله‪.‬‬

‫ولقد ذكرت البشائر األربع قيام المسيح بإعطاء نعمة البصر لسبعة‬
‫أشخاص مذكورين بالتفصيل‪ ،‬ھم بترتيب ذكرھم في الكتاب‪:‬‬
‫األعميان اللذان شفاھما المسيح في بداية خدمته )متى ‪-٢٧ :٩‬‬
‫بؤسا‬
‫ً‬ ‫‪(٣١‬؛ ثم أعمى آخر مذكور في متى ‪ ،٢٢ :١٢‬وكانت حالته‬
‫مرك ًبا‪ ،‬إذ كان أعمى وأخرس ومجنونًا؛ ثم أعميان شفاھما الرب‬
‫بقرب أريحا‪ ،‬في نھاية خدمته تقري ًبا )متى ‪،(٣٤-٢٩ :٢٠‬‬
‫والسادس ھو األعمى الذي من بيت صيدا والذي ذكر في مرقس‬
‫‪ ،٢٦-٢٢ :٨‬والسابع ھو رجل أعمى منذ والدته‪ ،‬مذكورة قصته في‬
‫يوحنا‪٩‬‬

‫والعين من أعقد أعضاء جسم اإلنسان‪ .‬فالشبكية مثال وھي تقع‬


‫سمك الورقة العادية‪ ،‬لكنھا مليئة‬ ‫في مؤخر العين‪ ،‬مع أنھا في ُ‬
‫بماليين المخاريط والنبابيت التي تعمل على تميز الضوء واأللوان‪.‬‬
‫صا‪ ،‬وھي تتأثر بالضوء‬ ‫فتحتوي العين على نحو ‪ ١٢٥‬مليون ع ً‬
‫الخافت‪ ،‬كما تحتوي على نحو ‪ ٦‬مليون مخروط من أنواع ثالثة‬
‫تستجيب لأللوان الرئيسية‪ :‬األزرق واألخضر واألحمر‪ .‬ثم توجد‬
‫القزحية‪ ،‬وفي منتصفھا يوجد ثقب ھو ”البؤبؤ“‪ ،‬أو ”إنسان العين“‬
‫أو ”الحدقة“‪ .‬وھي عضلة ملونة تتحكم في ھذا الثقب‪ ،‬فتضيقه‬
‫وتوسعه حسب كمية الضوء المعرض له العين‪.‬‬

‫وخلف البؤبؤ توجد العدسة‪ ،‬وھذه ليست مثل عدسات النظارات‬


‫أو الكاميرات ثابتة‪ ،‬بل إن ﷲ الخالق العظيم جعلھا متغيرة الشكل‬
‫لتساعد العين على التركيز‪ ،‬حسب بعد الغرض أو قربه‪ .‬فتتحكم‬
‫بكل عين ست عضالت‪ ،‬وتمكن العين من أن تتحرك في أي اتجاه‬
‫تقري ًبا‪ .‬لكن العينين تتحركان معًا‪ ،‬وھما مزودان بأسرع عضالت في‬
‫جسم اإلنسان‪.‬‬

‫ثم العصب البصري‪ ،‬وھو يحول طاقة الضوء إلى نبضات عصبية‪ ،‬من‬
‫ثم ينقل تلك النبضات من العين إلى الدماغ ليترجمھا المخ‪.‬‬

‫أمام ھذا اإلعجاز اإللھي‪ ،‬كيف يمكن لمجرد إنسان أن يخلق‬


‫عيونًا لشخص ولد أعمى؟ لقد قال الرجل الذي كان أعمى فأبصر‬
‫عن المسيح‪» :‬لو لم يكن ھذا من ﷲ‪ ،‬لما قدر أن يعمل شي ًئا«‪.‬‬
‫لكن الحقيقة أن يسوع ليس فقط ”من ﷲ“‪ ،‬بل إنه ھو ﷲ‪ .‬ولذلك‬
‫فعندما ثارت الدنيا على الرجل الذي نال الشفاء‪ ،‬ووصل األمر إلى‬
‫طرده خارج المجمع‪ ،‬التقاه المسيح‪ ،‬وسأله ھذا السؤال المصيري‬
‫الھام‪» :‬أ تؤمن بابن ﷲ؟ قال له الرجل‪ :‬من ھو يا سيد ألومن به‪.‬‬
‫أجابه يسوع‪ :‬قد رأيته‪ ،‬والذي يتكلم معك ھو ھو‪ .‬قال له األعمى‪:‬‬
‫أؤمن يا سيد‪ .‬وسجد له«‪.‬‬
‫أيھا القارئ العزيز؟ أ تؤمن بابن ﷲ؟‬

‫ليتك تقول نعم‪ ،‬وليتك تسجد له!‬

‫‪ -٤‬إسكات عاصفة البحر‪:‬‬

‫لقد عمل المسيح خمس معجزات باالرتباط بالبحر ُذكرت بالتفصيل‬


‫في البشائر األربع‪ ، ،‬وھي كاآلتي‪:‬‬

‫إسكات عاصفة البحر عندما كان المسيح مع تالميذه في‬


‫ما‪ ،‬ومرة أخرى أسكت‬ ‫السفينة‪ ،‬وكان ھو في مؤخر السفينة نائ ً‬
‫المسيح العاصفة حين مشى فوق البحر الھائج‪ ،‬كما سنرى في‬
‫الفقرة التالية‪ ،‬وثالث معجزات أخرى عملھا المسيح باالرتباط بصيد‬
‫السمك )لوقا‪٩-٤ :٥‬؛ متى‪٢٧ :١٧‬؛ يوحنا‪ .(٧-٣ :٢١‬فالبحر خاضع‬
‫ضا سمك البحر السالك في سبل المياه )مزمور‪.(٨ :٨‬‬ ‫له‪ ،‬وأي ً‬

‫دعنا اآلن نركز الفكر في معجزة إسكات عاصفة البحر األولى‪،‬‬


‫والتي بھا أظھر المسيح سلطانه على قوى الطبيعة‪.‬‬

‫ولقد وردت معجزة إسكات المسيح للعاصفة في األناجيل الثالث‬


‫المتماثلة )متى‪ ،٢٧-٢٣ :٨‬مرقس‪ ،٤١-٣٥ :٤‬لوقا‪.(٢٥-٢٢ :٨‬‬
‫وكان المسيح قد قال لتالميذه لنجتز إلى العبر‪ .‬ثم دخلوا السفينة‬
‫معًا‪ ،‬وأما ھو فإذ كان متع ًبا فقد خلد للنوم على وسادة في مؤخر‬
‫السفينة‪ .‬ويبدو أنه في أثناء نومه‪ ،‬أراد الشيطان ”رئيس سلطان‬
‫حا عاصفة شديدة‪ ،‬ضربت‬ ‫الھواء“ أن يھز إيمان التالميذ‪ ،‬فأھاج ري ً‬
‫السفينة‪ ،‬وبدأت المياه تدخل إليھا‪ ،‬وصاروا في خطر‪.‬‬

‫ولقد كان معظم التالميذ صيادين مھرة‪ ،‬لھم خبرة كبيرة في‬
‫البحر‪ ،‬وبال شك حاولوا بكل مھارتھم مواجھة العاصفة‪ ،‬دون أن‬
‫ُيقلقوا معلمھم‪ .‬لكن انطبقت عليھم كلمات المزمور أمام الريح‬
‫العاصفة‪ ،‬واألمواج المتالطمة‪» :‬يصعدون إلى السماوات‪ ،‬يھبطون‬
‫إلى الھاوية‪ ،‬ذابت أنفسھم بالشقاء‪ .‬يتمايلون ويترنحون مثل‬
‫السكران‪ ،‬وكل حكمتھم ابتلعت« )مزمور‪ .(٢٧ ،٢٦ :١٠٧‬فماذا‬
‫يفعلون؟‬

‫األمر الطبيعي في مثل ھذه ألحوال ھو الصراخ إلى ﷲ‪ .‬ويستطرد‬


‫المرنم في المزمور قائالً‪» :‬فيصرخون إلى الرب في ضيقھم‪،‬‬
‫ومن شدائدھم يخلصھم‪ .‬يھدي العاصفة فتسكن وتسكت‬
‫أمواجھا« )مزمور‪ .(٢٩ ،٢٨ :١٠٧‬على أن التالميذ التجأوا إلى‬
‫ما في سفينتھم‪ ،‬فھل أمكنه أن يخلصھم من‬ ‫يسوع الذي كان نائ ً‬
‫شدائدھم؟‬

‫اإلجابة العظيمة ھي نعم‪ .‬واستمع إلى كالم البشير‪» :‬ثم قام‪،‬‬


‫وانتھر الرياح والبحر‪ ،‬فصار ھدوء عظيم« )متى‪!(٢٦ :٨‬‬

‫ما أعجب ھذا! الرياح سكنت‪ ،‬واألمواج وقفت‪ ،‬والجو صفا‪ ،‬والماء‬
‫صار كصفحة الزجاج‪ .‬ومع أن العاصفة عادة تتوقف تدريج ًيا‪ ،‬لكن ما‬
‫حدث ھنا كان خال ًفا لھذا ‪ ،‬فكلمته حملت معھا الھدوء التام‬
‫للعاصفة!‬

‫من ذا الذي له سلطان على الريح؟! لقد كان ھذا السؤال »من‬
‫جمع الريح في حفنتيه؟« )أمثال‪ ،(٤ :٣٠‬إحدى األحاجي التي‬
‫ذكرھا أجور بن متقية مسا‪ ،‬ال إجابة عنھا سوى »ﷲ«‪.‬‬

‫والبحر ‪ ..‬من يتحكم فيه؟ إن أحجية أجور تستطرد قائلة‪» :‬من صر‬
‫المياه في ثوب؟«‪ .‬وﷲ وھو يحاج أيوب مظھ ًرا له ضعفه التام إزاء‬
‫قدرة ﷲ المطلقة‪ ،‬قال له‪» :‬من حجز البحر بمصاريع‪ ،‬حين اندفق‬
‫‪ ..‬جزمت عليه حدي وأقمت له مغاليق ومصاريع‪ ،‬وقلت إلى ھنا‬
‫تأتي وال تتعدى‪ ،‬وھنا ت ُتخم كبرياء لججك« )أيوب‪.(١١-٨ :٣٨‬‬

‫ليس عجيبًا إ ًذا أن سيدنا يدعى اسمه ”عجي ًبا“؛ فذاك الذي قب َ‬
‫ل‬
‫ما من اإلعياء‪ ،‬قام وانتھر قوى الطبيعة الثائرة! وھو‬
‫لحظات كان نائ ً‬
‫إن كان قد ذكر قبل تلك المعجزة مباشرة أنه ”ليس له أين يسند‬
‫رأسه“ )متى‪ ،(٢٠ :٨‬لكن دعنا ال ننسى أنه ھو المتسلط على‬
‫كبرياء البحر‪ ،‬الرب يھوه‪ .‬إنھا واحدة من المشاھد التي تظھر لنا‬
‫بوضوح الطبيعتين في الشخص الواحد يسوع المسيح‪ :‬الطبيعة‬
‫الالھوتية‪ ،‬والطبيعة البشرية‪.‬‬

‫دعنا نتوقف عند توبيخ المسيح لتالميذه‪ ،‬ليس ألنھم أقلقوه في‬
‫نومه‪ ،‬بل ألنھم ھم أنفسھم قلقوا‪ .‬لقد قال لھم‪» :‬ما بالكم‬
‫خائفين ھكذا يا قليلي اإليمان؟«‪ .‬والسؤال الذي يفرض نفسه‪ :‬أ‬
‫لم يكن من الواجب عليھم أن يوقظوه ألنھم صاروا بالفعل في‬
‫خطر؟ اإلجابة‪ :‬إنه كان قد أمر بالذھاب إلى العبر‪ .‬وكأنه يقول لھم‪:‬‬
‫”طالما أني قلت ذلك‪ ،‬فال بد أنكم ستصلون إلى العبر كما قلت‬
‫لكم‪ .‬مھما حدث في البحر“!‬

‫»فتعجب الناس قائلين أي إنسان ھذا! فإن الرياح والبحر جميعًا‬


‫تطيعه« )متى ‪ .(٢٧ :٨‬والداللة التي ال مفر منھا لھذه المعجزة‬
‫صا عاد ًيا‪ ،‬وال حتى مجرد نبي‪.‬‬
‫العظيمة إن المسيح ليس شخ ً‬
‫ولذلك كان تعجب التالميذ من عمله ھذا‪ .‬سبق لتالميذه أن رأوا‬
‫سلطانه على المرض‪ ،‬وبكلمة من فمه أو لمسة من يده كان‬
‫المرض يھرب من أمامه‪ .‬لكن من ذا الذي له سلطان على البحر‬
‫وعلى الريح؟ من الذي يكلم قوى الطبيعة قائالً‪ :‬اسكت ابكم‪،‬‬
‫فيصير ھدوء عظيم!‬

‫ھناك آيات كثيرة في العھد القديم تعرفنا أكثر بحقيقة شخص ربنا‬
‫يسوع المسيح‪ ،‬كما نراه في ھذه المعجزة‪ ،‬فيقول المرنم عن‬
‫الرب‪» :‬يجمع كند أمواج اليم‪ ،‬ويجعل اللجج في أھراء« )مزمور‪:٣٣‬‬
‫رب وحقك‬‫قوي ٌ‬
‫ٌ‬ ‫ضا‪» :‬يا رب إله الجنود من مثلك‪،‬‬ ‫‪ ،(٧‬ويقول أي ً‬
‫من حولك‪ .‬أنت متسلط على كبرياء البحر‪ ،‬عند ارتفاع لججه أنت‬
‫ضا »من أصوات مياه كثيرة‪ ،‬من‬‫تسكنھا« )مزمور‪ .(٩ ،٨ :٨٩‬وأي ً‬
‫غمار أمواج البحر‪ ،‬الرب في العلى أقدر« )مزمور‪.(٤ :٩٣‬‬
‫والمسيح حين صار إنسان ًا‪ ،‬لم يكف عن كونه ﷲ‪ ،‬وال تخلى عن‬
‫أية صفة من صفات الالھوت‪ ،‬فكان ھو كلي العلم وكلي القدرة‬
‫ومعجزاته تظھر لنا ذلك‪.‬‬

‫‪ -٥‬المشي فوق الماء‪:‬‬

‫ھذه المعجزة حدثت أي ً‬


‫ضا باالرتباط بالبحر‪ ،‬وتمت بعد معجزة‬
‫إشباع الجموع باألرغفة الخمسة والسمكتين‪ .‬وھناك فارق ھام‬
‫بين ھذه المعجزة والمعجزة السابقة‪ ،‬فعندما ھبت العاصفة‬
‫عليھم ھذه المرة لم يكن المسيح معھم‪ ،‬بل ھبت العاصفة‬
‫عليھم في أثناء الليل‪ ،‬وھم وحدھم بدون رفقته لھم‪.‬‬

‫لكن المسيح لم يترك تالميذه في ھذه التجربة الصعبة‪ ،‬بل نقرأ‬


‫»وفي الھزيع الرابع من الليل مضى إليھم يسوع ماش ًيا على‬
‫البحر«‪.‬‬
‫ونحن في ھذه الحادثة نجد أربع معجزات للمسيح‪ ،‬وھذه أولھا‪ ،‬إذ‬
‫سار المسيح فوق الماء!‬

‫يخبرنا الكتاب المقدس أن موسى شق البحر األحمر‪ ،‬فعبر بنو‬


‫إسرائيل في وسط اليابسة! كما يخبرنا أن يشوع شق نھر‬
‫األردن‪ ،‬فعبر الشعب النھر أي ً‬
‫ضا إلى كنعان‪ ،‬وكل من إيليا وأليشع‬
‫ضا شقا نھر األردن وعبرا في اليابس‪ .‬أما المسيح فلم يجفف‬ ‫أي ً‬
‫بحيرة طبرية‪ ،‬لكي يصل إلى تالميذه‪ ،‬بل مشى فوق أمواجھا‬
‫العاتية!‬

‫يقال إن الرمز الھيروغليفي لكلمة ”مستحيل“ ھو رسم ألقدام‬


‫تسير فوق الماء‪ .‬لكن ھذا المستحيل عند قدماء المصريين ليس‬
‫ما‪» :‬ھل يستحيل‬ ‫مستحيال ً على الرب‪ ،‬الذي قال إلبراھيم قدي ً‬
‫على الرب شيء؟« )تكوين‪.(١٤ :١٨‬‬

‫في ھذا قال أيوب عن الرب‪» :‬الباسط السماوات وحده‪ ،‬الماشي‬


‫على أعالي البحر« )أيوب‪ .(٨ :٩‬وقال المرنم عنه‪» :‬الجاعل‬
‫السحاب مركبته‪ ،‬الماشي على أجنحة الريح« )مزمور‪.(٣ :١٠٤‬‬

‫وعن باقي المعجزات المتضمنة في ھذه المعجزة المركبة فھو أن‬


‫بطرسا طلب من المسيح أن يأمره ليأتي إليه سائ ًرا على الماء‪،‬‬
‫فقال له الرب تعال‪ .‬وسار بطرس فعال ً فوق الماء بأمر المسيح‪.‬‬
‫ھذه ھي المعجزة الثانية‪.‬‬

‫والمعجزة الثالثة أنھما‪ ،‬أي الرب يسوع وبطرس »لما دخال‬


‫السفينة سكنت الريح« )ع‪.(٣٢‬‬

‫والمعجزة الرابعة مذكورة في يوحنا ‪ ٢١ :٦‬إذ بمجرد دخولھما‬


‫السفينة صارت السفينة إلى األرض التي كانوا ذاھبين إليھا‪.‬‬

‫ليس سوى المسيح الذي أمكنه أن يعمل ھذه المعجزات األربع‪،‬‬


‫وكلھا تؤكد أنه ال يمكن أن يكون مجرد إنسان‪ ،‬إذ تذكرنا بكلمات‬
‫المرنم‪» :‬النازلون إلى البحر في السفن‪ ،‬العاملون عمال ً في‬
‫المياه الكثيرة‪ ..‬يصرخون إلى الرب في ضيقھم ومن شدائدھم‬
‫يخلصھم‪ .‬يھدي العاصفة فتسكن وتسكت أمواجھا‪ .‬فيفرحون‬
‫ألنھم ھدأوا‪ ،‬فيھديھم إلى المرفأ الذي يريدونه« )مزمور‪:١٠٧‬‬
‫‪.(٣٠-٢٣‬‬

‫‪ -٦‬إخراجه للشياطين‪.‬‬

‫الشيطان ھو عدو البشرية األول‪ ،‬فھو الذي أسقط اإلنسان في‬


‫الجنة‪ ،‬وھو الذي ما زال يالحقه خارج الجنة ليمنعه من التوبة‬
‫والرجوع إلى ﷲ‪ .‬بل إن الشيطان يجد لذة خاصة في إھانة‬
‫اإلنسان وإذالله‪ .‬والمشكلة أنه ال يوجد في كل الكون من ھو‬
‫أقوى من الشيطان إال ﷲ‪ ،‬ولذلك فمن ذا الذي يقدر أن يخلص‬
‫البشرية من عبوديته وإيذائه للبشر؟ لقد جاء ابن ﷲ لينقض‬
‫أعمال إبليس )‪١‬يوحنا‪ ،(٨ :٣‬وباعتباره األقوى من ھذا القوي فقد‬
‫أمكنه أن يدخل بيته‪ ،‬وأن يربطه‪ ،‬ثم أخذ ينھب أمتعته )لوقا‪:١١‬‬
‫‪.(٢٢ ،٢١‬‬

‫ولذلك فقد كانت نصرة المسيح على الشيطان وتخليصه ألولئك‬


‫الذين كانوا له عبي ًدا‪ ،‬دليال ً على أنه األقوى من ھذا القوي‪،‬‬
‫وبالتالي كانت دليال ً على أنه ھو ﷲ‬

‫والجدير بالذكر أن المسيح ليس فقط خلص البشر من الشياطين‬


‫بسلطانه الشخصي‪ ،‬بل قد أعطى ھذا السلطان لرسله االثني‬
‫عشر )متى‪ ،(٨ :١٠‬ثم للرسل السبعين )لوقا‪ ،(١٧ :١٠‬ومرة ثانية‬
‫للرسل بعد قيامته من األموات )مرقس‪ .(١٧ :١٦‬وكون المسيح‬
‫أعطى تالميذ السلطان على إخراج الشياطين‪ ،‬فھذا معناه أن‬
‫يملك ھذا السلطان بصورة أصيلة‪.‬‬

‫ولقد ذكرت لنا األناجيل سبع معجزات إلخراج الشياطين‪ ،‬فيھا‬


‫أظھر المسيح تفوقه على الشياطين‪ .‬والرقم ‪ ٧‬ھو رقم الكمال‪،‬‬
‫وھذه المعجزات ھي‪:‬‬

‫شفاء أخرس مجنون )متى‪ ،(٣٤-٣٢ :٩‬ثم شفاء المجنون األعمى‬


‫واألخرس )متى‪ ،٣٠-٢٢ :١٢‬مرقس‪ ،٢٧-٢٢ :٣‬لوقا‪(٢٣-١٤ :١١‬؛‬
‫ثال ًثا‪ :‬شفاء الذي به الروح النجس في المجمع )مرقس‪،٢٨-٢١ :١‬‬
‫لوقا‪ ،(٣٧-٣١ :٤‬ورابعًا‪ :‬شفاء مجنون بلدة الجدريين )متى‪-٢٨ :٨‬‬
‫وخامسا‪ :‬شفاء المرأة‬
‫ً‬ ‫‪ ،٣٤‬مرقس‪ ،٢٠-١ :٥‬لوقا‪ (٢٩-٢٦ :٨‬؛‬
‫وسادسا‪ :‬شفاء ابنة‬
‫ً‬ ‫؛‬ ‫(‬‫‪١٧‬‬ ‫المنحنية )أو الحدباء( )لوقا‪-١٠ :١٣‬‬
‫المرأة الكنعانية )متى‪ ،٢٨-٢١ :١٥‬مرقس‪(٣٠-٢٤ :٧‬؛ وسابعًا‪:‬‬
‫شفاء الولد المصروع )متى‪ ،٢١-١٤ :١٧‬مرقس‪ ،٢٩-١٤ :٩‬لوقا‪:٩‬‬
‫‪.(٤٣-٣٧‬‬

‫لقد كان المعزمون يحاولون إخراج الشياطين بتالوات وقراءات‬


‫أمر بسلطان جعلت‬ ‫يقولونھا‪ ،‬وأما المسيح فال تالوة وال تعزيم‪ ،‬بل ٌ‬
‫الشياطين تخضع له‪ .‬كان المسيح يقول كلمة واحدة‪ ،‬فال تملك‬
‫الشياطين سوى اإلذعان والطاعة‪ .‬لقد رأينا فيما سبق كيف‬
‫سيطر الرب على الريح الھائجة‪ ،‬وعلى الزوبعة العاصفة‪ ،‬وھنا نجد‬
‫المسيح يسيطر على األرواح الشريرة رغم شراستھا وكثرتھا‪.‬‬
‫في الحالتين كانت كلمة الرب يسوع كافية إلسكات الرياح وإخراج‬
‫األرواح‪.‬‬

‫ولنا بعض المالحظات على تلك المعجزات السبع‪:‬‬

‫إن أول معجزة عملھا المسيح لتخليص رجل من الشياطين التي‬


‫تسكنه نقرأ‪» :‬فتعجب الجموع قائلين لم يظھر قط مثل ھذا في‬
‫إسرائيل«‪ .‬وفعال ً لم يظھر مثل ھذا‪ ،‬ألن الشخص الذي فعله ھو‬
‫»عمانوئيل الذي تفسيره ﷲ معنا«‪ .‬وإن »كان ﷲ معنا فمن‬
‫علينا؟« )رومية‪ .(٣١ :٨‬لم يعد الشيطان له اليد العليا‪ ،‬فقد ظھر‬
‫في المشھد من ھو أقوى منه‪.‬‬

‫والمعجزة الثانية كانت مع »مجنون أعمى وأخرس«‪ .‬وھل يوجد‬


‫مثل ھذه صورة ترينا مدى الذل الذي عمله الشيطان في‬
‫ما رأى مذلة شعبه‪ ،‬فنزل لكي‬ ‫اإلنسان؟ والرب الذي قدي ً‬
‫يخلصھم‪ ،‬أتى في ملء الزمان ليخلص اإلنسان من عدوه‬
‫الشيطان‪ .‬إنه ذاك المتفوق على كل القوى غير المنظورة‪،‬‬
‫واألقوى من القوي )لوقا‪ .(٢٢ ،٢١ :١١‬وإذ أحضر القوم إليه ھذا‬
‫اإلنسان البائس شفاه على الفور‪ ،‬حتى إن األعمى األخرس تكلم‬
‫وأبصر‪ .‬ويا للمباينة بين الشيطان وقوته المؤذية التي جعلت‬
‫اإلنسان أعمى وأخرس‪ ،‬وبين المسيح األقوى‪ ،‬الذي استخدم‬
‫قوته لبركة اإلنسان وشفائه!‬

‫في المعجزة الثالثة‪ ،‬حيث خلص الرب رجال ً فيه روح نجس في‬
‫مكان العبادة )المجمع( فإننا نقرأ عن اعتراف الشياطين التي‬
‫قالت للمسيح‪» :‬آه‪ ،‬ما لنا ولك يا يسوع الناصري! أتيت لتھلكنا؟«‬
‫)مرقس‪ ،(٢٤ :١‬مما يدل على أن »الشياطين يؤمنون‬
‫ويقشعرون« )يعقوب ‪ ،(١٩ :٢‬كما يدل على أنھا تعرف من ھو‬
‫الذي سيدينھا‪ ،‬إنه ھو المسيح! في مناسبة أخرى اعترفت‬
‫الشياطين أن المسيح ھو ابن ﷲ‪ ،‬وعرفت أنه معذبھا‪ ،‬إذ قالوا له‪:‬‬
‫»ما لنا ولك يا يسوع ابن ﷲ؟ أ جئت إلى ھنا قبل الوقت‬
‫لتعذبنا؟« )متى ‪ .(١٩ :٨‬فمن يكون ھذا؟‬

‫في المعجزة الرابعة أخرج المسيح ”لجئونًا“ من الشياطين كانوا‬


‫صا واح ًدا‪ ،‬واللجئون تشكيل عسكري قوامه ستة‬ ‫يسكنون شخ ً‬
‫آالف جندي‪ .‬ويمكن أن نعتبر ھذه المعجزة ھي معجزة شفاء‬
‫أخطر مريض! وكانت ھذه اآلالف من الشياطين تسكن في رجل‬
‫واحد‪ ،‬أذلته ودمرت شخصيته‪ ،‬فجعلته يسكن القبور‪ ،‬ويعيش‬
‫عار ًيا تما ًما‪ ،‬ويصيح ويجرح نفسه بالحجارة‪ .‬لكن خالص الرب لھذا‬
‫أمر من صاحب األمر‪ ،‬فخرجت‬ ‫الرجل لم يكلفه سوى كلمة واحدة‪ٌ ،‬‬
‫والبسا وعاقال!ً‬
‫ً‬ ‫جالسا‬
‫ً‬ ‫جميع الشياطين صاغرة من الرجل‪ ،‬ووجد‬

‫لقد طلبت الشياطين من الرب أن يسمح لھم بالدخول في قطيع‬


‫الخنازير‪ ،‬وكان قصدھم من وراء ھذا الطلب ‪ -‬كما اتضح فيما بعد ‪-‬‬
‫أن ُيغرقوا الخنازير‪ ،‬فيجعلوا أھل المدينة ينقلبون على المسيح‪،‬‬
‫وھو ما حدث بالفعل‪ .‬لكن ال ينبغي أن يفوتنا داللة استئذانھم من‬
‫المسيح‪ .‬فقبل مجيء المسيح كانت األرواح الشريرة ورئيسھم‬
‫الشيطان يتنقلون في األرض بحرية )أيوب‪٧ :١‬؛ ‪(٢ :٢‬؛ وأما اآلن‪،‬‬
‫وھم في محضر صاحب السلطان الحقيقي‪ ،‬فقد أخذوا اإلذن منه‬
‫قبل ذھابھم إلى الخنازير! وكون المسيح أذن لھم فھذا يتضمن‬
‫داللة ھامة وھي أن »للرب األرض وملؤھا‪ ،‬المسكونة وكل‬
‫الساكنين فيھا« )مزمور‪ .(١ :٢٤‬فالشياطين تستأذنه‪ ،‬وألنه ھو‬
‫صاحب الكل‪ ،‬فقد أعطاھم اإلذن‪.‬‬

‫وفي المعجزة السادسة حدث إخراج شيطان من على بعد‪ .‬فكما‬


‫شفى المسيح األمراض بكلمة يقولھا من على بعد‪ ،‬فعل كذلك‬
‫مع الشياطين‪ .‬وبأمر منه ‪ -‬وھو في مكانه ‪ -‬شفيت ابنة المرأة‬
‫الكنعانية‪.‬‬

‫في المعجزة السابعة‪ ،‬كان تسعة من تالميذ المسيح قد فشلوا‬


‫في إخراج الشيطان‪ ،‬فيبدو أن جنس الشياطين الذي كان يسكن‬
‫جنسا أخطر من بقية أجناس الشياطين األخرى‪،‬‬
‫ً‬ ‫في الصبي كان‬
‫إلى الدرجة التي فيھا قال المسيح عنه‪» :‬ھذا الجنس ال يخرج إال‬
‫بالصالة والصوم«‪ ،‬وأما بالنسبة للمسيح فاألمر مختلف‪ ،‬فال شيء‬
‫أكثر من كلمة واحدة خرج فيھا الشيطان على التو!‬

