Académique Documents
Professionnel Documents
Culture Documents
هوية الشخص
النص:
أعتقد ،كائن مفكر عاقل قادر على التعقل والتأمل ،وعلى الرجوع إلى ذاته باعتبار أنها مطابقة لنفسها ،وأنها هي
نفس الش يء الذي يفكر في أزمنة وأمكنة مختلفة .ووسيلته الوحيدة لبلوغ ذلك هو الشعور الذي يكون لديه عن
أفعاله الخاصة .وهذا الشعورال يقبل االنفصال عن الفكر ،بل هو ،فيما يبدو لي ،ضروري وأساس ي تماما بالنسبة
للفكر ،مادام ال يمكن ألي كائن [بشري] ،كيفما كان ،أن يدرك إدراكا فكريا دون أن يشعرأنه يدرك إدراكا فكريا.
عندما نعرف أننا نسمع أو نشم أو نتذوق أو نحس بش يء ما أو نتأمله أو نريده ،فإنما نعرف ذلك في حال حدوثه لنا.
إن هذه املعرفة تصاحب على نحو دائم إحساساتنا وإدراكاتنا الراهنة ،وبها يكون كل واحد منا هو نفسه بالنسبة
إلى ذاته ،وفي هذه الحالة ال نأخذ في االعتبارما إذا كانت الذات نفسها تبقى مستمرة في الجوهرنفسه أو في جواهر
متنوعة .إذ ملا كان الشعور يقترن بالفكر على نحو دائم ،وكان هذا هو ما يجعل كل واحد هو نفسه ،ويتميز به ،من
ثم ،عن كل كائن مفكر آخر ،فإن ذلك هو وحده ما يكون الهوية الشخصية أو ما يجعل كائنا عاقال يبقى دائما هو
هو .وبقدر ما يمتد ذلك الشعور بعيدا ليصل إلى األفعال واألفكار املاضية ،بقدر ما تمتد هوية ذلك الشخص
وتتسع .فالذات الحالية هي نفس الذات التي كانت حينئذ ،وذلك الفعل املاض ي إنما صدر عن الذات نفسها التي
تدركه في الحاضر".
املقدمة
عندما ننظرإلى واقعنا البشري أو وضعنا البشري 1محاولين فهمه ،و كشف الحجاب عن حقيقته ،نجد الكثيرمن
القضايا و اإلشكاالت التي يثيرها هذا ال واقع ...تبدأ من محاولة فهم الذات ذاتها ،أي فهم اإلنسان باعتباره
شخصا 2يمتلك خصائص تمنحه هوية 3خاصة ...و عندما نتأمل في واقع هذا اإلنسان ـ الشخص نجده يمر
بمراحل في عمره يبدو من خالل املقارنة بينها أن الكائن البشري يتغير كثيرا و على مستويات عدة ...لكن على الرغم
من هذا التغ ير يبدو أن هنالك شيئا ما يظل ثابتا و جوهريا يجعل اإلنسان الذي كان في املاض ي هو ذاته املوجود
حاليا ،و يمنحه بالتالي هوية ...سيكون من املشروع التساؤل حول أساسها .فما هو إذن أساس هوية الشخص؟ و
ما الذي يجعل شخصا ما هو هو حسب صاحب النص؟ و كيف يدافع صاحب النص عن تصوره؟ و ما هي حدود
هذا التصور؟
التحليل
من خالل الفهم الذي تتيحه القراءة الفاحصة للنص يتبين أن صاحبه يريد التأكيد على أن أساس هوية الشخص
هو الفكر املرتبط بالشعور 4أو التجربة الحسية الواعية للشخص و التي تجعله يشعر بذاته و يدركها في كل مكان
وكل زمن .ويفهم من ذلك أن الخاصية الجوهرية والثابتة التي تجعله شخصا ،أي ذاتا مفكرة مريدة وحرة مطابقة
لذاتها في كل األحوال هو هذا الفكر الذي يقترن بالشعور الذي لإلنسان عن ذاته ...و هذا ما نكتشفه من خالل
البنية املفاهيمية للنص ،حيث نجد مفهوم الشخص باعتباره ذاتا مفكرة و كائنا عاقال .ومفهوم الهوية الشخصية
باعتبارها الجوهرالثابت في اإلنسان ،ثم مفهوم الفكرباعتباره ما يقوم به الشخص من أفعال عقلية اعتمادا على
اإلحساس ...و من خالل التركيب بين هذه املفاهيم يمكن أن نصل إلى األطروحة التي سبقت اإلشارة إليها :أساس
الهوية الشخصية مشروطا بتعريف الشخص ،و معنى ذلك أن تحديد أساس تقوم عليه الهوية الشخصية يرتبط
بشكل وثيق بإعطاء معنى أو داللة واضحة ملفهوم الشخص .هكذا إذن يكون الجواب عن السؤال :ما هو
الشخص؟ هو املدخل لفهم أساس الهوية الشخصية .5ثم بعد ذلك يعرف صاحب النص الشخص بأنه ذات
مفكرة ،أي أنه ذات تقوم بمجموعة من العمليات العقلية كالتفكير و التأمل و االستدالل و التذكر ...و يتبين من
خالل هذا التعريف أن أساس هوية الشخص هو التفكير 6...لكن أي تفكير يقصد صاحب النص؟ إنه يؤكد أن
األمريتعلق بالتفكيرالذي يقوم به اإلنسان باالعتماد على الشعور ...إنه إذن التفكيرالذي يكون للذات شعوربأنها
تقوم به .و لذلك ينفي صاحب النص أن يكون هنالك تفكير دون شعور ،مما يثبت العالقة االتصالية بينهما.
