Académique Documents
Professionnel Documents
Culture Documents
والشكر موصول ألعضاء جلنة التكوين املشرفة على تأطري دفعة احلكامة
وبناء دولة املؤسسات وعلى رأسهم األستاذة :خلفة نادية ،وأعضاء جلنة
كما ال أنسى أن أخص بالشكر أخي رضوان بروسي وكل من ساعد أو ساهم
من قريب أو بعيد على إجناز هذه الرسالة وجزاهم اهلل خري اجلزاء.
مـ ـ ـ ـق ـ ـدمـ ـة
مــــــقدمــــة
مقدمة
أوال :التعريف بموضوع الدراسة
عرف النصف الثاني من القرن الماضي تحوالت عميقة أثرت على مفاهيم المالية
العامة ،تشكلت في سياق التحوالت التي عرفتها الدولة ،والمذاهب االقتصادية والسياسية،
وتأثير البيئة الدولية والتقدم التكنولوجي وطرح مفهوم الحكامة ،كلها عوامل دفعت الدول إلى
إعادة النظر في تسيير المالية العامة من حيث إعادة تكوين وتنظيم مؤسساتها ،ومن حيث
قواعد عملها وأنشطة موظفيها على الصعيد السياسي ،وتعرف األنظمة المالية العامة في العالم
منذ ثالثة عقود تحوال مهما كالصدمة التي تمتد آثارها تدريجيا.
تمثل المالية العامة إطا ار مرجعيا ثريا لقراءة العالقات التي يتم تأسيسها في المجتمعات،
أين يمكن أن تكشف حقائقها األكثر عمقًا بالنظر ألهمية المالية العامة في حياة المجتمعات
والدول ،فتصبح مسألة تسييرها محور اهتمام جميع التخصصات وملتقى تقاطعها ،وبهذا تُشكل
جودة الحكامة العامة وعلى نحو أدق الحكامة المالية العامة محور اهتمام السياسيين والمسيرين
وعلى نحو أكثر تفصيل القانون والمناجمنت ،حيث البحث عن تحقيق ترشيد اإلنفاق العام بين
مقتضيات الشرعية وحتميات الفعالية يعكس التفاعالت المستمرة بين الدولة والسوق والمجتمع.
شرعت عدد من البلدان في العالم على مدى أكثر من نصف قرن في إحداث تغييرات
عميقة في المؤسسات وكذا في إجراءات التسيير المالي العام ،حيث ترجمت هذا عبر إجراءات
عقدا يربط بين الدولة والمواطن ،في هذا السياق
إعداد وتنفيذ ورقابة الميزانية العامة التي تشكل ً
خضع القانون المالي العام إلى تحوالت عميقة سواء في مبادئه أو قواعده واجراءاته.
ترجع أصول هذه التحوالت إلى محاولة البحث عن الكيفية التي تجعل المؤسسات
والمنظمات العامة تعمل بفعالية وكفاءة ،وهو ما ُعبر عنه باالهتمام باألداء العام ،الذي يعد
قياسه وتحسينه مصدر قلق أكبر للسلطات العامة ،وبدأت الحركة في دول منظمة التعاون
والتنمية االقتصادية ( ،)OCDEالتي شرعت في إصالح ُنظمها المالية العامة لغرض تحسين
أدائها ،كان الحال بالنسبة لها أن تحول إلى الدولة مفهوم وأدوات الشركة بهدف قياس األداء،
1
مــــــقدمــــة
وأن تنقلها من مقاربة فيبرية بيروقراطية قانونية تعتمد إطا ار فلسفيا مرجعيا يقوم على السلطة
العامة والمصلحة العامة لمقاربة مناجيريالية تستند لمفهوم األداء الفعالية والكفاءة ،أين تشكل
هذه األخيرة جوهر الحكامة المالية العامة الجديدة.
في هذا اإلطار شرعت الدول الصناعية في مسار إصالح تسيير المالية العامة الذي
ينبع من المنطق القائم على تفكيك وبناء الدولة ،ولكن هذه المرة ُيستلهم اإلصالح من منطق
تسيير القطاع الخاص الذي تستند أفكاره إلى المناجمنت العمومي الجديد ،الذي بموجبه ال
يجب اعتبار الدولة في وضع متميز بل ككيان عادي ،وعلى هذا النحو يجب أن تُ َّ
سير الدولة
كمؤسسة (كالشركة ،األعمال التجارية) عن طريق التعزيز التدريجي للقطاع الخاص في
العمومي.
أصبحت المالية العامة حقيقة عالمية بفعل العولمة والتطور التكنولوجي الهائل ،وهذه
الثقافة الجديدة للنتائج المستمدة من تعاليم وآليات المناجمنت العمومي الجديد ،التي يتم إدراجها
عبر قانون المالية والميزانية العامة للدولة ،تعتبر أكثر من مجرد تقنية تسييرية ،فهي أداة تدخل
- المنطق البيروقراطي الفيبري نسبة الى ماكس فيبر( ) 1920- 1864رائد هذا النموذج الذي حدد خصائصه بكونه
تنظيما قائما على :التخصص الوظيفي -احتراف الوظيفة -التدرج الهرمي للسلطة -أداء العمل وفق سجالت ومستندات
رسمية-وجود قواعد ولوائح عامة ومجردة تعبر عن عالقات وظيفية بين مراكز قانونية وليس بين أفراد.
أنظر في هذا :التنظيم البيروقراطي إزاء الفكر اإلداري المعاصر :إطار نظري ،مجلة جامعة األنبار للعلوم االقتصادية
واإلدارية ،العراق ،العدد الثاني ،سنة ،2008ص ص .6، 5
وترتكز المقاربة المناجيريالية (نموذج ما بعد البيروقراطية) على نقاط مستوحاة كلها من أساليب التسيير المنتهجة في
القطاع الخاص ومنطق السوق ،وتعكس عقالنية اقتصادية تهدف إلى تحويل المنظمات الحكومية إلى مؤسسات تجارية
ترضي المواطن -الزبون من خالل العمل على تحسين األداء ،وتحقيق النتائج من خالل توظيف مفردات تسييرية تأتي في
مقدمتها الفعالية والكفاءة واالقتصادية ،تدعو إلى إدخال تقنيات 2الخبرة المهنية التسييرية المطبقة في القطاع الخاص في
القطاع العام .أنظر في هذا:
Binod Atreya, the applicability of new public management to developing countries: a case
from nepal ,thesis of doctorate in philosophy, school of management, faculty of business
and law, victoria university of technology, melbourne, australia, 2002, p.28.
وأيضا :طارق عشور ،مقاربة التسيير العمومي الجديد كآلية لتدعيم وتعزيز تنافسية وكفاءة المنظمات الحكومية ،مجلة أداء
المؤسسات الجزائرية( ،جامعة ورقلة) ،الجزائر ،العدد ،2012-2011/01ص .111
مــــــقدمــــة
فلسفة اجتماعية وسياسية متجددة وتأثر بعمق في مفاهيم الدولة والسيادة والديمقراطية في الواقع
المعاصر ولها تداعياتها على مستقبل األجيال القادمة ،وفي هذا الصدد يعكس هذا التحول
شكال من أشكال التعبير عن الرأسمالية الجديدة بمرجعية نيوليبرالية تغزو العالم من خالل
المؤسسات المالية الدولية عبر سياسات وبرامج الحكامة المالية الجيدة.
لقد عملت المؤسسات المالية الدولية ووكاالت التنمية على طرح مفهوم الحكامة كأسلوب
للتسيير الفعال القائم على رؤية تشاركية تشكل الدولة ومؤسساتها الرسمية أحد فواعلها بين
آخرين هم المجتمع المدني والقطاع الخاص ،ترجع سرعة انتشار المصطلح الغامض تعريفا
َ
ونموذجا وترجمة إلى المؤسسات المالية الدولية التي تستعمله كمعيار لتصنيف أنظمة الحكم
في البلدان النامية أو الفقيرة ،حيث تضاف إليها صفة "الجيدة" "الرشيدة" ،وتعني االهتمام بالبعد
المعياري المرتبط بنوعية الحكامة ،والتي وضعتها المؤسسات سالفة الذكر للدول المستفيدة من
مساعداتها ،وعليه سنستعمل هذه الصفة في هذا السياق لكون المصطلح يعد مكتفيا بذاته،
الحكامة التي تهمنا هنا هي الحكامة العامة (العمومية) في مجال المالية العامة (العمومية)
أي مالية الدولة ،والتي تختلف عن حكامة الشركات التي تمارس في إطار الهياكل المختلف
مصادر شرعيتها وأساليب تنظيمها وتشغيلها وغاياتها ،على الرغم من التداخل الذي يعرفه
الفضاء العام والخاص في مجال التسيير المالي العام (العمومي) في سياق التغييرات
المؤسساتية بحثا عن الفعالية واألداء بهدف ترشيد اإلنفاق العام من خالل الحكامة المالية
العامة كمنهجية لتسيير أنظمة المالية العامة واتخاذ القرار المالي العام.
تتميز الحكامة المالية العامة عن الحكامة المالية الخاصة بالرغم من كون األولى
صارت مستوحاة من الثانية وتطبق مناهجها ،وهو ما يعكس جوهر الصراع أو التحالف بين
القانون والمناجمنت بين الديمقراطية والتسيير بحسب السياق ،حيث تحاول الحكامة دمج معايير
المناجمنت مع المعايير الديمقراطية لتحقيق الحكامة المالية العامة الجديدة.
وفي هذا السياق تحيل الحكامة المالية العامة إلى إعادة صياغة العالقة بين الدولة
والمجتمع والسوق ،وتعكس الدالال ت واألبعاد المعيارية للمفهوم على ثالث مستويات ،للحكامة
كمقولة أخالقية فهي تبقى ذات دالالت معيارية تأسَّس عليها التفكير حول السياسة في السياق
3
مــــــقدمــــة
األوربي ذي األصول األخالقية األفالطونية رغم االنتقادات الموجهة للتناقض الجوهري بين
الخطاب الليبرالي والممارسة السياسية ،للحكامة باعتبارها تجاو از للسياسة مقابل التركيز على
مسألة التوافق في تسيير الشأن العام ،للحكامة باعتبارها أداة لتكريس التبعية من خالل
مشروطية مساعدات التنمية ،وهنا تعتبر معايير الحكامة المالية العامة الجيدة نتيجة عمل
واجتهاد المؤسسات المالية المانحة طيلة ربع قرن من الزمن ،والتي يتم تعميميها من خالل
المواثيق والمدونات وتتبناها الدول عبر اتفاقيات الشراكة وتُفرض من خالل شروط مساعدات
التنمية للدول النامية.
يتم طرح الحكامة المالية العامة المستلهمة من مبادئ المناجمنت العمومي الجديد
كفلسفة لتفعيل دور الدولة من خالل تجاوز المقاربة الفيبرية القانونية للتسيير المالي العمومي،
واعتماد مقاربة مناجيريالية تقوم على آليات المشاركة والشفافية واألداء والفعالية وترشيد الفعل
العمومي ،حيث يتم تجسيد هذا من خالل التسيير باألداء المرتكز على النتائج عبر ميزانية
أداء موجهة بالنتائج لغرض التحكم في اإلنفاق العام ،في ظل عولمة هذا النموذج نتساءل عن
إمكانية نجاح عملية تصديره للدول النامية والفقيرة.
تماشيا مع هذا المد اإلصالحي شرعت الجزائر في عملية إصالح تسيير المالية العامة
بداية من سنة 2001والتي فرضتها معطيات داخلية وأملتها أخرى خارجية ،وهنا شرعت في
مجموعة من اإلصالحات اإلدارية والمالية واالقتصادية ،وشكل التوجه نحو تبني مفهوم الحكامة
الجيدة أحد أولوياتها ،وكانت الورشات المتعلقة بتكييف طرق تسيير المالية العامة مع المعايير
الدولية إحداها من خالل مشروع تحديث أنظمة الميزانية الهادف إلى إحداث نقلة نوعية في
أداء الميزانية العامة للدولة وفعاليتها بغية الوصول إلى ترشيد اإلنفاق العامَ ،عرف هذا المسار
تباطؤا عكس تقلبات اإلرادة السياسة ومقاومة الجهاز البيروقراطي ،لكنه شهد مؤخ ار تبني
القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية ودخوله حيز التجربة بداية من سنة 2019على أن
يتم تطبيقه بداية من السنة المالية ،2023يعكس هذا القانون طموح التحول نحو تبني مفهوم
الحكامة المالية وتجسيد حكامة اإلنفاق العام.
ثانيا :أسباب اختيار الموضوع
4
مــــــقدمــــة
ترجع أسباب اختيار الموضوع إلى عوامل موضوعية وأخرى ذاتية يمكن تلخيصها على
النحو اآلتي:
األسباب الذاتية والتي تتعلق بـ:
-انتشار الفساد وغياب الرشادة في التسيير خاصة في السنوات األخيرة.
-محاولة المساهمة في إثراء هذا الموضوع بفتح النقاش والبحث حول التطورات المعاصرة
والتحديات التي يشكلها رهان التحكم في تسيير المالية العامة.
األسباب الموضوعية وأهمها ما يلي:
-األزمة التي تعرفها الجزائر وباقي دول العالم الثالث في مجال تسيير المالية العامة ،وتنامي
النقاش حول موضوع الحكامة المالية ومسألة ترشيد اإلنفاق العام التي تطفو إلى السطح كلما
انخفضت أسعار البترول ،ويطويها النسيان كلما ارتفعت أسعاره ،في ظل غياب تصور واضح
ودارسة علمية مؤسساتية وفق مقاربة متعددة األبعاد للموضوع تراعي السياق ،وتستفيد من
التجارب الدولية الناجحة في مجال تسيير المالية العامة تجنبا لتكريس منطق التبعية الفكرية
التي ترهن األفكار بعد سلب الموارد.
-اعتبار مفهوم الحكامة المالية العامة من المواضيع القديمة المستجدة التي ال يتوقف النقاش
حول أهميتها وأبعادها ،بالنظر ألهمية المالية العامة في حياة الدول والشعوب فلقد شكلت
ترجمانا صادقا لتطورات الدولة والمجتمع على مر العقود ،واذا كانت دراسة مفهوم الحكامة قد
وعقدت من أجله مؤتمرات الدول المانحة وبرامج
عرفت تناوال واسعا في أدبيات التنمية الدولية ُ
األمم المتحدة ،والمؤسسات المالية ووكاالت التنمية الدولية ،حيث تم ربط المساعدات بضرورة
تبني إصالحات صارت تعرف الحقا بالمشروطية في أدبيات التنمية ،فموضوع الحكامة المالية
العامة تحديدا يشكل جوهر هذه اإلصالحات التي تتجاذبها تخصصات مختلفة وفق مقاربات
تعكس مرجعيات فكرية تلعب من خاللها المؤسسات المالية دو ار حاسما ،ورغم هذه األهمية
التي تحتلها المادة ويعرفها الموضوع فإن هنالك حالة من العجز في النقاش أو الخطاب
الفكري تحول دون تناول المالية العامة كحقيقة اجتماعية شاملة بحسب Marcel Mauss
5
مــــــقدمــــة
ووفق مقاربة متعددة االختصاصات تتجاوز االقتصار على حدود التخصص الواحد وهي الحالة
التي سجلها" ."Robert Hertzog
ثالثا :أهـداف البحث
-يهدف هذا البحث إلى تحديد البنية الفكرية التي يقوم عليها تصور الحكامة المالية ومعرفة
حدود هذا التصور في تحسين تسيير المالية العامة وتحقيق ترشيد اإلنفاق العام.
-معرفة اآلثار المترتبة على تبني مفهوم الحكامة المالية من منظور المؤسسات المالية ومدى
توافق هذا النهج مع واقع تسيير المالية العامة في الجزائر.
-تشخيص حالة تسيير المالية العامة في الجزائر ومدى استجابة مسار اإلصالح الميزانياتي
ألسس ومتطلبات الحكامة المالية.
-تقديم رؤية نقدية للقانون العضوي المتعلق بقوانين المالية الجديد مقارنة بالتجربة المغربية
والفرنسية ومدى مساهمته في تحقيق ترشيد اإلنفاق العام.
رابعا :الدراسات السابقة
ومن أبرز الدارسات التي تناولت الموضوع:
démocratie et bonne gouvernance Réformes des finance -1
publiquesكتاب جماعي تحت إشراف Michel Bouvierنشر سنة 2004تناول إعادة
بناء واصالح المالية العامة للغد من خالل التطرق لمالية الدولة ،التحكم في اإلنفاق العام،
تطور التسيير العمومي والوظيفة العمومية ،شرعية الضريبة في العالم المعاصر ،جوانب
الحكامة المالية العامة الجديدة ،المالية المحلية ورهاناتها ،وتطرق إلصالح تمويل الضمان
االجتماعي ،يعرض الكتاب لدراسة تحوالت المالية العامة واعادة بنائها في ظل رهانات الحكامة
المالية الجديدة .وتوصل الباحثون إلى نتائج مفادها ضرورة إعادة النظر في مقاربة تسيير
المالية العامة من وجهة نظر شاملة ومعاصرة تراعي جميع الحقول العلمية التي تتجاذبها
والفاعلين في سياقها ،حيث تعني استعادة التحكم في المالية العامة اليوم جعلها أكثر ديمقراطية
وهو ما يراه " " Marcel Maussويؤكده " " Robert hertzogأنظر في هذا :
Michel Bouvier, sciences des finances publiques : le quiproquo, RFFP, n°133, 2016,p39
Robert hertzog, le droit public financier : un conquérant en attente de reconnaissance, RFFP,
n 133, 2016.p 83-95. 6
مــــــقدمــــة
من خالل تفعيل الرقابة وانقاق عمومي أفضل واقتطاع وضرائب أقل يعني حكامة جيدة ،تركز
دراستنا مقارنة بهذه الدراسة بالتطرق لحالة إصالح المالية العامة في الجزائر والتركيز على
مسألة ترشيد االنفاق العام.
Réforme des finances publiques: la conduite du changement -2
مؤلف جماعي تحت اشراف Michel Bouvierنشر سنة 2007تناول عدد من األكاديميين
المتخصصين كيفية قيادة التغيير الالزم إلصالح المالية العامة ،من خالل تحليل أحدث
تطورات قيادة التغيير في مجال مالية الدولة ،بفرنسا والخارج من ثالثة فصول :قيادة وتماسك
إصالح الشؤون المالية للدولة ،تماسك وحكامة البرامج ،تجربة وتماسك اإلصالحات في
الخارج ،كما يتطرق إلى قيادة التغيير في المالية المحلية والتمويل االجتماعي في ثالثة فصول:
كيفية قيادة اإلصالح من قبل صناع القرار المحليين ،وكذا إصالح المالية المحلية ،يهدف
المؤلف الوقوف على التطور الحاصل في مجال إصالح المالية العامة مع البدء في تنفيذ
القانون المتعلق بقوانين المالية الفرنسي بداية من سنة 2006الذي يعتبر "الدستور المالي
للدولة " ومقارنة ذلك ببعض التجارب في الدول األخرى ،خلص الباحثون في الكتاب أن الدولة
مريضة اليوم بالنظر لعدم كفاءتها وتراجع ثقة المواطن فيها بشكل كبير ،في هذا السياق
يعد LOLFفرصة فريدة من نوعها لتجديد تسييرها وجعلها أكثر شرعية من خالل إلزامية تحقيق
النتائج ،والتأكيد على أن الرهان الحقيقية لإلصالح المالية العامة يتجاوز االستعمال األمثل
للموارد إلى جعل معركة فعالية النفقات العامة عنصر رئيسيا في الفعل اإلداري ،تناول الكتاب
تجارب قيادة التغيير واصالح المالية العامة في بعض الدول المتقدمة والدول النامية ،في حين
تركز دراستنا على مقاربة إصالح المالية العامة في الجزائر مع مقارنتها بالتجربة الفرنسية
والمغربية .
Les réformes des finances publiques : Enjeux politiques et -3
gestionnaires
كتاب جماعي تحت إشراف كل من Mohamed Djouldemو Cenevive Telleierو
Christian de Visscherصدر سنة 2011تناولت فصوله األربعة على التوالي سياق
واستراتيجيات وشرعية إصالح المالية العامة ،معايير وأدوات قيادة هذه االصالح ،اإلصالح
على مستوى المنظمات ،مناقشة النظريات المفسرة للديون والعجز والنفقات ،يعتقد مؤلفو الكتاب
أن الوضعية الحرجة للمالية العامة تدفع إلى تعميق التفكير النظري والتجريبي ،فيتم طرح
7
مــــــقدمــــة
التسيير العمومي الجديد في سياق التشكيك في الدولة واإلدارات العامة من ناحية ،والترويج
لنموذج جديد لتسيير الشؤون العامة ،حيث المنهج المناجيريالي الجديد يغذي اإلصالحات
وله تأثير على السياسات الميزانياتية التي تنتهجها الدول الديمقراطية بهدف تحقيق الحكامة
المالية الجيدة ،أي إنشاء إدارات تعمل بشكل أفضل وتكلفة أقل ،خلص مؤلفو الكتاب إلى أن
إصالحات المالية العامة هي ردود مناسبة على عدم الثقة في الدولة بشكل عام والبيروق ارطيات
العامة بشكل خاص والتركيز على مزيد من الشفافية واألداء ،األمر الذي يضع بعض المبادئ
العامة مثل استم اررية الخدمة العامة والمساواة والحياد على المحك ،وعليه فإن ما يميز دراستنا
أنها تحاول تحليل وضعية التسيير المالي العمومي في الجزائر ،ومدى قدرتها على استيعاب
التحوالت التي تفرضها العوامل الخارجية ممثلة في العولمة وأدواتها بين رهانات ترشيد اإلنفاق
العام وأولويات العدالة االجتماعية في إطار البحث عن تسيير فعال للمالية العامة يضمن
توافقا بين الشرعية القانونية والفعالية التسييرية.
La nouvelle gouvernance financière de l'état 4لكل من Michel
Bouvier, André Barilari
صدر الكتاب سنة 2004و يتناول بالدراسة والتحليل القانون العضوي المتعلق بقانون العصوي
للمالية العامة الفرنسي المتبنى سنة 2001هذا القانون يشكل تحديا لإلدارة الفرنسية باعتباره
يجسد تحوال عميقا يتجا وز مسألة إصالح تسيير المالية العامة ،ويمثل ثورة ثقافية حقيقية ال
تقتصر على تبني تصور مناجيريالي للتسيير العمومي ،ولكنه يندرج في منظور أكثر شمولية
يتعلق بمفهوم الحكامة المالية العامة الجديدة ،تسعى دراستنا إلى محاولة مقارنة مدى نجاح
التجربة الجزائرية في إصالح اإلطار القانوني المنظم للمالية العامة مع نضيرتها في فرنسا
على اعتبار أن القانون 15/18تم استالهم جل مبادئه من القانون العضوي المتعلق بقوانين
المالية الفرنسي LOLFوابراز مزايا وعيوب هذه التجربة في تحقيق رهان الحكامة المالية العامة
La nouvelle gouvernance des finances publiques au Maro eten -5
France : quelles perspectives
عدد خاص للمجلة الفرنسية للمالية العامة صدر سنة 2010وهو نتاج ندوة دولية تم التطرق
فيها للحكامة الجديدة للمالية العامة بالمغرب وفرنسا حيث خلصت الندوة إلى أن إشكالية تسيير
المالية العامة ال تقتصر على الرفع من الموارد وانما التحكم في اإلنفاق والحرص على أن
اإلنفاق الرشيد ليس هو اإلنفاق األقل ،وانما اإلنفاق األحسن ،كما تعرضت إلى مزايا ومخاطر
8
مــــــقدمــــة
الخيار الجهوي والمحلي في تسيير المال العام ،وتم طرح السؤال عم إذا كان من المفيد تسير
الدولة بنفس المنطق الذي تسيير به كبريات الشركات العالمية؟ ،وتم التأكيد على أهمية الشفافية
واشراك المواطن في عملية اتخاذ القرار وفي تعديل المشاريع الحكومية ومراقبة تنفيذها ،تحاول
دراستنا مقارنه هذا التجربة في السياق الجزائري واإلجابة عن إمكانية استيراد التقنيات وتجارب
إصالح تسيير المالية العامة ونجاحها في تحقيق رشادة اإلنفاق العام.
La réforme budgétaire en Algérie : à la recherche d'un modè -6
Abdelhak CHEURFAوهي أطروحة دكتوراه في العلوم القانونية تمت مناقشتها لـــ
بجامعة السربون سنة 2016تناولت بالدارسة والتحليل مسار اإلصالح الميزانياتي في الجزائر
من خالل التطرق للمبادئ التوجيهية لمشروع تحديث أنظمة الميزانية تماشيا مع اإلصالحات
المؤسسية التي تميل إلى رفع مستوى الميزانية القائمة على األداء إلى المستوى الدولي للحكامة
الجيدة ،وخلص الباحث إلى أن السياق الجزائري الحالي الذي يتسم بالطابع الريعي بشكل
أساسي لمالية الدولة يتناقض مع منطق األداء ،وأن عملية اإلصالح وتبني ميزانية األداء
تسيير بوتيرة متقطعة ولكنها تشكل ضرورة اقتصادية وسياسية البد من تحقيقها ،في حين تهتم
دراستنا بتناول اإلطار العام للحكامة والحكامة المالية العامة ،وتركز على دورها في ترشيد
اإلنفاق العام ،وتعرض إلى مسار إصالح تسيير المالية العامة من خالل التطرق للقانون
العضوي المتعلق بقوانين المالية الجديد باعتباره أحد اآلليات القانونية المهمة في تجسيد الحكامة
المالية العامة .
"-7الحكم الراشد كمدخل حديث لترشيد اإلنفاق العام" لـ" شعبان فرج " هي أطروحة دكتوراه
في العلوم االقتصادية تمت مناقشتها خالل الموسم الدراسي 2011/2012بجامعة الجزائر
تناول الباحث فيها دارسة وتحليل اإلطار المفاهيمي للحكم الراشد وترشيد اإلنفاق العام كما
تناول بالتحليل دور آليات الشفافية والمشاركة ومحاربة الفساد والرقابة في تحقيق رشادة تسيير
المال العام ،وخلص الباحث إلى أهمية مبادئ الحكامة الجيدة القائمة على اإلدارة الجيدة
لموارد الدولة في تحقيق ترشيد اإلنفاق العام معتب ار أن اإلشكالية تتعلق بسوء التسيير وادارة
المال العام ،مقارنة بهذه الدارسة التي اهتمت بالجانب االقتصادي لمفهوم الحكامة الجيدة
تركز دارستنا على اعتبار الحكامة المالية العامة محور اهتمام وملتقى تخصصات متقاطعة
تعكس ثراء أنظمة المالية العامة كما تفصل في مسار إصالح اإلطار القانوني لتسيير المالية
العامة ومقارنته مع التجربة في فرنسا والمغرب.
9
مــــــقدمــــة
"-8عصرنة تسيير الموازنة العامة وأهميتها في ترشيد النفقات العامة" لـ" بوجطو حكيم "
أطروحة دكتوراه في العلوم االقتصادية تمت مناقشتها بجامعة البليدة خالل الموسم الدراسي
، 2013/2014تناول الباحث فيها مختلف توجهات العصرنة نحو اعتماد منطق النتائج في
تسيير الميزانية العامة ،ومدى مساهمة عناصرها في ترشيد اإلنفاق العام ،عبر تحليل مدى
توفر آل يات وشروط تحقيق الكفاءة في تنفيذ الميزانية العامة ،والفعالية في تخصيص الموارد
ومدى إمكانية قياس األداء في ظل تطبيق الميزانية المرتكزة على النتائج ،خلص الباحث إلى
أن تجربة عصرنة نظام الميزانياتي بتطبيق الميزانية المرتكزة على النتائج يعد أداة أساسية في
ترشيد اإلنفاق العام إذا ما تم االنتقال إليه بشكل تدريجي من التسيير بمنطق الوسائل إلى
منطق النتائج ،في حين -باإلضافة إلى تناول مسار اإلصالح الميزانياتي– تتناول دارستنا
مفهوم الحكامة والحكامة المالية العامة تحديدا وتبين أهميتها في تحديث تسيير المالية العامة
وتحقيق ترشيد اإلنفاق العام.
10
مــــــقدمــــة
* إلى أي مدى يستجيب اإلصالح الميزانياتي في الجزائر لمقتضيات ترشيد اإلنفاق العام؟
* ماهي تحديات وآفاق حكامة اإلنفاق العام في الجزائر؟
سادسا :صعوبات البحث
تتعلق الصعوبات التي اعترضت عملية إعداد هذا البحث بطبيعة الموضوع الذي يكاد
يجمع الباحثون على اعتبار جزئيتيه " الحكامة " و" المالية العامة " تتواجدان "بمفترق طرق
العلوم" ،حيث يتميز كالهما بتداخل عدد من االختصاصات التي تتطلب القيام بمراجعة أدبيات
متعددة التخصصات واإللمام بالعديد من المصطلحات والنظريات المرتبطة بها ،خاصة في
ظل الصعوبات المرتبطة بترجمة المصطلح القانوني والمالي خصوصا ،باعتبار أن الدارسات
المتخصصة في المجال كلها باللغة األجنبية وما تطرحها من إشكاليات الحرفية وتكييف
المعنى ،إضافة إلى الصعوبات المرتبطة بمشكلة الحصول على المراجع والمصادر والوثائق،
التي رغم توفر بعض منها على شبكة األنترنت ،فإن العديد منها غير متاح للجميع ،مع وجوب
اإلشارة إلى عدم توفر الكتب المتخصصة في مجال البحث على مستوى مكتبات الجامعات
والمكاتب العمومية أو الخاصة.
سابعا :مناهج البحث
تشكل دراسة الحكامة المالية العامة محور اهتمام وملتقى عدة تخصصات علمية
الرتباطها بجوانب قانونية واقتصادية وسياسية واجتماعية ،تفرض على الباحث تناولها من
خالل االستعانة بعدد من المقاربات ومناهج البحث العلمي التي من شانها أن تساعد في تحليل
مختلف المظاهر التي تميز الحكامة المالية ،وتقييم مدى تحقيقيها لفعالية وكفاءة اإلنفاق العام،
لذلك كان البد من االعتماد على مقاربة منهجية متعددة استندت إلى:
-المنهج البنيوي الوظيفي الذي يحدد بنية مختلف فواعل الحكامة المالية ويرصد أهم
الوظائف الموكلة لها بناء على ما تم تحديده من اختصاصات وضمانات لممارسة
مهامها.
11
مــــــقدمــــة
-منهج تحليل المضمون لدراسة فحوى الوثائق الصادرة عن المؤسسات والهيئات المتعلقة
بالحكامة المالية ،وكذا دراسة النصوص القانونية التي تحكم تسيير المالية العامة في
الجزائر.
-المنهج التاريخي لدراسة التطور الذي عرفته مفاهيم البحث :المالية العامة الحكامة،
الدولة ،اإلنفاق العام ،عبر المراحل التاريخية خاصة المعاصرة منها.
-المنهج المقارن بهدف االستفادة من بعض التجارب في مجال تسيير المالية العامة
وترشيد اإلنفاق العام في دول أخرى خاصة فرنسا والمغرب.
12
مــــــقدمــــة
وفي الفصل الثالث استشراف للتحول المأمول من تبني القانون العضوي 18/15المتعلق
بقوانين المالية كإطار لتسيير المالية العامة لتحقيق حكامة اإلنفاق العام .لتنتهي الدارسة بخاتمة
عرضت أهم النتائج المتوصل إليها واالقتراحات الكفيلة بتجسيد التسيير األمثل للمال العام.
13
الفصل التمهيدي
المقاربة المفاهيمية
للحكامة
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
شهد النصف الثاني من القرن العشرين تحوالت مهمة أدت إلى تراجع مفاهيم وظهور
أخرى ،فواجهت أدبيات التنظير للدولة-التي تستمد مرجعيتها من المقاربة الفيبرية-عدة
إشكاليات في ظل العولمة ،أدت إلعادة تعريف الدولة سواء من ناحية مبدأ السيادة ،أو من
ناحية طرق وآليات ممارسة السلطة في المجتمعات المعاصرة ،1وفي هذا السياق ظهرت عدة
مفاهيم ومصطلحات غزت الحقل المعرفي ،منها ":المجتمع المدني" و"الحكامة".2
يعتبر مفهوم الحكامة من بين المفاهيم التي أثارت جدال واسعا رغم االتفاق على أهميته
وضرورة تناوله سواء على الصعيد السياسي االقتصادي أو اإلعالمي والمؤسساتي ،ومرد ذلك
إلى سعة تداوله وارتباطه بعدة مفاهيم وتطورات سياسية ،واقتصادية ،واجتماعية ،شهدها العالم
في تسعينيات القرن الماضي كالعولمة ،التحول الديمقراطي ،الخصخصة ،أزمة دولة الرفاهية،
المجتمع المدني ،مما أثار نقاشا واسعا حول تعريف دور الدولة ،والعالقة بين الدولة والقطاع
الخاص ومؤسسات المجتمع المدني ،ليفرز اجتهادات مختلفة تراوحت من النقيض إلى النقيض.
يكتسي المفهوم أهميته من خالل عالقته بمشكالت وآفاق التنمية حيث يعتبره البعض
عامال أساسيا في إصالح الدولة والمجتمع ،وأداة لترشيد وتسيير الموارد المالية والبشرية،
ومدخال لتحقيق التنمية ،وفي المقابل يضفي البعض اآلخر الطابع اإليديولوجي والسياسي على
المفهوم بطرحه كبديل عن الدولة ذاتها في ظل سيادة العولمة والليبيرالية الجديدة في سياق
المشروطية التي تفرضها المؤسسات المالية الدولية على الدول النامية مقابل حصولها على
مساعدتها المادية.3
رضوان بروسي ،من الدولة الفيبرية إلى الحوكمة كمنظور دولتي جديد :رؤية نقدية ،المجلة العربية للعلوم السياسية، 1
تصدر عن الجمعية العربية للعلوم السياسية بالتعاون مع مركز دراسات الوحدة العربية ،لبنان ،العدد ،06/2013 ،38
ص.59
للتفصيل أكثر أنظر في هذا :سمير بلمليح" ،الحكامة الجيدة" أو نهاية زمن السياسة ،مجلة مسالك في الفكر والسياسية 2
3رشيد السعيد ،كريم لحرش ،الحكامة الجيدة بالمغرب ،ومتطلبات التنمية البشرية المستدامة ،طوب بريس ،المغرب ،الطبعة
األولى ،2009الرباط ،ص .12
15
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
يطرح المفهوم عدة إشكاالت لكونه يحمل عدة معاني ويتم استخدامه في عدة حقول
معرفية ومجاالت عمل مختلفة ،وفي فضاءات إقليمية واجتماعية متنوعة.1
كما يثير عدة تساؤالت في عالقته بمفاهيم أخرى مثل :الدولة والسيادة والديمقراطية،
فاالنتشار الواسع لمفهوم الحكامة يطرح جملة من التناقضات والتوترات التي يعرفها عالمنا
اليوم ،فهو يتسم بالغموض وال يوجد تعريف موحد له ،وهي إحدى اإلشكاالت التي تواجه العلوم
االجتماعية حيث تجد صعوبة في تقديم تعريف محدد للمفاهيم المستخدمة ،وغالبا ما يتم
استعارتها من الحديث اليومي ،وهو ما يطرح إشكالية معرفية للعلوم اإلنسانية واالجتماعية التي
يتطلب تطويرها ،إذ يستعمله فاعلون مختلفون ويصفونه بجميع أنواع المعاني والدالالت مما
زاد في غموضه ،2يطرح مفهوم الحكامة إشكاليات على ثالث مستويات :المستوى اللغوي أو
االصطالحي ،3وايجاد تعريف موحد ومضبوط لجميع عناصره ومكوناته ،4وكذا على مستوى
1
françois–castaing, " la gouvernance : défis d'une approche non normative", revue idara
(numero spécial), actes du colloque international sur la gouvernance, Alger 20 – 21 novembre
2005, vol 15, n° 2, 2005, p 9.
2
Ali Cazancigil, la gouvernance - pour ou contre Le Politique ?, armand colin, paris, 25 aout
2010, p17.
3دراسة االشتقاق اللغوي لمصطلح الحكامة في عديد القواميس العربية لم تقدم لنا أي نتيجة عدا "حكمه في أموره :جعل إليه
الحكم فيها والتصرف" أنظر في هذا :ابن منظور أبو الفضل جمال الدين مكرم اإلفريقي المصري ،لسان العرب ،مؤسسة
األعلمي للمطبوعات ،بيروت ،لبنان .2005،ج ،5ص .173وتبقى الكلمة دخيلة على االستعمال في العربية فهي ترجمة
حرفية للكلمة الفرنسية " "GOUVERNANCEواالنجليزية " " COVERNANCEوالعديد من المفاهيم قد ال يكون لها ترجمة
حرفية باللغة العربية تعكس نفس المعنى أو الدالالت التي تعكسها باللغة الفرنسية أو اإلنجليزية ،ومصطلح الحكامة مثال
يجسد هذه المسألة ،فقد تمت ترجمت ه إلى عدة مصطلحات :الحكم وأسلوب الحكم ،إدارة شؤون الدولة والمجتمع ،الحاكمية ،
الحوكمة ،الحكمانية ،...وهي ترجمة ال تعكس داللة المفهوم ومحتواه والهدف المقصود منه أنظ ار في هذا :سلوى شعراوي
جمعة وآخرون ،إدارة شؤون الدولة والمجتمع ،مركز دراسات واستشارات اإلدارة العامة ،القاهرة ،ط 2001 ،1ص .8
4من األسباب التي ساهمت في الغموض الذي يحيط بمفهوم الحكامة -إضافة إلى مشكلة الترجمة "-تعدد التعريفات حول
طبيعة ومحتوى هذا المصطلح إلى حد اعتبار بعض الباحثين أن الحديث عنه مثل الحديث عن الدين حيث المعتقدات قوية
للغاية ،ولكن األدلة والبراهين القابلة للقياس معقدة للغاية ،أنظر في هذا :سلوى شعراوي جمعة وآخرون ،مرجع سابق ،ص
.8
16
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
النموذج المراد تقديمه بالنظر لوجود نماذج عديدة للحكامة .1وهي األسباب التي دعت إلى
تخصيص فصل تمهيدي لتحليل اإلطار النظري لمفهوم الحكامة وتقديم تصور حوله انطالقا
من قاعدة أن الحكم عن الشيء فرع عن تصوره ،وبالنظر لغموض المفهوم وعدم االتفاق حوله
يعد طرح مختلف المقاربات المختلفة التي تتناوله أم ار مفيدا من الناحية المنهجية وهو ما
سنتناوله كاآلتي:
المبحث األول :الحكامة بين المقاربة المؤسساتية والمقاربة األكاديمية
يعتبر مفهوم الحكامة من المفاهيم القديمة المتجددة التي تثير نقاشا وتداوال مستم ار فقد
عرفته الحضارات القديمة دون تسميته ،والبابليون والصينيون والمصريون من خالل تسيير
السلطات واالستقاللية المحلية لإلمبراطورية الرومانية ،في محاولة إليجاد أسس فلسفية أخالقية
ودينية م ن أجل تحسين نوعية الحياة عبر ضبط السلطات كضمان العدالة ،وتحديد شروط
الحكومة الرشيدة ،وتعد الحكامة من المفاهيم المتجددة التي أحدثت ثورة على المستوى
البيداغوجي لعالقتها بتخصصات عدة ،فقد عرفتها فرنسا في العصر الوسيط وظهرت في
2
بريطانيا عند تمويل الحكومة برنامجا يتعلق بإعادة تكوين السلطة المحلية.
وارتبط "المفهوم في بداية استعماله في اللغتين الفرنسية واإلنجليزية بالمجال السياسي
فلم يكن يحيد عن مدلول الحكم COUVERNEMENTأو تدبير الشأن العام ،غير أن
التطور الذي شهده الحقا في اللغة األنجلوساكسونية السيما بالواليات المتحدة األمريكية نقله
من المجال السياسي إلى المجال االقتصادي حيث أصبح مرتبطا بأسلوب تسيير المقاوالت
الصناعية والتجارية" 3في النصف األول من القرن التاسع عشر على يد االقتصاديين
األمريكيين ،ثم ُبعث في نهاية عقد ثمانينيات القرن الماضي على يد المنظمات المالية الدولية
يعرف نموذج الحكامة بأنها " مجموعة مميزة أو تجمع لهياكل إدارية ومسؤوليات (وظائف) وعمليات (ممارسات) منسجمة 1
منطقيا مع بعضها البعض ،فالهيكل يعبر عن المعايير التي يتم بموجبها اختيار وتحديد عمليات مجالس اإلدارة التي يتم
إنشاؤها وفقا للتشريعات واألنظمة السياسية ،بينما تعبر المسؤوليات (المهام والوظائف) عن ماهية الحكمانية ،أما العمليات
فتعبر عن كيفية ممارسة وظائف الحكمانية .لمزيد من التفاصيل أنظر في هذا :زهير الكايد ،مرجع سابق ،ص ص .30،29
2نجيب جيري ،الحكامة وسؤال المدلول :مقاربة ابستمولوجية في المفهوم والسياق المرجعي :قراءة نقدية ،مجلة القضاء اإلداري،
المغرب ،مج ،02العدد ،04المغرب ،ص .145
سمير بمليح "،الحكامة الجيدة " أو نهاية زمن السياسة ،مرجع سابق ،ص .161 3
17
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
وفي مقدمتها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لتعريف معايير اإلدارة الرشيدة العمومية في
الدول التي خضعت لبرامج التعديل الهيكلي ،كما تم تقديمه بعدها في إطار البرنامج األممي
عند تشخيصه لألزمة التي عرفتها إفريقيا بعد فشل سياسيات التعديل الهيكلي ،وطرحه كوصفة
تمكن من تحقيق التنمية االقتصادية عن طريق الربط بين الكفاءة في التسيير والفعالية
االقتصادية ،وفي هذا السياق أصبح المفهوم مطروحا كنموذج للتنمية فرضته المؤسسات المالية
الدولية كشرط لتقديم المساعدات للدول النامية.
يتناول اإلطار المفاهيمي للحكامة "مقاربة إشكاليات توزيع السلطات والمسؤوليات،
وأنساق اتخاذ القرار ،أدوار مؤسسات النظام االجتماعي والسياسي ،كما يمتد إلى إشكاالت
دمقرطة تسيير الدولة والتعبئة المدنية والمبادرات المحلية والمواطنة ،ومن ثم فإن المقاربة
المفاهيمية للحكامة تتعدد بين تيارات مؤسساتية وفكرية ".1
المطلب األول :الحكامة من منظور المؤسسات الدولية والجهوية واإلقليمية
-المقاربة المؤسساتية-
عرف مفهوم الحكامة انتشار واسعا في أدبيات المؤسسات الدولية المالية واالقتصادية
خاصة بعد أن أعاد البنك الدولي إحيائه بشكله المعاصر في تقريره حول التنمية جنوب
الصحراء سنة * .1989وقدم مقاربته لحل هذه األزمة التي أرجعها إلى "أزمة حكامة" والتي
تمثلت في تقديم مجموعة من المبادئ التي تؤسس لمفهوم الحكامة الجيدة مثل :الشفافية،
المساءلة ،مكافحة الفساد ،تقليص دور الدولة وخفض النفقات العامة ،الالمركزية ،وتلك المبادئ
وعناصر المشروطية في إطار" توافق أو إجماع واشنطن" التي أصبحت محتوى
،consensus de Washingtonهذه المقاربة تبنتها جل مؤسسات التنمية الدولية األخرى
18
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
رضوان بروسي :الدمقرطة والحكم الراشد في افريقيا :دراسة في المداخل النظرية ،اآلليات والعمليات ،ومؤشرات نوعية 1
الحكم ،رسالة ماجستير ،كلية الحقو ق والعلوم السياسية ،جامعة باتنة ،2009/2008 ،ص .128
2
World Bank, Report On Governance And Development, Washington, D.C– 1992, p1
ويميز التقرير بين ثالثة إبعاد للحكامة وهي ":طبيعة النظام السياسي ،العملية التي من خاللها تمارس السلطة تسيير 3
الموارد االقتصادية واالجتماعية لبلد ما ،قدرة الحكومة على تصور وصياغة وتنفيذ السياسات ،والطريقة العامة إلدارة
الوظائف الحكومية أنظر في هذا:
Bonnie Campbell, Djifa abada, " la gouvernance : entre l'etat et le marché, qui
gouverne l'ordre social ? ", les caliers de la chaire c – a poissant de recherche sur la
gouvernance et l'aide au developpementn°1, uqam, 2006, p 1 .Sur le site suivant
http://www.er.uqam.ca/nobel/ieim/IMG/pdf/Cahier_2006-: Consulter le12/01/2014.
19
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
القانوني للتنمية ،الشفافية والمعلومات 1.معتمدا تعريفا ضيقا يتجنب تناول طبيعة النظام
2
السياسي لكونه خارج دائرة واليته.
تطور تعريف البنك الدولي للحكامة الحقا من سنة 1994إلى حين صدور تقريره حول
التنمية سنة 1997المعنون بـ ـ ـ " تقرير حول التنمية في العالم :الدولة في عالم متغير" ،حيث
قدم التقرير مقترحا عاما لتناول مسألة فعالية الدولة واعادة التفكير في دورها ،والنظر للتنمية
على أنها ليست مجرد الحصول على المدخالت االقتصادية والتقنية الصحيحة ،وانما أيضا
البيئة المؤسسية الداعمة لها .أي القواعد واألعراف التي تحدد كيفية استخدام تلك المدخالت،
3
وبالتالي بداية االنتقال للحديث عن العوامل السياسية للحكامة.
1
Bonnie Campbell, " gouvernance : un concept apolitique Communication pour la table ronde
" Quel modèle politique sous-jacent au concept apolitique de gouvernance ?", séminaire d'été
de haut conseil de la coopération internationale :" le développement : pour un débat politique",
Dourdan (France), Mardi 29 Août 2000. p 4.
2
Oliver Kask (membre, estonie), bilan-sur les notions de " bonne gouvernance et de bonne
administration", commission européenne pour la démocratie par le droit (commission de
Venise), étude n 470 / 2008, Strasbourg, 9 mars 2011, p3. Sur le site suivant
: http:www.venice.coe.int Consulter le15/02/2015.
3البنك الدولي ،تقرير عن التنمية في العالم -الدولة في عالم متغير ،01/09/1997-ص 03وعلى الرابط:
http://documents.albankaldawli.org/curated/ar/142321468338941655/World-
development-report-1997-the-sta
20
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
ثم شهد تحوال مهما بتناوله للجانب السياسي بصدور تقريره حول التنمية لسنة 1999
وظهور مفهوم الحكامة الفعالة ،1وعرفها بأنها "العمليات والمؤسسات التي بواسطتها تمارس
السلطة في بلد ما".2
3
-جدول بمواضيع الحكامة وفق البنك الدولي
تنظيم األسواق الحريات في عمل األسواق المؤسسات السياسة والحريات المدنية
1
Bonnie Campbell," gouvernance: un concept apolitique Communication pour la table ronde
"Quel modèle politique sous-jacent au concept apolitique de gouvernance?" op.cit. p12.
" :ويتضمن هذا التعريف ما يلي
-العملية التي من خاللها يتم اختيار الحكومات ومساءلتها ،ومراقبتها وتغييرها.
-قدرات الحكومة إلدارة الموارد وتموين الخدمات بفعالية ،وصياغة ووضع سياسات وتشريعات جيدة.
-احترام المؤسسات التي تحكم التفاعالت االقتصادية واالجتماعية أنظر في هذا:
Daniel Kaufman, Repenser la bonne gouvernance : dialogue sur la gouvernance et
développement au Moyen-Orient et en Afrique du nord, Paris, Beyrouth, Rabat et
Washington : 2003.p3
البنك الدولي ،تقرير عن التنمية :1999/2000دخول القرن الواحد والعشرون ،الفصل الخامس :تحقيق الالمركزية :إعادة 2
21
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
22
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
الق اررات السياسية واالقتصادية أكثر شفافية للوصول إلى الحد األقصى من المعلومات حول
المالية العامة ،وتوحيد ممارسات التدقيق والمراقبة ".1
يربط تعريف صندوق النقد الدولي بين الحكامة الجيدة ومكافحة الفساد ،وهو ما ظهر في
دليل صندوق النقد الدولي لسنة 1997حول الحكامة الجيدة ،ومحاربة الفساد ،ويعطي
للمصطلح بعده االقتصادي من خالل التركيز على الشفافية والمسؤولية في تسيير الموارد
العمومية وتطبيق ذلك في القطاع المالي ،كما قدم تعريفا آخر للمصطلح بأنه "مفهوم واسع
يشمل جميع الجوانب في كيفية حكم أي بلد ،بما في ذلك سياساته االقتصادية واطاره التنظيمي،
باإلضافة إلى االلتزام بسيادة القانونّ ".2
ال يختلف تعريف صندوق النقد الدولي في طرحه عن البنك الدولي فيركز على البعد
التقني والجوانب االقتصادية للمصطلح ،كما أن الصندوق يحاول مراجعة نظام الحكامة داخل
الصندوق ذاته بسب غياب المساواة بين أعضائه والفعالية في مواجهة األزمات المالية خاصة
أزمة ،2008وهو ما تناوله مراجعة لنظام الحكامة داخل الصندوق بطرح مسألة حصص
العضوية والقوة التصويتية التي مست بمسألة شرعية الصندوق ودوره في المجال المالي.3
ثالثا :البرنامج اإلنمائي األمم المتحدة PNUD
عرف البرنامج الحكامة في وثيقة صدرت سنة 1997بعنوان الحكامة من أجل التنمية
البشرية المستدامة بأنها" عبارة عن ممارسة السلطة االقتصادية والسياسية واإلدارية لتسيير
شؤون بلد ما على كافة المستويات ،فهو يشمل اآلليات* والعمليات والمؤسسات التي من
1
The Role of the IMF in Governance Issues: Guidance Note, Approved by the IMF Executive
Board,25 July 1997, pp1,2.
وأيضا :أحمد صادق زاوي ،الحكم الراشد ،المؤسسات والنمو االقتصادي .العوامل المؤسساتية والنمو االقتصادي في الجزائر،
أطروحة دكتوراه في العلوم االقتصادية ،جامعة أبي بكر بلقايد-تلمسان ،2017/2016 ،-تلمسان ص ص .3 ،30
صندوق النقد الدولي ،صحيفة الوقائع على الرابط http://www.imf.org/external/np/exr/facts/gov.h :تاريخ 2
االطالع.3/04/2018 :
صندوق النقد الدولي ،مكتب التقييم المستقل ،الحوكمة في صندوق النقد الدولي :تقييم ،ماي ،2008ص .06 3
* مستلهما تصوره من أطروحة "امارتيا سن" حول دور الديمقراطية في تحقيق التنمية الذي يرى في مفهوم الفقر معرفا بالقدرة
عوض ارتباطها باألمالك.
23
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
خاللها يعبر األفراد عن مصالحهم ويمارسون حقوقهم القانونية ويوفون بالتزاماتهم ويسوون
خالفاتهم ".1
كما وضع التقرير نفسه تعريفا للحكامة الجيدة من خالل تحديد خصائصها ممثلة في
المشاركة ،حكم القانون ،االستجابة ،بناء التوافق ،المساءلة ،الفاعلية والكفاءة ،الرؤية
االستراتيجية ،ويتبين لنا من هذا التعريف أن برنامج األمم المتحدة اإلنمائي PNUDيقدم
مقاربة جديدة تأخذ بعين االعتبار الجوانب االقتصادية والسياسية واإلدارية ،مع إعطاء أهمية
واضحة للبعد السياسي في عملية التنمية ،وهو ما ظهر جليا في تعديالت البرنامج لمفهوم
الحكامة خاصة في تقريره العالمي حول التنمية البشرية لسنة 2002الذي جاء بعنوان " :
تعميق الديمقراطية في عالم مبعثر ،في الفصل الثاني منه المعنون بـ ــ" الحكامة الديمقراطية
في خدمة التنمية البشرية "أين ربط نجاح التنمية بوجود حكامة ديمقراطية راسخة في كل
مستويات المجتمع " الحكامة الجيدة" من وجهة نظر التنمية البشرية تعني الحكامة الديمقراطية
2
على وجه التحديد".
ويعتبر البرنامج الحكامة الديمقراطية عنص ار جوهريا من عناصر النظام الديمقراطي،
دون أن تكون مرادفا بالضرورة للديمقراطية في حد ذاتها ،ويصفها على أنها" قيمة ومفهوم
يستند إلى حقوق اإلنسان ويتطلب تحقيق تقدم مستدام في التنمية البشرية".3
وقد وضع البرنامج مفهوم الحكامة الديمقراطية موضع التطبيق في خطته االستراتيجية
لفترة "2011-2008بوصفها عملية تهدف إلى إيجاد بيئة مستدامة لإلجراءات السياسية
الجامعة والمتجاوبة مع المتغيرات من خالل تشجيع المشاركة الشاملة ،وتدعيم المؤسسات
المتجاوبة بغية ضمان المسائلة من أجل تحقيق نتائج هادفة ،وترسيخ القواعد والمبادئ الدولية
1
UNDP, " governance for sustainable human development: A UNDP policy document
وأيضا :رضوان (1997).p3 on site http://mirror.undp.org/magnet/policy/chapter1.htm#c ,
بروسي :مرجع سابق ،ص .134
2
PNUD, Rapport mondial sur le développement humain 2002 : Approfondir la démocratie dans
un monde fragmenté. New York : De Boeck, p 51.
3األمم المتحدة ،لجنة حقوق اإلنسان ،الدورة السادسة والخمسون ،القرار .64/2000
24
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
المتفق عليها عن طريق تدعيم الروابط التي تصل بين العمل المعياري لمنظومة األمم المتحدة
1
ونشاطاتها العملية".
الفرع الثاني :الحكامة في أدبيات المنظمات القارية واإلقليمية
اهت مت عديد المؤسسات والمنظمات القارية واإلقليمية بمفهوم الحكامة بالنظر
ألهميتها وارتباطها باختصاصات متعددة ،وقضايا رئيسية تحتل صدارة اهتمامات هذه
المؤسسات مثل :التنمية ،التحول الديمقراطي ،فعالية التسيير العمومي ،تسيير المالية العامة،
ومن بين هذه المؤسسات التي اشتغلت بمفهوم الحكامة والحكامة الجيدة:
أوال :منظمة التعاون والتنمية االقتصادية OCDE
عرفت الحكامة الجيدة في اجتماع اللجنة الو ازرية المنعقد في باريس مارس 1996
" بأنها تشمل مجموعة العالقات بين الحكومة والمواطنين سواء كأفراد ،أو كجزء من مؤسسات
سياسية واجتماعية واقتصادية ،مع تركيز على فعالية المؤسسات والقيم التي تحتويها هذه
المؤسسات مثل :المساءلة ،الرقابة ،النزاهة ".2
وتركز لجنة مساعدة التنمية المنبثقة عن المنظمة على أربعة مجاالت للحكامة الجيدة
هي :أولوية القانون ،تسيير القطاع العام ،مكافحة الفساد ،خفض النفقات العسكرية ،كما تهتم
بمسألة حقوق اإلنسان وتربط عملية التنمية بمدى احترامها خاصة ما تعلق منها بحقوق المرأة.3
تعتمد مقاربة منظمة التعاون والتنمية االقتصادية لمفهوم الحكامة الجيدة على بعد تقني
يرتبط بمفهوم التسيير الجيد للشأن العام ومفهوم التنمية التشاركية ،ولكنها حينما تتعامل مع
الدول النامية تربطها بمفاهيم الدمقرطة ومراعاة حقوق اإلنسان ،وهو ما تجسده اتفاقيات الشراكة
التي قام به االتحاد األوربي خاصة مع الدول اإلفريقية.
1البرنامج اإلنمائي لألمم المتحدة ،إدماج مكافحة الفساد في التنمية ،مذكرة تطبيقية ،ديسمبر ،2008ص .5
2
OCDE, Le développement participatif et la bonne gestion des affaires publiques, lignes
directrices sur la coopération pour le développement, France : service des publications OCDE
1995, P 2.
3
Ibid, PP 16 ,33.
-رضوان بروسي :مرجع سابق ،ص .184
25
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
1شهد تعريف المنظمة للحكامة الجيدة تطو ار فبعد أن كان يركز على تحسين أداء اإلدارة العامة عن طريق اإلصالحات
القانونية واإلدارية والهيكلية التي تدعم مبدأ المساءلة والنزاهة والشفافية في بداية التسعينات وانتقل في نهايتها إلى التركيز
على مبدأ المشارك ــة الذي يضع مبدأ المساءلة وحكم القانون في إطار عام من احترام الحريات والمشاركة.
2لم تكن النيباد هي المبادرة األولى التي تناولت مفهوم الحكامة الجيدة بل يرجع االهتمام بالموضوع إلى بداية التسعينيات،
ففي وثيقة كامباال لمؤتمر األمن واالستقرار والتنمية في إفريقيا عام 1991تمت اإلشارة للمصطلح باعتباره أساسا لتحقيق
االستقرار مشي ار إلى ضرورة االلتزام بحكم القانون والمشاركة الشعبية في الحكم والشفافية وتداول السلطة ،أنظر في هذا- :
رضوان بروسي ،مرجع سابق ص 200وما يليها.
-توفيق راوية ،الحكم الرشيد والتنمية في إفريقيا :دراسة تحليلية لمبادرة النيباد ،معهد البحوث والدراسات اإلفريقية ،جامعة
القاهرة ،2005 ،ص 106وما يليها.
وثيقة الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا (نيباد) ،أبوجا ،أكتوبر ،2001المادة 79والمادة .80 3
4وثيقة الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا (نيباد) ،أبوجا ،أكتوبر ،2001المادة .80
حيث تم توجه قادة الدول اإلفريقية األساسية في المبادرة (الجزائر ،نيجيريا ،جنوب إفريقيا) لعرض المبادرة في أوكيناوا سنة 5
،2000ثم قمة جنوة للدول الثمانية في سنة ،2001ليتم طرحها للمناقشة والتصديق عليها خالل قمة الثماني في كندا في
جويلية ، 2002ولقيت ترحيبا وتأييدا لدى الدول الكبرى الصناعية ولكنه لم ينعكس في تلبية مطالب الدول اإلفريقية ،كما
وجه االتحاد األوروبي الدعوة للدول الرئيسية الداعمة للمبادرة ،وتم االجتماع في بلجيكا عام ، 2001أين رحب بالمبادرة
من الناحية اإلعالمية والمعنوية مع ربط المساعدات بضرورة االلتزام بمبادئ الحكامة الجيدة ،كما عبرت فرنسا في قمة
فرنسا– إفريقيا لسنة 2002عن دعمها للتوجه الجديد للتنمية في إفريقيا ،نفس الموقف قامت به بريطانيا ممثلة في رئيس
وزرائها خالل زيارته ألربع دول إفريقيه خالل سنة 2002بتأييد المبادرة واعتبارها فرصة للوصول للنهضة االقتصادية
المنشودة ...أنظر نظر في هذا :نيفين حلمي صبري مصطفى ،أوروبا ودعم التنمية في إفريقيا ،دراسة في الموقف األوربي
تجاه األبعاد السياسية للتنمية اإلفريقية – في استراتيجية التنمية اإلفريقية في ظل الليبرالية الجديدة :آفاق الشراكة من أجل
التنمية في إفريقيا ،تحرير مصطفى كامل السيد ،مايكل النج ،مركز دراسات وبحوث الدول النامية ،القاهرة ،2003 ،ص
199وما يليها.
26
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
وتم طرح تسعة معايير كمقياس للحكامة الجيدة في إفريقيا ركزت المعايير الثمانية األولى منها
على الحكامة المالية .بينما تناول المعيار التاسع مناقشة تصريح حول الديمقراطية والحكامة
السياسية متضمنا مقترحات خاصة بمبادئ الترسيخ الديمقراطي.
قام تصور مفهوم الحكامة الجيدة لدى مبادرة النيباد على رؤية مستوحاة من برامج
صندوق النقد والبنك الدوليين ،وفي مقاربة تتبنى تصور " توافق واشنطن " المتأثر باألفكار
النيوليبرالية من منطلق تسليمها بالدور اإليجابي الذي يمكن أن تلعبه العولمة في توفير الظروف
واإلمكانيات المالئمة للتنمية من خالل إقامة شراكات عالمية جديدة .1ومن جهة أخرى تحت
المشروطية التي فرضتها المؤسسات المالية ووكاالت التنمية من أجل تقديم المساعدات للدول
اإلفريقية تحت مسمى الحكامة الجيدة ،وهو ما يجسده الترحيب الدولي الذي لقيه اعتماد مبادرة
النيباد آللية التقييم من قبل النظراء لقياس نوعية الحكامة من قبل مجموعة الدول الثمانية
الصناعية واالتحاد واألوربي.
ثالثا :الصندوق العربي لإلنماء االقتصادي واالجتماعي
جاء في تقرير التنمية اإلنسانية لسنة 2002المعنون " خلق فرص لألجيال القادمة
" في الفصل السابع منه "الحكم والتنمية اإلنسانية "ترجمة مصطلح " "COVERNANCE
بالحكم وعرفه بأنه " ممارسة للسلطة االقتصادية والسياسية واإلدارية إلدارة شؤون بلد ما على
جميع الم ستويات ،ويتكون الحكم من اآلليات والعمليات والمؤسسات التي يعبر من خاللها
المواطنون والمجموعات عن مصالحهم ،ويمارسون فيها حقوقهم القانونية ،ويوفون بالتزاماتهم،
ويحلون خالفاتهم عن طريق الوساطة".2
1
Charles Moumouni, Carlos Nkoa, "le double langage du nepad des flux de capitaux
étrangers pour un développement endogene", perspective Afrique, Vol 1, n2, 2005, p174.
sur le site suivant:
www.perspaf.org/fileadmin/Articles/Volume1/Numero2/PA_Vol1_No2_pp.171-186.pdf
Consulter le : 3/07/2017.
البرنامج اإلنمائي لألمم المتحدة ،الصندوق العربي لإلنماء االقتصادي واالجتماعي ،تقرير التنمية اإلنسانية العربية 2002 2
" خلق فرص لألجيال القادمة " ،ص .101على الرابطww.undp.org/rbas/abychapter.htm :
27
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
يعتبر الصندوق أن الحكم الصالح من منظور التنمية اإلنسانية هو" الحكم الذي يعزز
ويدعم صون ورفاه اإلنسان ،ويقوم بتوسيع قدرات البشر ،وخياراتهم وفرص حياتهم االقتصادية
واالجتماعية والسياسية السيما بالنسبة ألكثر أفراد المجتمع".1
نالحظ أن مفهوم الحكامة الذي اعتمده الصندوق العربي جاء مطابقا لما يتبناه البرنامج
اإلنمائي لألمم المتحدة في تركيزه على جميع األبعاد السياسية واالقتصادية واالجتماعية
للمفهوم ،وربطه بمسألة توسيع قدرات وخيارات الناس التي تشكل صلب عملية التنمية.
المطلب الثاني :الحكامة من منظور مراكز البحث واسهامات األكاديميين المقاربة األكاديمية
يختلف تناول مفهوم الحكامة في أدبيات مراكز الدارسات باختالف زوايا النظر له،
وبالغايات الكامنة وراء استخدامه ،وهنالك عدد من المراكز البحثية التي تهتم بالموضوع.
الفرع األول :الحكامة من منظور مراكز البحث
تطرقت مراكز البحث المختلفة لمفهوم الحكامة واستفاضت في تحديد مضامينه ،ونذكر
منها ما يلي:
أوال :الحكامة من منظور مركز دراسات الحكامة بجامعة أوتاوا
يعرف المعهد الحكامة بأنها " القيادة والتوجيه ،فهي تعني العملية التي بواسطتها يتم
أخذ زمام الحكم في المنظمات اإلنسانية سواء كانت عامة أو خاصة أو مدنية ".2
فهي تعني أنماط معقدة من التفاعل في المنظمات العامة والخاصة واالجتماعية،
يشارك فيه ا المواطنون من خالل األجهزة والقواعد والعمليات التي تعرف قواعد اللعبة .ويركز
هذا التعريف على دور الفاعلين وخلق تواصل وترابط بينهم ،كما يبرز دور القطاع العام في
تمكين المواطنين من المشاركة في هذه العملية.
البرنامج اإلنمائي لألمم المتحدة ،مرجع سابق ،ص 101على الرابطww.undp.org/rbas/abychapter.htm : 1
2
Paul Prevost et autres, " projet sur les collectivités apprenantes démocratie, e-démocratie et
gouvernance : " esquisse de définitions ", rapport de cefrio, quibec, janvier 2003, p 22.
Sur le site suivant :
http://www.cefrio.qc.ca/rapports/E-democratie_Esquisses%20de%20d%E9finitions.pdf
Consulter le : 20/02/2018.
28
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
يعرفها على أنها " العملية التي بواسطتها يمارس جميع أعضاء المجتمع ،السلطة،
الحكم ،وقدرة التأثير السياسي على السياسات والق اررات التي تهم الحياة العامة االقتصادية
والتنمية االجتماعية ،والحكامة مفهوم أوسع من الحكومة لكونها تشمل التفاعل بين المؤسسات
الرسمية ،وتلك الخاصة بالمجتمع المدني ".1
يتميز التعريف بالتركيز على الجانب التقني والمجال االقتصادي والتنمية االجتماعية
للمصطلح ،ولكنه ال يبين نوعية الحكم والفاعلين فيه ،وطبيعة العالقات بينهم ،ويحمل العديد
من التضمينات التساعه.2
ثالثا :الحكامة من منظور المركز البرلماني الكندي
يطرح المركز تعريفا في إطار " بيئة الحكامة الجيدة" بحيث يرى أنه " يتضمن شبكة
معقدة من المنظمات المتفاعلة والمترابطة حول المواطنين النشطين والفاعلين" ،كما يوضح
مختلف العالقات بين المنظمات وبيئتها السياسية واالجتماعية واالقتصادية في ظل مفهوم
العولمة ،وأثرها في البيئة الوطنية بتبين دورها في خلق توازن بين بيئة الحكم المحلي والعالمي
وبين فعالية الدولة والمجتمع المدني وفعالية السوق والعدالة االجتماعية ".3
رابعا-الحكامة من منظور مركز دراسات وبحوث الدول النامية
يعتبره من المفاهيم المراوغة حتى بين الذين يتفقون على جدية القضية التي يشير إليها
بدليل استخدام عدة مصطلحات له ،وال يحيل في لغته األصلية إلى الحكم بل إلى أسلوبه أو
طريقته ،وهو" األسلوب الذي تتوافر فيه عناصر معينة في مقدمتها االلتزام بحكم القانون،
والرشادة في صنع الق ارر على كل المستويات ،وخصوصا مستويات الحكم العليا ،واالبتعاد عن
تركيز السلطة في أيدي محدودة أو في مؤسسة واحدة ،وتوفير الشفافية في أسباب ما يتخذ من
1
Thomas, G. Wiss, Governance, good governance and global governance: conceptual an
Conceptual challenger” Third world quartery vol. 21 N°05, 2000 .p79.
رضوان بروسي :الدمقرطة والحكم الراشد في إفريقيا ،مرجع سابق ،ص ،133وأيضا :مايغا بوبكري ،إشكالية الحكم الرشيد 2
في المسار ا لديمقراطي لبوركينافاسو ،رسالة ماجستير ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة الجزائر ،ص .27
3
Robert Miller, the ecology of governance and parliamentary accountability", in parliamentary
center World Bank institute, parliamentary accountability and good governance, p10. on site:
http://www.parlcent.ca/publications/pdf/sourcebooktext.pdf Consulter le :06/01/2019
29
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
ق اررات ،ومساءلة كافة المسؤولين عما يقومون به ،وااللتزام بالتكافؤ في توزيع الخدمات
واألعباء العامة ،والقابلية لالستجابة لمطالب المواطنين وتوسيع دائرة المشاركة في صنع القرار،
واندراج ما يتخذ من ق اررات في إطار رؤية استراتيجية واضحة للمواطنين".1
يركز هذا التعريف -الذي جاء واسعا-للحكامة على حصر آلياتها في البعد السياسي
للمفهوم ،واعتباره قضية سياسية بالدرجة األولى تتعلق باتخاذ القرار في أعلى المستويات،
وأسبابه ومدى المسؤولية عنه ،دون اإلشارة إلى فواعلها ونطاق تفاعالتهم.
خامسا :الحكامة من منظور لجنة الحكامة العالمية
ورد في تقريرها عن الحكامة أنها تعني في جوهرها " حاصل (مجموعة) الطرائق
المختلفة لألفراد والمؤسسات العمومية والخاصة التي تسير قضاياها المشتركة ،وهي عملية
مستمرة للتعاون والتحكم بين مصالح مختلفة ومتداخلة تتضمن المؤسسات الرسمية واألنظمة
التي تتميز بالسلطات التنفيذية ،إضافة إلى الترتيبات غير الرسمية التي تتوافق عليها الشعوب
والمؤسسات أو التي يعتقدون أنها في صالحهم".2
هذا التعريف يركز على جانب الشراكة ،ويعطي للمجتمع المدني دو ار مركزيا في
عملية التنمية االقتصادية واالجتماعية ،ولكنه يتسم بالغموض ومصاغ بنمط األسلوب
البيروقراطي للمنظمات الدولية ،فمن الصعب تمييز الحكامة عن األشكال األخرى من العمل
العام التي تشمل الجهات الفاعلة العامة والخاصة.
مصطفى كامل السيد وآخرون ،أعمال مؤتمر الحكم الرشيد والتنمية ،مركز دراسات وبحوث الدول النامية ،جامعة القاهرة، 1
30
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
دالالته االقتصادية االجتماعية والسياسية ،واظهار المبادئ األساسية واإلجراءات التي يقوم
عليها ،وفيما يلي عرض لعدد من إسهامات الباحثين وتصوراتهم لمفهوم الحكامة.
أوال :الحكامة في األدبيات االقتصادية
ُي رجع جل الباحثين جذور تصور مفهوم الحكامة إلى إدارة األعمال وتسيير المؤسسات
والشركات في ثالثينيات القرن الماضي ،مثل أعمال رونالد كوس Ronald GOASالذي
قدم مقاال بعنوان طبيعة الشركة « »The nature of the firmسنة 1937حيث وضع
إشكالية افتراض أن تنظيم التبادالت ال يتم حسب أسعار السوق فقط ،وأدخل في االقتصاد
الفكرة التي تشير لوجود أنماط مختلفة من التنظيم واإلدارة ،والنظام المشكل من خالل هذه
األنماط المختلفة من التنظيم المحدد لشركة ما ،وهو ما تم تسميته الحقا " حكامة الشركات".1
والتي تعني "األجهزة المكونة من طرف الشركة للوصول إلى تنسيق داخلي فعال يمكن
الشركة من تنمية وتطوير شبكاتها ،واعادة النظر في الهيراركيات الداخلية وتطبيق معايير
العمل بالتعاقد".2
في ذات السياق بنى Oliver Williamsonدراساته في سنوات السبعينيات من القرن
الماضي على دراسات وأعمال Ronald Coaseحيث أصبح مفهوم حكامة الشركات محور
االقتصاد المؤسساتي الجديد من خالل بنية المؤسسات ،ويعرفها بأنها " مجموعة ميكانيزمات
التنسيق التي تحكم التنظيم الداخلي للمؤسسة بهدف تحقيق فعالية أكبر".3
ومن خالل ما سبق يتبين لنا أن الحكامة ظهرت في القرن العشرين داخل الشركة أو
المؤسسة الرأسمالية في سياق األسئلة المرتبطة بتكييف القرار االستراتيجي ،واختيار القادة،
1
Lorrain Dominique. administrer, gouverner, réguler. In : les annales de la recherche urbaine,
n°80-81, 1998. gouvernances. p 85. Sur le site suivant
https://www.persee.fr/docAsPDF/aru_0180-930x_1998_num_80_1_2200.pd. Consulter le :
09/01/2017.
2رضوان بروسي ،من الدولة الفيبرية إلى الحوكمة كمنظور دولتي جديد :رؤية نقدية ،المجلة العربية للعلوم السياسية ،تصدر
عن الجمعية العربية للعلوم السياسية بالتعاون مع مركز دراسات الوحدة العربية ،لبنان ،العدد ،2013/06 ،38ص .64
3
Tournier, Charles le concept de gouvernance en science politique papel politico, vol. 12,
núm. 1, enero-junio, 2007, p 68. Sur le site suivant :
www.redalyc.org/pdf/777/77716564004.pdf. Consulter le :04/12/2018
31
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
والدور الذي يجب أن يلعبه أصحاب المصلحة في الشركة ،وهم المالكون والمساهمون والقادة
وتفاعلهم ،ويتجسد هذا من الناحية النظرية في ما سمي حكامة الشركات أو حكامة المؤسسات
في نظرية الخيار العقالني ،ونظرية تكلفة المعامالت ،والمقاربة التعاقدية للشركة ،واالقتصاد
المؤسسي الجديد ،فخضع المفهوم لتحليالت وفق منهجية العلوم االقتصادية ،وتشكل نظرية
تكلفة المعامالت لرونالد كوس المصفوفة المفاهيمية للحكامة المعاصرة.1
لقد وجهت عدة انتقادات لهذه المقاربة المستندة إلى نظرية تكلفة المعامالت واالقتصاد
المؤسسي الجديد ،والمتبنية لتوجه نيوليبرالي يقوم على عدم جدوى تدخل الدولة ،وتبرير التدخل
لدعم القطاع الخاص ،وتسليع المعرفة والتربية والتكوين وخصخصة المرافق واألمالك العامة،
خاصة وأن هذه المقاربة تبنتها المؤسسات المالية الدولية ووضعتها كشرط مقابل المساعدات
والقروض الموجهة للدول النامية. 2
هذه األفكار المتأثرة بالتوجه النيوليبرالي الذي تمثل مدرسة شيكاغو أهم روافده الفكرية
الداعية إلى بقاء الدولة في حدود ضمان التنظيم الذاتي للسوق ،فالمؤسسات السياسية مهمتها
السماح فقط بحرية القوى االقتصادية واحترام قواعد المنافسة .وهكذا ،فإن تطور النظريات
االقتصادية فضل ظهور فكرة الحكامة وعناصر القوة الناعمة المرتبطة بها ،مقارنة بالقوة
الصلبة لمفهوم الحكومة.3
هناك عدد من األفكار أكثر راديكالية تدعو لوضع حد لهيمنة الدولة على الفعل
العمومي ،وعدم تسيس هذا األخير من خالل أسلوب الحكامة من بينها JAMES Buchanan
الذي يرى أن السوق أفضل ضمان للمصلحة العامة من السياسة ،وهذه النظريات تهيمن على
البحوث حول حكامة الشركات وتأثر على المجاالت األخرى.4
1
Ali Cazancigil, la gouvernance - pour ou contre le politique ?, Op.cit., p 17.
هذه األ فكار التي يروجون لها قد اكتسحت بال شك مجال السياسة ،على هذا النحو ،فمشروع الليبرالية المتشددة ،لم يكن، 2
والحالة هذه ،موجها حتى اآلن إال لدول الجنوب ،خاصة وأنه ال يعني الدولة الموجودة على رأس المجموعة األخرى ،أي
الواليات المتحدة األمريكية ،ففي دول األطراف ،وفي هذه األخيرة وحدها ،تمكن رأس المال من الهجوم على مقومات الدولة
بكاملها ....هذا هو مضمون الحكم الصالح " Good Governanceأنظر في هذا :ريمي هيريرا ،األدوار السياسية للفكر
االقتصادي المهيمن ،ترجمة أحمد زوبدي ،مجلة المستقبل العربي ،لبنان ،العدد ،2013 ،407ص .138
3
Tournier, Charles, Op.cit., p 68.
4
Ali Cazancigil, la gouvernance - pour ou contre le politique ?, op.cit., p 21.
32
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
1
Guy Hermet, Ali Cazancigil Et Jean-François Prud’homme, La gouvernance, un concept et
ses applications. Paris, Éditions Karthala, 2005.
2في مقال نشر له أنظر:
33
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
كما انتقل المفهوم أيضا إلى حقل تحليل السياسات العامة من خالل طرح مفهوم
شبكات السياسات الذي يعكس التغير في مقاربات اتخاذ القرار وصنع السياسيات العامة في
مجتمعات تتسم بالتعقد والتمايز وكثافة شبكات المصالح المستقلة ،واالنتقال إلى أنماط التنسيق
األفقي بين مختلف الشركاء ،وفي هذا يرى yannis Papadopoulosبأن تطوير الحكامة
أمر ال مفر منه في المجتمعات المتمايزة والمعقدة ويعرفها بأنها "اتخاذ الق اررات وتطبيقها بطريقة
أفقية أكبر ،داخل "شبكات السياسات" .تشمل هذه الشبكات جهات فاعلة عامة وحكومية وقبل
كل شيء الجهات الفاعلة اإلدارية ،التي يمكن أن تمثل عدة مستويات إقليمية ،فضالً عن
الخبراء وممثلي المصالح (أصحاب المصلحة) ( ،)les stakeholdersالذين يختلفون وفقًا
للقضايا المعنية ".1
يقوم هذا التصور لمفهوم الحكامة على تعدد الفاعلين وتفاعلهم في شكل شبكات
مستقلة بغية تجاوز معوقات التسيير الفعال الذي سببته المركزية وأنماط التسيير البيروقراطي،2
معين
كما قدم جيري ستوكر Gerry Stokerمن جانبه خمسة مقترحات حول مفهوم الحكامة – يفهم على أنه أسلوب ّ
2
-1تشير الحكامة إلى مجموعة من المؤسسات والجهات الفاعلة في المجال الحكومي وخارجه،
-2الحكامة تميل إلى محو الحدود والمسؤوليات بين القطاعات العامة والخاصة في البحث عن حلول للمشاكل
االقتصادية واالجتماعية.
-3الحكامة تفترض وتعكس درجة عالية من الترابط بين المشاركين في جميع المواقف التي تمثل مشكلة في
العمل الجماعي.
-4تقوم الحكامة على شبكات من الجهات الفاعلة المستقلة ،الشبكات التي تشكلت تتمتع بذاتية واالستقاللية.
-5تعتمد الحكامة على مبدأ أنه من الممكن التصرف دون االعتماد على الحكومة أو سلطة الدولة ،عن طريق
التقنيات الجديدة التي تحل محل السيطرة من خالل التنسيق والتوجيه .أنظر في هذاgovernance ،Gerry Stoker :
Vol. 50, No. 1: pp 18-19، international social science journal،as theory: five propositions
34
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
مرك از على قدرة هؤالء الفاعلين على حل المشاكل واالعتماد على قدراتهم في ذلك ،لكنه ال
يقدم في المقابل تصو ار شامال لجميع أبعاده.1
واذا كان التصور السابق للحكامة يركز على تتعدد الفاعلين ،فإن المطالبة بإصالح دور
الحكومة وجعلها تعمل بطريقة مشابهة لعمل الشركات والمقاوالت يمثل تصور كل من
Osborne et Gaeblerلمفهوم الحكامة من خالل طرح نظرية " إعادة اختراع الحكومة "
بالدعوة لضرورة إدارة الدولة وفق النموذج الريادي الذي تسير به المشاريع التجارية ،واالعتماد
على آليات السوق الحرة (مبدأ تغطية التكلفة ،رسوم االنتفاع ،وتسعير الخدمات).
بحيث ال يتعلق األمر بحجم الحكومة أقل أو أكثر ،ويعتبران أن المشكلة تتعلق بعدم
وجود الحكامة الجيدة " فالحكامة باإلدارة الحسنة هي العملية التي نحل بها مشاكلنا بصورة
جماعية ،ونلبي حاجات مجتمعنا ،والحكومة هي األداة التي نستخدمها ،واألداة عتيقة الطراز
فات أوانها ،وقد بدأت عملية إعادة االختراع فنحن لسنا بحاجة إلى " برنامج جديد " ...نحن
بحاجة إلى إعادة تركيب هيكلية أمريكية ".2
يعرف حركات محمد أستاذ المالية العامة بجامعة محمد الخامس بالرباط الحكامة بأنها:
" شتى اآلليات والميكانزمات التي تضبط ممارسة الحكم في كل أبعاده السياسية االقتصادية
واإلدارية والثقافية ،وفق مقاربة متجددة قوامها المشاركة في اتخاذ القرار والتقويم المستمر
1ومن المحاوالت التي قدمت إلعطاء تصور شامل حول مفهوم الحكامة المقاربة كإطار تحليلي التصور قدمه كل من Lynn
Heinrichو HILLويركز على المخرجات والمدخالت في حكم وادارة المنظمات باعتبارها " نتاج تفاعل المنظمات مع
البيئة الخارجية وأساليب تعاملها مع الزبائن ،إضافة إلى العوامل التنظيمية داخلها بتحديد األهداف وادارة الموارد البشرية
وطبيعة الهيكل التنظيمي ،فضال عن أنماط التسيير والقيادة والتوجيه ومناهج اتخاذ القرار وعليه فهذا التصور يركز على
جانب التسيير والتنظيم دون مراعاة الجوانب السياسية واالقتصادية .أنظر في هـ ـ ـ ــذا:
George Rederickson, public administration? governance, governance everywhere p
8.on site
.http://citeseerx.ist.psu.edu/viewdoc/download?doi=10.1.1.537.8624&rep=rep1&type=pdf
cons
2ديفيد اوزربون وتيد غابلر ،إعادة اختراع الحكومة :كيف تحول روح المغامرة القطاع العام ،ترجمة محمد توفيق
البجيرمي ،مكتبة العبيكان ،ص .46وأيضا رضوان بروسي :الدمقرطة والحكم الراشد في أفريقيا ،مرجع سابق ،ص .128
35
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
لإلنجازات من أجل تهيئة المجتمع للتحديث ،وذلك بالعمل على توفير الشروط الالزمة لإلنجاز
واإلبداع ".1
التصور المقدم يرى في الحكامة تبلور سيرورة للمجتمع من خالل عدة عوامل
مؤسساتية وبيداغوجية وتنظيمية وتشريعية وثقافية جد معقدة ،وتشمل الميكانزمات والمؤسسات
التي تمكن األفراد ومجموع شرائح المجتمع من تضبيط مصالحهم ،وممارسة حقوقهم ،ونطاقها
يتجاوز الدولة إلى القطاع الخاص والمجتمع المدني.
أما "جاك شوفالييه" فيرى أنه في ظل التطور الحاصل في المجتمعات المعاصرة،
وعدم قدرة تقنيات الحكومة المتسمة بمنطق الهيمنة من جانب واحد على فرض سلطتها بفعل
تآكل مفهوم السيادة تحت تأثيرات العولمة تطرح الحكامة كنموذج دولتي جديد قائم على ثالث
محاور".2
في كتابه حول الحكامة القانون والدولة :يطرح Daniel Mockleأسئلة القانون في
الحكامة العامة ويرى بأن " الحكامة تمثل ابتكار نهاية القرن العشرين الذي يعكس ريادة علوم
التسيير وبالتحديد المناجمنت العمومي الجديد في تصوره للمنظمات العامة القائم على تصور
إيديولوجي نيوليب ارلي ،فهي تعكس ظهور نموذج جديد شامل لتنظيم الدولة وأدوارها وآليات
محمد حركات ،االقتصاد السياسي والحكامة الشاملة ،مرجع سابق ،ص .138 1
2تتمثل المحاور الثالث في-" :الجمع بين العام والخاص باشراك فاعلين متعددين في عملية أخذ القرار ،فلم تعد الدولة الفاعل
الوحيد سواء داخليا أو خارجيا ،وعليها إشراك باقي الفاعلين على جميع المستويات في عملية صناعة الق اررات.
-أولوية الحلول التوافقية (التشاركية) ،بحيث تكون الخيارات نتيجة للمفاوضات والحلول الوسط ،مع مراعاة وجهات
نظر األطراف المعنية ،وتقف الدولة على قدم المساواة مع الشركاء ،في إطار عملية اإلعداد الجماعي لهذه الحلول ،في
مقاربة تعددية تفاعلية للعمل الجماعي.
بشكل ٍ
كاف ٍ -األشكال األفقية للتعاون والتنسيق بين الجهات الفاعلة التي لها مصالح متضاربة ولكنها مستقلة
عن بعضها البعض بحيث ال يستطيع أي منها فرض حل واحد ،بينما تكون مترابطة بما فيه الكفاية ليكون الجميع خاسرين
إذا لم يتم العثور على حل" أنظر في هذاJacques Chevallier, la gouvernance, un nouveau :
paradigme étatique ?, revue française d'administration publique 2003/1 (no105-106), p207.
Sur le site suivant :https://www.cairn.info/revue-francaise-d-administration .Consulter
.le :13/08/2016
«3E» Economie, Efficacité Efficience .VOIR.- Yvan Pesqueux, Le nouveau management
public, ou New Public Management, LE 15/10/2017 à 15 :25, Sur le site suivant :
https://hal.archives-ouvertes.fr/hal-00510878 2006, p3.
36
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
تسيير المؤسسات العامة والخاصة ،ليتراجع في ظله النموذج التقليدي لإلدارة العامة القائم
على القانون العام والقانون اإلداري تحديدا لفائدة آليات التسيير المستعارة من القطاع الخاص
،حيث البحث عن*( الفعالية ،االقتصاد ،الكفاءة ) هو جوهر هذا النموذج الجديد".1
في سياق المقاربات الساعية إلى إصالح الدولة بالنظر لألزمة التي عاشتها عقب نهاية
حقبة دولة الرفاهية ،والتي كانت األزمة المالية تشكل أكبر تجلياتها تم طرح الحكامة العامة
كنموذج يسعى لتجاوزها ،فشكلت الحكامة المالية المدخل الرئيسي إلصالحها في عديد من
دول العالم.
يرى Michel Bouvierأن الحكامة المالية الجيدة " تتصرف بعمق من خالل العمل
على إعادة تشكيل الدولة الديمقراطية البرلمانية ،فهي تشير إلى تنظيم وتوزيع السلطات بين
السياسيين والمسيرين ،وفي قلب إصالح المالية العامة وصميم إصالح الدولة ،...وفي هذا
السياق يظهر عقد اجتماعي جديد وعالقة أخرى بين الدولة والمواطن يتم تصميمها".2
ويعتقد محمد حركات "أن الحكامة المالية الجيدة تمثل حقا الدعامة األساسية والمدخل
الرئيسي في البلدان النامية للحكامة الشاملة المنشودة في شتى تجلياتها وتداعياتها ،باعتبار أن
التدبير األمثل للمال العام والخاص على السواء هو األداة األساسية التي تقوم عليها كل
استراتيجية طموحة تستهدف محاربة الرشوة وهدر األموال والتبذير والفساد بكل أشكاله ".3
من خالل ما سبق يتضح أن مفهوم الحكامة يؤسس لمنظور دولتي جديد يستمد جذوره
اإليتيمولوجية من الحضارة الغربية و اإلبستمولوجية من المقاربات المؤسسية الجديدة التي
تطورت ضمن العلوم االقتصادية وعالم األعمال ،هذا المنظور" يستخدم كإطار تحليلي من
جهة (تحليل الفعل العمومي وممارسة السلطة) ،وكإطار معياري (إصالح الدولة كسياسات
وبرامج) من جهة ثانية ،جاء إلعادة النظر في هيكلة الدولة وأدوارها وآليات تسيير الشؤون
1
Daniel Mockle, la gouvernance le droit et l'état, les questions du droit dans la gouvernance
publique, bruylante, bruxelle,2007. p180.
2
Michel Bouvier, Innovations, créations et transformations en Finances publiques, Actes de la
LIE Université de printemps de finances publiques du GERFIP - Sous la direction de Michel
Bouvier, LGDJ, Paris, 2004. pp3 ,4.
3محمد حركات ،االقتصاد السياسي والحكامة الشاملة ،مرجع سابق ،ص .283
37
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
العامة وصنع السياسات " .1هذا التصور الذي يجد مرجعتيه الفكرية في التيار النيوليبرالي،
وتروج له المؤسسات المالية الدولية كنموذج لإلصالح يمكن تعمميه على بلدان العالم الثالث،
يطرح عدة تساؤالت عن إمكانية نجاحه بالنظر للسياق المختلف الذي تكون فيه ،وارتباطه
بتحوالت اجتماعية وسياسية واقتصادية عرفتها الدول الغربية في الثلث األخير للقرن الماضي.
واذا كان مفهوم الحكامة تتجاذبه عدة اختصاصات ،ويتم طرحة وفق عدة مقاربات،
فإن المالية العامة ال تختلف كثي ار عنه في هذا الشأن ،بسب استعمالها في أكثر من تخصص
أكاديمي ،وتحليلها وفق عدة مقاربات ،وبالتالي تشكل دراستها حقال خصبا لمعرفة التحوالت
التي يعرفها أي مجتمع ،وأي دولة ،يرى Schumpeterشومبيتر بأن "المالية العامة تمثل
واحدة من أفضل المقاربات لفهم المجتمع ،وعلى وجه الخصوص الحياة السياسية".2
المبحث الثاني :فواعل الحكامة ومعايير ومؤشرات قياسها
لقد أدت التطورات التي عرفتها المجتمعات المعاصرة على تباين أنظمتها السياسية
واتجاهاتها الفكرية إلى الوصول للقناعة بضرورة مساندة الشعوب لما تتخذه من ق اررات
ومشاركتها في ذلك ،يأتي هذا بعد األزمات التي عرفتها الدولة وفقدانها للكثير من سلطتها في
ظل العولمة والشركات العابرة للقارات وشبكة المعلومات العالمية ،وأزمة السوق التي أدت إلى
انهيارات األسواق المالية بسب تفشي الفساد ففقد كثي ار من الدعم الذي كان يلقاه ،وأزمة العلم
بسب انغالقه وعدم قدرته المحافظة على التنوع الحضاري .أفرزت األزمات الثالث محاولة
البحث عن نموذج جديد تتم فيه إعادة النظر في دور الدولة كصانع وحيد للسياسة العامة،
وممارس للسلطة السياسية ،يتيح مشاركة أفضل للمواطن والمجتمع من جهة ،ويسمح للقطاع
الخاص بممارسة دوره في التنمية من جهة أخرى ،هذه المقاربة التشاركية تشكل مفهوم الحكامة
الذي يقوم على نهج تشاركي في ممارسة السلطة يهدف إلى تحقيق تنمية مستدامة تقوم على
تحقيق الرشادة في تسيير المال العام معتمدة على مبادئ المشاركة ،الشفافية ،المساءلة .فماهي
هذه المقاربة التشاركية ،ومن هم الفاعلون في مجالها؟
رضوان بروسي ،من الدولة الفيبرية إلى الحوكمة كمنظور دولتي جديد ،مرجع سابق ص .59 1
2
Mohamed Djouldem, Les réformes des finances publiques : Enjeux politiques et
gestionnaires, Bruylant Edition, 9 avril 2014, Paris, p7.
38
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
السعيد بو الشعير ،القانون الدستوري والمؤسسات السياسية المقارنة ،الجزء الثاني ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر، 1
39
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
الحكومة ،وسلطة االعتراض والمطالبة حيث يمثل البرلمان ساحة نقاش بين المواطنين عبر
ممثليهم والحكومة ،وبين المعارضة واألغلبية.1
ويرى "ا لسعيد بو الشعير" أن السلطة التشريعية تمارس وظيفتين رئيسيتين هما التشريع
والرقابة إلى جانب الوظيفة المالية ،واالقتصادية وشبه القضائية ".2
واذا كانت السلطة التشريعية تختص بسن القوانين والسلطة التنفيذية تتولى تنفيذها
فإن السلطة القضائية تتكفل بتطبيقها على ما يعرض عليها من منازعات ،كما تقوم بمراقبة
عمل المؤسستين السابقتين ،ومدى احترامهما للدستور إعماال لمبدأ الشرعية الذي يشكل أحد
أهم المبادئ الديمقراطية.3
ويختصرها موريس دوفرجيه في قوله " أنها قول الحق ،حيث جميع المواطنين يمكنهم
رفع قضاياهم أمام المحاكم بهدف توضيح معنى القواعد القانونية المعمول بها ،وللقضاء سلطة
تفسير النصوص" 4وتقوم بمهامها إعماال لمبدأ الشرعية ،وتمارس الرقابة على دستورية القوانين.
تقوم الدولة في نظر المشرع الجزائري على مبادئ التنظيم الديمقراطي والفصل بين
السلطات والعدالة االجتماعية ،وتشجع الديمقراطية التشاركية 5حيث تم النص في الدستور
الجزائري على تنظيم السلطات الثالث في الباب الثالث منه* ،وهي السلطة التنفيذية التي
يترأسها رئيس الجمهورية والوزير األول ،ويمارس السلطة التشريعية برلمان يتكون من غرفتين
موريس دوفرجيه ،المؤسسات السياسية والقانون الدستوري :األنظمة السياسية الكبرى ،ترجمة جورج سعد ،المؤسسات 1
الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،بيروت ،الطبعة األولى ،1992 ،ص ص .119-116
2السعيد بو الشعير ،المرجع نفسه ،ص ص .23.26
المرجع نفسه ،ص .31 3
40
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
وهما المجلس الشعبي الوطني ومجلس األمة له السيادة في إعداد القانون والتصويت عليه،
والسلطة القضائية مستقلة وتمارس في إطار القانون على أساس مبادىء الشرعية والمساواة.
لقد أدت األزمة التي عرفتها الدولة في نهاية سبعينيات القرن الماضي إلى التشكيك
في عدة مفاهيم كانت تبدو مستقرة مثل السيادة ،الشرعية ،التمثيل ،وفي سياق البحث عن
حلول لهذه اإلشكاليات تم طرح الحكامة التي تتبني مقاربة تشاركية تعتبر الدولة أحد فواعلها
بين آخرين ،ترمي إلعادة النظر في تعريف الدولة وأنماط نفوذها االجتماعي وعمل مؤسساتها،
وهو ما يطرح سؤاال مضمونه :ما هو دور الدولة في ظل الحكامة وكيفية عمل مؤسساتها؟
أوال :تحوالت دور الدولة في ظل الحكامة
لقد أدت تأثيرات العولمة واألزمات التي عرفتها الدولة في نهاية سبعينيات القرن الماضي
إلى التشكيك في أساليب الحكم التقليدية المتسمة بفرض الهيمنة من جهة واحدة ،والتي لم تعد
تتوافق مع التوازنات الجديدة للمجتمعات المعاصرة ،وبدأت سيادة الدول تتآكل تحت وطأة
السعي المستمر للمنظمات في شتى المجاالت والمستويات إليجاد تقنيات جديدة للسلطة ،مثل
مفهوم الحكامة تقنية تسمح بتجاوز فشل أساليب الحكومة التقليدية وهيمنتها نحو مقاربة تشاركية
في ممارسة السلطة وصنع الق اررات تقوم على":
-1الحكامة باعتبارها تجازوا للدولة :من الحكومة إلى الحكامة
الدولة لم تعد تحتكر ممارسة السلطة لوحدها وشرعية ق اررتها رهينة بمشاركة فاعلين
آخرين ،وهو ما يعني أن مختلف الجهات الفاعلة سوف تشارك في عملية صنع القرار،
فأصبحت الدولة مضطرة إلى مراعاة وجود جهات فاعلة أخرى سواء من الداخل أو الخارج،
يتعين عليها المشاركة ،بطريقة أو بأخرى ،في إطار رسمي أو غير رسمي عند اتخاذ الق اررات،
لذلك فإن الحكامة تعني إزالة الفصل أي وجود الترابط بين القطاعين العام والخاص ،وكذلك
بين المستويات المختلفة (الدولية ،اإلقليمية ،الوطنية ،المحلية).
يتعين على الدولة المشاركة في مناقشة الق اررات على قدم المساواة مع باقي الفاعلين،
وهذا يعني فقداتها لدورها المتفوق والمهمين على صناعة الق اررات ،وبالتالي هي مدعوة للتفاوض
1
إليجاد الحلول التوافقية وفق منطق الشراكة في إطار تعددي وتفاعلي للعمل الجماعي".
1
Jacques, la gouvernance, un nouveau paradigme étatique ?, op.cit., p. 207.
41
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
لم يعد القرار بيد السلطة سواء كانت ممثلة في شخص أو مجموعة بل صار نتاجا عن
مفاوضات دائمة بين الجهات الفاعلة اجتماعيا "تُشكل كشركاء في لعبة واسعة" ،يمكن أن
1
يكون مجال اللعبة شركة أو دولة أو منظمة أو مشكلة يجب حلها.
يتضح لنا مما سبق بأن الدولة قد تم تجاوزها من منظور الحكامة كفاعل وحيد في
ممارسة السلطة وفقا لألنماط التقليدية ،وبفعل العولمة لم تعد السلطة قادرة فيها على ممارسة
الهيمنة أحادية الجانب في شتى التفاعالت االجتماعية واالقتصادية للمجتمع ،فالحكامة تساهم
في إعادة تشكيل الدولة بتحديد مهامها وتعزيز نظامها وتكييفها ،من خالل إعادة تصميم
تنظيمها وتعزيز نمط جديد من الحكم تصبح فيه شريكا لفاعلين آخرين في ممارسة السلطة
وصناعة الق اررات.2
أحدثت العولمة تأثيرات متعددة األبعاد خاصة على الدولة القومية وفكرة السيادة كمفهوم
محوري فيها ،بحيث أدت إلى إعادة تعريفها فبعد أن كان مفهوما مطلقا صار نسبيا ومحدودا
بسبب دور فواعل أخرى من المنظمات الحكومية ،وغير الحكومية والشركات المتعددة الجنسيات
ودوائر البحث والتفكير في صناعة السياسة الدولية ،وبهذا فقدت الدولة تبعا لذلك الكثير من
وظائفها ون فوذها لصالح فواعل أخرى وأدى ذلك لتراجع المفهوم المطلق للسيادة تحت تأثير
العولمة.3
1
Jonas Zadi. La question de la bonne gouvernance et des réalités sociopolitiques en Afrique
: Le cas de la Côte d’Ivoire. Droit. Université Paris-Est, 2001, p17.
لقد أدى تطبيق مفهوم الحكامة إلى تآكل مفهوم السيادة في مفهومه التقليدي ،فلم تعد الدولة تتمتع بهذه السلطة العليا ،غير 2
المقسمة ،التي كان من المفترض أن تكون لها وحدها ،وصارت ملزمة بالتعامل مع الجهات الفاعلة األخرى واالمتثال لقيود
إطار التعاون الذي يتجاوزها ،وفي هذا الصدد يبدو أن الحكامة هي الناقل للنظام عبر الوطني الجديد الموضوع فوق الدول
األعضاء ،بظهور فئات جديدة من الجهات الفاعلة في الحياة الدولية ،مما يكسر االحتكار الذي تمارسه الدول على العالقات
الدولية ،فاآل ليات التقليدية بين الدول التي يعتمد عليها النظام الدولي وفقا (نظام ويستفاليا) لم تعد كافية أنظر في هذا :
Jacques Chevallier, La gouvernance, un nouveau paradigme étatique, op.cit., p. 208
يعتبر مفهوم الحكامة العالمية مفهوما يتجاوز المفهوم التقليدي لسيادة الدولة ويدعو إلى االنتقال لما يسمى" بنظام الحكامة 3
ما بعد السيادة " ،في هذا اإلطار يطرح مفهوم الحكامة العالمية التي يرى أنصارها أن المجال السياسي العالمي ال تشكل
الدولة وحدها مركز السياسة فيه ،وليست مسؤولة مسؤولية كاملة عن أفرادها وأمنها وبيئتها وحتى مصيرها ومستقبلها ،حيث
أنها في الواقع لم تعد قادرة على ذلك اآلن ولن يمكنها القيام بذلك مستقبال ،فحتى أوروبا التي كانت مسرحا الدولة القومية
بمظاهرها السيادية دخلت دولها مرحلة التخلي الطوعي عن بعض مظاهر سيادتها بحثا عن تحقيق أهدافها.
42
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
رضوان بروسي ،من الدولة الفيبرية إلى الحوكمة كمنظور دولتي جديد ،مرجع سابق ،ص .64 1
43
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
بالتيار التسييري managerialismeودعا إلى إدخال تقنيات الخبرة المهنية التسييرية المطبقة
في القطاع الخاص في القطاع العام.1
لقد ركزت جل هذه البرامج اإلصالحية للقطاع العام وطرق تسييره على ضرورة تقليص
الدولة لتدخلها في القطاع االقتصادي ،ووفق هذا الطرح يمكن النظر للحكامة" باعتبارها تصو ار
خاصا بإعادة تعريف الدولة – على أنها " عملية تقليص الدولنة "_ وهو ما يعني _ كما الحظ
ميك مور أن الحكامة هي " نتاج إيديولوجي يعكس المبدأ االجتماعي –السياسي األنجلو –
أمريكي الليبرالي /التعددي الذي يسيطر حاليا ،واكتسح تقاليد غربية حتى تلك األكثر دولتية
وتدخلية في أوربا ".2
واذا كان هذا هو الحال في الدول األوربية التي لها تقاليد راسخة في الممارسة
الديمقراطية ،وتعرف دولها استقرار مؤسساتيا ،فإن طرح الحكامة وفق التصور المشار إليه
أعاله في الدول النامية وفق المقاربة التي اعتمدتها المؤسسات الدولية " توافق واشنطن " كانت
له تداعيات خطيرة على كيان الدولة ككل وعلى المستوى االجتماعي واالقتصادي بوجه
الخصوص ،وقد عبر عن هذه المعضلة أحد كبار خبراء البنك الدولي في كتابه خيبات العولمة
أن هذه السياسات قد أدت إلى" الفقر ،وبالنسبة لكثير من البلدان كانت الفوضى االجتماعية
والسياسية ...وأدى التقشف المفرط إلى خنق النمو " ويعطي أمثلة بدول طبقت توصيات البنك
3
الدول بحذافيرها مثل بوليفيا.
لقد جاءت توصيات المؤسسات المالية الدولية بضرورة تقليص تدخل الدولة في النشاط
االقتصادي ،ولكنها أقرت بعد نصف قرن من التفكير واعادة التفكير في دور الدولة بأن عدم
تدخلها قد أدى إلى فشل التنمية ،واالنهيار الفعلي للدولة في بعض الحاالت ،فالتنمية بدون
4
دولة فعالة مهمة مستحيلة.
1
Binod Atreya, the applicability of new public management to developing countries: a case
from nepal ,thesis of doctorate in philosophy, school of management, faculty of business and
law, victoria university of technology, melbourne, australia, 2002, p.28.
2رضوان بروسي ،من الدولة الفيبرية إلى الحوكمة كمنظور دولتي جديد ،مرجع سابق ،ص .68
جوزيف ستيغتلز ،خيبات العولمة ،ترجمة ميشال كرم ،دار الفارابي ،لبنان ،2003 ،ص .39 3
4البنك الدولي ،تقرير عن التنمية في العالم :1997التنمية في عالم متغير ،ص 26
44
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
1
Bernard Cubertafond, critique de l'administration sous emprise liberale, dans : administration,
gouvernance et décision publique, , L'harmattan gret, 2004, pp 45-46.
2
World Economic Forum, the future of government lessons learned from around the world,
geneva world economic, 2001, pp 12, 13. On site :
- http://unpan1.un.org/intradoc/groups/public/documents/cgg/unpan047022.pdf
45
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
كما أوصت به لجنة األمم المتحدة للخبراء في اإلدارة العامة في تقريرها حول القطاع
العام في العالم في عام 2005تحت عنوان " إطالق طاقات اإلنسان لألداء في القطاع العام".
بالتركيز بشكل خاص على موضوع إدارة الموارد البشرية .وبشكل أكثر تحديدا على نوعية
1
اإلدارة العامة بحيث حددت عدة معايير لنجاح الحكومة وتحولها إلى حكامة مستجيبة:
جدول معايير نجاح الحكومة
الحكامة المستجيبة المعيار
التمكين العالقة بين المواطن والدولة
المواطنين واصحاب المصلحة مساءلة الوظائف القيادية
الشفافية والمساءلة والمشاركة المبادئ اإلرشادية
العمليات معيار النجاح
االستجابة السمة الرئيسية
كما جاء في تقرير لجنة الخبراء لألمم المتحدة حول القطاع العام في العالم لعام 2015
بعنوان " استجابة ومساءلة في الحكامة العمومية " الحاجة إلى اإلدارة العامة لتصبح أكثر
استجابة ومساءلة من أجل قيادة تنفيذ رؤية جماعية للتنمية المستدامة في عام .22030
ثانيا :تفعيل دور البرلمان نحو الحكامة البرلمانية
United Nations, world public sector report, responsive and accountable public المصدر 1
الحكامة التعاونية ،بدع م من مؤسسات حكومية فعالة وكفأة وشفافة وخاضعة للمساءلة وشاملة ومنصفة وسريعة االستجابة،
أدى هذا بنهاية القرن الماضي لدمج المفاهيم الثالث :اإلدارة العامة ،المناجمنت العمومي ،الحكامة العامة لتحقيق التنمية
في إطار الشراكات بين الفاعلين "،لقد أصبح من الضروري ،إذن أن تدمج الحكومات أطر وآليات من شأنها تسهيل مشاركة
أكبر في صياغة السياسات من قبل جميع الجهات الفاعلة في الحكامة لتعزيز االستجابة والمساءلة في إدارة الشؤون العامة"
لمزيد من التفاصيل أنظر في هذا :
United Nations, world public sector report, responsive and accountable public governance,
department of economic and social affairs, New York, 2015, p7. On site :
https://publicadministration.un.org/publications/content/PDFs/World%20Public%20Se
.ctor%20Report2015.pdf
46
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
عرفت نهاية القرن الماضي مفارقة بحيث تزامن انتصار الديمقراطية مع ظهور أزمة
الشرعية لدى الهيئات البرلمانية ،تتجلى هذه األزمة في هيمنة السلطة التنفيذية على األجندة
البرلمانية ،وضعف األداء البرلماني وافتقاره لالبتكار والشفافية في عمله.1
طرحت األزمة التي عرفتها الديمقراطية التمثيلية بسب تراجع ثقة المواطنين في القيادات
المنتخبة واألحزاب السياسية والموظفين الحكوميين سؤاال مهما عن الدور المأمول من الهيئة
التشريعية ،والبحث عن صيغة لتفعيل دوره ليستجيب لتطلعات المواطنين ،فكانت الديمقراطية
التشاركية بديال من منظور الحكامة باعتبارها وسيلة للتسيير التشاركي تحتكم إلى قيم الشفافية
والمحاسبة وسيادة القانون والفعالية.
بالنظر لكون الحكامة كمنهج تشاركي يقوم على استعارة مفاهيم اقتصادية تسييرية في
إدارة الشأن العام ،تهدف إلى إحداث قطيعة مع الثقافة السلبية واستبدالها بنظام متكامل قائم
على اإلنتاجية واألداء والفعالية ،فقد شكلت محاوالت تنزيل هذا المفهوم على المؤسسة البرلمانية
أهمية باعتبارها تشكل فضاء للديمقراطية وتمثيل المواطنين ،حيث أن تطبيق الحكامة من شأنه
العمل على إعطاء صورة جديدة للعالقة بين البرلمان كمؤسسة مختصة بالتشريع ورقابة العمل
الحكومي ،والمواطنين كطرف خاضع للقوانين التي يصدرها وهيئة ناخبة تسعى إلى إيجاد
2
حلول لمشاكلها.
تلعب الحكامة البرلمانية دو ار حاسما في المقاربة التشاركية من منظور الحكامة ألنها
تعتبر الركيزة األساسية للديمقراطية ،وتندرج في محاوالت إصالح الدولة بشكل عام ،ووفق هذه
المقاربة فإن البرلمان مطالب":
-أن تكون له رؤية للمستقبل من حيث اإلمكانيات والتهديدات والمخاطر (وضع مخطط
عمل) ،تجعله يعبر بصدق عن تطلعات المواطنين في أداء مهامه بفعالية من خالل المساهمة
في صناعة السياسة العمومية ،وسن قوانين تضمن جودة النصوص التشريعية ومالئمتها
لمتطلبات العصر ،والقيام بالوظيفية الرقابية لعمل السلطة التنفيذية.
1
Mohamed Harkat, la gouvernance parlementaire et les impératifs du développement humain
durable, la gouvernance parlementaire au Maroc, quelle pratique au 21esiecle ? Revue
marocaine d'audit et de développement, n23/24,2007, p 7.
محمد األنصاري ،الحكامة ومتطلبات الجودة التشريعية ،في الحكامة البرلمانية بالمغرب :أية تطبيقات في القرن الحادي 2
والعشرين؟ ،المجلة المغربية للتدقيق والتنمية ،إشراف محمد حركات ،العدد ،23/24دار أبي رقراق للطباعة والنشر ،الرباط،
،2007ص ص .44-43
47
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
-أن يتوفر على أنظمة للرقابة الداخلية وتقييم للمخاطر التي تواجه تطوير العمل البرلماني
وتحقيق الحكامة البرلمانية ،حيث أن البرلمان مصمم ليكون قلعة للديمقراطية وفي نفس الوقت
مؤسسة حديثة وفعالة ،وهذا يعني أن يمتع باستقاللية تمكنه من ممارسة مهامه الرقابية والتقييمية
واثراء النقاش العمومي.
-برلمان مهتم بتقديم كشف حساب عن عهدته النيابية ،واعالم المواطن والتعبير عن انشغاالته
من خالل تفعيل المبادرة البرلمانية وآليات الرقابة البرلمانية المختلفة".1
يرى " حركات محمد " أن نجاح البرلمان في االنتقال إلى مفهوم الحكامة البرلمانية رهين
بدرجة تأهيل النواب وقدرتهم على وضع مخطط عمل استراتيجي تشاركي للعمل البرلماني،
وحتى يكون البرلمان فعاال يجب أن يتوفر على األدوات الحديثة للقيادة والتنظيم الفعال ،وأنظمة
معلوماتية لالتصال والتقييم المستمر للمخاطر ،كما يرتبط بامتالك المؤسسة البرلمانية لهيئات
2
تقييم السياسات العمومية.
وعليه فإن مسألة دور البرلمان في ظل الحكامة تطرح سؤال األداء والفعالية التي تحيل
إلى إشكالية التقييم ومؤشرات القياس التي تهتم بها المؤسسات الناشطة في مجال السياسات
العامة والعمل البرلماني ،يرتبط وجود البرلمان الفعال بمدى توفر مقومات أساسية للحياة
الديمقراطية تتثمل في":
-تعزيز مبدأ الفصل بين السلطات -نزاهة االنتخابات -سيادة القانون– الشف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــافية
– مشاركة المواطنين في عمليات اتخاذ القرار".3
وعملية تجسيد الحكامة البرلمانية تتعلق بمقاربة تشاركية سياسية ،اجتماعية ،اقتصادية،
ثقافية مركبة ،تهدف لتحقيق التنمية المستدامة ،واطارها التنظيمي (المؤسسات المستقلة)،
وأدوات عملها (المشاركة ،المساءلة ،الشفافية ،المحاسبة) ،وتتأثر بفواعل متعددة تتمثل في
(الحك ومة ،األحزاب ،اإلعالم ،الناخبين ،المجتمع المدني ،الهيئات الدولية ،القطاع الخاص،
،)...وفي سياق البحث عن تحسين األداء البرلماني ظهرت عدة مبادرات حاولت وضع معايير
1
Mohamed Harkat, la gouvernance parlementaire et les impératifs des développements
humain durable, la gouvernance parlementaire au Maroc, quelle pratique au 21esiecle ? Op.
Cit, pp 8,9.
2
Ibid. p 9.
3علي الصاوي ،قياس أداء البرلمان بالدول العربية :مقاربة نوعية ومؤشرات كمية ،ص .07
48
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
من شأنها أن تساهم في الوصول إلى وضع معايير لقياس جهود البرلمان التقييمية واإلصالحية
إلى جانب مس اعدة ممارسي التنمية البرلمانية والمانحين لتصميم برامج دعم أكثر استجابة
لوضعية المؤسسات البرلمانية من أهم هذه المبادرات :االتحاد البرلماني الدولي ،1IPUمعهد
البنك الدولي ،2)WBI(:مبادرة البرنامج اإلنمائي ألمم المتحدة ،3المركز العربي لتطوير حكم
.
4
القانون والن ازهة
يرتبط تحقيق الحكامة البرلمانية بتوافر شروط ديمقراطية تسمح بوصول الكفاءة إلى
المجالس المنتخبة وضمان تمتعها باالستقاللية وتمكينها من المعلومة أوال ،ثم يقع على هذه
الهيئة البرلمانية العمل وفق منطق تشاركي مع المواطن والمجتمع المدني ،واتاحة استخدام
األدوات الحديثية للتقييم ثانيا ،يقع على عاتق البرلمان من منظور الحكامة أن يكون فضاء
للديمقراطية التشاركية ،والفعالية تكون بتبني مفاهيم التسيير الحديثة في تقييم السياسات
العمومية.
-3نحو تجسيد الحكامة القضائية
أنظر في هذا :االتحاد البرلماني الدولي ،تقييم البرلمان :مجموعة أدوات التقييم الذاتي للبرلمانات ،سويسرا،2008 ، 1
ص.5على الرابط
https://www.ipu.org/fr/ressources/publications/reference/2016-07/evaluer-le-parlement-
outils-dauto-evaluation-lintention-des-parlements. Consulter le : 20/01/2019
نشر دراسة عن رقابة السلطة التشريعية والميزانيات ،قدمت من خاللها محاولة لوضع مقاييس لتقييم مدى فعالية المؤسسة 2
التشريعية
أنظر في هذاWorld Bank Institute ,Stapenhurst, Pelizzo R, Olson D, Von Trapp L, Legislative :
.Oversight And Budgeting, 2008
http://documents.albankaldawli.org/curated/ar/545851468313500246/Legislative-
.oversight-and-budgeting-a-world-perspective Consulter le :20/01/2019
نقاط الدخول قدم البرنامج رؤيته لتطوير العمل البرلماني وتفعيل أدائه مذكرة عن سياسته للتطوير البرلماني المسماة 3
الرئيسية لبرامج التطوير البرلماني " .أنظر في هذا :برنامج األمم المتحدة ،التطوير البرلماني :مذكرة عن سياسة البرنامج،
ابريل ،2003ص 06على الرابط http://www.parliament.gov.sy/SD08/msf/1435495490_.pdf :تاريخ
االطالع.05/06/2019/:
4قدم تصوره لدور البرلمان في ضل الحكامة من خالل دراسة له حول " البرلمان في الدول العربية :رصد وتحليل (األردن،
لبنان ،مصر ،المغرب) في الجزء األول منه بعنوان "مبادئ البرلمان الصالح " ،أنظر في هذا :البرلمان في الدول العربية :
رصد وتحليل (األردن ،لبنان ،مصر ،المغرب) ،المركز العربي لتطوير حكم القانون والنزاهة ،بيروت .2007 ،
49
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
تعتبر المؤسسة القضائية السلطة الثالثة ضمن السلطات الثالث للدولة ،وتوكل لها
مهمة القضاء والفصل في المنازعات وفق ما يميله القانون ،والسهر على تنفيذه واحترامه ،وفي
ظل األنظمة الديمقراطية توكل لها مهام ضمان حماية الحقوق والحريات العامة والخاصة
لألفراد والجماعات وتجسيد سيادة دولة الحق والقانون.
بالنظر لكون الحكامة كمنهج تشاركي يقوم على تبني مفاهيم اقتصادية تسييرية في
إدارة الشأن العام ،تهدف إلحداث قطيعة مع الثقافة السلبية واستبدالها بنظام متكامل قائم على
اإلنتاجية واألداء والفعالية ،للوصول إلى تنزيل هذه اآلليات العملية ،وتحقيق مفهوم الحكامة
القضائية يعني تفعيل مختلف الحقوق ،وحمايتها التي تقرها المواثيق الدولية والدساتير الوطنية
والقوانين ،ويفترض ضمانها للجميع دون تمييز .فبدون حكامة قضائية ال يمكن احترام حقوق
اإلنسان ،وال محاسبة السلطة التنفيذية ومراقبتها ،وال إقامة انتخابات نزيهة وحرة ،وال تطوير
1
المجتمع المدني واإلعالم ،عدم توفر قضاء صالح يسقط ركنا من أركان العقد االجتماعي.
تهتم الحكامة بتحقيق الكفاءة والفعالية في العمل القضائي والتي تعني هنا " التأثير
الفعلي في واقع المجتمع تأثي ار يؤتي محصلته األخيرة بتحقيق الهدف من قيام سلطة القضاء،
وهو نشر العدل والفصل في المنازعات بكفاءة ،وفقا للضوابط الموضوعية واإلجرائية المقررة
سلفا ووصول الحقوق الى أصحابها ".2
ولتحقيق ذلك ظهرت العديد من المبادرات الهادفة لتجسيد مفهوم الحكامة القضائية منها
مشروع العدالة العالمية :مؤشر سيادة القانون ،3الوثيقة المرجعية للمفوضية األوربية ،4معهد
المركز العربي لتطوير حكم القانون والنزاهة ،القضاء في الدول العربية :رصد وتحليل (األردن ،لبنان ،مصر ،المغرب)، 1
المركز العربي لتطوير حكم القانون والنزاهة في العالم العربي ،2010 ،ص .74على الرابط
http://www.nazaha.iq/search_web/law/10.pdfتاريخ االطالع.2019/06/15 :
3قام مشروع العدالة العالمية بتطوير مؤشر لقياس مدى التزام الدول في جميع أنحاء العالم بسيادة القانون ،وتتبع التغيرات
خالل مدة زمنية وفي عام ،2009غطى المؤشر 35دولة .لمزيد من التفاصيل انظر على الرابط
https://worldjusticeproject.org/our-work/wjp-rule-law-indexتاريخ االطالع.15/06/2019:
4مستقل عن السلطات األخرى ،شروط التوظيف ورقابة القضاة من قبل هيئة مستقلة ،العالقات بين القضاء والجهات
الفاعلة األخرى في العدالة .الخ " أنظر في هذاCommission européenne, appui à la réforme de la :
justice dans les pays ACP, document de référence n° 9, septembre 2010, p30
50
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
في ار ،1مبادرة البنك الدولي لتحسين أداء القضاء ،2وثيقة المركز العربي لتطوير حكم القانون
والنزاهة (مبادئ القضاء الصالح).3
وفي سياق البحث عن تحقيق الفعالية في عمل الهيئة القضائية يتم استخدام أساليب
وأدوات المناجمنت العمومي الجديد التي وان كانت تساعد على الوصول للقضاء على تراكم
القضايا على مستوى المحاكم بفضل استخدام الدعائم التكنولوجية و الرقمنة ،إال أن اعتماد
آليات المناجمنت العمومي الجديد وتطبيق مبادئه وأدواته في قطاع العدالة يؤثر على قطاع
العدالة ومفهوم الخدمة العمومية.4
الفرع الثاني :المجتمع المدني:
الرابطhttps://www.unodc.org/documents/treaties/UNCAC/Publications/ResourceGuideonStren:
gtheningJudicialIntegrityandCapacity/11-85709_ebook.pdfتاريخ االطالعP122 .15/06/2019 :
2أنظر في هذاWorld Bank, Linn Hammergren, diagnosing judicial performance: toward a tool :
to help guide judicial reform programs, 1999, pp19, 22.on site
أنظر في هذا :المركز العربي لتطوير حكم القانون والنزاهة ،القضاء في الدول العربية :رصد وتحليل (األردن ،لبنان، 3
مصر ،المغرب) ،بيروت ،2007 ،ص ص 20-19كما أن هنالك عدة مبادرات في المجال لعدد من الوكاالت نذكر:
)Agence de développement des Etats-Unis (USAID
)Agence danoise pour le développement international (DANIDA
Agence espagnole de coopération internationale (AECI
Ministère fédéral allemand de la Coopération économique et du Développement
) (BMZ
للتفصيل أكثر في الموضوع أنظر:
Commission Européenne, appui a la réforme de la justice dans les pays ACP,
document de référence n° 9, septembre 2010, p p26, 29
يرى Joël Ficetأن تأثيرات تطبيق الحكامة في قطاع العدالة البلجيكي الذي عرف استعماال مكثفا ألدوات و آليات 4
المناجمنت العمومي الجديد التي هي جزء من مفهوم الحكامة أدى إلى إنشاء الهيئات المستقلة للضبط ،التعاقد على العالقات
بين الو ازرات والمحاكم ،فتح المؤسسة أمام المواطنين ،إدخال مناهج الجودة التي تركز على إرضاء المتقاضي ،حيث تُعد
مثاليا لهذه العملية ألنها تعتمد االلتزام المادي ،والنفسي للوكالء في
نموذجا ً
ً مقاربة الجودة التي تم إطالقها في القطاع العام
عملية اإلنتاج من ناحية على التجنيد الرمزي للعميل /المواطن ألغراض إضفاء الشرعية على عمل اإلدارات والسلطة السياسية
من ناحية أخرى ،كما تهتم باإلحصائيات والمؤشرات الكمية للتقييم ويتم استخدامها من قبل الجهات الفاعلة بتفسيرات وفقا
الستراتيجيتها ،مما يعني صعوبة إيجاد تقييم موضوعي ،لقد أدى اعتماد هذه المقاربة إلى إضعاف مطلق للسلطة الحكومية
أنظر في هذا Joël Ficet, L ambiguïtés de la gouvernance judiciaire : autorégulation et :
qualité dans le Ministère public belge, Revue Gouvernance, 5/1, Centre d’études
en gouvernance de l’Université d’Ottawa, 2008, p p24-26.
51
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
ومما سبق إليه اإلشارة من المفاهيم التي عرفت انتشا ار واسعا خالل الثلث األخير للقرن
الماضي نجد مفهوم " المجتمع المدني " الذي يتم استخدامه بشكل غير مسبوق وفي سياقات
مختلفة ،أين يطرح هذا االستعمال واالهتمام به قضايا متشابكة ومتعددة ترتبط بالمواطن
والمجتمع والسلطة ،وان كان المفهوم ُعرف قديما في القرن الثامن عشر الميالدي إال أن
توظيفه وتنوع استعماالته والتحوالت التي عرفتها الدولة والمجتمع أعادا إحيائه من جديد.1
وتشير المراجعة التحليلية التاريخية للمجتمع المدني أنه يدل على واقع سياسي خاص
" بمعنى مفهوم يرتبط بسياق محدد-ثقافي واجتماعي واقتصادي وسياسي – كما يدل على أنه
مفهوم كاشف عن ممارسات وقيم ترتبط بالثقافة المجتمعية والثقافة السياسية على وجه
الخصوص ،إضافة إلى مرونته ،وتطوره عبر التاريخ واختالف توظيفه" 2ضمن سياق التطورات
الحاصلة في السياق الدولي والمعرفي واالجتماعي وأصبحت الدولة الوطنية غير قادرة على
تلبية جميع حاجيا ت المجتمع ،ونادت بحتمية إقامة مجتمع مدني ليكمل مهام القطاع العام
والقطاع الخاص في تحقيق التنمية ،هذه المقـ ـ ـ ــاربة التفاعلية والتشاركية تندرج في سياق تحوالت
الدولة والمجتمع ،واألزمة التي تعرفها الديمقراطية وتسيير الشأن العام ترمى إلى التأسيس
لنموذج جديد من الحكم تكون فيه الدولة فاعل من بين فواعل أخرى ،حيث يشكل المجتمع
المدني فاعال مهما في إطار هذه المقاربة.
أوال :تعريف المجتمع المدني
لقد أ فرزت التراكمات المعرفية والفلسفية التي تناولت المجتمع المدني عبر مراحل
تطور مفاهيمه وتطبيقاته تعددا واختالفا واضحا حول االتفاق على تعريف جامع وموحد له،
بالنظر لتتعدد استعماالته السياسية واالجتماعية والقانونية ،وكذا من حيث تداخل تطبيقاته
société civile1تجدر اإلشارة إلى أن مصطلح المجتمع المدني بالفرنسية تتم ترجمته المنظمات األهلية ،المجتمع األهلي،
وتعود جذوره إلى فالسفة العقد االجتماعي الذين تعاملوا مع العالقات التنسيقية والتعاونية بين األفراد باعتباره عالقة
منشأة للمجتمع وحافظة الستق ارره ،وفي أواخر السبعينيات من القرن الماضي تم تداوله من قبل رواد الحركات االجتماعية،
ودعاة الديمقراطية والمواطنة والحكامة في العديد من الدول وخاصة الدول السائرة في طريق النمو أنظر في هذا " أماني
قنديل ،الموسوعة العربية للمجتمع المدني ،الفصل الثاني :جذور مفهوم المجتمع المدني في الفكر والفلسفة السياسية ،الهيئة
المصرية العامة للكتاب ،مصر ،2008 ،ص ص .58،45
2أماني قنديل ،الموسوعة العربية للمجتمع المدني ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،مصر ،2008 ،ص .45
52
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
العملية مع عدد من المصطلحات التي تقترب منه في المعنى والمدلول النظري والفكري ،إضافة
1
لالمتدادات المعاصرة لمجال تأثيراته العملية من المستوى الدوالتي إلى المستوى العالمي.
يعرف Raymond Hinnebuschالمجتمع المدني بالنظر الرتباطه العملي على
مستوى التنظيم العام للمجتمع بأنه" شبكة االتحادات طوعية التكوين والمستقلة عن الدولة وعن
الجماعات األولية ،ولكنها في الوقت الذي تعمل فيه على احتواء االنقسامات االجتماعية
وتشكيل مناطق عازلة بين الدولة والمجتمع ،فإنها تعمل على ربطها بالدولة وسلطتها "*.2
وتقدم أماني قنديل تعريفا له بأنه " مجموعة التنظيمات التطوعية المستقلة ذاتيا ،التي
تمأل المجال العام بين األسرة والدولة ،وهي غير ربحية تسعى إلى تحقيق منافع ،أو مصالح
للمجتمع ككل ،أو بعض فئاته المهمشة ،أو لتحقيق مصالح أفرادها ملتزمة بقيم ومعايير االحترام
والتراضي ،واإلرادة السامية لالختالفات والتسامح وقبول اآلخر".3
اهتمت المؤسسات الدولية بالمجتمع المدني بالنظر لدوره المحوري في عملية التنمية
حيث عرفه البنك الدولي بكونه " مجموعة التنظيمات التطوعية التي تمأل المجال بين األسرة
والدولة وتعمل على تحقيق المصالح المالية والمعنوية ألفرادها ،وذلك في إطار االلتزام بقيم
ومعايير االحترام والتراضي والتسامح والقبول بالتعددية واإلدارة السلمية للخالفات والنزاعات ".4
يركز هذا التقرير على الجهات الفاعلة في المجتمع المدني التي تعمل بشكل
إيجابي للحد من األضرار المجتمعية وزيادة الفوائد المجتمعية ،وتهدف لتحسين التماسك
االجتماعي وزيادة مستويات التنمية االقتصادية واالجتماعية من خالل محاولة الحد من أعباء
كريم بركات ،مساهمة المجتمع المدني في حماية البيئة ،أطروحة دكتوراه ،قسم الحقوق ،جامعة مولود معمري تيزي وزو، 1
4
World Economic Forum, the future role of civil society. Suisse: world economic forum press,
2013, p 8.
53
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
الفقر وسوء الصحة وعدم المساواة ،وتعزيز مصالح الفئات المهمشة ،وتمديد حماية الحقوق
االجتماعية والمدنية والسياسية وحماية البيئة ،وتقديم خدمات مثل :الصحة والتعليم وغيرها من
أشكال تنمية المجتمع.
أما البرنامج اإلنمائي لألمم للمتحدة فيعرف المجتمع المدني " المؤسسات المدنية التي
تعمل على اشراك األفراد والناس في األنشطة االقتصادية واالجتماعية ،وتعمل على تنظيمهم
في جماعات ذات قوة للتأثير في السياسات العامة ،والحصول على حق الدخول للموارد العامة،
وبشكل خاص للفئات المهمشة .*1
يمكن تقديم تعريف إجرائي للمجتمع المدني استنادا لخصائصه المكونة " فهو
مجموع التنظيمات غير الربحية الهادفة لتحقيق مصالح المجتمع خاصة الفئات المهمشة منه،
المستقلة عن الدولة ،والتي تعمل في شفافية واحترام للقيم المجتمعية ،وتتعاون مع القطاع
الخاص والدولة لتحقيق أهدافها".
لم يقدم المشرع الجزائري تعريفا للمجتمع المدني في الدساتير المتعاقبة منذ االستقالل
رغم تبنيه لمفهومه الحديث من خالل النص على إنشاء عديد الجمعيات والتنظيمات والنقابات
* صاغت شعبة المجتمع المدني /مكتب العالقات الخارجية والدعوة) مكتب الشراكات( استراتيجية برنامج األمم المتحدة
اإلنمائي المتعلقة بالمجتمع المدني التي أقرها فريق العمليات في نوفمبر 2009واستكملت في جوان 2012وترى أنه
يفهم من تعبير المجتمع المدني في الوقت الراهن أنه " يشمل طائفة متنوعة من المنظمات غير التابعة للدولة ،والجهات
الفاعلة التي تقوم بأنشطة غير ربحية ،من قبيل الدعوة المعنية بالسياسات ،والتحالفات العابرة للحدود ن والمنظمات غير
الحكومية ،ومنظمات الشعوب األصلية ،والمجموعات الدينية ن والمجموعات النسائية ،والحركات االجتماعية ،وجمعيات
المتطوعين والجمعيات المعنية وجمعيات وسائط اإلعالم ،والنقابات العمالية والمجتمعات المحلية " أنظر في هذا برنامج
اإلنمائي األمم المتحدة ،استراتيجية المجتمع المدني والمشاركة المدنية ،أكتوبر ، 2012ص .03على الرابط
https://www.undp.org/content/dam/undp/documents/partners/civil_society/publication
.s/2012_UNDP_Strategy-on-Civil-Society-and-Civic-Engagement_AR_final.pdf
تاريخ االطالع.15/04/2019:
وأيضاUNDP and Civil Society Organizations: A Policy of Engagement, 200 :
: Sur le site suivant
https://www.undp.org/content/dam/undp/documents/partners/civil_society/publication
s/policies_and_strategic_documents/UNDP%20and%20CSO%20a%20Policy%20of%20Enga
gement%202011.pd
تاريخ االطالع.5/04/2019:
54
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
والمؤسسات اإلعالمية ....الخ ،لكنه ظل دائما يعتبره تابعا له ولم يسمح له بالقيام بدوره
كفاعل في الحياة العامة.1
-1المجتمع المدني كفاعل في إطار الحكامة
إن التغيير الذي حدث في السنوات األخيرة أدى إلى إعادة صياغة لألدوار والعالقات
بين المجتمع والدولة والسوق ،فلم تعد التنمية مسؤولية الحكومة وحدها ،بل صارت مهمة
مشتركة بين مختلف الفاعلين في الحياة السياسية واالقتصادية واالجتماعية ،ويشكل المجتمع
المدني شريكا فاعال للقطاع الحكومي في صناعات السياسات ومراقبة تنفيذها ،وتقديم الخدمات
في إطار الحكامة التي أعادت صياغة عالقة المجتمع بالدولة بطرح مفهوم الديمقراطية
التشاركية كتعبير عن دور فاعل للمجتمع المدني في هذا السياق.2
أدى التأثير المتزايد للمجتمع المدني إلعادة بلورة عدة مفاهيم ومبادئ تتعلق بتسيير
الشأن العام ،وتحقيق التنمية المنشودة بهدف تجاوز حاالت اإلخفاق التي شهدتها السياسات
المنتهجة خالل فترة دولة الرفاه ،بإتاحة الفرصة للمشاركة الفعالة والفعلية لمنظمات المجتمع
المدني من خالل تفعيل آلية المشاركة ،وطرح مفهوم الديمقراطية التشاركية في تصور جديد
لعالقة المجتمع بالدولة.3
1خلفة نادية ،مكانة المجتمع المدني في الدساتير الجزائرية ،رسالة ماجستير ،جامعة الحاج لخضر باتنة ،2008 ،ص .148
2كمثال على هذا االهتمام المتزايد بدور المجتمع المدني وقعت المملكة المتحدة مع منظمات المجتمع المدني اتفاق رسميا
بإدامة االتصاالت وتوضيح األدوار ،والقيام بمنتديات دائمة ،وفي المجال األكاديمي ظهرت عدة أبحاث ميدانية من بين
Putnam, Robert, Making Democracy Work: Civic Tradition in Modern البحث الميداني المعنون "
" ,Italyل ( ) Robert putnamفي إيطاليا والذي خلص إلى أن الحكومة الجيدة تتوقف على وجود قطاع تطوعي
سليم وروح تطوعية تمكن من رأسمال اجتماعي قائم على الثقة والتعاون وهو ما من شأنه تحسين أداء االقتصاد .أنظر
في هذاTim Plumpter & Jhon Graham, governance and good governance :international and :
.: aboriginal perspectives, institute on governance:December1993,pp6,7.on site
https://iog.ca/docs/1999_December_govgoodgov.pdf
يرى أنطونيو غرامشي أن المجتمع المدني يشكل مع الدولة ما يعرف بالمنظمة السياسية في المجتمع ويطلق عليها تسمية 3
" الدولة الموسعة " حيث يقول " إن الدولة هي المجتمع السياسي زائد المجمع المدني ،ففي حين يحتوي المجتمع المدني على
التنظيم السياسي للمجتمع بكل أجزائه ونقاباته وتياراته السياسية ،فإن الدولة تحتكر السلطة السياسية عبر أجهزتها ومؤسساتها
المختلفة " أنظر في هذا :كريم أبو حالوة ،إشكالية المجتمع المدني ،دار األهالي ،دمشق ،ط ،1998 ،01ص .73ونقال
55
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
تعكس العالقة بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني أحد أهم محاور الحكامة القائمة
على مقاربة تشاركية ،بحيث أن وجود منظمات المجتمع ومساهمتها الفعالة يعد أحد الشروط
األساسية للتنمية في المجال االجتماعي ،وأبرز العناصر المساهمة في حماية المال العام
والوصول إلى نجاعة تسييره ،وال يتأتى هذا األمر إال في ظل وجود استقاللية لها عن الدولة
تمكنها من المشاركة والمساءلة.
-2تفعيل المشاركة :نحو الديمقراطية التشاركية
بطرح مفهوم الحكامة ُنودي بضرورة تجاوز حالة القصور التي عرفتها الديمقراطية
التمثيلية ،1والبحث عن تفعيل مشاركة مختلف الفاعلين في المجتمع للوصول لتسيير فعال
للشأن العام ،تعد في هذا اإلطار المشاركة اآللية المناسبة لتمكين منظمات المجتمع المدني
من المساهمة في القيام بدورها في تسيير الشأن العام.
تشمل" المشاركة جميع اآلليات التي تخول المواطنين المشاركة في عملية إدارة الحكم،
وتقوم على مجموع من األنشطة تسعى إلى التأثير في أعمال الحكومة إما مباشرة بالتأثير في
صياغة السياسات العامة أو في تطبيقها".2
وبالنظر لألزمة التي عرفتها الديمقراطية خالل العقود األخيرة بسب تراجع ثقة المواطنين
في المنتخبين ،وتفشي مظاهر العزوف عن المشاركة في االنتخابات ،واستشراء الفساد ،ولتأمين
فعالية الحكومة ضد العجز السياسي وتقادم النظام التمثيلي ،تم التبشير بنموذج جديد
للديمقراطية يقوم على قطيعة مع الرؤى التي تقلل من المشاركة وتحصرها في عملية التصويت،
عن :سفيان ريموش ،المجتمع المدني ودوره في ترشيد أنظمة الحكم :حالة الدول النامية) الجزائر ( ،مجلة الحوار المتوسطي،
جامعـة الجياللي اليابس سيدي بلعباس ،العدد األول ،المجلد ،2013 ،4ص .169
1يجمع العديد من الباحثين على أن الدول التي قامت فيها الديمقراطية منذ زمن بعيد ،وتظهر على أنها مستقرة تمر بأزمة أو
تعاني من حاالت عجز عن تحقيق األهداف المتوخاة منها بسب تراجع ثقة المواطنين في القيادات المنتخبة واألحزاب السياسية
والموظفين الحكوميين ،وتنامي الفساد والبطالة والفقر...الخ أنظر في هذا :يونس موستف ،الديمقراطية المحدثة :سياق أزمة
ومحاوالت انبعاث ،مجلة المستقبل العربي ،لبنان ،العدد ،2014 ،440ص ص.144، 143
2أماني قنديل ،الموسوعة العربية للمجتمع المدني ،مرجع سابق ،ص .158
56
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
والتحول نحو نموذج الديمقراطية التشاركية التي تهدف ضمان توسيع قاعدة مشاركة المواطنين
وكل الفاعلين في صنع الق اررات دون االعتماد على النواب المنتخبين فقط.1
وتعني الديمقراطية التشاركية " شكل أو صورة جديدة للديمقراطية ،تتمثل في مشاركة
المواطنين مباشرة في مناقشة الشؤون العامة واتخاذ الق اررات المتعلقة بهم ...كما تُعرف بأنها
توسيع ممارسة السلطة إلى المواطنين ،عن طريق إشراكهم في الحوار والنقاش العمومي واتخاذ
القرار السياسي المترتب عن ذلك ".2
وهنالك من يعتقد أن الديمقراطية التشاركية ماهي إال حكامة لعمل المؤسسات
الديمقراطية التمثيلية سواء على مستوى المشاركة أو على مستوى اتخاذ القرار.3
واستناد لعالقة المجتمع المدني بالقيم الديمقراطية فإن تكريس الديمقراطية التشاركية
رهين بتفعيل دور المجتمع المدني كفاعل في إطار الحكامة ضمن سياق المقاربة التشاركية،
والحديث عن دور المجتمع المدني يتعلق بمدى فعاليته لكون الحكامة تقوم على آليات عملية
ومؤشرات للقياس تميزها عن غيرها من المفاهيم.
-3دور المجتمع المدني وفعاليته
تقوم منظمات المجتمع المدني بوظائف عديدة في ميادين مختلفة ،فهي تشكل أداة
لتحقيق النظام واالنضباط المجتمعي كأداة للرقابة والمساءلة على أداء الحكومة ،وتنظيم
المشاركة السياسية الفعالة والمساهمة في معالجة األزمات والتوترات المجتمعية ،كما تلعب دو ار
هام ا في التنشئة السياسية واالجتماعية والوساطة والتوفيق ،وفي أبعاد عالقته بالحكامة يسهم
في إرساء قواعد الممارسة الديمقراطية ،وتوسيع نطاق المشاركة لمواجهات التحديات التنموية
التي تعد مسألة تخص الدولة والمجتمع خاصة في ظل العولمة وتأثيراتها السياسية واالقتصادية
واالجتماعية.
ويمكن أن يتم ذلك من خالل ":4
1تمثل الب ارزيل واحدة من الدول الرائدة في التأسيس لهذا النموذج في مدينة " مونتو اليغري ".
2األمين شريط ،الديمقراطية التشاركية .األسس واآلفاق ،ندوة البرلمان :المجتمع المدني ،الديمقراطية ،مجلة الوسيط ،الجزائر،
و ازرة العالقات مع البرلمان ،العدد ،2008، 06ص .46
3يونس موستف ،مرجع سابق ،ص . 146
4أماني قنديل ،الموسوعة العربية للمجتمع المدني ،مرجع سابق ،ص .157
57
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
-التأثير على السياسة العامة من خالل تعبئة جهود قطاعات السكان وحملها على المشاركة
في الشأن العام.
-تعميق المساءلة والشفافية عبر نشر المعلومات ،والسماح بتداولها على نطاق واسع .
-مساعدة الحكومة عن طريق العمل المباشر وغير المباشر أو التمويل أو الخبرة ،على أداء
أفضل للخدمات العامة وتحقيق رضا المواطن.
-النضال من أجل تحقيق العدالة والمساواة أمام القانون وحماية المواطنين من تعسف السلطة.
-تنشئة المواطنين على ثقافة الديمقراطية من خالل إكساب أعضائها قيم الحوار وقبول اآلخر،
واالختالف ،ومساءلة القيادات ،والمشاركة في االنتخابات ترشيحا وانتخابا ،والتعبير الحر عن
االقتناع ....وجميعها تصب في تعميق الديمقراطية".1
تبقى مساهمة المجتمع المدني في مكافحة الفساد واهدار المال العام من أهم األدوار
التي أصبحت تحظى بدعم المنظمات الدولية خاصة من خالل دعم مشاركة المواطنين
ومنظمات المجتمع المدني ،2وتثير إشكالية فعالية المجتمع المدني قضايا شائكة تأتي في
مقدمتها إعادة النظر في العالقة بين الدولة والمجتمع والتي تندرج تحتها ثالث إشكاليات فرعية:
تتعلق األولى بصعوبة قياس حجم اإلسهام االقتصادي واالجتماعي والثقافي لمنظمات المجتمع،
أما الثانية فتتمحور حول دور المنظمات في تعظيم قدرات الدولة ومواردها عبر دورها في
مجال الخدمات والرعاية ودعمها للمشاركة والتوزيع في المجتمع إلضفاء مزيد من الشرعية
على النظام السياسي ،بينما تنصرف الثالثة إلى ما أفرزته سياسات الدمج الوظيفي والهيكلي
الحكومي تجاه منظمات المجتمع المدني ،3ويمكن القول أن فعالية المجتمع المدني تتعلق
بإشكالية االستقاللية والتمويل من جهة ،وصعوبة قياسها وتقييمها في ظل تعدد المؤشرات و
تأثيرات السياق بين الداخلي والخارجي من جهة أخرى .
الفرع الثالث :القطاع الخاص
في ،سلوى شعراوي جمعة وآخرون، 1عطية حسين أفند ي ،دور المنظمات غير الحكومية في إدارة شؤون الدولة والمجتمع
إدارة شؤون الدولة والمجتمع ،مركز دراسات واستشارات اإلدارة العامة ،القاهرة ،ط ،2001 ،1ص .52
صالح زياني ،عادل زقاع ،نحو تفعيل منظمات المجتمع المدني في مكافحة الفساد في إفريقيا ،مرجع سابق ،ص .65 2
3وهي نتائج الدراسة التي قام بها " أيمن عبد الوهاب " في كتابه المرصد المنهجي بعنوان المجتمع المدني العربي :السمات
واشكاليات الفاعلية :أنظر في هذا :الكر محمد المجتمع المدني واشكالية التحول الديمقراطي بالعالم العربي بين شرعنة األداء
وسلطوية السلطة ،مجلة البحوث السياسية واإلدارية ،جامعة زيان عاشور الجلفة ،العدد السابع ،2015 ،ص ص 285،
.286
58
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
إيهاب الدسوقي ،دور القطاع الخاص في إدارة شؤون الدولة والمجتمع في :سلوى شعراوي جمعة وآخرون ،إدارة شؤون 1
الدولة والمجتمع ،مركز دراسات واستشارات اإلدارة العامة ،القاهرة ،ط ،2001 ،1ص ص.102 ،101
2إيهاب الدسوقي ،مرجع سابق ،ص.10
سعداوي موسى :دور الخوصصة في التنمية االقتصادية ،أطروحة دكتوراه ،جامعة الجزائر ،2007 ،ص .242 3
4
OECD; accelerating pre-poor growth through support private sector development, 2004,
p17. sur le site suivant:
59
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
لقد أدت التحوالت التي حدثت إثر أزمة دولة الرفاه وما صاحبها من أزمة التسيير العمومي
للبحث عن آليات جديدة لتجاوزها .شكل التحول لتبني اآلليات المعتمدة في إدارة وتسيير القطاع
الخاص أحد أهم مظاهرها ،وهو ما انعكس في تغير دور الدولة والتحول نحو اقتصاد السوق،
وقد اقترن هذا التحول بتغير في نمط الملكية واإلدارة السائد ،وهو العنصر الحاسم في عملية
التحول نحو اقتصاد السوق وتبني سياسات الخوصصة في مراحل اإلصالح االقتصادي التي
باشرتها عديد الدول بحثا عن تحقيق التنمية االقتصادية.
-1القطاع الخاص كفاعل في إطار الحكامة
في سياق المقاربة التي تستند إليها الحكامة القائمة على تعدد الفاعلين المشاركين في
عملية التنمية ،يعد القطاع الخاص فاعال مهما في إحداث التغيير من خالل التفاعل والتكامل
مع دور الحكومة والمجتمع المدني ،وهذا من خالل تبني األساليب المعتمدة في التسيير واإلدارة
في القطاع الخاص ،وادارة األعمال التي تقوم على المنافسة والربحية ،هذه التحوالت المؤسسية
والهيكلية يمكن إبرازها على المستوين :الكلي -تحول نحو اقتصاد السوق وتغير دور الدولة-
الجزئي توجه تطبيقات اإلدارة العامة نحو تطبيقات القطاع الخاص وادارة األعمال .
في هذا اإلطار يتم طرح أفكار التسيير العمومي الجديد بوصفها نمطا للحكامة عبر عدد
من المداخل واألسس التي تسعى كلها إلعطاء دور أكبر للقطاع الخاص وآليات السوق لتجاوز
اإلشكاالت التي تميزت بها اإلدارة العامة من جمود بيروقراطي والتوجيه عن طريق صرامة
القوانين وما نتج عنها من أزمات مالية.
يتضح لنا مما سبق أن قيام القطاع الخاص بدور أكبر في تحقيق النمو االقتصادي
وتقليص دور الدولة وتدخلها في النشاط اإلنتاجي والخدماتي ،ومحاوالت إصالح اإلدارة العامة
بتبني أساليب ومناهج التسيير في القطاع الخاص كانت في سياق التحول نحو مقاربة تشاركية
إلدارة الشأن العام ،وهو ما يعني أن مفهوم إدارة وممارسة الحكومة للسلطة قد تطور سواء من
الناحية النظرية أو العملية نحو األخذ بمبادئ الحكامة ،وتتجسد هذه المقاربة في التحول نحو
مفهوم الشراكة بين القطاع الخاص والعام.
-2الشراكة بين القطاع العام والخاص لتجاوز إخفاقات اإلدارة العامة والسوق:
60
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
1مفهوم الشراكة بين القطاعين العام والخاص – Privé (PPP) Partenariat Publicتعرف بريطانيا بكونها الدولة السباقة
لهذا النوع من العقود تحت مسمى مبادة التمويل الخاصة ( )PFIحيت يتم تقديم تسهيالت وحوافز للقطاع الخاص من أجل
االستثمار في المشاريع العامة ،وفي المملكة المتحدة التي ال تعرف نظام القانون اإلداري تعرف العقود " عبارة عن عملية
تعاقدية من خاللها يجتمع عدد من الشركات الخاصة تحت اسم شركة المشروع التي تتولى تمويل إنشاء واستغالل مرفق
عام تم منحه بواسطة الدولة خالل مدة معية ،أما في فرنسا فتعتبر عقد الشراكة " عقدا إداريا يعهد بمقتضاه أحد أشخاص
القانون العام إلى أحد أشخاص القانون الخاص القيام بمهمة إجمالية تتعلق بتمويل االستثمار المتعلق باألعمال والتجهيزات
الضرورية للمرفق العام وتسييره وصيانته واستغالله طوال المدة المحددة في العقد في ضوء طبيعة االستثمار أو طرق
التمويل في مقابل مبالغ مالية يلتزم اإلدارة المتعاقدة بدفعها إليه بشكل مج أز طوال مدة الفترة التعاقدية ،يمكن ربطها بأهداف
األداء المخصصة للشريك المتعاقد ".
أنظر :المادة 1من األمر 599-04الصادر في 17جوان 2014والمسمى عقود الشراكة ،والذي تم تعديله بقانون
رقم ،735/08ثم تمت إعادة إدماجه في عقود الصفقات العمومية من خالل األمر 899 /15الصادر في 23جويلية 2015
والخاص بالصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام.
Voir l'Article 1 de l'Ordonnance no 2004-559, du 17 juin 2004, sur les contrats de
partenariat.
Ordonnance n° 2015-899 du 23 juillet 2015 relative aux marchés publics. Sur le site
suivant :https://www.legifrance.gouv.fr/affichTexte.do?cidTexte=JORFTEXT000030920376.
Consulter le : 06/01/2019.
في المادة 03منه " اعتبر عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص نوعا من أنواع الصفقات العمومية األمر 899/15
وهي عبارة عقود إدارية تخضع لإلجراءات العامة لها الصفقات العمومية باستثناء بعض القواعد الخاصة فيما تعلق بالتعاقد
من الباطن ".
2حكومة دبي ،الشراكة بين القطاع العام والخاص ،إدارة الدارسات االقتصادية والمالية ،دائرة المالية ،أفريل ،2010ص 05
61
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
1
Frédéric Marty, Arnaud Voisin et Sylvie Trosa, Les partenariats public-privé, © Éditions La
Découverte, Paris, 2006, p3.
2
Jennifer M. Brinkerhof, « government-nonprofit partnership: a defining framework », public
administration and development, vol. 22, n°1, 2002, p. 21.
3مرسوم رقم 247/15المؤرخ في 16سبتمبر ،2015ج ر رقم 50بتاريخ 20سبتمبر ،2015يـتـضــمن تـن ـظـيم الصفقات
العمومية وتفويضات المرفق العام.
تجدر اإلشارة إلى أن المشرع قد تبنى مبدأ التمويل الجزئي أو الكلي لمنشآت المرافق العمومية من خالل ما يدفعه المترفقون 4
تطبيقا للمادة 139من قانون المياه ،حيث يعد قطاع المياه واحدا من القطاعات التي تم في عقود تفويض المرفق العمومي
62
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
تجدر اإلشارة إلى أن مفهوم الشراكة بين القطاعين إذا كان يعبر عن محاولة لتجاوز
اختالالت التسيير البيروقراطي لإلدارة العمومية ،فإنه جاء في المقابل مجسدا لمحاولة تجنب
إخفاقات الخصخصة التي شكلت بيعا لمؤسسات الدولة للقطاع الخاص والشركات األجنبية
في ظل تقييم عادل لألصول الخاصة بالشركات التي خضعت لها ،وتعكس الشراكة من منظور
1
الحكامة محاولة لتجاوز هذه اإلشكاليات وتفعيل دور القطاع الخاص.
ول ألهمية التي أصبح يحظى بها موضوع الشراكة بين القطاعين العام والخاص من
قبل الدول والمجتمعات ،فإن تجاربها اختلفت في تجسيد هذه الشراكة متأثرة بطبيعة النظم
والمذاهب االقتصادية التي تتبعها ،واختالف المجتمعات والفترات الزمنية إلبرام هذه الشراكات،
وهو ما أفرز عدة نماذج تبعا لذلك.2
تشكل الشراكة بين القطاعين العام والخاص من منظور الحكامة أسلوبا للتعاون ،تظهر
أهميته في القدرة على تجاوز مكامن القصور التي عرفها التسيير العمومي القائم على العقالنية
القانونية الفيبرية من جهة ،وقدرته على التقليل من اآلثار السلبية التي تميز بها االعتماد على
آليات السوق والخصخصة وفق معايير المناجمنت العمومي الجديد المستند إلى عقالنية
تسييرية من جهة ثانية ،ويبقى تجسيد الشراكة بين القطاعين كآلية لتحقيق التنمية من منظور
الحكامة رهين بسياقاته االقتصادية والسياسية واالجتماعية ،وفي سياق محاوالت التخفيف من
-تخفيض التكلفة وتحقيق الكفاءة :فالقطاع الخاص يتمتع بفعالية في تقديم الخدمات بتكلفة أقل وجودة أعلى
بسب المنافسة بين الشركات ،وتتوافر لديه عوامل مساعدة على تخفيض النفقات منها الحوافز.