‫‪ -٧‬تكثير الخبز‪:‬‬

‫دائرة أخرى أظھر فيھا المسيح الھوته‪ ،‬تختلف عن الدوائر‬


‫السابقة‪ ،‬فھذه المعجزة ليست مثل معجزات الشفاء‪ ،‬أو إسكات‬
‫العاصفة أو إخراج الشياطين‪ ،‬فيھا أرجع الرب شي ًئا إلى سابق‬
‫عھده القديم‪ ،‬إذ أعاد للمريض صحته الضائعة‪ ،‬وأعاد للبحر سكونه‬
‫وھدوءه وأعاد لإلنسان المجنون عقله‪ ،‬بل إن المسيح في ھذه‬
‫المعجزة أوجد شي ًئا لم يكن له سابق وجود‪ ،‬أي أوجده من العدم‪.‬‬
‫وھذا معناه أن المسيح ”يدعو األشياء غير الموجودة كأنھا‬
‫موجودة“‪ .‬وھذه واحدة من الخصائص اإللھية )رومية ‪.(١٧ :٤‬‬

‫ونظ ًرا ألھمية ھذه المعجزة فقد وردت في البشائر األربع‬


‫)متى‪ ،٢١-١٤ :١٤‬مرقس‪ ،٤٤-٣٠ :٦‬لوقا‪ ،١٧-١٠ :٩‬يوحنا‪-١ :٦‬‬
‫‪ .(١٥‬وبالنظر إلى ذلك فإنه يمكن اعتبار ھذه المعجزة أشھر‬
‫معجزة‪ ،‬باإلضافة إلى استفادة أكبر عدد من الناس بھا‪.‬‬

‫والمسيح كان يعرف أنه سيعمل تلك العجيبة‪ .‬ويوضح لنا البشير‬
‫يوحنا أن المسيح أمسك بزمام المبادأة عندما سأل فيلبس‪» :‬من‬
‫أين نبتاع خب ًزا ليأكل ھؤالء؟ وإنما قال ھذا ليمتحنه ألنه علم ما‬
‫ھو مزمع أن يفعل«‪.‬‬

‫ولقد أكل الجميع وشبعوا‪ ،‬وليس كما قال فيلبس »يأخذ كل واحد‬
‫شي ًئا يسي ًرا«‪ .‬لقد أعطاھم الرب »بقدر ما شاءوا« )يوحنا‪،(١١ :٦‬‬
‫و”فضل عنھم“!‬

‫والذين ينكرون المعجزات قدموا تفسيرات فجة لھذه المعجزة‬


‫العجيبة‪ .‬قال واحد مھم‪ ،‬إن الجموع أكلت أقل القليل من األرغفة‬
‫الخمسة‪ ،‬ومع ذلك فإنھم شبعوا‪ ،‬وقال آخر إن ما فعله الصبي‬
‫الصغير‪ ،‬إذ قدم األرغفة التي عنده‪ ،‬حفز كل من كان معه طعام أن‬
‫يخرجه ويشارك به اآلخرين‪ ،‬فأكل الجميع وشبعوا‪ .‬ولكن ھذه‬
‫التفسيرات تعسفية وال نجد ما يؤيدھا في النص على اإلطالق‪.‬‬
‫فبالنسبة للتفسير األول ال يعقل أن الخمسة األرغفة يمكن أن‬
‫تشبع خمسة آالف رجل بدون النساء واألوالد‪ ،‬مھما اكتفوا بأقل‬
‫القليل‪ .‬ثم حتى لو افترضنا ھذا المستحيل‪ ،‬يبقى السؤال‪ :‬من‬
‫أين أتت القفف الفاضلة بعد أن شبعوا؟ ثم إن الوحي يناقض ھذا‬
‫التفسير عندما يخبرنا إن الناس ”أكلوا بقدر ما شاءوا“‪ .‬وبالنسبة‬
‫ضا ما ذكره البشير يوحنا من أن الجموع‬ ‫للتفسير الثاني ينقضه أي ً‬
‫في اليوم التالي ھرولت إلى حيث كان المسيح‪ ،‬وھو عرف‬
‫غرضھم وكشف عدم إيمانھم إذ قال لھم‪» :‬أنتم تطلبونني‪ ،‬ليس‬
‫ألنكم رأيتم آيات‪ ،‬بل ألنكم أكلتم من الخبز فشبعتم« )يوحنا‪:٦‬‬
‫‪.(٢٦‬‬

‫التفسير الوحيد المنطقي والمقبول إننا ھنا أمام واحدة من أعظم‬


‫المعجزات التي تبرھن الھوت المسيح‪ ،‬والتي تعلن مجده‬
‫باعتباره الخالق‪ ،‬الذي »قال فكان‪ ،‬ھو أمر فصار«‪.‬‬

‫ثم كرر المسيح مرة ثانية ھذه المعجزة عندما أشبع نحو أربعة‬
‫آالف‪ ،‬ما عدا النساء واألوالد‪ ،‬وھي المعجزة التي وردت في‬
‫بشارتي متى‪ ،٣٩-٣٢ :١٥‬ومرقس‪ .١٠-١ :٨‬فأكل الجميع‬
‫وشبعوا‪ ،‬ثم رفعوا ما فضل من الكسر سبعة سالل مملوءة«!‬

‫‪ -٨‬إقامة الموتى‬

‫إن معجزات إقامة الموتى تعتبر من أعظم األدلة على الھوت‬


‫المسيح‪ .‬فيقول الرسول في رومية ‪ ٤ :١‬إن المسيح »تعين )أو‬
‫تبرھن إنه( ابن ﷲ بقوة من جھة روح القداسة بالقيامة من‬
‫األموات«‪.‬‬

‫الحظ أحدھم أن المسيح لما كان ھنا على األرض لم يعظ في أية‬
‫جنازة‪ ،‬وذلك ألنه إذ كان يوجد في مكان‪ ،‬كان الموت يھرب من‬
‫أمامه! ولقد أقام المسيح في أثناء خدمته الكثيرين من الذين كانوا‬
‫قد ماتوا‪ .‬وتسجل لنا البشائر األربع ثالثة أشخاص بالذات أقامھم‬
‫المسيح من األموات‪ :‬وھم كاآلتي‪ :‬ابنة يايرس )متى‪،٢٦-٢٣ :٩‬‬
‫مرقس‪ ،٤٣-٣٥ :٥‬لوقا‪(٥٦-٤٩ :٨‬؛ ثم ابن أرملة نايين )لوقا‪-١١ :٧‬‬
‫‪(١٧‬؛ وأخي ًرا أقام المسيح لعازر الذي من بيت عنيا )يوحنا‪-١ :١١‬‬
‫‪.(٤٤‬‬
‫في المعجزة األولى أقام المسيح ابنة يايرس بعد موتھا بفترة‬
‫وجيزة‪ ،‬حيث كانت ما تزال على فراشھا وفي غرفتھا‪.‬‬

‫والذين ينكرون المعجزات يقولون إن البنت‪ ،‬باعتراف الرب‪ ،‬لم تكن‬


‫قد ماتت‪ ،‬حيث قال المسيح‪» :‬لم تمت الصبية‪ ،‬لكنھا نائمة«‪،‬‬
‫وبالتالي فال توجد معجزة على اإلطالق‪ .‬لكن الفھم البسيط‬
‫للحادث كما روته البشائر الثالثة يقودنا إلى التسليم بأن البنت‬
‫كانت قد ماتت فعال ً )قارن مع كلمات لوقا الطبيب ‪ .(٥٣ :٨‬أما قول‬
‫المسيح عنھا ”إنھا نائمة“‪ ،‬فھو لطمأنة أھل البنت المائتة‪ ،‬وھو‬
‫يشبه قوله عن لعازر الذي كان قد مات ودفن وأنتن‪» :‬لعازر حبيبنا‬
‫قد نام‪ ،‬ولكني أذھب ألوقظه« )يوحنا‪ .(١١ :١١‬وھذا معناه أن‬
‫الموت والمرض والنوم كلھا تستوي في نظر الرب‪.‬‬

‫قال أحد القديسين‪ :‬إنه بالنسبة لنا ھناك صعوبة في أن نيقظ‬


‫ما‪ ،‬أكثر من الصعوبة التي عند المسيح ليقيم واح ًدا من‬ ‫صا نائ ً‬
‫شخ ً‬
‫الموت‪ .‬وھذا األمر واضح ليس فقط في قصتنا ھذه‪ ،‬إذ كانت البنت‬
‫قد ماتت من بضع دقائق‪ ،‬بل حتى بالنسبة للعازر الذي كان قد‬
‫مات من أربعة أيام‪ ،‬و ُدفن وأنتن‪.‬‬

‫عندما وصل الرب إلى البيت‪ ،‬وجد ھناك الضجيج والبكاء‪ .‬وھذا‬
‫يؤكد كم اإلنسان ضعيف أمام ھذا العدو اللعين الموت‪ ،‬والذي‬
‫ُيسمى في الكتاب ”ملك األھوال“! لكن األمر ليس كذلك بالنسبة‬
‫للرب يسوع‪ .‬لقد قھر المسيح عدو البشرية األول‪ ،‬أعني به‬
‫الموت‪ .‬وكان ھذا برھانًا على أنه ھو الرب‪ ،‬إذ »عند الرب السيد‬
‫للموت مخارج« )مزمور‪.(٢٠ :٦٨‬‬

‫وعندما قال المسيح »لم تمت الصبية لكنھا نائمة«‪ .‬فإنھم في‬
‫عدم إيمانھم استھزئوا به‪” .‬ضحكوا عليه“‪ .‬ومن ضحك ھؤالء‬
‫األشرار نتيقن أن البنت كانت قد ماتت فعالً‪ ،‬فلقد خدمت‬
‫حا‪ ،‬وكانت بمثابة شھادة وفاة للبنت‪،‬‬‫ضحكاتھم الشريرة قص ًدا صال ً‬
‫تعلن أن البنت كانت قد ماتت فعالً‪.‬‬

‫»فلما أخرج الجمع دخل وأمسك بيدھا ‪ ،‬فقامت الصبية‪ ،‬فخرج‬


‫ذلك الخبر إلى تلك األرض كلھا« )متى‪٢٥ :٩‬و‪.(٢٦‬‬

‫الشاب ابن أرملة نايين‪،‬‬


‫َ‬ ‫وفي المعجزة الثانية‪ ،‬أقام المسي ُ‬
‫ح‬
‫وكان قد مات من فترة أكبر‪ ،‬إذ كانوا يشيعونه إلى القبر‪ ،‬وفي‬
‫الطريق التقى موكب رئيس الحياة بموكب الموت‪ ،‬فأقام الشاب‬
‫من النعش ودفعه إلى أمه!‬

‫يا لروعة المعجزة! يا لقوة ربنا يسوع! بھذه البساطة يقھر‬


‫المسيح عدو البشرية المرعب والمخيف!‬

‫لكننا ھنا نرى باإلضافة إلى قوة الرب ونصرته على الموت‪ ،‬ترفق‬
‫المسيح وحنانه على األرملة المحطمة التي انكسر عكازھا‪،‬‬
‫وانطفأت شمعتھا‪ ،‬وھي ماضية لتدفن آخر أمل لھا في الحياة‪.‬‬
‫لكن القوي الحنان تقدم ولمس النعش فوقف الحاملون‪ ،‬وبكلمة‬
‫حا‬
‫واحدة منه انتھر الموت‪ ،‬وأعاد الشاب الميت إلى أمه صحي ً‬
‫معافى!‬

‫ھذا ھو طابع إنجيل لوقا الذي انفرد بذكر ھذه المعجزة‪ .‬ولھذا فإنه‬
‫بخالف ابنة يايرس التي حضر أبوھا يدعو المسيح ليشفي ابنته‬
‫من المرض ثم ليقيمھا من الموت‪ ،‬وبخالف لعازر الذي أرسلت‬
‫أختاه تطلب من المسيح ليحضر ليشفيه من مرضه‪ ،‬فإن المسيح‬
‫في ھذه المعجزة لم يرسل إليه أحد وال طلب منه أحد شي ًئا‪ .‬إنھا‬
‫النعمة التي تأخذ زمام المبادرة وتقيم الميت‪.‬‬

‫يصل كما فعل قبل ذلك إيليا عند‬


‫ِ‬ ‫ونالحظ أن المسيح ھنا لم‬
‫إقامته ابن األرملة التي كان نازال ً في بيتھا )‪١‬ملوك‪،(٢٢-٢٠ :١٧‬‬
‫وكما بعد ذلك بطرس عند إقامته لطابيثا )أعمال‪ ،(٤٠ :٩‬وال‬
‫اضطجع فوق الميت كما فعل قبل ذلك إليشع عندما أقام ابن‬
‫الشونمية )‪٢‬ملوك‪ ،(٣٥-٣٣ :٤‬وال وقع على الميت ليعتنقه كما‬
‫فعل بولس عند إقامته لشاب آخر اسمه أفتيخوس )أع‪،(١٠ :٢٠‬‬
‫بل كما كان يأمر األمراض فتھرب من قدامه‪ ،‬ويأمر الشياطين‬
‫فتخرج من الشخص‪ ،‬ويأمر الريح والبحر فيصير ھدوء عظيم‪ ،‬ھكذا‬
‫ضا باعتباره رئيس الحياة‪ ،‬أمر فعادت الحياة للشاب المائت!‬‫ھنا أي ً‬

‫أما المعجزة الثالثة فقد كانت أصعب وأھم معجزات إقامة‬


‫الموتى‪ ،‬أعني بھا معجزة إقامة لعازر بعد موته بأربعة أيام‪ .‬وكان‬
‫فيھا قد دفن في القبر وأنتن‪ .‬والمسيح قبل إقامة لعازر كان قد‬
‫قال عن نفسه‪» :‬أنا ھو القيامة والحياة‪ .‬من آمن بي ولو مات‬
‫فسيحيا‪ ،‬وكل من كان حيا وآمن بي فلن يموت إلى األبد«‬
‫)يوحنا‪(٢٦ ،٢٥ :١١‬‬

‫لقد كان المسيح على الجانب اآلخر من األردن مع تالميذه حين‬


‫وصلته أخبار مرض لعازر‪ ،‬لكنه لم يتحرك فو ًرا لشفائه‪ ،‬بل انتظر‬
‫توقيت اآلب له‪ ،‬قائالً‪» :‬ھذا المرض ليس للموت بل ألجل مجد ﷲ‬
‫لكي يتمجد ابن ﷲ به« )ع‪ .(٥‬ثم بعد ذلك قال لھم‪» :‬لعازر حبيبنا‬
‫قد نام‪ ،‬ولكنني أذھب ألوقظه« )ع ‪ .(١١‬أ يقدر مجرد إنسان أن‬
‫يتكلم بمثل ھذه الثقة؟ يعرف موت حبيبه وھو بعيد عنه‪ ،‬لكن‬
‫ليس ذلك فقد بل يتحدث بلغة الواثق فيقول إنه سيذھب ليوقظه!‬

‫ولما لم يفھم التالميذ ما الذي كان يقصده الرب من قوله‪» :‬لعازر‬


‫حبيبنا قد نام«‪ ،‬فقد تكلم معھم بلغتھم التي يفھمونھا وقال لھم‪:‬‬
‫»لعازر مات«‪.‬‬

‫وھنا نحن أمام الالھوت‪ ،‬فالذي يتكلم ھو العليم بكل شيء‪،‬‬


‫والموجود في كل مكان‪ ،‬كلي القدرة‪ ،‬القادر حتى على إحياء‬
‫الميت بعد مماته‪ .‬إنه ھو ذاك الذي »يدعو األشياء غير الموجودة‬
‫كأنھا موجودة« )رومية‪.(١٧ :٤‬‬

‫ويخبرنا الوحي بأن ما عمله المسيح كان بقوته الشخصية‪ ،‬ولكي‬


‫يتمجد ھو نتيجة ما حدث‪ .‬ونالحظ أن المسيح ذكر مجد ﷲ‬
‫ومجده ھو في تتابع الفت‪ ،‬فقال‪» :‬ھذا المرض ليس للموت بل‬
‫ألجل مجد ﷲ‪ ،‬ليتمجد ابن ﷲ به«‪ .‬ومن ھا يتضح أن مجد‬
‫ﷲ‪ ،‬ومجد ابن ﷲ ھو مجد واحد‪ ،‬ال تناقض بينھما وال حتى مجرد‬
‫اختالف‪.‬‬

‫ولما جاء إلى القبر قال‪» :‬ارفعوا الحجر«‪ .‬وھنا اعترضت مرثا‪،‬‬
‫وقالت له‪» :‬يا سيد قد أنتن‪ ،‬ألن له أربعة أيام«‪ .‬كأنھا أرادت أن‬
‫ك إن‬‫تقول‪” :‬ال فائدة من المحاولة“‪ .‬قال لھا الرب‪» :‬أ لم أقل ل ِ‬
‫آمنتِ ترين مجد ﷲ؟«‪.‬‬

‫ثم رفع المسيح الشكر لآلب‪ ،‬وبعدھا صرخ بصوت عظيم‪ ،‬ال‬
‫ليسمعه لعازر‪ ،‬بل »ألجل ‪ ..‬الجمع الواقف«‪ ،‬وقال‪” :‬لعازر ھلم‬
‫جا“‪ .‬وھي المرة الوحيدة التي فيھا نادى الرب الميت باسمه‪.‬‬ ‫خار ً‬
‫ولقد أصاب القديس أغسطينوس عندما قال‪” :‬لو لم يكن الرب في‬
‫ھذه المعجزة قال »لعازر«‪ ،‬لكان كل األموات الذين في المدفن قد‬
‫قاموا“‪.‬‬

‫عند القبر لم يقل المسيح‪ :‬في اسم اآلب قم أيھا الرجل‪ ،‬وال قال‬
‫أرجوك يا أبي أن تقيم لعازر‪ ،‬بل أصدر أم ًرا للميت‪» :‬لعازر ھلم‬
‫جا‪ ،‬فخرج الميت ويداه ورجاله مربوطات بأقمطة‪ ،‬ووجھه‬ ‫خار ً‬
‫ملفوف بمنديل« )يوحنا‪ .(٤٤ ،٤٣ :١١‬حدث ھذا في وضح النھار‪،‬‬
‫وأمام شھود قد يعدوا بالعشرات أو بالمئات‪ .‬ونحن ال يمكننا أن‬
‫نتخيل معجزة ممكن أن تكون أوضح أو أقوى من تلك التي عملھا‬
‫المسيح‪ ،‬كآخر معجزة مسجلة له في إنجيل يوحنا‪ .‬وأن يسمع‬
‫الميت الصوت الذي يناديه‪ ،‬ويطيعه‪ ،‬ويخرج الميت أمام جمع‬
‫حاشد في المدفن‪ ،‬فھذا برھان أكيد على الھوت المسيح‪.‬‬

‫وكما انفرد لوقا بذكر المعجزة السابقة‪ ،‬معجزة إقامة الشاب ابن‬
‫أرملة نايين‪ ،‬فقد انفرد يوحنا بذكر ھذه المعجزة‪ ،‬فيوحنا في‬
‫إنجيله يحدثنا عن المسيح ”ابن ﷲ“‪ .‬ويوحنا اكتفى من معجزات‬
‫إقامة األموات بذكر ھذه المعجزة وحدھا‪ ،‬فھي األصعب‪ .‬فإقامة‬
‫الميت بعد أن أنتن‪ ،‬ال تقل عظمة عن الخلق نفسه ‪ ..‬أن يجمع‬
‫ﷲ ذرات جسد اإلنسان بعد تحلله‪ ،‬ھذا – بكل تأكيد ‪ -‬يتطلب‬
‫عظمة قدرة ﷲ الفائقة )أفسس‪ ،٢٠ ،١٩ :١‬فيلبي‪.(٢١ ،٢٠ :٣‬‬

‫أشياء ما زال المسيح يعملھا إلى اليوم!‬

‫باإلضافة إلى تلك المعجزات العظيمة التي عملھا المسيح في‬


‫أيام جسده ھنا على األرض‪ ،‬فإن المسيح ما زال يعمل العجائب‬
‫حتى اليوم‪ .‬إننا نؤمن بالھوت المسيح‪ ،‬ألنه من غير سيف أو‬
‫حروب‪ ،‬أثر في النفوس وغزا القلوب‪ .‬وھو إلى اآلن ما زال يؤثِ ّر‬
‫مدھشا عجي ًبا في الفجار الساقطين‪ ،‬فيحولھم إلى أبرار‬
‫ً‬ ‫تأثي ًرا‬
‫وقديسين‪ ،‬ويتعامل باللطف مع المتعصبين‪ ،‬وبالنعمة مع‬
‫الشرسين‪ ،‬فيحوِّلھم إلى حمالن وديعة‪ ،‬قلوبھم عامرة بالرقة‪،‬‬
‫ونفوسھم مليئة بالشفقة‪ .‬ويغ ِي ّر الذين كانوا غارقين في الشرور‬
‫والفجور‪ ،‬إلى أشخاص يشع من حياتھم النور والسرور‪ .‬كما ونحن‬
‫نؤمن بالھوت المسيح من أجل العدد الالنھائي من الذين امتألت‬
‫فضحوا ألجل خاطره‪ ،‬فتخضﱠبت ثيابھم‬ ‫ّ‬ ‫قلوبھم بالمحبة للمسيح‬
‫بدماء االستشھاد‪ ،‬بعد أن كانت ملوّثة بالخطايا والفساد‪ .‬ھذا‬
‫التأثير العجيب في الماليين‪ ،‬على مدى ما يقرب من ألفين من‬
‫السنين‪ ،‬ال يمكن أن يكون نتاج وھم أو شيطان‪ ،‬ويؤكد أن‬
‫المسيح ھو ابن ﷲ الذي َق ِب َ‬
‫ل أن يصير ابن اإلنسان‪.‬‬

‫)‪(٤‬‬
‫آيات مؤيدة لالھوت المسيح‬
‫يعلن الكتاب المقدس‪ ،‬كتاب ﷲ‪ ،‬أن المسيح ھو ﷲ منذ األزل‪،‬‬
‫لكنه َق ِبل أن يصير إنسانًا‪ ،‬فولد وعاش ومات كما يحدث مع البشر‪،‬‬
‫وذلك لكي يتمم قصد ﷲ من جھة مشروع الفداء‪ .‬لكنه لم يولد‬
‫كما يولد باقي البشر‪ ،‬ولم يعش كما يعيشون‪ ،‬وال مات كما‬
‫يموتون‪ ،‬وذلك ألنه مع كونه اإلنسان‪ ،‬لكنه ليس مجرد إنسان‪ ،‬بل‬
‫ھو أعظم بما ال يقاس‪.‬‬

‫وسنتحدث فيما يلي عن خمس مجموعات من ھذه اآليات‬


‫ارتبطت بالمسيح تعلن أنه ابن ﷲ‪ ،‬ھذه اآليات ھي‪:‬‬

‫‪ o‬آيات مولده‪ :‬المولد العذراوي‬

‫‪ o‬آيات حياته‪ :‬الحياة القدوسة‬

‫‪ o‬آيات موته‪ :‬الموت االختياري‬

‫‪ o‬آيات قيامته‪ :‬القيامة المجيدة‬

‫‪ o‬ثم نختم ببعض آيات الكتاب المقدس التي تؤكد الحقيقة ذاتھا‬

‫آيات مولده‪:‬‬

‫آية المولد العذراوي‪ ،‬ثم آيتان مصاحبتان لمولده‬

‫أوالً‪ :‬آية المولد العذراوي‬

‫ھذه اآلية يمكن اعتبارھا آية اآليات‪ ،‬ليس فقط الستحالتھا‬


‫المطلقة من الناحية العلمية‪ ،‬بل ألن لھا العديد من الدالالت‬
‫األدبية والروحية العظيمة‪ .‬فالمولد العذراوي يحمل داللة مبدئية‬
‫ھامة ج ًدا‪ ،‬وھي أن مجيء المسيح إلى العالم لم يكن بناء على‬
‫ضا كان فوق‬ ‫رغبة إنسان‪ ،‬وال كان في قدرة اإلنسان‪ ،‬بل إنه أي ً‬
‫توقعات اإلنسان وتصوراته‪ .‬وليس ھذا بغريب‪ ،‬فالمسيح ليس‬
‫صا عاد ًيا اصطفاه ﷲ لنفسه‪ ،‬بل ھو ابن ﷲ من األزل وإلى‬ ‫شخ ً‬
‫األبد‪ .‬وھو جاء إلى العالم ال بناء على مبادرة من إنسان‪ ،‬بل‬
‫إتما ًما لخطة ﷲ األزلية‪ ،‬وفي التوقيت الذي اختاره ﷲ‪ .‬وفي ھذا‬
‫يقول الكتاب المقدس‪» :‬لما جاء ملء الزمان‪ ،‬أرسل ﷲ ابنه‬
‫مولو ًدا من امرأة« )غالطية‪.(٤ :٤‬‬

‫ويخطئ كثي ًرا من يظن أن المسيح بمولده من عذراء يشبه آدم‬


‫في خلقه‪ .‬ففي الحقيقة إن االختالف ھنا أكبر ج ًدا من المشابھة‪.‬‬
‫فالبعض يقول إن قدرة ﷲ تجلﱠت في خلق آدم بدون أبٍ ٍ‬
‫وأم‪ ،‬ثم‬
‫في حواء التي خلقت من أب وبدون أم‪ ،‬وأخي ًرا في المسيح الذي‬
‫أم بدون أب‪ .‬لكن ھذا الكالم غير صحيح بالمرة‪ ،‬فآدم‬ ‫ولد من ٍ‬
‫مخلوق من ﷲ خل ًقا مباش ًرا‪ ،‬وبالتالي فإنه ليس له أب أو أم‪.‬‬
‫وبالنسبة لحواء فآدم لم يكن أ ًبا لھا بل زوجھا‪ .‬وﷲ لما خلق حواء‬
‫من ضلعة أخذھا من آدم‪ ،‬كان غرضه من ذلك توضيح نظرة ﷲ‬
‫المقدسة للزواج‪ ،‬وأنھما في نظر ﷲ جسد واحد‪ .‬لكن ال آدم وال‬
‫حواء ُولد‪ ،‬بل ﷲ خلقھما‪ ،‬كقول الوحي الكريم‪» :‬فخلق ﷲ‬
‫اإلنسان‪ ..‬ذكراً وأنثى خلقھم« )تكوين‪.(٢٧ :١‬‬

‫لكن بعد حادثة خلق آدم وحواء‪ ،‬فإن ﷲ جعل طريقة الدخول إلى‬
‫العالم ھي طريقة واحدة‪ ،‬ال يمكن أن يحدث دخول إلى العالم‬
‫بغيرھا‪ ،‬وھي تزاوج رجل بامرأة‪ .‬واستمر ھذا األمر آال ًفا من‬
‫السنين‪ ،‬فيھا ُولد ماليين وباليين البشر بھذه الطريقة الوحيدة‪.‬‬
‫فولد‪ ،‬ولكنه ُولد بطريقة مختلفة تما ًما عن‬
‫إلى أن جاء المسيح‪ُ ،‬‬
‫سائر البشر‪.‬‬

‫لماذا؟‬

‫ليس من سبب لذلك سوى أن المسيح مختلف عن كل البشر‪.‬‬

‫خلق ولم يولد‪ ،‬وكذلك حواء‪ .‬أما المسيح فقد‬


‫ويمكن القول إن آدم ُ‬
‫ُولِد ولكنه لم ُيخلَق‪.‬‬

‫وآدم قبل خلقه لم يكن له وجود‪ ،‬وال حواء كانت موجودة قبل‬
‫خلقھا‪ ،‬لكن المسيح كان موجو ًدا قبل والدته‪ .‬قال المسيح في‬
‫إنجيل يوحنا ‪» ٥٨ :٨‬قبل أن يكون إبراھيم أنا كائن«‪.‬‬

‫إذاً فمسألة الميالد العذراوي‪ ،‬لھا أبعاد تختلف عن مجرد قدرة ﷲ‪،‬‬
‫التي نحن نؤمن بھا تما ًما‪ ،‬بل إنھا تؤكد سمو شخص المسيح‪.‬‬
‫فھذا العظيم عندما دخل إلى العالم‪ ،‬لم يدخله بالطريق الذي‬
‫دخل منه سائر البشر‪.‬‬

‫في المطارات ومحطات السكك الحديدية الكبرى‪ ،‬يكون ھناك عادة‬


‫باب ال يفتح إال للملوك والعظماء دون جماھير البشر اآلخرين‪.‬‬
‫على أن الباب الذي دخل منه المسيح إلى العالم لم ُيفتح وال‬
‫حتى للمشاھير والعظماء‪ ،‬وال للرسل أو األنبياء‪ ،‬بل لشخص واحد‬
‫في كل الكون‪ ،‬وذلك ألن المسيح ليس واح ًدا من زمرة األنبياء‪ ،‬بل‬
‫ھو يختلف اختال ًفا جوھر ًيا وجذر ًيا عن سائر البشر‪ ،‬سواء في‬
‫حقيقة شخصه‪ ،‬أو غرض مجيئه إلى العالم‪.‬‬