فاإلنسان يفكر ما دام لديه شعور بأنه يفكر .7و يفسر صاحب النص كيف ان اإلنسان ال يمكنه أن يفكر دون
شعوربذلك ،فاإلنسان عندما ينجزعملية فكرية ما يشعربذلك ...عندما يفكرأو يتأمل أو يستدل يشعربأنه يقوم
بتلك األفعال ...إضافة إلى ذلك يفسرصاحب النص من خالل أمثلة تتعلق بأفعال حسية وأفعال عقلية أن إدراك
اإلنسان ألفعاله هو إدراك يصاحب فيه الشعور التفكير على نحو دائم ...فإدراك السمع و التذوق و البصر...
إضافة إلى التأمل و اإلرادة ...ال يتم إال من خالل الشعور الذي لدى اإلنسان بما يقوم به من أفعال .8لذلك
يستنتج 9صاحب النص أن " الشعور امل رافق للفكر ...هو ما يجسد الهوية الشخصية" ...و ما يجعل شخصا ما
يظل هو هو و مطابقا لذاته دائما ،و حتى عندما يتعلق األمر باألفعال املاضية فالذات التي توجد في الحاضر هي
إذا كان صاحب النص يؤكد على أن الفكر املرتبط باإلحساس هو مصدر هوية الشخص ،سواء كان اإلحساس
خارجيا عن طريق الحواس ،أو داخليا عن طريق أفعال العقل و أهمها الذاكرة .فما هي حدود هذا التصور؟ أال
على الرغم من أن أفكارجون لوك مبنية بشكل منطقي و أن حججه تبدو متضمنة لنوع من االقناع ...غيرأنها ككل
األفكارالفلسفية قابلة للمناقشة .و بناء على ذلك فربط الهوية الشخصية باإلحساس قد ال يكون أساسا مضمونا
مادام اإلحساس ال يتميز بالثبات الذي تحتاجه الهوية الشخصية باعتبارها تشير إلى جوهر ثابت .فاإلحساس
املرتبط بالحواس يعتريه التغير و التبدل ألنه مرتبط ب واقع غير مستقر ،و ألن الحواس كما تعلمنا الفلسفة
الديكارتية خادعة .و لذلك نجد أساس الهوية الشخصية لدى ديكارت مبنيا على الفكر الخالص ألنه مجرد عن
اإلحساس ...و ألن الفكرهو الوحيد الذي يظل ثابتا و صامدا عندما نستطيع الشك في كل ش يء.
أما القول مع لوك بامتداد الهوية إلى املاض ي عن طريق الذاكرة فهو قول يمكن دحضه و تفنيده على اعتبار أن
"ضربة واحدة على الرأس كافية ملسح الذاكرة" على حد تعبيرالشوليي ،كما أن هناك أمراضا نفسية وعقلية تشهد
بإتالف الذاكرة مما يترتب عنه نفي اعتبارالذاكرة أساسا للهوية الشخصية.
و من جهة أخرى أال يؤدي القول بأن الفكر املقترن باإلحساس هو أساس الهوية الشخصية ،إلى استبعاد إرادة
اإلنسان؟ هذه اإلرادة التي يعتقد شوبنهور أن الفكر تابع و خادم لها ،ألنها إرادة حياة جبارة و قوية تمثل الطبع
األصيل في اإلنسان..
الخاتمة
يبقى موضوع الهوية الشخصية موضوعا يصعب الحسم فيه ،ألنه موضوع فلسفي يثيرمن األسئلة أكثرمما يقدم
من حلول ،و ألن الكائن البشري يعتبر غامضا بالنسبة إلى نفسه ،ما دامت األبعاد التي تدخل في تشكيله متعددة.
ولذلك يمكن اعتبارالهوية منطقة رمادية غيرواضحة املعالم ،و"منزال افتراضيا نشيرإليه لشرح الكثيرمن األمور...