-ضمان جودة الخدمات :لعله من المبررات الداعية للتعاقد مع القطاع الخاص هو نوعية وجود الخدمات التي
يقدمها بسب عامل المنافسة القوية مقارنة بالقطاع العام
-المشاركة في تحقيق التنمية من خالل الشراكة وتخفيف الضغط على الدولة.
-المساهمة في بناء اقتصاد متنوع ومستقل عن احتكار الدولة ،والقطاع الخاص يسهم في بناء مناخ ديمقراطي
بفضل تعدد الفاعلين ويساعد على محاربة الفساد واهدار المال العام أنظر في هذا :مبروك ساحلي ،الشراكة بين القطاعين
العام والخاص كآلية لتحقيق التنمية ،حوليات جامعة الجزائر ،العدد ،32الجزء الرابع ،2018 ،ص ص .132 ،131وأيضا:
يوسف بن يزة ،مبروك ساحلي ،مرجع سابق ،ص .130
2للتف صيل أكثر حول نماذج الشراكة بين القطاع العام والخاص أنظر :يوسف بن يزة ،مبروك ساحلي ،الحوكمة كآلية لتفعيل
الشراكة بين القطاعين العام والخاص ،دفاتر السياسة والقانون ،جامعة قاصدي مرباح –ورقلة ،-المجلد ،11العدد الثاني،
جوان ،2019ص 131
63
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
اآلثار السلبية لتأثير االعتماد على أساليب وآليات السوق المعروفة في قطاع إدارة األعمال
على الحكامة تم طرح مسألة المسؤولية االجتماعية للقطاع الخاص.
-3-المسؤولية االجتماعية للقطاع الخاص البعد الجديد للحكامة أو استراتيجية لالتصال
في ظل التحوالت التي عرفتها العالقة بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني
تحت منظور الحكامة ،شكل الدور المتنامي للقطاع الخاص-والتراجع الواضح لدور الدولة في
النشاط االقتصادي وتوفير فرص العمل ،واقتصارها على توفير المناخ المناسب لجذب
االستثمار-أحد أهم مظاهره ،وفي سياق تـأثير العولمة يطرح هذا الدور عدة إشكاليات تتعلق
بالشرعية والمسؤولية ،فالشركات الخاصة تهتم بتحقيق األرباح عكس ماهي به مطالبة به الدولة
ومؤسساتها من وجوب توفير الرعاية الصحية والتعليم والعدالة االجتماعية ،غير أنه في إطار
المقاربة التشاركية بين فواعل الحكامة أصبح القطاع الخاص مطالبا بالمساهمة في التنمية
االقتصادية واالجتماعية والبيئية ،ومراعاة المبادئ األخالقية واالهتمام بالقوى العاملة وأسرهم.
يعرف Ronald Paul Hill, Thomas Ainscough, Todd Shank & Daryl
Manullangالمسؤولية االجتماعية للشركات بأنها "هي استراتيجيات تتبعها مؤسسات التي
لها التزامات حضارية تتجاوز الدور االقتصادي من إنتاج وتوزيع السلع والخدمات النادرة،
باإلضافة إلى توليد معقول من األرباح لحملة األسهم ،إنها اإلجراءات االقتصادية والقانونية
والمعنوية والخيرية للشركات التي تؤثر على نوعية حياة أصحاب المصلحة المعنيين".1
كما يعرفها البنك الدولي بأنها " التزامات منظمات األعمال المستمرة بالتصرف أخالقيا
للمساهمة في تنمية مستدامة ،والعمل مع العاملين في تلك المنظمات وعائالتهم والمجتمع
المحلي والمجتمع الوطني ككل ،لتحسين نوعية حياتهم التي تعود بالنفع على منظمات األعمال
والتنمية في آن واحد ".2
كما يعرفها حسين األسرج "هي تصرف المؤسسات على نحو يتسم بالمسؤولية
االجتماعية والمساءلة ،ليس فقط أمام أصحاب حقوق الملكية ،ولكن أمام أصحاب المصلحة
1
Ronald Paul Hill, Thomas Ainscough, Todd Shank & Daryl Manullang., corporate social
responsibility and socially responsible investing: a global perspective, journal of business
ethics, 2007, p 166.
2
World Bank, "Opportunities and options for governments to promote corporate social
responsibility in Europe and Central Asia , Evidence from Bulgaria, Croatia, and Rom,
Washington, D.C.2005, p1.
64
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
األخرى بمن فيهم الموظفين والعمالء والحكومة والشركاء والمجتمعات المحلية واألجيال القادمة
".1
لقد جاء مفهوم المسؤولية االجتماعية للقطاع الخاص ردا على المخاوف المتزايدة من
التأثيرات السلبية التي سببتها الشركات متعددة الجنسيات على التنوع البيئي من جهة ،ومساس
خطير بحقوق عدد هائل من البشر في أنحاء العالم بسب حرمانهم من الحقوق االجتماعية
واالقتصادية المكفولة بموجب المواثيق الدولية من جهة ثانية ،كل هذا في سعي لتحقيق أرباح
خيالية تحت مسميات العولمة واقتصاد السوق ،وحرية التجارة.
لذا فإن مفهوم المسؤولية االجتماعية للمؤسسات " جاء يعكس الوعي المتزايد من كون
النجاح التجاري المستديم ال يمكن تحقيقه فقط عبر تعظيم الربح في األجل القصير ،لكن األهم
من ذلك هو تبني سلوكيات مسؤولة فال أحد يمكنه تجاهل الرابط القوي بين الحكم الراشد
والتنمية االقتصادية ".2
مفهوم المسؤولية االجتماعية للقطاع الخاص في الجزائر يعاني من غياب اإلطار
التنظيمي والق انوني في أغلب المؤسسات الخاصة ،فال توجد هيئة تعنى بالموضوع ،وال يتم
تشجيع هذه البرامج ،وال تتوفر على مؤشر لقياس األداء االجتماعي للمؤسسات االقتصادية،
إضافة لعدم تنفيذ القوانين المتعلقة بالعمل ومحاربة الفساد ،رغم مساعي الدولة إلى تنمية
الحكامة والمسؤولية االجتماعية في المؤسسات إال أنها تبقى الممول الوحيد لبرامج التنمية
االجتماعية ،فرغم مساهمة القطاع الخاص في تطوير بعض المؤشرات المتعلقة بتقليص نسبة
البطالة أو الرعاية الصحية إال أنها تبقى غير كافية لعدة اعتبارات ،3خاصة وأن القطاع
1حسين األسرج ،المسؤولية االجتماعية للمؤسسات ،جسر التنمية ،المعهد العربي للتخطيط ،الكويت ،العدد ،90فيفري،2010،
ص .4
براق محمد ،موساوي ياقوت ،مرجع سابق ،ص.262 2
3تعود المساهمة المتواضعة في الجانب االجتماعي والتأخر في تبني المسؤولية االجتماعية من طرف القطاع الخاص في
الجزائر لعدة عوامل لعل من أهمها":
-حداثة ظهور وتطور دور القطاع الخاص في االقتصاد الجزائري.
-الخصائص اله يكلية للقطاع الخاص قطاع نما وتطور على ضعف القطاع العمومي ،قطاع همه الوحيد تعظيم
الربح ،قطاع يرتكز أساسا في القطاعات التجارية المربحة.
-عدم تبلور فكرة المسؤولية االجتماعية كمفهوم لدى مسؤولي الشركات بالقطاع الخاص.
-ضعف دور وسائل اإلعالم في التعريف بالمسؤولية االجتماعية للشركات والدفع نحو تعميقها وترسيخها في
ممارسات قطاع األعمال.
65
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
الخاص الذي ظهر بداية تسعينيات القرن الماضي اليزال مهتما فقط بتحقيق الربح عكس
بعض الشركات األجنبية المساهمة ببعض البرامج االجتماعية التي تعود عليه بالفائدة
المباشرة لكنها في المقابل ال تهتم بالجانب البيئي.
المطلب الثاني :معايير ومؤشرات الحكامة
تجدر اإلشارة في البداية لوجوب التمييز بين المعايير والمؤشرات التي عادة ما يتم
استخدامها كمترادفات ،فالمؤشر يرتبط بعدة خصائص مجردة تطبق على محتويات مختلفة ،و
هو عالمة يمكن مالحظتها داخل المعايير إما كمية أو نوعية ،وغالبا ما يتكون المعيار من
عدة مؤشرات وهي التي تجعله إجرائيا ،وعملية بناء المؤشرات تتضمن ثالث عمليات تبدأ
بتحديد موضوع القياس فبناء القياس ثم جمع البيانات ،وتطرح هذه العمليات إشكاليات عديدة
ألنها ليست تقنية إحصائية فقط ،الرتباطها بأسئلة نظرية ومفاهيمية ،فقبل تشغيل اآللة للقيام
بإنتاج األرقام يجب وضع المعايير ،هذه المعايير تعكس فلسفة ومقاربة واضعها.1
وتختلف معايير ومؤشرات الحكامة باختالف المنظمات والهيئات الدولية واختالف
أهدافها و منطلقاتها الفكرية ،خاصة وأن مفهوم الحكامة ظهر في أدبيات المؤسسات المالية
ليكرس الشروط التي وضعتها من أجل تقديم مساعدات التنمية للدول النامية ،حيث تم وضع
عدد من المعايير والمؤشرات لقياس مدى التزام هذه الدول بها من عدمه ،في محاولة لوضع
منهج لقياس ممارسة السلطة السياسية واإلدارية و االقتصادية واالجتماعية في بلد ما " ،لكـ ــن
تعميم هذه المؤشرات وجعلها مؤشرات عالمية يواجه انتقادات عديدة تتعلق بقيامها على منهجية
تجميعية وافتقارها لعنصر الموضوعية".2
-ضعف دور المجتمع المدني وخاصة جمعيات حماية المستهلك واالتحادات المهنية في الدفع نحو تبني وتفعيل
ممارسات المسؤولية االجتماعية للشركات في القطاع الخاص الجزائري"
عبد القادر بريش ،زهير غراية ،دور القطاع الخاص في الجزائر في تعميق مبادئ وممارسات المسؤولية االجتماعية
للشركات ،الملتقى الدولي الثالث "منظمات األعمال والمسؤولية االجتماعية ،جامعة بشار ،خاتمة المداخلة
مقدم وهيبة ،تقييم مدى استجابة منظمات األعمال في الجزائر للمسؤولية االجتماعية ،أطروحة دكتوراه في علوم
التسيير ،جامعة وهران ،الموسم الدراسي ،2013/2014ص .267
1
Emmanuel Breen, "la bonne gouvernance et ses indicateurs : Trois approches", séminaire de
droit administratif européen et global, chaire MADP, 11 Avril 2008, p 3.
2
Carmen Apaza, la pertinence des « indicateurs mondiaux de la gouvernance » : un débat
scientifique en cours, revue française d'administration publique », n° 127, 2008/3, pp 593,598.
66
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
1
Thomas Roca, la gouvernance a l’heure du consensus post-Washington : Les limites
théoriques et méthodologiques d’un concept protéiforme, Université Montesquieu- Bordeaux
IV Thèse, Doctorat en sciences économiques, 2011, p30.
البنك الدولي ،تقرير التنمية في العالم لسنة :1997التنمية في عالم متغير ،ص ص.5،4 2
67
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
حاجة للتركيز على معايير ترتبط بالتضمينية والتشاركية والديمقراطية في ربط لمفهوم الحكامة
الجيدة بالديمقراطية والليبرالية االقتصادية ،من خالل تقريره لسنة 1998تحت عنوان "تقييم
المساعدات" 1الذي ركز على جودة الحكامة في البلدان المستفيدة من التنمية ،حيث عكس
دمج البعد السياسي واالجتماعي في سياسيات البنك الدولي ووضعها كشروط لتقديم مساعدات
التنمية ،وهو ما سيظهر بوضوح في المؤشرات العالمية للحكامة التي قدمها البنك الحقا.
ضمن هذا االتجاه قدم البنك الدولي معيارين أساسين لمفهوم الحكامة في تقريره "
بعنوان نحو حكامة أفضل في الشرق األوسط وشمال إفريقيا :تحسين التضمينية والمساءلة"
هما:
التضمينية :تتضمن آليات تحديد الحقوق األساسية للجميع واحترامها ،وتؤمن وسائل الحماية
لها
المساءلة :تستند لمفهوم الديمقراطية التمثيلية ،وتعني أن من اختيروا لممارسة الحكم باسم
2
الشعب خاضعون للمساءلة من قبل الشعب في حال إخفاقهم وعدم نجاحهم.
كما قدم خبراء البنك الدولي وهمAart Kraay Massimo ،Daniel Kaufmann :
Mastruzziمن خالل مشروع بحثي لهم امتد بين عامي 1996و 2007وشمل 200بلد
ثالثة معايير لمفهوم الحكامة تتعلق ب ـ ــ- :عملية اختيار الحكومة ومراقبتها واستبدالها.
-قدرة الحكومة على أن تضع وتنفذ بفعالية سياسات سليمة -احترام المواطنين والدولة
للمؤسسات التي تحكم التفاعالت االقتصادية االجتماعية .3
1
Gaoussou Diarra et Patrick Planem, la banque mondiale et la genèse de la notion de bonne
gouvernance, de boeck supérieur : mondes en développement, n°158, 2012/2, p55
https://www.cairn.info/revue-mondes-en-developpement-2012-2-page-51.ht.
Consulter le : 13/12/2018.
2سام دلة ،من دولة القانون إلى الحكم الرشيد :تكامل في االسس واألليات ،مجلة دمشق للعلوم االقتصادية والقانونية ،المجلد
،30العدد الثاني ،2014 ،ص .89
La banque mondiale, Rapport sur le développement au moyen – orient et en Afrique
de nord : vers une meilleurs gouvernance au MENA, améliorer l'inclusivité et la
.responsabilisation. Washington, D.C 20433,Liban: Aleph, 2003, PP 1 , 2
3وقد وضع خبراء البنك الدولي مجموعة من المؤشرات لقياس الحكامة من خالل التركيز على":
68
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
وجهت عدة انتقادات لطريقة بناء هذه المؤشرات وكيفيات قياسها بالنظر " لكون القضايا
المفاهيمية والتجريبية المتعلقة ببناء هذه المؤشرات تطرح أسئلة ،فبإجراء مقارنة دقيقة للحكامة
بين مختلف البلدان باستخدام مؤشرات مجمعة بطريقة غير موثوقة بها ،ويفسر هذا االفتقار
إلى الموثوقية بشكل أساسي في كونها مبنية على بيانات تتعلق بتصور عدد معين من الظواهر،
وهذا هو الحال بصفة خاصة في مؤشر قياس "الحد من الفساد " ،الذي يعتمد في الواقع إلى
حد كبير على تصور ما هو الفساد؟ عالوة على ذلك ،كل مؤشر يأتي من مصادر البيانات
التي تم تطويرها من وجهات نظر أو مفاهيم مختلفة ،قد ال يتمكن النموذج التجميعي من
حساب كل موقف معين بطريقة موضوعية".1
دراسة تقارير البنك الدولي المتعلقة بمفهوم الحكامة تبين كيف تطور تصوره من الحكامة
الجيدة وفق مقاربة اقتصادية -تقنية في خدمة السوق بموجب " توافق واشنطن " إلى االهتمام
بفعالية الدولة وضرورة التوفيق بين الدور والقدرة والبحث عن بعث الحيوية في مؤسساتها ،ثم
تبنى مفهوم الحكامة المحلية لينتقل بعدها للحديث عن مفهوم التضمينية والمساءلة ومعايير
الحكامة الديمقراطية ليصل لمفهوم الحكامة االقتصادية واألداء ومن ثم للحكامة المستجيبة.
ثانيا :معايير ومؤشرات البرنامج اإلنمائي لألمم المتحدة
69
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
يرتبط مفهوم الحكامة في برنامج البرنامج اإلنمائي لألمم المتحدة بمقاربة سياسية تستند
إلى معايير الديمقراطية وحقوق اإلنسان في التنمية ،وادخال مفهوم التنمية البشرية كمعطى
جديد في عملية التنمية ،وهو في هذا يعكس نتائج بحوث كل من محبوب الحق وأمارتيا صن.
المالحظ أن مقاربة البرنامج لمفهوم الحكامة لم تتغير كثي ار ،ولكنها تطورت في صياغة
مؤشراتها لقياس نوعية الحكامة بهدف الوصول إلى التنمية اإلنسانية المستدامة.1
تتفاعل مكونات الحكامة الثالث ،فتقوم الحكومة بتوفير البيئة المساعدة واإلطار القانوني
والتشريعي المستقر والعادل ،والمعزز لالستقرار والمساواة في السوق ،بينما يقع على عاتق
القطاع الخاص توفير فرص العمل وتقليص البطالة ،في حين تسهم مؤسسات المجتمع المدني
في تشكيل قنوات لالتصال ومشاركة المواطنين في الحياة االقتصادية والسياسية ،وتنظيمهم
عبر الشبكات المدنية للتأثير في السياسات العامة ،والمساهمة الفعالة في عملية الرقابة
والمساءلة للحد من ظواهر الفساد في تسيير الشأن العام.2
في التقرير الصادر سنة 2002المعنون :تعميق الديمقراطية في عالم مفتت " يعتبر
البرنامج التنمية قضية سياسية واقتصادية في نفس الوقت ،ويربط نجاحها بتبني نهج الحكامة
الديمقراطية في الفصل الثاني من التقرير " :الحكامة الديمقراطية في خدمة التنمية البشرية "أين
قدم البرنامج نموذجه للحكامة في تقريره لسنة 1997المعنون " الحكامة من أجل التنمية البشرية المستدامة " من خالل 1
70
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
يشير لضرورة قيام مفهوم الحكامة الديمقراطية في جميع مستويات المجتمع على معيارين
أساسين هما:
-1المشاركة باعتبارها تساعد على تفعيل الفعل الفردي والمجتمعي عن طريق الحركات
السياسية واالجتماعية التي تشكل صلب التنمية البشرية.
-2الحرية السياسية باعتباره تسمح لألفراد والتنظيمات السياسية واالجتماعية بمعرفة حقوقهم
1
والمساهمة بشكل فعال في صناعة السياسات العامة ورقابتها.
يخلص التقرير على أنه من منظور التنمية اإلنسانية تعني الحكامة الجيدة الحكامة
الديمقراطية تحديدا ،حيث حقوق اإلنسان مصانة والتمييز بكل أشكاله مرفوض ،ومشاركة
الرجال والنساء في صناعة القرار متاحة للجميع ،والسياسات االقتصادية واالجتماعية موجهة
لتلبية احتياجات وتطلعات األفراد وتراعي حقوق األجيال القادمة ،كما تهدف للقضاء على
الفقر وتوسيع خيارات الجميع فالتنمية البشرية هي حرية.2
أما بخصوص المؤشرات فإن البرنامج اإلنمائي لألمم المتحدة يركز على المؤشرات
المرتبطة بالتنمية البشرية ،حيث عمل منذ بداية سنة 1990على إعداد مؤشرات لقياس
مستويات التنمية البشرية في تصور ذو صبغة إنسانية لمفهوم التنمية.3
فالتقرير األول عن التنمية البشرية لعام 1990يرفض مساواة الناتج القومي اإلجمالي
بالتنمية ويعكس تحوال في نمط التفكير في التنمية ومسارها ،حيث يعتمد مؤشرات جديدة للقياس
تجعل البشر مركز النقاش والحوار حول التنمية ،مفهوم التنمية اإلنسانية يمثل نهجا أكثر شموال
تجاه التنمية.4
1
PNUD, Rapport mondial sur le développement humain 2002 : Approfondir la démocratie dans
un monde fragmenté. New York : De Boeck, 2002, p 53.
2
PNUD, Rapport mondial sur le développement humain 2002 : Approfondir la démocratie
dans un monde fragmenté. New York : De Boeck, 2002, P51.
ي رى امارتيا صن "أن التنمية بوصفها حرية تعني توسيع خيارات الناس فالحرية هي الغاية األساسية للتنمية ،وبالتالي فإن 3
نطاق تحليل السياسات يمكن في إقامة صالت تجعل الحرية متسقة ومتماسكة باعتبارها المنظور الذي تسترشد به عملية
التنمية .أنظر :البرنامج اإلنمائي لألمم المتحدة ،الصندوق العربي لإلنماء االقتصادي واالجتماعي تقرير التنمية اإلنسانية
.16 العربية للعام :2002خلف فرص لألجيال القادمة ،ايقونات للخدمات المطبعية ،عمان ،2002 ،ص
4
François Alain. Le concept de développement : la fin d'un mythe, In : L'information
géographique, volume 67, n°4, 2003. P328. Sur le site suivant :
71
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
يعتبر بناء مؤشرات لقياس مفهوم التنمية اإلنسانية أم ار في غاية الصعوبة بالنظر لثراء
المفهوم واتساعه ،فالخيارات اإلنسانية ونتائجها النهاية لها وهي ومتغيرة عبر الزمن " ،وقد قدم
التقرير األول لسنة 1990مؤش ار مركبا هو مؤشر التنمية البشرية يتضمن ثالثة أبعاد وأربعة
مؤشرات لقياسها هي"- :العمر المتوقع عند الميالد ليمثل ُبعد الحياة الطويلة والصحية.
-نسبة البالغين الملمين بالقراءة والكتابة وااللتحاق بالمدارس والثانويات ليمثل ُبعد المعرفة.
1
-الناتج المحلي الحقيقي للفرد ليكون مؤش ار بديال يبين الموارد المطلوبة لتحسين معيشي الئق"
يرى " نادر فرجاني "أن المؤشرات األساسية المشكلة لمؤشر التنمية اإلنسانية البديل
هي ": 2
-العمر المتوقع عند الميالد كمقياس للصحة في مجملها -التحصيل التعليمي حسب مقياس
التنمية البشرية -مقياس الحرية عن مدى التمتع الحريات المدنية والسياسية.
-مقياس تمكين النوع لمدى توصل المرأة للقوة في المجتمع -االتصال بشبكة األنترنيت
والتواصل مع شبكة المعلومات الدولية –انبعاث ثاني أكسيد الكربون للفرد (بالطن المتري)،
معرفة كعقوبة حتى تعكس مدى األضرار بالبيئة عبر الصعيد العالمي "
ويخلص إلى أن مجموعة المتغيرات الستة تشكل نقطة لبناء مؤشر للتنمية اإلنسانية،
معتب ار أن القدرتين اإلنسانيتين األساس فيهما من الناحية البنائية هو الصحة والمعرفة اللتان
تشكالن النواة الصلبة للتنمية اإلنسانية ،وقد تطور التقرير عبر مراحل من خالل :دليل التنمية
البشرية معدال بعدم المساواة ،2010دليل الفقر البشري ،31997دليل الفقر المتعدد األبعاد
https://www.persee.fr/docAsPDF/ingeo_0020-0093_2003_num_67_4_2910.pdf. Consulter
le :01/02/2017.
1
PNUD, Rapport mondial sur le développement humain 1990. Paris : Economica, 1990,p
p12,13.
نادر فرجاني ،نحو قياس أفضل للتنمية اإلنسانية –مؤشر التنمية اإلنسانية ،البرنامج اإلنمائي لألمم المتحدة ،الصندوق 2
العربي لإلنماء االقتصادي واالجتماعي ،تقرير التنمية اإلنسانية العربية للعام :2002خلف فرص لألجيال القادمة ،ايقونات
للخدمات المطبعية ،عمان ،2002 ،ص .18
البرنامج اإلنمائي لألمم المتحدة ،المكتب اإلقليمي للدول العربية ،تقرير التنمية اإلنسانية العربية للعام :2009تحديات 3
72
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
وهكذا يبدو أن الحكامة التي يتصورها البرنامج اإلنمائي األمم المتحدة وتعكسها كثرة معاييره
المتعددة ومؤشراته العديدة والمتنوعة التي تدافع عن مقاربة سياسية من منظور الديمقراطية
التشاركية ،لتحقيق الهدف المحدد في عام 1990المتمثل في إقامة نظام ديمقراطي المركزي
يستفيد من مشاركة السكان المحليين الذين يمثلهم المجتمع المدني ،تطورت لتصل في عام
2018إلى تبني مفاهيم تجسيد التنمية اإلنسانية ،والتنمية للجميع وفق نهج شامل ينبني على
تعميمها وحمايتها من المخاطر بالوصول لتمكين المهملين بسب العولمة ،تحتاج الحكامة من
منظور البرنامج إلى نظام عالمي عادل يثري التنمية اإلنسانية ،التنمية هي عدالة اجتماعية.
الفرع الثاني :معايير ومؤشرات الحكامة في بعض أدبيات المنظمات غير الحكومية
أدى تبني مفهوم الحكامة كنمط تسيير تشاركي لبروز فواعل لها تأثير على صناعة
السياسات العامة سواء على الصعيد الوطني أو الدولي التي من بينها المنظمات غير الحكومية
،إلى جانب معايير ومؤشرات الحكامة التي وضعتها المنظمات الحكومية ،هنالك العديد من
المعاير وا لمؤشرات صاغتها مخابر البحث والتفكير التابعة للمنظمات غير الحكومية سعت
1البرنامج اإلنمائي لألمم المتحدة ،تقرير التنمية اإلنسانية العربية للعام :2010عدد خاص في الذكرى العشرين ،الثروة
الحقيقة لألمم :مسارات إلى التنمية البشرية ،ترجمة لجنة األمم المتحدة االقتصادية واالجتماعية لغربي اسيا (اإلسكوا)،
واشنطن ،2010 ،ص.26
2أنظر في هذا تقرير التنمية البشرية لسنة 1995
PNUD, Rapport mondial sur le développement humain 1995. Paris: Economica,
1995, p p p 1, 11,88.
البرنامج اإلنمائي لألمم المتحدة ،تقرير التنمية اإلنسانية العربية للعام :2010عدد خاص في الذكرى العشرين ،الثروة 3
الحقيقة لألمم :مسارات إلى التنمية البشرية ،ترجمة لجنة األمم المتحدة االقتصادية واالجتماعية لغربي آسيا (اإلسكوا)،
ص.26 واشنطن،2010 ،
4البرنامج اإلنمائي لألمم المتحدة ،أدلة التنمية البشرية ومؤشراتها :التحديث اإلحصائي لعام ،2018مكتب تقرير التنمية
البشرية ،نيويورك ،2018 ،ص .19على الرابط:
http://hdr.undp.org/sites/default/files/2018_human_development_statistical_update_ar.pdf
73
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
بها إليجاد مؤشرات تسمح بقياس جودة التسيير العمومي ،حيث تم طرح العديد منها في سياق
مشروطية المؤسسات المالية الدولية لتقديم مساعدات التنمية ،والتي اشترطت على الدول تطبيق
قواعد الديمقراطية والحكامة الجيدة وسنختصر فيما يلي على تناول اثنتين منها :منظمة
الشفافية العالمية ومنظمة بيت الحرية .
-1مؤشرات منظمة الشفافية الدولية
منظمة الشفافية الدولية ( )TIهي منظمة غير حكومية تأسست عام 1993ويقع مقرها
بألمانيا ،تنشط في مجال محاربة كل أنواع الفساد ،من أهم المؤشرات التي تصدر عن هذه
المنظمة:
-2مؤشر مدركات الفساد :وهو مؤشر انطباعي يهتم برصد االنطباع واإلحساس لدى مواطني
ورجال األعمال بدول العالم المختلفة ،والمنهجية التي يتبعها تعتمد على تقارير مسحية لرجال
األعمال محليين دوليين في مجال السياسة واالقتصاد ،ويعتمد أساسا على نتائج دارسات
لمصادر موثوق بها ،ومتنوعة في أساليب جمع العينات مما يعزز فهم مستويات وآثار الفساد،
وبدأ العمل بهذا المؤشر منذ سنة ،1995وقد تطورت المنهجية التي يتبعها في العام ،2012
وأصبحت توفر أكبر قدر من الوضوح حيال الكيفية التي تم بها بناء المؤشر " ،يقيس مؤشر
مدركات الفساد لعام 2018الفساد في القطاع العام في 180دولة ومنطقة ،1ويستند المؤشر
إلى 13استطالعا في صفوف رجال األعمال والخبراء على مقياس يتراوح بين " 0األكثر
فسادا" و " 100لألكثر نزاهة ".2
يشير التقرير األخير لمؤشر مدركات الفساد لعام 2018عن تعثر جهود مكافحة الفساد في معظم الدول حيث تسلط 1
التحليالت الضوء على مساهمة الفساد في تفاقم أزمة الديمقراطية في العالم ،وترى المديرة التنفيذية للمنظمة Patricia
" Moreiraفي ظل ما نراه من تهديدات للمؤسسات الديمقراطية حول العالم –غالبا على يد قيادات ذات توجه استبدادي أو
شعبوي -يتعين علينا بذل جهد أكبر لتعزيز الضوابط والتوازنات الديمقراطية لحماية حقوق المواطنين...ينخر الفاسد في
األنظمة الديمقراطية شيئا فشيئا "...أنظر في هذا :المنظمة العالمية للشفافية ،مؤشرات مدركات الفساد لعام ،2018ص
.06أنظر التقرير على الرابط www.transparency.org/cpi :تاريخ االطالع.06/07/2019:
2غزوان رفيق عويد ،دراسة تحليلية لمؤشرات منظمة الشفافية الدولية مع اإلشارة إلى حالة العراق ،مجلة النزاهة والشفافية
للبحوث والدارسات ،العراق ،العدد التاسع ،2016،ص .173
بخصوص المنهجية الجديدة لبناء مؤشر مدركات الفساد للتفصيل أكثر أنظر الموقع:
https://www.transparency.org/files/content/pressrelease/2012.CPI.Faqs.Embargo.Ar.pdf
تاريخ االطالع.15/06/2019:
74
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
تدعو المديرة العامة للمنظم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة" Delia Ferreira Rubioلدعم منظمات المجتمع
المدني خاصة على المستوى المحلي وتعزيز مشاركتها السياسية ودورها الرقابي على اإلنفاق
الحكومي ،والعمل على تبني آليات الحكامة باعتبار أن استشراء الفساد يقوض الديمقراطية،
ويهدد الخيار الديمقراطي ونجاح المؤسسات خاصة في البلدان التي تعاني من مشكالت التحول
في اقتصاد السوق ،حيث تشير أبحاث المنظمة لوجود عالقة واضحة بين إرساء الديمقراطية
والنجاح في مكافحة الفساد في القطاع العام.1
-3مؤشر دافعي الرشوة :مؤشر غير سنوي صدر ألول مرة سنة ،1999يقوم على تصنيف
الدول وفق الحتمالية ارتشاء شركاتها في الخارج ،حيث يقيس الفساد من جهة الشركات التي
تدفع رشاوي للمسؤولين الحكوميين في الدول األخرى لتسهيل أعمالها وتصدير منتجاتها لتلك
الدول ،وتعتبر قيمة هذا المؤشر محدودة بالنظر للعدد المحدود لدول المستقبلة لالستثمارات
األجنبية المتضمنة في مسح مؤشر دافعي الرشوة ،وال يتضمن بيانات عن الدول العربية نظ ار
2
لمحدودية الدول المنخرطة في هذا المؤشر.
-4التقرير العالمي الشامل للفساد :تقرير تصدره المنظمة منذ سنة ،2001وتركز في كل
عام على قطاع من قطاعات الدولة ،حيث صدرت عدة تقارير عن الفساد في عدد من
القطاعات الحيوية بالدولة ،حيث ركز التقرير األول على الوضع الكائن للفساد بصورة عامة،
أما آخر تقرير لسنة 2019فركز على إفريقيا من خالل التعرض آلراء المواطنين وتجاربهم
حول الفساد ومكافحته ،وجاء في الملخص التنفيذي للتقرير أن " الفساد يعوق التنمية االقتصادية
والسياسية واالجتماعية في إفريقيا ،إنه عائق رئيسي أمام النمو االقتصادي والحكامة الجيدة
والحريات األساسية ،مثل حرية التعبير أو حق المواطنين في مساءلة الحكومات".3
75
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
تنشر منظمة الشفافية الدولية كذلك تقديرات نظام النزاهة الوطني وهو عبارة عن سلسلة
من الدارسات التي يتم تنفيذها داخل البلد لتقديم تقييم نوعي لنقاط القوة والضعف ألبرز
1
المؤسسات التي تعمل على تمكين الحكامة الجيدة ومنع الفساد في ذلك البلد.
تولي منظمة الشفافية أهمية بالغة لدور المجتمع المدني في مكافحة الفساد ،وتعتبر أن
تفشي الفساد يقوض األنظمة الديمقراطية ويدخلها في حلقة مفرغة بسب عدم قدرتها على
مكافحته ،وعليه فدور المجتمع المدني كفاعل من منظور الحكامة يعد عامال مهما لتجاوز هذه
الظاهرة المرضية ،باعتبار أن مفهوم الحكامة يوفر البيئة القانونية والتشريعية لعمل منظمات
المجتمع المدني ،ويساعدها على القيام بمهامها في مجال مكافحة الفساد.
-5مؤشر بيت الحرية ( :)Freedom houseفي إطار الدور الذي باتت تلعبه الفواعل
غير الدوالتية في صياغة السياسية الدولية من منظور الحكامة العالمية ،تقوم المنظمات غير
الحكومية بدور مهم في التأثير على توجهات السياسية الدولية والوطنية للدول ،ومن بين هذه
المنظمات نجد بيت الحرية ( 2) )Freedom houseوقد قامت سنة 1972بإصدار مؤشر
الحريات السياسية والمدنية تقريبا في كل دول العالم ويتضمن هذا المؤشر عدد من المقاييس
3
التي تهتم بجانبين أساسين هما" -الحقوق السياسية ،الحقوق المدنية".
يقوم المؤشر المعتمد من قبل بيت الحرية على منهجية مستمدة من اإلعالن العالمي
لحقوق اإلنسان بالدول والمناطق ،بغض النظر عن الموقع الجغرافي أو التكوين العرقي أو
الديني أو مستوى التنمية االقتصادية .من خالل تقييم مدى التمتع بالحرية في العالم عبر تقييم
76
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
حقوق وحريات العالم الحقيقي التي يتمتع بها األفراد ،بدالً من أداء الحكومات أو األداء
الحكومي بحد ذاته.1
المطلب الثالث :الحكامة في الجزائر
تعد الجزائر من بين الدول التي اهتمت بموضوع الحكامة لعوامل ترتبط بالسياق الداخلي
سواء سياسيا أو اقتصاديا واجتماعيا أو لظروف ومعطيات دولية تتعلق بانتشار المفهوم
والترويج له من قبل المؤسسات الدولية ،ووكاالت التنمية المختلفة في إطار المشروطية
االقتصادية والسياسية ،حيث أصبح شعا ار لكل المساعدات الدولية ،ومحاربة كل أشكال فشل
التسيير العمومي ،وانتشار الفساد ،وغياب الرشادة في اتخاذ القرار وصناعة السياسات
العمومية.
يقتضي التطرق لمفهوم الحكامة في الجزائر تناوله من خالل المرجعية القانونية والمراحل
التي مر بها هذا المسار ثم التعرض ألهم إسهامات الباحثين في هذا الخصوص.
الفرع األول :الحكامة في النصوص القانونية
يرتبط انتشار مفهوم الحكامة بداية من تسعينيات القرن الماضي على نطاق واسع
بالدور المحوري الذي لعبته المؤسسات المالية الدولية خاصة البنك والصندوق الدوليين ،لذا
يعت بر العامل الخارجي حاسما في صياغة المفهوم وتطوره وتوظيفه ،فقد شكل محور اهتمام
المؤسسات والدول والباحثين ،وفي هذا اإلطار تعتبر المبادرات الدولية للشراكة أحد أهم اآلليات
القانونية التي تم من خاللها طرح مفهوم الحكامة وتبنيه في األنظمة القانونية الوطنية للدولة.
77
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
تجسد مبادرة الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا "1"NEBADوالتي تعد الجزائر واحدة
من الدول المساهمة في صياغتها واطالقها ،أما على الصعيد الداخلي فهنالك عدد من
إطار مرجعيا لتبني مفهوم الحكامة في التشريع الجزائري خاصة في
ا النصوص التي تعد
محاوالت اإلصالح التي شرعت فيها خالل العقود الثالثة للقرن الماضي.
أوال -النص الدستوري :لم يتناول المؤسس الدستوري الجزائري مصطلح الحكامة في الدساتير
التي عرفتها الدولة الجزائرية منذ استقاللها وأن كرس معظم معاييرها ومبادئها المتعارف عليها،
غير أن اإلشارة األولى للمفهوم جاءت في الوثيقة الدستورية المتضمنة التعديل الدستوري لسنة
2016حيث تطرقت إلى المصطلح في سياق تناولها مؤسسة دستورية تُعنى بمهام رقابة تسيير
المال العام وهي مجلس المحاسبة حيث تناولت المادة 192الفقرة الثانية " ...يساهم مجلس
2
المحاسبة في تطوير الحكم الراشد والشفافية في تسيير األموال العمومية"...
1هي مبادرة إفريقية أطلقها وصاغها رؤساء أربعة دول إفريقيه في العام 2001وتعلق األمر بكل من الرئيس السنغالي عبد
واد ،والرئيس الجنوبي إريقي ثابومبيكي والرئيس النيجيري أوبا سانجو ،والرئيس الجزائري بوتفليقة عبد العزيز .أنظر في هذا:
ع ارقي عبد العزيز الشربيني ،نيباد واستراتيجية التنمية اإلفريقية ،عرض نقدي لبعض القضايا الرئيسية :في مصطفى كامل
السيد :استراتيجيات التنمية اإلفريقية في ظل الليبرالية الجديدة :آفاق الشراكة من أجل التنمية في إفريقيا ،مركز دارسات
وبحوث الدول النامية ،2003 ،القاهرة ،ص 53وما يليها.
المادة 192من قانون رقم 01/16المؤرخ في 06/03/2016المتضمن التعديل الدستوري ،ج ر ع ،14الصادرة 2
بتاريخ .07/03/2016
3القانون رقم 02/01مؤرخ في ،09/05/2001يتضمن الموافقة على القانون التأسيسي لالتحاد اإلفريقي في لومي دولة
الطوغو المؤرخ في ،2000ج ر ع ،27الصادرة بتاريخ .2001/05/13
4أنظر في هذا الفقرة األولى من ديباجة الميثاق اإلفريقي للديمقراطية واالنتخابات والحكم المعتمد في جويلية 2006
بجامبيا ،على الموقعhttps://au.int/sites/default/files/treaties/36384-treaty-0034_- :
_african_charter_on_democracy_elections_and_governance_a.pdf
5المرسوم الرئاسي رقم 91-03المؤرخ في ،03/03/2003ج رع ،15الصادرة في .05/03/2003
78
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
الذي نصت ديباجته على تعزيز المبادئ الديمقراطية والمشاركة وتقوية المؤسسات وكفالة
1
الحكامة الجيدة.
-3برتوكول إنشاء مجلس السلم واألمن اإلفريقي التابع لالتحاد االفريقي سنة 2002بجنوب
إفريقيا 2والذي صادقت عليه الجزائر في 2002/06/09بموجب المرسوم الرئاسي رقم 48/03
المؤرخ في 2003/01/29الذي جاء مؤكدا على االلتزام الدائم بالسلم واألمن والتنمية
الديمقراطية والحكامة الجيدة.3
-4اتفاقية االتحاد اإلفريقي لمنع الفساد ومكافحته لسنة 2003والتي صادقت عليها الجزائر
بموجب المرسوم الرئاسي رقم 137/06المؤرخ في 4 2006/04/10حيث تناولت ديباجتها
في فقرتها الثالثة وفقرتها األولى من المادة 03ضرورة دعم المؤسسات وكفالة الحكامة الجيدة
وسيادة القانون.
-5اتفاقية الشراكة بين الحكومة الجزائرية ومعهد االمم المتحدة للتكوين والبحث المتعلق
بإنشاء المركز الدولي لتكوين الفاعلين المحليين للمغرب العربي الذي تتمثل مهمته في تقديم
التكوين والخبرة في مجال الحكامة الجيدة لفائدة الفاعلين المحليين ،5وكذا اتفاقية الشراكة بين
الحكومة الجزائرية والحكومة الفرنسية الموقعة سنة 2007المتعلقة بالتعاون الثنائي الذي
يشمل عدة مجاالت من بينها الحكامة الجيدة واإلصالح اإلداري.6
ثالثا-القانون
تناولت عدة قوانين مصطلح الحكامة مستعلمة مصطلح الحكم الراشد ومن بينها نذكر:
1حيث نصت المادة 11من برتوكول معاهدة المؤسسة للجماعات االقتصادية اإلفريقية بشأن البرلمان اإلفريقي...أن يبحث
أو يناقش ...الم سائل الخاصة باحترام حقوق اإلنسان وتعزيز المؤسسات والثقافة الديمقراطية وكذلك تقوية الحكامة الجدية
وسيادة القانون "
https://au.int/sites/default/files/treaties/7806-treaty-0047_-
_protocol_to_the_constitutive_act_of_the_african_union_relating_to_the_pan-
african_parliament_a.pdf
2المادة 03من ديباجة برتوكول إنشاء مجلس السلم واألمن التابع لالتحاد اإلفريقي
3المرسوم الرئاسي 48/03المؤرخ في ،29/01/2003ج ر ع ،06الصادرة بتاريخ .29/01/2003
المرسوم الرئاسي رقم 137-06المؤرخ في ،10/04/2006ج ر ع ،24الصادرة بتاريخ 16/04/2006 4
المرسوم الرئاسي رقم 428-11المؤرخ في 11/12/20011المتضمن المصادقة على اتفاقية الشراكة بين الحكومة 5
79
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
-1القانون التوجيهي للمدينة 106/06يشكل أول نص تشريعي يتناول مفهوم الحكامة في
إطار المبادئ العامة لسياسة المدينة مستعمال مصطلح الحكم الراشد ،حيث جاء في نص
المادة 02من الفقرة " 07الحكم الراشد الذي بموجبه تكون اإلدارة مهتمة بانشغاالت المواطن
وتعمل للمصلحة العامة في إطار الشفافية".
-2القانون 05/13المتعلق بتنظيم األنشطة البدنية والرياضية وتطويرها 2والذي تناولت
3
عدد من موداه مصطلح الحكامة وأكدت على وجوب احترم قواعدها وااللتزام بتنفيذها.
-3القانون 21/15المتضمن القانون التوجيهي حول البحث العليم والتطوير التكنولوجي
والذي جاء في الفصل الثاني منه متعلقا بأهداف البحث العلمي والتطوير التكنولوجي ونصت
مادته السابعة على " ...ترقية الحكم الراشد.4"...
رابعا -المراسيم التنظيمية:
-المرسوم الرئاسي رقم 107/09المتضمن إحداث أبواب وتحويل اعتمادات إلى ميزانية
تسيير مصالح الوزير األول أحدث ميزانية تسيير مصالح الوزير األول في باب رقم -37
11تحت عنوان :النفقات المتعلقة بتسيير لجنة الحكم الراشد".
-المرسوم التنفيذي رقم 423-13المتضمن تنظيم اإلدارة المركزية في وزارة المالية
تناولت المادة الثانية منه تكليف مديرية سياسة النمو باقتراح أدوات لتحسين الحكامة.
االقتصادية والمالية ،وهو ما يعكس اهتماما متزايدا بتحسين نظام حكامة المالية العامة.5
المساهمة في تحسين الظروف المعنوية والمادية ،"...كما تناولته المادة ..." 90تساهم االتحادية الرياضية الوطنية...والحكم
الراشد وتعزيز التماسك االجتماعي " ...وفي المادة 91منه " ...احترام مبادئ وقواعد الحكم الراشد ولاللتزام بتنفيذها "...وكذا
في المادة 175منه الناصة على " ...إلى احترام البنود التعاقدية وكذا إلى مبادئ الحكم الراشد."...
نص المادة 07من القانون 21/15المتضمن القانون التوجيهي حول البحث العلمي والتطوير التكنولوجي ،المؤرخ في 4
80
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
اهتمام الجزائر بمسألة الحكامة عرف بدايته بانضمامها إلى اآللية اإلفريقية للتقييم من
قبل النظراء سنة 2003حيث عملت على محاولة الوفاء بالتزاماتها على المستوى السياسي
والمؤسساتي واالقتصادي واالجتماعي ،وفي مجال تحسين نوعية الحكامة بوجه عام ،وتجسد
هذا من خالل مراحل تطور فيها مسار الحكامة في الجزائر عكس وجود الرغبة السياسية،
لكنه في المقابل بقي رهين النصوص بعيدا عن التحول للممارسات واقعية ترسي دعائم دولة
المؤسسات التي تبنتها شعارات المرحلة المتزامنة مع إصالحات شملت شتى القطاعات،
وفيما يلي أهم مراحل االهتمام بمفهوم الحكامة في الجزائر.
-1مبادرة الشراكة من أجل تنمية إفريقيا( :)NEPADتعتبر المبادرة نتيجة دمج مقترحين هما
" برنامج األلفية من أ جل تجديد إفريقيا " المقدم من قبل رئيس جنوب إفريقيا ورئيس الجمهورية
الجزائرية سنة 2000ومخطط " أوميغا" المقترح من قبل الرئيس السنغالي سنة ،2001والتي
تم اعتمادها من قبل رؤساء الدول اإلفريقية في القمة 37لمنظمة الوحدة اإلفريقية
بلوزاكا(زامبيا)سنة ، 2001وتم تغيير تسميتها إلى "الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا" في
اجتماع لجنة رؤساء الدول والحكومات اإلفريقية في 2001/10/23بأبوجا (نيجيريا) والتي
اختصار "النيباد" ،2حيث تتعهد الدول األعضاء والتي من بينها الجزائر باستحداث
ا تسمى
وتعزيز آليات وممارسات الحكامة وتشجيع المبادرات التي من شأنها تعزيز الحكامة الجيدة.3
ولنشر مضمون هذ الوثيقة وما تضمنته حول مفهوم الحكامة تم تنظيم ندوة وطنية
برئاسة رئيس الجمهورية الجزائرية سنة 2002ضمت مختلف الفاعلين في مجال العمل
1نصت المادة 4من المرسوم التنفيذي140/14على إنشاء مديرية الحكامة المحلية وتتكون من المديرية الفرعية لتنظيم
وتسيير اإلدارة الالمركزية والمديرية الفرعية لمشاركة المواطنين والشراكة مع الحركة الجمعوية ذات المنفعة العامة.
أنظر في ه ذا :أديبايو أولوكاشي ،إدارة التنمية اإلفريقية ...التحدي الكامن في الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا في :مرجع 2
باستحداث أو تعزيز عمليات وممارسات الحكامة األساسية -تعهد من جانب الدول المشاركة بلعب دور طبيعي في دعم
المبادرات التي تشجع الحكامة الجيدة ".كما نصت الفقرة 82من ذات الوثيقة على " تلبية المعايير األساسية للحكامة الجيدة
والسلوك الديمقراطي".
81
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
السياسي واالقتصادي واالجتماعي ،ومن خاللها تم طرح مفهوم الحكامة على نطاق واسع على
مختلف األصعدة.1
-2اآللية اإلفريقية للتقييم من قبل النظراء ( :)MAEPتم استحداثها والمصادقة على نص
إنشائها في سياق استكمال اإلطار المؤسساتي للنيباد خالل قمة االتحاد اإلفريقي في جنوب
إفريقيا سنة ،2002حيث تعتبر أداة للتشخيص تقوم بها مجموعة من الدول اإلفريقية لقياس
مدى تطبيق عناصر الحكامة الجيدة في دولة إفريقية ما بشكل طوعي لمساعدتها على تحسين
أدائها االقتصادي وزياد فعاليته ،وترقية العمل الديمقراطي ،وتحسين طرق تسيير الشأن العام"،
فهي تشكل آلية لمتابعة التنفيذ وتقييم األداء بصورة دورية بناء على معايير وقواعد متفق
2
عليها".
تركز المعايير الثمانية األولى للحكامة الجيدة على الحكامة المالية حيث تتناول:
-معيار الممارسات الجيدة الخاصة بالسياسية النقدية والمالية -معيار الممارسات الجيدة
الخاصة بالشفافية الدولية -معيار شفافية الميزانية -معيار تسيير الدين العام-مبادئ الحكامة
الجيدة للمؤسسات-معيار المراجعة الدولية-معيار المبادئ األساسية للرقابة الفعالة للبنوك
3
في حين ينصرف المعيار التاسع منها إلى معايير تجسيد الديمقراطية وقواعد القانون.
تعد الجزائر ثاني بلد كرست فيه اآللية أشغالها بعد روندا وهذا في 2004/11/23
وخضعت للتقييم عبر اآللية اإلفريقية للتقييم من قبل النظراء مرتين سنتي 2007-2005من
قبل مجموعة من الشخصيات اإلفريقية البارزة تحت رئاسة السيدة " ماري أنجيليك سافاني"
والتي قامت بعدة لقاءات مع مسؤولين في الحكومة والمجتمع المدني ،وهذا في إطار التحضير
للتقرير الوطني للتقييم الذاتي الذي كلفت به اللجنة الوطنية للحكامة الجيدة.4
تم عقد الندوة بتاريخ 2002/01/21وحضور فعاليات من المجتمع المدني والفاعلين االقتصاديين والسياسيين. 1
عراقي عبد العزيز الشربيني ،مرجع سابق ،ص 53وما يليها. 2
3
Ross Herbert, mise en œuvre du Nepad : une évaluations critique". In : rapport sur
l'Afrique : une évaluation du nouveau partenariat, PP 122-123.
http://www.nsi-ins.ca/fran/pdf/africa_report/ch5_herbert_f.pd. Consulter le2/7/2019.
سارة دباغي ،آليات وسياسات إرساء مبادئ الحكم الراشد وترقيته بالجزائر ،أطروحة دكتوراه في العلوم السياسية والعالقات 4
82
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
تمت عملية التقييم عبر اآللية اإلفريقية للتقييم من قبل النظراء عبر كامل التراب الوطني
لما يقارب 18شه ار تحت رعاية اللجنة الوطنية حول الحكامة وبمشاركة األطراف المعنية على
المستوى الوطني والجهوي والمحلي ،وكذا المؤسسات التقنية أو مؤسسات البحث العلمي،
1
واستفاد هذا البرنامج من تمويل شامل من الميزانية الخاصة للدولة الجزائرية.
-3اللجنة الوطنية للحكامة
شكل ان ضمام الجزائر إلى اآللية اإلفريقية للتقييم من قبل النظراء في مارس 2003
ترجمة لمساعيها نحو تبني معايير الحكامة كما عكس األهمية التي توليها لها في مجال تحقيق
التنمية المستدامة ،حيث تم تعيين الجهة المختصة بهذا الشأن ممثلة في شخص الوزير المنتدب
المكلف بالشؤون المغاربية واإلفريقية ،وكذا تنصيب اللجنة الوطنية للحكامة من قبل رئيس
الحكومة بتاريخ ،22005/03/12وتم تكليفها بإعداد مشروع التقرير حول التقييم الذاتي
وبرنامج العمل التمهيدي في مجال الديمقراطية والحكامة السياسية والحكامة والتسيير
االقتصادي ،الحكامة والمؤسسات والتنمية االقتصادية واالجتماعية ،3تتشكل من قرابة مائة
عضو يمثلون الحكومة ومختلف الهيئات والمجتمع المدني ،والمتعاملين االقتصاديين ،وجسد
تنصيبها االنطالقة الفعلية لمسار عملية التقييم الذاتي.
-4نتائج عمل اللجنة
قامت اللجنة الوطنية للحكامة مع الجهة المختصة بالحكامة ممثلة في الوزير المكلف
بالشؤون المغاربية واإلفريقية بإعداد مشروع أولي للتقييم الذاتي من خالل تنصيب ورشات عمل
أوكل لها مهمة التفكير في العناصر المكونة لبرنامج العمل األولي ،وقد قدمت اللجنة خالل
عملها تقريرين مرحليين سنتي 2008و 2012حول تطبيق برنامج عملها الوطني حول
الحكامة.
تزامن تنفيذ هذا البرنامج مع برنامج العمل الحكومية الذي صادق عليه المجلس الشعبي الوطني بتاريخ 28/06/2007 1
والذي يرجع بشكل صريح إلى برنامج عمل الجزائر في إطار اآللية اإلفريقية للتقييم من قبل النظراء ،حيث تمت المصادقة
على برنامج عمل الجزائر في مما يتعلق بالحكامة في 01جويلية ،2007وبرنامج عمل الحكومة في 28جوان .2007أنظر
في هذا :تقرير حول حالة تنفيذ برنامج العمل الوطني في مجال الحكامة ،اآللية اإلفريقية للتقييم من قبل النظراء ،نقطة
االرتكاز الوطنية الجزائر ،نوفمبر ،2008ص ص .10 ،9
حورية سعادية ،تطور مسار الحكامة في الجزائر بين اآلليات القانونية والمحطات العملية ،المجلة الجزائرية للدراسات 2
السياسية ،المدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية ،الجزائر ،العدد الخامس ،2016 ،ص59
تقرير حول حالة تنفيذ برنامج العمل الوطني في مجال الحكامة في الجزائر ،مرجع سابق ص .9 3
83
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
أ-التقرير األول :بعد ممارسة الجزائر لعملية التقييم الذاتي ،تم عرض تقرير المراجعة لآللية
اإلفريقية للتقييم من قبل النظراء حول الجزائر بأك ار بدولة غانا في الفاتح من شهر جويلية
2007حيث صرح الوزير المنتدب "أن هذا التقرير يعد أكثر التقارير شفافية وتكامال ويهدف
لتكريس الحكامة الجيدة في تسيير شؤون الدولة ".1
ب-التقرير الثاني :حيث تم إتباع نفس الخطوات التي تمت مباشرتها في إعداد التقرير األول
حول تنفيذ برنامج العمل الوطني في مجال الحكامة لسنة ،2007حيث تزامن إعداد التقرير
الثاني مع حركية الشروع في جيل جديد من اإلصالحات في شتى المجاالت عبر عنها رئيس
الجمهورية في خطابها لألمة بتاريخ ،2011/04/15وقد جاء التقرير المرحلي الثاني حول
حالة تنفيذ برنامج العمل الوطني في مجال الحكامة في حوالي 494صفحة تناولت مختلف
الميادين السياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية ليعكس الحرص على تجسيد مفهوم
الحكامة عمليا ،وفي هذا السياق عبر الوزير األول أثناء عرضه لمخطط عمل الحكومة لسنة
2012أمام البرلمان " ...ستعمل الحكومة على...:االنطالق في عهد جديد في مجال ترقية
الحكم الرشيد ، ...حيث خصص الفصل األول ل ــ" تحسين الحكامة" 2،كما تناول مخطط عمل
الحكومة لسنة 2017في القسم الثاني منه تحت عنوان مواصلة تدعيم الديمقراطية التعددية
وخ صص الفصل الرابع لـ" مواصلة عصرنة الحكامة
ودولة القانون وعصرنة الحكامة المفهوم ُ
".3
الفرع الثالث :إسهامات بعض الباحثين الجزائريين في تعريف الحكامة
يعتبر مصطلح الحكامة من المفاهيم واسعة االنتشار وكثير االستعمال بمعاني مختلفة
بحيث أصبح يشكل لغة مشتركة بين الباحثين واألكاديميين واالقتصادين وعلماء االجتماع
والسياسية ورجال القانون واإلعالم ،حيث تتجاذبه حقول معرفية متنوعة ،ولقد اهتم الباحثون
واألكاديميون الجزائريون بدارسة مفهوم الحكامة ،ونال الجانب االقتصادي الحظ األوفر بالنظر
لالنتشار الواسع للمصطلح في الحقل االقتصادي تحت تأثير المؤسسات المالية الدولية ومراكز
2مخطط عمل الحكومة من تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية ،مجلة الفكر البرلماني ،مجلس األمة ،العدد ،2012 ،30ص
.145
3مخطط عمل الحكومة لسنة 2017من أجل تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية ،مصالح الوزير األول ،سبتمبر ،2017ص.1
84
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
البحث المختصة في هذا المجال ،ثم الدارسات االجتماعية والبحوث القانونية والسياسية التي
اهتمت كذلك بالمصطلح في سياق انتقال المفهوم إلى حقل السياسية والقانون.
-1من علم االقتصاد يرى كل من "عزي األخضر وغالم جلطي "أن الحكم الراشد "هو مجموعة
من القواعد الطموحة الموجهة إلعانة ومساعدة المسيرين في االلتزام بالتسيير وبطريقة شفافة،
وفي إطار هدف المساءلة على أساس قاعدة واضحة وغير قابلة للتردد أو االنتقادات ،على
أن تساهم كل األطراف الفاعلة عبر نشاطات هؤالء في مجال التسيير ،والتي أصبحت من
المتطلبات المثلى في كل المحيطات االقتصادية والتي ال تستبعد أي عنصر من النشاط
اإلنساني" ،1يركز التعريف المقدم على فكرة القيادة والتسيير باعتباره يسعى إلى تحقيق تغيير
جذري في أسلوب إدارة األعمال تتجاوز مسألة الوسائل والقدرات إلى خلق ديناميكية تساعد
المسير والمؤسسة إلنتاج أكثر النتائج اإليجابية.
-2من علم االجتماع يرى" ميلود سفاري" أن الحكامة أو كما يسميها الحكم الرشيد " فلسفة
ليست وليدة الق اررات التي صاغتها الهيئات الدولية في إطار مخططات التنمية والمساعدات
التي تمنحها للدول الفقيرة لتحقيق التنمية ،وانما هي محصلة تجربة تمتد على مدى قرون من
الزمن في المجتمعات الغربي ة ،وهي عبارة عن نسق متكامل يشمل مناهج وتقنيات في الحكم
والتنمية بصفة عامة يشمل االقتصاد والسياسية واالجتماع والثقافة باستخدام نتائج العلوم والفنون
والتطبيقات العلمية والتقنية لمختلف المعارف ."2وعليه فالمفهوم يحمل مضامين هيمنة النموذج
الليبرالي في أبعاده االقتصادية واالجتماعية والسياسية كنموذج للدول النامية عليها أن تحتذي
به كشرط ملزم للحصول على مساعدتها وقروضها لتحقيق التنمية.
-3من علمي السياسية والقانون يرى "علي بن محمد" أن عبارة الحكم الصالح " غامضة
مبهمة لمشكلة في غاية الوضوح ،ويكفيها اتهاما أنها قد صنعت خصيصا لبلداننا المتخلفة من
قبل أجهزة البنك والصندوق الدوليين ليكون الحكم الصالح مقياس لمنح القروض والهبات على
أن تكون هي مرجع تقويم من هو صالح وفق معاييرها الخاصة ،ومصالح الدول المهيمنة ،ال
1األخضر عزي ،غالم جلطي ،الحكم الراشد وخوصصة المؤسسات (إشارة إلى واقع االقتصاد الوطني والمؤسسة الجزائرية)،
مجلة علوم إنسانية ،السنة الثانية ،الجزائر ،العدد ،2006 ،28ص .3
http://www.transparency.org.kw.au- متاح على موقع جمعية الشفافية الكويتية على الرابط
ti.org/upload/books/239.pdfتاريخ االطالع.2019/09/15 :
2ميلود سفاري ،الحكم الرشيد :المفهوم المبادئ واالنتقادات ،مجلة اآلداب والعلوم االجتماعية جامعة فرحات عباس سطيف،
العدد ،05جوان ،2007ص .21
85
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة
يوصف الحكم بأنه صالح أو غير صالح بل بأنه ديمقراطي أو غير ديمقراطي ،وال مخرج لنا
سوى طريق الشرعية في قيام نظم سياسية مستندة إلى االختيار الشعبي" ،1وعليه يربط بين
مسألة الحكامة والشرعية التي يرى بأنها وحدها الكفيلة بتحقيق الديمقراطية.
كما يرى "رضوان بروسي" أن األفكار التي يطرحها تصور الحوكمة تشكل" اتجاها
يتجاوز المنظور العقالني القانوني (الدولة الفيبرية) يستمد مرجعتيه باألساس من المنظورات
النيوليبرالية الداعية إلى تكريس منطق دولة الحد األدنى ،وهذا يتجلى في إدراج السوق كمفهوم
مركزي ومفاهيم أخرى مرتبطة به (الخصخصة) في مختلف اإلصالحات على المستويين
اإلداري واالقتصادي "2وعليه يعتبر الحكامة تجسيدا لسياسات وبرامج المؤسسات المالية الدولية
الداعية إلى تحرير األسواق وخصخصة القطاع العام من خالل طرحها لبرامج التعديل الهيكلي
والتي تم تطعيمها الحقا بمضامين سياسية وتقديمها للدول النامية كنظام جديد تحت مسمى
الحكامة الجيدة .
1علي بن محمد ،الفساد والحكم الصالح في البالد العربية ،مرجع سابق ،ص .131
2رضوان بروسي ،من الدولة الفيبرية إلى الحوكمة كمنظور دولتي جديد :رؤية نقدية ،مرجع سابق ،ص .67
86
الباب ا ألول:
قامت الحكامة على تصور خاص بإعادة تعريف الدولة ووظائفها في شتى المجاالت،
غير أن المجال الذي نال القسط األكبر من االهتمام كان مجال التسيير المالي ،فتم التركيز
في سياق تأثير طروحات التشكيك في دورها كفاعل مهيمن على صناعة السياسات المالية
العامة وتنفيذها من قبل المؤسسات المالية الدولية ومن ورائها أفكار مدرسة شيكاغو ،هذا
اإلطار الجديد سمح لفاعلين جدد بالظهور والعمل على مشاركة الدول في صناعة القرار
المالي ،إذ أصبح للقطاع الخاص والمجتمع المدني تأثير متزايد في هذا المجال سواء على
المستوى المحلي أو من خالل تأثيرهم ا على المؤسسات المالية الدولية في سياق العولمة
االقتصادية والمالية.
لقد شهد النصف الثاني من القرن الماضي تحوالت عميقة أثرت على مفاهيم المالية
العامة ،تشكلت في سياق التحوالت التي عرفتها الدولة ،والمذاهب االقتصادية والسياسية ،وتأثير
البيئة الدولية والتقدم التكنولوجي ،كلها عوامل دفعت الدول إلى إعادة النظر في تسيير المالية
العامة من حيث إعادة تكوين وتنظيم مؤسساتها ،ومن حيث قواعد عملها وأنشطة موظفيها
على الصعيد السياسي ،أدت تحوالت الدولة والمذاهب االقتصادية والسياسية وتأثير البيئة
الدولية والتقدم التكنولوجي للمساهمة في إعادة تشكيل النظام المالي للدول ،حيث يشكل تسيير
المالية العامة مجموعة من العناصر الموحدة (المعايير والمؤسسات واإلجراءات) التي تميز
الحكامة المالية العامة وتسمح للدولة بتحصيل مواردها وبتسيير نفقاتها ،في هذا السياق تشكل
جودة الحكامة العامة ،وتدقيقا جودة الحكامة المالية العامة محور اهتمام السياسيين
واالقتصاديين ،وعلى األخص محور اهتمام المنتخبين والمسيرين ،إذ تظهر التطورات المعاصرة
لألنظمة المالية العامة أنها تتصدر طليعة عمليات التحول التي عرفتها الدولة والديمقراطية.
شرعت عدد من دول العالم على مدار نصف قرن في إحداث تغييرات عميقة
بالمؤسسات ،وكذا في إجراءات التسيير المالي العام ،تمت ترجمتها عبر إصالح الميزانية
عقدا يربط بين الدولة والمواطن ،و خضع القانون المالي العام إلىالعامة للدولة التي تشكل ً
تحوالت عميقة سواء في مبادئه أو قواعده واجراءاته ،فعملت المؤسسات المالية الدولية ووكاالت
التنمية على طرح مفهوم الحكامة كأسلوب للتسيير الفعال القائم على رؤية تشاركية تشكل
آخرين هما المجتمع المدني والقطاع الخاص،
الدولة ومؤسساتها الرسمية أحد فواعلها بين َ
88
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
وتقديم مفهوم الحكامة المالية العامة المستلهمة من مبادئ المناجمنت العمومي الجديد كفلسفة
لتفعيل دور الدولة من خالل تجاوز المقاربة الفيبرية القانونية للتسيير المالي العمومي ،واعتماد
مقاربة مناجيريالية تقوم على آليات المشاركة والشفافية واألداء والفعالية وترشيد الفعل العمومي،
حيث يتم تجسيد هذا من خالل التسيير باألداء المرتكز على النتائج عبر ميزانية أداء موجهة
بالنتائج لغرض التحكم في اإلنفاق العام ،في ظل عولمة هذا النموذج نتساءل عن إمكانية
نجاح عملية تصديره للدول النامية والفقيرة.
يشكل تزايد حجم اإلنفاق العام وشح الموارد المالية من جهة ،وانتشار مظاهر الفساد
واختالس المال العام واستغالله ألغراض شخصية من جهة ثانية ،سببا رئيسيا للمطالبة بضرورة
المحافظة على المال العام وحسن تدبيره ،وهو األمر الذي أصبح يتطلب إرساء مبادئ الحكامة
المالية المتمثلة في الشفافية والمساءلة والرقابة والمشاركة في تسيير المالية العامة بشكل عام
وتسيير اإلنفاق العام بشكل خاص ،هذا التوجه نحو ترشيد اإلنفاق العام أصبح مطلبا للدول
المتقدمة وضرورة بالنسبة للدول النامية ،غير أن الوصول إلى تحقيقه يشكل إشكالية تتطلب
صياغة نموذج يستطيع الجمع بين الشرعية ،المساواة ،العدالة من جهة ،والفعالية الكفاءة
واألداء والنتائج من جهة ثانية ،كما يقوم على التحكم في التحوالت الداخلية والرهانات
الخارجية المتمثلة في العولمة وآثارها.
89
الفصل األول
يهدف النشاط االقتصادي في المجتمع إلى إنتاج وتوزيع مختلف السلع والخدمات بغية
إشباع الحاجات المتنوعة ألفراده وهيئاته التي تستجيب لمقتضيات تطوره ،حيث يتخذ هذا
النشاط صورة مالية تشكلها التدفقات النقدية التي تجسد النشاط المالي الذي قد يقوم به األفراد
أو الهيئات الخاصة ،أو قد تقوم به الدولة باعتبارها سلطة منظمة في المجتمع تعمل على
إشباع الحاجات العامة ،وعليه فإن مصطلح المالية يتعلق ُبعده األول باألفراد أو الهيئات
الخاصة ويسمى المالية الخاصة ،ويتعلق بعده الثاني بالدولة ويسمى المالية العامة.
المبحث األول :اإلطار المفاهيمي لتحوالت المالية العامة وسياسية اإلنفاق العام
تعتبر المالية العامة إحدى أهم الموضوعات واألكثر حساسية في تاريخ المجتمعات
بالنظر الرتباطها بالسلطة ،فمن يملك السلطة يتصرف في المال العام ،ومدار الصراعات
المختلفة التي تحدث مرده إلى صراع حول المال العام ،حيث تقع المالية العامة في صميم
عمليات بناء الدول وتحوالتها ،وهي مرآة عاكسة للنزاعات السياسية والتنازالت االجتماعية بين
موازين القوى داخل الدولة ،وفي هذا يرى شومبيتر بأن "المالية العامة تمثل أفضل المقاربات
لفهم المجتمع ،وعلى وجه الخصوص الحياة السياسية" ،إذ أن هذا التخصص أثبت أنه مثمر
بشكل مفيد عندما ينطبق على هذه الفترات االنتقالية حيث يتالشى في الواقع ويتحول إلى شيء
دائما أزمات في السياسات المالية.1
جديد ،والذي يصاحبه ً
سنعرض فيما يلي لتعريف المالية العامة والمقاربات التي تناولتها بالتحليل مع تناول
التحوالت التي عرفها دور الدولة في هذا السياق ،بالنظر لالرتباط الوثيق بين هذا الدور
والتطورات الحاصلة في مجال المالية العامة ،سواء من حيث وظائف الدولة أو عالقتها
بالفاعلين الجد د ،الذين ظهروا في سياق هذه التحوالت العميقة التي شهدتها األنظمة المالية،
كما سنركز على سياسات اإلنفاق العام التي تعكس ذلك بوضوح سواء على مستوى النشاط
Mohamed Djouldem, les reformes des finances publiques : enjeux politiques et
1
gestionnaires.op.cit, p8.
91
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
المالي للدولة أوفي السياق الدولي باعتبار "أن المالية العامة تشكل حقيقية عالمية خاصة في
الدولية" . ظل تأثيرات المؤسسات المالية
1
تهتم المالية العام بدراسة العالقات القانونية واالقتصادية التي تنشأ عندما تقوم الدولة
بالنشاط المالي الهادف إلشباع الحاجات العامة ،ويمكن تعريف علم المالية بأنه " العلم الذي
يبحث في نشاطات الدولة المختلفة ،وكيفية استخدام األدوات المالية من نفقات ،وايرادات،
وموازنة عامة باتجاه تحقيق أهداف الدولة العامة " وهو بهذا يتعلق بجانبين يتضمن األول
األوجه االقتصادية واالجتماعية لمختلف الق اررات المتعلقة باألدوات المالية بينما ينصرف الثاني
2
إلى استخدام هذه األدوات بقصد تحقيق أهداف مالية و اقتصادية واجتماعية.
كما ُيعرف علم المالية العامة بكونه " دراسة القواعد واألسس المنظمة لنشاط الدولة في
تجميع الموارد وتوجيهاها إلشباع الحاجات العمومية " .
3
فهو يتعلق بتقدير مدى وطبيعة الحاجات العامة ،وتقدير النفقات العامة التي تلزم
إلشباعها ،وكذا الموارد الواجب توافرها لتحقيق ذلك ،ويرتبط بهذه العناصر األولية عنصران
رئيسيان أولهما تنفيذي رقابي وثانيهما تقريري وسياسي ،حيث ينعكس األول في الميزانية العامة
ويتجلى الثاني في السياسة المالية.
يثير تعريف المالية العامة صعوبات ترتبط باختالف زوايا النظر إليها ":فالمالية العامة
هي مجموعة من القواعد المالية التي تنصب على العالقات بين الدولة والفرد ،ومن زاوية ثانية
يمكن اعتبارها مجموعة من األساليب الفنية التي تطبق على العمليات المالية ".4
1
Michel bouvier, repenser et reconstruire les finances publiques dès demain, dans : réformes
des finances publiques e Bonn gouvernance, Actes de la IIIe Université de printemps de
finances publiques du GERFIP -, L.G.D.J, 2004, p5.
2يوسف شباط ،المالية العامة والتشريع المالي ،الجزء األول ،النفقات واإليرادات طبقا آلخر التعديالت ،2009مطبعة جامعة
ص.51 دمشق ،سوريا ،كلية الحقوق،2010/2009 ،
.12 يحي دنيدني ،المالية العامة ،دار الخلدونية للنشر والتوزيع ،الجزائر ،الطبعة الثانية ،2014 ،ص 3
92
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
كما يطلق اصطالح المالية العامة "على المصروفات واإليرادات التي تمكن الهيئات
من تأدية مهامها ،وتدرج هذه العمليات المالية من نفقات وموارد في الميزانية العامة ،والتي
" . تعرف بأنها الوثيقة التي تقدر فيها وترخص نفقات وايرادات الهيئات العامة واإلقليمية
1
فيهتم علم المالية العامة ببحث النظريات العامة التي يبنى عليها النظام المالي لتحديد
النفقات وتـأمين اإليرادات لسدها في الميزانية ،بينما يبحث التشريع المالي في النصوص
والنظريات . والتشريعات واألساليب المطبقة عمليا في الدولة على ضوء هذه األسس
2
إن فكرة تسيير المال العام قديمة فقد سادت في المجتمعات القديمة 5وان غاب عنها
اإلطار القانوني المنظم لها ،وفي ظل التطورات التي واكبت المجتمعات المعاصرة والتغييرات
التي عرفتها الحياة السياسية كان من الضروري االهتمام بعملية صرف النفقات وتحصيل
اإليرادات ،من خالل تحديد المعالم األساسية لتلك العملية الضرورية والالزمة لكل دولة تسعى
بشير شاوش يلس ،المالية العامة ،المبادئ العامة وتطبيقاتها في القانون الجزائري ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر، 1
،2007ص .11
يوسف شباط ،مرجع سابق ،ص.53 2
القانون رقم 01-16المؤرخ في 6مارس 2016المتضمن التعديل الدستوري ،ج ر ع ،14المؤرخة في 07مارس ،2016 3
ص ص .26 ،15
.10 القانون العضوي رقم 15-18المؤرخ في 2سبتمبر 2018المتعلق بقوانين المالية ،ج ر رقم ،53ص 4
ات ِس َم ٍ
ان يق أَ ْفتَِنا ِفي س ْب ِع بقَر ٍ
َ ََ الص ِّد ُ
ف أَيُّهَا ِّ وس ُ ((ي ُ
وردت فكرة الميزانية في القرآن الكريم في سورة يوسف من قوله تعالىُ :
5
93
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
للتنظيم والتقدم وتحقيق التنمية ،وهو ما تجسد من خالل فكرة الميزانية1التي تعد من أهم الوثائق
األساسية والهامة في الحياة السياسية" ،وقد استعملت ألول مرة في بريطانيا في القرن السابع
عشر حيث كان الوزير البريطاني ُيعد التقديرات في حقيبة جلدية ليقدمها لمجلس العموم ،ثم
تم استعمالها في فرنسا في القرن التاسع عشر بمعنى bougetteبمناسبة ممارسة البرلمان
" . لعملية الرقابة على أعمال الحكومة
2
يتم استخدام اصطالح ميزانية عامة أو موازنة عامة بشكل مترادف ويؤديان نفس المعنى
ونفس المدلول في مؤلفات وكتب المالية العامة ،3ويستعمل مصطلح الميزانية في الدول
المغاربية على نحو واسع في حين تستعمل الدول في المشرق العربي مصطلح الموازنة وهي
مسألة شكلية وليست جوهرية ،لذا سنستعمل مصطلح الميزانية الذي درج المشرع الجزائري على
استعماله في الوثائق الرسمية.
لقد ظهرت فكرة الميزانية العامة عمليا بظهور الدولة وتأثرت فلسفتها بتطورات المذاهب
السائدة وتصور طبيعة الدولة ومدى تدخلها في الشؤون العامة ،األمر الذي تعكسه موازين
القوى والعالقات في المجتمع بين السلطات التشريعية والتنفيذية في الدولة العاصرة ،ويتجسد
4
من خالل تعدد تعريف الميزانية العامة للدولة وقواعدها والدور الذي تقوم بها تبعا لذلك.
1بدأت فكرة الميزانية تتبلور في نهاية عصر اإلقطاع بأوروبا ،وفي عام 1216وافقت السلطات الملكية في بريطانيا على ما
يسمى (الماغناكارتا) وهي وثيقة تنص على استشارة الشعب في الضرائب قبل فرضها وجبايتها أال أنه بقي لدى الحكومة
كامل الحرية في كيفية التصرف في الضرائب دون رقابة أو تدخل من الشعب إلى غاية نشوب ثورة عام 1688م بإنجلت ار
وظهور وثيقة الحقوق حيث تقرر المبدأ الشهير الذي ينص على أنه ال ضريبة بغير تمثيل ،ومن هنا استقر العرف السائد
بأن الميزانية العامة ال تصبح نافذة المفعول ما لم تتم إجازتها من قبل السلطة التشريعية ،أنظر في هذا :سليمان أحمد
اللوزي ،فيصل مرار ،وائل العكشة ،إدارة الموازنات العامة بين النظرية والتطبيق ،دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة ،
،األردن ،الطبعة األولى ،1997 ،ص 11وما يليها.
2رحمة زيوش ،الميزانية العامة للدولة في الجزائر ،أطروحة دكتوراه ،كلية الحقوق ،جامعة مولود معمري تيزي وزو،
الجزائر ،2011،ص .01
لكن هنالك من يرى وجوب التمييز بين المصطلحين حيث يفهم بالميزانية أنها تستخدم للكشف عن الوضع المالي واعطاء 3
صرة حسية عن وضع المنشأة سواء كانت تجارية أو صناعية ،وتعرف الميزانية باللغة الفرنسية bilanوهي كشف بموجودات
ومطلوبات المؤسسة أو الشركة في فترة معينة أو في نهاية السنة ،ومقارنتها قيمتها الحالية بقيمتها السابقة ،مع إظهار وضعها
المالي من أرباح أو خسائر مختلفة ،في حين أن الموازنة budgetهي كشف تقديري بنفقات الدولة وواردتها عن سنة مالية
مقبلة ،وهي تحتاج لوجود إجارة من السلطة التشريعية في الدولة المعنية ،أنظر في هذا :عدنان محسن ضاهر ،الموازنات
ص.13 العامة في الدول العربية ،دراسة مقارنة حول إعداد واقرار ومراقبة الموازنة العامة في الدول العربية ،2004 ،
جمال لعمارة ،تطور فكرة ومفهوم الموازنة العامة للدولة ،مجلة العلوم اإلنسانية ،جامعة محمد خيضر بسكرة ،العدد األول، 4
،2001ص .101
94
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
لقد تعددت تعريفات الميزانية فحسب وجهة نظر الفقه " فهي عبارة عن حساب تقديري
ومفصل لمجمل اإليرادات والنفقات المتعلقة بفترة سنة ،وتحتاج لترخيص أو الموافقة من السلطة
" . التشريعية
1
كما تعرف بأنها " صك تشريعي ،تقدر فيه نفقات الدولة وايراداتها عن سنة مقبلة،
وتجاز بموجبه الجباية واإلنفاق " ويمكن تعريفها بأنها" خطة مالية للدولة ،تتضمن تقديرات
للنفقات ،اإليرادات العامة لسنة مقبلة ،وتجاز بواسطة السلطة التشريعية قبل تنفيذها ،وتعكس
" . األهداف االقتصادية واالجتماعية التي تتبناها الدولة
2
عرف المرسوم الفرنسي المتعلق بتسيير الميزانية والمحاسبة العمومية الميزانية العامة
بأنها " الصك الذي يتم بمقتضاه تقدير المداخل والنفقات واإلذن بها ،كما يتم عند االقتضاء
تقدير واجازة االستخدامات وااللتزامات المتعلقة بالنفقات ".3
في حين عرف المشرع المغربي الميزانية العامة في القانون التنظيمي للمالية العامة في
مادته 13بأنها " تشتمل الميزانية العامة للدولة على جزأين ،يتعلق األول بالموارد ويتعلق
الثاني بالتكاليف".4
أما المشرع الجزائري فقد عرف الميزانية العامة للدولة في المادة 14من القانون العضوي
المتعلق بقوانين المالية" تقدر موارد ميزانية الدولة وأعباؤها وتبين في الميزانية على شكل إيرادات
ونفقات .وتحدد هذه الموارد واألعباء ويرخص بها سنويا بموجب قانون المالية وتوزع حسب
األحكام المنصوص عليها في هذا القانون.
تضمن موارد مجموع اإليرادات تنفيذ مجموع النفقات ،وتقيد مجموع اإليرادات والنفقات في
للدولة" . حساب وحيد يشكل الميزانية العامة
5
محمد شاكر م حمد عصفور ،أصول الموازنة العامة ،دار الميسرة لنشر والتوزيع ،األردن ،الطبعة األولى ،2008 ،ص 2
ص.4، 3
3
Article 7 du Décret n° 2012-1246 du 7 novembre 2012 relatif à la gestion budgétaire et
comptable publique.
المادة 13من القانون التنظيمي لقانون المالية رقم130.13الصادر بتنفيذه الظهير رقم 1.1562بتاريخ 2جوان ،2015 4
95
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
التعريف اإلجرائي :وعليه يمكن تعريف الميزانية العامة للدولة إجرائيا بأنها " ما يحتوي
عليه قانون المالية من اإليرادات والنفقات النهائية للدولة الذي تجيزه السلطة التشريعية وفق
حساب تقديري مفصل لمدة سنة أو أكثر" ،وتعكس الميزانية العامة توقعا يتضمن تقدي ار احتماليا
لنفقات وايرادات الدولة ،وأداة توجيه وتخطيط للمستقبل يبين األهداف المرجو تحقيقها ،ويتوقف
الشروع في تنفيذها على إجازة ممثلي الشعب الذين تخولهم جل الدساتير منح الرخصة لتنفيذ
الميزانية العامة ،حيث تشكل الميزانية العامة التي يصدر بربطها قانون مالية السنة وسيلة
أساسية لتنفيذ السياسات العامة للدولة ،وهي تتجاوز مسألة األرقام الصامتة التي تخفي ورائها
فلسفة مالية واقتصادية واجتماعية فهي مرآة للحكامة ذاتها.
تعد النفقات العمومية المرحلة األساسية في علم المالية العمومية ،فمن خاللها تقوم
الدولة بأعمالها ،وتنفذ مقرراتها ،وتختلف أهميتها تبعا للمبادئ السياسية والمعتقدات االقتصادية
السائدة ،1فقد كانت ذات طابع مالي بحت في ظل الدولة الحارسة التي تعتمد المفهوم التقليدي
لسيادة الدولة ويقتصر دورها على القيام بواجبات األمن والدفاع ،القضاء ،وتسيير المرافق
األساسية ،وهو ما جعل دور النفقة محايدا يقتصر على تحقيق هذا األغراض دون التأثير في
الحياة االقتصادية للمجتمع ،أي ال يمس الهيكل االقتصادي واالجتماعي للدولة ،وترتب على
الميزانية . ذلك تقديس الدولة لمبدأ توازن
2
وفي ظل تنامي دو الدولة المتدخلة أصبحت النفقة أداة فعالة لخدمة األهداف السياسية
واالقتصادية واالجتماعية ،فال ُينظر إلى كميتها وأصولها القانونية بل أيضا إلى أثارها
االجتماعية واالقتصادية ،3وتطور دورها ليؤثر على الهيكل االقتصادي واالجتماعي للدولة وهو
ما ترتب عنه الخروج عن مبدأ تقديس توازن الميزانية ،وأصبح من الممكن زيادة النفقات العامة
المتعددة . أو حدوث عجز في الميزانية لتحقيق أهداف الدولة
4
سوزي ناشد عدلي ،المالية العامة ،النفقات ،اإليرادات ،الميزانية العامة ،منشورات الحلبي الحقوقية ،لبنان ،الطبعة األولى، 2
96
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
بالنظر لتطور مفهوم النفقات العمومية تم االنتقال من مفهوم التوازن الحسابي المالي
للموازنة إلى مفهوم التوازن االقتصادي العام في المجتمع حيث االهتمام بنوعية النفقات
العمومية ،نتيجة لتزايد مهمات الدولة وتدخلها توسعت النفقات العامة وأصبحت أداة سياسية
واقتصادية تحكمها المعتقدات الفكرية واإليديولوجية للسلطة الحاكمة ،وتُترجمها الخطة
1
االقتصادية العامة للدولة.
تعمل الدولة وهي بصدد إجراء نفقاتها إلى استخدام مبالغ من النقود لتحقيق أغراض
النفع العام ،وجرى ُكتاب المالية العامة على تعريفها كما يلي:
عامة" . بأنها "مبلغ نقدي يقوم بإنفاقه شخص عام بقصد تحقيق منفعة
2
كما تعرف ب ـ "مبلغ نقدي تصرفه الدولة إشباعا لحاجة عامة ،وتحقيقا ألهدافها االقتصادية
" . واالجتماعية والسياسية
3
والنفقة العامة هي " صرف إحدى الهيئات واإلدارات العامة مبلغا معينا بغرض سد إحدى
" . الحاجات العامة
4
5
فهي مبلغ مالي يخرج من الذمة المالية لشخص معنوي عام بهدف إشباع حاجة عامة
ومن خالل هذا التعريف يمكن تحديد خصائص النفقة العمومية:
-النفقة العامة مبلغ نقدي :وهو الشكل الذي تأخذه النفقة العامة التي تصرفها الدولة للحصول
عينا . على السلع والخدمات لممارسة نشاطها ،ولكنه ليس الطريق الوحيد فقد تنفق
6
كما كانت قديما تقوم بإجبار األفراد على القيام ببعض األعمال دون مقابل وهو ما ُيسمى
بالسخرة أو االستغالل ،كما تقوم بمنح مزايا عينية مقابل الخدمات التي تحصل عليها ،وقد
أدت عدة عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية إلى جعل اإلنفاق النقدي أحسن الوسائل لقيام
الدولة بدورها في إشباع الحاجات العامة ،و لتماشيه مع مقتضيات النظام المالي الحديث من
.23 محمد الصغير بعلي ،يسري أبو العال ،المالية العامة ،دار العلوم للنشر والتوزيع ،2003 ،ص 4
.11 5حسين مصطفى حسين ،المالية العامة ،ديوان المطبوعات الجامعية بن عكنون ،الجزائر ،1999 ،ص
.98 6يوسف شباط ،مرجع سابق ،ص
97
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
تقرير مبدأ الرقابة بصورها المتعددة ،وللحيلولة دون المساس بمبدأ المساواة بين األفراد في
العامة . االستفادة من النفقات العامة وتحمل األعباء والتكاليف
1
-النفقة العامة تصرف من قبل شخص معنوي عام :وهي الجهة التي يشترط أن تصدر النفقة
العامة من ذمتها المالية ممثلة األشخاص المعنوية العامة والتي تخضع لقواعد القانون العام،
أي الدولة والهيئات اإلدارية المنبثقة عنها وهو ما يسمى بالمعيار القانوني ،وتبعا لذلك ال يعتبر
من قبيل النفقات العامة ما يصرف من الشخص الطبيعي ولو كان لغرض تحقيق المصلحة
2
العامة.
-النفقة العامة يقصد بها تحقيق المصلحة العامة :أي الغرض المراد منها هو تحقيق الصالح
العام وليس تحقيق الحاجات الخاصة التي ال تعود بالنفع العام على جميع المواطنين ،فهم
يتساوون في تحمل األعباء العامة ووجب أن يتساووا في االستفادة من النفقات العامة،
والحاجات العامة يختلف تقدير نفعها وضرورتها باختالف الدول واألزمنة ،فهي فكرة ليست
جامدة بل هي في تطور مستمر بسب تطور المذاهب السياسية واالقتصادية والدور الذي تلعبه
الدولة في ذلك.3
يرجع ظهور تقسيمات النفقات العامة إلى تطور دور الدولة وتدخلها في المجال
االقتصادي واالجتماعي ،وزيادة النفقات وتنوعها واختالف آثارها ،مما دعا ُكتاب المالية العامة
إلى البحث عن معيار لتقسيمها يستند ألسس واضحة ومنطقية ،وتكمن أهمية التقسيمات في
كونها تخدم أغراضا منها":
-تسهيل صياغة واعداد البرامج.
-تحقيق الكفاءة والفعالية في تنفيذ الموازنة.
-خدمة أغراض المحاسبة والمراقبة واالعتماد.
4
-تمكين ممثلي الشعب والرأي العام من إجراء رقابة فعالة على النشاط المالي للدولة.
3إبراهيم بن داود ،رقابة نفقات الدولة بين أحكام الشريعة اإلسالمية ونصوص التشريع ،سلسة اإلصدارات القانونية،2008 ،
ص ص .70،69
.53 سوزي ناشد عدلي ،مرجع سابق ،ص 4
98
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
واختلفت المعايير المعتمدة من قبل فقهاء المالية العامة كأساس لتقسيم النفقات العامة
فقام بعضهم بتقسيمها بحسب نشأتها التاريخية ،وآخرون بالنظر لطبيعتها أو الغرض منها
والوظيفية التي تؤديها ،واستند آخرون إلى أهمية المرافق التي تقوم بتأدية الخدمة العامة ،غير
التبويب . أنها كلها تتحد في الهدف منها لتصل لنفس التصنيف أو
1
التعريف اإلجرائي :وعليه يمكن تعريف النفقة العامة إجرائيا بأنها "ما يصرف من الذمة المالية
لشخص معنوي عام بهدف تحقيق المصلحة العامة ".
لقد تطور مفهوم المالية العامة ولم يعد يتعلق فقط بتأمين الموارد وتحديد النفقات بل
أصبحت تهتم بدراسة األنشطة المالية للدولة وهيئاتها لتلبية الحاجات المشتركة لألفراد بغرض
تحقيق التنمية ،وفي هذا" لقد ارتبط مفهوم المالية العامة بمفهوم الدولة ،فالتغيير الذي ط أر على
مفهوم الدولة أدى إلى إحداث تغيير في مفهوم المالية العامة ،ولقد مس التطور الذي عرفته
المالية العامة حجم الميزانية ومضمونها وخصائصها".2
واذا كان دور الدولة في المجتمع يحدد نطاق نشاطها المالي ،فإن "هذا الدور تحدده
كل من الطبيعة السياسية واالقتصادية واالجتماعية للدولة ،والتي تخضع بدورها لتأثيرات دولية،
تختلف بحسب قوة الدولة ومدى حاجتها للدعم المالي الخارجي ،ولذلك يعكس تطور المالية
العامة مراحل تطور الدولة من مرحلة الدولة الحارسة التي سادت فيها المالية المحايدة أو
التقليدية ،إلى مرحلة الدولة المتدخلة التي سادت فيها المالية الوظيفية أو المعوضة إلى مرحلة
الدولة المنتجة" ،3ثم عودة انتشار األفكار الليبرالية ومعها اقتصاد السوق ،حيث االهتمام
بالجانب المالي الميزانياتي والتركيز على األداء والنتائج في إطار مفهوم الحكامة المالية.
في محاولة لرصد تطور المالية العامة وارتباطه بتحول دور الدولة وانعكاساته على
سياسة اإلنفاق العام سيتم التطرق لجوانبه األساسية على النحو اآلتي:
1يوسف شباط ،مرجع سابق ،ص 102وأيضا بن داود إبراهيم ،مرجع سابق ،ص .71
بشير شاوش يلس ،مرجع سابق ،ص .11 2
3بو شعيب زيات ،النظام المالي العالمي وانعكاساته على المالية العامة بالمغرب ،أطروحة دكتوراه في الحقوق ،شعبة العلوم
السياسية ،وحدة التكوين والبحث المالية العامة ،كلية العلوم القانونية االقتصادية واالجتماعية الدار البيضاء ،المغرب،
،2001/2002ص .52
99
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
لقد انحصر نشاط الدولة الحارسة في المهام التقليدية كتوفير األمن الداخلي والدفاع
الخارجي والعدالة ،وتوفير بعض الخدمات من خالل المرافق التقليدية ،في محاولة لتجنب أي
تأثير على حرية النشاط االقتصادي وتطبيقا لقواعد المنافسة الحرة وقانون السوق ،بمعنى على
الدولة االكتفاء بالوظائف التقليدية ،و االمتناع عن عرقلة نشاط األفراد في تجسيد للمذهب
الفردي الحر ،فخالل هذه المرحلة كانت الدولة حيادية اقتصاديا ومحدودة في صالحياتها ،وهو
ما عبر عنه Maurice Duvergerبالمفهوم الكالسيكي أو التقليدي للمالية العامة " بعلم
الوسائل التي بموجبها تتمكن وتتحصل الدولة والجماعات العمومية األخرى على اإليرادات
الالزمة لتغطية النفقات العمومية وذلك بتوزيع األعباء الناجمة عن األفراد".1
الفرع األول :من المالية العامة المحايدة إلى المالية العامة التدخلية
تميزت المالية العامة بالحياد وأهدافها ذات طبيعة مالية خاصة ،تنحصر في مجرد
تزويد الدولة بالموارد التي تكفي لتغطية النفقات الالزمة التي تمكنها من القيام بالمهام التقليدية
ذات الطابع اإلداري بأقل تكلفة بحثا عن تخفيف األعباء المالية على األفراد والمجتمع.
أوال -المالية العامة المحايدة
علم المالية العامة في مفهومة التقليدي يتناول دراسة الوسائل التي تمكن الدولة من
تحقيق استخدام الموارد العامة الالزمة لتغطية النفقات العامة بتوزيع عادل على األفراد ،يعتبر
علم المالية العامة وفق المفهوم التقليدي وثيق الصلة بالقانون وفي عالقة تكاد تكون ضعيفة
باالقتصاد.2
100
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
وقد انعكس هذا المفهوم التقليدي للمالية العامة على تحديد مجال موضوعات المالية
العامة التي كانت تُعد أحد أجزاء االقتصاد السياسي1حيث تتناول ثالث جوانب رئيسية "
2
لقد أدت األزمة التي عرفها العالم خالل ثالثينيات القرن الماضي إلى تخلى الدولة عن
طابعها الحيادي المقتصر على الوظائف التقليدية ،وعملت بداعي تجاوز األزمة إلى توجيه
االقتصاد وادارة قطاعات أساسية فيه لتوفير خدمات عامة بهدف تحقيق التوازن االقتصادي
واالجتماعي الذي عجز السوق عن توفيره دون تدخل منها ،بحيث حدث ركود وكساد ،وتفاوت
كبير في المستوى المعيشي وفي توزيع الثروات ،انعكس هذا التدخل على مستوى المالية العامة
لذلك. ثم في الميزانية العامة للدولة ،وتمت ترجمته في سياسة اإلنفاق العام تبعا
ثانيا-المالية العامة التدخلية
بدأ التحول التدريجي من المالية العامة المحايدة إلى المالية العامة المتدخلة بفضل
استعمال األدوات المالية التقليدية على نحو أـكثر فعالية للتأثير على الحياة االقتصادية
واالجتماعية ،وبذلك اتسع نطاق علم المالية العامة وأصبح يتناول بالدراسة نشاط الدولة حال
استخدامها لألدوات المالية من نفقات وضرائب ورسوم وقروض لغرض إشباع الحاجات العامة،
منها": وتحقيق التوازن االقتصادي ،فقد أدى هذا التحول في المالية العامة إلى عدة نتائج
-سبقت أهمية تحقيق التوازن االجتماعي واالقتصادي األهمية التقليدية لتحقيق التوازن المالي
أو الميزاني بهدف تحقيق توزان يشمل المجتمع بأسره وليس بحسب النشاط العام فحسب.
-أصبحت الوحدة الزمنية لتنظيم النشاط المالي للدولة هي الدورة االقتصادية وليست السنة
الميالدية مع اإلبقاء على الميزانية العامة السنوية ،وظهرت إلى الوجود الميزانية العامة الدورية.
-1كيفية تغطية النفقات العامة بحيث اقتصر دور الميزانية على مجرد تحديد أرقام النفقات العامة التي يتعين تغطيتها وتقدير
الموارد الالزمة لذلك ،كما اقتصرت المحاسبة العامة على مجرد تجنب أي تبذير أو إسراف في اإليرادات العامة لضمان
استخدامها لتمويل النفقات المبرمجة في الميزانية دون غيرها-.عدالة توزيع األعباء العامة ،على اعتبار أن موارد الدولة إنما
تنطوي على استقطاع من أموال األفراد يشكل عبئا عاما عليهم يتطلب ضمان عدالة توزيعه ،لذا يجب إعداد الميزانية بصورة
تمكن النفقات العامة العبء الواجب توزيعه -.المساواة أمام األعباء العامة بالنظر لكونها تمثل أهم مبادئ توزيع األعباء ،
ورغم التغير الحاصل في فهم المبدأ وصعوبات تطبيقه إال أنه يعتبر بمثابة قاعدة رئيسية للنشاط المالي تقتضي مساواة من
الجميع في تحمل األعباء العامة".
.56 بوشعيب زيات ،مرجع سابق ،ص 2
101
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
-تغيرت دالالت األدوات المالية المختلفة ،فقدت الضريبة مثال حيادها وصارت أداة لتحقيق
للتمويل" . أهداف اقتصادية واجتماعية أكثر من كونها أداة
1
لقد أصبح المبدأ السائد في المالية العامة هو الربط بين التخطيط المالي للدولة والتخطيط
االقتصادي الشامل ،بحيث صار النشاط المالي للدولة جزء ال يتج أز من نشاطها االقتصادي،
وانصب اهتمام السياسة المالية والنظام المالي على تحقيق عدد من األهداف وتحقيق التوافق
2
بين التوازن المالي االقتصادي واالجتماعي والتوازن العام.
وعليه غلب الطابع االقتصادي على علم المالية وأن لم يفقد كلية طابعه اإلداري التقليدي
الذي يتمثل في قواعد واجراءات مثل إجراءات ميزانية الدولة والترخيص للسلطات العامة
باإلنفاق أو االقتطاع ،ولكن احتلت دراسة اآلثار الكلية للمالية العامة على النشاط االقتصادي
مكان الصدارة مقارنة بما كانت عليه في المالية العامة التقليدية.3
تجدر اإلشارة إلى أنه في البلدان ذات التوجه االشتراكي حيث الدولة تسيطر على جميع
وسائل اإلنتاج فإن الدولة لم تكن متدخلة فحسب بل منتجة ،أما المالية العامة فقد تم استبدالها
بمصطلح التخطيط المالي للتعبير عن النشاط المالي للدولة.
لقد انعكس -هذا التطور في دور الدولة والتحول في المالية العامة اللذين أصبح ينظر
إليها باعتبارهما حال -في الميزانية العامة للدولة التي عرفت اتساعا في حجمها ومضمونها.
الفرع الثاني :من الدولة الحارسة إلى الدولة المتدخلة
تطور دور الدولة من دولة حارسة إلى دولة متدخلة لتواكب التحوالت الجارية وتصبح
متدخلة في االقتصاد.
أوال -دور الدولة الحارسة
يرى أنصار المدرسة االقتصادية الكالسيكية 4التي ضمت نخبة من رجال االقتصاد
مثل Adam Smithو David Ricardoأن الشؤون االقتصادية مثلها مثل األشياء الطبيعية
مسعود دراوسي ،السياسة المالية ودورها في تحقيق التوازن االقتصادي ،حالة الجزائر ،2004-1990:أطروحة دكتوراه، 2
كلية العلوم االقتصادية وعلوم التسيير ،جامعة الجزائر ،2005/2006 ،ص .40
.70 بوشعيب زيات ،مرجع سابق ،ص 3
تستند أفكار هذه المدرسة االقتصادية الكالسيكية إلى مرجعية فكرية في جانبها السياسي إلى األيديولوجيا الليبرالية التي 4
ظهرت في أوربا منذ القرن السابع عشر في شكل نظرية سياسية ،ثم انتقلت إلى االقتصاد السياسي على يد آدم سميث " ،
ونقصد بالليبرالية تلك األفكار التي ظهرت مصاحبة لظهور الرأسمالية في الغرب خاصة في القرن السابع عشر خاصة على
102
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
تحكمها القوانين الطبيعة ،وكذلك االقتصاد تحكمه قوانين اقتصادية طبيعية ،وأنه من الضروري
اكتشاف هذه القوانين واالنسجام معها وتركها تعمل ذاتيا وعدم إعاقتها ألنها كفيلة بتحقيق
أفضل النتائج ،تعبر أعمال Adam Smithعن هذا التوجه من خالل رفع شعاره " دعه
يعمل دعه يمر" بحيث يرى أنه لو أزيلت كل النظم سواء ما تعلق باإليثار أو الضبط فإن نظام
إرادته" . الحرية الطبيعية الواضح والبسيط يثبت وجوده بمحض
1
عارض هذا التوجه تدخل الدولة وطالب باقتصار دورها على حماية النظام والحريات،
ونادى بضرورة التنظيم الذاتي للسوق عن طريق اليد الخفية كنظام طبيعي يجعل من تدخل
الدولة غير ضروري ،وأراد Adam Smithمن استعماله لمصطلح اليد الخفية إبراز قدرة
األفراد على قيادة االقتصاد إلى أحسن األحوال في ظل المنافسة الحرة ،حيث تكون تصرفاتهم
وفق ألهدافهم كفيلة بتحقيق المصلحة العامة ،وهو ما جسده في كتابه ثروة األمم في الفصل
2
الثاني من الكتاب الرابع منه.
كما كان الكالسيكيون الفرنسيون أكثر ثباتا في معارضة تدخل الدولة في االقتصاد
خاصة من خالل فكر Jean-Baptiste Sayوقانون المنافذ الذي قوى الفكرة القائلة بأن
3
االقتصاد الخاضع للمنافسة ليس بحاجة لتدخل الدولة.
ثانيا-دور الدولة المتدخلة ومالية الدولة هي الحل
من أجل الخروج من األزمة التي عرفتها الدول الغربية نتيجة عجز النظام الرأسمالي
عن مواجهتها ،اقترح John Maynard Keynesفي مؤلفه " النظرية العامة لالستخدام
والفائدة والنقود "على الحكومات أن تتدخل من خالل استخدام آلية اإلنفاق العام ،وذلك بأن
تزيد نفقاتها لتمويل مشاريع إنتاجية حكومية بغرض امتصاص البطالة بغض النظر عن العائد
يد توماس هوبز وجون لوك ،وكانت موضوعة في صورة فلسفية ألن أصحابها حرصوا على تأسيسها على مبادئ ونظرة
شاملة لإلنسان وكذلك على افتراضات حول طبيعة المجتمع السبقة على تأسيس السلطة السياسية " حالة الطبيعة األولى":
أنظر في هذا :أشرف منصور ،الليبرالية الجديدة ،جذورها الفكرية وأبعادها االقتصادية ،مصر :الهيئة المصرية للكتاب
.23 ،2008 ،ص ص ،09
1مساهل ساسية ،المراجعات الفكرية للنظريات االقتصادية الرأسمالية في ظل األزمات االقتصادية ،ملتقى دولي حول :األزمة
المالية واالقتصادية الدولية والحكومة العالمية ،جامعة فرحات عباس-سطيف ،يومي 21-20أكتوبر ،2009ص.5
2
Adam Smith, the wealth of nations, usa: a penn state electronic classic series publication,
2005, p361.
3مليكة فريمش ،دور الدولة في التنمية ،دراسة حالة الجزائر أطروحة دكتوراه ،كلية الحقوق والعلوم السياسية -جامعة قسنطينة،
.125 الجزائر ،2011/2010 ،ص
103
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
من ذلك حتى ولوكان مساويا لصفر ،طالما أنها تمنح العاملين الجدد قدرة شرائية تخلق لديهم
ميال استهالكيا ،ومن ثم تتحول قدرتهم الشرائية إلى طلب استهالكي جديد يزيد من مستوى
1
الطلب االستهالكي المذكور ،وهو ما يمثل حال لألزمة الكساد".
وبهذا يرى كينز أن على الدولة القيم بالضبط االقتصادي الذي يعني مجموعة من
التعديالت التي تحدث على حركات أو أنشطة مختلفة ومتعددة من خالل ثالث وسائل مهمة
" . هي " سياسة الميزانية ،السياسية الضريبية ،والسياسة النقدية
2
Michel Bouvierأن مالية الدولة أصبحت هي الحل لهذ األزمة ويعتبر "أن يرى
قادر
إحدى المزايا العظيمة لتصور John Maynard Keynesهو أنه إذا كان االقتصاد ًا
على المنافسة واستيعاب قدر كبير من العمالة الناقصة ،فإن هذا التوازن كان بمثابة توازن
تبذير وتبديد ،وخلص إلى نتيجة واضحة ومليئة بالحس السليم :يجب أن تقوم اليد الظاهرة
أحيانا بتبديل اليد الخفية للسوق .لذلك اعتبر أن االقتصاديين الليبراليين التقليديين
ً للحكومة
كانوا مخطئين عندما قالوا إن السوق االقتصادية يمكن أن تكون ذاتية التنظيم ،مع التركيز
على الدور األساسي الذي يجب أن تلعبه الدولة وميزانيتها في االختالالت االقتصادية
واالجتماعية وكذلك بشكل عام في تنمية االقتصاد ،بالنسبة له يجب أن تتدخل الدولة بالضرورة
إلنعاش الطلب أو دعمه ،وبالتالي تجنب انهيار النظام االقتصادي الليبرالي".3
وعليه تبنت الدول الرأسمالية هذه النظرية مما أدى إلى تحول جذري في الدور الذي
تلعبه الدولة في المجتمع الرأسمالي حتى في أكثر المجتمعات دفاعا عن الحرية االقتصادية
والمذهب الفردي مثل الواليات المتحدة األمريكية ،هذه األخيرة لم تعد الدولة تكتفي فيها بمهامها
التقليدية بل لجأت إلى التدخل المتصاص البطالة وتشجيع اإلنتاج في فترت األزمات حيث"
تبني الرئيس روزفلت سياسات تدخلية للحفاظ على حق العامل في التشغيل والضمان
االجتماعي ،فتدخل الدولة أمر ضروري لضبط اقتصاد السوق بالتوجيه والمراقبة ،وفي حالة
الركود على الدولة أن تعمل على االستثمار وضخ األموال في السوق وخفض الضرائب ،و
3
Michel Bouvier, Crise des finances publiques, crise d’un modèle politique et naissance de
«l’Etat intelligent», Colloque internationale la nouvelle gouvernance financier publique : une
réponse à la crise économique?, Tribunal de Contas Lisboa, 2009, p36.
104
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
نلخص نظرية كينز في مقولته " هنالك أوقات نحتاج فيها إلى تدخل الدولة لجعل الرأسمالية
لصالحنا" . تعمل
1
لقد أفرز تبني نظرية كينز إلى تغير دور الدولة من الحياد إلى التدخل ظهر معه مفهوم
دولة الرفاهية أو الرعاية كما يسميها البعض ،2كان لهذا التحول تأثير على نواحي الحياة
االقتصادية واالجتماعية ،سنعرض فيما يلي إلى هذا التحول على مستوى المالية العامة ثم
الميزانية العامة للدولة ،وانعكاسات ذلك على سياسات اإلنفاق العام.
الفرع الثالث :من الميزانية المحايدة إلى الميزانية التدخلية
في ظل المالية التقليدية المحايدة كانت ميزانية الدولة تتميز بضعف حجمها ،فهي أداة
فيها. لتحقيق التوازن بين نفقات الدولة وايراداتها دون إحداث فائض
أوال-الميزانية المحايدة
لقد كان مضمون الميزانية مقصو ار على النفقات اإلدارية التي يكون الغرض منها تسيير
المرافق العامة التقليدية بصفة منتظمة ومطردة ،أما األنواع األخرى ذات الطابع االقتصادي
لألفراد . واالجتماعي فكانت محظورة نظ ار لتخصيصها
3
كان االهتمام األكبر للميزانية في هذه المرحلة هو االهتمام بالتوازن المالي والمحاسبي
من الناحية المالية دون إحداث فائض أو عجز ،وتعتبر ميزانية االعتمادات والبنود التي ظهرت
بداية القرن الثامن عشر تجسيدا للميزانية الكالسيكية.4
لم تكن الميزانية العامة في ظل المالية التقليدية سوى بيانا تنبؤيا لإليرادات العامة
والنفقات العامة في ظل طابعها المالي وتوازنها السنوي ،بحيث كان االهتمام بمبدأ توازن
الميزانية مقدسا وهو ما عبر عنه Adam Smithبمقولته الشهيرة " الميزانية الوحيدة الجيدة
ليلى لكحل ،نظرية كينز لمواجهة األزمة االقتصادية ،مجلة معارف ،جامعة البويرة ،الجزائر ،العدد ،2017 ،22ص146. 1
William 2أول من استعمل مصطلح دولة الرفاهية هو وليام تمبل في كتابه المواطن ورجال الكنيسة سنة " 1941
" temple, Citizen and churchmanأنظر في هذا :علي القادري ،دولة الرفاهية االجتماعية ،لبنان :بحوث ومناقشات
الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع المعهد السويدي باإلسكندرية ،2005 ،الطبعة األولى،
.90 ،2006ص
.12 بشير شاوش يلس ،مرجع سابق ،ص ص ،11 3
4مصطفى بورنان ،أبوبكر بوسالم ،كفاءة الرقابة المالية كآلية لترشيد اإلنفاق العام " مقاربة نظرية " ،مداخلة في الملتقى الدولي
المعنون بـ"اإلنفاق البيئي :بين حاجات التنمية ومتطلبات الحكم الراشد ،جامعة العربي التبسي ،تبسة ،الجزائر13 ،" :و 14
.2 مارس ،2018ص
105
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
هي الميزانية المتوازنة " ،1ولم تستعمل كوسيلة للتأثير في توجه الحياة االقتصادية واالجتماعية
حيث بقيت مجرد أرقام بعيدة عن التفاعالت الحاصلة داخل المجتمع.
ثانيا-الميزانية التدخلية
فقدت النظرة التقليدية للميزانية العامة التقليدية القائمة على تقديس مبدأ التوازن الرقمي
كثي ار من أهميتها بفعل التحوالت التي عرفها دور الدولة واألزمات التي عرفها المالية العامة
التقليدية الناتجة عن األزمة االقتصادية " ،فلم تعد الميزانية العامة مسألة توازن رقمي أو حسابي
بي ن النفقات واإليرادات إذ لم يعد من الممكن الفصل بين التوازن المالي والتوازن االقتصادي
العام ،بل ذهب بعض علماء المالية العامة واالقتصاد إلى أن التوازن االقتصادي العام قد
" . يتحقق أحيانا على حساب عجز في الميزانية
2
لقد أصبح مطلوبا من ميزانية الدولة التكيف مع الوضعيات االقتصادية الظرفية فتعالج
فترات الكساد ،وكذا فترات االنتعاش والنمو ،وبهذا تحولت إلى أداة قوية في يد الدولة تستخدمها
في مختلف تدخالتها االقتصادية واالجتماعية.
في هذه الفترة تطورت الميزانية العامة للدولة من حيث حجمها حيث عرف اإلنفاق العام
تزايد ا مستمر بسب زيادة تدخالت الدولة ،كما عرف مضمونها توسعا ،فلم تعد مقتصرة على
النفقات اإلدارية فحسب بل تعدتها إلى النفقات العامة االقتصادية واالجتماعية في باب الموارد،
أما عن اإليرادات فالمالحظ هو االستعمال المتزايد للقرض واإلصدار النقدي الذي يعتبر من
طرق التمويل غير العادية لتمويل النفقات العامة ،لقد أصبحت الميزانية منتجة متدخلة وغير
متوازنة أحيانا ،تعكس التطورات التي مست المالية العامة والتي لم تكن سوى انعكاسا للتطور
الحديثة . الحاصل على مستوى وظائف الدولة
3
في هذا السياق برزت ميزانية األداء في الواليات المتحدة التي تعتبر محصلة للمحاوالت
األولى إلصالح نظام الميزانية التقليدية ،وهي تركز على تحقيق الكفاية اإلدارية وتقليل النفقات
وتحاول قياس مدة كفاءة األجهزة الحكومية في إنجاز المشاريع ،حيث أصدر الرئيس األمريكي
ترومان توجيهاته عام 1949إلى مدير مكتب الميزانية لوضع اإلطار العام واإلرشادات
المقولة الشهيرة" ،"the only good budget is a balanced budgetأنظر في هذا :محمد بن عزة ،ترشيد سياسة 1
اإلنفاق العام بإتباع منهج االنضباط باألهداف ،الجزائر :أطروحة دكتوراه ،كلية العلوم االقتصادية والتسيير والعلوم التجارية،
تخصص تسيير المالية العامة ،جامعة تلمسان ،2015/2014 ،ص.6
2جمال لعمارة ،مرجع سابق ،ص .110
.215، محمد شاكر عصفور ،مرجع سابق ،ص ص 214 3
106
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
التوضيحية لتحضير ميزانية على أساس توصيات لجنة هوفر األولى ،والتي تم تطبيقها خالل
الخمسينات والستينات من القرن الماضي لكن سرعان ما تم التخلي عنها.
ليتم االنتقال بعدها إلى ميزانية البرامج والتخطيط 1التي تركز على عمليات التخطيط
والبرمجة والميزانية ،وهي حصيلة للتطورات والتحسينات التي أدخلها المفكرون على نظام
الميزانية حتى السبعينات في القرن الماضي2حيث تهدف إلى " تحديد أهداف البرامج وتصنيفها
وتثمين نتائج البرامج في تحقيقها لتلك األهداف ،ثم تحديد التكاليف الكاملة للبرامج و تخطيط
البرامج للمدى الطويل ،وتحليل البدائل الميزانياتية كأداة لتطبيق الق اررات السياسية المعتمدة
الناتجة عن التحليل المنظم ".3
الفرع الرابع :توجهات سياسية اإلنفاق العام من االهتمام بالحجم إلى المحتوى
يتطلب قيام الدولة على اختالف هيئاتها العامة بنشاطها المالي تحمل نفقات تتمثل فيما
تدفعه من مبالغ نقدية يتزايد حجمها ،بحسب طبيعة النظام االقتصادي والسياسي واالجتماعي
في المجتمع وخصائص التطور الذي مر به ،والمرتبط بالتحوالت التي يعرفها المحيط الدولي،
حيث يرتبط تطور اإلنفاق العام بتطور وظائف الدولة.
أوال-االهتمام بحجم اإلنفاق العام
في ظل دور الدولة الحارسة المقتصرة على القيام بالوظائف التقليدية والتي تتمثل حسب
رأي أدم سميث ومؤيديه على توفير األمن والدفاع والعدالة ،باإلضافة إلى التواجد المحدود في
توفير بعض الخدمات واقامة بعض المرافق العمومية التي ال تتعارض مع مبادئ المذهب
1استحداث هذا النظام لم يكن مفاجئا بل جاء نتيجة صراع لإلصالح الميزانياتي ،وادخال التخطيط كمؤسسة دائمة ،في المالية
العامة تناوله كينز في تطور الميزانية وممارساتها وفي تصنيفات الميزانية المتعددة أنظر في هذا :سليمان احمد اللوزي ،فيصل
مرار ،وائل العكشة ،مرجع سابق ص.83
2وقد ساعدت عدة عوامل على تبني هذا النوع من الميزانية منها ":
-إهمال ميزانية األداء لعنصر التخطيط والحاجة إلى وجود تخطيط بعيد المدى لتنفي برامج حكومية كبرى كبرنج تطوير
األسلحة ،وبرامج أبحاث الفضاء.
-ازدياد أهمية التحليل االقتصادي ،والرعبة في إدخال أساليب علمية حديثة بدال من األساليب التقليدية التخاذ الق اررات المالية
مثل تحليل النظم ،تحليل التكلفة – العائد ،وتحليل التكلفة –الفعالية
-كبر حجم اإلنفاق العام في الموازنة وزياد أثره على االقتصاد الوطني ،وهو ما حدا بالمهتمين بالمجال المالي للمناداة بضرورة
الربط ب ين الخطط الحكومية والميزانية العامة ،وهو ما جعلها أداة للتوجيه والتخطيط االقتصادي الوطني بأكمله " أنظر في
.228، هذا :محمد شاكر عصفور ،مرجع سابق ،ص ص 214
.87 سليمان أحمد اللوزي ،مرجع سابق ،ص 3
107
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
الفردي الحر ،كان على الدولة االلتزام بمهام بسيطة عبر تنفيذ مبادئ المالية العامة التقليدية،
ومن ثم االقتصار على تحصيل مداخيل عادية تسمح بتغطية النفقات التقليدية وفق توازن
محاسبي بين المداخيل والنفقات ،وأفضل من يعبر عن هذا التوجه هو عبارة ساي (" )Say
أن أفضل النفقات هي أقلها حجما ".1
وعليه فقد بلغ اإلنفاق العام حده األدنى في نهاية القرن التاسع عشر ميالدي في عدد
من البلدان الصناعية ،فبلغ متوسط اإلنفاق العام الحكومي %10من إجمالي الناتج المحلي
في سنوات ،1870في حين بلغ اإلنفاق الحكومي في الواليات المتحدة األمريكية حوالي%7
بينما لم يتجاوز %10في جل الدول األوربية تحت تأثير تبني سياسية إنفاقية مبنية على
2
القوانين الطبيعية التي تحتكم في السوق إلى قانون العرض والطلب.
إن دراسة اإلنفاق العام في ظل المالية التقليدية والمحايدة والدولة الحيادية الحارسة
المتمسكة بحياد نشاطها المالي تعتبر بداية لهذا النشاط استناد إلى قاعدة أولوية النفقات العامة
على اإليرادات العامة ،بمعنى أنه على الدولة أال تنفق أوال بل عليها حساب إيراداتها بموجب
نفقاتها ،وعليه ينصب االهتمام هنا على حجم النفقات ال على محتواها أو طبيعتها ويبرز من
خالل ذلك اهتمام المالية العامة التقليدية في تحليلها لمفهوم اإلنفاق العام " بالجانب الكمي أي
3
االهتمام بالدرجة األولى بحجم النفقات العامة".
لقد كان ظهور المالية العامة التقليدية المحايدة انعكاسا لميالد النظام االقتصادي الحر
القائم على المذهب الفردي الحر الذي يؤمن أنصاره بكفاءة الحرية االقتصادية الفردية وقدرة
السوق ذاتي التنظيم على تحقيق التوازن االقتصادي واالجتماعي ،لكن لم يستطع أنصار هذا
التوجه تصحيح األوضاع االقتصادية التي عرفها االقتصاد العالمي أثر أزمة الكساد الكبير
بداية من عام ، 1929لقد مست هذه األزمة االقتصادية شتى مناحي الحياة ،ودفعت إلى
تعميق التفكير النظري والتجريبي و البحث عن سبل لتجاوزها ،كان من بين أشهر المنظرين
محمود محمد داغر ،علي محمد علي ،اإلنفاق العام على مشروعات البنية التحتية وأثره في النمو االقتصادي في ليبيا 1
(منهج السببية) مجلة بحوث اقتصادية عربية مركز دراسات الوحدة العربية ،لبنان ،العدد ،2010 ،51ص.111
2
Vito Tanzi, Ludger Schuknecht, public spending in the 20th century, a global perspective,
cambridge university press, cambridge, united kingdom, 2000, p 05.
محمود صالح عطية ،أسباب زيادة النفقات العامة بين الفكر التقليدي والفكر الحديث "مع اإلشارة إلى العراق ،مجلة ديالى 3
108
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
لتجاوزه هذه المعضلة االقتصادية االقتصادي John Maynard Keynesالذي دعا إلى
تدخل الحكومات بفعالية ،وواضعا حد ا لمفهوم المالية التقليدية المحايدة ومبش ار بميالد مالية
عامة تدخلية .
ثانيا-االهتمام بمحتوى ومضمون اإلنفاق العام
لقد أدى تدخل الدولة واتساع نشاطها إلى زيادة حجم اإلنفاق العام ،وتعدده من ناحية
وتغير مفهومه وطبيعة دوره من ناحية أخرى ،بحيث " أصبح يلعب دو ار مصححا أو مكمال
التمويل" . فهو يتدخل لحماية النظام من االنهيار في حالة حدوث أزمة ما ،وفق تنوع مصادر
1
لقد أصبح اإلنفاق العام يلعب دو ار إيجابيا في الدول الرأسمالية بخالف طابعه الحيادي
السابق ،إذ يعد أداة رئيسية لتدخل في جميع المجاالت االقتصادية واالجتماعية والسياسية ،أما
في الدول االشتراكية المنتجة التي تقوم بمسؤولية النشاط االقتصادي بشكل كلي بسب سيطرتها
على وسائل اإلنتاج ،فإن زيادة حجم اإلنفاق العام عرف زيادة كبيرة خاصة في الجانب
االقتصادي واالجتماعي نتيجة التساع نشاط الدولة.2
وبحسب " التحليل الكينزي فإن لإلنفاق العام بشقيه االستهالكي واالستثماري دور كبير في
تكوين الطلب العام والذي بدوره يؤثر على اإلنتاج ومنه على مستوى االستخدام.3
وعليه تم اعتبار اإلنفاق العام أداة للتأثير في االستثمار واالستهالك وتوجيه االقتصاد
من خالل تدخل الدولة لتوسيع وعائها بهدف زيادة النشاطات اإلنتاجية والرفع من القدرة الشرائية
عبر اعتماد وسائل أخرى بما فيها خفض الضرائب وتقديم المساعدات االجتماعية ،الغاية من
كل هذا هو الوصول إلى حالة من التشغيل الكامل لوسائل اإلنتاج ،غير أن هذا التصور يبدو
مثاليا لحل األزمات في الدول النامية التي ال تتوفر لها قدرات إنتاجية وبني تحتية تساعدها
على تجسيده ،وهو ما دفع جل الدول النامية على الدخول في إصالحات هيكلية كانت لها
أثارها السلبية على الدولة أوال ثم المالية العامة واإلنفاق االجتماعي تحديدا.4
لقد أدى التوسع في سياسية اإلنفاق العام الناتج عن تطور آليات العمل المالي
واالقتصادي ،وتدخل الدولة في المجال االقتصادي واالجتماعي لبروز ظاهرة الزيادة في
109
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
النفقات العامة سواء في الدول المتقدمة أو النامية مع الفرق في مسبباتها ،وهو ما دفع الباحثين
المهتمين بالشأن المالي واالقتصادي إلى البحث عن األسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة ،ولعله
من أبرز النظريات المفسرة لذلك نجد:"1
-قانون أو نظرية فاجنر " " Wagnerالذي أرجع أسباب زيادة اإلنفاق العام إلى توسع وظائف
الدولة التقليدية وزيادة طلب األفراد على السلع والخدمات العامة ،كما أرجع توسع الدور
االقتصادي للدولة إلى عامل التصنيع والتحديث الذي يؤدي إلى زيادة الحاجة إلى السلطات
العامة قصد التكفل بالحماية والتشريع والتنظيم ،كما أن نمو الدخل القومي يؤدي إلى التوسع
في اإلنفاق على الرفاهية والتعليم ،باإلضافة على عامل التطوير االقتصادي والتكنولوجي.
-تفسير أو أطروحة بيكوك –وايزمان Peacock and Wisemanحيث أرجع الباحثان
تزايد تدخل الدولة وتزايد اإلنفاق العام إلى األحداث االستثنائية مثل الحربين العالميتين ،حيث
تمت زيادة اإلنفاق العام ،وتم قبولها من طرف المواطنين نتيجة هذه الظروف غير العادية
والتي كانت عادة ما تجد صعوبة في فرض ضرائب جديدة في الظروف العادية ،على اعتبار
أن حجم اإلنفاق العام يزداد بصورة متناسبة مع زيادة اإلنفاق العام في األوقات العادية".2
ولقد ُوجهت عدة انتقادات للنظريتين فرغم صحة األولى أال أنه يعاب عليها ضيقها
بالنظر إلنشائها لعالقة سببية رئيسية بين زيادة اإلنفاق العام والعوامل االقتصادية واهمالها
لطبيعية النظام السياسي وايديولوجيته ،أما الثانية فيبدو وأنها قد صممت لقياس زيادة اإلنفاق
العام في الدول المتقدمة بسب غياب المعطيات الكافية لقياس الظاهرة في الدول النامية التي
تسمح بتفسير النظرية ،كما أن العوامل االقتصادية لها تأثير على زيادة اإلنفاق كما هو الحال
في أزمة الكساد الكبير لسنة .31929
المبحث الثالث :المالية العامة في ظل التوجه نحو الحكامة المالية
هنالك عديد من الدارسات المفسرة لظاهرة تزايد النفقات العامة نذكر منها دراسة " "Musgraveلمؤشر المرونة الداخلية 1
للنفقات العامة والميل الحدي لها نسبة إلى الناتج القومي اإلجمالي ،وهنالك قانون باركنسون " ،" Loi de Parkinson
نظرية الركود ،أطروحة التركيز التفاضلي لألرباح والتكاليف لكل من Stiguerو ،Tullourنظرية مرض التكاليف ل
( ،)William Baumolتحليل .Columللتفصيل أكثر أنظر :محمد بن عزة ،مرجع سابق ،ص 44وما يليها.
وليد عبد الحميد عايب ،األثار االقتصادية الكلية لسياسة اإلنفاق الحكومي ،مكتبة حسن العصرية للطباعة والنشر والتوزيع، 2
110
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
بعد ثالثين عاما من االزدهار والرفاه في الدول الصناعية المتقدمة بدأت أزمة
الركود التضخمي فيها ،حيث جوهر هذه األزمة هو ميل معدل الربح إلى االنخفاض في
قطاعات اإلنتاج ،مما أدى إلى توقف النموذج الكينزي عن ضمان التوازن العام وتخفيف حدة
األزمات الدورية ،لقد فقد هذا النموذج فعاليته في مواجهة هذه األزمة ،ولم تفلح آليات التدخل
الدوالتي في ضمان استقرار النمو وتحقيق التشغيل الكامل.1
المطلب األول :المالية العامة في ظل الدولة الليبرالية الجديدة
يرى Michel Bouvierأن حل أزمة الكساد الكبير لعام 1929تم باالعتماد على
تدخل الدولة واللجوء إلى ماليتها ،وهي ذاتها أصبحت مشكله وسببا لألزمة بداية من سبعينيات
القرن الماضي " فمع ظهور أول الصعوبات االقتصادية التي تنذر بحدوث أزمة عميقة وطويلة
األمد -التضخم في ارتفاع والبطالة في تزايد ،ومعدل النمو في انخفاض ،في ظل عدم
قدرة الدولة على مواجهة األزمة بفعالية ،وزيادة اإلنفاق ،وتناقص الموارد ،واتساع الفجوة ،
وارتفاع الدين العام -كان على الحكومات أن تشكك في افتراضات سياسات الميزانية
والمؤسسات المالية التي كانت موجودة في حينها ،فالدولة التي تم تعظيمها خالل "الثالثين
المجيدة " سيتم تشويه مصداقيتها فجأة ،بداية بالتشكيك فيها من الناحية الفكرية ثم في الواقع،
هذا" . لقد دخلت الدولة في تحول عميق يستمر إلى يومنا
2
لقد دخلت دولة الرفاهية في أزمة كانت لها أثار متعددة الجوانب ،شكلت أزمة المالية
العامة أحد أهم مسبباتها بفعل أزمة التسيير المالي العمومي الناتج عن تدخل الدولة واسع
النطاق في االقتصاد وانفاقها الكبير بهدف تحقيق التوازن االقتصادي واالجتماعي ،حيث عرف
اإلنفاق العام نموا مضطردا بوتيرة متسارعة قابله ضعف وقلة للموارد ،أدى هذا إلى اختالل
للعالقة بين الموارد العادية وتضخم لإلنفاق العام ،وهو ما نجم عنه بروز عجز بنيوي في
الميزانية العامة للدولة خاصة في بلدان العالم الثالث.
لقد شهدت الربع األخير للقرن الماضي حركة إصالحية بدأت في البلدان الغربية التي
قامت بإصالحات شملت إصالح تسيير المالية العامة واصالح الدولة بشكل عام ،ثم امتدت
1منير الحمش ،العولمة ودولة الرفاهية ،في :دولة الرفاهية االجتماعية بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز
.331 دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع المعهد السويدي باإلسكندرية ،بيروت ،الطبعة األولى ،2006 ،ص
2
Michel Bouvier, Crise des finances publiques, crise d’un modèle politique et naissance de
«l’Etat intelligent», op.cit, 2009, p37.
111
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
هذه اإلصالحات لدول العالم الثالث بداية من ثمانينيات القرن الماضي تحت تأثير المؤسسات
المالية الدولية.
الفرع األول :دور الدولة بين التراجع وعودة التدخل في ظل أزمة المالية العامة
يرى عديد الباحثين أن محاوالت إصالح البيروقراطيات والحد من تدخل الدولة وافساح
المجال للقطاع الخاص بدأت نهاية سبعينيات القرن الماضي تحت مسمى " تسيير عمومي
جديد " أو " إعادة اختراع الحكومة " " في بريطانيا ونيوزيلندا واتسعت بعدها لدول أخرى شملت
الواليات المتحدة األمريكية سنة ،1993وتهدف هذه اإلصالحات في مجملها إلى إعادة النظر
": في دور الدولة وجعلها تعمل بأكثر فعالية وكانت أسبابها في العديد من دول العالم تتعلق بـ
1
-المنافسة االقتصادية العالمية -التحول نحو الديمقراطية -ثورة المعلومات –عجز األداء"
لقد تعرض دور الدولة المتدخلة في االقتصاد إلى انتقادات حادة خاصة من قبل أنصار
التيار االقتصاد السياسي النيوكالسيكي2ممثال في المدرسة النمساوية وامتدادها في الواليات
المتحدة األمريكية ممثال في "مدرسة شيكاغو"3الذي يدعو إلى تحجيم دور الدولة وتدخالتها
في النشاط االقتصادي مهاجما السياسات االجتماعية التي تطبقها الدولة في مجال السوق مثل
(إعانة البطالة ،الخدمات الموجهة لمحدودي الدخل ،الدعم ،العالج المجاني ،)...معتب ار إياها
سببا مباش ار في حدوث التضخم واألزمة بوجه عام ،ينظر أنصار هذا التيار إلى الدولة باعتبارها
إيلين سيوال كامارك ،العولمة واصالح اإلدارة العامة ،في جوزيف س ناي وجون دناهيو " الحكم في عالم يتجه نحو العولمة 1
ص.320،317 " ،ترجمة محمد شريف الطرح ،مكتبة العبيكان ،الرياض ،2002 ،ص
2يسيطر على علم االقتصاد منذ النصف الثاني من القرن العشرين اتجاه يسمى باالقتصاد النيوكالسيكي الذي يختزل العملية
االقتصادية إلى عمليات السوق من عرض وطلب ،ويعتبر السوق مجاال مستقال بذاته ومسي ار ذاته بذاته ،ويقد توصياته بحيث
يتم تنظيم المجتمع بكيفية تضمن استقالل السوق وسيره وفق قوانينه الخاصة التي يعتقد بانفصالها عن البناء االجتماعي ،لقد
تحول هذا االتجاه في االقتصاد إلى عقيدة ورؤية للعالم تبنها المؤسسات المالية والسياسية الدولية تحت مسمى برامح التحرير
االقتصادي والتحول إلى االقتصاد الحر " والتي فرضتها تلك المنظمات الدولية على العالم النامي تحت مسميات مختلفة
من بينها التعديل الهيكلي ،مساعدات التنمية ،الحكامة الجيدة .للتفصيل أكثر أنظر :أشرف منصور ،مرجع سابق ،ص
.115
3في هذا يعد فون هايك Friedrich Vonhayekواحد من المتشددين المعارضين لتدخل الدولة الداعية إلى تقليص دور
الدولة في حياة اإلنسان ،فالدولة بالنسبة له هي " الطريق إلى العبودية " وفقا لمؤلفه الحامل لنفس العنوان ،وقد كان له تأثير
كبير في الثورة المضادة اليمنية المسيطرة على النخب الحاكمة في كل من بريطانيا والواليات المتحدة األمريكية منذ والية
تاتشر وريغان في بداية الثمانينيات من القرن الماضي :أنظر في هذا زياد حافظ ،أوضاع األقطار النفطية وغير النفطية ،
في :دولة الرفاهية االجتماعية بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع المعهد
السويدي باإلسكندرية ،بيروت ،الطبعة األولى ،2006 ،ص . 415
112
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
مشكلة وقد لخص الرئيس األمريكي رونالد ريغان ذلك بقوله ":في األزمة الحالية ،ال يمكن
" . اعتبار الحكومة حال ،بل هي المشكلة
1
لقد طالب أنصار هذا التيار بعودة الدولة لوظائفها التقليدية وبالتالي لمالية عامة محايدة،
فليس من مهمتها ضمان التشغيل الكامل وتحقيق دولة الرفاه ،كما طالبوا بإعادة توزيع الدخل
والثروة لصالح البورجوازية من خالل المناداة بخفض الضرائب على الدخول والثروات الكبيرة،
ألن تدخل الدولة في فرض الضرائب سيؤدي إلى تهرب األفراد من أدائها وتخفيضها سيسمح
بزيادتها ،كما أولوا اهتماما لخوصصة القطاع العام مطالبين بتقليص دور الدولة وافساح المجال
للقطاع الخاص والعودة للسوق ،يعبر عن هذا أحد رواد هذا االتجاه Friedrich Vonhayek
في إعادة لفكرة اليد الخفية آلدام سميث ليدعم بها فكرته عن النظام التلقائي أي السوق
الذاتي التسيير دون سيطرة من المجتمع بقوله " فنحن مثال نقاد ،بواسطة نظام التسعير في
مبادالت السوق ،لكي نفعل أشياء بظروف ال ندري عنها شيئا وتؤدي إلى نتائج لم نكن نقصدها
" .
2
حيث منذ نهاية السبعينات تبنت الواليات المتحدة األمريكية وبريطانيا وبعد ذلك باقي
الدول الصناعية سياسات منظمة لتُراجع تدخل الدولة تتمحور حول المبادئ اآلتية":
-خفض الضرائب على أصحاب رؤوس األموال والشركات – تبني عمليات الخصخصة لفتح
مجاالت جديدة أمام رؤوس األموال – تقليص البرامج االجتماعية والنفقات العامة واعادة النظر
" . في مفهوم دولة الرفاه -إزالة الحواجز من أمام حركة رؤوس األموال
3
بالنسبة لدول العالم الثالث فقد عملت في ظل سياسية الدولة المتدخلة والمالية العامة
المتدخلة على تكثيف اللجوء للموارد المالية االستثنائية الداخلية والخارجية منها على حد سواء،4
113
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
وفي ظل غياب سياسيات مبنية على استشراف للمستقبل وتسيير للموارد وفق خطط است ارتيجية،
لجئت عديد الدول إلى الديون الخارجية واستخدمتها كأداة للتمويل العمومي لفترات طويلة حتى
أصبحت تدخل في نطاق التقاليد المتعارف عليها في تسيير المجال المالي لهذه الدول ،أفرز
هذا أعباء جديدة سرعان ما أصبحت تشكل عائقا لتسيير المالية العامة وتحقيق التنمية
االقتصادية واالجتماعية بسب امتصاص فوائد هذه الديون لموارد من ميزانيات الدول بشكل
مزمن ،وبداية من سنة 1980وجدت عديد دول العالم الثالث نفسها رهينة لديون خارجية تثقل
كاهلها ،تحد من دور الدولة وترهن ق اررها المالي العمومي ،بحيث تدخل صندوق النقد الدولي
بمعية البنك الدولي الحتواء هذه األزمة عبر سياسات التكييف الهيكلي ،من أجل إدارة المديونية
في البلدان المدينة وفق أطروحات المدرسة النيوكالسيكية من خالل وضع مجموعة من
اإلجراءات التي ينبغي على الدول المدينة مراعاتها" ،مجموعة من التوصيات واالقتراحات التي
هي في حقيقة األمر هي شروط واجبة التنفيذ إذا كان البلد حريصا على اعتماد مبدأ الحرية
االقتصادية ومعارضة أي نوع من أنواع التدخل الحكومي مع إعطاء أهمية بالغة للقطاع
الخاص.1
وعليه يرتبط مصطلح المالية العامة في األذهان منذ بداية ثمانينات القرن الماضي
في البلدان المتخلفة بصندوق النقد الدولي وتدخالته الواسعة فيها ،بحيث صار يتحكم في
أنظمتها المالية بل في حكمها بحيث صار تشكيل الحكومات وتحديد سياستها مرتبط بتوجيهاته،
كما أن سياسات اإلصالح االقتصادي لم تخفف من ارتفاع المديونية وتسببت في المقابل
واإلنساني . بإلحاق أضرار بالجانب االجتماعي
2
إضافة إلى عدم وجود قطاع خاص يمكن االعتماد عليه في هذا الجانب للتفصيل أكثر أنظر في هذا :مليكة فريمش ،دور
الدولة في التنمية ،دراسة حالة الجزائر ،جامعة قسنطينة ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،2010/2011 ،ص 191و ما
يليها .
مدني بن شهرة ،سياسة اإلصالح االقتصادي في الجزائر والمؤسسات المالية الدولية ،دار هومة ،الجزائر ،الطبعة األولى، 1
.78 ،2008ص
2حيث جاء في تقرير الخبير الدولي المستقل المعني بآثار الديون الخارجية للدول ،فيما يتصل بها من التزامات مالية دولية
أخرى عليها ،في التمتع الكامل بجميع حقوق اإلنسان ،وخاصة الحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية ،وضع مبادئ
توجيهية لتقييم سياسات اإلصالح االقتصادي على حقوق اإلنسان " وقد ضل يوجد منذ ثمانينيات القرن العشرين توافق
متزايد على أن األزمات االقتصادية وكثير من حزم سياسات التكييف الهيكلي التي نفذت بغية منع نشوبها أو بغية التغلب
عليها يمكن أن تتسبب في حدوث تأثيرات ضارة شديدة على حقوق اإلنسان ، ...وأن سياسات التكيف الهيكلي وضبط
أوضاع المالية العامة يمكن أن يكون لها تأثيرات ضارة هائلة على األشخاص المعرضين للخطر ،ألن معظم هذه السياسات
114
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
لكن األزمة المالية -التي عرفتها الواليات المتحدة األمريكية صيف 2007فيما يعرف
بداية من أزمة الرهن العقاري ثم إعالن إفالس " ليمان برذارز " ومؤسسة التأمين األمريكية،
وصوال إلى إعالن إفالس شركة " جنرال موتورز" ،والتي امتدت فيما بعد لبريطانيا وانتشر
الذعر وسط المستثمرين في أمريكا وباقي دول العالم . 1أعيد الحديث عن تدخل الدولة حيث
قامت الواليات المتحدة بإعالن خطة إنقاذ قامت على شراء األصول الهالكة المرتبطة بالرهن
العقاري بقيمة 700مليار دوالر ،حيث يعد هذا أكبر تدخل حكومي في األسواق المالية منذ
.
2
الكساد الكبير بين عامي 1929و 1933من أجل منع انهيار النظام المالي األمريكي
لقد أعادت األزمة المالية لـ 2009-2007إحياء الفكر الكينزي من جديد من خالل تدخل
الدولة والبنوك المركزية إلنقاذ البنوك الخاصة وتجنب حالة الركود وانهيار النظام المالي
العالمي ،فتبين أن الحل في العودة للمالية العامة أي ميزانية الدولة ،فلقد صرح مارتن ولف
Martin wolfوهو رئيس المعلقين االقتصادين لمجلة Financial Timesمؤكدا على موت
حلم السوق الحر ،كما صرح جوزيف اكرمان Josef Ackermanالرئيس التنفيذي للبنك
األلماني Deutsche Bankأنه لم يعد يؤمن بالقدرة الذاتية االستشفائية للسوق ،ودعا روبرت
شيلر Robert Shillerإلى ضرورة التدخل الحكومي القوي الحتواء األزمة المالية ،وأن الفكر
االقتصادي الكينزي يمثل الحل اإلصالح لهذه األوضاع .
وفي هذا السياق قام الرئيس األمريكي باراك أوباما بتعيين كل من تيموثي فرانز غايتنر
Timothy Franz Geithnerوزي ار للخزانة و Cristina Romerكريستينا رومر رئيسة
لم تصمم أو تنفذ بطريقة تعزز حقوق اإلنسان أو تحميها " أنظر في هذا :األمم المتحدة ،الجمعية العامة ،مجلس حقوق
اإلنسان ،الدورة السابعة والثالثون ،جلسة رقم A/HRC/37/54بتاريخ . 20/12/2017
بلغت الخسائر التي تكبدها االتحاد األوربي حوالي 2.5تريليون دوالر ،وتكبدت المؤسسات المالية األمريكية خسائر بقيمة 1
954مليار دوالر ،وصرح األمين العام لألمم المتحدة بان كي مون أن األزمة ستهدد معيشة مليارات األشخاص عبر العالم،
كما صرح رئيس البنك الدولي أن األزمة ستؤثر سلبا في الدول النامية" حيث أن برامج اإلنقاذ هذه ستكون ملقاة على عاتق
الفئات الفقيرة والمتوسطة من دافعي الضرائب ،ولكنها أيضا ستلقى على عاتق شعوب البلدان الفقيرة مما يؤكد طبيعة النظام
الرأسمالي االحتكا ري هي تحقيق األرباح لفئة معينة وتعميم الخسائر على األخرى :أنظر في هذا ":منير الحمش ،األزمة
المالية العالمية الراهنة ومصير النظام الرأسمالي ،مركز دراسات الواحدة العربية ،مجلة المستقبل العربي ،لبنان ،العدد ،364
،2009ص ص .27 ، 26
بديعة لشهب ،مرجع سابق ،ص 69وما يليها. 2
115
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
لمجلس المستشارين االقتصاديين للبيت األبيض وهما المعروفان بتوجهاتهما الكينيزية ،ليعلن
عن خطة تشجع اإلنفاق العائلي قصد محاربة الركود االقتصادي في .12009/02/12
لقد كانت هذه األزمة المالية نتيجة وليست وليدة الصدفة ،فهي انعكاس لسياسات
اقتصادية ومالية مهدتها حركة فكرية تقوم على تقليص دور الدولة ،هذه الفكرة يمكن وصفها
بالثورة المضادة الهادفة لهدم ميراث سنوات الثالثين المجيدة ودور الدولة في إزالة الفوارق
االجتماعية وتداعيات التقلبات االقتصادية ،ال يزال أنصار التيار النقدي والنيوكالسيكيين الجدد
متمكنين من مراكز السلطة والنفوذ في الدول المتقدمة والمؤسسات المالية الدولية التابعة لها،
مختبر لتجارب اقتصادية
ا وبسط نفوذهم لتعميم " اإلنجيل الجديد " ،لقد كانت أمريكا الالتينية
تسببت في حدوث مآس ،كان هدفها خلق الصدمة الخالقة لبناء اقتصاد جديد ،مجتمع جديد.2
مختبر لتجارب المؤسسات المالية الدولية عبر
ا ويبدو أن دوال إفريقية عديدة ستكون
وصفات الحكامة المالية الجديدة بوصفها نموذجا جديدا تقدمها المؤسسات المالية الدولية في
سياق الحكامة الجيدة.
الفرع الثاني :أزمة المالية العامة بين مطالب الحياد وضرورات التدخل
في بداية سبعينيات القرن الماضي وعندما دخلت الرأسمالية في أزمة هيكلية تم توجيه
أصابع االتهام والنقد إلى األفكار الداعية لتدخل الدولة في االقتصاد وتبني مالية عامة متدخلة،
وكان المناخ مساعدا على ذلك ،حيث تراجع معدالت الربح في القطاعات اإلنتاجية مما أدى
لخفض برامج اإلنتاج وهوما صاحبه ارتفاع في نسبة البطالة مما دعا إلى تبني سياسيات
إصالحية كانت تدور حول إصالح الدولة من خالل إصالح المالية العامة باعتبار المشكلة
العامة . هي تدخل الدولة وماليتها
3
لقد تعرض دور الدولة في المجال االقتصادي وفشل محاولة إصالحها بسب ضعف
األداء وعدم الفعالية إلى انتقادات أفرزت ظهور مدارس فكرية تدعو لتجديد الفكر الليبرالي
معتبرة أن أسباب األزمة االقتصادية ُّ
مرده تعاظم دور الدولة كسبب رئيسي ألزمة التسيير
زياد حافظ ،األزمة المالية العالمية :البحث عن نموذج جديد ،بحوث اقتصادية عربية ،لبنان ،العدد ،2011 ،56-55ص 2
ص .24 ،23
3
Michel Bouvier, Crise des finances publiques, crise d’un modèle politique et naissance de
«l’Etat intelligent», op.cit., 2009, p37.
116
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
العمومي ،وأن الحل يكمن في تقليص هذا الدور االقتصادي واالجتماعي بإتاحة الفرص للقطاع
الخاص ،وهذا يعني إدخال آليات السوق والمنافسة في تسيير القطاع العام في تنفيذ السياسات
العامة ،حيث يتم تقديم الخدمات العامة وفق آليات السوق بمرجعية تعتمد عقالنية تسييرية
تقوم على مبادئ الكفاءة والفعالية واألداء ،هذه المبادئ هي التي تشكل اإلطار المرجعي
الجديد . للمناجمنت العمومي
1
قادت الواليات المتحدة األمريكية محاولة إصالح اإلدارة الحكومية في نهاية القرن
التاسع عشر من خالل تبني إصالحات إدارية تستند في األساس على ممارسات قطاع األعمال
الخ اص ،وركزت على فصل السياسة عن اإلدارة ،وتوظيف مديرين محترفين ،ثم تبع ذلك
ظهور مفهوم المناجمنت العمومي الجديد ليعكس البيئة اإلدارية التي تولي األهمية لقيمة العميل
والمساءلة عن النتائج.2
طارق عشور ،مقاربة التسيير العمومي الجديد كآلية لتدعيم وتعزيز تنافسية وكفاءة المنظمات الحكومية ،مجلة أداء 1
المؤسسات الجزائرية( ،جامعة ورقلة) ،الجزائر ،العدد ،2012-01/2011ص .111وأنظر أيضا :ليلى بن عيسى ،الحكم
الراشد أحد مقومات التسيير العمومي الجديد ،مجلة أبحاث اقتصادية وادارية ،جامعة بسكرة ،الجزائر ،العدد الرابع عشر،
.192 ديسمبر ،2013ص
2وقد لخص كل من Iulia Monica Oehler-Sincai
" مجموعة التغييرات التي يهدف ادخال المناجمنت العمومي الجديد إلى إحداثها تشمل :التغييرات في المستوى
الهيكلي تتعلق ب ـ ـ ــ:
-إعادة تخفيض أو تقليص منظمات القطاع العام
-دمج اإلدارات من أجل تحسين التنسيق وتشجيع التخصص
-الخصخصة
-الشراكة
التغييرات في مستوى العمليات وتتعلق ب ـ ـ ــ:
-إعمال اإلدارة االحترافية
-تبني أساليب التسيير المطبقة في القطاع الخاص وادارة الحكومة مثل األعمال التجارية -المرونة في إدارة الموارد البشرية
واستعمال تكنولوجيا المعلومات -استخدام آليات السوق -اللبرلة أو التحرير -تحديث آليات تقديم الخدمات العامة مثل
الحكومة اإللكترونية -عمليات المناجمنت المالي الحديث -إجراءات جديدة للتسيير باألداء -معايير واضحة لمقاييس األداء
-الرقابة على المخرجات – المنافسة -التحفيز – تشجيع الحوار مع المجتمع المدني -إدارة القيم العامة
-تطوير إطار تشريعي أو تنظيمي شامل لتعزيز الشفافية ومساءلة جماعات الضغط " .أنظر في هذاIulia Monica :
oehler-sincai strengths and weaknesses of the new public management (NPM) cross-
sectional and longitudinal analysis institute of world economy November 2008, p p5, 6 On
.site http://mpra.ub.uni-muenchen.de/11767
117
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
يرجع العديد من الباحثين بداية انتشار المناجمنت العمومي الجديد بصورة واسعة إلى كل من Margaret Thatcher 1
رئيسة الوزراء في بريطانيا ومشروعها إلصالح الخدمة المدنية سنة ،1979ثم الرئيس األمريكي Ronald Reganeبداية
من سنة 1980ورئيس Martin Brian Mulroneyبداية من سنة ،1984غير أن هذه اإلصالحات عرفت تحوال آخر في
عهد الرئيس األمريكي bill Clintonونائبه Albert A. Goreمن خالل التركيز على إصالح وظائف الدولة والتقليل من
حجم بيروقراطيتها بداية من سنة 1993وطرح مبادرة إعادة اختراع حكومة الدولة ،تهدف إلى" بناء حكومة للدولة تعمل
بأسلوب أفضل وبتكلفة أقل" ،تم تحويل المبادرة إلى منتدى عالمي دوري ينعقد تباعا في القارات كل سنتين ،يهدف المبادرة
إلى الوصول لحكومة :محفزة ،يملكها المجتمع ،تنافسية ،توجهها مهمتها ،توجهها نتائجها ،يوجهها الزبائن ،ريادية مغامرة،
تقوم على التوقعات ،المركزية ،يوجهها السوق ،تجمع العناصر كله معا أنظر في هذا :إيلين سيوال كامارك ،مرجع سابق،
ص ص .320،318
2
Yvan Pesqueux, le nouveau management public, ou new public management, Sur le site
suivant : https://hal.archives-ouvertes.fr/hal-00510878 2006, p3.
118
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
شكل االهتمام بتحسين أداء اإلدارة اهتماما عالميا فباإلضافة إلى مبادرة إعادة اختراع
الحكومة التي تم تحويلها إلى منتدى عالمي دوري ينعقد تباعا في القارات ،1هنالك عدد من
المبادرات الدولية واإلقليمية الرامية إلى تحسين أداء اإلدارة العامة نذكر منها:2
-مبادرة دعم وتحسين الحكومة واإلدارة SIGMAسنة 1992وهو مشروع مشترك بين منظمة
التعاون والتنمية االقتصادية واالتحاد األوربي بدأ مع الدول المنظمة لالتحاد ،ثم امتد لبعض
دول أوروبا الشرقية ،ليتم توسيعه لبعض دول الجوار األوربي.
انعكس هذا التوجه الجديدة في تبني مفهوم المناجمنت العمومي الجديد الذي " يتنازعه
تياران رئيسيان األول قاده االقتصاديون ممن يوصفون بتيار االقتصاد المؤسسي الجديد ،الذين
نادوا باعتماد المنطق االقتصادي في عمليات الحكومة ،وتقليص تدخلها ،واالحتكام إلى آليات
السوق التي يمكنها تحسين الكفاءة االقتصادية ،والثاني عرف بالتيار التسييري
managerialismeالداعي إلى إدخال تقنيات الخبرة المهنية التسييرية المطبقة في القطاع
الخاص في القطاع العام" 3على المالية العامة من خالل حصر الوظيفة المالية في تخفيض
العجز وبناء ميزانية على أساس النتائج ،المزيد من الشفافية في الحسابات أي محاولة العودة
بالمالية العامة إلى وضعيتها المحايدة خاصة خالل فترة ثمانينات القرن الماضي مع السياسات
مبادرة إعادة اختراع حكومة الدولة ،تهدف إلى" بناء حكومة للدولة تعمل بأسلوب أفضل وبتكلفة أقل" ،يهدف المبادرة إلى 1
الوصول لحكومة :محفزة ،يملكها المجتمع ،تنافسية ،توجهها مهمتها ،توجهها نتائجها ،يوجهها الزبائن ،ريادية مغامرة ،تقوم
على التوقعات ،المركزية ،يوجهها السوق ،تجمع العناصر كله ،تم تحويل المبادرة إلى منتدى عالمي دوري ينعقد تباعا في
القارات كل سنتين حدد ت مجالت تدخله في:
مساعدة حكومات الدول المستفيدة في عمليات اإلصالح -مساعدة الدول على االستفادة من مصادر أخرى للدعم
من خالل إعداد الشروط المرجعية للمشروعات وغيره من المستندات التشخيصية- ،تقييم نظم الحكم والمساهمة في إعداد
التقارير المنتظمة.
2هنالك العديد من المبادرات نذكر منها برنامج الحوكمة واإلدارة في إفريقيا 1998الذي يديره المركز اإلقليمي لبرنامج األمم
المتحدة اإلنمائي لشرق إفريقيا ،وهو برنامج مصمم ليكون إطا ار طويل المدى للحكامة واإلدارة العامة.
-مبادرة اإلدارة الرشيدة لخدمة التنمية في الدول العربية في إطار برنامج إدارة الحكم في المنطقة العربية الذي
يتبناه البرنامج اإلنمائي المتحدة سنة ،2003وكذا مبادرة اإلدارة الرشيدة واالستثمار لتحقيق التنمية في الشرق األوسط
وشمال إفريقيا سنة ،2005وهي مبادرة إقليمية تدعمها منظمة التعاون والتنمية االقتصادية وبرنامج األمم المتحدة اإلنمائي
مع 19عش ار بلدا عربيا تهدف إلى دعم الجهود الرامية لتحديث اإلدارة العامة في هذه البلدان.
على الرابط http://www.oecd.org/mena/governance/36931443.pdf :تاريخ اإلطالع.07/06/2019 :
3
Binod Atreya, op.cit, p28.