‫آيتان مصاحبتان لمولده‬

‫أوالً‪ :‬آية ظھور المالئكة للرعاة‬

‫عندما وصل ابن ﷲ إلى العالم‪ ،‬فقد أعلنت السماء لسكان األرض‬
‫ھذا الخبر العظيم‪ ،‬ميالد المسيح‪ .‬ولقد وقع اختيار السماء على‬
‫قوم من الرعاة البسطاء‪ ،‬كانوا محط اھتمام السماء‪ ،‬ألنھم أتقياء‪،‬‬
‫رغم أنه ال وزن لھم أو تقدير عند العظماء‪ .‬وكان ھؤالء الرعاة‬
‫الفقراء أول من سمع بخبر ميالد الفادي‪ ،‬في ذات ليلة الميالد‪.‬‬

‫لقد أتى مالك السماء لھؤالء الرعاة يقول‪» :‬ال تخافوا فھا أنا‬
‫عظيم يكون لجميع الشعب‪ ،‬إنه ُولد لكم اليوم في‬ ‫ٍ‬ ‫أبشركم بفرحٍ‬
‫مدينة داود مخلص ھو المسيح الرب‪ .‬وھذه لكم العالمة؛ تجدون‬
‫طفال ً مقمطًا مضجعًا في مذود« )لوقا‪.(١٢-١٠ :٢‬‬

‫من ھو ھذا الذي بمولده تتحرك السماء‪ ،‬وتعلن خبر مولده؟ قبل‬
‫أن يولد يوحنا المعمدان قال المالك جبرائيل لزكريا أبيه‪» :‬كثيرون‬
‫سيفرحون بوالدته«‪ ،‬وأما عند مولد المسيح فكانت كلمات المالك‬
‫للرعاة أن الفرح العظيم سيكون ”لجميع الشعب“! وذلك ألنه ولد‬
‫لھم ”مخلص ھو المسيح الرب“!‬

‫إ ًذا فلقد أعلن مالك السماء لھؤالء البسطاء مج ًدا ثالث ًيا عن‬
‫المسيح‪ :‬فالذي ولد ھو المخلص‪ ،‬وھو المسيح‪ ،‬وھو الرب!‬

‫يا للبشرى السارة! أخي ًرا ُولد المخ ِل ّص‪.‬‬

‫صا‪ ،‬ال من عدو أرضي‪ ،‬وال من‬


‫ونحن نعلم أن المسيح أتى مخل ً‬
‫مشكلة وقتية‪ ،‬بل من الخطايا! دعنا ال ننسى أن ﷲ في العھد‬
‫القديم كان قد صرح بشكل حاسم بأنه ھو وحده المخلص‪ ،‬عندما‬
‫قال‪» :‬أنا أنا الرب‪ ،‬وليس غيري مخلص« )إشعياء ‪ ،(١١ :٤٣‬وأي ً‬
‫ضا‪:‬‬
‫»أ ليس أنا الرب وال إله آخر غيري‪ ،‬إله بار ومخلص‪ ،‬ليس سواي«‬
‫)إشعياء ‪ .(٢١ :٤٥‬وھا قد أتى المسيح لكي يخلص شعبه من‬
‫خطاياھم‪ ،‬وذلك ألنه ھو ﷲ الذي ظھر في الجسد‬

‫وبمجرد أن نطق المالك بھذه العالمة العجيبة حتى حدث شيء‬


‫عجيب آخر‪ ،‬إذ انشقت السماء على جمع حاشد من المالئكة‬
‫المسبحين §‪ ،‬وقائلين المجد § في األعالي وعلى األرض‬
‫السالم وبالناس المسرة‪ .‬فھو إن كان طفال ً مقمطًا في مذود‪ ،‬إال‬
‫أنه موضوع تسبيح مالئكة السماء! إنه ابن اإلنسان المتواضع وابن‬
‫آن! »وباإلجماع عظيم ھو سر التقوى‪ ،‬ﷲ ظھر‬ ‫ﷲ العظيم في ِ‬
‫في الجسد ‪ ...‬تراءى لمالئكة!« )‪١‬تيموثاوس‪.(١٦ :٣‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬آية ظھور نجم السماء‬

‫ضا بظھور نجم في السماء لمجوس من‬ ‫لقد ارتبط مولد المسيح أي ً‬
‫بالد المشرق‪ .‬كان ھؤالء المجوس علماء في الطبيعة والفلك‪.‬‬
‫ما يدل على مولد المسيح‪ ،‬فأتوا ليسجدوا له‪ .‬فكما‬‫ولقد رأوا نج ً‬
‫كلم ﷲ الرعاة باللغة البسيطة التي يفھمونھا‪ ،‬فقد كلم المجوس‬
‫ضا بلغة الفلك التي يفھمونھا‪.‬‬ ‫أي ً‬

‫وعندما أتى المجوس فقد قالوا عبارتھم الصغيرة‪ ،‬لكن العميقة‪:‬‬


‫»إننا رأينا نجمه في المشرق‪ ،‬وأتينا لسنجد له« )متى‪:٢‬‬
‫ما في السماء‪ ،‬بل رأينا ”نجمه“!‬
‫‪ .(٢‬الحظ إنھم لم يقولوا رأينا نج ً‬

‫وھؤالء المجوس ما أن رأوا نجمه‪ ،‬وعرفوا بمولده‪ ،‬فقد شدوا‬


‫الرحال فو ًرا إلى أورشليم‪ .‬فماذا رأوا بعد كل ھذا العناء وتلك‬
‫عظيم‪ ،‬بل رأوا طفال ً صغي ًرا‬
‫ٍ‬ ‫قصر‬
‫ٍ‬ ‫صا في‬‫المشقة؟! لم يروا شخ ً‬
‫في مكان بسيط ومتواضع‪ ،‬تحمله امرأة رقيقة الحال‪ .‬لكن ما كان‬
‫أعظم إيمانھم‪ ،‬فھم من خالل حجاب االتضاع وستار الفقر رأوا‬
‫مجده!‬

‫لم يسجد ھؤالء المجوس الحكماء لھيرودس عندما رأوه في‬


‫قصره‪ ،‬مع كل مظاھر العظمة الزائفة التي كانت تحوطه‪ ،‬لكنھم‬
‫سجدوا لذلك المولود‪ ،‬ذلك الملك الجليل‪ .‬ثم الحظ أي ً‬
‫ضا أنھم لما‬
‫سجدوا لم يسجدوا لسواه‪ .‬فال ُيقال مثال ً إنھم سجدوا للعائلة‬
‫المقدسة‪ ،‬بل »خروا وسجدوا له« )متى‪.(١١ :٢‬‬

‫آيات حياته‬

‫وأقصد بھا آية حياتة الخالية من الخطية‪ ،‬ثم آيتان مصاحبتان‬

‫آية حياته القدوسه‬

‫قال واحد أنا أومن بالھوت المسيح ألن كمال ناسوته ھو الحجة‬
‫على كمال الھوته‪ .‬فبخالف جميع البشر‪ ،‬لم يعتذر المسيح على‬
‫تصرف عمله‪ ،‬ولم يسحب كلمة قالھا‪ .‬لقد قال المسيح لليھود‬
‫أعدائه‪» :‬من منكم يبكتني على خطية؟« )يوحنا‪ .(٤٦ :٨‬فلم‬
‫يستطع واحد منھم أن ينبس ببنت شفة!‬

‫ما السر أن المسيح وحده‪ ،‬دون كل البشر‪ ،‬الذي ال يسجل له‬


‫الوحي المقدس وال التاريخ البشري أية خطية‪ ،‬ال بالفكر وال بالقول‬
‫وال بالعمل؟ السبب أنه لم يكن مجرد إنسان‪ .‬إن القداسة صفة‬
‫أصيلة في ﷲ‪ ،‬كما قالت عنه السرافيم‪» :‬قدوس قدوس قدوس‪،‬‬
‫رب الجنود« )إشعياء‪ .(٣ :٦‬فليس عجي ًبا أنه عندما يولد ابن ﷲ‪،‬‬
‫يقول عنه المالك جبرائيل للمطوبة العذراء مريم‪» :‬القدوس المولود‬
‫منك ُيدعى ابن ﷲ« )لوقا‪.(٣٥ :١‬‬

‫لقد عاش المسيح ھنا فوق األرض أكثر من ثالثين سنة‪ ،‬وتكالبت‬
‫ضده كل قوى الشر‪ ،‬وتجرب بكل التجارب نظيرنا تما ًما‪ ،‬ولكن يؤكد‬
‫الوحي أنه تجرب بال خطية‪ .‬لقد سقط آدم في الخطية والتعدي‬
‫فو ًرا عندما تجرب من امرأته‪ ،‬وسقطت حواء في الغواية عندما‬
‫غرتھا الحية‪ ،‬وأما المسيح القدوس فلقد تجرب من كل حدب‬
‫وصوب‪ ،‬ولكنه قط لم يسقط أمام التجربة‪.‬‬

‫ونعرف من كتاب المقدس وكتاب االختبار أنه لم يوجد من لم‬


‫يسقط في التجربة أمام الشيطان من البشر‪ ،‬بل لقد نجح‬
‫ضا في إسقاط جمھور كبير من المالئكة )ارجع إلى‬ ‫الشيطان أي ً‬
‫رؤيا ‪٧ ،٤ :١٢‬؛ متى ‪ .(٤١ :٢٥‬لكن ھناك شخص وحيد في األرض‬
‫وفي السماء‪ ،‬لم ينحن لتجارب الشيطان‪ ،‬ھو المسيح‪.‬‬

‫لقد قال عنه الرسول بطرس‪» :‬لم يفعل خطية« )‪١‬بطرس‪،(٢٢ :٢‬‬
‫وقال عنه الرسول بولس‪» :‬لم يعرف خطية« )‪٢‬كورنثوس‪،(٢١ :٥‬‬
‫وقال عنه الرسول يوحنا‪» :‬ليس فيه خطية« )‪١‬يوحنا‪.(٥ :٣‬‬
‫الشياطين نفسھا اعترفت بأنه القدوس فقالت‪» :‬أنا أعرفك من‬
‫أنت‪ ،‬قدوس ﷲ« )مرقس ‪ ،(٢٤ :١‬والوالي الذي فحص قضيته‬
‫وحكم عليه بالصلب اعترف سبع مرات أنه لم يجد فيه علة واحدة‬
‫)متى ‪ :٢٧‬؛ ؛ (؛ ويھوذا الخائن الذي أسلمه‪ ،‬رد الفضة بندم قائالً‪:‬‬
‫»أخطأت إذ سلمت د ًما بري ًئا‪ ...‬ثم مضى وخنق نفسه« )متى‪:٢٧‬‬
‫‪(٥ ،٤‬؛ واللص الذي كان مصلو ًبا إلى جواره قال‪» :‬ھذا‪ ..‬لم يفعل‬
‫شي ًئا ليس في محله« )لوقا‪(٤١ :٢٣‬؛ وقائد المئة الذي كُلف‬
‫بعملية صلب يسوع وحراسته‪ ،‬قال‪» :‬ح ًقا كان ھذا اإلنسان با ًرا«‬
‫)لوقا‪ .(٤٧ :٢٣‬وأما المسيح فقد شھد ھو عن نفسه قائالً‪» :‬اآلب‬
‫معي‪ ،‬ألني في كل حين أفعل ما يرضيه« )يوحنا‪.(٢٨ :٨‬‬

‫آيتان مصاحبتان لحياته‬

‫رأينا أنه عند والدة المسيح حدثت آيتان عظيمتان‪ ،‬واحدة في‬
‫السماء األولى )عندما ظھر للرعاة جمھور من الجند السماوي‬
‫مسبحين ﷲ(‪ ،‬واألخرى في السماء الثانية )عندما ظھر للمجوس‬
‫نجم خاص به‪ ،‬قادھم إلى حيث كان المسيح الملك(‪ ،‬ولكن في‬
‫حياة المسيح حدثت آيتان في السماء الثالثة‪ ،‬فا§ لم يكتف‬
‫ظھره‪ ،‬بل في بداية خروج المسيح‬
‫بمالئكته يرسلھم‪ ،‬وال بنجم ُي ِ‬
‫للخدمة‪ ،‬ثم قرب نھايتھا‪ ،‬أعلن ﷲ بنفسه من سماواته أنه وجد‬
‫سروره بھذا الشخص الكامل الفريد‪ .‬حدث ذلك في مياه نھر‬
‫األردن‪ ،‬ثم مرة ثانية من فوق جبل التجلي‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬معمودية المسيح‬

‫لقد قصد المسيح أن يبدأ خدمته الجھارية بالمعمودية من يوحنا‬


‫المعمدان المرسل من ﷲ ليھيء الطريق قدامه‪ .‬وفي المعمودية‬
‫جاءت شھادتان سماويتان‪ :‬شھادة منظورة وأخرى مسموعة‪،‬‬
‫األولى ھي شھادة الروح القدس النازل من السماء المستقر‬
‫على المسيح‪ ،‬والثانية ھي شھادة اآلب يتكلم من سماواته‬
‫المفتوحة فوق المسيح!‬

‫ونالحظ أن الوحي ال يقول إن السماوات ”انفتحت“‪ ،‬بل ”انفتحت‬


‫سر ﷲ‪ ،‬بدخول المسيح إلى الخدمة‪ ،‬أن يعلن في‬ ‫له“‪ .‬ولقد ُ‬
‫معمودية المسيح أول إعالن واضح عن حقيقة الثالوث في‬
‫المسيحية‪ .‬فالمسيح خرج من المعمودية )ھنا نرى االبن(‪ ،‬والروح‬
‫القدس نزل بھيئة جسمية مثل حمامة )ھنا نرى الروح القدس(‪،‬‬
‫واآلب من السماء يشھد عن المسيح قائالً‪» :‬ھذا ھو ابني‬
‫الحبيب الذي به سررت« )متى ‪.(١٧ :٣‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬حادثة التجلي‬

‫لقد كانت المعمودية في بداية خدمة المسيح‪ ،‬بينما التجلي كان‬


‫قرب نھاية خدمته له المجد‪ .‬لقد خرجت السماء عن صمتھا عند‬
‫مشھد المعمودية ألن المسيح القدوس البار نزل إلى مياه األردن‪،‬‬
‫واتحد نفسه مع الخطاة التائبين‪ .‬ولكي ال يحدث خلط بينه وبين‬
‫الخطاة‪ ،‬فإن اآلب ميزه في الحال‪ ،‬قائالً‪» :‬ھذا ھو ابني الحبيب‬
‫الذي به سررت« )متى‪ .(١٧ :٣‬ومن فوق جبل التجلي كرر اآلب‬
‫على مسامع تالميذه اإلعالن عينه‪ ،‬ال ليميزه عن الخطاة التائبين‪،‬‬
‫بل ليمزه عن القديسين!‬

‫لقد أخطأ بطرس عندما قال للمسيح‪» :‬يا رب‪ ،‬جيد أن نكون ھھنا!‬
‫فإن شئت نصنع ھنا ثالث مظال‪ :‬لك واحدة‪ ،‬ولموسى واحدة‪،‬‬
‫وإليليا واحدة«‪ .‬نعم أخطأ بطرس حينما ساوى الخالق بالمخلوق‪،‬‬
‫واالبن بالعبد‪ ،‬والسيد بالخادم‪ .‬لذلك نقرأ‪» :‬وفيما ھو يتكلم إذ‬
‫سحابة نيرة ظللتھم‪ ،‬وصوت من السحابة قائالً‪ :‬ھذا ھو ابني‬
‫الحبيب الذي به سررت‪ .‬له اسمعوا‪ .‬ولما سمع التالميذ سقطوا‬
‫على وجوھھم وخافوا ج ًدا‪ .‬فجاء يسوع ولمسھم وقال‪ :‬قوموا‪ ،‬وال‬
‫تخافوا‪ .‬فرفعوا أعينھم ولم يروا إال يسوع وحده«‬

‫ولقد انتھى مشھد التجلي الجميل بسقوط التالميذ على‬


‫وجوھھم وخوفھم الشديد‪ .‬ولعل النور الفائق‪ ،‬وصوت اآلب من‬
‫المجد األسنى‪ ،‬سببا لھم ھذا الخوف الشديد‪ ،‬فلقد كانوا ما زالوا‬
‫في أجسادھم الترابية التي ال تتحمل بھاء النور وعظمة المشاھد‬
‫السمائية‪ ،‬لكن المسيح جاء ولمسھم‪ .‬والمسيح في ھذا يقف‬
‫ضا من موسى وإيليا‬ ‫موقف المباينة ليس فقط من التالميذ‪ ،‬بل أي ً‬
‫العظيمين‪ ،‬فموسى قال يوم أن رأى مشھد جبل سيناء وقد وقف‬
‫ضا لف‬‫الرب عليه‪» :‬أنا مرتعب ومرتعد« )عب‪(٢١ :١٢‬؛ وإيليا أي ً‬
‫وجھه بردائه يوم أن استشعر عبور الرب أمامه وھو في المغارة‬
‫)‪١‬ملوك‪ .(١٣ :١٩‬وأما المسيح فقد أتى لتالميذه وشجعھم‪،‬‬
‫ويقول لنا البشير متى‪» :‬فرفعوا أعينھم ولم يروا إال يسوع وحده«‬
‫)متى ‪.(٨ :١٧‬‬

‫لقد عاد كل من موسى وإيليا إلى راحتھما‪ ،‬وظل المسيح في‬


‫صورة العبد‪ ،‬ليواصل مسيرة الطاعة والتواضع حتى يختمھا‬
‫بالصليب‪ .‬فماذا كان سيفعل لنا موسى وإيليا لو أنھما ُتركا‪ ،‬وأخذ‬
‫المسيح؟ لكن حم ًدا § »الذي لم يشفق على ابنه‪ ،‬بل بذله‬
‫ألجلنا أجمعين« )رومية ‪.(٣٢ :٨‬‬

‫ويلذ لنا أن نلحظ كيف في كل المواقف التي وصل فيھا اتضاع‬


‫المسيح العجيب إلى بعد كبير‪ ،‬أرادت السماء فو ًرا أن تأكد على‬
‫عظمته‪:‬‬

‫فعندما ولد في مذود للبھائم‪ ،‬ظھر جمھور من الجند السماوي‬


‫مسبحين ﷲ وقائلين‪» :‬المجد § في األعالي وعلى األرض‬
‫السالم وبالناس المسرة«‪.‬‬

‫وعندما اتحد نفسه مع الخطاة التائبين »السماء انفتحت له«‪.‬‬

‫وبعد اإلعالن األول عن رفض اليھود له وقتله )متى‪ ،(٢١ :١٦‬تبع‬


‫ذلك مباشرة حادثة التجلي )متى ‪ ،(٨-١ :١٧‬حيث جاءت شھادة‬
‫اآلب ثانية من السماء بأنه ”االبن الحبيب“ الذي فيه وجد اآلب‬
‫سروره‪.‬‬

‫وأخي ًرا في موته فوق الصليب حدثت أعاجيب الجلجثة المذكورة‬


‫في متى ‪ ،٢٧‬كما سنرى بعد قليل‪.‬‬

‫آيات موته‪:‬‬

‫آية موته االختياري‪ ،‬ثم آيتان مصاحبتان‬

‫آية موته االختياري‬

‫ذكرنا أن المسيح لم يولد كما يولد باقي البشر‪ ،‬بل ولد بمعجزة‪،‬‬
‫ولم يعش كما يعيشون‪ ،‬فعمل ما ال يحصى من العجائب‬
‫والمعجزات وشھدت له السماء باآليات‪ ،‬ثم إنه لم يمت كما يموت‬
‫اآلخرون‪ ،‬وذلك ألنه مع كونه إنسانًا‪ ،‬ولد وعاش ومات‪ ،‬لكنه ليس‬
‫مجرد إنسان‪ ،‬بل ھو أعظم بما ال يقاس‪.‬‬

‫ومن األھمية بمكان أن نالحظ أن المسيح عندما مات كان موته‬


‫موتًا اختيار ًيا‪ ،‬فنحن ال نسمعه يقول ‪ -‬بصوت متھدج – كما قال‬
‫الماليين في كل العصور‪ :‬ھا أنا أغيب عن وعيي وأخور‪ ،‬وال حتى‬
‫قال كما فعل بعض القديسين قبله‪» :‬ھا أنا ذاھب في طريق‬
‫األرض كلھا« )يشوع‪٢٣ :١٤‬؛ ‪١‬ملوك‪ ،(٢ :٢‬بل ما أروع ما نقرأه‬
‫عندما حانت ساعة الموت‪» :‬صرخ بصوت عظيم وأسلم الروح«‪.‬‬

‫قال أحد األفاضل‪َ ” :‬من فينا يذھب ولو إلى النوم‪ ،‬وينام بإرادته كما‬
‫فعل ھو ‪ -‬تبارك اسمه ‪ -‬عندما مات؟ َمن فينا يخلع مالبسه‬
‫بسھولة ويسر‪ ،‬بمطلق رغبته‪ ،‬كما فعل يسوع عندما خلع‬
‫جسده؟ من فينا يخرج من باب غرفته عندما يريد‪ ،‬كما فعل سيدنا‬
‫عندما خرج من ھذا العالم وقت أن أراد؟“‬

‫ثم ما أعظم ھذا التعبير الذي تكرر في األناجيل األربعة جميعًا‬


‫»أسلم الروح«‪ .‬فروحه لم يأخذھا أحد منه عنوة‪ ،‬بل كما قال له‬
‫المجد »أضعھا أنا من ذاتي« )يوحنا‪ .(١٨ :١٠‬نعم لم تؤخذ روحه‬
‫ل الموت‪ .‬وبلغة إشعياء‬ ‫منه قھ ًرا‪ ،‬بل بكامل إرادته واختياره َق ِب َ‬
‫‪» ١٢ :٥٣‬سكب للموت نفسه«‪.‬‬

‫آيات مصاحبة لموته‬

‫يقول الوحي‪:‬‬

‫»إن يسوع صرخ بصوت عظيم وأسلم الروح‪ .‬وإذا حجاب‬


‫الھيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل‪ .‬واألرض‬
‫تزلزلت والصخور تشققت‪ ،‬والقبور تفتحت وقام كثير من‬
‫أجساد القديسين الراقدين وخرجوا من القبور بعد قيامته‬
‫ودخلوا المدينة المقدسة وظھروا لكثيرين‪ .‬وأما قائد المئة‬
‫والذين معه يحرسون يسوع فلما رأوا الزلزلة وما كان‬
‫خافوا جدا وقالوا حقا كان ھذا ابن ﷲ«‪.‬‬

‫والعجائب السابقة حدثت من كل اتجاه‪ :‬من السماء‪ ،‬ومن األرض‪،‬‬


‫ومن تحت األرض‪ .‬وأخي ًرا من ھيكل ﷲ في أورشليم! ويمكن‬
‫تقسيمھا إلى مجموعتين‪:‬‬

‫عالمات طبيعية‬

‫عالمات روحية‬

‫عالمات طبيعية‪ :‬عودة النور وحدوث الزلزلة‬

‫كانت ظلمة الجلجثة خالل الساعات الثالث األخيرة للمسيح فوق‬


‫الصليب‪ ،‬ظلمة معجزية‪ .‬وبمجرد أن أسلم الرب يسوع الروح‪ ،‬عاد‬
‫النور من جديد كما كان‪.‬‬

‫وأما عن الزلزلة فقد كانت زلزلة عظيمة إلى درجة أن الصخور‬


‫نفسھا تشققت‪ .‬وكما أظلمت شمس الطبيعة وھي ترى‬
‫ما‪ ،‬فقد ترنحت الصخور عندما مات ”صخر‬
‫”شمس البر“ متأل ً‬
‫الدھور“‪.‬‬

‫ومن الجميل أن نتذكر أنه منذ ذلك اليوم وإلى اآلن فإن قلو ًبا‬
‫أقسى من الحجر تشققت في توبة حقيقية‪ ،‬وتخلصت من قوة‬
‫الموت والخطية!‬

‫عالمات روحية‪ :‬تفتح القبور وانشقاق حجاب الھيكل‬

‫يا لروعة ھذه العجيبة‪ .‬لقد تفتحت القبور التي كانت تضم رفات‬
‫القديسين‪ ،‬ودخلت في الجثث حياة جديدة! وبعد قيامة ”باكورة‬
‫ضا من‬‫الراقدين“‪ ،‬الذي ھو ربنا يسوع المسيح‪ ،‬خرج ھؤالء أي ً‬
‫مخادعھم‪ ،‬وظھروا لكثيرين في المدينة المقدسة‪ .‬ويخبرنا الوحي‬
‫أن الذين قاموا كانوا كثيرين‪ ،‬وأنھم ظھروا في أورشليم لكثيرين‪.‬‬
‫وھذا معناه أن المسيح بموته كسر شوكة الموت‪ ،‬ووضع األساس‬
‫إلبادة ذاك الذي كان ”له سلطان الموت أي إبليس“ )عبرانيين‪:٢‬‬
‫‪.(١٤‬‬

‫وأما انشقاق الحجاب فنحن نعلم أن قدس األقداس في ھيكل‬


‫أورشليم كان ھو مكان حضور ﷲ الرمزي وسط شعبه‪ .‬وكان‬
‫”الحجاب“ الذي يفصل بين القدس‪ ،‬حيث خدمة الكھنة‪ ،‬وقدس‬
‫األقداس حيث مسكن ﷲ الرمزي‪ ،‬تعبي ًرا عن عدم السماح‬
‫لإلنسان باالقتراب من محضر ﷲ‪ .‬لكن يا للدھشة التي أصابت‬
‫الكھنة بني ھارون عندما انشق الحجاب السميك‪ ،‬دون أن‬
‫تلمسه يد بشرية‪ ،‬وكأن يد ﷲ ھي التي شقته‪ ،‬إذ يوضح الكتاب‬
‫المقدس أن الحجاب انشق من فوق إلى أسفل!‬

‫****‬

‫في بداية خدمة المسيح ليعلن اآلب جانبًا عن عظمة ذلك‬


‫الشخص المجيد‪ ،‬فقد شق السماء له )مرقس ‪ ،(١٠ :١‬واآلن‬
‫ليعلن رضاه عن عظمة عمله الذي عمله‪ ،‬فقد شق حجاب‬
‫الھيكل!‬

‫ويعلق كتبة البشائر على ھذا األمر بالقول‪» :‬وأما قائد المئة‬
‫والذين معه يحرسون يسوع فلما رأوا الزلزلة وما كان خافوا ج ًدا‬
‫وقالوا حقا كان ھذا ابن ﷲ«‪.‬‬

‫لقد كان قائد المئة ‪ -‬المكلف مع فرقته للقيام بحراسة المصلوبين‬


‫‪ -‬وثن ًيا‪ ،‬لكنه لما رأى جان ًبا من تلك األعاجيب فقد وقف يتأمل في‬
‫ذلك المصلوب العجيب‪ .‬كان شاھد عيان لعملية الصلب‪ ،‬وشده‬
‫يقي ًنا مسلك ذلك الشخص الفريد‪ .‬ورأى الظلمة تكسو المشھد‬
‫لمدة ساعات ثالث ثم تنسحب‪ .‬كما أنه سمع عبارات المسيح‬
‫السبع التي نطق بھا من فوق الصليب‪ ،‬وشاھد الوقار والجالل‬
‫اللذين كانا له طوال فترة الصلب‪ .‬والحظ كيف دخل إلى الموت‬
‫بإرادته بعد أن صرخ بصوت عظيم‪ ،‬ثم رأى التالل تترنح والصخور‬
‫تتشقق‪ .‬ونحن نعلم أن الزالزل على مر التاريخ كانت من أكثر‬
‫الظواھر الطبيعية التي ترھب اإلنسان وتفزعه‪ .‬لذلك فإن قائد‬
‫المئة والذين معه‪ ،‬لما رأوا ذلك كله‪ ،‬فقد خرجت من أرواحھم‬
‫المرتعدة تلك الصرخة الواضحة والمعبرة‪» :‬ح ًقا كان ھذا ابن ﷲ«‬
‫)متى‪٥٤ :٢٧‬؛ مرقس‪.(٣٩ :١٥‬‬

‫يقول البعض أن كلمة ”ابن ﷲ“ في األصل اليوناني وردت بدون‬


‫أداة تعريف‪ ،‬وعليه فإنھا ال تعني ابن ﷲ بل اب ًنا §‪ ،‬ولكننا نرد‬
‫ضا وردت خالية من أداة‬ ‫عليھم بمنطقھم فنقول إن ھذه العبارة أي ً‬
‫النكرة‪ ،‬فال يصح ترجمتھا ”اب ًنا §“‪ .‬لكن األكثر من ذلك فإن قادة‬
‫األمة استخدموا التعبير ذاته في يوحنا ‪ ٧ :١٩‬عندما اشتكوا‬
‫يسوع أمام بيالطس أنه جعل نفسه ”ابن ﷲ“‪ ،‬بالمعنى الذي‬
‫نفھمه نحن‪ .‬ويعلق البشير على ذلك بالقول إن بيالطس ازداد‬
‫تھكم‬
‫ٍ‬ ‫خو ًفا! كل الفارق أن رؤساء الكھنة قالوھا في أسلوب‬
‫ورفض‪ ،‬بينما قائد المئة والذين معه قالوھا بتصديق‪» :‬بالحقيقة‬
‫كان ھذا ابن ﷲ«!‬

‫ضا؟ ثم بأي أسلوب تقولھا؟‬ ‫ترى عزيزي القارئ ھل تقولھا أنت أي ً‬


‫إن عبارات قائد المئة والذين معه تعلن لنا نصرة المصلوب‪ .‬فال يقدر‬
‫أحد أن يؤمن بالھوت المسيح إال بالروح القدس )‪١‬كورنثوس ‪:١٢‬‬
‫‪ .(٣‬وعلى مر التاريخ كثيرون من ألد أعداء المسيح والمسيحية‬
‫تغ ﱠيروا في لحظة واحدة‪ ،‬وليس من تفسير لذلك سوى عمل روح‬
‫ﷲ السري في داخل القلوب‪ .‬فھل لك نصيب في ھذا اإليمان‬
‫الثمين‪” ،‬إيمان مختاري ﷲ“‪ ،‬أيھا القارئ العزيز؟‬

‫آية قيامته‪ ،‬ثم آيتان مصاحبتان‬

‫آية القيامة‬

‫بعد حياة القداسة والكمال‪ ،‬والخير والصالح التي عاشھا المسيح‬


‫فوق األرض‪ ،‬رفع فوق األرض بالصليب لكي يموت نيابة عن‬
‫الخطاة‪ ،‬ولكنه فعل ما ھو أكثر من ذلك‪ ،‬إذ ذاق الموت بنعمة ﷲ‪،‬‬
‫ونزل إلى القبر‪ .‬لقد ُربط المسيح بوثق الموت المتينة وحباله‬
‫القوية‪ ،‬و ُدفِن‪ .‬فھل استطاعت تلك القيود الباردة أن تمسك به‪،‬‬
‫كما أمسكت قبال ً بكل من قيدتھم؟ اإلجابة كال‪ ،‬فلقد قام المسيح‬
‫ضا أوجاع الموت‪ ،‬مقطعًا حباله‪ ،‬في ذات اليوم الذي‬‫من األموات ناق ً‬
‫كان قد سبق ھو وحدده‬

‫فالمسيح ليس فقط مات بكامل إرادته‪ ،‬وعندما أراد وكما حدد‪ ،‬بل‬
‫أيضا قام بكامل إرادته عندما أراد وكما حدد‪ .‬فالعجب أن يعلق‬
‫الرسول بولس على ھذه آية قيامته بالقول‪» :‬تع ﱠين )تبرھن( ابن‬
‫ﷲ بقوة من جھة روح القداسة بالقيامة من األموات« )رومية‪:١‬‬
‫‪ .(٤‬فإقامة المسيح لنفسه من بين األموات من أقوى األدلة على‬
‫الھوته‪.‬‬

‫ما زال الموت في نظر الكثيرين عدو مخيف‪ ،‬أمامه تنحني كل‬
‫سمى في الكتاب المقدس »ملك‬ ‫الجباه‪ ،‬وتصمت كل األفواه‪ .‬لذا ُ‬
‫األھوال« )أيوب‪ .(١٤ :١٨‬لقد »وضع للناس أن يموتوا مرة‪ ،‬ثم بعد‬
‫ذلك الدينونة« )عبرانيين ‪ .(٢٧ :٩‬من ذا الذي يستطيع أن يھزم‬
‫ذلك الملك الرھيب‪ ،‬العدو األول للبشرية؟ إنه ليس مجرد إنسان‪.‬‬
‫صحيح ھو إنسان‪ ،‬ولكنه أكثر من ذلك بكثير‪ .‬وإقامته لنفسه من‬
‫بين األموات دلت على أنه ھو »ﷲ )الذي( ظھر في الجسد«‪.‬‬

‫يقول داود في المزمور‪» :‬قدامه يجثو كل من ينحدر إلى التراب‪،‬‬


‫وكل من لم يحي نفسه« )مزمور‪ .(٢٩ :٢٢‬وھي عبارة تنطبق‬
‫يقي ًنا على كل بني آدم‪ ،‬فقد يستطيع اإلنسان أن يميت نفسه‪،‬‬
‫لكن أين ھو اإلنسان الذي يقدر أن يحيي نفسه؟ لقد صار الحكم‬
‫على جميع البشر أجرة للخطية التي ارتكبھا آدم في الجنة‪ ،‬فقال‬
‫له الرب‪» :‬ألنك تراب‪ ،‬وإلى تراب تعود« )تكوين‪ .(١٩ :٣‬والعجيب‬
‫أن المسيح نفسه شاركنا في ھذا عندما أتى ليحمل عنا عقوبة‬
‫الخطية‪ ،‬فيقول في المزمور كحامل الخطايا‪» :‬إلى تراب الموت‬
‫تضعني« )مزمور‪ .(١٥ :٢٢‬ولكن مع أن المسيح شاركنا في الجزء‬
‫األول من اآلية‪ ،‬وانحدر إلى التراب‪ ،‬ولكن ‪ -‬ألنه كان مختلفًا عنا –‬
‫لم يشاركنا في بقية اآلية‪ ،‬إذ إنه أقام نفسه من األموات!‬
‫والواقع أن ھذا ھو منتھى العجب‪ ،‬فالموت ھو عين الضعف‬
‫البشري‪ ،‬وإقامة الميت من قبره ھو عين القوة اإللھية‪ ،‬فكيف‬
‫يجتمع التقيضان معًا في شخص واحد؟ كيف يجتمع منتھى‬
‫الضعف ومنتھى القوة في الوقت ذاته؟ كيف يلتقي الضعف‬
‫البشري مع القوة اإللھية في الشخص نفسه؟ اإلجابة ألن‬
‫المسيح مع أنه صار إنسان ًا‪ ،‬لكنه لم يكف لحظة عن أن يكون‬
‫ابن ﷲ الذي ظھر في الجسد‪.‬‬

‫آيتان مؤيدتان لقيامته‬

‫نحن نقرأ أقوال المسيح عن إقامته لنفسه‪ ،‬في آيتين وردتا في‬
‫إنجيل يوحنا؛ األولى في بداية خدمته‪ ،‬والثانية قرب ختامھا‪.‬‬

‫اآلية األولى كانت بمناسبة تطھير الھيكل في زيارة الرب األولى‬


‫ألورشليم بعد خروجه للخدمة‪ ،‬وكانت ر ًدا من المسيح على‬
‫اليھود عند طلبھم منه آية تبرھن أنه ابن ﷲ‪ ،‬فقال لھم‪» :‬انقضوا‬
‫ھذا الھيكل وفي ثالثة أيام أقيمه« )يوحنا‪ .(١٩ :٢‬لقد ظنوا أنه‬
‫يتحدث عن ھيكل ھيرودس الذي استغرق بناؤه س ًتا وأربعين‬
‫سنة‪ ،‬وأما ھو فكان يقول عن ھيكل جسده‪» .‬فلما قام من‬
‫األموات تذكر تالميذه أنه قال«‪.‬‬

‫واآلية الثانية كانت ضمن حديث الرب الشامل مع اليھود بعد أن‬
‫شفى الرجل المولود أعمى‪ ،‬ووھبه البصر‪ ،‬فكانت النتيجة أن‬
‫طردوه خارج المجمع‪ .‬ولقد تحدث الرب عن خرافه ومحبته لھا‪،‬‬
‫وكذلك عن محبته لآلب‪ ،‬وكان من ضمن ما قاله في ھذا الحديث‪:‬‬
‫ضا‪ .‬ليس أحد‬‫»لھذا يحبني اآلب‪ ،‬ألني أضع نفسي آلخذھا أي ً‬
‫يأخذھا )أي نفسي( مني‪ ،‬بل أضعھا أنا من ذاتي‪ .‬لي سلطان أن‬
‫ضا« )يوحنا‪.(١٧ :١٠‬‬‫أضعھا ولي سلطان أن آخذھا أي ً‬

‫آيات الكتاب تشھد عنه‬


‫إن المسيح الذي ظھر في أول العھد الجديد ھو نفسه مسيح‬
‫أساسا كتاب يھودي‪،‬‬
‫ً‬ ‫الكتاب المقدس بعھديه‪ .‬ومع أن التوراة‬
‫واليھود ال يؤمنون بالمسيح‪ ،‬فإنه كما تحدث العھد الجديد بوضوح‬
‫عن الھوت المسيح‪ ،‬كذلك فعلت أسفار العھد القديم‬

‫وسنكتفي من العھد القديم بآيتين من نبوة إشعياء أول أسفار‬


‫األنبياء‪ ،‬التي تحدثنا عن تطلعات القديسين في التدبير السابق؛‬
‫ومن العھد الجديد بآيتين من رسالة رومية‪ ،‬أولى الرسائل‪ ،‬التي‬
‫تحدثنا عن مجمل الحق المسيحي‪.‬‬

‫اآلية األولى في إشعياء ‪ ١٤ :٧‬حيث ترد النبوة عن مولد المسيح‬


‫العذراوي‪ ،‬ولكن ليس فقط عن ھذا الميالد المعجزي بل أيضا عن‬
‫اسم المولود العجيب‪.‬‬

‫ھا ا ْلع ْ‬
‫َذ َرا ُء‬ ‫ه آ َي ً‬
‫ة‪َ :‬‬ ‫الس ِي ّ ُد نَفْ ُ‬
‫س ُ‬ ‫ﱠ‬ ‫ُم‬
‫طيك ُ‬ ‫ن ُيعْ ِ‬ ‫يقول إشعياء‪َ » :‬ولَ ِ‬
‫ك ْ‬
‫ل« )إشعياء‪.(١٤ :٧‬‬ ‫ما ُنوئِي َ‬ ‫ع ﱠ‬‫ه» ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ل َوتَ ِل ُد ا ْبناً َوت َْدعُ و ْ‬
‫اس َ‬ ‫َح َب ُ‬
‫ت ْ‬

‫وعندما يقول إشعياء‪” :‬ھا العذراء“‪ ،‬فكأنه يتطلع بمنظار النبوة عبر‬
‫القرون واألجيال الممتدة أمامه‪ ،‬ويقول‪ :‬ھا ھي‪ .‬إني أراه ولكن‬
‫ليس قري ًبا‪ ،‬وأبصره ولكن ليس اآلن‪ .‬وقوله ”العذراء“‪ ،‬فالكلمة ھنا‬
‫تدل بحسب األصل العبري أنه كان يقصد عذراء بذاتھا‪ ،‬وليس أي‬
‫عذراء في إسرائيل‪ ،‬حيث ترد في األصل معرفة وليس نكرة‪ .‬ھذه‬
‫العذراء المقصودة بذاتھا ستحبل وتلد اب ًنا وتدعو اسمه عمانوئيل‪.‬‬

‫واآلن‪ ،‬ماذا يعني ھذا االسم ”عمانوئيل“؟‬

‫إنه يعني ”ﷲ معنا“‪.‬‬

‫وللتأكيد على ھذا المعنى‪ ،‬وأن ھذا ليس مجرد اسم لشخص‬
‫عادي يدعى عمانوئيل‪ ،‬كما قد يحدث في أيامنا‪ ،‬وال ھو ابن النبي‬
‫إشعياء كمما ادعى البعض‪ ،‬فإن األصحاح التالي تحدث عن أرض‬
‫الرب التي سيغزوھا ملك أشور‪ .‬وفيه يقول النبي‪ ،‬كأنه يستغيث‬
‫بالمولى صارخًا‪» :‬يكون بسط جناحيه ملء عرض بالدك يا‬
‫عمانوئيل« )إشعياء‪.(٨ :٨‬‬

‫إذا فعمانوئيل ليس أحد آخر غير المسيا‪ ،‬الذي األرض أرضه‪،‬‬
‫والذي »إلى خاصته جاء‪ ،‬وخاصته لم تقبله« )يوحنا‪.(١١ :١‬‬
‫عمانوئيل ھو صاحب األرض‪ ،‬عمانوئيل ھو يھوه الذي يملك األرض‪.‬‬
‫و”يھوه“ ھو مولود العذراء!‬

‫أن تحبل العذراء‪ ،‬ھذا منتھى العجب! لكن كون الطفل المولود ھو‬
‫”عمانوئيل“‪ ،‬ﷲ معنا‪ .‬فھذه آية أروع من أن العذراء تحبل‪ ،‬وكانت‬
‫ھذه الطريقة المعجزية في الميالد‪ ،‬تليق بمقدم »الكائن على‬
‫الكل ﷲ المبارك إلى األبد« )رومية‪.(٥ :٩‬‬

‫ما‬
‫واآلية الثانية وردت في إشعياء ‪ ٩‬حيث يقدم النبي اس ً‬
‫خماس ًيا للمسيا فيقول‪:‬‬

‫»ألنه يولد لنا ولد ونعطى ابنًا وتكون الرياسة على كتفه‪.‬‬
‫ويدعى اسمه عجي ًبا مشيرًا إلھًا قديرًا أبًا أبديًا رئيس‬
‫السالم« )إشعياء‪.(٦ :٩‬‬

‫ھنا نقرأ عن ناسوت المسيح عندما يقول النبي‪» :‬ألنه يولد لنا‬
‫ولد«‪ .‬فالذي ولد ھو اإلنسان‪ ،‬ولكنه أيضا يحدثنا عن الھوته عندما‬
‫يقول‪» :‬نعطى اب ًنا«‪ ،‬فھو كابن اإلنسان ولد‪ ،‬وكابن ﷲ أعطي لنا!‬
‫من ثم يذكر ھذا االسم الخماسي للمسيح‪ ،‬وھذه الخماسية‬
‫كلھا تدل على عظمته وسموه‪.‬‬

‫”ويدعى اسمه عجي ًبا“‪ .‬ولعل وجه العجب ح ًقا أنه يجمع في‬
‫نفسه صفات الالھوت كلھا وصفات الناسوت كلھا‪ .‬كيف؟ ھذا سر‬
‫يفوق العقول‪» .‬وباإلجماع عظيم ھو سر التقوى ﷲ ظھر في‬
‫الجسد« )‪١‬تيموثاوس‪.(١٦ :٣‬‬

‫”مشيرًا“‪ :‬وھي صفة من صفات الالھوت التي تحدث عنھا إرميا‬


‫إذ أشار إلى الرب بالقول »عظيم في المشورة‪ ،‬وقادر في العمل«‬
‫)إرميا ‪.(١٩ :٣٢‬‬

‫”إلھًا قديرًا“وبالعبري ”إيل جيبور“‪ :‬وإيل ھنا ھو المقطع األخير‬


‫من ”عمانوئيل“‪.‬وأما اسم ”إيل جيبور“‪ ،‬فھو عينه االسم الذي ورد‬
‫في إشعياء‪ ٢١ :١٠‬وترجم ھناك ”ﷲ القدير“‪ .‬نعم إن أحد أسماء‬
‫المسيح ھو ”ﷲ القدير“‪ .‬إنه ھو الذي يرد عنه في الرسالة إلى‬
‫العبرانيين ‪ ٣ :١‬أنه »ابنه‪ ..‬وحامل كل األشياء بكلمة قدرته«‪ .‬ما‬
‫أعظم ما تعنيه ھذه الكلمة الصغيرة‪” :‬كل األشياء“! ما ال يحصى‬
‫من المجرات والنجوم يحملھا المسيح بكلمة قدرته! إنه ھو الذي‬
‫يحمل الفلك!‬

‫»أبًا أبديًا« أو بكلمات أخرى ”أبو األبدية“‪ .‬بمعنى منشئ األبدية‪.‬‬


‫فھو مصدر الزمن‪ ،‬ھو قبل الزمن وبعده أي ً‬
‫ضا‪.‬‬

‫»رئيس السالم«‪ :‬ھنا نجد التأثير العجيب لحضوره‪ ،‬فھو يأتي‬


‫بالسالم!‬

‫ثم لننتقل إلى آيتين في العھد الجديد‪ ،‬في رسالة رومية‪:‬‬

‫اآلية األولى‪:‬‬

‫بين محبته لنا ألنه ونحن بعد خطاة مات المسيح‬


‫»ﷲ ﱠ‬
‫ألجلنا« )رومية ‪.(٨ :٥‬‬

‫آية عظيمة تحدثنا عن محبة ﷲ من نحونا‪ .‬وماذا كان تعبير تلك‬


‫المحبة؟ يقول الرسول‪» :‬مات المسيح ألجلنا«‪ .‬فموت المسيح إ ًذا‬
‫ھو مقياس محبة ﷲ! بعبارة أخرى‪ :‬المسيح ھو نفسه ﷲ‪.‬‬

‫واآلن تفكر عزيزي القارئ في ھذا األمر السامي العجيب‪ :‬أ يمكن‬
‫أن تتصور أن ﷲ يحبك؟ يحبك أنت‪ .‬وإلى أي درجة ھو يحبك؟ إلى‬
‫الدرجة التي فيھا يضحي بابنه الوحيد ألجلك؟‬

‫ترى ما ھو صدى ھذه المحبة في نفسك؟ أ لعلك تتجاوب معھا‬


‫باإليمان؟ ليتك تفعل ذلك اآلن‪.‬‬

‫اآلية الثانية‪:‬‬

‫»المسيح‪ ..‬الكائن على الكل إلھًا مبار ً‬


‫كا إلى األبد« )رومية‬
‫‪(٥ :٩‬‬

‫ومع أن الرسول في ھذه اآلية يؤكد على ناسوت المسيح إذ يقول‬


‫إنه أتى من إسرائيل حسب الجسد‪ ،‬ولكنه يوضح أنه ھو »الكائن‬
‫على الكل )ﷲ( المبارك إلى األبد«‪ .‬إنھا األحجية عينھا‪ ،‬فھو أتي‬
‫منھم )بحسب الجسد(‪ ،‬وأما بالھوته فھم منه‪ ،‬وھو فوق الكل‪.‬‬
‫تما ًما كما قال إنه ذرية داود‪ ،‬كما أنه أصله! )رؤيا‪ ،(١٦ :٢٢‬وھو ابن‬
‫داود وفي الوقت نفسه ھو ربه! )مزمور ‪ ،(١ :١١٠‬وھو يخرج من‬
‫يسى من جھة الجسد‪ ،‬وھو ”أصل يسى“ بالھوته! )إشعياء‪:١١‬‬
‫‪.(١٠ ،١‬‬

‫يقال عن المسيح ھنا إنه ﷲ‪ ،‬تما ًما كما قيل عنه ”ﷲ العظيم“‬
‫)تيطس ‪ ،(١٣ :٢‬و ”ﷲ القدير“ )إشعياء‪ ،(٦ :٩‬و ”ﷲ الحقيقي“‬
‫)يوحنا األولى ‪ ،(٢٠ :٥‬و ”ﷲ معنا“ )متى ‪ .(٢٣ :١‬له كل المجد‪.‬‬

‫)‪(٥‬‬
‫ل السجود‬ ‫المسيح َ‬
‫ق ِب َ‬

‫لم يطلب المسيح ‪ -‬لما كان ھنا على األرض ‪ -‬من أحد أن يسجد‬
‫له‪ ،‬فھو الذي أخلى نفسه بمحض اختياره‪ ،‬آخ ًذا صورة عبد‪ ،‬وھو‬
‫الوديع الذي لم يكن يحاول أن يلفت األنظار إلى نفسه؛ بل عندما‬
‫أراد األشرار‪ ،‬سواء في اليھودية أو الجليل‪ ،‬قتله‪ ،‬ترك المكان‬
‫واجتاز في وسطھم ومضى )متى ‪١٥ ،١٤ :١٢‬؛ يوحنا‪،(٥٩ :٨‬‬
‫وعندما رفضوا قبوله في قرية للسامريين واقترح عليه تالميذه‬
‫إبادة تلك القرية‪ ،‬انتھرھما قائالً‪» :‬لستما تعلمان من أي روح‬
‫أنتما‪ .‬ألن ابن اإلنسان لم يأت ليھلك أنفس الناس‪ ،‬بل ليخلص«‬
‫)لوقا‪ .(٥٦ ،٥٥ :٩‬نعم إنه لم يفعل مثل إيليا‪ :‬يأمر بنزول نار‬
‫السماء لتأكل أعداءه )‪٢‬ملوك‪ ،(١٢ ،١٠ :١‬وال مثل موسى الذي‬
‫دعا أن تفتح األرض فاھا لتبتلع مقاوميه )عدد‪!(٣٠-٢٨ :١٦‬‬

‫كال‪ ،‬إن المسيح لم يطلب من الناس السجود له‪ ،‬ولكن اآلب قال‬
‫ذلك‪ ،‬والروح القدس قاد إلى ذلك‪ ،‬وھو – تبارك اسمه ‪ -‬قبل ذلك!‬

‫وسنقسم حديثنا في ھذا الفصل إلى أربعة أفكار ھامة تقود كلھا‬
‫إلى النتيجة ذاتھا‪ ،‬أن المسيح ھو ﷲ‪:‬‬
‫‪ o‬أن المسيح ھو موضوع سجود جميع الخالئق‪ ،‬ونحن نعلم أن‬
‫السجود ال يليق إال با§ وحده ال سواه‪.‬‬

‫‪ o‬والمسيح ھو موضوع التمجيد‪ ،‬ولقد قال ﷲ‪» :‬مجدي ال أعطيه‬


‫آلخر« )إشعياء ‪.(٨ :٤٢‬‬

‫‪ o‬والمسيح ھو موضوع اتكال شعبه‪ .‬ويعلمنا الكتاب إنه ملعون من‬


‫يتكل على المخلوق دون ﷲ‪,‬‬

‫‪ o‬وإليه تُرفع صلوات المؤمنين واألتقياء‪ .‬وال يقدر أن يسمع الصلوات‬


‫ويستجيبھا إال §‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬المسيح موضوع سجود جميع الخالئق‬

‫نحن نقرأ في األناجيل عن مناسبات كثيرة فيھا َق ِبل المسيح ‪-‬‬


‫لما كان ھنا على األرض ‪ -‬سجود البشر‪.‬‬

‫والمسيح‪ ،‬بحسب إنجيل متى وحده‪ ،‬قبل السجود في ثماني‬


‫مناسبات مختلفة‪ .‬من يھود وأمم‪ ،‬من رجال ونساء‪ ،‬من فرادى‬
‫وجماعات‪ ،‬قبل الصليب وبعد القيامة‪.‬‬

‫فلقد سجد له المجوس كما أشرنا في الفصل السابق‪ ،‬ونحن‬


‫نتحدث عن اآليات التي صاحبت مولده‪ .‬ولم يكن ما فعله المجوس‬
‫ھنا زلة منھم‪ ،‬باعتيار أنه لم يكن عندھم شريعة وال ناموس‪،‬‬
‫فيلفت النظر أن المجوس‪ ،‬حين رأوا ھيرودس الملك مع كل‬
‫مظاھر السلطان والجاه التي كانت محيطة به‪ ،‬لم يسجدوا له‪.‬‬
‫لكنھم حين رأوا المسيح‪ ،‬أمكنھم من خالل حجاب االتضاع وستار‬
‫الفقر‪ ،‬أن يروا مجده‪.‬‬

‫وھؤالء المجوس يذكروننا بحادثة أخرى في آخر حياة المسيح‬


‫على األرض‪ ،‬وبالتحديد حين كان معل ًقا فوق الصليب‪ ،‬حين قال‬
‫اللص التائب للمسيح‪» :‬اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك«‬
‫)لوقا‪ .(٤٢ :٢٣‬لقد رأى فيه اللص أنه الملك وھو معلق فوق‬
‫ً‬
‫الصليب‪ ،‬ورأى فيه المجوس أنه ملك اليھود وھو مازال طفال‪ .‬في‬
‫بداية المسار سجد له ھؤالء المجوس باعتباره ﷲ‪ ،‬وفي نھاية‬
‫المسار صلى إليه اللص التائب باعتباره الرب!‬

‫ولنالحظ دقة الوحي ھنا في وصف سجودھم‪ ،‬فيقول‪» :‬وأتوا إلى‬


‫البيت‪ ،‬ورأوا الصبي مع مريم أمه‪ .‬فخروا وسجدوا له‪ .‬ثم فتحوا‬
‫له كنوزھم« )متى‪ .(١١ :٢‬وتعبير ”الصبي وأمه“ يتكرر ‪ ٥‬مرات‪ ،‬وال‬
‫مرة يقول األم وطفلھا‪ .‬فھو ُولد ليكون األول‪ .‬إذ يقول الرسول عنه‪:‬‬
‫»لكي يكون ھو متقد ًما في كل شيء« )كولوسي‪ .(١٨ :١‬وواضح‬
‫من كالم البشير أن المجوس »خروا وسجدوا )ليس لھم( بل له«‬
‫فالسجود له وحده‪.‬‬

‫ويا له من إيمان عظيم‪ ،‬اخترق ما تراه العين البشرية‪ ،‬ليرى ما ال‬


‫يمكن لغير اإليمان أن يراه! يرى في الطفل الصغير ملك المجد‪،‬‬
‫ورب الكون‪ ،‬فيسجد له! ويرى في المصلوب ملك الوجود ومخلص‬
‫البشرية‪ ،‬فيصلي له‪ .‬وأريد أن أقول إننا اليوم عندنا من األدلة‬
‫ما‪ ،‬أو اللص التائب من بعدھم؟‬ ‫أضعاف ما كان عند المجوس قدي ً‬
‫فھل نعمل مثلما عمل المجوس فنسجد له سجود الحب؟ وھل‬
‫نتكل عليه اتكال القلب‪ ،‬ويكون لنا اإليمان الذي يخلِ ّص؟!‬

‫ثم نقرأ مرة ثانية على السجود للمسيح من األبرص الذي طھره‬
‫المسيح وشفاه‪ .‬لقد وثق ھذا األبرص في قدرة المسيح على‬
‫شفائه‪ ،‬وال يوجد من يشفي من البرص غير ﷲ‪ .‬ولھذا فإن ھذا‬
‫الرجل أول ما جاء للمسيح سجد له قبل أن يطلب منه أي‬
‫شيء‪ .‬وسجود األبرص للمسيح‪ ،‬وقبول المسيح ھذا السجود‬
‫منه‪ ،‬له داللة ھامة‪ .‬ففي أصحاح‪ ،٤‬قبل موعظة الجبل مباشرة‪،‬‬
‫رفض المسيح في التجربة تقديم السجود للشيطان‪ ،‬الذي وعده‬
‫أن يعطيه في المقابل كل ممالك العالم‪ .‬والمسيح رفض السجود‬
‫لليطان ليس ألنه شيطان‪ ،‬بل »ألنه مكتوب للرب إلھك تسجد‪،‬‬
‫وإياه وحده تعبد« )متى‪(١٠ :٤‬؛ وفي ھذا األصحاح‪ ،‬وبعد الموعظة‬
‫مباشرة‪ ،‬قبل ھو نفسه السجود من ھذا الرجل األبرص‪ .‬أ ليس‬
‫لھذا مدلول ھام؟‬

‫ثم نقرأ في متى ‪ ٩‬عن رئيس مجمع اليھود‪ ،‬كيف أتى ليسوع‬
‫وسجد له‪ ،‬وطلب منه أن يأتي معه ليقيم ابنته من الموت‪ ،‬وھو ما‬
‫حدث فعالً‪ .‬ومن ذا الذي يقيم الموتى إال ﷲ وحده؟ فال عجب أن‬
‫يسجد رئيس المجمع له‪.‬‬

‫ثم نقرأ في متى ‪٣٢ :١٤‬و‪ ٣٣‬أن »الذين في السفينة جاءوا‬


‫وسجدوا له قائلين بالحقيقة أنت ابن ﷲ«‪ .‬قالوا ذلك بعد أن‬
‫شاھدوا‪ ،‬ال معجزة واحدة‪ ،‬بل أربع معجزات عجيبة‪ ،‬ال يقدر على‬
‫فعل واحدة منھا سوى ﷲ‪ ،‬ولقد سبق أن تأملنا فيھا في الفصل‬
‫الثاني ”أعمال المسيح قالت“‪.‬‬

‫ومرة خامسة قبل المسيح السجود من المرأة الكنعانية في متى‬


‫‪ ٢٥ :١٥‬ولقد أثبت المسيح الھوته‪ ،‬عندما أثبت أنه األقوى من‬
‫الشيطان القوي‪ ،‬وليس أقوى من الشيطان سوى من خلقه )قارن‬
‫مع كولوسي ‪ .(١٦ :١‬ولقد أمكن للرب له المجد أن يخرج‬
‫الشيطان من ابنة ھذه المرأة بكلمة واحدة قالھا‪ ،‬رغم أنه كان‬
‫بعي ًدا عن الفتاة المسكونة بالشيطان‪ ،‬وذلك ألنه ھو ﷲ الذي ال‬
‫يتحيز بحدود المكان أو الزمان‪.‬‬

‫ومرة سادسة قبل المسيح السجود من أم ابني زبدي‪ ،‬إذ أتت‬


‫وسجدت له قبل أن تقدم طلبھا له في متى ‪٢٠ :٢٠‬‬

‫ثم نقرأ بعد قيامة المسيح من األموات عن مناسبتين فيھما قدم‬


‫التالميذ سجودھم للمسيح‪ .‬فيقول متى البشير عن المرأتين‬
‫اللتين ذھبتا إلى القبر في صباح يوم القيامة‪» :‬فتقدمتا وأمسكتا‬
‫بقدميه‪ ،‬وسجدتا له«‪ .‬فالمرأتان لم تقوال كلمة واحدة‪ ،‬ألن‬
‫سجودھما له أعفاھما عن الكالم‪ .‬لقد أمسكتا بقدمي يسوع‬
‫وبھذا أظھرتا له االعتبار العظيم مع المحبة الشديدة له‪ .‬وفي‬
‫ما وال‬
‫مقابل ذلك نالتا برھانًا جدي ًدا على أن ما رأتاه لم يكن وھ ً‬
‫خياالً‪ ،‬بل كان جسد يسوع المقام فعالً‪.‬‬