119
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
المالية التي تبنتها كل من مارغريت تاتشر في بريطانيا ورونالد ريغان في الواليات المتحدة
كندا . األمريكية ومارتن بريان مولروني في
1
في بريطانيا على سبيل المثال شرع في سنة 1979في تبني إصالح للمالية العامة
من خالل التركيز على ":
-استعادة العمل بآليات السوق والتقليص من تدخل الدولة في الجانب االقتصادي ،فوفقًا
للعديد من الدراسات ترتبط الصعوبات التي واجهها االقتصاد البريطاني منذ الستينيات بزيادة
حجم تدخل الدولة في االقتصاد.
-الحد من التضخم عن طريق سياسة اقتصادية كلية متماسكة ،مدرجة على المدى المتوسط
والتي تمت ترجمت ها بتبني استراتيجية مالية على المدى متوسط األجل ،في هذا النهج ظلت
السياسة المالية خاضعة للسياسة النقدية ،وشكلت وفقًا لمبادئ النقد جوهر السياسة
االقتصادية".2
قامت المالية العامة في التوجه الجديد لحكومة ما غريت تاتشر بداية من سنة 1979
على تقليص تدخل الدولة ف ي االقتصاد وتخفيض إنفاقها العام إلى الحدود الدنيا ،كما تبنت
نزع الجنسية عن الشركات العامة Les dénationalisationsوبيعها للقطاع الخاص ،كما
أن أهم ما يميز التسيير العمومي الجديد في جانبه المتعلق بالمالية العامة كان تطوير المركزية
الرقابة المالية وتركيز عمليات التدقيق والمراجعة ،فانعكس هذا في تسيير مالي يعمل وفق
إجراءات أكثر فعالية في المحاسبة واإلدارة المالية وتطبيقاتها.
تجدر اإلشارة إلى بداية انتشار التسييرية في بريطانيا -والتي كانت منتشرة في الواليات
المتحدة األمريكية حيث اإليمان قوي بالقدرات التسييرية المتفوقة للقطاع الخاص -فقامت ما
غريت تاتشر باستقدام السير ديراك راينر 3Derek George Raynerإلى الحكومة ليقوم
Marks & Spencer Derek George Rayner1رجل أعمال من القطاع الخاص ،كان رئيسا ومدير تنفيذيا لشركة
، plcاستطاع التدرج من موظف إداري سنة 1953بالشركة ليصبح مدي ار تنفيذيا لها ويساهم في تطويرها ونجاحها.
2
Santini Jean-Jacques. La politique budgétaire britannique. In: Économie & prévision, n°73,
1986-2, P11. Sur le site suivant :
https://www.persee.fr/doc/ecop_0249-4744_1986_num_73_2_4919
3تعزى تعاليم وممارسات المناجمنت العمومي الجديد إلى التجربة البريطانية التي تعد رائدة في هذا المجال في فتره حكومة
Margaret Thatcherسنة Ronald Reagan ،1979في الواليات المتحدة األمريكية ،1980وBrian Mulroney
في كندا سنة ،1984ثم في التسعينيات في العديد من دول منظمة التعاون والتنمية االقتصادية ،وبعدها في الدول النامية
من خالل المؤسسات المالية الدولية ،غير أن النجاحات التي تم تحقيقها في مجال تحسين أداء التسيير العمومي اختلفت من
120
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
مع مجموعة عمل بما صار يعرف فيما بعد "بتحفظات راينر الدقيقة" بحثا عن أساليب لترشيد
وعقلنه وتطوير ثقافة الكفاءة في الخدمة المدينة وداخل المنظمات العامة ،كما تم في ذات
السياق اعتماد مبادرة اإلدارة المالية ،حيث تهدف المبادرة إلى إصالح و إعادة تنظيم الو ازرات
وتنظيمها حول مراكز التكلفة للتحكم بشكل أفضل في النفقات العامة ،و الوصول إلى مستوى
من الفعالية المالية .1
وعليه تركز العناصر التي ُنوقشت في المناجمنت العمومي الجديد على مجال المالية
العامة بحسب دراسة لـ Grueningعلى :تخفيض الميزانية ،الخوصصة ،الفصل بين التمويل
واإلن تاج ،التعاقد الخارجي ،تحسين التسيير المالي ،مراجعة األداء ،قياس األداء ،إدراج قيود
2
اإلنفاق في الميزانية ،تحليل السياسات وتقييمها ،دمقرطة مشاركة المواطنين.
وفي ذات السياق يرى "Michel Bouvierأن حركة تسيير القطاع العام الواسعة
المتمحورة حول األداء تهدف لتحقيق ميزانية متوازنة كمبدأ أساسي ،هي جزء من منطق التحكم
في المالية العامة والحكامة المالية العامة الجيدة ،في النهاية ،تراجعت الفكرة القائلة بأن الدولة
أيا كانت قوة األدوات المالية الموجودة تحت تصرفها ،يمكنها لوحدها رسم النمو االقتصادي
الخاص بها وأن عليها :أوال إعطاء مساحة أكبر للسوق االقتصادي والمالي ،وبالتالي
لخصخصة جزء كبير من الخدمات العامة ،ثانياً اعتماد أساليب التسيير وتقييم النتائج المستعارة
من مناجمنت الشركات من أجل التحكم في تطور نفقاتها".3
لقد استمر هذا النهج في التعامل مع المجال االقتصادي والمالي في النصف الثاني
من سبعينيات القرن الماضي ،من خالل أداتين رئيسيتين هما الخصخصة والالمركزية ،حتى
بداية األزمة المالية التي بدأت أوال في البلدان الناشئة مثل روسيا والب ارزيل سنة 1998ثم
دولة ألخرى ،والحقٌّيقة أنه ال توجد بداية محددة أو مجموعة من عناصر إصالح تتبع مسا ار محددا أو لها جهة معينة،
فاإلصالحات تختلف بحسب الحالة ،لذا ركزت البلدان اإلسكندنافية على عنصر األداء والتسيير التعاقدي ،في حين ركزت
بريطانيا على االستفادة من قوى السوق وادخال التسييرية .أنظر :طارق عشور ،مرجع سابق ،ص .123
1
Éric Champagne et Olivier Choinière, initiative de discipline des dépenses publiques et
réformes administratives : une analyse comprimée des trajectoires canadienne et britannique,
dans : Les réformes des finances publiques : Enjeux politiques et gestionnaires Bruylant
Edition, 9 avril 2014, Paris, p68
طارق عشور ،مرجع سابق ،ص .113 2
Michel Bouvier, Crise des finances publiques, crise d’un modèle politique et naissance de
3
121
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
البلدان األسيوية( 1إندونيسيا ،كوريا الجنوبية ،تايالند ،الفلبين) سنة ،1998تركيا سنة ،2000
األرجنتين سنة ، 2001ثم األزمة التي عرفتها الواليات المتحدة األمريكية بداية من سنة
،2007والتي تحولت ألزمة مالية عالمية بسب العولمة المالية التي هي أحد مظاهر العولمة
االقتصادية ،والتي تُعرف على أنها " مجموعة من العمليات المتتالية للربط بين األسواق المالية
الكوني" . على الصعيد الوطني والدولي ،والمؤدية إلنشاء سوق مالية موحدة على المستوى
2
لقد سمح هذا التوجه الليبرالي المتبنى على نطاق واسع منذ بداية الثمانينات بإزالة كل
أنواع المراقبة والضبط ،بحجة تحريك النشاط االقتصادي لحدوث تواطئ بين البنية السياسية
والمنظومة التمويلية لتدفع هذه األخيرة إلى اتخاذ العديد من المبادرات خارج كل متابعة،3
ساهمت بشكل مباشر في تنامي الممارسات التسييرية غير السليمة فانتهت بانفجار أزمة المالية
العامة .
4
هذا على الصعيد العالمي أما على مستوى الدول فإن انعكاسات هذا التوجه كانت لها
تأثيراتها على المالية العامة خاصة في الدول التي خضعت ماليتها العامة إلى تطبيق توصيات
برامج التكييف الهيكلي المعدة من قبل المؤسسات المالية الدولية ،التي ترى أن زيادة تدخل
الدول هو ا لسبب في المشاكل المالية واالقتصادية ،وبالتالي فإن إصالح المالية العامة قد
يتحقق من خالل تخلى الدولة عن سياساتها التدخلية وحصرها في الوظائف التقليدية ،كان
هذا عبر تخفيض اإلنفاق العام الحكومي خالل ثمانينيات القرن الماضي ،وبتأثير كبير لألفكار
والمرجعية التي صاغتها المدرسة النيوكالسيكية ( أو ما يعرف بمدرسة شيكاغو) وهي المدرسة
التي تعتبر بمثابة ثورة مضادة للفلسفة الكينزية "،التي بدأت في االقتصاد ثم تحولت إلى
1
Michel Bouvier, Crise des finances publiques, crise d’un modèle politique et naissance de
l’Etat intelligent, op.cit.,p39.
.65 بديعة لشهب ،مرجع سابق ،ص 2
4يتم االستشهاد في هذا السياق بفضحيه " مادوف " التي انفجرت في ديسمبر ،2007حيث استطاع هذا الوسيط المالي القيام
بأكبر عملية اختالس ،وصلت إلى 50مليار دوالر ،إثر احتياله على عدد من البنوك المعروف بشدة حذرها في بريطانيا
واسبانيا واليابان ،هذه الفضيحة شبيهة بفضيحة " ريتشارد ويترني " والذي كان رئيسا بورصة نيويورك المعروف بمعارضته
إلحداث هيئة رقابية داخل السوق المالية والتي انفجرت ,1929أنظر في هذا :بديعة لشهب مرجع سابق ،ص ص ،77
.78
122
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
عقيدة ورؤية للعالم تبنتها المنظمات المالية والسياسية الدولية قائمة على الخوصصة والتحول
" . نحو اقتصاد السوق الحر ،وتقليص تدخل الدولة في االقتصاد
1
لقد كان لهذه البرامج تأثيرات بالغة الخطورة في الدول التي طبقتها ،وفي هذا يصرح
جوزيف ستغتلز أن نتيجة هذه السياسات بالنسبة لكثير من الناس" كان الفقر ،وبالنسبة لكثير
من البلدان كانت الفوضى االجتماعية والسياسية " ويشير ألخطاء ارتكبها صندوق النقد الدولي
2
في جميع الميادين التي تدخل فيها.
لقد أدت السياسات المتبعة من قبل المؤسسات المالية الدولية في إطار مشاريع
التكييف الهيكلي ثم مساعدات التنمية إلى رهن المالية العامة في هذه الدول وجعلها أداة تلعب
دو ار أساسيا في تفشي سياسة الفقر والجهل الممنهج الذي تنتهجه ،3من خالل تعميم نموذج
قائم على سياسية النمو عبر اإلنفاق ،حيث االستدانة تسهلها سياسيات نقدية توسعية تتجاوز
الضوابط ،وعليه فالسمة األساسية لهذه المالية العامة أنها قائمة على معدالت استدانة عالية
الدولية . ومرهونة للمؤسسات المالية
4
في سياق البحث عن حلول لهذه األزمة المالية العالمية تمت المناداة بضرورة تدخل
الدولة من جديد ،لقد قامت ذات األصوات الداعية لتحجيم تدخل الدولة والمناداة بضرورة
التدخل إلنقاذ الشركات العمالقة سواء المالية أو الصناعية التي تواجه أزمات قد تؤدي
الختفائها " .أي بمعنى آخر تعتبر مصداقية الطرح النيوليبرالي حول حجم دور الدولة في
" . الشأن االقتصادي معدومة ،فالدولة موجودة فقط لخدمة مصالح الشركات العمالقة
5
لقد تمت المناداة من جديد بمالية عامة متدخلة ،حيث يرى " Michel Bouvierفي
ضوء هذا التطور في األفكار ف النقاشات اليوم حول مسألة التدخل ومصادرها النظرية تتكرر
أخيرا ،الفرق هو أنها تتم في وضح النهار ألنها جزء من واقع اقتصادي ومالي أصبح
ً بوضوح
كمثال على هذا التأثير ما حدث في الشيلي إبان حكم بينوشيه الذي سمح للمتخرجين من مدرسة شيكاغو ،حيث تم تعيين 4
جورج كواس وزي ار للمالية ،وسيرجيو دوكاسترو وزي ار للمالية خلفا لسابقه ،وجوزي بينو ار وزير للشغل ،وبابلو باراوني وزير
لالقتصاد ،الذين قاموا بخصخصة المناجم والمرافق الحيوية التي أنتجت البطالة والفقر ،تنفيذا إلرشادات المؤسسات المالية
الدولية :أنظر في هذا :ريمي هيريرا ،مرجع سابق ،ص .134
5زياد حافظ ،مرجع سابق ،ص .23
123
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
وعليه تمت إعادة النظر في سياسة المالية العامة نحو مزيد من التدخل لكن هذا
التدخل تحكمه اعتبارات ليس من ضمنها العودة لمبدأ التخطيط والتوجيه بل الضبط لفائدة رأس
المال ،ومن ثم فإن فكرة الدولة الدنيا هي مشروع موجه للدول في الجنوب وليس للدول في
الشمال ،حيث الحال أنها تتقوى ولكن في خدمة الشركات العمالقة فقط ،أما في الجنوب فإن
سيادتها تتوقف غالبا على تحرير األسواق وتسديد الدين الخارجي ،وتأدية األسهم للمستثمرين
الجيدة . األجانب ،هذا هو مضمون الحكامة
4
في حين يرى " Michel Bouvierأن أزمة المالية العامة عكست تغييرات عميقة في
العالقات بين الدولة والسوق ،لم تنتهي بعد ،وهي في طور التشكل في سياق يختلف تماما عن
المتخيلين الكنزيين أو الليبراليين الكالسيكيين ،ولكن بواكيرها قد الحت في األفق من خالل
Michel Bouvier, Crise des finances publiques, crise d’un modèle politique et naissance de
1
للتخطيط المركزي ودور القطاع العام في االقتصاد المعاصر للتفصيل أكثر أنظر في هذا :أشرف منصور ،مرجع ىسابق،
ص ص .192،159
ريمي هيريرا ،مرجع سابق ،ص .134 3
4
Rémy Herrera, The neoliberal "Rebirth” of development economics, Centre d’économie de
la Sorbonne UMR 8174, 2006. p 5. Sur le site suivant :
https://halshs.archives-ouvertes.fr/halshs-00113514/document
124
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
والدة نموذج سياسي جديد ،يترجم ميالد عقد اجتماعي جديد هو الحكامة المالية العامة الجديدة
1
".
وهنا تجدر اإلشارة أن نهاية سنوات تسعينات القرن الماضي شهدت اهتماما متزايدا
الذي ساهم 2
بالبعد المؤسساتي والحكامة خاصة من خالل أعمال Douglass C. North
في إعطاء مكانة أكبر للجوانب المؤسساتية معتب ار الحكامة من العوامل الهامة في التنمية
بحيث يرى" ...عدم قدرة المجتمعات على وضع إجراءات فعالة ،تكاليف منخفضة لتنفيذ العقود،
هي من أهم المصادر التاريخية للركود والتخلف المعاصر في العالم الثالث " بحيث يجب
التركيز على وجود ترتيبات مؤسساتية توفر الحوافز الالزمة لتنظيم فعال ،يسمح بحدوث التحول
الحكامة . المؤسساتي وتحقيق التنمية من خالل
3
وعليه يؤكد أنصار هذا التوجه أهمية دور الدولة من خالل توفير إطار مؤسساتي
يتجاوز الفكر المؤسسي في صورته األولى إلى تناول تدخل الدولة ومؤسساتها في النشاط
االقتصادي بالشكل الفعال والصحيح ،أي تجاوز مسألة حجم التدخل لكفاءة وفعالية هذا التدخل،
كما يؤكد على مسألة مهمة في نظره هي أن النمو االقتصادي ليس ثمرة لتضافر مجموعة من
العوامل االقتصادية الخالصة فقط ،ولكنه يرتبط ارتباطا وثيقا بالسيرورة التاريخية لكل بلد.
ويرى أيضا "أن مسألة التعلم ضرورية في كل مجاالت البحث ،وهي السبب وراء حاجتنا
لمراقبة تطورات العلوم المعرفية واستخدام النتائج التي تم الحصول عليها للوصول إلى أهدافنا
تفصيال –عملياتية -بما يكفي الستخدامها ألغراض السياسة
ً التحليلية والتحرك نحو نظرية أكثر
االقتصادية".4
1
Michel Bouvier, Marie-Christine Esclassan, Jean-Pierre Lassale, finances publiques, op.cit.,
p23.
2حاصل على جائزة نويل لالقتصاد سنة 1993لمساهماته في مجال التاريخ االقتصادي ،في بداية مساره األكاديمي كان
يعتقد بضرورة توظيف النظرية االقتصادية الكالسيكية الجديدة واعتماد التقنيات القياسية واإلحصائية من أجل فهم أمثل للتاريخ
االقتصادي ،لكنه مع مرور السنين وصل إلى قناعة بأن هذه النظرية عاجزة عن تفسير ظاهرة النمو االقتصادي ،ووقف على
مسافة منها مراجعا بعض مسلماتها مثل عقالنية األفراد ،ومفضال استثمار العلوم االجتماعية لفهم كيفية ظهور وتطور
المؤسسات المحفزة للنمو داخل مجتمعات بعينها ،وتفسير السبب في بقاء مؤسسات غير فعالة ومثبطة داخل مجتمعات أخرى.
.3 أحمد صادق زاوي ،مرجع سابق ،ص 3
4
Chrysostomos Mantzavinos, Douglass C. North et Syed Shariq, apprentissage institutions et
performance économique, presses universitaires de France | « l'année sociologique », 2009/2
Vol. 59, p488.
125
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
المطلب الثاني :إصالح تسيير المالية العامة كمدخل لترشيد إلنفاق العام
بعد األزمة التي عرفتها المالية العامة في بداية سبعينيات القرن الماضي ،ودخول دولة
الرفاهية في أزمة عميقة وعدم قدرتها على تلبية االحتياجات المتزايدة ألفراد المجتمع ،على أثر
آثار منها ضعف معدل النمو االقتصادي الذي يصعب معه
األزمتين البتروليتين اللتين خلفتا ا
تحمل أعباء االقتطاعات اإلجبارية ،وحالة الركود التضخمي وآثاره السلبية ،فسحت هذه
الظروف المجال أمام دعاة وأنصار التيار المناهض لتدخل الدولة" في إطار ما صار يعرف
بالليبرالية الجديدة ،التي اتخذت اتجاها عالميا في سعيها لتنميط االقتصاديات الدولية بما ينسجم
الرأسمالي" . مع االقتصاد
1
في هذا السياق تم عقد ندوات ومناقشات على مستوى الخبراء من قبل المؤسسات المالية
الدولية بهدف البحث عن السبل الكفيلة بإصالح تسيير المالية العامة من أجل تحقيق فعالية
أكبر في تخصيص الموارد المالية ،إذ تشكل الحاجة العتماد سياسة مالية ناجحة مطلبا حيويا
لكل المجتمعات تقع الميزانية العامة في صلبه ،وهو ما يفسر سعي الدول إلى إدخال
إصالحات عميقة على أنظمة الميزانية العامة لغرض تجاوز األزمة المالية ،والتحكم في زيادة
حجم النفقات العامة تحت تأثير دور متنامي للمؤسسات المالية الدولية والعولمة المالية
وتأثيراتها.
الفرع األول :اإلصالح الميزانياتي
أدت التحوالت التي شهدتها معظم الدول المتقدمة في نهاية الربع األخير للقرن الماضي
بفعل وضع االقتصاد العالمي المتغير التخاذ مواقف والمبادرة بإصالحات اعتبرت الحكومة
نفسها هي "المشكلة" ،وكانت النتيجة تصور وجود مشكلة عامة واحدة فقط هي "البيروقراطية"
التي ينبغي العمل على إصالحها من خالل البحث عن الكفاءة ،وكانت مهمة اإلصالح
األولى تتعلق بتخفيض اإلنفاق العام ،وتحرير سوق العمل واللجوء إلى إدخال آليات السوق
في الحكومة ،أدى انتشار أعمال الجيل األول إلصالح القطاع العام في بعض البلدان
األ نجلوساكسونية والدول االسكندنافية في أواخر الثمانينيات والتسعينيات إلى ظهور أفكار
جديدة وطرق جديدة للخدمات العامة ،مستوحاة ومستعارة في معظمها من تقنيات التسيير في
القطاع الخاص ،في خضم النقاش حول األفكار أصبح المصطلح الراسخ هو مصطلح "اإلدارة
1عدنان حسين يونس ،دور الدولة االقتصادي ومهمات إصالح االقتصاد العراقي ،مجلة جامعة كربالء العلمية ،العراق ،المجلد
الثامن ،العدد الرابع ،2010 ،ص .160
126
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
ويظهر مدى التزام اإلدارة بمنطق التسيير وفق النتائج في طريقة تخصيصها للموارد أي
مخصصات الميزانية وفق معايير األداء ،وبهذا فإن إصالح القطاع العام في دول منظمة
التعاون والتنمية االقتصادية كان يقوم أساسا على جعل الميزانية تعمل وفق مبادئ التسيير
العمومي الجديد أي ميزانية أداء موجهة بالنتائج ،غير أن تحويل الميزانية إلى أداة أداء يعد
أمر بالغ الصعوبة ،حيث يبين مسار تاريخ إصالحات الميزانية العديد من اإلخفاقات والقليل
ًا
من النجاحات.3
تالحظ Sharp Rhondaأن هناك اتجاها عالميا نحو تركيز أكبر على األداء في
أنظمة الميزانيات الحكومية ،حيث كشفت دراسة استقصائية أجرتها منظمة التعاون والتنمية
االقتصادية في البلدان األعضاء في عامي 1999و 2000أن ٪ 75من المجيبين يدرجون
بشكل روتيني معلومات األداء في وثائق ميزانيتهم ،وتبرز الدراسة أن المستويات الحكومية
على مستوى الدولة وعلى مستوى الو ازرات كانت رائدة في إدخال عناصر األداء في صنع
أيضا في إدخال
ً الق اررات المتعلقة بالميزانية ،كما بدأت الحكومات المحلية والمقاطعات
إصالحات الميزانية ،و تشير دراسة استقصائية أجريت عام 1998على 411حكومة مقاطعة
1
OCDE, synthèse, La modernisation du secteur public, 2003, p2. Sur le site suivant
https://www.oecd.org/fr/gov/29889783.pdf
2
Allen Schlick, l’etat performant : réflexions sur une idée entre dans les esprits mais pas
encore dans les faits, revue de l'OCDE sur ka gestion budgétaire-volume 3, N° 2, p112.
3
Allen Schlick, vingt-cinq années de réforme budgétaire revue de l'OCDE sur ka gestion
budgétaire-volume 4 – n° 1,2004, pp 99, 10.
127
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
في الواليات المتحدة األمريكية أن حوالي ثلث هذه الحكومات استخدمت قياس األداء في مرحلة
واحدة على األقل من الميزانية.1
ساعدت المؤسسات المالية الدولية على تطويره هذ االتجاه ،فركز البنك الدولي على
تشجيع إصالح الميزانيات في مبادراته وتحسيناتها الالحقة لها من خالل التأكيد على تحقيق
النتائج ،وتتمثل األهداف الجوهرية لإلصالح من وجهة نظره في" :تقوية اإلطار الجديد للميزانية
المتعددة السنوات ،واعطاء جهاز اإلدارة المرونة والمجال الالزمين لإلدارة بطريقة فعالة،
ومساءلة جهاز اإلدارة عن أدائه ،وسيتم تبسيط العمليات ،تخطيط العمل ومتابعته ،سينتقل
محور االهتمام بالتدريج من تحقيق غايات مطلقة في نهاية كل سنة مالية لمساندة التحسين
" . المستمر إلدارة الموارد سعيا وراء تحقيق أهداف متوسطة األجل
2
يؤكد التقرير على العنصر الجديد وهو عقد االستراتيجية واألداء الذي يلخص التوجه
االستراتيجي لكل وحدة ،ويشرح المفاضالت والخيارات التي تقوم بها في مجال تخصيص
مواردها ،كما تحدد مؤشرات األداء الرئيسية التي تستخدم لرصد النتائج واألداء.
في سياق متصل مع محاوالت إصالح تسيير المالية العامة واإلصالح الميزانياتي ورهانات
تحقيق فعالية اإلنفاق العام تحت تأثير عودة التيار المؤسسي في صورته الجديدة 3،تم طرح
Sharp, Rhonda, budgeting for equity: gender budget initiatives within a framework of
1
)performance oriented budgeting, unifem (united nation development fund foe women
publisher, New York u.s. 2003, p23.
البنك الدولي ،التقرير السنوي للبنك الدولي ،2005ص 23على الرابط: 2
http://documents.worldbank.org/curated/en/248641468779702576/pdf/3240300REV
0v10ARABIC0PAPER0WBAR020050.pdf
في هذا السياق يرى دانيال كوفمان وجوب إعادة النظر في المقاربات التقليدية لتعزيز اإلصالح المؤسسي على وجه 3
الخصوص ،ويتحدى فكرة أن إقرار القوانين عن طريق األمر ،أو إنشاء مؤسسات عامة جديدة ،أو القيام بحمالت لمكافحة
الفساد يمكن أن تكون فعالة للغاية ،وهو في هذا يشكك في قيمة المقاربات التقليدية لإلدارة العامة للقطاع العام والنهج
التقليدية لإلصالح القانوني /القضائي لعديد من االقتصادات الناشئة ،ويعتقد بضرورة تبني آليات الشفافية ،والمسائلة والرقابة
،ونهج المشاركة القائم على الحوافز وتمكين أصحاب غير التقليدين ،حيث تقوم الحكامة على شراكة عميقة بين القطاع
الخاص والقطاع الخاص لتحقيق اإلصالح المؤسسي أنظر في هذا :
Daniel Kaufmann, the world bank, rethinking governance empirical lessons challenge
orthodoxy discussion draft, 2003, p1.on site:
https://econwpa.ub.uni-muenchen.de/econ-wp/mac/papers/0308/0308007.pdf
128
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
مفهوم الحكامة التي تشكل نموذجا للتسيير الفعال يستلهم مبادءه من النظم التسييرية ،ويقوم
على نهج يتجاوز المنطق الدوالتي بإشراك الفاعلين وفق مقاربة تشاركية.
لقد سلطت األزمات المالية التي شهدتها مختلف دول العالم النور على العالقة بين سوء
التسيير والحكامة السيئة وانتشار الفساد ،وقلة الشفافية من جهة ،وهشاشة القطاع المالي
واحتماالت حدوث األزمات من جهة ثانية ،وهو ما أكد على وجود عالقة ترابطية بين الحكامة
العامة على مستوى الدولة والقطاع المالي ،وعليه فإن فهم هذه العالقة ومضامينها يعد مهما
لتحسين معايير الحكامة المتمثلة في المشاركة والشفافية والمساءلة ،ومن ثم تحسين وتنمية
1
واستقرار األنظمة المالية العامة.
تعد دارسة الحكامة في مجال المالية العامة من الصعوبة بحيث ال يوجد توافق أو
إجماع على نموذج موحد لها يمكن تجسيده ،غير أنه يتم االعتماد على المبادئ والمعايير مثل
الشفافية والمشاركة والمساءلة المتعارف عليها في مجال الحكامة والسعي لتجسيدها خاصة في
مجال الميزانية العامة للدولة التي تعد العمود الفقري للمالية العامة ،وفي هذا يبرز العمل الذي
قامت به المؤسسات المالية سواء الدولية أو الجهوية أو المعاهد المتخصصة في صياغة
معايير الحكامة المالية خاصة منها البنك الدولي ومنظمة التعاون والتنمية االقتصادية ومعهد
2
بروكينغز.
لقد ارتبط إصالح القطاع العام وتجسيد الحكامة فيه باألهمية البالغة التي تحتلها المالية
العامة وفي الصميم منها كيفية تسيير اإلنفاق العام بطريقة فعالة ،األمر الذي يمر بالتأكيد من
خالل تجسيد آليات الحكامة من شفافية ومشاركة ورقابة مساءلة في تسيير عملية الميزانية
العامة للدولة ،حيث تشكل حكامة الميزانية العامة للدولة آخر حلقات مسار تطوير الميزانية
1
Kaufmann, Daniel “public and private mis governance in finance: perverse links, capture and
”their empiric” in “financial sector governance: the role of the public and private sectors
Brookings institution press, Washington u.s, 2002, p 89.
2
Jeffrey Carmichael, Dani Kaufmann, public sector governance and the finance sector, paper
prepared for the world bank/international monetary fund/federal reserve board conference on:
policy challenges for the financial sector in the context of globalization, Washington DC, June
2001, p21.
129
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
خالل العقدين األخرين ،والتي يعتبرها العديد من الباحثين والمؤسسات المالية الدولية مدخال
الشاملة . لتحقيق الحكامة
1
تشير حكامة الميزانية العامة إلى" تلك العمليات والمؤسسات أي القواعد واإلجراءات
والممارسات التي من خاللها يتم إعداد وتحضير والمصادقة على الميزانية العامة ثم تنفيذها
بشأنها" . والرقابة والمساءلة
2
كما عرفتها منظمة التعاون والتنمية االقتصادية بأنها " جميع العمليات والقوانين والهياكل
" . والمؤسسات القائمة لضمان تحقيق نظام الميزانية ألهدافه بطريقة فعالة ومستدامة
3
كما تم تصدير اعتماد الميزانية الموجهة نحو األداء لعدد متزايد من البلدان النامية،
وهي عملية تسيرها وكاالت دولية مثل البنك وصندوق الدوليين ،وبنك التنمية اآلسيوي ،ومنظمة
االقتصادية . التعاون والتنمية
4
حيث تؤكد هذه المؤسسات والوكاالت الدولية على ضرورة تبني ميزانية موجهة بالنتائج
في المدى المتوسط لضمان جودة نظام تسير المالية العامة الذي يشكل مؤش ار على فعالية
الحكومة من جهة ويلبي المتطلبات األساسية المتمثلة في ":
-الحفاظ على التوازنات المالية األساسية من أجل تفادي االختالالت المضرة باإلطار الماكرو
اقتصادي ،علما أن هذا األخير يؤثر على الوضع االجتماعي.
-إشاعة الشفافية بتحسين استيعاب مضامين الميزانية وتعزيز مصداقيتها اتجاه الرأي العام،
ودعم مبادئ المساءلة والمحاسبة.
-ترشيد النفقات العمومية توخيا لألداء الجيد.
-تكييف مسلسل الميزانية مع الالتركيز.
1منظمة الشفافية الدولية "نظام النزاهة العربي في مواجهة الفساد – كتاب المرجعية" إصدار منظمة الشفافية الدولية ،تحرير
المركز اللبناني للدراسات ،لبنان ،2005 ،ص .221
Carlos Santiso, combattre la corruption et améliorer la gouvernance financier : l'institution
2
130
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
الخزينة" . -الرفع من كفاءة اإلنفاق بتعظيم الفائدة من كل دوالر يتم انفاقه من
1
تعتبر ميزانيات الدول النامية من منظور المؤسسات المالية الدولية مثل البنك
وصندوق النقد الدوليين ميزانيات تفتقر لعنصر الشفافية وبشكل خاص النفقات العسكرية ،التي
ينظر إليها باعتبارها قضايا ذات عالقة بالسيادة والسياسة ،وعليه تعتبر المؤسسات هذه القضايا
مرتبطة بكونها قضية حكامة أكثر من كونها أولويات نفقات عامة ،فهي تربط تقديم المساعدات
بضرورة تجسيد حكامة في عملية الميزانية من خالل ربط اإلنفاق العام وحجمه بالنتائج المرجوة
من إنفاقه أساسا" ،وألهمية التركيز على النتائج لغايات الحكامة الجيدة من منظور المؤسسات
المالية الدولية المانحة ،عمدت هذه األخيرة إلى صياغة منهجية لإلصالح اإلداري والمالي
على حد سواء ،تقوم على تحديد برامج األداء ومؤشرات ومعايير لقياس أداء المؤسسات بحيث
تتم مراجعة النتائج في نهاية خطط العمل التنفيذية مع نهاية الفترات الزمنية المحددة ،وبناء
على تحقيق النتائج وفقا للميزانيات التقديرية لألداء والبرامج للحكومات والمؤسسات يمكن
المسطرة. ومدى تحقيقها للنتائج قياس مدى التميز لتلك المؤسسات"
2
.
لقد اعتبر تدخل الدولة في النشاط االقتصادي حال لألزمات التي عرفتها الدول فيما
يعرف بالكساد الكبير بين عامي 1929و 1933من خالل توسعها في اإلنفاق العام ،غير
بأنه بحلول سبعينيات القرن الماضي دخلت الرأسمالية في أزمة هيكلية عميقة بسب حالة الركود
مع ارتفاع في اإلنفاق العام ،وهو ما ساعد على انتشار األفكار الداعية إلى إطالق الحرية
االقتصادية وتحجيم دور الدولة في النشاط االقتصادي عبر سياسات إنفاقية تقشفية في بداية
المرحلة ثم التوجه إلى البحث عن فعالية وترشيد اإلنفاق العام عبر حكامة اإلنفاق العام سواء
على المستوى المحلي أو عبر المنظمات المالية الدولية .
بعد مرحلة من التوسع في اإلنفاق العام التي شهدها العام خالل فترة دولة الرفاهية،
وتبنيها لمالية عامة تدخلية من خالل تنفيذ المرجعية الفكرية للفلسفة الكنزية ،التي تقوم على
قيام الدولة بدور طالئعي في الحياة االقتصادية لضمان العمالة الكاملة وانعاش الطلب ،وذلك
1محمد بن العارية ،حسين بن العارية ،دورة الموازنة الموجهة بالنتائج في الرفع من كفاءة اإلنفاق –دراسة حالة التجربة
.34 المغربية ،جامعة دراية أحمد -أدرار – مجلة التكامل االقتصادي ،الجزائر ،العدد ،02/ 05جوان ،2017ص
زهير الكايد ،مرجع سابق ،ص .111 2
131
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
للحيلولة دون خراب المؤسسات الرأسمالية ،ورغم دفاعه عن المذهب الليبرالي واسهامه في
إصالحه حيث يقول " إن توسع وظائف الدولة يبدو لنا الوسيلة الوحيدة للحيلولة دون خراب
المؤسسات االقتصادية الحالية وشروط ناجعة للسعي الفردي ".1
إال أنه مع بداية األزمة خالل سبعينيات القرن الماضي تم توجيه عدة انتقادات حادة
لتدخل الدولة وتوسعها في اإلنفاق العام الحكومي على يد كل من الماركسيين 2والنيوكالسيكيين
خاصة" المدرسة النقدية على رأسها "ميلتون فريدمان" التي شكلت نوعا من الثورة المضادة
ألنها تستهدف القضاء على المكاسب والغزوات التي حققتها الثورة الكينزية ،وبالفعل يعتبر
فريدمان أن السياسية النقدية وحد ها هي التي تمارس ـتأثي ار كبي ار على االقتصاد ،وأن النفقات
التي توصي بها النظرية الكينزية لم تؤد إلى نتائج مهولة ....معتب ار أن تدخالت الدولة هي
التهديد الوحيد للرأسمالية ،ألن أزمه 1929كانت ناتجة عن سوء تدبير الحكومة األمريكية
" . (حكامة رديئة بلغة العصر)
3
وعليه يعارض أنصار هذا التوجه استعمال السياسة المالية خاصة جانب اإلنفاق العام
في حل األزمة بالنظر لكونهم يعتبرونها السبب الرئيسي المولد للتضخم ،فاالعتماد على
السياسات اإلنفاقية ال يؤدي لحل المشكالت االقتصادية ،لقد أدى انتشار هذه األفكار الدعاية
للعودة إلى الحرية االقتصادية والسوق ،وتبني آليات عمل القطاع الخاص فلجأت عدة حكومات
إلصالح تسيير المالية العامة بهدف خفض العجز من خالل تخفيض اإلنفاق الحكومي.
شرعت عدة دول من بينها بريطانيا والواليات المتحدة األمريكية في برامج إصالح تسيير
المالية العامة بحيث كان التركيز منصبا على تخفيض اإلنفاق الحكومي ،في هذا اإلطار
تـأثرت ما غريت تاتشر بنظرية النقديين ،وشرعت بداية 1979بتبني سياسة تقشف وتخفيض
لإلنفاق الحكومي ب شكل كبير حيث تم تخفيض اإلنفاق الحكومي بشكل كبير ،وكان القطاع
األكثر تأث ار بسياسات التقشف الصارمة التي اتبعتها هو قطاع الخدمة المدنية بحيث تم التحكم
في اإلنفاق الحكومي على قطاع الخدمة المدنية من خالل تخفيض عدد موظفي الدولة بنسبة
.121 محمد حركات ،االقتصاد السياسي والحكامة الشاملة ،مرجع سابق ،ص 1
2حيث يرى " Evguéni Vargaأن تحليل كينز ال عالقة له باالقتصاد السياسي كما يتصوره الكالسيكيون أو الماركسيون،
إنه مجرد تأويل سيكولوجي تطبيقي لالقتصاد " ،كما يالحظ على كينز أنه يتجاهل مفهوم الربح والطبقات االجتماعية ،عالوة
على مقاربته للمشاكل التي تواجه الرأسمالية دون ربطها بسياقها التاريخي أنظر في هذا :محمد حركات ،االقتصاد السياسي
.124 والحكامة الشاملة ،مرجع سابق ،ص
.124 محمد حركات ،االقتصاد السياسي والحكامة الشاملة ،مرجع سابق ،ص 3
132
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
1
Santini Jean-Jacques, op.cit., P12. Sur le site suivant :
https://www.persee.fr/doc/ecop_0249-4744_1986_num_73_2_4919
2كيرون وولش ،الخدمات العامة وآليات السوق ،المنافسة وابرام العقود واإلدارة العامة الجديدة ،ترجمة محسن إبراهيم الدسوقي،
معهد اإلدارة العامة ،المملكة العربية السعودية ،2003 ،ص ص .83 ،82
3
OECD ,Allen Schick, twenty-five years of budgeting reform, journal on budgeting – volume
4 – no. 1,p 82.
133
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
...فنحن على نحو ما نتبع سياسات السيدة تاتشر التي يبدو أنها ناجحة جدا في بريطانيا "
والحال نفسها في أستراليا ونيوزيلندا ،أما في الدول األقل نموا في أوربا الشرقية فكانت هنالك
محاوالت واضحة لنقل السياسات من خالل صندوق الخبرة KNOW-HOW FUND
للحكومة البريطانية ووكاالت المساعدات كالبنك الدولي ،أما عن البلدان النامية يتم ذلك طوعية
كإجراء رمزي لتأمين تدفق المساعدات الخارجية ،أو يتم فرضه من خالل المؤسسات المانحة
لضمان تدفق مساعدات التنمية.1
مست األزمة التي تعرض لها االقتصاد العالمي منذ بداية السبعينيات الدول النامية
والفقيرة على حد سواء بفعل تراجع الطلب على المواد األولية التي تصدرها وانخفاض أسعارها،
وبالتالي تراجعا عائداتها ،وقد استغلت الدول الصناعية هذا األمر باستعمال القروض عبر
المؤسسات المالية الدولية لفرض شروطها" ،والتي تتمحور حول استراتيجية شقها األول يتعلق
بالحد من تطور اإلنفاق العام عن طريق اللجوء للوسائل النقدية والمالية ،ويتعلق شقها الثاني
على تشجيع العرض بواسطة إدخال تعديالت على آليات السوق والمحيط المؤسساتي ".2
بتتبع مسار برامج التقويم الهيكلي التي بدأت سنوات 1970-1960خاصة من قبل
البنك الدولي الذي ركز على تعزيز مسار وعمليات التخطيط وبرمجة االستثمارات العمومية،
أما في الفترة ما بين 1984-1980فقد استهدفت البرامج المعمول بها تصحيح االختالالت
الماكرو اقتصادية من خالل الضغط على الطلب العام بواسطة سياسات نقدية ومالية تقشفية،
وآثار مدمرة على
ا والتي حملت في طياتها نتائج مخيبة للمؤسسات المالية الدولية من جهة،
الفئات االجتماعية محدودة الدخل بفعل التركيز على تقليص حجم اإلنفاق العام الموجه للدعم،
.
3
األجور ،القطاع التعليمي والصحي ...من جهة أخرى
134
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
في المرحلة الثانية اهتمت الدول الرأسمالية بمسألة فعالية وترشيد اإلنفاق العام التي
كانت بدايتها من خالل االعتماد على سياسيات الخصخصة والالمركزية و آليات السوق كما
سبق إليه اإلشارة تحت تأثير المدرسة النقدية وروادها بمدرسة شيكاغو ،غير أن األزمة التي
مست المالية العامة عموما بفعل العولمة عالوة على األزمات المالية العمالية التي بدأت
في البلدان النامية مثل روسيا والب ارزيل 1998ثم األزمة العالمية بداية من سنة ،2007
أعادت طرح تدخل الدولة ودورها في النشاط االقتصادي ،وأهمية السياسية المالية في تحقيق
أهداف المجتمع من خالل تبني معايير الفعالية والكفاءة في تخصيص النفقات العامة وحسن
تسييرها .
تجدد التوجه إلى تناول مسألة فعالية السياسية العمومية ،وفي الصميم منه كان االهتمام
بإشكالية فعالية النفقات العامة وكمثال على هذا التوجه قامت بريطانيا باعتماد " اتفاقات المرفق
العام " ،وقامت كندا بإعداد " تقرير مخطط األولويات " ،وفي دراسة قامت بها منظمة التعاون
والتنمية االقتصادية سنة 2002توصلت إلى أن حوالى% 72من البلدان األعضاء توفر
بيانات حول األداء في وثائق الميزانية المقدمة للبرلمان ،موضحة أن االهتمام األكبر للتوجه
نحو األداء هو الرغبة في تحسين المرفق العام ،وتدخل الدولة من أجل الوصول لفعالية
1
السياسية العامة من خالل تحقيق فعالية النفقات العامة.
يرى JEAN-PIERRE DUPARTأن المرحلة تتميز بالتركيز منهجيا على تحليل
التكلفة – الفعالية في عالقتها مع مستوى الضغط الضريبي الذي تم تحقيقه ،كما قامت الدول
في االتحاد األوربي في سنة 2005بمراجعة لتحسين التسيير بحثا عن األداء ،وهو ما دفع
أيضا بلدان نيوزيلندا وأستراليا ،هولندا ،الدنمارك ،السويد ،فلندا ،وفي الفترة األخيرة فرنسا
وألمانيا ،إيرلندا ،سويسرا ،هذا دون ذكر الواليات المتحدة وكندا السباقتين في المجال.2
في مواجهة نمو اإلنفاق العام اتجهت جل الدول المتقدمة وعلى رأسها دول منظمة
التعاون والتنمية االقتصادية إلى البحث عن تحسين وزيادة الفعالية االقتصادية ،وهذا من خالل
تبني إصالحات ركزت على ":
1
Marc simmony, la démarche de performance dans le cadre des finances publique, RFFP,
n°98, 2007. p 26.
2 Jean-Pierre Duprat, op.cit., P 26.
135
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
-تحسين فعالية عمليات الميزانية لضمان استدامة المالية العامة باعتماد قواعد جديدة في
الميزانية تسمح بإعطاء األولوية لتحقيق النتائج في اإلنفاق العام.
-العمل على تحديث مبادئ التسيير في القطاع العام من خالل تبني مبادئ التسيير المتمحور
حول النتائج ،والمستند لمؤشرات قياس تسمح بتحسين التسيير العمومي وتحقيق النتائج المرجوة.
-اللجوء العتماد ميكانيزمات السوق التي لها دور كبير تلعبه في تحسين فعالية اإلنفاق
خاصة ما يتعلق بطرق العرض وتقديم الخدمات في ظل التنافسية التي تدفع للبحث عن الجودة
الزبون" . والنوعية إلرضاء
1
تجسد هذ التوجه فيما قامت به فرنسا بإصالح األم ـ ـ ـ ــر 02-59المؤرخ في 02جانفي
1959المتعلق بقوانين المالية من خالل تبني نص جديد يجسد تحوال معياريا من الحقل
القانوني نحو حقل التسيير المناجيريالي ،وهو ما يؤكد أهمية توافق المؤسسات ،حيث البداية
كانت قانونية بتبني القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية في شكل عقد توافقي ،ثم تجسيده
من خالل أدوات جديدة.2
القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية المسمى اختصار LOLFالذي تمت المصادقة
عليه في 1أوت 2001وبدأ العمل به بداية من ميزانية سنة ،2006يرجع لتقرير المقرر العام
لدى الجمعية العامة الوطنية الفرنسية " ""Didier Migaudفي جانفي 1999المتعلق بفعالية
اإلنفاق العام والرقابة البرلمانية بعنوان " رقابة حقيقة ألجل إنفاق واقتطاع أقل" ،حيث يعكس
هذا القانون بحسب معديه ثقافة مالية أخرى وطريقة لتصور وممارسة القرار والتسيير تعكس
والنتائج . اهتماما بالفعالية
3
لقد انعكس هذا التوجه على الصعيد العالمي نحو تبني مقاربة تسييرية في تسيير اإلنفاق
العام خصوصا وفي تسيير المالية العامة عموما من خالل تبني مفاهيم األداء الفعالية والكفاءة
على الدول النامية والفقيرة ،سواء من خالل تبني السياسيات الرائجة أو عبر آليات الشراكات
ا لمختلفة على الصعيد الثنائي أو الجهوي ،أو من خالل سياسات المؤسسات المالية الدولية
بطرح مفهوم الحكامة المالية الجيدة وحكامة اإلنفاق العام.
1OCDE, « | dépenses publiques : amélioré le rapport coûts – résultats, éditions de l'OCDE
Perspectives économiques de l'OCDE », 2003/2 no 74, pp195 .196.
2 Jean-Pierre Dupart, op.cit., P 15.
3
André Barilari, Michel Bouvier, La nouvelle gouvernance financière de l'État, L.G.D.J, 2004,
p11.
136
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
برمج التكييف الهيكلي المتبعة خالل المرحلة الممتدة ما بين سنوات 1970
حيث أن ا
إلى غاية 1990عرفت فشال ذريعا في تحقيق أهدافها وخلفت آثا ار سلبية في عدة قطاعات
هامة ،وأدت إلى تفشي الفقر ،وكان على المؤسسات المانحة البدء في الحديث عن البعد
االجتماعي لكنها كانت دائما مرتبطة بمشروطية في إطار قيود ماكرو اقتصادية صارمة ،حيث
يرى " " Bruno Sarrasinألن الرأي القائل بأن سياسات التكيف الهيكلي قد فاقمت الفقر في
البلدان النامية تم تداوله في بعض منظمات األمم المتحدة منذ عام ،1983ومع ذلك ،فقد
استغرق األمر أكثر من أربع سنوات لنقد البرامج الذي قدمته منظمة األمم المتحدة للطفولة
(اليونيسيف) ،ومنظمة العمل الدولية وعدد من الباحثين والحكومات المعارضة لهذا اإلجراء
"رد فعل" البنك الدولي ...ال شك أن تقرير اليونيسيف لعام 1984حول "التكيف مع الوجه
(نشر الحقًا في عام )1987يمثل خطوة أولى مهمة في "توعية" البنك الدولي اإلنساني" ُ
بالتكاليف االجتماعية للتكيف والحاجة إلى إتاحة مجال أكبر لمكافحة الفقر" .
1
وعليه بعد معاينة الفشل الذي تم تسجيله في برامج التكييف الهيكلي فإن المؤسسات
المالية الدولية المانحة أعادت النظر في شروط منح مساعدات التنمية بإدراج البعد المؤسساتي
وهذا من خالل إدراج شرط األداء وتحقيق النتائج.2
حيث تمت ترجمة هذا البعد المؤسساتي في مطالب المؤسسات المانحة المختلفة في
إطار الحكامة الجيدة وبالخصوص في مجال تسيير المالية العامة ،والتي تعد شروطا تقنية
طار لإلنفاق على المدى المتوسط،
متعلقة بالتسيير المالي من خالل اعتماد ميزانية البرامج وا ا
الذي يهدف إلى إحداث تغيير جذري في تخصيص االعتمادات ،برمجة متعددة السنوات
لإلنفاق العام ،تحميل المسؤولية للفاعلين في المجال المالي سواء على المستوى الدوالتي أو
3
الجهوي أو الدولي.
1
Christophe Ehrhart, Croissance, redistribution et lutte contre la pauvreté : l’évolution non
linéaire de l’approche de la Banque mondiale, L'Actualité économique, Volume 82, numéro
4, décembre 2006, p618. Sur le site suivant :
.https://www.erudit.org/fr/revues/ae/2006-v82-n4-ae1861/016405ar.pdf
2
Jean-Pierre Dupart, op.cit. p11.
3
Gabriel Noupoyo, les conditions de la politique budgétaire de sous-zones : étude de
nouveaux instruments de rationalisation budgétaire, le poids des conditionnalités externes,
RFFP, n°98, 2007. pp 81 .93.
137
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
بداية من سنة 1990البعد المؤسساتي والحكامة أخذا في التطور تدريجيا خاصة من خالل
أعمال Douglass C. Northالذي ساهم في إعطاء مكانة مهمة للجوانب المؤسساتية في
هذه المرحلة ،حيث أن عمليات اإلصالح بوجه عام ،وخاصة منها المتعلقة باإلنفاق العام بدأت
تولي أهمية أكبر لتعزيز القدرات المؤسساتية ،وهنا سيتم تجسيدها في تعدد أدوات التشخيص
1
والتحليل ألنظمة تسيير اإلنفاق العام بالتركيز على البعد المؤسساتي في مقاربة أكثر شمولية.
قام البنك الدولي بإصدار برنامج تقييم تسيير المالية العامة،1997وبرنامج تقييم إجراءات
الصفقات العمومية ،1998و دليل تسيير اإلنفاق العام سنة ، 1998في نفس السياق
أصبحت " مراجعات اإلنفاق العام " تسمى " مراجعات اإلنفاق العام والمؤسسات العامة " التي
تحافظ على نفس األهداف األصلية ولكنها تركز على البعد المؤسساتي والحكامة بوجه عام
،كما ابتكر البنك الدولي" المراجعات المؤسسية والحكامة" ،والحكامة وبناء المؤسسات " ،أما
عن صندوق النقد الدولي فقد أصدر سنة 1998ميثاق حول شفافية الميزانية والحكامة الجيدة،
في حين أصدرت منظمة التعاون والتنمية االقتصادية دليل الممارسات الجيدة لشفافية الميزانية،
كما قامت المؤسسات المالية الدولية المانحة باعتماد إطار لتقييم تسيير المالية العامة ،وخاصة
اإلنفاق العام من خالل برنامج اإلنفاق العام والمساءلة المالية في عام ،2001حيث يعد
العامة . البرنامج المعيار المعترف به للتقييمات الخاصة بتسيير المالية
2
1
Martial Laurent, la réforme budgétaire vue par les institutions internationale, dans : réforme
des finances publiques, op.cit., p 116.
2
Ibid, p117.
138
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
تغيير جزئي وآني وال يتعلق بديناميكية شاملة ومتسقة ،ورغم كون األنشطة اآلنية متعددة لكنها
مستدامة" . ال تشكل استراتيجية تخلق ديناميكية
1
وهو ما أثبتته الدراسة المنجزة حول تسيير اإلنفاق العام في البلدان اإلفريقية جنوب
الصحراء لسنة " 2004فعلى الرغم من مرور عقود على اعتماد أدوات وقواعد ميزاناتية جد
متطورة في عدد من البلدان لكنها لم تحدث آثا ار حقيقة على مستوى تحديث والتحكم في تسيير
المالية العامة " ،يرجع هذا بحسب Michel Bouvierإلى توهم اإلصالح ألنه مجرد تراكم
للتقنيات دون وجود استراتيجية شاملة للتغيير على المدى الطويل ،والذي مرده رفض العقليات
اال نخراط في عملية اإلصالح من جهة و التعب من اإلصالحات التي تطالب بها الجهات
"غالبا ما يشعر المسؤولون التنفيذيون الذين يتمتعون ببعض
ً المانحة ،ويعبر عن ذلك بقوله
عاما
األقدمية بخيبة أمل عندما يخبرهم مجتمع المانحين أن الممارسة الجيدة قبل خمسة عشر ً
. "... تجاوزها الزمن اآلن ،ولم تعد صالحة
2
يضيف " Michel Bouvierإن طريقة تسيير اإلصالح تخلق فجوة بين ثقافة الدول
من جهة ،والحكامة المالية العامة الجديدة وثقافة التسيير التي ُيرجى إدخالها في الممارسة
السياسية واإلدارية من جهة أخرى ،ويبدو أن بعض الفاعلين يساهمون في البقاء على حالة
توهم اإلصالحات من خالل العمل على إدخال تعديالت ال تؤدي في الغالب إال إلى تعقيد
النظام المالي العمومي وجعله أكثر غموضا وأقل شفافية ،وغير مفهوم ويصعب التحكم فيه،
" . وفي الحقيقة يعد هذا نقيضا للحكامة المالية الجديدة
3
من جهة أخرى فإن تعدد الجهات المانحة وتباين استراتيجيتها قد عزز عدم شرعية
المشروطية وقوض الجزاءات المتخذة من قبلها في حال عدم تحقيق النتائج المتوافق عليها،
وعليه فإن المساعدات المقدمة والشروط الموضوعة لها عكست خصوصيات ثقافية واهتمامات
1
Michel Bouvier, la conduite de la réformes budgétaire dans les pays en développement :
réflexions métalogiques, dans : réforme des finances publiques : la conduite du changement,
Actes de la IIIe Université de printemps de finances publiques du GERFIP, L.G.D.J, 2007, p
130.
2
Daniel TOMMASI, Gestion des dépenses publiques dans les pays en développement, Un
outil au service du financement des politiques publiques Quelques exemples dérivés du
modèle français, agence française de développement, collection à savoir, 2010, p 178.
3
Michel Bouvier, la conduite de la réformes budgétaire dans les pays en développement :
réflexions métalogiques, dans : réforme des finances publiques, op.cit., p130.
139
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
الجهات المانحة خاصة في مجال الحكامة المالية ،حيث اهتم بعض المانحين بجانب الشفافية
،أما االتحاد األوربي فيضع جزء من شروطه للمساعدة في المجال المالي والميزانياتي على
األداء وانجاز المؤشرات المحددة والمحدودة ،في حين تشترط دولة مثل السويد مساهمتها على
تعزيز مسار عملية الميزانية من خالل تبني تقنيات مشاركة الفئات الهشة والمهمشة في عمليات
الميزانية ،واتجهت الوكالة الفرنسية للتنمية والبنك الدولي إلى التأكيد على محاربة والقضاء على
آثار الفساد ،وعليه فإن تعدد المطالب التقنية للتقييم واختالفها بين المانحين ساهمت في عدم
تجانسها ،وهو ما أدى لتكرار نفس ممارسات التسيير السيئة في المجال المالي والميزانياتي
وعدم تحقيق النتائج المسطرة في هذا المجال.1
في هذا السياق يهدد البنك الدولي بإحداث قطيعة وعدم االستمرار في تقديم المساعدات
في حال عدم االلتزام ،وهو نفس التوجه لدى منظمة التعاون التنمية االقتصادية وصندوق النقد
الدولي حيث يرى Ian Lienertاالقتصادي الرئيسي بصندوق النقد الدولي أنه " سيكون من
الضروري إظهار إرادة سياسية حازمة ،وضمان التطبيق الصارم للقواعد ،وعند الضرورة فرض
أيضا عن طريق تجنب تقديم المساعدة للبلدان التي تصر على رفض وضع
العقوبات ...ولكن ً
آليات تحاسب المسؤولين على تصرفاتهم".2
1
Gabriel Noupoyo, op.cit. p 81 et pp 96,97.
2
Ian Lienert, Une comparaison entre deux systèmes de gestion des dépenses publiques en
Afrique, Revue de l’OCDE sur la gestion budgétaire – volume 3 – n° 3,2003, p73.
140
الفصل الثاني
اإلطار النظــري
للحكامة المالية
العامة
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
تمثل المالية العامة إطا ار مرجعيا ثريا لقراءة العالقات التي يتم تأسيسها في المجتمعات
أين يمكن أن تكشف حقائقها األكثر عمقًا بالنظر ألهمية المالية العامة في حياة المجتمعات
والدول .أصبحت مسألة تسييرها محور اهتمام جميع التخصصات وملتقى تقاطعها ،وفي هذا
تشكل مسألة الحكامة المالية العامة محور اهتمام السياسيين والمسيرين وعلى نحو أكثر تفصيل
القانون والمناجمنت ،حيث البحث عن تحقيق ترشيد اإلنفاق العام بين مقتضيات الشرعية
وحتميات الفعالية يعكس التفاعالت المستمرة بين الدولة والسوق والمجتمعات ،و يعبر تسيير
المالية العامة عن مجموعة من العناصر الموحدة (المعايير والمؤسسات واإلجراءات) التي
تميز الحكامة المالية العامة وتسمح للدولة بتحصيل مواردها وبتسيير نفقاتها ،إذ تظهر
التطورات المعاصرة لألنظمة المالية العامة أن المالية العامة تتصدر طليعة عمليات التحول
التي عرفتها الدولة والديمقراطية.
تشكل دراسة موضوع المالية العامة "محور اهتمام تلتقي فيه عدة علوم أخرى كالعلوم
السياسية واالقتصادية واالجتماعية ،علوم الدين والفلسفة ،وتقاس حضارة الدول والمجتمعات
في رقيها وتطورها بمقياس يكاد يكون الوحيد ،وهو علم المالية العامة " ،1ويرجع هذا االهتمام
إلى أهمية المال العام في حياة الناس ودوره في تثبيت العالقات االجتماعية ،فهو مركز اهتمام
لدى أصحاب القرار العمومي كما هو محل اهتمام المواطن البسيط ،حيث تعتبر ظاهرة المالية
في جوهرها ظاهرة اجتماعية معقدة وهو ما يقتضي دراستها من خالل استعمال أدوات تحليلية
تتميز بنفس القدر من التعقيد والتشعب ( ،)complexeكما أن علم المالية مثل باقي العلوم
اإلنسانية يتأثر ويؤثر في غيره من العلوم مما يجعله علما معقدا متشعبا يعكس نسيج
العالقات المختلفة ،وموازين القوى داخل المجتمع ،وهو ما يطرح سؤاال حول هوية المالية
2
العامة؟
2
Gilbert orsoni, les finances publiques à la recherche de leur identité, RFFP, n°133, 2016,
p10.
142
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
خاصة في ظل التحوالت التي تفرضها العولمة والتطور التكنولوجي الهائل ،والتوجه العالمي
نحو تبني مبادئ المناجمنت العمومي الجديد.
يتجلى هذا التطور في المقاربات التحليلية لمفهوم المالية العامة التي كانت في بدايتها
تسمي "علوم المالية " حسب Gaston Jèzeثم بعد عقود أصبحت تسمي " المالية العامة "
حسب ،Paul –Mari Gaudemer et Joël Moulinerو يرى " Gilbert orsoniأن
العقدين الماضيين عرفا تحوالت في مفهوم المالية العامة من خالل توسيع المفهوم بسب
العولمة المرتبطة باالنضباط المالي الذي يقوده االتحاد األوروبي ،وتكريس موضوعات
المناجمنت العمومي الجديد".1
المطلب األول :المقاربات التحليلية لمفهوم المالية العامة وتأثيرات المفهوم المناجيريالي
يرى " حركات محمد " أن هنالك أربع مقاربات تحليلية للمالية العامة هي المفهوم
القانوني التقني ،المفهوم االقتصادي ،المفهوم النفسي االجتماعي ،المفهوم المناجيريالي.
سادت هذه المقاربة خالل القرن التاسع عشر حتى بداية القرن العشرين مختصرة المالية
العامة في " مفهوم تقني بحت لدراسة القواعد القانونية أو اإلدارية أو الدستورية التي تحكم
المالية العامة (قواعد وتقنيات إعداد الميزانية ،إجراءات تنفيذ اإلنفاق العام واإليرادات ،وقواعد
2
توزيع األعباء الضريبية وقواعد التنظيم وعمل مؤسسات الرقابة)".
ال تتمتع المالية العامة بهوية (بشخصية) قوية حسب Michel Bouvierمثل بعض
مجاالت العلوم اإلنسانية األخرى حيث يتم تدريسها في كلية القانون منذ أكثر من قرن دون
أن تنجح في تثبيت نفسها بقوة ،وتعرف صعوبات عدة حتى يومنا ،حيث أن هذه المكانة
تخفي توترات بين المكونات القانونية للمادة والمكونات االقتصادية التي تتأكد وتنمو من خالل
التدخالت العمومية ،كما يرى أن صعود العلوم االقتصادية بكلياتها الخاصة بها وتناولها للمادة
لم يدفع القانونين للتساؤل حول ما يمكن أن يحدث لخصوصية القانون المالي العام ،من جهة
1
Gilbert orsoni, les finances publiques à la recherche de leur identité, RFFP, n°133, 2016, p
09.
2
Mohamed Harakat, Les finances publiques et les impératifs de la performance : le cas du
Maroc, L'Harmattan, paris 2011, p62.
143
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
أخرى يعتقد بأن االقتصاد ثم التسيير قد غي ار بشكل ال يمكن إنكاره طبيعتها التي كانت مرتبطة
1
بالقانون العام.
وقد تم توجيه عدة انتقادات لهذه المقاربة ،التي تحصر الحقيقة المالية في مجرد بعد
تقني ،وفي مقارنة مع البلدان األنجلوساكسونية يرى Alexandre Guigueأن تخصص
المالية العامة غير موجود في مدارس القانون فهي اختصاص يخص االقتصاد والتسيير ،وأن
2
القانونيين يتناولون جوانب المالية العامة من خالل القانون األوربي والقانون الدستوري.
سادت هذه المقاربة بداية من أزمة الكساد الكبير سنتي 1929و 1933وتستمر إلى
يومنا هذا ،وتتناول بالدراسة " تدخل الدولة (اإلنفاق واإليرادات) ،مركزة البحث على تقييم اآلثار
اإلنتاجية لإلنفاق العام ،آثار فرض الضريبة على نشاط الوكالء االقتصاديين ،وتقييم السياسات
المالية من حيث التكاليف والفوائد ،حيث تهتم المالية العامة بجميع جوانب تسيير المنظمات
العامة من أجل تقدير إنجاز األهداف والوسائل المستخدمة ،وتكاليف السلع والخدمات المنتجة،
واألسعار والنتائج المالية".3
أصبحت تستعمل كأداة لمواجهة المشكالت االقتصادية في االقتصاد الرأسمالي ،وأداة
لتدخل الدولة لدعم جهود التنمية والتخطيط االقتصادي في االقتصاد االشتراكي ،وهو ما أدى
إ لى تطور دارسات المالية العامة في ميدان االقتصاد التطبيقي أو دارسات السياسية المالية،"4
وبالتالي ظهر نظام جديد هو االقتصاد المالي الذي يدرس النشاط االقتصادي الناتج عن تقارير
1
Michel Bouvier, sciences des finances publiques : le quiproquo, RFFP, n°133, 2016, pp34,35
2
Alexandre Guigue, l'enseignement et la recherche en finance publique dans les pays anglo-
saxons, RFFP, n°133, 2016, p61.
3
Mohamed Harakat, Les finances publiques et les impératifs de la performance : le cas du
Maroc, op.cit, p64.
جمال لعمارة ،مدا خل الموازنة العامة للدولة ،الجزائر :مجلة العلوم اإلنسانية ،جامعة خيضر محمد بسكرة ،العدد 4
144
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
القيد وفقا لـ ـ ـ " A. Barrièreالهدف الصحيح من الدراسات لهذا االختصاص يعزى إلى التطور
السريع لالقتصاد العام".1
يميز " حركات محمد " بين ثالث مراحل لتطور هذه المقاربة االقتصادية التي تعبر
عن تطور الفكر االقتصادي منذ بداية القرن العشرين أولها مرحلة تدخل الدولة (دولة أكثر مع
كينز) ،وثانيها مرحلة (دولة أقل مع النيوليبرالية في ثمانينات القرن الماضي) ،وثالثتها (دولة
أفضل بداية القرن الحادي والعشرين) خاصة مع طرح مفهوم الحكامة ،وتطوير األفكار حول
ترشيد خيارات الميزانية ومبادئ الحكامة ،اضطرت المالية العامة لتعديل أبحاثها للوصول إلى
المالية . فهم أفضل للظواهر
2
تعرف المقاربة االقتصادية للمالية العامة تطو ار بفضل العمل الذي تم إدخاله في عام
1999والمتمثل في المراجعات أو التقييمات المؤسسية والحكامة ،والتي تعد أدوات تشخيصية
مهمة لتقييم السياق المؤسسي للحكامة على الرغم من أنها ال تركز في الغالب على الحكامة
المالية والضريبية ،إال أن هذه التقييمات يمكن أن تكون مفيدة بشكل خاص في تحليل االقتصاد
السياسي للمالية العامة وعمليات الميزانية.3
تتجسد مهام المالية العامة في ظل المقاربة االقتصادية في التركيز على جانب األداء
والفعالية ،وتقييم السياسيات من حيث االستراتيجية والهيكل.4
1
Mohamed Harakat, Les finances publiques et les impératifs de la performance : le cas du
Maroc, op.cit, p64.
2
Mohamed Harakat, Les finances publiques et les impératifs de la performance : le cas du
Maroc, op.cit., p64.
Santiso Carlos, op.cit., p472.
3
4وهي في هذا تقوم بحسب " حركات محمد " بثالثة وظائف ":
-وظيفية ضبط وتنظيم الحياة المالية واالقتصادية بحيث يمكن من خالل المالية العامة للدولة التدخل للحد المشكل
النقدية مثل الركود والتضخم من خالل الحد من العبء الضريبي لزيادة االستهالك ،تخفيض اإلنفاق في االقتصاد الوطني،
ضمان الحكامة الجيدة ،ضمان استراتيجية االبتكار واقتصاد المعرفة.
-مهمة تخصيص الموارد من خالل ترشيد تسيير المالية العامة (الحكامة المالية العامة) ،تنشيط النظام اإلنتاجي
الوطني (ترسيخ ثقافة الشراكة ،واتفاق التعاون الفني أو المالي ،واحياء االستثمار ،وتحسين أداء المؤسسات ،وتحديث ترسانة
قانونية واحدة تنظم النشاط االقتصادي) ،تحويل الديون إلى استثمار مباشر ،الخصخصة والشفافية في عملية نقل المؤسسات
العامة إلى القطاع الخاص،
-إدخال أساليب حكامة جديدة في عملية صنع القرار.
145
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
يرى " Marc Leroyأن علم اجتماع المالية العامة في المدرسة النمساوية واإليطالية
يدرس العالقات الرئيسية بين الظواهر المالية ،الفعل العمومي ،والمجتمع ،بغرض بناء علم
اجتماع شامل للتنظير للمعطيات التجريبية في إطار اإلشكاليات العامة للمجتمع".1
يعود هذا االختصاص لمدرستين هما المدرسة النمساوية بزعامة عالم االجتماع
االيطالية والمدرسة JosephSchumpeter واالقتصادي Coldscheid
Nicolas Machiavelو ،Pareto Vilfredoكما يعد عالم االجتماع ابن خلدون من بين
األوائل الذين قدموا تصو ار ألسس ومقومات هندسة المالية العامة وترشيدها كنواة صلبة لديمومة
2
الدولة واستمرارها.
عرفت هذه المقاربة عودة للظهور بعد الحرب العالمية الثانية من خالل التفكير في
دراسة سلوكيات دافعي الضرائب من أجل تعزيز دور الضريبة في تمويل سياسيات الدولة
المتدخلة ،غير أنه مع األزمة التي عرفتها دولة الرفاه في سبعينيات القرن الماضي تعرض
الدور التدخلي للنقد من قبل نظرية الخيار العام التي قدمت نظرية الخيار العقالني لنقد
الديمقراطية المتدخلة عبر فرض الضرائب واإلنفاق االجتماعي ،في هذا السياق قدم Gabriel
Ardantنظريته السيسيولوجية للضريبة كما قدم Aaron Wildavskyنظريته الثقافية لنمو
النفقات العامة والعجز " ،وبداية من سنة 1990تم تجديد هذه المقاربة من خالل عدد من
األعمال لكل من 3سوسيولوجيا المالية العامة" ل ـ ـ Marc Leroyسنة ،2007كما أن هنالك
توجه داخل هذه المقاربة للجانب التاريخي في أبحاث Nicolas Delalandeمن خالل مؤلفه"
التاريخ االجتماعي للضريبة" سنة 2010ومؤلفه "المعارك الضريبية :الموافقة والمقاومة من
-مهمة إعادة توزيع من خالل في اقتطاع بعض الموارد (ضريبة رأس المال ،والضريبة على الثروة) من خالل
حرمانا،
ً تخصيص اإلنفاق لألنشطة االستراتيجية ،على سبيل المثال :الصناعة ،والبحث العلمي وأكثر الشرائح االجتماعية
وبهذا النهج يمكن إعادة توزيع جزء من اإليرادات للقطاعات االستراتيجية" أنظر في هذا:
Mohamed Harakat, Les finances publiques et les impératifs de la performance : le
.cas du Maroc, op.cit., pp 66,67
Marc Leroy, les finances publiques vues par un sociologue, RFFP, n°133, 2016, p311.
1
2محمد بن عراب ،ترشيد المالية العامة كنواة صلبة لديمومة الدولة واستمرارها من منظور فكر ابن خلدون ،مجلة الحقوق
والعلوم اإلنسانية ،دراسات اقتصادية ،جامعة زيان عاشور الجلفة ،العدد ،2017 ،32/1ص .165
3
babier j.c.b. Et son livre "Le nouveau système français" d'un an 1992.
146
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
1789إلى يومنا هذا" سنة ،2011في حين يرى Philippe Bezesمن زاوية علم االجتماع
السياسي للمالية العامة أن هذه المقاربة للمادة تمر من خالل تحليل ثالثة أبعاد " أدوارها
المتعددة في بناء الدولة ،تحديد عالقات المواطنين بالدولة والصراعات بين الفئات االجتماعية،
أشكال التدخالت العامة وفي تأثيرات األصناف واألدوات المالية والميزانياتية أو الضريبية على
السلوك".1
يرى " حركات محمد" أن علم اجتماع المالية العامة هو في حوار مع المقاربات المهيمنة
في القانون واالقتصاد والتي بسبب بعدها المعياري ليست كافية لمراعاة حقيقة الظواهر المالية،
حيث تستند هذه المقاربة على التخصصات المجاورة (العلوم السياسية والتاريخ والحكامة
واالستراتيجية) فهي تتعامل مع النفقات واإليرادات وعالقتها مع بيئة الرقابة ،والدولة والبرلمان
والمواطن ،وتركز على الضريبة المورد األساسي للميزانية وعالقته ببيئتها االجتماعية ،في
الواقع "الضريبة للدولة مثل األخالق للديمقراطية " " ويعتبر أن هذه المقاربة تشكل مستقبل
الدارسات المرغوب في تعميقها ، 2والتي تخدم المالية العامة استنادا إلى أن فهم الظواهر
3
المالية يتطلب تطوير الخيال االجتماعي.
لقد عرف دور الدولة تحوالت عميقة بفعل العولمة والتطورات التقنية التي شهدها العالم
خاصة بعد نهاية الثالثين المجيدة وبدايات أزمة دولة الرفاه في سبعينيات القرن الماضي من
أزمة اقتصادية شكلت عبئا على المالية العامة ،حيث تم طرح المناجمنت العمومي كاستجابة
للتغير الحاصل في طبيعة دور الدولة والمهام المطلوبة منها ،إذ يعكس هذا التحول المطالب
1
Philippe Bezes, Alexandre Siné, gouverner (par) les finances publiques, presses de sciences
po / gouvernances, paris, p55.
2في نفس التوجه يعتبر " Marc Leroyبأن خيبة األمل في السلطات لها تأثير سلبي على االلتزام والتحضر الضريبي،
تفاعا في السخط المالي والضريبي من خالل ما تظهر استطالعات الرأي المسجلة في مواجهة السياسات
حيث أننا نشهد ار ً
الراديكالية الصارمة حيث الفعالية االقتصادية والتكلفة االجتماعية مرتفعة منتقدة " كما يالحظ أن االبتكارات المؤسسية
والمخططات الصارمة الموضوعة في أوروبا استجابة للمخاطر المنهجية لألزمة الدولية يشوبها إلى حد كبير عجز ديمقراطي،
وهو في هذا يدعو لتبني عقد اجتماعي جديد للديمقراطية التداولية حول النموذج االجتماعي-المالي من خالل مساهمة
أبحاث علم االجتماع المالي .أنظر في هذا Marc Leroy, op.cit, p330 :
Mohamed Harakat, Les finances publiques et les impératifs de la performance : le cas du
3
147
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
المتزايدة على الحكامة الجيدة على المستوى العالمي كنموذج لتسيير عمومي فعال لغرض
إصالح اإلدارة العمومية التقليدية القائمة على العقالنية القانونية الفيبرية بوجه عام واصالح
تسيير المالية العامة بوجه خاص ،باعتبار أن إصالح الدولة يمر عبر إصالح التسيير
العمومي والذي ال يتصور حدوثه دون إصالح تسيير المالية العامة التي بحسب Michelle
" Bouvierتستطيع أن تلعب دو ار جوهريا في اندالع التحوالت العميقة ،تصل حتى إلى ثورات
طار مرجعيا من الدرجة األولى لفهم
قد تط أر على المجتمعات ...فهي تشكل شبكة للقراءة وا ا
التحوالت العميقة التي تحدث في المجتمعات والدول ".1
في سياق اإلجابة عن تساؤالت الباحثين والسياسيين واالقتصادين في الطرق واآلليات
التي تجعل الحكومة أكثر كفاءة وفعالية ،برزت دراسات أكاديمية في ستينيات وسبعينيات القرن
الماضي تناولت طرق تحسين التسيير العمومي لتعزيز قدرات الحكومات وأدائها" ،وظهر في
هذا السياق تيارين رئيسين األول قاده االقتصاديون ممن يوصفون بتيار االقتصاد المؤسسي
الجديد ،الذين نادوا باعتماد المنطق االقتصادي في عمليات الحكومة ،وتقليص تدخلها،
واالحتكام إلى آليات السوق ،التي يمكنها تحسين الكفاءة االقتصادية ،والثاني عرف بالتيار
التسييري 2managerialismeالداعي إلى إدخال تقنيات الخبرة المهنية التسييرية المطبقة
العام" . في القطاع الخاص على القطاع
3
في هذا اإلطار يرى Michel bouvierأن هذا التطور يندرج في سياق زمني ومجالي
ألنها ظاهرة تجد جذورها في األزمة المالية للدولة خالل النصف الثاني لسنوات السبعينات ،
التي لم تعد قادرة على القيام بجميع المهام التي كانت مسؤولة عنها في ظل الدولة المتدخلة
1
Michel Bouvier, réformes des finances publique e transformation des modèle politique, dans
: Réformes des finances publiques et modernisation de l'administration Mélanges en l'honneur
de Robert Herzog, Economica, 2010, paris, p 57
2تشكل المناجيريالية الجانب العملي للمناجمنت العمومي الجديد حيث تقوم على إدخال المبادئ والممارسات المطبقة في إدارة
القطاع الخاص مثل (إدارة األداء ،خدمة العمالء ،إدارة العقود )... ،في تسيير المنظمات العمومية ،بحيث سيمكن تطبيق
هذه الممارسات والمبادئ من حل المشاكل المرتبطة بفعالية المنظمات العامة ،من خالل ترك المبادرة للمسيرين للقيام بعملهم
باستخدام مبادئ وممارسات ا لشركات الخاصة ،مركزين في ذلك على تحسين اإلدارة بدال من تحسين السياسات أو الترتيبات
أن الحكومات يمكن أن تعمل كمشروع تجاري باستخدام مبادئ وممارسات الشركات الخاصة أنظر في الدستورية ،معتبرين ّ
هذا :طارق عشور ،مقاربة التسيير العمومي الجديد كآلية لتدعيم وتعزيز تنافسية وكفاءة المنظمات الحكومية ،مرجع سابق،
.116 ص
3
Binod Atreya, op.cit, p.28.
148
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
والمالية العامة المتدخلة ،والميزانية المستعملة كأداة للتخطيط وتوجيه السياسة المالية العامة،
حيث اضطرت إلى االنسحاب وترك المجال للسلطات المحلية والقطاع الخاص أو القيام
بشراكات مع القطاع الخاص ،كما يعتبر أن األشكال الحديثة ألبحاث األداء مستوحاة من
مفاهيم عرفت في وقت مبكر سنة 1912بالواليات المتحدة األمريكية ،ثم من خالل ميزانية
التخطيط والبرامج لو ازرة الدفاع األمريكية بداية الستينيات ،وفي فرنسا من خالل ميزانية عام
1
1956وتبني نظام ترشيد خيارات الميزانية سنة .1968
يقوم المفهوم المناجيريالي لتسير المالية العامة على األداء2من خالل االهتمام بتحسين
تسيير ورقابة التسيير العمومي بشكل عام والتسيير المالي العمومي بشكل خاص ،من خالل
التركيز على تطبيق المفاهيم والممارسات التسييرية المستوردة من القطاع الخاص بطريقة
منهجية مثل التحليل المالي ،بيانات التدقيق النقدي ،المحاسبة على أساس االستحقاق ،رقابة
الديون ،البرمجة المتعددة السنوات.3
فإن مصطلح األداء يتكون من مكونين رئيسين هما: وفي ظل النظم التسييرية ّ
-الفعالية :ويعرفها "M.Bartoliبأنها العالقة بين النتائج المحققة فعال والنتائج المقدرة وذلك
من خالل قياس االنحراف" ،ويرى James priceبأن الفعالية "يقصد بها عموما درجـة تحقيـق
األهداف " ،إذ تتعلق الفعالية بمدى تحقيق األهداف المسطرة من قبل المؤسسة طبقا لمعايير
تم تحديدها مسبقا ،فإذا تمكنت من تحقيقها كانت مؤسسة فعالة ،وفي ظل المقاربة التسييرية
فإن إدخال مفهوم الفعالية في القطاع العام يعني العالقة بين األهداف المسطرة والنتائج
ّ
المتوصل إليها.4
1
Michel bouvier, la nouvelle gouvernance financière publiques au cœur de la réformer de
l'état démocratique, l'école nationale de l'administration, Vigie - volume 10, 2007, p6.
2يعبر مصطلح األداء عن مدى تحقيق األهداف ومدى االقتصاد في استخدام الموارد ،كما أنه يعبر عن إنجاز المهام "وقد
عرف مفهوم األداء توسعا ليشمل إنتاج القيمة للزبون بعد أن كان يعبر عن تخفيض التكلفة المعبرة عن المردودية المالية
واالقتصادية للمساهمين ،لينتقل إل ى مفهوم أوسع يشمل مراعاة مصالح أطراف أخرى من أصحاب المصلحة ،أنظر في هذا:
الشيخ الداوي ،تحليل األسس النظرية لمفهوم األداء :مجلة الباحث ،جامعة قاصدي مرباح ورقلة ،الجزائر ،العدد -07/2009
،2010ص .218
3
Michel bouvier, Marie-Christine Esclassan, Jean-Pierre Lassale, finances publiques, op.cit,
pp29, 32.
4شوقي بورقبة ،التمييز بين الكفاءة والفعالية والفاعلية واألداء ،المملكة العربية السعودية :ورقة بحث مقدمة ضمن فعاليات
حوار األربعاء العلمي ،جامعة الملك عبد العزيز ،المملكة العربية السعودية ،2010-06-09 ،ص .4
149
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
-الكفاءة :ويعرفها Vincent plauchetبأنها "القدرة على القيام بالعمل المطلوب بقليل من
اإلمكانيات ،والنشاط الكفء هو النشاط األقل تكلفة" ،وهي في ظل المقاربة التسييرية تشير
إلى تعظيم القيمة وتخفيض التكلفة ،بحيث تعمل المنظمات العمومية على االستعمال األمثل
للموارد المتاحة لتحقيق النتائج المسطرة من خالل تعظيم األرباح ،وتقليل التكاليف ،وتعكس
والمخرجات . العالقة بين المدخالت
1
تقوم المقاربة المناجيريالية إلصالح تسيير مالية الدولة على اعتماد ثقافة رقابة التسيير
والمفهوم االستراتيجي والمبرمج والتقييمي لنشاط الدولة ،وهو" ما يعني بالضرورة أن هذا
اإلصالح ال يقتصر على رؤية مناجيريالية للتسيير العمومي تعنى بالفعالية ،إنها مسألة تأخذ
في االعتبار على نطاق أوسع اآلثار التي من المحتمل أن تحدثها في سلسلة الجهات الفاعلة
وعلى الهياكل ككل ،بالخصوص على الموظفين وعلى إدارتهم وعلى جودة الخدمة العمومية "
الزبون . التي تقدمها للمواطن أو باألحرى
2
في ذات السياق يري "حركات محمد " أن المفهوم المناجيريالي للمالية العامة يتعلق
بدارسة ":
-أنظمة الحكامة وشروط اتخاذ الق اررات المالية ،إجراءات التنظيم المالي ،الهياكل القانونية
لتقييم المخاطر المؤسسية والمالية والبيئية ،تقييم أنظمة الحكامة ،نظام الحكامة في سياق
العولمة ".3
تشكل المقاربة المناجيريالية لتسيير المالية العامة جوهر الحكامة المالية العامة التي
تقدم نموذجا التخاذ القرار المالي العمومي ،غير أنها في الحقيقة ال تتعلق بإصالحات تقنية
لمسار الميزانية أو التسيير المالي العمومي بحثا عن الفعالية وتحسين األداء والتحكم في
اإلنفاق العام ،ألنها تعمل بالفعل على نطاق أوسع لتغيير عميق يمس مفاهيم أساسية مثل
1الشيخ الداوي ،تحليل األسس النظرية لمفهوم األداء ،مجلة الباحث ،جامعة قاصدي مرباح ورقلة ،الجزائر ،العدد -07/2009
،2010ص .220
2
Michel bouvier, Marie-Christine Esclassan, Jean-Pierre Lassale, finances publiques, op.cit,
p p29, 32.
3
Mohamed Harakat, Les finances publiques et les impératifs de la performance : le cas du
Maroc, op.cit, pp 69,70.
150
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
الدولة ،الديمقراطية ،المالية العامة ،قواعد الميزانية العامة ،يؤكد 1"Michel bouvierأن
هذه اإلصالحات تخفي نطاقا أكثر اتساعا مما تبديه المالحظة السطحية الوحيدة التي تنسب
لها ،فالتحليل الدقيق لإلجراءات المعتمدة حديثا والمنطق الذي تستند إليه يدعونا للتفكير بأن
الديمقراطية السياسية هي التي يجب أن تتغير مستقبال :هذا ليس فقط من خالل إدماجها في
نموذجها الوظيفي التقني المتطور لتسيير المال العام ،ولكن أوسع بتصميم مناجيريالي التخاذ
والدولة" . القرار المالي الذي يجب أن يغير بعمق معنى وفلسفة المالية العامة
2
وباعتبار أن الظواهر المالية هي ظواهر معقدة ومتشعبة األبعاد فإن العوامل الدولية
لها تأثيراتها على المالية العامة وتحوالتها ،لم تعد المالية العامة مشكلة وطنية تحكمها السياقات
الداخلية بل تشكل حقيقة عالمية ،خاصة في ظل العولمة المالية والتطور التكنولوجي ،حيث
تظهر عدة عوامل مؤيدة لتطوير المقاربة المناجيريالية ،وتشمل هذه العوامل عولمة مشاريع
التنمية ،وأزمة الديون ،والتحرير االقتصادي ،حرية التجارة ،الخصخصة والتنازل عن المرافق
الشفافية . العامة ،وتدويل قضايا
3
ال يشكل إصالح تسيير المالية العامة عمال وطنيا بسيطا يتم من خالله تحديث التسيير
العمومي لغرض ترشيد استعمال الموارد بل يتجاوزه إلى المجال الدولي ،كمثال على هذا التأثير
ووضع المعايير المالية من قبل الجهات فوق الدول .يتعين على الدول االمتثال لعدد من
القواعد المالية (الفاضلة) بما في ذلك االمتثال لمعايير تقارب العجز العام المحدد بنسبة % 3
4
من الناتج المحلي اإلجمالي ،والدين العام يقتصر على نسبة .%60
1يرى " Michel bouvierأن أنصار التوجه المناجيريالي يصل بعضهم إلى حد أن يعهد إلى سلطات مستقلة مكونة من
خبراء القيام بتحديد السياسات المالية والميزانياتية والضريبية ،مثل ما هو وجود في السياسيات النقدية مع البنوك المركزية
المستقلة ،يتعلق األمر بتحييد الطبقة السياسية من اتخاذ القرار ....أو من خالل دسترة المعايير المالية حتى ال يترك للسياسيين
سوى هامش محدود للمناورة ...أو من خالل وضع معايير التطور اآللي للنفقات ولإليرادات بهدف إحداث مسافة بين
السياسيين وزبائنهم ...من جهة أخرى الرغبة بضمان طمأنة السوق في السياسة المالية والميزانية ومنحها إلى خبراء وأكثر
من ذلك إلى الية مالية تعمل كرجل آلي بذكاء اصطناعي ( )robot sapiensشكل متطور للتقني المثالي "أنظر في هذا:
Michel Bouvier, réformes des finances publique e transformation des modèle
.politique, op.cit., p 60
2
Ibid., p 60.
3
Mohamed Harakat, Les finances publiques et les impératifs de la performance : le cas du
Maroc, op.cit., p69.
4
Michel bouvier, la nouvelle gouvernance financière publiques au cœur de la réformer de
l'état démocratique, op.cit., p7.
151
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
أما بخصوص الدول النامية والفقيرة فإن األمر مختلف بحكم تبعيتها التي ترجع في
جذورها لعامل االستعمار ثم لفشل نموذج التنمية لدولة االستقالل الفتية ،حيث تأثير المؤسسات
المالية الدولية كبير على توجيه إصالحات تسيير المالية العامة من أجل ترشيد ماليتها العامة
والتحكم في اإلنفاق العام ،واذا كانت الدول المتقدمة تساهم في صياغة معايير المالية العامة
وتتأثر بها وتأثر في تشكيلها وتؤكد على وجود تأثيرات سلبية ،فإن الدول النامية والفقيرة تعد
حقل التجارب لهذه المعايير التي يتم إعدادها وفق تصورات تحمل خلفيات ثقافية وايديولوجية
أقل ما يقال عنها أنها غير متوافقة مع السياق الذي يتم السعي لتجسيدها فيه.
تبني المقاربة المناجيريالية في تسيير المالية العامة له انعكاساته على التسيير المالي
العمومي عموما وعلى الميزانية العامة للدولة وقواعدها التي كانت تبدو مستقرة لعقود من
الزمن ،حيث أن الحكامة في المجال الدولي تطرح قضية تحالف جديد بين الخبراء والسياسيين
والميدان الذي يتجسد فيه هذا الواقع هو المالية العامة .تطرح مسألة شرعية مؤسسات وقواعد
المالية العامة – التي بفعل العولمة والشراكات المختلفة بين الدول واالهتمام المتزايد بشفافية
والفعالية واألداء -طفرة في إنتاج المعايير ومؤشرات القياس من قبل المؤسسات المالية الدولية
والجهوية ووكاالت التنمية المختلفة ،في هذا السياق يالحظ " Michel bouvierأن الواجهة
ال تتغير فالبرلمان في نظر الجميع هو مركز العمليات ،لكن عمليا على األقل في إطار
عمليات الضبط أو التنظيم األخيرة للقواعد المالية ،ودون أن يكون من الممكن التمييز
بوضوح بين مركز صنع القرار في هذا الصدد ،في الواقع ،فإن ذلك يتم من خالل شبكة
دولية" .
1
يجسد هذا في الواقع كيفية صناعة هذه المعايير التي كانت تتم وفق التقاليد الديمقراطية
من قبل البرلمان باعتباره سلطة معيارية في المادة المالية والميزانياتية ،وفي ظل هذا التحول
نشهد إنتاجا للقواعد المالية من قبل تنظيمات دولية مستقلة خارجة عن الدول والبرلمانات
الوطنية ،التي تقوم على فكرة مؤداها أنه على الدول تبني هذا اإلنتاج (المعايير) وتقاسم نفس
المنطق في التسيير واالندماج والتكامل في نمط وطريقة التشغيل بحيث يمكن وضع نظام
موحدة) . ضبط ذاتي عبر تبني هذه المعايير (تنميط أو معيرة ،قياسة ،معايير
2
1
Michel bouvier, Marie-Christine Esclassan, Jean-Pierre Lassale, finances publiques, op.cit.,
p43.
2
Ibid.p43.
152
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
هذه المعايير التي تتم صياغتها على مستويات فوق الدول ،وتحمل المرجعيات الفكرية
لبيوت الخبرة ومراكز البحث التي تعكس أفكار مموليها ومشاريعهم الربحية البحتة ،ورؤيتهم
للحياة يتم تسويقها للدول النامية عبر وصفات المؤسسات المالية الدولية تحت مسمى" الحكامة
الجيدة " وعلى نحو أدق " الحكامة المالية الجيدة " لغرض ترشيد اإلنفاق العام ومحاربة الفقر.
تشكل الحكامة المالية العامة أحد العناصر األساسية للحكامة العامة ،وعليه فإن
األسباب الكامنة وراء ظهور هذا المصطلح بوجه عام هي ذاتها التي تقف وراء انتشار الحكامة
المالية العامة ،إذ بالرجوع إلى أصل ظهور المصطلح كما سبقت اإلشارة إليه نجده يرتبط بفن
التوجيه والقيادة ،ولكن تناوله الحديث يرتبط بحكامة الشركات ،حيث تمت إعادة بعثه من خالل
أعمال االقتصاديين األميركيين وبالذات رونالد كوس Ronald Coaseفي مقال نشره سنة
1937بعنوان " طبيعة المنشأة " « » the nature of the firmوالذي جمع بين مفهوم
الحكامة والمقاولة ليشيع استعمال المصطلح على يد المؤسسات المالية الدولية بداية من سنة
1989من خالل تقرير البنك الدولي حول تصور طويل المدى في إفريقيا جنوب الصحراء
وبلورة رؤية تنموية جديدة متعلقة بتصور الحكامة ( ، )COVERNANCEوألهمية الجانب
القرن الواحد والعشرين يطرح" سمير أمين "1مصطلح " األمولة" الذي يعكس المالي في
طغيان الجانب المالي و يعني جوهر التغيير الحاصل في هذه المرحلة بقوله " تغليب الجانب
المختلفة" . المالي على الجوانب األخرى في اتخاذ القرار في مجال إدارة األعمال
2
وعليه فإن إعادة بعث المصطلح وفق تصور المؤسسات المالية يرتبط بفشل التنمية في
الدول اإلفريقية ،أي أزمة المالية العامة في هذه الدول ،وأزمة التسيير المالي العمومي ،واشكالية
عدم قدرة الدولة على تلبية حاجيات المواطنين فيها ،وهذه اإلشكاليات التي عجلت بظهور
مفهوم الحكامة المالية العامة ترتبط بأسباب وعوامل عرفتها الدول المتقدمة في الربع األخير
من القرن الماضي مع أزمة دولة الرفاهية.
1يري "سمير أمين" أن مصطلح الحكامة أو الحوكمة وكذا المجتمع المدني هي مصطلحات " الموضة " هي مقوالت خالية
من أي مضمون أنظر في هذا :سمير أمين ،ثورة مصر وعالقتها باألزمة العالمية ،در العين للنشر ،الطبعة األولى ،مصر،
.11 ،2011ص
المرجع نفسه ،ص.8 2
153
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
عبد السالم يخلف ،الرشادة في زمن العولمة :بديل ممكن أم يوتوبيا ،مجلة العلوم اإلنسانية ،جامعة أحمد منتوري قسنطينة، 1
154
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
في ظل هذه الظروف تمت المناداة بوضع نظام حكامة دولية أو حكامة معولمة تهتم
بالجانب المالي الدولي ،حيث تم إرجاع األزمات المالية سواء لسنة 1929و 2008إلى غياب
1
الحكامة وبالتالي غياب الرقابة المباشرة على العلميات المالية المختلفة.
أما بالنسبة لدول العالم الثالث فإنه في سياق العولمة المالية وتنامي دور المؤسسات
المالية الدولية بشكل يجعلها كما وصفها صندوق النقد الدولي في سنة " 1974أقوى حكومة
فوق قومية في عالم اليوم " ،أما في عالمنا اليوم فالمؤسسات المالية صار لها تأثير في سيادة
الدول وقرارها االقتصادي بشكل ال يحتاج إلى دليل ،حيث تحت مسمى اإلصالحات تفرض
السياسيات االقتصادية ،وتوضع شروط المساعدات والقروض على أساس استجابة األنظمة
الوطنية وأنظمتها المالية لمقتضيات الحكامة ،وفي الصميم منها حكامة المالية العامة ،ويقع
على عاتق الدول الزبونة االلتزام باحترام معايير الشفافية واألداء والفعالية ،وفي هذا اإلطار
يرى Krasner Stephenأن فشل الرشادة ( الحكامة ) في الدول الضعيفة يهدد ليس فقط
وضع المواطنين داخل هذه الدول بل المصالح المادية للدول األقوى في النظام المالي ألن
اآلليات السياسية المتوفرة اليوم ال تكفي للتعامل مع حاالت انهيار السلطة المحلية داخل "
الدول الفاشلة " أو " السائرة في طريق الفشل " ألن اإلطار التقليدي للسيادة هو عدم التدخل
في الشؤون الداخلية للدول...و بما أن هذا الفشل ليس قد ار بل يمكن بناء ترتيبات مؤسساتية
بديلة من خالل " سيادة مشتركة " والتي تؤدي إلى تدخل فاعلين خارجين في جوانب معينة
دائمة" . من الحكم المحلي بطريقة شبه
2
يعتقد سمير أمين أنه بداية من سنة 1990بدأت مرحلة رأسمالية االحتكارات المعممة
والمأمولة والمعولمة ،وأن الحديث عن الحكامة الطيبة ،الفقر ،والمجتمع المدني ماهي إال مجرد
شعارات " موضات" خالية من أي مضمون فيه بالغة متهافتة للخطاب السائد،3و ينظر إلى
غسان علي سالمة ،الحوكمة في ظل العولمة :جامعة الجنان ،المؤتمر العلمي الدولي ،عولمة اإلدارة في عصر المعرفة، 1
يرى سمير أمين أن األدبيات الكثيرة المتعلقة بالفقر تركز على اكتشاف مواقع الظاهرة ،وحجمها وال تتقدم بالسؤال عن 3
اآلليات التي تخلق الفقر الذي تدرسه ،والعالقة بين الفقر وبين القواعد األساسية مثل المنافسة التي تحكم النظام وخاصة في
حالة دول الجنوب التي تتلقى المعونة ،أما بخصوص المجتمع المدني فيتسأل هل بلغ الحد الذي يسمح بمناقشته بشكل جدي
في جدول أعمال يحاول أن يكون علميا؟ حيث يقدم باعتباره تصور إليديولوجية التوافق التي ينفيها تاريخ الصراعات الطويل
،في حين ينظر إلى الحكامة ( الحوكمة ) على أنها اختراع من أجل استبعاد الجدال حول الطابع االجتماعي للسلطة ،أما
وصفها بأنها جديدة أو سيئة فينقلنا لمجال األخالقيات بدال من التحليل العلمي ،ويعتبرها " موضة" تأتي من الخطاب
155
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
المرحلة التي انتشرت فيها "موضة " الحكامة المالية بداية من التسعينيات باعتبارها مرحلة
العولمة الجديدة ويسميها رأسمالية االحتكارات المعممة والمأمولة والمعولمة التي تخدم مصالح
القوى المسيطرة ،وأن تعرض األخيرة لألزمات يدفع ثمنه دول األطراف والتخوم وهي دول
الجنوب ،والتي عبر هذه " الموضات " االستراتيجيات يتم تهميشها واالستمرار في نهب مواردها،
وهو ما أكده " جوزيف ستغلتيز في مقال له بعنوان " برايتون وودز التالي" بقوله أنه في
الوقت الذي تمتص الواليات المتحدة األم ريكية مدخرات العالم لمعالجة مشاكلها سوف تعيش
البلدان النامية ظروفا عصيبة".1
إذن مع توسع احتماالت انهيار نظام العولمة المالية العالمية سياسيا واقتصاديا ،كانت
الدعوة إلى ضرورة وجود حكامة مالية لبسط سلطة الدولة من جديد من خالل آليات الضبط
والرقابة واإل شراف ،في هذا السياق يقترح " غسان علي سالمة " أن يتجه العالم من عولمة
االقتصاد والسياسية وحكامتهما إلى مفهوم آخر يعتبره مخرجا مالئما هو اإلدارة اإلسالمية
2
ومفاهيم االقتصاد اإلسالمي.
في نفس اإلطار ترى " بديعة لشهب " أن الحل لألزمات المالية هو المقاربة التي
صاغها " مالك بن نبي " والتي ترتبط بتعبئة الطاقات االجتماعية أي اإلنسان والتراب والوقت،
في مشروع تحركه إرادة حضارية ال تحجم أمام الصعوبات" ،3بما معناه عدم نجاح التجارب
المستوردة ألنها تجسد حضارات وسياقات صانعيها ،تعبر الحكامة المالية الجيدة عن حمولة
إيديولوجية نيوليبرالية وفق مقاربة مناجيريالية تأتي في سياق العولمة المالية للبحث عن حلول
لألزمة المالية العالمية التي عرفتها الدول المتقدمة وتأثرت بها دول العالم ،حيث تظهر
الممارسات والسياسات أن الحكامة المالية تعتبر أداة فعالة قادرة على اإلشارة إلى عالم جديد
السياسي األمريكي الذي أثر في أدبيات البنك الدولي التي أصبحت بعد قراءة " االسترحامات" تجد نفسك في مواجهة
المستبد العادل وليس حتى المستنير ،بحيث يغيب عنها السؤال الحقيقي وهو :ماهي المصالح االجتماعية التي تخدمها
.144 السلطة أيا كانت؟ لمزيد من التفاصيل أنظر :سمير أمين ،ثورة مصر وعالقتها باألزمة العالمية ،مرجع سابق ،ص
.88 بديعة لشهب ،مرجع سابق ،ص 1
غسان علي سالمة ،الحوكمة في ظل العولمة ،لبنان :جامعة الجنان ،المؤتمر العلمي الدولي ،عولمة اإلدارة في عصر 2
156
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
وتحديد معالمه ،و هذا مرتبط بشكل واضح بعدم تحولها إلى أداة في يد الدول المهيمنة التي
1
تستعملها في إعادة إنتاج سلوكات كولونيالية أثرت على مسيرات الشعوب ورهنت مصائرها.
الفرع الثاني :تراجع دور الدولة وأزمة األشكال التقليدية للفعل العمومي
أدت التحديات االقتص ادية والسياسية واالجتماعية والتقنية التي واجهت الدولة والجهاز
ّ
الحكومي في سبعينيات القرن الماضي إلى تأثير على المنظومة اإلدارية الحكومية التقليدية
التي كانت تعتمد على الهياكل والقواعد واللوائح واإلجراءات في اتـخاذ الق اررات محتكرة بذلك
المبادرة في وضع السياس ات العامة وتنفيذها ورقابتها إلى البحث عن حلول لتجاوز هذه
التحديات ،لقد تم تفسير هذه األزمة بفشل نموذج التسيير العمومي بفعل عدة عوامل يأتي في
مقدمتها اختالالت النظام البيروقراطي الذي شكل نموذجا إيجابيا على المستوى النظري والعملي
حتى منتصف القرن الماضي بسب العولمة والتحوالت التي مست هياكل الدولة وانتشار اقتصاد
المعرفة ،إضافة إلى تنامي دور فواعل أخرى جديدة ( القطاع الخاص والمجتمع المدني ) التي
أصبحت تطرح نفسها بديال عن الدولة في ظل االنتقادات المتزايدة للمنطق الفيبري القانوني
حيث تمحورت هذه االنتقادات حول ارتفاع التكلفة ،الترهل اإلداري وعدم الكفاءة ،وضعف
القدرات االستجابية لطلبات المواطنين ،والتي تزامنت مع ظهور أزمة دولة الرفاهية التي
تستند إلى المنظور الكينزي القائم على مالية عامة تدخلية ،كلها عوامل أدت إلى التشكيك في
ثانية . دور الدولة من جهة وآليات التسيير العمومي التي تنتهجها من جهة
2
تراجع دور الدولة تحت تأثير العولمة المالية والتطور التقني المتسارع أدى إلى تآكل
سيادتها التي تعتبر المحور الرئيسي لبنيان العالقات السياسية واالجتماعية واالقتصادية
للمجتمع المعاصر ،هذا التفكك في سلطة الدولة تم على مستويين :مستوى االتجاه نحو المحلي
3
أو الحضري أكثر والمستوى الثاني فوق األممي أو الدولي.
على المستوى األول :أدت األزمة لحدوث عدم توافق بين عدم قدرة الدولة المركزية
بطيئة الحضور والتفاعل مع مطالب المواطنين مع كثرة التدخل ،ومجتمع مدني متنوع ومج أز
أكثر فأكثر ،إلى دفع السلطة العامة إلى تبني خيار الالمركزية وفتح عملية إعداد واتخاذ
رضوان بروسي ،من الدولة الفيبرية إلى الحوكمة كمنظور دولتي جديد :رؤية نقدية ،مرجع سابق ،ص62 2
157
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
الق اررات في مجال السياسات العمومية لمشاركة المواطنين وجماعات المصالح المنظمة المنتمية
للسوق والمجتمع المدني ،بحيث حدث تعديل لهرمية المبادئ التي كانت تهيكل عالقات الدولة
–المجتمع -السوق ،وهو ما يعكس االستعمال اإليديولوجي للسيادة المنمذج حسب الحقب
الزمنية والميادين هذه ،فالتوجه الجديد المتخذ يأتي كإجابة ألزمة الرأسمالية التي لعبت دو ار
مهما خاصة في إعادة هندسة التسلسل الهرمي للفعل العمومي وما يسمى (عدم القابلية للحكم)
في المجتمعات المعقدة.1.
في المستوى الثاني :على الصعيد فوق الدول إذ انتقلت العديد من اختصاصات الدولة
إلى المنظمات أو الهيئات الدولية ،فقد نتجت عن العولمة عدد من المنظمات التي أصبح لها
تأثير واضح مثل :االتحاد األوربي الذي أصدر إلى غاية 2017حوالي عشرين ألف الئحة
تلتزم بها الدول األعضاء ،وفي مجال السياسة االقتصادية والتنمية تصدر المنظمة توجيهات
للدول األعضاء بشأن مسائل عديدة منها تخفيض مخصصات دول الرفاهية وخلق فرص
العمل ،وكذا منظمة التجارة التي تباشر مدى واسعا من األنشطة الرقابية والقضائية في مواجهة
الخالفات والمشكالت التجارية العديدة التي تنتج عن عالقات الدول في المجال التجاري
واالقتصادي عموما ،و تتدخل في التشريعات الداخلية للدول فتقوم بإلغاء كل ما تراه ضد حرية
التجارة مثل :قوانين الصحة والعمل والبيئة ،وهو ما يجعل الدول فاقدة لكل أشكال الرقابة
2
والحماية على قطاعاتها وفقدان سيادتها في المقام األول.
أما بالنسبة لدول العالم الثالث فإن مؤسسات مثل صندوق النقد والبنك الدوليين اللذين
اخترعا مبدأ المشروطية في المساعدات وربطاها عضويا ببرامج التثبيت والتكيف الهيكلي،
واشترطا على الدول إجراء تغييرات وتطبيق إصالحات تحت مسمى " الحكامة الجيدة " من
خالل تطبيق خطط التقشف المالي مع فتح الحدود والخصخصة ،إذ باشر الصندوق هذه
العملية في أكثر من 70دولة في العالم الثالث ،حيث أفقدت هذه اإلجراءات المفروضة عبر
السياسات المشروطة الدول السيادة االقتصادية وسلطة الرقابة على السياسيات الجبائية والمالية
،وأجبرتها على إعادة تنظيم المصارف المركزية وو ازرات المالية والتخلي عن مؤسسات عامة
1
Ali Cazancigil, La Gouvernance - Pour ou contre le politique ?, op.cit., p57.
صوفيا شراد ،رياض دنش ،عولمة النظام المالي ،مجلة االجتهاد القضائي ،جامعة محمد خيضر بسكرة ،الجزائر ،العدد 2
158
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
مهمة واستراتيجية ،ووجدت نفسها تحت وصاية اقتصادية وسياسة في شكل "حكومة موازية "
المواطنين . ليست مسؤولة ال أمام المجتمع وال أمام
1
وعليه فقدت هذه الدول في ظل هذه السياسات أهم مقوماتها وهي السيادة ،في هذا
السياق يتساءل كليفورد جيرتز " ماهي الدولة إن لم تكن سيادة؟ " هذا االستفهام الذي يتضمن
السؤال وجوابه في نفس الوقت يعكس حالة الدولة والسيادة واالقتصاد خالل العقود الثالثة
األخيرة.2
لقد تراجع دور الدولة على المستوى الداخلي باالتجاه نحو المجال الحضري والمحلي
كما فقدت أهميتها على المستوى الدولي بسب الدور المتطور للمنظمات والهيئات غير الحكومية
على الصعيد الدولي ،حيث أفضى هذا إلى أزمة حكم وشرعية انعكست في فشل أو ضعف
األشكال التقليدية في الفعل العمومي ،بادرت الدول خاصة منها الواليات المتحدة وبريطانيا
ونيوزيلندا إلى تبني إصالحات لتجاوز أزمة التسيير العمومي بتوجيه انتقادات للمقاربة الفيبرية
القانونية التي استند إليها الفعل العمومي.
إن األزمة التي عرفها التسيير العمومي في ظل المقاربة التقليدية تسبب في توجيه
االنتقادات أساسا إلى القانون الذي ش ّكل قلب التنظيم البيروقراطي ،باعتباره الوظيفة األساسية
للتدخل الدوالتي ،وبسب دخوله في حالة تناقض مع عقالنيات المعايير االجتماعية ،وهو ما
حد ذاته ،وطرح فكرة ضرورة ترشيد اإلنتاج القانوني وفعاليته
أدى إلى التشكيك في القانون في ّ
ّ
جراء حالة االنفصال عن وجودته ،التي أصبحت تتناول من جانب المردودية االقتصاديةّ ،
الواقع بسب كثرة النصوص وتنازع االختصاص ،وهذا مما أدى إلى طرح أزمة التسيير العمومي
المتمثلة في عدم فعالية المنظمات العمومية وعدم كفاءتها ،ويأتي هذا في إطار تأثيرات العولمة،
أن الدولة لم تعدوانعكاساتها على تحوالت الدولة ،وفي هذا السياق" "يرى أنصار الحكامة ّ
أن التنظيم والضبط المركزي بموجب القانون صار المصدر الحصري للمعيارية القانونية ،و ّ
أن الشرعية الرسمية لم تعد قادرة على فرض نفسها بوصفها الشكل الوحيد للرقابة
مستحيال ،كما ّ
3
االجتماعية والعدالة".
1عمار جفال ،قوى ومؤسسات العولمة التجليات واالستجابة العربية ،مجلة شؤون الشرق األوسط ،مركز الدراسات االستراتيجية،
السنة الثانية عشر ،العدد ،2002 ،107ص .34
2
Ali Cazancigil, la gouvernance - pour ou contre le politique ?, op.cit, p50.
3
Laurent Pech, droit &gouvernance : ver une privatisation du droit, chaire de recherche du
canada en modalisation, citoyenneté et démocratie, sur le site suivant :
159
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
وفي سياق عدم قدرة التسيير العمومي على مواكبة مقتضيات العولمة ،وعدم فعالية
أساليبه ومناهجه ،تم تقديم نموذج المناجمنت العمومي الجديد المرتكز على مبادئ االقتصاد
السياسي الجديد ،ونقد دور الدولة وتسييرها "استنادا إلى مقاربة مناجيريالية تعتبر اإلجراءات
العامة غير مميزة عن ما يمكن أن تنتجه وكالة خدمة خاصة ،وبالتالي تخضع لنفس المعايير،
وتتنقد التركيز المفرط للوسائل والموارد في يد القطاع العام ،وتدعو إلى خصخصة كبيرة من
خالل االستعانة بالمصادر الخارجية والتوجه إلى السوق ،وتصر على الفعالية االقتصادية من
والفوائد . خالل معايير تحليل التكلفة
1
وبفعل الدور المحوري للمؤسسات المالية الدولية نشهد "عولمة التسيير العمومي " تحت
مسمى الحكامة الجيدة التي من خاللها يتم تقليص دور الدولة والتقليل من حضورها في الفعل
العمومي وتبني مبادئ التسيير المتعارف عليها في القطاع الخاص القائمة على األداء عن
طريق إجراءات الخوصصة مع منح استقاللية للمسيرين ،والمنافسة ،هذا النهج سيكون له تأثير
على اإلدارة العامة والقانون اإلداري بالتحديد".2
انعكس هذا التوجه مباشرة على تسيير المالية العامة من خالل تبني األداء كعنصر
أساسي في حكامة المالية العامة واعتماد التسيير باألداء المرتكز على النتائج ثم على مستوى
الميزانية العامة للدولة من خالل ميزانية األداء الموجهة بالنتائج ،يتم هذا في سياق البحث عن
تحقيق فعالية اإلنفاق العام كمطلب وهدف أساسي لكل اإلصالحات التي تتم في القطاع العام
التي تم مباشرتها في الدول الصناعية ثم تم تحويلها لدول العالم الثالث من قبل المؤسسات
المالية الدولية.
http://centre-mcd.uqam.ca/upload/files/Publications/documents-travail/document-
2004-02-pech-2.pdf
1
VIGNON, Jérôme, Leçons des réformes de l’action publique en Europe, dans : Etat et
gestion publique, Actes du colloque du 16décembre 1999, réalisé en PAO au Conseil
d’Analyses Economiques, La documentation française, Paris, 2000, p22.
2
Gilbert orsoni, op.cit, P 16.
160
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
لقد أفزرت التحوالت سالفة الذكر بفعل العولمة وتراجع دور الدولة وأزمة التسيير
العمومي المستند إلى شرعية قانونية فيبرية ومالية عامة متدخلة وفقا لإلطار النظري الكينزي
بداية من منتصف الربع األخير من القرن الماضي أزمة شرعية ومفاهيم على مستوى المالية
العامة.
تؤكد التطورات المعاصرة لألنظمة المالية العامة أن المالية العامة هي في طليعة عملية
تحول الدولة وربما التقاليد الديمقراطية ،حيث تتأرجح أشكال التنظيم بين نهجين :واحد سياسي
يستمد شرعيته من االقتراع العام ،واآلخر تسييري شرعيته تعتمد على فعالية الفعل ،أو العمل
أي على األداء ،هذا النهج الثاني نشأ عن االهتمام بالتحكم في اإلنفاق العام خالل األزمات
المتتالية في السنوات الخمس والثالثين الماضية وعرف توسعا مستم ار في سياق العولمة ،كما
شهد تقارًبا ملحوظا بين صناع القرار السياسيين والخبراء في رقابة التسيير المالي ال يمكن أن
يكون دون عواقب على التطور المستقبلي للديمقراطية البرلمانية.1
في نفس السياق يرى Michel Bouvierأن المفاهيم األساسية التي استندت إليها
المالية العامة والتي بدت حتى منتصف سبعينيات القرن الماضي بديهية فقدت معانيها،
موضوعا للجدل تحت تأثير
ً اضحا منذ عقود من المعاني المشتركة ،أصبح
بحيث أن ما كان و ً
مزدوج من التشكيك أو حتى االنهيار لألطر النظرية المعتادة في ظل التحول العميق للعالم
المعاصر ،وهكذا أصبحت هذه المفاهيم مثل" :التدخل العمومي" "المال العام" أو "اإلنفاق
يجيا،
العام" ،مثيرة للجدل " اليوم ،هنالك طريقة أخرى لفهم المالية العامة التي تم وضعها تدر ً
يبدو أنها تميزت بعمق بخاصيتين رئيسيتين ،هما :من ناحية تقييم المؤسسة أكثر تحديدا من
روح المشروع ،ومن ناحية أخرى االتجاه والرغبة في تقريب تشغيل القطاع العام من القطاع
الخاص من أجل ضمان تحكم أفضل في اإلنفاق العام".2
وعليه تشهد المفاهيم المالية العامة تحوال نحو تبنى المفاهيم األنجلوساكسونية للمناجمنت
العمومي المتسم بالدينامية والمرونة والقدرة على احتواء التحوالت في أبعاد متعددة ،تجعل
1
Michel bouvier, Les normes financières publiques internationales : quelle légitimité ?,
Sommaire, RFFP, n° 119 – 2012.
2
Michel bouvier, André Barilari, la nouvelle gouvernance financier de l’état, op.cit, p 17.
161
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
األسلوب الجديد لتدبير الشأن العمومي والخاص على السواء هو أسلوب مقاوالتي خصوصا
ما يتعلق بالجانب المالي لتجنب ثقافة التسيير اإلداري الذي يحيل على مستوى التأطير القانوني
للمالية ويتسم بالوصاية المشددة التي تحد من إجرائية واستقاللية المالية العامة فضال عن عدم
الفعالية والمردودية ،واالنتقال إلى ثقافة التدبير (المناجمنت) وبالتحديد التسيير على أساس
النتائج . 1
وهكذا فإن إصالح المالية العامة وبالتالي الدولة لم يعد ينطلق من منظور دوالتي ألنه
سيعتبر تجاهال لمتطلبات العولمة بل يتم في اإلطار الدولي ،حيث المؤسسات والهيئات
المست قلة تلعب دو ار هاما في صياغة المعايير ،وهو ما يطرح شرعية المؤسسات التي تنشئ
المعايير بالنظر للطفرة التي تشهدها عملية إنتاج المعايير المالية خارج المجال الدوالتي
والبرلمانات الوطنية.
لقد انعكس هذا التوجه نحو األداء والبحث عن الفعالية والنتائج على قواعد المالية
العامة الكالسيكية التي كانت مبادئها تتمثل في :الوحدة ،السنوية ،التوازن ،الشمولية إلى إدخال
مبادئ جديدة تتمثل في :األداء ،الشفافية ،المساءلة ،النتائج ،وهو ما تمت ترجمته من خالل
قواعد الميزانية العامة للدول عبر اعتماد مفهوم حكامة الميزانية العامة للدولة عبر قواعد جديدة
تتمثل في البرمجة متعددة السنوات ،شمولية االعتمادات ،الالتمركز الميزانياتي ،التدقيق في
نجاعة األداء ،غير أن هذه المعايير والقواعد المتعارف عليها في الدول الديمقراطية ال تشكل
نموذجا موحدا لتسيير المالية العامة ،بحيث يختلف االهتمام بمعيار دون اآلخر من دولة
2
ألخرى.
يعتبر تسيير المال العام ذا أهمية كبرى في خلق عالقة ثقة متبادلة وتوافق بين الحكومة
والمواطنين ،وتستند هذه العالقة على مبدأ أن النفقات ليست سوى وسيلة إلعادة توزيع الموارد
1مصطفى الكباص ،نحو تدبير جديد للمالية العمومية ،على ضوء قانون 130.13المتعلق بالقانون التنظيمي للمالية ،المجلة
المغربية للتدقيق والتنمية ،المغرب ،العدد ،2016 ،43ص.24
2
Lan Lienert, existe-t-il un modèle standard de gestion publique ?, dans : réformes des
finances publique démocratie et bonne gouvernance, a actes de IVe université de printemps
des Finances publiques, L.G.D.J, 2004, pp, 116,117.
162
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
الوطنية ،وبالتالي تطورت مبادئ تسيير المالية العامة مع تطور مفهوم الدولة ودورها في هذا
المجال ،حيث أنه بداية من الربع األخير للقرن الماضي تعالت المطالبات بفعالية الدولة،
وفعالية المنظمات العامة على وجه التحديد ،وهو السياق الذي تم فيه كذلك البحث عن تسيير
فعال للمالية العامة ،إ ذ طرح مفهوم الحكامة العامة وفي الصلب منها الحكامة المالية العامة
التي تعتبر مكونا أساسيا لها ،ال توجد دولة في العالم تسعى ألن تكون لها سلطة ذات مصداقية
بدون أن يتوفر لها نظام لمالية عامة يتمتع بفعالية وكفاءة .
نتحدث هنا عن أنظمة تسيير المالية العامة" ألن المالية العامة يجب النظر إليها
العام" . باعتبارها نظاما وليست مجرد فرع من فروع القانون
1
يرجع االنتشار الواسع لمفهوم الحكامة إلى استعماله من طرف المؤسسات المالية
واالقتصادية الدولية كمعيار لتقييم أنظمة ا لحكامة في البلدان النامية أو الفقيرة المتلقية
للمساعدات من المؤسسات الدولية والبلدان الصناعية ،حيث يتم وضع شروط يقع على عاتق
الدول الراغبة في الحصول على المعونة االلتزام بها ،في هذا اإلطار ربط تعريف البنك الدولي
بين المساعدات التي يقدمها وتسيير التنمية من خالل الحكامة الجيدة ،كما يقوم تصور صندوق
النقد الدولي على مفهوم التسيير الجيد للتنمية في البلدان النامية ويقصد به التسيير المرتكز
على الخيار االقتصادي النيوليبرالي.
1
Augustin De Romanet, Vers la bonne gouvernance financière dans le monde : approche
comparée des reformes, dans Michel BOUVIER : La bonne gouvernance des finances
publiques dans le monde, actes de la IVe Université de printemps de Finances Publiques,
Paris : L.G.D.J, 2009, p63.
163
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
اإلنفاق على المدى المتوسط ،والصفقات العمومية ،التدقيق الداخلي والخارجي ،وأخي ار المراقبة
والتقييم ،وهو مهتم ً
أيضا بمؤسسات التدقيق بما في ذلك اللجان المالية للبرلمان والهيئات العليا
للرقابة".1
وقد تم تجسيد هذه األهمية التي يوليها البنك الدولي لحكامة المالية العامة من خالل
تطور أدوات التشخيص والتحليل والدعم التقني المالي وغير المالي ،وكذا مشاركتها في صياغة
عدد من المعايير والمواثيق المتعلقة بتسيير أنظمة المالية العامة ،كما قدم البنك الدولي ما
يعتبره القواعد الذهبية في مجال الممارسات المالية الجيدة التي تعد خطوطا إرشادية نحو
تحقيق إدارة أفضل للميزانيات العامة من خالل "وجود نظام فعال وشفاف لالتصال والتواصل،
جنبا إلى جنب مع وجود مؤسسات رقابة أقوى ،حيث الشفافية تعتبر الخطوة األولى على
طريق المساءلة ".2
يعتبر صندوق النقد ال دول بأن التسيير الجيد للمالية العامة يشكل أحد العناصر
األساسية لتحقيق الحكامة الجيدة ،وقد بدأ اهتمامه بالموضوع بداية من سنة 1990ويركز
على تشجيع الحكامة السليمة ومكافحة الفساد.3
يضع الصندوق لتقديم مساعداته شرطية تتعلق أساسا بضرورة اتخاذ تدابير لتعزيز
الحكامة من خالل التأكيد على الشروط الهيكلية التي تصاحب البرامج المدعمة من الصندوق
و تشمل " تحسين مراقبة اإلنفاق من المالية العامة ،نشر الحسابات المدققة للهيئات الحكومية
ومؤسسات الدولة ،وترشيد إدارة اإليرادات والحد من الممارسات االستنسابية في سياقها ،زيادة
1
Catherine Laurent, les standards internationaux de la bonne gouvernance selon la Banque
Mondiale, Actes de la IVe université de printemps des Finances publiques, L.G.D.J, Lextenso,
2009, p17.
البنك الدولي ،مبادرة إيصال أصوات مواطني منطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا ،المنتدى األول :التبادل ،المالية العامة 2
164
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
شفافي ة في إدارة الموارد الطبيعية ،ونشر حسابات البنوك المدققة ،وتحسين إنفاذ الرقابة
المصرفية".1
يساهم الصندوق بالشراكة مع باقي الهيئات المالية الدولية في عدد من المبادرات الرامية
إلى تحسين تسيير المالية العامة وتحقيق الحكامة المالية خاصة التي ترتبط ارتباطا وثيقا
بأنشطة الرقابة واإلقراض والمساعدة الفنية ،كما ينصب تركيزه على تحسين المساءلة عن
طريق زيادة الشفافية.
تعد المنظمة سباقة في االهتمام بتحسين تسيير المالية العامة ،عبر تحديد عدد من
المبادئ المتوافق عليها في مجاالت مختلفة ،يرتبط البعض منها مباشرة بقطاع الميزانية العامة،
وهي مجموعة من الممارسات الجيدة فيما يتعلق بشفافية الميزانية المنشور في سلسلة من
الوثائق المعدة من قبل لجنة التسيير العمومي فصارت فيما بعد تسمى لجنة الحكامة العمومية،
وعكفت على إعدادها لجنة من كبار مسؤولي الميزانية بالدول األعضاء والخبراء المختصين
في المجال بداية من سنة .21980
تعرف الحكامة المالية بأنها " جميع العمليات والقوانين والهياكل والمؤسسات القائمة
لضمان تحقيق نظام الميزانية ألهدافه بطريقة فعالة ومستدامة " ،3حكامة المالية العامة وفق
منظمة التعاون وا لتنمية االقتصادية تستمد من الممارسات الجيدة في مجال شفافية الميزانية،
والمبادئ العشرة للحكامة المالية الواردة بتوصية مجلس المنظمة لعام ،2015والممارسات
الجيدة في مجال تعزيز مفهوم النزاهة في الصفقات العمومية ،وكذا إصالح اإلدارة العامة،
1صندوق النقد الدولي ،صحيفة الوقائع ،الصندوق والحكومة السليمة ،مارس .2016لالطالع على صحيفة الوقائع على
الرابط الرسمي لصندوق النقد الدولي http://www.imf.org/external/np/exr/facts/fiscal.htmتاريخ االطالع:
.07/09/2018
2
François-Roger Cazala, structure et procédures pour le renforcement de la discipline et de
la responsabilité financière, Actes de la IVe université de printemps des Finances publiques,
L.G.D.J, Lextenso, 2009, p33.
OCDE, recommandation du conseil sur la gouvernance budgétaire, gouvernance publique et
3
165
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
حيث ساهمت المنظمة في تقديم عدد من المعايير والمواثيق التي تعد مرجعية لتسيير المالية
العامة وتجسيد الحكامة المالية العامة.
تعد المبادرة اإلفريقية المنسقة إلصالح الميزانية هيئة دولية مهتمة بقضايا تسيير المالية
العامة بدأت عملها كشبكة غير حكومية ،ثم تحولت إلى هيئة بموجب اتفاقية موقعة في نيروبي
بكيينا شهر نوفمبر 2005من قبل 11دولة إفريقية تضم كبار مسؤولي المالية بها ،تعقد
ندوات ومؤتمرات تهتم بموضوع تحسين تسيير أنظمة المالية العامة.
عرفت المبادرة " الحكامة المالية الجيدة بأنها الهدف الرئيسي ألنظمة الميزانية الحديثة،
والتي تتطلب :إنشاء مؤسسات سليمة تحكم تخصيص األموال وأنظمة لتنفيذ الميزانية وفقًا لمبدأ
الشرعية ،وأنظمة للمحاسبة المندمجة ،وأنظمة للمراجعة تضمن جودة معلومات األنظمة المالية،
من أجل ضمان رفاهية الدول يجب تسيير األموال العامة واألصول والخصوم المالية بشفافية
ومسؤولية ونزاهة".1
أنظر في هذا الموقع الرسمي للمبادرة على الرابط https://www.cabri-sbo.org/fr/pages/members :تاريخ 1
االطالع.15/05/2019 :
* Michel Bouvierهو بروفيسور بجامعة السربون الفرنسية ،مختص بالمالية العامة ،له عدة أبحاث في المالية العامة 2
والدارسات المتعلقة بالحكامة المالية ،عضو مؤسس للمجموعة األوربية لألبحاث في المالية العامة ،رئيس الجمعية الدولية
166
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
المالية العامة " تتصرف بعمق من خالل العمل على إعادة تشكيل الدولة الديمقراطية البرلمانية،
فهي تشير إلى تنظيم وتوزيع السلطات بين السياسيين والمسيرين ،وفي قلب إصالح المالية
العامة وصميم إصالح الدولة ...تتشكل عالقة أخرى بين الدولة والمواطن تعكس ميالد عقد
اجتماعي جديد ".
يرى Nicaise Medeرئيس مركز أبحاث اإلدارة والمالية بكوتنو بالبنين ،المختص
في المالية العامة " أن مسألة جودة الحكامة العامة ،وبصورة أكثر دقة الحكامة المالية العامة،
أصبحت تشكل محور اهتمامات السياسات والمسيرين ،ومن وجهة النظر هذه يصبح اإلطار
الجديد المنسق للمالية العامة 1هو مصفوفة إلحياء القانون والتسيير المالي العمومي في خدمة
". الترقية االقتصادية والمالية للدول
ترى Alta Fölscherأنه يمكن أن " يتم تحقيق الحكامة المالية الجيدة عندما تؤدي
اإلجراءات إلى مرافق عامة ديناميكية ،من خالل اإلنفاق العام الذي يمكن الوصول إليه ،والذي
2
يكون شفافا وخاضعا للمساءلة ،ويمول أولويات الحكومة دون تبذير أو فساد "
ويعتقد محمد حركات* 3المختص بالمالية العامة والمهتم بدارسات الحكامة المالية والتدبير
االستراتيجي منذ ثالث عقود ،أن " الحكامة المالية الجيدة تمثل حقا الدعامة األساسية والمدخل
للمالية العامة ،مؤسس ورئيس المجلة الفرنسية للمالية العامة ،عضو في مرصد المالية المحلية والتسيير العمومي للجنة المالية
المحلية ،وعضو باللجنة االستشارية لتوجيه وتوحيد الحسابات العمومية.
1Michel Bouvier, Innovations, créations et transformations en Finances publiques, op.cit. pp3
,4.
1يتعلق باألمرية رقم 06/2009المتعلق باإلطار المنسق للمالية العامة لدول غرب أفريقيا والتي تضم كل بوركينافاسو ،البنين،
الطوغو ،ساحل العاج ،النيجر ،مالي ،السينغال.
Nicaise Mède, Réflexion sur le cadre harmonisé des finances publiques dans l'espace
UEMOA, revue électronique afrilex, 2ème numéro spécial finances publiques, 2012, p3. Sur
le site suivant : .http://afrilex.u-.
2
Alta Fölsche, bonne gouvernance dans la préparation et l’exécution du budget, 6 e séminaire
annuel de cabri, bonne gouvernance financière vers une budgétisation moderne, 18-19 Mai
2012, à Maurice, p14.
*3محمد حركات هو أستاذ الحكامة المالية العلوم االقتصادية ،رئيس المركز الدولي للدراسات والحكامة الشاملة بالمغرب،
رئيس المجلة المغربية للتدقيق والتنمية ،له عدة مؤلفات علمية في مجال الحكامة المالية والتدبير االستراتيجي ،االقتصاد،
المالية العامة.
.283 2محمد حركات ،االقتصاد السياسي والحكامة الشاملة ،مطبعة المعارف الجديدة ،2010 ،الرباط ،ص
167
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
الرئيسي في البلدان النامية للحكامة الشاملة المنشودة في شتى تجلياتها وتداعياتها ،باعتبار أن
التدبير األمثل للمال العام والخاص على السواء هو األداة األساسية التي تقوم عليها كل
استراتيجية طموحة تستهدف محاربة الرشوة وهدر األموال والتبذير والفساد بكل أشكاله ".
تشكل المالية العامة محور اهتمام الدول بالنظر لكونها المرأة العاكسة لحالة المجتمع
على المستوى االجتماعي االقتصادي والسياسي ،حيث توجد في قلب ميالد الدول ولكن أيضا
في تحوالتها المهمة ،كما تشكل محور اهتمام المؤسسات المالية الدولية باعتبارها أصبحت
حقيقة عالمية ،تشغل مسؤولي و صانعي السياسة الدوليين وكذلك صانعي السياسة الوطنيين
1
أو المحليين.
المطلب األول :مبادئ ومعايير الحكامة المالية من منظور المؤسسات المالية الدولية
في سياق تعزيز بنية النظام المالي الدولي يتم تطوير المعايير الدولية للممارسات الجيدة
في تسيير المالية العامة من قبل المؤسسات المالية الدولية والجهوية وكذا المتخصصة مثل :
صندوق النقد الدولي ( ، )FMIالبنك الدولي ( ،)WBMومنظمة التعاون والتنمية االقتصادية
( ) OCDEوبعض وكاالت التنمية المتخصصة ،لضمان شفافية النظم المالية العامة ،حيث
تستند حالة الشفافية في األنظمة المالية العامة إلى مبدأين أساسيين ،أوالً :تعزيز فعالية
السياسات المالية من خالل جعل أهدافها وأدواتها معروفة للجمهور واحترام السلطات اللتزاماتها
في هذا المجال ،ثانيا :يتطلب التسيير الجيد أن تكون الهيئات المالية خاضعة للمساءلة ،وفي
ما يلي سن عرض ألهم المؤسسات المالية الدولية المؤثرة في صياغة معايير الحكامة المالية
العامة ،والمالحظ أن جل هذه المعايير قد تمت صياغتها في إطار سياسات المشروطية التي
وضعتها المؤسسات المالية لتقديم مساعدات التنمية للدول النامية تحت مسمى " الحكامة
الجيدة "
Michel Bouvier, Réforme des finances publiques, démocratie et bonne gouvernance, actes
1
de IVe université de printemps des Finances publiques, L.G.D.J, Lextenso, Paris, 2009.
Avant-propos.
168
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
الفرع األول :معايير الحكامة المالية العامة وفق صندوق النقد الدولي
لقد أصبحت الحكامة الجيدة في مجال المالية العامة منذ التسعينيات أحد الجوانب
األساسية للحاكمة المالية الجيدة ،والتي كانت موضوع اهتمام متزايد من أجل تعزيز التسيير
االقتصادي والمالي في مواجهة األ زمات المالية ،التي عرفتها الدول خاصة منها التي تستفيد
من برامج مساعدات التنمية في إطار الشراكات بينها وبين صندوق النقد الدولي.1
حيث تم تجميع مبادئ الحكامة المالية العامة في وقت مبكر في أفريل 1998في
ميثاق الممارسات السليمة في مجال شفافية المالية العامة ،وقد أدى ذلك إلى الشروع في برنامج
طوعي إلجراءات تقييمات شفافية المالية العامة يسمي" بالوحدات النموذجية لشفافية المالية
العامة" ،ثم أصدر ميثاق الممارسات السليمة في مجال الشفافية السياسات المالية والنقدية في
سبتمبر 1999الذي يناظر ميثاق الممارسات السليمة في مجال شفافية المالية العامة .ليتم
تنقيحه بنسخة معدلة في 28فيفري ،2001وفي سنة 2007أصدر الصندوق دليل شفافية
المالية العامة ،حيث تم تعديل الميثاق لسنة 1998بالتعاون مع البنك الدولي في إطار تقييم
2
مبادرة المعايير المواثيق في مجال المالية العامة.
كما أصدر سنة 2005المرشد إلى شفافية الموارد والمعدل في سنة ،2007الذي
يطبق مبادئ الميثاق على مجموعة المشكالت المتفردة في البلدان التي تساهم مواردها النفطية
والمعدنية بنسبة كبيرة من اإليرادات ،يعمل الصندوق على تشجيع البلدان األعضاء على
إجراء تقييم لمدى شفافية المالية العامة (الذي كان يعرف باسم نموذج بيانات شفافية المالية
العامة ضمن تقارير مراعاة المعايير والمواثيق أو تقرير مراعاة المعايير والمواثيق في مجال
(. )RONC الشفافية المالية
3
1
Dominique bouley, op.cit., p15.
-2صندوق النقد الدولي ،النشرة المعممة رقم 05/106المؤرخة في 05/08/2005على الرابط:
https://www.imf.org/en/News/Articles/2015/09/28/04/53/pn05106
تاريخ االطالع.06/05/2019 :
3واعتبا ار من شهر مارس ،2013كان 93بلدا من جميع مناطق العالم وعلى مختلف مستويات التنمية االقتصادية قد نشر
تقارير مراعاة المعايير والمواثيق المالية في الصفة اإللكترونية للمعايير والمواثيق على موقع الصندوق اإللكتروني.
وآخر تعديل خضع له الميثاق كان سنة 2016ويركز على إجراء المزيد من التقييمات لشفافية المالية العامة على أساس
الميثاق ،كما يعمل على وضع دليل من جزئيين عن" شفافية المالية العامة" ويقدم إرشادات أكثر تفصيال حول تطبيق المبادئ
والممارسات في الميثاق والمرشد.
169
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
في إطار جهود المؤسسات المالية لتعزيز األنظمة المالية الدولية قام صندوق النقد
والبنك الدوليين بتحديد مجموعة من المعايير والمواثيق في اثنتي عشر مجاال مرتبطة بموضوع
شفافية المالية العامة ،1ومجموع هذه المبادئ تعتبر مكونا أساسيا للحكامة المالية الجيدة بعد
الناشئة . األزمة التي عرفتها األسواق
2
ترجع مبادئ هذا الميثاق إلى األعمال التي قامت بها نيوزيلندا في مجال المالية العامة،
حيث اعتمدت سنة 1994قانون الميزانية وشفافية المالية العامة ،حيث يشكل قانون المسؤولية
في المالية العامة تشريعا قياسيا موحدا يحدد المعايير القانونية لشفافية الميزانية العامة واإلبالغ
عن بياناتها ،هذا الميثاق تم تعديله سنة 2007بعد مشاورات مع المجتمع المدني ،الدول
3
األعضاء ،وكاالت التنمية ،المنظمات غير الحكومية الناشطة في المجال.
نالحظ أن التعديل الذي أدخل على الميثاق سنة 2007لم يحدث تغييرات على
التعريف األصلي لشفافية المالية العامة بحيث يعتبرها " إطالع الجمهور على الهيكل التنظيمي
صندوق النقد الدولي ،صحيفة الوقائع ،كيف يشجع الصندوق زيادة شفافية المالية العامة .لالطالع على صحيفة الوقائع
على الرابط الرسمي لصندوق النقد الدولي - http://www.imf.org/external/np/exr/facts/fiscal.htmتاريخ
االطالع.6/08/2019 :
1
Dominique bouley, op.cit., p16.
2األزمة التي عرفتها كل من :المكسيك ،1995-1994األزمة اآلسيوية في كل (إندونيسيا ،كوريا الجنوبية ،تايالند ،الفلبين)
سنة ،1998روسيا والب ارزيل سنة ،1998تركيا سنة ،2000األرجنتين سنة .2001
3
Dominique bouley, op.cit, p16.
170
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
للحكومة ووظائفها ،والتدابير المزمع تنفيذها على مستوي المالية العامة ،وحسابات القطاع
العام ،والتنبؤات المالية العامة ،مع سهولة الوصول للمعلومات الشاملة والموثوقة ".1
ولم تط أر تغييرات على ركائز الميثاق األربع وانما تمت إعادة ترتيب عرضها مراعاة
لتحسين التماسك العام للميثاق
المبادئ الكبرى للميثاق هي ":
-يجب أن تستوفي بيانات المالية العامة معايير جودة البيانات المتعارف عليها.
-ينبغي إخضاع أنشطة المالية العامة للرقابة الداخلية الفعالة وأن تتوفر لها الضمانات الوقائية.
1
International Monetary Fund, Kopits George, Jon Craig, transparency in government
operations, washington dc january 1998, occasional paper no. 158, p1.
171
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
1
-ينبغي إخضاع معلومات المالية العامة للفحص الخارجي".
يحاول الدليل تبسيط وشرح المبادئ التي أصبحت تسمى ركائز الميثاق بعد تعديل
2007توفير تغطية أوسع وأعمق لكل ممارسة من الممارسة السليمة فعادة ما تؤدي التحسينات
في تسيير الما لية العامة واإلدارة الضريبية إلى تحسين شفافية المالية العامة ،يتضمن الدليل
إشارات مرجعية وثيقة الصلة بهذه المسائل المهمة ،ويهدف لتقديم إرشادات وليس توصيات
بشأن الكيفيات التي تجعل األنشطة أكثر شفافية في عدد من المجاالت مثل :الشراكات بين
القطاعين العام والخاص ،الصناديق الممولة من خارج الميزانية ،قوانين المسؤولية عن المالية
العامة.2
تجد اإلشارة إلى أنه تمت مراجعة الدليل سنة 2007بمشاركة كل من األمم المتحدة،
والبنك الدولي ،االتحاد األوربي ،منظمة التجارة العالمية ،منظمة التعاون والتنمية االقتصادية،
للمحاسبين . مجلس معايير المحاسبة الدولية ،االتحاد الدولي
3
صندوق النقد الدولي ،ميثاق الممارسات السليمة في مجال شفافية المالية العامة ،2007ص ص 8 ،4على الرابط: 1
https://www.imf.org/external/np/fad/trans/ara/codea.pdf
االطالع. 09/09/2019: تاريخ
172
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
لالطالع على تقارير مراعاة االمتثال للمعايير والمواثيق في مجال المالية العامة .على الرابط التالي: 1
http://www.imf.org/external/np/rosc/rosc.asp?sort=topic#FiscalTransparency
تاريخ االطالع.07/08/2019 :
ويولي الصندوق أهمية لالمتثال المعايير والمواثيق في منحه للمساعدة التنمية ،كما تجدر اإلشارة إلى أن هنالك أدوات 2
أخرى يعتمد عليها الصندوق لتحسين شفافية للتقرير مراعاة المالية العامة منها دليل إحصاءات مالية الحكومة لعام ،2001
حيث تقتضي شفافية المالية العامة وجود نظام محاسبي شامل ومتكامل ،وال يمثل دليال محاسبيا أو معيا ار لإلبالغ المالي
ولكنه معيار لإلبالغ التحليلي ببيانات إحصاءات المالية العامة ،وقد تمت مراجعة الدليل لألخذ بعين االعتبار األهمية المتزايدة
لمفاهيم االستحقاق في المحاسبة الحكومية لكنه ال يشترطها على البلدان ،بالنظر لمرور جلها بمرحلة انتقالية من المحاسبة
النقدية إلى محاسبة االستحقاق أنظر في هذا :صندوق النقد الدولي ،دليل شفافية المالية العامة ،2007ص.87على
الرابط:تاريخ االطالعhttps://www.imf.org/external/np/fad/trans/ara/manuala.pdf 06/09/2019 :
3
Catherine Laurent, op.cit, p 23.
173
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
لم يقم البنك الدولي بتطوير وثائق محددة توضح المعايير المالية ،ومع ذلك فإنه يستخدم
استراتيجيات وأدوات التشخيص وأدوات الدعم المالية وغيـ ـ ــر المالية التي تؤثر بالضرورة على
األنظمة المالية العامة للدول ،ويساهم مع المؤسسات المالية الدولية األخرى في صياغة معايير
ومواثيق تتعلق بتسيير المالية العامة منها مساهمته في تعديل ميثاق الممارسات السليمة في
مجال شفافية المالية العامة ،وكذا تعديل الدليل المتعلق بشفافية المالية العامة لعام ،2007
1
القواعد المرجعية لميثاق شفافية المالية العامة
أوال-استراتيجيات البنك الدولي ترى Catherine Laurentالخبيرة بالبنك الدولي أنه يمكن
"-1989- : نميز في تعامل الب نك الدولي مع القضايا المؤسسية بين أربع فترات رئيسية
.32007-1997 ،1996-1990 ،21983
1
Catherine LAURENT, les standards internationaux de la bonne gouvernance selon la Banque
Mondiale, Actes de la IVe université de printemps des Finances publiques, L.G.D.J, Lextenso,
2009, p17.
2االنتظار خالل هذه الفترة حتى يتخطى البنك إنشاء المؤسسات الالزمة لتنفيذ المشروعات التي يمولها ،وأخي ار االعتراف
بوجود معين للتنمية المؤسسية كعنصر رئيسي في تنفيذ برامج التكيف الهيكلي أنظر في هذا:
Catherine Laurent, op.cit, p 55
1990-19963و :2007-1997خالل هذه الفترة ،بدأ البنك الدولي رسميا برنامجه للحكامة في القطاع العام وطرح مسألة
الفساد ،ويرجع هذا التغيير نهاية الحرب الباردة وموجة التحول الديمقراطي التي شجعت طرح المساءلة والالمركزية والشفافية
وسيادة القانون .لقد شعر البنك بحرية دمج هذه العناصر ،وبشكل أعم ،الحكامة الجيدة في حواره مع البلدان المتعاملة معه،
حتى في ظل ظروف اإلقراض ،وال سيما من خالل االستفادة من اختفاء الضغط لدعم األنظمة الفاسدة .وفي الفترة نفسها،
تضمنت مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون اشتراطا من المانحين بأن الموارد المتولدة عن إلغاء الديون يمكن تتبعها بدقة
لضمان إنفاقها فعال على تخفيف عبء الديون بغية الحد من الفقر في البلدان المتلقية.
تحديدا في عام 2000اقترح البنك على مجلس إدارته استراتيجية إلصالح المؤسسات العامة
ً وبشكل أكثر
وتعزيز الحكامة ،مما يمثل مرحلة جديدة من التدخل ،وكان الهدف من هذه االستراتيجية هو المساعدة في بناء قطاع عام
يتسم بالكفاءة والخضوع للمساءلة ،مع توفير المشورة في مجال السياسات ،حيث يجب على البنك العمل على تقوية المؤسسات
المحلية بدالً من تجاوزها ،كما ذكرت االستراتيجية أن أحد الدروس العظيمة في التسعينات هي " أن األهمية الحاسمة ألداء
للمؤسسات الجيدة وا لحكامة الجيدة من أجل تحقيق التنمية والحد من الفقر ،وعليه فإنه ال يمكننا أن نتوقع رؤية سياسات
واستثمارات جيدة في بيئة ال تعمل فيها المؤسسات بشكل جيد والحكامة سيئة" انظر في هذا ,The World Bank :
reforming public institutions and strengthening governance, a world bank strategy
november 2000, washington, d.c,p vi
174
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
وتركز استراتيجية البنك الدولي المقترحة سنة 2000على مشاركة المواطنين ،وقدرتهم
العامة . على التأثير الفعلي في سياسات الحكومة ،أي قدرتهم على مساءلة واضعي السياسيات
1
يعبر رئيس البنك الدولي Paul Wolfowitzعن مفهوم الحكامة بأنها تعني" في
األساس مزيج من المؤسسات الشفافة والخاضعة للمساءلة والمهارات والكفاءة القوية والرغبة
األساسية في فعل الشيء الصحيح ،تلك هي األشياء التي تمكن الحكومة من تقديم الخدمات
ألفرادها بكفاءة" ،2وقد تمت محاولة تجسيد هذا التصور في االستراتيجية الجديدة التي اعتمدها
المجلس في مارس .32007
وفي إطار مبادرة إيصال أصوات مواطني منطقة الشرق األوسط وشمال إفريقيا لسنة
، 2013والتي هي مبادرة إقليمية جديدة للبنك الدولي تهدف لتعزيز نظام اإلدارة العامة،
1
Banque mondiale, rapport sur le développement dans le monde 2004 : des services pour
les pauvres, 2004, Washington, C.c.p. xvi
2
The World Bank, strengthening World Bank group engagement on governance
anticorruption 2007, p1.on site:
http://www.worldbank.org/publicsector/anticorrupt/corecourse2007/GACMaster. Consulter
le :17/09/2019.
3تقوم على سبعة مبادئ ":
-1أن عمل البنك بشأن الحكامة ومكافحة الفساد جزء من اختصاصه في الحد من الفقر وليست غاية في حد ذاتها.
-2يجب أن تحدد االستراتيجية من قبل البلدان ،وتتحمل المسؤولية الرئيسة عن تحسين الحكامة فهي وحدها التي تملك
مفتاح إنجاح هذه االستراتيجية.
-3يلتزم البنك بمواصلة المشاركة في مكافحة الفقر في البلدان ذات الحكامة الضعيفة" ،لمنع الفقراء من الدفع مرتين".
-4تكييف البنك الستراتيجيته بحسب وضعية كل دولة ،وفقًا لظروف محددة حيث ال يوجد "مقاس واحد يناسب الجميع".
. 5المشاركة بشكل منهجي مع مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة من الحكومة وقطاع األعمال والمجتمع المدني من
أجل توسيع الممارسات الجيدة الحالية ،وتعزيز الشفافية والمشاركة ومراقبة الطرف الثالث في عملياتها.
.6تعزيز العمل مع الدول وانظمتها بدالً من تجاوزها ،فالمؤسسات الوطنية األفضل هي الحل األكثر فعالية لمواجهة
تحديات الحكامة والفساد ولتخفيف المخاطر االئتمانية لجميع األموال العامة.
.7التعاون مع باقي المانحين والمؤسسات الدولية والجهات الفاعلة األخرى على المستويين القطري والعالمي لضمان اتباع
نهج تشاركي وتنسيق قائم على االختصاص بحيث ال تعمل مجموعة البنك الدولي بمعزل عن باقي الشركاء " أنظر في
هذا:
The World Bank, strengthening World Bank group engagement on governance and
anticorruption2007.http://www1.worldbank.org/publicsector/anticorrupt/corecourse2007/GAC
.Master.pdf Consulter le: 19/04/2015
.
175
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
وال شفافية ،والمساءلة ،وممارسات اإلدارة المالية السليمة في كل من القطاعين العام والخاص،
تم التأكيد على أن تحقيق قدر أكبر من الشفافية في إدارة الميزانية ليس فقط مجرد مطلب عام،
ولكنه أيضا ضرورة للحكومات من أجل أداء أفضل ،وقد عقدت المبادرة منتداها السنوي األول
بعنوان "التبادل" في أبو ظبي سنة ، 2013وكان الغرض من هذا الحدث هو بدء محادثة بين
المهنيين في مجال اإلدارة المالية حول أفضل السبل لتعزيز الممارسات المالية الجيدة في بلدان
المنطقة ،وقد خلص المنتدى إلى التأكيد على":
-أهمية الشفافية في مجال المالية العامة- .دور المجتمع المدني ووسائل اإلعالم.
-شراكة بين القطاعين العام والخاص- .إرادة سياسية قوية من قبل الحكومات إلشراك
الجمهور.
وقد انبثقت عن المنتدى اثنتين من القواعد الذهبية تمثالن خطوطا إرشادية نحو تحقيق
إدارة أفضل للميزانيات العامة ،فهناك حاجة لوجود نظام فعال وشفاف لالتصال والتواصل،
جنبا إلى جنب مع وجود مؤسسات رقابة أقوى ،والشفافية في الواقع هي الخطوة األولى على
الطريق إلى المساءلة".1
ثانيا-أدوات التشخيص ووسائل الدعم المالي وغير المالي:
في مجال المالية العامة عرف البنك الدولي تطو ار مهما في عمله التحليلي المركز على
دراسات تسيير المالية العامة خاصة المتعلقة بتقييم تسيير مساعدات التنمية التي يقدمها البنك
للدول السائرة في طريق النمو.
-1تقارير مراجعات اإلنفاق العام ()EDP
يستخدم البنك تقارير مراجعات اإلنفاق العام ( )EDPبشكل مكثف ويشدد على ضرورة
معالجة العناصر األساسية لتسيير اإلنفاق العام بفعالية ،ويشمل إعداد تقارير الميزانية على
نحو يراعي الشمولية والشفافية ،ورصد اإلنفاق الفعلي ونتائجه بغرض تعزيز المساءلة وحساب
تكاليف سياسات القطاعات والسياسات الشاملة بغرض زيادة درجة شفافية أولويات الميزانية،
وتحسين مصداقيتها ،وكذا الربط بين خطة التنمية وعميلة إعداد الميزانية ،وهو يهتم عموما
بزيادة استخدام التحليالت في عملية اتخاذ الق اررات.
1البنك الدولي ،مبادرة إيصال أصوات مواطني منطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا ،المنتدى األول :التبادل ،المالية العامة
في العالم العربي :المساءلة تبدأ بالشفافية ،أبو ظبي.2013 ،
176
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
كما طور البنك أدوات لتحسين الشفافية والحد من الفساد اإلداري" مثل الدراسات
االستقصائية التي تتبع النفقات العامة ،أو المسوحات الكمية لتقديم الخدمات العامة .لقد أثبتت
PETSأنها أداة مفيدة لتحديد مشاكل اإلنفاق والتسيير المالي ،حتى لو كانت باهظة التكلفة
" . لتصبح أداة تحليل عادية
1
(- 2تقييم السياسات والمؤسسات القطرية :)CPIAيولى البنك الدولي أهمية بالغة لقياس
مؤشرات األداء المؤسسي للدول حيث يعتمد مؤشر تخصيص موارد المؤسسة الدولية للتنمية
( )IDAالتابعة للبنك الدولي على نتائج التقرير السنوي" تقييم السياسات والمؤسسات القطرية
تصنف معدالت األداء في البلدان الفقيرة منذ عام ،1980تستخدم المعدالت ( )CPIAالتي ّ
الواردة في هذه الدراسة لتخصيص المنح والقروض المعفية من الفوائد لتسع وثالثين بلداً إفريقياً
2
تستحق المساندة من المؤسسة الدولية للتنمية.
تركز المعايير على تحقيق التوازن بين تحديد العوامل الرئيسية التي تعزز النمو والحد
من الفقر ،وتظهر آخر التقارير تباينا وضاحا في أداء الدول ،فتسجل تراجعا في الشرق األوسط
وشمال إفريقيا ،وتحسنا نسبيا في دول إفريقيا جنوب الصحراء ،غير أنها تسجل ضعفا واضحا
في مجا ل المالية العامة فيما يتعلق بإدارة القطاع العام والتي تشمل حقوق الملكية ،واإلدارة
المالية . العامة ،والحكامة وفقاً للقواعد وكفاءة إدارة الميزانية والشؤون
3
1
Catherine laurent, op.cit, p 26.
Catherine laurent, op.cit, p 27.
2
institutions nationales en Afrique révèle des résultats mitigés sur fond de conflits et
d’instabilité, le 26 juin 2014. Sur le site suivant :
https://www.banquemondiale.org/fr/news/press-release/2014/06/26/latest-
assessment-african-policies-institutions-mixed-performance-conflict-instability-blunt-
.progress
.Consulter le : 12/05/2017
177
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
إنشاء مؤشرات اإلنفاق العام والمساءلة المالية 1PEFAمن قبل الجهات المانحة التي من بينها
البنك الدولي والتي تركز بالخصوص على تسيير المالية العامة وتمس أيضا اإلدارة الضريبية
والوظيفة العامة.
إطار عاما لتقييم نقاط القوى والضعف في
ا يوفر برنامج اإلنفاق العام والمساءلة المالية
تسيير المالية العامة ،ورفع التقارير الخاصة بذلك واإلبالغ عنها باستخدام مؤش ارت الشفافية
طار كميا لقياس األداء ،خضع برنامج اإلنفاق العام والمساءلة المالية
والمساءلة المالية وا ا
للتصميم من أجل توفير لمحة عن أداء تسيير المالية العامة في فترة زمنية محددة باستخدام
منهجية من الممكن محاكاتها في تقييمات الحقة بما يمكن من إعطاء موجز بالتغييرات على
مدار الوقت ،يتضمن إطار اإلنفاق العام والمساءلة المالية تقري ار يعرض نظرة عامةً عن نظام
تسيير المالية العامة يتم تقييمه على أساس األدلة مقابل 31مؤشر لألداء ،كما أنه يوفر تقييما
آلثار أداء النظام ككل ونتائج تسيير المالية العامة المرغوب فيها ،ويوفر األساس لتخطيط
2
اإلصالح وقيام الحوار بشأن االستراتيجية واألولويات ذات الصلة ورصد التقدم المحرز.
ويعتبر برنامج اإلنفاق العام والمساءلة المالية هو المعيار المعترف به للتقييمات الخاصة
بتسيير المالية العامة ،وتجدر اإلشارة إلى أنه منذ عام 2001قام البرنامج بإجراء ما يزيد عن
500تقرير تقييم لتسيير المالية العامة في 149دولة إلى غاية نهاية سنة .2015
أطلق صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون في عام 1996لضمان عدم مواجهة أي بلد 1
عبء ديون ال يستطيع إدارتها ،منذ ذلك الحين تعمل المؤسسات المالية بما في ذلك المؤسسات المتعددة األطراف والسلطات
الوطنية ،على رفع عبء الديون الخارجية على البلدان الفقيرة المثقلة بالديون إلى مستوى يمكن التعامل معه .وبموجب االتفاق
الدولي واسع النطاق على أهمية تسيير المالية العامة بدأ العمل في برنامج اإلنفاق العام والمساءلة المالية في عام 2001من
خالل سبعة عشر من الشركاء الدوليين المعنيين بالتنمية ،وهم المفوضية األوروبية ،وصندوق النقد الدولي ،والبنك الدولي،
وحكومات كل من فرنسا ،والنرويج ،وسويسرا ،والمملكة المتحدة ،وقد بدأ العمل ببرنامج اإلنفاق العام والمساءلة المالية
باعتباره وسيلة لتنسيق عملية تقييم تسيير المالية العامة فيما بين الهيئات الشريكة و تأسس لوضع منهجية موحدة وأداة مرجعية
العامة. للتقييمات التشخيصية تسيير المالية
2اإلنفاق العام والمساءلة المالية ،إطار تقييم المالية العامة :تحسين إدارة المالية العامة .تعزيز التنمية المستدامة ،األمانة
العامة لإلنفاق العامة والمساءلة المالية ،واشنطن دي سي ،20433الواليات المتحدة األمريكية ،2016 ،ص.5
178
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
ئيسا أو حتى
مكونا ر ً
التي مولها خالل الفترة الممتدة من 1999إلى غاية ،2006حيث تمثل ً
مهيمنا ،كما يمكن مالحظة أن حصة قروض سياسة التنمية لهذا القطاع قد ارتفعت من ٪31
ً
في 1999إلى ٪67بين عامي 2000و 2006؛ وخالل هذه الفترات نفسها فإن المبالغ
المخصصة لتسيير المالية العامة ارتفعت من 127مليون دوالر إلى 912مليون دوالر في
المتوسط السنوي بارتفاع من ٪0.6إلى ٪4.7من المبلغ مجموع ما تم إقراضه من قبل البنك
1
الدولي.
ارتباطات البنك الدولي لإلنشاء والتعمير حسب القطاع المالي وقطاع اإلدارة العامة للسنوات
2
. 2014/2018
جدول يبين ارتباطات المؤسسات المالية الدولية للتنمية حسب القطاعات) القطاع المالي واإلدارة
العامة 3(2014/2018بالمليون دوالر .
1
Catherine Laurent, op.cit, p 27.
المصدر :البنك الدولي ،التقرير السنوي لعام ،2018ص 82ارتباطات المؤسسة الدولية للتنمية حسب القطاع المالي 2
179
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
كما أنشأ البنك منحا للتطوير المؤسسي في عام 1993وهي مبالغ صغيرة لمدة ثالث
سنوات كحد أقصى ،يتم منح معظمها لحكامة القطاع العام بهدف تحسين تسيير المالية العامة
والشفافية . والحكامة
1
لقد ساهم البن ك الدولي من خالله عمله التحليلي في مجال المالية العامة في تحسين
تسيير المالية وصياغة معايير الحكامة المالية العامة ،لكن تقديمها وفرضها كنموذج لتسيير
المالية العامة خاصة في الدول السائرة في طرق النمو عرف عدة إشكاليات أسهمت في تعثر
اإلصالحات المفروضة ،2وتباي ن في نتائجها خاصة في مجال الحماية االجتماعية والصحة
والتعليم ،حيث تم تقليص دور الدولة بشكل كبير لفائدة دعم القطاع الخاص ،مما أثر سلبا
على تحقيق األهداف المرجوة من تطبيق الحكامة المالية العامة.
180
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
حيث أن المادة 21من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان تعترف بأهمية المشاركة
الشعبية في تسيير الشأن العام ،وتشير المادة 28منه إلى حق كل فرد في التمتع بنظام
اجتماعي دولي تحقق بمقتضاه الحقوق والحريات ،كم تم التأكيد على أهمية سيادة القانون
واقامة قضاء عادل في كل الدول ،وهو ما تم تأكيده في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية،
إذ تشكل الصكوك الدولية لحقوق اإلنسان قاعدة معيارية اللتزامات المحاسبة والمساءلة وسيادة
العامة . القانون التي تشكل مبادىء الحكامة المالية
2
كما تجدر اإلشارة إلى أنه من بين أهم الوثائق في األمم المتحدة التي تناولت آليات
الحكامة المالية نجد قرار لجنة حقوق اإلنسان رقم 2000/64الصادر في 26أفريل لسنة
2000جلسة رقم 66الذي ربط بين تحقيق الحكم السديد أي الحكامة الجيدة والبيئة المواتية
التي تؤدي إلى التمتع بحقوق اإلنسان ،موضحا أن الحكامة الجيدة " هي التي تتصف بالشفافية
3
،المسؤولية والمشاركة ،و تستجيب الحتياجات الشعب وتطلعاته".
1
Un-Ohrlss Et Undep, La Gouvernance pour l'avenir : démocratie et développement dans
les pays les moins avancées, p 3. Sur le site suivant :
http://www.undp-aciac.org/publications/other/undp/guides/policy-ldcreport-06f.pdf.
Consulter le : 22/08/2019.
2
Un-Ohrlss Et Undep, la gouvernance pour l'avenir : démocratie et développement dans les
pays les moins avancées, p 6 .sur le site suivant :
http://www.undp-aciac.org/publications/other/undp/guides/policy-ldcreport-06f.pdf.
Consulter le : 13/0/2019.
3هيئة األمم المتحدة ،مفوضية حقوق اإلنسان ،لجنة حقوق اإلنسان ،قرار رقم ،2000/64الصادر في 26أفريل لسنة
،2000جلسة رقم .66على الرابط:
https://www.ohchr.org/AR/Issues/Development/GoodGovernance/Pages/GoodGover
.nanceIndex.aspx
181
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
يشير هذا التعريف بوضوح إلى ثالثة أوجه للحكامة تأتي في مقدمتها الحكامة
االقتصادية التي تتضمن عمليات صنع القرار المؤثر على األنشطة االقتصادية للدولة بما فيها
الجانب المالي للدولة وعالقتها مع غيرها من الدول ،كما يربطها بقضايا العدالة والفقر على
اعتبار أن البرنامج يركز على البعد اإلنساني لعملية التنمية.
كما أن المعايير التسعة التي قدمها البرنامج للحكامة 3تمثل مبادئ أساسية تسهم في
تحقيق الحكامة المالية ،فال يمكن تصور تحقيق التنمية اإلنسانية في ظل غياب تسيير للمالية
العامة دون احتكامه لمعايير الشفافية والمشاركة ،حكم القانون ،المساواة ،الكفاءة والفعالية،
Consulter le : 23/09/2019
1
Jean-Pierre Gaudin, pourquoi la gouvernance ? Paris : presses de sciences po, « la
bibliothèque du citoyen », 2002, p137.
2
UNDP, " governance for sustainable human development: A UNDP policy document
(1997)".p2-3. On site :
http://mirror.undp.org/magnet/policy/chapter1.htm#c
أنظر في هذا :البرنامج اإلنمائي لألمم المتحدة ،الصندوق العربي لإلنماء االقتصادي واالجتماعي تقرير التنمية اإلنسانية 3
العربية للعام :2002خلف فرص لألجيال القادمة ،ايقونات للخدمات المطبعية ،عمان ،2002 ،ص .102
إعالن األلفية :اعتمدت مجموعه من 191بلداً إعالن األمم المتحدة بشأن األلفية خالل قمة األلفية التي انعقدت في الفترة من
6إلى 8سبتمبر ،2000مجددةً بذلك التزامها تجاه السالم واألمن ،وتجاه تعزيز الديمقراطية والحكامة الجيدة ،واحترام حقوق
اإلنسان والحريات األساسية المتفق عليها دولياً ،بما في ذلك الحق في التنمية ،أنظر في هذا الرابط:
تاريخ االطالع.15/09/2018 : https://www.un.org/millennium/declaration/ares552e.htm
182
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
المساءلة والرؤية االست ارتيجية ،وعليه فإن المعايير التي وضعها البرنامج للحكامة تشكل ذاتها
أهم المعايير التي تضمن تحقيق الحكامة المالية.
تمثل المبادرة بين الدول المتقدمة والدول النامية لخلق بيئة على المستوى الوطني
والدولي تسمح بتحقيق التنمية والتخلص من الفقر ،حيث جاء في نص المادة 13منها " إن
النجاح في تحقيق هذه األهداف يعتمد في جملة أمور على توافر الحكم الرشيد في كل بلد،
ويتوقف أيضا على وجود حكم سليم على الصعيد الدولي ،وعلى الشفافية في النظم المالية
والنقدية والتجارية ،ونحن ملتزمون بوجود نظام تجاري ومالي متعدد األطراف يتسم باالنفتاح
القانون" . واإلنصاف وعدم التمييز والقابلية للتنبؤ به ويرتكز على
1
حيث ربط نص المادة 13من اإلعالن تحقيق أهداف األلفية بمدى توفر الحكامة
الجيدة في كل بلد ومعاييرها المتمثلة في الشفافية في النظم المالية واإلنصاف والقابلية للتنبؤ
وسيادة القانون ،وكلها معايير تتعلق بتحقيق الحكامة المالية ،تجدر اإلشارة إلى أنه تمت إضافة
أهداف جديدة وفقا لنتائج مؤتمر القمة العالمي لعام 2005الذي يعتبر محطة رئيسية لعملية
المراجعة منذ انعقاد مؤتمر قمة األلفية ،حيث اتفقت الدول األعضاء على إطار عملي لما
ستضطلع به من أعمال على مدى عقد كامل ،و التزمت بإدماج األهداف العالمية في العمليات
المضطلع بها على المستوى القطري الذي تتخذ فيه الق اررات التنفيذية والمتعلقة بالميزانية على
التحديد . وجه
2
حيث تم التأكيد على أهمية الحكامة المالية ومعاييرها المتمثلة في الفعالية والشفافية في
بناء القدرات الوطنية ،واالستخدام األمثل للمساعدات اإلنمائية في إطار الشراكة الدولية من
أجل التنمية.
ثالثا-اتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الفساد
1األمم المتحدة ،إعالن األمم المتحدة بشأن األلفية ،قرار رقم ،55/02الدورة الخامسة والخمسون ،الصادر بتاريخ
،08/09/2000رقم الوثيقة A/RES/55/2
2إذ تمت اإلشارة في قرار الجمعية العامة رقم 60/1بخصوص الشراكة من أجل التنمية إلى" اإلدارة الفعالة للمالية العامة
بما يحقق ويوطد االستقرار في مجال االقتصاد الكلي والنمو الطويل األجل وبما يكفل االستخدام الفعال والشفاف لألموال
العامة ويضمن استخدام المساعدة اإلنمائية في بناء القدرات الوطنية االمم المتحدة ،مؤتمر القمة العالمي لسنة ،2005القرار
رقم ،60/1الدورة الستون ،الصادر في ،24/10/2005ص ،05رقم الوثيقة /A/RES/60على الرابط :
http://www.pseataskforce.org/uploads/tools/resolutionofthega2005worldsummitoutcomeares6
01_unga_arabic.pdfتاريخ االطالع.14/06/2017 :
183
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
منذ منتصف تسعينات القرن الماضي أصبح الفساد موضع اهتمام وقلق مشروعين من
قبل المجتمع الدولي بسب تأثيراته الكبيرة على حياة األفراد والدول ،والنتشاره الواسع في األوساط
المالية نتيجة العولمة والتطور المذهل لوسائل التكنولوجيا ،وفي محاولة للحد من هذا الخطر
طرحت هيئة األمم المتحدة اتفاقيتها لمكافحة الفساد في 31أكتوبر 2003في قرارها الصادر
تحت رقم ،58/04وقد دخلت حيز التنفيذ في ديسمبر ، 2005تعد أول صك ملزم قانونا
شامال لمجموعة من المعايير والتدابير والقواعد الملزمة لجميع األطراف المصادقة عليها ،وقد
بلغ عدد الدول الموقعة عليها إلى غاية اليوم 140دولة ،وتسعى هذه االتفاقية إلى" :
-ترويج وتيسير التدابير اإللزامية لمكافحة الفساد بصورة أكفأ وأنجع.
-ترويج وتيسير ودعم التعاون الدولي والمساعدة التقنية في مجال مكافحة الفساد ،بما في ذلك
استرداد الموجودات.
العمومية" . -تعزيز النزاهة والمساءلة واإلدارة السليمة للشؤون والممتلكات
1
تهدف هذه االتفاقية إلى ترسيخ سياسات فعالة منسقة لمكافحة الفساد ،وذلك من خالل
العمل على تعزيز مشاركة المجتمع المدني ،وتجسيد مبادئ سيادة القانون والتسيير الجيد
للممتلكات العمومية والنزاهة والشفافية والمساءلة ،وباستقراء نصوص المواد (،8 ،7 ، 6 ، 5
،)13 ،12 ،10نالحظ أن االتفاقية تولي أهمية لضرورة تفعيل آليات الحكامة المالية كأحد
متطلبات مكافحة الفساد ،حيث تركز على تبني وضع أطر سياسية قانونية من خالل إنشاء
هيئات مستقلة لمكافحة الفساد ،تعمل هذه الهيئات على إتاحة الفرصة للمجتمع المدني والقطاع
الخاص كفواعل رئيسية مشكلة لمنظومة الحكامة المالية الجيدة من المساهمة في الحد من
تفشي الفساد عبر آليات الرقابة ،الشفافية ،المساءلة ،النزاهة.
الفرع الثاني :معايير الحكامة المالية من منظور منظمة التعاون والتنمية االقتصادية
()OCDE
يرى " François-Roger Cazalaالمتصرف الرئيسي بمنظمة التعاون والتنمية
االقتصادية "أن معايير الحكامة المالية لمنظمة التعاون والتنمية االقتصادية غير موجودة تحت
هذا المسمى ،ولكن هنالك سلسلة ليست متجانسة كثي ار من المبادئ المتوافق عليها في مجاالت
1هيئة األمم المتحدة ،اتفاقية مكافحة الفساد ،قرار الجمعية العامة رقم 04-58المؤرخ في ،31/10/2003الدورة الثامنة
https://documents-dds- والخمسون ،وثيقة رقم ،A/RES/58/4ص .06على الرابط:
ny.un.org/doc/UNDOC/GEN/N03/453/13/PDF/N0345313.pdf?OpenElement
184
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
مختلفة ،التي يرتبط البعض منها مباشرة بقطاع الميزانية العامة ،وهي مجموعة من الممارسات
الجيدة فيما يتعلق بشفافية الميزانية المنشورة في سلسلة من الوثائق المعدة من قبل لجنة التسيير
" . العمومي التي صارت فيما بعد لجنة الحكامة العمومية (العامة)
1
كان ذلك إلى غاية سنة ،2009و المالحظ أن المنظمة قد أصدرت خالل سنة 2015
ما يعتبر أهم المبادئ في مجال الحكامة المالية الجيدة من خالل عمل قام به مجموعة من
الخبراء التابعين للمنظمة في الحكامة العامة بالتعاون مع خبراء دوليين ومنظمات دولية مهتمة
بالموضوع طيلة عقد من الزمن ،أسفر عن تقديم توصية تعرف بالمبادئ العشرة للحكامة المالية
و الميزانياتية ،توفر إرشادات واضحة لتطوير وتنفيذ وتحسين أنظمة الميزانية لمعالجة التحديات
المستقبلية بشكل عام ،وتهدف إلى توفير أداة مرجعية مفيدة لصانعي السياسات والممارسين
المشاركين في عملية وضع الميزانية ،والمساعدة في ضمان تخطيط الموارد العامة وادارتها
المواطنين . واستخدامها بحكمة لتحسين حياة
2
حكامة المالية العامة وفق منظمة التعاون والتنمية االقتصادية تستمد من الممارسات
الجيدة في مجال شفافية الميزانية ،والمبادئ العشرة للحكامة المالية الواردة بتوصية مجلس
المنظمة لعام ،2015والممارسات الجيدة في مجال تعزيز مفهوم النزاهة في الصفقات
العمومية ،وكذا إصالح اإلدارة العامة.
انطالقا من قناعة المنظمة بأهمية العالقة الموجودة بين الحكامة الجيدة وتحقيق أفضل
النتائج االقتصادية واالجتماعية ،وبالنظر لكون الشفافية تعد العنصر األساسي في تجسيد
الحكامة المالية ،صاغت المنظمة المبادئ التوجيهية لشفافية الميزانية التي تعد أكثر الوثائق
تطو ار وعالقة بمجال تسيير المالية العامة.
الممارسات الجيدة لشفافية الميزانية مقال تم نشره سنة 2002عبر مجلة التسيير
الميزانياتي التابعة لمنظمة التعاون والتنمية االقتصادية ،وصارت تعد مرجعا للدول األعضاء
في المنظمة في قيادة عملية الميزانية ،ويشمل عدة مراحل من إعداد األهداف إلى غاية تقديم
1
François-Roger Cazala, op.cit., p33
2
OCDE, recommandation du conseil sur la gouvernance budgétaire, gouvernance publique et
développement territoriale, Éditions OCDE, 2015.
185
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
الحساب ،حيث عرفت الشفافية بأنها" إتاحة المعلومات المتعلقة بالميزانية للجمهور في زمن
" . مناسب بجودة مرتفعة وميسرة
1
1
OCDE, « Transparence budgétaire – les meilleures pratiques de l’OCDE », Revue de
l’OCDE sur la gestion budgétaire, Vol. 1, n°3.2002, p7.
Carlos Santiso, op.cit., p469.
2
3رضوان بروسي ،الرقابة البرلمانية والحكامة المالية في الجزائر ،مرجع سابق ،ص .4
4
OCDE, recommandation du conseil sur la gouvernance budgétaire, gouvernance publique et
développement territoriale, Éditions OCDE, 2015, p142.
186
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
بعد مرور عقد على تقديمها لوثيقتها المهمة في مجال تسيير المالية العامة المسماة "
الممارسات الجيدة لشفافية الميزانية" ،وبالنظر ألهمية المالية العامة في حياة األفراد والمجتمعات
والدول ،طورت المنظمة تصورها حول الموضوع استنادا لتجربتها والتعاون مع باقي الشركاء
في المجال ،حيث أصدرت توصية تتضمن عشرة مبادئ للحكامة المالية الجيدة لضمان نجاعة
وفعالية تسيير المالية العامة قائمة على تبني الشفافية والنزاهة واالنفتاح والمشاركة والمساءلة
والنهج االستراتيجي في التخطيط لتحقيق األهداف الوطنية ،إذ عرفت حكامة الميزانية بأنها "
" جميع العمليات والقوانين والهياكل والمؤسسات القائمة لضمان تحقيق نظام الميزانية ألهدافه
بطريقة فعالة ومستدامة ". 1
تتفرع عن كل مبدأ من هذه المبادئ العشرة عدة عناصر تحدد كيفية الوصول إلى
تطبيقه من أجل تحقيق الحكامة المالية العامة ،يعتبر Joseph Whiteأنه من المحتمل أن
يكون لهذه المبادئ تأثير في أنحاء العالم فهي نتاج عمل خبراء في المجال وتجارب عرفتها
الدول األعضاء في المنظمة خالل العقدين الماضيين ،ومع ذلك" فإن فهمها الضمني ألهداف
عمليات الميزانية يعاني من نقاط ضعف كسياسة وتحليل لسياسات ...على الرغم من أن
عقودا بين المواطنين والدولة ،وفي نظام تمثيلي ينظر إليها بشكل
ً الميزانيات يمكن اعتبارها
وتتمثل هذه المبادئ العشرة للحكامة المالية والميزانياتية فيما يلي": 1
-1يجب تسيير الميزانيات ضمن حدود واضحة وموثوقة ويمكن التنبؤ بها للسياسة المالية.
-2يجب أن تكون الميزانيات متوافقة بشكل وثيق مع األولويات االستراتيجية المتوسطة المدى للحكومة
-3ينبغي تصميم إطار الميزانية الرأسمالية لتلبية االحتياجات اإلنمائية الوطنية بطريقة فعالة ومتماسكة.
-4يجب أن تكون وثائق الميزانية وبياناتها مفتوحة وشفافة ويمكن الوصول إليها.
-5يجب أن يكون النقاش حول خيارات الميزانية شامالً وتشاركياً وواقعياً.
حسابا شامالً ودقيقًا وموثوقًا لألموال العامة.
ً -6يجب أن تقدم الميزانيات
-7يجب أن يتم تخطيط الميزانية وتنفيذها ومراقبتها بشكل نشط.
-8يجب أن يكون األداء والتقييم واالستعمال األمثل للموارد جزءا ال يتج أز من عملية الميزانية.
– 9يجب تحديد االستدامة الطويلة األجل والمخاطر المالية األخرى وتقييمها وادارتها بحذر.
-10يجب تعزيز سالمة وجودة توقعات الميزانية والخطط المالية ،وتنفيذ الميزانية من خالل ضمان رقابة صارمة
للجودة ،بما في ذلك التدقيق المستقل للحسابات ".لمزيد من التفاصيل أنظر في هذا:
OCDE, Recommandation du conseil sur la gouvernance budgétaire, gouvernance
.publique et développement territoriale, Éditions OCDE, 2015, pp3, 9
187
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
أفضل على أنها معاهدات بين المواطنين يتم التفاوض بشأنها من خالل السياسة ،في حين أن
السياسي" . التوصية بالكاد تعترف بوجود تحديات للصراع
1
كما اهتمت المنظمة بمجال الصفقات العمومية والمشتريات العامة باعتبارها أصبحت
تشكل على نحو متزايد أداة للسياسة العامة ورافعة لدفع التغيير االقتصادي واالجتماعي والبيئي
على نطاق واسع ،وهذا من خالل التأكيد على أهمية النزاهة في الصفقات العمومية.
خالل المنتدى العالمي الذي عقدته المنظمة خالل سنة 2004حول الحكامة ومكافحة
الفساد وتعزيز النزاهة في الصفقات العمومية توصل المشاركون إلى أن غياب الشفافية
والمساءلة يشكل أكبر خطر يهدد نزاهة الصفقات العمومية ،انطالقا من هذه الفرضية قامت
المنظمة بإجراء دراسة في بعض الدول األعضاء لتحديد مواطن القوة والضعف والخروج
بتوصيات تمكن من تحقيق الفعالية والنجاعة في التسيير العمومي والتي تستند إلى مفهوم
الحكامة ،حيث خلصت الدراسة لتحديد قائمة بالممارسات الجيدة ،وبعبارة أخرى التدابير التي
أثبتت فعاليتها في تعزيز النزاهة في الصفقات العامة ،وال سيما اإلجراءات التالية":
-1وضع أداة تقييم مشتركة ألنظمة الصفقات العامة بواسطة فريق العمل التابع للجنة مساعدات
التنمية ( )DACوالمعني بفعالية المعونة وممارساتها (.)GT EFF
-2تحليل الفساد في الصفقات العامة من قبل الفريق العامل المعني بالرشوة في المعامالت
2
التجارية الدولية.
برمج دعم تحسين المؤسسات العامة ونظم اإلدارة في دول أوروبا الوسطى والشرقية
-3دراسة ا
من خالل برنامج سيجما (.3")SIGMA
OECD, Joseph White, what are budgeting’s purposes? comments on OECD’s principles of
1
2007, P3.
3سيجما هي برنامج دعم وتطوير الحكامة واإلدارة في دول وسط وشرق أوربا ،وهو مبادرة مشتركة بين منظمة التعاون والتنمية
االقتصادية واالتحاد األوروبي بدعم اإلدارة العامة في جهودها اإلصالحية في ثالثة عشر دولة.
للتفاصيل أنظر الرابط التالي http://www.sigmaweb.org :تاريخ االطال.2018/05/03
188
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
هذا اإلطار للتسيير النزيه في مجال الصفقات العمومية يرتبط بتوفر أربعة ركائز تتفرع
عنها مبادئ هي – ":الشفافية- ،تسيير جيد -منع سوء السلوك واالمتثال والرصد- ،المساءلة
1
والرقابة
لقد كانت منظمة التعاون والتنمية االقتصادية رائدة في إدراك أهمية حكامة الصفقات
العمومية بحيث عمدت إلرساء أربعة أركان وهي :الشفافية وجودة التسيير ومنع سوء السلوك
والمساءلة والرقابة لتعزيز النزاهة في الصفقات العمومية ،وكان الهدف العام هو دعم جهود
النزاهة من خالل مشاركة المجتمع المدني والقطاع الخاص في تحقيق التسيير الفعال للصفقات
2
العمومية ،باعتبار أن الصفقات العمومية تمثل أحد أهم آليات صرف المال العام.
تتفرع هذه الركائز إلى -توفير درجة كافية من الشفافية في جميع مراحل الصفقات العمومية لضمان معاملة عادلة 1
المحلي اإلجمالي لبلدان منظمة التنمية والتعاون االقتصادي ،مما يجعله نشاطا اقتصاديا مهما للحكومة ومجاال يكون تأثير
الفساد فيه كبير على أموال دافعي الضرائب ،أنظر في هذاÉditions OCDE, 2007, P10 OCDE, L’intégrité :
Dans les marchés publics, la bonne pratique d'A À
189
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
في هذا السياق تم تناول إطار اإلنفاق متوسط المدى ( )CDMTالذي يسمح لإلدارة
سنويا فقط ،حيث يشمل جميع نفقاتها ً العمومية باعتماد منظور مالي متوسط األجل وليس
مهما كانت طبيعتها ،وال يمثل جداول أرقام بسيطة بل يشتمل على تحليل للسياسات الميزانياتية،
إذ يهدف هذا اإلطار إلى تعزيز األداء المالي والتخفيف من تقلبات الميزانية من خالل زيادة
الكفاءة الفنية وتحقيق أداء إجمالي أفضل لنظام تسير المالية العامة.2
أطر ميزانية ونفقات
ومن أجل تحسين االنضباط المالي ،اعتمدت العديد من البلدان ا
متوسطة األجل تشير إلى التوجهات السياسية وتغييرات الميزانية ،وتمنح الفاعلين الوقت
للتكيف ،كما أنها تسهل تحديد المساحة المالية التي يمكن تخصيصها للتدابير الجديدة أو
الحالية ،تعتمد جل بلدان المنظمة إطار إنفاق متوسط لمدة أربع سنوات باستثناء أربعة دول،
في حين هنالك بعض الدول تضع سقوف إنفاق إضافية حسب القطاع مثل :إيطاليا ألمانيا
والنمسا ،وتختلف أهمية هذه األطر من دولة ألخرى بحسب اإلطار القانوني الناظم لها ،وتقترح
المنظمة " لكي تكون أطر اإلنفاق متوسطة المدى فعالة ،يجب إنشاء آليات للمتابعة والتنفيذ
تكون فيها السلطة التنفيذية مسؤولة أمام البرلمان أو مؤسسة مالية مستقلة عن مدى احترامها
.
3
لهذه األطر"
1
OCDE, Panorama des administrations publiques 2009, Éditions OCDE.
OCDE, Panorama des administrations publiques 2009, Éditions OCDE, p96.
2
190
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
ولتقييم أداء هذه األطر تم وضع مؤشر مركب بين 10متغيرات تتعلق بدمج منظور
متوسط األجل في عملية الميزانية ،وعدد السنوات التي تغطيها التقديرات ،وفئات اإلنفاق في
أطر اإلنفاق على المدى المتوسط ،وامكانية ترحيل األموال غير المستخدمة واجراءات المتابعة
على أساس سنوي ،تجدر اإلشارة إلى أن المؤشر ال يقصد به قياس الجودة الكلية لألطر فهو
ذو طبيعة وصفية ،مع ذلك" فإن تأثير هذا المنظور المتوسط األجل يعتمد في نهاية المطاف
على مصداقية التقديرات وأسقف اإلنفاق وكذلك على الطريقة التي يتم بها استخدام هذه
غالبا ما يكون عدم تحقيق
المعلومات من قبل صانعي السياسات والمجتمع المدني ،حيث ً
أهداف الميزانية متوسطة األجل بسبب أوجه القصور في وضع أهداف الميزانية ،وصياغتها
في النصوص وتنفيذها".1
كما اعتمدت المنظمة على تصنيف وظائف اإلدارة العمومية CFAPمن أجل إجراء
مقارنة دولية لنفقات اإلدارات العمومية ،حيث يتم تصنيف نفقات اإلدارات العمومية إلى
مستويين المستوى CFAP 1بيانات اإلنفاق إلى 10مجموعات إنفاق "وظيفية" أو قطاعات
فرعية (مثل الدفاع أو التع ليم أو التدريب ،الحماية االجتماعية) ،ويقسم المستوى CFAP 2
كل مجموعة من المستوى 1إلى 9مجموعات فرعية بحد أقصى ،تتوفر بيانات المستوى 1
في 32من الدول األعضاء في منظمة التعاون والتنمية االقتصادية البالغ عددها 34دولة،
ولكن بالنسبة للمستوى 2تتوفر البيانات حا ًليا فقط في 21دولة عضو في االتحاد األوروبي،
باإلضافة إلى اليابان.2
تظهر أهمية هذا التصنيف في كونه يسهل إجراء التحليالت التي تظهر مدى كفاية
المخصصات التي ترصدها الدولة لمختلف الخدمات الحكومية ،وما إذا كانت هذه المبالغ قد
تم إنفاقها بكفاءة وحققت األغراض التي حددت لها والنتائج المرجوة منها ،كما يسمح تحليل
نشاطات الدولة وبرامجها المختلفة والتغيرات التي تط أر عليها من سنة ألخرى بشكل يساعد
على إظهار المعلومات في الميزانية العامة موزعة على الخدمات العامة ،وبالتالي يظهر نصيب
كل وظيفة من النفقات العامة ،كل هذا يتيح إجراء عملية المقارنة الدولية والوصول إلى اختيار
أنسب الطرق إلنفاق المال العام.
Ibid, p100.
1
191
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
اللجوء إلى هذا التصنيف لالستفادة منه في قياس األداء بزيادة الفعالية والكفاءة في
اإلدارة العمومية ويعكسه تبني نظام الميزانية الموجهة بالنتائج "،حيث تعمل الحكومات بشكل
متزايد على دمج معلومات األداء في عمليات الميزانية بهدف تجسيد الحكامة وتحقيق نتائج
أفضل ،واالستعمال األمثل لإلنفاق العام وجعل ق ارراته أكثر شفافية ،إذ تساهم معلومات
األداء الجيد في اتخاذ ق اررات أفضل بشأن استخدام الموارد وادارة البرامج ،وتؤدي الشفافية
المت ازيدة حول األداء وتخصيص الموارد إلى جعل الهيئات العامة أكثر مسؤولية عن إنفاقها،
وفي هذا تمارس العديد من بلدان منظمة التعاون والتنمية االقتصادية الميزانية القائمة على
األداء ،ولكن األساليب المستخدمة مختلفة للغاية ،وال يوجد إجماع على النظام األمثل الذي
.
1
يجب تطبيقه"
الفرع الثالث :معايير الحكامة المالية من منظور المبادرة العالمية لشفافية المالية العامة
شكل مفهوم الحكامة إطا ار تفاعليا ظهرت فيه أهمية الفواعل غير الدوالتية خاصة
المنظمات غير الحكومية التي أصبح لها تأثير يفوق تأثير الدول ،كما لعب مفهوم الشراكات
دو ار في تجسيد هذا التحول من خالل المبادرات التي ظهرت في إطار التفاعل بين المؤسسات
المالية الدولية والمنظمات الحكومية وغير الحكومية خاصة في مجال الحكامة المالية.
توفر العديد من المنظمات الدولية معايير رسمية بشأن الميزانية والشفافية المالية ،وهناك
مجموعة من الهيئات األخرى غير الحكومية أو القائمة على الشراكات بين مختلف هذه الهيئات
ومنظمات المجتمع المدني ،التي توفر معلومات وارشادات إضافية ،بحيث يشترك الجميع في
هدف واحد يتمثل في تعزيز مستويات أعلى من الشفافية في الشؤون المالية للحكومة والهيئات
العامة.2
تجسد المبادرة العالمية لشفافية المالية العامة واحدة من هذه المبادرات الهامة التي تم
أنشاؤها سنة 2011كشبكة عمل للفاعلين المهتمين بتعزيز الشفافية المالية والمشاركة
والمساءلة في جميع أنحاء العالم ،والمؤسسين األساسيين لـها هم البنك وصندوق النقد الدوليين
وشراكة الميزانية الدولية ( )IBPووزيري المالية في حكومتي الب ارزيل والفلبين ،وانضم االتحاد
1
Ibid, P104.
2
OCDE, budget transparency toolkit, editions OCDE, 2017, p15.on site:
.http://www.fiscaltransparency.net/about/.Consulter Le : 14/12/2018.
192
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
الدولي للمحاسبين ( )IFACلهذه المبادرة الحقًا عام ،2014كما أن هناك 24من المنظمات
الرسمية ومنظمات المجتمع المدني والوكاالت المانحة التي ترعى هذه المبادرة.
لقد كان الدافع وراء إنشاء هذه المبادرة هو الحالة السيئة لشفافية الميزانية والمالية العامة
في حوالي نصف دول العالم حسب مؤشر الميزانية المفتوحة ،إذ كشفت األزمة المالية العالمية
عن مواطن الضعف األساسية في الشفافية المالية ودفعت إلعادة التفكير بشكل منهجي في
المقاربات المعتمدة في تسيير المالية العامة.1
تعمل المبادرة من خالل أربعة مسارات رئيسية :تعزيز الحوافز ،النهوض بالمعايير
الدولية ،المساعدة الفنية وبناء القدرات ،استغالل التقنيات الجديدة ،كان أحد اإلجراءات األولى
للمبادرة هو تطوير مجموعة جديدة من المبادئ رفيعة المستوى للشفافية المالية والمشاركة
والمساءلة ،تجدر اإلشارة إلى أنه تمت المصادقة على المبادئ التي اقترحتها المبادرة من قبل
الجمعية العامة لألمم المتحدة في القرار رقم 218/67المتعلق بتعزيز الشفافية والمشاركة
والمساءلة في السياسات المالية العامة ،2والتي قدمت من خاللها المبادرة العالمية لشفافية
المالية العامة :المبادئ رفيعة المستوى بشأن الشفافية والمشاركة والمساءلة في المالية العامة
التي تهتم أساسا بمسألة الوصول إلى معلومات المالية العامة ثم حكامة المالية العامة.3
وادراكا منها ألهمية مشاركة المجتمع المدني والمواطنين في تسيير الموارد العامة
وصناعة السياسات العامة خاصة المالية منها ،والصعوبات التي تواجه هذه العمليات شرعت
GIFTفي برنامج عمل كبير متعدد السنوات لتوليد المزيد من المعرفة حول الممارسات الجيدة
واالبتكارات الحديثة إلشراك المواطنين في هذا المجال الحيوي ،وبعد عملية مشاورات واسعة
النطاق مع الشركاء والفاعلين قدمت مجموعة جديدة من المبادئ :المبادئ الجديدة للمشاركة
العامة في السياسة المالية.4
1
OCDE, Budget Transparency Toolkit, Éditions OCDE, 2017, P18.
2هيئة األمم المتحدة ،تعزيز الشفافية والمشاركة والمساءلة في السياسات المالية العامة ،رقم 67/218الصادر بتاريخ
،21/12/2012الدورة ،67رقم الوثيقة A/RES/67/218
3
http://www.fiscaltransparency.net/GIFT-High-Level-Principles-2012-08-ENG.pdf
Consulter le :23/09/2019.
4
http://fiscaltransparency.net/PP_Approved_in_General_13Dec15.pdf
Consulter le : 23/09/2019.
193
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
إن المبادئ العشرة الجديدة التي تقترحها المبادرة تعطي أهمية مركزية لشفافية الميزانية
ومشاركة المواطن في صناعة سياسيات المالية العامة ،وتعبر عن هذا بالقول " للجمهور الحق
في الحصول إلى معلومات بشأن سياسات المالية العامة ،والفرص الحقيقية للمشاركة في وضع
سياسات المالية العامة وتنفيذها".1
ومن الفاعلين في المبادرة العالمية لشفافية المالية العامة نجد :شراكة الميزانية الدولية
( )IBPواالتحاد الدولي للمحاسبين (.)IFAC
أوال-شراكة الميزانية الدولية ( )IBPتم إطالق مشروع شراكة الميزانية الدولية عام ،1997
وهي " منظمة أبحاث تهدف إلى دعم منظمات المجتمع المدني ،وتعزيز دورها في عمليات
الموازنة حول العالم الستخدام تحليل الميزانية كأداة لتحسين الحكامة الفعالة والحد من الفقر".2
تهدف الشراكة إلى جعل أنظمة المالية العامة أكثر شفافية ومساءلة من خالل العمل
على أربعة مجاالت مترابطة تجمع بين الدولة والمجتمع المدني والمؤسسات المالية الدولية مع
السعي لتجسيد ميزانية فعالة وأكثر انفتاحا وشفافية واستجابة،3ومن أجل الوصول لتحقيق هذه
األهداف بحثت عن وسيلة تحريات تؤمن لها رقابة مستقلة لشفافية الميزانية عبر الدول ،فبعثت
مشروعا بحثيا خالل ثالث سنوات و 2005و 2006مع شركاء من 59بلدا قامت بعملية
جمع معلومات عبر استبيان للوصول لنتائج دليل الميزانية المفتوحة لسنة 2006تتعلق بجمع
معلومات مقارنة بشأن نشر معلومات عن الميزانية وتعميم الممارسات األخرى الخاضعة
1
http://fiscaltransparency.net/PP_Approved_in_General_13Dec15.pdf
Consulter le : 23/09/2019.
2
https://www.internationalbudget.org/who-we-are Consulter le : 23/09/2019. Consulter le :
23/09/2019
3وهذا من خالل":
بناء وتقوية منظمات وشبكات المجتمع المدني من خالل تطوير المهارات والعالقات الالزمة لتحسين عمليات -
.الموازنة واحداث التغيير في البلدان التي تعمل فيها
فتح الميزانيات والبحث وقياس ومراقبة شفافية الموازنة والمشاركة والمساءلة في جميع أنحاء العالم لبناء قاعدة -
.أدلة تعزز المزيد من االنفتاح
وضع معايير عالمية والتعامل مع مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة الدوليين ،بما في ذلك الجهات -
.المانحة ومؤسسات الرقابة الحكومية والمنظمات غير الحكومية الدولية ،للعب دور أكبر في قضايا الميزانية
إنتاج أدلة وتحليالت ودراسات حالة دقيقة حول تأثير شراكة الميزانية الدولية وشركائها لإلبالغ عن الممارسات -
:االستراتيجية الفعالة " أنظر في هذا على الرابط:
. https://www.internationalbudget.org/who-we-areتاريخ االطالع16/ 04/2019:
194
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
للمساءلة عبر كامل مراحل الميزانية ترشد الباحثين وتساعدهم على تقييم المعلومات المنشور
في كل مرحلة ،وتتيح للمسؤولين الحكوميين وصناع السياسة في البلدان محل الدراسة تحديد
اإلجراءات الضرورية لضمان المساءلة وشفافية الميزانية .1
ثانيا-مؤشر مسح الميزانية المفتوحة :يعد" مسح الميزانية المفتوحة التقييم المستقل المقارن
الوحيد في العالم لشفافية المالية والرقابة والمشاركة على المستوى الوطني .يتم تنفيذه من خالل
باحثين مستقلين إلعداد األسئلة الواقعية في كل دولة من الدول 115التي تم تقييمها 2.تتم
مراجعته من قبل خبير غير معروف هويته ،ويتم توفير الفرص أيضا للحكومات إلضافة
تعليقاتها".3
يتيح أيضا مشروع شراكة الميزانية الدولية أدلة وبحوث تتوسع في بعض العناصر التي
تم تقييمها في مسح الميزانية المفتوحة وبالخصوص:
-1توفير وتبسيط إرشادات إلنتاج ميزانية المواطن ،وتتضمن اقتراحات حول كيفية مواجهة
غالبا في هذه العملية ،وذلك بإتاحة موقع إلكتروني من خالل شراكة التحديات التي تنشأ ً
الميزانية الدولية يوفر الموارد حول كيفية تطوير ميزانية المواطنين وهذا عبر الرابط .
4
-2دليل الشفافية في تقارير الميزانية الحكومية والذي يدعم الحكومات في جهودها للوفاء
بالمعايير الدولية للممارسة الجيدة بشأن شفافية الميزانية من خالل شرح كل التقارير والوثائق
شراكة الميزانية الدولية ،المشروع الدولي للميزانية :الميزانية المفتوحة ،2006نحو مزيد من المعلومات للجمهور من أجل 1
3أظهر مسح الميزانية المفتوحة لعام 2017أن التقدم العالمي نحو مزيد من الشفافية توقف ،وتراجع بشكل متوسط ألول مرة
منذ أن بدأنا قياس المؤشر ،ومن العوامل المهمة التي أدت إلى التراجع هذا العام هو ارتداد المكاسب السابقة في جنوب
صحراء إفريقيا .من بين 27دولة في جنوب صحراء إفريقيا في كل من مسحي 2015و ،2017وجدت 22دولة أن درجات
تسجيل الشفافية الخاصة بها انخفضت في مسح الموازنة المفتوحة لعام .أنظر تقرير مسح الميزانية المفتوحة لسنة 2017
على الرابطhttps://www.internationalbudget.org/publications/open-budget-survey-2017 :
تاريخ االطالع2019/08/07:
4
www.internationalbudget.org/opening-budgets/citizens-budgets
195
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
التي يجب إنتاجها ونشرها والمعلومات التي يجيب أن تتضمنها طيلة المراحل الثمانية إلعداد
الميزانية مع تقديم أمثلة نموذجية من دول أخرى.1
يؤكد مسح الميزانية المفتوحة على العالقة الترابطية بين الشفافية والمشاركة والرقابة في
تحقيق تسيير جيد للميزانية وتحقيق شفافية المالية العامة ،حيث يعتبر التقييم األول والرئيسي
للمؤسسات الرئيسية التي تقوم بتنفيذ الديمقراطية التمثيلية من خالل الدعوة لوصول المواطنين
إلى المعلومات ،واإلدارة الجيدة لألموال العامة من قبل السلطة التنفيذية ،وممارسات الرقابة
الكافية من قبل السلطة التشريعية والمراقبين ،حيث أنه بدون شفافية ال يمكن أن تتم مشاركة
فعالة ،وال يمكن تصور إتمام رقابة فعلية في ظل غياب المعلومات.
يهدف االتحاد لتشجيع الفعالية أكثر في إدارة القطاع العام ،ويشدد تحديدا على اعتبار
أن اإلدارة المالية القوية واالنضباط المالي الذي تولده ضروريان لتنفيذ سياسات القطاع العام
ألنها تسهل تخصيص الموارد االستراتيجية ،وتقديم الخدمات بكفاءة ،وتوفر مزيد من المساءلة،
وتحقيق نتائج أفضل لجميع المواطنين" لغرض تعزيز التعاون الدولي في مجال المالية العامة
أطلق االتحاد الدولي مبادرته " المساءلة اآلن" وهي مبادرة عالمية لتعزيز المحاسبة المالية
عالية الجودة وتقديم التقارير من قبل الحكومات لتحسين الشفافية والمساعدة في تعزيز تسيير
المالية في القطاع العام والمساءلة معا ،تهدف المبادرة إلى ":
والمساءلة. -1بناء تحالف عالمي من المنظمات التي تدعم تحسين الشفافية في القطاع العام
1
International Budget Partnership, guide to transparency in government budget reports: why
are budget reports important, and what should they include?, edited by vivek ramkumar and
isaac shapiro, on site :
https://www.internationalbudget.org/wp -content/uploads/Guide-to-Transparency-in-Government-
.Budget-Reports-Why-are-Budget-Reports-Important-and-What-Should-They-Include-English.pdf
.Consulter le : 12/05/2019
2االتحاد " هو منظمة عالمية لمهنة المحاسبة مكرسة لخدمة الصالح العام من خالل تعزيز مهنة المحاسبة في مختلف أنحاء
العالم والمساهمة في تطوير اقتصاديات دولية قوية عن طريق ترشيح وتشجيع لاللتزام بالمعايير المهنية عالية الجودة ،وتعزيز
التقارب الدولي بين هذه المعايير والتعبير عن قضايا المصلحة العامة حين تكون الخبرة المهنية أكثر مالئمة " لمزيد من
التفاصيل أنظر :االتحاد الدولي للمحاسبين "،إصدارات معايير المحاسبة الدولية للقطاع العام ،ج ،01ترجمة جمعية
المجمع العربي للمحاسبين القانونيين ،مجموعة أبو طالل غزالة ،عمان ،2010 ،ص .05
196
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
-2مساعدة المسؤولين في القطاع العام على فهم فوائد المحاسبة المالية السليمة والتقارير
.®IPSAS التي تلبي المعايير الدولية مثل
-3تطوير شراكات مع صانعي القرار الرئيسيين الذين سيتخذون إجراءات لتحسين اإلدارة المالية
في القطاع العام.
-4بناء القدرات من خالل إشراك منظمات المحاسبة الوطنية لتطوير مجموعة من المحاسبين
التغيير. المحترفين الذين يمكنهم العمل مع مسؤولي القطاع العام لتسهيل
كما يدعم االتحاد الدولي للمحاسبين مجالس مستقلة من بينها مجلس المعايير المحاسبية
الدولية للقطاع العام ( ،)IPSASBالذي عمل على تطوير مجموعة من المعايير المحاسبية
الدولية في القطاع العام( " 1)IPSASبهدف تحسين نوعية التقارير المالية المقدمة من قبل
القطاع العام ،مما يؤدي للوصول إلى ق اررات تقييم أفضل وأبلغ في تخصيص الموارد المقدمة
من الحكومات ،وبالتالي زيادة الشفافية والموثوقية".2
تجدر اإلشارة إلى أنه تم إنشاء لجنة المصلحة العامة ( )PICالتابعة لـ IPSASBفي
عام ،2015وهي تشرف على أنشطة وضع المعايير في IPSASBوتضمن أن تكون هذه
األنشطة في المصلحة العامة ،حيث تتألف لجنة الموافقة المسبقة من ممثلين عن صندوق
النقد الدولي ،المنظمة الدولية لألجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة ( ،)INTOSAIومنظمة
التعاون والتنمية االقتصادية ( ،)OCDEومجموعة البنك الدولي ،تقدم الموافقة المسبقة
توصيات بشأن":
تمت صياغة الطبعة األولى لهذه المعايير من طرف لجنة القطاع العام PSCالتابعة لالتحاد الدولي للمحاسبين، IFAC 1
ففي سنة 2002تم اعتماد 20معيار IPSASمن خالل تكييف المعايير المحاسبية الدولية IASالصادرة عن اللجنة
الدولية للتعيير المحاسبي مع واقع محاسبة القطاع العام ،وبتاريخ 11/2004/ 10قام االتحاد الدولي للمحاسبين IFAC
بإنشاء مجلس المعايير المحاسبة الدولية في القطاع العام ( )IPSASBبدال عن لجنة القطاع العام ( ،)PSCهذا المجلس
أصدر طبعة جديدة للمعايير المحاسبة الدولية في القطاع العام والتي أصبحت تضم 24معيار دوليا ،ثم صارت 39معيار
سنة ،2016تم إدخال تعديالت في شهر جوان 2019على هذه المعايير حيث تخضع للتحسين باستمرار ،وقد وافق
عليها مجلس معايير المحاسبة الدولي في القطاع العام.
هذا في انظر أكثر :لتفاصيل https://www.ifac.org/publications-resources/ed-68-
improvements-ipsas-2019. Consulter le : 12/09/2019.
2
http://www.tag-publication.com/UploadFiles/Azaidan/TAG-
Org_Publications/IASCA/IPSAS_brochure.pdf. Consulter le : 12/09/2019
197
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
اختصاصات مجلس المعايير المحاسبية الدولية للقطاع العام ،وكذا ترتيبات ترشيح
وتعيين أعضائه ،إجراءات وعمليات تطوير استراتيجية عمل مجلس معايير المحاسبة الدولية
في القطاع العام".1
في إطار المقاربة التشاركية التي تتبناها الحكامة لتسيير الشأن العام عموما وتسيير
المالية العامة خصوصا ،فإن الفاعلين األساسيين في هذا المجال هما الدولة ومؤسساتها من
سلطة تنفيذية وتشريعية وهيئات للرقابة على المال العام مثل مجلس المحاسبة ،والفاعل الثاني
هو القطاع الخاص ،وبشراكته مع الدولة أصبح يلعب دو ار متناميا في مجال السياسات المالية
العامة ،كما صار للمجتمع المدني دور مهم في صناعة ورقابة القرار المالي ،نشير إلى أن
هنالك دو ار مهما وذا أبعاد مؤثرة في توجيه السياسيات المالية العامة من قبل المؤسسات المالية
الدولية ممثلة في صندوق النقد والبنك الدوليين في تقويم السياسات العامة في مجال الحكامة
والتسيير المالي إضافة إلى دور الشركات متعددة الجنسيات ،والمنظمة العالمية للتجارة.
سنتناول بالبحث الفاعلين في الحكامة المالية على المستوى الداخلي ثم نتطرق لتأثيرات
المؤسسات المالية الخارجية على صناعة القرار في ظل المعايير تمت صياغتها من قبلها
والسعي لتعميمها في سياق عولمة التسيير العمومي الجديد.
تتدخل في المجال المالي عدة أطراف لكن أدوراها وتأثيرها يختلف بحسب طبيعة المكانة
الدستورية التي منحها إياها النظام السياسي ،تتمتع السلطة التنفيذية ممثلة بو ازرة المالية بدور
مهم في إعداد وتحضير وصياغة مشاريع قوانين المالية وتتبع تنفيذها ومراقبتها ،في حين تقوم
السلطة التشريعية باعتماد المشاريع بعد مناقشتها ،ويعهد في الغالب لرأس السلطة التنفيذية
مهمة المصادقة على مشاريع قانون المالية.
1
OCDE, budget transparency toolkit, éditions OCDE, 2017, p24.
198
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
الفرع األول :األجهزة الحكومية ومؤسساتها كفاعل في صناعة القرار المالي العام
أوال :السلطة التنفيذية ووزارة المالية كفاعل رئيسي في صناعة القرار المالي
تتولى السلطة التنفيذية في معظم النظم المالية الحديثة إعداد مشروع قانون المالية
1
والميزانية العامة للدولة .هذا التقليد فرضته عدة اعتبارات":
-أن الدوائر الحكومية بحكم اطالعها المباشر ومعرفتها الواسعة بحالة البالد االقتصادية
واالجتماعية والمالية تعتبر مبدئيا أكثر إلماما بالحاجيات التي يتعين اإلنفاق ألجل تلبيتها
وباإلمكانيات والموارد المالية التي يمكن الحصول عليها لتغطية هذه النفقات.
-أن عملية إعداد مشاريع القوانين والميزانيات عملية ضخمة ومعقدة ومتواصلة تستلزم من
بين أمور أخرى إجراء دراسة ميدانية واستشرافية ،وتجميع للمعلومات واإلحصائيات والبيانات
وغيرها من األعمال التي ال يتأتى لغير الحكومة القيام بها نظ ار لما تتوفر عليه من إمكانيات
مالية وبشرية.
-أن الحكومة هي التي تتولى عملية تنفيذ السياسة المالية للدولة من خالل قانون المالية،
وبذلك فهي المؤهلة إلعداد المشروع المتعلق به".2
إن ممارسة منع البرلمانات من أي حق في المبادرة في المسائل المتعلقة بالمجال
المالي الميزانياتي خصوصا المنصوص عليها في النظم السياسية المعاصرة في القانون ،والتي
مهمة إعداد مشاريع قوانين المالية والميزانيات العامة للدول هي مسؤولية الحكومة وان اختلف الجهاز الذي يناط به القيام 1
به المهمة في الهيكل الحكومي باختالف النظم السياسية والمالية ،ففي الواليات المتحدة األمريكية والهند والب ارزيل يتولى رئيس
الدولة إعداد الميزانية واحالتها إلى السلطة التشريعية ،أما فرنسا واسبانيا وايطاليا ،والجزائر فإن هذا االختصاص يؤول للوزير
األول ،أما في سويس ار فأن المجلس الفيدرالي هو الذي يطلع بهذه المهمة ،أنظر في هذا :منصور عسو ،قانون الميزانية
العامة ورهان الحكامة المالية الجيدة ،المغرب ،مطبعة المعارف الجديدة ،الرباط ،الطبعة األولى ،2017 ،ص .100
2منصور عسو ،مرجع سابق ،ص .100
199
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
تستند إلى المبدأ الراسخ لفصل السلطات من أجل حماية الحكومات من السلطات البرلمانية
المفرطة ،باستثناء الواليات المتحدة حيث ال يزال الكونغرس يملك قوة مبادرة هامة".1
لقد كانت للسلطة التشريعي ة صالحيات واسعة تم تقليصها في إطار العقلنة البرلمانية
قبل أن تسيطر الحكومة على هذا المجال وتهمين عليه بالنظر لالعتبارات التقنية والسياسية،2
وفي فرنسا رغم السلطات الواسعة التي اكتسبها البرلمان بعد الثورة في مجال فرض الضرائب
وفتح اعتمادات الميزانية ،3إال أن ه في غضون القرنين التاليين للثورة عرفت فرنسا العديد من
االضطرابات السياسية قادت إلى الحد من استقاللية البرلمان في دستور الجمهورية الخامسة.
وفي ظل التحوالت األخيرة واالتجاه نحو اعتماد التسيير باألداء وتبني الميزانية على
أساس النتائج تغيرت العالقة إلى نوع من الترابط بين السلطات وهي حركة معكوسة ،في مرحلة
إعداد قانون المالية إذ نجد في تعبيرها إشراك البرلمان في خيارات كبرى كالميزانية عن طريق
آليات مختلفة ،في فرنسا مثال هذا االتجاه الجديد يشبه "إعادة صياغة عملية صنع القرار
المالي " حيث أن" عملية اتخاذ القرار المالي هي عملية تقنية وسياسية معقدة والتي تتطلب
تدخل عدة فاعلين لكل منهم منطقه وأهدافه الخاصة ،هذه العملية هي نتاج تطور المجتمع
المعاصر الذي تطور في جو من تعدد العالقات بداخله ،وفي تأثر بالتعقيدات التي ال تتوقف
عن االتساع في مواجهة هذه الوضعية التي تفاعلت طيلة ثالثين السنة األخيرة ،فإن عملية
1
Pierre Cliche, gestion budgétaire et dépenses publiques : description comparée des
processus, évolutions et enjeux budgétaires du Québec, Presses de l’Universite du Québec,
2009, p85
2في بريطانيا مثال فإن منع البرلمانيين من المبادرة المالية في المجال المالي يجد تفسيرات من منظور تاريخي في الئحة
لمجـ ــلس العموم عام ،1713والتي تحظر المبادرة المالية للبرلمانيين ،وهكذا فإنه وبإرادة من مجلس العموم كانت المبادرة منذ
ما يقرب من قرنين من االمتيازات الحصرية للسلطة التنفيذية ،أنظر في هذاÉric Oliva, finances publiques, Sirey :
200
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
إعداد والمصادقة على قوانين المالية تطورت تدريجيا في اتجاه إشراك فاعلين سياسيين ،إداريين،
وحتى اجتماعيين".1
يعد من المتفق عليه في أغلب الدول أن السلطة التنفيذية هي المختصة بإعداد قوانين
المالية والميزانية العامة للدولة ،إال أنه من غير المتفق عليه تحديد الشخص الذي يقوم بهذه
المهمة مع تحديد سلطاته.2
تعد السياسات المالية الدعامة األساسية لنشاط الدولة لكونها تحدد التوجهات االقتصادية
والمالية ،3وفي هذا يعد قانون المالية النص الذي يعكس خيارات الدولة السياسية االقتصادية
واالجتماعية ،حيث تعد و ازرة المالية الفاعل األساسي في التسيير المالي وصناعة القرار المالي
لما لها من إمكانات تقنية وفنية تسمح لها بتسيير المالية العامة للدولة ،لكنه في ظل التحوالت
التي عرفتها الدولة ومؤسساتها تحت ضغوط العولمة تم التوجه لتبني مقاربة تشاركية لتسيير
ال مالية العامة تقوم على اشراك البرلمان و المواطنين ومنظمات المجتمع المدني في إعداد
الميزانيات ،حيث أن تطبيق مبادئ الحكامة المالية الجيدة من شأنه المساهمة في إجبار
السلطات العمومية على تقديم حسابات حول نتائج سياساتها العامة ،بمعنى التمكين أي السماح
للمواطنين بالتأثير على البيئات والمؤسسات السياسية وتكييفها بحيث تخدم مصالحهم ،وتطالب
بحقوقهم وتجعلهم مسموعين من قبل النخب السياسية في مختلف العناصر واألنظمة الفرعية
التي تناولها النقاش في تسيير المالية العامة.4
ترجع مما رسة البرلمان للسلطات المالية من الناحية التاريخية إلى ما قبل اعتماد
الحكومات لمصطلح الميزانية (" ،)Budgetحيث تمكنت بعض البرلمانات العريقة في
الديمقراطيات الغربية من اكتساب العديد من الصالحيات في مجال المالية العامة ،وقد ارتبط
1
Michel bouvier, Marie-Christine Esclassan, Jean-Pierre Lassale, finances publiques,op.cite,
p367.
رحمة زيوش ،مرجع سابق ،ص .97 2
201
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
ذلك بالصراع من أجل الحد من سلطة الملك فيما يتعلق بالضرائب والنفقات خصوصا في
انجلت ار وفرنسا ،وهذا يدل حسب Allen Schickعلى أن البرلمان مارس سلطات مالية قبل
الحكومة ،ويتجه نحو توضيح أن الممارسة الميزانياتية تطورت بفعل ظهور البرلمان كطرف
غير مالئم لمراقبة الموارد والنفقات .بعد ظهور مصطلح الميزانية تغيرت الكثير من المعطيات
بشأن العالقة بين الحكومة والبرلمان أدت إلى الحد من استقاللية الفعل البرلماني ،وقد استخدم
هذا المصطلح ألول مرة لوصف الممارسات المالية في انجلت ار في القرن الثامن عشر ،أي بعد
أكثر من قرن على تأمين البرلمان لصالحيات حول الجباية والنفقات ،وظهر ألول مرة في
الوثائق الفرنسية في بداية القرن التاسع عشر ،ومن ثم توسع استخدامه في باقي الدول الصناعية
األخرى ".1
أدى تحديث تسير المالية العامة وصياغة عملية الميزانية إلى عقلنة اإلدارة العامة،
وأكثر من ذلك إلى تغيير توازنات العالقة بين الحكومة والبرلمان فيما يتعلق بالسلطة المالية،
حيث أدت اإلجراءات الحكومية التي تسبق تدخل البرلمان إلى تقييد سلطته في مقابل هيمنة
مستمرة للحكومة على المجال المالي و الميزانياتي ،و يرى " بروسي رضوان " أن جدلية مقاربة
اعتماد مقاربة مركزة الميزانية من جهة ،أو تفعيل دور البرلمان في عملية الميزانية من جهة
مقابلة تعتبر من بين أهم القضايا التي احتلت مكانة بارزة ضمن دارسات وبرامج إصالح
تسيير المالية العامة سواء في الدول الغربية أو في الدول النامية ،حيث تركز البرامج المعاصرة
حول االقتصاد السياسي للمالية العامة في أمريكا الالتينية على أهمية الهيكلة المؤسسية في
حكامة المالية العامة".2
سابق .ص 5ومايليها. رضوان بروسي ،الرقابة البرلمانية والحكامة المالية في الجزائر ،مرجع 1
2حيث يرى" بروسي رضوان" أن" أبحاث كل من " جورجان فون هاجن" ( )Jürgen Von Haganفي السياق األوروبي
و"َ ألبارتو ألسينا" (" ،)Alberto Alsinaروبرتو بيروتي" ( ،)Roberto Perettiو" لي از بالداز" (Liza Baldezهذه الدراسات
تدعم فكرة مركزة السلطات والصالحيات الموازناتية داخل الجهاز التنفيذي ،وهذا من شأنه السماح بزيادة االنضباط الجبائي
ومراقبة العجز في الموازنة ،حيث يتم التأكيد على أن النظام الموازناتي ذو الطابع الهيراركي الذي يقوم على تركيز السلطة
في يد و ازرة المالية مقارنة بالو ازرات األخرى ،وفي يد الحكومة في مقابل البرلمان ،يساهم بشكل أساسي في تعزيز الضغوط
اإلجرائية التي تسمح بتثبيت اليقظة الجبائية وفرض ضغط جبائي ذو مصداقية ،والسماح بإدخال التعديالت الجبائية الضرورية
بسرعة ،والحد من احتمالية زيادة البرلمان للغالف المالي للموازنة الذي من شأنه زيادة العجز الضريبي " ،أنظر في هذا :
ص 5ومايليها. رضوان بروسي ،الرقابة البرلمانية والحكامة المالية في الجزائر ،مرجع سابق.
202
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
في هذا اإلطار أكدت دراسة أجريت من طرف منظمة التعاون والتنمية االقتصادية سنة
1998تراجع دور البرلمانات المعاصرة في عملية الميزانية وهذا عبر إجراء دراسة ميدانية
شملت بعض الدول مثل فرنسا ،بريطانيا ،ألمانيا ،وايطاليا تركزت حول محاولة فهم األسباب
الكامنة وراء تراجع دور البرلمانات في المجال المالي والميزانياتي في ظل تبني إجراءات
الميزانية الحديثة التي عوض أن تؤدي دو ار فعاال للبرلمان في المالية العامة ساهمت في تراجع
دوره لصالح الحكومة حيث ترجع " إلى ظهور األحزاب السياسية المنضبطة التي تفرض على
البرلمانيين التصويت وفق خط وتوجه الحزب ،االرتفاع الضخم للنفقات العمومية خصوصا في
الجانب االجتماعي ،وتنامي قوة جماعات المصالح والتنظيمات الكوربوراتية ،فكل هذه التطورات
جعلت من البرلمانات مجرد أندية للنقاش والتداول أكثر منها أجهزة قرار ،ورغم اختالف الثقافات
واألبنية السياسية إال أن معظم الدول تعاني من ضعف وتراجع دور مؤسساتها البرلمانية.
فالبرلمانات غالبا ما تفوض صالحياتها القانونية للجهاز التنفيذي في مجال اإلصالح الجبائي
1
والرقابة على إعادة هيكلة اعتمادات الميزانية".
ذلك أن البرلمانيين حسب " " " Allen Schlickتقبلوا فكرة أنهم ليس بإمكانهم كبح انحرافاتهم
السياسية فيما يخص تقليص الضرائب ورفع النفقات ،فالبرلمانات فوضت سلطاتها في عملية
الميزانية للحكومة ألنها ال تعتقد أنها قادرة على اتخاذ ق اررات مالية مسؤولة ،ويؤيد هذا الموقف
من قبل المتخصصين البارزين الذين يربطون قدرة البرلمان على تعديل الميزانية مع نتائج تنفيذ
" . الميزانية.
2
في المقابل تؤكد تجارب معاصرة على خطورة االعتماد الحصري على دور الحكومات
اجه هذه الحكومات بإعادة توازن عن طريق آليات للمساءلة
في تسيير المالية العامة إذا لم تو َ
والشفافية وتعزيز المشاركة ،وهذا ما أدى إلى إدراك دور البرلمانات انطالقا من وظائفها
التمثيلية والرقابية في وضع كوابح ومضادات في مواجهة مركزة القرار المالي الميزانياتي ،األمر
الذي دفع الدول ومنها منظمة التعاون والتنمية االقتصادية إلى إدخال تعديالت في قوانينها
Carlos Santiso, pour le meilleur ou pour le pire ? Le rôle du parlement dans le
processus budgétaire des pays en développement, Revue française d’administration
..publique, N 117, 2006, pp159 ,62
رضوان بروسي ،الرقابة البرلمانية والحكامة المالية في الجزائر ،مرجع سابق ،ص.5 1
2
Allen Schlick, les parlements nationaux peuvent-ils retrouver un rôle effectif dans la politique
budgétaire, op.cit., p2.
203
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
المالية وأنظمتها الميزانياتية إلعطاء دور فاعل للبرلمان في هذا المجال يقوم على المشاركة
ثم التقييم .
ففي فرنسا مثال تم اعتماد القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية الذي صار يسمى "
الدستور المالي " ،وقد جاء نتاج مبادرة تشريعية توافقية بين الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ
والحكومة ،عكست بحسب رئيس لجنة المالية بمجلس الشيوخ " لحظة استثنائية بامتياز ...عمل
رئيسي للنضج الديمقراطي ...عمل كان من خالله لشخصيات مختلفة جدا عبقرية التوافق على
1
إعطاء معنى للديمقراطية واعادة الحياة والقوة لدولتهم ".
يترجم هذا القانون إعادة صياغة للعالقة بين البرلمان والحكومة وليس مجرد مصادقة
على تعديل اإلطار المنظ م لتسيير المالية العامة ،بحيث جاء هذا القانون العضوي ليعيد
للبرلمان بعضا من صالحياته في المجال المالي ،فالمبادرة بالقانون جاءت من قبل البرلمانيين
كشاهد على هذا االهتمام بالمجال المالي ،وقد منح هذا القانون المزيد من الصالحيات للبرلمان
في المجال المالي من خالل تعزيز صالحيات المبادرة وتقوية الرقابة البرلمانية للمالية العامة،
وكذا تقييم سياسات المالية العامة.
تشهد السنوات األخيرة شبه إجماع دولي حول ضرورة تفعيل دور البرلمان في عملية
صنع ورقابة القرار المالي العام ،عكستها الطفرة المالحظة في إنتاج المعايير والمواثيق المتعلقة
بتسيير المالية العامة ،والتي تؤكد على ضرورة منح ممثلي الشعب دو ار أكبر في المجال المالي
والتي سبق تناولها في سياق الحديث عن المعايير الدولية للحكامة المالية العامة.وهذه المعايير
التي تنتشر بسرعة من خالل المؤسسات المالية الدولية تدعم دور البرلمانات في تدعيم شفافية
الميزانيات العمومية بالشكل الذي يعزز الحكامة المالية الجيدة ،في هذا اإلطار يرى "
" Mohamed MOINDZEأنه ال يمكن أن تكون هناك حكامة حقيقية للمالية العامة دون
الشفافية والمساءلة ،فمن من الطبيعي أن يقع على عاتق البرلمان من خالل وظائفه كممثل
للشعب "الرقابة السياسة " للعمل العام ،مساءلة الحكومة نيابة عن الشعب في جميع مراحل
دورة الميزانية ،إذ يجب على البرلمان اإلشراف والرقابة على الميزانية ،مؤكدا على أن هذه
الوظائف مهمة بشكل خاص لتعزيز مصداقية معلومات الميزانية المقدمة من الحكومة ولضمان
تحقيق األهداف األساسية الثالثة لتسيير المالية العامة ":
1
Michel bouvier, André Barilari, la nouvelle gouvernance financière de l’état, op.cit., p 11
204
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
االنضباط المالي العام :هل النفقات االقتصادية والمالية للحكومة تتم بصفة عقالنية؟ هل تأخذ
بعين االعتبار المخاطر؟ وهل هي قائمة على افتراضات معقولة؟
كفاءة التخصيصات :هل نفقات الحكومة منسجمة مع األولويات المصرح بها والنتائج المتوقعة؟
هل ستؤثر النفقات الجديدة على البرامج واألداء الحاليين؟
الفعالية العملياتية :هل يعتمد تنفيذ مبالغ النفقات على تحليالت جدوى سليمة للمردودية تعكس
1
األداء األمثل للسياسات الشاملة والقطاعية للحكومة؟"
لقد أدت التطورات التي عرفتها المجتمعات المعاصرة على تباين أنظمتها السياسية
واتجاهاتها الفكرية إلى الوصول لقناعة بضرورة مساندة الشعوب لما تتخذه من ق اررات
ومشاركتها في ذلك ،واعادة النظر في دور الدولة كصانع وحيد للسياسة العامة وممارس
للسلطة السياسية ،يتيح مشاركة أفضل للمواطن والمجتمع من جهة ،ويسمح للقطاع الخاص
بممارسة دوره في التنمية.
يرى Michel Bouvierأن " العالقة بين المواطنة والحكامة المالية ليست جديدة ،فقد
تمت مناقشتها في عصر التنوير حين تم تناول مفهوم المواطنة ،ولكنها تطرح اليوم في بيئة
تتميز بتحول لمجتمعنا ،عرفت األربعون سنة األخيرة تحوالت عميقة للدولة وللقطاع العام
بصفة عامة".2
هذه المقاربة التشاركية تشكل مفهوم الحكامة التي تقوم على نهج تشاركي في ممارسة
السلطة يهدف لتحقيق تنمية مستدامة والرشادة في تسيير المال العام معتمدة على مبادئ
المشاركة ،الشفافية ،المسائلة ،يشكل الجانب المالي أحد أهم المجاالت التي تحظى باهتمام
المواطنين لما له من ـتأثير مباشر على حياتهم ،كما لم تعد الدولة مسؤولة لوحدها عن تسيير
الشأن العام بل أصبح األمر يتطلب مشاركة الجميع في رسم السياسات العامة ومراقبة تنفيذها
1
Mohamed Moindze, le parlement et le processus budgétaire dans les pays en
développement, juillet 2011, p 10. Sur le site suivant : https://blog-pfm.imf.org/files/le-rôle-
du-parlement-dans-le-processus-budgétaire-1.pdf.
Michel Bouvier, le citoyen, la gouvernance financière publiques et les mutations du politique,
2
205
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
خاصة ما تعلق منها بتسيير المالية العامة واإلنفاق العام تحديدا ،حيث أن " هناك تصو ار
متزايدا لتحليل الميزانية وترقية المالية العامة كعناصر مهمة في جهود المجتمع المدني لتعزيز
مساءلة الحكومات وعملها في مجال حقوق اإلنسان ،ومع ذلك ال يمكن لمجموعات المجتمع
المدني المشاركة الكاملة في عمليات الميزانية إال إذا كانت لديها معلومات شاملة ومفهومة
" . ومتجددة عن المالية العامة
1
في هذا السياق ترى المفوضية األوربية أن المجتمع المدني المزود بوسائل للعمل يشكل
عنصر أساسيا في أي نظام ديمقراطي ،وهذه القضية كانت لب البيان المعنون "جذور
ا
الديمقراطية والتنمية المستدامة :مشاركة أوروبا مع المجتمع المدني في مجال العالقات
الخارجية" ،والتي اعتمدتها المفوضية األوروبية في سبتمبر 2012والتي أقرتها استنتاجات
المجلس األوروبي في أكتوبر 2012والداعية إلى زيادة مشاركة المجتمع المدني في عملية
السياسات ،،والتأكيد على أهمية دور منظمات المجتمع المدني في تعزيز الشفافية والمساءلة
على المستوى الوطني ،في المجال المالي الميزانياتي تركز على ثالثة عوامل ضرورية لتحقيق
مشاركة فعالة للمجتمع المدني وهي ":
-1الشفافية :الوصول إلى المعلومات ،فلكي يتمكن المواطنون والمجتمع المدني من التأثير
على العمليات السياسية والميزانياتية وممارسة التدقيق المستقل الفعال ،يعد الوصول إلى
أساسيا ،وكذلك حرية تكوين الجمعيات ،االجتماع والتعبير ،بحيث أن توفير
ً مطلبا
ً المعلومات
المعلومات يجب أن يكون في الوقت المناسب وسهال للفهم ومتاحا للجميع عبر األنترنت و
مختلف وسائل اإلعالم.
-2السياسات التشاركية وآليات وضع الميزانية :باإلضافة للوصول إلى المعلومات ،هناك
حاجة حقيقية للمواطنين والمجتمع المدني للمشاركة بنشاط في تحديد األولويات وصنع القرار،
من خالل إجراءات أكثر تحديداً مثل الميزانية التشاركية والتخطيط.
206
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
-3آليات المساءلة العمودية :تتعلق المساءلة على المستوى الوطني بالعالقة بين الجمهور
أو مكلفين بتقديم الخدمات العامة ،تركز المساءلة الرأسية على العالقة بين المواطنين وصناع
1
القرار ،ويشمل ذلك تحديد مدى قدرة المواطنين على مساءلة الدولة واالستجابة الحتياجاتهم".
أوال :الميزانية التشاركية
إن أساس العالقة بين المواطنين والحكومة هو الق اررات بشأن تحصيل وانفاق
الموارد العامة ،تشكل في هذا الميزانية المكان الذي يمكن فيه طرح السؤال واإلجابة عن أكثر
األسئلة أهمية بشأن دور الحكومة ،وهذا يجعل منها المكان الصحيح للبحث عن األجوبة لكيفية
مشاركة المواطنين والحكومة.
-1الميزانية التشاركية كتجسيد لمشاركة المجتمع المدني في المجال المالي :في سياق
التحوالت التي عرفتها الدولة والديمقراطية تم البحث عن آليات لتجاوز أشكال فشل أو عجز
الديمقراطية التمثيلية التي أبانت عن مواطن ضعف تراكمت مع مر السنين ،يطرح مفهوم
الديمقراطية التشاركية في سياق الحكامة كنموذج لتجاوز هذه الحالة من الفشل وانعدام الثقة
في الديمقراطية والممثلين المنتخبين من جهة والدولة وأجهزتها البيروقراطية من جهة ثانية.
تشكل الميزانية التشاركية تجسيدا لمفهوم الديمقراطية التشاركية في شقها المالي المتعلق
بالمالية العامة حيث تعرف بأنها " آلية يقرر بواسطتها السكان تخصيص كل أو بعض الموارد
التخصيص" . العمومية المتوفرة أو يتم إشراكهم في الق اررات المتعلقة بهذا
2
لقد برزت الميزانية التشاركية من خالل تجربة قامت بها مدينة بورتو أليغري بالب ارزيل سنة
1989ومنذ ذلك الحين عرفت انتشا ار عبر العالم ليصل عدد التجارب للميزانيات التشاركية
3
إلى حدود 2000تجربة.
2
Cabannes, Yves, les budgets participatifs en amerique latine. de porto alegre a l’amerique
centrale, en passant par la zone andine : tendances, défis et limites, no 47-48, 2006, p.128
3
yves sintomer, carsten herzberg, giovanni allgretti, les budgets participatifs dans le monde.
une étude transnationale. dialog global, n° 25, 2014.
207
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
انتقل مفهوم الميزانية التشاركية إلى المؤسسات الدولية فلقد عرفها تقرير األمم المتحدة
لسنة 2008بأنها " عمليات مبتكرة في صنع القرار ،حيث يشارك المواطنون مباشرة في سياسة
اتخاذ القرار ،وتعقد اللقاءات على مدى السنة لمنح المواطنين الفرصة لتخصيص الموارد،
وتحديد أولويات السياسات االجتماعية ورصد اإلنفاق العام ،فيتم تصميم هذه البرامج بإدماج
المواطنين في عملية صنع السياسات وتشجيع اإلصالح اإلداري ،وكذا توزيع الموارد العامة
على األحياء ذات الدخل المنخفض ،وبإعطاء الفاعلين السياسيين المستبعدين تقليديا الفرصة
التخاذ ق اررات السياسية العامة ".1
كما عرفها البنك الدولي " بأنها أداة لتثقيف المواطنين واشراكهم وتمكينهم ،وتعزيز
الطلب على الحكامة الجيدة ،يمكن أن تساعد الميزانية التشاركية من خالل الشفافية والمساءلة
الفساد" . التي تخلقها في الحد من عدم كفاءة الحكومة وكبح المحاباة ورعاية عمالء
2
-2الميزانية التشاركية كمدخل لتحقيق الحكامة المالية العامة إن تطور الميزانية التشاركية
التي توصف بأنها مؤسسة جدية مثيرة لالهتمام في مجال المالية العامة ،يمكن أن تكون إحدى
األدوات األكثر فعالية إلشراك المواطنين واقامة عالقات فاعلة بين المجتمع المدني والحكومة،
بحيث ال تأخذ بعين االعتبار حاجات المجتمع فحسب بل تلقي أيضا على عاتقه مسؤولية
التخصيص األمثل والفعال للمال العام ،وهذا يعتبر عنص ار أساسيا في بناء االستقاللية العامة
والديمقراطية التشاركية.
لقد تم توجيه االنتقادات لعملية مركزة عملية الميزانية لعدم تحقيقها للتوزيع األمثل
للموارد ،ففي ظ ل التوجه العام نحو البعد المحلي كانت هنالك ميزانية حديثة تتسم بمركزية
شديدة لعلمية وضع الميزانية ،ومع تنامي دور الفواعل غير الدوالتية كانت الظروف مساعدة
لطرح مقاربة تشاركية تسعى إلشراك مختلف الفواعل في تسير الموارد المالية ،وتؤدي لفعالية
3
وشفافية استخدام الموارد.
1يمينة حناش ،عبد الكريم كيبش ،دور المجتمع المدني في تفعيل الديمقراطية التشاركية " الميزانية التشاركية " ،مجلة دارسات
.175 وأبحاث المجلة العربية لألبحاث والدراسات في العلوم اإلنسانية واالجتماعية ،الجزائر ،مجلد ،11عدد ،2019 ،2ص
Gemma Jamieson Malik, “from brazil to britain: the vicissitudes of participatory budgeting:
2
208
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
في هذا السياق تشكل الميزانية التشاركية مدخال مهما لتحسين أداء الدولة من خالل
تحسين أداء المالية العامة للدولة ،فهي تساعد على تحسين أداء الدولة من خالل وضع القواعد
التي تسهل مشاركة المواطنين والمجتمع المدني في مناقشات السياسيات العامة عموما والمالية
منها خصوصا ،بحيث يتيح العمل عبر اآلليات التشاركية الناجحة تعزيز وصول المواطنين
إلى المعلومات من خالل إنشاء إطار يخلق حواف از للمواطنين للمطالبة بمزيد من المعلومات
األفضل ،والذي في المقابل يضع ضغوطًا على هياكل الحكومات لتوفير هذه المعلومات ،كما
أيضا على تحسين الثقة فيأن مشاركة المواطنين الهادفة والفعالة في الخيارات العامة تعمل ً
الحكومة وااللتزام بالخيارات التي تمت جنبا إلى جنب مع تحسين شفافية الميزانية ،ويمكن
1
للمشاركة أن تساهم في بناء التماسك االجتماعي.
تقوم الحكامة على نهج تشاركي وتسعى لتحقيق الفعالية في تسيير الشأن العام
من خالل تجاوز فشل الديمقراطية التمثيلية عبر تكريس مقاربة تشاركية ،شكل مفهوم
الديمقراطية التشاركية أحد أهم مضامينها ،و تستند إلى تمكين فاعلين أخرين في صناعة
السياسات العامة ،لتجسيد هذه المقاربة في شقها المالي والمتمثل في الحكامة المالية العامة
تعتبر الميزانية التشاركية أحد أهم اآلليات الحديثة لتفعيل مشاركة المواطن والمجتمع المدني
في صناعة القرار المالي ،تعتبر هذه اآللية مهمة للغاية ألنها تلبي مطلبين مترابطين" :تحسين
أداء الدولة وتعزيز جودة الديمقراطية عن طريق تشجيع المشاركة المباشرة للمواطنين في
المناقشات المفتوحة والعامة للسياسات العامة وزيادة معرفتهم بالشؤون العامة ،إن تحسين أداء
الدولة وتحسين جودة الديمقراطية من األهداف المرجوة ،ولكنها ال تنتج بالضرورة عن طريق
برامج الميزانية التشاركية ،فبرامج الميزانية التشاركية أسفرت عن نتائج تتراوح بين نجاح كبير
ونتائج ضعيفة للغاية في مرات أخرى ". 2
وعليه تشكل الميزانية التشاركية آلية مبتكرة تسمح للمجتمع المدني والمواطنين
بالمشاركة في عملية صناعة القرار المالي ،3وقد عرفت نجاحا في الدول التي وفرت لها مناخا
1
Anwar Shah, public sector governance and accountability series, Participatory Budgeting,
The World Bank, Washington DC , p244.
Anwar Shah,op.cit , pp 21,22.
2
3يرى Saturninus Kasozi-Mulindwaأن الميزانية التشاركية تعتبر مهمة بالنسبة للدول النامية ولبيان ذلك عدد
المبررات اآلتية":
209
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
مالئما ،و سمحت بتعزيز شرعية الديمقراطية وتعزيز فكرة المواطنة ،كما أنها تعتبر أسلوبا
لترشيد تسيير المالية العامة من خالل إضفاء المزيد من الشفافية والفعالية على عملية تسيير
المال العام بهدف تحقيق الحكامة المالية العامة.
تعتبر مبادرة الميزانية المفتوحة التابعة لمنظمة الشراكة الدولية للميزانيات ()IBP
برنام جا بحثيا وترويجيا دوليا يدعم تبني أنظمة مالية عامة تتسم بالشفافية والقابلية للمساءلة،
ـجاءت هذه المبادرة بهدف إتاحة الفرصة للمواطنين والمجتمع المدني عموما من الحكم حول
مدى نزاهة المسؤولين عن تسير المال العام.
-1مبادرة الميزانية المفتوحة كاستجابة للدور الجديد المجتمع المدني في المجالي المالي
قام مشروع الشراكة الدولية للميزانيات بتأسيس مسح الميزانية عام 2006من أجل
مساعدة المجتمع المدني ،والباحثين والصحفيين في الدول المشاركة للدفاع عن مزيد من
الشفافية والمصداقية في الميزانيات الحكومية ،إذ يقوم البحث على استبانة موسعة ودقيقة
تعكس بشكل الممارسات المقبولة المتصلة بتسيير المال العام ،وتتشابه مع أدوات البحث التي
طورتها مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون والتنمية االقتصادية،
-توفر عملية الميزانية التشاركية فرصة آللية شفافة ومفتوحة لوضع السياسات ،وهذا يقلل من الزبائنية المنتشرة كثي ار في
معظم البلدان النامية.
-تزيد الميزانية التشاركية من فرص تخصيص المزيد من الموارد لتلك المجاالت التي من المرجح أن تستفيد منها الفئات
ذات الدخل المنخفض.
-من خالل إشراك الفئات المهمشة في عملية تخصيص الموارد ،ينشأ منتدى يم ّكن المواطنين ذوي الدخل المنخفض من
طرح احتياجاتهم ذات األولوية والدفاع عنها.
-تتيح الميزانية التشاركية فرصة للحكومة لتثقيف مواطنيها عن حقوقهم ومسؤولياتهم كمواطنين ،وهو ما يعزز العدالة
االجتماعية على المدى الطويل.
أيضا أنه عندما تشرك البلدان النامية مواطنيها في الميزانية ،فإن ذلك يعزز والمساءلة والشفافية والكفاءة ،آلن
-يعتقد ً
المواطنين مدركون للعمليات الحكومية وكيف يتم تعبئة الموارد واستخدامها من أجل الصالح العام" أنظر في هذا:
Participatory Budgeting in a Decentralised Local Government Framework: A Case in
uganda”, Doctoral Thesis: Department of Finance and Accounting, College of Social
Sciences, University of Birmingham, 2013, pp.34,35
210
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
المنظمة الدولية لألجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة ،لكن هذا المسح يهدف للذهاب بعيدا
في فرضية أن للجمهور الحق في الوصول للمعلومات المتعلقة بالكيفية التي يتم بها تخصيص
واستخدام المال العام ،حيث تفضي هذه الفرضية إلى تحقيق العديد من الفروقات الهامة بينه
وبين هذه المنظمات األخرى ،حيث يسوق لهذا المبررات اآلتية " :
-استناد المسح إلى أبحاث يجريها خبراء مستقلون من المجتمع المدني ،أكثر من كونهم
مسؤولين أو من كوادر الجهات المانحة.
-يركز المسح على الوصول الجماهيري لمعلومات الميزانية ،على العكس من ذلك تركز
المبادرات األخرى عادة على قدرة الحكومات على إنتاج معلومات الميزانية ،وهي ال تفحص
ما إذا كان تم توسيع هذه المعلومات ،وكيف ،والى أي الجهات.
-يتضمن المسح أسئلة حول فرص مشاركة الجمهور في عملية الميزانية ،كما يضع أسئلة
1
تتصل بإشراف الهيئات التشريعية وهيئات الرقابة والتدقيق العليا عليها "
:2دور الميزانية المفتوحة في تحسين تسيير المالية العامة
تعتبر الميزانية المفتوحة من أهم المبادرات التي لقيت إشادة واسعة من قبل الحكومات
المنتمية لها استنادا إلى مصداقية وموثوقية المسح الذي تجريه وتأثيره اإليجابي على ماليتها
دور مهما في إحداث تغييرات أهمها:
العامة ،حيث يلعب مؤش ار الميزانية المفتوحة ا
أ-العمل على نشر ثقافة الحكامة المالية :حيث أن جل المعايير التي تستند إليها مفاهيم
الحكامة المالية تعد أهدافا تسعى مبادرة الميزانية المفتوحة لتحقيقها من خالل وضع معايير
تتسم بالشفافية والمشاركة ،وذلك عن طريق توحيد جهود الفاعلين المختلفين في ميدان المالية
العامة من حكومة وبرلمان ومجتمع مدني للمساهمة في توحيد المعايير ونشرها بغية تجسيد
2
فعالية اإلنفاق العام وتحقيق التنمية.
الموازنة المفتوحة ،التقرير النهائي لعام 2008المعنون ب ــ" تغير في نوعية الحياة " على الرابط: 1
https://www.internationalbudget.org/wp-content/uploads/OBS2008-report_final_AR.pdf
تاريخ االطالع.2019/08/16 :
2شراكة الميزانية الدولية ،الميزانية المفتوحة ،2017ص ص 38 ،37على الرابط:
/https://www.internationalbudget.org/publications/open-budget-survey-2017
تاريخ االطالع.16/08/2019 :
211
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
ب-التشجيع على الشفافية :من خالل الدعوة لتكريس مبدأ الحق في الحصول على المعلومات
و اتخاذ إجراءات مناسبة سريعة لتحسين شفافية الميزانية ومصداقيتها عبر توفير المعلومات
1
للمواطنين كما وكيفا في الوقت المناسب.
جـ-دعم المشاركة إلعادة بناء الثقة في الحكومة :أثبتت تجارب الدول أن المواطنين الذين
يتمتعون بمدخل إلى المعلومات وفرص للمشاركة في عملية الميزانية يتمكنون من تحسين
نوعية الق اررات المتعلقة بإنفاق المال العام ،بحيث تصبح عملية تخصيص الموارد أكثر فعالية
وتوازن وكمثال على هذه التجارب ما حصل في الب ارزيل ،المكسيك ،الفلبين ،كوريا الجنوبية.
د-تعزيز المساءلة :يعتبر توفير المعلومات الدقيقة أم ار ضروريا لضمان مساءلة المواطنين
للحكومة ،وفي هذا المجال تشير نتائج مسح الميزانية المفتوحة إلى عدم تحقيق نسبة تصل
% 90لهذا المعيار ،مع اإلشارة إلى تقديم عدد من البلدان منها نيوزيلندا ،وجنوب إفريقيا،
وفرنسا لمعلومات للمواطنين وفي وثائق الميزانية التي تصدرها ،يتعاون مؤشر الميزانية المفتوحة
مع شبكات حقوقية تعمل على الترويج لشفافية أكبر في الميزانية ولحق الحصول على
المعلومات ،ولحق مساءلة المواطنين للحكومة في مجال تسيير المالية العامة ،من بين
األعمال التي قامت بها إعداد حملة " اسأل حكومتك " وهي جهد بحثي ودعائي على نطاق
وساع يدعو إلى ميزانيات أكثر انفتاحا وقابلية للمساءلة ساهمت فيه مجموعات المجتمع المدني
المحلي في أكثر من 80دولة ،وتستمر المبادرة في توجيه ودعم حمالت توجيه حمالت
2
الشفافية والمساءلة الدولية والوطنية المشابهة.
لقد ساهمت مبادرة الشراكة الدولية للميزانية عبر مسحها ومؤشرها للميزانية المفتوحة في
تحقيق مزيد من الشفافية في تسيير المالية العامة عبر توفير المعلومات المتعلقة بالميزانية
العامة للدولة للمواطنين ،األمر الذي يسمح بمشاركتهم في صناعة القرار المالي من جهة
https://www.internationalbudget.org/wp-
content/uploads/2011/01/OBI_Brochure_FinalText_Arabic_final.pdf
تاريخ االطالع.06/08/2019 :
212
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
ويحملهم جزء من المسؤولية عن تحقيق تخصيص أفضل للموارد العامة ،وفي المقابل يجعل
الحكومات ملزمة على العمل بفعالية تحت طائلة تعرضها للمساءلة.
المطلب الثاني :األجهزة الخارجية المؤثرة في القرار المالي العام
لم تعد المالية العامة مشكلة وطنية تحكمها السياقات الداخلية بل تشكل حقيقة عالمية،
خاصة في ظل العولمة المالية والتطور التكنولوجي ،حيث تظهر عدة عوامل مؤيدة لتطوير
المقاربة المناجيريالية ،وتشمل هذه العوامل عولمة مشاريع التنمية ،وأزمة الديون ،والتحرير
1
االقتصادي ،حرية التجارة ،الخصخصة والتنازل عن المرافق العامة ،وتدويل قضايا الشفافية.
فإلى جانب األجهزة الوطنية كفاعل أساسي في صناعة القرار المالي تلعب المؤسسات المالية
الدولية دو ار كبير في التأثير على تسيير المالية العامة من خالل صياغة سياسات تدخلية عبر
آليات الشراكة أو شروط مساعدات التنمية ،سنعرض أهمها:
الفرع األول :المؤسسات المالية الدولية وتوجيه القرار المالي
تلعب المؤسسات المالية الدولية دو ار كبي ار في توجيه المنظومة المالية واالقتصادية لجل
بلدان العالم التي عرفت مشكلة المديونية الخارجية منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي ،حيث
وجدت الدول النامية نفسها مطالبة بإدخال سياسات االستقرار االقتصادي والتكييف الهيكلي
التي تمثل جزء من آليات النظام االقتصادي الدولي الجديد وتبنيها لتلك الوصفات من أجل
تصحيح االختالالت االقتصادية التي عانت منها وخاصة المديونية الخارجية.
فبداية من إعالن المكسيك عن عجزها عن سداد ديونها الخارجية ثم بعض دول أمريكا
الالتينية والدول اإلفريقية ثم اآلسيوية طفت إلى السطح ما أصبح يعرف الحقا بأزمة المديونية،
إذ ارتفعت الديون من 130مليار دوالر سنة 1973إلى 550مليار دوالر وخدمة الدين 632
2
مليار دوالر سنة .1982
في ظل هذه الظروف شرعت المؤسسات المالية الدولية في إطار محاولتها الحتواء
األزمة في إعادة صياغة النظام االقتصادي العالمي تحت تأثير األفكار النيوليبرالية الداعية
1
Mohamed Harakat, Les finances publiques et les impératifs de la performance: le cas du
Maroc, op.cit., p69.
على جابر عبد الحسين المعالي ،صندوق النقد الدولي :وصفات ومشروطية التحول الرأسمالي في الدول النامية ،مجلة 2
.84 المثنى للعلوم اإلدارية واالقتصادية ،العراق ،المجلد ،8العدد ،2018 ،04ص
213
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
العتماد آليات السوق وتقليص دور الدولة إلى الحد األدنى ،عن طريق خوصصة المؤسسات
العامة ،بحيث تنظر للتدخل الحكومي باعتباره سبب العجز المالي الناجم عن اتساع حجم
اإلنفاق العام ،وعليه فإن جوهر برامج المؤسسات المالية الدولية يقوم على تقييد تدخل الدولة
المرتكز على سياسة مالية عامة تدخلية عبر تقييد اإلنفاق الحكومي ،واالعتماد على إحداث
تغييرات في النظام الضريبي في محاولة لزيادة الضريبية لكي يتاح للنشاط االقتصادي الخاص
1
المساهمة في تسيير االقتصاد القومي استنادا لكونه يتميز بنمط تسيير أكثر فعالية وكفاءة ".
تستند األسس النظرية التي قامت عليها هذه اإلصالحات إلى أفكار التيار النيوكالسيكي
المستمد من فكر المدرسة النقدية وفكر اقتصاديات العرض ،فترجع األولى األزمة إلى تدخل
الدولة في النشاط االقتصادي ،وتزايد حجم إنفاقها الجاري في مجاالت الصحة والتعليم ،الضمان
االجتماعي ،والدعم الموجة للمواد الغذائية ،وكذا تزايد االستثمارات الحكومية وحجم القطاع
العام ،في حين يرى أنصار فكر اقتصاديات العرض الثانية أن جوهر المشكلة يكمن في
تحقيق انتعاش للعرض الكلي ،وتدعو لتخفيف التدخل الحكومي في عمل المشاريع االقتصادية،
2
وزيادة الحوافز للمستثمرين عن تخفيض الضرائب وتحرير األسواق.
لقد ارتبطت المالية العامة في دول العالم الثالث في أذهان الكثيرين بالمؤسسات المالية
الدولية كصندوق النقد والبنك الدوليين وهي الهيئات التي تمنح القروض والمساعدات إلى
البلدان التي عرفت أزمة اقتصادية حادة بفعل تراكم الديون والعجز عن سدادها ،ونتج
عنها ما أصبح يعرف بالمشروطية االقتصادية ثم المشروطية السياسية ،ويقصد بها الشروط
التي فرضتها الدول والمؤسسات المانحة للمساعدات اإلنمائية ،أو تبني سياسات ما بعد
المشروطية خالل الفترة األخيرة .تعرف المشروطية اإلصالحية بأنها " تتضمن فرض عدد من
الشروط لقيام الدولة بحزمة من التغييرات االقتصادية باألساس والسياسية في بعض األحيان
في هيكلها لتصبح أكثر رأسمالية اقتصاديا وديمقراطية سياسيا أو ما عرف في حينها ببرامج
3
التكيف الهيكلي إلقراض الدول النامية ،واالنتقال إلى سياسيات الرشادة ".
أوال :التوجيه من خالل المشروطية االقتصادية
.84 على جابر عبد الحسين المعالي ،مرجع سابق ،ص 1
سمة بلغنو ،اإلصالحات الهيكلية واإلصالحات المؤسساتية في الجزائر ،أطروحة دكتوراه في العلوم االقتصادية ،جامعة 2
214
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
ي عرف التكيف االقتصادي بأنه "مجموعة السياسات واإلجراءات التي يتم تطبيقها
استجابة للهزات االقتصادية الداخلية والخارجية المفاجئة التي يتعرض لها بلد يهدف لتحسين
وضع المدفوعات وتقليص عجز الموازنة وتحقيق تقدم في نموه االقتصادي "
ويتألف برامج التكييف االقتصادي من جزأين هما :برامج التثبيت الهيكلي وهي وفق ًا
لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي جملة من السياسات قصيرة المدى تهدف إلى خفض
التضخم واستعادة قدرة العملة على التحويل وتجديد خدمة الديون ،وهي تتضمن إجراءات
1
Yuhiro Hayamis. from the washington consensus to the post-washington consensus:
retrospect and prospect, asian development review, vol.20, n°2, 2003, p54.
Jeremy Clift, au-delà du Consensus de Washington, finances &développement, septembre
2
2003, p9.
215
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
لتخفيض اإلنفاق فضالً عن تطبيق سياسات مالية وائتمانية ونقدية انكماشية صارمة من أجل
إصالح عدم التوازن الخارجي والمتعلق بالميزانية ،توضع باألساس بوحي من صندوق النقد
الدولي " ،وتستند هذه البرامج على النظرية النيوكالسيكية لميزان المدفوعات التي تربط حل
مشكلة المديونية الخارجية بإجراء مجموعة من السياسات المالية والنقدية ذات الطابع القصير
" . المدى ألجل العودة إلى حالة التوازن في ميزان المدفوعات
1
إ يمان عبد الكاظم ،سحر عباس ،تحليل سياسات التكيف الهيكلي في بلدان عربية مختارة مصر والمغرب ،مجلة الغري 1
للعلوم االقتصادية واإلدارية ،جامعة الكوفة العراق ،اإلصدار ،12المجلد الثاني ،2009 ،ص.129
مدني بن شهرة ،مرجع سابق ،ص .22 2
216
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
بدأت المؤسسات المالية النقدية والدول المانحة ممارسة الضغوط السياسية واالقتصادية
على الدول النامية من خالل التركيز على اإلصالحات السياسة لما صار يعرف " بالمشروطية
السياسية " أو " الحكامة الجيدة " ،فلقد عرف تصور البنك الدولي تحوال في عام 1994من
خالل إعادة النظر في تطوير الدولة ودعم المؤسسات التشريعية والالمركزية ،و أضيف
مبدأ المشاركة كبعد مهم من أبعاد الحكامة وكوسيلة لتسهيل عملية التنفيذ ،كما قام صندوق
النقد الدولي 1996بالتركيز على اإلصالحات المؤسسية لمساعدة الدول على بناء ثقة القطاع
الخاص في النظام ،والمحافظة على تلك الثقة ،كما زاد اهتمامه بموضوع الحكامة الجيدة في
جميع المجاالت ،وأصبح معنيا أكثر بقضايا الفساد بحجة أنها تؤثر على السياسات المالية
1
واالقتصادية الكلية .
وعليه فإنه بعد إخفاق تطبيق المشروطية االقتصادية أرجعت المؤسسات المالية ذلك
لوجود أزمة حكامة أي إلى عوامل سياسية في الدول المستقبلة للمساعدات ،ولكي تبرر استمرار
مساعداتها أمام شعوبها رغم انتهاء الحرب الباردة رفعت شعار الدفاع عن المبادئ الديمقراطية
والحكامة الجيدة ،فالمشروطية السياسية كانت أقرب ألداة أيديولوجية تفرض الرأسمالية الليبرالية
محالً لالشتراكية على مستوى العالم ،وتوفر أساساً من المشروعية للزعامة الجديدة للغرب
بإسهامه في إسقاط النظم غير الديمقراطية ،فالهدف األساسي وراء هذا المفهوم هو استخدام
التعاون اإلنمائي للتأثير على الهياكل في البلدان المتلقية باستخدام أدوات تتجاوز التعاون
المالي والتقني ،يرى كل من Gordon Crawford, Simonida Kacarskaأن" الحكومات
الغربية أدخلت الشرطية السياسية ألول مرة في سياسة المساعدات التنموية الخاصة بها منذ
ربع قرن ،مهددة بتطبيق عقوبات على الدول المتلقية للمساعدات في حالة انتهاكات حقوق
.
2
اإلنسان أو التراجع عن الخيار الديمقراطي "
وبالتالي ،يتم وضع معايير ملموسة ،يجب على المتلقي الوفاء بها إذا كان يريد تلقي
المساعدات المالية ،من أجل التأثير على السياسات الداخلية للمستلم ،فالسمة المركزية لمفهوم
ليلى البرادعي ،الحكمانية والهيئات الدولية في مجال التعاون التنموي ،مداخلة في أعمال مؤتمر الحكم الرشيد والتنمية، 1
مركز دراسات بحوث الدول النامية ،مصر يومي 31-30مارس ،2003ص ص .424 ،423
2
Gordon Crawford and Simonida Kacarska, aid sanctions and political conditionality: continuity
and change, journal of international relations and development, volume 22, 2017, p 184.on
site:https://pure.coventry.ac.uk/ws/portalfiles/portal/19285795/Crawford_Kacarska_JIRDFin
al_SentforProofs_March2017_1_.pdf
217
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
الشرطية هي وظيفة الرافعة المالية ،وفقًا لذلك شهدت األلفية الثالثة تغير ملحوظا فأصبح
تخصيص المعونات يتم بناء على ضرورة تبني التسيير المرتكز على األداء وعلى جودة
1
الحكامة في اتخاذ ق اررات التخصيص.
وانطالقاً من هذه المبادئ فإن عدم التزام الدولة بالشروط السياسية التي تضعها
المؤسسات المالية الدولية يعرضها لوقف اإلمدادات والمساعدات المالية إليها بحجة أنها لم
توفر المناخ الديمقراطي المالئم الذي يساعد على تحقيق النمو االقتصادي ،ويتيح للدولة
سداد ديونها المترتبة على هذه المساعدات المشروطة ،واذا كان وجود هذه المؤسسات يوفر
إطا اًر مؤسسياً لتنظيم قواعد ومعايير تقديم المساعدات الرسمية ،فإنها في المقابل توفر غطاء
لسيطرة الدول الكبرى على القرار المالي وبالتالي على مقدرات الدول النامية عموما وهو ما
2
يوصف بشكل من إشكال االستعمار الجديد للدول النامية.
تجدر اإلشارة إلى أن المالية العامة في الدول النامية تتأثر بشكل مباشر بالتغييرات
التي عرفتها إدارة معونات التنمية الرسمية الرتباط جل اقتصاديات الدول النامية وخاصة الفقيرة
منها ببرامج المساعدات التي تشرف عليها المؤسسات المالية للدولة كما سبقت اإلشارة إليه،
وكذا وكاالت التنمية التابعة للدول الكبرى في إطار سياستها الخارجية مثل الوكالة األمريكية
للتنمية الدولية التي وضعت سنة 2001قانون النمو والفرص في إفريقيا والذي وضع شروطا
صارمة لتقديم المساعدات للدول اإلفريقية ومنها الشروط السياسية القائمة على دعم الخيار
الديمقراطي ،لكن الوقائع تثبت أن اعتبارات المصالح االقتصادية تتحكم دائما في تقديمها
للمساعدات ،ل ترى الوكالة ضرورة االنتقال من مبدأ المشروطية إلى مبدأ االنتقائية ،والتهديد
بمنع المساعدات عن الدول التي ال تحقق أداء جيدا وتحوال نحو الديمقراطية ،في الواقع يعكس
3
ازدواجية المعايير عن التطبيق والعينة ما قامت به الواليات المتحدة األمريكية في العراق .
ليلى البرادعي ،المعونات والمنح الدولية وأثرها على التنمية الشاملة في الوطن العربي ،مصر :أوراق عمل مؤتمر المعونات 1
والمنح الدولية وأثرها على التنمية الشاملة في الوطني العربي المنعقد بالقاهرة ،المنظمة العربية للتنمية اإلدارية ،في مارس
.12، 2007ص ص 11
2
Ahmed Shahana S, globalization: towards a liberalized or a re-colonized world?, african
political and economic monthly, vol.13, no.1, 2000, p.44.
ليلى البرادعي ،الحكمانية والهيئات الدولية في مجال التعاون التنموي ،مرجع سابق ،ص ص .424 ،423 3
218
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
ركزت دول االتحاد األوربي في شراكتها مع الدول اإلفريقية على البعد السياسي ،وربطت
ربطاً واضحاً بين السياسة واالقتصاد ،فبداية من نوفمبر 1991م قرر االتحاد األوربي أن
يجعل مساعداته للدول اإلفريقية مقيدة بشروط سياسية هي احترام حقوق اإلنسان ،والتقدم في
المسار الديمقراطي ،والحكامة الجيدة ،وترتب عليه تعليق مساعدات االتحاد األوربي لبعض
الدول الكبرى مثل نيجيريا ،السودان ،والكونغو كينشاسا رغم إعالن الدول اإلفريقية مع دول
1
المحيط الهادي والكاريبي رفضها لهذه المشروطية في اجتماع الطرفين في لومي1997م.
لقد عقدت مؤتمرات لمناقشة أهم السياسات المتبعة والقيم التي تحكم تقديم المساعدات
الرسمية الموجهة للدول النامية والفقيرة وأهمها األهداف اإلنمائية لأللفية ،وهي خالصة
لمجموعة مناقشات وحوارات حول التنمية في سبتمبر 2000ورغم أهميتها أال أنه وجهت لها
انتقادات بسب اعتمادها على معايير غير موضوعية واغفال األلويات التنموية الحقيقة ،يليها
مؤتمر مونتريه بالمكسيك ،2002ومؤتمر التنمية المستدامة في جنوب إفريقيا اللذان أكدا
على أهمية الشراكة والتعاون ،ثم إعالن باريس 2005الذي كان له تأثير كبير على حقل
معونات التنمية الرسمية أين حدد اثنا عشر مؤش ار لقياس فعالية المعونات والتأكد من مدى
2
التقدم نحو تنفيذ التعهدات التي جاء بها.
فلقد أثبتت التجارب في الدول التي تم تطبيق هذه اإلصالحات المشروطة اقتصاديا فيها
أن جوهر المشكلة ال يتمثل في التوازنات ذات الطابع النقدي فحسب ولكنه يمثل االختالل في
التوازن الحقيقي بين الموارد واالستخدامات ،أي أنها مشكلة نمو وتنمية فضال عن كونها مشكلة
توازنات ،فإن نجحت في تحقيق بعض التوازنات العامة على المستوى قصير األجل ،لكنها
فشلت في بناء قاعدة اقتصادية وقرار مالي عام يرتكز على النجاعة والكفاء وله القدرة على
3
تجاوز األزمات.
في هذا السياق نورد ما خلص إليه تقرير مقدم من الخبير المستقل السيد فانتو شيرو
حول آثار سياسات التكيف الهيكلي على التمتع الكامل بحقوق اإلنسان ،أين أكد على تردي
رواية توفيق ،القوى الكبرى والمشروطية السياسية في إفريقيا ،متاح على الرابط: 1
https://al-maktaba.org/book/1541/4428
ليلى البرادعي ،المعونات والمنح الدولية وأثرها على التنمية الشاملة في الوطن العربي ،مرجع سابق ،ص ص .11، 10 2
219
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
مستوى الرعاية االجتماعية في مجاالت الصحة والتعليم والتخفيف من الفقر في البلدان التي
شملتها برامج التكيف الهيكلي ،1فبعد مرور أربعة عقود على نيل بلدان العالم الثالث استقاللها،
فإن الفجوة بين األغنياء والفقراء في العديد من هذه البلدان اتسعت وأدت إلى تقويض الحقوق
االقتصادية واالجتماعية والثقافية للدول التي استفادت من هذه البرامج المشروطة اقتصاديا
ثم سياسيا ،و جعلت الفقراء يدفعون الثمن مرتين ولم تتحقق التنمية المنشودة ،لقد انتشر الفقر
واستفحلت البطالة وتم تدمير القطاع اإلنتاجي المحلي من خالل الخوصصة وتضررت العالقة
بين المجتمع والدولة الضعيفة التي صارت تح ـ ـاسب من قبل الدائنين وليس من قبل مواطنيها
2
كل هذا أسهم في رهن القرار المالي واألنظمة المالية لهذه الدول التي صارت بها
تشوهات عديدة نتيجة هذه اإلصالحات التي لم تراع السياق المحلي واعتمدت على مراعاة
مصالح المانحين التي تحكمها المصالح التجارية البحتة ،وان تمت صياغتها تحت مسميات
براقة كالحكامة الجيدة والديمقراطية وحماية حقوق اإلنسان ،لقد تعاظم تأثير دور المؤسسات
المالية الدولية لدرجة تجاوز التأثير في صناعة القرار المالي العام للدول إلى المساس بسيادتها،
فهنالك حكومات تم تغييرها بسب رفض هذه المؤسسات المالية منح القروض لها.
1وتشير اإلحصائيات إلى أن خالل األعوام األولى من مدة القروض التي يقدمها صندوق النقد الدولي في إطار برامج التكيف
الهيكلي ،فإن نسبة مئوية عالية تصل إلى 60في المائة من هذه البرامج اقتضت إجراء تخفيضات في اإلعالنات واإلنفاق
على القطاعات االجتماعية مثل التعليم األساسي ،والصحة األساسية ،والهياكل األساسية الريفية ،كما وثمة تدبير آخر يتعلق
بالميزانية وهو العمل على خصخصة الشركات المملوكة للدولة (الشركات شبه الحكومية) سعياً لزيادة الكفاءة واإلنتاجية .وقد
كان "بعاد الحكومة عن العمل" هو المبدأ الرئيسي الذي تستند إليه برامج التكيف الهيكلي .وعالوة على ذلك ،تسريح العمال
والموظفين ،واذا كانت هذه اإلجراءات تعتبر مستحسنة من الناحية النظرية ،فإن سياسة الخصخصة في بلدان عديدة قد
شوهت بالفساد واالفتقار إلى الشفافية ،مما أدى إلى إحالل "االحتكار الخاص" محل "احتكار الدولة" لألنشطة االقتصادية
ولتوفير الخدمات .ولم يؤد هذا إلى المنافسة والكفاءة .أنظر في هذا :األمم المتحدة ،المجلس االقتصادي واالجتماعي ،لجنة
حقوق اإلنسان ،الدورة الخامسة والخمسون ،التقرير رقم E/CN.4/1999/50المؤرخ في .24/02/1999
2جاء في التقرير ما يلي " وبما أن معظم هذه البلدان ال يوجد لديها إال هياكل سياسية ضعيفة جداً ،فقد مورست عليها سيطرة
مشتركة بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تحت ستار تقديم المعونة .ونتيجة لذلك ،فإن هذه البلدان قد تنازلت إلى حد
بعيد عن سيادتها لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي .وتبعاً لذلك ،فإن مسؤولياتها إزاء االلتزام باإلعالنات حول الحق في
التن مية وصياغة سياسات إنمائية وطنية ترمي إلى تحسين الحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية لمواطنيها قد قوضت
تقويضاً خطي اًر وباتت هاتان المؤسستان تتوليان إنفاذ استراتيجية الشمال القائمة على الكبح االقتصادي في جزء كبير من
العالم الثالث :إذ استخدمت أزمة الديون ك ذريعة مالئمة لفتح أسواق العالم الثالث وللحد من دور الدولة في التنمية الوطنية"
أنظر في هذا :األمم المتحدة ،المجلس االقتصادي واالجتماعي ،لجنة حقوق اإلنسان ،الدورة الخامسة والخمسون ،التقرير رقم
E/CN.4/1999/50المؤرخ في .24/02/1999
220
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
باإلضافة إلى المؤسسات المالية الدولية ووكاالت التنمية والمنظمات القارية والجهوية،
وتأثيرها على صياغة معايير الحكامة المالية وتأثيرها على القرار المالي المحلي ،هنالك
مؤسسات هي نتاج العولمة كالشركات المتعددة الجنسيات والمنظمة العالمية للتجارة ،حيث
عملت الواليات المتحدة األمريكية وحلفائها بداية من انهيار االتحاد السوفياتي على إحداث
تحول نوعي في مسار التحوالت العالمية ،بفعل تحولها إلى قطب يتولى إدارة النظام العالمي
الجديد من خالل تطوير وانتاج النظم المعرفية السياسية واالقتصادية إلى جانب المرجعيات
الفلسفية التي تبررها وتعزز هذا النظام العالمي الجديد.
العولمة ليست قد ار فرض بل هي توجه إيديولوجي تم اختياره من قبل الدول المتقدمة
نتيجة لسيادة االتجاهات السياسة المحافظة لهذه الدول وفي مقدمتها الواليات المتحدة األمريكية
وبريطانيا وبعض دول أوروبا الغربية حيت ترتكز النواحي المادية للعولمة على إيديولوجية
نيوليبرالية تتمثل في الحرية االقتصادية والسياسية ،ونظام السوق الحر ،والمنافسة واالنفتاح
1
العالمي.
بدأ هذا التوجه مع حكومة تاتشر ومستشارها " فريدريك فان هايك "سنة ،1979
والرئيس األمريكي ريغان ومستشاره " ميلتون فريدمان " سنة ،1980وكالهما أكدا على ضرورة
العودة إلى قوانين السوق ،وحرية رأس المال انسجاما مع روح الليبيرالية الجديدة التي في
مضمونها ظاهرة رأسمالية تنتمي إلى حرية الملكية والسوق الحر ،فمنطقها يفضي لحدوث
تفاوت هائل في الملكية والثروة وبالتالي وجود عدم المساواة.
في ضوء هذا السياق قامت آليات الصندوق والبنك الدوليين وكذا منظمة التجارة الدولية
بالترويج لهذا التوجه العالمي الجديد وفرضها على كافة دول العالم وخاصة دول العالم الثالث
تحت مسمى" برامج التكييف الهيكلي" ثم تحت مسمى" الحكامة الجيدة " ،حيث تتميز العولمة
بثالث سمات :العالمية التي من خاللها يتم تحجيم دور السلطات السياسة والحكومات ووضعها
صائب حسن مهدي ،العولمة ودور الشركات المتعددة الجنسيات في النظام العالمي الجديد ،الغري للعلوم االقتصادية 1
221
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
في إطار المؤسسات المالية والتجارية الدولية ،تركيز الشركات المتعددة الجنسيات وسيطرتها،
1
عولمة القوانين العالمية.
أفرز النهج المفروض ارتهان دول العالم لنظام رأسمالي عبر ظاهرة العولمة التي أدواتها
المؤسسات المالية الدولية ومنظمات دولية تحت مسميات وعناوين مختلفة ،لكن المضامين
تتشابه واألهداف واحدة ،فهي تكرس التبعية في شتى المجاالت التي من بينها المالية العامة
من خالل":
-إضعاف إمكانية ومقومات الدولة عبر الدور المتنامي للقطاع الخاص الطفيلي بما يؤدي إلى
إضعاف االقتصاد الوطني ويجعله عرضة لالبتالع من طرف رأس المال األجنبي عبر
الخوصصة التي هي إعادة توزيع الثروة لصالح البورجوازية المحلية واألجنبية ،ونقل األصول
اإلنتاجية لصالح القطاع الخاص بغض النظر عن هوية جنسيته.
-تزايد اعتماد المواطن في العالم الثالث في تامين المواد الغذائية األساسية على الغرب وفق
شروط منظمة التجارة العالمية.
-شطب أية إمكانية لتحقيق الفائض االقتصادي الالزم لعملية التنمية.
-في ضوء إلغاء التعريفات الجمركية وفتح األسواق سيعرض الصناعات الوطنية في جل دول
العلم الثالث إلى انهيار شبه شامل نتيجة إغراق السوق المحلي بمختلف المنتجات والسلع
.
2
األجنبية في ظل غياب القدرة على التنافس "
أنشئت منظمة التجارة العالمية 3بموجب اتفاقية مراكش ،19944بعد عقد عدة مؤتمرات
ومناقشات بين الدول ،وهي منظمة تعنى بحرية التجارة العالمية من خالل انتقال السلع
خير الدين صبري أحمد ،العولمة في الفكر االقتصادي ،تنمية الرافدين ،كلية اإلدارة واالقتصاد ،جامعة الموصل ،العراق، 1
222
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
والخدمات واألشخاص بين الدول ويترتب على ذلك عدة أثار اقتصادية وسياسية واجتماعية
وثقافية وبيئية ،تهدف المنظمة إلى " رفع مستويات المعيشة ،تحقيق التوظيف الكامل ،نمو
الدخل الحقيقي والطلب الفعال ،وتوسيع إنتاج وتجارة السلع والخدمات ". 1
تلتزم الدول األعضاء وفقا لميثاق منظمة التجارة العالمية بالخضوع لنظام مراقبة
لسياساتها التجارية واالقتصادية عن طريق أجهزة في المنظمة لها صالحيات واسعة في مواجهة
الدول األعضاء ولها اتخاذ تدابير مناسبة لضمان تطبيقها ،تتضمن هذه االتفاقيات والبروتكوالت
ومالحقها ق اررات وأحكام تقيد من سلطان الدولة وتلزمها باتخاذ إجراءات وتدابير معينة في
أنظمتها القانونية واالقتصادية والمالية خصوصا لتتوافق مع ميثاق المنظمة واالتفاقات الملحقة
2
بها.
تلعب المنظمة كأحد نتائج العولمة دو ار فاعال في صياغة عدد من القواعد
الموضوعاتية التي لها تأثير مباشر وفعال في رسم السياسات في العالم ،بالنظر لعدد الدول
األعضاء الذي يعرف تزايدا مستم ار وحجم تأثير واضح في ميزان القوى العالمية ،في سياق
التحوالت نحو تبني اقتصاد السوق وعمليات التحرر المالي عملت المنظمة على تهيئة واعادة
صياغة اقتصاديات الدول النامية عبر فرض قوانين وتشريعات جديدة تجعل بدورها من
اقتصادي ات تلك الدول أكثر استعدادا لتبني سياسات تفتح بموجبها أسواقها أمام شركات
االستثمار األجنبية وتؤدي وظائف محددة طبقا لمتطلبات خروج النظام الرأسمالي من أزمته
العامة وأزمة االقتصاد األمريكي خاصة.3
تقوم المنظمة العالمية للتجارة بتدويل التجارة وتحريرها من خالل جملة من المبادئ
والقواعد والتي تأتي على رأسها شرط الدولة األولى بالرعاية ،ومبدأ شرط المعاملة الوطنية
ومبدأ التخفيض التدريجي للرسوم التجارية الجمركية ،فالهدف الرئيسي لها هو تحرير المبادالت
التجارية وذلك بالتحكم في السياسات المالية الوطنية وخاصة للدول الضعيفة التي ليس أمامها
1األمم المتحدة ،مؤتمر األمم المتحدة حول التجارة والتنمية ،تسوية النزاعات ،منظمة التجارة العالمية ،نيويورك وجنيف،
.03 ،2003ص
2أحمد عبد اهلل الماضي ،جاسم محمد حسين علو ،مفهوم تحرير التجارة العالمية وأثره على النظام القانوني واالقتصادي وسيادة
.409 الدول ،مجلة جامعة تكريت للحقوق ،العراق ،العدد ،01الجزء ،2016 ،02ص
نعمان عباس ،ندا الحياني ،منظمة التجارة العالمية واالقتصاديات النامية ،مجلة جامعة تكريت للعلوم اإلنسانية ،العدد ،3 3
223
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
سوى محاولة التكيف ،وازالة القيود أو أي إجراء لحماية قرارها المالي تفاديا للعقوبات التي
تفرضها المنظمة في هذا اإلطار.
ثانيا :الشركات المتعددة الجنسيات :تمثل الشركات المتعددة الجنسيات 1اليوم أكثر األنماط
تعبي ار عن عولمة االقتصاد ،لما لها من نفوذ متنامي ،بفعل تنوع نشاطاتها ومصادر ربحها
وامتالكها لزمام التكنولوجيا والتقنية التي مكنتاها من أحكام سيطرتها على قطاعات األعمال
والمال في العالم ،مستفيدة من تراجع دور الدول أمامها وظهور فواعل جديدة تساهم في منحها
تأثي ار بالغا على أنظمة المالية العامة للدول.
لقد عرفت اللجنة الفرعية لتعزيز وحماية حقوق اإلنسان باألمم المتحدة الشركة متعددة
الجنسيات " بأنها " يشير تعبير شركة عبر وطنية " إلى كيان اقتصادي يعمل في أكثر من بلد
واحد أو إلى مجموعة كيانات اقتصادية تعمل في بلدين أو أكثر ،أيا كان الشكل القانوني الذي
تتخذه سواء في موطنها أو في البلد الذي تمارس فيه نشاطها وسواء نظر إليها منفردة أو
مجتمعة :األمم المتحدة ،المجلس االقتصادي واالجتماعي ،اللجنة الفرعية المعنية لتعزيز
وحماية حقوق اإلنسان ،القواعد المتعلقة بمسؤوليات الشركات عبر الوطنية وغيرها من
اإلنسان . مؤسسات األعمال في مجال حقوق
2
وبفضل ما تتمتع به من إمكانيات تؤثر الشركات المتعددة الجنسيات في صناعة القرار المالي
العالمي ،كما لها تأثير كبير على القرار المالي للدول النامية ،فهي تتدخل في الشؤون الداخلية
للدول ،ويمكن القول بأن سيادة الدول النامية مهددة بالخطر نتيجة تأثيرات هذه الشركات":
-مخالفة الشركات المتعددة الجنسيات لتشريعات الدول التي تعمل فيها كمخالفة قوانين
االستثمار األجنبي والسياسة الضريبية والتجارية المتعلقة بالعمل وسياسة األسعار.
-التدخل المباشر وغير المباشر في الشؤون الداخلية للدول التي تعمل فيها.
-مطالبة هذه الشركات لحكوماتها باتخاذ إجراءات ذات صبغة سياسية واقتصادية للضغط على
حكومات الدول التي تعمل فيها لخدمة مصالحها الخاصة.
-رفضها قبول تطبيق القانون الداخلي المتعلق بالتعويض في حالة التأميم.
1تفضل األمم المتحدة استخدام مصطلح الشركات عبر الوطنية على باقي المصطلحات مثل الشركات فوق القومية،
الشركات العابرة للقارات ،الشركات المتعددة القومية ،الشركات الكروية ،الشركات الدولية النشطة ،الشركات الكونية.
2وثيقة رقم ،E/Cn.Sub.2/2003/12/Rev.2المؤرخة في 26اوت .2003على الرابط:
https://undocs.org/ar/E/CN.4/Sub.2/2003/12/Rev.2
224
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
-عرقلة جهود الدول المتخلفة الستغالل ثرواتها من أجل ممارسة السيطرة الكاملة على مواردها
الطبيعية.
-رفضها اللجوء لمحاكم البلد المضيف في حال نشوب نزاعات للمكانة االقتصادية التي تتمتع
بها هذه الشركات وتفوقها على الدول المضيفة من ناحية اإلمكانيات المادية والتكنولوجية
" . والمعلومات المتاحة
1
لقد أصبحت هذه الشركات المتعددة الجنسيات تسيطر على مقاليد االقتصاد العالمي
بمختلف مظاهره التجارية والمالية والتكنولوجية باإلضافة إلى االستثمار األجنبي المباشر،
وغنى عن الذكر أنها ترتبط في غالبيها بالدول الصناعية بما يتيح لهذه األخيرة التأثير المباشر
في توجيه األنظمة المالية العامة للدول النامية ،وبهذا تعد الشركات المتعددة الجنسيات أحد
قوى العولمة األكثر توجيها لسياسات المالية العالمية ،لتتحول لقوة رئيسية ،وفي هذا يرى
جوزيف كاميللري " أن تزايد قوة وهيمنة الشركات المتعددة الجنسيات دفع بميزان القوة في العالم
إلى أن يتحرك على نحو ثابت لمصلحة الشركات في الوقت الذي تتجرد فيه الدولة تدريجيا
من سلطانها في ممارسة الحكم ".2
نخلص إلى أن فواعل الحكامة المالية العامة تتمثل في األجهزة الحكومية الداخلية
ممثلة في السلطة التنفيذية كفاعل رئيسي في صناعة القرار المالي وسلطة تشريعية كفاعل
محدود إضافة لدور متنامي للمجتمع المدني في ظل تفاعله مع السياق العالمي ،غير أن
الفاعل األكثر تأثي ار في توجيه القرار المالي يبقى العولمة بأدواتها المتمثلة في المؤسسات
المالية ومنظمة التجارة العالمية والشركات المتعددة الجنسيات التي تعمل على توجيه األنظمة
المالية العامة من خالل عملية توحيد معايير الحكامة المالية العامة وفرضها كنموذج عالمي.
أحمد عبد العزيز ،جاسم زكريا ،فراس عبد الجليل ،الشركات المتعددة الجنسيات وأثرها على الدول النامية ،مجلة اإلدارة 1
225
الفصل الثالث
حكامة اإلنفاق العام
بين رهانات الفعالية
وتحقيق العدالة
االجتماعية
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
أدى تزايد حجم اإلنفاق العام وشح الموارد المالية من جهة ،وانتشار مظاهر الفاسد
واختالس المال العام واستغالله ألغراض شخصية من جهة ثانية ،إلى تصاعد المطالبة بضرورة
المحافظة على المال العام وحسن تدبيره ،وهو األمر الذي أصبح يتطلب إرساء مبادئ الحكامة
المالية المتمثلة في الشفافية والمساءلة والرقابة والمشاركة في تسيير المالية العامة بشكل عام
وتسيير اإلنفاق العام بشكل خاص ،هذا التوجه نحو ترشيد اإلنفاق العام أصبح مطلبا للدول
المتقدمة وضرورة بالنسبة للدول النامية ،غير أن الوصول إلى تحقيقه يشكل إشكالية تتطلب
صياغة نموذج يستطيع الجمع بين الشرعية ،المساواة ،العدالة من جهة ،والفعالية الكفاءة
واألداء والنتائج من جهة ثانية ،كما يقوم على التحكم في التحوالت الداخلية والرهانات الخارجية
المتمثلة في العولمة وآثارها.
المبحث األول :حكامة اإلنفاق العام والفاعلين في مجالها
لقد شكل االهتمام بمسألة تحقيق حكامة اإلنفاق العام اهتمام السياسيين والمسيرين على
السواء ،حيث اختلفت الرؤى واالتجاهات في تفسير ماهية حكامة اإلنفاق العام إلى قسمين
رئيسين يعالج األول منهما الحكامة أو الترشيد االقتصادي ويتعلق الثاني بالحكامة السياسية،
وبالنظر لحالة العجز عن تحقيق الرشادة في تسيير المالية العامة وتحقيق الرشادة في تدبير
اإلنفاق العام ،وسعى توجه ثالث إلى محاولة التوفيق بين األمرين ودمج الجوانب اإليجابية في
كلتا المقاربتين بما يضمن تحقيق فعالية اإلنفاق العام.
المطلب األول :ماهية حكامة اإلنفاق العام
تعتبر حكامة اإلنفاق العام من المواضيع المهمة قديما وحديثا خاصة في ظل المشكالت
االقتصادية واألزمات المالية التي يعرفها المجتمع المعاصر ،لذا تعددت التعريفات المقدمة لها
الفرع األول :تعريف حكامة اإلنفاق العام
من أهم التعريفات المقدمة لحكامة اإلنفاق العام " العمل على زيادة فاعلية اإلنفاق العام
بالقدر الذي يمكن معه زيادة قدرة االقتصاد الوطني على تمويل ومواجهة التزاماته الداخلية
1
والخارجية مع القضاء على مصدر التبديد واإلسراف إلى أدنى حد ممكن"
كما تعرف أيضا " مجموعة من القوانين والنظم التي تهدف إلى تحقيق الجودة والتمييز
في األداء ،عن طريق اختيار األساليب المناسبة والفعالة لتحقيق الخطط واألهداف ....و تعني
1أحمد عبد المنعم ،أحمد فريد مصطفى ،االقتصاد المالي الوضعي واإلسالمي ،مؤسسة شباب الجامعة ،اإلسكندرية ،مصر،
،1999ص .72
227
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
النظام أي وجود نظم تحكم العالقات بين األطراف األساسية التي تؤثر في األداء كما تشمل
1
مقومات تقوية المؤسسة على المدى البعيد وتحديد المسؤول والمسؤولية "
تعني حكامة اإلنفاق العام التسيير العقالني لموارد الدولة ويمكن تعريفها من هذا
الجانب بـ " مجموعة اإلجراءات والقوانين والنظم والق اررات ،التي تضمن االنضباط ،الشفافية
والعدالة ،بهدف تحقيق الجودة والتميز في األداء ،عن طريق ترشيد تصرفات اإلدارات الحكومية
في استغالل الموارد االقتصادية المتاحة ،بما يحقق أفضل منافع ممكنة لكافة األطراف ذوي
المصلحة والمجتمع ككل".2
وعليه تعتمد حكامة اإلنفاق العام "على الكفاءة من جهة من خالل تحقيق أكبر ناتج
في إطار معق ول من التكاليف ،واعتماد الفعالية من جهة أخرى ،باعتبارها مقياسا لألهداف
اإلنفاقية المسطرة من قبل الدولة عبر االلتزام بمجموعة من الضوابط التي يمكن تحدديها في
العناصر اآلتية:
-تحديد الحجم األمثل للنفقات العامة.
-فرض الرقابة على النفقات.
3
-الحرص على تجنب اإلسراف والتبذير".
ترتبط حكامة اإلنفاق العام باإلطار العام لتحقيق حكامة المالية العامة الذي يتجسد من
خالل التطبيق العملي لمعايير الحكامة المالية الجديدة التي صاغتها المؤسسات المالية الدولية
بهدف تحقيق الفعالية في صرف المال العام ،تقوم هذه المقاربة على إدخال مفاهيم المناجمنت
العمومي الجديد التي تركز على مسألة األداء وتحقيق النتائج وعملية التقييم المستمر ،هذا
النموذج تسعى المؤسسات سالفة الذكر لتعميمه في سياق العولمة المالية من خالل آلية الشراكة
من جهة ،وكذا وضعه كشروط لمنح مساعدات التنمية بالنسبة للدول النامية والفقيرة .
ينصب تركيز المؤسسات المالية الدولية مثل البنك والصندوق الدوليين ومنظمة التعاون
والتنمية االقتصادية على مسألة تحقيق حكامة اإلنفاق العام من خالل توجيه سياسات اإلنفاق
هشام طلعت عبد الحكيم ،عماد عبد الحسين دلول ،حوكمة الشركات ودورها في التقييم العادل لألسهم العادية (دراسة 1
تطبيقية في سوق العرق لألوراق المالية) ،مجلة اإلدارة واالقتصاد ،العراق ،العدد ،2009 ،77ص .47
2علي عبد الوهاب ،شحاته السيد شحاته ،مراجعة الحسابات والحكومة في بيئة األعمال الدولية المعاصرة ،الدار الجامعية،
مصر ،2007،ص .17
ناريمان رقوب ،معالجة العجز الموازني في الجزائر بين متطلبات حوكمة اإلنفاق العام وضرورة استدامة مصادر التمويل، 3
مجلة معارف ،جامعة اكلي محند أولحاج البويرة ،العدد ،2017 ،22ص .165
228
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
العام وفق معايير محددة تهدف إلى التقليل من هدر المال العام وتسمح بزيادة مردوديته ،هذه
المعايير مستوحاة في فلسفتها من االعتماد على آليات وتعاليم المناجمنت العمومي الجديد
التي أثبتت نجاحها في القطاع الخاص ،ويتم إدماجها في تسيير المنظمات العامة بهدف
1
تحقيق عقلنة وترشيد تسييرها ،حيث تركز على" عملية تخفيض و إعادة توجيه اإلنفاق العام".
يرتبط حجم اإلنفاق العام المتزايد بالنسبة للدول النامية بالمجال االجتماعي والعمل على
تحقيق مهمة التنمية ،باإلضافة لتخصيص جزء كبير من ميزانيتها للمجال األمني من جهة،
كما يرتبط بضعف منهجية التسيير العمومي ،وفشل برامج اإلصالحات التي أملتها المؤسسات
المالية الدولية عليه من جهة أخرى ،وهو ما خلق أزمة مالية ومديونية وعجز مزمن في
ميزانيتها ،تسعى لتجاوزه بتبني عملية إصالح تسيير اتخاذ القرار المالي العام وتبني مفهوم
حكامة اإلنفاق العام تلبية لشروط المؤسسات المانحة ومسايرة للتحوالت التي يعرفها السياق
الدولي ،وكذا الرهانات الداخلية المرتبطة بتحقيق العدالة االجتماعية والتنمية المحابية للطبقات
األكثر فقرا.
الفرع الثاني :المفاهيم المشابهة لحكامة اإلنفاق العام
توجد عدة مفاهيم مشابهة لحكامة اإلنفاق العام وتربطها بالمفهوم عالقة مثل الرشادة،
والعقالنية ،كفاءة اإلنفاق العام ،التقشف ،التنمية ،لذا وجب توضيح هذا الجانب الذي يبين
أهمية آليات الحكامة في تحقيق رشادة اإلنفاق العام مقارنة ببعض المفاهيم المشابهة له والتي
منها:
أوال :الترشيد االقتصادي أو العقالنية االقتصادية و المناجيريالية يعتبر مصطلح الترشيد من
المصطلحات األكثر استعماال في التحليل االقتصادي ولكنه يحمل معاني متعددة ،ولقد نشأ
مصطلح الرشادة االقتصادية والعقالنية االقتصادية مع المدرسة الحدية التي أرادت تفسير
السلوك البشري بنتائج حساسة ودقيقة ،وهو في كل الحاالت ال يخرج عن تحقيق األهداف
2
المحددة بأقل تكلفة ممكنة سواء كان ذلك بالنسبة لألفراد أو الهيئات العامة.
أحمد نعيمي ،دور الرقابة على الموازنة العامة في ترشيد اإلنفاق العمومي ،أطروحة دكتوراه في علوم التسيير ،جامعة 1
229
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
2
وتحيل العقالنية 1إلى كل ما هو منطقي فهي تمثل" القدرة على التفكير المنطقي وبعقالنية "
تطور مفهوم العقالنية في الدارسات المتعلقة بالتسيير عبر مراحل كانت بداياتها مع
فريدريك تايلور ومفهوم الرجل االقتصادي ،انتقاال إلى مفهوم الرجل االجتماعي لفايول ،إلى
ماكس فيبر والعقالنية القانونية التي تمثل خصوصية من خصوصيات تسيير اإلدارة العمومية
التي ميزت فترة دولة الرفاه ،وكانت قائمة على مقترب أساسه القانون ،هذه العقالنية اصطلح
على تسميتها بالعقالنية الكالسيكية" ،إلى العقالنية الحديثة التي تدعو إلى أن تكون العقالنية
في النسق التسييري بكامله وليس سلطة مفروضة مثلما كانت من قبل واعطاء سلطة للمسيرين
.
3
الستهداف النسق التسييري في حد ذاته "
تعني العقالنية االقتصادية " التصرف االقتصادي االستهالكي أو اإلنتاجي بما يوفر
المنفعة االستهالكية بأقل تكلفة ممكنة ويزيد في العائد االقتصادي من الموارد الموضوعة في
العملية اإلنتاجية ،فالعقالنية أو الرشادة مقولة ليست بعيدة عن " االقتصادية économisme
" التي ترى في سلوك الفعاليات االقتصادية من حيث السلوك والقيم والتقويم تطبيقا للنظريات
االقتصادية وطرائق علم االقتصاد وحسب ،وهي قريبة جدا من " العقلنة " rationalisation
االقتصادية بمعنى السلوك االقتصادي الذي يهدف إلى تحقيق النجاعة االقتصادية في أي
.
4
تصرف "
في حين تقوم العقالنية المناجيريالية على مبدأ الفعالية 5الذي يشكل قلب هذه المقاربة
"وهي تشكل نموذجا رمزيا ،ولم تعد األخالق معيا ار إلزاميا للحكم ،بل مجرد متغير يتم أخذه
1
John WHALLEY, Rationality , irrationality and economic cognition ,cecifo working paper n.
1445 category 10 empirical and theorical methods, ontario, n6a 5c2 canada, 2005, p07.
يعرف ماكس العقالنية بأنها "تلك القواعد والقوانين التنظيمية التي تنتجنها السلطة القائمة ،وتعطي للتنظيم الفاعلية والنجاعة 2
وتكون متحررة من كل الضغوطات غير العقالنية" أنظر في هذا :مراد بن سعيد ،العقالنية التسييرية في اإلدارة الجزائرية،
رسالة ماجستير ،غير منشورة ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة باتنة ،2004/2003 ،ص.04
3المرجع نفسه ،ص.08
محمد بن عزة ،مرجع سابق ،ص 66 4
230
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
في الحسبان في حسابات التكلفة من الربح أو الخسارة ،األمر الذي يجعل من الحكم على
الفعالية ال يتم وفق معايير النزاهة واألخالق ،بل على العكس سيتم إعادة النظر ومراجعة هذه
الفعالية" . المعايير باستخدام أسس أو مؤشرات
1
تهتم العقالنية المناجيريالية في مجال التسيير المالي العام واإلنفاق العام خصوصا
بمبدأ الفعالية وتحقيق النتائج التي تشكل أولوية تطغى على باقي األهداف األخرى ،وهو ما
أن المقولة الشهيرة لالقتصادي John Maynard
عبر عنه Thibault Le Texierبقوله " ّ
أن المشكلة السياسية لإلنسانية تكمن في الجمع بين ثالثة أمور أساسية هي: ّ Keynes
الفعالية االقتصادية ،والعدالة االجتماعية ،والحرية الفردية ،قد أصبحت في واقعنا اليوم تعكس
تصميم وتفسير العنصرين األخيرين وفق نمط التفكير المناجيريالي ،الذي يعكس عقالنية
مناجيريالية ".2
ثانيا -التقشف يشير في المعنى العام لصعوبة العيش وخشونته بسب عدم كفاية حاجيات
اإلنسان ،وفي االصطالح السياسي إلى برنامج حكومي ذو طابع اقتصادي يستهدف الحد من
اإلسراف من زيادة في اإلنفاق على السلع االستهالكية وتشجيع االدخار والعمل على مضاعفة
اإلنتاج لتجاوز األزمة المالية ،أما في االصطالح االقتصادي فيعني السياسية الحكومية الرامية
لخفض اإلنفاق العام وغالبا ما يكون من خالل تقليص الخدمات العامة بهدف تحقيق نوع من
التوازن بين اإلنفاق العام للدولة وايراداتها العامة باستخدام أدوات السياسية المالية ،حيث
يرى MARk BLYTHفي كتابه "التقشف تاريخ فكرة خطرة "أنه على الدول أن تتعايش بحدود
3
إمكانياتهاالمالية دون اللجوء لمزيد من االقتراض.
231
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
تختلف سياسية التقشف المتخذة من قبل الدول فمثال قامت بعض الدول مثل اليونان
باتخاذ تدابير تقشفية واضحة مثل زيادة الضرائب وتخفيض المعونات وخفض رواتب القطاع
العام ،وفي دول أخرى مثل بريطانيا قامت باتخاذ تدابير إعادة هيكلة نظام الرعاية االجتماعية
واجراء بعض التخفيضات عليه ،لكن الغالب على اإلجراءات المتخذة في مجال سياسية التقشف
هو مزيج من زيادة الضرائب المباشرة وغير المباشرة ،بينما على جانب اإلنفاق العام يتم
تخفيض المعاشات العامة لموظفي الدولة ،وتقليص الخدمات العامة التي لها تأثير مباشر على
المستوى المعيشي لمحدودي الدخل والطبقات الفقيرة في المجتمع.
يركز أنصار التيار النقدي على ضرورة اتباع سياسة نقدية متشددة من قبل البنك
المركزي تؤثر بشكل غير مباشر وسريع على االقتصاد من خالل األدوات الكمية للسياسية
النقدية والتشديد على إلغاء دور السياسة المالية ،بسب اعتقادهم أن تدخل الدولة في االقتصاد
يؤدي حتما لحدوث آثار سلبية على النشاط االقتصادي يؤمنون بقدرة إجراءات السياسية النقدية
1
على تغير سلوك األفراد اإلنفاقي.
ثالثا :كفاءة اإلنفاق العام
يعرف Vincent plauchetالكفاءة بأنها "القدرة على القيام بالعمل المطلوب بقليل
من اإلمكانيات ،والنشاط الكفء هو النشاط األقل تكلفة" ،2وفي ظل المقاربة المناجيريالية التي
تعرف رواجا كبي ار يشير مفهوم كفاءة اإلنفاق العام إلى تعظيم القيمة وتخفيض التكلفة ،بحيث
تعمل المنظمات العمومية على االستعمال األمثل للموارد المتاحة لتحقيق النتائج المسطرة من
خالل تعظيم األرباح ،وتقليل التكاليف ،وتعكس العالقة بين المدخالت والمخرجات ،تقوم
الكفاءة على عالقة نسبية بين التكلفة والناتج أو بين المدخالت والمخرجات فيقصد بها تقنين
". بين بعديها
البعد األول :كفا ءة المخرجات وتعني تحقيق أكبر قدر من المخرجات بنفس القدر من
المدخالت ،وعلى هذا تقاس المخرجات الفعلية إلى المخرجات المتوقعة عند قدر معين من
المدخالت.
1سمير سهام داود ،منعم حسين علي ،التقشف المالي في العراق أسبابه وآثاره على مؤشرات األداء االقتصادي ،مجلة العلوم
االقتصادية واإلدارية ،العراق ،المجلد ،25اإلصدار ،2019 ،112ص350.
2الشيخ الداوي ،مرجع سابق ،ص.220
232
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
البعد الثاني :كفاءة المدخالت وتعني تحقيق قدر معين من المخرجات بقدر أقل من المدخالت،
ومن ثم تقاس المدخالت الفعلية إلى المدخالت المتوقعة عند قدر معين من المخرجات ،عندما
تكون مخرجات اإلنفاق العام قابلة للقياس الكمي ،أما إذا كانت تلك المخرجات ذات طابع
1
اجتماعي فيمكن االعتماد على مقاييس وسيطة".
تحقيق عملية قياس كفاءة اإلنفاق العام عملية معقدة بالنظر لتعدد أهداف اإلنفاق العام،
وكذا الصعوبة المرتبطة بعدم القدرة على عزل تأثير العوامل الخارجية المحيطة المؤثرة بدورها
2
في كفاءة اإلنفاق العام.
وعلية فتحقيق كفاءة اإلنفاق العام يعتبر مدخال مهما لتحقيق مفهوم حكامة اإلنفاق العام
على اعتبار أنها تستهدف تحقيق االستغالل األمثل للموارد المتاحة لتحقيق المنفعة القصوى
ببذل أقل التكاليف.
رابعا :ترشيد اإلنفاق العام حيث يعني الترشيد في مجال اإلنفاق العام " التصرف باألموال
وانفاقها بعقالنية وحكمة ،وعلى أساس رشيد طبقا لما يملي به العقل " فهو " ضبط النفقات
واحكام الرقابة عليها ،والوصول بالتبذير واإلسراف إلى الحد األدنى ،وتالفي النفقات غير
الضرورية ،وزيادة الكفاية اإلنتاجية ،ومحاولة االستفادة القصوى من الموارد االقتصادية والبشرية
" . المتوفرة
3
يتعلق ترشيد اإلنفاق العام بتحقيق الكفاءة والفعالية في استخدام الموارد العامة المتاحة
دون إسراف وال تبذير مع التركيز على تحقيق األهداف المرجوة من كل عملية إنفاق ،ولبلوغ
هذه األهداف مجموعة من الضوابط منها :تحديد الحجم األمثل للنفقات العامة ،إعداد دراسات
الجدوى للمشروعات العامة ،التركيز على نظم الرقابة والتدقيق والمحاسبة ،تجنب اإلسراف
والتبذير ،فهو" يعني التزام الفعالية في تخصيص الموارد والكفاءة في استخدامها بما يعظم
رفاهية المجتمع ".4
محمد عمر أبودوح ،ترشيد اإلنفاق العام وعالج عجز ميزانية الدولة ،دارسة تحليلية مقارنة لميزانيات ،األداء ،التخطيط 4
والبرمجة األساس الصفري في ضوء متطلبات ترشيد اإلنفاق العام ،الدار الجامعية ،اإلسكندرية ،2006 ،ص .44
233
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
وعليه يتعلق المفهوم " باالستخدام األمثل للنفقات العامة على أحسن وجه ممكن لتحقيق
األهداف المرجوة بغية تحقيق أكبر نفع ممكن للجميع عن طريق رفع كفاءة هذا اإلنفاق ،والعمل
" . على زيادته ،والقضاء على كل أشكال اإلسراف والتبذير
1
يمكن تعريفه إجرائيا بأنه " االستخدام األحسن للنفقات العامة بهدف بلوغ األهداف
المسطرة وفق مقتضيات الكفاءة والفعالية ومعايير الشفافية والرقابة والمساءلة بما يضمن تحقيق
العدالة االجتماعية ".
الفرع الثالث :عوامل نجاح حكامة اإلنفاق العام
تتعلق عوامل نجاح عملية حكامة اإلنفاق العام بتوفر متطلبات ضرورية ترتبط بتوفر
شروط موضوعية تتعلق أساسا ببناء بيئة تنظيمية سليمة من خالل كفاءة في الجهاز اإلداري
وهو ما يعني إصالح نظام تسيير المالية العامة ،وكذا توفر رقابة فعالة ما يفيد بضرورة القيام
بإصالح محاسبي يستطيع مواكبة التطورات المتسارعة في مجال التكنولوجيا ،كما تسمح هذه
العوامل بمساهمة الفواعل الجديدة المتمثلة في المجتمع المدني والقطاع الخاص في عملية
تحقيق حكامة اإلنفاق العام عبر آليات الحكامة المالية المتمثلة في الشفافية ،المشاركة
،المساءلة ،الرقابة.
أوال :توفير بيئة تنظيمية سليمة وارادة سياسية قوية ،يتعلق تجسيد مفهوم حكامة اإلنفاق
العام بتبني معايير الحكامة المالية القائمة على التسيير باألداء المرتكز على النتائج حيث
المعلومات متاحة للجميع والرقابة والمساءلة ممكنة ،بما يمكن من متابعة اتخاذ وتنفيذ ورقابة
ق اررات اإلنفاق العام من قبل الفاعلين ،األمر الذي ال يتوفر إال في ظل وجود إرادة سياسية
قوية بالنظر لكون تخصيص الموارد ألوجه معينة من لإلنفاق يثير العديد من الحساسيات بين
الفئات المختلفة في المجتمع ،خاصة إذا أتيح للجميع التعبير عن آرائهم و مناقشة قضايا
تخصيص الموارد ،وتوفرت إمكانية إعادة النظر فيها ،مما يجعل وجود حكومة قومية تستند
إلى شرعية انتخابية أم ار ضروريا لمواجهة مثل هذه التحديات التي تتعلق بمصير األجيال
2
حاض ار ومستقبال.
حكيم بوجطو ،عصرنة نظام الموازنة وأهميتها في ترشيد النفقات العامة ،أطروحة دكتوراه في العلوم االقتصادية ،جامعة 2
234
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
ثانيا :كفاءة وفعالية الجهاز اإلداري :حيث يرتبط نجاح عملية حكامة اإلنفاق العام بمدى قدرة
الجهاز اإلداري على التعامل مع قضايا إصالح تسيير المالية العامة بفعالية وكفاءة وأداء ،في
هذا اإلطار" اتجهت معظم اإلدارات العمومية في مختلف دول العالم إلى تبني مجموعة من
اإلصالحات اإلدارية التي تسعى في مجملها إلثبات عقالنية تسييرية في اإلدارة العامة واالبتعاد
عن العقالنية القانونية البيروقراطية الفيبرية التي ميزت اإلدارة العامة في مرحلة دولة الرفاه
....والسعي لالستفادة من المفردات التسييرية وحديث الفعالية والكفاءة في تسيير اإلدارة
" . العامة ،وهو ما تجلى من خالل تبني مفهوم المناجمنت العمومي
1
األمر الذي يعكسه االنتقال إلى مقاربة المناجمنت في القطاع العام واالستعمال المتزايد
لمجموع التقنيات المستعملة في القطاع الخاص بحثا عن تحقيق النجاعة في تسيير اإلنفاق
العام مثل االعتماد على التسيير باألداء المرتكز على النتائج ،التخطيط االستراتيجي ،التدقيق،
رقابة التسيير ،التقييم ...الخ.
ثالثا :إرساء نظام محاسبة ورقابة فعال :يرتبط الوصول لتحقيق فعالية اإلنفاق العام بوجود
نظام محاسبي يتوافق مع معايير المحاسبة الدولية للقطاع العام والمعايير الدولية للرقابة المالية،
كما يقوم على دعم األجهزة الرقابية بكل الوسائل الحديثة التي تمكنها من ضبط الفساد
ومحاربته ،إذ يرتبط مستوى حكامة النفقات العامة ارتباطا وثيقا بطبيعة األطر المحاسبية
والميزانياتية المشكلة لنظام المحاسبة العمومية للدولة ،وقد شهدت المفاهيم المتعلقة بهذه األخيرة
تغي ار جذريا من حيث األهداف باالنتقال بشكل أساسي من التركيز على الشكل والمطابقة
2
القانونية إلى الحرص على تحقيق النتائج ورفع مستوى األداء.
ويركز على الرقابة سواء المالية التي تتعلق بتعقب األخطاء المحاسبية ومدى االلتزام
بالقوانين واألنظمة المعمول بها ،والتأكد من أن األموال قد تم صرفها في األغراض المخصصة
لها ،أو رقابة األداء التي تعني بقياس مدى تحقق األهداف المرجوة من عملية اإلنفاق العام
3
بناء على النتائج المحققة فعليا.
نادية مغني ،دراسة وتقييم نظام المحاسبة العمومية في الجزائر على ضوء المعايير المحاسبية الدولية في القطاع العام، 2
أطروحة دكتوراه في علوم التسيير ،تخصص إدارة األعمال ،2016/2017 ،ملخص األطروحة.
3أحمد نعيمي ،مرجع سابق ،ص .291
235
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
وهنا نشير إلى ارتباط رقابة التسيير-المهتمة بمعرفة درجة تحقيق األهداف أي رقابة
الفعالية واذا ما كان استعمال الوسائل المتاحة تم بطريقة مثلى مقارنة باألهداف المحققة أي
رقابة المردودية -بتحميل المسؤولية للمسيرين العموميين مع إعطائهم حرية أكبر من أجل
اتخاذ الق اررات والعمل بكل حرية ،ويجعل مفاهيم تقييم البرامج ومراقبة الجودة والمراقبات من
الهيئات العليا حول التسيير العمومي تقبل على أنها وسائل عقلنة الستعمال الموارد المحدودة
1
للدولة وتوجيهيها لتحقيق أفضل النتائج.
رابعا :إفساح المجال للفواعل الجديدة من القطاع الخاص والمجتمع المدني :التركيز المستمر
عجز في
ا على الدولة في إقامة المشاريع العامة وتسييرها أثبت زيادة اإلنفاق العام وخلق
الميزانية ونموا للمديونية ،وأصبح فتح المجال للقطاع الخاص من خالل الشراكة وآلية التعاقد
ضرورة أملتها تأثيرات العولمة ،يسهم القطاع الخاص في عملية تقديم الخدمات على اعتبار
تجربته الفعالة في تحقيق النتائج ،ونقل هذه التجارب لتحقيق الرشادة في تسيير المال العام،
كما يمكن للمجتمع المدني الفعال المشاركة في صناعة القرار المالي المرتبط بتسيير المال
العام ورقابته ومحاسبة المسؤولين في حالة تجاوز األطر المعمول بها وحدوث الفساد وهدر
المال العام ،فقد شهدت اآلونة األخيرة انفتاحا مهما على منظمات المجتمع المدني ،واالستفادة
من مهارتها وخبرتها البحثية للكشف عن مواطن إهدار المال العام ،وتحقيق فعالية وكفاءة
2
اإلنفاق العام.