‫والتالميذ إن كان قد سبق لھم السجود للمسيح قبل الصليب‪ ،‬أما‬


‫اآلن‪ ،‬فبعد قيامته من األموات‪ ،‬صار لسجودھم مذاق جديد‪ .‬لكأن‬
‫ھاتين المرأتين قالتا‪ ،‬في قلبيھما‪ ،‬بلغة بني قورح‪» :‬ألنه ھو‬
‫سيدك‪ ،‬فاسجدي له« )مزمور‪.(١١ :٤٥‬‬

‫والمرة األخيرة عندما نقرأ عن ظھور المسيح لعدد كبير من‬


‫التالميذ‪ ،‬ويقول البشير‪» :‬ولما رأوه سجدوا له‪ ،‬ولكن بعضھم‬
‫شكوا« )متى ‪ .(١٧ :٢٨‬ھذه ھي المرة الثامنة في اإلنجيل التي‬
‫فيھا يقدم السجود للمسيح من المؤمنين به‪ ،‬والمرة الثانية بعد‬
‫قيامته له المجد من األموات‪ .‬وسوف نعود لھذا األمر بعد قليل‪.‬‬

‫دم فيھا السجود للمسيح‪،‬‬ ‫وإنجيل يوحنا يتضمن مناسبة واحدة ُق ِّ‬
‫لكن ھذه الحادثة لھا جمالھا األخاذ‪ ،‬وأعني بھا تلك المرة التي‬
‫سجد فيھا الرجل الذي كان أعمى فأعطاه الرب نعمة البصر‪،‬‬
‫بحسب إنجيل يوحنا ‪ .٩‬والحقيقة إن ما عمله المسيح مع ھذا‬
‫الرجل‪ ،‬يعتبر أحد األدلة على الھوت المسيح‪ ،‬وھو موضوع إنجيل‬
‫يوحنا الرئيس‪ .‬فا§ خلق اإلنسان في البداية من الطين )انظر‬
‫أيوب‪ ،(٦ :٣٣‬وھا المسيح‪ ،‬بوضعه الطين على عيني األعمى‪،‬‬
‫كأنه يكمل ما نقص من خلقة ذلك الرجل!‬

‫إ ًذا فلقد كان عمانوئيل‪ ،‬الرب الشافي‪ ،‬وسطھم‪ ،‬وسبق له أن‬


‫فتح أعين عميان كثيرين‪ ،‬لكن كانت األمة كلھا باألسف في حالة‬
‫العمى الروحي فلم تبصر شافيھا وال فاديھا الذي أتى لنجدتھم‪.‬‬
‫على العكس من ذلك‪ ،‬كان إدراك الرجل الذي كان أعمى فأبصر‬
‫يزداد‪ :‬فأوال ً عرف أنه ”إنسان يقال له يسوع“ )ع ‪(١١‬؛ ثم سرعان‬
‫ما نما في النعمة والمعرفة‪ ،‬وأدرك أنه ”نبي“ )ع ‪(١٧‬؛ ثم أدرك‬
‫ثال ًثا أنه ”من ﷲ“ )ع‪ .(٣٣‬على أن معرفة المسيح أنه ”ابن ﷲ“‬
‫كان يستلزم إعالنًا مباش ًرا من المسيح‪ ،‬وھو ما فعله المسيح‬
‫معه فعالً‪ ،‬إذ وجد اإلخالص متوف ًرا‪.‬‬

‫تمسك ذلك الرجل بالوالء للمسيح فقد طرده اليھود خارج‬


‫ّ‬ ‫وعندما‬
‫المجمع‪ ،‬جردوه من انتسابه الوطني‪ ،‬واعتبروه كجسم غريب‬
‫فلفظوه‪ ،‬وھو عين ما يحدث مع الكثيرين حتى يومنا ھذا‪ .‬على أن‬
‫المسيح التقاه في الخارج وسأله‪» :‬أ تؤمن بابن ﷲ؟ أجابه ذاك‪:‬‬
‫من ھو يا سيد ألومن به؟ قال له يسوع‪ :‬قد رأيته‪ ،‬والذي يتكلم‬
‫معك ھو ھو‪ .‬فقال‪ :‬أومن يا سيد‪ .‬وسجد له« )ع‪.(٣٨-٣٥‬‬

‫لقد خسر صاحبنا مكان ًا يمكنه أن يقترب فيه‪ ،‬لكي يسجد سجو ًدا‬
‫صا يمكنه عنده أن يسجد السجود‬ ‫طقس ًيا‪ ،‬لكنه وجد شخ ً‬
‫الحقيقي‪ .‬ونالحظ أن ذلك الرجل لم يسجد أمام ”إنسان يقال له‬
‫ضا لم يسجد‪ ،‬ولكن لما عرف أن المسيح‬ ‫يسوع“‪ ،‬كما أنه لنبي أي ً‬
‫ھو ابن ﷲ فقد سجد له!‬
‫ضا بعد القيامة من‬‫ذكرنا أن التالميذ ليس فقط قبل الصليب‪ ،‬بل أي ً‬
‫األموات سجدوا للمسيح‪ .‬ونالحظ أن المسيح بحسب مرقس ‪:١٦‬‬
‫‪ ١٤‬وبخ عدم إيمان تالميذه‪ ،‬لكننا ال نقرأ في أي مكان أنه وبخھم‬
‫على سجودھم له‪ .‬كما أنه وبخ توما على عدم إيمانه بقيامته‬
‫)بحسب يوحنا ‪ ،(٢٧ :٢٠‬ولكن لما قال له توما‪” :‬ربي وإلھي“‬
‫وھي األلقاب التي ال ينبغي أن تقال سوى §‪ ،‬فإن المسيح لم‬
‫يوبخه على تجديف قاله‪ ،‬بل قبل منه اللقبين‪ ،‬فھو فعال ربه وإلھه‪،‬‬
‫بل ھو ربنا وإلھنا‪ ،‬كما يشھد عنه ”كل الكتاب“‪.‬‬

‫ثم بعد األناجيل تأتي الرسائل وسفر الرؤيا لتواصل الحديث عن‬
‫ذلك المجد الذي يخص ﷲ دون سواه‪ ،‬فتحدثنا إنه ال بد أن يأتي‬
‫اليوم الذي فيه كل الخالئق‪ ،‬بشرية كانت أم مالئكية‪ ،‬أم جھنمية‪،‬‬
‫ستسجد له‪ .‬فيخبرنا كاتب العبرانيين أنه سيأتي اليوم عن قريب‬
‫الذي فيه ستجثو للمسيح كل المالئكة‪ .‬فھذا ھو كالم الوحي‬
‫الصريح في افتتاحية الرسالة‪» :‬عند دخول البكر إلى العالم )مرة‬
‫ثانية( يقول ولتسجد له كل مالئكة ﷲ« )عبرانيين ‪ .(٦ :١‬وھذه‬
‫اآلية مقتبسة من مزمور ‪١ :٩٧‬و‪ ٧‬حيث ترد ھناك عن الرب )يھوه(‬
‫الملك‪ ،‬فيقول‪» :‬الرب قد ملك‪ ..‬اسجدوا له يا جميع اآللھة«‪.‬‬
‫فيقتبسھا كاتب العبرانيين مطب ًقا إياھا على المسيح ابن ﷲ‪.‬‬

‫لكن ليس المالئكة فقط‪ ،‬بل كما يقول الرسول بولس إنه سوف‪:‬‬
‫»تجثو باسم يسوع كل ركبة من في السماء‪ ،‬ومن على األرض‪،‬‬
‫ومن تحت األرض‪ ،‬ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح ھو رب‬
‫لمجد ﷲ اآلب« )فيلبي‪١٠ :٢‬و‪.(١١‬‬

‫وحسن أن نعلم أن اآلية األخيرة اقتبسھا الرسول بولس من نبوة‬


‫إشعياء حيث يقول الرب‪» :‬أنا ﷲ وليس آخر‪ .‬بذاتي أقسمت‪ ،‬خرج‬
‫من فمي الصدق‪ ،‬كلمة ال ترجع‪ ،‬إنه لي تجثو كل ركبة‪ ،‬يحلف كل‬
‫لسان )إشعياء ‪٢٢ :٤٥‬و‪ .(٢٣‬المتكلم بحسب إشعياء ھو ﷲ‪،‬‬
‫ويؤكد أنه له ستجثو كل ركبة‪ ،‬فيقتبسھا الرسول بولس مطب ًقا‬
‫إياھا على الرب يسوع المسيح‪ ،‬مما يبرھن على أمرين‪ :‬أولھما‬
‫أن المسيح ھو ﷲ‪ ،‬وثانيھما أنه لن يفلت أحد من السجود البن‬
‫ﷲ!‬

‫واآلن ما المدلول الذي نخرج به من أن المسيح قبل السجود مرات‬


‫عديدة‪ ،‬وأنه سيأتي الوقت عن قريب وسيجثو له الجميع‪ .‬اإلجابة‬
‫الوحيدة المنطقية على ذلك‪ ،‬باعتبار أن السجود ھو مجد خاص‬
‫با§ وحده‪ ،‬وال ينبغي إطال ًقا أن نقدمه للمخلوق مھما كان‪ ،‬أن‬
‫المسيح ھو ﷲ‪ .‬في العھد القديم قال ﷲ‪» :‬مجدي ال أعطيه‬
‫آلخر«‪ .‬ولذلك فإن كل األمناء رفضوا مطل ًقا أن يقدم السجود لھم‪،‬‬
‫فالرسول بطرس رفض سجود كرنيليوس له‪ ،‬قائال‪” :‬أنا أي ً‬
‫ضا‬
‫إنسان“ )أعمال‪٢٥ :١٠‬و‪ ،(٢٦‬والرسوالن بولس وبرنابا رفضا تقديم‬
‫الذبائح لھما‪ ،‬ألنھما بشر تحت اآلالم نظير من كانوا يريدون أن‬
‫يذبحوا لھما )أعمال‪ ،(١٥-١٣ :١٤‬والمالك رفض سجود يوحنا في‬
‫ضا عبد )رؤيا‪٩ :١٩‬و‪١٠‬؛ ‪٨ :٢٢‬و‪.(٩‬‬ ‫جزيرة بطمس ألنه أي ً‬

‫وفي مفارقة مع كل ھؤالء قبل المسيح السجود‪ ،‬ألنه ھو الرب‪،‬‬


‫وھو ﷲ‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬المسيح ھو موضوع اإلكرام والتمجيد في األرض‬


‫وفي السماء‪:‬‬

‫عندما تحدثت المرأة السامرية مع الرب يسوع عن السجود‪،‬‬


‫حدثھا عن السجود الحقيقي لآلب بالروح والحق‪ .‬فماذا عن االبن؟‬
‫ضا؟ اإلجابة نجدھا في األصحاح‬‫ھل يقدم المؤمنون السجود له أي ً‬
‫التالي‪ ،‬عندما قال المسيح لليھود‪» :‬لكي ُيكرم الجميع االبن كما‬
‫يكرمون اآلب‪ .‬من ال يكرم االبن ال يكرم اآلب الذي أرسله«‬
‫)يوحنا‪.(٢٣ :٥‬‬

‫ولذلك فال عجب أن نجد سجود المفديين في السماء موجه إلى‬


‫اآلب واالبن‪ ،‬أو بلغة الكتاب للجالس على العرش وللحمل )رؤيا‪:٥‬‬
‫‪ .(١٣‬وسوف نعود بعد قليل لھذه النقطة‪.‬‬

‫وبعد القيامة ظھر الرب للتالميذ وھم مجتمعين‪ ،‬على نحو ما‬
‫يخبرنا به البشير يوحنا‪ .‬ظھر لھم في المرة األولى‪ ،‬ولم يكن توما‬
‫الرسول معھم‪ .‬فلما أخبره زمالؤه الرسل بأن المسيح قام من‬
‫سا ِميرِ‬ ‫م َ‬ ‫ه أَثَ َر ا ْل َ‬ ‫ص ْر فِي َي َد ْي ِ‬ ‫م أُ ْب ِ‬‫م‪» :‬إِنْ لَ ْ‬ ‫ل لَ ُھ ْ‬‫األموات‪ ،‬وأنھم رأوه‪َ ،‬قا َ‬
‫ن«‬ ‫ِ ْ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫ه‬ ‫ب‬
‫َْ ِ ِ‬‫ن‬‫ج‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ص ِب ِعي فِي أَثَرِ ا ْل َ َ ِ ِ َ َ ْ َ ِ‬
‫د‬ ‫ي‬ ‫ع‬ ‫ض‬ ‫َ‬ ‫أ‬‫و‬ ‫ير‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫َوأَ َ‬
‫ض ْع إِ ْ‬
‫م َكانَ‬ ‫ة أ ﱠيا ٍ‬ ‫َ‬ ‫مانِيَ ِ‬ ‫)يوحنا‪ .(٢٥ :٢٠‬ويستطرد البشير قائال‪َ » :‬و َب ْع َد ثَ َ‬
‫ف‬ ‫َ‬
‫ة َو َوق َ‬ ‫ﱠ‬
‫اب ُم َغل َق ٌ‬ ‫وع َواألَ ْب َو ُ‬ ‫س ُ‬ ‫جا َء َي ُ‬ ‫م‪َ .‬ف َ‬ ‫يذ ُه أَ ْيضاً َدا ِ‬
‫خال ً َو ُتو َما َم َع ُھ ْ‬ ‫تال َ ِم ُ‬
‫ُم«‪ .‬واتجه الرب فو ًرا إلى توما بالقول‪:‬‬ ‫َم لَك ْ‬ ‫ل‪» :‬سال ٌ‬ ‫ط َو َقا َ‬ ‫س ِ‬ ‫فِي ا ْل َو َ‬
‫ج ْنبِي‬ ‫ض ْع َھا فِي َ‬ ‫ك َو َ‬
‫ھاتِ َي َد َ‬ ‫ي َو َ‬‫ص ْر َي َد ﱠ‬ ‫َ‬
‫ھ َنا َوأ ْب ِ‬ ‫ك إِلى ُ‬‫َ‬ ‫ص ِب َع َ‬‫ھاتِ إِ ْ‬ ‫» َ‬
‫اب ُتو َما وقال له‪َ ” :‬ربِّي َوإِلَ ِھي“‪.‬‬ ‫َ َ‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫«‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ؤ‬
‫ْ‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ب‬
‫ٍ َ ْ ُ‬‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ؤ‬
‫ْ‬ ‫َوال َ َ ْ ْ َ ُ‬
‫م‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫غَ‬ ‫ُن‬ ‫ك‬ ‫ت‬
‫ين آ َم ُنوا َولَ ْ‬
‫م‬ ‫ت! طُو َبى لِل ﱠ ِذ َ‬ ‫ك َرأ ْي َت ِني َيا ُتو َما آ َم ْن َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ع‪» :‬ألنﱠ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل لَ ُه َي ُ‬ ‫َقا َ‬
‫َي َر ْوا«‪.‬‬

‫بعض المزوِّرين‪ ،‬ليتحاشوا ھذا الكالم الصريح الذي فيه قال واحد‬
‫من التالميذ للمسيح إنه ربه وإلھه‪ ،‬قالوا إن توما وقد أخذ‬
‫بالمفاجأة‪ ،‬كيف عرف المسيح ما قاله‪ ،‬رغم عدم وجود المسيح‬
‫معھم عندما نطق بھذه الكلمات‪ ،‬فإنه ھتف قائال‪” :‬يا إلھي“‪ ،‬كما‬
‫مدھشا وعجي ًبا!‬
‫ً‬ ‫تفعل نحن أحيانا عندما نقابل شي ًئا‬

‫وللرد على ذلك نقول أوال ً إن معرفة المسيح لما حصل‪ ،‬رغم عدم‬
‫وجوده مع التالميذ‪ ،‬يؤكد لنا أنه ھو الحاضر الغائب‪ ،‬الذي ال تراه‬
‫عيوننا لكنه ھو يرانا ويسمعنا‪ .‬وھذه واحدة من صفات الالھوت ال‬
‫يشاركه فيه سواه‪.‬‬

‫وثان ًيا‪ :‬كان اليھود يتحاشون تما ًما استخدام اسم الجاللة في‬
‫نطقھم العادي‪ ،‬فھم ليسوا نظيرنا اآلن ينطقون باسم ﷲ في كل‬
‫مناسبة وفي غير مناسبة‪ ،‬بل إذ كانوا يوقرون اسم ﷲ كانوا‬
‫يستبدلونه ما أمكنھم بغيره من المسميات‪ ،‬مثل تعبير ”ملكوت‬
‫السماوات“ بدال ً من التعبير ”ملكوت ﷲ“‪ ،‬والقول ”أخطأت إلى‬
‫ضا قولھم‬‫السماء“ بدال ً من ”أخطأت إلى ﷲ“ )لوقا‪ ،(١٨ :١٥‬وأي ً‬
‫للمسيح‪” :‬ھل أنت ابن المبارك“؟ بدال ً من قولھم‪” :‬ھل أنت ابن‬
‫ﷲ؟“‪ ،‬وھكذا‪ .‬ومع أننا كثي ًرا ما نستعمل التعبير يا إلھي اليوم‬
‫للتعبير عن الدھشة‪ ،‬لكن ال يوجد أدنى دليل تاريخي على‬
‫اإلطالق في أن اليھود كانوا معتادين على استخدام ھذا اللفظ‬
‫كتعبير عن التعجب‪.‬‬

‫وثال ًثا‪ :‬النص ال يدعنا نذھب إلى ھذا االستنتاج مطل ًقا‪ ،‬فالنص‬
‫يقول‪» :‬أجاب توما وقال له‪ :‬ربي وإلھي«‪ .‬فليس أن توما قال ربي‬
‫وإلھي‪ ،‬بل ”قال له“‪ ،‬أي قال ھذا للمسيح‪.‬‬

‫وليس توما وحده الذي اعتبر أن الرب يسوع ربه وأنه ھو عبده‪ ،‬بل‬
‫جميع الرسل‪ ،‬فيقول بولس‪» :‬بولس عبد ليسوع المسيح«‬
‫ضا‪» :‬بولس وتموثاوس عبدا يسوع‬ ‫)رومية ‪ ،(١ :١‬ويقول أي ً‬
‫ً‬
‫المسيح« )فيلبي‪ .(١ :١‬والرسول يعقوب يكتب قائال‪ :‬يعقوب عبد‬
‫ﷲ والرب يسوع المسيح« )يعقوب‪ .(١ :١‬وكذلك فعل الرسول‬
‫بطرس إذ كتب يقول‪» :‬سمعان بطرس عبد يسوع المسيح‬
‫ضا يھوذا إذ كتب قائالً‪» :‬يھوذا‬ ‫ورسوله« )‪٢‬بطرس‪ .(١ :١‬وكذلك أي ً‬
‫عبد يسوع المسيح« )يھوذا ‪ .(١‬وكما فعل الرسل ھكذا فعل‬
‫باقي المؤمنين‪ ،‬فنقرأ عن أبفراس‪» :‬يسلم عليكم أبفراس الذي‬
‫ھو منكم‪ ،‬عبد للمسيح‪ ،‬مجاھد كل حين ألجلكم بالصلوات«‬
‫)كولوسي‪ .(١٢ :٤‬وقيل عن باقي المؤمنين‪» :‬ألن من دعي في‬
‫ضا الحر المدعو ھو عبد‬ ‫الرب وھو عبد فھو عتيق الرب‪ ،‬كذلك أي ً‬
‫للمسيح‪ .‬قد اشتريتم بثمن‪ ،‬فال تصيروا عبي ًدا للناس«‬
‫)‪١‬كورنثوس‪ .(٢٣ ،٢٢ :٧‬والعبارة األخيرة تؤكد لنا أن المسيح ليس‬
‫واح ًدا من الناس‪.‬‬

‫المسيح موضوع الحب والتسبيح‪:‬‬

‫إن كل المؤمنين يحبون المسيح‪ .‬كيف ال وھو قد أحبنا أوال ً‬


‫)‪١‬يوحنا‪ .(١٩ :٤‬ولھذا األمر‪ ،‬الذي قد ال يفكر فيه الكثيرون‪ ،‬أھمية‬
‫قصوى‪ .‬وتَ ِرد في الوحي آيتان في منتھى األھمية‪ ،‬إذا وضعناھما‬
‫جن ًبا إلى جنب‪ ،‬يتضح لنا المعنى الھام المتضمن فيھما‪ .‬يقول‬
‫الرسول‪» :‬النعمة مع جميع الذين يحبون ربنا يسوع المسيح في‬
‫ح ﱡ‬
‫ب‬ ‫عدم فساد« )أفسس‪(٢٤ :٦‬؛ بينما يقول »إِنْ َكانَ أ َ َ‬
‫ح ٌد ال َ ُي ِ‬
‫ما )وھي كلمة أرامية تعني‬ ‫ُن أَنَاثِي َ‬
‫ح َف ْل َيك ْ‬
‫سي َ‬ ‫ع ا ْل َ‬
‫م ِ‬ ‫سو َ‬
‫ب َي ُ‬
‫ال ﱠر ﱠ‬
‫محرو ًما من البركة وملعونًا(« )‪١‬كورنثوس ‪ .(٢٢ :١٦‬ھكذا إلى ھذا‬
‫الحد! المحبة له تجلب كل البركات‪ ،‬وعدم المحبة له )وال يقول‬
‫البغضة له(‪ ،‬تحرم من كل بركة‪ ،‬بل وتجلب اللعنة!‬

‫المسيح موضوع تمجيد شعبه‬

‫م َربِّ َنا‬
‫اس ُ‬
‫ج َد ْ‬‫م ﱠ‬
‫ي َي َت َ‬ ‫وعن تمجيد الرب يسوع نقرأ قول الرسول‪» :‬لِ َك ْ‬
‫ع‬‫سو َ‬
‫ب َي ُ‬ ‫ة إِلَ ِھ َنا َوال ﱠر ّ ِ‬
‫م ِ‬
‫ه‪ ،‬ب ِ ِن ْع َ‬ ‫ُم‪َ ،‬وأَ ْن ُت ْ‬
‫م فِي ِ‬ ‫سيحِ فِيك ْ‬ ‫ع ا ْل َ‬
‫م ِ‬ ‫سو َ‬
‫َي ُ‬
‫سيحِ« )‪٢‬تسالونيكي ‪.(١٢ :١‬‬ ‫م ِ‬‫ا ْل َ‬

‫وفي سفر الرؤيا نقرأ عن مناسبات كثيرة فيھا يقدم التمجيد‬


‫للمسيح‪.‬‬
‫فيقول الرائي عن المسيح‪» :‬له المجد والسلطان إلى أبد اآلبدين‬
‫آمين« )رؤيا‪.(٦ :١‬‬

‫ات َواألَ ْر َب َع ُة‬‫ح َي َوانَ ُ‬ ‫خ ﱠرتِ األَ ْر َب َع ُة ا ْل َ‬ ‫الس ْف َر َ‬ ‫ِّ‬ ‫خ َذ‬ ‫ما أ َ َ‬ ‫ضا‪َ » :‬ولَ ﱠ‬ ‫ويقول أي ً‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫ات‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫ج‬ ‫و‬
‫ِّ َ ِ ٍ ِ َ ٌ َ َ َ ٌ ِ ْ‬ ‫ت‬ ‫ا‬‫ر‬ ‫َا‬‫ث‬ ‫ي‬ ‫ق‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫ا‬‫و‬ ‫ل‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫م‬ ‫ھ‬ ‫َ‬
‫َ َ ِ َ ُ ْ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫َ َ‬ ‫ا‬ ‫م‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫خ‬ ‫ي‬ ‫ش‬
‫َ ْ‬ ‫ونَ‬ ‫ش ُر‬ ‫َوا ْل ِع ْ‬
‫م ًة‬ ‫مونَ تَ ْرنِي َ‬ ‫م يَ َت َرن ﱠ ُ‬ ‫ھ ْ‬ ‫ين‪َ .‬و ُ‬ ‫س َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ات ا ْل ِق ِّ‬ ‫صلَ َو ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ھ َ‬ ‫خوراً ِ‬ ‫م ُل ﱠو ٌة َب ُ‬ ‫ھبٍ َم ْ‬ ‫َذ َ‬
‫ك‬ ‫َ‬
‫خ ُتو َم ُه‪ ،‬ألنﱠ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫الس ْف َر َوتَ ْف َت َ‬ ‫ِّ‬ ‫خ َذ‬ ‫ْ‬
‫ت أنْ تَأ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حقﱞ أ ْن َ‬ ‫س َت ِ‬ ‫ين‪ُ » :‬م ْ‬ ‫َ‬
‫ج ِدي َدة قائِلِ َ‬‫ً‬ ‫َ‬
‫ة‪،‬‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫أ‬‫و‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ش‬
‫ِّ ِ ٍ َ َ ٍ َ َ ْ ٍ َ ﱠ ٍ‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ي‬ ‫ب‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ك‬‫ُ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬
‫ِ َ َ ْ‬ ‫ك‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ﱠ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ُذ ِ ْ َ َ ْ َ َ ْ َ َ‬
‫ن‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫اش‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫ح‬ ‫ب‬
‫ض« )رؤيا ‪-٨ :٥‬‬ ‫َ‬
‫علَى األ ْر ِ‬ ‫ك َ‬ ‫م ِل ُ‬ ‫س َن ْ‬ ‫ً‬
‫ج َع ْل َت َنا ِ ِإللَ ِھ َنا ُملُوكا َو َك َھ َن ًة‪َ ،‬ف َ‬ ‫َو َ‬
‫‪.(١٠‬‬

‫ضا‪ ،‬وكذلك كل‬ ‫وليس المفديين وحدھم بل المالئكة جميعھم أي ً‬


‫الخليقة ستتحد في تسبيح المسيح فيقول الرائي‪َ » :‬ونَظَ ْر ُ‬
‫ت‬
‫الش ُيوخِ‪،‬‬ ‫ح َي َوانَاتِ َو ﱡ‬ ‫ل ا ْل َع ْرشِ َوا ْل َ‬ ‫ح ْو َ‬ ‫ين َ‬ ‫ير َ‬ ‫ة َك ِث ِ‬ ‫ت َمال َئِ َك ٍ‬ ‫ص ْو َ‬
‫ت َ‬ ‫م ْع ُ‬ ‫س ِ‬ ‫َو َ‬
‫يم‪:‬‬ ‫ظ‬ ‫ع‬ ‫ت‬
‫ِِ َ ِ َ ْ ٍ َ ِ ٍ‬ ‫و‬ ‫ص‬ ‫ب‬ ‫ين‬ ‫ل‬ ‫ئ‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫‪،‬‬ ‫ف‬‫ٍ‬ ‫ُو‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫َ‬
‫ُوف‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫أ‬ ‫و‬‫َو َكانَ َ َ ُ ُ ْ َ َ َ ِ َ َ َ ٍ َ‬
‫ت‬ ‫ا‬‫و‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ھ‬ ‫د‬ ‫د‬ ‫ع‬
‫ة‬
‫م َ‬ ‫ح ْك َ‬ ‫خ َذ ا ْل ُق ْد َر َة َوا ْل ِغ َنى َوا ْل ِ‬ ‫ْ‬
‫وح أنْ يَأ ُ‬ ‫َ‬ ‫م ْذ ُب ُ‬ ‫ل ا ْل َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫و ا ْل َ‬ ‫حقﱞ ھُ َ‬ ‫س َت ِ‬ ‫م ْ‬ ‫» ُ‬
‫ما ِء‬‫الس َ‬ ‫ﱠ‬ ‫ما فِي‬ ‫م ﱠ‬ ‫ة ِ‬ ‫ق ٍ‬‫خ ِلي َ‬ ‫ل َ‬ ‫ج َد َوا ْل َب َر َك َة«‪َ .‬و ُك ﱡ‬ ‫م ْ‬ ‫َوا ْل ُق ﱠو َة َوا ْل َك َرا َم َة َوا ْل َ‬
‫ما فِي َھا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ﱡ‬
‫ل‬ ‫ك‬‫ُ‬ ‫‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ح‬
‫َ ْ ِ‬ ‫ب‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ى‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫عَ‬ ‫ا‬‫م‬ ‫و‬
‫ْ ِ َ َ‬ ‫‪،‬‬‫ض‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫أل‬ ‫ا‬ ‫ت‬
‫ض َوت ْ َ‬‫َح‬ ‫َوعَ لَى األَ ْر ِ‬
‫ل ا ْل َب َر َك ُة َوا ْل َك َرا َم ُة‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ش َول ِ ْل َ‬ ‫علَى ا ْل َع ْر ِ‬ ‫جالِسِ َ‬ ‫م ْع ُت َھا َقائِل َ ًة‪» :‬لِ ْل َ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫ين« )رؤيا‪ .(١٣-١١ :٥‬والعبارة‬ ‫َ‬
‫ان إِلى أ َب ِد اآلبِ ِد َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫السلط ُ‬ ‫ْ‬ ‫ج ُد َو ﱡ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫َوال َ‬
‫األخيرة تعني أن التسبيح ذاته الذي ُيق ﱠدم للجالس على العرش‬
‫)أي ﷲ( ھو الذي يقدم للحمل )أي المسيح(‪ .‬فكيف يمكن أن‬
‫يكون ھذا إن لم يكن المسيح ھو ﷲ؟‬