المطلب الثاني :فواعل حكامة اإلنفاق لعام
تقوم الحكامة على تصور خاص بإعادة تعريف الدولة ووظائفها في شتى المجاالت،
حيث أستأثر المجال المالي بالقسط األكبر من االهتمام ،إذ يتم التركيز في سياق ـتأثير
طروحات التشكيك في دور الدولة كفاعل مهيمن على صناعة السياسات المالية العامة
وتنفيذها ،هذا اإلطار الجديد سمح لفاعلين جدد بمشاركة الدول في صناعة القرار المالي ،إذ
أصبح للقطاع الخاص والمجتمع المدني تأثير متزايد في هذا المجال سواء على المستوى
1عبد الوحيد صرارمة ،الرقابة على األموال العمومية كأداة لتحسين التسيير العمومي ،مداخلة في الملتقى الدولي حول األداء
المتميز للمنظمات الحكومية ،جامعة ورقلة ،يومي 9/8مارس ،2005ص .142
مراد محبوب ،عبد الطيف باري ،دور المجتمع المدني في تحسين أداء الميزانية العامة مع اإلشارة إلى حالة الجزائر ،مجلة 2
آفاق علوم اإلدارة واالقتصاد ،جامعة محمد بوضياف المسيلة ،العدد ،2017 ،02ص .36
236
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
المحلي أو من خالل تأثيرها على المؤسسات المالية الدولية في سياق العولمة االقتصادية
والمالية.
في إطار المقاربة التشاركية التي تتبناها الحكامة لتسيير الشأن العام عموما وتسيير
المالية العامة خصوصا فإن الفاعلين األساسيين في هذا المجال هم الدولة ومؤسساتها من
سلطة تنفيذية وتشريعية وهيئات للرقابة على المال العام مثل مجلس المحاسبة ،والفاعل الثاني
هو المجتمع المدني الذي أصبح له دور مهم بالمشاركة في صناعة ورقابة القرار المالي ،كما
يسهم القطاع الخاص هو اآلخر في إطار الشراكة مع القطاع العام في مجال السياسات المالية
العامة ،يعتبر اإلنفاق العام وسيلة ضرورية إلشباع الحاجات وقيام الدولة وممارستها لمهامها،
لذلك ارتبط ارتباطا وثيقا بتطورها وسياقات تحوالتها األمر الذي جعله يتأثر بما عرفتها من
إشكاليات وبطرح مفهوم الحكامة المالية القائم على نموذج تسييري تمت مطالبة الدولة بتفعيل
دورها وادخال آليات عمل القطاع الخاص لغرض التحكم في نفقاتها العامة مع السماح
لباقي الفاعلين بالمساهمة في صياغة السياسة اإلنفاقية وتنفيذها ورقابتها في إطار مقاربة
تشاركية.
الفرع األول :األجهزة الحكومية الفاعلة
تتدخل في المجال المالي عدة أطراف لكن أدوراها وتأثيرها يختلف بحسب طبيعة المكانة
الدستورية التي منحها إياها النظام السياسي ،في هذا اإلطار فإن السلطة التنفيذية ممثلة بو ازرة
المالية تتمتع بدور مهم في إعداد وتحضير وصياغة مشاريع قوانين المالية وتتبع تنفيذها
ومراقبتها ،في حين تقوم السلطة التسريعية باعتماد المشاريع بعد مناقشتها ،ويعهد في الغالب
لرأس السلطة التنفيذية مهمة المصادقة على مشاريع قانون المالية.
أوال :السلطة التنفيذية
من المتفق عليه أن مهمة إعداد مشاريع قوانين المالية والميزانيات العامة للدول هي مسؤولية
الحكومة وان اختلف الجهاز الذي يناط به القيام بهذه المهمة في الهيكل الحكومي باختالف
النظم السياسية والمالية ،وعادة ما تتولى و ازرة المالية هذه المهمة برسم السياسية المالية للدولة
والتي تشكل السياسية اإلنفاقية أحد شقيها ،يرجع احتكار السلطة التنفيذية لهذا المجال لعدة
اعتبارات":
237
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
تقع مسؤولية تحقيق أهداف المجتمع االقتصادية واالجتماعية على السلطة التنفيذية، -
وللحكومة من البرامج والسياسات ما تراه كفيال بتحقيق األهداف المرجوة ،ولها أن تطلب
ما تراه ضروريا لتنفيذ برامجها وسياساتها.
للحكومة أجهزة وامكانات فنية وادارية قادرة على تحديد مقدرة القطاعات والفئات على تحمل -
الميزانية وتبدأ هذه المرحلة عادة على مستوى أصغر الوحدات الحكومية .حيث تتولى كل
مؤسسة أو هيئة أو و ازرة إعداد تقديراتها لما يلزم من نفقات وما تتوقع من إيرادات خالل
1
السنة المالية المطلوب إعداد موازناتها".
يدخل " إجراء تحضير مشروع قانون المالية ضمن اختصاصات السلطة التنفيذية لكونه
من بين األعمال اإلد ارية المتعلقة بمختلف البيانات والمعلومات الخاصة باإليراد العام ،إلى
جانب البيانات المتعلقة بكيفية وآليات تقدير واشباع الحاجات العامة ،إال أن ذلك ال يمنع
إمكانية تدخل السلطة التشريعية في مناقشة بنود الميزانية كما هو في فرنسا والجزائر على
الوظيفة" . إنجلتر حيث تنفرد السلطة التنفيذية بهذا
ا عكس الحال في
2
وعليه تستأثر السلطة التنفيذية بوضع السياسة اإلنفاقية استناد إلى قدرتها على تقدير
وجوه اإلنفاق المختلفة التي تحتاجها كل هيئة أو و ازرة وفروعها المختلفة والمبالغ الواجب إنفاقها
إلشباع الحاجات العامة وتحديد األولويات فيها بالنظر لمعرفتها الواسعة بحاجات المجتمع
-وزير المالية :غالبا ما يتم إسناد مهمة تحضير المشاريع المتعلقة بالجانب المالي
وعلى رأسها مشاريع قوانين المالية والميزانيات العامة إلى و ازرة المالية ،التي يشرف عليها وزير
المالية 3الذي يتمتع بصالحيات واسعة في مجال توجيه السياسية المالية وتحديد أولويات
اإلنفاق العام تنفيذا لخطة عمل الحكومة التي تحتكر المجال المالي بحكم ما يتوفر لديها من
محمود حسين الوادي ،تنظيم اإلدارة المالية من أجل ترشيد اإلنفاق الحكومي ومكافحة الفساد ،دار صفاء للطباعة والنشر 1
3رقابة مالية حقيقة واستئثار السلطة التنفيذية للمجال المالي واحتكارها للمعلومات المتعلقة بتسيير اإلنفاق العام .أنظر في
هذا طارق عشور ،فعالية أداء البرلمان العربية :المعوقات وآليات التفعيل دراسة حاالت الجزائر ،المغرب والكويت ،أطروحة
.79 دكتوراه في العلوم السياسية ،جامعة باتنة ،2018/2017 ،01ص
238
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
المعلومات والمعطيات المساعدة على تقدير مبالغ اإليرادات وتحديد النفقات العامة مع مراعاة
التوازن العام.1
يقوم وزير المالية باعتباره ممثال للسلطة التنفيذية بتحضير السياسية المالية التي
تشكل السياسية اإلنفاقية أحد شقيها بالنظر لما تتمتع به إدارته من وسائل بشرية ومادية
ومعلومات ومعطيات إحصائية تمكنه من وضع التقديرات المستقبلية لخطة الحكومة وسياساتها
المالية وأولوياتها في مجال اإلنفاق العام.
ثانيا :نحو تعزيز دور البرلمان في مجال سياسة اإلنفاق العام
تتضمن األدوار الرئيسية للبرلمانات الحديثة التمثيل والمداوالت والتشريع ،وتظهر
وظائف أخرى مهمة وحاسمة في بعض المجالس التشريعية ،فهي تجيز اإلنفاق وتراقب عمل
السلطة التنفيذية ،إذ تعد وظيفة إجازة اإلنفاق من أقدم وظائف البرلمان وبخاصة الغرفة السفلى،
فأصل وجود البرلمان في الدول األوربية يكمن في متطلبات الملك من المال ،ولكنها أصبحت
في كثير من الديمقراطيات وظيفة رمزية وشكلية حتى أكثر من وظيفة صناعة القوانين بسب
عدم وجود إم كانية للقيام بذلك ،في العديد من الدول ال يتمتع البرلمان بالمبادرة بمقترحات
للنفقات ،بل يمكنه القبول أو رفض مقترحات اإلنفاق المقدمة من طرف الحكومة كما هو الحال
في بريطانيا ونيوزيلندا ،واسبانيا ،بينما في دول أخرى يشترط للقبول مقترحات زيادة النفقات
العامة وضع تخفيضات في مكان آخر كما هو الحال في فرنسا والدنمارك ،وتعد الواليات
المتحدة األمريكية االستثناء لهذه الحالة بفضل تمتع الكونغرس بوضع أساسي في صناعة
الميزانية ،وعليه فإن الميزانية السنوية األمريكية أصبحت لعبة مقننة ،فالسلطة التنفيذية
والتشريعية تأمل كل واحدة منهما انضمام الجانب اآلخر لمقترحاتها قبل أن ينفذ المال ويرسل
الموظفون إلى منازلهم دون أجر كما حدث لفترة وجيزة سنتي 1995و .2" 2013
يرى " Allen Schickأن البرلمان مارس سلطات مالية قبل الحكومة ،ويتجه نحو
توضيح أن الممارسة الميزانياتية تطورت بفعل ظهور البرلمان كطرف غير مالئم لمراقبة الموارد
يعتبر إعداد الميزانية عمال إداريا فنيا ولذلك يسند في جميع الدول إلى السلطة التنفيذي وق قدمت عدمت مبررات ،أنظر 1
في هذا :منصور ميالد ،مبادئ المالية العامة ،منشورات الجامعة المفتوحة ،الجماهيرية الليبية العظمى ،1994 ،ص .198
.80 طارق عشور ،فعالية أداء البرلمان العربية :المعوقات وآليات التفعيل دراسة حاالت الجزائر ،مرجع سابق ،ص 2
239
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
والنفقات .وبعد ظهور مصطلح الميزانية تغيرت الكثير من المعطيات بشأن العالقة بين الحكومة
البرلماني" . والبرلمان أدت إلى الحد من استقاللية الفعل
1
لقد عرفت نهاية القرن الماضي مفارقة بحيث تزامن انتصار الديمقراطية مع ظهور
أزمة الشرعية لدى الهيئات البرلمانية ،تتجلى هذه األزمة في هيمنة السلطة التنفيذية على
2
األجندة البرلمانية ،وضعف األداء البرلماني وافتقاره لالبتكار والشفافية في عمله.
بالنظر لكون الحكامة كمنهج تشاركي يقوم على استعارة مفاهيم اقتصادية تسييرية في
إدارة الشأن العام ،تهدف إلحداث قطيعة مع الثقافة السلبية واستبدالها بنظام متكامل قائم على
اإلنتاجية واألداء والفعالية ،فقد شكلت محاوالت تنزيل هذا المفهوم على المؤسسة البرلمانية
أهمية باعتبارها تشكل فضاء للديمقراطية وتمثيال للمواطنين ،تطبيق الحكامة من شأنه العمل
على إعطاء صورة جديدة للعالقة بين البرلمان كمؤسسة مختصة بالتشريع ورقابة العمل
الحكومي ،والمواطنين كطرف خاضع للقوانين التي يصدرها وهيئة ناخبة تسعى إليجاد حلول
لمشاكلها". 3
يرى بروسي رضوان " أن ضعف الوظيفة الرقابية للبرلمان على أداء الموازنات العامة
وانتشار قضايا الفساد المرتبطة بمختلف المشاريع وطرق صرف األموال العمومية أدى إلى
انحرافات عديدة خدمت شبكات النفوذ (المافيا المالية) داخل النظام وخارجه ،وهذا ما كان له
آثا ار سلبية على مخرجات ونتائج السياسات رغم التخصيصات المالية المعتبرة ،في ظل غياب
لحكامة برلمانية ( )gouvernance parlementaireتعكس التمثيل السياسي للمواطنين
وتأثيرهم في صنع القرار العمومي ،وقادرة على نسج عالقات شبكية بين مختلف الفاعلين
(أحزاب سياسية ،نقابات ،جمعيات ،قطاع خاص )...وانتاج خبرات مضادة في مجال تقييم
.
4
برامج الجهاز التنفيذي"
رضوان بروسي ،الرقابة البرلمانية والحكامة المالية في الجزائر ،مرجع سابق ،ص .3 1
2
Mohamed Harkat, La gouvernance parlementaire et les impératifs du développement humain
durable, La gouvernance parlementaire au Maroc, quelle pratique au 21esiecle op.cit., p 7.
محمد االنصاري ،الحكامة ومتطلبات الجودة التشريعية ،في الحكامة البرلمانية بالمغرب :أية تطبيقات في القرن الحادي 3
والعشرين؟ ،المجلة المغربية بالتدقيق والتنمية ،اشراف محمد حركات ،العدد ،23/24دار أبي رقراق للطباعة والنشر ،الرباط،
،2007ص ص .44-43
رضوان بروسي ،الرقابة البرلمانية والحكامة المالية في الجزائر ،مرجع سابق ،ص.17 4
240
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
وفي نفس اإلطار ولتحقيق الحكامة البرلمانية التي تسهم في زيادة فعالية الرقابة المالية
الفعالة كضمانة حقيقة لحماية المال العام يقترح رضوان بروسي تدعيم دور البرلمان في
الحكامة المالية ،وتزويده بمختلف الموارد التي من شأنها تسهيل مهامه الرقابية والتشريعية،
إضافة إلى إقامة روابط بينه وبين األجهزة الرقابية األخرى ،مع االستفادة من مختلف التجارب
والخبرات الدولية في هذا المجال وهذا بـ ـ ـ :"1
-1إنشاء مكتب وديوان خاص بتحليل الميزانية وتقييم السياسات العامة تابع للبرلمان:
يعنى هذا المكتب بتقييم أداء السياسات العامة استباقيا أو بعديا بالشكل الذي يؤدي إلى
التأسيس لمفهوم البرلمان المقيم ،واعتماد مفهوم التقييم هنا جاء لتجاوز األدوات الرقابية.
-2تدعيم العالقة بين البرلمان ومجلس المحاسبة :حيث تشير تجارب بعض الدول ذات
التقاليد البريطانية في الحكم ،أين يتم وضع مسؤول جهاز الرقابة الخارجية المتمثل في المدقق
العام في خدمة البرلمان ،وهذه البلدان تعطي للمدقق العام صفة المراقب المالي الذي يفحص
حسابات وصناديق الميزانية في مختلف الو ازرات...إذ تكتسي مسألة نشر التقارير المنجزة من
طرق األجهزة العليا للرقابة بمختلف أشكالها أهمية في إرساء دعائم ثقافة الرقابة والشفافية
والمساءلة من جهة ومساعدة البرلمان على أداء وظيفته الرقابية من جهة ثانية. 2
-3تنمية قدرات البرلمانيين في مجال السياسات المالية واالقتصادية ،وتطوير دور اللجان
البرلمانية م ن خالل االستفادة من خدمات جماعات المجتمع المدني التي تضمن تكوين
البرلمانيين ...والتي تساهم في تنمية قدرات البرلمانيين ومعارفهم بالشكل الذي يؤهلهم للقيام
بالتحقيقات البرلمانية وممارسة رقابة فعالة لعملية الميزانية وصرف المال العام.
-4تطوير خدمات البحوث البرلمانية واإلعالم البرلماني :البرلمان في حاجة إلى التأسيس
إلدارة خاصة بالبحوث البرلمانية متعددة التخصصات في القانون واالقتصاد والسياسة تتكفل
بتزويد البرلمانيين بالخبرات الالزمة في المجال التشريعي.
-5عقلنة اختيار المرشحين من خالل إجراءات يتضمنها القانون العضوي لالنتخابات:
تتطلب ممارسة الوظيفية النيابة في شقها المتعلق بإجازة اإلنفاق دراية علمية بتخصص يرتبط
بأكثر من مجال علمي يفرض على النائب االلمام بجوانب قانونية واقتصادية واجتماعية ،وتقع
241
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
مسؤولية هذا األمر في المقام على عاتق األحزاب السياسية من خالل الحرص على تقديم
إطارات وأشخاص ذوي خبرات ومستويات تعليمية تسمح لهم بأداء الوظائف البرلمانية وتحليل
السياسات الحكومية ،وتنصرف ثانيا إلى السلطة الحاكمة بوضع شروط لعقلنة اختيار
المرشحين تضمن وصول الكفاءة ،وتتعلق في المقام الثالث برهان مجتمعي يغلب المصلحة
" . العامة في االختيار على الزبونية والعصبية
1
لقد أصبحت الرقابة على دستورية قوانين المالية السنوية تلعب دو ار مهما في إثارة
إشكاالت دستورية ال تنحصر فقط في المواضيع المتعلقة بالمالية العمومية بل تذهب لطرح
إشكاليات مرتبطة بالمساس بحقوق ومبادئ دستورية ،إذ يقوم المجلس الدستوري الفرنسي كمثال
من خالل اجتهاداته بمناسبة نظره قوانين المالية السنوية بعمل توسيع مكونات الكتلة الدستورية
رضوان بروسي ،الرقابة البرلمانية والحكامة المالية في الجزائر ،مرجع سابق ،ص .23 1
المركز العربي لتطوير حكم القانون والنزاهة ،القضاء في الدول العربية :رصد وتحليل (األردن ،لبنان ،مصر ،المغرب)، 2
242
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
للمالية ،ويعد في هذا المجال حاميا للمال العام من خالل رقابته للقوانين المتعلقة بالمجال
المالي.1
تختلف أنساق التنظيم للرقابة العليا على المال العام باختالف السياقات التاريخية
وباختالف األنظمة القانونية والسياسية إلى أربعة مدارس كبرى " :المدارس األنجلوساكسونية
وهي النموذج األشهر في الرقابة اإلدارية على المال العام وتعتمد على نظام التدقيق ،والمدرسة
الالتينية التي تعتمد أسلوب محكمة الحسابات حيث يتمتع أعضاؤها بحصانة القضاء وامتيازاته
وتركز على الشرعية القانونية في تسيير المال العام والمحافظة على النظام المالي العام،
والمدرسة االسكندنافية التي تعتمد القيادة الجماعية على مستوى التنظيم مع اختيار النمط
األنجلوساكسوني في ممارسة الوظيفة الرقابية ،أما المدرسة الجرمانية فتتبع أسلوبا قضائيا في
المظهر التنظيمي لكن أعمال الجهاز وق ارراته وتوصياته ال تكتسي أي طابع قضائي".2
بالنظر للغاية التي يرصد لها المال العام والمتمثلة في تحقيق المنفعة العامة فقد أواله
المشرع بتنظيم قانوني خاص يكفل حسن تسييره وشفافية أنفاقه وهو المرسوم المؤطر لتنظيم
الصفقات العمومية أو المشتريات العامة التي يلزم التقيد بها ،ويناط بالقضاء السهر على
احترامها.3
كما تعتبر الحماية الجزائية أحد أهم صور حماية المال العام حيث تشتمل على أحكام
متميزة من بينها النص على استحداث هيئات وآليات تختص بمهام الوقاية من الفساد مكافحته
1
Louis Philip، les fondements constitutionnels des finances publiques, collection, poche-
finances publiques, economica, Paris, 1995, p5.
2محمد براو ،المجلس األعلى للحسابات بالمغرب :أية متطلبات في سياق المراقبة الديمقراطية للحكامة ،في "المالية العامة
في المغرب العربي ،تحديات ورهانات المساءلة والشفافية ،تحت إشراف محمد حركات ،منشورات المجلة المغربية للتدقيق
والتنمية ،العدد .2014، 37
3في الجزائر ينظم المرسوم رقم 247/15المؤرخ في 16سبتمبر ،2015ج ر رقم 50بتاريخ 20سبتمبر ،2015الصفقات
العمومية وتفويضات المرفق العام.وفي المغرب المرسوم رقم 2.06.388 :الصارد في 5فيفري 2007المتعلق بتحديد وأشكال
إبرام صفقات الدولة وكذا بعض القواعد المتعلقة بتدبيرها ومراقبتها ،ج رع 5518المؤرخة في 19أفريل .2007
243
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
في الجزائر الديوان الوطني لقمع الفساد فضال عن األحكام الجزائية المتضمنة في قانون
.
1
اإلجراءات الجزائية أو ضمن األحكام الخاصة بالوقاية من الفساد ومكافحته 01-06
في المغرب تم اعتماد مرسوم الهيئة المركزية لمكافحة الفساد نوفمبر 22006أما في فرنسا
فحماية المال العام تتم من خالل قانون العقوبات وتمتد لقانون الصفقات العمومية رقم
899/2015وكذا القانون رقم 1117/2013المتعلق بمكافحة التهرب الضريبي والجرائم
المالية االقتصادية.3
تشكل االستقاللية أهم العناصر الجوهرية التي تتوقف عليها مصداقية وفعالية أداء
األجهزة القضائية التي تسهم في تجسيد الحكامة القضائية والتي تتعلق بتوفر ضمانات قانونية
ومعايير الختيار العاملين بالجهاز ونوعية تكوينهم التي صارت ترتبط بالتحكم في أسس التدقيق
ورقابة األداء وضمان الجودة ،يتم هذا عبر آليات الشراكة والتعاون والتنسيق بين مختلف
الفاعلين في األجهزة الرقابية ،كلها تشكل أدوات تسمح بتجسيد رقابة قضائية فعالة لحماية
المال العام من كل أشكال الفساد وسوء التسيير وتضمن االستخدام األمثل للمال العام.4
الفرع الثاني :المجتمع المدني كفاعل في تجسيد رشادة اإلنفاق العام
في سياق التطورات الحاصلة على الصعيد الدولي في شتى المجاالت االقتصادية
واالجتماعية السياسية والعلمية والمعرفية أصبحت الدولة الوطنية غير قادرة على تلبية جميع
حاجيات المجتمع ،تمت المناداة بضرورة إقامة مجتمع مدني ليكمل مهام القطاع العام والقطاع
الخاص في تحقيق التنمية ،هذه المقـ ـ ـ ــاربة التفاعلية والتشاركية تندرج في سياق تحوالت الدولة
1القانون 01/06المؤرخ ،02/2006/ 20ج رع 14المؤرخة في 08/03/2006المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته ،في
لمعدل والمتمم بال أمر05-10المؤرخ 26أوت ،2010ج رع ،50المؤرخة في ،1/09/2010وكذلك المعدل والمتم بالقانون
15-11المؤرخ في 2أوت ،2011ج ر ع 44المؤرخة في 10/08/2011
2ظهير شريف رقم 1.15.65صادر في 21من شعبان 9( 1436يونيو )2015بتنفيذ القانون رقم 113.12المتعلق
بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها.
3
Loi n° 2013-1117 du 6 décembre 2013 relative à la lutte contre la fraude fiscale et la grande
délinquance économique et financière.
Ordonnance n° 2015-899 du 23 juillet 2015 relative aux marchés publics
4حيث تنشط عدة هيئات تنشط في مجال تحسين أداء الجهاز القضائي ومنا :مبادرة البنك الدولي لتحسين أداء القضاء،
معهد في ار الذي يقدم دليل عالميا لتصميم مؤشرات األداء في جميع أنحاء قطاع العدالة يتضمن إرشادات حول كيفية تصميم
تمييز بين المؤشرات االستراتيجية والمؤسسية ،الوثيقة المرجعية المفوضية األوربية التي تعتبر الحكامة القضائية
مؤشرات تقدم ًا
أحد المكونات األساسية للحكامة إلى جانب الحكامة االقتصادية والسياسية ،مشروع العدالة العالمية أو مؤشر سيادة القانون،
المركز العربي لتطوير حكم القانون والنزاهة (مبادئ القضاء الصالح).
244
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
والمجتمع ،واألزمة التي تعرفها الديمقراطية وتسيير الشأن العام ترمى إلى التأسيس لنموذج
جديد من الحكم تكون فيه الدولة فاعل من بين فواعل أخرى ،و يشكل المجتمع المدني فاعال
مهما في هذا إطار هذه المقاربة.
عرفت العقود الثالثة األخيرة اهتماما واسعا بقضايا تسيير الشأن العام وزيادة المطالبة
المجتمعية بضرورة تحسين األداء ،شكل الجانب المالي أحد أهم المجاالت التي تحظى باهتمام
المواطنين لما له من ـتأثير مباشر على حياتهم في ظل عجز الدول عن تلبية المطالب المتزايدة
،وشح مصادر التمويل ،وقلة الموارد المالية ،األمر الذي يتطلب مشاركة الجميع في رسم
السياسات العامة ومراقبة تنفيذها خاصة ما تعلق منها بتسيير اإلنفاق العام بالنظر لتأثيره
على مستوى معيشة الناس وحياتهم " ،فهناك تصور متزايد لتحليل الميزانية وترقية المالية
العامة كعناصر مهمة في جهود المجتمع المدني لتعزيز مساءلة الحكومات ،وعملها في مجال
حقوق اإلنسان ومع ذلك ال يمكن لمجموعات المجتمع المدني المشاركة الكاملة في عمليات
الميزانية إال إذا كانت لديها معلومات شاملة ومفهومة ومتجددة عن المالية العامة ".1
تقتضي المقاربة التشاركية التي تقوم عليها الحكامة المالية مساهمة فاعلين إلى جانب
الدولة ومؤسساتها في صناعة القرار المالي وتسيير المال العام ،حيث يعد إشراك المجتمع
المدني كفاعل مهم ال غنى عن ه لتجسيد الحكامة المالية مطلبا سياسيا اجتماعيا وماليا تمليه
التحوالت التي تشهدها إدارة الشأن العام وتسيير المالية العامة على وجه الخصوص ،إذ لم
يعد ممكنا أن تنحصر عملية صناعة القرار المالي على الخبراء والمختصين ووزراء المالية،
بل ينبغي أن ت شارك فيها كل فئات المجتمعات بإبداء الرأي ،إثراء النقاش على اعتبار أن
مسألة الميزانية ومراقبتها مكرسة بمواثيق حقوق اإلنسان ،وتضمنتها الدساتير ونصت عليها
قوانين المالية.
في هذا السياق تشكل الميزانية التشاركية مدخال مهما لتحسين أداء المالية العامة من
خالل وضع القواعد التي تسهل مشاركة المواطنين والمجتمع المدني في مناقشات السياسيات
العامة عموما والمالية منها خصوصا ،فيتيح العمل عبر اآلليات التشاركية الناجحة تعزيز
وصول المواطنين إلى المعلومات بإنشاء إطار يخلق حوافز للمواطنين للمطالبة بمزيد من
المعلومات األفضل ،و في المقابل يضع ضغوطًا على هياكل الحكومات لتوفير هذه
أيضا على
المعلومات ،كما أن مشاركة المواطنين الهادفة والفعالة في الخيارات العامة تعمل ً
1
Stefan Leiderer, op.cit, p18.
245
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
تحسين الثقة في الحكومة وااللتزام بالخيارات التي تمت جنبا إلى جنب مع تحسين شفافية
الميزانية ،يمكن للمشاركة أن تساهم في االتجاه في بناء التماسك االجتماعي.1
في ذات اإلطار الداعي لمشاركة أكبر للمجتمع المدني تشكل الميزانية المفتوحة أهم
المبادرات التي لقيت إشادة واسعة من قبل الحكومات المنتمية لها استنادا لمصداقية وموثوقية
المسح الذي تجريه وتأثيره اإليجابي على ماليتها العامة ،حيث يلعب مؤش ار الميزانية المفتوحة
دور مهما في إحداث تغييرات أهمها:
ا
-العمل على نشر ثقافة الحكامة المالية حيث أن جل المعايير التي تستند إليها مفاهيم
الحكامة المالية تعد أهدافا تسعى مبادرة الميزانية المفتوحة إلى تحقيقها من خالل وضع معايير
تتس م بالشفافية والمشاركة ،وذلك عن طريق توحيد جهود الفاعلين المختلفين في ميدان المالية
العامة من حكومة وبرلمان ومجتمع مدني للمساهمة في توحيد المعايير ونشرها بغية تجسيد
فعالية اإلنفاق العام وتحقيق التنمية.
-التشجيع على الشفافية :الدعوة لتكريس مبدأ الحق في الحصول على المعلومات من
خالل اتخاذ إجراءات مناسبة سريعة لتحسين شفافية الميزانية و مصداقيتها عبر توفير
2
المعلومات للمواطنين كما وكيفا في الوقت المناسب.
-دعم المشاركة إلعادة بناء الثقة في الحكومة :أثبت تجارب الدول أن المواطنين الذين
يتمتعون بمدخل إلى المعلومات وفرص للمشاركة في عملية الميزانية يتمكنون من تحسين
نوعية الق اررات المتعلقة بإنفاق المال العام ،فتصبح عملية تخصيص الموارد أكثر فعالية وتوازن
وكمثال على هذه التجارب ما حصل في الب ارزيل ،المكسيك ،الفلبين ،كوريا الجنوبية.
-تعزيز المساءلة :يعتبر توفير المعلومات الدقيقة أمر ضروريا لضمان مساءلة المواطنين
للحكومة ،وفي هذا المجال تشير نتائج مسح الميزانية المفتوحة إلى عدم تحقيق نسبة تصل
%90لهذا المعيار ،مع اإلشارة لتقديم عدد من البلدان منها نيوزيلندا ،وجنوب إفريقيا وفرنسا
لمعلومات للمواطنين في وثائق الميزانية التي تصدرها ،يتعاون مؤشر الميزانية المفتوحة مع
1
Anwar Shah, op.cit, p244.
https://www.internationalbudget.org/publications/open-budget-survey-2017
تاريخ اإلطالع14/06/2019 :
246
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
شبكات حقوقية تعمل على الترويج لشفافية أكبر في الميزانية ولحق الحصول على المعلومات،
1
ولحق مساءلة المواطنين للحكومة في مجال تسيير المالية العامة وتتبع عمليات اإلنفاق العام.
تشكل مشاركة المجتمع المدني في عملية الرقابة على تسيير عمليات النفقات العامة
ضمانة حقيقية لالستخدام األمثل لألموال العامة وبطريقة تتسم بالكفاءة و تحول دون حدوث
االنحرافات في تسير المال العام ووقوع االحتيال واالختالس ،توفر التقارير التي تلتزم السلطات
العمومية بتقديمها عن تسيير عمليات الميزانية معلومات قيمية تمكن المجتمع المدني
والمواطنين من مراقبة مدى االختالف بين مؤشرات األداء واألهداف التي وضعتها الحكومة
والنتائج المح ققة فعليا وهو ما يسمح بمعرفة مدى حكامة التسيير المالي وتحقيق حكامة
2
اإلنفاق العام .
يشير تقرير شراكة الميزانية الدولية في دليله للمواطنين لمتابعة نفقات الحكومة إلى أن
"عدم قدرة المجتمع المدني على المشاركة في عملية صياغة الميزانية العامة واعتمادها ،ستجعله
3
يفتقر للعديد من الفرص للنهوض بأهدافه".
الفرع الثالث :مساهمة القطاع الخاص في تجسيد فعالية اإلنفاق العام
لقد أدت التحوالت التي حدثت إثر أزمة دولة الرفاه وما صاحبها من أزمة التسيير العمومي
للبحث عن آليات جديدة لتجاوزها ،شكل التحول لتبني اآلليات المعتمدة في إدارة وتسيير القطاع
الخاص أحد أهم مظاهرها ،وهو ما انعكس في تغير دور الدولة والتحول نحو اقتصاد السوق،
وقد اقترن هذا التحول بتغير في نمط الملكية واإلدارة السائد ،وهو العنصر الحاسم في عملية
التحول نحو اقتصاد السوق وتبنيي سياسات الخوصصة في مراحل اإلصالح االقتصادي التي
باشرتها الدول بحثا عن تسيير فعال لإلنفاق العام.
المدني من تقارير الموازنة لطوير األبحاث والترويج لألنشطة ،فيفيك رام كومار واسحق شابيرو ،ص .22
3
Partenariat budgétaire international, Notre argent, notre responsabilité : Guide de surveillance
des dépenses publiques, Mai 2009, p3. Sur le site suivant
https://www.internationalbudget.org/wp-content/uploads/Our-Money-Our-
Responsibility-A-Citizens-Guide-to-Monitoring-Government-Expenditures-French.pdf
. Consulter le :18/09/2019
247
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
أوال :تبني آليات القطاع الخاص في التسيير العمومي لتحسين كفاء اإلنفاق العام
لقد أدت التحوالت التي عرفتها الدولة نهاية القرن الماضي لتحوالت جذرية في وظائف
اإلدارة العامة نتيجة ألسباب عديدة منها :فشل تجارب اإلصالح اإلداري مع تعاظم دور التنظيم
البيروقراطي المعقد ،وانهيار االقتصاد بسب تزايد حجم اإلنفاق العام للدعوة إلى ضرورة تبني
أساليب التسيير المعتمدة في القطاع الخاص ،واالهتمام بمفهوم إدارة أعمال الحكومة أكثر من
االهتمام بمفهوم اإل دارة العامة لكونه يتعلق بإدارة وتنفيذ السياسات بكفاءة وفعالية داخل
المنظمات الحكومية باالستفادة من أسلوب إدارة األعمال في القطاع الخاص أكثر من تركيزه
1
على السياسيات العامة التي تطبع عملية صنع السياسيات العامة .
وتكمن أهمية دور القطاع الخاص في مجال تحقيق فعالية اإلنفاق العام في:
-1تخفيض التكلفة (الكفاءة) :القطاع الخاص لديه القدرة على تقديم الخدمات بتكلفة منخفضة
ودرجة عالية من الجودة ،إذ لديه الدوافع للتخفيض تفرضها المنافسة مع الشركات األخرى،
في حين ال يتوفر ذلك في شركات القطاع العام ،وهو ما يسمح بتخفيف العبء المالي على
الميزانية العامة ومن تقليل المديونية ،أو تحقيق أعلى مردودية للنفقة العامة.
-2جودة الخدمة :أحد المبررات األساسية للدور المتنامي للقطاع الخاص هي ضمانه لجودة
الخدمة بفضل جو المنافسة المحفز للبحث عن تقديم أفضل الخدمات ،األمر الذي يسهم في
2
تحقيق تسيير فعال يحول دون حدوث أشكال الفساد والتبذير للنفقات العامة.
ثانيا :الشراكة بين القطاع الخاص والعام كألية لتحقيق تسيير فعال لإلنفاق العام
يعتبر مفهوم الشراكة أحد إرهاصات الفكر االقتصادي في مجال السياسة العامة،
ونتيجة لحالة الفشل المزدوج التي عرفتها الحكومة في القيام بوظائفها المعهودة من تنظيم
ورقابة وتحفيز من جهة ،وكذا إخفاق القطاع الخاص وآليات السوق في إشباع الحاجيات بشكل
عادل ومستدام من جهة أخرى ،يطرح مفهوم الشراكة بين القطاعين في إطار الحكامة كألية
3
لتجاوز هذا الحالة وتحقيق التنمية المستدامة.
فمن األسباب التي تدعو لتبني خيار الشراكة بين القطاعين العام والخاص نجد:
248
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
-عدم قدرة الحكومات على تحقيق التنمية المستدامة بمفردها ،والتغير التقني المتسارع الذي
أتاح الفرصة لتخفيض تكلفة المشاريع.
-تقليص موارد التمويل المخصص لبرامج االجتماعية ومطالبة المواطنين بتحسين الخدمات
المقدمة من المؤسسات الحكومية.
-محدودية الموارد المالية والبشرية والتكنولوجية لدى القطاع العام بسب تعدد المجاالت
والمشاريع التي يطالب بتنفيذها ،والفعالية والكفاءة والتقسيم العقالني المميز للقطاع الخاص
1
يشجع على عملية الشراكة بهدف تخفيض التكلفة وتحقيق الرشادة في اإلنفاق العام.
لألهمية التي أصبح يحظى بها موضوع الشراكة بين القطاعين العام والخاص من قبل
الدول والمجتمعات ،فإن تجاربها اختلفت في تجسيد هذا الشراكة متأثرة في ذلك بطبيعة النظم
والمذاهب االقتصادية التي تتبعها ،واختالف المجتمعات والفترات الزمنية إلبرام هذه الشراكات،
،فهنالك عدة تجارب في مجال تجسيد الشراكات تعتبر إنجلت ار من الدول الرائدة في المجال
منذ تسعينيات القرن الماضي حيث أطلقت مبادرة التمويل الخاص بهدف إدخال رأس المال
الخاص في القطاعات التي تتناسب مع الخصخصة في عدة قطاعات للبني التحتية شملت
حتى السجون والمعدات العسكرية ،أما فرنسا فقد أصدرت قوانين الشراكة بين القطاعين العام
والخاص في العامين 2008و 2009بهدف سد الفجوة بين ترتيبات االمتيازات التقليدية
والحديثة ومحاولة تخفيض اإلنفاق الحكومي عبر بدائل من بينها توسيع مساهمة القطاع
الخاص في االقتصادي الوطني.
يرتبط تجسيد الشراكة بين القطاعين كآلية لتحقيق التنمية وترشيد اإلنفاق العام من منظور
الحكامة بسياقاته االقتصادية والسياسية واالجتماعية وهو ما يعكسه تعدد أنواع الشراكات
واختالف أولوياتها ،وتشكل الشراكة اليوم أسلوبا حديثا في تسيير القطاعات االقتصادية
العمومية وبديال استراتيجيا للتمويل عن طريق الخزينة العمومية ،السيما مع األزمات المالية
التي يشهدها العالم باستمرار ،ويمثل أحد الخيارات االستراتيجية من أجل تقليص األزمة المالية
والتحكم في اإلنفاق العام.2
محمد الطاهر قادري ،بن موفق زروق ،تفعيل استراتيجية الشراكة بين القطاعين العام والخاص ،كخيار لتحفيز التنويع 1
االقتصادي على ضوء التجارب الدولية ،مجلة البديل االقتصادي ،الجزائر ،العدد األول ،المجلد الخامس ،2019 ،ص .123
-2افتتاحية الملتقى الوطني المعنون "اإلطار القانوني للشراكة بين القطاعين العام والخاص ،ملتقى وطني انعقد بكلية الحقوق
بجامعة أمحمد بوقرة بومرداس ،يومي 29و 30أفريل .2019
249
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
1
La transparence des finances publiques : vers un nouveau modèle, actes du la 6ème édition
du colloque international des Finances publique du rabat, sous la direction de Michel bouvier,
LGDJ, 2013.
250
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
تعد الشفافية عنص ار مهما من معايير الحكامة المالية ،فهي قوة مؤثرة تستطيع أن
تحارب الفساد اإلداري والمالي ،وأن تحسن الحكامة يؤدي إلى تعزيز المساءلة ،كما يتيح
مشاركة المجتمع المدني والمواطنين عموما في صناعة القرار المالي العام ،كل هذا يسهم
بشكل مباشر في تحسين تسير المالية العامة وينعكس إيجابيا على تحقيق فعالية أكبر لتسيير
النفقات العامة.
الفرع األول :مفهوم شفافية المالية العامة
تشير لفظة الشفافية في اللغة العربية إلى "شف" وهو الذي يستشف ما وراءه أي يمكن
أن ي بصر ما وراءه وعليه تعني الشفافية القدرة على إبصار األشياء الموضوعة خلف الشيء
ومعرفة حقيقتها ،وفي اللغة الفرنسية واإلنجليزية هي ترجمة لمصطلح ،trans
"" transparency،transparenceوتعني الشفافية عبر وراء ،ما وراء ،جلي وواضح ،وبذلك
ي شترك المعنى اللفظي العربي واألجنبي في أن الشفافية "هي الشيء الذي يمكن النظر إليه
1
بسهولة وعلى العكس منه لفظ التعتيم والتستر واإلبعاد عن الرؤية.
استأثر مفهوم شفافية المالية العامة باهتمام العديد من السياسيين والمسيرين واإلداريين
بسب التطورات الفكرية واإلدارية والتقنية ونتيجة لذلك تعددت تعريفاته ومضامينه ،وان كانت
2
تدعو إلى جوهر واحد يرتبط بعمليات أربع هي :المصداقية ،اإلفصاح ،الوضوح ،المشاركة.
يتم النظر للشفافية من عدة زوايا نظر فهنالك من يعتبرها أسلوب علميا لمكافحة الفساد
ويعرفها صالح زرنوقة من زاوية صنع السياسية العامة وتنفيذها بأنها " آلية الكشف عن الفساد
بأن يكون اإلعالم (واإلعالن) من جانب الدولة عن أنشطتها كافة في التخطيط والتنفيذ "،
ويرى جيمس اندرسون " أن األفراد يلعبون دو ار مهما ومباش ار في صياغة السياسة العامة " ،
وعليه الدولة ملزمة باإلعالن عن سياساتها ،والتعويل على دور المواطن في المشاركة بصنع
تلك السياسية في إطار الشفافية والتعاون بغية التوصل لتحقيق أهداف السياسة العامة والمالية
3
التي لها تأثير مباشر على حياة األفراد.
فارس بن علوش ،بن بادي السبيعي ،دور الشافية والمساءلة في الحد من الفساد اإلداري في القطاعات الحكومية ،أطروحة 1
دكتوراه ،قسم العلوم اإلدارية جامعة نايف العربية للعلوم األمنية ،المملكة العربية السعودية ،2010 ،ص .13
2أحمد فتحي أبو كريم ،الشفافية والقيادة اإلدارية ،دار الحامد للنشر والتوزيع ،األردن ،الطبعة األولى ،2009 ،ص .65
عماد الشيخ داود ،الشفافية ومراقبة الفساد ،في الفساد والحكم الصالح في البالد العربية ،بحوث مناقشات الندوة الفكرية التي 3
نظمها مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع المعهد السويدي باإلسكندرية بيروت سنة ،2004الطبعة الثانية،2006 ،
ص .141
251
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
ومن زاوية دارسات المالية العامة تعد دراسات صندوق النقد والبنك الدوليين من أهم
الدارسات في هذا المجال وتأتي دراسة كل من Jon Craig،George Kopitsكواحدة من
أهم الدراسات التي عرفت شفافية المالية العامة بكونها " االنفتاح على الجمهور فيما يتعلق
بهيكل القطاع الحكومي ووظائفه والنوايا التي تستند إليها السياسيات المالية العامة ،وحسابات
ال سهالً إلى معلومات
القطاع العام والتوقعات الخاصة بالمالية العامة ،إنها تتضمن وصو ً
موثوقة وشاملة وفي الوقت المناسب ،ومفهومة وقابلة للمقارنة دولياً حول األنشطة الحكومية
خارجه" . – سواء التي يتم تنفيذها داخل القطاع الحكومي أو
1
ومن زاوية األخالق السياسية ينظر للشفافية السياسية كمرادف ألخلقة الحياة السياسية
الواجب أن يتمتع بها الحكام ،ويرضى بها المحكومون ،وتقوم على ثالثة ركائز"
-أن تكون المعلومات ميسرة ومتاحة للجميع- .أن تكون وثيقة الصلة بالموضوع.
2
-أن تكون دقيقة وحديثة وشاملة".
تعني الشفافية ضرورة وضوح العالقة مع الجمهور فيما يخص إجابات تقديم الخدمات
واإلفصاح للجمهور عن السياسيات المتبعة خاصة منها المتعلقة بالسياسة المالية العامة
وباألخص ما يتعلق بتسيير النفقات العامة ،والشفافية نقيض السرية والتعتيم ،في هذا السياق
يرى Michel bouvierأن شفافية المالية العامة أصبحت اليوم تمثال مطلبا أخالقيا سياسيا
3
وعلميا.
1
George Kopits and Jon Craig, transparency in government operations, occasional paper 24 ,
n158, international monetary fund, n.w, washington, d.c, 1998, p.1
2عماد الشيخ داود ،مرجع سابق ،ص .148
3
Michel bouvier, La transparence des finances publiques : vers un nouveau modèle, actes
du la 6ème édition du colloque international des Finances publique du rabat, LGDJ, 2013,
p10.
252
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
مواثيق ومدونات ،حيث أصدر صندوق النقد الدولي ميثاق الممارسات السليمة في مجال
شفافية المالية العامة ومعه دليل شفافية المالية العامة بداية من سنة .11997
تهدف شفافية المالية العامة إلى":
-توفي ر المعلومات الشاملة والموثوقة بشأن أنشطة الحكومة في الماضي والمستقبل ،وهو ما
يضفي طابع المعرفة على ق اررات الحكومة المتعلقة بالسياسة االقتصادية وتحسين نوعيتها،
كما تسهم في تسليط الضوء على المخاطر المحتملة آلفاق المالية العامة ،ما يؤدي إلى
استجابة سياسة المالية العامة في وقت مبكر وبسالسة أكبر لألوضاع االقتصادية المتغيرة،
وبالتالي تقليص احتمال حدوث األزمات والحد من شدتها.
" -يتمكن المجتمع من خالل شفافية المالية العامة من ترشيد أكبر للموارد سواء كانت مالية
أو بشرية ،لذا تسمح شفافية المالية بتحقيق االنضباط المالي والسيطرة على اإلنفاق ،وتخفيض
تكاليف المشروع وحماية المستثمرين وتوفير الثقة في السوق ،ومن ثم زيادة كفاءة االقتصاد
ككل ،وعلى العكس من ذلك فإن غياب الشفافية يؤدي إلهدار الموارد وعدم استخدامها
االستخدام األمثل ،أي عدم ترشيدها ،كما أن نقص الشفافية يعطل دوران منظومة التنمية ويقلل
2
من كفاءة عملياتها وفعالية سياستها ،مما يؤدي إلى تزايد عدم رضا الجمهور أو المواطن" .
-تتيح "شفافية المالية العامة لكل من صناع السياسيات والجمهور إجراء نقاش عام يقوم على
معلومات أفضل حول تصميم سياسة المالية العامة ،وتوفر لهم المعلومات التي يحتاجون إليها
لمساءلة حكوماتهم عن اختياراتها المتعلقة بالسياسات العامة ،ومن بينها أولويات النفقات
العامة.
-تساهم شفافية المالية العامة في إبراز المخاطر المحتملة التي تكتنف آفاق المالية العامة،
مما يقود إلى إجراءات مبكرة وسلسلة على مستوى المالية العامة لمواجهة األوضاع االقتصادية
3
المتغيرة ومن ثم الحد من تواتر وقوع األزمات وتخفيف حدتها".
2علي الصاوي ،ماهية الشفافية والمساءلة ودورهما في تعزيز التنمية اإلنسانية ،ورقة مقدمة للمؤتمر الثالث للجمعية االقتصادية
العمانية بالتعاون مع الجمعية الخليجية وبرنامج األمم المتحدة اإلنمائي حول المساءلة والشفافية يومي 21و 22مارس ،عمان
،2009ص .07
3صندوق النقد الدولي ،صحيفة وقائع ،كيف يشجع البنك الدولي زيادة شفافية المالية العامة ،2011 ،ص ،01متاح على
الرابطhttps://www.imf.org/external/arabic/np/exr/facts/pdf/fiscala.pdf :
تاريخ االطالع.2019/08/16 :
253
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
وعليه تكمن شفافية المالية العامة من تحقيق عدة مزايا تتعلق بتحسين المشاركة في
العملية الديمقراطية وزيادة ثقة المواطنين في حكوماتهم ،وهو ما ينعكس على شرعية ق اررتها
المالية ،ويسمح بتحسين فعالية أدائها ،ويساعد على محاربة ظاهرة الفاسد المالي الذي يشكل
مصد ار رئيسيا لهدر المال العام.
الفرع الثالث :عوائق شفافية اإل نفاق العام
يتعلق مفهوم شفافية اإلنفاق العام باطالع الجمهور على الحقائق األساسية لإلنفاق
العام أي هيكل اإلنفاق العام ووظائفه واتاحة المعلومات للجمهور بنشر المعلومات العامة في
أوقات محددة بوضوح ،كما ينبغي أن تكون المعلومات صحيحة وذات جودة ومفهومة يسهل
الت عامل معها ،تشكل الميزانية العامة أداة أساسية في هذا الباب يمكن من خاللها اطالع
المواطنين على توجهات اإلنفاق العام ،وتسمح لهم بالمساهمة والمشاركة في صناعة توجهات
لسياسية اإلنفاقية وتنفيذها ورقابة مدى االلتزام بها ،لتتيح مؤشرات قياس األداء التأكد من ذلك
من خالل النتائج المحققة فعليا.
أمر مهما وصعبا يتطلب استراتيجيات محددة في
يعد تحقيق الشفافية في اإلنفاق العام ا
سياق ظروف محلية ودولية متغيرة للغاية ،تحول عدة عقبات دون الوصول لذلك تتمثل هذه
في ":
-تشكل التعقيدات الفنية أول عقبة جوهرية في حين أن المعلومات المالية الالحقة هي الوسيلة
جيدا ،فإن مرحلةاألساسية لتوصيل المعلومات في القطاع الخاص ،أين تعريف المستفيدين ً
إعداد الميزانية المسبقة هي األكثر أهمية للقطاع العام ،إذ تعد العالقة بين أرقام الميزانية وأرقام
المعلومات المالية قضية مهمة ألن عدم وجود صلة بين هذين النوعين من األرقام يمكن أن
يسبب االرتباك وعدم الثقة.
-التزال مشكلة "لغات" القياس المختلفة تتفاقم بسبب التغيرات التي حدثت على مدى السنوات
الثالثين الماضية في هيكل القطاعات العامة .في حين أن عمليات الخصخصة الكثيرة في
البلدان قد قللت من نطاق نشاط القطاع العام ،فاإلصالحات المرتبطة بالمناجمنت العمومي
الجديد لديها هياكل معقدة وجعلت "رسم الخطوط" أكثر صعوبة.
254
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
-يواجه السياسيون المنتخبون حواجز نفسية عند مواجهتهم للمعلومات الرقمية في شكل
ميزانيات وحسابات ،إن المعرفة التقنية الالزمة الستخدامها مبالغ فيها ،وبدل السعي لعالج
المشكل بالتعلم يتحجج المنتخبون بعد القدرة على التحكم في األرقام.
-هنالك بعض العقبات والتي يتم إنشاؤها عن قصد أو عن طريق الخطأ من قبيل الصعوبات
الحقيقية في حجم وتعقيد المعلومات ،من الممكن جعل الحجم والتعتيم عقبة ،إذ تستفيد
الحكومات من حقيقة أن القدرة على معالجة المعلومات خارج الحكومة ليست كافية للتعامل
مع تدفق المعلومات بسرعة كافية لضمان الشفافية الفعالة ،االستغالل السيئ للمعلومات عمدا
بغرض تحريف المضمون من خالل الشائعات وتحول الصحافيين ووسائل اإلعالم لزبائن
وعمالء حيث تم تقليص عدد المراسلين المتخصصين القادرين على تفسير معلومات اإلنفاق
العام ،وهو ما زاد في انتشار الشائعات والتسريبات مقارنة بالوثائق الفعلية إلى حد تطور سوق
لبيع بعض المعلومات المسروقة للمؤسسات العامة ،في حين أن سوء استخدام المعلومات من
جانب الحكومة يغذي ويضع حواجز أمام الشفافية الفعالة ،فإن التشريعات الصارمة باإلفصاح
عن معلومات تجارية غير مصرح بها حساسة على الشركات المتداولة علنا في مجال الخدمات
المصرفية قد تؤدي إللحاق الضرر بها أيضا ،وهو ما يؤكد أن" العنصر األساسي للشفافية هو
مجال الكشف عن المعلومات".1
شفافية المالية العامة أمر حيوي لتعزيز ثقة المواطنين بحكوماتهم وتحقيق التسيير الفعال
لمواردهم العامة ،بينما تؤدي ممارسات المالية العامة التي ال تتمتع بالشفافية إلى عدم االستقرار
وسوء تخصيص الموارد وثقافة عدم المساواة ،لكن غياب الضوابط القانونية واألخالقية يؤدي
لنتائج عكسية على تسيير المال العام فالكثير من الشفافية يقتل الشفافية.
المطلب الثاني :المشاركة والمساءلة ودورهما في تحقيق حكامة اإلنفاق العام
يقوم مفهوم الحكامة على تصور تشاركي لصناعة القرار وترتكز الحكامة المالية على
تبني مقاربة تشاركية لصناعة القرار المالي ،كما يتوقف نجاح تسيير المالية العامة على تعبئة
جميع الفاعلين وأصحاب المصلحة في هذا المجال ،ويتعلق تحقيق األهداف التنموية بمدى
توفر الموارد والكيفية التي يتم بها استخدامها ،في هذا السياق تمثل المشاركة الفعالة من جانب
1
David Heald, Pourquoi la transparence des dépenses publiques est-elle si difficile à atteindre
?, Revue Internationale des Sciences Administratives 2012/1, Vol 78, pp 33,53.
255
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
كافة فئات المجتمع ضمانة لتحقيق المساءلة وهو ما يجعلها تسيير نفقاتها العامة على النحو
األفضل بما يحقق أهداف السياسة المالية العامة.
الفرع األول :تفعيل مشاركة البرلمان والمجتمع المدني
يشير مفهوم المشاركة إلى" جميع اآلليات التي تخول المواطنين المشاركة في عملية
إدارة الحكم ،وتقوم على مجموع من األنشطة يسعى من خاللها المواطنون للتأثير في أعمال
الحكومة إما مباشرة في صياغة السياسات العامة وتطبيقها أو بطريقة غير مباشرة بالتأثير في
اختيار المسؤولين الرسميين".1
أوال :المشاركة كآلية لتحسين تسيير المالية العامة
توسيع دائرة المشاركة يمكن باقي الفواعل خاصة المجتمع المدني من التأثير على
السياسة العامة وصناعة القرار المالي خصوصا من خالل":
-التأثير على السياسة العامة من خالل التعبئة جهود قطاعات السكان وحملها على المشاركة
في الشأن العام.
-تعميق المساءلة والشفافية عبر نشر المعلومات ،والسماح بتداولها على نطاق واسع،
-مساعدة الحكومة عن طريق العمل المباشر وغير المباشر أو التمويل أو الخبرة ،على أداء
أفضل للخدمات العامة وتحقيق رضا المواطن.
-النضال من أجل تحقيق العدالة والمساواة أمام القانون وحماية المواطنين من تعسف السلطة.
-تنشئة المواطنين على ثقافة الديمقراطية من خالل إكساب أعضائها قيم الحوار وقبول اآلخر
واالختالف ،ومساءلة القيادات ،والمشاركة في االنتخابات ترشيحا وانتخابا ،والتعبير الحر عن
2
االقتناع ...وجميعها تصب في تعميق الديمقراطية".
يحيل مفهوم المشاركة إلى المساهمة الفعلية لألفراد والجماعات في كل أنشطة المجتمع
االقتصادية واالجتماعية والسياسية بهدف تحقيق الصالح العام.
في الجانب المالي تشير المشاركة في عملية الميزانية بأن للمواطنين مسؤولية سياسية
يترتب عليها حق تقرير مصيرهم السياسي من خالل تحديد أولويات قرار تخصيص الميزانية
وتحديد أولويات سياسة اإلنفاق العام التي تؤثر على حياتهم وظروف معيشتهم ،وبسبب أهمية
1أماني قنديل ،الموسوعة العربية للمجتمع المدني ،مرجع سابق ،2008 ،ص .158
2عطية حسين أفندي ،مرجع سابق ،ص .52
256
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
ومركزية عملية الميزانية في نظام الحكم السياسي ،فإن المشاركة في عملية الميزانية تلعب دو ار
1
أساسيا في صياغة مضمون الحكامة المالية.
ثانيا :تقوية مشاركة البرلمان في المجال المالي
ترجع ممارسة البرلمان للسلطات المالية إلى ما قبل اعتماد الحكومات لمصطلح الميزانية
حيث تمكنت بعض البرلمانات العريقة في الديمقراطيات الغربية من اكتساب العديد من
الصالحيات في مجال المالية العامة ،وقد ارتبط ذلك بالصراع من أجل الحد من سلطة الملك
فيما يتعلق بالضرائب والنفقات خصوصا في إنجلت ار وفرنسا ،لقد أدى تحديث المالية العامة
وصياغة عملية الميزانية إلى عقلنة اإلدارة العامة ،وأكثر من ذلك لتغيير التوازن بين الحكومة
والبرلمان فيما يتعلق بالسلطة المالية ،وهكذا تم التسليم في كل البلدان بأن إعداد الميزانية هو
وظيفة تنفيذية تمارسها السلطة التنفيذية بالنظر لما تملكه من مؤهالت ،فالبرلمان الذي استطاع
أن يفتك بصعوبة صالحيات واسعة في مجال المالية العامة ،بدأ يفقد هذه الصالحيات بظهور
3
فكرة ومفهوم الميزانية الحديثة 2القائمة على مركزة عملية الميزانية.
وعليه غالبا ما تجد البرلمانات نفسها عاجزة عن المشاركة الفعالة في صناعة القرار
المالي بسب عدة ضوابط تحول دون قيامها بالدور المنوط بها في المجال المالي ولغرض
تجاوز هذه العقبات هنالك عدة تدابير يتم اقتراحها لجعل دوره أكثر فعالية منها":
-إعادة النظر في صالحيات البرلمان لجهة تعديل الميزانية وتوسيع رقعتها.
-إنشاء هيئة أو آلية تابعة للبرلمان تعنى بتحليل الميزانية أو تحسينها.
1
Fubbs Joan, the budget process and good governance, African European institute, 1999,
p36.
رضوان بروسي ،الرقابة البرلمانية والحكامة المالية في الجزائر ،مرجع سابق ،ص .5 2
يرى رضوان بروسي "أن العديد من المختصين اليوم يؤكدون تراجع دور البرلمانات الوطنية ،ليس فقط في مجال الميزانية 3
،وانما يمتد ذلك إلى كل االختصاصات التشريعية ،وهذا التراجع يحدث رغم أن البرلمانات الحديثة تتميز بمستوى جيد من
التنظيم وتمتلك العديد من الصالحيات والموارد ،وحسبهم هناك ثالثة عوامل قادت إلى هذا الوضع ترتبط أساسا بظهور
األحزاب السياسية المنضبطة التي تفرض على البرلمانيين التصويت وفق خط وتوجه الحزب ،االرتفاع الضخم للنفقات
العمومية خصوصا في الجانب االجتماعي ،وتنامي قوة جماعات المصالح والتنظيمات الكوربوراتية ،فكل هذه التطورات جعلت
من البرلمانات مجرد أندية للنقاش والتداول أكثر منها أجهزة قرار ،ورغم اختالف الثقافات واألبنية السياسية إال أن معظم الدول
تعاني من ضعف وتراجع دور مؤسساتها البرلمانية :أنظر في هذا :رضوان بروسي ،الرقابة البرلمانية والحكامة المالية في
الجزائر ،مرجع سابق ،ص.5
257
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
-تدريب المشرعين على السياسية االقتصادية وشؤون الميزانية والنوع االجتماعي من خالل
دورات تدريب ومبادرات مماثلة.
-تحسين النفاذ إلى معلومة مجدية ومتمايزة النوع تخص الميزانية.
-تطوير اللجان لجهة عملية الميزانية في البرلمان.
1
-الحرص على تقديم الميزانية ضمن مهلة كافية قبل بداية السنة المالية"
ثالثا :مساهمة المجتمع المدني الفاعلة في ترشيد اإلنفاق العام
يقوم النهج التشاركي الجديد لتسيير المالية العامة على ضرورة بحث ما يريده المواطن
وهو ما جعله محور اهتمام اتخاذ كافة الق اررات الحكومية ،وقد أثبت تجارب الدول في المجال
أن المجتمع المدني يمتلك قدرة أكبر على تحديد أولويات المواطنين ويتمتع بفهم أوسع لخيارات
تواجه صانعي الق اررات ،وهو ما يعكسه االهتمام المتزايد بمشاركة المجتمع المدني في عملية
الميزانية.
في هذا اإلطار تشكل الميزانية التشاركية تجسيد لمفهوم الديمقراطية التشاركية في شقها
المالي المتعلق بالمالية العامة حيث تعرف بأنها " آلية يقرر بواسطتها السكان تخصيص كل
أو بعض الموارد العمومية المتوفرة أو يتم إشراكهم في الق اررات المتعلقة بهذا التخصيص ".2
يلعب المجتمع المدني دو ار مهما في ترشيد اإلنفاق العام وتجسيد الحكامة المالية العامة
عن طريق المشاركة في إعداد الميزانية العامة وتنفيذها والرقابة عليها ،حتى وان كان ذلك
بشكل غير مباشر واختلف من دولة ألخرى ،فهنالك عدة أشكال لمشاركة المجتمع المدني
لتحقيق كفاءة تسيير المال العام منها":
-1تبسيط ونشر المعلومات المتعلقة بالميزانية :3إذ ال يمكن لكل أفراد المجتمع فهم األرقام
المعقدة الموجودة في الميزانية العامة ،ولكن إذا تم إسناد هذه العملية لمجموعة من المتخصصين
والخبراء من المجتمع المدني يسهل تبسيطها واتاحتها للجميع عبر مختلف وسائل اإلعالم ،بما
يسمح بوجود مشاركة فعالة للمواطن في عملية ترشيد اإلنفاق العام ،ويتيح عدد من الدول ذلك
عبر ميزانية المواطن والميزانية المفتوحة.
عدنان محسن ظاهر ،الموازنات العامة للدولة في الدول العربية ،دراسة مقارنة واقرار وتنفيذ ومراقبة الموازنة العامة في 1
الدولة ،منشورات برنامج األمم المتحدة اإلنمائي ،لبنان ،2004 ،ص .24
2
Cabannes, Yves, op.cit., p128.
شعبان فرج ،الحكم الراشد كمدخل حديث لترشيد اإلنفاق العام ،أطروحة دكتوراه في العلوم االقتصادية ،تخصص نقود 3
258
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
-2ترتيب وتحديد األولويات :بالنظر لشح الموارد فإن عملية التخصيص بحسب األولويات
أصبحت ضرورة ،وفي هذا أصبح دور المجتمع المدني رئيسا في مساعدة المواطنين على
التعبير عن آراءهم واحتياجاتهم وايصالها إلى المسؤولين عن إعداد الميزانية لوضعها في
مكانتها المناسبة تلبية للحاجات الضرورية للمجتمع.
-3تحديد االتجاهات وتقديم التوقعات :يمكن لمنظمات وأفراد المجتمع المدني خاصة النخبة
منهم والخبراء في مجال المالية العامة أن يساهموا في تحديد االتجاهات العامة للسياسات
العامة عن طريق تحليل المعطيات لعدة سنوات واستخراج نتائج لها تأثير على جوانب مهمة
لم تولي لها الحكومة األهمية الالزمة أو لم ترغب في إطالع عامة المواطنين عليها ،وتقديمها
للمسؤولين الحكوميين بغرض إعادة النظر في سياساتهم المالية بما يتناسب واألولويات
الضرورية لحاجات المجتمع.
-4تحديد أفضل الممارسات وتقييم أداء اإلنفاق العام :يمكن للمجتمع المدني المساهمة بطرح
أفضل الطرق التي تؤدي إلى تحسين أداء الميزانيات العامة بمقارنتها ببعض التجارب األخرى
واستخالص الجوانب اإليجابية فيها ،كما تمثل متابعة مدى وصول النفقات العامة للوجهة
المخصصة لها ومدى تحقيقها للغاية من تخصيصها بفضل مؤشرات قياس األداء الذي أصبح
1
مطلبا رئيسا لترشيد اإلنفاق العام.
-5المساهمة في التوعية بمخاطر الفساد والتبذير وتخليق الحياة العامة يستطيع المجتمع
المدني المساهمة بفعالية في توعية وتحسيس أفراد المجتمع بمخاطر الفساد والتبذير واسراف
المال العام ،إذ ال يمكن الحديث عن فع الية المجتمع المدني ومشاركته في المجال المالي
وترشيد ق اررته فقط بالحديث عن توفر المعايير بل يتعلق األمر بالقدرة واالستعداد للمشاركة
التي هي قناعات ترتبط ببعد المواطنة وتقديم المصلحة العامة على باقي االعتبارات حيث القيم
األخالقية تشكل عامال رئيسا في تجسيد الرشادة في صرف المال العام.
الفرع الثاني :تفعيل آليات المساءلة لضمان حكامة اإلنفاق العام
لقد أسفر التطور الحاصل في المجتمعات الديمقراطية على زيادة التركيز على مساءلة
الدول أمام المواطنين وعلى دور الفواعل غير الدوالتية في صناعة القرار ،وتدرك األطراف
الفاعلة والعاملون في مجال التنمية على أهمية تعزيز المساءلة ،باعتبارها شرطا أساسيا لمنع
259
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
إساءة استعمال السلطة والتأكد من قيام المسؤولين بمهامهم بدرجة من الفعالية ووفق ما تقتضيه
األهداف المسطرة سلفا.
أوال :مفهوم المساءلة
تعد" آلية المساءلة واحدة من المعايير المهمة لتحقيق التنمية في غالبية المجتمعات
باعتبارها معيا ار ضابطا لألداء الحكومي وفعال تقويميا للمؤسسات بشخوص القائمين عليها
عندما يتم محاسبتهم من قبل الهيئات المخولة رسميا من قبل مؤسسات المجتمع المدني والرأي
العام للحد من الخروقات واالنحراف في عمل الحكومة التي قد تحيد عن مسارها الصحيح إذا
ضعفت أشكال المحاسبة ".1
كما يعرف البرنامج لألمم المتحدة اإلنمائي المساءلة بأنها " التزام من في يدهم السلطة
بتحمل تبعات أفعالهم .فهي تصف الحقوق والمسؤوليات الموجودة بين الناس والمؤسسات
(وتشمل الحكومات والمجتمع المدني واألطراف الفاعلة في السوق) التي لها أثر على حياتهم
".2
تؤدي المساءلة غرضا سياسيا بالتحقق من إساءة استخدام صالحيات السلطة التنفيذية
السياسية وغرضا تشغيليا بضمان فعالية أداء الحكومات ،وللوصول إلى الفعالية تتطلب
المساءلة القدرة على المحاسبة والتنفيذ على حد سواء ،وهو ما يعني إمكانية معاقبه واضعي
الق اررات أو مكافأتهم على أدائهم ،ب اتخاذ ما يلزم من إجراءات أو تدارك األمر في حالة فشل
المساءلة ،وفي سياق به حكامة الديمقراطية ال تكون العالقة الخاضعة للمساءلة هي التي تقابل
3
فيها المشاركة بالرأي باالستجابة بل يتعلق األمر بتغيير األفعال وفقا لذلك.
ثانيا :أهداف المساءلة وأنواعها
لقد اهتمت كثير من الدراسات بآلية المساءلة إلرساء الحكامة ،وتطرقت ألهدافها وأنواعها
-1أهداف المساءلة
يمكن النظر ألهداف المساءلة ضمن ثالثة أهداف رئيسية تتضمن:
عماد الشيخ داود ،مرجع سابق ،ص .151وأيضا :بوزيد سايح ،سبل تعزيز المساءلة والشفافية لمكافحة الفساد وتمكين 1
الحكم الراشد في الدول العربية ،مجلة الباحث ،جامعة قاصدي مرباح ورقلة ،العدد ،2012 ،10ص .58
البرنامج اإلنمائي لألمم المتحدة ،تعزيز المساءلة االجتماعية :من المبدأ إلى التطبيق ،مذكرة توجيهية ،أوت ،2010ص 2
.10
برنامج األمم المتحدة اإلنمائي ،المركز اإلقليمي لبرنامج األمم المتحدة اإلنمائي في القاهرة ،المشاركة بالرأي والمساءلة من 3
260
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
-المساءلة كوسيلة للرقابة والتحكم بحيث تشكل المساءلة إحدى آليات ضبط األداء ،لضمان
حسن االستخدام أو منع إساءة استخدام السلطة.
-المساءلة كنوع من الضمان بحيث تشكل وسيلة يضمن المواطنون والمشرعون والرؤساء من
خاللها حسن اال لتزام بالقانون من قبل الممارسين للسلطة العامة في مجال الخدمة العامة،
ومراعاة األولويات في استغالل المصادر.
-المساءلة كعملية للتحسين المستمر عند تحقيق المساءلة للهدفين السابقين تكون أداة لخفض
1
السلبية في األداء.
-2أنواع المساءلة
ال يكاد يخلو أي مجتمع أو نظام قانوني وسياسي واداري من المساءلة مع اختالف
طبيعتها وشكلها من دولة ألخرى ومن نظام حكم آلخر ومن أهم أنواع المساءلة "
أ-المساءلة الرسمية التي تقوم بها سلطات الدولة الثالث:
-المساءلة التنفيذية ويقصد بها مساءلة الجهاز الحكومي نفسه بنفسه عبر سبل إدارية
ووسائل تضبط العمل اإلداري وتضمن سالمة عمل الجهاز التنفيذي.
-المساءلة التشريعية التي تعد من أعرق آليات المساءلة في النظم الديمقراطية حيث يلعب
البرلمان دو ار مهما في تقييد الحكومة والرقابة على عملها ،وهو ما يضمن لحد كبير تحقيق
حسن األداء والوصول لتحقيق الحكامة خاصة فيما يتعلق بتسيير المال العام ،وعلى الرغم من
التراجع الذي عرفته المساءلة البرلمانية في المجال المالي ألسباب عديدة فإن استعمال الوسائل
الحديثة والتقنيات يساهم في تجاوز بعض العقبات التي تحول دون تجسيد هذا الدور المهم في
حفظ المال العام.
-المساءلة القضائية من الراسخ في غالبية دول العالم حق القضاء في مساءلة اإلدارة العامة،
وتشكل المساءلة القضائية ركنا أساسيا من أركان ضبط عمل الجهاز الحكومي وغير الحكومي
الذي تنهض به السلطة القضائية القائم عملها على أساسا تطبيق القانون في المنازعات
المعروضة عليها والتي تشكل المنازعات ذات الطابع المالي جزء هاما فيها ،ويساهم القاضي
2
في حماية المال العام من خالل أحكامه واجتهاده بمناسبة تصديه للنزاعات المعروضة عليه".
261
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
ب-المساءلة غير الرسمية :ونقصد بها المساءلة التي تتم خارج نطاق المساءلة الرسمية وقد
تطورت في ظل المقاربة التشاركية وزيادة تأثير الفواعل غير الدوالتية في المجتمعات المعاصرة
وتتمثل في:
–مساءلة المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني :وهي مؤسسات تطوعية غير رسمية
تهدف لتنفيذ السياسيات العامة للدولة بما يخدم الصالح العام من خالل رقابتها لعمل الحكومة
ومساءلة مسؤوليها عن تسيير المال العام والمساهمة في إعداد وصياغة ومراقبة وتنفيذ
1
السياسيات العامة وتقييمها.
-مساءلة الرأي العام وتسمى أيضا بمساءلة السلطة الرابعة وتعد من أبرز أنماط المساءلة في
الدول الديمقراطية ،حيث إن السياسيات الحكومية والق اررات المهمة ال بد أن تجد قبوال ومساندة
من الرأي العام الذي تلعب الوسائط الحديثة دو ار رئيسيا في تشكيله وكشف مخالفات تسيير
المال العام فيه ،وقد تمكنت الصحافة االستقصائية من لعب دور مهم في كشف قضايا الفساد
واتاحة الفرصة لمساءلة المتورطين فيها خاصة في القطاع العام" ،إذ يؤدي اإلعالم الديمقراطي
النوعي دو ار بار از في تضييق حركة الفساد ونشر قيم الحق والعدل ودفع الرأي العام لالهتمام
" . بقضاياه الرئيسية
2
-مساءلة المواطنين :يقوم الهدف الرئيسي للمساءلة المالية في إبقاء المواطن على علم
بالتقدم المحرز في تعبئة الموارد المالية واستخدامها لتلبية حاجيات المجتمع ،فالمواطنون لهم
القدرة بفضل الوسائل المتعددة التي أصبحت متوفرة لهم للكشف عن خلل عدم االلتزام بما أقرته
السلطات التشريعية ،وتمت مخالفته في حال التنفيذ ،بحيث يمكنهم اللجوء لإلبالغ عن ذلك أو
اللجوء للقضاء ،وفي هذا يلعب المواطنون دو ار هاما في المحافظة على االستخدام األمثل
3
للمال العام.
ثالثا :دور المساءلة في تحقيق االستخدام األمثل للمال العام
سمير شوقي ،دور المجتمع المدني في حماية المال العام من جرائم الفساد والرشوة ،مجلة االستاذ الباحث للدراسات القانونية 1
والسياسية ،جامعة محمد بوضياف المسيلة ،المجلد الرابع ،2019 ،4ص .142
أحمد بودية ،دور وسائل اإلعالم في دعم أنظمة المساءلة والرقابة والمحاسبة في األقطار العربية :في بحوث ومناقشان 2
الندوة التي أقامتها المنظمة العربي لمكافحة الفساد بعنوان " المساءلة والمحاسبة ،تشريعاتها وآلياتها في االقطار العربية،
بيروت ،الطبعة األولى ،2007 ،ص.556
شعبان فرج ،مرجع سابق ،ص .120 3
262
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
تشكل المساءلة آلية مهمة لضمان سالمة تسير المالية العامة بفضل تعدد الفاعلين
المساهمين في تحقيقها والوسائل المختلفة التي تقوم باعتمادها في تتبع صرف المال العام في
األوجه المحددة له ،وتقييم مدى تحقيقه لألغراض المتوخاة من ذلك ،حيث تضمن بفضل
المعايير التي تقوم عليها عقلنة التسيير العمومي ،وتكشف الطريقة التي تعمل بها عن
االنحرافات التي تشوب عملية اإلنفاق العام في جميع مراحلها ،بفضل وجود المسؤولين القائمين
بعمليات صرف المال العام تحت هاجس تعدد الفاعلين المعنيين بتتبع عملهم من جهة (
السلطة التنفيذية ،البرلمان ،المجتمع المدني ،اإلعالم ،المواطن ،السلطة القضائية) ،وتعدد
وسائل رقابة عملهم وامكانية مساءلتهم عن ق ارراتهم ومدى مراعاتها لألهداف المسطرة
لتخصيص النفقات العامة .
وفي ظل شح الموارد فإن اهتمام الفاعلين بآلية المساءلة يعرف تزايد مستمرا ،فحاجه
الناس اليوم لمعرفة أين وكيف تصرف األموال العمومية؟ أصبحت مسألة أساسية ترتبط بشرعية
النظام السياسي ،وهو ما يفرض مراجعة وتقييم أداء برامج اإلنفاق العام والتأكد من االستخدام
األمثل للموارد ،ألن اإلنفاق العام يمثل الجزء الرئيسي من الميزانية العامة التي محل هي
مساءلة جميع الفاعلين.
المبحث الثالث :الرقابة ومحاربة الفساد لتجسيد حكامة اإلنفاق العام
االهتمام المتزايد بأهمية المالية العامة واشكاليات الرقابة عليها يرجع إلى قدسية المال
العام ومدى تأثيره على جميع مناحي الحياة في الدولة سواء السياسية واالقتصادية واالجتماعية،
حيث تشكل دارسة مفهوم الرقابة جزء ال يتج أز من دراسة المالية العامة ،وهكذا عرف مصطلح
الرقابة ومعناه في المعاجم والبحوث الصادرة في العلوم اإلدارية والمالية تعريفات متعددة
ومختلفة بحسب زوايا النظر ووظائف االستعمال ،غير أن الغاية منها كانت دائما الوصول
إلى ترشيد اإلنفاق العام.
المطلب األول :الرقابة كآلية لحكامة اإلنفاق العام
المالحظ في التعريفات العلمية للمفهوم في الفقه المعاصر أنها تبنت ثالثة اتجاهات "
يهتم الجانب األول بالجانب الوظيفي ويركز على األهداف المراد بلوغها ،والثاني يتمحور حول
الجانب اإلجرائي ويتناول اإلجراءات التي يتعين إتباعها في مجال المراقبة ،أما االتجاه الثالث
263
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
فيهتم بالجهة أو باألجهزة التي تضطلع بالرقابة وتتولى المراجعة والفحص والمتابعة وتحليل
" . النتائج
1
نجيب جيري ،الرقابة المالية بالمغرب بين الحكامة المالية ومتطلبات التنمية ،دراسة تحليلية نقدية ،منشورات مجلة الحقوق 1
264
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
ثالثا :االتجاه الثالث ينظر أصحاب هذه االتجاه في تعريفهم للرقابة المالية إلى األجهزة القائمة
بالرقابة ومن بين التعريفات المقدمة لها تعريفها بكونها " اإلشراف والفحص والمراجعة من
جانب سلطة أعلى لها للتعرف على كيفية سير العمل داخل الوحدة وللتأكد من حسن استخدام
األموال العامة في األغراض المخصصة لها ،وللتأكد من مدى تحقيق المشروع ألهدافه بكفاية
بغرض المحافظة على األموال والتأكد من سالمة تحديد نتائج األعمال والمراكز المالية،
وتحسين معدالت األداء وللكشف عن المخالفات واالنحرافات وبحث األسباب التي تؤدي إلى
حدوثها واقتراح وسائل عالجها لتفادي تكرارها مستقبال سواء في الوحدات الخدمية أو
االقتصادية" .
1
وعليه يمكن تعريف الرقابة المالية بكونها "مجموعة اإلجراءات واألجهزة المعنية بالتطبيق
السليم لألنظمة والقوانين والخطط الموضوعة من قبل الجهات المختصة الهادفة لحماية المال
العام والكشف عن التجاوزات والمخالفات التي تطاله وتصحيحيها لتجنب وقوعها مستقبال.
الفرع الثاني :أهداف الرقابة المالية وأنواعها
تتنوع أهداف الرقابة وتتعدد أنواعها لغرض حماية المال العام من كل أشكال الفساد
والتبذير.
أوال -أهداف الرقابة المالية :تهدف الرقابة على اإلنفاق العام إلى تحقيق عدد من األهداف:
-1قانونية :التحقق من أن جميع العمليات المالية تحصيال وانفاقا قد تمت وفقا لألنظمة
والقوانين والتعليمات واللوائح ،ومن حسن استخدام األموال العامة في األغراض المخصصة
2
لها.
-2إدارية وتنظيميه :تهدف لمحاربة أشكال البيروقراطية والتباطؤ اإلداري والتحقق من
الظروف التي يتم فيها استخدام الوسائل البشرية واإلدارية والمادية من طرف األجهزة اإلدارية
واالقتصادية للدولة ،وبذلك يقوم الجهاز الرقابي بضمان السير الحسن للمصالح اإلدارية ألداء
3
مهامها على أحسن وجه.
فاطمة محبوب ،أسامة سنوسي ،الرقابة المالية كآلية لحوكمة الميزانية العامة للدولة ،مجلة اقتصاديات المال واألعمال، 1
265
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
-3سياسية :من خالل التأكد من احترام رغبة البرلمان وعدم تجاوز األولويات واالعتمادات
1
المخصصة التي يصدرها لتنفيذ المشاريع العامة باعتباره ممثال لإلرادة العامة للشعب.
-4اقتصادية :تتمثل في كفاءة استخدام المال العام واستثماره بأفضل الوجوه لتحقيق المصلحة
2
العامة وتجنب صرفه في األوجه غير المشروعة.
-5اجتماعية :تتمثل في محاربة الفساد اإلداري واالجتماعي بمختلف صوره وأنواعه مركزة
على الجوانب السلوكية لألداء ،وهي أقوى أنواع الرقابة التي يصعب قياسها من خالل أدوات
وأساليب الرقابية الخارجية.3
ثانيا :أنواع الرقابة المالية بالنظر التساع مجاالت استخدام اإلنفاق العام وتعددها تخضع
رقابتها لعدة أجهزة متباينة الطبيعة لكنها تشترك في غاية واحدة وهي تحقيق االستخدام األحسن
للمال العام ،تنقسم أنواع الرقابة بحسب:
-1توقيتها الزمني إلى:
أ-رقابة سابقة للتنفيذ :تتعلق بالتحقق من مشروعية التصرف وتتمثل في إجراء عملية المراجعة
والرقابة قبل التصرف ،وتتولى القيام بها إدارة داخلية أو جهاز خارجي كما هو الحال في
المملكة المتحدة وايطاليا وبلجيكا ،وقد اهتمت بها اإلعالنات والمنظمات الدولية الخاصة
5
. 1977 بالرقابة المالية 4ومنها إعالن ليما
واإلصالح اإلداري من أجل رفع كفاءة األداء المؤسسي ومواجهة الفساد ،عمان 28-26 ،أكتوبر ،2008ص .2
محمود حسين الوادي ،مرجع سابق ،ص .173 3
عبد الباسط علي جاسم الزبيدي ،الموازنة العامة للدولة والرقابة على تنفيذها ،دراسة مقارنة ،دار الحامد للنشر والتوزيع، 4
تأخر في تنفي األعمال اإلدارية بسب عدم مرونة القائمين بها وتقييد الرقابة الالحقة بالنتائج التي توصلت إليها الرقابة السابقة،
مع صعوبة مراجعة العمليات المالية بمجموعها خاصة المشروعات اإلنشائية الضخمة.
266
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
ب-رقابة متزامنة مع التنفيذ تتم أثناء عملية التنفيذ بحيث تؤدي إلى اكتشاف الخطأ أو
االنحراف خالل فترة قصيرة من حدوثه ،وتعمل على تالفي القصور الذي يكشف في هذه
1
المرحلة المبكرة ،وبالتالي إمكانية اتخاذ إجراءات لعالجه قبل تنفيذ المشروع.
جـ-رقابة الحقة وترمي الكتشاف االنحرافات عن الخطط المرسومة وتحديد أسبابها وطرق
عالجها ومواجهتها واالستفادة من كل ذلك في التخطيط للمستقبل ،2ومن مزاياها أنها تحقق
األهداف الرئيسية للرقابة من حيث محاسبة المخالفين وتحصيل الخسائر ،كما تتيح عملية
الوقوف على األخطاء والقيام بعملية اإلصالح ،ومن عيوبها عدم القدرة على منع المخالفات
وحماية المال العام وبسب حدوثها بعد مدة من ارتكاب المخالفات تصعب عملية تحديد
3
المسؤوليات ،حيث تعد في نظر البعض مجرد عملية تسجيل تأريخي (أشبه بحوار الصم).
- 2الجهة التي تمارس عملية الرقابة:
أ-رقابة داخلية :وهي تلك الرقابة التي تتم داخل السلطة التنفيذية نفسها من خالل وحدة
متخصصة ترتبط بالجهات اإلدارية العليا أو من خالل التسلسل الرئاسي أي الرقابية اإلشرافية
4
والتوجيهية ،ومن أنواعها الرقابة الشخصية أو الذاتية النابعة من معتقدات الفرد وقناعاته.
ب-رقابة خارجية :تتمثل في مجموع اإلجراءات القانونية واإلدارية واألجهزة الرقابية
المتخصصة التي تؤسس خارج التنظيم المعين بهدف التأكد من كفاءة وفعالية األداء المالي
5
واإلداري للمؤسسات العامة.
-3السلطة التي تتمتع بها الجهة القائمة بعملية الرقابة إلى:
أ-رقابة مالية إدارية :يقصد بهذا النوع تلك الرقابة التي تنصب على الناحية اإلدارية فتكشف
الثغرات التي تعتري النظم اإلدارية والقوانين اإلدارية وما يكون قد نتج عن تطبيقها من مخالفات
إدارية واقتراح وسائل إلصالحها ،ويتولى القيام بها موظفون حكوميون وهي رقابة هرمية سليمة
1الهام محمد عبد الملك المتوكل ،أجهزة الرقابة المالية العليا وفاعليتها في الرقابة اإلدارية والمالية ،دراسة تطبيقية على
الجمهورية اليمنية :في بحوث ومناقشان الندوة التي أقامتها المنظمة العربي لمكافحة الفساد بعنوان " المساءلة والمحاسبة،
.275 تشريعاتها وآلياتها في االقطار العربية " ،يومي 7و 8فيفري 2007بيروت ،الطبعة األولى ،2007 ،ص
.173 محمود حسين الوادي ،مرجع سابق ،ص 2
.214 عبد الباسط علي جاسم الزبيدي ،مرجع سابق ،ص 3
267
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
تقوم بها أجهزة مختصة كما تمارسها أجهزة الرقابة العليا التي تتمتع بالصفة القضائية واإلدارية
1
معا.
تهدف إلى اكتشاف األخطاء فور وقوعها لعالجها ،والتأكد من التطبيق الصحيح للقوانين
واألنظمة والقواعد في المسائل المالية ،تقييم المديرين والتحقق من كفاءتهم في كافة المستويات
2
وحسن سلوكهم ،الحد من تكاليف العمل الحكومي وايقاف اإلسراف الزائد وضغط اإلنفاق.
ب-رقابة مالية برلمانية كما تسمى بالرقابة السياسية وتتمثل في الرقابة التي تمارسها السلطة
التشريعية وتعرف بأنها " قيام البرلمان بمراقبة تنفيذ الموازنة العامة التي أقرها سابقا على النحو
عليه" . الذي تمت المصادقة
3
تعتبر اختصاصا أصيال للبرلمان تباشره بطرق مختلفة من خالل االستجواب ومساءلة
الوزراء كممثلين للسلطة التنفيذية وفق ما يقره الدستور والقانون عن كيفية تنفيذ الميزانية ،كما
لها حق مراقبة االعتمادات اإلضافية التي تتطلبها الحكومة ،ويحق للبرلمان أن يطلب من
الجهات المستقلة كمجلس المحاسبة القيام بفحص ودارسة الملفات ذات األهمية الوطنية التي
4
تدخل في نطاق اختصاصه.
تكتسي أهمية بالغة في حفظ المال العام وتجسيد الرقابة الشعبية ،وتهدف إلى تحرير
حسابات الميزانية التي أقرها واعالن نتائج تنفيذ الميزانية واالطالع على مدى مطابقة أعمال
التنفيذ لألهداف المقررة لها في الرخصة البرلمانية ،تعرف هذه الرقابة عج از عن تحقيق أهدافها
مرده عدم إلمام البرلمانيين بالمواضع الفنية والتقنية للميزانية العامة ،وطغيان الزبائنية على
أدائهم من جهة ،وتمتع السلطة التنفيذية بقدرة وتأهيل يخوله احتكار المجال المالي من جهة
أخرى.
-رقابة مالية قضائية وهي التي تتوالها أجهزة تأخذ الطابع القضائي مستقلة عن السلطة
التنفيذية وغالبا ما تتبع السلطة التشريعية كما هو الحال في مجلس المحاسبة في فرنسا وايطاليا
وبلجيكا ومجالس المحاسبة في لبنان والمغرب وتونس والجزائر ،تحدد مهمتها في الكشف عن
المخالفات ومطالبة المسؤولين بتداركها واحالتهم على القضاء الجنائي إذا استدعى األمر كما
3عبد الباسط على جاسم ،محمد فؤاد طالب المختار ،الرقابة البرلمانية على تنفيذ الموازنة العامة للدولة في الدستور العراقي
لعام ،2005مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية ،المجلد ،5اإلصدار ،19الجزء األول ،2016 ،ص .338
عبد العزيز عزة ،قواعد الرقابة المالية وأجهزتها في القانون الوضعي والتشريع اإلسالمي ،مرجع سابق ،ص .84 4
268
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
يمكن لها إصدار تقرير سنوي يرسل إلى رئيس السلطة التنفيذية أو التشريعية أو كالهما يعرض
1
فيه ما تم تسجيله من مخالفات مالية وتقديم اقتراحات لتجنبها في المستقبل.
-4الرقابة المالية من حيث موضوعها :تنقسم بالنظر لهذا االعتبار إلى:
أ-الرقابة الحسابية :تتعلق بمراجعة الدفاتر والحسابات ومستندات الصرف والتحصيل ومدى
مطابقتها لالعتمادات المخصصة في كل بند من بنود الميزانية ،وكذا مطابقتها للقوانين واللوائح
المالية ،يمارسها مجلس المحاسبة في إطار عملية التدقيق في مستندات المحاسبين العمومين
ومراجعتها وكذا مطابقتها للقوانين واللوائح التنظيمية ،تهدف لبذل أقصى جهد الكتشاف
األخطاء الفنية والغش والتزوير والمخالفات المالية.
ب-رقابة المشروعية :تعني أن يكون التصرف القانوني ذو اآلثار المالية مطابقا للقانون
بمفهومه الواسع ويشمل رقابة الشكل التي تهتم بصفة الهيئة التي تصدر عنها التصرفات
2
المالية ،ورقابة الموضوع التي تهتم بطبيعة التصرف ومضمونه.
جـ-الرقابة االقتصادية :هي تلك الرقابة التي "ال تهتم بالجانب الحسابي والتأكد من مشروعية
عمل اإلداري فحسب ،ولكن تتجاوز ذلك إلى تقويم النشاط الحكومي نفسه فهي تبحث عن
مدى تحقيق األهداف االقتصادية واالجتماعية للمجتمع ،وتتضمن رقابة الكفاءة التي تعني
تحقيق أكبر قدر من النتائج بأقل قدر ممكن من التكاليف ،وكذلك رقابة الفعالية التي تعني
3
الرقابة على مدى تحقيق النتائج المرجوة ".
د-الرقابة التقييمية :تعتبر من أحدث أنواع الرقابة المالية الهادفة لتجاوز مجرد مراجعة
الحسابات ومدى مشروعيتها بمطابقتها مع القوانين واللوائح ذات الصلة إلى البحث عن مدى
تحقق األهداف المرجوة من تنفيذ الميزانية ،وقد ظهر هذا النوع من الرقابة المالية بسب ازدياد
4
تدخل الدولة في النشاط االقتصادي وزيادة حجم اإلنفاق العام واتساع الوعاء الضريبي.
لقد شكل دور المؤسسات المالية الدولية دو ار حاسما في طرحه وتجسيده كمفهوم للرقابة
المالية الحديثة من خالل":
عبد الباسط علي جاسم الزبيدي ،مرجع سابق ،ص .216 1
عبد الباسط علي جاسم الزبيدي ،مرجع سابق ،ص .216 3
عبد العزيز عزة ،قواعد الرقابة المالية وأجهزتها في القانون الوضعي والتشريع اإلسالمي ،مرجع سابق ،ص .88 4
269
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
ه-رقابة التسيير :تهدف للتأكد من أن اإلنفاق العام يجري وفقا للق اررات والسياسات المرسومة،
وأن األهداف تتحقق بشكل فعال وبكفاءة عالية ،وعليه فإن تقويم األداء يرتكز على ثالثة قواعد
أساسية :قاعدة فعالية أداء المشروع في تحقيق األهداف المقررة ،قاعدة كفاءة أداء التشكيالت
اإلدارية والتنظيمية في المشروع ومنتسبيه ،ومدى نجاحهم في تنفيذ األعمال الموكلة لهم ،قاعدة
1
االقتصاد في استخدام الموارد وتجنب اإلنفاق غير الضروري.
و-تقييم السياسيات العامة :يجد المظهر الثاني للرقابة التقييمية أسسه في األنظمة الرقابية
األنجلوساكسونية خاصة في كندا والواليات المتحدة األمريكية ،ويهدف لقياس وابراز مختلف
التأثيرات الذاتية للسياسات العامة المختارة ،ويقوم على تبني أربعة قواعد أساسية هي الشمول،
النظامية ،الدورية واالستقاللية .وتتجسد في أربعة مراحل أساسية وهي تحليل وجمع المعطيات
ثم تحليلها النقدي لتليها مرحلة تحديد النتائج ويتم في األخير اإلعالن عن التوصيات
2
والمقترحات.
ز-اعتماد مناهج وآليات التدقيق :تعتبر تقنية الرقابة بأسلوب التدقيق من أحدث أساليب
الرقابة الحديثة التي أثبت فعاليتها في التسيير اإلداري والمالي ،ويشمل التدقيق وفقا للمفهوم
التقليدي التدقيق المالي وتدقيق االلتزام ،3أما المفهوم الحديث للتدقيق إضافة إلى تدقيق العمليات
وتدقيق الفعالية ويطلق على النوعين األخيرين تدقيق األداء وهو الذي" يتميز بإتباع أسلوب
موازنة البرامج واألداء ،ويتم من خالله استخدام الحكومة لألموال التي تحت تصرفها وتنفيذها
لبرامجها وفقا لألهداف المحددة فيها ،وتعد مؤشرات األداء المختلفة التي يتم تحديدها في كل
األداء" . برنامج بمثابة المؤشرات التي يرتكز عليها تدقيق
4
نجيب جيري ،تحديث الفعل الرقابي رهانات السياسيات العمومية بالمغرب :نحو تقوية رقابة الحكامة ،مجلة العلوم القانونية 1
وتعرف بأنها " فحص أنظمة الرقابة الداخلية والبيانات والمستندات والحسابات والدفاتر الخاصة بالمشروع تحت التدقيق 3
فحصا انتقاديا منظما ،بقصد الخروج برأي فني محايد عن مدى كاللة القوائم المالية عن الوضع المالي لذلك المشروع في
نهاية زمنية معلومة ومدى تصويرها لنتائج أعماله من ربح وخسارة عن تلك الفترة " أنظر في هذا :محمد التهامي طواهر،
مسعود صديقي ،المراجعة وتدقيق الحسابات اإلطار النظري والممارسة التطبيقية ،ديوان المطبوعات الجامعية ،بن عكنون،
،2003ص ص .10، 9
محمود حسين الوادي ،مرجع سابق ،ص .189 4
270
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
حيث تهتم الرقابة على اإلنفاق العام بأسلوب التدقيق حسب نوع البرنامج بالبحث عن
النتائج المتحققة ،إذ يتطلب األمر متابعة البرنامج من حيث الجهة التي تتولى تنفيذه ومن حيث
النتائج المطلوبة منه وتلك المحققة فعليا.1
الفرع الثالث :رهانات ترشيد اإلنفاق العام في ظل األساليب الحديثة للرقابة
عرف مفهوم الرقابة المالية تطو ار ملحوظا بفعل التحوالت التي عرفها تسيير المالية العامة
بوجه عام ،وانعكس هذا في كم هائل من التفاصيل والقواعد واإلجراءات والمعايير التي تم
ابتكارها خاصة من قبل المؤسسات المالية الدولية والجهوية بهدف التحكم في إنفاق المال
العام.
تلعب مختلف أساليب الرقابة على تسيير المالية العامة دو ار مهما في الوصول لتحقيق
الرشادة في تخصيص النفقات العامة وان كان ذلك بدرجات مختلفة عبر مراحل تطورها والغاية
المرجوة منها ،تمثل الرقابة المالية ضرورة ديمقراطية تتجسد من خالل المحافظة على المال
العام وحس تسييره وفق مقتضيات الشرعية القانونية ،ولكنه في ظل تزايد حجم النفقات العامة
أصبح الحديث عن التحكم فيها واالستعمال األمثل لها يطرح ضرورة خضوعها لرقابه أكثر
2
فعالية تقوم على تقييم األداء لكل برنامج لإلنفاق العام.
أوال :تحول منطق الرقابة من رقابة المطابقة والمشروعية إلى رقابة التقييم واألداء
لقد أدى انتشار مظاهر الفساد المالي واإلداري التي تعكس عدم نجاعة الرقابة المالية
القائمة على مقترب قانوني وحسابي يعنى بالتركيز على مسألة الشرعية والمطابقة المتمثل في
تحقيق الهدف األصلي من الرقابة هو احترام الرخص المالية إلى البحث عن آلية تسمح
بالوصول لفعالية اإلنفاق العام ،فعلى الرغم من تعدد األجهزة وتنوع أشكال الرقابة لكن انتشار
مظاهر الفساد وهدر المال العام استفحلت وهو ما دل على عدم نجاح هذه الرقابة في تحقيق
األهداف المتوخاة منها ،وقد تطورت الرقابة المالية على مستويات مختلفة ففي دول االتحاد
يطلق على تدقيق األداء عدة مسميات رقابة األداء ،رقابة مردود اإلنفاق ،تدقيق فعالية البرامج ،التدقيق اإلداري ،قياس 1
األداء ،تقييم األداء ،أنظر في هذا :أحمد نعيمي ،مرجع سابق ،ص .163
ال توجد معايير محددة لتدقيق األداء كما ال يوجد نموذج محدد لتقرير المراقب المالي فيما يتعلق به ،وذلك ألنه
يتناول ربط األهداف مع المدخالت ومع العمليات ثم مع المخرجات والنتائج والتأثيرات ،كما يقسم إلى قسمين تدقيق العمليات
وتدقيق البرامج ،أنظر في هذا :محمود حسين الوادي ،مرجع سابق ،ص .190
2
André Barilari, Les contrôles financiers comptables, administratifs et juridictionnels des
finances publiques, LGDJ, 2003, pp13, 14.
271
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
األوربي رغم اختالف وتنوع أساليبها في كل دولة على حدة الذي مرجعه تاريخ األنظمة اإلدارية
وكيفية تطورها ووضع و ازرة المالية والتنظيم المركزي من عدمه لألنشطة المالية ،إال أنه في
ظل توسع االتحاد عرفت تطو ار مضطردا يظه ار أوال في سلطة المراقب المالي الداخلي ثم
1
تأتي بعد ذلك مهمة كل من مجلس المحاسبة والبرلمان األوربيين.
على الصعيد الدولي احتلت الرقابة المالية مكانة مهمة فمالية األمم المتحدة تخضع
لرقابة محافظي الحسابات التي تضم مراقبا عاما للحسابات لثالث دول أعضاء ،كما بادر
البنك الدولي بشراكة مع صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون والتنمية االقتصادية بإطالق
برنامج اإلنفاق العام والمساءلة المالية سنة 2001كوسيلة لتقييم تسيير المالية العامة واطار
للحوار حول استراتيجيات إصالح اإلنفاق العام والمساءلة المالية ،وفي الصميم منها شكل
إصالح نظام الرقابة باعتباره أساسا لتحقيق مساءلة فعالة لعمليات تسيير المال العام ،ساهمت
المنظمة الدولية لألجهزة العليا للرقابة في تعميم مفهوم الرقابة القائم على رقابة األداء وتقييم
2
جودة نتائجها .
وعليه تحول منطق الرقابة على المالية العامة تحوال مهما باقترابه أكثر من الرقابة
السائدة في القطاع الخاص التي تبحث عن تحقيق فعالية أكبر للرقابة والتي تجد مصدرها في
آليات المناجمنت العمومي الجديد حيث البحث عن األداء والنتائج يشكل أولوية تنعكس في
3
أهداف الرقابة المالية.
في هذا اإلطار تشهد الرقابة المالية العامة حركة نحو التكييف مع تقنيات المناجمنت
العمومي الجديد والحكامة المالية وذلك بجعل فعالية الرقابة واألداء أول اهتمامها ،يعرف العالم
موجة إلصالح تسيير المالية العامة تركز في المقام األول على التحكم في اإلنفاق العام في
ظل فشل آليات الرقابة وزيادة حجم النفقات العامة بالتركيز على تبني معايير الحكامة المالية
التي تقوم على تبني آليات المناجمنت العمومي ودمج مفاهيم األداء والنتائج في التسيير المالي
1
Marc simmony, Le contrôle financier public dans le cadre de l’union européenne et de son
élargissement, RFFP, N° 77, Mars 2002, « La dépense publique », LGDJ, paris, p148.
2
Loïc Philip, panorama du contrôle des finances publiques dans le monde, RFFP, N° 101,
Mars 2008, les cours des comptes en action, p p22, 23.
3
Marie Christine Esclassan, un phénomène international : l’adaptation des contrôles financiers
publiques à la nouvelle gestion publique, RFFP, N° 101, Mars 2008, pp31, 32.
272
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
العام بهدف تحقيق فعالية أكبر لإلنفاق العام ،لكن هذا النهج يعرف تفاوت من دولة ألخرى
1
رغم سعي المؤسسات المالية الدولية لتعميم هذا النموذج .
ثانيا :مدى فعالية مناهج التدقيق في ترشيد اإلنفاق العام
لقد أثبتت المقاربة المبنية على آلية التدقيق إلزامية اإلحاطة بالجوانب الجوهرية أكثر
من الجوانب الشكلية والجزائية في قياس وتقييم النتائج والمنجزات ومقابلتها باألهداف المسطرة
2
ضمن مخطط الميزانية وأهميتها وجدارتها في تحقيق فعالية اإلنفاق العام.
تدفع هذه المقاربة لتطوير مفهوم الرقابة بمزيد من االعتماد على آليات التسيير المعتمدة
في القطاع الخاص وتبني رؤية استراتيجية لعمل األجهزة الرقابية توفر وسائل التكامل واالبتكار
واالندماج والتبسيط ،وتوحيد اإلجراءات للوصول إلى عقلنة الفعل الرقابي وتحقيق رشادة التسيير
3
المالي.
لكنه في المقابل تجدر اإلشارة إلى أن مستقبل الرقابة المالية رغم أهمية االعتماد فيه
على آلية التدقيق في الدول المتقدمة إال أنها في سياق الدول النامية تعرف وضعا مغايرا ،فقد
أثبتت التجارب أن االعتماد على التقنيات المستوردة دون امتالكها ال يحقق النتائج المرجوة،
فعلى الرغم من مرور عقود على اعتماد أدوات وقواعد ميزاناتية جد متطورة في عدد من البلدان
النامية لكنها لم تحدث آثا ار حقيقة على مستوى تحديث والتحكم في تسيير المالية العامة والتحكم
في اإلنفاق العام ،في هذا اإلطار يرجع Michel Bouvierذلك إلى توهم اإلصالح ألنه
مجرد تراكم للتقنيات دون وجود استراتيجية شاملة للتغيير على المدى الطويل ال يولد نجاحا
4
بل فشال ذريعا في تحقيق األهداف االستراتيجية للمالية العامة.
وعليه فإن أهمية منهج التدقيق في الرقابة على المالية العامة كآلية لترشيد اإلنفاق العام
لن يؤتي ثماره إال إذا أصبح التدقيق عمال ديمقراطيا عمليا ومستقال يشمل كل القطاعات
العمومية ،وتتحول االقتراحات والتوصيات والتقارير التي تلخص أعمال التدقيق إلى موضع
5
التنفيذ والمتابعة.
1
ibid, pp 29 ,30.
2عبد العزيز عزة ،قواعد الرقابة المالية وأجهزتها في القانون الوضعي والتشريع اإلسالمي ،مرجع سابق ،ص .626
نجيب جيري ،تحديث الفعل الرقابي رهانات السياسيات العمومية بالمغرب مرجع سابق ،ص .64 3
4
Daniel TOMMASI, op.cit., p 178.
5عبد العزيز عزة ،قواعد الرقابة المالية وأجهزتها في القانون الوضعي والتشريع االسالمي ،مرجع سابق ،ص .626
273
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
المطلب الثاني :مكافحة الفساد كآلية لحماية المال العام وتجسيد الحكامة المالية
يعد الفساد ظاهرة عالمية "قديمة وجديدة أضحت تؤرق جميع المجتمعات المتقدمة
والنامية على حد سواء ،خاصة بعد أن تجذرت الظاهرة في جميع مناحي الحياة السياسية
واالقتصادية واإلدارية واالجتماعية" ،1حيث القت اهتمام الباحثين والمهتمين واتفقت اآلراء على
ضرورة محاربتها ،وان اختلفت في تعريفها وتحديد األولويات الواجب اتباعها في محاولة القضاء
على أثارها السلبية على اإلنسان ،المجتمع ،الدولة.
يعرف البنك الدولي الفساد بأنه " إساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص،
فالفساد يحدث عندما يقوم بقبول أو طلب أو ابتزاز رشوة لتسهيل عقد أو إجراء طرح لمناقصة
عامة ،كما يتم عند ما يقوم وكالء أو وسطاء لشركات أو أعمال خاصة بتقديم رشاوي لالستفادة
من سياسيات أو إجراءات التغلب على منافسين ،وتحقيق أرباح خارج إطار القوانين .كما يمكن
لل فساد أن يحدث عن طريق استعمال الوظيفة العامة دون اللجوء إلى ذلك بتعيين األقارب أو
سرقة أموال الدولة مباشرة " ويركز هذا التعريف على صورة من صور الفساد المتمثلة في
انتشار وتأثي ار.2
ا الفساد المالي واإلداري دون غيره وهي األكثر
في حين عرفته اتفاقية األمم المتحدة لمحاربة الفساد بكل األفعال الواردة في الفصل
الثالث منها في المادة 19وما يليها سواء في القطاع العام أو الخاص وأية أفعال أخرى تجرمها
التشريعات الداخلية باعتبارها أفعال فساد أو تجرمها باعتبارها كذلك في المستقبل.3
وعليه لم تقدم االتفاقية تعريفا للفساد بل أشارت إلى صوره المتمثلة في الرشوة ،واختالس
الممتلكات ،والمتاجرة بالنفوذ ،إساءة استعمال الوظيفة ،واإلثراء غير المشروع ،4...بحيث "ال
تقدم تعريفا شامال للفساد ،لكنها تعتمد توصيفا خاصا لألعمال الجرمية التي تعتبر سلوكا فاسدا
1رقية عواشرية ،الحكم الراشد كوسيلة لمكافحة الفساد في الدول المغاربية ،مجلة الحقوق والحريات جامعة محمد خيضر
.286 بسكرة ،العدد الثاني ،2016 ،ص
.289 2رقية عواشرية ،مرجع سابق ،ص
3األمم المتحدة ،المكتب المعني بالمخدرات والجريمة ،اتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الفساد ،نيويورك ،2004 ،ص 18وما
يليها .على الرابط:
https://www.unodc.org/res/ji/import/international_standards/united_nations_conventio
تاريخ اإلطالع.17/07/2019 : n_against_corruption/uncac_arabic.pdf
عبد العالي حاحة ،اآلليات القانونية لمكافحة الفساد اإلداري في الجزائر ،أطروحة دكتوراه في الحقوق ،تخصص القانون 4
274
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
في الوقت الحاضر تاركة للدول األعضاء إمكانية معالجة أشكال مختلفة من الفساد قد تنشأ
مستقبال على أساس أن مفهوم الفساد من المرونة ما يجعله قابال للتكيف بين مجتمع وآخر".1
كما عرفته المنظمة العربية لمكافحة الفساد بكونه" كل ما يتصل باإلكساب غير المشروع
–أي دون وجه حق– وما ينتج عنه ،لعنصري القوة في المجتمع ،السلطة السياسية والثروة ،في
جميع قطاعات المجتمع".2
ينبني هذا التعريف بشكل واضح على االرتباط بين عنصري السلطة والمال وانتاجهما
للفساد وتأثير ذلك والمساس بالمصلحة العامة للمجتمع.
يعرفه صموئيل هنتتغتون أنه " أحد المعايير الدالة على غياب المؤسسة السياسية
الفعالة خالل فترة التحديث الواسعة التي شهدها عصرنا الحالي" ،3أما "أحمد صقر عاشور"
فيعرفه بكونه " استخدام السلطة المخولة مؤسسيا ،في تحقيق منافع خاصة /ذاتية ،خارج النطاق
الذي رسمت له" ،4كما عرفته "عواشرية رقية "باعتباره "إساءة استخدام السلطة من قبل من
أؤتمن عليها لتحقيق مكاسب خاصة ،سواء في القطاع العام أو الخاص".5
أما بخصوص المشرع الجزائري فقد جسد نهجا دوليا في مجال مكافحة الفساد من خالل
مصادقته على اتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الفساد سنة ،62004ولم يقدم تعريفا لمفهوم
الفساد واكتفى باإلشارة إلى صوره ومظاهره ،األمر الذي تم تجسيده في قانون الوقاية من الفساد
ومكافحته رقم 01-06المعدل والمتمم والذي جرم الفساد بمختلف أشكاله وصوره ،وهذا في
1دواد خير اهلل ،الفساد كظاهرة عالمية وآليات ضبطها ،في :الفساد والحكم الصالح في البالد العربية ،مرجع سابق ،ص
.415
عامر خياط ،مفهوم الفساد ،ورقة مقدمة لندوة :المشاريع الدولية لمكافحة الفساد والدعوة لإلصالح السياسي واالقتصادي 2
في األقطار العربية ،الطبعة األولى ،المنظمة العربية لمكافحة الفساد ،2006 ،بيروت ،ص .50
3فتيحة حيمر ،ظاهرة الفساد في الجزائر ،أطروحة دكتوراه في العلوم السياسية والعالقات الدولية ،جامعة الجزائر ،03جوان
،2014ص.38
4أحمد صقر عاشور ،قياس ودراسة الفساد في الدول العربية ،ورقة مقدمة لندوة :مؤشر الفساد في األقطار العربية ،إشكاليات
القياس والمنهجية ،بحوث ومناقشات الحلقة النقاشية التي أقامتها المنظمة العربية لمكافحة الفساد والمؤسسة العربية للديمقراطية
الطبعة األولى ،بيروت ،2010 ،ص .34
5رقية عواشرية ،مرجع سابق ،ص .290
المرسوم الرئاسي رقم 128/04المؤرخ في 2004/04/19المتضمن المصادقة على اتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الفساد 6
المعتمدة من قبل الجمعية العامة لألمم المتحدة بتاريخ 2003/10/31والتي دخلت حيز التنفيذ في .2004/12/04الصادر،
ج رع ،26الصادرة بتاريخ .2006/04/16
275
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
نص المادة 2منه التي نصت على " يقصد في مفهوم هذا القانون بما يأتي :أ "-الفساد" :كل
الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من هذا القانون.1"...
لكنه "يعاب على المشرع الجزائري أنه أشار إلى بعض مظاهر وصور الفساد فقط،
دون باقي الصور التي تخرج عن مجال التجريم ،وتبقى مباحة رغم خطورتها مثل الواسطة،
2
المحسوبية ،والمكافأة الالحقة"...
وعليه يمكن تعريف الفساد إجرائيا بأنه "استعمال السلطة العمومية لغرض تحقيق مصالح
خاصة واألضرار المتعمد بالمصلحة العامة في مخالفة لمنظومة القوانين القيم والمعايير
األخالقية".
الفرع األول :عالقة الفساد بالحكامة
يرتبط انتشار الفساد بشتى أشكاله وأنماطه والمجاالت التي يمارس فيها بمدى انحراف
وتواطؤ السلطة المؤسسية وتتفاوت درجاته من إمكانيات تبديد الموارد العمومية إلى إساءة
استعمال الصالحيات المرتبطة بالسلطة المخولة ،كما يتعلق انتشاره بغياب ضوابط فعالة للرقابة
والمساءلة تعكس احتكار السلطة في يد فئة قليلة -تربطها عالقة ال تقوم على خدمة الصالح
العام -دون باقي الفواعل في المنظومة المجتمعية والسياسية.
يحيل انتشار الفساد واستفحاله في أي مجتمع إلى غياب الحكامة الجيد أو الرشيدة،
حيث يشير تعدد التعريفات اآلتية من تعدد االقتراب واالستعماالت في الحقول البحثية وربطها
بمفاهيم أخرى مثل :التنمية االقتصادية والسياسية ،الديمقراطية إلى وجود مؤشرات مندمجة
ومشتركة بين المفهومين (الحكامة ،الفساد) بحيث ترى بعض الدارسات الحكامة الجيدة عبارة
عن غياب الفساد ،وانتشار الفساد يعبر عن الحكامة السيئة ،إذ أن مؤشرات الفساد تكاد تكون
هي نفسها مؤشرات الحكامة.3
عبد العالي عبد القادر ،الفساد السياسي والحكامة :القيمة النظرية والخلفية األيديولوجية ،المجلة الجزائرية لألمن والتنمية، 3
276
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
الصلة بين المفهومين لها أهمية تحليلية وتفسيرية ومعيارية من حيث كونها تسمح
بالكشف عن التفاعالت بين الفاعلين الرسميين وغير الرسميين في اتخاذ الق اررات والبني
المساهمة في صناعتها في مختلف مراحل صياغتها وتنفيذها ورقابتها ،حيث ال تتعلق دراسة
مفهوم الحكامة الجيدة كوسيلة للحد من انتشار الفساد بتحليل األداء الحكومي باعتبار الحكومة
واإلدارات العمومية تشكل امتدادا لها فقط ،بل تتعداها إلى دارسة الحكامة وعالقتها بالفساد
لتشمل الفاعلين اآلخرين الذين أضحى لهم تأثير واضح في بلورة السياسات العامة بوجه عام
والسياسيات المالية على وجه الخصوص ،في ظل تنامي دور القطاع الخاص ،المنظمات غير
الحكومية ،والدور المؤثر للمؤسسات المالية الدولية ،وأدوات العولمة ،وكذا المجتمع المدني.1
الفرع الثاني :أهمية الحكامة المالية في مكافحة الفساد
في جل الدارسات التي تناولت مفهوم الفساد وأنواعه وتصنيفاته تبرز أهمية الحكامة
وآلياتها من شفافية ومساءلة ومشاركة وسيادة القانون وفواعلها من قطاع خاص ومجتمع مدني،
باعتبارها العوامل المحددة النتشار الفساد من عدمه " ،فالكثير من األدبيات المعنية بالفساد
والنزاهة التي ظهرت خالل العقدين األخيرين ،تربط بين الفساد والنزاهة ،ومنظومة الحوكمة،
وهي تركز على إصالح منظومة الحوكمة كاستراتيجية مانعة ووقائية ،بدال من تركيز جهود
2
مكافحة الفساد على الكشف والمالحقة بعد حدوثه".
يطرح مفهوم الحكامة المالية كمدخل لمكافحة الفساد إشكالية خاصة في ظل ارتباطه
بالبعد اإليديولوجي للمف هومين ،حيث يطغى الجانب المعياري ويتم استعماله من قبل الدول
المانحة في سياق إعادة صياغة جديدة لإلصالح في برامج المساعدات الموجهة للدول النامية،
إذ يتم تحديد مفهوم الحكامة المالية كمدخل لمكافحة الفساد في جملة من الخصائص
والمواصفات التي وضعتها المؤسسات المالية الدولية ،وبناء عليها يتم تصنيف الدول ومنح
المساعدات.3
في المقابل يرى أنصار رفض التبعية دول العالم الثالث أن التصور السابق يقوم على
تجاوز السبب الرئيسي لوجود األزمة في دول العالم الثالث وانتشار الفساد بشكل يهدد وجود
مؤسسات الدولة التي تعاني من المديونية حيث آثار الحقبة االستعمارية وتبعاتها ،والنظام
أحمد صقر عاشور ،قياس ودراسة الفساد في الدول العربية ،مرجع سابق ،ص .42 2
277
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
االقتصادي العالمي غير العادل الذي يفرض تبعية وتبادل غير متكافئ ،كما يتجاهل تأثيرات
وتدخل الدول الكبرى وشركاتها العابرة للقارات التي تتحالف مع أنظمة فاسدة للحفاظ على
مصالحها بتغذية الصراعات المحلية التي ال تنمو إال في ظل بيئة الفساد وغياب الحكامة.1
وعلية يرتبط تجسيد مفهوم الحكامة المالية كألية لمكافحة الفساد وتحقيق فعالية اإلنفاق
العام بتفعيل آليات الحكامة المالية التي تمثل الشفافية والمشاركة والمساءلة أهمها ،كما تتعلق
في جانب آخر بمدى توفر رؤية تشاركية لتسيير الشأن العام من مجتمع مدني وقطاع خاص
فعال ،في هذا السياق يرى "حركات محمد" أن مساهمة الحكامة المالية في إبطال مفعول الفساد
ترتبط بعوامل مركبة تتحكم في تنامي ظواهر الفساد المالي واإلداري سواء في القطاع العام أو
الخاص ،وتعوق بالتالي وضع منظومة فعالية للتسيير المالي الجديد ومنها ":2
أوال :تبني خطة استراتيجية تشاركية لتفعيل أداء البنية المؤسساتية والثقافة المهيمنة يتطلب
رفع معدالت النمو االقتصادي واالجتماعي توفر بيئة اقتصادية وتشريعية وأمنية وقيمية مالئمة،
والبعد الثقافي يعد أبرز القيم التي تساعد على زيادة االهتمام بتحقيق درجة أعلى من العدالة
في توزيع الفرص بين الفئات المجتمعية وتلبية الحاجات اإلنسانية األساسية واكتساب المعارف
والمهارات ونشر وتنمية قيم االجتهاد واإلبداع والنزوع للتعلم المستمر.3
ثانيا :إصالح هياكل الميزانية غير الفعالة والمرنة في التدبير المالي توجد مجموعة من
المقاربات التي ينبغي مراعاتها في إعداد الميزانية وتنفيذها ورقابتها لمعرفة مدى خضوعها
لمنطق النتائج ومدى تمكين بنيتها من حماية المال العام ،ومدى مساهمتها في الحد من
التهميش والفقر والتفاوت االجتماعي ،كما تعتبر بنية الميزانية إطا ار أساسيا يمكن من معرفة
مدى مرونة أو تشدد آليات تدبير االعتمادات المرصودة إلنجاز برامج ومشاريع ،حيث يقتضي
ترشيد التسيير وضع مؤشرات مرقمة تمكن من تحديد أهداف مدققة ،وكذا قياس مدى تحقق
2محمد حركات ،معوقات الرقابة العليا على األموال العامة ضمن منظومة مكافحة الفساد في أقطار الوطن العربي ،ورقة
مقدمة لندوة :المساءلة والمحاسبة تشريعاتها وآلياتها في األقطار العربية ،بحوث ومناقشات الندوة التي أقامتها المنظمة العربية
لمكافحة الفساد ،الطبعة األولى ،لبنان ،2007 ،ص ،248وأيضا :محمد حركات ،كيف تستطيع الحكامة المالية إبطال
مفعول الفساد ،المجلة المغربية للتدقيق والتنمية ،سلسلة التدبير االستراتيجي ،المغرب ،المجلد ،2005 ،06ص .20
3محمد حركات ،كيف تستطيع الحكامة المالية إبطال مفعول الفساد ،مرجع سابق ،ص .20
278
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
األهداف من خالل تقوية الرقابة والتقويم الالحقين على حساب تخفيف ومرونة الرقابة المالية
السابقة.1
المشاركة التي تتجلى في درجة إشراك المواطنين والموظفين والنقابات والبرلمان بشكل فعال
في تحضير ورقابة ميزانية الدولة ،وتتعلق بمدى توفر البرلمانات على القدرات الفنية لمساءلة
ورقابة الحكومات المتتالية عن عمليات إنفاق المال العام ،ومدى توفر المعطيات والمعلومات
الالزمة للمساءلة ،وعن مدى إتاحتها في الوقت المناسب ،كما تطرح دور األجهزة العليا للرقابة
في دعم الرقابة السياسية التي تمارسها هذه المجالس ،كلها عوامل تساهم في الحد من انتشار
الفساد وتساهم في تعزيز ترشيد تسيير المال العام.2
ثالثا :وضع استراتيجية شاملة للتحفيز والتقويم المستمر للمخاطر
يعد وجود رؤية استراتيجية قضية أساسية تتعلق باكتساب المعرفة وتوظيفيها بفاعلية للحد
من انتشار الفساد واالختالس والتبذير لضمان الشفافية والرقابة الداخلية ،فالمعرفة هي التي
تستطيع تمكين الدولة والمنظمات والفاعلين من تغيير نفسها.
وضع إطار تعاقدي لضبط العالقات بين المديريات المركزية والمصالح الخارجية يضمن
الشراكة بينها وبين مختلف الفاعلين االقتصاديين واالجتماعيين الذين تمكنهم معرفتهم للواقع
من االختيار الدقيق للمشاريع والمستفيدين منها حسب استراتيجيات وأولويات معينة تجنب هدر
المال العام وانفاقه في خدمة المصالح الخاصة.3
توفر مناخ مؤسساتي (قضائي ورقابي) عام وقيادة إدارية قادرة على تبني مجموعة من
الق اررات التي من شأنها ضمان تحصين المال العام وحمايته من كل أوجه الفساد ،مع توفر
منظومة بيداغوجية فعالة وهيكل وقيم تدعم ثقافة المساءلة والتقويم المستمر لألخطار ،تدعمها
للحكامة". كفاءات بشرية مدربة ومنخرطة في عمليات الترشيد والرقابة والتقويم المستمر
المبحث الرابع :مقاربة المؤسسات المالية الدولية لحكامة اإلنفاق العام
1محمد حركات ،استقاللية أجهزة الرقابة المالية ،وعدم إخضاعها للمؤثرات السياسية الضامن األساسي لفعاليتها في أداء
مهماها ،ورقة مقدمة لندوة :الرقابة المالية في األقطار العربية ،بحوث ومناقشات الندوة التي أقامتها المنظمة العربية لمكافحة
الفساد ،الطبعة األولى ،لبنان ،2009 ،ص .265
.20 2محمد حركات ،كيف تستطيع الحكامة المالية إبطال مفعول الفساد ،مرجع سابق ،ص
3محمد حركات ،استقاللية أجهزة الرقابة المالية ،وعدم إخضاعها للمؤثرات السياسية الضامن األساسي لفعاليتها في أداء
مهماها ،مرجع سابق ،ص ص .267 ،266
279
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
يعرف العالم منذ ثالثة عقود حركة تتزايد باستمرار نحو مزيد من التداخل والترابط بفعل
العولمة وسياسات االنفتاح االقتصادي والمالي آخذة مكانة رئيسية في خطط التنمية ،وقد
أدركت الدول حاجتها لمراجعة األولويات التي تبني عليها سياساتها العامة وتوجهاتها
االقتصادية من خالل محاولة مواكبة هذا التداخل وتمكين االقتصاديات الوطنية من التفاعل
مع منظومة االقتصاد العالمي الذي تهمين عليه الدول الصناعية ووكاالتها للتنمية ،وكذا
المؤسسات المالية الدولية التي تلعب فيها دو ار رئيسيا في توجيه السياسيات المالية العامة.
في ظل هذا التوجه الذي اكتسبت فيه السياسية المالية والترتيبات المؤسسية المتعلقة بها
بعدا عالميا يتجاوز حدود الدولة بفعل العولمة واالنفتاح التجاري والتطور التكنولوجي وحرية
التنقل أصبح االهتمام بتسيير المالية العامة اهتماما عالميا من خالل تطوير معايير عالمية
حديثة للممارسة منها معايير الحكامة المالية ،ووضع أسس ومبادئ يتم االسترشاد بها بهدف
1
خلق انضباط مالي وتسيير قائم على الفعالية واألداء للتحكم في اإلنفاق العام.
في هذا السياق قامت استراتيجية المؤسسات المالية الدولية وعلى رأسها البنك وصندوق
النقد الدوليين بالتركيز على إصالح تسيير المالية العامة وتحديث التسيير من أجل ضمان
عقلنة التسيير المالي وضمان الفعالية االقتصادية من خالل إمالء شروطها على الدول
المقترضة لتحقيق استقرار المالية العامة ومطالبتها بإصالح ميزانياتها وتبني نهج التسيير
المتمحور على النتائج واألداء لغرض التحكم في اإلنفاق العام ،هذه المقاربة تقوم على محاولة
إدخال آليات المناجمنت العمومي المعروفة في القطاع الخاص في تسيير المالية العامة،
وتبني مفاهيم األداء ،الفعالية النتائج ،وقياس األداء من خالل وضع جملة من المعايير
والمؤشرات للقياس التي أصبحت نموذجا عالميا تسعى هذه المؤسسات للترويج له عبر الشراكة
مع الدول أو فرضها على بعضها خاصة منها التي تحتاج لمعونات التنمية.
المطلب األول :إصالح تسيير المالية العامة
تدعم المؤسسات المالية الدولية خاصة البنك و صندوق النقد الدوليين إصالح تسيير
المالية العامة بتبني مقاربة استراتيجية تأخذ بعين االعتبار كافة الجوانب المحيطة بعملية
التسيير في شموليته ،حيث تقوم الحكامة على إعادة النظر في مسار عملية اتخاذ القرار المالي
بشكل جذري بحثا عن تحقيق فعالية اإلنفاق العام ويمر هذا حتما عبر تحديد سلطات الفاعلين
1أحمد أبوبكر علي بدوي ،برامج إصالح الموازنة العامة في الدول العربية ،دارسات اقتصادية ،صندوق النقد العربي،2011 ،
ص .2
280
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
في المجال المالي وكيفية توزيع واستخدام االعتمادات وفقا ألهداف محددة ،ويقوم البرلمان في
تغيير جوهريا في سيرورة
ا سياق هذا التوجه الجديد بتبني التسيير باألداء الموجه بالنتائج فيحدث
هيكل الميزانية العامة للدولة ،تعتبر الميزانية المرتكزة على النتائج أداة مهمة للتعرف على
مساهمة الدولة كفاعل اقتصادي في تحقيق األهداف للوطنية ،وربط الميزانية بالتخطيط
االستراتيجي ،إضافة إلى ربط النفقات العامة بالنتائج ،األمر الذي يسهل عملية كقياس فعالية
اإلنفاق العام على البرامج والمشاريع من خالل وضع منظومة مؤشرات لقياس األداء تهدف
1
لتحقيق الشفافية وتطبيق المساءلة وفق أسس موضوعية.
من أجل الوصول لنجاعة في تسيير المالية العامة وتحقيق فعالية اإلنفاق العام تبنت
الدول المتقدمة أسلوبا مناجيرياليا يقوم على األداء والفعالية والكفاءة ،حيث " لم تأت إصالحات
إدارة المالية العامة في منطقة الشرق األوسط وشمال إفريقيا من العدم .فالعالم برمته شهد
تطبيق إصالحات متنوعة خالل العقدين المنصرمين أو العقود الثالثة الماضية تحت راية
"المناجمنت العمومي الجديد " تغير نطاقها وجوهرها " ،2يشكل التسيير المبني على النتائج أحد
مظاهرها. أهم
الفرع األول :التسيير المتمحور على النتائج
لقد أصبحت مسألة اعتماد تسيير ميزانياتي مبني على النتائج في المدى المتوسط أم ار
بالغ األهمية بالنسبة للمنظمات الدولية لتحسين تسيير المالية العامة الذي يعد مؤش ار على
فعالية األداء الحكومي من جهة ،ولتحقيق فعالية اإلنفاق العام وتلبية احتياجات المواطنين من
جهة أخرى ،وذلك تلبية المتطلبات األساسية اآلتية ":
-الحفاظ على التوازنات المالية األساسية من أجل تفادي االختالالت المضرة باإلطار الماكرو
–اقتصادي ،علما بأن هذا األخير يؤثر على الوضع االجتماعي.
-إشاعة الشفافية بتحس ين استيعاب مضامين الميزانية وتعزيز مصداقيتها اتجاه الرأي العام،
ودعم مبادئ المحاسبة والمساءلة.
-ترشيد النفقات العامة توخيا لألداء الجيد.
-تكييف مسلسل الميزانية مع الالتركيز.
البنك الدولي ،إصالح إدارة المالية العامة في منطقة الشرق األوسط وشمال إفريقيا ،لمحة عامة عن التجربة اإلقليمية ،تقرير 2
281
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
1
-الرفع من كفاءة اإلنفاق بتعظيم الفائدة من كل دوالر يتم إنفاقه من الخزينة".
يعود الحديث عن مفهوم التسيير المبني على النتائج إلى خمسينات القرن الماضي حيث
قدم PETER DURCKERكتابه المعنون ب ــ" "The Practice of Managementمفهوم
ومبادئ التسيير باألهداف ،2وفي منتصف الستينات قدم مفهوما جديدا يبدو للوهلة األولى
مشابها للتسيير باألهد اف ولكنه في الواقع مستقل عنه جسده في كتابه " Managing for
" Resultsسنة ،1964لكن هذه األفكار لم تعرف رواجا إال مع بداية التسعينات والذي
تطور في القطاع الخاص لينقل إلى القطاع العام بفضل االنتقال من التركيز على صرف
واستهالك الميزانيات للتركيز على ما تم إنجازه فعال ،في هذا خضع التسيير العمومي بشكل
عام والتسيير المالي بشكل خاص إلى عملية إصالح واسعة استجابة لضغوط اقتصادية
واجتماعية وسياسية.
هذا النهج الذي يعتبر جانبا من جوانب المناجمنت العمومي الجديد بدأ في منظمة
التعاون والتنمية االقتصادية بصورة رئيسية لكنه سرعان ما انتقل للمنظمات الدولية ،فكانت
معظم المنظمات التابعة لمنظمة األمم المتحدة تواجه تحديات مماثلة لتلك التي تواجهها الدول،
اقترح األمين العام لألمم المتحدة في عام 1997في الوثيقة المعنونة " برنامج لإلصالح " أن
تشدد األمم المتحدة بقدر أكبر على النتائج.3
1محمد بن العرية ،حسين بن العرية ،دورة الموازنة الموجهة بالنتائج في الرفع من كفاءة اإلنفاق ،دراسة حالة التجربة المغربية،
مرجع سابق ،ص .34
2حيث أكد على ضرورة ":ترتيب الغايات واألهداف التنظيمية ترتيبا تعاقديا ،وضع أهداف محددة لكل رد في المنظمة ،صنع
الق اررات التشاركية ،تحديد فترة زمنية واضحة ،تقييم األداء وتقديم تعليقات التنفيذ" أنظر في هذا :عبد السميع روينة ،التسيير
المبني على النتائج ...أسلوب فعال لالنتقال من التركيز على الوسائل في موازنة الدولة إلى التركيز على النتائج ،مجلة
أبحاث اقتصادية إدارية ،الجزائر ،العدد ،23جوان ،2018ص .148
3حيث تم التأكيد على ضرورة تشديد األمم المتحد على قدر أكبر على النتائج في عمليات التخطيط والميزنة واعداد التقارير،
وذلك من أجل "تحويل ميزانية برنامج األمم المتحدة من نظام يقوم على حساب المدخالت إلى نظام يقوم على المساءلة
استنادا إلى النتائج ...وتكون األمانة مسؤولة عن مدى إنجاز النتائج المحددة ،ويحكم على أدائها على هذا األساس
أنظر في هذا :األمم المتحدة ،الجمعية العامة " ،تجديد األمم المتحدة :برنامج اإلصالح " ،الوثيقة A/51/950الصادرة
عن الجمعية العامة لألمم المتحدة في 14جويلية .1997
282
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
يعرف البرنامج اإلنمائي لألمم المتحدة التسيير المبني على النتائج بأنه " األسلوب الذي تتبعه
اإلدارة لضمان أن تكون العلميات والمنتجات والخدمات مساهمة في تحقيق نتائج محددة
بوضوح ".1
كما ظهر هذا المفهوم أكثر وضوحا في سياسيات المؤسسات المالية ووكاالت التنمية،
ليتصدر جدول أعمال المنظمات المعنية بمساعدات التنمية مثل :إعالن باريس لسنة 2005
الذي ناقش ضرورة تنسيق الجهود المشتركة للوصول إلى أفضل النتائج بأكثر فعالية لتسيير
مساعدات التنمية.2
تشكل مقاربة التسيير المبني على األداء والنتائج منهاجا للتسيير يشتمل على إعطاء
األولوية للنتائج بوضع هذا المبدأ حيز التنفيذ في كل جوانب التسيير ،زيادة على هذا يساعد
الحكومة أو الو ازرة فيما يلي" :
-توضيح أولويات سياسة اإلنفاق وتشكيل البرامج من خالل تركيز تخصيص الموارد على
أساس النتائج.
-متابعة وتقييم فعالية برامج اإلنفاق العام ومدى نجاعتها في تحقيق النتائج التي تقاس عموما
بمؤشرات النتائج واآلثار على الفئات المستهدفة.
-تجسيد مبدأ الشفافية ومساءلة المسيرين أمام المواطنين.
-ضبط السياسات واألنظمة الداخلية عبر استعمال مجموعة من أدوات التحليل االستراتيجية
3
في عملية تحقيق النتائج".
وعليه يقوم التسيير المبني على النتائج استراتيجية للتسيير ترمي لتغيير طريقة عمل
المؤسسات من خالل تحسين األداء والتركيز على تحسين تنفيذ البرامج ،فهي نهج تشاركي
طبق على البرنامج في
يقوم على العمل بروح الفريق ،ويركز على األداء وتحقيق نتائج ،وي ّ
1حكيم بوجطو ،مرجع سابق ،ص .66
من بين المبادئ التي يركز عليها إعالن باريس التركيز على تحسين األداء المؤسسات والتصدي للفساد في الدول 2
المتلقية للمساعدات ،والتركيز على اإلدارة من أجل تحقيق النتائج من خالل ادارة الموارد وتحسين عملية صنع القرار من
أجل تحقيق النتائج :أنظر في هذا :إعالن باريس بشأن فعالية المعونات الملكية والتنسيق والمواءمة وتحقيق النتائج
والمساءلة المشتركة .على الرابط http://www.oecd.org/dac/effectiveness/36856666.pdf
تاريخ اإلطالع.08/09/2019 :
3
Joël Darius Eloge Zodjihoue, La gestion axée sur la Performance et les Résultats appliquée
à la gestion des Finances Publiques : Préparation et Mise en place du Budget axée sur la
performance et les résultants, pp10, 11.
283
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
جميع مراحل الدورة البرنامجية ،ويرمي هذا النهج في التسيير لتحسين تنفيذ البرامج ،وتعزيز
الفعالية والكفاءة والمساءلة في مجال التسيير ،ويتمثل" جوهر نهج التسيير المبني على النتائج
في االستعاضة عن المساءلة بشأن المدخالت واألنشطة -أي بشأن طريقة إنفاق الموارد وبشأن
1
ما يجري االضطالع به -بالتركيز على النتائج التي تحققت من استثمار الموارد" .
ويساعد التسيير المبني على النتائج بالتالي على تحويل موضوع التركيز في البرمجة
والتسيير أو اتخاذ الق اررات من التركيز على المدخالت واألنشطة إلى التركيز على النتائج
المراد تحقيقها ،إذ يشمل التسيير المبني على النتائج تسيير البرنامج وتسيير الموارد المالية
والبشرية.
يقوم التسيير المبني على النتائج على ثالث أدوات مترابطة ومتكاملة هي":
-سلسلة النتائج حيث يقوم التسيير المبني على النتائج بإعطاء األفضلية للحصول على النتائج
بناء على خطة مسبقة مع اإلشراف على تنفيذها ومتابعتها وتقييمها ،وتتكون سلسة النتائج من
العناصر التالية :المدخالت ،النشاطات ،المخرجات ،اآلثار ،تأثيرات.
-تسيير المخاطر هي عملية تساعد في تحديد وتقدير العناصر التي يمكن أن تحول دون
تحقيق النتائج المزمع الوصول إليها ،كما تساعد على فهم أسباب عدم وجود هذه العناصر
ومدى احتمال وقوعها ،وتحديد آثارها.
-نظام المتابعة وتقييم األداء حيث يسمح هذا النظام بالمتابعة اآلنية لتسيير المشروع ويبنى
2
أساسا على المؤشرات ،ولوحة القيادة ،دليل المتابعة والتقييم ومخطط العمل" .
الفرع الثاني :إطار تسيير المالية العامة متوسط األجل
يقوم إطار المالية العامة المتوسط األجل بتحويل أهداف سياسية المالية العامة التي
تضعها الحكومة في األجل المتوسط إلى مجمالت مالية تأخذ في عين االعتبار مجموع الموارد
المتاحة ،ينبغي أن يتسق إطار المالية العامة متوسط األجل مع أهدف الحكومة الواردة في
إطار المالية العامة وأي قواعد للمالية مرتبطة به ،ويستلزم وضع إطار المالية العامة متوسطة
األمم المتحدة ،اليونيسكو ،مكتب التخطيط االستراتيجي ،البرمجة والميزنة واإلدارة والرصد واعداد التقارير وفقاً للنهج القائم 1
284
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
األجل التعاون والتنسيق مع إدارات أخرى داخل وخارج و ازرة المالية وأجهزة خارجية لوضع
اآلليات الالزمة للحصول ذات الصلة المعلومات.1
يشمل هذا اإلطار المالي المتوسط المدى على":
-تحليل متكامل للوضع االقتصادي ،االستقرار المالي ،تقدير للمؤشرات االقتصادية الرئيسية.
-تقدير للسقوف الكلية لإلنفاق العام للسنوات الثالثة القادمة.
-تقدير لإليرادات للسنوات الثالثة القادمة.
-تقدير لعجز الميزانية العامة للسنوات الثالث القادمة.
-تحديد للسقوف الجزئية لإلنفاق الو ازرات والدوائر الحكومية الرأسمالية والجارية من خالل
2
المدى المتوسط".
يهدف وضع هذا اإلطار لتحقيق ودعم استدامة السياسات العامة وضمان توافق أثرها
الميزانياتي المستقبلي مع اإلمكانيات المالية للدولة واإلطار الماكرو اقتصادي ،وكذا تدعيم
فعالية تخصيص الموارد الميزانياتية مع تعزيز الترابط بين االستراتيجيات القطاعية والميزانية
السنوية والمحافظة على التوازنات األساسية ،كما يتيح للمسيرين رؤية أفضل لتسيير برامجهم
من خالل تمكنينهم من آليات تتبع نجاعة اإلنفاق العام.
أوال :أطر ميزانية متوسطة األجل
تعني البرمجة الميزانياتية متعددة السنوات اآلفاق المستقبلية للمالية العامة في المدى
المتوسط وتبني هذه البرمجة خطواتها بتطوير تقديرات ميزانية متوسطة األجل لكل جهة إنفاق،
والهدف منها هو تخصيص الموارد لألولويات االستراتيجية الخاصة بالدولة ،وضمان أن
تتناسب هذه المخصصات مع األهداف الشاملة ،و تسمح هذه البرمجة من التنبؤ وضمان
وجود انضباط مالي شامل ،وتسمح هذه األطر متوسطة األجل " :تقديم صورة واضحة للغاية
آلثار اإليرادات والنفقات في إتباع السياسيات الحكومية الراهنة ،كما يوفر آلية للتحكم في
استحداث سياسيات جديدة ومتابعة تنفيذ الميزانية لفترة تتجاوز سنة واحدة ،واطار شفافا لمساءلة
السلطة التنفيذية ودعامة ضرورية إلعداد الميزانية بشكل أكثر تفصيال مع التركيز على النتائج،
إسحاق خديجة ،سياسية المالية العامة المضادة للدورات النفطية ،أطروحة دكتوراه في العلوم االقتصادية ،تخصص تسيير 1
المالية العامة ،جامعة أبوبكر بلقايد -تلمسان ،2016/2017 ،ص ص .185 ،184
2محمد خالد المهايني ،االتجاهات الحديثة للموازنة العامة للدولة ،تجارب عربية مقارنة ،منشورات المنظمة العربية للتنمية
اإلدارية ،القاهرة ،2012 ،ص .245
285
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
وقد استخدمت أطر الميزانية متوسطة األجل بنجاح في بلدان متقدمة مثل المملكة المتحدة،
وفي بلدان نامية وبلدان األسواق الصاعدة ،مثل الشيلي والب ارزيل .غير أن التجربة في هذه
البلدان وفي غيرها تشير لضرورة التقيد بشروط صارمة من أجل تحقيق كافة المزايا التي ينطوي
1
عليها اإلطار".
التسيير المبني على النتائج يركز على النفقات متوسطة األمد على صعيد القطاعات "
فإدارة المالية الجيدة ،ال تعتبر دائما كلفة سياسية ما في السنة المقبلة مؤش ار جديا على التكاليف
المتكبدة مع الوقت .من أجل إدارة الميزانية بشكل أفضل ...البد من إصالحات ألطر اإلنفاق
4
المتوسط األجل ".
تختلف إجراءات إطار اإلنفاق على المدى المتوسط من دولة ألخرى ،وفي الغالب
تشمل":
286
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
-تحدد توقعات إطار اإلنفاق لفترت تتراوح بين ثالث إلى أربع سنوات ،تعتبر الدارسات
االستراتيجية الطويلة المدى ضرورية لتحضير السياسيات القطاعية.
-يتم إعداد إطار اإلنفاق على المدى المتوسط سنويا ،كما ينبغي أن يكون تحضيره جزءا من
إعداد الميزانية السنوية.
-تطابق السنة األولى إلطار اإلنفاق مع الميزانية ،بينما السنوات الالحقة يتم مراجعتها ويمكن
تعديلها عند إعداد إطار اإلنفاق المقبل.
-يشمل إطار اإلنفاق جميع نفقات اإلدارة العمومية التي يغطيها مهما كانت طبيعتها.
-يجب التمييز ضمن إطار اإلنفاق بين البرامج السياسات الجارية وتغير السياسات.
1
-يجب أن يشتمل إطار اإلنفاق على تحليل للسياسة الميزانية".
بحسب البنك الدولي فإن محاوالت اعتماد أطر اإلنفاق على المدى المتوسط في الدول
النامية ومنها دول العربية في الشرق األوسط وشمال إفريقيا جاءت مخيبة لآلمال بسب تنفيذها
من خالل مشاريع نموذجية في قطاعات مختلفة وعدم إيالء األهمية الكافية للنفقات المتكررة
2
التي تستحوذ على القسم األكبر من الميزانية.
المطلب الثاني :مرتكزات المقاربة المناجيريالية للتسيير المالي والميزانياتي
تقوم المقاربة الجديدة لتسيير المالية العامة على إدخال ثقافة األداء من خالل الرغبة
في تحسين ورقابة التسيير العمومي ،وتطبيق مفاهيم وممارسات التسيير المستعارة من
الشركات :التحليل المالي وبيانات الخزينة ،والتدفق النقدي والمحاسبة المالية ،ممارسة رقابة
الديون ،برمجة متعددة السنوات ،هذا المفهوم المناجيريالي لتسيير المالية العامة هو الذي جدد
مسألة مساءلة الجهات المالية العامة ،إذ أعاد طرح منطق المساءلة المتأصل في منطق
المناجمنت إلى عملية اإلصالح المالي التي قامت بها الحكومة المركزية وروجت لها المؤسسات
3
المالية الدولية ،والتي تشكل العمود الفقري للحكامة المالية العامة الجديدة.
1
Union Européenne, Cadre de Dépenses à Moyen Terme CDMT, Guide Méthodologie
République Tunisienne, Ministère des Finances, Décembre 2009, p 6.
البنك الدولي ،إصالح إدارة المالية العامة في منطقة الشرق األوسط وشمال إفريقيا ،لمحة عامة عن التجربة اإلقليمية ،تقرير 2
287
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
تستند هذه المقاربة التي يتم الترويج لها على نطاق واسع كنموذج فعال لتحسين تسيير
المالية العامة والتحكم في اإلنفاق العام على تطبيق مفاهيم األداء والمساءلة عبر إعطاء حرية
أكبر للمسيرين في مقابل مسؤولية مباشرة في تحقيق األهداف ،واقرار شمولية االعتمادات،
وأسلوب التعاقد والشراكة والتدقيق ،وتقييم األداء من خالل مؤشرات قياس األداء للبرامج.
الفرع األول :من منطق الوسائل إلى منطق النتائج
لقد أدى فشل التسيير المرتكز على الوسائل والمستند لمقاربة قانونية وتقنية للتسيير
اإلداري إلى التوجه لتبني مقاربة قائمة على النتائج تستند على ثقافة تسييرية تتبني مفهوم
األداء ،تسعى هذه المقاربة لالستفادة من الزخم اإلصالحي الذي اخترق جل الدول الصناعية
خالل العقد الماضي ،بفعل الدور المحوري للمؤسسات المالية الدولية التي تطرحها تحت
مسمى الحكامة" ،تستخدم آليات المناجمنت العمومي الجديد والمنطق التسييري إلصالح
البيروقراطيات من خالل السعي لتحسين أداء الدولة ،بوضع المنظمات العمومية في حالة
منافسة مع بعضها ا لبعض ومع المنظمات الخاصة ،أو بإطالق الشراكات بينهما ،أو إنشاء
منظمات شبه مستقلة مسؤولة عن الجزء العملياتي من السياسات ،واستخدام أسلوب التعاقد،
ومضاعفة الرقابة المالية التسييرية ،وتقوية اآلليات التشاركية ،وجعل المستخدمين مراقبين،
وتعزيز االستحقاق.1
يمكن ا ختصار هذا التحول إلى ثقافة جديدة في التسيير العمومي المهم هو رضا
المواطن – الزبون والنتائج هي التي تحكم على مدى تحقق ذلك ،وهو ما تطبقه الدول المتقدمة
في سعيها المستمر لتحسين ا ألداء ،يجسد هذا النهج المناجيريالي القانون العضوي المتعلق
بقوانين المالية الفرنسي ))LOLFرقم 2001/692الصادر بتاريخ 01أوت 2001المطبق
بداية من سنة " 2006الذي سمح باالنتقال من ثقافة الوسائل إلى ثقافة النتائج ،ومنطق النتائج
يرتكز على األداء ( موازنة برامج قائمة على أساس النتائج ) ،يضم كل برنامج استراتيجية
لربط المهمة والبرامج باألهداف ،من خالل مؤشرات األداء".2
1
Thibault LE TEXIER, Le Maniement des hommes. Essai sur la rationalité managériale, op.cit.,
p 222.
2
Thibault Le Texier, D'un principe de justice à un standard à un standard d'efficacité la
rationalité régalienne à l'épreuve de la logique gestionnaire, op.cit., p65.
288
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
يركز المنطق الجديد على النتائج المحصل عليها وليس على طبيعة النفقة ،وبذلك
أصبح صاحب أي برنامج يلتزم بتحقيق أهداف محددة ،وكذا االلتزام بتقديم حصيلة النتائج.
الفرع الثاني :التخطيط االستراتيجي
تستند هذه المقاربة التي تهدف لتحقيق النتائج في مجال التسيير المالي إلى" إيجاد رؤية
استراتيجية في األمد القصير المتوسط والبعيد تبنى على إنتاج بيانات حسابية موثوق فيها
وتحليلها واجراء المقارنات لمعدالت أداء المنظمات واعداد دارسات الجدوى االقتصادية والحد
من التكاليف للوصول إلى األداء األمثل".1
تعد أدوات التخطيط االستراتيجي وبرمجة اإلنفاق جزًءا من االبتكارات المعروفة قديما
في الشركات والتي يتم نقلها إلى القطاع العام ،والتي تنشأ عن تبني منطق النتائج في شكل
مؤشرات مطبقة في رقابة التسيير وكذا تقييم السياسات العامة ،حيث التسيير المالي يندرج
بشكل مت ازيد تحت نهج شامل للمناجمنت العمومي ،واألخير بحد ذاته يجد جذوره في نظريات
إدارة األعمال (مناجمنت الشركات) ورؤية موحدة أكثر من االقتصاد.2
الفرع الثالث :إقرار شمولية االعتمادات وأسلوب التعاقد والشراكة
لتجسيد منطق النتائج في التسيير الميزانياتي تم اعتماد مفهوم شمولية االعتمادات الذي
يمنح اآلمرين بالصرف ونوابهم مرونة أكبر للتصرف في االعتمادات الموضوعة تحت تصرفهم
بالنظر لتعديل قاعدة تخصيص االعتمادات دون اإلطاحة بها ،أين أصبحت االعتمادات
تخصص حسب البرامج وتجمع هذه األخيرة في المهام التي تتكون من مجموعة من البرامج
التابعة لمصلحة واحدة أو و ازرة واحدة أو عدة و ازرات ،وهو ما يمنح حرية تامة في استعمال
3
االعتمادات ما بين البنود داخل البرنامج.
في نفس سياق البحث عن تحقيق النتائج يحيل نمط التسيير المالي الجديد على التعاقد
بين اإلدارة المركزية والمصالح الخارجية كأداة لتعميق عملية الالتركيز اإلداري وادخال عالقات
محمد حركات ،كيف تستطيع الحكامة المالية إبطال مفعول الفساد ،مرجع سابق ،ص .22 1
2
Hertzog Robert, Portal Éric. V., Les innovations dans la gestion financière locale : imposées
proposées et décidées. In : Annuaire des collectivités locales. Tome 28, 2008. Où en est la
gestion locale ? p82. Sur le site suivant:
https://www.persee.fr/docAsPDF/coloc_0291-4700_2008_num_28_1_1942.pdf.
.Consulter le : 18/09/2019
Frank Mordacq, La nomenclature du budget de l'état en 2006, RFFP, n°91,2005, p1.
3
289
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
تسييرية جديدة تهدف لتحسين األداء وتوسيع صالحيات المسيرين ،كما يقوم على انتهاج
أسلوب الشراكة في التسيير بإشراك فاعلين إلى جانب الدولة في إنجاز مشاريع التنمية في
إطار الشراكة التي تراعي مبادئ الحكامة ،نجحت عدة دول في تطبيق هذا النهج وتشجع
المؤسسات المالية الدولية مثل البنك والصندوق الدوليين وكذا االتحاد األوربي االعتماد على
1
أسلوب الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتحقيق التنمية.
الفرع الرابع :حرية للمسيرين ومساءلة أكبر
تجسيدا للمقاربة الجديدة سيكون أمام المسيرين حرية التصرف في تسيير االعتمادات
وسيكون لمسؤولي البرامج القدرة على التصرف بمرونة بالنظر لالعتماد مبدأ شمولية
االعتمادات في البرامج والقدرة على نقل وتحويلها من برنامج آلخر ،ولكن في المقابل يقع على
عاتقهم تحمل مسؤولية أكبر وتقديم تقارير عن نتائج تسييرهم وفق مؤشرات للتقييم محددة بدقة
وهو ما يجعل عمل الرقابة ينصب على الفعالية والنتائج أكثر من رقابة على المطابقة والشرعية
2
األمر الذي يشكل جوهر هذه المقاربة المناجيريالية لتسيير المالية العامة.
الفرع الخامس :التركيز على النوع االجتماعي
بدأ االهتمام بمسألة النوع االجتماعي في عملية التنمية في ثمانينيات القرن الماضي
وطرح الموضوع في مجال الميزانية في مؤتمر األمم المتحدة ببكين 1995ضمن المبادرات
التي تستهدف إحداث تغير جوهري في منهج إعداد الميزانيات ،إذ يتم تحديد حجم الموارد التي
تخصصها الدولة لإلنفاق على البرامج والمشروعات التي تلي االحتياجات الخاصة للنوع إلى
جانب المشروعات والبرامج المحايدة وهي ال تتطلب زيادة في اإلنفاق بل تركز على إعادة
توزيع األولويات ،إذ" تزيد الميزانية المستجيبة للنوع االجتماعي من فاعلية اإلنفاق العام وتعد
1
Laurent Richer, le contrat de partenariat public/privé : quelles innovations?, dans .
innovations créations et transformations en finances publiques, Actes de la LIE Université de
printemps de finances publiques du GERFIP - Sous la direction de Michel Bouvier. L.G.D.J,
2006, p236.
2
Frank Mordacq, les nouveaux modes de gestion en régime LOLF, innovations créations et
transformations en finances publiques, Actes de la LIE Université de printemps de finances
publiques du GERFIP - Sous la direction de Michel Bouvier. L.G.D.J, 2006, pp31, 33.
290
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
أداة لترشيد اإلنفاق وتعظيم العائد منه ومتابعة األداء نحو الوفاء بااللتزامات ومبدأ تكافؤ
1
الفرص ومن ثم تضاعف من شفافية الميزانية وحوكمتها".
المطلب الثالث :ضرورة إصالح سياسية تسيير اإلنفاق العام
لقد قامت السياسية التي تتبنها المؤسسات المالية الدولية على تقليص دور الدولة في
المجال االقتصادي عن طريق خوصصة المؤسسات العامة بدعوى العجز المالي الناجم عن
اتساع حجم اإلنفاق العام بفعل اتساع تدخل الدولة في المجال الخاص مقابل تقليص دوره
وعليه يقوم جوهر برامج المؤسسات المالية الدولية في الجانب المالي على تقييد اإلنفاق
العام مع اعتماد سياسيات تغييرات في النظام الضريبي في محاولة لزيادة اإليرادات الضريبية
لكي تسمح للنشاط االقتصادي الخاص القيام بدور فعال في االقتصاد القومي استنادا إلى
كفاءة اآلليات التي يعتمد عليها.