‫يم‬
‫ظ ٍ‬ ‫ص ْوتٍ َع ِ‬ ‫خونَ بِ َ‬ ‫ص ُر ُ‬ ‫م َي ْ‬ ‫ھ ْ‬ ‫ومرة أخرى نقرأ في رؤيا ‪َ » ١٧- ١٠ :٧‬و ُ‬
‫مي ُع‬ ‫ج ِ‬ ‫َ َ‬ ‫و‬ ‫«‪.‬‬ ‫ل‬‫علَى ا ْل ْ ِ َ َ َ ِ‬
‫م‬ ‫ح‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ش‬ ‫ر‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫جالِسِ َ‬ ‫َص ِإللَ ِھ َنا ا ْل َ‬ ‫خال ُ‬ ‫ين‪» :‬ا ْل َ‬ ‫َقائِلِ َ‬
‫ة‪،‬‬ ‫َ‬
‫ح َي َوانَاتِ األ ْر َب َع ِ‬ ‫الش ُيوخِ َوا ْل َ‬ ‫ل ا ْل َع ْرشِ َو ﱡ‬ ‫ح ْو َ‬ ‫ين َ‬ ‫ة َكا ُنوا َواقِ ِف َ‬ ‫مالَئِ َك ِ‬ ‫ا ْل َ‬
‫ين!‬ ‫ِ َ‬ ‫م‬ ‫آ‬ ‫»‬ ‫‪:‬‬ ‫ين‬ ‫ل‬ ‫ئ‬ ‫ا‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫ه‬
‫ُ ُ ِ ِ ْ َ َ َ ُ ِ ِ ِِ َ‬ ‫ﱠ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ھ‬ ‫ھ‬ ‫و‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫ى‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ش‬
‫َ َ َْ ِ َ‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫وا‬ ‫ر‬‫َو َ ﱡ‬
‫خ‬
‫الشك ُْر َوا ْل َك َرا َم ُة َوا ْل ُق ْد َر ُة َوا ْل ُق ﱠو ُة ِإللَ ِھ َنا إِلَى‬ ‫م ُة َو ﱡ‬ ‫ح ْك َ‬ ‫ج ُد َوا ْل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ا ْل َب َر َك ُة َوا ْل َ‬
‫ھ ُؤال َ ِء‬‫الش ُيوخِ‪َ » :‬‬ ‫ﱡ‬ ‫ن‬
‫ح ٌد ِم َ‬ ‫سأل ِني َوا ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ين« َو َ‬ ‫ين‪ .‬آ ِم َ‬ ‫أَ َب ِد اآلبِ ِد َ‬
‫ت ل َ ُه‪َ » :‬يا‬ ‫ن أَ ُتوا؟« َف ُق ْل ُ‬ ‫ن أَ ْي َ‬ ‫م َو ِم ْ‬ ‫ھ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫يض‪َ ،‬م ْ‬ ‫ب ا ْلبِ ِ‬ ‫س ْربِلُونَ بِالثِّ َيا ِ‬ ‫م َت َ‬ ‫ا ْل ُ‬
‫ة‬‫ضي َق ِ‬ ‫ن ال ِ ّ‬ ‫ين أ ُتوا ِم َ‬ ‫َ‬ ‫م الﱠ ِذ َ‬ ‫ھ ُ‬ ‫ھ ُؤال َ ِء ُ‬ ‫ل لِي‪َ » :‬‬ ‫م«‪َ .‬فقَا َ‬ ‫ت تَ ْعلَ ُ‬ ‫َ‬
‫س ِي ّ ُد أ ْن َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ج ِ‬ ‫نأ ْ‬‫َ‬ ‫ل‪ِ .‬م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ْ‬
‫ھا فِي َد ِم ال َ‬ ‫ضو َ‬ ‫م َو َب ﱠي ُ‬ ‫غَسلُوا ث ِ َيا َب ُھ ْ‬ ‫ﱠ‬ ‫َ‬
‫ة‪َ ،‬وق ْد‬ ‫م ِ‬ ‫ظي َ‬ ‫ا ْل َع ِ‬
‫س‬
‫جالِ ُ‬ ‫ه‪َ ،‬وا ْل َ‬ ‫ھ ْي َك ِل ِ‬ ‫خ ِد ُمونَ ُه نَ َھاراً َولَ ْيال ً فِي َ‬ ‫ش ﷲِ َو َي ْ‬ ‫م َع ْر ِ‬ ‫م أ َما َ‬ ‫َ‬ ‫ھ ْ‬ ‫ك ُ‬ ‫َذلِ َ‬
‫شوا َب ْع ُد َوال َ تَق ُ‬
‫َع‬ ‫ن َي ْعط َ ُ‬ ‫وعوا َب ْع ُد َولَ ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫ن َي ُ‬ ‫م‪ .‬لَ ْ‬ ‫ل َف ْو َق ُھ ْ‬ ‫ح ﱡ‬ ‫َعلَى ا ْل َع ْرشِ َي ِ‬
‫ط‬
‫س ِ‬ ‫ل الﱠ ِذي فِي َو َ‬ ‫م َ‬‫ح َ‬‫ح ِّر‪ ،‬ألَنﱠ ا ْل َ‬
‫ن ا ْل َ‬
‫ي ٌء ِم َ‬ ‫ش ْ‬ ‫س َوال َ َ‬ ‫م ُ‬ ‫الش ْ‬
‫ﱠ‬ ‫َعلَ ْي ِھ ِ‬
‫م‬
‫ل‬‫ﷲ ُك ﱠ‬‫ح ُ‬‫س ُ‬
‫م َ‬‫ة‪َ ،‬و َي ْ‬‫ح ﱠي ٍ‬‫م إِلى يَ َنابِيعِ َما ٍء َ‬‫َ‬ ‫ھ ْ‬‫م‪َ ،‬و َي ْق َتا ُد ُ‬‫اھ ْ‬ ‫ع ُ‬ ‫ا ْل َع ْرشِ َي ْر َ‬
‫م«‪.‬‬ ‫ن ُ ُ ِ ْ‬
‫ھ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ع‬ ‫ة ِم ْ‬ ‫َد ْم َع ٍ‬

‫نالحظ في النص السابق أن العدد العاشر يذكر أن العرش ھو‬


‫عرش ﷲ‪ ،‬إذ يقول في ع‪” ١٠‬إلھنا الجالس على العرش“‪ ،‬لكن‬
‫في ع‪ ١٧‬يذكر أن الحمل ھو الذي ”في وسط العرش“‪ .‬مما يدل‬
‫صا آخر بخالف ﷲ‪.‬‬
‫على أن المسيح )الحمل( ليس شخ ً‬

‫ن َما ِء‬ ‫ضا‪ ،‬نقرأ قول الرائي‪َ » :‬وأَ َرانِي نَ ْھراً َ‬


‫صافِيا ً ِم ْ‬ ‫وعن ھذا األمر أي ً‬
‫ل« )رؤ‪ .(١ :٢٢‬الحظ‬ ‫م ِ‬
‫ح َ‬ ‫ع ْرشِ ﷲِ َوا ْل َ‬ ‫ارجا ً ِم ْ‬
‫ن َ‬ ‫خ ِ‬‫ور َ‬‫ح َيا ٍة ال َ ِمعاً َك َبل ﱡ ٍ‬
‫َ‬
‫أنه ال يوجد في السماء عرشان‪ ،‬بل عرش واحد‪ ،‬وھذا أمر مفھوم‬
‫جيدا لكل إنسان عاقل يؤمن بوجود ﷲ‪ .‬وطبعًا ال يجلس على‬
‫العرش الواحد شخصان مختلفان‪ ،‬بل شخص واحد‪ ،‬ألن ﷲ واحد‪.‬‬
‫وھو ما قاله المسيح لليھود »أنا واآلب واحد« )يوحنا‪.(٣٠ :١٠‬‬

‫خ ِد ُمونَ ُه«‬
‫يد ُه َي ْ‬
‫ُون فِي َھا‪َ ،‬و َعبِ ُ‬
‫ل َيك ُ‬
‫م ِ‬ ‫ش ﷲِ َوا ْل َ‬
‫ح َ‬ ‫ونقرأ أي ً‬
‫ضا‪َ » :‬و َع ْر ُ‬
‫)رؤيا‪ .(٣ :٢٢‬ونالحظ في اآلية األخيرة أنه ال يقول يخدمونھما‪ ،‬بل‬
‫يخدمونه‪ .‬قواعد اللغة ترجع الضمير إلى آخر اسم في الجملة‪،‬‬
‫فإذا اتبعنا قواعد اللغة‪ ،‬فإن الخدمة تكون منسوبة للحمل‪ ،‬وفي‬
‫ھذه الحالة يكون ”الحمل“‪ ،‬أي الرب يسوع المسيح ھو ھدف‬
‫العبادة‪ ،‬مما يدل على أنه ﷲ‪ ،‬ألنه »للرب إلھك تسجد‪ ،‬وإياه‬
‫وحده تعبد )أي تخدم(« )متى‪ .(٦ :٤‬ولكن الفھم الروحي يعيد‬
‫الضمير في الجملة إلى ”ﷲ والحمل“‪ ،‬وذلك لسبب بسيط قاله‬
‫المسيح وذكرناه قبال‪» :‬أنا واآلب واحد«‪ .‬وفي الحالتين نصل إلى‬
‫النتيجة نفسھا أن المسيح ھو ﷲ؟‬

‫م أَ َر فِي َھا )أي في المدينة السماوية( َ‬


‫ھ ْي َكالً‪ ،‬ألَنﱠ‬ ‫وأيضا نقرأ‪َ » :‬ولَ ْ‬
‫ك ُل َھا« )رؤيا‪:٢١‬‬‫ھ ْي َ‬
‫ل َ‬
‫م ُ‬ ‫ھ َو َوا ْل َ‬
‫ح َ‬ ‫ي ٍء ُ‬
‫ش ْ‬ ‫ﷲ ا ْلقَا ِد َر َعلَى ك ِ ّ‬
‫ُل َ‬ ‫ب َ‬‫الر ﱠ‬
‫ﱠ‬
‫‪ ،(٢٢‬وال يقول إنھما ھيكالھا‪ ،‬ومرة أخرى نقول إن ھذا يدل على‬
‫وحدة الجوھر بين اآلب واالبن‪ ،‬ألن اآلب واالبن واحد )يوحنا‪:١٠‬‬
‫‪.(٣٠‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬ھو موضوع إيمان شعبه واتكالھم‪.‬‬

‫قال الرب لتالميذه في العلية في ليلة آالمه‪» :‬أنتم تؤمنون با§‬


‫فآمنوا بى« )يوحنا‪ .(١ :١٤‬الحظ أن الرب لم يقل أنتم تؤمنون‬
‫ضا‪ ،‬كما لو كان ھناك شخصان‬ ‫با§‪ ،‬وأطلب منكم أن تؤمنوا بي أي ً‬
‫يجب أن نؤمن بھما‪ ،‬أو أن إيماننا المسيحى مبني على أمرين‬
‫متميزين‪ .‬كال‪ ،‬بل »أنتم تؤمنون با§‪ ،‬فآمنوا بي*«‪ .‬أ ال يعني ھذا‬
‫بكل وضوح أنه ھو ﷲ ؟!‬

‫ونالحظ أن سجان فيلبي عندما سأل بولس وسيال عما ينبغي أن‬
‫يفعل لكي يخلص‪ ،‬أجاباه قائلين‪» :‬آمن بالرب يسوع المسيح‬
‫فتخلص أنت وأھل بيتك« )أعمال ‪ .(٣١ ،٣٠ :١٦‬ما أعظم ھذا!‬
‫مجرد اإليمان بالرب يسوع المسيح يأتي بالخالص للشخص‪،‬‬
‫وألھل بيته‪ .‬لكن التعليق الذي يكتبه لوقا الطبيب الحبيب الفت‬
‫للنظر‪ ،‬إذ يقول عن السجان‪» :‬وتھلل مع جميع أھل بيته‪ ،‬إذ كان‬
‫قد آمن با_« )أعمال ‪ .(٣٤ :١٦‬ومن ھذا أي ً‬
‫ضا يتضح لنا أن‬
‫المسيح ھو ﷲ‪.‬‬

‫صا؟‬
‫وما أكثر البركات التي تصير لنا عندما نؤمن بالمسيح ر ًبا ومخل ً‬
‫يقول الرسول بطرس‪» :‬له يشھد جميع األنبياء أن كل من يؤمن‬
‫به ينال باسمه غفران الخطايا« )أعمال ‪ .(٤٣ :١٠‬مرة أخرى نقول‪:‬‬
‫ما أعجب ھذا! مجرد اإليمان بالرب يسوع يمتع النفس‬
‫بغفران جميع الخطايا‪ ،‬وھذه ھي شھادة‪ ،‬ال واحد من‬
‫األنبياء وال مجموعة منھم‪ ،‬بل جميع األنبياء!‬

‫وإن كان الرسول بطرس ذكر ھنا أن غفران الخطايا يناله المؤمن‬
‫”باسمه“‪ ،‬إال أننا من باقي أجزاء الوحي نعرف أن في ھذا االسم‬
‫الكريم‪ ،‬اسم ربنا يسوع المسيح‪ ،‬ينال المؤمن العديد من‬
‫البركات‪:‬‬

‫‪ -١‬غفران الخطايا‪» :‬كتبت إليكم أيھا األوالد ألنه قد غفرت لكم‬


‫الخطايا من أجل اسمه )اسم المسيح(« )‪١‬يوحنا ‪.(١٢ :٢‬‬

‫‪ -٢‬الخالص‪» :‬ألن ليس اسم آخر )خالف اسم المسيح( تحت‬


‫السماء قد أعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص« )أعمال‬
‫‪.(١٢ :٤‬‬

‫‪ -٣‬الحياة األبدية‪» :‬آيات أخر كثيرة عملھا يسوع قدام تالميذه لم‬
‫تكتب في ھذا الكتاب‪ ،‬وأما ھذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع ھو‬
‫المسح ابن ﷲ‪ ،‬ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه« )يوحنا‬
‫‪.(٣١ :٢٠‬‬

‫‪ -٤‬يھب الشفاء‪ ،‬وتجرى به القوات‪» :‬فقال بطرس )للرجل‬


‫األعرج( ‪ ..‬باسم يسوع المسيح الناصري قم وامش ‪ ..‬ففي الحال‬
‫تشددت رجاله وكعباه ‪ ..‬وصار يمشي« )أعمال‪ .(٨-٦ :٣‬ويعلق‬
‫الرسول بطرس على ذلك بالقول‪» :‬باإليمان باسمه )يسوع( شدد‬
‫اسمه ھذا الذي تنظرونه وتعرفونه‪ ..‬أعطاه الصحة أمام جميعكم«‬
‫لش َفا ِء‬
‫ك لِ ّ ِ‬
‫د َي ِد َ‬
‫م ِّ‬
‫)أعمال‪ .(١٦ :٣‬وفي صالة التالميذ قالوا §‪» :‬بِ َ‬
‫ع« )أعمال‪.(٣٠ :٤‬‬ ‫سو َ‬‫ك ا ْل ُقدﱡوسِ َي ُ‬
‫م َف َتا َ‬
‫اس ِ‬
‫ب بِ ْ‬
‫ج ائ ِ ُ‬
‫ات َو َع َ‬ ‫َو ْل ُت ْ‬
‫ج َر آ َي ٌ‬

‫‪ -٥‬يھب النعمة‪» :‬يسوع المسيح ربنا‪ ،‬الذي به‪ ،‬ألجل اسمه‪،‬‬


‫قبلنا نعمة ورسالة إلطاعة اإليمان« )رومية ‪٤ :١‬و‪.(٥‬‬

‫‪ -٦‬وإلى ھذا االسم الكريم يجتمع القديسون‪ .‬قال المسيح‪:‬‬


‫»ألنه حيثما اجتمع اثنان أو ثالثة باسمي فھناك أكون في‬
‫وسطھم« )متى ‪.(٢٠ :١٨‬‬

‫‪ -٧‬وبھذا االسم الكريم يرفع المؤمنون صلواتھم‪ ،‬فيستجيب‬


‫ك أَ ْف َع ُل ُه‬ ‫مي َف َذلِ َ‬ ‫اس ِ‬ ‫م بِ ْ‬ ‫سأَ ْل ُت ْ‬‫ما َ‬ ‫اآلب لھم‪ :‬فيقول المسيح‪َ » :‬و َم ْھ َ‬
‫َ‬
‫مي َف ِإنِ ّي أ ْف َع ُل ُه«‬ ‫اس ِ‬ ‫ش ْيئا بِ ْ‬ ‫ً‬ ‫م َ‬ ‫سأَ ْل ُت ْ‬
‫ن‪ .‬إِنْ َ‬‫اال ْب ِ‬
‫اآلب بِ ِ‬
‫ُ‬ ‫ج َد‬‫م ﱠ‬‫لِ َي َت َ‬
‫ل َما‬ ‫ُم‪ :‬إِنﱠ ُك ﱠ‬ ‫ُول لك ْ‬‫َ‬ ‫ق أق ُ‬‫َ‬ ‫ح ﱠ‬ ‫ْ‬
‫ق ال َ‬ ‫ح ﱠ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫)يوحنا‪١٣ :١٤‬و‪ .(١٤‬وأيضا‪» :‬ال َ‬
‫ش ْيئا ً‬ ‫َ‬ ‫وا‬ ‫ُب‬
‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬
‫ط‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫اآلنَ‬ ‫ى‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫طي ْ ِ‬
‫إ‬ ‫‪.‬‬‫ُم‬ ‫ك‬ ‫مي ُي ْع ِ‬ ‫اس ِ‬
‫ن اآلبِ بِ ْ‬ ‫م ِم َ‬ ‫طَلَ ْب ُت ْ‬
‫ُم َكا ِمال ً« )يوحنا‪٢٣ :١٦‬و‪.(٢٤‬‬ ‫حك ْ‬ ‫خ ُذوا لِيَكُونَ َف َر ُ‬ ‫ْ‬ ‫مي‪ .‬اُ ْ‬
‫طل ُُبوا تَأ ُ‬ ‫اس ِ‬ ‫بِ ْ‬

‫لو كان المسيح مجرد إنسان‪ ،‬أ كان يمكن أن ترتبط باسمه كل‬
‫ھذه البركات العظمى والثمينة؟‬

‫والمسيح ھو موضوع إيمان شعبه واتكالھم‪ ،‬ونعلم أنه ال يمكن أن‬


‫يكون مجرد إنسان ھو موضوع إيمان وأساس اتكال جماھير‬
‫المؤمنين‪ ،‬فھذا مجد يخص ﷲ وحده فقط‪ .‬ويعلمنا الكتاب أنه‬
‫»ملعون من يتكل على ذراع بشر« )إرميا‪ ،(٥ :١٧‬وأي ً‬
‫ضا »ال تتكلوا‬
‫على الرؤساء وال على ابن آدم حيث ال خالص عنده« )مزمور‪:١٤٦‬‬
‫‪ .(٣‬لكن من الجانب اآلخر يقول‪» :‬مبارك الرجل الذي يتكل على‬
‫الرب )يھوه(‪ ،‬وكان الرب متكله« )إرميا ‪ .(٧ :١٧‬إ ًذا فبينما يمنع‬
‫الوحي الكريم وضع الثقة في البشر‪ ،‬فإنه يحرضنا على وضع الثقة‬
‫كلھا في ﷲ‪ .‬ويؤكد الوحي بالوضوح عينه أن اإليمان بابن ﷲ له‬
‫بركات كثيرة‪ ،‬فيقول داود في المزمور الثاني‪» :‬قبلوا االبن لئال‬
‫يغضب فتبيدوا من الطريق‪ ،‬ألنه عن قليل يتقد غضبه‪ .‬طوبى‬
‫لجميع المتكلين عليه« )مزمور‪ .(١٢ :٢‬ويقول النبي إشعياء‪:‬‬
‫ما‬
‫»ھأنذا أوسس في صھيون حج ًرا‪ ،‬حجر امتحان‪ ،‬حجر زاوية كري ً‬
‫مؤسسا‪ ،‬من آمن ال يھرب« )إشعياء‪ ،(١٦ :٢٨‬فيقتبسھا‬ ‫ً‬ ‫أساسا‬
‫ً‬
‫الرسول بطرس مطب ًقا إياھا على المسيح إذ يقول‪» :‬الذي يؤمن‬
‫به لن يخزى« )‪١‬بطرس‪.(٦ :٢‬‬

‫ولذلك‪ ،‬وبالنظر إلى كل ما سبق‪ ،‬ال عجب إطال ًقا أن قال الرسول‬
‫بولس‪» :‬أرجو في الرب يسوع‪ ..‬وأثق بالرب« )فيلبي‪،١٩ :٢‬‬
‫‪.(٢٤‬‬

‫راب ً‬
‫عا‪ :‬إليه ُترفع الصلوات‪ ،‬وھو يستجيبھا‬

‫نالحظ أن الكتاب المقدس يحذرنا من أن نتقدم بصلواتنا إلى أي‬


‫قديسا من البشر أو المالئكة‪ .‬ومع ذلك سنجد‬
‫ً‬ ‫مخلوق‪ ،‬سواء كان‬
‫اآلن أن الكتاب المقدس يعلمنا أن نرفع صلواتنا للمسيح‪ ،‬وأنه ھو‬
‫الذي يستجيبھا‬

‫ُدمت الصلوات للرب يسوع‪.‬‬


‫فمرات عديدة ق ِّ‬

‫‪ -١‬الرسل عند اختيار متياس الرسول‪ ،‬وجھوا صالتھم للرب يسوع‬


‫عي ّن أنت من ھذين‬
‫قائلين‪» :‬أيھا الرب العارف قلوب الجميع‪ِ ،‬‬
‫االثنين أ ًيا اخترته« )أعمال‪ .(٢٤ :١‬ومن البشائر نعرف أن الذي‬
‫كان يعين الرسل )مرقس‪ ،(١٩-١٣ :٣‬ويدعوھم )متى‪،(٥ ،١ :١٠‬‬
‫ويختارھم )لوقا‪ (١٦-١٣ :٦‬ھو المسيح‪ .‬ثم إن الرب يسوع بحسب‬
‫القرينة في سفر األعمال أصحاح‪ ١‬ھو الرب يسوع )ع‪.(٢١‬‬

‫‪ - ٢‬الشھيد استفانوس‪ ،‬شھيد المسيحية األول‪ ،‬لحظة رقاده‪،‬‬


‫وكان ممتل ًئا من الروح القدس‪ ،‬صلى للرب يسوع قائالً‪» :‬أيھا‬
‫الرب يسوع اقبل روحي«‪ .‬مما يدل على إيمانه أن المسيح يقدر‬
‫أن يسمع صالته‪ ،‬وعنده القدرة على قبول روحه لحظة رقاده‪ .‬ثم‬
‫جثا على ركبتيه وصرخ بصوت عظيم‪» :‬يا رب ال تقم لھم ھذه‬
‫الخطية« )أعمال‪٥٩ :٧‬و‪.(٦٠‬‬
‫‪ -١‬في أعمال ‪ ٢٤ :٨‬قال بطرس لسيمون الساحر‪» :‬اطلب إلى‬
‫الرب عسى أن يغفر لك فكر قلبك«‪ .‬والرب بحسب ع‪ ١٦‬من‬
‫األصحاح ذاته ھو الرب يسوع‪.‬‬

‫‪ -٢‬ثم ھو ھدف دعاء القديسين من البداية‪ ،‬وھو يسمع الدعاء‪،‬‬


‫فيرد قول حنانيا للرب من جھة شاول الطرسوسي‪» :‬وھھنا له‬
‫سلطان من قبل رؤساء الكھنة أن يوثق جميع الذين يدعون‬
‫باسمك« )أعمال ‪ .(١٤ :٩‬والرب بحسب قرينة الفصل ھو‬
‫المسيح )قارن ع‪ ١٧ ،٦ ،٥‬وال سيما ع‪.(٢١‬‬

‫‪ -٣‬يقول الرسول بولس »كل من يدعو باسم الرب يخلص«‪.‬‬


‫وھذه اآلية مقتبسة من يوئيل ‪ ٣٢ :٢‬حيث ترد عن الرب ”يھوه“‪،‬‬
‫فيقول يوئيل النبي‪» :‬ويكون أن كل من يدعو باسم الرب )يھوه(‬
‫ينجو«‪ .‬ولقد اقتبسھا الرسول بطرس في أعمال ‪ ٢١ :٢‬وواضح من‬
‫القرنية أنه يطبقھا على المسيح‪ .‬ثم اقتبسھا الرسول بولس في‬
‫رسالة رومية‪ ،‬وواضح أنھا ال تنطبق ھناك سوى على الرب يسوع‬
‫المسيح )رومية‪.(١٣ -٩ :١٠‬‬

‫‪ -٤‬يكتب الرسول بولس للمؤمنين في كورنثوس قائالً‪» :‬إلى‬


‫كنيسة ﷲ ‪ ..‬المدعوين قديسين‪ ،‬مع جميع الذين يدعون باسم‬
‫ربنا يسوع المسيح في كل مكان« )‪١‬كورنثوس‪ .(٢ :١‬والمعروف‬
‫أن المؤمنين من بدء الزمان يدعون باسم الرب ”يھوه“‪ ،‬حيث نقرأ‬
‫حينئذ ابتدئ أن يدعى باسم الرب« )تكوين ‪ ،(٢٦ :٤‬ولكن ھنا‬
‫نقرأ عن الدعاء باسم الرب يسوع المسيح‪ ،‬مما يدل على أن‬
‫جموع المسيحيين‪ ،‬ومن بداية المسيحية‪ ،‬كانوا معتادين على‬
‫الدعاء باسم الرب يسوع‪ ،‬وعلى الصالة له‪ .‬األمر الذي يعني أن‬
‫المسيح ھو ﷲ‪.‬‬

‫‪ -٥‬قال الرسول بولس عن الشوكة التي في الجسد والتي‬


‫أعطيت له‪» :‬من جھة ھذا تضرعت إلى الرب ثالث مرات أن‬
‫يفارقني‪ ،‬فقال لي تكفيك نعمتي‪ ،‬ألن قوتي في الضعف تكمل‪.‬‬
‫ي قوة‬
‫فبكل سرور أفتخر بالحري في ضعفاتي لكي تحل عل ﱠ‬
‫المسيح« )‪٢‬كورنثوس‪٨ :١٢‬و ‪ .(٩‬واضح أن الرب الذي تضرع إليه‬
‫الرسول ھو المسيح‪ ،‬فلقد قال له‪” :‬قوتي في الضعف تكمل“‪،‬‬
‫وتحقق له ذلك إذ حلت عليه ”قوة المسيح“‪ .‬مما يدل على أن‬
‫الرب الذي صلى له ھو المسيح‪.‬‬

‫‪ -٦‬الرسول بولس قدم صالة موج ًھا صالته للمسيح مقرونًا باآلب‪،‬‬
‫فيقول‪» :‬وربنا يسوع المسيح نفسه‪ ،‬وﷲ أبونا يعزي قلوبكم‪،‬‬
‫ويثبتكم في كل كالم وعمل صالح« )‪٢‬تسالونيكي‪١٦ :٢‬و‪.(١٧‬‬
‫والحظ أنه بعد أن وجه الكالم إلى الرب يسوع وإلى ﷲ اآلب‪ ،‬لم‬
‫يستخدم صيغة المثنى بل المفرد‪ ،‬فلم يقل ”يعزيان“‪ ،‬بل ”يعزي‬
‫قلوبكم“؛ وذلك التحاد الجوھر‪ ،‬رغم تعدد األقانيم في الالھوت‬
‫األقدس‪.‬‬

‫‪ -٧‬يوجه الرسول بولس الشكر للرب يسوع قائالً‪» :‬وأنا أشكر‬


‫المسيح يسوع ربنا‪ ،‬الذي قواني‪ ،‬أنه حسبني أمي ًنا إذ جعلني‬
‫للخدمة« )‪١‬تيموثاوس‪.(١٢ :١‬‬

‫م‬‫اس ِ‬ ‫ين بِ ْ‬ ‫م ا ْل ُ‬
‫م ْؤ ِم ِن َ‬ ‫ُم أَ ْن ُت ُ‬
‫ھذَا إِلَ ْيك ْ‬ ‫ت َ‬ ‫‪ -٨‬يقول الرسول يوحنا‪َ » :‬ك َت ْب ُ‬
‫ن‬ ‫م ا ْب ِ‬ ‫اس ِ‬ ‫ي ُت ْؤ ِم ُنوا بِ ْ‬ ‫َ‬
‫ح َيا ًة أ َب ِد ﱠي ًة‪َ ،‬ول ِ َك ْ‬ ‫ُم َ‬ ‫موا أَنﱠ لَك ْ‬ ‫ي تَ ْعلَ ُ‬‫ن ﷲِ ل ِ َك ْ‬ ‫ا ْب ِ‬
‫ب‬
‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫ً‬
‫ش ْيئا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ع ْن َد ُه‪ :‬أنﱠ ُه إِنْ طل ْب َنا َ‬ ‫َ‬
‫َة ال ِتي ل َنا ِ‬ ‫ﱠ‬ ‫ي ال ِّثق ُ‬ ‫ھ َ‬ ‫ھ ِذ ِه ِ‬ ‫ﷲِ ‪َ .‬و َ‬
‫م‬
‫ْ ُ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ا‪،‬‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫م‬
‫َْ َ ْ َ ُ َ‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ط‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ھ‬‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬
‫ﱠ ْ ُ ﱠ ُ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫نْ‬ ‫َ‬
‫شي َئ ِت َ ْ َ ُ َ َ ِ‬
‫إ‬‫و‬ ‫ا‪.‬‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫َم ِ‬
‫ھا ِم ْن ُه« )‪١‬يوحنا‪ .(١٥-١٣ :٥‬الضمير في‬ ‫ط ّ ْل َباتِ الﱠتِي طَلَ ْب َنا َ‬ ‫أَنﱠ لَ َنا ال ِ‬
‫العبارات السابقة كلھا يعود على ابن ﷲ‪ ،‬الذي ھو المسيح مما‬
‫يدل على ضرورة موافقة صلواتنا لمشيئته‪ ،‬وأنه ھو الذي يسمع‬
‫نوجه الصلوات للمسيح ابن‬ ‫ِّ‬ ‫لنا‪ ،‬وثالثا أننا نطلب منه‪ ،‬بمعنى أننا‬
‫ﷲ‪.‬‬

‫‪ُ -٩‬يختم العھد الجديد بنداء ودعاء للرب يسوع‪ ،‬إذ يقول يوحنا‬
‫الرائي بلسان كل القديسين‪» :‬آمين تعال أيھا الرب يسوع« )رؤيا‬
‫‪.(٢٠ :٢٢‬‬
‫)‪(٦‬‬
‫أھمية ھذا الحق‬
‫لقد تأكد لنا اآلن‪ ،‬بعد ھذا الذي شرحناه في الفصول السابقة من‬
‫الكتاب‪ ،‬أن المسيح قال عن نفسه بطرق متنوعة وعديدة‪ ،‬أنه ھو‬
‫ﷲ‪ .‬وإني أتذكر ھنا كلمات أحد الفالسفة المسيحيين قال ما‬
‫معناه‪ :‬إنه في ضوء تلك اإلعالنات الواضحة التي قالھا المسيح‬
‫عن نفسه‪ ،‬يستحيل أن يكون المسيح مجرد إنسان صالح‪ ،‬بل من‬
‫مح ﱠتم أن نصل إلى قناعة من ثالث‪ :‬أن تقول إنه كاذب يستحق‬ ‫ال ُ‬
‫االحتقار‪ ،‬أو مجنون يستحق الرثاء‪) ،‬وأنا أنأى بنفسي وبقارئي‬
‫تما ًما عن ھذه األقوال المھلكة(‪ ،‬وأما االفتراض الثالث‪ ،‬الذي ال‬
‫محيص عنه‪ ،‬فھو أن نؤمن بأنه ھو ﷲ الي ظھر في الجسد‪،‬‬
‫ونتعامل معه على ھذا األساس‪ ،‬بما يليق به من تقدير وإكرام‪،‬‬
‫ومن عبادة وسجود‪.‬‬

‫اعتراضات‬

‫كثيرون من الذين يرفضون اإليمان المسيحي‪ ،‬يقولون إن أمو ًرا‬


‫كالثالوث األقدس‪ ،‬وطبيعة المسيح المزدوجة )الالھوت والناسوت(‬
‫ھي فوق العقل‪.‬‬

‫عزيزي الفارئ‪ :‬ھل أنت من الذين يقولون إنھم ال يستطيعون أن‬


‫يستوعبوا كيف يكون ﷲ واح ًدا وثالثة أقانيم في آن؟ دعني‬
‫أسألك إ ًذا‪ :‬وھل تقدر أن تستوعب ﷲ في شخص واحد؟ بكلمات‬
‫أخرى إني أسألك‪ :‬ھل تقدر أن تستوعب ﷲ الذي خلق كل‬
‫األشياء‪ ،‬وبالتالي ھو قبل كل األشياء‪ ،‬أو بكلمات أخرى ھو أزلي؟‬

‫قارئي العزيز‪ :‬سيظل ﷲ فوق العقل‪ .‬قال عنه واحد من أصحاب‬


‫أيوب‪» :‬ھوذا ﷲ عظيم وال نعرفه‪ ،‬وعدد سنيه ال يفحص«‪،‬‬
‫وقال أي ً‬
‫ضا‪» :‬القدير ال ندركه« )أيوب ‪٢٦ :٣٦‬؛ ‪ .(٢٧ :٣٧‬ومن أين‬
‫لعقول محدودة أن تستوعب الالمحدود؟‬

‫ومع ذلك فإننا لسنا في حيرة وال ظالم‪ ،‬وال نحن ‪ -‬مثل الوثنيين –‬
‫نتعبد ”إلله مجھول“ )أعمال‪ .(٢٣ :١٧‬لقد أعطانا ﷲ كلمته‬
‫الصالحة التي عرفتنا من ھو ﷲ‪ ،‬ويمكننا أن نقول له‪ ،‬مع عبد‬
‫الرب داود‪» :‬بنورك نرى نو ًرا« )مزمور‪.(٩ :٣٦‬‬

‫ويعترض آخرون على اإليمان المسيحي قائلين‪ :‬إنه يستحيل أن‬


‫ﷲ ُيصلب‪ ،‬فا§ روح‪ .‬أو يقولون‪ :‬كيف لإلله أن يتألم ويعاني‬
‫ويموت؟ ونحن نجيبھم بالقول‪ :‬نعم ھذا كله مستحيل بالفعل‪،‬‬
‫ولھذا كان ينبغي أن يتجسد ھذا اإلله‪ ،‬لكي يعاني ويتألم ويموت!‬
‫وآخرون يقولون إنه من غير المعقول وال المقبول أن ﷲ يولد‪ .‬كما‬
‫دم ﷲ نفسه لنفسه‪ .‬ونحن نقول إن‬ ‫أنه من غير الممكن أن يق ِّ‬
‫ھذا االعتراضات تتجاھل حقيقة األقانيم‪ ،‬وحقيقة التجسد‪ ،‬وأن‬
‫االبن ھو الذي مات‪ ،‬عندما َق ِبل أن يتخذ لنفسه جس ًدا‪.‬‬

‫لھذا فإننا سنتحدث في ھذا الفصل عن معنى كل ذلك‪ ،‬وضرورته‪.‬‬


‫لكن دعني أشاركك أوال ً ببعض األفكار‪ .‬فلقد م ﱠيز ﷲ اإلنسان‬
‫بالعقل‪ .‬وبقدر ما ھذه الميزة عظيمة‪ ،‬بھذا القدر سوف يحاسبه‬
‫ضا إرادة حرة‪ .‬لقد أعطى ﷲ‬ ‫ﷲ إن لم يستعملھا‪ .‬ولقد أعطاه أي ً‬
‫رئيسا‬
‫ً‬ ‫قبسا من سلطانه‪ ،‬وسمح أن يكون الواحد‬ ‫ً‬ ‫خليقته‬
‫لنفسه‪ ،‬وأن يقرر بنفسه ولنفسه أي اتجاه يختار‪ ،‬وإلى‬
‫أي مصير ينتھي‪.‬‬

‫ونظ ًرا لبركة العقل واالختيار الحر‪ ،‬فإن اإلنسان إن شاء أن يرفض‬
‫الكتاب المقدس والتعاليم اإللھية التي يحويھا‪ ،‬فھو حر في ذلك‪،‬‬
‫وأما إن قبل تعليم الكتاب المقدس‪ ،‬فإنه من المستحيل – كما‬
‫أوضحنا في ھذا الكتاب ‪ -‬التملص من اإلقرار بأن يسوع الكتاب‬
‫المقدس ھو ﷲ‪ .‬نعم ھو ﷲ الذي ظھر في الجسد‪ .‬إن اإليمان‬
‫بالھوت المسيح – كما رأينا ونحن ندرس جانبًا من ھذا الموضوع‬
‫العظيم ‪ -‬ھو في صلب نسيج الكتاب المقدس‪ ،‬في لحمته‬
‫وسداه‪ .‬بل إننا إذا نزعنا من المسيحية الھوت المسيح‪ ،‬ال يبقى‬
‫منھا شيء‪ .‬ثم كيف يمكن أن يكون لموت إنسان واحد كل ھذا‬
‫التأثير على جميع الناس‪ ،‬وھو األمر الذي نحسه وندركه ممن‬
‫ضا ُمعلَن في كل أجزاء العھد الجديد‪.‬‬
‫حولنا‪ ،‬كما أنه أي ً‬

‫لماذا تجسد ابن ﷲ؟‬

‫واآلن دعنا من كلمة ﷲ نبحث عن السبب الذي جعل ابن ﷲ‬


‫يأتي أوال ً في صورة االتضاع؟‬

‫كان أمام المسيح العديد من األغراض ليقوم بالتجسد‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬حنين اإلنسان للتواصل مع ﷲ‪ ،‬ورغبة ﷲ في‬


‫التواصل مع اإلنسان‪.‬‬

‫كانت البشرية تحن حنينا جار ًفا للتواصل مع ﷲ‪ ،‬فلقد خلقنا ﷲ‬


‫على صورته كشبھه‪ ،‬وبلغة أحد الفالسفة األقدمين‪ :‬لن يمكن‬
‫للنفس أن تجد راحتھا حتى تلتقي با§‪ .‬ولكن باألسف كان ھذا‬
‫مستحيال ً على البشر بعد السقوط‪ .‬ولقد استغل الشيطان ھذا‬
‫الحنين في قلب اإلنسان‪ ،‬وانحرف به لينشر الوثنية في العالم‪.‬‬
‫لقد كان البشر في ذلك مثل ابن تائه ال يعرف لنفسه أب‪ ،‬وكان‬
‫يشتاق لمعرفة من ھو أبوه‪.‬‬

‫ونحن نستمع إلى ھذا الحنين من كثير من رجال ﷲ في العھد‬


‫القديم‪ .‬فمثال ً قال أيوب الصديق في سفر أيوب‪٨ :٢٣‬و‪» ٩‬ھأنذا‬
‫أذھب شر ًقا فليس ھو ھناك‪ ،‬وغر ًبا فال أشعر به‪ ،‬شماال ً حيث‬
‫عمله فال أنظره‪ ،‬يتعطف الجنوب فال أراه«‪ .‬كما تجاسر موسى‬
‫النبي يو ًما وقال §‪» :‬أرني مجدك! فقال له الرب ال تقدر أن ترى‬
‫وجھي ألن اإلنسان ال يراني ويعيش« )خروج‪ .(٢٠-١٨ :٣٣‬بل‬
‫عبر عن ھذه األمنية العزيزة واحد من‬ ‫حتى في العھد الجديد ﱠ‬
‫تالميذ المسيح إذ قال له‪» :‬أرنا اآلب وكفانا« )يوحنا‪ .(٨ :١٤‬الحظ‬
‫قوله ”أرنا“ وليس ”أرني“‪ ،‬فلقد كان بھذه الطلبة يعبر عن رأي‬
‫اآلخرين من التالميذ أي ً‬
‫ضا‪.‬‬

‫ومن كان بوسعه أن يعلن ﷲ لنا سوى أقنوم ”الكلمة“‪ ،‬أعني‬


‫المسيح ابن ﷲ‪ .‬فكما أن الكلمة ھي التعبير عن الشخص‪ ،‬ھكذا‬
‫كلمة ﷲ تعبر عن ﷲ‪ .‬ولذلك قال الرسول يوحنا‪ :‬ﷲ لم يره أحد‬
‫قط‪ .‬االبن الوحيد الذي ھو في حضن اآلب ھو خبر« )يوحنا‪.(١٨ :١‬‬
‫إ ًذا فلقد كان غرض التجسد األول ھو أن يعلن للناس الذات اإللھية‬
‫بكيفية يمكن للذھن أن يستوعبھا‪ ،‬والعقل أن يفھمھا‪ ،‬والقلب أن‬
‫يعبدھا‬

‫قريبا منا‪ ،‬ويشاركنا ظروفنا‬


‫ُ‬ ‫ثان ًيا‪ :‬ليكون‬

‫أعلن ﷲ من القديم إنه غير منفصل عن شعبه‪ .‬فقال مثال ً إنه‬


‫»في كل ضيقھم تضايق‪ ،‬ومالك حضرته خلصھم« )إشعياء ‪:٦٣‬‬
‫‪ .(٩‬لكن كيف يمكن لإلنسان أن يفھم ھذا؟ كيف يفھم اإلنسان‬
‫أن ﷲ المنزه عن الشعور باأللم‪ ،‬يمكنه ح ًقا أن يشعر بآالم‬
‫البشرية؟ أ ليس ھو منفصال ً عنا في برجه‪ ،‬بعي ًدا بعي ًدا في‬
‫سماه؟ لكن ھذه الحيرة انتھت‪ ،‬وھذا السؤال أجيب عنه‪ ،‬عندما‬
‫أتانا »عمانوئيل الذي تفسيره ﷲ معنا« )متى ‪ ،(٢٣ :١‬ووصل إلى‬
‫مركز بؤسنا نفسه‪ .‬يقول كاتب العبرانيين عن المسيح‪» :‬من ثم‬
‫ما ورئيس‬ ‫كان ينبغي أن يشبه إخوته في كل شيء‪ ،‬ليكون رحي ً‬
‫كھنة أمي ًنا‪ .‬ويقول أيضا‪» :‬في ما ھو قد تألم مجر ًبا‪ ،‬يقدر أن يعين‬
‫المجربين« )عبرانيين‪١٧ :٢‬و ‪.(١٨‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬أن يكون الوسيط بين ﷲ والناس‬

‫صرخ أيوب قائالً‪» :‬ليس بيننا مصالح يضع يده على كلينا« )أيوب‬
‫‪ .(٣٣ :٩‬وأين نجد ذلك الوسيط العظيم الذي يمكن أن يضع يده‬
‫على كل من ﷲ والناس في آن‪ .‬ھل مالئكة السماء يصلحون ألن‬
‫يفعلوا ذلك؟ ھل الكروبيم أو السرافيم يصلحون لھذا العمل؟ أ‬
‫يمكن للكروب أو للسراف أن يضع يده في يد ﷲ؟ ماذا نقرأ عن‬
‫”سرافيم“ إشعياء ‪٦‬؟ إنھم ال يقدرون أن ينظروا وجه ﷲ‪ ،‬وال أن‬
‫ُي َروا منه! إنھم عبيده‪ ،‬وھو خلقھم‪ ،‬فكيف يمكنھم أن يضعوا‬
‫أيديھم في يده تعالى؟ كنا نحتاج إ ًذا إلى شخص يكون ن ًدا §‪،‬‬
‫ويكون ن ًدا للبشر‪ ،‬ليمكنه أن يقوم بعمل الوسيط بين ﷲ والناس‪،‬‬
‫فيضع يده على كل من ﷲ واإلنسان‪ .‬ولم يوجد في كل الكون من‬
‫يقدر أن يفعل ھذا سوى المسيح‪ ،‬وذلك نظ ًرا التحاد الھوته‬
‫بناسوته‪.‬‬

‫قال عنه الرسول‪» :‬فيه يحل كل ملء الالھوت جسد ًيا«‬


‫)كولوسي‪ .(٩ :٢‬فھو له جسد‪ ،‬ألنه َق ِبل أن يصير إنسانًا‪ ،‬لكن في‬
‫ھذا الناسوت القدوس يحل كل ملء الالھوت!‬

‫لكن توسط المسيح استلزم منه أن يقوم بعمل الفداء‪ ،‬فبعد أن‬
‫قال الرسول‪» :‬ألنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين ﷲ والناس‪،‬‬
‫اإلنسان يسوع المسيح«‪ ،‬استطرد قائالً‪» :‬الذي بذل نفسه فدية‬
‫ألجل الجميع« )تيموثاوس األولى‪ ،(٦ ،٥ :٢‬وھو ما سنتحدث عنه‬
‫اآلن‬

‫راب ً‬
‫عا‪ :‬أن يقوم بعمل الفداء‪.‬‬

‫إن القصد األھم لتجسد المسيح ھو أن يقوم بعمل الفداء‪ .‬قال‬


‫الرسول‪» :‬إذ قد تشارك األوالد في اللحم والدم اشترك ھو أيضاً‬
‫كذلك فيھماـ لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي‬
‫إبليس‪ ،‬ويعتق أولئك الذين خو ًفا من الموت كانوا جميعًا كل‬
‫حياتھم تحت العبودية« )عبرانيين ‪١٤ :٢‬و‪.(١٥‬‬

‫لو لم يصبح المسيح إنسانًا الستحال عليه أن يموت‪ ،‬فا§ له‬


‫وحده عدم الموت‪ ،‬والستحال أن يمثل اإلنسان أمام عدالة ﷲ‪ .‬ثم‬
‫لو أنه كان مجرد إنسان لما كانت فديته مقبولة وال كافية‪ .‬ليست‬
‫مقبولة ألن نفسه في تلك الحالة ال تكون ملكه ھو‪ ،‬بل ملك ﷲ‬
‫الذي خلقھا‪ ،‬وبالتالي ال يصلح أن يقدمھا §‪ .‬وال تكون كافية ألن‬
‫اإلنسان محدود‪ ،‬وأما الخطأ الذي ارتكب في حق ﷲ ‪ -‬غير‬
‫ضا غير محدود‪ .‬ولكن نظ ًرا ألن المسيح ھو ﷲ‬ ‫المحدود ‪ -‬ھو أي ً‬
‫واإلنسان في آن‪ ،‬أمكنه – كما رأينا اآلن ‪ -‬أن يكون الوسيط‪،‬‬
‫وأمكنه أن يكفر بموته عن خطايا كل المؤمنين‪ ،‬بل وكل العالم أي ً‬
‫ضا‬
‫)‪١‬يوحنا‪ .(٢ :٢‬وھو ما سنركز عليه حديثنا اآلن‪.‬‬

‫المسيح الذبيح‬

‫لقد عرف اإلنسان منذ القديم أن طريق االقتراب إلى ﷲ ھو‬


‫بالذبيحة‪ .‬والكتاب المقدس يعلن ذلك بد ًءا من السقوط في الجنة‪،‬‬
‫عندما كسا الرب اإلله آدم وامرأته أقمصة من جلد ذبيحة )تكوين‬
‫‪ .(٣‬ثم مورس تقديم الذبائح بمجرد خروج اإلنسان من الجنة‪ ،‬في‬
‫قصة أول أخوين نقرأ عنھما في الكتاب المقدس‪ ،‬ھما قايين‬
‫وھابيل )تكوين ‪.(٤‬‬
‫صحيح انحرف الشيطان بھذا الفكر وشوھه‪ ،‬كما ھي عادته‪ ،‬ولكن‬
‫انتشاره في كل الوثنيات بل وفي أقدم ديانة وھي اليھودية‪ ،‬يؤكد‬
‫أن مصدره إلھي‪ .‬ونحن نتذكر قصة إبراھيم الشھيرة مع ابنه‪،‬‬
‫وكيف افتدى الرب ھذا االبن بالذبيحة‪ ،‬وكان ھذا العمل تأكي ًدا‬
‫لفكرة الكفارة في الذبيحة‪ ،‬باعتباره الطريق الذي ارتآه ﷲ بما‬
‫يتناسب مع قداسته وعدله‪.‬‬

‫ويجب أن نالحظ ھذا جي ًدا أن الذبائح الحيوانية التي مورست في‬


‫العھد القديم لم يكن لھا في ذاتھا أية قيمة تكفيرية‪ ،‬فكيف يمكن‬
‫للبھائم التي ُتباد‪ ،‬والتي ليس لھا أرواح خالدة‪ ،‬أن تفدي اإلنسان‬
‫الخالد من الموت األبدي؟ لھذا ترد كلمات الرسول القاطعة‪» :‬ال‬
‫يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع خطايا« )عبرانيين‪.(٤ :١٠‬‬

‫لكن إذا لم يكن لتلك الذبائح الحيوانية ‪ -‬في ذاتھا ‪ -‬أية قيمة‬
‫تكفيرية عن مقدميھا‪ ،‬فليس معنى ذلك أنه لم يكن لھا أية قيمة‬
‫دمھا باإليمان )عبرانيين‪،(٤ :١١‬‬ ‫على اإلطالق‪ .‬فھي بررت من ق ّ‬
‫وذلك لقيمتھا الرمزية‪ ،‬إذ كانت تشير إلى ذبيحة المسيح المعروف‬
‫سابقاً قبل تأسيس العالم )‪١‬بطرس‪ .(١٨ :١‬ومن ھذه الزاوية‬
‫فإنھا كانت تشبه إلى حد ما بطاقات االئتمان التي نتعامل بھا‬
‫اليوم‪ .‬إن القيمة الحقيقية لھذه البطاقات ليس في قطعة‬
‫البالستيك المصنوعة منھا‪ ،‬بل لما لھا من رصيد نقدي في البنك‬
‫الذي أصدر تلك البطاقة‪ .‬ھكذا كانت تلك الذبائح مقبولة عند ﷲ‬
‫ألن لھا رصي ًدا في دم المسيح‪ ،‬الذي وإن لم يكن قد مات بعد‪،‬‬
‫لكن ﷲ ليس عنده ماضٍ وحاضر ومستقبل نظير البشر‪ ،‬فھو يرى‬
‫ما لم يحدث كأنه حدث‪ ،‬بل يرى النھاية من البداية‪.‬‬

‫إ ًذا فلم تكن كل ذبائح العھد القديم التي قدمت‪ ،‬سوى رمز باھت‬
‫لذبيحة ربنا يسوع المسيح العظمى‪ .‬وما إن ولد المسيح في ملء‬
‫الزمان‪ ،‬ثم خرج للخدمة‪ ،‬فإن يوحنا المعمدان أشار إليه بالقول‪:‬‬
‫»ھوذا حمل ﷲ الذي يرفع خطية العالم« )يوحنا‪.(٢٩ :١‬‬

‫الفادي الذي يصلح للفداء‬

‫نرى من ھو الفادي الذي يصلح لفداء اإلنسان؟‬

‫‪ -١‬ھل تنفع ذبيحة حيوانية؟ إذا كانت الكفارة تعني الستر‬


‫والغطاء‪ ،‬فال يصلح أن تكون الذبيحة أقل في قيمتھا من قيمة‬
‫اإلنسان ليمكنھا أن تك ِ ّفر عنه‪ ،‬أي تغطيه وتستره‪ .‬وعليه فال تنفع‬
‫ذبيحة حيوانية )عبرانيين‪.(٣ :١٠‬‬

‫‪ -٢‬ھل ينفع إنسان عادي؟ يجب أن يكون الفادي خال ًيا من‬
‫الخطية‪ .‬فلو كان خاط ًئا‪ ،‬الحتاج ھو نفسه لمن يك ِ ّفر عنه وما َ‬
‫صلُح‬
‫لكي يفدي غيره‪ .‬وعليه فإن اإلنسان العادي‪ ،‬نظراً ألنه مليء‬
‫بالعيوب‪ ،‬ال يصلح لكي يك ِ ّفر عن البشر‪.‬‬

‫‪ -٣‬ھل ينفع إنسان بار؟ مع أن كل البشر خطاة‪ ،‬وليس بار‬


‫وال واحد )رومية‪ .(١٠ :٣‬لكن على فرض وجود الشخص البار فإنه‬
‫ال يصلح أن يفدي‪ .‬ألن ھذا الفادي مطلوب منه أن يفدي ال إنسانًا‬
‫واح ًدا بل كثيرين‪ ،‬وبالتالي المطلوب أن تكون قيمته أكبر من ھؤالء‬
‫جميعھم معًا‪.‬‬

‫قا سماويًا عظيمًا؟ ھب‬ ‫كا أو مخلو ً‬ ‫‪ -٤‬ھل ينفع أن يكون مال ً‬
‫ما‪ ،‬خال ًيا من الخطية‪ ،‬وقيمته أكبر‬‫أننا وجدنا مخلو ًقا سماويًا عظي ً‬
‫ضا ما كان يصلح ليفدي البشر‪ ،‬ذلك ألن‬ ‫من قيمة الناس‪ ،‬فإنه أي ً‬
‫نفسه ليست ملكه ھو‪ ،‬بل ملك ﷲ خالقھا‪ ،‬وبالتالي فال يصح أن‬
‫يقدم § شي ًئا ھو ملك ﷲ أصالً‪.‬‬ ‫ِّ‬

‫ومع ذلك فإنه ينبغي ويتحتم أن يكون الفادي إنسانًا لكي يمكنه‬
‫أن ُيم ِّثل اإلنسان أمام ﷲ‪ .‬فيا لھا من معضلة!‬

‫من أين لنا بمثل ھذا الشخص العجيب الذي يجمع كل ھذه‬
‫ل من الخطية‪ ،‬غير مخلوق‪ ،‬وقيمته‬
‫المواصفات معًا‪ :‬إنسان‪ ،‬وخا ٍ‬
‫أكبر من كل البشر مجتمعين!!‬

‫أحجية وحلھا‬

‫لكن إن لم يكن عندنا نحن البشر حل لتلك األحجية‪ ،‬أفال يوجد‬


‫عند ﷲ حل؟ وإذا كانت قد غلقت على البشر إلى الدھر‬
‫ضا على ﷲ؟ )راجع‬ ‫)مزمور‪ ،(٨ :٤٩‬فھل استغلقت أي ً‬
‫مزمور‪ .(٢٠ :٦٨‬لما تساءل القديسون األقدمون‪» :‬كيف يتبرر‬
‫اإلنسان عند ﷲ‪ ،‬وكيف يزكو مولود المرأة؟« )أيوب‪٣ ،٢ :٩‬؛‬
‫‪ ،(٤ :٢٥‬ولما لم يعرفوا حال ً لھذه األحجية‪ ،‬تقدم أليھو ‪ -‬وھو واحد‬
‫من أصحاب أيوب ‪ -‬بھذا اإلعالن العجيب‪» :‬إن ُوجد عنده )عند ﷲ(‬
‫مرسل‪ ،‬وسيط‪ ،‬واحد من ألف ليعلن لإلنسان استقامته )أي‬
‫استقامة ﷲ أو بر ﷲ(‪ ،‬يتراءف عليه ويقول‪ :‬أُطلقه عن الھبوط‬
‫وجدت فدية« )أيوب‪ ،(٢٤ ،٢٣ :٣٣‬وكأن أليھو يريد‬
‫ُ‬ ‫إلى الحفرة‪ .‬قد‬
‫أن يقول‪” :‬لو أن ﷲ قصد أن يرتب للبشر من يفديھم‪،‬‬
‫وأرسله من عنده‪ ،‬عندئذ فقط يمكن حل األحجية“‪.‬‬

‫فھل ُوجد مثل ھذا الشخص عند ﷲ؟ نعم‪ ،‬يقول الرسول‪:‬‬


‫»عالمين أنكم أفتديتم«‪ ،‬ثم يذكر لنا من ھو الفادي‪» :‬المسيح‪،‬‬
‫معرو ًفا ساب ًقا قبل تأسيس العالم« )‪١‬بطرس‪.(٢٠ ،١٩ :١‬‬

‫مصالِح أمكنه أن يضع يده على ﷲ والناس في آن واحد‪،‬‬


‫إن ھذا ال ُ‬
‫وذلك ألنه معادل § ومعادل أي ً‬
‫ضا للناس‪.‬‬

‫لو لم يكن ھو اإلنسان لما أمكنه أن يكون نائبًا عن البشر‪ ،‬يحمل‬


‫خطاياھم ويحتمل دينونتھا بالنيابة عنھم‪ .‬ولو لم يكن ھو ﷲ‪ ،‬أو‬
‫كان ھو أقل‪ ،‬ولو قيد شعرة من اآلب‪ ،‬لما أمكنه قط أن يوفي ﷲ‬
‫كل حقوقه‪.‬‬

‫ل أن يموت فوق الصليب نيابة عن‬ ‫إ ًذا فلقد تجسد ابن ﷲ‪ ،‬و َق ِب َ‬
‫أساسا با ًرا وعادال ً لتبرير‬
‫ً‬ ‫الخطاة‪ ،‬ليمكن § القدوس أن يقدم‬
‫المذنب األثيم‪ .‬ھذا المذنب األثيم ليس أح ًدا آخر بخالفنا‪ ،‬أنا‬
‫وأنت‪ ،‬أيھا القارئ العزيز!‬

‫لقد سبق الرب وأعلن لموسى قائالً‪» :‬الرب إله رحيم ورؤوف‪،‬‬
‫بطيء الغضب‪ ،‬وكثير اإلحسان والوفاء‪ .‬حافظ اإلحسان إلى ألوف‪،‬‬
‫غافر اإلثم والمعصية والخطية‪ ،‬ولكنه لن يبرئ إبراء« )خروج‪٦ :٣٤‬و‬
‫‪ .(٧‬وھذه العبارة تدل على أن غفران ﷲ للبشر ال يمكن أن يكون‬
‫من دون أساس‪ ،‬فھذا األمر يتعارض مع عدل ﷲ‪ ،‬وليس بقبول‬
‫الخاطئ على حاله‪ ،‬فھذا األمر يتعارض مع قداسة ﷲ!‬

‫إن قداسة ﷲ تعتبر الخطية نجاسة يجب تغطيتھا من أمام عيني‬


‫ﷲ‪ .‬كما أن بر ﷲ يعتبر الخطية تعد ًيا‪ ،‬وكل تعد يجب أن ينال‬
‫مجازاة عادلة )عبرانيين‪ ،(٢ :٢‬وبھذا يجب أن تتم ترضية عن‬
‫التعدي الذي حدث‪ .‬وھذا ھو المدلول المزدوج للكفارة‪“ :‬تغطية‬
‫وترضية”‪ ،‬تغطية من أمام عيني ﷲ نظرًا لقداسة طبيعته‪،‬‬
‫وترضية لغضبه العادل نظرًا لبره‪.‬‬