باشرت الهيئات المالية الدولية منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي سياسات في إطار
ما صار يعرف بالمشروطية على توجيه سياسات اإلنفاق وفق معايير عدة من أجل التقليل
من هدر المال العام والسماح بتحقيق مردودية أفضل لتسييره ومن أهم هذه المحاور:
الفرع األول :تخفيض اإلنفاق العام
اتجهت سياسات المؤسسات المالية الدولية تحت تأثير التيار النيوليبرالي ومخرجات
المدرسة النقدية لضرورة تقليص تدخل الدولة إلى الحد األدنى ويتم هذا عبر تقليص حجم
اإلنفاق العام ،يتم هذا من خالل العمل على تحديد الخدمات التي يمكن للدولة التخلي عنها
وتركها للقطاع الخاص ،و العمل في نفس الوقت على رفع كفاءة المؤسسات العامة بخصوص
الخدمات التي ال يمكن تركها للخواص ،بالنظر لشح الموارد العامة ،في هذا السياق اعتمدت
البرامج المدعومة من قبل صندوق النقد الدولي على إجبار السلطات العمومية على إجراء
تخفيضات في اإلنفاق الحكومي ،فلقد عرف اإلنفاق الحكومي للحكومات المركزية انخفاضا
حقيقيا في خمسة عشر بلد عالية المديونية في المتوسط بمعدل يزيد عن %18وعرف اإلنفاق
1باركة محمد الزين ،أوجامع إبراهيم ،إدماج مقاربة النوع االجتماعي في ميزانية الدولة ،المجلة الجزائرية للمالية العامة ،جامعة
أبي بكر بلقايد تلمسان ،العدد ،2001 ،1ص .98
291
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
االستثماري انخفاضا بمعدل يزيد عن %35في حين شهد اإلنفاق الجاري انخفاضا بمعدل
.1%8
تسمي هذه السياسية بترشيد اإلنفاق العام لكنها في الحقيقية سياسية تقشفية تهدف إلى ":
-تجميد كل أنواع اإلعانات والدعم بطريقة تدريجية.
-تخفيض اإلنفاق الحكومي على السلع التي تستخدمها الو ازرات والهيئات العامة.
-تخفيض اإلنفاق العام للمؤسسات والمشروعات اإلنتاجية العمومية وزيادته في مشروعات
2
البنية التي تتكامل وال تتنافس مع القطاع الخاص".
3عبد المجيد قدي ،المدخل إلى السياسات االقتصادية الكلية :دراسة تحليلية تقييمية ،الطبعة الثانية ،ديوان المطبوعات
الجامعية ،الجزائر ،2006 ،ص ص .194 ،193
4مدني بن شهرة ،مرجع سابق ،ص ص .27 ،26
292
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
ولغرض تجنب حدوث نتائج عكسية لسياساتها الرامية لتخفيض كل أشكال الدعم تدعو
المؤسسات الما لية إلى ضرورة ترشيد هذه العملية للوصول لترشيد السياسات اإلنفاقية ،وذلك
عبر إقامة برامج موجهة لزيادة فرص كسب الفقراء ومحدودي الدخل لهذا الدعم شريطة أال
يكون مباشرا.
الفرع الرابع :تطبيق المعايير الدولية المتعلقة بكفاءة وفعالية اإلنفاق العام
ترى المؤسسات المالية أن شح الموارد المالية وتوزيعها يعد أحد أهم المهام التي تؤديها
الحكومات وبحسب البنك الدولي فإن نجاح الحكومة في تحقيق هذه األهداف يتعلق بتحقيق
إصالح تسير المالية العامة الذي يشكل إصالح إدارة الحكم في كافة بلدان العالم تقريبا ،ولكي
تتمكن الحكومات من أ داء مهمتها اإلنفاقية كما يجب عليها االلتزام بممارسات تسيير للمالية
العامة تلبي بعض المعايير الراسخة التي صاغتها ومنها "
-ميثاق الممارسات السليمة في مجال شفافية المالية العامة 1998
-تقرير مراعاة المعايير والمواثيق في مجال المالية العامة 2001
-برنامج اإلنفاق العام والمساءلة المالية في عام2001
-الممارسات الجيدة في مجال شفافية الميزانية 2002
-إطار دعم النزاهة في الصفقات العمومية 2004
-إطار اإلنفاق متوسط المدى ()CDMT
-دليل الشفافية في تقارير الميزانية الحكومية.
تتضمن هذه المعايير مجموعة من المؤشرات لقياس األداء على الدول التي تسعى
لتحقيق كفاءة وفعالية اإلنفاق العام االلتزام بها بحيث يجب على " نفقات الحكومة أن تكون
معقولة بمعنى أن تتم في إطار يضمن التوافق بين اإلنفاق وأهداف السياسية النقدية والمالية،
باإلضافة إلى استدامة اإلنفاق على المدى الطويل ،كما يترتب على الحكومات توزيع الموارد
العامة على أكمل وجه بين مختلف القطاعات وفئات اإلنفاق بطريقة تعكس أولويتها
السياسية ...كما يجب على اإلنفاق أن يكون كفؤا ،أي أن يساهم في تعظيم الناتج بالنسبة
لمجموعة محددة من المدخالت ،وأن يكون فعاال بمعنى أن يدعم تحقيق أهداف الحكومة
293
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
بنجاح ،باإلضافة إلى ذلك على اإلنفاق أن يكون شفافا ،أي أن يتم وفقا للقوانين واألنظمة ذات
الصلة ،وأن يراعي الضوابط والموازين المناسبة لضمان االستقامة المالية.1".
البنك الدولي ،إصالح إدارة المالية العامة في منطقة الشرق األوسط وشمال إفريقيا ،لمحة عامة عن التجربة اإلقليمية ،تقرير 1
294
خالصة الباب األول
خالصة الباب األول
يعتبر مفهوم الحكامة من المفاهيم التي أثارت جدال واسعا ،رغم االتفاق على أهميته
وضرورة تناوله على جميع األصعدة سواء االقتصادية والسياسية أو االجتماعية والثقافية أو
المؤسساتية واإلعالمية ،أو على المستوى المحلي اإلقليمي أو الدولي ،بالنظر الرتباطه بعدة
مفاهيم وتطورات سياسية ،واقتصادية ،واجتماعية ،شهدها العالم في تسعينيات القرن الماضي
كالعولمة ،التحول الديمقراطي ،الخصخصة ،أزمة دولة الرفاهية ،المجتمع المدني ،مما أثار
نقاشا واسعا حول تعريف دور الدولة ،والعالقة بين الدولة والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع
المدني.
تستخدم الحكامة كمفهوم تحليلي في إطار البحث العلمي ،وكمفهوم معياري لتحقيق
غايات سياسية ،ويجد أصوله في إدارة األعمال والشركات ،وفي التعبير عن أزمة القابلية للحكم
في المجتمعات الغربية مع بداية طرح أزمة دولة الرفاهية ،لتتم إعادة بعثه عبر المؤسسات
المالية الدولية ووكاالت التنمية كم دخل لتحقيق التنمية ،يعبر عن رؤية لدور الدولة ،السوق،
المجتمع ،والعالقات بينها ،يعمل وفق مستويات متعددة ويطبق على المستوى المحلي والجهوي
والعالمي ،ويقوم على إلغاء التمييز بين العام والخاص ،أين نجد الفاعلين هم أصحاب
المصلحة ،كما يشير إلى عملية تنسيق وتفاوض لصفقات ومعامالت ومساومة وليس فضاء
للمناقشات والمداوالت ،وتشكل الرهانات القطاعية والتقنية والخبراء دو ار مركزيا فيه ،وال يرتبط
بالخيارات السياسية للمجتمع في مجملها.
الحكامة المالية الجيدة هي إحدى وصفات المؤسسات المالية الدولية لتجاوز أزمات
تسيير المالية العامة القائمة على التسيير باألداء الموجه بالنتائج والمطروح كنموذج إلصالح
تسيير أنظمة المالية العامة ،وتوحيد معاييرها بهدف التحكم في اإلنفاق العام ،ويستند هذا
النموذج إلى مقاربة تشاركية لتسيير المالية العامة تتفاعل فيها الدولة والقطاع الخاص والمجتمع
المدني ،فيتراوح دور الدولة بين التدخل والتراجع بين الحياد والتوجيه والضبط إلى المطالبة
بالفعالية ،بينما يتنامى دور القطاع الخاص والمجتمع المدني في صناعة القرار المالي ،وتطالب
المؤسسات المالية الدولية فيها بتقليص تدخل الدولة في االقتصاد وتسيير الشأن العام ،واذا
وصلت الدول الصناعية لحالة من االستقرار والتقاليد المؤسساتية فإن المؤسسات في الدول
النامية والفقيرة تحتاج دور الدولة الفعال .
295
خالصة الباب األول
أثبتت تجارب إصالح تسيير المالية العامة وتسيير اإلنفاق العام على وجه الخصوص
في الدول المتقدمة أن تطبيق معايير الحكامة المالية وفق منظور المؤسسات المالية الدولية
ساهم في التحكم باإلنفاق العام ،وتحقيق فعالية التسيير المالي العمومي ،لكن فرض تطبيق
معايير الحكامة المالية على الدول النامية والفقيرة كانت نتائجه محدودة ،وساهم في إضعاف
الدولة وزيادة التشكيك في مشروعيتها ،بسب فقدانها ألهم أدواتها تأثي ار وهي المالية العامة
واإلنفاق العام.
إن تطبيق معايير الحكامة المالية العامة يغير هيكل بنية وطريقة إعداد الميزانية من
مقاربة قائمة على الوسائل إلى مقاربة قائمة على النتائج .من خالل اعتماد مجموعة من
اآلليات التقنية الصارمة والتركيز على حرية المسيرين وربطها بالمساءلة ،واستعمال مؤشرات
للقياس وأدوات للتدقيق تسمح بالتقييم .وتعزز دور البرلمان والمجتمع المدني في مجال الميزاني
والمالي.
يوجد اختالف بين المؤسسات والباحثين في تشخيص معايير ومؤشرات الحكامة المالية
وترتيبها بحسب اختالف أولوياتهم وغاياتهم من استخدامها ،ولكن نجد شبه إجماع على أهمية
الشفافية ،المشاركة ،والمساءلة بالنظر للعالقة الترابطية التي تجعل تحقيق واحدة منها رهين
بتجسيد األخرى.
تساهم معايير الحكامة المالية العامة في تحقيق حكامة اإلنفاق العام ،لكن هذا يرتبط
بسياق كل دولة وظروفها االقتصادية والسياسية واالجتماعية والثقافية ،وتطبيقها المكيف مع
السياق والواقع االجتماعي للدول سيكون عامال من عوامل كفاءة التسيير العمومي ،فعبر
إصالح القانون المالي تتم إعادة تشكيل وصياغة عالقة الدولة السوق والمجتمع ،وال يتعلق
اإلصالح بمجرد إصالحات تقنية للقانون المالي والميزاني إنما يتعلق األمر بوالدة عقد اجتماعي
جديد ،فخلف التقنيات والمؤشرات تكمن ثقافة ومرجعية فكرية وتوجه إيديولوجي.
تعني مقاربة الحكامة المالية العامة وفق تصور المؤسسات المالية للدول النامية في
سياق المشروطية تخفيض اإلنفاق العام واعادة توجيهه ،وتقليص تدخل الدولة في المجال
االقتصادي ،وهو ما ألحق ضر ار بالغا بفئات اجتماعية واسعة تعيش على دعم الدولة.
تعتبر مركزة عملية الميزانية من جهة وتفعيل دور البرلمان جدلية شغلت اهتمام رجال
السياسة واالقتصاد القانونين والمسيرين ،وللتوفيق بين االتجاهين ظهر مفهوم حكامة الميزانية
العامة كمنظور لتسيير مالي تشاركي يقوم على دور فعال للبرلمان والمجتمع المدني مع ربطها
بمؤشرات لقياس األداء وشفافية تتيح مساءلة فعالة للقائمين على تسيير المال العام.
296
خالصة الباب األول
يقوم تصور ترشيد اإلنفاق العام وفق المقاربة المناجيريالية على عملية تحقيق فعالية
النفقة العامة عبر مؤشرات قياس محددة ومقارنتها باألهداف المسطرة ،وتخضع للتقييم المستمر
بهدف وضع استراتيجية أكثر فعالية ،تأخذ بعدا إحصائيا رياضيا ومحاسبيا يجعل من المسيرين
(المنا جرة) أصحاب القرار ومن أصحاب المصلحة الفاعلين الحقيقين في مجال تسيير اإلنفاق
العام ،ويشكل هذا التوجه في النهاية بفعل االستخدام المفرط للتقنيات المحاسبية خط ار حقيقيا
على الخيار الديمقراطي وسلطة المنتخبين واالقتصاد ومستقبل األجيال القادمة .واذا كان إرساء
مبادئ ومعايير الحكامة المالية العامة يسهم في تحقيق فعالية اإلنفاق العام ،فإن ضمان
استدامة المالية العامة يرتبط بتحقيق مفهوم عدالة اإلنفاق العام.
297
الباب الثاني:
سياسة اإلنفاق العام بين توجهات
لقد تبلور االهتمام بإصالح تسيير المالية العامة في إطار المناقشات والندوات التي تم
عقدها خالل العقود الثالثة األخيرة ،وكان الدافع األكبر لذلك الوصول لتحقيق نجاعة اإلنفاق
العام ،وتحقيق الفعالية في تسييره في ظل شح الموارد المالية وتزايد عدد السكان ،األمر الذي
جعل مسألة التسيير السليم للمالية العامة يرتكز على تبني معايير الشفافية ،المشاركة المساءلة،
الرقابة الفعالة ويشكل أولوية للدول والمجتمعات ،في هذا السياق تشكل الحكامة المالية الجيدة
مدخال رئيسيا لتحقيق الرشادة في تسيير اإلنفاق العام ،تستند هذه المعايير التي تمت طرحها
من قبل المؤسسات المالية الدولية على تبني مقاربة مناجيريالية مستوحاة من مبادئ المناجمنت
العمومي الجديد الذي نشأ في القطاع الخاص ،وعرف نجاحا متفاوتا من دولة ألخرى،
استطاعت الدول المتقدمة التكيف مع التحوالت والتحكم في اإلنفاق العام عبر االعتماد على
آليات الشفافية وتوسع دائرة المشاركة والمساءلة والرقابة.
تطرح المؤسسات المالية الدولية مفهوم الحكامة المالية الجديدة كنموذج وبراديغم عالمي
لتسيير المالية العامة والتحكم في اإلنفاق العام ،لكن درجة استيعاب الدول لهذه المعايير تختلف
من بلد آلخر ،بالنظر لعدة اعتبارات تحددها عوامل داخلية وأخرى خارجية ،يختلف سياقها من
دولة ألخرى وحتى في الدولة الواحدة من مرحلة ألخرى ،بفعل تحول المالية العامة لحقيقة
عالمية تحت تأثير العولمة والتطور التكنولوجي الهائل ،لقد أصبحت الحكامة المالية العامة
ومن ورائها الثقافة الجديدة للنتائج المستمدة من تعاليم وآليات المناجمنت العمومي الجديد تشكل
أداة إلصالح التسيير المالي العمومي يتم إدراجها عبر قانون المالية والميزانية العامة للدولة،
وتعتبر أكثر من مجرد تقنية تسييرية ،فهي أداة تدخل فلسفة اجتماعية وسياسية متجددة وتأثر
بعمق في مفاهيم الدولة والسيادة والديمقراطية في الواقع المعاصر ولها تداعياتها على مستقبل
األجيال القادمة.
وعليه شكل إصالح تسيير المالية العامة مطلبا اتفقت حوله آراء السياسيين
واالقتصادين والدول والمنظمات بالنظر ألهميته في حياة األفراد والمجتمعات ،كما يعتبر تسيير
اإلنفاق العام ضرورة تمليها ندرة الموارد وارتفاع المطالب االجتماعية ،األمر الذي دفع الدول
للبحث عن أنجع الطرق واألساليب لتضمن فعالية التسيير العمومي وتحقق االستخدام األمثل
للنفقات العامة في سياق دولي يتميز بإقدام مختلف الدول على إصالح منظومة ماليتها العامة
وتوجيهها نحو منطق النتائج.
299
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
بالنظر لدرجة تـأثير العوامل الدولية في صناعة القرار المالي للدول من منظور الحكامة
المالية فإن إصالح تسيير المالية العامة لم يعد ق ار ار محليا وطنيا بسيطا يتم من خالله تحديث
التسيير العمومي لغرض ترشيد استعمال الموارد بل يتجاوزه إلى المجال الدولي ،فرغم كون
األول يعد بعدا مهما ،إال أن االقتصار عليه يعد تجاهال لحقائق العصر ،التي ترتبط بضرورات
تمليها عولمة التجارة وتأثيرات العولمة المالية ،تعتبر المالية العامة في قلب اإلشكاليات التي
تهم كل المجتمعات المعاصرة ،حيث أن حكامة المجتمعات المعاصرة في ظل مجتمعات
عالمية معقدة تفرض إعادة تنظيم األنظمة المالية العامة الدولية مما يعني إعادة تنظيم األنظمة
المالية الوطنية والعكس صحيح.1
تمر أنظمة تسير المالية العامة في جل الدول ،ومن بينها الجزائر وفرنسا والمغرب منذ
عدة سنوات بأزمة حقيقية فرضتها ظروف داخلية وأخرى خارجية ،وهو ما جعل من الضروري
تعميق التفكير النظري والتجريبي ،ويظهر التسيير العمومي الجديد في سياق التشكيك في
الدولة كفاعل وحيد واإلدارة العامة القائمة على المنطق البيروقراطي من جهة ،والترويج لنموذج
وطرح جديدين لتصريف وقيادة الشؤون العمومية يستند لمقاربة تشاركية تجعل من الدولة فاعال
من بين آخرين من منظور الحكامة المالية التي تقوم على منطق مناجيريالي يهدف إلنشاء
إدارة تعمل أفضل وبتكلفة أقل .وهنا يبدو أن إصالح المالية العامة هو االستجابة المناسبة
لعدم الثقة في الدولة عموما والبيروقراطيات العمومية على وجه الخصوص.2
1 Michel Bouvier, réformes des finances publique e transformation des modèle politique, dans
: Réformes des finances publiques et modernisation de l'administration Mélanges en l'honneur
de Robert Herzog, Economica, 2010, paris, p41.
2 Mohamed djouldem, Geneviève Tellier, Christian de Visscher, les réformes des finances
publiques enjeux politique et gestionnaires, op.cit,
300
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
اإلصالح الحالي للشؤون المالية العامة ينبع من هذا المنطق الخالد "لتفكيك وبناء الدولة"،1
ولكن هذه المرة يستلهم اإلصالح من منطق إدارة القطاع الخاص ،وما يدعو إليه المناجمنت
العمومي الجديد الذي ال يعتبر الدولة ككيان غير عادي في القانون ،بل كيانا عاديا ،وعلى
هذا النحو ،يجب أن تدار الدولة كمؤسسة (كالشركة ،األعمال التجارية) ،عن طريق التعزيز
التدريجي للقطاع الخاص في القطاع العمومي.2
يتم طرح اإلصالح بحجة غياب التنافسية واألداء ويتجلى هنا بمطلب مزدوج تعزيز
الشفافية من ناحية ،وزيادة الفعالية من ناحية أخرى في الفعل العمومي .فتقوم سياسات اإلصالح
على التشكيك في دور الدولة واإلدارات العامة وتؤدي بدورها للجوء إلى أدوات جديدة للفعل
العمومي ،هذا السياق يثير إشكاليات حول طبيعية العالقة بين االنتخابات والتسيير من جهة
والقيم والمبدأ العام كالشرعية واالستم اررية وحياد الخدمات والموظفين العموميين الذي هو على
المحك.3
فهذه المقاربة الجديدة لتسير المالية العامة مطابقة للقواعد والمعايير الدولية المعمول
بها في الوقت الحالي ،وتهدف أساسا لتطوير فعالية وكفاءة اإلنفاق العام وجعله قابال للتقييم.
خلف هذه المقاربة تكمن ثقافة تمت صياغتها من طرف الدول األنجلوساكسونية والمؤسسات
المالية الدولية ،ترمي هذه الثقافة لتطوير إحساس المسيرين بالمسؤولية وربطها بالمحاسبة من
خالل إلزامهم بضرورة تقديم الحساب والخضوع للتقييم ،أي التحول نحو تسيير قائم على النتائج
وميزانية حقيقية قائمة عليها تعكس فلسفة اجتماعية وسياسية متجددة ،إنها تتجاوز اإلطار
الميزانياتي والمحاسبي بالمعنى الدقيق ،وقد عبر ميشال بوفييه عنه بقوله" إن التحدي الرئيسي
الذي يكمن وراء هذا اإلصالح يذهب إلى أبعد من التسيير العقالني للمالية العامة ،إنها ثورة
1 Michel bouvier, Marie-Christine Esclassan, Jean-Pierre Lassale, finances publiques, op.cit
p45.
2 Abdelhak Cerurfa,la réforme budgétaire en Algérie: à la recherche d'un modèle, thèse de
doctorat en sciences juridiques, école doctorale de doit de la Sorbonne, paris 1, 2016, p150
3 Mohamed djouldem, Geneviève Tellier, Christian de Visscher, les réformes des finances
publiques enjeux politique et gestionnaires, op.cit.
301
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
حقيقة ال تقتصر على مفهوم مناجيريالي للتسيير العمومي بل هي جزء من إطار أوسع هو
الحكامة المالية الجديدة للدولة.1
وتقنيا ،يتجاوز الحقيقة
ً ومؤسسيا
ً سياسيا
ً إصالحا
ً إن نطاق هذه التحوالت يتطلب
إصالحا في الوقت نفسه على الميزانية والمحاسبة والتسيير
ً البسيطة للميزانية طالما أنه يفرض
العمومي .وبالنظر لحجمه وتأثيراته يعتبر تحوال جذريا وصف بموجبه القانون العضوي المتعلق
بقوانين المالية الفرنسية "لولف "LOLFلسنة 2001بأنه "إصالح اإلصالحات" .2وهو نفس
الوضع مع الفارق في السياق بالنسبة للمملكة المغربية التي انخرطت في تجسيد مقتضيات
الوثيقة الدستورية لسنة 2001والتي جاءت بعدة مستجدات تهدف إلى تكريس الحكامة المالية،
مما مهد الطريق نحو إصالح القانون التنظيمي للمالية لسنة ،31998ثم تبني القانون التنظيمي
للمالية رقم 4130.13بحثا عن تكثيف نجاعة النفقات العامة لتحديث تدبير المالية الميزانية
باعتبارها أداة أساسية لبلورة وتنفيذ السياسيات االقتصادية واالجتماعية بشكل عام وتحديث
التسيير العمومي وفق مقاربة تشاركية تجسد نموذج الحكامة المالية.
وبالتزامن مع هذا التوجه اإلصالحي الذي تتأثر به الجزائر العتبارات تاريخية شرعت
كغيرها من الدول في عملية إصالح المالية العامة منذ سنة 2001نتيجة لضغوطات خارجية
تدعو لتبنى مفاهيم الحكامة المالية وفق المنطق المناجيريالي المستوحى من إدارة الشركة
والقطاع الخاص الذي تدعمه المؤسسات المالية الدولية تحت غطاء المعونة االقتصادية وبرامج
اإلصالح الهيكلي والمؤسسي كما فرضته الظروف الداخلية المرتبطة بغياب فعالية اإلنفاق
العام والعجز المستمر في الميزانية واالرتهان لعائدات الريع من المحروقات ،وشكل إصدار
القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية ذروتها.
ولفهم مسار إصالح تسيير المالية العامة في الجزائر يجدر بنا مقارنته مع التجارب -
في القانون المقارن -الذي تم استالهم نصوصه منها سواء ما تعلق منها بمشروع عصرنة
1 Michel Bouvier, André Barilari, La nouvelle gouvernance financière de l'État, op. Cite.
2 Frank Mordacq, La réforme de l'Etat par l'audit. Paris : L.J.D.J. 2009, p. 56
القانون التنظيمي لقانون المالية رقم ،7.98الصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم ،1.98.138 ،الصادر في 26نوفمبر 3
302
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
أنظمة الميزانية أو القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية ،18/15والتي جاءت متأثرة
بالتجربة الفرنسية لإلصالح المالي والميزانياتي ،والمواكبة زمنيا ومن حيت السياق االجتماعي
للتجربة المغربية في اإلصالح المالي والميزانياتي وتم استكمالها بتبني القانون
التنظيمي 130.13المتعلق بقوانين المالية ،حيث ستشكل دراستهما محور الفصل األول لغرض
توضيح مدى استجابتهما واستيعابهما لمفهوم الحكامة المالية العامة الجديدة من خالل إصالح
اإلطار القانوني المنظم لقوانين المالية ثم التطرق في الفصلين المتبقين لدراسة مسار إصالح
تسيير المالية العامة في الجزائر عبر تشخيص واقعها والنظر في مستقبلها في ضوء تبني
القانون العضوي 18/15الذي يحمل طموح تجسيد مفهوم الحكامة المالية والتسيير المتمحور
حول النتائج الهادف لتحقيق حكامة اإلنفاق العام.
303
الفصل األول
تعتبر فرنسا من الدول التي سعت إلى التحكم في اإلنفاق الحكومي العام من خالل
إصالح األمر 02/59بحثا عن تحديث التسيير العمومي وتحقيق فعالية اإلنفاق العام من
خالل تبني القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية سنة ،2001أما في السياق العربي
واإلفريقي فيعتبر المغرب األقصى من الدول التي شهد تدبير المالية العامة فيها إصالحات
بدأت منذ سنة 2001فرضتها ضغوط داخلية وأملتها ظروف خارجية ،تجسد هذا اإلصالح
في إصدار القانون التنظيمي رقم 130.13لقانون المالية الذي يهدف لتقوية فعالية العمل
العمومي ،وتحسين جودة الخدمة العمومية ،و تعزيز استفادة المواطنين من السياسات العمومية.
وشكل صدور القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية لسنة 2001في فرنسا تغي ار
جوهريا ،إذ تم االنتقال من الميزانية حسب الوسائل إلى ميزانية األهداف والنتائج وفعالية
االستثمارات العمومية ،بحيث تم توسي ع صالحيات التصرف لمختلف المسيرين العمومين
خاصة المسؤولين على البرامج العمومية الذين أصبح يقع على عاتقهم تحديد أهداف البرامج
مرفقة بمؤشرات لقياس النتائج ،في هذا اإلطار يري " Michel Bouvierأن LOLFالقانون
العضوي المتعلق بقوانين المالية يعكس تحوال في اتخاذ القرار المالي ،بحيث صار يندرج في
منطق استراتيجي ،عدل في العمق اإلجراءات ،التشريع ،وأيضا طريقة العمل ،وبهذا المعنى
يمكن القول :أن الدول تتحول ويعاد تشكيل سلطاتها وصالحياتها تحت ضغط الضرورات
المالية ".1
المبحث األول :ترشيد اإلنفاق العام في فرنسا من خالل القانون العضوي المتعلق بقوانين
المالية LOLF
لقد شكل تبني القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية المسمى اختصا ار LOLF
سنة 2001والذي شرع في تنفيذه بداية من السنة المالية لسنة 2006إصالحا عميقا لتسيير
المالية ومدخال إلصالح الدولة ويرى " Damien Catteauأن" LOLFهو ثورة حقيقية
1
Michel bouvier, Marie-Christine Esclassan, Jean-Pierre Lassale, finances publiques, op.cite,
p 368.
305
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
في القانون المالي العام تخدم غرضين متكاملين :تحديث التسيير العمومي وتعزيز دور البرلمان
في المجال المالي والميزانياتي عبر إدخال مفهوم األداء على القانون المالي العام ".1
يرى Michel Bouvierو André Barilariأنه يمثل مرحلة مهمة في تاريخ القانون
المالي والمؤسسات السياسية تتعدى مجرد المصادقة على تعديل لإلطار المتعلق بقوانين المالية
والميزانية وعلى نطاق أوسع " هو عقد اجتماعي جديد للمالية العامة ،وهو القاعدة التي سيقوم
عليها إصالح الدولة وتعكس أحكاما جديدة ،بل في الواقع إعادة لصياغة العالقة بين البرلمان
والحكومة من خالل زيادة وتعزيز قدرات المبادرة والرقابة لنواب البرلمان بشكل ملحوظ".2
خضع تسيير المالية العامة في فرنسا قبل هذا اإلصالح إلى أحكام األمر 2جانفي
1959المتضمن القانون العضوي لمالية الدولة الصادر في ظل أحكام دستور 1958الذي
تجاوزته الظروف االقتصادية واالجتماعية ،حيث أصبح عاج از عن مواكبة التطورات التي
عرفتها مفاهيم التسيير ،وتنامي أزمة المالية العامة بفعل ارتفاع نسبة اإلنفاق العام مقارنة بدول
منظمة التعاون والتنمية االقتصادية OCDEالتي قلصت نفقاتها العامة بشكل واضح بفعل
3
اعتماد آليات عقلنة الخيارات السياسية.
-المطلب األول :مكونات اإلصالح وأهدافه
لقد ارتكزت اإلصالحات التي باشرتها فرنسا في نهاية التسعينات على تقليص اإلنفاق
العام بعدما ركزت على هيكلة النظام اإلداري منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي ،والسبب
الرئيسي للتوجه الجديد لإلصالحات هو التزايد المستمر للنفقات العمومية مقابل ضعف التسيير
العمومي.4
الفرع األول :مكونات اإلصالح
1
Damien Catteau, la lolf et la modernisation de la gestion publique, la performance, fondement
d’un droit public financier rénove, thèse doctorat en droit publique discipline : droit public
financier, université de Lille 2, 2005, résume de la thèse.
2
Michel Bouvier,André Barilari, La nouvelle gouvernance financière de l'État, op.cit., 10.
Cour des comptes, la mise en œuvre de la loi organique relative aux lois de finances : un
3
306
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
من بين أهم األسباب والمبررات المقدمة إلصالح األمر 02/59المتضمن القانون العضوي
المتعلق بقوانين المالية":
أوال :أسباب اإلصالح
تتمثل أسباب اإلصالح في أزمة تسيير المالية العامة التي مرت بها فرنسا خالل ثالثين
سنة األخيرة ،وما نتج عنها من أزمة تسيير عمومي في ظل التطورات الدولية التي واكبت
أزمة دولة الرفاهية.
:1نتاج ثالثين عاما من أزمة مالية الدولة والتطورات الهامة التي عرفت زيادة في حجم
اإلنفاق العام في ظل تصاعد أزمة مالية الدولة رغم اإلصالحات التي تمت مباشرتها عبر
اتخاذ تدابير ضريبية لتخفيف الضغط على الشركات ،وتنفيذ تدابير هيكلية مثل الخصخصة
أو الالمركزية ،أدى هذا لظهور اهتمام تدريجي بتسيير األموال العامة بشكل أفضل للتحكم في
النفقات دون زيادة الضرائب ففشل برنامج ترشيد خيارات الميزانية الذي بدأ تطبيقه بداية من
سنة 1970والتخلي عنه بداية من سنة 1984بسب عجزه عن التحكم في النفقات العامة،1
بالتوجه نحو تبني نموذج الشركة كنموذج للتسيير وتكييفه مع القطاع العام ،في هذا السياق
ودوليا مختلفا تماما عن الذي تمت صياغته فيه أواخر
ً وطنيا
ً اقعا
أصبح األمر 02/ 59و ً
،1950والذي سيطر عليه مفهوم يتميز بمركزية وتدخلية شديدة للدولة تعكس في الواقع
انشغاالت وأوهام مجتمع ما بعد الحرب ،في حين استمر تطبيقه على بيئة القيم فيها تسير في
2
االتجاه المعاكس له في كثير من األحيان.
-2أزمة مفاهيم المالية العامة :خالفاً لإلطار النظري الكينزي الذي ألهم األمر ، 02/59نشأ
منذ السبعينيات مفهوم جديد يشير لعدم قدرة الدولة على لعب دورها كضامن لالستقرار االقتصاد
في ظل تحديث الليبرالية الكالسيكية .وأدى هذا إلى التشكيك في المفاهيم األساسية التي
استندت إليها المالية العامة والتي بدت حتى ذلك الوقت بديهية ،وهكذا أصبح التدخل العمومي
يطرح لسنوات كمقدمة مثيرة للجدل للغاية ،في سياق جديد لفهم المالية العامة يتم وضعه
1
Michel bouvier, Marie-Christine Esclassan, Jean-Pierre Lassale, finances publiques, op.cit.,
p34.
2
Bernard Perret, De l'échec de la rationalisation des choix budgétaires (RCB) à la Loi
organique relative aux Lois de finances (LOLF), Revue françaie d'administration publique
N°117, 2006/1, p 33.
307
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
يجيا ويتميز بخاصيتين رئيسيتين هما :من ناحية تقييم الشركة أكثر من روح المشروع ،من
تدر ً
ناحية أخرى االتجاه أو الرغبة في تقريب تشغيل القطاع العام من القطاع الخاص من أجل
1
ضمان تحكم أفضل في اإلنفاق العام.
-3بيئة سياسية واجتماعية متغيرة (في تحول)
ال تقتصر أسباب اإلصالح على تقادم النص أو حتى على الوضع الفرنسي فقط ،إذ
تعرف األنظمة المالية العامة تحوال مماثال في جل أنحاء العالم ،حيث أسباب هذه التغييرات
معقدة في الواقع و ال ترتبط فقط بالتغييرات المفاهيمية أو بالضرورات االقتصادية والمالية ،بل
على نطاق أوسع بحقيقة التغير في السياق السياسي وال سيما مع إرادة السلطة التشريعية لزيادة
سلطتها في القرار المالي ،في الوقت نفسه هنالك تغير في نظرة المواطن للنفقات العامة
والعائدات ،أين صار أكثر ت قبال لمسألة الرقابة على األموال العامة ،وأكثر اهتماما مما كان
عليه قبل بخصوص استخدامها وأكثر حساسية في موضوع الرقابة على النفقات ونتيجتها
الطبيعية ،حيث االهتمام بالجوهر االقتصادي وبالدرجة األولى بالترشيد والفعالية واألداء في
تسيير المال العام وهو ما عزز في األذهان صعود ثقافة الرقابة على تسيير األموال العامة
2
وهذا خارج الدائرة المغلقة لصانعي القرار السياسي والمسيرين.
يأتي هذا التحول في سياق مواجهة بين مفهومين تختلف طبيعتهما من النظرة األولى
إلى حد تعارضهما :من ناحية منطق سياسي قديم ينطلق من التقاليد الديمقراطية حيث امتيازات
السلطة في تنظيم وأداء السلطة المالية استنادا إلى القدرة السياسية ،أي القدرة السياسية
للمنتخبين ،من ناحية أخرى منطق تسييري أحدث زمنيا يستجيب لمقتضيات اقتصادية تتميز
3
بالقدرة المستندة إلى الخبرات التقنية أو الفنية لصانعي القرار.
وبالنسبة للدول الديمقراطية فإن هذا يؤدي إلى رهان أساسي يتمثل في إدارة التوفيق بين
هذين المنطقين ،إنها مسألة دمج المنطق االقتصادي ذو األولوية التسييرية في عملية صناعة
القرار المالي والميزانياتي الذي أساسه حتى اآلن القانون المالي العام من حيث الجوهر قانون
أو حق سياسي يقع ضمن التقاليد الديمقراطية ويشكل أساسها الرئيس.
Michel Bouvier, André Barilari, La nouvelle gouvernance financière de l'État op.cit., pp16, 17.
1
p34.
3
ibid, p44.
308
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
2
Michel bouvier, Marie-Christine Esclassan, Jean-Pierre Lassale, finances publiques, op.cit.,
p39.
309
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
والمصادقة عليها عبر عن هذا " Alain Lambertلحظة استثنائية بامتياز ...عمل رئيسي
للنضج الديمقراطي "...عمل كان من خالله لشخصيات مختلفة جدًا " عبقرية التوافق على
1
إعطاء معنى للديمقراطية واعادة الحياة والقوة إلى دولتهم" .
تعكس مبادرة اإلصالح هذه رؤية توافقية بين الطبقة السياسية بشكل عام من أقصى
اليسار إلى أقصى اليمين في فرنسا ،وتشكل لحظة إجماع حول خيار يتعلق أساسا بالتحكم
في اإلنفاق العام واصالح تسيير المالية العامة من أجل إصالح الدولة.
ثالثا :فلسفة اإلصالح
إن السمة الرئيسية لإلصالح من حيث فلسفته هي إدخال مفهوم األداء في القانون
المالي العام والبحث عن الفعالية في تسيير المالية العامة ،وجعلها محور اهتمام القانونيين.2
أدمج االصالح المنطق السياسي واالقتصادي اللذان في الواقع يرتبطان بثقافتين مختلفتي
الهدف :ثقافة ديمقراطية مهتمة بتعزيز السلطة المالية للبرلمان ،وثقافة تسييرية متعلقة بالشركة
مهتمة بتطوير الخبرة التقنية وتقييم األداء داخل الدولة ،ومن هنا فإن المحورين اللذين يستند
إليهما هذا اإلصالح أحدهما سياسي واآلخر اقتصادي:
-1المحور السياسي ويركز القانون على فرض المزيد من الشفافية في أحكام المالية العامة،
وبالتالي تحسين قابلية القراءة لحسابات الميزانية وحسابات الدولة ،وتبسيط هيكل الميزانية إلى
حد كبير وتعزيز معلومات البرلمان بما يعزز قوة مبادرته في المادة المالية ويمنحه وسائل
الرقابة الحقيقية على تنفيذ الميزانية وتقييمها.
-2المحور االقتصادي يشير اإلصالح إلى قناعة بأنه بدون شفافية المالية العامة ال يمكن
أن يكون هناك عمل ديمقراطي حقيقي فحسب ،ولكن ال يمكن أن يكون هناك تسيير جيد
لألموال العامة ،مع األخذ بنموذج الشركات ،فإن لولف LOLFيؤسس من ناحية أخرى
أساسيا للتسيير الجيد ،كما أنه يرشد حرية التصرف مع
ً معيار
ًا لرقابة التسيير ويجعل األداء
مساءلة الفاعلين في ظل رقابة الحقة على نشاطاتهم ،تقوم على مقاربة مناجيريالية للتسيير
Michel Bouvier, André Barilari, La nouvelle gouvernance financière de l'État, op.cit., p10.
1
Jean-François Calmette, La loi organique relative aux lois de finances (LOLF) : un texte, un
2
esprit, une pratique, revue française d'administration publique, N°117), 2006/1, p. 43.
310
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
خاصة في إجراءات تدقيق المهام ،بمعنى كل إدارة تسأل حول جوهر مهامها ،فهي بذلك
تحدد أولوياتها وتعترف بإخفاقاتها وهو مستوحى مباشرة من المناجمنت.1
الفرع الثاني :نحو تجديد الديمقراطية السياسية وتقوية دور البرلمان في المجال المالي
تحيل نظرة تحليلية لمضمون قانون LOLFإلى كونه يتعدى مجرد إصالح لتسيير
المالية واعداد الميزانية وتنفيذها إذ يدعو إلى التفكير في إعادة تجديد الديمقراطية السياسية
ليس من خالل إدماج أساليب التسيير المتطورة للحسابات العامة ،ولكن األمر يتعلق بنطاق
تغيير
ا أوسع من خالل تبنني مفهوم تسييري اقتصادي لعلمية اتخاذ القرار المالي التي ستحدث
جذريا في معنى وفلسفة القانوني المالي العام ،يتم من ذلك من خالل اعتماد مفهوم استراتيجي
التخاذ القرار المالي العام وتعزيز صالحيات البرلمان في المجال المالي ،واطار عمل محاسبي
لتقييم الوضع المالي للدولة بشكل أفضل للتحكم في النفقات العامة .2
أوال :مفهوم استراتيجي للدولة ولعلمية اتخاذ القرار المالي
يرتكز القانون LOLFعلى نقطتين أساسيتين هما تحديث التسيير العمومي وتعزيز
دور البرلمان في مجال الميزانية من خالل تعديل إجراءات إعدادها ومناقشتها وتنفيذها والرقابة
عليها ،واالنتقال من ثقافة الوسائل إلى ثقافة النتائج في التسيير المالي العام وهو ما يسمح
بتحديث عميق لإلدارة العامة وزيادة فعاليتها.
-1توزيع االعتمادات حسب األهداف :البرامج والمهام واألنشطة
لم تعد الميزانية تقسم حسب النفقة بل حسب السياسة العامة التي يشارك البرلمان
والمواطنون والحكومة في تقدير الموارد الالزمة لتطبيقها في كل سياسة من سياسات الدولة
ويتم ذلك وفق هيكلة جديدة كاآلتي:
أ-البرنامج :الذي يترجم االنتقال من ثقافة الوسائل إلى ثقافة النتائج 3ويشكل مفتاح هذه
اإلصالح وعنص ار مؤسسا.4
1
Jean-François Calmette, La loi organique relative aux lois de finances (LOLF), op.cit., p44.
2
Michel Bouvier, André Barilari, La nouvelle gouvernance financière de l'État, op. Cite, p21.
3
Alain Lambert, rapport du sénat n343, session ordinaire de 2000-2001 2001, p76. Sur le
site suivant : https://www.senat.fr/rap/l00-343/l00-3431.pdf. Consulter le : 06/09/2019.
حسب المادة 07من القانون "LOLFيضم البرنامج اعتمادات مخصصة لتنفيذ نشاط أو مجموعة متناسقة من األنشطة 4
المتعلقة بو ازرة واحدة ،يتم ربط هذه األنشطة بأهداف حقيقية ،محددة وفقا لغايات المنفعة العامة ،إضافة إلى النتائج المنتظرة
311
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
وبالتالي البرنامج :يجمع االعتمادات التي تهدف لتنفيذ نشاط أو مجموعة مترابطة من
النشاطات يتعلق بو ازرة واحدة ،يتماشى مع أهداف مؤشرات ونتائج ،ويتطلب ارشادا يظهر
مهمات إدارية جديدة.
ب-المهام :تتكون المهمة من مجموعة من البرامج المتعلقة بسياسة عامة محددة ،ويصوت
البرلمان على الميزانية عن طريق التصويت على المهام كما يمكنه التعديل في توزيع
1
االعتمادات ما بين البرامج بنفس المهمة ،كما يمكن أن تكون مشتركة بين و ازرة أو أكثر.
جـ-األنشطة :يعتبر النشاط المكون للبرنامج أساسا للتقييم الميزانياتي المشكل من طرف القانون
في إطار البرامج لحظة المصادقة على قانون المالية ،وتوزيع االعتمادات بين النشاطات التي
تحدد بدقة مختلف عناصر السياسية العامة ،وأنواع النشاطات المستعملة ،والمسؤوليات من
طرف كل مسؤول ،وتحدد الهدف بدقة أثناء التنفيذ وتنسيق األهداف والمؤشرات فتكون
2
مخصصة ومقسمة إلى أنشطة فرعية يمكن تقييمها.
-2التسيير الميزانياتي متعدد السنوات
يتبنى قانون LOLFإطار متعدد السنوات للميزانية على المدى المتوسط من أجل توضيح
أهداف السياسية الم الية للبرلمان وتحديد تكاليف إنهاء البرامج والتقييم اآلني لنتائج الق اررات
المتخذة خالل الفترة ،كما يوصي القانون بضرورة إرفاق مشروع قانون المالية بتقارير تفسيرية
للتوقعات باإليرادات والنفقات واعتمادات اإليرادات للسنوات الثالث أو األربع الالحقة.
يقوم قانون LOLFعلى تعزيز سلطات ثانيا :تقوية سلطات البرلمان في المجال المالي
البرلمان بإعادة التوازن للعالقة ما بين الحكومة والبرلمان مع الحرص على االلتزام باإلطار
الدستوري الناظم لهذه العالقة ،ومع تبنيه لمقاربة متعددة السنوات للميزانية إال أنه يحتفظ
بالقواعد التقليدية للميزانية.3
والتي تخضع للتقييم" المادة 07الفقرة 01من القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية لولف رقم ،629/2001النسخة
الموحدة 17افريل .2009الصادرة عن مركز الترجمة بالملف ملف رقم 0849بتاريخ 5أوت ،2009أنظر الرابط:
تاريخ االطالع https://www.legifrance.gouv.fr/Traductions/ar/node_212 .15/08/2017:
1
André Barilari, la mise en œuvre de la lolf dans : réformes des finances publique démocratie
et bonne gouvernance, a actes de IVe université de printemps des Finances publiques,
L.G.D.J, 2004, p25.
2
Michel Bouvier, André Barilari, La nouvelle gouvernance financière de l'État, op.cit., p22.
يحتفظ القانون بمبادئ التقليدية للميزانية والمتمثلة في قاعدة وحدة الميزانية وسنوية الميزانية وشمولية الميزانية في الفصل 3
السادس من القانون.
312
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
وتتجلى هذه االبتكارات التي أدخلها القانون لغرض تقوية سلطات البرلمان في المجال
المالي في:
-1اتساع مجال مبادرة البرلمان وضمان احترام الرخصة البرلمانية
أ-منح أعضاء البرلمان إمكانية اقتراح نقل االعتمادات داخل نفس البرنامج ومن برنامج
آلخر ،أو اقتراح برامج جديدة داخل نفس المهمة بشرط تبريرها وقبولها من طرف الحكومة،
وتسمح هذه اإلمكانية بتجاوز القيد الدستوري.1
ب-تقديم ضمانات بعدم تجاوز الترخيص البرلماني من خالل تقييد إمكانية الحكومة في
ممارسة تغيير طبيعة االعتمادات بواسطة نصوص تنظيمية وحصرها في نطاق سقف ال يمكن
تجاوزه %2من حجم االعتمادات األصلية فيما يتعلق بالتحويالت المؤدية لتوزيع االعتمادات
بين البرامج التابعة لنفس الو ازرة ،2و %3من االعتمادات األصلية للبرنامج فيمل يتعلق بترحيل
اعتمادات األداء إلى السنة الموالية ،3و %1.5بالنسبة االعتمادات المفتوحة بالنسبة للمبلغ
اإلجمالي لالعتمادات الملغاة.4
يلزم نص المادة ة 15من قانون LOLFالحكومة بإحالة كل عمل مهما كانت طبيعته
من شأنه جعل االعتماد غير قابلة للتصرف إلى اللجان المالية في مجلس النواب ومجلس
الشيوخ.
1نص المادة 40من الدستور الفرنسي التي تنص على عدم قبول أي اقتراح يتعلق بتقليص الموارد العامة أو إحداث تكاليف
عامة أو الزيادة فيها.
2حسب نص المادة 12من القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية لولف رقم ،629/2001النسخة الموحدة 17أفريل
.2009
3حسب نص المادة 15من القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية لولف رقم ،629/2001النسخة الموحدة 17أفريل
.2009
4حسب نص المادة 14من القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية لولف رقم ،629/2001النسخة الموحدة 17أفريل
.2009
313
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
بتق ديمها كما يقع على عاتقها اإلجابة على المالحظات المقدمة في إطار مهام البحث والتقييم
في أجل شهرين.1
من خالل الصالحيات الممنوحة للجنتي المالية عمل قانون LOLFعلى إعادة تنظيم
وترشيد سلطة الرقابة والتقييم وتوسيع نطاقها لتشمل كل مسألة متعلقة بالمالية العامة.2
لقد أصبح للجنتي المالية دور رئيس في صناع القرار المالي ومراقبته وتنفيذه كرسته
الصالحيات الواسعة التي منحها إياها قانون LOLFوتعكس جانبا مهما من إعادة التوازن في
العالقة بين السلطة التنفيذية والبرلمان في المجال المالي من بين هذه الصالحيات الممنوحة
3
للجنتي المالية ما يلي:
أ-تدقيق كيفية تصويت البرلمان على الميزانية من خالل
4
-تكريس أولوية المصادقة على الجزء األول من الميزانية قبل الجزء الثاني
-التصويت دفعة واحدة على الموارد -التصويت على االعتمادات حسب كل مهمة
-التصويت على اعتمادات الميزانيات الملحقة أو كشوف الحسابات الخاصة بحسب الميزانية
الملحقة وبحسب الحساب الخاص.5
ب-توسيع إمكانيات االستعانة بمجلس المحاسبة من خالل:
-مساعدة المجلس للبرلمان في مهمتي الرقابة والتقييم – إجراء كل تحقيق تطلبه لجان البرلمان
المعنية بتسيير المصالح والهيئات وتبليغ نتائجه وجوبا -تدقيق المجلس لسالمة وشرعية وصدق
حسب نص المادة 53من القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية لولف رقم ،629/2001النسخة الموحدة 17أفريل 1
2009
2حسب نص المادة 58من القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية لولف رقم ،629/2001النسخة الموحدة 17أفريل
2006
Michel Bouvier, André Barilari, La nouvelle gouvernance financière de l'État, op.cit., p32.
Irène Bouhadana, vers un nouveau rôle des commissions des finances des assemblées
3
parlementaires dans : réformes des finances publique démocratie et bonne gouvernance, a
actes de IVe université de printemps des Finances publiques, L.G.D.J, 2004, pp39, 45.
4حسب نص المادة 42من القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية لولف رقم ،629/2001النسخة الموحدة 17أفريل
.2009
حسب نص المادة 43من القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية لولف رقم ،629/2001النسخة الموحدة 17أفريل 5
.2009
314
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
حسابات الدولة بمشروع التسوية والتصديق عليها -إيداع المجلس لعدد من التقارير إلعالم
البرلمان بظروف سير تنفيذ الميزانية.1
جـ-الدور المركزي لقانون التسوية كتعبير عن رقابة برلمانية احترافية لمالية الدولة
منطق رقابة التسيير الذي جاء بها قانون LOLFوفي إطاره يتم اتخاذ القرار المالي
يفرض العودة إلى النتائج التي من خاللها تتم رقابة وتقييم فعالية هذه األنشطة ،وهو ما تم
تجسيده من خالل قانون تسوية الميزانية الذي أصبحت مناقشته تتم قبل مشروع قانون المالية
للسنة ،وهو ما يساعد الحكومة والبرلمان على إقرار قانون المالية السنوي بناء على معطيات
حقيقية واتخاذ التدابير المالئمة على هذا األساس ،كما تمنع مناقشة مشروع قانون المالية للسنة
من طرف أية غرفة في قراءة أولى قبل تصويتها على قانون التسوية للسنة المالية السابقة.2
يعد قانون تسوية الميزانية فرصة للبرلمان لمتابعة الكيفية التي تمت بها تنفيذ قانون
الميزانية للسنة التي قام بالتصويت عليها وللوصول لتحقيق متابعة فعالة ألزم قانون LOLF
الحكومة بإرفاق مشروع قانون التسوية بـ:
-تطور إيرادات الميزانية العامة.
-مالحق تفسيرية تفصل لكل برنامج أو تخصيص القيمة النهائية لالعتمادات المفتوحة ،مع
اإلشارة إلى الفروق مع عرض االعتمادات المفتوحة ،وتعديالت االعتمادات المطلوبة ،كما
تعرض أيضا الفروق بين التقديرات واإلنجازات المحققة باعتبار أموال اإلعانات.
-ملحق تفسيري يعرض إيرادات ميزانية الدولة ونفقاتها الفعلية بحسب االتفاقيات المنصوص
عليها في المادة 3/51وتتضمن تبريرات الظروف التي أدت لعدم االلتزام بالنفقات المناسبة
لالعتمادات المخصصة لتمويل نفقات كل برنامج.
-التقارير السنوية لألداء وهي شبيهة بالمشاريع السنوية لألداء وتسمح بمقارنة التنبؤ والتنفيذ
من خالل مؤش ارت األداء والتكاليف الحقيقية وتبريرات لحركة االعتمادات والنفقات المدونة في
كل باب من خالل تحديد سبب تجاوز االعتمادات المدونة استثنائيا بسب القوة القاهرة.
حسب نص المادة 58من القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية لولف رقم ،629/2001النسخة الموحدة 17أفريل 1
.2009
.Loi organique n0 2001-692 du 01 aout 2001 relative aux lois de finances
حسب نص المادة 41من القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية لولف رقم ،629/2001النسخة الموحدة 17أفريل 2
2009
315
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
-تقرير مجلس المحاسبة الخاص بالنتائج وبالحسابات المشتركة والتحليل الخاص بالمهام
والبرامج والتنفيذ".1
المطلب الثاني :ابتكارات LOLFومدى تجسيدها لحكامة اإلنفاق العام
لقد كرس قانون LOLFالدور الجديد للبرلمان المقيم لجهة الميزانية بإصالح تسييرها
وتحديد اإلطار العام الذي تندرج فيه قوانين المالية واإلجراءات المتعلقة بإعدادها واعتمادها
وتنفيذها ،ويركز اإلصالح على تحميل المسيرين المسؤولية مقابل منحهم حرية التصرف ،كما
يهدف لتعزيز الشفافية في تسيير الميزانية ومضمون الرخصة البرلمانية لإلنفاق وفرض
الضرائب ،كما تم ترقية مبدأ صدق الميزانياتي إلى مرتبة قاعدة في سياق تحقيق األهداف
االستراتيجية للمالية العامة المتمثلة أساسا في رهان تحقيق حكامة اإلنفاق العام.
الفرع األول :اعتماد نظام جديد للمسؤولية وتعزيز شفافية وصدقية القرار المالي
يهدف القانون العضوي إلى إصالح تسيير المالية العامة من خالل منح المسيرين حرية
أكبر وربطها بالمساءلة.
أوال -إصالح متمركز حول تكريس حرية ومسؤولية المسيرين
جاء قانون LOLFبنظام جديد للتسيير يقوم على منح حرية أكبر للمسيرين العمومين
الستعمال االعتمادات داخل البرنامج بالتركيز على النتائج مع مرونة واضحة في التسيير
تقابلها مسؤولية عن النتائج المحصل عليها بعد استعمال االعتمادات وتنفيذ البرامج ،مسؤول
البرنامج والوزير كالهما يخض ع للمراقبة وللمساءلة عن نتائج اإلنفاق ،وتبرير أي نفقة بداية
من أول أورو ،في ظل االعتمادات على مؤشرات واضحة لقياس األداء في كل برنامج.2
تنطلق مسؤولية المسيرين في المجال المالي من ضرورة تقديم حساب عن تسييرهم
وتصرفاتهم ويشكل التوفيق بين المسؤولية المناجيريالية والمسؤولية للقانونية الرهان الحقيقي
3
إلصالح تسيير المالية وتجسيد الحكامة المالية.
نص المادة حسب نص المادة 54من القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية لولف رقم ،629/2001النسخة الموحدة 1
17أفريل .2009
2حسب نص المادة 5من القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية لولف رقم ،629/2001النسخة الموحدة 17أفريل .2009
3
Stéphane thebault, la responsabilité des gestionnaires : responsabilité managériale et
responsabilité juridictionnelle, approche dans : réformes des finances publique démocratie et
bonne gouvernance, a actes de IVe université de printemps des Finances publiques, L.G.D.J,
2004, p283.
316
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
مسؤولية اآلمرين بالصرف ترتبط باالختيارات االستراتيجية عند اقتراح البرامج التي
تترجمها األهداف المحددة لكل برنامج والمؤشرات المحددة له ،يعكس هذا التوجه االنتقال من
مسؤولية قانونية تقوم على االلتزام باحترام القواعد القانونية إلى مسؤولية تسييرية مناجيريالية
1
تستند لوجوب تحقيق الفعالية وتحسين أداء التسيير العمومي.
يوفر هذا النوع من المسؤولية إمكانية تطوير التعاقد بين الوزراء والمصالح الخارجية
التابعة لهم والمعنية بإنجاز البرامج ،ويترتب على هذه المسؤولية االستماع إلى مسؤولي البرامج
من طرف لجنتي المالية بالبرلمان مباشرة دون الوزراء ،مع امكانية فرض عقوبات في حالة
سوء التسيير.2
يهدف قانون LOLFإلدخال المسؤولية المناجيريالية من خالل ":
-وضع إطار لألهداف (بدون أهداف ،ال يوجد مناجمنت) قابلة للقياس من خالل المؤشرات
مع أهداف محددة.
-خلق مساحة حقيقية للمناورة من خالل شمولية االعتمادات والتخصيص على مستوى
البرنامج.
-تخفيف الرقابة السابقة الناتجة عن الطبيعة الملزمة لمدونة النفقات بحسب طبيعتها.
يمكن للتسيير العمومي الجديد الذي يقوم عليه LOLFأن يزدهر على مستويات المساءلة التي
معا" 3
تجمع هذه الخصائص الثالث ً
ثانيا-تعزيز الشفافية ومبدأ الصدق الميزانياتي
Aline Lambert. Didier Migaud, La mise en œuvre de la loi organique relative aux Lois de
1
3
André Barilari, La LOLF et la responsabilité des acteurs pour la mise en œuvre des politiques
publiques, In arkwrighte et al., L’économie politique de la LOLF, La Documentation Française,
Paris, 2007, p305.
317
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
يستند قانون LOLFلمبادئ مهمة مثل توسيع نطاق حرية المسيرين واالنتقال من
منطق الوسائل إلى منطق النتائج وضمان شفافية أكبر عند عرض مشروع قانون المالية من
خالل تزويد البرلمان بالمعلومات التي تسمح له ببناء تصور صادق عن وضعية المالية العامة
وهو ما عكستها ترقية مبدأ الصدق الميزانياتي إلى مبدأ من مبادئ المالية عامة ،والذي ظهر
أوال في اجتهادات المجلس الدستوري الفرنسي.1
-1توسيع نطاق الشفافية
يرتبط مفهوم الشفافية بمدى توفر المعلومات وقد أتاح قانون LOLFتنوعا في إمكانيات
تزويد البرلمان بالمعلومات عبر آليات متعددة لإلعالم ومن أهمها":
أ-مأسسة النقاش حول توجهات الميزانية من خالل إلزام الحكومة بتقديم تقرير حول تطور
االقتصاد الوطني والتوجهات في المالية العامة ،واجراء نقاش في كال الغرفتين يسبق مناقشة
قانون التسوية.2
-األسئلة واالستفسارات البرلمانية لغرض دارسة قانون المالية والتصويت عليه يمكن للجان
البرلمانية 3توجيه استمارة أسئلة أو استفسارات إلى الحكومة قبل 10جويلية من كل سنة
وتجيب الحكومة خطيا بتاريخ 10أكتوبر كحد أقصى.4
-تعزيز التقرير االقتصادي واالجتماعي والمالي المرفق بمشروع قانون المالية والمطالبة
بإدراجه في منظور متعدد السنوات الذي يشترط فيه تفصيل الفرضيات االقتصادية التي يستند
إليها مشروع قانون المالية ،كما يجب أن يفسر آفاق تطور الواردات والنفقات ورصيد مجموعة
اإلي اردات خالل السنوات األربع المقبلة ويعبر عنها وفق معايير المحاسبة الوطنية.5
ب-الوثائق المرفقة بمشروع قانون المالية (أكتوبر من السنة ن)1-
حسب نص المادة 48من القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية لولف رقم ،629/2001النسخة الموحدة 17أفريل 2
.2009
3
Michel Bouvier, André Barilari, La nouvelle gouvernance financière de l'État, op. Cit, p40.
4نص المادة 49من القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية لولف رقم ،629/2001النسخة الموحدة 17أفريل 2009
حسب نص المادة 50من القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية لولف رقم ،629/2001النسخة الموحدة 17أفريل 5
.2009
318
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
-ملحق تفسيري يعرض بحسب البرنامج أو التخصيص قيمة االعتمادات المدرجة بحسب الباب
ويظهر تقدير االعتمادات الممكن فتحها عبر حسابات أموال اإلعانات يرفق بهذه الملحقات
مشروع سنوي ألداء كل مشروع يحدد:
-عرض األنشطة والكلفة المرتبطة بها واألهداف المنشودة والنتائج المحرزة والمنتظرة
للسنوات القادمة التي تقاس بواسطة مؤشرات دقيقة يبرر اختيارها.
-تقديم النفقات الضريبية.
-تبرير تطور االع تمادات بالنسبة لإلنفاق الفعلي للسنة السابقة بالنسبة لالعتمادات المفتوحة
بموجب القانون المالي للسنة الجارية واالعتمادات نفسها التي زادت قيمتها بسب تلك التي جرى
ترحيلها من السنة السابقة مع اإلشارة إلى آفاق التطور الالحقة.
* مالحق تفسيرية تشرح كل ميزانية ملحقة وكل حساب خاص.
1
*ملحقات عامة نص عليها في القوانين واألنظمة المخصصة لإلعالم البرلمان ورقابته.
-ضرورة إيداع تقرير خالل افتتاح الدورة البرلمانية العادية يظهر مجموع االقتطاعات اإللزامية
وتطورها ،ويتضمن تقييما ماليا للسنة الجارية والسنتين الالحقتين ،كما يمكن أن يخضع لنقاش
في غرفتي البرلمان.2
–2إدخال مبدأ الصدق الميزانياتي
يرى Jean-François JOYEأن مبدأ الصدق في قانون المالية " يتم تقديمه وتدريسه
كأحدث المبادئ المالية ،ومع ذلك فإن للمبدأ أساس قديم حتى لو كان المصطلح بالكاد يستخدم
في الماضي ،يستحق هذا المبدأ االرتقاء إلى مكانه الصحيح ،أي في ذروة القواعد أو المبادئ
المهمة لقانوننا المالي ،إنه مبدأ أساسي وربما أكثر أهمية ألنه يتوج الصرح القانوني المالي
ويضمن وحدته المفاهيمية".3
مبدأ الصدق المالي ،المنبثق عن إعالن عام ،1789والذي تطور في ظل توسيع
الكتلة الدستورية ليرتقي إلى أحد اهم المبادئ في مجال المالية العامة ،حيث أن القضاء المالي
من خالل مالحظاته المتكررة بمناسبة مراقبته لتنفيذ قوانين المالية السنوية كانت له المساهمة
1حسب نص المادة 51من القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية لولف رقم ،629/2001النسخة الموحدة 17أفريل
.2009
2حسب نص المادة 52من القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية لولف رقم ،629/2001النسخة الموحدة 17أفريل
.2009
3
Jean-François Joye, La sincérité, premier principe financier, RFFP, 2010 n° 111, pp 17,18.
319
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
الكبرى في الكشف عن المبدأ ورفعه لمستوى المبدأ الدستوري وتوسيع نطاقه ،إذ أصبح يشكل
معيار مرجعيا لقوانين المالية ولكل عمليات الميزانية على اعتبار أن أحكامه ترتبط بنظر
1
والتثبت من الحسابات ،أما المجلس الدستوري فتركيزه على المبدأ ينصب على الجانب التوقعي
للميزانية.2
تناوله قانون " "LOLFكمبدأ يتعلق بقوانين المالية ،لكنه لم يحسم بشكل نهائي مسألة
قيمته في الباب الثالث :المتعلق بمضمون قوانين المالية وعرضها في الفصل األول المعنون
بمبدأ الصدق في المادة " 32تعرض قوانين المالية بصورة صادقة مجموع واردات الدولة
وأعبائها .يظهر صدقها من خالل المعلومات المتوافرة والتقديرات التي تنجم عنها " كما تناولته
المادة 27الفقرة الثالثة " ...يجب أن تكون حسابات الدولة منتظمة ،صادقة وأن تعطي صورة
صادقة عن أمالك الدولة ووضعها المالي ".وفي إطار مهمة مساعدة مجلس المحاسبة للبرلمان
في أداء دوره الرقابي تم التطرق لمبدأ الصدق في المادة 58فقرة ..."05المصادقة على نظامية
ح سابات الدولة ونزاهتها وصدقها .وتلحق هذه المصادقة بمشروع التسوية وترفق ببيانات
3
التدقيقات المقام بها.
أ-عالقة مبدأ الصدق بالحكامة المالية :بخصوص عالقة مبدأ الصدق والحكامة المالية ترى
,Marie-Christine Esclassanبأنه توجد روابط قوية وعميقة بينهما على اعتبار أن
عنصر رئيسيا في مفهوم حكامة األنظمة مهما
ا الحاجة إلى معلومات موثوقة صادقة يشكل
كان نوعها ،حيث يتم التركيز على هذا المبدأ في القطاع الخاص على شقه المتعلق بالمعلومات
المحاسبية مثل ما هو موجود في قانون التجارة ،في المقابل ال يعتبر مبدأ الصدق مكونا
أساسيا من مكونات الحكامة المالية أو على األقل لم يتم تقديمه و ترسيمه من خالل اإلطار
القانوني ولم تتم اإلشارة إليه في المبادئ الخمسة للحكامة للكتاب األبيض للحكامة األوربية
،في حين تمت اإلشارة إليه في أدبيات المؤسسات المالية الدولية ( البك الدولي ،صندوق
1
Sénat, les documentations de travail du sénat, série études juridique, le Principe de sincérité
des Lois des finances et des Lois de financement de la sécurité sociale, n° EJ 1, Octobre
2006, p8.
2يمكن اعتبار قرار المجلس الدستوري بشأن قانون مالية 1983أول قرار يؤسس لمبدأ الصدق لكن دون استعمال المصطلح،
وأمام كثرة المطالبات البرلمانية واالصرار على ترقيته لمبدأ استعمله المجلس الدستوري في ق ارره لسنة 1984بشأن قانون
المالية السنوي.
Luc Saïd, enjeux autour d'un principe controversé, RFFP, 2010 n° 111, p5.
3
320
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
النقد الدولي ،منظمة التعاون والتنمية االقتصادية) معتبرة الحكامة المالية في المجال الميزانياتي
مرتبطة مباشرة بالشفافية وليس بالصدق الذي تعتبره عنص ار قريبا منها ويشكل عنصر رئيسيا
1
فيها.
االهتمام بالمبدأ عرف في بعض األنظمة القانونية تطو ار خاصة في ظل انتشار مفهوم
الحكامة المالية والترويج لمعاييرها من قبل المؤسسات المالية الدولية ،في هذ اإلطار عرفت
عالقة مبدأ الصدق والحكامة المالية تطو ار في القانون المالي الفرنسي تحديدا من خالل إدخال
منطق األداء والفعالية إلى التسيير المالي العام فتم اعتماد الصدق كمبدأ ميزانياتي ومحاسبي
2
للدولة في قانون لولف لسنة .2001
ثالثا :إطار محاسبي يسمح بتقدير أفضل للوضعية المالية للدولة
لقد أدى قانون LOLFإلحداث تغييرات عميقة على المحاسبة العمومية وفلسفتها التي
صارت موجهة نحو مزيد من شفافية الحسابات العامة للدولة والتحكم في التسيير العمومي في
محاولة للتوافق مع ما هو معمول به في هذا مجال في التسيير في القطاع الخاص ،من خالل
إنشاء نظام معلومات للميزانية والمحاسبة في اإلدارة لغرض قياس األداء ورقابة التسيير
للمصالح ،مع األخذ بعين االعتبار تقييم فعالية النفقات العامة ،هذا التصور يؤدي أيضا إلعادة
3
النظر في األهداف المعينة للوظيفية الرقابية.
في سياق البحث عن تحقيق الحكامة وتجسيد فعالية النفقات العامة جاء التصور
الجديد للمحاسبة الذي يقوم على مسك الدولة لمحاسبة إليرادات ونفقات الميزانية ومحاسبة
عامة لمجمل هذه العمليات ،ومن جهة أخرى تعرض محاسبة موجهة لتحليل التكاليف لمختلف
النشاطات الملتزم بها في إطار البرامج.4
-1أدى تطبيق القانون العضوي ( )LOLFإلى مرور النظام المحاسبي الفرنسي من نوع
محاسبي واحد إلى ثالث أنواع محاسبية":
.2009
321
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
أ-محاسبة الصندوق :محاسبة الميزانية أو الخزينة التي تكون موجهة للمتابعة اليومية لحالة
خزينة الدولة وتسجيل اإليرادات والنفقات التي تكون مرتبطة بالسنة المالية الحالية ،هذا النظام
1
يظهر بسهولة الدفع والتحصيل للدولة ،وللخزينة بتقدير احتياجاتها وقدرتها التمويلية
ب-المحاسبة العامة :المبنية على أساس آخر هو الحقوق وااللتزامات ،وتقوم على تسجيل
اإليرادات والنفقات في تاريخها ،حيث تسمح بتسجيل المجاميع الواجبة الدفع أو التحصيل الحقا
من جهة وم ن جهة أخرى عرض االلتزامات الخارجة عن الميزانية ،وال تختلف القواعد التي
ترعى المحاسبة العامة للدولة عن تلك المطبقة على الشركات 2إال لناحية خصوصية عمل
3
الدولة
جـ-محاسبة تحليل التكاليف العامة :القائمة على تحليل النشاطات الملتزم بها في إطار البرامج
والهادفة لمعرفة تكاليف السياسيات العمومية الموضوعة من طرف الدولة التي يجب أن تكون
محددة استنادا إلى تطبيق منطق األداء الذي يقوم عليه القانون العضوي.LOLF 4
-2مستجدات النظام المحاسبي في ظل القانون العضوي ()LOLF
في سياق البحث عن األداء الجيد وتحقيق النتائج شهد القطاع العام تحوال متزايدا نحو
تبني المعايير المحاسبية الدولية في القطاع العام للمسيرين من خالل اتخاذ مجموعة جديدة
من المعايير المساعدة على اتخاذ الق اررات ،وبهذه المعايير أصبحت المحاسبة العامة تسير
تدريجيا نحو تبني نهج المحاسبة المالية لتقديم المساعدة في تسيير فعال للنفقات العامة من
خالل توفير فهم أفضل لتكاليف مختلف المهام والبرامج واألنشطة التي تقوم بها اإلدارات
المختلفة ،أي التوجه نحو تبني محاسبة اتخاذ الق اررات " بحسب تقرير مجلس الشيوخ الفرنسي
حسب نص المادة 28من القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية لولف رقم ،629/2001النسخة الموحدة 17أفريل 1
.2009
Charles Waline, Pascal Des rousseaux et Stanislas Godfroy, Le budget de l'état, nouvelles
2
. 2009
4
Michel bouvier, Marie-Christine Esclassan, Jean-Pierre Lassale, finances publiques, op.cit.,
pp509, 510.
322
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
حول إصالح األمر 02/59المتضمن القانون العضوي بقوانين المالية وفي هذا السياق يعدد
المدير العام للمحاسبة العامة الفرنسي Dominique LAMIOTالتغيير الحاصل في":
-تشير ا لمحاسبية العامة الجديدة إلى معايير قريبة من معايير الشركات مع مراعاة خصوصية
عمل الدولة.
-إيجاد ديناميكية شاملة لدى الو ازرات لتحسين موثوقية قوائم الجرد والتقييمات ،حيث ليصبح
نظام المحاسبة الجديد أداة لقيادة المسيرين للمصالح.
إطار شفافا وصادقا عن حسابات الدولة وعن وثروتها المالية
ا -يوفر اإلطار المحاسبي الجديد
وادارة األصول والمخزونات وتصور المخاطر لألعباء المستقبلية.
-يشجع على فهم أفضل للوضعية المالية للدولة وتحقيق استدامة األوضاع المالية ،وبالتالي
تعتبر وسيلة معلومات مهمة للبرلمان.
-تعزيز إمكانيات مساءلة المسيرين عن إدارتهم المالية.
-يتميز اإلصالح المحاسبي باالهتمام الجودة المحاسبية في مرحلة تتماشى مع االهتمام
باالهتمام بمحاسبة االنتظام والشرعية لتحقيق ذلك ،تعتبر الرقابة الداخلية هي األداة المفضلة
لضمان االمتثال لإلجراءات وتسيير المخاطر.1".
الفرع الثاني :مدى نجاح التجربة الفرنسية في ترشيد اإلنفاق العام
لقد شكل هاجس التحكم في اإلنفاق العام في فرنسا مصدر قلق مستمر للحكومات
المتعاقبة خاصة في ظل المقارنة التي تتم بينها وباقي دول منظمة التعاون والتنمية االقتصادية
التي تمكنت من تقليص نفقاتها العامة ،في هذا اإلطار يعتبر قانون LOLFثورة حقيقية في
مجال تسيير المالية العامة ،ورافعة إلصالح الدولة من خالل تركيزه على نقطيتين مهمتين
هما :تحديث وعصرنة التسيير العمومي باالعتماد على آليات المناجمنت العمومي الجديد،
وتقوية وتعزيز دور البرلمان في مقاربة سعت لتحقيق الحكامة المالية العامة ،واصالح الدولة
من خالل إصالح تسيير المالية العامة ،والتحول لمنطق النتائج وتقييم األداء ،الهدف الرئيس
لهذا المشروع هو تحقيق فعالية اإلنفاق العام فإلى أي مدى نجح هذا القانون في تحقيق ذلك؟
1
Dominique Lamiot, La réforme de la comptabilité publique, levier de modernisation de l’état,
Publication de l'institute de la géstion et du développement économique, France, études n°
23, juin 2007, p1.
323
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
1
Didier Migaud, allocation d'ouverture, dossier spéciale : la dépense publique locale, RFFP,
2017 n° 137, p4.
2أنظر ملحق يبين تطور المؤشرات الفرعية للحكامة في فرنسا من .2018-1996
3
Didier Migaud, allocation d'ouverture, op.cit., p4.
324
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
-تمكن البرلمان من المساهمة الفعلية بالتعاون مع مجلس المحاسبة في صناعة القرار المالي
ووضع السياسة اإلنفاقية عبر الدور المهم للجنتي المالية في البرلمان ،كما زاد نطاق مبادرته
في المجال المالي ومنحه ضمانات كافية الحترام الرخصة البرلمانية وعدم تجاوزها ،وتعززت
سلطته الرقابية باشتراط تقديم قانون التسوية قبل الفاتح من جويلية للسنة الموالية بما يمكن من
وجود رقابة فعلية للنفقات العامة تسمح بتقييم فعاليتها.
-إرساء دعائم رقابة تقييمية لإلنفاق العام من خالل االعتماد على تقييم أداء النفقات العامة
عبر قياس حجم األهداف المحققة استنادا إلى تنفيذ البرامج المسطرة.
-ت شير تقارير مجلس الشيوخ خالل العشرة سنوات األخيرة لتحسن ملحوظ في المحاسبة العامة
حيث تظهر أن قانون LOLFقد جلب معه الكثير من الجوانب المحاسبية التي ساهمت في
تحسين التسيير العمومي.1
-توسيع دائرة المشاركة المجتمعية في المجال الميزانياتي والمالي فعلى سبيل المثال تم الشروع
فيها بداية من سنة 2000في الميزانية التشاركية ،ليتم العمل بها في مدينة باريس بعد
االنتخابات البلدية سنة ،2014حيث كان وضع ميزانية تشاركية واحدا من الوعود االنتخابية،
في هذا السياق يرى " Guillaume Tinlotأن الميزانية التشاركية يمكن اعتبارها كرافعة
2
للتسيير المحلي تعطي ديناميكية جديدة لتمكين المواطن من القرار المالي "
يعيش أكثر من 6ماليين فرنسي في بلدية يشارك أفرادها في ميزانية تشاركية بعد طفرة
أولى في مطلع األلفية الجديدة ،استمرت الميزانيات التشاركية في االنخفاض ،في بداية عام
،2014كانت ال تزال هناك ست بلديات فقط تشارك في ميزانية تشاركية وفي آخر مسح لسنة
2018هنالك 80بلدية تشارك في العملية ،في السياق الفرنسي يرى Antoine Bézardفي
الميزانيات التشاركية الوعد الجديد للديمقراطية يعبر عن هذا بقوله " أن الميزانية التشاركية
ليست غاية في حد ذاتها ،إنها أداة التعبير لتحقيق المشاريع بحيث يمكن تلخيصها في مبدأ
3
واحد" ،أنت تقرر ،نحن ننجز "
2
Guillaume Tinlot, le budget participatif, outil d'une citoyenneté financier locale rénovée, RFFP,
n 135, 2016, p 19.
3
Antoine Bézard, budgets participatifs : la nouvelle promesse démocratique, Fondation
Jean-Jaurès-2octobre2018,pp1,13. Sur le site suivant
325
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
http://michelgiraud.fr/files/2018/10/budgets-participatifs-la-nouvelle-promesse-
democratique.pdf
Didier Migaud, allocation d'ouverture, op.cit., pp 6, 7.
1
326
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
المنظ مات العمومية ودور المسيرين العموميين الذين وجدوا أنفسهم في وضعية متناقضة
1
تقتضي ضرورة إدماجهم في ثقافة هذا النموذج .
-سلطة مسؤولي البرامج لم تجد مكانتها المرجوة بالنظر لبقاء المسؤولية السياسية للوزراء،
يضاف إليها الصعوبات المرتبطة بقياس األداء بسب تكاثر أهداف ومؤشرات األداء وتعقيداتها،
إذ يشير مشروع قانون المالية لسنة 2017إلى 380هدف موزعة على 737مؤشرا ،كما
يطرح بعدها نموذج األداء مسألة أهداف مؤشرات المهام ومؤش ارت البرامج وكذا المؤشرات
واألهداف الفرعية لألنشطة في البرامج لها تعقيدات ،كما تثير مسألة أهمية األهداف والمؤشرات
وتفسيراتها صعوبات جمة بالنسبة لقياس األداء.2
-تثير المحاسبة على أساس االستحقاق إشكاليات تتعلق بمخاوف السلطة التسريعية من فقدان
قدرتها على ممارس ة الرقابة البرلمانية على المالية العامة على اعتبار أن تقنيات أساس
االستحقاق تم تصميمهما خصيصا لتلبية احتياجات الشركات الخاصة حيث مقياس األداء
الوحيد هدفه هو الربح ،واألمر يختلف بالنسبة للمنظمات العامة ،كما يطرح اعتماد إجراءات
التصديق على الحسابات العامة التي يتم تعميمها تحوال مهما تعرفه الهيئات المالية وتشكك
في الهيكل القانوني المالي حيث تؤخذ المقاربة التسييرية لرقابة التسيير المال العام على
حساب المقاربة القانونية ،تعتبر عمليات التصديق على الحسابات العامة وفق هذا النموذج
التسييري تعبي ار عن الحكامة المالية العامة.3.
ثالثا :تأثيرات العقالنية المناجيريالية على القانون المالي العام
أدى
يشكل تبني القانون العضوي ( )LOLFتجسيدا فعليا للمقاربة المناجيريالية التي ّ
اختراقها للحقل القانوني إلى اعتبار القانون بوجه عام والقانون المالي العام بوجه خاص أداة
في خدمة الفعالية االقتصادية؛ لهذا يرى Pierre Legendreأنه "بفعل تأثير األدوات
المناجيريالية وصل القانون لمرحلة من الوسائلية البحتة والبسيطة ،التي تجعل منه مجرد تقنية
ملحقة في خدمة الكفاءة ما بعد الحداثة ،ويعكس رجال السياسة هذه الوضعية بفعل استخدامهم
327
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
لمفاهيم شروط اإلجراء ،المشروع ،القرار ،تسيير ،الفعالية ومسؤولية ،بدال من المفاهيم المعروفة
إقليم ،سلطة ،سيادة".1
لديهم من قبيل أمة ،حكومة ،دولةً ،
يرى جالك شوفالييه أن تجسيد هذه المقاربة المناجيريالية في المجال المحاسبي تمت
من خالل توزيع موارد الميزانية وفقا لمهمات وليس تبعا لطبيعة النفقات ،جعل المسيرين
مسؤولين عن التعاقد على األهداف الموكلة إليهم والوسائل المخصصة لهم ،تخفيف قواعد
الميزانية عن طريق شمولية االعتمادات واضفاء مرونة على تسييرها ونقلها ،وتخفيف الرقابة
المالية عن طريق إعادة تأهيلها ،وانشاء محاسبة تحليلية تسمح بذلك بتقدير جميع التكاليف
المخصصة لتنفيذ البعثات وتشغيل الخدمات ،الهدف الرئيسي لهذه اإلصالحات هو االنتقال
من منطق ال وسائل إلى النتائج لكن هذا التوجه كانت له أثار على القانون العام و القانون
اإلداري والقانون المالي بوجه الخصوص المعبر عنه "التحرك االقتصادي المفرط في القانون"،
الذي يستثمره من اآلن فصاعدا االقتصاد من خالل العقالنية المناجيريالية التي تميل إلى
2
تحويل النظام القانوني ذاته.
إن اختراق العقالنية المناجيريالية للعالم القانوني تنعكس في حقيقة أنه لم يعد له مبدأ
راسخ فقد خضعت القواعد المالية والميزانياتية التقليدية لتغييرات جوهرية بسب االنتقال إلى
منطق النتائج ،حيث يتم الحكم عليها بالنتائج التي تحققها وتخضعها لمنطق األداء الذي هو
جوهر المناجمنت العمومي ،وعليه يتم السعي لتحسين محتواها باستمرار من خالل البحث عن
الفعالية التي ترتبط بدراسة اآلثار المترتبة والنتائج المحققة فعليا " ،لقد مارس المناجمنت
العمومي إجراءات عميقة في الحقل القانوني من خالل المساهمة ليس في تكييف محتوى
القانون العام ولكن في تغيير وتحويل استخدام التقنية القانونية ".3
المبحث الثاني :اإلصالح الميزانياتي في المغرب ورهانات تجسيد حكامة اإلنفاق العام
شكل تحديث الدولة وفق مقاربة تنظيمية استراتيجية شاملة ضرورة تقتضيها مواكبة
التحوالت التي عرفها السياق الدولي واكراهات الواقع الداخلي ،يعتبر موضوع التحديث
1
Thibault Le Texier, D'un principe de justice à un standard à un standard d'efficacité la
rationalité régalienne à l'épreuve de la logique gestionnaire, op.cit., p235
2
Jacques Chevallier, Management public et Droit, revue politiques et management public,
France, Vol.26/3, 2008, p97.
3
Jacques Chevallier, Management public et Droit, revue politiques et management public,
op.cit, p100.
328
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
الميزانياتي واصالح التدبير المالي مدخال حديثا لتجسيد ذلك ،انخرط المغرب في مسلسل
اإلصالح التدريجي في مجال تدبير المالية العامة منذ سنة 2001الذي هدف إلى تبني مقاربة
تشاركية وتدريجية ترتكز على تبني التدبير المرتكز على النتائج لتحسين تدبير الميزانية حتى
تكون قادرة على مواجهة التحديات ،هذه المقاربة الجديدة تأتي كبديل للمقاربة التقليدية التي
اتسمت بسوء التدبير ،وغياب الرشادة في تسيير النفقات العامة.
في هذا اإلطار أطلقت و ازرة المالية منذ سنة 2001عدة ورشات في مجال اإلصالح
المالي للبحث عن السبل الكفيلة بتدبير أحسن للميزانية ،أين يعتبر إصالحها بوابة لتجسيد
باقي برامج اإلصالح األخرى ،ويندرج هذا اإلصالح في سياق دولي يتميز بإقدام مختلف الدول
الرائدة خالل العقدين اآلخرين على إصالح منظوماتها في مجال المالية العامة ،ورغم اختالف
المنهجيات المتبعة ،فإن خصائص مشتركة توحد مختلف التجارب الدولية الرائدة تتمثل أساسا
في":
-تقوية وفعالية ونجاعة النفقات العمومية وتحسين جودة الخدمات العمومية المقدمة للمواطن
من خالل ترسيخ مبادئ الفعالية والنجاعة ومسؤولية المدبرين والمحاسبة وتقييم السياسات
العمومية "
-تعزيز شفافية المالية العمومية واغناء تحسين جودة المعلومات المقدمة للبرلمان والمواطن
ولمختلف الفاعلين االقتصاديين ،بغية الرفع من جودة المناقشة حول قانون المالية التدبير
العمومي بصفة عامة ،ويندرج هذا اإلطار في التحديد الدقيق للمسؤوليات واجراء االفتحاص
وحسن تقييم السياسيات العمومية ".1
وعلى غرار تشريعات الدول الديمقراطية النامية والمتقدمة يعد القانون المالي في المغرب
أد اة جوهرية ذات أبعاد مختلفة تعكس المخططات والسياسيات العامة الموضوعة في سبيل
2
تحقيق األهداف االقتصادية واالجتماعية ،وبما أن الواقع العملي والتطبيق التشريعي المضطرد
1و ازرة االقتصاد والمالية ،تقرير حول مشروع إصالح القانون التنظيمي لقانون المالية ،اليوم الدراسي بمجلس النواب12 ،جويلية
،2012منشورات مجلة الحقوق ،المغرب ،سلسلة األعداد الخاصة ،العدد ،2013 ،06ص ص .166 ،165
يوسف الزوجال ،قراءة نقدية في حاور مشروع إصالح القانون التنظيمي للمالية بالمغرب على ضوء المستجدات التشريعية، 2
منشورات مجلة الحقوق ،سلسلة األعداد الخاصة ،العدد ،2013 ،06ص ص .54 ،53
329
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
ظهير شريف رقم -1191-1الصادر في 29جويلية ،2001ج ر ع 5964مكرر ،الصادرة 30جويلية .2011 1
القانون التنظيمي لقانون المالية رقم ،7.98الصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم ،1.98.138 ،الصادر في 26نوفمبر 2
330
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
وعوامل خارجية استجابة للشروط التي تفرضها المؤسسات المالية على الدول المستفيدة من
برامج قروض التنمية.
أوال :األسباب الداخلية لإلصالح
تتعلق األسباب الداخلية للمطالبة بإصالح التسيير المالي العمومي من خالل مراجعة
القانون التنظيمي 7.98باالختالالت والصعوبات المرتبطة بتعدد النصوص التنظيمية للتدبير
المالي وغياب المنظور االستراتيجي لتسيير المالية العامة وعدم االهتمام بالعوامل المؤثرة في
صياغة القرار المالي ،ومن بين أهم األسباب الداخلية:
-1االعتماد على مقاربة تقليدية في التسيير المالي العمومي :تجاوزها الزمن تستند إلى
القانون التنظيمي 7.98تتميز بانعدام التوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في مجال
تسيير الميزانية ،بحيث تستأثر األولى بهذا المجال في ظل االنغالق الذي عرفه مسلسل إعداد
وتنفيذ الميزانية العامة للدولة ،وحرص المشرع على توفير الضمانات الكفيلة بحماية المال مما
أدى إلى تعدد النصوص وتكاثرها دون فعالية في واقع الحال ،كما يسجل افتقار نظام المحاسبة
العمومية للوضوح والشفافية ،وهو ما جعل هذه المقاربة تهتم بالطابع الشكلي دون االهتمام
بالنتائج المفضية لترشيد اإلنفاق العام وتنمية الموارد العمومية.1
-2تعقد الجانب القانوني لتسيير المالية العامة :شكل تعدد التشريعات والقوانين المؤطرة
لتسيير المالي صعوبة لإلحاطة بها ،فالنصوص عديدة زاد في غموضها غياب التنسيق بين
مختلف التشريعات ألن جل مقتضياتها جاءت بإيعاز من المؤسسات المالية الدولية ،إضافة
لتعدد المتدخلين وآليات الرقابة غير الفعالة تتميز النصوص بعدم االستقرار على اعتبار أنه
لكل سنة قانون ماليتها ،وهو ما يزيد في تشتت المقتضيات الناظمة للشأن المالي في عدد من
2
النصوص دون أن يتم تحيين النصوص األصلية بطريقة مستمرة.
-3سوء تسيير المالية العامة وغياب ترشيد النفقات العامة" :يوصف التسيير المالي المغربي
بإهداره الكبير للموارد العمومية لعدة أسباب منها عدم انسجام الق اررات المالية وغياب رقابة
عثمان مودن ،فاطمة الحمدان بحير ،التدبير المالي العمومي بالمغرب ومتطلبات نجاعة األداء ،دراسة مقدمة لليوم الدراسي 1
المعنون :النظام االقتصادي الجديد في المغرب الشروط والمرافقة ،بجامعة موالي إسماعيل مكناس ،المغرب 15 ،مارس
،2019ص ص .10، 9
2محمد سكلى ،التدبير المالي العمومي ومتطلبات الحكامة المالية العامة ،أطروحة دكتوراه في القانون العام ،كلية الحقوق
والعلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،الرباط ،المغرب ،2013/2012 ،ص 213وما يليها.
331
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
فعالة وهو ما يفقدها نحو %20من الموارد (الغش الضريبي ،اإلعفاءات غير المعقلنة)...
و%15من نفقاتها كنفقات تبذير".1
في هذا السياق يقدم المجلس األعلى للحسابات في تقرير لسنة 2010جملة من
االختالالت التي تتعرض تدبير المالية العمومية منها" :
-التراخي في التعاطي الصارم مع تدبير الميزانية والذي يتجسد في ارتفاع متواصل لعجز
الميزانية.
-ضعف االستجابة لمتطلبات المردودية وفعالية اإلنفاق ولجودة اإلنفاق بشكل عام ،ويتجلى
ذلك في صرف نفقات ال تستجيب بالضرورة بشكل كاف النتظارات "تطلعات" المواطنين سواء
كانوا دافعي ضرائب أو مستعملي المرفق العمومي.
-المشاكل التي يواجهها تدبير المشاريع والتي تتعلق بمدى قدرة األجهزة العمومية على استيعاب
االعتمادات المخصصة لالستثمار مما يؤثر على برمجة المشاريع وايقاع تنفيذها ،التي من
بينها تحديد الحاجيات ومالءمة اختيار المشاريع وجدوى الحلول المعتمدة واحترام قواعد الشفافية
أثناء إبرام الطلبيات باإلضافة لمراقبة وتتبع األشغال المنجزة ".2
-4غياب المنظور االستراتيجي لتسيير المالية العامة :يفتقد التدبير المالي المغربي إلى وجود
رؤي ة استراتيجية عميقة لمجمل ما يحيط بظروف تحضير قوانين المالية وتنفيذها ورقابتها،
"وبالنظر لوجود عالقة وطيدة بين التدبير المالي ووجود استراتيجية للعمل حتى تعرف المنظمات
بوضوح ،األهداف التي يتوقع تحققيها ...غير أن هيمنة الزبونية والقبلية واالتكالية والمصالح
التي تسود عالقات التدبير في مختلف القطاعات العربية (الدولة ،القطاع الخاص) ال تسمح
بإنتاج قيادات إدارية تتمتع بالكفاءة والخبرة والمؤهالت الضرورية مع إعطاءها صالحيات
3
اتخاذ القرار".
1عبد الغني باومو ،التدبير العمومي المغربي بين إكراهات ارتفاع التكلفة وضعف المراقبة ،مجلة األبحاث في القانون واالقتصاد
والتدبير ،جامعة موالي إسماعيل ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،المغرب ،العدد ،2017 ،3ص .13
المملكة المغربية ،المجلس األعلى للحسابات ،التقرير السنوي لسنة ،2010الجزء األول ،ص 8وما يليها .على الرابط: 2
http://www.courdescomptes.ma/upload/_ftp/documents/Rapport%20CDC_1_Ar_201
.0.pdfتاريخ االطالع.10/05/2019 :
محمد حركات ،كيف تستطيع الحكامة المالية الجيدة إبطال الفساد ،مرجع سابق ،ص .23 3
332
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
يتعلق األمر بعدم مراعاة الظروف الداخلية والخارجية المحيطة بعملية اتخاذ القرار
المالي التي من بينها تقلبات أسعار النفط التي تؤثر على الميزانية العامة وتجد السلطات
المكلفة ب إعداد قانون المالية نفسها أمام صعوبات كبرى لتحديد توقعات لتقلبات سعر برميل
النفط ،إضافة للربط بين ما بين المخطط والقانون المالي وهيمنة منطق الوسائل ،وطغيان
هاجس التوازنات المالية الذي أصبح يخفي في الحقيقة توازنا ماليا أصليا ذو طابع مغشوش،
وبهذا فقد المبدأ مدلوله الحقيقي كمؤشر مرجعي لضبط نشاط الدولة في ميدان السياسة العامة
والتأكد من أنه مطابق لما تقتضيه المصلحة العامة.1
يضاف إلى ذلك "ضعف عملية تدبير االعتمادات المالية التي تؤثر على حسن تدبير
االعتمادات المالية في نسبة تفويض االعتمادات المالية للمصالح الخارجية ،وهو ما يترتب
عليه تركيز مفرط لهذه االعتمادات لدى اآلمرين بالصرف الرئيسين والتي تعقد حركة إجراءات
2
الترحيل بين السنوات المالية ".
تجدر اإلشارة إ لى الترابط بين العوامل الداخلية والخارجية في إقرار إصالح تسيير
المالية العمومية بالمغرب وهو ما يشير إليه التقرير الصادر عن البنك الدولي وفريق العمل
الوطني لو ازرة المالية و الخوصصة بعنوان " دراسة تقييم تدبير أنظمة المالية العمومية " والذي
3
دعا لضرورة مراجعة القانون التنظيمي من أجل تحسين أداء تسيير المالية العامة في المغرب.
ثانيا :األسباب الخارجية لإلصالح
تشكل الظروف الخارجية أحد أهم العوامل المؤثرة في تبني اإلصالحات في دول العالم
الثالث ،لذلك تتأثر عمليات إصالح تسيير المالية العامة واإلصالح الميزانياتي بفعل ما تفرضه
العولمة من ضرورة مواكبة تحدياتها حيث يتجه العالم منذ ثمانينات القرن الماضي لالعتماد
على المناجمنت العمومي الجديد المرتكز على تحقيق النتائج ،وكذا ما تمليه المؤسسات المالية
1عبد القادر برادة ،التوازن المالي وطغيان سياسة األمر الواقع :قراءة منهجية لملف و ازرة المالية والخوصصة حول " موازنة
الدولة ،المجلة المغربية للتنمية والتدقيق ،المغرب ،العدد ،2005 ،21ص 09وما يليها.
فريزة اشهبار ،آليات تدبير القانون المالي ومتطلبات التنمية ،أطروحة دكتوراه في القانون العامة ،كلية العلوم القانونية 2
واالقتصادية واالجتماعية جامعة محمد الخامس بالرباط ،2010/2009 ،المغرب ،ص ص .132،131
المملكة المغربية ،فريق العمل الوطني لو ازرة المالية والخوصصة وللبنك الدولي ،دراسة تقييم تدبير أنظمة المالية العمومية، 3
333
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
الدولية في سياق سياساتها لمنح القروض للدول المقترضة التي من بينها المغرب إلى إجراء
إصالحات عميقة على أنظمة تسيير المالية العامة ،ومن بين هذه األسباب:
-1سياق دولي يتميز بدينامية إصالح المالية العامة :يشهد العالم موجة بدأت منتصف
سبعينات القرن الماضي بعد فشل دولة الرفاه في تلبية المطالب االجتماعي المتزايدة ،وظهور
أزمة التسيير العمومي التي واجهتها بعض الدول بإصالحات في مجال التسيير العمومي بدأت
في الدول االسكندنافية إنجلت ار وكندا والواليات المتحدة ثم امتدت لتشمل عديد الدول ،حيث
ط رحت مقاربات جديدة لتسيير الشأن العام كتقويم البرامج والتدقيق ،الشفافية في إطار عولمة
االقتصاد ومشاكل التدبير والتسيير وتوجيه المساءلة المالية نحو جودة األداء وهو ما فرض
على المغرب االندماج فيه لمواكبة مسار التحديث وعصرنة التسيير المالي.1
-2مواكبة تحديات العولمة :تفرض مواكبة العولمة تحديات جمة على الدول وتشكل خطوة
ومبرر إلصالح الدولة في مختلف المجاالت التي يشكل المجال المالي أهمها ،إذ
ا أساسية
تعتبر حرية انتقال السلع والخدمات ورؤوس األموال سببا في إلغاء الحدود بكيفية تزايد معها
تدفق السلع والخدمات بدون حواجز وقيود ،وهو ما أثر بشكل واضح سواء على ميزانية الدولة
2
ومواردها أو تكاليفها العامة.
إضافة إ لى" عولمة القانون التي سرعت التقارب بين التشريعات الوطنية ،األمر الذي
يشكل بكل تأكيد عنص ار أساسيا في تسهيل الحوار بين األمم المتحدة عن طريق تالقح األنظمة
القانونية ،فارتباط الترسانة القانونية المغربية بمرجعية أحادية وهي المتمثلة في النموذج
الفرنسي ،الذي تراجع في المرحلة الراهنة لصالح النموذج األنجلوساكسوني ...من أجل دراسة
فعالية وفاعلية النصوص القانونية ".3
-3إكراهات المؤسسات المالية الدولية :تلعب المؤسسات المالية الدولية دو ار كبير في التأثير
على السياسات االقتصادية والمالية لجل دول العالم النامي ومنها المغرب بحكم السياسات
المشروطة لمنح القرض وتقديم المساعدات ،حيث اشترطت المؤسستان األكثر تأثي ار في هذا
1مصطفى الكباص ،نحو تدبير جديد للمالية العمومية :على ضوء قانون 130.13المتعلق بالقانون التنظيمي لقانون المالية،
المجلة المغربية للتدقيق والتنمية ،المغرب ،عدد ،2016 ،43ص ص .25 ،24
محمد سكلى ،مرجع سابق ،ص242 2
3عادل الخصاصي ،واقع ال تنافسية التشريعية بين األنظمة القانونية الوطنية ،المجلة المغربية للتدقيق والتنمية ،المغرب ،عدد
.2010 ،29ص
334
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
المجال وهما الصندوق والبنك الدوليين على المغرب إجراء إصالحات سياسية لتهيئه المناخ
لتطبيق برنامج التقويم الهيكلي الذي بدأ عبر تعديل القانون المالي في جويلية ، 1983ثم
شروط اقتصادية ،إذ أصبح البرنامج لمدة عشر سنوات عنصر مهما في الخطاب العمومي
ومهيمنا على العالقات بين التشريعي والتنفيذي مادام أن أهم القوانين التي نوقشت من قبل
الهيئة التشريعية وتمت المصادقة عليها تتعلق بالشق االقتصادي ،هدف البرنامج عبر مراحلها
المختلفة إلى :إرساء التوازنات المالية ،تحسين نمط المالية العمومية ،تحسين مؤشرات المديونية
العمومية الخارجية.1
فرضت هدفا للبرامج هو إعادة هيكلة االقتصاد واعادة التوازنات المالية وتقليص التباين
بين الطلب الكلي والعرض الكلي ،وتحرير األسعار بالحد من دعم الدولة ومراقبتها ،في مجاالت
تحريك االدخار وخلق المنافسة واصالح النظام الجبائي ،وخضع القطاع العام والمقاوالت
الناشطة بها إلى برنامج الترشيد و الخوصصة ،كما أن ارتباط المغرب بمحيطه وبعالقة شراكة
مع بعض الدول فرض عليه التأثر بها وبشروطها خاصة في مجال التسيير المالي "،من ذلك
مشروع تحدى األلفية المبرم في 30نوفمبر 2015بين حكومة المغرب والواليات المتحدة
األمريكية حصلت بمقتضاه لحكومة على هبة بقيمة تقدر ب ـ ـ ـ 450مليون دوالر سيتم بموجبها
إدماج آليات حديثة لتمويل تشغيل الشباب ترتكز على األداء المبني على النتائج المحققة
ووضع نظام مندمج لرصد تطور سوق الشغل ،وهكذا يتبين أن من هذه المعطيات أن هناك
التزامات دولية تفرض االنخراط في مسلكيات العولمة ".2
الفرع الثاني :فلسفة اإلصالح الميزانياتي
يأتي إصالح القانون التنظيمي للمالية 130.13في إطار اإلصالحات البنيوية التي
شرع فيها المغرب بداية من سنة 2001من أجل إرساء دعائم الحكامة الجيدة وتفعيال لمضامين
دستور 2011المتعلقة بتدبير المالية العمومية ،ولمسايرة التحوالت الدولية التي تعرف توجها
عالميا نحو تبني منطق النتائج ،تسعى هذه المقاربة "أوال :تكييف الدولة مع المهام الجديدة
والدور الجديد المتغير من فاعل رئيسي إلى فاعل بين فاعلين آخرين ،وتعزيز القدرات المؤسسية
و تطوير القدرات االستراتيجية العامة من خالل تطوير ونشر ثقافة التحليل والتقييم االستراتيجي
داخل المجتمع واشراك مؤسسات الفكر والرأي -خاليا التفكير وبيوت الخبرة -في عملية اتخاذ
المملكة المغربية ،التقرير الوطني ،2003أهداف األلفية من أجل التنمية ،ص ص .04 ،3 1
335
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
اإلجراءات و القرار ،كما ترتبط ثانيا :بـــزيادة القدرات االستراتيجية العامة التي تتجسد في
تطوير قدرات التنبؤ والتخطيط التشاركي وفي تحسين ظروف عمل اإلدارات العامة ،وتقييم
تنفيذ االستراتيجيات ة (استقالل القضاء والحكامة البرلمانية وفعالية المؤسسات الرقابة الرسمية،
ديناميكية المجتمع المدني ".1
لقد جاء القانون التنظيمي الجديد بتصور موسع للقانون المالية والميزانية من خالل
اعتماد مقاربة تسييرية (البرنامج مدبر البرنامج ،المحاسبة التي ال تختلف عن محاسبة القطاع
الخاص ،المؤشرات) تتجاوز التقنيات المالية ،وتركز على تصور اقتصادي يقوم على مبادئ
الشفافية والنجاعة والمسؤولية ،وتستند فلسفته األساسية على":
أوال -قانون الميزانية كرافعة لتحديث الدولة( الدولة كفاعل اقتصادي) :في سياق التوجه
الدولي لتبني مفهوم المناجمنت العمومي الجديد والمقاربة المناجيريالية تحت تأثير النظرية
النيوليبرالية التي تتجاوز التقسيم التقليدي للمؤسسات إلى قطاع عام وخاص ،تتم مطالبة الدولة
بالجمع بين أهداف القطاع العام وأسلوب القطاع الخاص في التعاطي مع الشأن المالي
واالقتصادي ،تعامل الدولة كفاعل اقتصادي كباقي الفاعلين وبالتالي تخضع لذات الشروط
االقتصادية التي يخضع لها الفاعلون اآلخرون ،وهو ما يجعلها ملزمة بالخضوع للقياس
والتقييم من خالل مقارنة الوسائل المتاحة واألهداف المنتظرة لتحقيق النجاعة والفعالية.2
وعليه فالدولة كفاعل اقتصادي "يجب عليها التدخل ولكن تدخلها يجب أن يكون مبر ار
اقتصاديا باألساس ثم بالدافع االجتماعي وأال يكون هذا التدخل مستمرا ،فلقد عمل القانون
التنظيمي للمالية على خلف آليات لتغيير التنظيم داخل الدولة من خالل وجوب التناسق ما
بين السياسيات العمومية والمهام التي تمارسها السلطات العمومية (برنامج ميزانياتي ،مدبر
ومسؤول برنامج) ".3
ثانيا -قانون الميزانية كألية لتحديث التسيير العمومي
1
Mohamed Harakat, Les finances publiques et les impératifs de la performance : le cas du
Maroc, op.cit, pp 70,71.
أنظر في هذا الفصل الواحد والثالثون من الدستور المغربي 2011الذي ينص على :تعمل الدولة والمؤسسات العمومية 2
والجماعات الترابية على تعبئة الوسائل المتاحة لتيسير أسبا استفادة المواطنين والمواطنات على قدم المساواة من "...
3المنتصر السويني ،رهان النجاعة في تدبير المالية العمومية في المغرب :قراءة في فلسفة القانون التنظيمي للمالية رقم
،130.13مجلة البحثية للعلوم اإلنسانية واالجتماعية ،المغرب ،العدد ،2016 ،5ص .231،
336
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
1المرصد التشريعي (هيئة التحرير) ،مذكرة تقديمية لمشروع إصالح القانون التنظيمي لقانون المالية ،مجلة العلوم القانونية،
سلسلة فقه القضاء المالي ،المغرب ،العدد ،2014 ،01ص .285
2أنظر في هذا :نص المادة 39من القانون التنظيمي 130.13
337
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
يجب أن تكون مرتبطة بمؤشرات النجاعة لكل برنامج مع تنزيلها إلى المستوى المحلي (تقرير
1
نجاعة األداء) ،وهو ما يعزز تحسين أداء الدولة بشكل عام.
يعتبر القانون التنظيمي للمالية 130.13الفعالية مبدأ أساسيا يتجاوز النظرة االقتصادية
للميزانية القائمة على السياسات المرحلية التي تجعل من الدولة مجرد جهاز مكلف فقط بتوفير
الموارد ال إنتاجها ،أما الوسائل التي اعتمدها لتحقيق هذا المبدأ فتجسدت في ميزانية البرامج،
2
المؤشرات ،التقييم ،مسؤولية أعوان التنفيذ ،كل هذا دفع الفاعلين للبحث عن تحقيق النتائج.
المطلب الثاني :محاور اإلصالح الميزانياتي ورهانات ترشيد اإلنفاق العام في المغرب
لقد تم إعداد مسودة مشروع القانون التنظيمي لقانون المالية بطرقة براغماتية تأخذ بعين
االعتبار البعد الداخلي المتمثل في القدرات التسييرية لإلدارات والو ازرات ،والبعد الدولي من
خالل محاولة االستفادة من أفضل التجارب في مجال تسيير المالية العمومية وتكييفها مع
السياق الوطني على المستوى الدستوري والمؤسساتي واإلداري والتسييري.3
الفرع األول :محاور اإلصالح الميزانياتي في ظل تبني القانون التنظيمي 130.13
وقد تناولت المذكرة التقديمية للقانون التنظيمي التي قدمها وزير االقتصاد والمالية أمام البرلمان
أهم المحاور االستراتيجية لإلصالح تسيير المالية العمومية كما يلي:
أوال -تحسين نجاعة أداء التدبير العمومي وفعالية اإلنفاق العمومي
عثمان مودن ،فاطمة الحمدان بحير ،التدبير المالي العمومي بالمغرب ومتطلبات نجاعة األداء ،دراسة مقدمة لليوم الدراسي 1
المعنون :النظام االقتصادي الجديد في المغرب الشروط والمرافقة ،بجامعة موالي اسماعيل مكناس ،المغرب 15 ،مارس،
،2019ص .13
المنتصر السويني ،رهان النجاعة في تدبير المالية العمومية في المغرب :قراءة في فلسفة القانون التنظيمي للمالية رقم 2
بالمغرب إلرساء الحكامة وتفعيال لمضامين دستور 2011المتعلقة بتدبير المالية العامة ،بحسب نص المادة 46منه " يتولى
الوزير المكلف بالمالية تحت إشراف رئيس الحكومة إعداد مشاريع قوانين المالية طبقا للتوجهات العامة المتداول بشأنها في
المجلس الوزاري "...لكنه في المقابل بموجب المادة 47منه أسس لمرحلة تشاورية بين الحكومة والبرلمان من خالل النص
على عرض الوزير المكلف بالمالية أمام لجنتي المالية للبرلمان في اجتماع مشترك قبل 31جويلية اإلطار العام إلعداد
مشروع قانون المالية الموالية والذي يشمل تطور الوضعية االقتصادية الوطنية وحالة تقدم قانون المالية الجاري والمعطيات
المتعلقة بالسياسية االقتصادية المالية والبرمجة الميزانياتية اإلجمالية لثالث سنوات .نقاش توجيهي لقانون المالية)" .أنظر
في هذا :براهيم كومغار ،الصالحيات المالية للبرلمان من خالل مستجدات القانون التنظيمي للمالية ،المجلة المغربية للتدقيق
والتنمية ،المشرف حركات محمد ،المغرب ،العدد ،2015 ،41ص 42
338
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
يعتبر تحسين أداء التسيير العمومي ضرورة لتحقيق فعالية المالية العامة ،وهو ما جعل
كل الدول تسعى للبحث عن أفضل األساليب لتجسيد ذلك ،تجلى ذلك في اعتماد الكثير منها
على تسيير ميزانيتيها بشكل يقترب من القواعد المطبقة في القطاع الخاص واعتماد مؤشرات
النتائج كأساس لتحديد الموارد والنفقات ،وهنا ركز القانون التنظيمي للمالية على ربط النفقات
العمومية بتحقيق النتائج من خالل توجيه النفقات نحو منطق النتائج عوض منطق الوسائل
بهدف تحقيق فعالية ونجاعة السياسات العمومية ،وتحسين جودة المرفق العمومي والخدمات
المقدمة للمواطن.1
من أجل تحقيق فعالية النفقات العمومية وفق منطق النتائج الذي ترتكز عليه الميزانية
فإن تخصيص االعتمادات سيتم حسب البرامج كإطار لترخيص الموارد وتنفيذ النفقات
العمومية ،والذي "يشكل مجموعة متناسقة من المشاريع أو العلميات التابعة لنفس القطاع
الوزاري أو المؤسسة التي تقترن به أهداف محددة وفق غايات ذات منفعة عامة ،وكذا مؤشرات
مرقمة لقياس النتائج المتوخاة ،والتي ستخضع للتقييم قصد التحقق من الفعالية والنجاعة والجودة
المرتبطة باإلنجازات:2
وفي نفس سياق البحث عن فعالية اإلنفاق العام منح القانون التنظيمي حرية أكبر
للمدبرين مقابل إلزامهم بإنجاز األهداف وتقديم الحساب حول النتائج ،حيث يلزم اآلمرون
بالصرف بإعداد تقارير نجاعة األداء التي تمكن من مقارنة اإلنجازات مع األهداف األولية
وتفسير الفوارق ،ولتدعيم مبادئ المحاسبة وتقييم المنجزات على ضوء أهداف النجاعة والفعالية
ستخضع كل الو ازرات مرة كل ثالث سنوات لعملية افتحاص حول نجاعة أدائها من قبل
المفتشية العامة للمالية للو ازرات التي تقدم تقاريرها لالفتحاصات للبرلمان ،كما تلزم كل و ازرة
بإعداد المشروع الوزاري لنجاعة األداء ،وتقرير وزاري بعدي حول نجاعة األداء يرفق بمشروع
قانون التصفية ،تجمع هذه التقارير في تقرير تركيبي تعده و ازرة المالية و يرفق بمشروع قانون
التصفية.3
عبد الكريم النوحي ،مرتكزات إصالح القانون التنظيمي رقم 130.13لقانون المالية ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية، 1
339
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
سي محمد بقالي ،المبادئ الدستورية لمالية العمومية :دراسة على ضوء اجتهادات الدستورية ،المجلة المغربية للتدقيق 1
لموجودة في حوزة اإلدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام "
3كرس المشرع مبدأ الصدق في القانون التنظيمي 130.13في المواد .165 ،10
مصطفى الكباص ،مرجع سابق ،ص .33 4
5تنص المادة األولى من القانون التنظيم 130.13لقانون المالية على " ...وتراعى في ذلك الظرفية االقتصادية واالجتماعية
عند إعداد قانون المالية ،وكذا أهداف ونتائج البرامج التي حددها القانون "...
340
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
هدف القانون التنظيمي لقانون المالية لتعزيز دور البرلمان في مناقشة قانون المالية
من خالل تمكينه من الحصول على معلومات ذات صدقية وجودة تسمح له بممارسة دوره
الرقابي ،حيث تلزم الحكومة بتقديم أربعة عش ار تقري ار مرفقا بقانون المالية للسنة.1
كما تلزم بإرفاق مشروع قانون التصفية المتعلق بتنفيذ قانون المالية بعدد من الوثائق
2
والتقارير
يسمح القانون من جهة أخرى بإشراك البرلمان منذ المراحل األولى إلعداد مشروع قانون
المالية وتمكينه من معطيات دقيقة تمكنه من لعب دوره الرقابي على السياسات العمومية
وظروف تفعيلها.3
وقد شكل تعديل الجدول الزمني إلعداد ودارسة والمصادقة على قوانين المالية أحد
المستجدات التي تسهم في منح البرلمان فرصة أكبر لممارسة مهمته النيابية في المجال المالي
4
وتجسيد رقابة فعلية للمال العام
تشير نص المادة 48من القانون التنظيمي للمالية 130.13إلى أربعة عشر تقري ار ترفق بمشروع قانون المالية للسنة 1
المالية باألسبقية قبل تاريخ 20أكتوبر من السنة المالية الجارية على أبعد تقرير هي منها -1-:مذكرة تقديم لمشروع قانون
المالية والتي تتضمن معطيات حول استثمارات الميزانية العانة وحو ل اآلثار المالية واالقتصادية للمقتضيات الضريبية
والجمركية المقترحة -2التقرير االقتصادي والمالي –3تقرير حول المؤسسات العمومية والمقاوالت العمومية -4تقرير حول
الحسابات الخصوصية للخزينة -5تقرير حول المرافق الدولة المسيرة بصور مستقلة –6تقرير حول النفقات الجبائية 7-
تقرير حول الدين العمومي –8تقرير حول الميزانية القائمة على النتائج من منظور النوع -9تقرير الموارد البشرية-10تقرير
حول المقاصة – 11مذكرة حول النفقات المتعلقة بالتكليف المشتركة –12تقرير حول العقار العمومي المعبأ لالستثمار –13
مذكرة حول التوزيع الجهوي لالستثمار – 14تقرير حول الحسابات المجمعة للقطاع العمومي .
2تناولها نص المادة 66من القانون التنظيمي للمالية وهي-1:الحساب العام للدولة مدعم بالحصيلة المحاسبية والبيانات
المالية األخرى وبتقييم لاللتزامات الخارجة عن الحصيلة المحاسبية -2ملحق يتعلق باالعتمادات اإلضافية المفتوحة مرفقا
بكل اإلثباتات عند االقتضاء - 3التقرير السنوي حول نجاعة األداء المعد من طرف الو ازرة المكلفة بالمالية .يقوم هذا التقرير
بتلخيص وتجميع تقارير نجاعة األداء المعدة من طرف القطاعات الو ازرية أو المؤسسات -4تقرير حول الموارد المرصدة
للجماعات الترابية -5تقرير افتحاص نجاعة األداء.
مصطفى الكباص ،مرجع سابق ،ص .33 3
341
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
كما حمل القانون التنظيمي للمالية مراجعة لطريقة التصويت على قانون المالية من
خالل تسهيل إجراءات التصويت ،وتبسيط قراءة الميزانية وادراج التصويت في إطار المقاربة
العامة المبنية على فعالية ،ونجاعة النفقات العمومية لغرض تسليط الضوء على المجهود
المبذول من طرف كل و ازرة على حدة ،وكل مسؤول برنامج على حدة وتقييم النتائج المتحصل
عليها 1ومقارنتها باألهداف المسطرة.2
وللتوافق مع المقتضيات الدستورية عمل القانون التنظيمي للمالية المتعلقة على توضيح
حق التعديل البرلماني من خالل إلزام الحكومة بتعليل األسباب وراء رفض المقترحات
والتعديالت البرلمانية.3
الفرع الثاني :المبادئ األساسية لترشيد اإلنفاق العمومي في ظل المقاربة الميزانياتية الجديدة
بعد أن أثبتت المقاربة التقليدية لتسيير المالي فشلها في مواجهة التحديات الداخلية
والخارجية واالستجابة لمتطلبات التسيير المالي الحديث تم تبني المقاربة الجديدة لتسيير
الميزانية التي جاء بها القانون التنظيمي 130.13بعد سلسة من اإلصالحات التي بدأ مسارها
منذ العام ،2001تهدف هذه المقاربة لتحسين تسيير ومراقبة المال العام وترتكز على مبدأ
ترشيد اإلنفاق العمومي.4
يتم تجسيد ذلك باالنتقال من المنهجية التقليدية التي تقوم على منطق الوسائل وعلى
االهتمام بالشرعية القانونية واإلجراءات والتي تهدف لصرف النفقات العامة في حدود الوسائل
المتاحة واستنفاذها دون وجود هدف محدد مع احترام األشكال القانونية لذلك ،ورقابتها في ظل
مطابقة واحترام القوانين واللوائح ذات الصلة ،إلى منهجية تسييرية تهتم بالنتائج ومؤشرات األداء
والتسيير المالي ،يتم تخصيص االعتمادات وفق برامج كإطار لتنفيذ الموارد والنفقات العمومية
للمسيرين فيه حرية تقابلها مسؤولية بوجوب تبرير كل وجه من أوجه اإلنفاق العام استنادا لحجم
النتائج المحققة قياسا إلى األهداف المسطرة سلفا وتقييمها تبعا لذلك ،أين يتم االعتماد على
المبادئ اآلتية لتحقيق ذلك:
-قانون السنة المعدل تم تقليص الجدول الزمي المخصص لدراسته والتصويت عليه إلى 15يوما مراعاة للطابع االستعجالي
حسب نص المادة 51من القانون التنظيمي للمالية رقم .130.13
عبد الكريم النوحي ،مرجع سابق ،ص.247 1
342
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
نجيب جيري ،إصالح التدبير المالي بالمغرب بين الحكامة المالية ومتطلبات التنمية ،مرجع سابق ،ص .174 1
343
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
رشيد قاعدة ،المقاربة الموازناتية الجديدة :األهداف والصعوبات دراسة مقدمة لليوم الدراسي المعنون :النظام االقتصادي 1
الجديد في المغرب الشروط والمرافقة ،بجامعة موالي اسماعيل مكناس ،المغرب 15،مارس ،2019ص ص .8 ،7
نجيب جيري ،إصالح التدبير المالي بالمغرب بين الحكامة المالية ومتطلبات التنمية ،مرجع سابق ،ص .181 2
رشيد قاعدة ،المقاربة الموازناتية الجديدة :األهداف والصعوبات مرجع سابق ،ص .9 3
344
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
-مد عملية صنع القرار في شأن الميزانية بمعلومات مفيدة بالنظر لعالقة المجتمع المدني
وثيقة الصلة بالمواطنين ومجموعات الضغط والتعبير عن األولويات الحقيقية للمجتمع وتتبع
عمليات اإلنفاق وتحليل مفاعيل المشاريع.
-المساهمة في إصالح القوانين من خالل الجمعيات الناشطة في المجال.
-ازدياد دور المجتمع السيما بالنسبة لبعض القطاعات المهيكلة والمنظمة في شكل جمعيات
وروابط مهنية والتي تلعب دو ار بصفتها جمعيات متخصصة في مجال إعداد قوانين المالية
والتأثير في السياسة المالية العامة.1
ثالثا :البرمجة المتعددة السنوات
لقد تبنى القانون التنظيمي مفهوم البرمجة المتعددة السنوات ،فأصبحت كل القطاعات
الحكومية ملزمة بإعداد برمجة ميزاناتية على مدى ثالث سنوات يتم تحيينها سنويا " ،وذلك
على أساس استراتيجية تأخذ بعين االعتبار التكاليف المرتبطة بالموارد البشرية وبالتسيير
واالستثمار واعادة هيكلة تدبير الميزانية من أجل توجيهيها نحو بلوغ نتائج قابلة للقياس
،وتستجيب ألهداف محددة سلفا ،وتبرر االعتمادات المالية مع تعزيز الشفافية وتبسيط مقروئية
قانون المالية".2
تناول القانون التنظيمي 130.13للمالية البرمجة المتعددة السنوات في المواد 3و 5
و 84في الفقرة األخيرة وكذا المادة 69منه ،وتسمح البرمجة المتعددة السنوات من توضيح
الرؤية االستراتيجية للحكومة على المدى المتوسط وتمكن من تحديد أولويات السياسية
العمومية ،والسهر على انسجامها وضمان استدامتها ،كما تتيح إمكانيات لتحسين ظروف إعداد
قانون المالية ،إضافة إلى أنها تقدم منظور أفضل للمسيرين لتسيير برامجهم من خالل تمكنيهم
من آليات تتبع نجاعة النفقات العمومية.
في المغرب يتم إشراك المواطنين في وضع برنامج عمل الجماعة (المخطط
الجماعي للتنمية سابقا) من خالل التنصيص على عدة مبادئ تتعلق بالديمقراطية التشاركية
عثمان مودن ،فاطمة الحمدان بحير ،التدبير المالي العمومي بالمغرب مرجع سابق ،ص .11 2
345
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
والحكامة الجيدة ،حيث يدعو دستور 2011السلطات العمومية السيما الجماعات الترابية إلى
تطوير واعداد مناهج تشاركية في تدبير الشأن العام.1
الفرع الثالث :صعوبات تطبيق مقتضيات الحكامة المالية في ظل القانون 130.13
لقد جاء القانون التنظيمي للمالية رقم "130.13ليضع مقاربة ميزانياتية جديدة تحكمها
فلسفة مختلفة يراد لها أن تكون بين التقليدانية والعقلنة من جهة ،واالنفتاح والتحديث من جهة
وتوسيع االختصاصات ورفض القيود التي يفرضها جمود المساطر ،وتعقدها في مجال تدبير
الميزانية العامة للدولة من جهة أخرى" ،2حيث كان لها دور حاسم في تكريس العديد من
المبادئ والقواعد الدستورية التي لها عالقة بتجسيد المقاربة في التسيير المالي العام كربط
المسؤولية بالمحاسبة ،إضافة إلى توسيع صالحيات البرلمان في مجال الرقابة على المال العام
،لكنها واجهت عدة إكراهات وصعوبات تحول دون تحقيق األهداف المعلنة ،والمتمثلة أساسا
في ترشيد اإلنفاق العمومي ،3تتجلى أهم المعوقات التي تواجه اعتماد مقاربة تشاركية تجسد
الحكامة المالية وتساهم في تحقيق رشادة اإلنفاق العام في المغرب فيما يلي:
أوال-استمرار هيمنة السلطة التنفيذية على التشريع المالي
التصور الجديد المتعلق بالقانون التنظيمي يطغى عليه البعد التحكمي للسلطة التنفيذية
في مجمل المراحل التي يمر بها مشروع قانون المالية والميزانية ،وهذا الموقف ينظمه النص
الدستوري خصوصا الفصل 75منه ،األمر الذي يعد ترسيخا الحتكار التشريع المالي من قبل
السلطة التنفيذية بطريقة تتنافى مع المقاربة التشاركية لصناعة القرار المالي التي يهدف القانون
نص المادة 139من دستور ،2011ونص المادة 78من القانون التنظيمي رقم 14-113المتعلق بالجماعات ،وكذا 1
المواد 83 ،3من ذات القانون ،وال تمس الميزانية التشاركية مجموع ميزانية الجماعة بل تتعلق فقط بنسبة من ميزانية
التجهيز (أو ميزانية االستثمار) .تحليال ومسحا شامال لتقييم مدى إتاحة الحكومات المركزية الفرصة للمواطنين للمشاركة في
م راحل إعداد الميزانية وتوفير المعلومات ذات الصلة بها لهم ،في هذا الصدد يعتبر هذا المؤشر التقييم الوحيد المستقل
والمنظم والمقارن لشفافية الميزانية والمشاركة في مختلف أرجاء العام على مدى العقود األخيرة ،يأتي هذا المسح كاستجابة
لطلب المجتمع المدني والقطاع الخاص والمؤسسات المالية الدولية الداعية إلى إنتاج مسح للميزانية العامة للدولة بحيث
يقدم صور واقعيه عن وضعية تسيير المالية العامة في الدول المعنية .أنظر في هذا الموقع الرسمي للمبادرة:
https://www.internationalbudget.orgتاريخ االطالع.25/06/2019 :
رشيد قاعدة ،المقاربة الموازناتية الجديدة :األهداف والصعوبات ،مرجع سابق ،ص .15 2
طارق اللباخ ،إصالح الميزانية العامة في المغرب ،أطروحة دكتوراه في القانون العام ،جامعة محمد الخامس –الرباط – 3
كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية –سال ،-المغرب ،2015/2014 ،ص .35
346
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
ذاته لتجسيدها من خالل السماح بمشاركة باقي الفاعلين في ظل مقاربة تشاركية موسعة،1
وان كان القانون التنظيمي ركز على مرحلة المناقشة لتعزيز الدور الرقابي للبرلمان عبر إغناء
المعلومات المقدمة إليه من طرف الحكومة وعمل على تأطير حق التعديل البرلماني للتحفيف
من حدة التطبيق الواسع لحق الحكومة في رفض تعديالت البرلمانيين في المجال المالي. 2
فقد البرلمانيون في العالم كما في المغرب لحد كبير صالحية إحداث أي تعديل جوهري وعميق
على مشروع قانون المالية ،وهي الحقيقة التي تؤكد أفول السلطة المالية للبرلمان التي يسعى
القانون التنظيمي 130.13لتقويتها وتعزيزها ،3لكنه لم يتضمن التنصيص على الضمانات
الفعلية التي تسمح بنقل تصور ممثلي المعارضة في محتوى مشروع قانون المالية ،وكذا هيئات
المجتمع المدني والفعاليات األخرى من قبيل المجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي ،بنك
المغرب ،المندوبية السامية للتخطيط ،االتحاد العام لمقاوالت المغرب التي من شأنها المساهمة
في تجسيد حماية فعالة للمال العام.4
يعتبر بناء مشروع إصالح القانون التنظيمي للمالية لهيكلة الميزانية على أساس البرامج
نابعا من محاولة لمواكبة ومسايرة الطرق الحديثة لتسيير المالية العامة التي تسعى المؤسسات
المالية الدولية للتسويق لها أو فرضها عبر مساعدات التنمية التي يعد المغرب واحد من البلدان
التي تبنتها في هذا اإلطار ،وكرسها القانون التنظيمي رقم ،130.13غير أنه من الناحية
1جميلة دليمي ،إصالح القانون التنظيمي للمالية مدخل لترسيخ الحكامة الجيدة ،منشورات مجلة الحقوق –سلسلة األعداد
الخاصة ،العدد ،2013 ،6ص 117وما يليها.
براهيم كومغار ،الصالحيات المالية للبرلمان من خالل مستجدات القانون التنظيمي للمالية ،المغرب ،المجلة المغربية 2
347
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
العملية يواجه هذا النهج عدة صعوبات "ترتبط بتحديد األهداف بالنسبة لجميع األجهزة اإلدارية
والقطاعية الحكومية بشكل واضح نظ ار لكون األهداف أو البرامج غالبا ما تكون سطحية
وتتصف بالغموض والعمومية ،مع استعصاء قياس نتائج بعض البرامج أو المشاريع المرتبطة
باعتبارات سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية سواء كانت موجهة للقطاع العام أو الخاص(
صندوق المق اصة ،الحوار االجتماعي ،كتلة األجور ،نظم التقاعد ،محاربة الفساد والفقر
والهشاشة ...إلخ )" .1كما تعتبر كثافة مكونات مشروع قانون المالية السنوي وقصر فترة
مناقشته وتناقض المعطيات بين المؤسسات التي تقدم األرقام ،وغياب قانون التصفية ضمن
تقديم مشروع المالية من الصعوبات التي تعيق تحقيق مبدأ التسيير المتمحور حول النتائج
وتجسيد مبدأ الصدق الميزانياتي.2
348
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
فوجود مجتمع مدني حي وحيوي وحقيقي "من شأنه أن يخلق رأيا عاما هو بمثابة
رقيب قوي على تصرفات الحاكمين والقائمين على اإلدارة الحكومية ليس فقط بالنقد واالحتجاج
1
ولكن من خالل المشاركة والتحسيس والتوعية وتشكيل قوة اقتراح".
رشيد قاعدة ،المقاربة الموازناتية الجديدة :األهداف والصعوبات ،مرجع سابق ،ص .22 1
2يوسف الزوجال ،قراءة نقدية في محاور مشروع إصالح القانون التنظيمي للمالية بالمغرب على ضوء المستجدات
التشريعية ،مرجع سابق ،ص .76
منصور عسو ،مرجع سابق ،ص .147 3
349
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
تعتبر اإلمكانيات المتاحة لتجسيد فعالية الرقابة على المالية العامة واإلنفاق العام
محدودة جدا ألن الشروط المتحكمة في تطور المؤسسات الدستورية المغربية والتوازن القائم
بينها مقترنة بالتعقيد الذي يطبع الميدان المالي ،وتنزع إلى إضعاف السلطة المالية للبرلمان
تشريعا ورقابة وتحويلها إلى سلطة رمزية فقط ،كما يشكل الطابع التقني المعقد لمضامين قوانين
المالية وخاصة الج بائية وضخامة وثائقها وأرقامها عامال يساهم في إضعاف آلية الرقابة
والسلطة المالية لممثلي الشعب وباقي الفواعل في المجال المالي.1
أسهم تبني القانون التنظيمي 130.13في تكريس وضعية جديدة في تسيير المالية
العامة تتوجه نحو تتبع األداء قياسا على الثالوث المعروف أي :النجاعة الفعالية واالقتصاد
دون أن يعني ذلك زوال رقابة المشروعية التي تظل ذات أهمية في الحرص على احترام
القواعد المالية والمحاسبية ،لكن مع كل هذا يشير " نجيب جيري " إلى أن واقع الرقابة المالية
بالمغرب يوجد في وضعيتين متباعدتين حتى ال نقول متناقضتين تتضح من حرص المشرع
الدستوري على وجود رقابة قوية صارمة وتدعيم شروط الحكامة المالية مما يعرقل سير العمل
اإلداري ،ومن جهة أخرى في عدم وجود رقابة بالقدر الكافي إذا ما تم النظر إليها من زاوية
االختالسات المرتكبة وتفشي الرشوة واقتصاد الريع ومشاكل هيكلية في تدبير المالية العمومية
،وأزمة في التمويل العمومي ،وعجز في الميزانية العامة واختالالت كبرى في تدبير اإلدارات
العمومية للشأن العام...مما يشكل عائقا لفهم هذه المفارقة بين وجود نصوص قانونية متطورة
ومنظومة رقابية متكاملة واستفحال ظاهرة الفساد بكل أشكاله ...فإشكالية المغرب اليوم هي
إشكالية المساءلة".2
1تتكون وثيقة مشروع قانون المالية المغربي من حوالي 800صفحة ،أنظر في هذا المرجع نفسه ،ص 147وما يليها.
2نجيب جيري ،نظام الرقابة المالية :سؤال الوظيفة ورهان البحث عن الحكامة المالية المفقودة ،دار نشر المعرفة ،مطبعة
المعارف الجديدة ،المغرب ،طبعة ،2007ص .127
350
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
بإعداد وتنفيذ قوانين المالية وتحديث قوانين المحاسبة العمومية ،1ومن الواضح أن المدخل
القانوني لتجسيد حكامة اإلنفاق العام في المغرب لم يستجب لمقتضيات الحكامة المالية كما
تقدمها المؤسسات المالية الدولية بالرغم من المسار الطويل الذي استغرقه اإلصالح بداية من
سنة 2001مما جعله نصا مكرسا لمقتضيات سابقيه وجامعا لبعض مراسيمهما ومناشيرها،
األمر الذي أفرغه من محتواه المتمثل في القدرة على تقوية حجم الموارد العمومية وترشيد
اإلنفاق العام.2
351
الفصل الثاني
شرعت الجزائر كغيرها من الدول في عملية إصالح المالية العامة منذ سنة 2001
تماشيا مع المد اإلصالحي الذي جاء نتيجة لضغوطات خارجية تدعو لتبنى مفاهيم الحكامة
المالية وفق المنطق المناجيريالي المستوحى من إدارة الشركة والقطاع الخاص الذي تدعمه
المؤسسات المالية الدولية تحت غطاء المعونة االقتصادية وبرامج اإلصالح الهيكلي والمؤسسي
كما فرضته الظروف الداخلية المرتبطة بغياب فعالية اإلنفاق العام والعجز المستمر في الميزانية
واالرتهان لعائدات الريع من المحروقات ،وشكل إصدار القانون العضوي المتعلق بقوانين
المالية ذروتها .
تفرض دراسة مسار إصالح المالية العامة في الجزائر التطرق لتشخيص وضعية
تسيير المالية العامة ،ومختلف اآلليات والمناهج التي تحكمها ومدى مساهمتها في عصرنة
التسيير ،والتأسيس للحكامة المالية المنشودة بغية تحقيق فعالية وكفاءة وتحسين أداء اإلنفاق
العام باعتباره يشكل الهدف الرئيس ،ثم تناول األهداف المتوخاة من انتهاج هذه المقاربة في
تسيير المالية العمومية التي تم اعتمادها من خالل الشروع في مسار إصالح أنظمة الميزانية
العامة بداية من سنة ،2001ومدى استجابة هذا اإلصالح للمعايير الدولية للحكامة المالية
ـفي سياق التحوالت العميقة والجذرية التي تسود العالم في كافة الميادين بسب تأثيرات العوامل
الداخلية المتمثلة في أزمة التسيير العمومي واألزمة االقتصادية التي تمر بها بسب االرتهان
للريع النفطي ،وكذا التأثيرات الخارجية المرتبطة بالدور المتنامي للمؤسسات المالية الدولية وما
فرضتها من شروط تتعلق بإدخال إصالحات على تسيير المالية العامة والتوجه نحو تحقيق
الحكامة المالية وفق المعايير والممارسات التي وضعتها.
353
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
إن اإلطار القانوني الذي يحكم تسيير المالية العمومية في الجزائر أصبح جامدا ومعقدا
ال ينسجم مع التحوالت االقتصادية واالجتماعي ة سواء على الصعيد المحلي أو الجهوي أو
الدولي.
حيث يالحظ في هذا السياق تعدد النصوص المنظمة للتسيير المالي على مستوى
اإلطار القانوني ،أما على مستوى منهجية التسيير فنجد غياب الرؤية االستراتيجية لتسيير
المالية العامة ويبرز ذلك في عدم إيالء العناية الالزمة للظروف والعوامل المؤثرة في اتخاذ
القرار المالي وغي اب الدراسات االقتصادية لضبط التوقعات المالية وهيمنة هاجس البحث عن
تحقيق التوازنات المالية دون غيرها من المبادئ التي يجب مراعاتها لتحقيق استدامة المالية
العامة وفعالية اإلنفاق العام.
المطلب األول :تقادم آليات تسيير المالية العامة واحتكار السلطة التنفيذية للمجال المالي
وضعف الرقابة البرلمانية
في ظل غياب نص وطني ينظم المالية العامة في الجزائر غداة االستقالل استمر
العمل باألمر 02جانفي 1959المتضمن للقانون العضوي للقوانين المالية الفرنسي ،حيث
كان األداة الفعالة في تنظيم الميدان المالي و الميزاني ،وفي محاولة لمراجعة سير االقتصاد
أثناء انعقاد المؤتمر االستثنائي لحزب جبهة التحرير في سنة 1980تم اقتراح مشروع ينظم
المالية العامة وبالخصوص قانون المالية.1
الفرع األول :تقادم آليات تسيير المالية العامة
اإلطار المنظم للميدان المالي والميزاني المعمول به هو القانون 17/ 84المعدل والمتمم
والمتعلق بقوانين المالية ،الذي تم سنه عام 1984لتكريس تقنين جميع إجراءات الميزانية في
القانون الجزائري في قانون واحد بعد 22سنة من استعادة السيادة الوطنية.
354
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
1مصادر هذا القانون هي الدستور 144و 151من دستور ،1976/11/22و 115من دستور ،1989/02/23ومن المواد
121و 122المراجعة الدستورية لـ ،1996/11/28وكذا األمر 02/59المتضمن القانون العضوي لقوانين المالية الفرنسي،
وقوانين المالية منذ االستقالل إلى غاية صدور قانون 1984 /07/07أنظر في :يحي دنيدني ،المالية العامة ،مرجع سابق،
ص 45
2
Abdelhak Cerurfa, op.cit. p42.
3
Ibid. p42.
4
Abdelhak Cerurfa, op.cit., p43.
355
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
واقتصار عمل البرلمان على نظرة كمية للميزانية تستند لحجم االعتمادات ونسب تطورها
واستهالكها دون التحقق من تجسيدها الفعلي.
يضاف لذلك عدم مسايرة المبادئ الدستورية وخاصة األحكام التي جاء بها دستور 28
نوفمبر 1996المعدل والمتمم في مادته 123التي تشير بأن تشريع البرلمان يكون بقوانين
عضوية فيما يخص القوانين المتعلقة بالشؤون المالية.1
عكست العودة لالهتمام باألشكال القانونية نقلة نوعية من جانب المؤسس الدستوري
بتناوله لتنظيم الميدان المالي والميزاني بنصه حين أدرج قوانين المالية ضمن الميادين المنظمة
بقانون عضوي ،وهو يعطيه مرجعية دستورية .2فباإلضافة لعدم دقة المصطلحات ورغم األهمية
التي أوال ها المؤسس الدستوري لتنظيم الميدان المالي والميزاني إال أن عدم تناسق أحكامه
وانتظاره ألكثر من عشرين سنة حتى يصدر هذا القانون العضوي ال يعكس ذلك.
وبالرجوع لنص المادة 123من الدستور التي عددت مجاالت القوانين العضوية أورد
القانون المتعلق بقوانين المالية في الترتيب ما قبل األخير ،والتعديل الدستوري األخير أزاحها
آلخر الترتيب ،ومن المعلوم أن ترتيب الميادين يجسد أولويات المؤسس الدستوري عند صياغته
للوثيقة األسمى في الدولة.
القانون 17/ 84من الناحية الشكلية يعتبر من القوانين العادية جاء في ميدان التشريع
وبصدوره تم تحديد بعض معالم المالية العامة للدولة الجزائرية الحديثة ،وقد خضع لعدة تعديالت
بهدف مواكبة المستجدات.3
وعليه تبقى مراجعة القانون 17/ 84ضرورة ملحة تتطلبها متطلبات الشكلية الدستورية
ولضمان تطبيق أحكام الدستور والمحافظة على األمن القانوني من خالل تحديد قواعد
االختصاص في الميدان المالي والميزاني مراعاة لحسن تسيير المالية العامة ،والوصول لتحقيق
الرشادة في إنفاق المال العام.
أخرى يشرع فيها بقوانين عضوية177، 194 ،52 ،53، 85 ،87، 106، 120، 125، 129، 132، 138،133،172
.176
3تم تعديله أول مرة بالقانون 05/88ثم بموجب القانون ،24/89وبعدها سنة 1993وسنة 1994من خالل قوانين المالية
للسنة والقانون التكميلي.
356
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
يعتبر اإلطار القانوني والمؤسساتي من الجوانب الرئيسية التي تعاني منها اإلدارة المالية
في الجزائر بشكل عام ،فعلى الرغم من مرور أكثر من نصف قرن من االستقالل ،فإن مجموع
اإلدارة العمومية ال تزال خاضعة ومسيرة بنصوص قانونية متقادمة ومتوارثة عن االستعمار
الفرنسي تفتقد بشكل واضح آلليات التجانس والتواصل والتنسيق خاصة في المجال المالي
لكون مقتضياتها إما تم فرضها بناء على توصيات المؤسسات المالية الدولية أو تم استيرادها
دون مراعاة للحاجات المجتمعية ،وهو ما يتعارض مع روح النص الذي ينبغي أن ينبثق من
حاجة مجتمعية ملحة وضرورة قانونية.1
3
ثالثا :تقادم نظام المحاسبة العمومية :من خالل عملية مسح لإلطار الدستوري 2والتشريعي
والتنظيمي 4للقواعد التي تحكم سير نظام المحاسبة العمومية في الجزائر يتبين لنا أن النصوص
تستجيب بصعوبة لقواعد التسيير السليم لألموال العمومية ،بحيث أنها تفتقر آلليات الرقابة
الناجعة للنفقات العامة ومستوى أدائها لتحقيق أهدافها ،وأدى هذا لحدوث تجاوزات عديدة
للنصوص ال قانونية التي تحكم سير نظام المحاسبة العمومية وخاصة في ظروف سير مهام
أعوان التنفيذ األساسيين (اآلمرين بالصرف ،المحاسبين العموميين ،المراقبين الماليين)
واجراءات تنفيذ العمليات المالية التي تتميز بالبطء وقلة المرونة ،وهو ما جعل برامج التجهيز
العمومي تتم خارج نطاق الرقابة والقواعد التي تحكم الميزانية العامة للدولة عن طريق حسابات
التخصيص الخاص.5
2لم ينص دستور 1963على أحكام تتعلق بنظام المحاسبة العمومية حيث كانت المالية العامة منظمة بموجب القانون
198/63المتضمن إنشاء وكالة قضائية للخزينة والمرسومين 260-65 ،259-65:الصادرين في ،1965/10/14ونص
دستور 1976في مواده من 32-28على اإلطار العام لتخصيص موارد الدولة في إطار التوجه االشتراكي للدولة ،في
حين عرف دستور 1989تغيي ار عميقا من خالل انتهاج سياسة االنفتاح االقتصادي واعادة النظر في القواعد التي تحكم
الميدان المالي والميزاني ونظام المحاسبة بصدور عدة تعديالت على القانون 17/ 84المتعلق بقوانين المالية ،أما دستور
1996فجاء ببعض التعديالت لتصحيح اإلشكاالت القانونية عند التطبيق على غرار المادة 123منه ،غير أنه أبقى على
نفس التوجه في المجال المالي والميزاني الذي ميز الدستور السابق.
3يعد القانون 17/ 84المتعلق بقوانين المالية من أهم النصوص التشريعية التي تنزم المالية العامة ونظام المحاسبة العامة،
إضافة الة قوانين المالية للسنة ،وكذا القانون 21-90المؤرخ في 1990/08/15المتعلق بالمحاسبة العمومية المعدل والمتمم
4مجموعة المراسيم التنفيذية أنظر في هذا :نادية مغني ،دراسة وتقييم نظام المحاسبة العمومية في الجزائر على ضوء المعايير
المحاسبية الدولية في القطاع العام ،دكتوراه ،تخصص إدارة األعمال :كلية العلوم االقتصادية والعلوم التجارية وعلوم التسيير،
جامعة الجزائر ،2016 ،3ص .75
نادية مغني ،المرجع نفسه ،ص 70وما يليها. 5
357
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
يواجه اإلطار العملي لنظام المحاسبة العمومية عوائق تحد من مرونته في استخدام
التقنيات المحاسبية إلعداد وعرض القوائم المالية منها االهتمام بالمطابقة والشكلية التي تجعل
منه مجرد أداة الحترام الرخصة الميزانياتية بحيث ال تشكل الرقابة المسلطة على العمليات
المالية سوى معاينة لمدى احترام هذه الرخصة الخاصة بالنفقات واإليرادات العامة للتشريعات
والتنظيمات المعمول بها دون مراعاة للتكاليف المترتبة عليها ،ومدى تحقيقها للنتائج المتوخاة
منها.1
كما أن اعتماد المدونة على األساس النقدي في تسجيل العمليات مع إهمال عناصر
ذمة الدولة من أمالك عقارية ومنقولة ال يسمح باعتماد المحاسبة على أساس االستحقاق
ويترتب عليه عدم التحكم في ترشيد االعتمادات المخصصة ،2إضافة لتنامي ظاهرة حسابات
التخصيص في السنوات األخيرة بحيث ال يكاد يخلو أي قانون مالية من وجودها فهي تعبر
عن ممارسات غير سليمة في مجال تسيير األموال العامة وتمثل مساسا بمبدأ وحدة الميزانية
،وعدم احترام للقواعد المحاسبية من جهة وتهربا من الرقابة التشريعية والرخصة الموازناتية من
جهة أخرى وهوما لها بالغ األثر على التسيير األمثل للمال العام ويحد من إمكانية تحقيق
رشادة اإلنفاق العام.3
الفرع الثاني :احتكار السلطة التنفيذية للمجال المالي وضعف الرقابة البرلمانية
يعتبر االختصاص المالي من أقدم اختصاصات البرلمان ،وشكل عامال أساسيا في
ظهور النظام النيابي تطبيقا لمبدأ "ال ضريبة بدون موافقة ممثلي الشعب" ،4لكن االتجاه
المعاصر في النظم الديمقراطية سعى للحد من الصالحيات المالية للبرلمان وهو ما أكده دستور
الجمهورية الخامسة في ثالثة مجاالت هي –الحد من مبدأ تخصيص النفقات العامة– إلغاء
1محد طرشي ،حيرش فايزة ،الرقابة على أداء الوحدات الحكومية في ظل عصرنة نظام المحاسبة العمومية ،االكاديمية
للدارسات االجتماعية واإلنسانية ،العدد ،20جوان ،.2018ص .06
2محمد طرشي ،حيرش فايزة ،الرقابة على أداء الوحدات الحكومية في ظل عصرنة نظام المحاسبة العمومية ،مرجع سابق
ص .06
3جمال لعمارة ،عالقة الحسابات الخاصة للخزينة بالميزانية العامة للدولة في الجزائر ،مجلة العلوم واالقتصادية وعلوم التسيير،
الجزائر.2008 ،ص .105
4عقيلة خرباشي ،مرجع سابق ،ص .359
358
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
المبادرة البرلمانية في النفقات العامة – صالحية الحكومة في نشر قانون المالية والميزانية
بمرسوم في حال التأخر في إق ارره خالل مدة تزيد عن سبعة أيام.1
وزرة المالية تنفرد بإعداد مشروع قانون المالية
والحال في الجزائر أن الحكومة ممثلة في ا
ووضع بصماتها في كل خطوات مناقشة القانون من خالل هيمنتها على لجنتي المالية
بالمجلسين ،باإلضافة للمناقشة المحدودة التي يقوم بها البرلمان نتيجة تملص الحكومة من
تنفيذ قانون المالية وانعدام الرقابة الالحقة.
أوال :احتكار السلطة التنفيذية للمجال المالي تستأثر السلطة التنفيذية باالختصاص المالي
من منطلق اضطالعها بمهمة التسيير والتنفيذ فهي تحتكر مجال قانون المالية ،فتقوم بمفردها
بتحضير مشروع قانون المالية على مستوى دوائرها الو ازرية دون وجود مساهمة للبرلمان في
ذلك ،والذي ال يتعدى دوره المناقشة المحدودة زمنيا تحت طائلة إصداره من قبل رئيس
الجمهورية بأمر.2
-1تحكم الحكومة في إعداد قانون المالية
كان لوزير المالية مكانة تفوق سلطات الوزراء اآلخرين بموجب القانون 17/ 84
والمرسوم التنفيذي الصادر بتاريخ 17نوفمبر 1984في مجال تحضير مشروع قانون المالية
إلى غاية 15فيفري 1995تاريخ صدور المرسوم 14/95الذي حد من الصالحيات التي
خوله إياها المرسوم السابق ومنحها للحكومة حيث بموجب نص المادة 1من المرسوم 14/95
يقدم وزير المالية حسابات نشاطاته لرئيس الحكومة.3
أ-القواعد المسيرة للمجال المالي
يتم إعداد قانون المالية الذي يتضمن قانون الميزانية العامة للدولة بمراعاة القواعد التي
رسخت في النظام المالي والمتمثلة في:4
-مبدأ وحدة الميزانية ويعنى حسب المفهوم التقليدي أن كل إيرادات ونفقات الدولة تكون محتواة
في وثيقة واحدة والتي هي نفسها التي تعرض على البرلمان للتصويت عليها ،وقد حدثت هنالك
تجاوزات لهذا المبدأ فالبنية الثالثية التي تعتمد على الميزانية العامة ،الميزانيات الملحقة،
1
La Banque Mondiale, parlement : budget et genre, UNIFEM, Bruxelles, 2004, pp. 11-15.
2عقلية خرباشي ،مرجع سابق ،ص 360
3يحي دنيدني ،مرجع سابق ،ص94
4المرجع نفسه ،ص 64وما يليها.
359
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
والحسابات الخاصة بالخزينة التي اختارها المشرع الجزائري تعبر عن عدم إمكانية حصر جميع
العمليات المالية للدولة في وثيقة واحدة.
-مبدأ شمولية الميزانية التي تعنى أن كل اإليرادات تغطى كل النفقات بدون تمييز ويفرض
هذا المبدأ كيفية عرض قانون المالية وهذه الكيفية تعتمد على قاعدة الناتج الخام وقاعدة عدم
تخصيص الموارد ،ولهذا المبدأ استثناءات ذكرتها المادة 08من القانون .117/84
-مبدأ سنوية الميزانية ونعني به أن الميزانية تقدر بمدة السنة المدنية التي تبدأ في 01جانفي
وتنتهي في 31ديسمبر من السنة الجارية أي لمدة اثنا عشر شه ار.2
إن التطبيق الصارم لهذا المبدأ نتج عنه اختالالت خطيرة شجعت التبذير واإلنفاق غير
المبرر بحجة استهالك االعتمادات المفتوحة في نهاية السنة ولو كانت غير ضرورية ،ولهذا
قام المشرع بترخيص تطبيق تأجيل االعتمادات بموجب القانون .17/84
-مبدأ توازن الميزانية ومعناه وجوب مراعاة تحقيق التوازن بين اإليرادات والنفقات ،وهو مرتبط
بالمخطط السنوي المتعدد السنوات للتنمية االقتصادية واالجتماعية انسجاما مع التوجه
االقتصادي االشتراكي الذي تتبعه الدولة ،3ولم يعرف قانون المالية توازنا تقديريا سوى سنة
.41991
تظهر عميلة إعداد قانون الم الية للسنة هيمنة السلطة التنفيذية ممثلة في وزير المالية
على مستوى تحضيره العتبارات تتعلق بالقدرة التقنية والتقديرية ،كما أن هذه الهيمنة تستمر
في مرحلة المناقشة واالعتماد بالنظر لسيطرتها على لجنتي الشؤون المالية بالمجلسين ودور
األغلبية البرلمانية المشكلة للحكومة ،باإلضافة إلى التأثير الواضح لدور رئيس الجمهورية في
حال وجود خالف داخل السلطة التشريعية فيما يتعلق بعدم المصادقة على قانون المالية.5
:2تملص الحكومة من تنفيذ قانون المالية (إفراغ الرخصة المالية من محتواها)
القاعدة العامة أنه بمجرد اعتماد قانون المالية من قبل البرلمان تلتزم الحكومة
بتنفيذ محتوى الرخصة المالية وال تستطيع إجراء أي تعديل عليها ،غير أن التطورات االقتصادية
واالجتماعية والمالية ،وكذا الظروف الداخلية والخارجية تمنحها إمكانية إجراء تغييرات عليه
360
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
عبر تقنيات منها قانون المالية التكميلي ،تحويل االعتمادات المالية ،وعدم تقديم عرض حول
استعمالها ،الحسابات الخاصة.1
أ-قانون المالية التكميلي
إذا كان قانون المالية التكميلي يمثل أحد الحلول لتلبية المتطلبات التي تفرضها التحوالت
والظروف الداخلية أو الخارجية الطارئة فإنه في المقابل يعبر بوضوح عن غياب سوء تقدير
وتخطيط وتسيير بالنظر للمدة التي تفصل عادة بين عملية اعتماد قانون المالية للسنة والقانون
التكميلي والتي ال تتجاوز ستة أشهر وهو ما يشكل هد ار للمال العام ،2ويشكل قانون المالية
التكميلي من جانب آخر فرصة للسلطة التنفيذية لتجنب المناقشات البرلمانية المثيرة للرأي العام
،وتمرير مواضيع أجنبية عن قانون المالية للسنة ،فأنتج المحتوى الواسع لهذا اإلطار في القانون
17/ 84المتعلق بقوانين المالية للسلطة التنفيذية الحصول على قانون مالي ثاني للسنة بدون
أن يضمن رقابة البرلمان له ،وهو ما دفع لطرح فكرة االنحراف التشريعي للسلطة التنفيذية
ومساسها بالسلطة التشريعية للبرلمان.3
ب-تحويل االعتمادات المالية وعدم تقديم عرض حول استعمالها
يشير العدد المتزايد لتحويل االعتمادات التي تنشر في الجرائد الرسمية إلى تصرف
السلطة التنفيذية في الرخصة المالية دون التزام بمحتواها وصياغتها التي أقرتها السلطة
التشريعية ،على الرغم من أن المادة 01/179من دستور 1996المعدل والمتمم نصت على
أن تقدم الحكومة لكل غرفة من البرلمان عرضا يبين فيه استعمال االعتمادات المالية التي
سبق وأن تم ترخيصها ،وهو ما يفضي إلى إفراغ الرخصة المالية من محتواها ،فال يعلم ما إذا
كان قانون المالية يطبق بالشكل الذي تم التصويت عليه به ،خاصة في ظل تنامي عمليات
تحويل االعتمادات وغياب أي عرض حول استعمالها وهو ما يعكس حالة من عدم الجدية في
تسيير المال العام التي تتميز بغياب المساءلة والشفافية. 4
361
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
1عبد العزيز عزة ،الرقابة البرلمانية على الميزانية العامة في الجزائر ،مجلة العلوم االجتماعية ،العدد ،2017 ،24ص .229
2نص المادة 09من القانون 17/ 84المتعلق بقانون المالية.