‫ج ِّنبًا عن ﷲ‬
‫وشره‪ ،‬مت َ‬
‫ِّ‬ ‫ولألسف‪ ،‬كان اإلنسان نتيجة سقوطه‬
‫بسبب ضمير الخطايا الذي كان يشعره بالرعب من ﷲ )عبرانيين‬
‫‪ ،(٢٢ ،٢ :١٠‬وﷲ كان متجن ًبا عن اإلنسان بسبب الغضب‪ ،‬غضب‬
‫ﷲ على جميع فجور الناس وإثمھم )رومية‪ .(١٨ :١‬وموت المسيح‬
‫الكفاري والنيابي رفع الخطايا وسكﱠن الغضب‪ ،‬فأصبح بإمكان ﷲ‬
‫أن يتقابل مع اإلنسان الخاطئ‪ .‬في كلمات أخرى‪ ،‬فإنه بناء على‬
‫كفارة المسيح أمكن § أن ينظر إلى اإلنسان بدون غضب‪ ،‬وأمكن‬
‫لإلنسان أن ينظر إلى ﷲ بدون خوف‪ .‬إذ إن الخطية تغطت‪ ،‬وﷲ‬
‫ترضى‪ !.‬أ يوجد خبر أروع من ھذا!‬

‫ولقد تك ﱠفل ﷲ بالعمل كله‪ .‬فإن كان بر ﷲ وقداسته استلزما‬


‫الكفارة‪ ،‬فإن محبة ﷲ ونعمته جھزتاھا‪ .‬وكما أن قداسة‬
‫ﷲ جعلت الصليب حتم ًيا‪ ،‬فإن محبة ﷲ ھي التي جعلته‬
‫ممكنًا‪.‬‬

‫غفران ﷲ وفداؤه‬

‫لقد أعلن الكتاب المقدس مرات عديدة في كل من العھدين‬


‫القديم والجديد أن ﷲ غفور‪ .‬فباإلضافة إلى كلمات الرب لموسى‬
‫التي أشرنا إليھا منذ قليل‪» :‬الرب إله رحيم ورؤوف‪ ،‬بطيء‬
‫الغضب‪ ،‬وكثير اإلحسان والوفاء‪ .‬حافظ اإلحسان إلى ألوف‪ ،‬غافر‬
‫اإلثم والمعصية والخطية‪ ،‬ولكنه لن يبرئ إبراء« )خروج‪٦ :٣٤‬و ‪.(٧‬‬

‫نقرأ كلمات داود‪» :‬باركي يا نفسي الرب‪ ..‬الذي يغفر جميع‬


‫ذنوبك« )مزمور‪ ،( :١٠٣‬وأي ً‬
‫ضا »إن كنت تراقب اآلثان يا رب يا‬
‫سيد‪ ،‬فمن يقف؟ ألن عندك المغفرة لكي ُيخاف منك«‬
‫)مزمور‪٣ :١٣٠‬و ‪.(٤‬‬

‫ويقول الرب على لسان إشعياء النبي‪» :‬أنا أنا ھو الماحي‬


‫ذنوبك من أجل نفسي‪ ،‬وخطاياك ال أذكرھا« )إشعياء‪.(٢٥ :٤٣‬‬

‫كما يقول أيضا على لسان إرميا النبي‪» :‬يقول الرب‪ ..‬أني أصفح‬
‫عن إثمھم‪ ،‬وال أذكر خطيتھم بعد« )إرميا‪.(٣٤ :٣١‬‬
‫وفي نبوة ميخا يناجي النبي ربه بالقول‪» :‬من ھو إله مثلك غافر‬
‫اإلثم وصافح عن الذنب« )ميخا‪.(١٨ :٧‬‬

‫وكما غفر ﷲ في العھد القديم‪ ،‬فقد غفر المسيح الخطايا في‬


‫العھد الجديد‪ ،‬مما يؤكد أنه ھو ﷲ كما تحدثنا قبل ذلك بأكثر‬
‫تفصيل‪ .‬لقد قدم المسيح غفرانه المرأة كانت معروفة بخطيتھا‬
‫في المدينة )لوقا‪ ،(٤٨ :٧‬كما غفر للرجل المفلوج الذي قدموه‬
‫إليه لكي يشفيه )متى‪ .(٢ :٩‬ولكنه لما كان على الصليب لم يقل‬
‫للخطاة الذين صلبوه‪” :‬مغفورة لكم خطاياكم“‪ ،‬بل قال‪» :‬يا أبتاه‬
‫اغفر لھم ألنھم ال يعلمون ماذا يفعلون«‪.‬‬

‫والسؤال الذي يفرض نفسه‪ :‬لماذا لما كان على األرض قدم‬
‫الغفران للخطاة‪ ،‬ولم يعمل الشيء ذاته وھو فوق الصليب؟‬

‫واإلجابة البسيطة على ذلك‪ :‬إن المسيح في حياته‪َ ،‬ق ﱠدم غفرانًا‬
‫للخطايا‪ ،‬كما لو كانت الخطايا موجھة إليه ھو؟ وقال ”مغفورة لك‬
‫خطاياك“ باعتبار أن في سلطانه أن يفعل ذلك‪ .‬ونحن حقا بوسعنا‬
‫أن نغفر الخطايا التي يرتكبھا الناس في حقنا‪ ،‬ولكن ال يستطيع‬
‫أحد بحال من األحوال أن يغفر الخطايا المرتكبة ضد ﷲ غير ﷲ‪.‬‬
‫فغفران المسيح إ ًذا لخطايا الخطاة‪ ،‬لھو دليل أكيد على أن‬
‫المسيح ھو ﷲ‪ .‬ولقد قال الرسول بطرس عنه‪» :‬له يشھد جميع‬
‫األنبياء أن كل من يؤمن به‪ ،‬ينال باسمه غفران الخطايا« )أعمال‬
‫‪.(٤٣ :١٠‬‬

‫وأما عندما كان المسيح فوق الصليب فقد كان يدفع ثمن جرمنا‪.‬‬
‫ولذا فإنه لم يقل أنا أغفر لكم‪ ،‬فھو كان ھناك يدفع الغرم وليس‬
‫يغفره‪ .‬أو بكلمات أخرى كأنه قال §‪ :‬اغفر لھم وأنا على أتم‬
‫استعداد أن أدفع الحساب‪ .‬وفي ھذا قال النبي في العھد القديم‪:‬‬
‫»وھو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين« )إشعياء ‪:٥٣‬‬
‫‪ .(١٢‬والحقيقة إنه لو لم يحمل خطية الكثيرين‪ ،‬لما أمكنه أن يغفر‬
‫خطايا الخطاة على أساس عادل‪ .‬وفي ھذا يتفق تعليم العھد‬
‫ضا إذ يقول عن المسيح‪» :‬إن أخطأ أحد فلنا شفيع عند‬ ‫الجديد أي ً‬
‫اآلب يسوع المسيح البار‪ .‬وھو كفارة لخطايانا ليس لخطايانا فقط‬
‫بل لخطايا كل العالم أيضا« )‪١‬يوحنا‪.(٢ :٢‬‬
‫الكتاب إ ً‬
‫ذا يعلن لنا أن غفران ﷲ ليس بغير أساس‪ ،‬بل‬
‫أساسه في تلك الكفارة العظمى التي قدمھا المسيح‬
‫على الصليب‪.‬‬

‫إ ًذا فكيف أمكن للمسيح أن يغفر الخطايا لما كان ھنا على‬
‫األرض؟ كيف أمكن للمسيح أن يحل ھؤالء األشخاص من‬
‫خطاياھم ودينھا الرھيب؟ اإلجابة أنه مضى إلى الجلجثة ودفع‬
‫عقوبة خطايانا عندما مات ألجلنا‪.‬‬

‫منطقية ھذا الفكر‬

‫إن كان ﷲ في البداية قد طرد آدم من الجنة نتيجة لخطية واحدة‬


‫أخطأ بھا ضد ﷲ‪ ،‬وإن كان كل نسله قد ُولدوا خارج الجنة في‬
‫مكان البعد عن ﷲ‪ ،‬فكيف يمكن § أن يعيد اإلنسان ثانية إلى‬
‫حماه؟ فإنه لو كان ﷲ مستعدًا للتنازل عن حقوقه‪ ،‬ما‬
‫الذي جعله من البداية يطرد آدم‪ ،‬إذا كان سيعود فيقبله‬
‫ويقبل نسله مرة ثانية إليه‪ ،‬دون الكفارة الالزمة؟‬

‫لكن الوحي اإللھي يقدم لنا اإلجابة السديدة عندما يقول‪» :‬إن‬
‫المسيح تألم مرة واحدة من أجل الخطايا‪ ،‬البار من أجل األثمة‪،‬‬
‫لكي يقربنا إلى ﷲ« )‪١‬بطرس‪ .(١٨ :٣‬فبالخطية تم طرد اإلنسان‬
‫من محضر ﷲ‪ ،‬وبالكفارة تتم إعادته من جديد‪.‬‬

‫وفكرة الموت النيابي‪ ،‬أو موت كائن بديال ً عن كائن آخر‪ ،‬ھي فكرة‬
‫محفورة بعمق في أعماق التاريخ المقدس القديم‪ .‬ولعل أوضح‬
‫إشارة إليھا ھي ما ورد في سفر التكوين ‪ ،٢٢‬عندما طلب ﷲ من‬
‫إبراھيم أن يقدم ابنه الذي يحبه‪ ،‬فنحن نعرف كيف أن ابن إبراھيم‬
‫يمت‪ ،‬إذ افتداه ﷲ من الموت‪ ،‬وكانت الفدية بذبح عظيم!‬ ‫لم ُ‬

‫قال أحد األفاضل‪” :‬ال يدرك كثير من الناس أنه حينما يوجد غفران‬
‫يوجد ثمن ُيدفع‪ .‬ولنفرض مثال ً أن ابنتي كسرت مصبا ً‬
‫حا‪ .‬فإني‬
‫بذراعي‬
‫َ‬ ‫كأب محب ومسامح‪ ،‬أجلسھا على ركبتي وأطوقھا‬
‫الحنان‪ ،‬وأقول لھا ال تبكي يا حبيبتي‪ ،‬فأبوك يحبك ويغفر لك‪.‬‬
‫وحين يسمع الشخص الذي أقص عليه ھذا المثل يقول لي‪ :‬ھذا‬
‫ما يتوجب على ﷲ ببساطة أن يفعله معنا عندما نخطئ‪ .‬وعندھا‬
‫أسأل‪ :‬ومن سيدفع ثمن المصباح المكسور؟ حقيقة األمر‬
‫أني أنا الذي سأدفعه‪.‬‬

‫ما ثمن للغفران‪ .‬ولنقل مثال إن أحدھم أھانك أمام‬


‫ھنالك دائ ً‬
‫اآلخرين وأنك سامحته‪ ،‬من يدفع ثمن اإلھانة؟ أنت‪.‬‬

‫ھذا ما فعله ﷲ‪ .‬لقد سامحنا ﷲ‪ ،‬لكنه دفع ھو ثمن مسامحته‬


‫لنا من خالل الصليب‪.‬‬

‫لذا كان يتحتم على ابن ﷲ أن يظھر في الجسد‪ .‬وبموته‬


‫الكفاري فوق الصليب أمكن _ أن يغفر الخطايا‪.‬‬

‫قصتان‬

‫قصة من مصر‪ ،‬واألخرى من أمريكا‪.‬‬

‫نبدأ بالقصة األولى من مصر‬

‫ذكرت ھذه القصة إحدى المجالت األسبوعية‪ ،‬عن امرأة أرملة‬


‫رقيقة الحال‪ ،‬من إحدى محافظات الوجه القبلي في مصر‪ ،‬ترعى‬
‫ابنھا الوحيد‪ ،‬عجزت عن تسديد إيجار الشقة‪ .‬ورفع عليھا مالك‬
‫العقار قضية طرد‪ .‬ومثلت المرأة أمام القاضي‪ ،‬دون محام‪ ،‬فھي ال‬
‫تملك أن تقيم من يدافع عنھا‪ .‬وأقرت بأنھا تأخرت عن سداد‬
‫اإليجار وعزت ذلك إلى فقرھا الشديد‪ ،‬قالت ذلك والدموع تنھمر‬
‫من عينيھا‪ .‬ولم يملك القاضي سوى أن يصدر أم ًرا بطردھا من‬
‫العقار كما يقول القانون الذي ھو يمثله‪.‬‬

‫لكنه عندما ذھب إلى بيته لم يستطع أن ينام وال أن يھدأ له بال‪.‬‬
‫لقد كان في المحكمة يمثل القانون‪ ،‬ولكن في بيته تغلبت عليه‬
‫نوازعه اإلنسانية‪ ،‬فماذا يفعل؟ إنه ال يستطيع أن يوقف الحكم‬
‫القانوني العادل الذي أصدره على المرأة‪ ،‬وال يملك أن يتجاھل‬
‫دموع تلك المرأة البائسة‪ .‬وقبل وصول الشرطة لتنفيذ الحكم ضد‬
‫المرأة وابنھا‪ ،‬كان سبقھم ھو ومعه عقد تمليك لشقة متواضعة‬
‫اشتراھا بماله ھو‪ ،‬وأھذاھا للمرأة المعدمة‪ ،‬لكي تكمل بقية‬
‫عمرھا فيه‪.‬‬

‫والقصة الثانية التي من أمريكا قصھا الكاتب المسيحي المعروف‬


‫”جوش ماكدويل“ قال‪:‬‬

‫قامت شرطة المرور بإيقاف سيارة تقودھا شابة‪ ،‬بسبب سرعتھا‬


‫الزائدة‪ .‬حررت لھا الشرطة مخالفة سير‪ ،‬واستدعيت الفتاة‬
‫للمثول أمام القاضي‪ .‬تال القاضي أمامھا الئحة االتھام‪ ،‬وسألھا‪:‬‬
‫ماذا تقولين؟ ھل أنت مذنبة أم بريئة‪ .‬أجابت الفتاة مذنبة‪ .‬وعندھا‬
‫حكم القاضي عليھا بأن تدفع مائة دوالر غرامة‪ ،‬أو أن تسجن مدة‬
‫عشرة أيام‪ .‬ثم حدث شيء مدھش‪ ،‬عندما وقف القاضي وخلع‬
‫ثوب القضاء وتقدم إلى األمام وأخرج محفظته ودفع الغرامة‪.‬‬

‫لقد كان ھذا القاضي أباھا‪ .‬وھو أحب ابنته‪ ،‬غير أنه كان قاض ًيا‬
‫عادالً‪ .‬كسرت ابنته القانون‪ ،‬فلم يستطع أن يقول لھا ”اذھبي‬
‫بسالم“‪ .‬طالما أنتِ بنت القاضي فال خطر ممكن أن يصيبك‪ ،‬ألنه‬
‫لو فعل ذلك لما كان قاض ًيا عادالً‪ ،‬ولما كان أمي ًنا على تنفيذ‬
‫ضا أحب ابنته إلى‬ ‫القانون الذي أقسم يو ًما بأن يحترمه‪ .‬لكنه أي ً‬
‫الدرجة التي كان فيھا مستع ًدا أن يخلع ثوبه القضائي‪ ،‬ويتقدم‬
‫إلى األمام ليمثلھا كأب‪ ،‬ويدفع عنھا الغرامة‪.‬‬

‫ھذا يصور لنا إلى حد ما ما فعله الرب يسوع معنا‪ .‬فإذ كانت أجرة‬
‫ما على كل الخطاة غير التائبين‬ ‫الخطية موت‪ ،‬وھو ما سيقع حت ً‬
‫والذين لم يؤمنوا بالرب يسوع المسيح‪ ،‬فلكونه إل ًھا مح ًبا فقد نزل‬
‫من عرشه في ھيئة إنسان‪ ،‬بل استمر في طريقه إلى أن وصل‬
‫إلى الجلجثة ليمثل المذنبين أمام ﷲ ويدفع نيابة عنھم أجرة‬
‫معصيتھم وخطاياھم‪ .‬وليعطيھم عطية الحياة األبدية مجانا‪ .‬وكان‬
‫ثمن ھذا كله موت الصليب‪ .‬فاستعلن أروع ما في قلب ﷲ أعني‬
‫محبته‪ .‬ﷲ بين محبته لنا ألنه ونحن بعد خطاة مات المسيح‬
‫ألجلنا‪.‬‬

‫مجيئان‪:‬‬
‫عزيزي القارئ‪ :‬لقد أتى المسيح مرة من ألفي عام‪ ،‬وصنع‬
‫بنفسه تطھي ًرا لخطايانا )عبرانيين ‪ ،(٣ :١‬وبناء عليه أمكن‬
‫للمبشرين أن يتجھوا باألخبار السارة لكل ربوع األرض‪ ،‬فلقد أكمل‬
‫المسيح العمل )يوحنا‪ .(٣٠ :١٩‬وكل المطلوب أن تأتي للمسيح‬
‫كما أنت‪ ،‬فتنال عطية الغفران والحياة األبدية‪ .‬يقول الوحي الكريم‪:‬‬
‫»كل من يدعو باسم الرب يخلص« )رومية ‪.(١٣ :١٠‬‬

‫على أن القصة لم تنته عند ھذا الحد‪ .‬فسيأتي الرب عن قريب‬


‫مرة ثانية‪ .‬وسيكون األمر مختلفا تماما في ھذا المجيء الثاني‪.‬‬

‫لقد أتى مرة متضعًا ليتألم ويموت‪ ،‬وسيأتي ثانية بقوة ومجد كثير‬
‫)متى‪.(٣٠ :٢٤‬‬

‫في مجيئه األول حمل مبذر الزرع وذھب ذھا ًبا بالبكاء‪ ،‬وفي‬
‫مجيئه الثاني سيحمل حزمه ويمتلئ فمه بالترنم )مزمور ‪:١٢٦‬‬
‫‪!(٦‬‬

‫ضع قليال ً عن‬


‫في مجيئه األول وضع نفسه وأطاع )فيلبي ‪ُ .(٨ :٢‬و ِ‬
‫المالئكة )عبرانيين ‪ ،(٩ :٢‬وفي مجيئه الثاني سيأتي وجميع‬
‫المالئكة معه )متى ‪.(٣١ :٢٥‬‬

‫إ ًذا – عزيزي القارئ ‪ -‬ھو سيأتي المرة الثانية في صورة مختلفة‬


‫عما رأيناه عليھا في المرة األولى‪ .‬فلن يأتي في ضعف بل‬
‫في قوة‪ ،‬ال في صمت بل بھتاف‪ ،‬ال ليتألم بل ليملك‪ ،‬ال‬
‫ليخلص بل ليدين!‬

‫نعم ال بد أن يجيء المسيح مرة ثانية كما أتي المرة األولى‪.‬‬

‫إن ذاك الذي أتى في المرة األولى ليموت نيابة عن الخطاة الذين‬
‫أحبھم‪ ،‬سيأتي في المرة الثانية ليدين الخطاة الذين رفضوه‬
‫واحتقروه‪ .‬ومن ذا الذي يشك أن ھذه اللحظة التي فيھا يظھر‬
‫المسيح للعالم ستكون أعظم لحظة في كل التاريخ‪ .‬والرب‬
‫بنفسه ھنا يصف تلك الحادثة بأسلوب بسيط وواضح وقاطع‪.‬‬

‫وأختم حديثي بسؤال‪ :‬إن كان المسيح سوف يأتي وسوف يظھر‬
‫قوته العظيمة‪ ،‬فما الذي منعه أن يفعل ذلك حتى اآلن؟‬

‫اإلجابة‪ :‬ليس لعدم امتالكه للقوة؛ بل ليعطيك فرصة للتوبة‪.‬‬

‫سوف يظھر من السماء‪ ،‬وسوف ينصھر ھذا الكون المادي ويذوب!‬


‫يعلن لنا الوحي المقدس أنه يوم ظھور المسيح ستذوب الجبال‬
‫مثل الشمع )مزمور ‪ !(٥ :٩٧‬لكن األخطر من ذلك أنه في ذلك‬
‫اليوم سيذوب لحم األشرار‪ ،‬وتذوب عيونھم في أوقابھا‪ ،‬ويذوب‬
‫لسانھم في فمھم )زكريا‪ .(١٢ :١٤‬ساعتھا لن تفيدك التوبة‬
‫حينئذ‪ ،‬سيكون الوقت قد فات‪ .‬وسيمضي الرافضون وغير‬
‫المؤمنين إلى عذاب أبدي‪» .‬ويصعد دخان عذابھم إلى أبد‬
‫اآلبدين« )رؤيا‪.(١١ :١٤‬‬

‫ليتك تسرع بالتوبة واإليمان‪ ،‬نحو ذاك الذي أتى من قمة مجده‬
‫إلى األرض ليبحث عنك‪ ،‬والذي مات فوق الصليب ليخلصك‪.‬‬

‫‪-----------‬‬

‫]‪ [١‬يرد ھذا االسم كثيرا في نبوة إشعياء‪ .‬فمثال يقول الرب‪ :‬أنتم‬
‫شھودي يقول الرب‪ ،‬وعبدي الذي اخترته‪ ،‬لكي تعرفوا وتؤمنوا بي‬
‫وتفھموا أني أنا ھو )إجو آيمي(‪ ،‬قبلي لم يصور إله‪ ،‬وبعدي ال‬
‫يكون« )إش‪(١٠ :٤٣‬؛ و »أيضا من اليوم أنا ھو )إجو آيمي( وال‬
‫منقذ من يدي‪ .‬أفعل ومن يرد« )إش‪ .(١٣ :٤٣‬أنظر أيضا إشعياء‬
‫‪٤ :٤١‬؛ ‪٢٥ :٤٣‬؛ ‪٤ :٤٦‬؛ ‪.١٢ :٤٨‬‬
‫]‪ [٢‬ير ِّكز كثير من أصحاب البدع على قول المسيح للشاب الغني‪:‬‬
‫حا إال واحد وھو ﷲ« )متى‬ ‫حا؟ ليس أحد صال ً‬ ‫»لماذا تدعوني صال ً‬
‫ً‬
‫‪ ،(١٧ :١٩‬معتبرين ذلك دليال على أن المسيح نفى صفة األلوھية‬
‫عن نفسه‪ .‬لكن نالحظ أن المسيح لم يقل لذلك الشاب‪” :‬ال‬
‫تدعني صالحًا“‪ ،‬بل قال له‪» :‬لماذا تدعوني صالحًا؟«‪ .‬والفارق‬
‫كبير‪ .‬فالمسيح ھنا لم يكن ينفي األلوھية عن نفسه‪ ،‬بل كان‬
‫حا‪ ،‬كما ذكر ھو عن نفسه‬ ‫ينفى الصالح عن البشر‪ .‬وأما كونه صال ً‬
‫ف‬ ‫َ‬
‫ح‪َ «،‬وأعْ رِ ُ‬
‫صالِ ُ‬
‫عي ال ﱠ‬ ‫ما أَنَا َ‬
‫فإِنِ ّي ال ﱠرا ِ‬ ‫في يوحنا ‪»،١٤ :١٠‬أَ ﱠ‬
‫ر ُف ِني‪ ،‬فليس لذلك من سبب سوى أنه‬ ‫ص ِتي تَعْ ِ‬‫خا ﱠ‬
‫ص ِتي َو َ‬
‫خا ﱠ‬
‫َ‬
‫ليس مجرد إنسان‪.‬‬

‫]‪ [٣‬نالحظ أن المسيح ذكر في أصحاح ‪» ٢٣ :١٦‬إن كل ما‬


‫طلبتم من اآلب باسمي يعطيكم«‪ .‬وفي ھذا نحن نرى وحدة‬
‫االبن واآلب في استجابة الصالة‪ ،‬كما في كل شيء‪.‬‬

‫]‪ [٤‬أحيانًا يحدث ھذا قبل موتھم‪ ،‬إذ بمجرد عزلھم يزول عنھم‬
‫الجاه والصولجان‪ ،‬ويمسي أسي ًرا ال يملك من أمر نفسه شي ًئا!‬

‫‪-------‬‬

‫]‪ [١‬ھذه الحقيقة وإن كنا نجد إشارات عديدة لھا في العھد‬
‫القديم‪ ،‬لكنھا لم تكن معلنة بالوضوح الكافي في ذلك الوقت‪ ،‬ألن‬
‫ﷲ كان ما زال محتج ًبا )قارن ‪١‬ملوك ‪١٢ :٨‬؛ إشعياء ‪ ١٥ :٤٥‬مع‬
‫يوحنا ‪ ،(١٨ :١‬وأما وقد جاء المسيح‪” ،‬الكلمة“‪ ،‬المعلن §‪ ،‬وبدأ‬
‫خدمته‪ ،‬فإننا ھنا‪ ،‬وللمرة األولى‪ ،‬نرى أوضح إعالن لھذه الحقيقة‬
‫في الوحي‪.‬‬
‫]‪ [٢‬انظر تعليقنا على قول المسيح‪» :‬قبل أن يكون إبراھيم أنا‬
‫كائن« )يوحنا‪ ،(٥٨ :٨‬في الفصل األول؛ وأي ً‬
‫ضا »أنا ھو األول‬
‫واآلخر« )رؤيا‪١٧ :١‬؛ في الفصل الثاني‪.‬‬
‫]‪ [٣‬نالحظ أن إنجيل لوقا يحدثنا عن تفوق المسيح وربوبيته وھو‬
‫بعد جنين في بطن العذراء مريم‪ .‬فلقد قالت لھا أليصابات‪» :‬من‬
‫أين لي ھذا أن تأتي أم ربي إلي‪ .‬فھوذا حين صار صوت سالمك‬
‫في أذني‪ ،‬ارتكض الجنين بابتھاج في بطني« )لوقا‪٤٣ :١‬و‪.(٤٤‬‬

‫]‪ [٤‬نالحظ أن اسمى الجاللة اللذين استخدمھما توما في كالمه‬


‫مع المسيح يسبقھما أداة تعربف‪ ،‬فتوما لم يقل غن المسيح إنه‬
‫مجرد رب وإله‪ ،‬بل ھو الرب وھو ﷲ مسبو ًقا بأداة التعريف‪.‬‬
‫* ھذا القول الكريم قاله المسيح وھو ماض إلى الصليب والموت‪،‬‬
‫وكان ھو يعلم ذلك )يوحنا ‪ (٣٦ ،٢١ :١٣‬ولكنه مع ذلك طلب من‬
‫تالميذه أن يجعلوه موضع إيمانھم ألنه ھو مفتاح المصير األبدى‬
‫»الطريق والحق والحياة«!‬
‫]‪ [٥‬من يريد معرفة الحق المسيحي بخصوص وحدانية ﷲ‬
‫وأقانيمه الثالث‪ ،‬انظر كتاب ثالث حقائق أساسية للمؤلف‪،‬وايضا‬
‫الموسوعة الكتابية لخادم الرب برسوم ميخائيل‪ ،‬وأيضا كتاب ﷲ‬
‫ذاته ونوع وحدانيته للمفكر المسيحي عوض سمعان‬

‫جميع الحقوق محفوظة © ‪ ٢٠٠٦-١٩٩٨‬لموقع بيت‬


‫ﷲ‪.‬كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع‪.‬‬
‫أرني أين قال المسيح‪” :‬أنا ھو ﷲ فاعبدوني“ ؟!‬

‫‪The link ed image cannot be display ed. The file may hav e been mov ed, renamed, or deleted. Verify that the link points to the correct file and location.‬‬

‫‪The link ed image‬‬


‫‪cannot be display ed.‬‬
‫‪The file may hav e been‬‬
‫‪mov ed, renamed, or‬‬
‫‪deleted. Verify that the‬‬
‫‪link points to the‬‬
‫‪correct file and location.‬‬

‫جميع الحقوق محفوظة © ‪ ٢٠٠٥-١٩٩٨‬لموقع بيت ﷲ‪.‬كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع‪.‬‬

‫‪٣٢١‬‬

‫‪hristia‬‬

‫يزعم النصارى أن قول المسيح ‪ ) ) :‬أناو ‪ ...‬فيه أنا ﷲ أنا ربكم أنا إلھكم أو قال اعبدوني ؟‬

‫نص واحد قال فيه عيسى عن نفسه‪ :‬أنا إله‪ .‬أو‬ ‫ھل قال المسيح‪ :‬أنا ﷲ اعبدوني؟‬

‫أين قال المسيح ‪ " . .‬اعبدوني " ! ؟ ‪ ...‬لسان المسيح ) أنا ابن ﷲ ( أو ) أنا ﷲ ( فاعبدوني ؟ !‬

‫صلب المسيح ومات‪ ،‬والمسيح ھو ﷲ‪ ... .‬ﷲ ورسوله ولم يقل أبداً أنا ﷲ ولم يقل اعبدوني‬

‫أدلة النصارى على ألوھية المسيح ‪ ...‬واحد قال فيه عيسى عن نفسه‪ :‬أنا إله‪ .‬أو قال‪ :‬اعبدوني‬

‫قال‪ :‬اعبدوني ھل قال المسيح أنا ﷲ أو أعبدوني بكل شفافية ھل خاطب المسيح اتباعه وقال لھم‬
‫اعبدوني او قال لھم انا اله‬
‫ھل يوجد في االنجيل اي شيء من ھذا القبيل يامرھم بان يعبدوة او صرح بالوھيته‬

Vous aimerez peut-être aussi