3عقيلة خرباشي ،مرجع سابق ،ص .374
362
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
احترام السلطة التنفيذية المكلفة بتنفيذ الميزانية نصا ومضمونا للرخصة المالية الصادرة عن
السلطة التشريعية وتسهر هذه األخيرة على رقابتها.
تتنوع الرقابة في الجزائر ما بين رقابة داخلية وخارجية ورقابة قبلية وبعدية ،تتمثل الرقابة
الداخلية في :رقابة المراقب المالي والمحاسب العمومي ورقابة المفتشية العامة للمالية ورقابة
لجان الصفقات العمومية ،وتشمل الرقابة الخارجية :رقابة كل من الرقابة البرلمانية ورقابة
مجلس المحاسبة.
أوال :الرقابة الداخلية
هي رقابة ذاتية تمارسها اإلدارة على نفسها بواسطة أجهزة إدارية ومالية تابعة
للسلطة التنفيذية ،وهذا تفاديا لوقوع األخطاء والمخالفات أو تداركها بعد وقوعها.
حسب نص المادة 5و 07من المرسوم التنفيذي رقم 374/09والمادة 06من المرسوم التنفيذي رقم :414/92أنطر في 1
363
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
1حسب نص القانون 21/90المتعلق بالمحاسبة العمومية والمرسوم التنفيذي رقم 313/91المؤرخ في 07/09/1991المحدد
إلجراءات المحاسبة التي يمسكها اآلمرون بالصرف والمحاسبون العموميون وكيفياتها ومحتواها.
2زيوش رحمة ،مرجع سابق ،ص .238
3محمد الصالح فنيش ،الرقابة على تنفيذ النفقات العمومية في القانون الجزائري ،أطروحة دكتوراه ،جامعة بن يوسف بن خدة
الجزائر .2013/2012 ،ص .163
364
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
1المرسوم التنفيذي 03/80المؤرخ في ،1980/03/01يتضمن إحداث مفتشية عامة للمالية ،ج ر ع ،10الصادرة بتاريخ
4مارس .1980
2المرسوم التنفيذي 502/83المؤرخ ،1983/08/20يتضمن التنظيم الداخلي للمفتشية العامة للمالية ،ج ر ع ،35الصادرة
بتاريخ .1983/08/24
3تجدر اإلشارة إلى أنه خضع لعدد من التعديالت أنظر في هذا :في محمد الصالح فنيش ،مرجع سابق ،ص .173
4نص المادة 04من المرسوم التنفيذي رقم 272/08المؤرخ في 6سبتمبر 2008المحدد لصالحيات المفتشية العامة
للمالية ،ج رع ،50الصادرة بتاريخ 7سبتمبر.2008
365
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
ال يقتصر دور المفتشية العامة للمالية على رقابة التسيير المالي والمحاسبي ألجهزة
الدولة ومصالحها اإلدارية ورقابة وتدقيق التسيير في المؤسسات العامة االقتصادية ،إنما يمتد
ليشمل مجال مهما للغاية وهو مجال الدراسات والخبرة والمشاركة في اللجان.1
تهدف رقابة المفتشية العامة للمالية لضمان أن المصالح التي تتم مراقبتها تطبق
القوانين والتنظيمات المعمول بصفة صحيحة وفقا لألهداف المسطرة والتسيير األمثل ،وال يمكن
إنكار األهمية الكبيرة لتدخالتها على جميع األصعدة المالية المحاسبية غير أنه في المقابل
هنالك بعض النقائص التي تمس بنجاعتها فتدخالتها الفجائية رغم ضغطها على المحاسبين
العموميين باستمرار فإن فعاليتها تتناقص بسب عدم استمرارها من جهة واإلبالغ عنها في
كثير من األحيان ،إضافة لقلة التعداد البشري العامل بها ونقص اإلمكانيات المتاحة لها مما
يؤثر سلبا على إنجاز العمليات الرقابية أوال ثم على التسيير األمثل للموارد المالية.2
-4رقابة لجان الصفقات العمومية
تمارس لجان الصفقات العمومية الرقابة القبلية بهدف ضمان الشفافية والنزاهة في منح
الصفقات العمومية ،واالستغالل العقالني والرشيد للموارد العمومية ،وتخضع كل الصفقات
العمومية لرقابة لجان الصفقات المختصة والتي يتجاوز مبلغها خالل السنة المالية الواحدة
مبلغ 12مليون دينار بالنسبة لخدمات األشغال واللوازم ( التوريدات ) ومبلغ 6ماليين دينار
بالنسبة لخدمات الدراسات أو الخدمات ،3ومن أجل المحافظة على المال العام حدد المشرع
مجموعة من المبادئ التي يجب االلتزام بها قبل إبرام الصفقة العمومية وكذا المرور عبر الجان
المختصة في مجال الصفقات العمومية قبل الشروع فيها لضمان النزاهة والشفافية وهي:
-عالنية المعلومات المتعلقة بإجراءات إبرام الصفقات العمومية.
-اإلعداد المسبق لشروط المشاركة واالنتقاء.
-إدراج التصريح بالنزاهة عند إبرام الصفقات العمومية.
-ممارسة كل طرق الطعن في حالة عدم احترام قواعد إبرام الصفقات العمومية".
366
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
كما أن "اإلدارة ملزمة باحترام مبدأ حرية المنافسة فللمتعاقد الحرية في المشاركة إذا
توافرت الشروط إال أن اإلدارة تتمتع بسلطة تقديرية في إبعاد المتعاقد األقل كفاءة في نظرها،
كما يقع عليها إعمال مبدأ المساواة بين جميع مقدمي العطاءات ويمنع عليها التميز بينهم أو
منح امتيازات أو وضع عقبات أمام بعضهم .كما تلتزم اإلدارة بتوفير الشفافية من خالل عالنية
واإلشهار الصحفي واعداد دفتر الشروط الذي يتضمن الشروط الواجب توافرها واتاحتها
للموردين والمتعهدين حفاظا على المال العام وتحقيقا للمصلحة العامة".1
وتخضع الصفقة العمومية قبل الشروع في تنفيذها لرقابة عدة لجان منها:
-لجنة فتح األظرفة وتقييم العروض نظمتها المواد من 160إلى 162من قانون الصفقات
العمومية وتفويضات المرفق العام.
-اللجنة الجهوية للصفقات ومهمتها دراسة مشاريع دفاتر الشروط والصفقات العمومية والمالحق
الخاصة بالمصالح الخارجية الجهوية لإلدارات المركزية في المادة 171من نفس القانون.
-لجنة الصفقات للمؤسسات العمومية وتشمل أيضا الهيكل غير الممركز للمؤسسة العمومية
الوطنية ذات الطابع اإلداري في المادة 172المتضمن تنظيم الصفقات العمومية وتفويضات
المرفق العام.
-اللجان الوالئية للصفقات العمومية بموجب نص المادة 173من المرسوم .247/15
-اللجان البلدية للصفقات بموجب نص المادة 174المتضمن تنظيم الصفقات العمومية
وتفويضات المرفق العام.
-لجنة الصفقات للمؤسسة العمومية المحلية بموجب نص المادة 175من المرسوم الرئاسي
247/15المتضمن تنظيم الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام".
367
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
1إشارة "إن نشأة الرقابة البرلمانية على تنفيذ النفقات العمومية وتطورها في النظامين اإلنجليزي والفرنسي تبين بجالء الصراع
الذي كان مستحكما بين الحكام وممثلي الرعية في هذا الموضوع ،وكيف وصل هؤالء الممثلين إلى فرض رقابتهم على تنفيذ
هذه النفقات ،مما يشكل درسا قيما لجميع برلمانات الدول في العالم في الوقت الحاضر ومن بينها البرلمان الجزائري حديث
التجربة في المجال" :أنظر في هذا :محمد الصالح فنيش ،مرجع سابق ،ص .265
2عمار عوابدي ،مكانية آليات األسئلة الشفوية والكتابية في عملية الرقابة البرلمانية ،مجلة الفكر البرلماني ،مجلس األمة،
العدد ،13الجزائر ،جوان ،2006ص ص .152، 151
3جمال لعمارة ،منهجية الميزانية العامة للدول الجزائرية ،ص ص ،229،228وأيضا :أحمد حنيش ،مرجع سابق ،ص .211
4الرقابة البرلمانية على المالية العامة تكون أما قبلية فتتم أثناء مناقشة مشروع قانون المالية واعتماده وتنفيذه ،أو تكون رقابة
بعدية تستمر إلى ما بعد التنفيذ تتجسد من خالل قانون تسوية الميزانية
368
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
:1الرقابة السابقة رقابة المصادقة :بعد انتهاء الحكومة من إعداد مشروع قانون المالية
وتحضيره تقوم بإيداعه لدى مكتب رئيس المجلس الشعبي الوطني تبدأ عملية الرقابة البرلمانية
عند إحالته إلى لجنة الميزانية والمالية التي تقوم بدارسته ومناقشته مع وزير المالية حيث تنهي
أعمالها بوضع تقرير تمهيدي تضمنه مالحظاتها واقتراحاتها ،1يمر هذا التقرير على المجلس
الشعبي الوطني الذي يتضمن مجريات المناقشة داخل اللجنة ومالحظاتها وتعديالتها ،ويرفق
بتقرير يتضمن توصيات عن ميزانيتي التسيير والتجهيز للدولة ،حيث يبلغ التقريران لرئيس
المجلس ويوزعان على النواب ثالث أيام قبل المناقشة .2
وبعدها يتم عرض المشروع للمناقشة في جلسة عامة تتناول كل القضايا والمشاكل
المتعلقة بالسياسة المالية ،يمكن للنواب فيها والحكومة وأعضاء اللجنة تقديم اقتراحات بتعديالت
مكتوبة أمام اللجنة المختصة لمناقشتها مع الوزير المعني ،تخول المادة 11/140من الدستور
للبرلمان التصويت على ميزانية الدولة ،تعد المصادقة بمثابة الترخيص المالي للحكومة لتنفيذ
الميزانية العامة للدولة.
-2الرقابة أثناء أو الرقابة المرافقة
وهي التي تمارس من قبل البرلمان خالل تنفيذ قانون المالية وتمثل رقابة النشاط المالي
تحديا كبي ار للبرلمان ،وال توجد نصوص قانونية محددة تمكن البرلمان من ممارسة دوره الرقابي
أثناء مرحلة تنفيذ الميزانية ،ولكن يمكن استخالصها من مختلف الوسائل الدستورية التي تملكها
السلطة التشريعية لرقابة السلطة التنفيذية من خالل حق بيان السياسة العامة ،السؤال و
االستجواب ،األسئلة الكتابية ،لجان التحقيق وفق أحكام الدستور والقانون العضوي02/99
المحدد لتنظيم المجلس الشعبي الوطني ومجلس األمة وعملهما وكذا العالقات الوظيفية بينهما
1على اللجنة أن تراعى عند القيام بعملها أحكام المادة 10/138من دستور 1996المعدل والمتمم بموجب القانون 01/16
ج رع ،14المؤرخ في .2016/03/07
2يلزم القانون وبالتحديد المادة 68من القانون رقم 17 – 84المتعلق بقوانين المالية السلطة التنفيذية إرفاق مشروع قانون
المالية بوثائق تفسيرية بهدف ضمان الدراسة الدقيقة والمفصلة للمشروع وتسهيل العمل التشريعي والرقابي للبرلمان ،وبموجب
القوانين الداخلية للمجلس الشعبي الوطني ،المواد 34 ،23 19 ،من النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني يقوم رئيس
المجلس بإحالة مشروع قانون المالية إلى اللجنة البرلمانية المختصة بهذا المجال المتمثلة في لجنة المالية والميزانية التي
تعتبر لجنة دائمة من بين اثني عشرة لجنة مكونة للمجلس الشعبي الوطني أنظر في هذا :رضوان بروسي ،مرجع سابق،
ص ، 12أن ظر أيضا ،عبد العزيز عزة ،الرقابة البرلمانية على الميزانية العامة في الجزائر ،مجلة العلوم االجتماعية ،العدد
، 2017،24ص 211وما يليها.
369
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
وبين الحكومة ،1وقد يؤدي ذلك إلى قيام المسؤولية السياسية أمام أعضاء البرلمان ،كما يحق
للبرلمان رقابة االعتمادات اإلضافية التي تطلبها الحكومة ،2وله أن يطلب من جهات الرقابة
المستقلة كمجلس المحاسبة أو المفتشية العامة للمالية القيام بفحص ودارسة الملفات ذات
األهمية الوطنية التي تدخل في نطاق اختصاصهما.3
-3الرقابة الالحقة أو البعدية :قانون ضبط الميزانية
يعتبر قانون ضبط الميزانية آلية قانونية للرقابة الالحقة على تنفيذ الميزانية التي أقرها
البرلمان بموجب قانون المالية أو القانون التكميلي وقد أوجب الدستور 4على الحكومة تقديمه
لما له من أهمية بالغة في عملية الرقابة ألنه يتيح للبرلمان فرصة لمتابعة كيفيات تنفيذ الرخصة
المالية التي منحها للسلطة التنفيذية.
تتجلى أهمية قانون ضبط الميزانية من الناحية السياسية في كونه يمثل تزكية سياسية
من البرلمان للنشاط المالي للحكومة ،وان رفض البرلمان المصادقة عليه تترتب على الحكومة
ال مسؤولية سياسية ،ويتعين عليها أن تلتزم بتحسين تحضير الميزانيات األولية واإلضافية
وتتجنب األخطاء التي وقعت فيه ،أما من الناحية القانونية فإن مصادقة البرلمان على قانون
ضبط الميزانية يحصن ق اررات الحكومة التي اتخذتها في إطار تنفيذ الميزانية محصنة أمام
أحكام القضاء اإلداري وأمام هيئات الرقابة المالية ،وفي حال عدم المصادقة عليه تكون ق ارراتها
غير محصنة ومعرضة لإللغاء أمام مجلس الدولة.5
1بيان السياسة العامة :طبقا ألحكام الدستور والقانون العضوي 02– 99فإن الحكومة تقدم في نهاية كل سنة بعد الموافقة
على برنامجها بيانا عن السياسة العامة إلى المجلس الشعبي الوطني يتضمن تقييما عاما لما تم تطبيقه ،ويتبع ذلك بمناقشة،
في حالة عدم رضا البرلمان عن أداء الحكومة تنتهي بالئحة من النواب ،أو إيداع ملتمس رقابة يترتب عنه في حالة
نجاحه سقوط الحكومة ،وهو إجراء نص عليه الدستور وفق أحكام المواد ، 137 -136 – 135وتم تحديده كذلك في القانون
العضوي رقم 02-99إضافة إلى ذلك أشار الدستور في المادة 84منه إلى أنه يمكن للحكومة أن تقدم بيانا عن السياسة
العامة أمام مجلس األمة ،االستماع واالستجواب :طبقا للمادة 133من الدستور ويتحدد هذا اإلجراء بأحكام المواد 66- 65
– 67من القانون العضوي ،02 – 99األسئلة الشفوية والكتابية :وهي أحد اإلجراءات الرقابية التي نص عليها الدستور في
المادة 134منه ،وتتمم إجراءاتها طبقا ألحكام القانون العضوي رقم ،02-99لجان التحقيق :بموجب المادة 169من
الدستور وطبقا ألحكام المواد من 76إلى غاية المادة 86من القانون العضوي 02-99أنظر في هذا :رضوان بروسي،
الرقابة البرلمانية والحكامة المالية :جدلية تفعيل دور البرلمان في عملية الموازنة ،ص 14وما يليها .
2المادة 160من الدستور الجزائري.
3عبد العزيز عزة ،الرقابة البرلمانية على الميزانية العامة في الجزائر ،مرجع سابق ،ص .215
4نص المادة 179من الدستور الجزائري والمادة 02من القانون .17/84
5عبد العزيز عزة ،الرقابة البرلمانية على الميزانية العامة في الجزائر ،مرجع سابق ،ص ص .219 ،218
370
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
-4رقابة مجلس المحاسبة لقد نشأت وتطورت رقابة مجلس المحاسبة ضمن مسار تطور
حاجات المجتمعات والدول على غرار باقي المفاهيم القانونية ،وقد كان لتطور دور الدولة
وتزايد حجم نفقاتها تحديدا الدور األهم في البحث عن الوسائل الكفيلة بتحقيق رقابة فعالة على
األموال العامة ،وفي سياق االستفادة من التجارب الدولية في مجال الرقابة المالية أنشأ المؤسس
الدستوري في دستور 1976هيئة عليا للرقابة المالية أسماها "مجلس المحاسبة ."1
تم تأسيس المجلس ميدانيا سنة 1980و خضع تسييره إلى القانون 05/80المؤرخ
في 01مارس 1980الذي منح له االختصاص القضائي واإلداري لممارسة رقابة شاملة على
الجماعات والمرافق والمؤسسات والهيئات التي تسيير األموال العامة أو تستفيد منها مهما كان
وضعها القانوني ،ثم جاء القانون 32/90المؤرخ في 4ديسمبر 1990الذي أعاد النظر في
رقابة المجلس وحصرها ،حيث استثنى من مراقبة المؤسسات العمومية والمرافق العمومية ذات
الطابع الصناعي والتجاري وجرده من صالحياته القضائية ليفقد أعضاؤه صفة القاضي ،
وأصبح هيئة إدارية دون أي أثر قانوني ،2ثم جاء األمر 20/95المؤرخ في 1995/07/17
وأعاد للمجلس مكانته بجعله هيئة قضائية وادارية ووسع مجال اختصاصه لتشمل رقابته كل
3
األموال العامة مهما كان وضعها القانوني ،وتمم باألمر 02/10المتعلق بمجلس المحاسبة
يتمتع مجلس المحاسبة باختصاصات واسعة جدا" في مجال الرقابة .وتتمثل مهامه
على وجه الخصوص في التدقيق في شروط استعمال الموارد والوسائل المادية واألموال
العمومية وفي تقييم تسييرها من طرف الهيئات التي تدخل في مجال اختصاصه ،والتأكد من
مطابقة عملياتها المالية والمحاسبية للقوانين والتنظيمات سارية المفعول.
إن الهدف من ذلك هو تشجيع االستعمال الفعال والصارم وترقية إجبارية تقديم الحسابات
وتطوير شفافية تسيير المالية العمومية ،ويمارس مجلس المحاسبة صالحياته القضائية عن
طريق الق اررات في حالة تصفية حسابات المحاسبين العموميين وتقديم الحسابات واالنضباط
في مجال تسيير الميزانية والمالية بالنسبة لألخطاء والمخالفات التي يرتكبها المسيرون ،كما
1أنشأ مجلس المحاسبة في الجزائر بموجب المادة 190مند دستور 1976ثم نصت عليه المادة 160من دستور 1989
ثم المادة 170من دستور ،1996ونص المادة 192من التعديل الدستوري .2016
2القانون 32/90المؤرخ في 4ديسمبر 1990المتعلق بمجلس المحاسبة ج ر عدد ،53المؤرخة في 05ديسمبر .1990
3بموجب األمر 02/10المؤرخ في 26أوت ،2010المعدل والمتمم لألمر 20/95المتعلق بمجلس المحاسبة ،ج ر ع،50
المؤرخة في 01سبتمبر .2010
371
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
يمارس مجلس المحاسبة صالحياته اإلدارية من خالل مراقبة نوعية التسيير من حيث الفعالية
والكفاءة واالقتصاد.
يمكن ل رئيس الجمهورية أو الوزير األول أو رئيس المجلس الشعبي الوطني أو رئيس
مجلس األمة أن يلتمس مجلس المحاسبة لدراسة الملفات ذات األهمية الوطنية ،كما تتم
استشارته في المشاريع التمهيدية للقوانين المتضمنة ضبط الميزانية وفي المشاريع التمهيدية
للنصوص المتعلقة باألموال العمومية".1
يتكون المجلس من عدة أجهزة وهياكل متنوعة يفترض أنها تتالءم مع المهام المتنوعة
المنوطة به فبعض الهياكل نظمت بالشكل الذي يتناسب مع وظيفتيه الرئيسية القضائية واإلدارية
للمجلس وبعضها نظم في شكل هياكل إدارية مساعدة.2
وتتصف القواعد األساسية العامة اإلجرائية أمام مجلس المحاسبة بأنها قواعد زجرية ،سرية،
كتابية ،حضورية ،وتناقضية.3
ثالثا :تقييم الرقابة على المالية العامة
يكتسي موضوع الرقابة على المال العام أهمية بالنظر لتعدد األجهزة الرقابية ووظيفتها
في المحافظة على المال العام الذي يشكل عماد الدولة ،وكذلك بتزايد مظاهر الفساد التي
تفرض التطبيق الصارم للرقابة وتقييمها لمعالجة االختالالت التي تظهر نتيجة التطبيق.
:1تقييم الرقابة الداخلية
تحتاج عملية الرقابة الداخلية على المال العام إلى تقييم لتصحيح مسارها وتقوية إطارها
القانوني لتواكب مقتضيات التسيير المتمحور حول النتائج ،الذي أصبح نموذجا عالميا.
أ-تقييم رقابة المراقب المالي
تتميز الرقابة التي يمارسها المراقب المالي بكونها رقابة سابقة تتسم بطابعها البيروقراطي
الذي يثقل مسار النفقات العامة بسب تعقد إجراءاتها واكتفائها بالتركيز على رقابة الشرعية
372
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
دون البحث عن فعاليتها ومدى تحقيق النتائج المرجوة من الناحية العملية ،فقد يتم صرف
االعتمادات بطريقة غير عقالنية رغم شرعيتها من زاوية االجراءات القانونية.1
وهو األمر الذي يستدعي ضرورة إصالح هذا النوع من الرقابة لتجاوز الرقابة القبلية
اآللية للمستندات لرقابة فعالة تركز على النتائج وتقييمها بحيث تنقلها إلى رقابة المالئمة من
خالل إدخال األداء وثقافة النتائج باعتبار المراقب المالي خبير في المجال المالي وهو ما
سعى إليه مشروع تحديث أنظمة الميزانية.
ب-تقييم رقابة المحاسب العمومي
تعتبر رقابة المحاسب العمومي على ما توفره من فائدة عملية روتينية وتكرار لرقابة المراقب
المالي بحيث تنصب على الوثائق والمستندات مما يزيد في بطء عمليات تنفيذ النفقات
2
العمومية.
وعليه ينبغي أن يكون هنالك تنسيق بين مختلف الهيئات الرقابية كي نضمن التسير
الحسن لألموال العامة بما يحقق الكفاءة والفعالية واالقتصاد.
جـ-تقييم رقابة المفتشية العامة للمالية
إن كثرة النصوص المكملة الواردة في جميع المراسيم المنظمة للمفتشية العامة للمالية
منذ نشأتها أثرت سلبا على نجاعة مهامها وجعلت العديد من القطاعات تفلت من رقابتها،3
كما أن رقابة المفتشية العامة للمالية تبقى ذات فعالية نسبية وال تمتع بسلطة توقيع العقوبات
وتكتفي باإلبالغ عن طريق التقارير للسلطات الرئاسية أو الوصاية لوزير المالية ،4و يالحظ
عدم وجود تنسيق بينها وبين باقي الهيئات الرقابية وعدم خضوع بعض الهيئات إلى أي نوع
من الرقابة مثل :رئاسة الجمهورية وو ازرة الدفاع ومؤسسة سوناطراك.
1
Benoit Chevauchez, la dépense publique au cœur de nos systèmes de finances publiques,
RFFP, N o77, 2002, P29
محمد الصالح فنيش ،مرجع سابق ،ص .164 2
3كمثال على ذلك ما ورد في المرسوم التنفيذي رقم 06/96الذي يضمن تحديد شروط وكيفيات رقابة وتدقيق المفتشية العامة
للمالية لتسيير المؤسسات العمومية االقتصادية ،ألن هذا المرسوم يعد تك ار ار في جميع مواده عدا المادة األولى منه للمرسوم
رقم 272/08المحدد لصالحيات المفتشية العامة للمالية :أنظر في هذا محمد الصالح فنيش ،مرجع سابق ،ص .245
4حسب نص المادة 25و 26من المرسوم .272/08
373
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
1
Hachemaoui Mohammed. La représentation politique en Algérie entre médiation clientélaire
et prédation (1997-2002). In : Revue française de science politique, 53ᵉ année, n°1, 2003.
p 61. Sur le site suivant :
https://www.persee.fr/doc/rfsp_0035-2950_2003_num_53_1_395688.
Consulter le : 12/08/2019.
2رضوان بروسي ،الرقابة البرلمانية والحكامة المالية ،مرجع سابق ،ص .17
374
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
كما تعبر طريقة التصويت على النفقات العامة بصفة مجملة عن رقابة فارغة المحتوى
تتسم بالشكلية ،1كما يمكن للسلطة التنفيذية تجاوز هذه الرقابة بشكل كامل في حالة عدم
المصادقة على مشروع قانون المالية في أجل 75يوما حيث يصدره رئيس الجمهورية بموجب
أمر ووضع السلطة التشريعية أمام األمر الواقع .كما يشكل قانون المالية التكميلي تجاو از آخر
للرقابة البرلمانية خاصة عندما يتم إصداره من قبل رئيس الجمهورية ويعرض على البرلمان
للمصادقة علية دون مناقشة.2
على الرغم من األهمية التي يحظى بها قانون ضبط الميزانية والزامية تقديمه من قبل
الحكومة إال أن الواقع أثبت غير ذلك ،3وهو ما يعكس الدور المحدود للرقابة الالحقة وعدم
وجود إجراء قانوني يترتب على تقديمه من قبله الحكومة ،ويبرز المركز المتفوق للسلطة
التنفيذية على السلطة التشريعية في الميدان المالي بحيث تفقد الرقابة البرلمانية أحد أدواتها
الرقابية الالحقة التي تمكنها من حماية المال العام.
-3تقييم رقابة مجلس المحاسبة
على الرغم من اإلصالحات المتتالية التي شهدها مجلس المحاسبة والشفافية التي يسعى
إلى تحقيقها في تسيير المالية العامة ،والفعالية التي يصبو لترسيخها في سبيل ترشيد اإلنفاق
العام ،فإنه من الناحية العملية تبقى هذه الغايات بعيدة المنال ألسباب عديدة تتعلق بعالقته
بالسلطة التنفيذية ومدى استقالله عنه وبالنظر الرتباطه الشديد بها و فقد الكثير من استقالليته
كهيئة عليا رقابية ،وأصبح مجرد هيئة من هيئات الرقابة الداخلية التابعة لسلطتها وهو ما يؤثر
على دوره الرقابي في حماية المال العام.4
1مقارنة بسيطة بين مبلغ ميزانية التسيير في مجموعه الفرعي لسنة 2010الذي يساوي (2.323.350.013.000دج) ومبلغ
التكاليف المشتركة الذي يساوي (542.469.810.000دج )9حيث يشكل مبلغ التكاليف المشتركة جوالي 4/1مبلغ ميزانية
التسيير في مجموعه الفرعي وهو ما يعني أن البرلمان يصادق بصفة مجملة على النفقات العامة فانه يصادق على التكاليف
المشتركة التي تساوي ربع ميزانية التسيير دون أن يعرف أين تم صرف هذه المبالغ من طرف الحكومة أنظر في هذا :محمد
الصالح فنيش ،مرجع سابق ،ص.365
2كمثال على ذلك األمر المتضمن قانون المالية التكميلي لسنة 2010متوفر على موقع المجلس الشعبي الوطني.
3لم تقدم الحكومات المتعاقبة منذ سنة 1978سوى أربع قوانين لضبط الميزانية بين 1981و 1987وعادت بعد ذلك لتقديمه
سنوات 2014-2013-2012-2011حيث قدمت قانون ضبط الميزانية لسنة 2012-2011-2010-2009-2008
على الترتيب.
4المواد 21-19-18من األمر رقم 20/95المتعلق بمجلس المحاسبة.
375
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
وفي المقابل فإن عالقة مجلس المحاسبة بالسلطة التشريعية لم تنل حقها من التقدير
باعتباره شريكا مكمال للدور الرقابي للبرلمان في حماية المال العام ،حيث ضيق المشرع
عالقته بالسلطة التشريعية وحصرها في إعالم الهيئة التشريعية من خالل إرسال نسخة من
التقرير السنوي إليها من قبل المجلس ،1كما لم يمكن مجلس المحاسبة من االتصال بمقرري
اللجان البرلمانية ،وجل التقارير التقييمية التي يعدها التصل إليه إال عن طريق الحكومة ،2
وقد عكس إلغاء المشرع بموجب التعديل األخير لألمر 20/95تراجعا وتجسيدا لهيمنة السلطة
التنفيذية على المجالين المالي والميزانياتي من خالل سحب إمكانية قيام رئيس مجموعة برلمانية
بعرض ملفات ذات أهمية وطنية على المجلس ،3وتطرح مسألة استقاللية أعضائه من خالل
الحصانة التي يتمتعون بها ،وان كان المشرع قد أعاد للمجلس الصفة القضائية وصفة القاضي
ألعضائه فإن نص المادة 1/77من األمر 23/95تمس جوهر هذه الحصانة من خالل
اخضاعهم للمحاكمة الجنائية بطريقة آلية ابتداء من المخالفة.4
أما بخصوص التوصيات التي يعدها مجلس المحاسبة وعلى الرغم من أهميتها في
حماية األموال العامة فإن افتقادها للجزاءات الرادعة جعلها ال تكتسي قيمة قانونية ،كما أن
التوصيات التي يصدرها المجلس عقب رقابته اإلدارية ليس له طابع اإللزام ويتوقف تطبيقها
على مدى ق بول الهيئات الموجهة إليها ،وعدم تمكينه من آلية الرقابة القبلية في حال وجود
مخالفات تمس بالمال العام ،يؤكد استفحال ظاهرة الفساد وانتشارها على أهمية الدور الرقابي
الهام الذي يجب أن يقوم به المجلس من خالل إصالح آليات عمله وقيامه بدور مساعد
للبرلمان في المجال المالي بحكم قدرته على تحسين أداء الرقابة البرلمانية.
376
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
377
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
في القانون اإلداري والنظام المشترك للمرافق العمومية ،وثالثا بعقالنية بيروقراطية ونظام
احتكاري".1
إن إتباع نمط التسيير العمومي التقليدي في الجزائر أبان عن هيمنة عقالنية بيروقراطية
ّ
ونظام احتكاري ،قائم أساسا على السلطة القانونية ،فاإلدارة العمومية في الجزائر هي إدارة
بالسلطة ،وت عتمد أساسا على التشريع لتحديد ما تريد الوصول إليه ،وتتجسد العقالنية
البيروقراطية من خالل أساليب تنظيم المجال العمومي ،حيث المركزية في اتخاذ الق اررات وقد
انعكس هذا بوضوح في مجال التسيير المالي حيث أن تسيير المالية العامة تغلب عليه
العقالنية القانونية والم نطق البيروقراطي الذي يركز على الجانب القانوني أكثر من الجانب
االقتصادي ،ويتجسد هذا من خالل الحرص على احترام القوانين واللوائح التي تحكم تسيير
المالية العامة المتمثلة في القانون اإلطار المنظم لقوانين المالية 17/ 84والتعديالت التي
خضع لها من خالل قانون المالية السنوي ،كما تهتم المقاربة التقليدية للتسيير المالي العمومي
بمراعاة االنتظام وسالمة اإلجراءات أكثر من اهتمامها بتحقيق األهداف والنتائج المرجوة في
إطار البحث عن تحقيق المصلحة العامة.
لقد كشفت التحوالت التي عرفتها الجزائر نهاية ثمانينيات القرن الماضي عن وجود
أزمة حقيقية في مجال تسيير المالية العمومية واإلطار المنظم لها الذي لم يعرف استق ار ار
إلطاره القانوني بسب التعديالت المتتالية التي عرفها ،والتي ترجع أساسا إلى ابتعاد الطموح
السياسي المنادي بالقطيعة مع النص االستعماري والواقع والمتغيرات الداخلية التي تعكس عدم
التحكم في تقنيات المالية العامة وعدم القدرة على تسخيرها لخدمة الخيار اإليديولوجي
االشتراكي.2
يجسد التسيير المالي العمومي هذه المفارقة القانونية بوضوح حيث يخاطب القانون
المستثمر خطابا ليبراليا والمواطن خطابا اشتراكيا يعكس بوضوح حصر القانون في طابعه
الشكلي وال يعكس بصدق الواقع االقتصادي ،ذلك أن القانون اإلطار 17/ 84مستلهم من
القانون الفرنسي واألمر 02/59المتعلق بقوانين المالية تحديدا ذو الخلفية الليبرالية لكنه صدر
في ظل أحكام دستور 1976والميثاق الوطني ذو التوجه االشتراكي حيث كرس نموذج الدول
378
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
المتدخلة وحتمية التخطيط المركزي والملكية العامة لوسائل اإلنتاج ،واالعتماد على المخطط
وهيمنة منطق الوسائل.
ثانيا :هيمنة منطق الوسائل
يعكس غياب التسيير المالي االستراتيجي تحول قانون المالية من أداة للتنمية إلى هدف
في حد ذاته يختزل نفسه في تسيير اللحظة ،تؤدي ندرة الموارد واإلفراط في اإلنفاق العام
بطريق متجاوزة للحاجيات الحقيقة ،من خالل سعي كل و ازرة إلى المطالبة بأكبر قدر من
االعتمادات والوسائل دون التساؤل عن معنى ومفهوم هذه المهام أو مضمون هذه األهداف
والنتائج المتوقعة منها ،كم أن هنالك نقائص واضحة تتعلق بمدونات الميزانية وبهيكل النفقات
العامة التي ال تستجيب لالحتياجات الجديدة لتسيير االقتصاد وتؤثر بدرجة كبيرة على أداء
النفقة العامة لدورها:1
-من حيث طريقة التقديم تبدو غير متجانسة في تصنيفها بحيث يشير الباب الواحد إلى عدة
نفقات من طبيعة واحدة.
-عدم تماشي مدونة نفقات التسيير مع نفقات التجهيز ألن تبويب نفقات التسيير يتم بحسب
الو ازرات في حين نفقات التجهيز تتم بحسب القطاع االقتصادي على مستوى القسم ،كما
أن الوثائق المقدمة ال تبين التصنيف بحسب طبيعة النفقة في ميزانية التجهيز وهو ما
يجعل من الصعب على المحاسبة الوطنية تناول الطبيعة االقتصادية للنفقات على مستوى
ميزانية التجهيز بالنظر لنقص المعطيات على هذا المستوى.
-مدونة قليلة التكيف لنظم المعلومات.
-ال يعتمد النظام الميزاني الحالي في تقدير النفقات على تقنية الخيارات المالية بحيث يتم
تقدير احتياجات كل و ازرة من االعتمادات وهو ما يدفعها للمبالغة في طلب االعتمادات
دون الرجوع ألولويات اإلنفاق العام وهو ما يفسر الزيادة المستمرة للنفقات العامة وغياب
الرشادة في استعمالها.
1دنان راضية ،ترشيد سياسة اإلنفاق العام ضمن السياسة الميزانية في ظل التغيرات الدولية ،دراسة حالة الجزائر (-1990-
،2014أطروحة دكتوراه في علوم التسيير ،تخصص نقود ومالية ،جامعة الجزائر ،2015/2016، 3ص.241
379
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
الفرع الثاني :طغيان هاجس التوازنات المالية وضعف الربط بين المخطط المسير
يعد مفهوم توازن الميزانية من بين المبادئ التي عرفتها المقاربة التقليدية لتسيير المالية
العامة ،ويعني عدم تجاوز مبلغ النفقات لمبلغ اإليرادات وعدم زيادة اإليرادات على النفقات وقد
اعتبرته دليال على حسن التسيير المالي للميزانية،1
أوال :طغيان هاجس التوازنات المالية :ركزت المقاربة التقليدية على مراعاة التوازن بشكل
مطلق بداعي تجنب العجز الذي يؤدي إلى االقتراض ،واإلصدار النقدي الجديد لتمويل العجز،
وبسب اآلثار التضخمية التي تنتج عن هذه العملية من انخفاض في قيمة العملة وارتفاع
لألسعار ،على عكس المقاربة الحديثة التي ترى في التمسك المطلق بمبدأ التوازن مبالغا فيه
،بحيث يمكن تمويل العجز بواسطة القروض واستثمارها في مشاريع إنتاجية تزيد في الدخل
الوطني وتمكن من تسديد القروض ،أما بخصوص اإلصدار النقدي الجديد فيمكن اللجوء إليه
لمعالجة حالة انخفاض الطلب الخاص دون أن يكون له تأثير تضخمي على األسعار.2
وارتبط مبدأ التوازن في الجزائر بالمخطط السنوي أو المتعدد السنوات للتنمية االقتصادية
واالجتماعية فقانون المالية يحدد طبيعة الموارد واألعباء المالية للدولة ومبلغها وتخصيصها
في إطار التوازنات العامة المسيطرة على هذه المخططات ،إال أنه اعتبا ار من بداية تسعينيات
القرن الماضي أصبح توازن الميزانية يأخذ بعين االعتبار مبدأ اقتصاد السوق ومبدأ نفقات
عنصر هاما من عناصر السياسة االقتصادية والمالية في الجزائر،
ا رأس المال الذي يعتبر
ورغم البحث المستمر عن تحقيق هذا التوازن إال أن ميزانيات الجزائر لم تعرف سوى مرة واحد
توازنا تقديريا من تطبيقات قانون المالية كان ذلك سنة .31991
ولهذا فالدستور بمبادئه العامة واألحكام القانونية التي تتضمنها النصوص المنظمة
للمالية العامة درجت على وضع قيود لكل التعديالت التي قد تطال هذا الميدان ،4وهو ما
تجسد في الحد من صالحيات البرلمان فيما يتعلق بإدخال تعديالت على مشروع قانون المالية
1طاهر الجنابي ،علم المالية والتشريع المالي ،كلية الحقوق ،جامعة بغداد ،ص .115على الرابط:
/http://law.mu.edu.iq/wp-content/uploads/2017/02علم-المالية-والتشريع-المالي.pdf.
2فريزة اشهبار ،مرجع سابق ،ص .128
3يحي دنيدني ،مرجع سابق ،ص ص .77، 76
4حسب نص المادة 139من التعديل الدستوري .2016
380
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
بحيث قيد حق التعديل 1بهدف حماية التوازن المالي الذي يمكن أن يتم المساس به في حال
تم فسح المجال أمام التعديالت المقترحة من قبل البرلمانيين.
فالتوازنات المالية ليست غاية في حد ذاتها وانما هي أساس لتقوية االستثمار ودعم
التنمية وعليه ال يرتبط األمر بطرق محاسباتية معقدة من أجل إبقاء العجز في مستوى محدد
بدعوى المحافظة على التوازنات المالية الكبرى بقدر ما يتعلق بقياس الحالة االقتصادية والمالية
للدولة وقدرتها على تقليص نفقات تسييرها وتحسين مواردها.
ثانيا :ضعف الربط بين المخطط المسير ثم البرنامج المرافق وقانون المالية
نتيجة لتبني النهج االشتراكي وحرص الدولة على التناسق بين السياسية المالية وباقي
السياسات االقتصادية ومن بينها السياسة النقدية لتحقيق التكامل واالنسجام تم العمل بآلية
قانونية هي المخطط والذي يشوبه بعض الغموض بالنسبة لتحديد تكييفه القانوني وموقعه في
هرم القوانين خاصة وأنه يعبر عن ضرورة تقنية أكثر منها قانونية.2
والمخطط عمل حكومي بطبيعته ألن تحضيره واعداده يتم من طرف األجهزة التابعة
للحكومة وليس البرلمان ال سيما لجان التخطيط ومكاتب الدراسات والمراكز المعنية والمجلس
االقتصادي واالجتماعي في غياب تام للبرلمان في هذه المرحلة ،والتي ال يتعدى دورها
االستشارة.3
أدى تبني المخطط المستند إلى التخطيط المركزي إلحداث ازدواجية حقيقة في قانون
المالية الذي يقوم على مبادئ تحكمه من بينها مبدأ الوحدة.4
وقد أدى عدم تقديم هذا المخطط لعرض هزيل لمشروع قانون المالية ومطالبة البرلمان
باسترجاع صالحياته المالية في هذا المجال ،وفي سياق التحول الذي عرفته بالبالد في نهاية
1نص المادة 44من القانون 12،/16أنظر في هذا :عادل حابسة ،فعالية الرقابة البرلمانية على المالية العامة في الجزائر،
رسالة ماجستير ،جامعة الجزائر ،1يوسف بن خدة ،كلية الحقوق ،2011،ص .49
2رابحي أحسن ،مبدأ تدرج المعايير القانونية في النظام القانوني الجزائري ،أطروحة دكتوراه في القانون ،جامعة الجزائر 1بن
خدة يوسف ،كلية الحقوق ،2006 ،ص ،204أنظر أيضا :حبيبة نايلي ،مرجع سابق ،ص .62
3تجدر اإلشارة إلى أن الجزائر شهدت أربعة مخططات للتنمية ،صدر األول باألمر 07/70المؤرخ في 20/01/1970
المتضمن المخطط الرباعي األول ،وصدر الثاني باألمر 86/74المؤرخ في 24/06/1974المتضمن المخطط الرباعي
الثاني ،ثم صدر القانون 11/80المؤرخ في 13/12/1980المتضمن المخطط الخماسي األول والقانون 22/84المؤرخ في
24/12/1984المتضمن المخطط الخماسي الثاني.
4
M.T. Bouara, la loi de finances en Algérie, thèse du doctorat en droit public, université
d'Alger 1, faculté de droit : université d'Alger 1, 2006, p 215.
381
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
1التقرير المرحلي الثاني حول تنفيذ برنامج العمل الوطني في مجال الحكامة في الجزائر ،ص .65
2تم توسيع مهام المحافظة وتدعيمها باستحداث منصب كاتب دولة لإلحصاء بعد إنشاء و ازرة االستشراف واإلحصاء بموجب
المرسوم 283/10المؤرخ في 14نوفمبر 2010المتعلق واإلحصائيات ،ج رع ،70للتحول فيما بعد كتابة دولة مكلفة
باالستشراف بالمرسوم التنفيذي 11 /13المؤرخ في 15جانفي 2013المحدد لصالحيات كاتب الدولة لدى الوزير األول
المكلف باالستشراف ج ر ع ،03غير أنه تم الغاؤها بموجب التعديل الوزاري في ماي .2014
3أنظر في هذا تطور مؤشر اإلسراف في اإلنفاق :دنان راضية ،مرجع سابق ،ص.245
382
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
الفرع الثالث :التضخم المستمر لألحكام غير المالية وظاهرة التسيير خارج الميزانية
إن قانون المالية يحتل مكانة متميزة ،ويترقب صدوره جميع المهتمين بالشأن االقتصادي
والمالي لكونه يترجم تفاصيل الحياة االقتصادية والسياسة للبالد من خالل األحكام التي يحتويها
وهو ما فتح المجال أمام تكاثر مستمر لعديد األحكام التي تعتبر دخيلة عن المجال المالي
بالنظر لفحواها االقتصادي ،كما يعرف انتشار واسعا لظاهرة التسيير خارج الميزانية من خالل
االعتماد على حسابات التخصيص الخاص التي أصبحت شبه ميزانية بعد أن كانت استثناء
لمبدأ الوحدة.
أوال :التضخم المستمر لألحكام غير المالية (فرسان المالية)
لقد أدت التحوالت التي عرفتها الساحة االقتصادية نهاية ثمانينيات القرن الماضي إلى
الشروع في جملة من اإلصالحات فرضتها معطيات األزمة الداخلية و ضغوطات الحاجة
إلى المساعدات الدولية ،دفعت المشرع الجزائري إلى محاولة مسايرة هذه التحوالت المتسمة
بالسرعة و تجسد ذلك في إ صالحات مست التسيير المالي أساسا من خالل إدخال أحكام
تميزت بمرونة لضبط العالقة بين الدولة والخواص في ظل انسحاب الدولة من التسيير المباشر
لالقتصاد ،وقد تم هذا في سياق دولي اتسم بحركية نشطة إلزالة التنظيم ،وفتح المجال أمام
الخواص للمساهمة في الحياة االقتصادية.
وقد أصبح اللجوء إلى هذا النوع من األحكام التي تعرف بفرسان المالية ،1وتطلق تسمية
فارس على حكم قانوني عند تواجده في نص ليس له أي مكان فيه ويمس بفلسفته فال يتماشى
مع روح القانون.2
عرف نظام المالية العامة في الجزائر المتأثر باألحكام الفرنسية في الميدان المالي
والميزاني حظ ار مطلقا لمسألة فرسان المالية أسوة بما كان معموال به في النظام المالي الفرنسي
وفق مقتضيات األمر المؤرخ في 02جانفي ،1959إلى غاية صدور القانون اإلطار المتضمن
قوانين المالية 17/ 84وما شهده من تعديالت سمحت بالمرور إلى مرحلة الترخيص االستثنائي
بعد الحظر المطلق ،خاصة تعديل نص المادة 67منه والتي خضعت للتعديل مرتين
1تسمي أيضا بمصطحبي أو مراقبي الميزانية وهي مقتضيات تدرج في قوانين المالية وال ترتبط بموضوع المالية :أنظر في
هذا :يحي دنديني ،مرجع سابق ،ص .59
2وتعرف األوساط القانونية ثالث أنواع من الفرسان ،الفارس التشريعي ،الفارس االجتماعي وفارس الميزانية وهي ممارسة
منبوذة من رجال الفقه وتعبر عن أحكام غريبة بطبيعتها عن الميدان المالي والميزاني بحكم تعارضها مع مبدأ السنوية :أنظر
في هذا :حبيبة نايلي ،مرجع سابق ،ص.251
383
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
كانت األولى بموجب القانون 05/88المؤرخ في /01/ 12جانفي 1988لتنتزع فكرة المبلغ
اإلجمالي لالستثمارات المخططة نظ ار للتخلي عن فكرة التخطيط المركزي ،و كانت الثانية
بموجب القانون 24/89المؤرخ في 31/12/1989التي من خالل نص المادة في الفقرة
األخيرة منه سمح بتواجد فرسان الميزانية ".1
:1قانون المالية التكميلي كتجسيد لظاهرة إدخال األحكام غير المالية
لقد شكل محتوى قوانين المالية التكميلية خاصة التي صدرت في شكل أوامر قيام
السلطة التنفيذية بتضمينها أحكام دخيلة من حيث طبيعتها على قانون المالية ،وتستعملها
الحكومة كأداة لمواجهة الظواهر القانونية واالقتصادية التي تتطلب التدخل العاجل للدولة في
مجاالت ال تتعلق بالمالية العامة األمر الذي يعد تعديا على مجاالت القوانين األخرى بالمقابل
،واذا كانت فكرة قانون المالية التكميلي جاءت لدواعي عملية الستدراك النقائص التي ظهرت
في قانون المالية السنوي ،فإن الممارسات التي عرفها الميدان المالي والميزاني في الجزائر
جعله يشكل تقليدا شائعا وليس استثناء.2
يجسد من ناحية أخرى انتهاكا لمبدأ السنوية في الميزانية النتهاء أثره بانتهاء قانون
المالية األصلي ،وهو ما يجعل مدة سريانه أقل من السنة المالية ،ولمبدأ الوحدة باعتباره يأتي
بأحكام أخرى مكملة أو معدلة لقانون المالية دون أن تأتي في وثيقة واحدة ،وبالتالي أصبحت
قوانين المالية التكميلية مجال خصبا لتواجد هذا النوع من األحكام التي تتعدى المجال المالي
إلى تنظيم االقتصاد وبيئته ومن بين هذه المجاالت مجال الصفقات العمومية ،الخوصصة(
قانون المالية التكميلي لسنة 1994والذي تسللت من خالله أحكام مشروع الخوصصة) ،
تنظيم التجارة وكبح الواردات ،3وكمثال االستعمال على هذا االستعمال المفرط لهذه التقنية
القانونية نجد قانون المالية لسنة .42009
1حسب نص الفقرة من المادة األولى من القانون ... " 24/89يميز في مشروع قانون المالية بين األحكام التشريعية الدائمة
واألحكام ذات الطابع المؤقت ويعد كل حكم يقترح دون تحديد مدة تطبيقه صراحة حكما ذا طابع دائم".
2عقيلة خرباشي ،مرجع سابق ،ص .370
3كمثال قانون المالية التكميلي لسنة 2005الصادر باألمر 05/05المؤرخ في ،2005/07/25يتضمن قانون المالية
التكميلي لسنة ،2005ج رع ،52الصارة بتاريخ 26جويلية .2005
4جاء قانون المالية لسنة 2009بعديد كبير من األحكام غير المالية التي تتعلق بالخيارات االقتصادية أنظر في هذا :حبيبة
نايلي ،مرجع سابق ،ص .271
384
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
والتي باإلضافة إلى إدراجها إلحكام دخيلة عن الميدان المالي والميزاني في قانون
المالية فإن طريقة مناقشة أغلب نواب البرلمان تتميز بمناقشات عامة إذا لم يقم رئيس الجمهورية
بإصدار القانون التكميلي بموجب أمر ،رغم أن المشرع الدستوري قد عالج الوضع السابق الذي
كان رئيس الجمهورية يصدر القانون التكميلي بأمر بين دورتي البرلمان ،1حيث جاء التعديل
األخير ليستبدلها بدورة واحدة.2
وعليه يمثل قانون المالية التكميلي تقنية قانونية تمس بموضوع المالية العامة من خالل
إدراجه أحكاما ال عالقة لها بهذا المجال ،وتعبر عن انحراف تشريعي بيد السلطة التنفيذية
التي تتيح له تجنب الخضوع لرقابة البرلمان.
ثانيا :ظاهر التسيير خارج الميزانية " االستخدام المفرط لحسابات التخصيص الخاص"
بفعل تحوالت دور الدولة الناتج عن األزمة التي عرفتها البالد خالل سنوات ثمانينيات
القرن الماضي ولجوؤها لطلب المساعدات الدولية ،فرض التوجه نحو اقتصاد السوق في
محاولة لتجاوز هذه األزمة االقتصادية والمالية واالجتماعية لكن نظام تسيير المالية العامة لم
يكن قاد ار على مواكبة هذه التحوالت فلجأ الستخدام حسابات التخصيص الخاص3التي جاءت
في إطار بحث السلطات العمومية عن فعالية النفقات العامة من خالل القيام بصرفها خارج
األطر المحددة في قانون المالية.4
عرف استعمال حسابات التخصيص الخاص استعماال واسعا خالل فترة التسعينيات
قامت فيها الجزائر بإصالحات فرضت عليها من قبل المؤسسات المالية في إطار ما يعرف
ببرامج التعديل الهيكلي من أجل الحصول على الدعم المالي لتجاوز األزمة المالية" ،فال يكاد
يخلو أي قانون مالية من إنشاء حساب تخصيص خاص أو أكثر أو تعديل حسابات قائمة
حتى أصبح أغلب أعضاء الحكومة يقع تحت تصرفهم أكثر من حساب واحد".5
يشكل اللجوء المفرط لحسابات التخصيص الخاص مساسا بالمبادئ التي تحكم الميزانية
العامة للدولة حيث يمس بمبدأ السنوية وفق تصوره الكالسيكي،إذ يتم خرق هذا المبدأ بنقل
1بموجب نص المادة 124من دستور ،1996وكمثال على ذلك قانون المالية التكميلي لسنة 2002والذي صدر قبل أسبوع
من افتتاح الدورة الربيعية للبرلمان .1996
حسب نص المادة 135من التعديل الدستوري .2016 2
385
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
االعتمادات التي تم تقديرها ولم يتم إنفاقها خالل السنة إلى السنة الموالية وهي من األسباب
التي تدفع السلطات العمومية لفتح حسابات التخصيص الخاص ،كما يشكل خرقا لمبدأ الوحدة
باعتبار أن حسابات التخصيص الخاص تتضمن إيرادات ونفقات ال تظهر في الميزانية العامة
للدولة على الرغم من كون القانون المالية يتضمن األحكام المطبقة عليها ،كما تشكل ذات
الحسابات انتهاكا لمبدأ الشمولية فيمكن أن ينص قانون المالية صراحة على تخصيص الموارد
لتغطية بعض النفقات ومن بينها حسابات التخصص الخاص.1
وفي محاولة من المشرع الجزائري لمواكبة التطورات في مجال تسيير المالية العامة قدم
تعريفا جديدا لحسابات التخصيص الخاص من خالل المادة 89من قانون المالية لسنة
، 22000تجسد مفهوم البرنامج والتسيير عن طريق األهداف "حسابات التسيير" في إطار
عملية اإلصالح الميزانياتي في الجزائر.3
عرف اللجوء إلى حسابات التخصيص استخداما مفرطا بداعي مواكبة التطورات
الحاصلة خاصة في مجال التسيير بحثا عن تحقيق الفعالية غير أن الواقع يؤكد عكس ذلك
حيث يالحظ غياب األهداف والبرامج الواضحة ،4إذ يتم فتح بعض الحسابات في قوانين المالية
دون أن يتم إصدار نصوص تنظيمية لها توضح كيفية استعمالها وهو يؤدي لتجميد األموال
المخصصة بسب عدم صدور النصوص التنظيمية ،5كما ال توجد إجراءات واضحة لرقابة
تسيير هذه الحسابات خاصة وأن تسيير العديد منها يخضع الختصاص الهيئات ذات التسيير
386
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
الخاص التي تتمتع باالستقاللية ،وهو ما يجعل تحقيق الرقابة عليها أم ار في غاية الصعوبة
بسب غياب التنسيق بين جميع المستويات 1وتعبر عن غياب الجدية في تسيير األموال العامة.2
الفرع الرابع :ضعف تسيير االعتمادات المالية
تشكل االعتمادات المالية الوسيلة العملية لتنفيذ الميزانية العامة لذا وجب أن تعطى
العناية الكافية لتسييرها ،وتتكفل الحكومة بالقيام بتحصيل اإليرادات وصرف النفقات حسب
األطر المحددة ،ويتم وضع االعتمادات تحت تصرف الدوائر الو ازرية فيما يتعلق بنفقات
التسيير والمتصرفين العموميين بالنسبة للنفقات األخرى وفق نص المادة 20من القانون 84
. 17/وذلك عن طريق مراسيم توزيع االعتمادات تطبيقا لمبدأ التخصيص حسب الفصول.3
غير أن تنفيذ قانون المالية الذي تقوم به الحكومة في إطار احترام الرخصة المالية يتم تجاوزه
في كثير من األحيان لدواعي سوء التقدير أو حدوث حاالت طارئة من خالل تقنية تعديل
تخصيص االعتمادات وهذا من خالل أوال تحويل االعتمادات المرخصة ،ثاني من خالل تقنية
نقل االعتمادات.
أوال :تحويل االعتمادات
األصل أنه يجب خضوع أي عملية لتحويل أي مبلغ من موضع إلى آخر لموافقة
السلطة التشريعية غير أن كثرة عمليات تحويل االعتمادات التي تطلعنا عليها الجرائد الرسمية
تدل على تجاوز وضاح ،وعدم تقيد بالرخصة المالية التي قبلتها السلطة التشريعية ،4وتتم
عملية التحويل بموجب مرسوم ،والمالحظ أن عمليات التحويل تمس الباب المتعلق بالتكاليف
المشتركة لتحول بعد ذلك إلى و ازرة محددة أو مختلف الو ازرات أو التحويل مباشرة من هذا
الباب لو ازرة معينة 5يؤكد اللجوء لهذه التقنية تعمد السلطة التنفيذية تجاوز الرخصة المالية التي
387
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
منحها إياها البرلمان وهو ما أشار إليه مجلس المحاسبة في تقرير لسنة ،11995كما سجل
المجلس في تقريره السنوي امتعاضه من الممارسات التي تهدف لتقليص دور التصويت
البرلماني.2
ثانيا :نقل االعتمادات
تتم عمليات نقل االعتمادات 3وتحويلها من باب آلخر بالنسبة للميزانية العامة للتسيير
والميزانيات الملحقة يمكن إجراؤها ضمن الشروط التالية:
إن عمليات نقل االعتمادات وتحويلها يمكن أن تعدل التخصيصات المتعلقة باألبواب ،وال
يجوز أن تحدث أبواب جديدة سوى في حاالت تحويل االختصاصات أو المصالح إن عملية
النقل تعدل عزم المصلحة المسؤولة على تنفيذ النفقات دون أن تعدل التخصيص األصلي
لالعتماد ويؤذن بها بموجب قرار من وزير الدولة المكلف بالمالية والتخطيط.
يتم نقل االعتمادات بموجب مراسيم رئاسية بمبادرة من الوزير األول – رئيس الحكومة
سابقا –وهي أكثر أهمية من مراسيم تحويل االعتمادات ألنها تؤدي إلى تعديل تخصيص
االعتمادات لكونها تغير طبيعة النفقة ،كما تقوم بتخفيض مبالغ فصل ليستفيد منها فصل
آخر.4
1التقرير السنوي لمجلس المحاسبة لسنة ،1995ج ر ع ،76الصادرة بتاريخ ،1997/11/19ص .15الذي جاء فيه
"عدم مراعاة قواعد القانون المالي في تنفيذ ميزانية التسيير والسيما في التقديرات والعمليات المتعلقة بالتكاليف المشتركة التي
أصبح تزايدها مبعث للقلق ( 35إلى 45من اعتمادات التسيير).
2المرجع نفسه ص .27
3تناولها نص المادة 09من األمر رقم 654/ 68المؤرخ في 30ديسمبر 1968المتضمن قانون المالية لسنة ،1969ج
ر ع ،106الصادرة بتاريخ .1968/12/31
4حسب نص المادة 33من القانون 17،/84وأيضا:
Yahia Denideni : La pratique du système budgétaire de l’Etat en Algérie, op.cit, p 279
388
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
1المرسوم التنفيذي رقم 444 /04المؤرخ في 29ديسمبر 2004يتضمن نقل اعتمادات في ميزانية و ازرة التربية الوطنية
حيث جاء في :المادة األولى يلغى من ميزانية 2004اعتماد قدره ( )449118000مقيدة في ميزانية تسير و ازرة التربية
الوطنية في األبواب المبينة في الجدول (ب) الملحق بهذا المرسوم.
-المادة الثانية ":يخصص لميزانية سنة اعتماد قدره ( 449118000دج) يقيد في ميزانية تسيير و ازرة التربية الوطنية
في األبواب المبينة في الجدول (ب) بهذا المرسوم" ج ر رقم 02الصادرة بتاريخ 05/01/2005
-المرسوم التنفيذي رقم 461/05مؤرخ في 06/12/2005يتضمن نقل اعتمادات في ميزانية تسيير و ازرة الموارد المائية،
ج ر ع ،79الصادرة بتاريخ .07/12/2005
2حسب نص المادة األولى :يلغى من ميزانية تسيير و ازرة الخارجية اعتماد قدره (2233000000دج) تقيد في ميزانية و ازرة
الشؤون الخارجية وفي الباب رقم 37/12المصالح الموجودة في الخارج العمل الدبلوماسي ،النفقات المحتملة "
3نص المادتين 33و 34من القانون .17/ 84
4وتتمثل في:
-ال تتم عملية نقل االعتمادات حسب نص المادة 33/02من القانون " 17/ 84تعدل عمليات النقل طبيعة النفقة
ضمن ميزانية نفس الو ازرة "
-ال يمكن أن تتم عملية نقل االعتمادات وال تحويلها من فصول تتضمن اعتمادات الموظفين إلى فصول أخرى
حسب نص المادة 34منن القانون " 17/ 84بصرف النظر عن أحكام المادة أعاله ال يجوز القيام بالنسبة إلى ميزانية
التسيير بأي اقتطاع من الفصول التي تتضمن النفقات المخصصة للمستخدمين إلى فصول أخرى تتضمن أنواعا أخرى من
النفقات "
ال يمكن إجراء نقل االعتمادات من فصل تتضمن اعتمادات تقييمية أو وقتية لفائدة اعتماد حصري بمعنى أن
عمليان النقل ال تتعلق و ال تمس االعتمادات الحصرية نظر لطبيعتها ،لكن تعديل المادة 32من القانون ، 17/ 84وضع
قواعد جديدة تخص تعديل هذا النوع من االعتمادات حيث تم تعديل المادة 32من القانون 17/ 84بموجب المادة 152
من المرسوم رقم 01/93المؤرخ في 1993/01/19المتضمن قانون المالية لسنة 1993ج ر ر " 04يمكن تعديل
اعتمادات الميزانية المفتوحة لفصل يتضمن نفقات التسيير خالل السنة المالية بموجب المرسوم يقضي بتحويل االعتمادات
أو نقلها ،يتخذ بناء على تقرير من الوزير المكلف بالمالية ،غير أنه يمكن أن تتم خالل السنة المالية التعديالت المتعلقة
بتوزيع اعتمادات مخصصة لفصول تتضمن اعتمادات محددة عن طريق قرار وزري مشترك بين الوزير المكلف بالمالية
والوزير المعني ،وتتم هذه التعديالت في حدود %20من التخصيص األصلي الفصل األقل تخصيصا من االثنين ،وال
يمكن ألبواب االقتطاعات أن تستفيد خالل السنة المالية من تحويل اعتمادات انطالقا من ميزانية التكاليف المشتركة ،
تحدد عند االقتضاء كيفيات تطبيق هذه المادة بنص تنظيمي ").
389
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
390
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
بعنوان صندوق ضبط الموارد ،1ويتم تمويله من فائض الجباية البترولية الناتج عن تجاوز هذه
األخيرة لتقديرات قانون المالية تم تعديل سنة 2004من خالل قانون المالية التكميلي.2
يخضع تطور المالية لصندوق ضبط الموارد لمتغيرين ،هما أوال تطور أسعار النفط في األسواق
الدولية ،والثانية تطور الوضعية المالية للخزينة العمومية ،3و"4يفتح في باب كتابات الخزينة
حساب تخصيص خاص رقم 302-103وعنوانه –صندوق ضبط اإليرادات ،يقيد في هذا
الحساب :في باب اإليرادات:
-فوائض القيمة الناتجة عن مستوى تجاوز إيرادات الجباية البترولية لتقديرات قانون المالية،
-تسبيقات بنك الجزائر الموجهة لتسيير المديونية الخارجية بكيفية فعالة.
-كل اإليرادات األخرى المتعلقة بتسيير الصندوق.
في باب النفقات:
-تمويل عجز المي ازنية دون أن يقل رصيد الصندوق عن 740مليار دينار
-تخفيض المديونية العمومية".
1إنشاء حساب تخصيص خاص رقم 302/103بموجب المادة 10من القانون 02-2000المؤرخ في 27جوان 2000
ج رع ،37الصادرة بتاريخ .2000/06/28
2قانون المالية التكميلي لسنة 2004نص المادة 66من القانون 2003/22المؤرخ في .2003/12/28
3حسين بن طاهر ،سهيلة بغنة ،صندوق ضبط الموارد آلية لضبط الميزانية العامة خالل الفترة ،200/2014مجلة الدراسات
المالية والمحاسبية واإلدارية ،الجزائر ،العدد ،2015 ،03ص .12
4المادة 25من األمر تعدل المادة 10من القانون ،2000/02بموجب األمر رقم 04/06المؤرخ في 2006/07/15
المتضمن قانون المالية التكميلي لسنة ،2006ج ر ع ،47الصادرة بتاريخ .2006/07/19
391
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
وعليه الهدف من إنشاء هذا الصندوق هو امتصاص الفائض من موارد ميزانية ،وهو ما يعني
أن تلبي احتياجات الميزانية ثم يوضع الفائض في حساب خاص تجنبا لسوء تسييره ،ويشكل
هذا الصندوق مفارقة بحيث أن الميزانية التي يصوت عليها في كل مرة عاجزة ،ليعاد لها
التوازن بواسطة هذا الصندوق ،وهو ما أثر سلبا على المعلومات المقدمة للبرلمان وشفافية
النظام الميزانياتي.
المبحث الثاني :تأثيرات العوامل الدولية على تسيير المالية العامة في الجزائر وواقع
اإلصالح في منظور المعايير الدولية للحكامة المالية
تشكل المالية العامة حقيقة تتجاوز في أبعادها وتأثيراتها السياق الوطني والدولة القطرية
نتيجة التطور التقني الهائل وأهمية قضاياها سواء لألفراد أو الدول والمنظمات ،وتسعى
المؤسسات المالية الدولية لتط وير مقاربة تسييرية (مناجيريالية) كنموذج لتسيير المالية العامة
وحال ألزمة التسيير العمومي تحت مسمى الحكامة المالية الجيدة ،وساعدها في طرح هذا
النموذج عدة عوامل من بينها :عولمة مشاريع التنمية ،وأزمة الديون ،والتحرير االقتصادي،
1
حرية التجارة ،الخصخصة والتنازل عن المرافق العامة ،وتدويل قضايا الشفافية.
تقوم الحكامة على تصور خاص بإعادة تعريف الدولة ووظائفها في شتى المجاالت،
ويحظى المجال المالي باهتمام متزايد يرجع ألهمية المالية العامة في حياة األفراد والدول،
يأتي التركيز على تناول دور الدولة تحت تأثير طروحات التشكيك في دورها كفاعل مهيمن
على صناعة السياسات المالية العامة وتنفيذها من قبل المؤسسات المالية الدولية ومن ورائها
أفكار مدرسة شيكاغو ،هذا اإلطار الجديد سمح لفاعلين جدد بالظهور والعمل على مشاركة
الدول في صناعة القرار المالي ،إذ أصبح للقطاع الخاص والمجتمع المدني تأثير متزايد في
هذا المجال سواء على المستوى المحلي أو من خالل تأثيرهما على المؤسسات المالية الدولية
في سياق العولمة االقتصادية والمالية ،فإلى جانب األجهزة الوطنية كفاعل أساسي في صناعة
القرار المالي ،تمارس المؤسسات المالية الدولية دو ار كبير في التأثير على تسيير المالية العامة
من خالل صياغة سياسات تدخلية عبر آليات الشراكة أو شروط مساعدات التنمية.
المطلب األول :تأثيرات العوامل الدولية على تسيير المالية العامة في الجزائر
1
Mohamed Harakat, Les finances publiques et les impératifs de la performance : le cas du
Maroc, op.cit., p69.
392
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
1يقصد بفكرة المشروطية أن يكون تقديم المساعدات االقتصادية مقترنا بتعهد المقترض بإجراء تعديالت معينة يتفق عليها بين
الطرفين (المقرض والمقترض) في مجال السياسيات النقدية المالية واالقتصادية أنظر في هذا :سعيد النجار ،االقتصاد العالمي
والبالد العربية في عقد التسعينات ،دار الشروق " ،1القاهرة 1991 ،ص .210
2عرفت الجزائر استفحال األزمة االقتصادية نهاية سنة 1988التي أثرت بشكل كبير على الوضعية االقتصادية بفعل
تراجع جباية المحروقات وانخفاض إجمالي الناتج المحلي الحقيقي خارج المحروقات بنسبة %1.5في المتوسط -1986
1991أنظر في هذا :مدني بن شهرة ،مرجع سابق ،ص .08
393
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
ثمانينيات القرن الماضي إلى غاية توافق واشنطن 1989الذي كان بين ثالثة وكاالت هي:
البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وقسم الخزينة األمريكية حول القاسم المشترك األدنى من
المشورة في مجال السياسة التي كانت موجهة إلى دول أمريكا الالتينية ودعوتها إلجراء
إصالحات اقتصادية تقوم على":
-االنضباط المالي -تركيز اإلنفاق العام على السلع العامة التي تشمل التعليم الصحة والبنية
التحتية - .اإلصالح الضريبي نحو توسيع القاعدة الضريبية مع تعديل معدالت الضرائب
الحدية.
-معدالت فائدة موجبة وتتحدد في السوق -معدالت صرف تنافسية –تحرير التجارة.
-االنفتاح على االستثمار األجنبي المباشر –خصخصة مؤسسات الدولة.
-إلغاء القيود التي تعيق المنافسة باستثناء تلك المتعلقة بالصحة والبيئة ،وحماية المستهلك،
1
واإلشراف الحذر على المؤسسات المالية -الحماية القانونية لحقوق الملكية".
في نهاية الثمانينات انخرطت الجزائر في برنامج لإلصالحات االقتصادية واالجتماعية
والسياسية في محاولة لمواكبة التطورات الحاصلة على المستوى الداخلي والخارجي بسب ضغط
األزمة االقتصادية االجتماعية التي أفرزها التراجع الحاد في جباية المحروقات التي تراجعت
أسعارها ف ي السوق العالمي ،حيث سجل سعر هذا األخير في السوق العالمي تراجعا من
27دوالر للبرميل في سنة 1985إلى 14دوالر للبرميل في سنة ،1986وهذا أدى إلى
انخفاض في إيرادات المحروقات النفطية بحوالي ،%20األمر الذي أثر على مالية الدولة
بشكل واضح وصاحبته أزمة اجتماعية ثم سياسية أدت إلى أحداث أكتوبر ،1988عرفت
الجزائر موجة من اإلصالحات االقتصادية الذاتية في البداية ،لكن تفاقم األزمة وعجز الميزانية
العمومية أدى إلى طلب المساعدة من المؤسسات المالية الدولية .2
أوال :التأثير من خالل المشروطية االقتصادية
بسب تفاقم األزمة االقتصادية جرى اللجوء لطلب المعونة من صندوق النقد
الدولي للحصول على تأييد المجتمع المالي الدولي في 31ماي 1989وهو ما عرف باتفاق "
1
Yuhiro Hayamis. from the washington consensus to the post-washington consensus:
retrospect and prospect, asian development review, vol.20, n°2, 2003, p54.
2خالد منة ،انهيار أسعر النفط ومحاوالت اإلصالح في الدولة الريعية الجزائر مثاال ،مجلة عمران ،المركز العربي لألبحاث
ودارسة السياسات ،العدد ،2016 ،18/15ص ص .144 ،143
394
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
ستناد باي األول " ،1على أثر هذا الطلب تم توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي يتضمن
مشروطية تتعلق بانتهاج سياسة نقدية صارمة تهدف إلى التخلص من عجز الميزانية ومواصلة
تحقيق تخفيض قيمة الدينار وتحرير األسعار" ،تعود سياسات المؤسسات المالية الدولية لبرامج
التكييف الهيكلي بسياسية المشروطية إلى أواخر السبعينيات ،وأوائل ثمانينات القرن الماضي
حيث ظهر ما يعرف باسم الجيل األول للمشروطية ،ركز هذا الجيل على آليات اإلصالح
االقتصادي لتجاوز أزمة المديونية المتفاقمة التي عرفتها بلدان العالم الثالث" ،2فالجزائر لم
تكن بمعزل عن هذه األزمة بسب تراجع عائدات المحروقات ،فلجأت إلى المؤسسات المالية
الدولية للحصول على قروض من أجل تجاوز األزمة االقتصادية التي رافقتها أزمة متعددة
األبعاد.3
:1برنامج التثبيت الهيكلي المفروض من صندوق النقد الدولي ثم البنك الدولي
أدى تعثر الجزائر عن سداد ديونها وأعبائها لتوجهها نحو نادي باريس إلعادة
جدولة ديونها ومحاولة استرداد الثقة االئتمانية لها ،واشترط الدائنون ضرورة التوصل إلى اتفاق
مع صندوق النقد الدولي كشرط مسبق ألي تفاوض ،وخالل تلك الفترة تم عقد عدة اجتماعات
بين الحكومة الجزائرية من جهة وصندوق النقد والبنك الدوليين ،فتم التوقيع على عدة برامج
تخص اإلصالحات االقتصادية تهدف في مجملها للقضاء على االختالالت االقتصادية
الداخلية والخارجية واعادة تخصيص الموارد ،واعتماد آليات السوق وتقليص تدخل الدولة في
الحياة االقتصادية .4
1تثبت مشروطية صندوق النقد الدولي من خالل اتفاق تعهد يسمى " ستاند باي " يرفق كل بلد عضو في الصندوق عندما
يطلب معونة مالية من الصندوق طلبه برسالة نوايا يشرح فيها إجراءات السياسيات االقتصادية التي سيقوم بها من أجل
استعادة التوزان في الحسابات الخارجية ،والجزائر بلد عضو في الصندوق منذ تاريخ .1963/09/26
توفيق راوية ،مرجع سابق ،ص .39 2
3قدمت حكومة مولود حمروش ما يقرب من 40مشروع قانون إصالحي كان النصف األول منها متعلق بالشق االقتصادي
باإلضافة إلى القيام بتشريعات في مجال الحريات السياسية توافقا االنفتاح السياسي الذي عرفته البالد بتبني مع دستور
.1989أنظر في هذا :باري عبد اللطيف باري ،على شتيوي ،مرجع سابق ،ص .458
4مدني بن شهرة ،مرجع سابق ص .109
395
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
وقعت الجزائر وصندوق النقد الدولي اتفاقا حصلت بموجبه على قرض بمبلغ
155.7مليون وحدة من صندوق النقد الدولي على أقساط من االستعداد االئتماني في 31ماي
،1989والتزمت الجزائر بموجب ذلك بشروط الصندوق الواردة باالتفاق":
-إجراء تغييرات هيكلية في مجال السياسة النقدية وذلك بإصدار قانون النقد والقرض1الذي
يرمي للتخلص من مهمة التمويل المباشر للمؤسسات العمومية وفتح الفضاء الجزائري أمام
اعتماد مؤسسات المالية األجنبية.
-إنهاء احتكار الدولة للتجارة الخارجية.
-االعتماد على آليات العرض والطلب وتحرير أسعار الفائدة وأسعار الصرف.
-السماح بإنشاء بنوك تجارية أجنبية منافسة تنشط وفق قوانين جزائرية.
-تطبيق األسعار الحقيقة على السلع والخدمات وذلك برفع الدعم التدريجي للدولة على المواد
المدعمة من خالل قانون المالية 1990تراجع الجزائر عن دعم القروض الموجهة للمؤسسات
العمومية وادخال تعديالت على القانون التجاري وخاصة ما تعلق بالسجل التجاري ،استحداث
إطار قانوني للمؤسسات المتوسطة والصغيرة.2".
طبقت الجزائر مجمل الشروط الواردة باالتفاق األول" بالنظر لكون اإلجراءات ال
تمس في جوهرها النظام المؤسساتي القائم لغاية ذلك التاريخ ،وتم التخلص من عجز الميزانية
وتحديد نمو الكتلة النقدية في حدود 7في المئة سنويا كما تم إصدار قوانين تحرير األسعار".3
ب -تدخل البنك الدولي لفرض مشروطيته مع الصندوق عبر برنامج التثبيت االقتصادي
الثاني من 03/06/1991إلى 1992
نظ ار لعدم تحسن الوضعية االقتصادية والمالية بعد تطبيق االتفاق األول لجأت الحكومة
الجزائرية مرة أخرى إلى الصندوق النقد الدولي إلنقاذها من األزمة واالستعانة بقروضه التي تم
من خاللها تمرير شروطه " بموجب اتفاق البرنامج االستعدادي الثاني حصلت على قرض قدره
300مليون وحدة ما يعادل 400مليون دوالر توزع على أربع أقساط كل قسط 100مليون
1من بين القوانين المهمة الصادرة نتيجة مشروطية صندوق النقد الدولي القانون رقم 10/90المؤرخ في 14أفريل 1990
يتعلق بالنقد والقرض ،ج ر ع ،16المؤرخة في 18أفريل .1990
2المرجع نفسه ،ص ص 111 ،110وأيضا ن شتيوي علي ،دور صندوق النقد والبنك الدوليين في تكريس الحكم الراشد بالدول
النامية :دراسة حالة الجزائر ،أطروحة دكتوراه نظام ل م د في العلوم السياسية ،تخصص :منظمات دولية واقليمية والحكم
الراشد ،جامعة محمدخيضر بسكرة ،2018/2019 ،ص .209
3خالد منة ،انهيار أسعار النفط ومحاوالت اإلصالح في الدولة الريعية الجزائر مثاال ،مرجع سابق ،ص .145
396
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
دوالر تم االتفاق في سرية تامة"،1جاءت بنود االتفاق الثاني أكثر قساوة ومشروطية من االتفاق
األول( مشروطية البنك الدولي تكمل مشروطية الصندوق النقد الدولي) الرتباطها بتحرير
التجارة الخارجية ومراقبة كمية القروض المصرفية الموجهة خصيصا إلى المؤسسات العمومية،
مع رفع أسعار الفائدة ،تخفيض قيمة الدينار ،وتحرير األسعار مع تجميد األجور.2
نشير هنا أن الجزائر سحبت ثالث أقساط فقط ولم يتم سحب القسط الرابع لعدم احترام
الجزائر آنذاك لمحتوى االتفاق بسب توجيه الحكومة الجزائرية القرض ألغراض أخرى غير تلك
المحددة في بنود العقد لمحاولة امتصاص الغضب االجتماعي ،3وهدف االتفاق الثاني لتحقيق
عدة نقاط":
-إصالح المنظومة المالية بما فيه إصالح النظام الضريبي والجمركي واالستقاللية المالية
للبنك المركزي.
-تخفيض قيمة سعر الصرف واعادة االعتبار للدينار الجزائري.
-تحرير التجارة الخارجية وكذلك الداخلية والعمل على رفع صادرات النفط.
-تشجيع أنواع االدخار والتخفيض من االستهالك وترشيده.
-تحرير أسعار السلع والخدمات والحد من تدخل الدولة وضبط عملية دعم السلع الواسعة
4
االستهالك بتقليل اإلعانات".
تنفيذا لمحتوى هذا االتفاق تم إصدار عدة قوانين لغرض التحول نحو تبني اقتصاد
السوق لغرض تحسين وضعية المالية العامة 5تشجيع االستثمار الخارجي ،6رغم قصر مدة
االتفاق فإنه تم تحقيق نتائج مباشرة تمثلت في خفض المديونية الخارجية من 28.379مليار
دوالر سنة 1990إلى 7 .27مليار دوالر سنة 1992مع ارتفاع في خدمة الدين لتصل إلى
1على شتيوي ،دور صندوق النقد والبنك الدوليين في تكريس الحكم الراشد بالدول النامية :دراسة حالة الجزائر ،مرجع سابق،
.210
2خالد منة ،انهيار أسعار النفط ومحاوالت اإلصالح في الدولة الريعية الجزائر مثاال ،مرجع سابق ،ص 145
3كرية النشاشيبي وآخرون ،الجزائر :تحقيق االستقرار والتحول نحو اقتصاد السوق ،صندوق النقد الدولي ،واشنطن ،ص
ص .31،22
4مدني بن شهره ،مرجع سابق ،ص .112
5المرسوم التنفيذي رقم 196/91المؤرخ في /28ماي 1991والمتضمن تنظيم المعامالت الخاصة القيم المنقولة ،ج ر ع
26المؤرخة في 01جويلية .1991
6القانون رقم 21/91المؤرخ في 4ديسمبر 1991المتعلق باألنشطة والبحث واالستغالل مع الشريك األجنبي ج ر ع ،63
المؤرخة في 07ديسمبر .1991
397
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
%76.5سنة ،1992وبلوغ رصيد الخزينة 14مليار دوالر نتيجة سياسة التقشف التي اعتمدتها
الحكومة تنفيذا لشروط صندوق النقد الدولي.1
صندوق النقد الدولي ،أنظر في هذا :الهادي خالدي ،المرآة الكاشفة لصندوق النقد الدولي ،دار هومة للنشر ،الجزائر،
،1996ص 202وما يليها.
3المرجع نفسه ،ص 202وما يليها.
4يعبر الوزير األسبق للمالية عبد اللطيف بن أشنهو عن هذا الوضعية بقوله " كانت الجزائر تختنق بحبل من الديون بالعلة
الصعبة التي غالبا ما ابرمها باستخفاف هؤالء الحكام المتعاقبون مع المؤسسات المالية الدولية وكلما طرأت أزمة التسديد
إال ويبرز ذلك البديل المرير "...أنظر في هذا ،مراد بن أشنهو ،عصرنة الجزائر ،حصيلة وآفاق ،2009-199 ،فيفري،
،2004ص .40
5محمود حشماط ،مرجع سابق ،ص .103
398
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
-اتباع سياسة مالية تقوم على الحد من عجز الميزانية بواسطة التحكم في النفقات العامة
وتخفيض مستوياتها ،تحسين النظام الضريبي ورفع أسعار المنتوجات والخدمات العامة والتخلي
عن دعم المواد األساسية في المجتمع.
-اتباع سياسية نقدية قوامها رفع أسعار الفائدة وادارة المديونية من أجل تقليص حجم الواردات
وتشجيع الصادرات لـتأمين المزيد من العملة الصعبة ،وهو ما يتطلب إلغاء كافة القيود على
التجارة الخارجية وترشيد التعريفة الجمركية ،وهي كلها جملة من اإلجراءات تقتضيها العولمة
االقتصادية"
حسب خبراء صندوق النقد الدولي فإن الجزائر قد حققت التوازنات الكبرى ،وذلك من
خالل التزامها بتطهير مؤسسات القطاع العام واعادة هيكلتها ،وكذا تخفيض عجز الميزانية
إلى %1.4من الناتج الداخلي الخام سنة 1995بعد أن كان %4.4سنة ،1994األمر الذي
لقي إشادة من قبل خبراء صندوق النقد الدولي على اعتبار أن الحكومة الجزائر نفذت الشروط
المتفق عليها بموجب االتفاق الموسع الرابع ،لكن في المقابل يجمع خبراء االقتصاد على أن
التوازنات االقتصادية الكبرى المحققة لم تخرج االقتصاد الجزائري خالل تلك الفترة من دائرة
الخطر.1
من الشروط التي تم االلتزام بموجب االتفاقات المبرمة بين الحكومة الجزائرية
وصندوق النقد الدولي السماح بخوصصة ملكية القطاع العام وانسحاب الدولة من الفضاء
االقتصادي التنافسي وجعل آليات السوق تتحكم في النشاط االقتصادي ،فكانت البداية مع
المادة 24من قانون المالية التكميلي لسنة 1994المرافقة بوثيقة واردة من و ازرة إعادة الهيكلية
الصناعية والمشاركة تحت عنوان "تصحيح االقتصاد الوطني وسياسة إعادة الهيكلة الصناعية
1سمية بلغنو ،اإلصالحات الهيكلية واإلصالحات المؤسساتية في الجزائر أطروحة دكتوراه ،كلية العلوم االقتصادية والتجارية
وعلوم التسيير ،جامعة الجزائر ،2015/2014 ،3ص ص84 ،83
399
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
"التي سمحت بحق التصرف والتنازل عن األصول الثابتة ،1عكس هذا تنفيذا لاللتزام تجاه
المؤسسات المالية الدولية المانحة بتبني نهج الخوصصة.2
من النتائج المباشرة لمشروطية الصندوق والبنك الدوليين صدور األمر 22/95
المتضمن قانون خوصصة المؤسسات العمومية االقتصادية ،3ونظ ار للظروف السياسية
االقتصادية واالجتماعية التي كانت تمر بها البالد فإن طابع االستعجال ظهر في نصوصه
التي تم تعديلها قبل البدء في تطبيقها بموجب األمر 497/12واشتمل التعديل على 10مواد
لغرض إضفاء المرونة على إجراءات الخوصصة ومنح العديد من االلتزامات من المزايا
للمستثمرين بغرض إعطاء دفعة قوية لعملية الخوصصة ،5ثم إصدار األمر 6 25-95المتعلق
بتسيير رؤوس األموال التجارية التابعة للدولة ليضع القواعد الخاصة بتنظيم وتسيير ومراقبة
األموال العمومية التي تحوزها الدولة في شكل أسهم أو قيم منقولة أخرى ،7ثم جاء األمر -01
8 04المتعلق بتنظيم المؤسسات العمومية االقتصادية وتسييرها وخوصصتها لغرض تجاوز
اإلشكاليات التي طرحتها عملية الخوصصة وتنازع الصالحيات نتيجة تعدد األطراف المتدخلة
في العملية بين المجلس الوطني للخوصصة والمجلس الوطني لمساهمة الدولة ،والشركات
1فتح المجال للمؤسسات العمومية للتنازل عن أصولها لألشخاص الطبيعيين والمعنويين الخاصين وأعطى المؤسسات حق
التصرف في فتح رأسمالها لمؤسسات القطاع الخاص أنظر في هذا المادتين 24و 25المرسوم التشريعي رقم 08/94
المؤرخ في /26/05المتضمن قانون المالية التكميلي لسنة ،1994ج ر ع ،33الصادرة بتاريخ .1994/05/28
2محمود حشماط ،مرجع سابق ،ص 121
األمر 22/95المؤرخ في 1995/08/26يتعلق بخوصصة المؤسسات العمومية ،ج ر ع ،48الصادرة بتاريخ 3
.1995/09/03
4األمر 12/97المؤرخ في 1997/03/19يعدل ويتمم األمر رقم 22/95والمتعلق بخوصصة المؤسسات العمومية ،ج ر
ع ،15الصادرة بتاريخ .1997/03/19
5حيث ألغي السهم النوعي الذي كان يمنح الدولة حق التدخل في المؤسسة العمومية بعد خوصصتها ،وأدرج ترتيبات قانونية
للتنازل لفائدة عمال المؤسسة العمومية المخوصصة .أنظر في هذا :بن نعمان حمادو ،تقييم برنامج خوصصة المؤسسات
العمومية في الجزائر ،مجلة األصيل للبحوث االقتصادية واإلدارية ،الجزائر ،العدد الثاني ،2017،ص .163
6األمر 25-95المؤرخ في 25سبتمبر 1995يتعلق بتسيير رؤوس األموال التجارية التابعة للدولة ،ج ر ع ،55الصادرة،
بتاريخ .1995-09-27
7بعد صدور القانون تم إنشاء 11شركة قابضة عمومية ذات الطابع الوطني و50شركات قابضة جهوية ،تضم كل واحدة
منها 60إلى 170مؤسسة عمومية اقتصادية ،أنظر في هذا :بن نعمان حمادو ،مرجع سابق ،ص .164
8أمر رقم 04-01مؤرخ في 2001-08-20يتعلق بتنظيم المؤسسات العمومية االقتصادية وتسييرها وخوصصتها ،ج ر
ع ،47الصادرة بتاريخ .2001-08-22
400
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
القابضة والنصوص الواردة في األمرين 25-95و ،22-95حيث ألغى هذا التداخل في
الصالحيات وحسم مسألة تنظيم تسيير وخوصصة المؤسسات العمومية االقتصادية. 1
كما صدرت عدة ترتيبات قانونية متعلقة بموضوع الخوصصة وحل مؤسسات
القطاع العام خالل الفترة الممتدة من 2001إلى غاية 2009حيث صدر األمر 01-09
المتضمن قانون المالية التكميلي لسنة 2009الذي جاء فيه قرار تسقيف المساهمة األجنبية
بـ ـ %51من رأسمال المؤسسة العمومية المفتوحة للخوصصة أي إلغاء الخوصصة لفائدة
المستثمرين األجانب.2
401
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
كما سبقت اإلشارة إليه برامج التثبيت الهيكلي المدعمة من قبل صندوق النقد الدولي كما عززت
هذه البرامج من خالل قيامها بعد اتفاق التعديل الهيكلي مع البنك الدولي سنة 1996لغرض
دعم واستكمال مسار التصحيح الهيكلي وكان من أهداف هذا البرنامج المشار إليه آنفا تدعيم
وترقية القطاع الخاص واعطائه دو ار نشيطا في عملية التنمية االقتصادية ،فكان أول برنامج
لعملية الخوصصة في أفريل 1996مدعما من قبل البنك الدولي واستفادت منه حوالي 200
مؤسسة في سياق البحث عن تقليص دور الدولة في إدارة المشروعات اإلنتاجية ومساهمة
القطاع الخاص في القيام بهذا الدور وفتح باب االستثمار أمام الرأسمال األجنبي وجذب
مدخرات القطاع الخاص.
بعد تراجع أسعار البترول في السوق العالمي بداية من 2014وتراجع احتياطي
العملة الصعبة ،ورغم ما تم تحقيقه من ضبط مالي إال أن االعتماد المفرط على عائدات
جباية المحروقات جعل خبراء البنك وصندوق النقد الدوليين يدقون نقوس الخطر من جديد،1
وبدأ الحديث مجددا عن شبح المديونية و االستدانة الخارجية والتي أثبتت تجارب الدول النامية
فشل محاوالت اإلصالحات فيها .والجزائر واحدة منها ،وفي هذا اإلطار يرى كل ألكسندر
شكوليتكوف وجون د سوليفيان" أن شروط اإلقراض تجعل القروض عبء على الدول النامية،
باعتبارها تقيد دور المؤسسات السياسية الوطنية ،وتحد من تطوير المؤسسات الديمقراطية
لمؤسسة التمويل فيليب لوهورو أن سنة 2017تعتبر عاما استثنائيا لدعم وتنمية القطاع الخاص ،أنظر في هذا ،مجموعة
البنك الدولي ،مؤسسة التمويل الدولية ،التقرير السنوي سنة 2017ـ تهيئة األسواق ،على الرابط :
https://www.ifc.org/wps/wcm/connect/bc0b4765-d78b-4dac-9868-fb8bdefda01e/IFC-
AR17-Full-Report-Vol-1-ARABIC_v1.pdf?MOD=AJPERES&CVID=l.-TMVQ
تاريخ االطالع.19/09/2019 :
1حيث جاء في البيان الصحفي الصادر عقب اختتام بعثات صندوق النقد الدولي للجزائر من 27فيفري إلى 23مارس 2018
في إطار مشاورات المادة 04لعام 2018أنه " وبغض النظر عن مزيج السياسات الذي تعتمده السلطات ،يتعين وجود كتلة
حرجة من اإلصالحات الهيكلية تدعم ظهور اقتصاد متنوع بقيادة القطاع الخاص وتحد من االعتماد على النفط والغاز.
ولتحقيق ذلك ،يتعين التحرك في الوقت المناسب على عدة جبهات للحد من الروتين اإلداري ،وتحسين فرص الحصول على
التمويل ،وتعزيز الحوكمة ،الشفافية والمنافسة ،وفتح االقتصاد بدرجة أكبر أمام االستثمار األجنبي ،ورفع كفاءة أسواق العمل
وتحسين التوافق بين الوظائف المتاحة ومهارات العمالة ،وتشجيع زيادة مشاركة اإلناث في سوق العمل .ولتعزيز فعالية
السياسات االقتصادية ،ينبغي أن تعمل الجزائر أيضا على مواصلة تقوية أطر سياساتها االقتصادية ،وهو ما يتضمن تعزيز
" الرابط على متاح العام"، اإلنفاق كفاءة ورفع العامة، المالية إدارة
https://www.imf.org/ar/News/Articles/2018/03/12/pr1882-imf-staff-completes-2018-
article-iv-visit-to-algeriaتاريخ االطالع.19/09/2019 :
402
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
المسؤولة ،والواقع أن محاولة الوفاء بعشرات الشروط قد تصبح عائقا أمام صناع القرار في
عملية اإلصالح ،و ليس من الممكن فرض اإلصالحات المؤسسة على الدول بواسطة شروط
تأتي من الخارج ،بل ينبغي تصميم هذه اإلصالحات وتطويرها داخليا ". 1
لقد أدركت المؤسسات المالية الدولية بداية من تسعينيات القرن الماضي المؤسسات
المالية الدولية أن سياسة المساعدات المشروطة اقتصاديا التي انتهجتها ليست ضمانا لنجاح
اإلصالحات ،فلقد أدت هذه الوصفات إلى أزمات اقتصادية طاحنة في إفريقيا جنوب الصحراء
في حين كانت دول جنوب شرق آسيا تعرف تحوال سريعا في معدالت النمو االقتصادي دون
االعتماد على هذه الوصفات ،2فبدأت المؤسسات المالية الدولية والدول المانحة ممارسة
الضغوط السياسية واالقتصادية على الدول النامية من خالل التركيز على اإلصالحات السياسة
لما صار يعرف" بالمشروطية السياسية " أو " الحكامة الجيدة " ،فلقد عرف تصور البنك
الدولي تحوال في عام 1994من خالل إعادة النظر في تطوير الدولة ودعم المؤسسات
التشريعية والالمركزية ،ليضاف مبدأ المشاركة كبعد مهم من أبعاد الحكامة وكوسيلة لتسهيل
عملية التنفيذ ،كما قام صندوق النقد الدولي 1996بالتركيز على اإلصالحات المؤسسية
لمساعدة الدول على بناء ثقة القطاع الخاص في النظام ،والمحافظة على تلك الثقة ،كما زاد
االهتمام بموضوع الحكامة الجيدة في جميع المجاالت ،وأصبح معنيا أكثر بقضايا الفساد بحجة
أنها تؤثر على السياسات المالية واالقتصادية الكلية.3
أرجعت المؤسسات المالية فشل سياسيات التعديل الهيكلي إلى نتيجة مفادها
التشكيك في الدولة الوطنية واعتبارها غير مناسبة لتنفيذ السياسيات المطلوبة " سوء أو أزمة
حكامة "أدت إلى سوء تخصيص للموارد وتدخل حكومي مفرط وغير فعال ،وانتشار للفساد
أدى إلى الحد من تطور القطاع الخاص ،4وعليه صاغت أهم مؤسستين ماليتين هما البنك
وصندوق النقد الدولي رؤية لمشروطية سياسية عبر إصالحات مؤسساتية تهتم بإيجاد مفهوم
1صباح األمامي ،عباس كاظم ،جياد فياض ،الخصخصة وتأثيرها على االقتصاد الوطني ،مركز الكتاب األكاديمي،
األردن ،2014 ،ص 440
2توفيق راوية ،الحكم الرشيد والتنمية في إفريقيا ،مرجع سابق ،ص ص .41 ،40
3ليلى البرادعي ،الحكم الرشيد والتنمية ،مرجع سابق ،ص ص .424 ،423
4أحمد صادق زاوي ،مرجع سابق ،ص .47
403
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
للحكامة الجيدة يقوم على زيادة شفافية ومشاركة المجتمع المدني والقطاع الخاص في صناعة
القرار.1
-1فعالية الدولة:
تجسد اهتمام البنك وصندوق النقد الدوليين بمسألة فعالية الدولة في تقرير للبنك
الدولي سنة 1997فبعد التركيز على الجانب االقتصادي من خالل سياسيات التعديل الهيكلي
التي أثبتت فشلها بشهادة خبراء المؤسسة نفسها تمت الدعوة لضرورة تحديد أدوار جديدة
للدولة ،2وعودة االعتراف ببعض األدوار التي يمكن للدولة القيام بها مع أطراف الحكامة
القطاع الخاص والمجتمع المدني ،مع التركيز على أهمية اإلصالحات المؤسساتية واإلدارية
،يركز البنك الدولي على أهمية الديمقراطية كدعامة للحكامة العامة الجيدة التي تأتي في
سياق تجسيد الحكامة المالية الجديدة ،حيث اهتمام البنك الدولي يبحث عن تحقيق فعالية
الدولة كشريك ومحفز للقطاع الخاص والمجتمع المدني وليس ليحل محلهما ،في هذا اإلطار
يهتم البنك الدولي في تقديم القروض للدول النامية بمسألة الديمقراطية باعتبارها دعامة للحكامة
الجيدة تسمح بتحقيق أهدافه في ترسيخ المناجمنت العمومي الجديد ،جسد البنك الدولي توجهه
هذا من خالل استراتيجية محاربة الفقر ( ، )2000-1999فمؤسسات الحكامة التي توصي
بها المنظمات الدولية تتوافق مع نتائج األداء الجيد وليست الطريقة التي أوصلت إلى هذه
النتائج وهو انعكاسات للمؤشرات المطورة من قبل البنك الدولي مثل قياس "فعالية الحكومة
"أو" نوعية اإلدارة ".3
تحث المؤسسات المالية الدولية ممثلة في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الحكومة
الجزائرية على ضرورة االلتزام بمعايير الحكامة متمثلة في الشفافية ،المساءلة ،محاربة الفساد،
المشاركة ،وفقا لمؤشرات الفرعية للحكامة التي يعدها البنك الدولي تحتل الجزائر مراتب متدنية
1خلصت عدد من الدارسات التي قام بها باحثون لدى البنك وصندوق النقد الدولي إلى أهمية جودة العوامل المؤسساتية كعامل
محدد للنمو االقتصادي والتنمية .أنظر في هذا :الملحق المتعلق بالدارسات التجريبية حول العالقة بين الحكامة والنمو
االقتصادي ،المرجع نفسه ،ص .426
2جاء في تقرير البنك الدولي لسنة " 1997أن التنمية ليست مجرد الحصول على المدخالت االقتصادية والتقنية الصحيحة،
وانما أيضا البيئة المؤسسية الداعمة لها :أي القواعد واألعراف التي تحدد كيفية استخدام تلك المدخالت " ...أنظر في هذا،
البنك الدولي ،تقرير عن التنمية في العالم -الدولة في عالم متغير ،01/09/1997-ص 03على الرابط:
http://documents.albankaldawli.org/curated/ar/142321468338941655/World-
development-report-1997-the-sta
3أحمد صادق زاوي ،مرجع سابق ،ص .335
404
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
لنوعية البنية المؤسساتية في أغلب أبعاد الحكامة ،عرفت تدهو ار مستم ار خاصة في مؤشر
الجودة التنظيمية ،تراجع مؤشر سيادة القانون ،تدهور في مقدرة الحكومة في السيطرة على
1
الفساد.
هذه المؤشرات التي يصدرها البنك الدولي عبر تقاريره المختلفة تعتبر أداة للضغط على
الحكومة الجزائرية لتحسين البنية المؤسساتية المرتبطة بشكل مباشر بالمالية العامة واإلنفاق
العام ،وكذا تأثيرها على جذب االستثمار األجنبي الذي ال يحبذ االستثمار والمغامرة في البيئة
المؤسساتية التي تعاني من اختالالت عميقة تعرف بانتشار الفساد وانعدام الجودة التنظيمية
وعدم استقرار القوانين.
يدعو صندوق النقد الدولي في إطار مشاورته للمادة الرابعة من خالل رئيس البعثة
"جون فرانسوا دوفان " الجزائر إلى" اتخاذ إجراءات لتحسين بيئة األعمال وامكانية الحصول
على التمويل ،وتعزيز الحوكمة والشفافية ،وزيادة فعالية سوق العمل ،وضمان االتساق بين
المهارات التي ينتجها النظام التعليمي ويسعى إليها الطالب من ناحية واحتياجات أصحاب
العمل من ناحية أخرى ... ،ينبغي تصميم االستراتيجية الكلية وتحديد تسلسل خطواتها بحيث
تكون اإلصالحات داعمة لبعضها البعض ويكون تقاسم عبء التكيف االقتصادي عادال.
وينبغي التحرك على هذا المسار دون تأخير نظ ار للفترة التي تستغرقها اإلصالحات الهيكلية
2
حتى تؤتي ثمارها"...
- 2مشاركة المجتمع المدني
تستند مسألة فعالية الحكومة من منظور المؤسسات المالية الدولية للحكامة على
دور فعال للمجتمع المدني كأحد آليات الرقابة الشعبية على األداء الحكومي ،حيث فعالية
الحكومات حسب البنك الدولي ترتبط بمدى القدرة على االستماع إلى دوائر األعمال
والمواطنين ،3وبالنظر لعالقة التداخل الموجودة بين المجتمع المدني والرشادة السياسية ،تضع
1أنظر في هذا الملحق المتعلق بمؤشرات الحكامة في الجزائر بين 1996إلى غاية .2018
صندوق النقد الدولي ،البيان الصحفي رقم 17-90المتعلق باختتام بعثات صندوق النقد الدولي إلى الجزائر في إطار 2
405
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
المؤسسات المالية الدولية إشراك المجتمع المدني في عملية صنع القرار ضمن أولوياتها حيث
يتم ذلك من خالل عدة آليات من بينها:
-توسيع المشاركة الشعبية في الحكم وتمكين المواطنين من االطالع على كل المعلومات،
خاصة في الق اررات المالية المتعلقة بفرض الضرائب واإلنفاق العام.
-تنمية ثقافة الديمقراطية لدى المواطنين من خالل اكتساب قيم الحوار وقبول اآلخر واالختالف
ومساءلة القيادات.
-تفويض السلطة وتعزيز الالمركزية لتمكين المجتمع المدني من المساهمة المباشرة في اتخاذ
الق اررات والتركيز في المستوى المحلي على اآلليات التي تعزز المساءلة األفقية والمنافسة –
وكذلك الحوافز األفقية في عالقة الحكومة ببقية المجتمع.1
يضع البنك الدولي تقوية مشاركة منظمات المجتمع المدني كأولوية قصوى
"وأصبحت المشاركة المدنية جزءا ال يتج أز من استراتيجية البنك الدولي التي تهدف إلى تقوية
مناخ االستثمار وتشجيع التمكين من أسباب القوة في البلدان النامية ،كما أنها تعتبر جزءا من
وتجسد هذا من خالل وثيقة استراتيجية تخفض أعداد الفقراء ،أجندة 2
أنشطة البنك الدولي "
التنمية العالمية في القمم العالمية مونتيري ،الدوحة ،وجوهانسبورغ ،أين يعتبر البنك الدولي
المشاركة البناءة للمجتمع المدني عامال مهما في مساندة جهود البلدان النامية لتحقيق األهداف
اإلنمائية لأللفية الجديدة .3
تقوم عالقة البنك الدولي بالحكومة الجزائرية خالل الفترة األخيرة منذ عام 2010التي
عرفت ارتفاعا في جباية المحروقات على تعزيز إطار الشراكة االستراتيجية وتقديم االستشارات
لمساندة تحقيق األولويات اإلنمائية ،غير أنها تسجل في تقريرها حالة التعتيم في تسيير المالية
http://documents.albankaldawli.org/curated/ar/142321468338941655/World-
development-report-1997-the-staتاريخ االطالع.2016/06/08 :
1المرجع نفسه ،ص ص .13،12
2البنك الدولي ،قضايا وخيارات لتحسين المشاركة بين البنك الدولي ومنظمات المجتمع المدني ،وثيقة رقم ،34160مارس
،2005ملخص الوثيقة.
3تعمل في إطار الشراكة العالمية من أجل المساءلة االجتماعية 37حكومة تدعم حكوماتها المجتمع المدني في أراضيها
وانضمت إليها أكثر من 130منظمة للشراكة بصفتها "شركاء عالميين " ،تعمل أجندة التنمية ما بعد 2015على تعزيز
الشراكة بين ا لمجتمع الدولي والشركاء اإلقليمين والوطنيين والمحليين معا لالستجابة المحلية للمطلب الشعبي .أنظر في هذا:
البنك الدولي ،األهداف اإلنمائية لأللفية ما بعد ،2015على الرابطhttp://blogs.worldbank.org/ar/voices/poor- :
bank-and-post-2015-development-agendaتاريخ االطالع.15/08/2019 :
406
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
العامة وغياب مشاركة المواطن التي تشكل عنص ار أساسيا في الوفاء بالوعود المقطوعة بتحقيق
1
نتائج إنمائية أفضل واعادة بناء الثقة بالحكومة.
من جانبه ،صندوق النقد الدولي عقد مؤتم ار استضافته المغرب في جانفي 2018
حضره أكثر من 400ممثل عن القطاعين الرسمي والخاص والمجتمع المدني والشباب لتحديد
أولويات اإلصالح التي ركزت على المساءلة والشفافية والمنافسة في تحقيق التحرك اآلني نحو
اإلصالح من خالل عمل الصندوق مع البلدان ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص
والمؤسسات المالية الدولية لتنفيذ اإلصالحات في منطقة والشرق األوسط وشمال إفريقيا التي
تعاني بلدانها ومن بينها للجزائر من ضعف الحكامة التي تعرقل أدائها.2
-3محاربة الفساد
تركز أدبيات المؤسسات المالية الدولية وفي مقدمتها البنك الدولي على ضرورة
محاربة الفساد كمدخل لتحقيق التنمية ،وترجع فشل سياستها للتعديل الهيكلي إلى وجود أزمة
حكامة وانتشار الفساد في الدول التي حصلت على قروضه ،وعليه يربط البنك الدولي بين
وجود آليات لمكافحة الفساد وتقديم القروض ومساعدات التنمية للدول المقترضة ،ويرى أن
الفساد يقوض عملية التنمية في كافة أبعادها ،3فتحويل الموارد المالية عن مشروعات التنمية
من خالل االحتيال والفساد والتواطؤ واإلكراه أو اإلعاقة تنقص من قدرة الحكومات والجهات
1البنك الدولي ،حلقة نقاش رفيعة المستوى حول شفافية المالية العامة في الشرق األوسط وشمال أفريقيا ما الذي تفعله
الحكومات العربية باألموال العامة؟ 17/04/2018 ،على الرابط:
https://www.albankaldawli.org/ar/events/2018/04/12/high-level-roundtable-on-fiscal-
transparency-in-the-middle-east-and-north-africaتاريخ االطالع.2019/05/08 :
2صندوق النقد الدولي ،دراسة استقصائية لألوضاع االقتصادية والمالية العالمية ،آفاق االقتصاد اإلقليمي مستجدات منطقة
الشرق األوسط وشمال إفريقيا ،ماي ،2018ص .11
3حيث صرح رئيس مجموعة البنك الدولي روبرت زوليك -أثناء اإلعالن عن مبادئ تعزيز الجهود المبذولة لمكافحة الفساد
العالمي -بقوله " الفساد يسرق الفقراء ،ويؤدي إلى إضعاف أسس المنافسة العادلة ،وتشويه عملية تخصيص الموارد ،وتدمير
ثقة الجمهور ،وتقويض سيادة القانون .وهذا اإلعالن سيساعد في بناء زخم وقوة دفع الستجابة دولية منسقة لمكافحة مختلف
أشكال الفساد التي تعوق التقدم االقتصادي واالجتماعي في البلدان المتقدمة والصاعدة والنامية ".على الرابط:
https://www.albankaldawli.org/ar/news/press-release/2011/04/13/world-bank-and-
تاريخ االطالع: .enforcement-partners-commit-to-a-declaration-to-counter-global-corruption
.2019/06/07
407
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
المانحة على تحقيق األهداف المتمثلة في تخفيض أعداد الفقراء ،وجذب االستثمار ،وتشجيع
تحسين التسيير العمومي.1
وبناء عليه يشت رط البنك الدولي لتقديم القروض وجود آليات محددة وعقوبات
واضحة لمحاربة الفساد ،فقد أنشأ البنك سنة 2001إدارة النزاهة المؤسسية للتحقيق في
ادعاءات االحتيال والفساد ،وفي عام 2007صادق مجلس إدارته على استراتيجية بعنوان"
تعزيز اشتراك البنك الدولي في تحسين نظام إدارة الحكم ومكافحة الفساد" ،كما يعمل البنك
الدولي لضمان كفالة المساءلة والشفافية من خالل اآلليات المؤسسية التي تقوم بمتابعة أداء
العمليات من خالل مجموعة التقييم المستقلة عبر تقديم تقيم النتائج واألداء ،كما أسس المجلس
هيئة التفتيش لتكون آلية مساءلة مستقلة على مستوى مالية دولية لمتابعة حاالت الضرر بسب
المشروعات التي يمولها البنك ،وفي إطار التزام محاربة الفساد ومنع وقوعه يقوم مكتب نائب
الرئيس لشؤون النزاهة بالتحقيق في مزاعم االحتيال والفساد حيث أصدر سنة 2019حظ ار
لتعامل مجموعة البنك الدولي مع 53شركة وشخصا و 33ق ار ار للحرمان بسب قضايا الفساد.2
كما يركز صندوق النقد الدولي على ضرورة محاربة الفساد ويعتبرها أولوية ضمن
الشروط الواجب توفرها في الجهات المقترضة منه ،وقد بدأ الصندوق هذه العملية من الداخل
ب التأكيد على نظام الحكامة في الصندوق لغرض مواكبة التطورات الحاصلة في االقتصاد
العالمي،3
تستند استراتيجية الصندوق في منح القروض للدول التي تلجأ إليه على بعدين أساسين هما:
-ضرورة وجود معايير لمكافحة الفساد في الدول المقترضة كشرط أساسي للحصول على موارد
الصندوق وهي معايير تندرج ضمن سياسة المشروطية للصندوق.
-القيام ببرامج إصالح اقتصادي بدعم من الموارد التمويلية للصندوق لن يحقق أي نتيجة ما
لم تكن مدعمة بمعايير ذات مصداقية لمكافحة الفساد ،تقوم استراتيجية التخفيف من الفساد
لصندوق النقد الدولي على أربع لبنات أساسية تتمثل في الشفافية كمطلب أساسي ،تعزيز سيادة
1البنك الدولي ،إرشادات بشأن مكافحة الفساد ،إرشادات بشأن منع ومكافحة الفساد في المشروعات التي تمولها قروض
البنك الدولي لإلنشاء والتعمير واعتمادات ومنح المؤسسة الدولية للتنمية15 ،أكتوبر .2006على الرابط:
https://www.worldbank.org/content/dam/documents/sanctions/other-
documents/osd/arabic112907.pdfتاريخ االطالع.2019 /07/06 :
2البنك الدولي ،التقرير السنوي للبنك الدولي ،2019إنهاء الفقر واالستثمار في الفرص ،ص .75
3مكتب التقييم المستقل ،الحوكمة في صندوق النقد الدولي :تقييم ،صندوق النقد الدولي ،2008 ،ص .9
408
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
القانون والغاء القيود التنظيمية وتبسيط ،ووضع إطار قانوني واضح في ظل وجود مؤسسات
فعالة ومتمتعة باستقاللية وقيادة تعطي المثال وتتخذ اإلجراءات الحاسمة عند الحاجة لذلك.1
هذا ويركز الصندوق في تقريره المتعلق بسياسة المالية العامة الداعمة للنمو في
منطقة الشرق األوسط وشمال إفريقيا على أهمية إتباع منهج شامل للحكامة ومكافحة الفساد
يشمل مجاالت خارج النطاق المباشر لحكامة المالية العامة مثل تبسيط القواعد التنظيمية التي
تؤدي إلى تحسين بيئة األعمال.2
في ظل الوفرة المالية اآلتية من ارتفاع عائدات المحروقات فإن الحكومة الجزائرية
ليست في حاجة في الظروف الحالية لالستدانة الخارجية من البنك الدولي وااللتزام بإرشاداته
في مجال محاربة الفساد كشرط للحصول على القروض أو اللجوء لصندوق النقد الدولي واتباع
استراتيجية في مجال مكافحة الفساد ،وتعزيز حكامة المالية العامة ،ومع ذلك فقد عملت على
اعتماد ترسانة قانونية معتبرة في مجال الوقاية من الفساد ومكافحته تتمثل في نصوص قانونية
وأجهزة تسهر على محاربة الفساد وهدر المال العام ،3لكن الواقع الذي يكشفه مؤشر مدركات
الفساد العالمي الذي تعده منظمة الشفافية الدولية 4أشار لتراجع ترتيب الجزائر في تصنيف
1صندوق ا لنقد الدولي ،مكافحة الفساد مطلب أساسي لتحقيق النمو واالستقرار االقتصادي الكلي ،نشرة الصندوق
اإللكترونية11 ،ماي .2016على الرابط:
.https://www.imf.org/external/arabic/pubs/ft/survey/so/2016/RES051116Aa.pdf
تاريخ االطالع.05/06/2018 :
صندوق النقد الدولي ،إدارة الشرق األوسط وآسيا الوسطى ،تقرير آفاق االقتصاد اإلقليمي ،سياسة المالية العامة الداعمة 2
للنمو المستمر واالحتوائي في منطقة الشرق األوسط وآسيا الوسطى ،أكتوبر ،2018ص .41
3تتوفر الجزائر على عدة أجهزة تعنى بمكافحة الفساد والوقاية منه هي الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته ،الديوان
المركزي لقمع الفساد ،باإلضافة إلى هذه الهيئات المتخصصة في مجال مكافحة الفساد هنالك هيئات أخرى لها دور في
مكافحة الفاسد مثل مجلس المحاسبة ،المفتشية العامة للمالية ،المرصد الوطني لمراقبة الرشوة والوقاية منها ،خلية معالجة
االستعالم المالي .أما من حيث النصوص القانونية فقد صادقت الجزائر على اتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الفساد سنة 2003
وبدأ سريانها في سنة ،2004وكذا االتفاقية اإلفريقية لمكافحة الفساد سنة ،2006وتبنت القانون 06/01المتعلق بالوقاية
من الفساد ومكافحته الذي تم تعديله في سبتمبر 2010ثم في أوت .2011
4التي سجل رئيس البنك الدولي السابق جيمس وولفنسون 2005-1995معها اتفاقية تندرج في برامج البنك الدولي بهدف
محاربة الفساد وقرر أن يعمل باالشت ارك معها في استراتيجية تحارب الفساد ،وقد أدى هذا االهتمام بالمؤشر لجعل قضية
محاربة الفساد تأتي على جدول أعمال أجندة التنمية العالمية أنظر في هذا :أحمد صادق زاوي ،مرجع سابق ،ص .154
409
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
عام 2017إلى المركز 112بعد أن كانت قبل عامين تحتل المرتبة ،88يعكس هذا بشكل
متزايد تحول الفساد إلى ممارسة يومية تضر باإلنفاق العام وتدمر االقتصاد.1
تواجه الجزائر مشكلة مؤسساتية من أجل ضمان تسيير مالي فعال تتعلق بانتشار
الفساد الذي يرتبط في نظر المؤسسات المالية الدولية بغياب الحكامة المالية ويرمز إلى ضعف
المؤسسات السياسية القانونية واالقتصادية ،فرغم وجود النصوص المجرمة ينتهك الفساد
الحقوق األساسية للمواطن الجزائري عندما تستأثر فئة قليلة بثروة األجيال الحالية ،وترهن
مستقبل األجيال القادمة للمؤسسات المالية الدولية.
الفرع الثاني :آثار المشروطية على سياسة اإلنفاق العام في الجزائر
لقد لجأت الحكومة الجزائرية إلى المؤسسات المالية الدولية مضطرة بعد تراجع
أسعار البترول وارتفاع المديونية الخارجية وكان عليها أن تلتزم بشروطها للحصول على
قروضها ،فبعد أن قامت بمحاولة إصالحات ذاتية سياسية واقتصادية بعد أحداث أكتوبر
1988وما تالها من تحوالت عميقة في المجتمع والدولة ،خضعت إلى إصالحات فرضت
عليها في إطار المشروطية االقتصادية والسياسية لكل من صندوق النقد والبنك الدوليين بهدف
الحصول على قروض لغرض استعادة التوازنات المالية ،وتوفير الظروف المالئمة لتحقيق نمو
اقتصادي توقف بفعل ارتهانه لعائدات المحروقات التي عرفت تراجعا حادا سبب أزمة
اقتصادية ،ومالية وسياسية كانت لها آثارها على جميع األصعدة نظ ار للطابع الريعي للدولة
واالقتصاد والمجتمع .
كانت لسياسات التثبيت والتعديل الهيكلي التي باشرتها الجزائر مع صندوق
النقد والبنك الدوليين ابتداء من برنامج التثبيت االقتصادي األول من 31/05/1989إلى
30/05/1990إلى غاية برنامج التعديل الهيكلي الممتد من 31مارس 1995إلى غاية
آثار مؤسساتية واقتصادية واجتماعية على الدولة والمجتمع بفعل عملية
01أفريل 1998ا
الخوصصة المفروضة وتسريح العمل غير المدروس وتجميد األجور بحثا عن التوازنات الكلية.
أوال-اآلثار القانونية والمالية
لقد شكل تطبيق برامج التثبيت والتعديل الهيكلي المفروضة نهاية مرحلة قوانين
استقاللية المؤسسات التي كانت تعمل من منظور توسيع دائرة ودعم القطاع العام واعادة
410
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
انتشار الدولة لتحل محلها قوانين تفسح المجال للخوصصة التي تحد من تدخل الدولة في
المجال االقتصادي بداعي فعالية وكفاءة القطاع الخاص وقدرته على تحقيق التنمية ،وواقعا
من منظور توسيع دائرة القطاع الخاص ،األمر الذي استلزم ظهور عدة قوانين وتشريعات
لمواكبة هذا التحول نحو اقتصاد السوق الذي تم تحت ضغط الحاجة االقتصادية الداخلية
وتأثير العامل الخارجي ،وهو ما استدعى تحول في دور الدولة التي عليها تقليص تدخلها في
المجال االقتصاد ي واقتصارها على التنظيم والضبط مما انعكس على إضعافها بفعل االستحواذ
على الفائض االقتصادي الذي كانت الدولة تتحكم به ،أفضى كل هذا إلى انتقال عملية صناعة
الق اررات االستراتيجية من مستواها المحلي إلى المستوى الدولي من الداخل إلى الخارج ،1لكن
هذه الحالة ليست مستمرة بل تبقى رهينة بمعطى آخر هو الريع ومدى وفرته وارتفاع أسعاره.
لقد أدت السياسية المتبعة في إطار المشروطية االقتصادية إلى انخفاض في
معدالت التضخم وأسعار الفائدة بفعل اتباع الحكومة لسياسيات ميزانية تقشفية ،فشكل ضبط
اإلنفاق الحكومي العنصر األساسي في برنامج االستقرار ،وأدى لتقليل نسبة األجور الحكومية
إلى الناتج الداخلي الخام حتى وصلت إلى %11.2في عام 1996بعد أن كان %16من
هذا اإلجمالي سنة ،1988كما تراجعت القيمة الحقيقة لألجور بأكثر من %30من عام
1994إلى 1996بينما كانت انخفضت بأقل من %3عامي 1985و ،1993حدث هذا في
ظل تقليص اإلنفاق الحكومي ورفع الدعم عن السلع الضرورية مع انخفاض في قيمة العملة
الوطنية ،األمر الذي نتج عنه تدهور في القدرة الشرائية وتضرر كبير للفئات محدودة الدخل.2
ثانيا -اآلثار االقتصادية
لقد كان لبرامج اإلصالح المتبعة في سياق االتفاق مع المؤسسات المالية الدولية أن
أحدثت تحسنا في أداء المالية وتطهيرها كان محل ترحيب من قبل البنك الدولي ،وفي المقابل
كانت له عدة آثار سلبية للغاية على النمو االقتصادي ،فلقد أفرزت السياسات المتبعة في ظل
أداء اقتصادي متسم بهشاشة وتشوهات األسعار وتأثر بشكل مباشر بتقلبات أسعار النفط،
غير قادر على جذب االستثمار األجنبي وتحفيز االستثمار المحلي إلى":
1علي جابر المع الي ،صندوق النقد الدولي :وصفات التنمية ومشروطيه التحول الرأسمالي في الدول النامية ،مجلة المثنى
للعلوم اإلدارية واالقتصادية العراق ،المجلة 8العدد ،2018 ،4ص.75
2خالد منة ،دراسة تحليلية نقدية للسياسة الميزانية في الجزائر في ظل اإلصالحات االقتصادية منذ سنة ،1990أطروحة
دكتوراه في العلوم االقتصادية ،فرع التحليل االقتصادي ،جامعة الجزائر ،2015/2014 ،03ص ص .182،181
411
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
-انهيار إنتاج القطاع الصناعي بفعل تحرير التجارة الخارجية وظهور القطاع الخاص
ونمو القطاع غير الرسمي.
-تطهير المؤسسات العمومية على الرغم من األموال التي صرفت لذلك لم تكن النتائج في
مستوى الجهود المبذولة ،حيث تم تسريح 360.000منصب عمل وكلفة مالية للتطهير المالي
قدرت ب ـ ـ 840مليار في نهاية 1999وال يشمل هذا المبلغ الظرف المالي المخصص لتطهير
البنوك المقدر 670مليار دينار جزائري و300مليار دج لتغطية الديون المعدمة على
1
المؤسسات العمومية "
-الخوصصة تمت بتبني قانون الخوصصة والتوجه نحو اقتصاد السوق في ظل غياب رؤية
وقناعة واضحة ما تسبب في فشلها وبقائها رهينة المسيرين ،فإلى غاية 2002تم عرض
حوالي 1400مؤسسة للخوصصة لم ينتقل منها إلى القطاع الخاص سوى 200مؤسسة رغم
التعديل واإللغاء الذي طال األحكام القانونية المتعلقة بالخوصصة.2
ثالثا :اآلثار االجتماعية
نتج عن اإلصالحات المطبقة في ظل المشروطية االقتصادية والسياسية
للمؤسسات المالية الدولية على الجزائر آثار مدمرة على المستوى االجتماعي كما هو الحال
في معظم الدول التي خضعت لبرامج التعديل الهيكلي المفروضة من قبل صندوق والبنك
الدوليين ،فقد أدت إلى تأثيرات متشابهة في معظم الدول التي لجئت لالستدانة منها سواء كانت
نامية أو فقيرة ،3و كان الغرض من تشجيع هذه الدول على اللجوء لهذه اإلصالحات الخروج
من األزمة االقتصادية والمالية للوقوع في فخ المديونية ،لكن ثمنها كان توسيع دائرة الفقر
والحرمان لفئات واسعة من المجتمع .ومن بين اآلثار السلبية المباشرة:
-1المساس بالتماسك االجتماعي :لقد كان لبرامج التعديل الهيكلي تأثير على النسيج
االجتماعي بفعل حدوث تغييرات جوهرية في هيكل توزيع الثروة والدخل مست بنمط عيش
الطبقات االجتماعية ،وأفرز هذا النمط الجديد تماي از بين الطبقات االجتماعية المختلفة سواء
على المستوى األفقي أو العمودي وحتى داخل الفئة ذاتها وهو ما يشير إليه رمزي زكي بقوله
1خالد منة ،دراسة تحليلية نقدية للسياسة الميزانية في الجزائر في ظل اإلصالحات االقتصادية منذ سنة ،1990مرجع
سابق ،ص .191
2محمود حشماط ،مرجع سابق ،ص ص .259 ،258
3علي جابر المعالي ،مرجع سابق ،ص ص.93 ،92
412
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
" إ ن قلة قليلة من الشرائح االجتماعية داخل بعض الطبقات هي التي تستفيد من سياسيات
البرامج ،وهي تحديدا الشريحة العليا من البورجوازية وشريحة التجار المشتغلين باالستيراد
وممثلي الوكاالت والشركات األجنبية وكبار مالك األراضي...أما القاعدة العريضة والساحقة
من الطبقات والشرائح فيصيبها الضرر بهذا القدر أو ذاك من حزمة سياسية تلك البرامج ".1
-2تدهور القدرة الشرائية :لقد تم تحرير األسعار واتخاذ تدابير إلغاء الدعم الموجه لمعظم
السلع والخدمات األساسية التي كانت تستفيد من الدعم المباشر للدولة من جهة وثبات مداخيل
األجور أو ارتفاعها بشكل طفيف في ظل تطبيق سياسة ميزانية تقشفية إلى تضاعف المؤشر
العام لألسعار خالل الفترة 1996-199بـ ـ 4.7مرة وانخفاض القدرة الشرائية لألجراء بنسبة
%25للفترة .21996-1993
-3تفاقم ظاهرة البطالة :استطاعت اإلصالحات المتبعة تحقيق استرجاع التوازنات االقتصادية
الكلية والمالية في ظروف صعبة لكنها في المقابل ساهمت في تسريح آالف العمال إثر عملية
إعادة الهيكلة وحل المؤسسات العمومية وبحسب إحصائيات المعهد الوطني لإلحصاء
واالقتصاد التطبيقي فإن عددهم بلغ إلى غاية سنة 1998ما مجموعه حوالي 520000عامل
،3مع عدم قدرة على خلق وظائف جديدة سواء من قبل الخواص المحليين أو األجانب بسب
الوضع األمني المتردي والتزام الدولة بعدم التدخل في المقابل تنفيذا للشروط الواردة ببرنامج
التعديل الهيكلي ،األمر الذي فاقم األوضاع االجتماعية وعمق الفوارق االجتماعية وتبعاتها
المختلفة .
-4اتساع دائرة الفقر والتهميش :ساهمت سياسة تخفيض اإلنفاق العام االجتماعي واتباع
سياسة التقشف ،ورفع الدعم مع ارتفاع في األسعار وتفاقم البطالة في زيادة واتساع دائرة الفقر
في المجتمع إلى الطبقة الوسطى ،فقد بلغ نسبة الفقر بين المواطنين حوالي %14من ضمنها
%70تسكن في األرياف ،وقدر المجلس االقتصادي واالجتماعي في تقرير نظرة حول اإلقصاء
1صالح حسن ياسر ،الليبرالية – الخوصصة :برامج التكييف الهيكلي بين أوهام الخطاب اإليديولوجي وحقائق إنتاج التبعية،
مجلة العلوم اإلنسانية ،جامعة قسنطينة ،01العدد ،1999 ،12ص .75
2عيسى بن ناصر ،اآلثار االقتصادية واالجتماعية لبرنامج التكييف والتعدي الهيكلي في الجزائر ،مجلة العلوم االجتماعية
واإلنسانية ،جامعة باتنة ،1العدد ،2002 ،7ص .134
3المرجع نفسه ،ص.134
413
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
االجتماعي لشهر ماي 2001عدد الفقراء في الجزائر 6.4ماليين أي ما يعادل نسبة %21
من العدد اإلجمالي للسكان.
تكشف األرقام واإلحصائيات والمؤشرات أن الحكومة الجزائرية قد التزمت بتنفيذ
التزاماتها فيما يتعلق ببرنامج التثبيت والتعديل الهيكلي وفق الشروط المتفق عليها مع المؤسسات
المالية الدولية ،1وقد حقق توازنا اقتصاديا كليا بعد االنتهاء من تطبيقه بفعل تأثير العامل
الخارجي ،لكن في المقابل كان لهذا ثمن اقتصادي ومالي لكونه كان مرحليا فقط ناتجا عن
انخفاض أسعار المحروقات كعامل داخلي وليس نابعا من خيار استراتيجي وقناعة ثابتة لبناء
نموذج اقتصادي جديد ،فالجزائر التزمت بشروط قاسية في برنامج التثبيت والتعديل الهيكلي
كانت لها انعكاساتها االجتماعية واالقتصادية والمالية ،لكنها مع ارتفاع أسعار المحروقات
تراجعت عن االستمرار في عملية اإلصالح بعد أن قطعت شوطا مهما في تهيئة االنتقال إلى
اقتصاد السوق وبتكلفة باهظة على جميع األصعدة يعكس هذا بوضوح غياب الحكامة السياسية
وارتهانها للطابع الريعي.
المطلب الثاني :اإلصالح المالي في الجزائر من منظور المعايير الدولية للحكامة المالية
عرف النصف الثاني من القرن الماضي تحوالت عميقة على مستوى مفاهيم المالية
العامة ،إذ شكلت اإلصالحات في تسيير المالية العامة ،وتطور مفهوم الحكامة والتقدم
التكنولوجي عوامل مهمة لعبت دو ار كبير في إعادة صياغة وتكوين وتنظيم المؤسسات من
حيث قواعد عملها ,وأنشطة موظفيها على الصعيد السياسي ،إن المقاربة الجديدة لتسيير المال
العام تركز على مبدأ المركزية القرار والتنفيذ ،وتبني نهج تشاركي مبتعـدة في ذلك عن الوسائل
واألدوات التقليدية لتسيير المالية العامة المبنية على عالقات هرمية أدت لفقدان الفعالية والكفاءة
في تسيير المال العام.
مما ال شك فيه أن الجزائر لم تعد بمنأى عن هذه التحوالت العميقة والجذرية التي
تسود العالم في كافة الميادين بسب تأثيرات العوامل الداخلية المتمثلة في أزمة التسيير العمومي
واألزمة االقتصادية التي تمر بها بسب االرتهان للريع النفطي ،وكذا التأثيرات الخارجية المرتبطة
بالدور المتنامي للمؤسسات المالية الدولية ،وما فرضتها من شروط تتعلق بإدخال إصالحات
1كان تطبيق مشروطية صندوق النقد الدولي خالل مرحلة التصحيح الهيكلي 1998-1994مثاليا بشهادة الصندوق ذاته
أنظر في هذا :خالد منة ،دراسة تحليلية نقدية للسياسة الميزانية في الجزائر في ظل اإلصالحات االقتصادية منذ سنة
،1990مرجع سابق ،ص .362
414
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
على تسيير المالية العامة والتوجه نحو تحقيق الحكامة المالية وفق المعايير والممارسات التي
وضعتها.
الفرع األول :مشروع تحديث أنظمة الميزانية في الجزائر
يهدف إصالح تسيير المالية العامة الذي شرعت الجزائر فيه سنة 2001لمواكبة هذه
التحوالت التي عرفتها الساحة الدولية في مجال التسيير المالي المتميز بإصالحات تهدف
لتعزيز نظام الميزنة القائمة على البرامج والمتمحورة حول النتائج وفق مقاربة مناجيريالية
للتسيير تعتمد منطق األداء وتبحث عن الفعالية والكفاءة واالقتصاد في تسيير المال العام،
تتمثل هذه األهداف فيما يلي" :1
-خلق ثقافة قائمة على النتائج من خالل توجيه الميزانية نحو تحقيق األهداف التي تسعى
إليها السياسة المالية للدولة.
-إضفاء المزيد من الشفافية على الميزانية العامة للدولة من خالل إحداث تحسين نوعي لكيفية
تقديمها ونشرها ،ما يجعل منها انعكاسا للسياسة المالية ،ويسمح بتوضيح ومعرفة السياسة
االقتصادية واالجتماعية المتبعة.
-تحسين أداء الخدمة العمومية ،عن طريق تحديد األهداف وتقييم النتائج.
-تحسين نوعية التنبؤات في ميدان السياسة المالية بصفة عامة والنفقات العامة بصفة خاصة،
عن طريق وضع ميزانية متعددة السنوات قائمة على إطار إنفاقي للمدى المتوسط.
-تسهيل اختيار االستراتيجيات الوطنية ،من خالل توفير معلومات وتحاليل ذات نوعية عالية.
-تقوية متابعة تنفيذ الميزانية وفعالية تطبيق السياسة المالية واالقتصادية من خالل استعمال
نظام المعلومات.
-إن تبسيط اإلجراءات واضفاء الشفافية على الميزانية يسهل عملية الرقابة القبلية والبعدية
للنفقات.
-إن عملية تقييم التسيير القائمة على النتائج تدفع المسؤولين والمسيرين إلى تحمل مسؤولياتهم،
1تومي سالمي ،مشروع عصرنة أنظمة الميزانية...نحو ترشيد اإلنفاق العمومي ،مجلة دراسات ،العدد االقتصادي ،جامعة
األغواط ،عدد 17جوان ،2012،ص ،154وأيضا.
Ministère des finances, projet de modernisation des systèmes budgétaires, phase,
aperçu d’ensemble de la modernisation des systèmes budgétaires en Algérie, CRC Sogema,
2009,pp 9, 10.
415
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
-إن إضفاء الشفافية على تسيير الموارد المالية يسمح بتقييم نوعية الحكامة الجيدة.
-إن تحديد البرامج وفق األولويات واالستراتيجيات يسمح باالستعمال العقالني للموارد المالية
وبطريقة أكثر فعالية ،ويجعل من الميزانية أداة في خدمة المواطنين وترد على انشغاالتهم.
-إن عصرنة الميزانية العامة على هذا النحو يسمح للسلطة التشريعية بممارسة صالحياتها
على النحو الذي يمكنها من مناقشة االختيارات واألولويات االستراتيجية للدولة ،ومراقبة مدى
التزام الحكومة بتنفيذ برامجها ،وتحقيق األهداف المنتظرة منها ،ومن ثم يكون دور البرلمان
أكثر فعالية من حيث الترخيص لالعتمادات ،ومن حيث مراقبة تنفيذها.
-إن إعطاء حرية أكبر للمسيرين يسمح بتسخير كامل كفاءاتهم وقدراتهم على النحو الذي
يسمح بتحقيق األهداف التي تم التفاوض عليها.
-إن جعل الميزانية العامة مرآة عاكسة لالستراتيجية العامة للدولة يسمح للبرلمان بالتصويت
على البرامج وعلى األهداف بدال من التصويت على االعتمادات فقط".
شرعت الجزائر في إصالح تسيير المالية العامة "من خالل إصالح أنظمة الميزانية
والمالية التي تأتي في إطار النسق العام إلصالح وتحديث هياكل الدولة بما يتماشى مع
الرهانات الوطنية والدولية بغية وضع قاعدة صلبة ومتينة لبناء استراتيجية تنموية شاملة،
خا صة وأن التجربة أثبتت فشل كل المحاوالت السابقة الرامية لتحقيق التنمية االقتصادية
واالجتماعية ،وذلك راجع ألنها لم تول االهتمام األكبر إلصالح اإلدارة وطرق التسيير والمراقبة
لألموال العمومية ".1
تم إطالق مشروع تحديث أنظمة الميزانية في الجزائر بموجب اتفاق القرض الموقع
بين الدولة الجزائرية والبنك الدولي لإلنشاء والتعمير لتمويل مشروع عصرنة المنظومات
الخاصة بالميزانية ،2حيث جاء في نص المادة األولى منه " يضمن تنفيذ اتفاق القرض رقم
7047المذكور أعاله ،إنجاز أهداف مشروع عصرنة المنظومات الخاصة بالميزانية طبقا
للقوانين والتنظيمات المعمول بها وإلحكام هذا المرسوم وملحقيه األول والثاني ،ويتضمن هذا
المشروع:
1عبد الغني عكة ،نحو عصرنة أنظمة الميزانية في الجزائر ،المجلة الجزائرية للعلوم القانونية واالقتصادية والسياسية ،الجزائر،
العدد ،02 ،سنة ،2008ص .52
2مرسوم رئاسي رقم 140-01المؤرخ في 2001/06/06المتضمن اتفاق القرض الموقع في 2001/04/18بين الجمهورية
الجزائرية الديمقراطية الشعبية والبنك الدولي لإلنشاء والتعمير لتمويل مشروع عصرنة المنظومات الخاصة بالميزانية ،ج رع،
.31الصادرة بتاريخ 06جوان .2001
416
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
417
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
1
Abdelhak Cerurfa, op.cit., p 84.
Ministère des finances, Projet de Modernisation des systèmes Budgétaires (Titre -
de service de consultant: assistance technique au pilotage général du Projet de
:: Modernisation des Systèmes Budgétaires), [on line], Alger, pp: 2-5, Sur le site suivant
http://www.mf.gov.dz/documentation/AMI%20Pilotage%20projet%20msb.pdf
.Consulter le :17/09/2019وأيضا :حكيم بوجطو ،مرجع سابق ،ص .323
418
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
ويشمل هذا المكون إدراج وثائق جديدة للميزانية ،بعد دراسة احتياجات مختلف
المستخدمين ،مثل البرلمانيين والهيئات الوسيطة ،وتحضير وتنفيذ تطبيق معلوماتي إلعداد
الميزانية وزرع الدعائم الحديثة.
جـ .صياغة سياسات الميزانية (الميزانياتية):
يكمل المكون 3العنصر( 1الميزانية متعددة السنوات) من خالل دعم صياغة سياسات
الميزانية واعداد البرامج ومتابعتها .ويتضمن العنصر 3المعاد هيكلته ما يلي:
-بناء إطار لإلنفاق المتوسط األجل (.)CDMT
-نظام لصياغة مؤشرات األداء ومتابعتها.
-وتعزيز قدرات التحليل والرصد لدى موظفي و ازرة المالية والو ازرات األخرى المكلفة بالمنشآت
القاعدية.
د-إعادة هيكلة عملية تنفيذ النفقات:
الغرض الرئيسي من هذا المكون الفرعي هو تصميم السلسة الجديدة للنفقة ،وتتعلق
بتحديد قواعد التسيير الخاصة بالسلسة الجديدة للنفقة وترجمتها إلى نصوص قانونية بتبسيط
اإلجراءات ،وتحدي د مسؤوليات جميع الجهات الفاعلة في تنفيذها ،وتعزيز وظيفة االستشارة
لدى و ازرة المالية ،فيما يتعلق بقدراتها على التقييم ومراقبة نوعية تكاليف االستثمارات والسياسات
المدرجة في طلبات االعتمادات الو ازرية ،وتتطلب ما يلي" :1
–مراجعة مدونة الموازنة لسد الثغرات الموجودة في التصنيف السابق ،يسمح بجمع
المعلومات المالية بصورة واضحة وعميقة ،وتطوير كيفية عرضها بأسلوب موحد.
-إجراء التغييرات الضرورية لعمليات النفقة العامة آخذا بعين االعتبار اتجاهات الميزانية التي
تم تحديدها في مختلف التركيبات (المكونات) الفرعية.
-تشجيع تكامل عمليات النفقة بتشخيص المراحل اإلدارية ودور المشرفين ،ووضع مخططات
جيدة للتسجيل المحاسبي للعمليات المنفذة في إطار مختلف مجاالت النفقة ،ووضع نظام
متكامل للتسيير قائم على تبسيط دائرة النفقة بالتنسيق مع عنصر المعلوماتية.
-تبسيط الشبكة لتسريع تصفية النفقة ،ليهدف المشروع إلى تخفيف اإلجراءات ،والغاء األجزاء
عديمة الجدوى ،وترشيد دور المشاركين.
419
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
-تعزيز وتطوير الرقابة على الميزانية لتوسيع مساهمتها في فعالية النفقة ،وتقوية متابعة تنفيذ
مشاريع االستثمار العام بهدف رفع النجاعة والقدرة على االستثمار في القطاع العام.
-تكامل الميزانية والمحاسبة في مخطط معلوماتي بنظام تسيير قائم على محاسبة الموجودات
ومحاسبة التكاليف ،بما يضمن مالئمة نظام موازنة ووظائف التسيير والرقابة ،ويعتبر تحضير
نظام محاسبة الموجودات أساسيا إلنجاز تكامل النظام الموضوع في إطار مشروع تحديث
أنظمة الميزانية".
:2المكون الثاني لمشروع :MSBتركيبة االعالم اآللي ونظام اإلعالم تكمن تركيبة اإلعالم
اآللي ونظام اإلعالم في تنصيب العتاد وبرامج اإلعالم اآللي العصرية والفعالة ،تطوير وتفعيل
أنظمة اإلعالم التي تسمح بتعزيز قدرات نشاطات و ازرة المالية والدعم الفعال لهياكل الميزانية
الجديدة وتكوين المختصين في استعمال هذه األنظمة.
وكما أشار إلى ذلك "،Frank Mordacqأن تطبيق مدونة جديدة للميزانية واعتماد
نظام للمحاسبة العامة يتطلب بشكل حتمي نظام معلومات مالي موثوق ودقيق " .المعلوماتية
1
ونظام المعلومات له تأثير ال يمكن إنكاره على ممارسات الميزنة (عملية الميزانية) ويمكن أن
نظر ألن الدورة التقليدية لتنفيذ الميزانية سيتم إصالحها
تمثل اضطرابا للقانون المالي العام ًا
تحت تأثير إزالة الطابع المادي للجدولة على وجه الخصوص ،يمكن أن يمثل للحكومة الجزائرية
الحل المنشود إلحدى أكبر ال مشاكل التي تثير تسيير المالية العامة في الجزائر ،والتي تتعلق
ال تعمل تركيبة نظام اإلعالم اآللي ونظام اإلعالم في مشروع MSBفقط على
أيضا على زرع حزمتين برمجيتين
تعزيز قدرات تسيير المعلوماتية لمختلف التدخالت ،بل تعمل ً
للتسيير المتكامل (المندمج).
فيما يتعلق بتعزيز قدرات التسيير المعلوماتية (اإلعالم اآللي ،المحوسب) ،يتضمن ذلك إعداد
خطة رئيسية لتكنولوجيا المعلومات ودعم خلية معالجة االستعالم المالي "«، »CITIF
3
1
Abdelhak Cerurfa, op. cit, p86.
2
Ibid. p86
3بموجب المرسوم التنفيذي 127-02المؤرخ في 7أفريل 2002المتضمن إنشاء وتنظيم وعمل خلية معالجة االستعالم
المالي ،ج ر ع ،23المؤرخة في .2009/04/07
420
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
باإلضافة إلى دعم المديرية العامة للضرائب .كجزء من تعزيز قدرات التسيير المعلوماتي
( المحوسب) لديها ،أنشأت و ازرة المالية في عام 2008وكالة اإلعالم اآللي للمالية العمومية
للمالية العمومية أطلقت في سبتمبر ،2010تحسبا إلنشاء أسس إلصالح الميزانية ،واعداد
أرضية لقاعدة اإلصالح على أساس أفضل عندما يتعلق األمر بتنفيذها ،تم تصميم منصة
برمجيات تسمى ، SIBEنظام معلومات ميزانية الحكومة على أساس عمل نظام الميزانية
الحالي واإلطار القانوني ،مع تجاهل السياق ومفاهيم إصالح ميزانية مشروع .MSB
يدمج SIBEنظامين فرعيين :األول يتعامل مع إعداد الميزانية من نشر المذكرة
التوجيهية إلى مرحلة تنفيذ االعتمادات ،أما الثاني فيتناول معالجة جميع إجراءات دورة اإلنفاق
معا لمشروع
العام حتى إنتاج الحساب اإلداري ،يقوم SIBEبما يعادل SIGBUDوً SIGB
.MSB
2
أما بالنسبة لمكون اإلعالم اآللي في نظام ،MSBفهو مقسم إلى برنامجين ،أحدهما
نظر ألهمية
يتعلق بإعداد الميزانية ( )SIGBUDبينما يتعامل اآلخر مع تنفيذه (ً .)SIGBا
الموارد المخصصة لها ( ٪80من تكلفة المشروع) ،فإن مكون نظام اإلعالم اآللي ونظام
االعالم هو العمود الفقري لمشروع .MSB
المكون األول يسمى " النظام المتكامل الحكومي إلعداد الميزانية " ( ،)SIGBUDهو
خصيصا لتلبية احتياجات تحديث أنظمة الميزانية في الجزائر
ً مجموعة برمجيات تم تطويرها
وهو في طور التنفيذ ،تركز حزمة البرامج هذه على المراحل المختلفة إلعداد ميزانية الدولة
على أساس الميزانيات الخاصة بالبرامج والنتائج.
وفقا لالستشاري ،CRC SOGEMA ،يمكن تلخيص الدور المسند إلى
SIGBUDفي ثالثة جوانب أساسية- :"3إعداد ميزانية متكامل على مدى أفق خمس ()05
سنوات.
-توحيد (معيارية) وثائق الموازنة الموجهة للبرلمان والحكومة والجمهور.
1بموجب المرسوم التنفيذي 94/08المؤرخ في 10مارس سنة 2008يتضمن إنشاء وكالة اإلعالم اآللي للمالية العمومية،
ج ر ع ،14الصادرة بتاريخ 12مارس .2008
2
Abdelhak Cerurfa, op.cit., p87.
3
Crc Sogema, guide d’utilisation de SIGBUD, quatrième édition, juillet 2007, p 2.
421
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
1
Abdelhak Cerurfa, op.cit, p88.
2
Ibid, p95.
3
Ibid, p96.
4تعد من أكبر الشركات الكندية المتخصصة تقديم خدمات االستشارة في مجال التسيير على المستوى العالمي تم تأسيسها
سنة .1984
5شركة استشارات في المجال االستراتيجي والتنظيم والمناجمنت ونظم اإلعالم.
422
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
على الرغم من التأخير الكبير في تنفيذ المشروع ،تجدر اإلشارة إلى أنه قد تم تحقيق
بعض األهداف مثل :تحسين عرض الميزانية ،تطوير برمجيات لوضع الميزانية في مرحلة
االختبار ،والتي يتطلب نشرها التحقق من صحة أشكال الوثائق الجديدة والتصنيف الجديد
للنفقات.
فيما يتعلق بتحديث عمليات اإلنفاق العام تم تطوير نظام تنفيذ جديد يصف ويحدد:
-تدفقات التسيير الناتجة عن النظام وتوزيع األدوار.
-إجراءات اإلنفاق ووصف تفصيلي للعمليات ودوريتها.
-الوثائق المرفقة وعناصر إعادة تنظيم المرافق" .
لتنفيذ اإلصالح تم اختيار ثالث و ازرات نموذجية هي :المالية والصحة واألشغال
العمومية كمرحلة أولى ثم تم توسيعها لخمس و ازرات نموذجية بإضافة و ازرة التعلم العالي
والبحث العلمي وو ازرة النقل ،وقد تم عرض الميزانية السنوية لسنة 2007كإطار إرشادي
حسب المدونة الجديدة لمجموع الو ازرات.1
شهد المشروع تأخ ار كبي ار مقارنة بالتخطيط األولي بسب الصعوبات التي واجهته
في الميدان مثل تعدد المتدخلين ،ونقص الموارد البشرية والمادية على مستوى خلية التنسيق
والمتابعة الخاصة بالمشروع ( ،)CCSPوقد أدى عدم االستقرار الذي ميز هذه الخلية بسبب
تغيير مديرها في ثالث مناسبات لقيام الحكومة بمراجعة محاور وتوجهات اإلصالح في محاولة
لالستفادة من تجارب الدول األخرى ،ووضع أدوات أكثر أداء وفعالية لتحقيق الرشادة في تسيير
المالية العامة.2
وفي نهاية المشروع التجريبي الذي جمع خمس و ازرات ،قررت الحكومة تنفيذ إصالح
الميزانية على مستوى جميع الو ازرات ،ومنح عقد ٍ
ثان لمكتب االستشارة الكندي CRC
SOGEMAللمرحلة الثانية من مشروع تحديث أنظمة الميزانية في الجزائر ()MSB II
والذي تم تمويله من قبل الحكومة والعمل به بداية من تاريخ 2007/05/05ويهدف العتماد
ميزانية مرتكزة على النتائج بمختلف متطلبات تطبيقها نهاية سنة 2012وقد كانت النتائج
الرئيسية المتوقعة من هذا المشروع في مرحلته الثانية تتمثل في:3
423
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
-اعتماد إطار قانوني يتالءم مع مبادئ إصالح الميزانية -إنشاء ميزانية برامج متعددة السنوات
تضم كافة النفقات العامة -دمج تسيير اإلنفاق العام المستند إلى النتائج.
-إدخال تقييم األداء -صياغة لوثائق الميزانية شفافة ومفهومة من قبل الممثلين المنتخبين
والجمهور -استخدام إطار اإلنفاق المتوسط األجل المتوسط المدى CDMTلتخطيط اإلنفاق
المتعدد السنوات وتحضير الميزانية".
ولتحقيق هذه األهداف شهد إصالح الميزانية إنشاء مديرية مركزية على مستوى و ازرة
المالية مكرسة بشكل حصري لتوجيه التنفيذ الشامل لإلصالح ،هي مديرية عصرنة أنظمة
الميزانية مسؤولة بشكل خاص عن متابعة تنفيذ مشروع عصرنة عملية الميزانية :"1
-تنفيذ ومتابعة التوجيهات المنبثقة عن مشروع عصرنة عملية الميزانية.
-اقتراح كل نص ذي طابع تشريعي أو تنظيمي مرتبط بإصالحات عملية الميزانية.
-تعميم مضمون إصالح الميزانية".
باإلضافة إلى ذلك ،تم تنظيم دورات تدريبية ،ستة دورات لفائدة 3000عون من قبل
مكتب االستشارة الكندي CRC SOGEMAللتحكم في النظام المتكامل الحكومي إلعداد
الميزانية ،SIGBUDوفق المخطط االستراتيجي سنة 2012تضمنت المراحل األولى لهذا
المشروع ما يلي:2
الوزرات وهيكلة البرامج واألنشطة واعداد مؤشرات األداء.
-تكوين أعوان ا
-اإلشراف على كيفية إدخال المعلومات في النظام المعلوماتي "النظام المتكامل الحكومي
إلعداد الموازنة "SIGBUDللمشاريع ونفقات التسيير ،التجهيز ،التحويالت.
-اإلشراف على توحيد الموازنة واجراءات التحكيم.
-نشر الموازنة وفق المدونة الجديدة وتقديمها للبرلمان.
كما تم االنتهاء من المشروع األولي للقانون العضوي المتعلق بقوانين المالية وتمت المصادقة
عليه بتاريخ 12مارس 2008من طرف مجلس الحكومة ،وتم تعديله مرة أخرى سنة ،2012
لتتم إعادة النظر فيه مرة أخرى والمصادقة عليه بمجلس الوزراء بتاريخ 2018/03/14ويقدم
1المادة 03من المرسوم التنفيذي رقم 365-07المؤرخ في 2007/11/28المتضمن تنظيم اإلدارة المركزية لو ازرة المالية
2حكيم بوجطو ،مرجع سابق ،ص .336وأيضا:
.Crc Sogema, Projet de Modernisation des Systèmes Budgétaires, Phase, op.cit. p72
424
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
للبرلمان لمناقشته ،وقد تم إصداره أخي ار بعد مرور حوالي سبعة عش ار عاما من بداية إصالح
تسيير المالية العمومية في الجزائر.1
ورغم المجهودات المبذولة في هذا المسار ،حيث التزمت 16و ازرة باعتماد ميزانية
حسب البرامج من خالل إنشاء قاعدة بيانات خاصة بكل منها وتحويل المدونة الجديدة لمختلف
الو ازرات إال أن الجدول الزمني المعتمد مبدئيا ،والذي يقضي بأن يكون عام 2012هو العام
األول لنشر أول ميزانية ناتجة عن مشروع تحديث أنظمة الميزانية تم تجاوزه مرة أخرى إلى حد
كبير ،ولم تدرج األهداف إال بشكل جزئي جدا ،بينما لم تعتمد الحكومة بعد هياكل برامج
الو ازرات ،كما توقف مشروع اإلصالح من عام 2010إلى عام 2013ليتم استئناف العمل
به ،ويجعل هدفه أن يكون عام 2015هو العام األول الذي سيتم فيه نشر قانون المالية في
وضع البرنامج ،وبحلول عام 2016ستكون فرصة للو ازرات لنشر أول التقارير الو ازرية حول
المردودية ،نسخة ميزانية البرنامج .وتحقيقا لهذه الغاية ،تم توفير برنامج تدريبي واسع النطاق
بشأن مبادئ وضع ميزانية البرامج واستخدام برمجيات .2SIGBUD
في أوائل عام ،2014قامت الحكومة بممارسة تطوير إطار اإلنفاق المتوسط المدى
( )CDMTللفترة ،2020-2015والهدف هو أنه خالل عام ،2014يتم إعداد ميزانية برامج
مدتها خمس سنوات ( 2015،2017-2013تكون السنة ن) ،بهدف تقديمها في سبتمبر
2014على مستوى البرلمان إلقرارها.3
ولكن مرة أخرى ،لم يتم بعد الوصول للهدف المتمثل في وضع ميزانية سنوية ،وفقا
للمدونات الجديدة ولجميع الو ازرات .باإلضافة إلى ذلك لم يتم بعد اعتماد وثائق الميزانية وتأخر
إصدار القانون العضوي لغاية سنة 2018والذي لن يدخل حيز التنفيذ إال سنة .2023
وعليه فإن مشروع عصرنة أنظمة الميزانية يعرف تقدما بطيئا" من خالل عملية متقطعة،
غير خطية ومرتدة ،وال سيما بسبب التغيرات في القيادة السياسية داخل و ازرة المالية ،وأصبح
التأخر بذلك يثير تساؤال مشروعا حول ما إذا كان اإلصالح قد تم تأجيله ألجل غير مسمى".4
الفرع الثاني :اإلطار الميزانياتي الجزائري من منظور المعايير الدولية للحكامة المالية
قانون عضوي رقم 15/18المؤرخ في 2018/09/02المتضمن قوانين المالية ،ج ر ع 53الصادرة بتاريخ 1
.2018/09/02
2
Abdelhak Cerurfa, op.cit, p99.
3
Ibid, p100.
4
Ibid, p101.
425
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
معيار مقسمة إلى ثالث مجموعات على النحو التالي :المجموعة ًا 1لقد أقر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي اثني عشر
األولى تتناول الشفافية في السياسات واألنشطة الحكومية ،والتي تحتوي على ثالثة معايير :شفافية البيانات .شفافية الموازنة
وشفافية السياسات النقدية والمالية.
المجموعة الثانية من المعايير تتعامل مع رقابة القطاع المالي :هناك ثالثة معايير من هذا النوع تتعلق بالرقابة المصرفية،
تنظيم األوراق المالية ورقابة على التأمين .تركز المجموعة الثالثة على البنية المؤسسية واألسواق :يتم تطوير معايير هذا
المجال الستة في العدد ،من قبل هيئات المعايير المتخصصة بمساعدة من البنك الدولي صندوق النقد الدولي وحل األزمات
ورقابة التأمين ،واإلعسار وحقوق الدائنين البنك الدولي ،حوكمة الشركات ،المحاسبة والتدقيق ،ونظام الدفع ،التعويض والتسوية
وسالمة السوق .على الرابط:
http://www.imf.nrs/external/np/exr/facts/fre/Dclf/scf.pdf, coتاريخ االطالع.06/09/2019 :
2
Abdelhak Cerurfa, op.cit., p70. Et Sur le site suivant
Normes et codes : le rôle du FMI, IMF factsheet URL :
.http://www.imf.org/external/np/exr/facts/sc.htm Consulter le : 06/09/2019
426
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
جوان 2000و 17ماي ،2004نموذج حول شفافية السياسات النقدية والمالية بتاريخ 17ماي
1
2004ونموذج بخصوص شفافية السياسة المالية في 1مارس .2005
ركز RONCنماذج لتقارير االمتثال للمعايير ومدونات السلوك في النظام الميزانياتي الجزائري
على أربعة أبعاد لميثاق الممارسات الجيدة فيما يتعلق بشفافية المالية العامة ،وهي تحديد
واضح لألدوار والمسؤوليات ،وعالنية عملية الميزانية ،واتاحة المعلومات لالطالع العام
وضمان سالمة ونزاهة المعطيات أو البيانات الميزانياتية ،وجاء في التقرير" المعلومات المقدمة
إلى البرلمان والرأي العام غير كافية لحد كبير ،وال يتم احترام بعض متطلبات الشفافية في
اإلطار القانوني الحالي بشكل كامل .مشروع الموازنة السنوية والوثائق المرفقة غير مكتملة
ومعقدة في بعض األحيان .إن نشر بيانات تنفيذ الميزانية وحالة المالية العامة محدودة للغاية
ومتفرقة .باإلضافة إلى ذلك فإن البيانات المتاحة تغطي فقط جزءا من اإلدارات العامة
والعالقات بين مختلف مكونات القطاع العام ليست واضحة .تقتصر الميزانية والبيانات المالية
المتاحة بشكل أساسي على ميزانية الحكومة المركزية ،على الرغم من أن الواليات المحلية
والمؤسسات العامة ووكاالت الضمان االجتماعي تشكل حصة كبيرة من اإلنفاق العام وتحافظ
في بعض األحيان على عالقات مالية معقدة مع الحكومة المركزية .ال يزال هناك نشاط شبه
أخيرا ،تتأثر جودة البيانات بأوجه
ميزانياتي للمؤسسات المملوكة للدولة والمؤسسات المالية .و ً
القصور في النظام المحاسبي وطرق الرقابة والتدقيق".2
في نهاية هذا التقييم ،جاء في تقارير االمتثال للمعايير ومدونات السلوك RONC
مجموعة من التوصيات للسلطات الجزائرية تركز على ثالثة أبعاد أساسية:
-1البعد األول يتعلق بتوصيات باتخاذ إجراءات على المدى القصير من أجل تحقيق تحسين
سريع لشفافية المالية ،من الضروري التفكير في اتخاذ تدابير عاجلة تستند إلى النظم القائمة
واإلطار القانوني المعمول به ،بهدف زيادة التواصل بين مختلف أصحاب المصلحة في تنفيذ
1
Les rapports y afférents sont publiés sur le site du FMI a l’adresse :
http://www.imf.org/external/NP/rosc/rosc.aspx. Consulter le : 06/09/2019.
2
Abdelhak Cerurfa, op.cit, p72.
ifm, Algeria: report on the observance of standards and codes - fiscal transparency module,
report n°05/68, february 2005, p 26. On site :
http://www.imf.org/external/pubs/ft/scr/2005/cr0568.pdf. p26. Consulter le : 13/05/2019.
427
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
العمليات المالية الحكومية ونشر البيانات واتاحتها للجمهور والمجتمع المدني .هذه اإلجراءات
تؤثر على إعداد الميزانية وتنفيذها ورقابتها وتهدف أساسا إلى التأكيد على ضرورة:
-مراجعة الوثائق المرفقة بمشروع قانون المالية المقدمة للبرلمان من أجل تسهيل فهم البيانات،
خاصة قانون ضبط الميزانية كما هو منصوص عليه في القانون رقم .17-84
-تقديم بيانات تنفيذ الميزانية عن كل شهر يجب نشرها على موقع و ازرة المالية على اإلنترنت.
استناداً إلى الميزانية العمومية الموحدة.
-يجب أن تكون هناك تقارير أكثر تفصيالً وتوات اًر عن البيانات المتعلقة بالدين العام تقدم
إلى البرلمان ونشر هذه البيانات.
-ينبغي توحيد بيانات الحكومة المركزية والمحلية ونشرها كل ثالثة أشهر من قبل المديرية
العامة للمحاسبة.1
-2البعد الثاني يتعلق بإصالح إطار التسيير ،وتتطلب بعض التحسينات في شفافية الميزانية
يدا من اإلصالح أكثر عمقا إلطار التسيير ،يكون هذا جنبا إلى جنب مع اإلجراءات الفورية
مز ً
ببذل المزيد من الجهد على المدى المتوسط لتوضيح أدوار مختلف أصحاب المصلحة وتحسين
نظام التسيير المالي ولمعلوماتي .يفترض توضيح أدوار مختلف المشاركين ما يلي"
-يجب توضيح اإلطار القانوني إلعداد وتنفيذ قوانين المالية عن طريق صياغة قانون عضوي
ليحل محل القانون رقم ،17-84وفقا للمادة 123من الدستور.
-ال بد من تقييد اللجوء إلى حسابات الخزانة الخاصة ،ال سيما ما يتعلق بحسابات التخصيص
الخاص.
-توضيح وتحديد مسؤوليات الحكومة المركزية والجماعات المحلية ومراجعة آليات تمويل
الجماعات المحلية والموارد المخصصة لها.2
1
Ifm, Algeria: Report on the Observance of Standards and Codes - Fiscal Transparency
Module, report n°05/68، february 2005, p 26. On site pp. 27- 28
http://www.imf.org/external/pubs/ft/scr/2005/cr0568.pdf . Consulter le : 13/05/2019.
2
Ifm, Algeria: Report on the Observance of Standards and Codes - Fiscal Transparency
Module, report n°05/68, February 2005, p 26. On site
http://www.imf.org/external/pubs/ft/scr/2005/cr0568.pdf. pp. 27 – 28. Consulter le:
13/05/2019.
428
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
-3أما فيما يتعلق بالبعد الثالث ،فيركز على تحسين أنظمة بيانات الجودة والوضوح الذي
يتطلب إنشاء نظام محاسبة فعال ،واستخدام تصنيفات الموازنة التي توفر معلومات واضحة
عن اإلنفاق وتعزيز نظام المراجعة والتدقيق.1
يشير هذا التقرير إجماال لوجود عدد من النقائص القانونية واإلجرائية للتشريع المالي
الجزائري إذ يفتقد إلى الشفافية في تسيير المالية العامة ،بسب عدم توفر المعلومات لدى
الفاعلين فيه خاصة الدور المحدود للبرلمان في المجال المالي والميزاني ،ورغم المساهمات
التي ال يمكن إنكارها لهذه التقارير في تحسين مجال تصنيفات الميزانية وعرضها وتوقيتها.
وطرق تسيير أموال الدولة وفي تطوير مدونات السلوك الخاصة بموظفي الوظيفة العمومية،
فإن تصميم وتنفيذ RONCيثير عددا من القضايا غالبا ما تعبر عنها البلدان المعنية
بالموضوع ،ولكن أيضا من قبل موظفي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي المسؤول عن
تنفيذها ،فتكاثرها بشكل ملفت لالنتباه وبلوغها حوالي 80معيا ار في السنوات األخيرة جعل
أمر غاية في الصعوبة ،إضافة إلى االختالف حول مدى جدوى بعضها
إمكانيات االمتثال لها ا
بسب اختالف السياقات لدى الدول المعنية بااللتزام بها 2،واذا كان أمر االمتثال لهذه المعايير
والمدونات متروك للسلطة التقديرية للدول ،فإن جلها تضطر لالمتثال لها ظاهريا ،تحت
تأثير الظروف االقتصادية والحاجة للمساعدات الدولية أو التصنيف الضعيف لألسواق من
قبل الوكاالت الدولية مما يجعل عملية االمتثال لهذه المعايير والمدونات شبه إلزامية.3
ثانيا-النظام الميزانياتي الجزائري من منظور برنامج اإلنفاق العام والمساءلة المالية
(:)PEFA
1
ifm, Algeria: Report on the Observance of Standards and Codes - Fiscal Transparency
Module, report n°05/68, february 2005, p 26. On Site
:http://www.imf.org/external/pubs/ft/scr/2005/cr0568.pdf. p 29. Consulter le : 12/07/2019.
"2يتطلب تطبيق المعايير في بعض جوانبها العودة إلى أسس التسيير العمومي ،وهذا يعني أوال وقبل كل شيء تعزيز اإلطار
المؤسسي والقانوني الذي فيه تصريف الشؤون العامة .إذا كان الغرض من المعيار نشر البيانات هو السماح بإجراء نقاش
عام بشأن تسيير الشؤون العامة ،ولكي تكون لتقارير االمتثال للمعايير ومدونات السلوك قادرةً على إثارة هذه المناقشة ،يجب
أن تكون هناك ،أوالً ،إمكانيات .النقاش في مرحلة ما قبل العملية ،ومع ذلك ،ففي بعض البلدان ،تم تصميم بعض األنظمة
إلغالق جميع إمكانيات النقاشات العامة المتعلقة بتسيير وحكامة الشؤون العامة " أنظر في هذا،Abdelhak Cerurfa :
op.cit. , p73
3
Ibid, pp 73,74
429
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
يوفر برنامج اإلنفاق العام والمساءلة المالية1إطا ار لتقييم نقاط القوة والضعف في تسيير
المالية العامة واإلبالغ عنها باستخدام مؤشرات كمية لقياس األداء ،ويتضمن تقري ار يقدم لمحة
عامة عن نظام تسيير الشؤون المالية وقياس األداء مقابل 31مؤش ار لألداء ،كما يقدم تقييما
لآلثار المترتبة على األداء العام والنتائج المرغوبة للتسيير المالية العامة ،كما تستند منهجيته
للمعايير الدولية والممارسات الجيدة بشأن الجوانب الحاسمة في تسيير المالية العامة.
تهدف هذه الشراكة ،التي تم إطالقها في ديسمبر ،2001إلى جعل البلدان الشريكة
قادرة على تقييم حالة النفقات العامة وأنظمة تدقيق الحسابات في مسائل الميزانية ،وقدم تم
تصميمها في البداية للبلدان النامية والبلدان التي تمر بمرحلة انتقالية والتي تتلقى مساعدات
من المانحين ،ثم أصبح PEFAتدريجيا بمثابة إطار عمل مشترك لتقييم أنظمة المالية العامة
في جميع أنحاء العالم.2
ولهذه الغاية ،يحدد إطار قياس األداء في التسيير المالي العمومي سبعة أبعاد رئيسية
لنظام تسيير مالية عامة شفافة ومنظمة :الموثوقية الميزانية ،شفافية المالية العامة ،إدارة
الموجودات والمطلوبات ،القدرة على التنبؤ ورقابة تنفيذ الميزانية ،المحاسبة واإلبالغ ،والتدقيق
الخارجي والمراجعة.
استخداما في العالم،
ً لقد أصبح PEFAاليوم أداة تحليل تسيير المالية العامة األكثر
تقييما يتاح للجمهور منها 396تقييما ،وفي برنامج تم تمويله
حيث تم إجراء أكثر من ً 597
من قبل االتحاد األوروبي وبعد طلب االستفادة رقم 0336لسنة ،2010تم تنفيذ تقييم تسيير
المالية العامة الجزائرية خالل عام 2010وصادق عليه من خالل تقرير تقييم تم إعداده في
جويلية 2010وصياغة نتائجه حول المحورين التاليين:
-1المحور األول يتعلق بالتقييم التركيبي ألداء تسيير المالية العامة:
تناول البعد األول موثوقية (صدقية) الميزانية ،حيث أكد تقييم PEFAأن مقدار النفقات
المرخص بها أستخدم كليا بأكثر من ٪85ومن حيث شفافية المالية العامة أشار تقييم PEFA
إلى الحاجة لتنفيذ تصنيف وظيفي للميزانية ،وأسف على الوصول المحدود جداً للمعلومات
1برنامج اإلنفاق العام والمساءلة المالية ( )PEFAهو شراكة متعددة المانحين من البنك الدولي والمفوضية األوروبية وادارة
التنمية الدولية في المملكة المتحدة وأمانة الدولة السويسرية للشؤون االقتصادية ،وو ازرة الشؤون الخارجية الفرنسية ،و ازرة
الخارجية النرويجية الملكية ،وصندوق النقد الدولي .تقع أمانة PEFAفي مقر البنك الدولي في واشنطن ،أنظر في هذا:
الموقع الرسمي https://pefa.org/content/governance-arrangements
2
Abdelhak Cerurfa, op.cit, p85.
430
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
المتعلقة بميزانية الدولة وتنفيذها للجمهور .كشفت دراسة الميزنة القائمة على السياسات الوطنية
1
على أنه لم يتم تأطيرها وبلورتها في األهداف المسطرة إلى برامج متعددة السنوات.
فمن حيث القدرة على التنبؤ والرقابة على تنفيذ الميزانية ،سجل التقييم الطبيعة السرية
المفرطة لتقارير المفتشية العامة للمالية ومجلس المحاسبة .في غياب مثل هذه التقارير لم يكن
من الممكن تقييم درجة تدقيق الرقابة الداخلية التي تقدمها المرافق نفسها فيما يتعلق بالمحاسبة،
وتسجيل المعلومات والتقارير المالية ،وش دد إطار تقييم اإلنفاق العام والمساءلة المالية على
التأخير في إنشاء حسابات نهاية السنة ،وأنه من غير الممكن تنفيذ قانون تسوية (ضبط)
2
الميزانية في المواعيد النهائية المطلوبة.
وأخي اًر ،في مجال التدقيق الخارجي والمراجعة واجهت النظام الميزاني الجزائري انتقادات
لعدم مطابقة قوانين مجلس المحاسبة لمعايير اإلنتوساي ،ولكن أيضاً لعدم نشره تقارير التدقيق
3
(المراجعة) وتقرير النشاط السنوي الخاص به حتى وان كان القانون ينص على ذلك.
-2فيما يتعلق بالمحور الثاني المتعلق بتقييم أثر نقاط الضعف على تسيير المالية
العامة:
جوانب القصور التي تمت مالحظتها لها تداعيات مهمة على نظام تسيير المالية
العامة الجزائري ،إذ يشير إطار PEFAعلى وجه الخصوص إلى" :4
-االستخدام غير العقالني للحسابات الخاصة بالخزينة.
-صعوبة رصد ورقابة استخدام األموال الناجم عن نقص المعلومات التركيبية والشاملة ،في
الوقت الفعلي لتنفيذ الميزانية.
-تقويض مصداقية التسيير العمومي الناجمة عن التأخير في دراسة الحسابات من قبل
مجلس المحاسبة وعدم مسؤولية أو مساءلة اإلدارات بسبب غياب العقوبات أو الجزاءات".
هذه المعاينة ال تمنع من اإلشارة إلى أنه مثل ،RONCيثير برنامج PEFAإشكاليات
معينة فيما يتعلق بتصميمه وتنفيذه والمتابعة المخصصة للتشخيصات المعتمدة ،مثل ،RONC
يتم تنفيذ برنامج PEFAبناء على استعداد البلد المعني لاللتزام به وتقديم ،لتشخيص نظام
1
Abdelhak Cerurfa, op.cit, p77.
2
ibid, pp, 77, 78.
3
ibid, p77
4
Idem.
431
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
تسيير المالية العامة ،يمكن أن ينتقد إطار PEFAلجموده في أنه يتم تطبيقه بشكل موحد
على جميع البلدان بغض النظر عن المنطقة الجغرافية أو مستوى التنمية في البلد الذي تم
تقييمه.1
ومع ذلك ،على عكس RONCالتي تتجنب بدقة تعيين عالمات البلدان التي تم
أساسا على نظام تسجيل تم تطويره لهذا الغرض ،وهو
ً تقييمها ،فإن عملية تقييم PEFAتعتمد
ما من شأنه أن يشكل عقبة أمام ملكية بعض البلدان إلطار PEFAخوفًا من تصنيفها بشكل
سيئ على الرغم من أن تقييمات PEFAيتم استخدامها بشكل منهجي من قبل الجهات المانحة
وضوحا في حالة إطار عمل تقييم اإلنفاق العام
ً يمكن أن تكون إشكالية الشرعية أكثر
والمساءلة المالية ( )PEFAمنها في سياق ،RONCإذا تمت مناقشة المعايير والمدونات في
إطار جمعيات صندوق النقد والبنك الدوليين مع حق التدخل الممنوح لجميع الدول األعضاء،
فإن إطار PEFAتم تصميمه من قبل حفنة من التكنوقراط ،ومعتمد من قبل عدد صغير من
المانحين فقط .2
إن مسألة عول مة المعايير والممارسات الجيدة في المسائل المتعلقة بالمالية الميزانية
تثير المخاوف بشأن شرعية مثل هذه العملية ،كما يشير Michel bouvierبسب "أنه خارج
إطار النظام السياسي يتم خلق معايير مالية عامة ليست مجرد تقنيات ولكنها تعكس وتولد
نوعا من الروابط االجتماعية ،وبعبارة أخرى ،طريقة لتنظيم أو ضبط المجتمع .فنحن هنا نشهد
ً
عملية نقل إنتاج المعايير إلى الخارج ( )délocalisationفضال عن االضطراب والفوضى
3
أو الخلط بين مستويات السلطة التي تثير مسألة شرعية مصادر هذه المعايير الجديدة ".
ثالثا :النظام الميزانياتي الجزائري في ضوء مسح الموازنة المفتوحة
1
Abdelhak Cerurfa, op.cit.p77.
ولهذا السبب ،تم طرح مسألة التمثيل في اللجنة التوجيهية PEFAبحدة فهي تستند إلى عدد محدود من الشركاء ،مما يحد 2
من عدد الوكاالت والحكومات غير التابعة لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان االقتصادي والمنظمات غير الحكومية.
المهتمين في قضية تسيير المالية العامة .أنظر في هذاAbdelhak Cerurfa, op.cit. ,p 78 .:
3
Michel Bouvier, les normes financières internationales: quel légitimité, FRRP, N °119,2012,
p5.
432
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
مبادرة المي ازني ة المفتوحة التابعة لمنظمة الشراكة الدولية للموازنات هي برنامج بحثي
وترويجي دولي يدعم تبني أنظمة مالية عامة تتسم بالشفافية والقابلية للمساءلة والمشاركة،
يعمل بشكل مقارن مستقل ومنتظم لشفافية الموازنة والمشاركة فيها في 102دولة.1
يعطي مؤشر شفافية المي ازنية المفتوحة للجزائر 03درجة من أصل 100مع تقييم ال
لبس فيه" ،الحكومة الجزائرية توفر معلومات نادرة عن الميزانية للجمهور" وهو اٌقل بكثير من
متوسط الدرجة العالمي المقدر بنحو 42درجة ،هذا التصنيف حصل على ترتيب منخفض،
حيث احتلت المرتبة 86عالمياً من بين 102دولة تم تقييمها ،كما ال تتيح الجزائر أي مشاركة
للجمهور في عملية الميزانية وتشير درجة مشاركة العامة المقدرة بنحو 0من أصل 100درجة
إلى أنه لم يتم تقديم أي فرص للمشاركة في عمليات الميزانية .وتعد أقل من متوسط الدرجة
العالمي المقدر بنحو 12درجة ،أما بخصوص الرقابة على الميزانية فقد تم منحها درجة 31
من أصل 100بتقييم ضعيف لمدى توفر الرقابة التشريعية ومجلس المحاسبة على عملية
الميزانية ،كما ال تخضع عمليات المراجعة للتدقيق والفحص من قبل وكالة مستقلة لعدم وجود
2
هيئة مالية مستقلة.
يشير مسح الميزانية المفتوحة 2017بالنسبة للجزائر إلى تراجع كبير في مؤشر الشفافية
بحوالي 16درجة مقارنة بسمح الموازنة المفتوحة ،2015يكشف عن انعدام ميزانية المواطن
وعدم إنتاج التقارير الدورية ،وانجاز تقارير المراجعة نصف السنوية والسنوية ولكن دون إتاحتها
للجمهور.
وبالتالي ،يشير أداء الجزائر في مسح الميزانية المفتوحة إلى أنه أقل من المتوسط
الدولي بكثير .عالوة على ذلك ،فإن الدرجات التي يتم الحصول عليها أقل من متوسط الدول
ذات المكانة نفسها في منطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا ،لقد تم تسجيل بعض التطورات
1تسعى المبادرة إلى وضع معايير لتسيير المال العام تتسم بالشفافية والمشاركة ،وذلك عن طريق توحيد جهود مجموعات
متنوعة من مختلف األطراف المعنية بإعداد الميزانية مثل باحثي مسح الموازنة المفتوحة ،ناشطي المجتمع المدني الذين
يعملون في قضايا تتعمق بالميزانية ،ومشرعين من المجالس التشريعية ،ومسؤولي الموازنات الحكومية الكبار باإلضافة إلى
مسؤولين من المؤسسات اإلشرافية والمانحة ،وذلك لنقاش والحوار بشأن الحاجة إلى تملك المعايير ومحتواها :أنظر في هذا
https://www.internationalbudget.org/open-budget-survey/results-by- الرسمي: الموقع
country/country-info/?countr.تاريخ االطالع.2019/09/15 :
2مسح الميزانية المفتوحة 2017الجزائر على الرابط:
https://www.internationalbudget.org/wp-content/uploads/algeria-open-budget-
. survey-2017-summary-arabic.pdf.تاريخ االطالع.2019/09/15 :
433
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
في نهاية عام 2015ولكنها سرعان ما تم التراجع عنها الحقا خاصة سنة ،2017بالرغم من
أن و ازرة المالية تتوفر داخليا على مجموعة من المعلومات الموثوقة بما يتماشى مع المعايير
الدولية بحسب تقرير برنامج اإلنفاق العام والمسالة المالية .1PEFA
ولكن يجب القول إن الدراسة االستقصائية المتعلقة بالميازنية المفتوحة ال تستفيد من إطار
مؤسسي يتيح لها أن تصبح أداة للتغيير .إن تأثير RONCواطار ،PEFAيبدو أكثر وضوحا
ألن هذه األدوات تحظى بدعم منظمات بريتون وودز ،Bretton Woodsيتجلى هذا التأثير
بشكل كبير بالجزائر في تكوينات مشروع القانون العضوي بقوانين المالية الذي رأى النور سنة
،2018يتطلب الجهد المبذول في وضع جدول زمني لإلجراءات المالية وخاصة الحسابات
الخاصة بالخزينة كبصمة استجابة ألحد المطالب الرئيسية لتقارير المعايير ومدونات السلوك
للميزانية الجزائرية ،RONCومسح AAPللبنك الدولي وتقييم برنامج اإلنفاق العام والمسائلة
المالية .PEFA
1
Abdelhak Cerurfa, op.cit., p80.
434
الفصل الثالث
القانون العضوي الجديد للمالية
يرتبط تسيير المالية العامة في أي بلد بهيكل النظام المالي ،ويتعلق بالمؤسسات
واإلجراءات التي من شأنها أن تضمن الشفافية الفعالية والكفاءة في تسيير النفقات والموارد العامة
للدول ، 1حيث إن إصالح التسيير المالي رهين بمراجعة اإلطار القانوني المؤطر لتسيير المالية
العامة ،ومدى مواكبته للمستجدات والتحوالت التي عرفتها البالد في شتى مناحي الحياة خاصة
المالية منها ،وانطالقا من كون الدستور يعد المرجع األساسي المحدد للمبادئ ،والقواعد التي تحكم
سير الدولة ،ومؤسساتها بما فيها المبادئ والقواعد المتعلقة بتسيير المالية العامة ،فإن القانون
العضوي المتعلق بقوانين المالية المنصوص عليه في دستور 1996في مادته 123يعد المصدر
الثاني لقوانين المالية ،هذا القانون العضوي الذي لم يصدر إال سنة 2018أي بعد مرور اثنان
وعشرون عاما من التنصيص عليه جاء ليتوافق مع المقتضيات الدستورية المشار إليها آنفا و ليعالج
مكامن القصور ،واالختالالت التي عرفها تسيير المالية العامة في ظل القانون اإلطار 17/84
المتعلق بقوانين المالية.
تتجسد اإلجراءات القانونية الجوهرية المتعلقة بإصالح تسيير المالية في الجزائر في
ضرورة إعادة النظر في أهم القوانين المؤطرة لتسيير المالي والميزانياتي ،ذلك من خالل إصالح
القانون اإلطار 17/84المتعلق بقوانين المالية الذي تجاوزه الواقع االقتصادي والمالي واالجتماعي
للبالد ،وكذا التحوالت الدولية في مجال تسيير المالية العامة ،فيما يلي نعرض ألسباب الداعية لهذا
اإلصالح والمستجدات التي حملها في مجال تسيير المالية العامة وترشيد اإلنفاق العام على وجه
التحديد باعتبارها غاية كل إصالح وهدفا لكل السياسيات العمومية.
1
Stefan leider et peter wolff, gestion des finances publiques : une contribution à la Bonne
gouvernance financière, annuaire suisse de politique de développement, Vol.26, n°2, 2007, p
175.
436
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
1و ازرة المالية الجزائرية ،الم ديرية العامة للميزانية ،مشروع قانون عضوي يتعلق بقوانين المالية ،مذكرة تفسيرية ،ص.1
437
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
الفرع الثاني :تجاوز تقادم اإلطار القانوني المنظم لتسيير المالية العامة وحالة ضعف منهجية
التسيير العمومي
-لقد تجاوز الواقع االقتصادي االجتماعي والسياسي للبالد اإلطار المنظم لتسيير المالية العامة في
الجزائر والمتمثل في القانون17/84الذي تمت صياغته في ظروف غير التي صار يحكمها على
جميع األصعدة ،و أستند لمقاربة قانونية فيبرية تتميز بانعدام التوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية
في مجال تسيير الميزانية ،إذ تهمين فيه األولى على المجال في ظل االنغالق الذي عرفه مسلسل
إعداد وتنفيذ الميزانية العامة للدولة ،وحرص المشرع على توفير الضمانات الكفيلة بحماية المال
العام من كل أشكال االختالسات واالحتيال والتبذير أدى لتعدد النصوص وتكاثرها دون وصولها
لتحقيق الغاية من وضعها ،1كما يسجل افتقار نظام المحاسبة العمومية للوضوح والشفافية ،وهو ما
جعل هذه المقاربة تهتم بالطابع الشكلي وسالمة اإلجراءات دون االهتمام بالنتائج المفضية لتحقيق
فعالية اإلنفاق العام ،انعكس هذا في هيمنة منطق الوسائل بسعي للمطالبة بأكبر االعتمادات دون
التساؤل عن معنى ومفهوم هذه المهام أو مضمون هذه األهداف والنتائج المتوقعة ،وتجسد ذلك
بوضوح في مدونات الميزانية وهيكل النفقات العامة غير المستجيبة لالحتياجات االقتصادية للتسيير
االقتصادي الفعال والمؤثر على أداء النفقة العمومية. 2
-طغى هاجس االهتمام بتحقيق التوازنات المالية وضعف الربط بين المخطط المسير على مقاربة
تسيير المالية العامة دون مراعاة لألبعاد المختلفة من منظور شمولي لجميع المعطيات المرتبطة
بتسيير القرار المالي العام واآلثار المترتبة عليه من الناحية االقتصادية واالجتماعية ،وفي سياق
متصل بمنهجية التسيير شكل ضعف تسيير االعتمادات طابعا ممي از لحالة تجاوز الرخصة البرلمانية
ب تحويل ونقل االعتمادات الذي يعكس سوء التقدير والتقييم ،وتنامت ظاهرة التسيير خارج إطار
الميزانية من خالل االعتماد على حسابات التخصيص الخاص التي أصبحت شبه ميزانية بعد أن
كانت استثناء لمبدأ الوحدة في تجسيد لعدم قدرة القانون اإلطار 17/84على التعامل بمرونة كافية
مع رهانات التحول نحو اقتصاد السوق وتبني مشروع تحديث أنظمة الميزانية .3
1تم إدخال عشرات التعديالت على القانون 17/84في شكل أحكام تكميلية بسيطة وأحيانا مستقلة تحملها قوانين المالية للسنة نفسها،
ومع ذلك فإن اإلطار المالي والميزانياتي الجزائري من ناحية أخرى تم تجاوزه بفعل سرعة وحجم التحوالت السياسية واالقتصادية
واالجتماعية التي بدأت في عام ،1988 ،أنظر في هذا.Abdelhak Cerurfa, op.cit., p43 :
2راضية دنان ،مرجع سابق ،ص.241
3عبد الغني عكة ،مرجع سابق ،ص 52وما يليها.
438
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
-وجود حالة هيمنة مطلقة للسلطة التنفيذية على االختصاص المالي من منطلق اضطالعها بمهمة
التسيير والتنفيذ فهي تحتكر مجال قانون المالية فتقوم بمفردها بتحضير مشروع قانون المالية على
مستوى دوائرها الو ازرية دون وجود مساهمة للبرلمان في ذلك ،والذي ال يتعدى دوره المناقشة المحدودة
زمنيا تحت طائلة إصداره من قبل رئيس الجمهورية بأمر ،1ورغم توفر وتعدد آليات الرقابة وتنوعها
بين رقابة داخلية وخارجية ورقابة قبلية وبعدية ،داخلية تتمثل في رقابة المراقب المالي والمحاسب
العمومي ورقابة المفتشية العامة للمالية ورقابة لجان الصفقات العمومية ،وخارجية تتمثل في رقابة
كل من الرقابة البرلمانية ورقابة مجلس المحاسبة فإنها لم تستطع الحد من انتشار مظاهر االختالسات
والتبذير وسوء التسيير للمال العام ،وهو ما يعكس قصور أوجه الرقابة المختلفة عن تحقيق الغاية
من وجودها و تحقيق حماية فعالة للمال العام ،والوصول لالستخدام األمثل له يتجلى هذه بوضوح
في استفحال الفساد رغم وجود آليات الرقابة المشار إليها سابقا.
الفرع الثالث :زيادة حجم اإلنفاق العام وغياب الرشادة في تسييره
لقد عرف حجم اإلنفاق العام زيادة متسارعة منذ بداية األلفية الثالثة بسب ارتفاعا اإليرادات
النفطية ،انعكس في سياسية إنفاقيه توسعية من خالل تطبيق برامج اإلنعاش الوطني التي رصدت
لها مبالغ كبيرة بحسب ما تشير إليه بيانات بنك الجزائر ،2ساهمت هذه الوفرة المالية في تحقيق
نجاح على مستوى التوازنات الكلية لالقتصاد ما بين سنة 2000و ،2014وانعكس في تحقيق
استقرار اقتصادي على المستوين الداخلي والخارجي لقي استحسان الهيئات المالية العالمية المتابعة
لمسار اإلصالحات في الجزائر ،في المقابل تم تسجيل غياب النوعية المؤسساتية التي تعد مفتاحا
لتحسين بيئة األعمال واالستثمار.3
تشير في هذا السياق بعض المؤشرات الدولية لتحليل البنية المؤسساتية التي تمثل مدخال
رئيسيا في رسم السياسيات العامة وصنع القرار إلى احتالل الجزائر لمراتب متدنية للغاية في مجال
تسيير اإلنفاق العام لوجود إسراف في النفقات العامة وتفشي ظاهرة الفساد ،وعدم توفر معيار
استقاللية القضاء وكذا الشفافية في السياسيات العامة التي ترتبط كلها بعدم نجاعة التسيير العمومي.
حيث ترتيب الجزائر حسب مؤشر اإلسراف في اإلنفاق العام يشير لعدم وجود كفاءة عالية في
توفير السلع والخدمات الض رورية رغم الموارد واألموال الضخمة التي تم صرفها لتحسين الخدمة
439
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
العمومية ،1ويؤكد مؤشر مدركات الفساد على تفشي الظاهرة في القطاع العام بحسب التقارير التي
تصدرها منظمة الشفافية الدولية ،2كما يحيل مؤشر استقاللية القضاء في الجزائر إلى مراتب متدنية
تعكس عدم استقالليته وخضوعه للتأثيرات السلطة السياسية وهو ما يؤثر على التسيير الحسن للمال
العام.3
1وفق مؤشر اإلسراف في اإلنفاق العام الذي يصدره المنتدى االقتصادي العالمي من بين مؤشرات أخرى لقياس التنافسية يشير إلى
احتالل الجزائر للمرتبة 80/133و 89/141 ،87/138 ،74/148 ،101/148 ،116/144 ،79/142 ،64/139خالل
السنوات على التوالي ،2014/2015 ،2013/2014 ،2012/2013 ،2011/2012 ،2010/2011 ،2009/2010
2018 ،20156/2017 2015/2016إكمال :أنظر في هذا :على الرابط
-https://fr.weforum.org/reports/global-competitiveness-reportتاريخ االطالع2019/09/21:
2تشير تقرير مؤشر مدركات الفساد إلى تفشي ظاهرة الفساد فتحتل المرتبة ،105/176 ،92/180 ،97/159 ،88/133
88/168خالل السنوات على التوالي .2015 ،2012 ،2008 ،2005 ،2003 :على الموقع:
www.transparency.org/research/cpiتاريخ االطالع. 2019/09/03 :
3تؤكد تقارير مؤشر استقاللية القضاء على عدم وجد استقاللية عن هيمنة السلطة التنفيذية وخضوعها للتأثيرات السياسية حيث
تحتل المرتبة 148/85 ،148/95 ،144/123 ،142/126 ،133/112 ،112/133خالل السنوات التوالي،2009/2010 :
.2014/2015 ،2013/2014 ،2012/2013 ،2011/2012 ،2010/2011
440
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
ترتيب الجزائر في مؤشر اإلسراف في اإلنفاق العام نقال من تقارير التنافسية العالمية
القيمة الترتيب عدد الدول المحصاة السنوات
3,7 48 134 2008/2009
تؤكد المؤشرات السابقة وجود سوء تسيير للنفقات العامة للدولة يرتبط أساسا باالعتماد على
مقاربة تقليدية بالتسيير المالي العمومي وفق مقترب قانوني (االمتثال للقواعد واإلجراءات) تعتمد
على منطق الوسائل وتهتم بتحقيق التوازن المالي وال تتيح عملية الرقابة التي تتم عبر المراحل
المختلفة تحقيق نجاعة وفعالية اإلنفاق العام ،األمر الذي يجعل مراجعة اإلطار المنظم لها ضرورة
هيكلية لتحسين تسيير اإلنفاق العام بحيث يتم التوجه إلى التركيز على منطق النتائج وفق مقترب
اقتصادي (تقييم السياسات العمومية وفعاليتها).1
و ازرة المالية الجزائرية ،المديرية العامة للميزانية ،مشروع قانون عضوي يتعلق بقوانين المالية ،مذكرة تفسيرية ،ص.1 1
441
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
-New public managementأصل مصطلح المناجمنت العمومي الجديد أثار جدال في األدبيات من خالل أول مقالتين 1
أن المناجمنت العمومي الجديد تعبير مختصر يستخدم لإلشارة إلى موضوعات Aucoinسنة Hood 1992 1990اللذان اعتب ار ّ
وأنماط متميزة لألساليب الخدمة العمومية بدأت في المملكة المتحدة واستراليا ونيوزيلندا.
2
Abdelhak Cerurfa, op.cit, p63.
442
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
1في هذا السياق لتأثيرات العولمة على الدول األفريقية يعد نولن فولز من المؤلفين الذين يدعمون "األطروحة التراجعية" لسيادة الدولة
عالميا ،لن تكون الدول أكثر من جهة فاعلة واحدة (منظمات دولية ،منظمات غير حكومية،
ً في العالقات الدولية" ففي عالم أصبح
شركات عبر وطنية ،إرهاب ،مافيا) .على المستوى المحلي سوف نشهد تجريد وتخفيف الروابط بين المواطنين والدولة .لم تعد تحتكر
العنف وستواجه جماعات عرقية أو دينية أو لغوية ،فشرعيتها تتآكل في ظل عدم قدرتها على تلبية احتياجات المجتمع واالندماج في
العولمة أنظر في هذا :أحمد عبد العزيز ،جاسم زكريا ،فراس عبد الجليل الطحان ،العولمة االقتصادية وتأثيراتها على الدول العربية،
مجلة اإلدارة واالقتصاد ،العدد ،2001 ،86ص .66
2المرجع نفسه ،ص .66
3الذي ينص على تخفيض قيمة العملة (الدينار) ،والغاء القيود العامة على األسعار ،وتحرير التجارة الخارجية ،ورفع أسعار الفائدة،
وخصخصة المؤسسات الحكومية من أجل استعادة توازن االقتصاد الكلي الكبير للسماح للجزائر بسداد الديون ،يتم الحصول على
إعادة جدولة الديون من قبل الدول األوروبية بصعوبة وبشروط قاسية.
4األمر رقم 06/95المؤرخ في 1995/01/25المتعلق بالمنافسة ،ج ر ع ،09المؤرخة في 1995/02/22والمعدل والمتمم
باألمر رقم 03/03المؤرخ في 2003/07/19المتعلق بالمنافسة ،ج ر ع ،43المؤرخة في .2003/07/20
صوفيا شراد ،رياض دنش ،عولمة النظام المالي ،مجلة االجتهاد القضائي ،الجزائر ،العدد الحادي عشر ،2016 ،ص.150 5
443
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
عقد تم توقيعه مع البنك الدولي لإلنشاء والتعمير لتمويل مشروع تحديث وعصرنة المنظومات
الخاصة بالميزانية من أجل مواكبة التحوالت التي يشهدها المجال على المستوى الدولي.1
المطلب الثالث :أهداف القانون العضوي 15/18ومحاوره الرئيسية
إذا كان سعي المشرع من خالل وضع القانون العضوي 15/18المتعلق بقوانين المالية
هو مالئمته مع مقتضيات المرجعية الدستورية فإنه أيضا جاء برغبة في إدخال إصالحات عميقة
على نظام تسيير المالية العامة ،ذلك أن هذا اإلصالح يندرج في سياق دينامية دولية إلصالح تسيير
المالية العامة بدأت في دول منظمة التعاون والتنمية االقتصادية OCDEوانتشرت في أنحاء العالم،
على غرار ما تم في فرنسا من خالل تبني القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية LOLFسنة
2001والمطبق بداية من سنة ،2006أو في المغرب من خالل تبني القانون التنظيمي130.13
سنة 2013المطبق بداية من سنة ،2015أو في تونس من خالل اعتماد القانوني األساسي
للميزانية سنة ، 22019يعكس هذا وجود سياق دولي داعم لإلصالحات تسيير المالية العامة مدفوع
بهاجس تحقيق النتائج واألداء سعيا لتجسيد فعالية اإلنفاق العام.
يهدف القانون 15/18إلى تحديد اإلطار العام الذي تسجل فيه قوانين المالية وكذا الكيفيات
المتعلقة بتحضيرها والمصادقة عليها وتنفيذها 3من خالل تعريف إطار تسيير مالية الدولة ،كما يحدد
مبادئ وقواعد المالية العامة وحسابات الدولة وكذا تنفيذ قوانين المالية ورقابة تنفيذها.
سعى المشرع من خالل القانون العضوي إلى إحداث تحول جذري في األساس الذي تبني
عليه قوانين المالية باالنتقال لمبدأ الميزنة وليس طبيعة النفقات كما كان معموال بها في إطار
2قانون أساسي عدد 15لسنة 2019المؤرخ في 13فيفري 2019يتعلق بالقانون األساسي للميزانية ،تجدر اإلشارة أن القانون كان
مشروع مبادرة تشريعية من قبل و ازرة المالية في مجلس الوزراء عبر مداولة بتاريخ 13نوفمبر ،2015وعرض على اللجنة المختصة
بالمالية في 02جوان 2017وقدمت تقريرها في ،2018/11/14ليتم عرضه في جلسة عامة في 2018/12/18وتمت المصادقة
عليه في .2019/01/31
3جاء في نص المادة األولى من القانون " 15/18يهدف هذا القانون العضوي إلى تعريف إطار تسيير مالية الدولة الذي من شأنه
أن يحكم إعداد قوانين المالية ،وكذا مضمونها وكيفية تقديمها والمصادقة عليها من قبل البرلمان ،كما يحدد مبادئ المالية العمومية
وحسابات الدولة وكذا تنفيذ قوانين المالية ومراقبة تنفيذها" .
444
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
القان 17/84حيث يوجهه نحو تحقيق النتائج انطالقا من أهداف محددة ،يستهدف القانون 15/18
1
تحقيق غايتين رئيسيتين هما":
أوال -إصالح إطار التسيير العمومي وتوجيهه نحو النتائج
إن تحسين تسيير المالية العامة وتحقيق فعاليتها والتحكم في اإلنفاق العام جعل الدول
والحكومات تعمل على إتباع أساليب تسيير ميزانياتها وفقا للقواعد المطبقة في القطاع الخاص من
خالل االعتماد على مؤشرات النتائج كأساس لتحديد اإليرادات والنفقات ،في هذا السياق تنص المادة
2من القانون 15/18على اعتماد مبدأ التسيير المتمحور حول النتائج انطالقا من أهداف واضحة
ومحددة وفقا لغايات المصلحة العامة مع ضرورة خضوعها للتقييم ،2وعليه سيتم ربط النفقة العامة
بتحقيق النتائج من خالل توجيه النفقات العامة نحو منطق النتائج عوض منطق الوسائل المطبق
في القانون 17/84بهدف تقوية فعالية وأداء السياسيات العامة ،وتحسين جودة المرافق العامة التي
تقوم على تقديم الخدمات للمواطنين.
كما سيتم وفق هذه المقاربة الجديدة المبنية على مقترب اقتصادي لتحديد السياسات العامة
وتقييم فعاليتها تعزيز دور قانون المالية كأداة أساسية لتنزيل السياسات العامة ،وتقوية االنسجام بين
االست ارتيجيات القطاعية مع الحرص على التوازن المالي للدولة ،وسيكون ذلك ممكنا بتبني تأطير
ميزانياتي متوسط المدى كل سنة من طرف الحكومة يمكن مراجعته خالل إعداد قانون المالية
للسنة ،3يمكن هذا اإلطار متوسط المدى من إجراء مقارنة بين المؤشرات الحسابية مع المعايير
القياسي ة التي تضمنها المخطط المعتمد من قبل الحكومة لمعرفة أوجه النجاح أو الفشل في كل
برنامج عبر مقارنة النتائج وقياسها وتقييمها.
1و ازرة المالية الجزائرية ،المديرية العامة للميزانية ،مشروع قانون عضوي يتعلق بقوانين المالية ،مذكرة تفسيرية ،ص.1
2تنص المادة الثانية من القانون 15/18على " يعد قانون المالية بالرجوع إلى تأطير وبرمجة الميزانية كما ما هو محدد في المادة
5من هذا القانون ،ويساهم في تجسيد السياسات العمومية التي يكون تنفيذها مؤسسا على مبدأ التسيير المتمحور حول النتائج،
انطالقا من أهداف محددة واضحة ومحددة وفقا لغايات المصلحة العامة والتي تكون موضوع تقييم".
3حسب نص المادة 5من القانون 15/18المتعلق بالتأطير الميزانياتي المتوسط المدى.
445
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
نزيه عبد المقصود محمد مبروك ،شفافية الموازنة العامة للدولة ،أهميتها وآليات تعزيرها ،كلية الشريعة والقانون طنطا ،جامعة 1
446
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
وتجريب مرحلي ألدوات تحديث التسيير المالي خالل هذه المرحلة ،ويرتكز اإلصالح على خمسة
محاور رئيسية هي:
أوال -إعادة هيكلة الميزانية
في إطار المسعى العام إلصالح التسيير العمومي وتوجيه نحو النتائج سيكون إطار الميزانية
المتمحورة حول النتائج الهدف األول لهذا التوجه بإعادة النظر في تنظيم مدونة الميزانية التي ستبنى
بموجب القانون 15/18على أساس مفهوم البرنامج 1كوحدة جديد للميزانية وكأساس ضروري
إلصالح الميزانية يحل محل القطاع والفصل للمدونة الميزانية المعمول بها في القانون ،217/84
وسيتم توحيد ميزانيات التسيير واالستثمار والتحويل في إطار وحدة وحيدة للميزانية من خالل
التخصص الجديد لالعتمادات لتكون مدونات الميزانية بحسب نص المادة 28منه كالتالي: 3
-التصنيف حسب النشاط والذي يتكون من البرنامج وتقسيماته.
-التصنيف حسب الطبيعة االقتصادية للنفقات ويتكون من أبواب النفقات وتقسيماتها.
-التصنيف حسب الوظائف الكبرى للدولة ويتكون من تعيين القطاعات المكلفة بتحقيق األهداف
حسب الوظيفة.
-التصنيف حسب الهيئات اإلدارية المكلفة بإعداد الميزانية وتنفيذها ويعتمد على توزيع االعتمادات
على الو ازرات والمؤسسات العمومية.
يتضمن البرنامج مجموع االعتمادات المالية التي تساهم في إنجاز مهمة خاصة تابعة
لمصلحة أو عدة مصالح لو ازرة واحدة أو عدة و ازرات أو مؤسسة عمومية ومحددة حسب مجموعة
من األهداف الواضحة والمتناسقة ،4ويشكل مجموع البرامج حقيبة توضع تحت مسؤولية وزير أو
مسؤول مؤسسة عمومية ،وتقسم هذه البرامج وتقسيماتها إلى ب ارمج فرعية وأنشطة في تنفيذ سياسة
عمومية محددة.5
1حيث نصت المادة 79من القانون "15/18البرنامج هو وحدة تنفيذ االعتمادات المالية "...
2حسب نص المادة 23من القانون ... " 15/18تخصص االعتمادات المالية حسب البرنامج طبقا للمادة 75من هذا القانون أو
حسب التخصيص فيما يتعلق باالعتمادات غير المخصصة ،ويتم تقديم االعتمادات حسب النشاط ،وعند االقتضاء ،في شكل أبواب
تتضمن النفقات حسب طبيعتها طبقا ألحكام المادة 29من هذا القانون "...
3حسب نص المادة 28من القانون العضوي ،15/18حيث أن التصنيف حسب النشاط وحسب الطبيعة االقتصادية للنفقات يعتبران
من التصنيفات الرئيسية لميزانية الدولة ،والتصنيف حسب الوظائف الكبرى للدولة وحسب الهيئات اإلدارية لهما أهمية في مجال
التحليل واإلحصاءات وأسس المقارنة.
حسب نص المادة 23من القانون 15/18الفقرة .4 4
447
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
448
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
إجراء إعداد قوانين المالية ،ويحدد للسنة المقبلة والسنتين المواليتين ،ويمكن مراجعة التأطير
الميزانياتي المتوسط المدى كل سنة خالل إعداد مشروع قانون المالية للسنة.1
هذه الميزانية المتكاملة المتعددة السنوات تشمل كل االستثمارات وكذا النفقات الجارية ،وتحافظ
بصفة كلية على الطابع السنوي للميزانية في المجال القانوني بحيث تشمل الميزانية التوقعات حسب
كل قطاع وسياسة ،ويتم إعدادها وعرضها مع توقعات وتقديرات على مدى ثالث سنوات القادمة
ويدخل في إطار اقتصادي جزئي متناسق من نفس الفترة ،تشترط المؤسسات المالية توفر إطار
متسق متعدد السنوات للمالية العامة على أساس افتراضات اقتصادية واقعية.2
أصبحت المقاربة السنوية متجاوزة لمحدوديتها وعدم مسايرتها لحجم تدخالت الدولة في
المجالين االقتصادي واالجتماعي وهو ما يجعل تبني المقاربة المتعددة السنوات أكثر مالئمة للظروف
االقتصادية والمالية واالجتماعية للبالد ،أين تمت مباشرة هذه اإلجراء بتبني مشروع تحديث أنظمة
الميزانية باعتباره أداة لتسيير الموارد العامة يعبر عن التوجهات الكبرى واألولويات والتوقعات
لإليرادات ،والنفقات على مدى يتجاوز اثني عشر شه ار بإضافة توقعات لمدة سنتين مواليتين (ن،1+
ن ) 2+للسنة المالية المعنية ،حيث أن المصادقة البرلمانية تتعلق بالسنة المالية المعنية وال تمس
التوقعات المرفقة والتي يتم تقديمها على سبيل االسترشاد ،3وهو ما تم تأكيده من خالل القانون
العضوي 15/18واعتماده كأداة لتعزيز كفاءة اإلنفاق العام وفعاليته وضمان تحقيق رؤية جيدة
لتسيير المالية العامة.
ثالثا :إصالح متمركز حول حرية أكبر للمسيرين وتفعيل رقابة األداء
لقد جاء القانون 15/18بمنح مزيد من حرية التصرف للمسريين وربط المسؤولية بالمحاسبة
وتقييم النتائج ،لتسمح حركة االعتمادات وفقا إلجراءات محددة بتنفيذ عمليات نقل وتحويل االعتمادات
لكي ال تتعرض األهداف المستهدفة على مستوى البرامج لمساس جوهري بالغاية من استحداثها.
1نص المادة 05من القانون 15/18وتجدر اإلشارة إلى أن تبني اإلطار الميزانياتي المتعدد السنوات 03سنوات ال يعني التشكيك
في مبدأ السنوية بل يعد مزيج من مبدأين يستجيبان على النحو الذي تمليه المستجدات والتطورات مع مرور الوقت بين السياسيات
العمومية والبرامج الحكومية.
2يشير دليل شفافية المالية العامة الصادر عن صندوق النقد الدولي في ميثاق الممارسات السليمة المتعلقة بعملية إعداد الميزانية
لضرورة وجود اإلطار المتوسط األجل ،أنظر في هذا صندوق النقد الدولي ،دليل شفافية المالية العامة ،2007ص ،62على الموقع
الرسمي للصندوق https://www.imf.org/external/np/fad/trans/ara/manuala.pdfتاريخ االطالع.2019/08/25 :
3
Projet De Modernisation Des Systèmes Budgétaires, rapport sur les options de budgétisation :
sous composante 1.1-budgétisation pluriannuelle, ministère des finances, Avril 2005, p 3-19.
449
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
تناولت المادة 33من القانون 15/18إمكانية إجراء نقل أو تحويل في االعتمادات المالية خالل
السنة المالية لتعديل التوزيع األولي العتمادات البرامج:
يتم نقل االعتمادات المالية من برنامج إلى آخر على مستوى نفس الو ازرة أو المؤسسة العمومية
بموجب مرسوم يتخذ بناء على تقرير مشترك بين الوزير المكلف بالمالية والوزير أو المؤسسة العمومية
المعني.
أما بخصوص التحويل ما بين برامج و ازرات أو مؤسسات عمومية مختلفة فيتم بموجب مرسوم
رئاسي يتخذ بناء على تقرير مشترك بين الوزير المكلف بالمالية ووزراء القطاعات أو مسؤولي
المؤسسات العمومية المعنيين.
يتم إبالغ البرلمان بذلك شرط أال تتجاوز مبالغ االعتمادات المالية المتراكمة التي كانت محل
نقل أو تحويل بموجب مرسوم خالل نفس السنة %20من االعتمادات المالية المفتوحة بموجب
قانون المالية للسنة بالنسبة لكل برنامج من البرامج المعنية.1
أتاح القانون 15/18إمكانية نقل اعتمادات الدفع استجابة للمعايير المقبولة دوليا مع الحفاظ
على مبدأ السنوية لها ،إذ يمكن االستمرار في تنفيذ عمليات الدفع المتوفرة في برنامج نهاية السنة
خالل السنة الموالية وفي نفس البرنامج وذلك في حاالت استثنائية ومبررة على أن يتم ذلك وجوبا
قبل انقضاء الفترة التكميلية المحددة مدتها بتاريخ 31جانفي من السنة الموالية لسنة تنفيذ الميزانية،
كما يمكن نقل اعتمادات الدفع المتوفرة في باب نفقات االستثمار لبرنامج ما ،إلى نفس البرنامج بحد
أقصاه %05من االعتماد األولي بموجب قرار مشترك بين ووزير المكلف المالية والوزير المكلف
بالقطاع المعني قبل نهاية الفترة التكميلية شريطة أن ال تؤدي بأي حال من األحوال هذه العملية
إلى تدهور في التوازنات الميزانياتية والمالية.2
في مقابل هذه المرونة في التعامل مع االعتمادات المالية سواء نقال أو تحويال وفقا للشروط
المحددة آنفا تضمن القانون 15/18ربط البرامج بأهداف واضحة محددة ،يتحمل المسيرون مسؤولية
تحقيقها ،و يتم إرفاق األهداف المراد بلوغها بمؤشرات مرقمة لقياس النتائج لغرض قياس فعالية
450
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
النفقات العامة وتقييم ما تم إنجازه منها ،1تماشيا مع المبدأ الذي أسس عليه المشرع عليه قانون
المالية المتمثل في مبدأ التسيير المتمحور حول النتائج.2
المسيرون ملزمون في التسيير الميزانياتي المتمحور حول النتائج بتقديم حساب عن النتائج
المحققة فعليا ويخضعون في هذا لرقابة أداء تتيحها مؤشرات قياس النتائج تجعل من البحث عن
فع الية النفقات العامة هدفا رئيسا ،يرفق قانون تسوية الميزانية بتقرير وزاري للمردودية توضح فيه
الظروف التي نفذت فيها البرامج المسجلة ومدى بلوغ األهداف المتوقعة التي يتم قياسها وتتبعها من
خالل مؤشرات األداء المرتبطة بها والنتائج المحققة والتفسيرات المتعلقة بالفوارق المعاينة.3
وفي سياق تجسيد التسيير الميزانياتي المتمحور حول النتائج تم التنصيص على إمكانية
اللجوء إلى التمويل الكلي أو الجزئي لعمليات االستثمار العمومي من خالل آلية التعاقد أو الشراكة
مع شخص معنوي خاضع للقانون العام أو الخاص مع اشتراط مراعاة إطار النفقات المتوسط المدى
وكذا برامج القطاع المعني المقررة.4
رابعا :تحسين مضمون وتقديم مشاريع قوانين المالية
يهدف القانون 15/18لتعزيز دور البرلمان في مناقشة قانون المالية وذلك من خالل
الرفع من جودة وموثوقية المعلومات المقدمة إلى البرلمان من طرف الحكومة وتعديل الجدول الزمني
إلعداد قوانين المالية ،ومراجعة طريقة التصويت على نفقات قانون المالية ،يأتي هذا في سياق
التحول المنشود لتبني التسيير المتمحور حول النتائج واالنتقال من ميزانية الوسائل إلى الميزانية
القائمة على النتائج التي سيكون لها نتيجة مباشرة على تجديد عرض قانون المالية من خالل إضفاء
مزيد من الشفافية وادخال نظام تصنيف جديد لإلنفاق وتجديد وثائق الميزانية وتبسيطها واتاحتها
للفاعلين في المجال المالي خاصة البرلمان والمجتمع المدني.
إلضفاء مزيد من الشفافية على الميزانية العامة للدولة وجعلها أكثر وضوحا وتسهيل قراءة
مضمونها سيتم توحيد ميزانيات التسيير واالستثمار والتحويل في إطار وحدة وحيدة للميزانية من
1حيث يلزم كل وزير أو مسؤول عن مؤسسة عمومية مكلف بتسيير محفظة البرامج تقديم تقرير عن األولويات والتخطيط يتضمن
كل برنامج من هذه البرامج السيما التوزيع بحسب األبواب للنفقات واألهداف المحددة والنتائج المنتظرة وكذا تقييمها .بحسب نص
المادة 75من القانون .15/18
2حسب نص المادة 2من القانون .15/18
3حسب نص المادة 87من القانون .15/18
4حسب نص المادة 37من القانون .15/18
451
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
خالل التخصص الجديد لالعتمادات التي يعد البرنامج فيها الوحدة األساسية لتخصيص االعتمادات
ويحكم تصنيفها نص المادة 28من القانون ،15/18إذ" يشكل هذا التصنيف المتصور جزء من
االهتمام األكبر بتنفيذ التسيير المتمحور على النتائج في المالية العامة الجزائرية ،كما يعد الشرط
األساسي ولكن أيضا القوة الدافعة ألنه يشجع الو ازرات على مواصلة دمج التوجهات االستراتيجية
والخطط المالية .ستكون البرامج بعد ذلك مجرد ترجمة مالية للخطة االستراتيجية للو ازرات".1
يتطلب التحول من ميزانية الوسائل إلى ميزانية البرامج أوالً وقبل كل شيء مراجعة وثائق الميزانية
الحالية التي توصف بأنها غير مقروءة وجعلها أكثر وضوحا وثراء لتسهيل مساهمة ممثلي الشعب
في القرار المالي ،ويهدف القانون 15/18لجعل مناقشة الميزانية في صميم المناقشة البرلمانية.
يتخلى القانون الجديد عن الهيكل الكالسيكي لقانون المالية في الشكل المفضل للقانون 17/84
لصالح هيكل جديد مقسم إلى ستة أبواب خصص األول لألحكام العامة ،تطرق الثاني لموارد الدولة
وأعبائها وحساباتها ،عرض الثالث لتحضير مشاريع قوانين المالية وتقديمها والمصادقة عليها ،كرس
الباب الرابع لتنفيذ قوانين المالية ،وتضمن الخامس منها قانون تسوية الميزانية ،ليختتم بباب سادس
تضمن أحكاما انتقالية واختتاميه.
ثانيا تضمن القانون 15/18إثراء للوثائق الواجب تقديمها من قبل الحكومة للبرلمان بداية
من مشروع قانون المالية للسنة إلى غاية القانون المتضمن تسوية الميزانية ،في هذا تشير المادة
72منه إلى ضرورة عرض الحكومة أمام البرلمان قبل نهاية الثالثي األول من السنة المالية ،في
إطار إعداد مشروع قانون المالية للسنة تقري ار حول تطور وضعية االقتصاد الوطني وحول توجيه
المالية العامة ،2كما يرفق بمشروع قانون المالية للسنة تقرير عن الوضعية واآلفاق االقتصادية
واالجتماعية والمالية على المدى المتوسط ،ويبرز على الخصوص التوازنات االقتصادية والمالية
والتقديرية ،ومالحق تفسيرية تبين التطور حسب صنف الضرائب ،إضافة إلى وثائق مجمعة في
ثالثة أحجام :يتعلق الحجم -1بمشروع ميزانية الدولة ،والحجم -2بتقرير عن األولويات والتخطيط
يعده كل وزير وكل مسؤول مؤسسة عمومية مكلف بتسيير محفظة البرامج ،في حين يتناول الحجم
– 3التوزيع اإلقليمي لميزانية الدولة.3
1
Abdelhak Cerurfa, op .cit. p 124.
2حسب نص المادة 72من القانون 15/18يتضمن التقرير حول تطور وضعية االقتصاد الوطني وحول توجيه المالية العامة
على- :عرض التوجهات الكبرى للسياسات االقتصادية والميزانياتية -تقييم على المدى المتوسط لموارد وأعباء الدولة.
حسب نص المادة 75من القانون 15/18في الفصل الثاني المتعلق بالوثائق المرفقة بمشروع قانون المالية. 3
452
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
كما يجب إرفاق قانون المالية التصحيحي بتقرير تفسيري للتعديالت المدرجة في قانون
المالية للسنة ،وأي وثيقة من شأنها تقديم معلومات ضرورية ومفيدة ،1كما تناولت المادة 87من
القانون 15/18عددا من التقارير والمالحق التفسيرية التي تسهم في التحقق من مدى تنفيذ محتوى
الرخصة المالية ألن قانون التسوية يضبط المبلغ النهائي لإليرادات التي تم قبضها والنفقات التي تم
تنفيذها ،2و يرفق مشروع قانون تسوية الميزانية ب ــ":
-مالحق تفسيرية تتعلق بنتائج العمليات الميزانياتية والحسابات الخاصة للخزينة وعمليات الخزينة.
-حساب عام للدولة يتضمن الميزان العام للحسابات وحساب النتائج والحصيلة والملحق أو المالحق
وتقييم التزامات الدول الخارجة عن الحصيلة ،وتقرير عرض يوضح على الخصوص التغيرات في
الطرق والقواعد المحاسبية المطبقة خالل السنة المالية.
-تقرير وزاري للمردودية يوضح الظروف التي نفذت فيها البرامج المسجلة في الميزانية ،وكذا مدى
بلوغ األهداف المتوقعة التي يتم قياسها وتتبعها بمؤشرات األداء المرتبطة بها والنتائج المحققة
والتفسيرات بالفوارق المعاينة.
تجدر اإلشارة إلى أنه يجب إيداع مشروع قانون التسوية قبل 10أوت من السنة ويتعلق
بتسوية السنة المالية 1-لدى مكتب المجلس الشعبي الوطني".3
كما نص القانون 15/18في إطار تعزيز دور مجلس المحاسبة واثراء المعلومات
المقدمة للبرلمان بإرفاق مشروع قانون التسوية بتقريرين لمجلس المحاسبة يتعلق األول بنتائج تنفيذ
قانون المالي ة للسنة المالية المعنية وبتسيير االعتمادات المالية التي تمت دراستها ،باألخص على
ضوء البرامج المنفذة ،ويتعلق الثاني بتصديق حسابات الدولة حسب المبادئ النظامية والصدق
4
والوفاء ،كما يدعم هذا التصديق بتقرير يبين التحقيقات التي أجريت لهذا الغرض.
453
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
المبحث الثاني :ابتكارات القانون العضوي للمالية 15/18ورهان تجسيد حكامة اإلنفاق العام
لقد شكل استصدار القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية 15/18لحظة مهمة في
مسار البحث عن تحسين أداء المالية العامة ومحاولة تجاوز االختالالت التي عرفها اإلطار المسير
لها في ظل أحكام القانون ، 17/84الذي لم يعد يتناسب مع التغييرات العالمية ويستوعب القواعد
والمعايير والشروط المعتمدة في هذا المجال ،وليتالءم مع مستلزمات الحكامة المالية في مختلف
مستوياتها ،خاصة في ظل أزمة مالية ناتجة عن تقلبات أسعار المورد الرئيسي لخزينة الدولة،
والبحث عن أنجع السبل الكفيلة بتسيير عمومي أكثر فعالية وشفافية يضمن فعالية اإلنفاق العام
ويحقق التنمية المستدامة .
سنتطرق إلى أهم االبتكارات التي حملها القانون العضوي الجديد للمالية ودورها في
تجسيد حكامة اإلنفاق العام وتتعلق أوال بإعادة صياغة عملية اتخاذ القرار المالي والمصادقة عليه
ثم تنفيذه والرقابة عليه من منظور يهدف إلى إصالح معمق للتسيير العمومي وتحقيق فعالية اإلنفاق
العام.
المطلب األول :نحو تبني مبادئ الشفافية والمشاركة والصدق في عملية تحضير واعتماد قانون
المالية
لقد سعى المشرع إلى تكريس المزيد من الشفافية في تسيير المالية العامة ،باالنتقال
من ميزانية الوسائل إلى ميزانية البرامج القائمة على النتائج له نتيجة مباشرة لتجديد عرض قانون
المالية من خال ل إدخال نظام تصنيف جديد لإلنفاق العام وتحديث وثائق الميزانية في اتجاه تبسيط
واثراء ونشر معلومات الميزانية.
الفرع األول :طرق عرض وتقديم مشاريع قوانين المالية نحو مزيد من الشفافية
454
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
الدولة ،1ويشكل البرنامج وحدة تخصيص االعتمادات المالية ،2أو حسب التخصيص فيما يتعلق
باالعتمادات المالية غير المخصصة ،3كما جمع أعباء ميزانية الدولة حسب التصنيفات الواردة في
المادة 28منه القانون .15/18
يأتي تبني هذا التصنيف لجعل الرخصة البرلمانية التي سيتم تقديمها من خالل هذه
القانون العضوي الجديد على أساس األهداف التي يتعين تحقيقها وقياسها من خالل مؤشرات األداء
في سياق عملية تطوير شاملة لكيفية تخصيص االعتمادات المالية وتعكس تحوال مهما في مدونة
الميزانية للتوافق مع المعايير الدولية وتعكس " هيكال عاما أكثر استراتيجية".4
تشكل التصنيفات األربع الجديدة الواردة في المادة 28من القانون 15/18والتي تعتبر مستقلة
عن بعضها البعض لكنها تجعل من الممكن تقديم ميزانية برنامج لكل و ازرة بطريقة متكاملة ،ألن
األنواع األربعة للتصنيف يدعم بعضها بعضا وتسمح بتشكيل نظام قادر على تنفيذ ميزانية برنامج.
ال يعني هذا العدد من المعايير أن هنالك تداخال أو أنها مستقلة تماما عن بعضها
البعض ولكنها متكاملة فيما بينها وتسمح في نفس الوقت بمعرفة:5
-الوحدة اإلدارية المسؤولة عن النفقة.
-النتائج المنتظرة من هذه النفقة طبقا لألهداف.
-الطبيعة االقتصادية لهذه النفقة.
-ارتباط هذه النفقة بواحدة من المهام الكبرى للدولة.
إن التصنيف الجديد هو جزء من االهتمام األكبر بتنفيذ التسيير المتمحور على النتائج
في المالية العامة الجزائرية ،كما يعتبر شرطا أساسيا ولكن أيضا قوة دافعة ألنه يشجع الو ازرات على
مواصلة دمج التوجهات االستراتيجية والخطط المالية ،ستكون البرامج بعد ذلك مجرد ترجمة مالية
للخطة االستراتيجية للو ازرات ،ألنه في المقام األول سيسمح بعرض أكثر شفافية لمالية الدولة ويساهم
في إرساء مبدأ األداء في التسيير المالي العمومي العامل المهم في تجسيد فعالية اإلنفاق العام.
ثانيا-إثراء الوثائق المرفقة لمشروع قانون المالية يتطلب االنتقال من وضع ميزانية الوسائل استنادا
إلى ميزانية برامج المتمحورة حول النتائج ضرورة إجراء مراجعة لوثائق الميزانية ،وهو ما يعني كذلك
455
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
بالضرورة االنتقال من منطق قائم على المدخالت (الوسائل) إلى منطق قائم على المخرجات
(النتائج) ،أدى تبني هذا المنطق إلى زيادة في حجم وطبيعة ونوعية المعلومات التي سيكون على
الحكومة تقديمها خالل جميع مراحل إعداد وتنفيذ والرقابة على قانون المالية
-الوثائق المرفقة بمشروع قانون المالية للسنة تتضمن تقري ار عن الوضعية االقتصادية واالجتماعية
والمالية على المدى المتوسط باإلضافة إلى مالحق تفسيرية ووثائق مجمعة في ثالثة أحجام تتعلق
بمشروع ميزانية الدولة ،وتقرير عن األولويات االقتصادية يعده كل وزير وكل مسؤول عن مؤسسة
عمومية ،التوزيع اإلقليمي لميزانية الدولة.1
يعكس حجم هذه الوثائق المرفقة ونوعيتها المعدة حسب كل برنامج والمتمحورة حول
النتائج والمكتسية طابعا سنويا ومتعدد السنوات توجها نحو تبني ميزانية البرامج واضفاء مزيد من
الشفافية في تسيير المالية العامة واتاحة قدر مهم من المعلومات لممثلي الشعب قبل مصادقتهم على
مشروع قانون المالية للسنة.
ير تفسيريا للتعديالت
-الوثائق المرفقة بقانون المالية التصحيحي سيكون على الحكومة أن ترفق تقر ا
المدرجة في قانون المالية للسنة وأي وثيقة من شأنها تقديم معلومات ضرورية ومفيدة.2
-الوثائق المرفقة بالقانون المتضمن تسوية الميزانية فيعمل المشرع على إثراء الوثائق الواجب إرفاقها
عند تقديم القانون المتضمن تسوية الميزانية المقدم كل سنة بمالحق تفسيرية تتعلق بنتائج العمليات
الميزانياتية والحسابات الخاصة للخزينة وعمليات الخزينة ،وكذا حساب عام للدولة ،وتقرير وزاري
للمردودية يوضح مدى بلوغ األهداف المتوقعة والتي تم قياسها وتتبعها من خالل مؤشرات األداء
المرتبطة بها والنتائج المحققة والتفسيرات المتعلقة بالفوارق المعاينة ،3كما يتم إرفاق قانون تسوية
الميزانية بتقريرين لمجلس المحاسبة يتضمن األول نتائج تنفيذ قانون المالية للسنة المعنية على ضوء
النتائج المن فذة ،ويتعلق الثاني بتصديق حسابات الدولة المبادئ النظامية والصدق والوفاء مدعم
بتقرير يبين التحقيقات التي تم إجراؤها لهذا الغرض.4
عمل القانون 15/18على إثراء الوثائق المرفقة لمشروع قانون المالية للسنة ولقانون
المالية التصحيحي وكذا قانون تسوية الميزانية بشكل كبير خاصة في مرحلة المصادقة على قانون
456
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
المالية للسنة ثم في مرحلة الرقابة عليه .ويأتي هذا اإلثراء استجابة للنهج الذي تبناه من خالل اعتماد
الميزنة القائمة على النتائج التي تتطلب تحسينا كميا ونوعيا للمعلومات المقدمة للبرلمان ،ولكنه أيضا
كجزء من سعي الجزائر لتجاوز االنتقادات المستمرة الموجهة لها من قبل الهيئات الدولية في مقدمتها
صندوق النقد والبنك الدوليين في تقاريرهم مثل تقارير االمتثال للمعايير ومدونات السلوك .1RONC
تشكل المعلومات الدقيقة الصادقة ذات الجودة والمتوفرة في الوقت المناسب عامال
حاسما في اتخاذ القرار المالي الصحيح الذي يساهم في تجسيد األهداف المرجوة من التسيير الفعال
ويحقق ترشيد اإلنفاق العام ويجنب كل أشكال التبذير واإلسراف.
الفرع الثاني :تحضير مشاريع قوانين المالية نحو تبني منظور استراتيجي
تسند مهمة تحضير مشروع قانون المالية في ظل القانون 15/18لوزير المالية الذي
يتمتع بدور متفوق يعكس بقاء المبادرة في المجال المالي والميزانياتي في يد السلطة التنفيذية ،كما
حمل القانون العضوي بعض التعديالت كما هو الحال بالنسبة للجدول الزمني للتحضير والتي ستكون
أكثر شموالً ،وعمل على ترقية مبدأ الصدق الميزانياتي وادراجه كقاعدة قانونية جديدة تعكس االهتمام
بتكريس مفاهيم الحكامة المالية.
أوال-بقاء سلطة تحضير مشاريع قوانين المالية في يد السلطة التنفيذية ممثلة في الوزير المكلف
بالمالية الذي يقوم تحت سلطة الوزير األول بتحضير مشاريع قوانين المالية التي يتم عرضها في
مجلس الوزراء ،2كما يتم عرض أي مشروع ذي طابع تشريعي أو تنظيمي من شأنه أن يكون له أثر
مباشر أو غير مباشر على ميزانية الدولة على الوزير األول ويحظى بموافقته بناء على رأي الوزير
المكلف بالمالية.3
يمتع بموجب هذا القانون الوزير المكلف بالمالية بصالحيات واسعة وموقع متفوق على
باقي الوزراء يخوله إبداء الرأي والتدقيق في أي نص تشريعي أو تنظيمي سيكون له أثر مالي مباشر
أو غير مباشر ،وهو األمر الجديد مقارنة بالقانون 17/84الذي لم يشر صراحة للجهة المختصة
1
ifm, Algeria: Report on the Observance of Standards and Codes - Fiscal Transparency Module,
report n°05/68, february 2005, p 26.on site
http://www.imf.org/external/pubs/ft/scr/2005/cr0568.pdf.p26. Consulter le :26/08/2019
457
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
بتحضير مشاريع قوانين المالية ،1و في المقابل يحمله مسؤولية يكون لها تبعات سياسية كبيرة على
التوزيع األفقي للسلطة المالية العامة.
ثانيا-تعديل في دورة الميزانية وتقنيات تحضيرها ال سيما فيما يتعلق بمرحلة إعداد مشروع قانون
المالية ،على الرغم من أن مراحل المصادقة والتنفيذ والمساءلة ستخضع فقط لتغييرات طفيفة ،إال
أن مرحلة التحضير ستمتد بداية من التخطيط وتحضير للميزانية أي مدة خمسة عشر ( )15شه اًر
تبدأ من خطاب الميزانية للسنة رقم 1من قبل وزير المكلف بالمالية في أوائل شهر أكتوبر من السنة
الثانية (ن ،)2 -وقد حددت المادة 71من القانون 15/18تاريخ 07أكتوبر كأقصى حد ،2من
السنة التي تسبق السنة المالية إليداعه لدى مكتب المجلس الشعبي الوطني وينتهي بتوقيع قانون
المالية للسنة من قبل رئيس الجمهورية في ديسمبر من العام ن .1-
في سياق تجسيد إصالح تسيير المالية العامة وتبني نهج التسيير المتمحور حول
النتائج ستخضع عملية تحضير مشروع قانون المالية لتغييرات مهمة في مراحلها ،وتحديد منظور
مشروع قانون المالية يعتبر جزًءا من إطار ميزانياتي على المدى المتوسط ،3وتعريف مقترحات
الميزانية التي هي محل حوار بي ن الفاعلين المعنيين ،وصوال لعملية التحكيم المسبق والتحكيم الذي
يمكن أن يوجه عملية صنع القرار ،وأخيرا ،سوف تتوصل الصيغة النهائية لمشروع قانون المالية إلى
صيغ جديدة للميزانية بحيث سيتم تقديم اإلنفاق بطريقة متكاملة.
الجديد هو األهمية التي سيتم إيالؤها لمرحلة التخطيط االستراتيجي كعملية في تحضير
الميزانية لل مدى متوسط ودور الفاعلين الرئيسين في ذلك ،األمر الذي يتطلب التشاور في مرحلة
كافيا للتفاوض على مظروف ميزانيتهم .كما سيتيح التخطيط في وقت مبكر ويمنح المسيرين وقتًا ً
إمكانيات لمناقشات أفضل جودة خالل إجراء عملية التحكيم المسبق والتحكيم.
تمت اإلشارة إلى أن هذا االختصاص يمارسه وزير المالية في المرسوم رقم 94/95المؤرخ في 1995/02/15المحدد 1
458
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
ثالثا-ترقية مبدأ الصدق الميزانياتي إلى مرتبة المبادئ العضوية يتناول مبدأ صدقية الميزانية في
نص المادة 70من القانون 15/18والتي نصت على" تقدم قوانين المالية مجموع موارد وأعباء
الدولة بصفة صريحة ،وتقيم هذه الصراحة من خالل المعلومات والتقديرات التي يمكن أن تنتج
تقابل كلمة "بصريحة " " " sincèreوالتي تعني الصدق أو صدقية ،واستعمال المصطلح ،
1
عنها"
" صادقة" في نفس القانون عند تطرقه لصدق المحاسبة في نص المادة 65منه " ...يجب أن
تكون حسابات الدولة منتظمة وصادقة ،وتعكس بصفة مخلصة ممتلكاتها ووضعيتها المالية " كما
تناوله في نص المادة 68من نفس القانون عند التطرق للواجبات الملقاة على عاتق المحاسبين
العمومين المكلفين بمسك حسابات الدولة ،وتجدر اإلشارة إلى تناول المشرع لذات المبدأ في سياق
عرضه للتقارير الواجب إرفاقها للقانون المتضمن تسوية الميزانية من قبل مجلس المحاسبة بحيث
أكد على أن عملية تصديق حسابات الدولة من قبل مجلس المحاسبة تراعى فيها المبادئ النظامية
والصدق والوفاء.2
ذكر هذا المبدأ في القانون العضوي الجديد ثالث مرات" لكنه في الواقع يؤطر كل مضامينه
ألن الصدق يفترض أن يؤطر المالية العامة ،فال شرعية وال استمرار للمال العام بدون صدق ،فهو
يعد من مقومات الشفافية وحكامة المالية العامة وقد تمت ترقيته إلى مرتبة قاعدة قانونية بفضل
القضاء الدستوري الفرنسي الذي له سبق التنصيص عليه دستوريا وتكريسه على مستوى القانون
العضوي المتعلق بقوانين المالية سنة 2001في مادته .3"27
في هذا السياق عمل المشرع من خالل القانون 15/18على تحديد النطاق أو االختصاص
الميزانياتي من خالل عدد من القواعد التي تحمي المحتوى المادي للقوانين بهدف وضع إطار أفضل
Les Lois de finances présentent de façon sincere "1وتمت ترجمتها في النسخة الفرنسية للقانون ذاته "
l’ensemble des ressources et des charges de l’Etat. Leur sincérité s’apprécie compte tenu des
"informations disponibles et des prévisions qui peuvent en découlerù
2حسب نص المادة 87من القانون 15/18التي تنص على "...تقرير يتعلق بتصديق حسابات الدولة حسب المبادئ النظامية
والصدق والوفاء ،ويدعم هذا التصديق بتقرير يبين التحقيقات التي أجريت لهذا الغرض".
3تنص المادة 27من القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية الفرنسي لسنة ... :2001يجب أن تكون حسابات الدولة منتظمة،
صادقة وأن تعطي صورة صادقة عن أمالك الدولة ووضعها المالي " ،أنظر في هذا :عبد النبي أضريف ،مبادئ الميزانية على
ضوء مشروع القانون التنظيمي للمالية الجديد ،مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية ،المغرب ،العدد ،11أكتوبر ،2015
ص.49
459
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
للقوانين المالية بتوسيع مجال اختصاصها من ناحية وحظر االستخدام المستمر لألحكام غير المالية
(فرسان المالية) من ناحية أخرى.
-وسع المشرع محتوى قانون المالية عن طرق تضمين جوانب جديدة لتسيير المالية العامة باإلضافة
إلى الموضوعات التقليدية مثل الترخيص لموارد وميزانية الدولة وأعبائها ،1الترخيص بتحصيل
الضرائب وتقييم منتجاتها ،2الترخيص بتأسيس أو بتحصيل الرسوم شبه الجبائية 3إلزامياً في كل
قانون مالية ،وعلى وجه الحصر إلى ثالثة موضوعات جديدة هي :تحديد كيفية إنشاء أو تحويل
أو إعادة انتشار مناصب الشغل،4توظيف المتوفرات المالية للدولة ،وكذلك خصم وقبض السندات
مهما كانت طبيعتها لصالح الدولة ،5وبالتالي فإن حق البرلمان في التدقيق في الشؤون المالية للدولة
سوف يتوسع إلى حد كبير ومن المؤكد أن المجال الحصري لقوانين المالية سيتم تعزيزه.
-حظر االستخدام المفرط لألحكام غير المالية أو ما يعرف بظاهرة فرسان المالية فنص المشرع
صراحة على حظر هذه الممارسات في المادة 9منه بقوله " ال يمكن إدراج أي حكم ضمن قوانين
المالية ما لم يتعلق بموضوع هذه القوانين ،".وهي الممارسة التي عرفت انتشار واسعا في ظل القانون
17/84المتعلق بقوانين المالية المعدل والمتمم بالقانون 24/89خاصة المادة 67التي نصت على
" ...يميز في مشروع قانون المالية بين األحكام التشريعية الدائمة و األحكام ذات الطابع المؤقت
ويعد كل حكم يقترح دون تحديد مدة تطبيقه صراحة حكما ذا طابع دائم" ،حيث أدت الممارسة
المستمرة لهذه التقنية إلى تعديل طال أحكام القانون اإلطار للمالية العامة 17/84ذاته.6
األمر الذي دفع المشرع لتجاوز هذا الغموض المتسبب في انتشار أحكام غير مالية أسهمت
في المساس باالستقرار القانوني والتأثير على مناخ األعمال ،وبالتالي كانت لها تأثيرات على تسيير
المالية العامة بالنص صراحة على حظر اللجوء الستخدام هذه التقنية.
460
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
1و ازرة المالية الجزائرية ،المديرية العامة للميزانية ،مشروع قانون عضوي يتعلق بقوانين المالية ،مذكرة تفسيرية ،ص.1
2يرى " Philippe BEZESأن السلطة المالية تشكل مركز توازن السلطات ألنها قبل أن تكون علما ،أو تشير إلى ممارسة أو
تقنية ... ،فإنها تدل على عالقات السلطة " أنظر في هذا:
Philippe bezes, pour une histoire de la régulation des finances publiques : le regard d’un politiste,
dans philipe bezes. Florence descamps, sebastien kott, lucile tallineau (dir.), l'invention de la
gestion des finances publiques. Elaboration et pratiques du droit budgétaire et comptable au xixe
siecle (1815-1914), p15.
حسب نص المادة 17من القانون .15/18 3
461
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
أما بخصوص الترخيص لإلنفاق فإن المشرع من خالل القانون 15/18يتجه نحو التكريس
التام والكامل لمفهوم أعباء الميزانية بتخصيص الفرع الجزئي األول لها تحت مسمي رخص الميزانية،1
وهو في هذا يكرس بشكل واضح هذا المبدأ في القانون الجزائري ،وهذا االعتماد هو ترخيص في
الميزانية لإلنفاق ،ولكنه ال يعني االلتزام باإلنفاق ،يتم تضييق نطاق ترخيص الميزانية الخاص
بالنفقات وفقًا لما إذا كانت تحد من االعتمادات حصرية أو غير حصرية ،يختلف نطاق ترخيص
الميزانية عن النفقات وفقًا لما إذا كانت اعتمادات دفع مع صالحية لمدة عام واحد أو رخص التزام
تظل صالحة لفترة غير محددة من الوقت.
من المؤك د أن االعتماد هو ترخيص في الميزانية للنفقات ،لكن هذا الترخيص ال يعني
االلتزام باإلنفاق تحت طائلة انتهاك ومخالفة القانون ،ليتم ترك بعض السلطة التقديرية لإلدارة للحكم
على صواب القيام باإلنفاق من عدمه على الرغم من أن هذا مصرح ومرخص به في قانون المالية.
ولتجنب حاالت قيام اآلمرين بالصرف باستهالك االعتمادات مخافة تخفيض ميزانياتهم في السنة
المقبلة أتاح المشرع نقل اعتمادات الدفع المتوفرة في باب نفقات االستثمار لبرنامج ما بحد أقصى
قدره %5من االعتماد األولي بشرط أن ال يتسبب في تدهور التوازنات الميزانياتية والمالية 2بهدف
الحد من حاالت التبذير واهدار المال العام .
تناولت المادة 31من القانون 15/18االعتمادات المالية التي تكون حصرية أو تقييمية
ف ال يمكن االلتزام بصرف أو دفع النفقات المتعلقة باالعتمادات المالية الحصرية إال في حدود
االعتمادات المالية المفتوحة ،وتقيد النفقات المتكفل بها عن طريق اعتمادات مالية تقييمية عند
الحاجة بمبلغ يفوق االعتمادات المفتوحة وتتم تسويته بتحويل أو نقل االعتمادات المالية المتوفرة أو
بتقييدها في حساب النتائج مع وجوب إبالغ البرلمان فو ار بأسباب اللجوء لتجاوز االعتمادات ،و
3
يعتبر هذا مساسا بالرخصة الميزانية البرلمانية.
رخص نفقات الميزانية ستأخذ شكال موحدا في القانون 15/18من رخص االلتزام ومن
اعتمادات الدفع ،وتمثل رخص االلتزام الحد األقصى للنفقات التي يمكن االلتزام بها وتبقي سارية
للسنة الموالية عند الحاجة فيما يخص نفقات االستثمار.4
462
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
463
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
تجسيد الرخصة البرلمانية التي تلزم الحكومة باحترامها ،وفيما يلي عرض ألهم العناصر التي حاول
المشرع من خالل القانون 15/18تجسيدها في مرحلة تنفيذ قانون المالية والرقابة الممارسة عليها.
أوال :القانون العضوي 15/18بين احترام الرخصة البرلمانية وممارسات السلطة التنفيذية
تعتبر مرحلة التنفيذ مرحلة مهمة في حياة قانون المالية توكل مهمتها للسلطة التنفيذية التي
تقوم بتوزيع االعتمادات المالية على مختلف الدوائر الو ازرية بمقتضى مراسيم تنفيذية ،1والتي غالبا
ما تؤدي إل عادة النظر في الرخصة البرلمانية من خالل عمليات نقل االعتماد أو تحويلها أو حتى
إلغائها مما يقوض مبدأ التخصيص في الميزانية ،كما تقوم الحكومة أيضا بتجاوز مبلغ االعتمادات
المفتوحة في قوانين المالية بالمضي قدما في ربط اعتمادات إضافية عن طريق صناديق المساهمات
أو مراسيم التسبيق .لقد جاء القانون 15/18بمحاولة لتجسيد الرخصة البرلمانية وتأطير السلطة
التقديرية للسلطة التنفيذية في تطبيقها للرخصة البرلمانية وهذا بـ ـ ــ:
- 1اعتماد آليتين جديدين هما مراسيم التسبيق وتـأجيل ( تمديد التنفيذ) اعتمادات الدفع بهدف
المحافظة على الرخصة البرلمانية وضمان احترامها فتناولت المادة 27من القانون 15/18مراسيم
التسبيق التي يمكن للحكومة أن تبادر التخاذها للتكفل بنفقات غير منصوص عليها في قانون
المالية عن طريق فتح اعتمادات مالية إضافية وهذا حص ار في حاالت االستعجال القصوى ،نتيجة
إلثبات إيرادات إضافية أو إللغاء اعتمادات مالية ،مع اشتراط عدم تجاوز المبلغ المتراكم لالعتمادات
المالية %3من االعتمادات المالية المفتوحة بموجب قانون المالية ،كما يجب إبالغ الجهة المختصة
في البرلمان فو ار واخضاع التعديالت المدرجة لموافقة البرلمان في مشروع قانون المالية التصحيحي
القادم.2
اآللية الثانية هي تأجيل اعتمادات الدفع إلى السنة المالية الموالية أي االستمرار في تنفيذ اعتمادات
الدفع المتوفرة في برنامج في نهاية السنة للسنة الموالية وفي نفس البرنامج لحاالت استثنائية ومبررة
سيتم تحديد شروطها وكيفياتها عن طريق التنظيم ،3كم يمكن نقل اعتمادات الدفع المتوفرة في باب
464
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
نفقات ا الستثمار لبرنامج ما إلى نفس البرنامج بحد أقصى قدره خمسة في المائة من االعتماد األولي
.1
المالحظ على اآلليتين رغم تــأطيرهما للممارسات كانت تشكل انتهاكا للرخصة البرلمانية فإن
مراسيم التسبيق رغم أخذها للحاالت االستعجالية بعين االعتبار وضمان تأطيرها تعد تعديالت يتم
إدخالها على الرخصة الميزانية والرخصة البرلمانية دون أي نقاش حقيقي ،فيتم االقتصار على إعالم
الجهة المختصة بالبرلمان ،ومن هنا تبرز أهمية التأطير الدقيق لمثل هذه الممارسات ،أما
بخصوص اآللية الثانية من حيث المبدأ تعتبر انتها ًكا واضحا يتم تنفيذ اعتماداته خارج الحدود و
اآلجال القانونية بصفة مباشرة بمبدأ السنوية ،األمر الذي يجعلها تثير انتقادات البرلمانيين لمساسها
كذلك بالتوازن الميزانياتي ،لكن في ضوء الممارسات في القانون المقارن تجد لها سندا في ضرورات
مرونة التسيير.2
-2تنظيم وضبط اإلجراءات الخاصة المتعلقة باألموال المخصصة للمساهمات أو استعادة
االعتمادات المالية ،حركة االعتمادات المالية خالل السنة ،والغاء االعتمادات.
-جاء القانون 15/18بالنسبة إليرادات األموال المخصصة للمساهمات عائدات صناديق
المساهمة بابتكار تمثل في ضرورة توقعها واخضاعها للتقييم ،بحيث سيمسح إنتاج تقييم إليرادات
األموال المخصصة للمساهمات في قانون المالية من زيادة قوة البرلمان في المعلومات والرقابة.3
-كما تناول موضوع استعادة االعتمادات المالية في حدود نفس المبلغ لفائدة ميزانية الو ازرة أو
المؤسسة العمومية المعنية.4
-حرص المشرع في هذا القانون على تأطير أفضل لمسألة تحويل ونقل االعتمادات لما لها من
أثر على الرخصة البرلمانية فيجب أن يسجل مبلغ كل عملية نقل أو تحويل أو حركة لالعتمادات
المالية في حدود االعتمادات المالية المحددة في قانون المالية وتحدد شروط وكيفيات حركات
1الذي يجب أن يتم بقرار مشترك يتخذه وزير القطاع المعني والوزير المكلف بالمالية قبل نهاية الفترة التكميلية أي 31جانفي من
السنة الموالية لسنة تنفيذ الميزانية وت ضاف المبالغ التي تم نقلها إلى اعتمادات الدفع المفتوحة بموجب قانون المالية حسب نص
المادة 36الفقرة 02من القانون .15/18
2
OCDE (2014), Panorama des administrations publiques 2013, Editions OCDE, p. 103.
3حسب نص المادة 39من القانون 15/18التي تنص "...يتم توقع وتقييم إيرادات األموال المخصصة للمساهمات بموجب قانون
المالية "...
4تناولها في نص المادة 40من القانون 15/18وترك الشروط المحددة لها للتنظيم.
465
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
االعتمادات المالية داخل برنامج فرعي ومن برنامج فرعي إلى آخر داخل نفس البرنامج وبين مختلف
األبواب داخل برنامج أو برنامج فرعي عن طريق التنظيم ،1ويمكن إجراء نقل أو تحويل في
االعتمادات المالية خالل السنة المالية الجارية لتعديل التوزيع األولي العتمادات البرامج مع إعالم
البرلمان بشرط أن ال تتجاوز مبالغ االعتمادات المالية المتراكمة محل النقل أو التحويل بموجب
مرسوم حدود % 20من االعتمادات المالية المفتوحة بموجب قانون المالية للسنة لكل برنامج من
2
البرامج المعنية.
تعتبر مبادئ حركة نقل وتحويل االعتمادات المالية مهمة للغاية في سياق اإلصالح الذي
يهدف إلى تنفيذ التسيير المتمحور حول النتائج وجعل المسيرين أكثر حرية في عملية الميزانية وأكثر
عرضة للمساءلة ،وبالنظر للشروط الموضوعة في القانون 15/18فإن هذه العملية تخضع لتنظيم
صارم ال ي سمح بتنفيذ مبدأ المرونة في إمكانية ونقل وتحويل االعتمادات حتى في إطار البرامج
األمر الذي ينافي األسباب المقدمة واألهداف المرجوة من تبني القانون العضوي المتعلق بالمالية
ذاته.3
-إلغاء االعتمادات :يمكن إلغاء أي اعتماد يصبح غير ذي موضوع خالل السنة بموجب مرسوم
بناء على تقرير مشترك بين الوزير أو مسؤول المؤسسة العمومية المعني والوزير المكلف بالمالية
ويمكن استعادة هذا االعتماد وفق الشروط المحددة عن طريق التنظيم ،و اتخاذ مراسيم التسوية خالل
السنة من قبل الوزير المكلف بالمالية ألجل التكفل عن طريق تجميد أو إلغاء االعتمادات الموجهة
لتغطية النفقات ويقدم عرضا شامال بذلك أمام الهيئات المختصة للبرلمان ،4مع أن صالحيات إلغاء
االعتمادات أثناء تنفيذ قانون المالية معترف بها للحكومة ،إال أنه يشكل ممارسة تقوض الرخصة
البرلمانية وتنتزع جزء كبي ار من قيمتها في المسائل المتعلقة بالميزانية خاصة في ظل غياب تنظيم
دقيق لها والنص على ضرورة إتباعها بقانون مالي تصحيحي.5
ثانيا– تنفيذ قانون المالية نحو تجسيد مبدأ األداء
تخضع عمليات تنفيذ قانون المالية إلى تقسيم من زاويتين:
466
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
أساسا في قانون
ً -منظور قانوني :ينظر إلى قنوات التنفيذ والجهات الفاعلة واإلجراءات المتضمنة
المحاسبة العامة والذي يتطلب تدخل فئتين هما اآلمرون بالصرف والمحاسبون العموميون وفقا لمبدأ
الفصل بين وظيفة اآلمر بالصرف والمحاسب العمومي 1المعمول بها في أغلب دول العالم ،2يستند
إلى منطق محاسبي دقيق يهدف إلى تحقيق انتظام أعمال التسيير ،في حين يهدف القانون 15/18
لتحقيق إصالح معمق للتسيير العمومي بإضافة و إدخال مبدأ جديد وهو التسيير المتمحور حول
4
النتائج أي األداء ،3و تشجيع ظهور فئة جديدة من المسيرين العموميين هم المسؤولون عن البرامج
.
-منظور مالي :يبحث في المجاميع المالية مثل :كتلة النفقات ،اإليرادات أو العجز أو الدين العام،
لكن استناد المالية العامة في الجزائر إلى مورد واحد يطرح تساؤال مشروعا حول قدرتها على تبني
مفهوم األداء في ظل المنطق الريعي.
-1نحو تجسيد التسيير المتمحور حول النتائج وتبني مفهوم األداء
يراهن القانون 15/18على إحداث تحول عميق في إطار تسيير المالية العامة
والتسيير العمومي بوجه عام من خالل االنتقال من منطق قانوني يهتم بالشرعية واالنتظام إلى منطق
تسيي ري يهتم بالنتائج واألداء ،يتطلب تطبيق مبدأ األداء بعض المتطلبات الفنية األساسية ،بما في
ذلك تصنيف الميزانية حسب البرنامج ،والذي يصبح بمثابة دعائم لألداء ،وتحديث وثائق الميزانية،
وتنفيذ نظام برمجيات تسيير متكامل ، progiciel de gestion integerاعتماد إطار ميزانياتي
متوسط المدى ،وتشجيع فئة جديدة من المسيرين المناجرة العموميين وتنفيذ إجراءات رقابة األداء.
حددت المادة 03من القانون 15/18اإلطار العام الذي سيتم إعداد قانون المالية
وتنفيذه وهو مبدأ التسيير المتمحور حول النتائج المنطلق من أهداف واضحة ومحددة محل تقييم،
يحيل هذا اإلطار الجديد لتسيير المالية العامة إلى عملية مستمرة تبدأ بمرحلة إعداد الميزانية ،بما
بموجب نص الماد 14من القانون رقم 21/90المتعلق بالمحاسبة العمومية والمرسوم التنفيذي رقم 313/91المؤرخ في 1
1991/09/07المحدد إلجراءات المحاسبة التي يمسكها اآلمرون بالصرف والمحاسبون العموميون وكيفياتها ومحتواها.
أجمعت جدل دول العام على األخذ بمبدأ الفصل بين وظيفة اآلمر بالصرف والمحاسب العمومي العتبارات عدة واستنادا للنتائج 2
التي يحققها من وراء توظيفه للمحافظة على صحة وسالمة تنفيذ الميزانية العامة ،للتفصيل أكثر حول أهداف مبدأ الفصل بين وظيفة
اآلمر بالصرف والمحاسب العمومي أنظر :رحمة زيوش ،مرجع سابق ،ص ص.164 ،163
3حسب نص المادة 03من القانون 15/18التي تنص " يعد قانون المالية بالرجوع إلى تأطير وبرمجة الميزانية كما هو محدد في
المادة 5من هذا القانون ويساهم في تجسيد السياسات العامة التي يكون تنفيذها مؤسسا على مبدأ التسيير المتمحور حول النتائج،
انطالقا من أهداف واضحة ومحددة وفقا لغايات المصلحة العامة والتي تكون موضوع تقييم".
حسب نص المادة 79من القانون 15/18توضع االعتمادات المالية لفائدة مسيري البرامج. 4
467
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
في ذلك التخطيط االستراتيجي ليتم التفاوض بشأن األهداف وتعيينها للبرامج ،ووضع مؤشرات
ومعايير لقياس األداء ،وتستمر دورة التسيير المتمحور حول النتائج في مرحلة تنفيذ الميزانية التي
وضوحا مع خالل المسؤولية الملقاة على عاتق مسؤولي
ً تجسد تصورات التسيير العمومي الجديد أكثر
البرامج ،وتمتعهم بحرية في تنفيذها ،تنتهي دورة التسيير المتمحور حول النتائج بعرض الحسابات
التي تواجه فيها األهداف المسطرة والمعلنة بالنتائج المحققة.
يهدف تبني مفاهيم النتائج واألداء لتحقيق فعالية التسيير العمومي التي كانت دائما محل
مطالبات مستمرة سواء من مختلف الفاعلين داخليا الحكومة والبرلمان والمجتمع المدني بداعي تحقيق
فعالية اإلنفاق العام ،وخارجيا هو ذات النهج الذي تدعو إليه المؤسسات المالية الدولية وتفرضه على
الدول التي تحتاج لمساعداتها التنموية بحجة تجاوز األزمة المالية والخروج من المديونية المزمنة
لدى بعض الدول.
هما: تم تجسيد مطلب األداء باعتماد القانون 15/18لوثيقتين جديدتين تلزم الحكومة بتقديمها
-2تقرير عن األولويات والتخطيط الذي يقع عاتق إعداده على كل وزير ومسؤول مؤسسة عمومية
مكلف بتسيير محفظة البرامج الموزعة حسب اإلدارة المركزية ،حسب المصالح غير الممركزة وكذا
حسب الهيئات العمومية اإلقليمية ،ليتضمن هذا التقرير عرضا للبرامج السيما توزيع النفقات واألهداف
المنتظرة وكذا تقييمها.1
- 3تقرير وزاري للمردودية يوضح الظروف التي تم فيها تنفيذ البرامج المسجلة في الميزانية ،وكذا
مدى بلوغ األهداف التي سيتم قياسها وتتبعها استنادا إلى مؤشرات األداء المرتبطة بها ومقارنتها
بالنتائج التي تم تحقيقها فعليا مع التفسيرات المتعلقة بالفوارق التي تم تسجيلها.2
-4اعتماد إطار ميزانياتي متوسط المدى في ظل تبني مفهوم التسيير المتمحور حول النتائج
واعتماد ميزانية البرامج المدرجة ضمن نفقات متوسطة المدى جاء القانون 15/18بمقاربة متعددة
السنوات فيتم اـلتأطير الميزانياتي متوسط المدى كل سنة من طرف الحكومة بناء على اقتراح من
الوزير المكلف بالمالية ،ويحدد للسنة المقبلة والسنتين المواليتين تقديرات اإليرادات والنفقات ورصيد
الميزانية الدولة وكذا مديونيتها ،3كما اشترط أن يتوافق كل مشروع نص تشريعي أو تنظيمي من
468
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
شأنه أن يكون له أثر مباشر أو غير مباشر على ميزانية الدولة مع اإلطار الميزانياتي المتوسط
المدى.1
-5ظهور فئة جديدة من المسيرين العموميين :من نتائج المترتبة على تبني مفهوم التسيير
المتمحور حول النتائج اعتماد البرنامج كوحدة تخصيص االعتمادات المالية في القانون 15/18
ظهور فئة من المسيرين العمومين 2هم مسيرو ومسؤولو البرامج الذين سيكون لهم دور حاسم في
تجسيد االنتقال من ميزانية الوسائل الى ميزانية البرامج ومن البحث عن االنتظام واحترام اإلجراءات
إلى البحث عن الفعالية والنتائج ،يقع على عاتق هذه الفئة القيام بدور يبدأ من لحظة التخطيط
وينتهي بتقديم الحساب ،ويمكن تلخيص هذا الدور على النحو التالي:"3
أ -خالل مرحلة تخطيط الميزانية :يدعم المسير أو مسؤول البرنامج مرؤوسيه في تخطيط البرنامج
في سياق التسيير المتمحور حول على النتائج (األهداف والنتائج المتوقعة ومؤشرات األداء) ،ويخطط
للمبادرات التي يكون مسؤوالً عنها بشكل مباشر ،ويشارك في المراجعة والتقييم الدوري لنتائج البرنامج.
ب-خالل مرحلة تحضير الميزانية :يقوم بتوزيع مظروف الميزانية األولي لمسيريها المرؤوسين،
وتقييم تكاليف مبادراتها وفقاً للنتائج المتوقعة للسنوات القادمة ،ويعرض مقترح ميزانيتها على المديرية
العامة للميزانية ويدافع عنها.
جـ-خالل مرحلة تنفيذ الميزانية :يتابع ويراقب المبادرات التي يكون مسؤوال عنها.
د-خالل مرحلة المســـــــاءلة :تقدم تقارير عن النتائج المحققة مقابل األهداف وتوضح االختالفات.
وينتج باإلضافة إلى ذلك التقرير السنوي للتسيير".
يبقى تجسيد الدور المنوط بمسؤولي البرامج بمدى الحرية التي تتاح لهم في جميع
مراحل إعداد البرامج وتنفيذها وتقييمها ورقابتها ،األمر الذي يرتبط بالتخلص من رواسب التسيير
البيروقراطي واالنتقال إلى ثقافة النتائج ،وتواجه حرية المسيرين كذلك بعقبات تتعلق بتجريم أفعال
التسيير التي تخضع لقانون العقوبات ولسلطة القاضي الجنائي ،في هذا السياق أشار Philippe
Seguinأنه "بين غياب الجزاءات والعقوبات الجنائية ...توجد مساحة كبيرة لنظام عقوبات محدد
يتكيف مع تحديات التسيير العمومي"4ـ يتعلق األمر بموازنة فعلية بين رفع التجريم عن أفعال التسيير
469
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
للسماح بحرية ومبادرة أكبر للمسيرين المسؤولين وحماية الكفاءات النزيهة ووضع نظام للعقوبات
الالزمة لردع حاالت إهدار المال العام وانتشار الفساد واإلفالت من العقاب.
الفرع الثاني :الرقابة على تنفيذ قانون المالية نحو تجسيد رقابة األداء وفعالية اإلنفاق العام
جاء في عرض األسباب الداعية لتبني مشروع القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية
15/18الرغبة في" تدارك نقص رقابة فعالية النفقة العمومية ،إن المسيرين غير ملزمين حاليا بتقديم
تقارير تعرض فيها النتائج المتحصل عليها مقارنة بالوسائل المكرسة ،وعليه يبقى البرلمان محصو ار
في مقاربة كمية للميزانيات ،ترتكز على حجم االعتمادات فقط ،ونسبة تطورها ،ونسبة استهالكها".1
وفي سياق االنتقال إلى التسيير المتمحور حول النتائج بناء على أهدف محددة تماشيا
مع التجارب الدولية إل صالح أنظمة تسيير المالية العامة التي تشير إلى أن إدخال مبدأ التسيير
المتمحور حول النتائج يؤدي إلى إعادة تشكيل الرقابة المالية العامة فال يقتصر على تحول في دور
ومنطق الرقابة المالية فحسب ،بل يتعلق بتحول جوهري في إجراءات الرقابة والمؤسسات المخصصة
لها ،2جاء القانون العضوي الجديد 15/18في محاولة لتبني هذا التحول في رقابة تنفيذ قانون
المالية نحو تحقيق فعالية أكبر لرقابة اإلنفاق العام.
تناولت المادة 85من القانون 15/18موضوع الرقابة التي تخضع لها عمليات تنفيذ
ميزانية الدولة وحددتها في الرقابة اإلدارية والقضائية والبرلمانية حسب الشروط التي يحددها الدستور
3واألحكام التشريعية والتنظيمية الخاصة ،وفي سياق تجسيد مسار إصالح تسيير المالية العامة
وتبني مفهوم التسيير المتمحور حول النتائج الذي يتطلب تحديث وعصرنة أنظمة وآليات رقابة جديدة
مثل :الرقابة الدستورية ،ورقابة األداء والرقابة اإلدارية الداخلية ،وأنظمة التدقيق الداخلي ورقابة
التسيير.
أوال -إعادة تأطير الرقابة اإلدارية السابقة وتعزيز الرقابة الدستورية للمجلس الدستوري
تشكل عملية إعادة تأطير الرقابة السابقة أم ار مهما للغاية في سياق النهج الجديد الذي يقوم
عليه القانون 15/18بوضع المسؤولية على عاتق المسيرين ومنحهم حرية أكبر في تسيير البرامج
التي ينبغي أن تعود بالنفع على المسيرين العموميين ،ولكن يجب أال يتم الحصول على هذه الحرية
1و ازرة المالية الجزائرية ،المديرية العامة للميزانية ،مشروع قانون عضوي يتعلق بقوانين المالية ،مذكرة تفسيرية ،ص.2
2
Marie-Christine ESCLASSAN, Un phénomène international : l’adaptation des contrôles
financiers publicsà la nouvelle gestion publique, art, op.cit., p. 32.
حدد المؤسس الدستوري آليات الرقابة بما في ذلك الرقابة على تسيير األموال العمومية في المواد 152و 180و 192من 3
470
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
بأي ثمن وعلى حساب عدم احترام االنتظام وشرعية اإلجراءات " ،تشير معظم األدبيات االقتصادية
والقانونية باإلجماع إلى أنه قبل التطلع إلى التنظيم أو الضبط من خالل األداء ،من الضروري
ضمان مستوى مناسب من التنظيم أو الضبط من خالل االنتظام".1
- 1إعادة تأطير الرقابة اإلدارية السابقة
يتطلب تصديق الحسابات ورقابة األداء بالضرورة إنشاء أنظمة رقابة داخلية يتم إضافتها
إلى الرقابة المالية والمحاسبية الحالية ،إن ظهور هذه األنواع الجديدة من الرقابة الداخلية وتسييرها
بدقة على النموذج األنجلوساك سوني سيسمح بإعادة تأطير الرقابة السابقة القائمة على االنتظام أو
على األقل تبريرها فيمدها بآليات جديدة تسمح لها لمواكبة التحوالت.
أ-استعمال التكنولوجيا واألنظمة المعلوماتية " إن الحوسبة تجعل عمليات رقابة االنتظام السابقة
متجاوزة إلى حد كبير عن طريق دمجها في الدائرة اآللية لسلسلة اإلنفاق" 2التي أصبحت تشكل
فرصة للتحكم في اإلنفاق العام بتكلفة أقل وزمن قياسي.
ب-الرقابة على األداء يتطلب التحول للتسيير المتمحور حول النتائج تبني مفهوم الرقابة األداء التي
تعتمد معايير االقتصاد والكفاءة والفعالية وتهدف للتقييم والتحقق من مدى تسيير الموارد تبعا لذلك
وتحقيقها لألهداف ،وكذا التأكد من أن متطلبات المساءلة قد تمت االستجابة لها ،3بالنظر العتماد
القانون 15/18على مبدأ التسيير المتمحور حول النتائج فإنه سيكون لزاما تفعيل رقابة األداء من
خالل التقارير التي ستقدمها الحكومة عند تنفيذها لقانون المالية و تقديمها لقانون تسوية الميزانية،4
يتعين االنتقال لتجسيد جوهر إصالح تسيير المالية العامة تبني مفهوم رقابة التسيير أي وظيفة
التحقق من األداء واالنتقال من المستوى األول من رقابة التسيير المعني برقابة االنتظام التي تعتبر
المعايير المكتوبة جوهره إلى مستوى ٍ
ثان من الرقابة وهو مستوى األداء ، 5يشكل البحث عن رقابة
أفضل للفعالية والتحكم في النفقات العمومية هدفا رئيسيا تعكسه التقارير الناتجة( تقارير المردودية )
1
Abdelhak Cerurfa, op.cit., p383.
2
Marie-Christine ESCLASSAN, Un phénomène international : l'adaptation des contrôles
financiers publics à la nouvelle gestion publique. art, op.cit., p 36
3محد طرشي ،حيرش فايزة ،الرقابة على أداء الوحدات الحكومية في ظل عصرنة نظام المحاسبة العمومية ،االكاديمية للدارسات
االجتماعية واإلنسانية ،العدد ،20جوان ،2018ص .9
حسب نص المادة 87من القانون .15/18 4
5
Rapport de fondafip, pour une conceptualisation du contrôle interne et de l’audit interne dans la
gestion financière de l’état, op.cit. p20.
471
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
عن تنفيذ البرامج ومدى احترامها لألهداف التي تم تسطيرها على اعتبار أن تقييمها سيتم وفق
مؤشرات لقياس األداء المرتبطة بها.
- 2نحو تعزيز الرقابة الدستورية على قانون المالية
تعد الرقابة الدستورية خطوة مهمة في مسيرة بناء دولة القانون ،وقد أقــر التعديل
الدستوري لـ 28نوفمبر 1996توسيع صالحيات المجلس الدستوري لتشمل رقابة القوانين العضوية،
رقابة إجبارية قبل إصدارها ،1وتدخل قوانين المالية العامة ضمن فئة القوانين العضوية العامة التي
تخضع لهذه الرقابة الدستورية وجوبا قبل إصدارها ،2كما عمل التعديل الدستوري لـ06ـمارس2016
على توسيع حق اإلخطار 3وتم تمديده للوزير األول واألقلية البرلمانية ،تطور دستوري آخر أدرجه
التعديل الدستوري األخير يتعلق بآلية تسمح ألحد أطراف النزاع باالدعاء أمام جهة قضائية ،بالدفع
بعدم الدستورية لحكم تشريعي بإخطار المجلس الدستوري عن طريق اإلحالة من المحكمة العليا أو
مجلس الدولة.4
وقد جاء القانون العضوي 15/18المتعلق بقوانين المالية ليتطابق مع أحكام الدستور
ونص المادة 141منه ،ليفرض الطابع القانون العضوي نفسه على المستوى القانوني فيكون من
نفسها . الناحية القانونية ذا قيمة أكبر من تلك التي تتمتع بها قوانين المالية
5
1حسب نص المادة 165الفقرة الثانية والثالثة من دستور ... " 1996يبدي المجلس الدستوري بعد أن يخطره رئيس الجمهورية،
رأيه وجوبا في دستورية القوانين العضوية ،بعد أن يصادق عليها البرلمان "...
نص المادة 123من التعديل الدستوري 1996في فقرتها األولى " ...إضافة إلى المجاالت المخصصة للقوانين العضوية 2
أيضا لدى
"إن توسيع اإلخطار إلى جهات أخرى ... ،أصبح اليوم مطلبا ديمقراطيا ،ليس فقط لدى الطبقة السياسية فحسب ،بل ً
فقهاء القانون ،ايمانا منهم بأن ذلك سيسمح بتعزيز دور المجلس الدستوري في المساهمة أكثر بمعية مؤسسات أخرى ،في حماية
وترقية الحقوق والحريات " أنظر في هذا :كلمة رئيس المجلس الدستوري الجزائري الطيب بلعيز في افتتاح يوم دراسي حول توسيع
إخطار المجلس الدستوري يوم 22أفريل ، 2013مجلة المجلس الدستوري العدد ، 2013 ، 02ص .50
حسب نص المادة 187من التعديل الدستوري .2016 4
تعتبر القوانين العضوية في مرتبة أقل من الدستور وأعلى من القوانين التشريعية في النظام الفرنسي 5
472
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
وفقًا للمجلس الدستوري نفسه إذا كانت الرقابة الدستورية بشكل عام مقيدة بشروط
اإلخطار فإنها في مسائل الميزانية والمسائل المالية غير موجودة بكل بساطة في الواقع ،فمن خالل
تحليل جميع اجتهادات المجلس في مسائل رقابة الدستور ومطابقة للدستور منذ إنشائه في عام
موضوعا متعلقا
ً عاما ،1لم يكن أي من القواعد التي تم فحصها
1989حتى يومنا هذا ،أي لمدة ً 30
بالميزانية والمالية باستثناء رأي المجلس الدستوري بمراقبة مطابقة نص القانون العضوي 15/18
المتعلق بقوانين المالية للدستور.2
من المتوقع أن يعرف المجلس الدستوري سوابقه االجتهادية األولى في المسائل المالية
المتعلقة بالميزانية بالنظر للطبيعة الهامة للمسائل المالية في حياة األفراد والبرلمانيين الذين سمح
التعديل لهم بإخطار المجلس الدستوري وفق شروط حددها التعديل الدستوري األخير ونظمها النظام
الداخلي للمجلس الدستوري ،3واعتبار القانون المتعلق بقوانين المالية قانونا عضويا يتطلب إصداره
بالضرورة الرأي المسبق للمجلس الدستوري بموجب المادة 165من الدستور.
لالعتبارات السابقة فإن الرقابة الدستورية للمجال المالي والميزانياتي ستتعزز وتضع المشرع في
المسائل المالية تحت طائلة رقابة تم تعزيزها من خالل توسيع حق اإلخطار لألقلية البرلمانية في
المسائل المالية والمتعلقة بالميزانية ،سيكون لهذا الحق أثر على زيادة الحساسية السياسية الخاصة
نظر ألن المخاطر المالية التي تؤثر في النهاية على
ألحكام قوانين المالية ،وستزداد هذه الحساسية ًا
الناخبين المواطنين مهمة للغاية ،دافعو الضرائب المواطنون "لن يفهموا أن اإلجراء الضريبي الذي
له عواقب وخيمة على جيوبهم (محفظة نقود) ال يحال إلى المجلس الدستوري".4
المقيم للبرلمان
ّ ثانيا :الرقابة البعدية بين طموح مجلس المحاسبة والدور
473
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
يشير واقع تسيير المالية العامة في الجزائر إلى ضعف المؤسسات واألدوات الرقابية
في هذا المجال ،وقد جاء القانون العضوي الجديد 15/18كمحاولة لخلق توازن في العالقات بين
الحكومة والبرلمان خاصة في ظل الممارسات التي ترسخت على مر عقود كانت الحكومات فيها
غير مسؤولة عن أعمالها أمام برلمان تابع غير قادر على المساءلة واجبارها على تقديم حسابات ،
من هنا جاء هذا القانون العضوي كمقاربة إلصالح تسيير المالية العامة و التأسيس لشبكة رقابية
ذات روابط متعددة تتمحور حول تدعيم دور البرلمان في الحكامة المالية ،وتزويده بمختلف الموارد
التي تسهل مهامه الرقابية والتشريعية ،إضافة إلى إقامة روابط بينه وبين األجهزة الرقابية األخرى،
مع االستفادة من مختلف التجارب والخبرات الدولية في هذا المجال ،على اعتبار أن هذا النهج
تدعمه المؤسسات المالية الدولية في سياق الترويج لمفهوم الحكامة المالية.
هدف القانون العضوي 15/18إلى تحديث آليات الرقابة القضائية والسياسية على وجه
الخصوص ،من خالل تعزيز دور مجلس المحاسبة كم ِّ
صدق خارجي لحسابات الدولة ،تماما مثل
مراجع الحسابات في حالة الشركة ،وفيما يتعلق بالرقابة البرلمانية ،يتطلب نظام األداء من الحكومة
تقديم تقرير عن تحقيق أهداف ألداء بهذا المعنى ،سيكون للبرلمان دور في تقييم السياسية العمومية
والمالية منها على وجه الخصوص ،يهدف هذا القانون للوصول بالرقابة لتحقيق الغاية من وجودها
وهي ضمان تحقيق فعالية التسيير العمومي بما يوفر الرشادة في إنفاق المال العام ويمكن الحد من
استفحال ظاهرة الفساد التي أصبحت ورم استشرى في جسم الدول وأضحى يهدد وجودها.
- 1نحو تعزيز رقابة مجلس المحاسبة
يعد مجلس المحاسبة أعلى هيئة للرقابة البعدية على األموال العمومية يتمتع بسلطة
التحري والجزاء والحق واالتصال وال يتدخل في تسيير الهيئات الخاضعة لرقابته ،وعليه فإن رقابته
هي رقابة خارجية تتميز من حيث المبدأ بدرجة معقولة من االستقالل الذاتي.1
تهدف الرقابة التي يمارسها مجلس المحاسبة إلى تشجيع االستعمال الفعال والصارم
لألموال العمومية وترقية االلتزام بتقديم الحسابات وتطوير شفافية التسيير العمومي ويتم هذا عبر
اآلليات التالية:
-حق االطالع وسلطة التحري.2
1حسب نص المادة 192من التعديل الدستوري 2016ونص المادة 03من األمر رقم 02-10المتعلق بمجلس المحاسبة.
نص المادة 55من ألمر 10/02المتعلق بمجلس المحاسبة. 2
474
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
5
Banque mondiale. Une revue des dépenses publiques, op. cit. p. 57.
6في ظل التعديل الدستوري لعام 1996كان التقرير السنوي لمجلس المحاسبة يوجه حصرًيا إلى رئيس الجمهورية ،وفي ظل التعديل
الدستوري في 6مارس 2016بموجب نص المادة 192تم توسيع قائمة السلطات المعنية بتلقي التقرير السنوي لمجلس المحاسبة
لتشمل باإلضافة إلى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس األمة ورئيس المجلس الشعبي الوطني والوزير األول.
7شوقي يعيش تمام ،عزيزة شبري ،دور مجلس المحاسبة في مكافحة الفساد المالي في التشريع الجزائري ،مجلة الحقوق والحريات،
جامعة بسكرة ،العدد الثاني ،مارس ،2016ص ص .543،542
475
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
ومع ذلك في ضوء االتجاهات المنتشرة على المستوى الدولي يتطلب االنتقال للميزانية المتمحورة
حول النتائج إعادة التأطير المؤسسي للمجلس في عالقته بالبرلمان ليصبح المجلس كمركز للخبرات
بامتياز يساعد البرلمان في أداء دوره الرقابي.1
أ-تصديق حسابات الدولة :يهدف تصديق الحسابات " لجعل الحسابات العامة أكثر موثوقية ،مقاربة
جديدة لرقابة االنتظام ،يسمح للتكلفة اإلجمالية للرقابة بالتناسب مع التحديات والمخاطر المرتبطة
2
بطبيعة النشاط أو أساليب تسييره ،ويتطلب تجديد العالقة بين الرقابة الداخلية والخارجية"
يتمثل تصديق الحسابات" في إصدار رأي مكتوب ومسبب ،حول مطابقة الحالة أو البيانات
المالية للهيئة مع إطار محاسبي محدد ،وهذا الرأي الذي يقدمه طرف ثالث هو جهة التصديق،
ويتعلق التصديق بــ:
-انتظام الحسابات ،بمعنى امتثالها للقواعد واإلجراءات المعمول بها.
-صدق الحسابات ،أي التطبيق بحسن نية للقواعد واإلجراءات المعمول بها ،التي تترجم معرفة
المسؤولين في الهيئة عن إعداد الحسابات لحقيقة وأهمية الوقائع المسجلة المتعلقة بها.
المالي" . -قدرة الحسابات على إعطاء صورة حقيقية للوضع
3
أناط القانون 15/18مهمة تصديق حسابات الدولة إلى مجلس المحاسبة في تقرير
يرفق بمشروع القانون المتضمن تسوية الميزانية حسب المبادئ النظامية والصدق والوفاء ويدعم هذا
التصديق بتقرير يبين التحقيقات التي أجرها المجلس لهذا الغرض.4
حسب نص المادة 88من القانون 15/18التي تلزم ارفاق مشروع القانون المتضمن تسوية الميزانية بتقرير لمجلس المحاسبة 1
2
flizot stephanie. Le contrôle des gestionnaires publics par les cours des comptes. In : politiques
? et management public, vol.25, n° 4, 2007. Public : nouvelles figures ? Nouvelles frontières
Actes du seizieme colloque international florence, 15 et 16mars 2007organise en collaboration
avec l'universite paris x (laboratoires ceros et crdp) - tome 2. P150.
3
Ambert A, Migaud D., « La mise en œuvre de la loi organique relative aux lois de finances, Al
épreuve de la pratique, insuffler une nouvelle dynamique à la réforme de la LOLF, Rapport au
Gouvernement, october2006, p. 39.
حسب نص المادة 88من القانون .15/18 4
476
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
يهدف المشرع من خالل القانون 15/18إلى تأسيس إطار لتسيير المالية العامة على مبدأ
التسيير المتمحور حول النتائج ،1فالتصديق على حسابات الدولة يهدف إلى تبني المسؤولية التسييرية
بحيث يخضع تصديق حسابات الدولة للتدقيق الخارجي مثل التصديق على حسابات الشركات.
أيضا سيشكل رهانا وتحديا حقيقا لإلدارة الجزائرية ،بالنظر
ابتكار مهما ولكنه ً
ًا يشكل هذا التوجه
للعدد المحدود من البلدان في العالم التي تخضع تصديق حساباتها العامة لهيئة تدقيق خارجي.
477
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
الوطني ورئيس مجلس األمة أن يعرضا على مجلس المحاسبة دراسة الملفات ذات األهمية الوطنية
التي تدخل في نطاق اختصاصه.1
تشير التجارب الدولية أن البرلمانات تلجأ بشكل متزايد إلى طلب مساعدة مجلس المحاسبة،
سواء من جهة المعلومات أو العناية الواجبة بالتحقيقات أو التصديق على حسابات الدولة إلى حد
أن مجلس المحاسبة تحول إلى "شبه سلطة عامة" حقيقية .كما الحظ " F-R. CAZALAتجربة
كبير من الهيئات البرلمانية بأنشطة التدقيق
اهتماما ًا
ً معظم دول أوروبا الغربية خالل الفترة األخيرة
العام الخارجي".2
ال يتوافق النظام األساسي لمجلس المحاسبة الجزائري في ظل القانون الحالي مع المعايير
الدولية التي تحكم مؤسسات التدقيق العليا ،وال سيما تلك التي اعتمدتها المنظمة الدولية لألجهزة
العليا لرقابة المالية العامة اإلنتوساي بشأن المعايير الدستورية التي تنطبق على عمليات الرقابة
الخارجية.3
يضمن القانون 15/18توفير الطرائق التي بموجبها يساعد المجلس البرلمان في الرقابة
على الشؤون المالية للدولة أو حتى جميع مسائل المالية العامة من خالل إمكانية طلب رئيس
المجلس الشعبي الوطني أو رئيس مجلس األمة دراسة الملفات التي تشكل أهمية وطنية ،كما يلزم
القانون مجلس المحاسبة إرفاق تقريرين بمشروع قانون تسوية الميزانية يتضمن األول نتائج تنفيذ
قانون المالية للسنة المعنية وبتسيير االعتمادات التي تمت دراستها باألخص على ضوء البرامج
المنفذة ،في حين يتعلق الثاني بتصديق حسابات الدولة وفق معايير النظامية والوفاء واإلخالص
مشفوعا بتقرير يبين التحقيقات التي أجراها المجلس لتحقيق هذا الغرض.
تجدر اإلشارة إلى أن األمر 02/10المتعلق بمجلس المحاسبة قد ألغي أحكام المادة 22من لألمر 20-95المؤرخ في 17 1
جويلية 1995المتعلق بمجلس المحاسبة التي كانت تتيح لرئيس المجموعة البرلمانية في المجموعة البرلمانية أن يعرض على
مجلس المحاسبة دراسة الملفات ذات األهمية الوطنية التي تدخل في نطاق اختصاصه.
2
francois-roger cazala, structure et procédures pour le renforcement de la discipline et de la
responsabilité financière, dans Michel bouvier (dir.), la bonne gouvernance des finances publiques
dans le monde, op.cit., p49.
3المنظمة الدولية لألجهزة العليا لرقابة المالية العامة ،إعالن ليما ،الخطوط التوجيهية لرقابة األموال العموميةV-18 ،
على الموقع الرسمي للمنظمة:
-https://dev.intosai.org/fileadmin/downloads/about_us/Lima_BUCH_2013_EFDSA.pdf
تاريخ االطالع .2018/08/12
478
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
تجدر اإلشارة إلى قيام مجلس المحاسبة في سابقة هي األولى من نوعها ،بإصدار
تقرير السنوي لسنة 2019في الجريدة الرسمية ،1دون إخضاعه للنقاش في لجنة المالية والميزانية
بالمجلس الشعبي الوطني ،واكتفائه بإحالة تقريره لهذه السنة على رئيس الدولة وغرفتي البرلمان.
التقرير السنوي لمجلس المحاسبة ،2019ج ر ع ،75الصادرة بتاريخ 4ديسمبر .2019 1
رضوان بروسي ،الرقابة البرلمانية والحكامة المالية في الجزائر :جدلية تفعيل دور البرلمان في عملية الموازنة ،مرجع سابق ،ص 2
.16
نص المادة 22من القانون .15/ 18 3
479
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
طبيعتها الصادرة لصالح الدولة ،رخص منح ضمانات الدولة وتحديد نظامها ورخصة التكفل بديون
الغير وتحديد نظامها ،1ألول مرة ستعرف قوانين المالية صناديق المساهمة التي يجب تقييمها كذلك.2
ست عرض التكاليف الكاملة ألنشطة البرامج في وثائق الميزانية ،وسيتعين على البرلمان االستمرار في
التصويت على قانون المالية عن طريق الو ازرة ،لكن يجب أن يشمل ذلك ألول مرة سقفًا للديون
وجدوًال للتمويل ،ستمثل وجهة االعتمادات المالية المدرجة في البرامج واألنشطة والمهمات محور
النقاش األساسي تحت قبة البرلمان وليست طبيعة اإلنفاق أو الفصول ،كما أن ترقية الصدق لمبدأ
ميزانياتي ستؤدي إلى رفع جودة تقديرات الميزانية فيتعين حماية المجال المناسب لقوانين المالية
والحيلولة دون إدراج األحكام غير المالية( فرسان أو مصطحبي المالية).3
ب-الرقابة البرلمانية أثناء تنفيذ قانون المالية
تشكل الرقابة البرلمانية أثناء تنفيذ القوانين المالية صميم عمل اللجان المالية في البرلمان أي
لجنة المالية والميزانية التابعة للمجلس الشعبي الوطني ولجنة الشؤون االقتصادية والمالية لمجلس
األمة اللتين أتاح لهما القانون 15/18الحصول من خالل مكاتبها بالمجلسين على جميع المعلومات
والمستندات التي من المحتمل أن تسهل عملها .باإلضافة إلى ذلك ،يحق ألعضاء هاتين اللجنتين
الرقابة على الفور في عين المكان وعلى أساس المستندات للتحقق من استخدام اعتمادات الو ازرة
التي تتحمل مسؤولية تقديم التقرير ،باإلضافة إلى ذلك ،يجوز أن تستمع اللجان إلى وزير المالية أو
أي وزير آخر لإلنفاق لتقديم تفسيرات بشأن تنفيذ قانون المالية.4
هناك حق جديد للحصول على المعلومات تمت إتاحته أمام البرلمان في مسائل مراسيم
التسبيق التي تسمح للحكومة بفتح اعتمادات جديدة في حدود 5٪ 3حيث يتم إبالغ البرلمان فورا،
العديد من اآلليات واإلجراءات الرقابية التي يحكمها الدستور في المادة 84والقانون العضوي 99/02في مواده -52 -51 - 4
56 -55-54 -53و"التي من شأنها تمكين البرلمان من الرقابة على تنفيذ قانون المالية من طرف الحكومة ،وهنا يمكن التمييز
بين نوعين من هذه اآلليات ،فهناك آليات يترتب عنها تحريك المسؤولية الحكومية (بيان السياسة العامة واإلجراءات الرقابية المرتبطة
به) ،أي الوسائل الدستورية التي قد تؤدي في حالة نجاحها إلى سقوط الحكومة ،وهناك آليات أخرى تترتب عنها آثا ار متفاوتة على
الحكومة دون الوصول إلى إسقاطها (االستجواب ،األسئلة الشفوية والكتابية ،ولجان التحقيق) أنظر في هذا رضوان بروسي ،الرقابة
البرلمانية والحكامة المالية في الجزائر :جدلية تفعيل دور البرلمان في عملية الموازنة ،مرجع سابق ،ص 14وما يليها .
حسب نص المادة 27من القانون .15/18 5
480
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
ويتم إدراج التعديالت في قانون المالية التصحيحي ،و يسمح أيضا بنقل االعتمادات في ٪5من
االعتماد األولي للبرنامج المعني.1
ال يشير القانون 15/18إلى أي صالحيات جديدة للجان المالية للبرلمان غير التي منحها
إياها الدستور والنظامين الداخليين للمجلسين ،ومع ذلك ستتمكن لجنتا المالية في البرلمان في ضوء
التعديل الدستوري 6مارس 2016من تشكيل بعثات استعالم ضمنها في مسائل الميزانية ،يمكن
2
أن تكون بعثات االستعالم هذه فعالة بشكل خاص في مسائل الرقابة البرلمانية.
ثالثا :الرقابة البرلمانية البعدية :نحو إعادة االعتبار لقانون تسوية الميزانية ودور ُمقيم للبرلمان
تعتبر إعادة التوازن للعالقة بين السلطة التشريعية والتنفيذية في المجال المالي
والميزانياتي واسترجاع البرلمان الختصاصاته األصلية أحد أهم محاور إصالح تسيير المالية العامة
على المستوى العالمي ،في هذا اإلطار جاء القانون العضوي الجديد لتحديث آليات الرقابة البرلمانية
البعدية التي توصف بكونها غير فعالة وشكلية نحو رقابة أكثر فعالية من خالل توفير وسائل منها
على وجه الخصوص إعادة تأهيل واالعتبار للقانون المتضمن تسوية الميزانية وتقييم السياسات
العامة.
-1إعادة تــأهيل القانون المتضمن تسوية الميزانية
يعد قانون تسوية الميزانية "وسيلة رقابية فعالة تمنح للبرلمان إمكانية مراقبة طرق
اإلنفاق من خالل تحليل وتقييم النتائج التي تم تحقيقها ،وهذا من شأنه تسهيل مناقشة قانون المالية
للسنة المقبلة ،كما يعتبر أداة محاسبية لمراقبة األداء عن طريق القيام بفحص ودراسة رخص البيانات
المالية ،لهذا فهو يسمى بقانون الحسابات ( )loi des comptesألنه يستهدف التحقق من مدى
صحة الحسابات ومطابقة عملية التنفيذ لالعتمادات المالية المرخص بها ،وبالتالي مراقبة مدى
تحقيق التوازن المالي وكشف النقائص والثغرات" ،3وقد عبر أحد النواب بالمجلس الشعبي الوطني
عن هذه األهمية التي يكتسيها القانون المتضمن تسوية الميزانية بقوله " إن وثيقة ضبط الميزانية تعد
بمثابة تقييم لنتائج الميزانية ،وارساء قواعد لمعرفة كيفية تسيير األموال العمومية ،وكيفية تنفيذ الميزانية
.
4
فعليا باألرقام الحقيقة التي تم تسجيلها في اإليراد واألنفاق"
481
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
يشكل تقديم القانون المتضمن تسوية الميزانية لحظة حقيقة الميزانية وفرصة لمساءلة البرلمان
للحكومة ،يجد أساسه الدستوري في نص المادة 179من التعديل الدستوري لـ 06مارس،12016
ولقد جاء القانون العضوي 15/18في سياق التطابق مع هذا النص الدستوري وتكريس المبدأ الذي
سعى اإلصالح الميزانياتي لتجسيده إذ يمكن مالحظة ما يلي:
-من ناحية الشكل ،يخصص له القانون 15/18كل الباب الخامس تحت" القانون المتضمن تسوية
الميزانية " ويتألف مما ال يقل عن ثالث مواد توفر العديد من االبتكارات مقارنة بالنظام القانوني
السابق.
ينص القانون 15/18على إدخال تحديث على المستوى الداللي من جهة أنه يحتفظ بمفهوم
القانون المتضمن تسوية الميزانية بدالً من مفهوم قانون تسوية الميزانية وهذا من أجل التطابق مع
نص المادة 179من التعديل الدستوري التي تستخدم مفهوم قانون يتضمن تسوية الميزانية ،باإلضافة
إلى عرض نتائج عمليات الميزانية العامة للدولة والحسابات الخاصة بعمليات الخزينة والخزانة ،يجب
أن يقدم قانون تنظيم الميزانية جدول تمويل يجب أن يحدد المبلغ النهائي.
الموارد والمصاريف النقدية التي ساهمت في تحقيق الرصيد المالي للسنة المقابلة .باإلضافة إلى
ذلك ،قد يتضمن قانون تنظيم الميزانية من اآلن فصاعدا جميع األحكام المتعلقة بإعالم ورقابة
البرلمان لتسيير مالية الدولة وكذا محاسبة الدولة ونظام المسؤولية المالية ألعوان المصالح العمومية.2
يتضمن القانون المتضمن تسوية الميزانية ويضبط المبلغ النهائي لإليرادات التي تم قبضها والنفقات
التي تم تنفيذها خالل السنة ،كما يقدم الفائض أو العجز الناتج عن الفرق الصافي بين إيرادات
ونفقات ميزانية الدولة إضافة إلى األرباح والخسائر المسجلة في تنفيذ الحسابات الخاصة للخزينة.3
سيكون قانون المالية لسنة 2023أول قانون يحضر وفقا ألحكام هذا القانون العضوي،
ويحضر القانون المتضمن تسوية الميزانية لسنة 2023وفقا ألحكام هذا القانون العضوي ،4كما
سيتم تحضير ومناقشة القوانين المتضمنة تسوية الميزانية المتعلقة بالسنوات 2023و 2024و2025
تنص المادة 179من التعديل الدستوري 2016على " "تقدم الحكومة لكل غرفة من البرلمان عرضا عن استعمال االعتمادات 1
482
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
ويصادق عليها بالرجوع إلى السنة المالية 2-على أن يتم تحضير ومناقشة القانون المتضمن تسوية
الميزانية لسنة 2026بالرجوع إلى السنة المالية.11-
يشكل إلزام الحكومة بتقديم القانون المتضمن تسوية الميزانية في اآلجال المحددة وهي السنة
التي تلي تنفيذ السنة المالية المرتبطة بها أداة تسمح للبرلمان بالوقوف وفق المعطيات الراهنة على
2
مدى فعالية الرقابة البرلمانية ،وكذا مدى التزام الحكومة فعليا بتجسيد الرخصة البرلمانية.
في المجال المالي والميزانياتي لصالح تعزيز دور البرلمان في هذا االختصاص ،فأصبح قانون تسوية الميزانية وثيقة أساسية ترفق
بتقرير الفعالية والنتائج المحققة بموجب القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية LOLFلسنة 2001يعكس نص المادة 46منه هذا
التوجه.
عبد الرحمان تسابت ،تقييم السياسيات العمومية في الجزائر " مقاربة قطاعية " أطروحة دكتوره في االقتصاد ،تخصص اقتصاد 3
483
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
على مختلف الممارسات التقييمية 1التي تأتي في سياق التحول نحو تسيير عمومي جديد يبني مفاهيم
الفعالية واألداء ويركز على تحقيق النتائج.
من بين الهيئات التي تعني بضمان تقييم السياسيات العامة في الجزائر نجد مجلس المحاسبة الذي
يعتبر أعلى هيئة عليا للرقابة على األموال العامة ،وخولها الدستور مهمة المساهمة في تطوير
الحكامة والشفافية في تسيير المال العام ،والذي بموجب نص المادة 72من األمر 20/95المحدد
لنظام عمله يشارك في تقييم فعالية األعمال والمخططات والبرامج التي تقوم بها المؤسسات العمومية،
ير يتناول كل المالحظات المترتبة
والتي تسعى لتحقيق المصلحة الوطنية ،في نفس اإلطار يعد تقر ا
عن عمله التقييمي ويرفقه بجملة من التوصيات االقتراحات الرامية لتحسين فعالية تسيير ورقابة
الهيئات محل التقييم.2
يعتبر المجلس االقتصادي واالجتماعي هيئة استشارية أناط بها المؤسس الدستوري مهمة
الحوار والتشاور واالقتراح في المجالين االقتصادي واالجتماعي ،وكذا تقييم المسائل ذات المصلحة
الوطنية في المجال االقتصادي واالجتماعي والتربوي والتكويني والتعليم العالي ودراستها وعرض
اقتراحات على الحكومة ،3كما تناولت المادة 17من المرسوم الرئاسي المتضمن إنشائه مهمته
وحددتها بإعداد تقرير ودراسات دورية تبرز فيها على وجه الخصوص األعمال التي أنجزتها السلطات
العمومية بالنظر إلى األهداف المحددة وأثارها على النشاط االقتصادي وتلبية الطلب االجتماعي.4
من بين الهيئات الرقابية التي تتمتع بخبرات مهمة في المجال الرقابي نجد المفتشية العامة للمالية
والتي تعتبر مهمتها األساسية القيام بالرقابة على التسيير المالي والمحاسبي لمصالح الدولة ومختلف
األجهزة والهيئات التي تخضع لقواعد المحاسبة العمومية ،5تقييم أداءات أنظمة الميزانية و التقييم
االقتصادي والمالي بتدخالتها عبر تقارير تعدها بناء على طلب السلطات والهيئات المؤهلة تشمل
1دالل بوعتروس ،محمد دهان ،مأسسة تقييم السياسات العمومية –دراسة مقارنة بين الجزائر والمغرب ،مجلة العلوم اإلنسانية،
الجزائر ،العدد 52المجلد ب ،2019 ،ص .126
2حسب نص المادة 72من األمر 20-95المؤرخ في 17جويلية 1995المتعلق بمجلس المحاسبة ،ج ر ع 39المؤرخة في
23جويلية 1995المعدل والمتمم في بموجب األمر رقم 02-10المؤرخ 26أوت ،2010ج ر ع ،50الصادرة بتاريخ 1سبتمبر
.2010
حسب نص المادتين 204و 205من التعديل الدستوري لـ 06مارس .2016 3
4نص المادة 71من المرسوم الرئاسي رقم 225/93المؤرخ في 5أكتوبر 1993المتضمن إنشاء مجلس وطني اقتصادي واجتماعي،
ج ر ع ،46الصادرة بتاريخ .1993/10/10
5حسب نص المادة 2من المرسوم التنفيذي رقم 272/08المؤرخ في 6سبتمبر 2008المحدد لصالحيات المفتشية العامة للمالية،
ج ر ع ،50الصادرة بتاريخ 7سبتمبر.2008
484
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
أي نشاط شامل أو قطاعي أو فرعي ،أو إنجاز مهام تتمثل في دارسات أو خبرات ذات طابع
اقتصادي مالي أو تقني ،ويمكنها أيضا القيام بتقييم شروط تنفيذ السياسات العمومية وكذا النتائج
المتعلقة بها ،وبهذه الصفة المتمثلة في صفة المقيم للسياسات العمومية تقوم ب ـ ":1
-القيام بالدارسات والتحاليل المالية واالقتصادية من أجل تقدير فاعلية وفعالية إدارة وتسيير الموارد
المالية والوسائل العمومية،
-إجراء مقارنة وتطورية لمجموعات قطاعات أو ما بين القطاعات،
-تقييم تطبيق األحكام التشريعية والتنظيمية وكذلك تلك المتعلقة بالتنظيم الهيكلي ،وذلك من ناحية
تناسقها وتكيفها مع األهداف المحددة،
-تحديد مستوى اإلنجازات مقارنة باألهداف المحددة ،والتعرف على نقائص التسيير وعوائقه وتحليل
2
أسباب ذلك".
تجدر اإلشارة عند الحديث عن التقييم إلى الدور الذي يقوم معهد البحوث في االقتصاد التطبيقي
للتنمية إذ يعد من المراكز النشيطة سيما في مجال البحوث المتعلقة بالمالية واالقتصاد ،إذ له
إسهامات تقييم متواصلة في هذا المجال منذ إنشائه سنة .31985
يعكس هذا االهتمام بمجال تقيم السياسات العمومية وتنوع الهيئات التي تعنى بتأثيره في
تحقيق الفعالية في التسيير العمومي بوجه عام والمالي على وجه الخصوص ،في هذا اإلطار يعد
البرلمان أحد أهم الفاعلين في مختلف السياسيات التقييمية بالنظر لتنوع الصالحيات والمهام الموكلة
له فيما يتعلق بتقييم السياسات العمومية ،4والتي يشكل الدور الرقابي أهمها ،وتعتبر الجزائر من
الدول التي أبدت اهتماما حديثا بموضوع تقييم السياسيات العمومية لكونها ترتبط بإشكالية الرقابة
على المالية العامة للدولة التي يشكل البرلمان أحد الفاعلين في مجالها على اعتبار أن تقييم
2كما تعد تقرير سنويا يتضمن حصيلة نشاطاتها على مستوى المؤسسات العمومية االقتصادية وملخص معايناتها واألجوبة المتعلقة
بها وكذا اال قتراحات ذات األهمية التي استخرجتها وهو عمل تقييمي في الصميم ألنه يهدف إلى تكييف وتحسين التشريع والتنظيم
حسب نص المادة 19من المرسوم التنفيذ ي رقم ،96/09المؤرخ في 22فيفري ،2009يحدد شروط وكيفيات تدقيق المفتشية العامة
للمالية لتسيير المؤسسات العمومية االقتصادية ،ج ر ع ،14الصادرة بتاريخ 04مارس .2009
بموجب المرسوم الرئاسي 307/85المؤرخ في 17ديسمبر 1985المعدل والمتم بالمرسوم التنفيذي رقم 455/03المؤرخ في 3
1ديسمبر ،2003ج ر ع ،75الصادرة بتاريخ 7ديسمبر .2003المتضمن إنشاء مركز البحث في االقتصاد المطبق من أجل
التنمية.
4دالل بوعتروس ،محمد دهان ،مأسسة تقييم السياسات العمومية ،مرجع سابق ،ص .122
485
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
السياسات العمومية من خالل تتبع البرامج والمخططات الحكومية من شأنه تعزيز سلطات البرلمان
في المجال المالي ،وذلك بغية ترشيد اإلنفاق العمومي وتقويم السياسات العمومية .
ب-دور البرلمان التقييمي لسياسات العامة في ظل القانون 15/18
يمارس البرلمان جزء مهما من دوره في السياسات العامة عبر التشريع والرقابة ومطالبا بالمشاركة
في تحديد االختيارات المرتبطة بالسياسات العامة ثم القيام برقابتها وتقييمها ،وفي ظل تبني المشرع
لنهج قوامه التسيير المتمحور حول النتائج سيكون لزاما على البرلمان أن ينتقل من فعل الرقابة
الكالسيكية على السياسيات العامة إلى تقييمها " ،إن تجسيد السياسات العمومية يكون تنفيذها مؤسسا
على مبدأ التسيير المتمحور حول النتائج انطالقا من أهداف واضحة ومحددة وفقا لغاية المصلحة
العامة والتي تكون موضع تقييم".1
يعبر القانون العضوي 15/18عن هذا التوجه من خالل اعتماده آللية جديدة لتخصيص
االعتمادات المالية وهي البرنامج الذي يقسم إلى برامج وأنشطة فرعية مصحوبة بأهداف ومؤشرات،
فإن قانون المالية الجديد سيجعل الفعل العمومي قابالً للتقييم في النهاية.2
تدعم أنظمة الميزانية القائمة على النتائج إضفاء الطابع المؤسسي على أنظمة التقييم وانتشارها وهو
ما يذهب إليه" " Jean-Pierre CAMBYبقوله "إنه ليس فقط الترخيص أو اإلذن بالنفقات ،وبالتالي
الرقابة عليها ،إنها مسألة تحديد الوسائل مقارنة بأولويات الفعل العمومي ،وبالتالي تقييمها".3
جسد المشرع هذا النهج باعتماده للبرنامج وأقسامه الفرعية التي تسهم في تنفيذ سياسة عامة محددة
كوحدة تخصيص لالعتمادات المالية ،وعليه يصبح قانون المالية األساس المتميز لتقييم السياسات
سنويا
ً العامة ،يتم التعبير عن هذا التقييم عن طريق التقرير الوزاري للمردودية الذي سيتم إرفاقه
بمشروع القانون المتضمن تسوية الميزانية.4
البرامج المسجلة في الميزانية وكذا مدى بلوغ األهداف المتوقعة التي يتم قياسها وتتبعها من خالل مؤشرات األداء المرتبطة بها والنتائج
المحققة والتفسيرات المتعلقة بالفوارق".
486
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
يكون تقييم السياسات العمومية الت ي يهدف إلى إعطاء قيمة لمخرجات (النتائج) السياسة موضوع
التقييم (البرنامج) ،دائما مؤطر بمنهجيات دقيقة .وتقوم مصداقيته وصرامته على عدد وافر من
المعايير المرتبطة بمؤشرات موثوقة ،في هذا حرص المشرع على أن تقييم البرامج سيتم من خالل
تقييم التقارير الو ازرية للمردودية ومدى بلوغ األهداف المتوقعة التي سيتم قياسها وتتبعها من خالل
مؤشرات األداء.1
487
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
المبحث الثالث :القانون العضوي الجديد للمالية في ميزان الحكامة المالية بين المنطق
المناجيريالي والطابع الريعي
تحقيق حكامة اإلنفاق العام من منظور التسيير المتمحور حول النتائج يقوم على تقديم
األداء والفعالية واالقتصاد وترشيد الموارد كخصائص تحدد وتعرف الحكامة المالية والتي بدأت
تبحث عن مكان لها في سياق التحوالت التي عرفها مسار إصالح تسيير المالية العامة في الجزائر
بداية من سنة ،2001بعد مرور تسعة عشر عاما من إطالق هذه الجهود الرامية لبلوغ الفعالية في
تسيير المال العام وتحقيق الرشادة في إنفاقه بالنظر لقلة الموارد المرتبطة بوجود مورد رئيسي هو
عائدات المحروقات المرتهنة بدورها بتقلبات األسواق العالمية ،وخضوع التسيير العمومي إلى
عقالنية بيروقراطية قانونية فيبرية تعتمد على المصلحة العامة والخدمة العمومية على النمط
الجزائري.1
يتعلق الرهان الحقيقي إلصالح تسيير المالية العامة في الجزائر بالقدرة على التخلي عن
الطابع الريعي 2لصالح تسير مالي عمومي جديد يقوم على التوفيق بين المقاربة الفيبرية القانونية
والمقاربة التسييرية المناجيريالية التي تأتي تحت مسمى الحكامة المالية الجديدة ،يخضع نمط التسيير
المالي العمومي لتأثير االعتماد شبه الكلي على عائدات المحروقات ،فهل تتوافق حكامة اإلنفاق
العام والتسيير المتمحور حول النتائج واألداء مع هذا الطابع الريعي؟ 3الذي يتميز بوجود فواعل
متأثرة بشكل يكاد يكون مرضيا به من الدولة الريعية ،المجتمع المدني التابع ،القطاع الخاص المشوه.
ال يم كن القول بأن التسيير العمومي في الجزائري قد استجاب بشكل مثالي لما يستند إليه المنطق البيروقراطي الفيبري حيث حدد 1
ماكس فيبر رائد هذا النموذج خصائصه في كونه تنظيما قائما على " التخصص الوظيفي -احتراف الوظيفة -التدرج الهرمي للسلطة
-أداء العمل وفق سجالت ومستندات رسمية-وجود قواعد ولوائح عامة ومجردة تعبر عن عالقات وظيفية بين مراكز قانونية وليس
بين أفراد" أنظر في هذا عبد الستار إبراهيم دهام ،التنظيم البيروقراطي إزاء الفكر اإلداري المعاصر :إطار نظري ،مجلة جامعة
األنبار للعلوم االقتصادية واإلدارية ،العراق ،العدد الثاني ،سنة ،2008ص ص .6،5
2يشير البراديغم الريعي إلى مجموعة من المفاهيم التي تنتمي إلى حقول معرفية مختلفة االقتصاد السياسي ،علم االجتماعي السياسي
والعلوم السياسية ،أي أنه براديغم عابر للتخصصات ،ويعتبر دفيد ريكاردو أهم من استخدم تحليال دقيقا لمفردة " الريع " " La
" أنظر في هذا :عبد الرزاق أمقران ،نوري دريس " Renteلذ يقال إنها مفردة ريكاردية " Une catégorie Ricardienn
،زين الدين خرشي ،البراديغم الريعي والظاهرة السياسية والتنموية في الجزائر ،أنثروبولوجيا ،المجلة العربية للدارسات األنثروبولوجية
المعاصرة ،جامعة سطيف ،2العدد ،2016 ، 03ص 24وما يليها .
جدول ملحق يبين نسبة تغطية الجباية البترولية للنفقات العامة في الجزائر. 3
488
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
المطلب األول -مدى مساهمة القانون العضوي 15/18في تجسيد معايير الحكامة المالية
لقد هدفت اإلجراءات اإلصالحية التي تم التطرق لها في سياق مشروع تحديث أنظمة الميزانية
وصوال لتبني القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية الصادر بتاريخ 02سبتمبر 2018بعد مرور
حوالي 27سنة على انطالقها إلحداث إصالح عميق لإلطار المنظم للمالية العامة التي يشكل
القانون المالي أداتها األساسية.
يتمحور اإلصالح حول اعتماد مقاربة شمولية ،متدرجة وتشاركية ،تمكن الدولة من التوفر
على الرؤية االستراتيجية الكافية لتحسين فعالية السياسات العمومية ،تأخذ بعين االعتبار التطور
التدريجي إلدماج تسيير عمومي جديد ،وتشرك كل الفعاليات المهتمة والمعنية بالقانون المالي من
برلمان ومجتمع مدني ،وقطاع خاص في هذا النهج الجديد الذي يأتي في إطار تفاعل بين ضرورات
داخلية واالستجابة لمتطلبات خارجية تتمثل في مواكبة التطورات الحاصلة في مجال تسيير المالية
العامة في ظل االتجاه نحو تبني مفهوم الحكامة المالية التي تدعمها المؤسسات المالية الدولية وفق
منظور نيوليبرالي معولم.
لقد جاء القانون العضوي الجديد ليتدارك نقطتي ضعف القانون السابق المتمثلتين في ضعف
رقابة فعالية اإلنفاق العام ودور البرلمان المحصور في مقاربة كمية للميزانية يعززها غياب الشفافية
وهيمنة السلطة التنفيذية على السلطة المالية ،فهل نجح القانون الجديد نظريا من تحقيق االنتقال
المأمول نحو حكامة المالية العامة وترشيد اإلنفاق العام في ظل مالية عامة ريعية؟
انطالقا من كون الحكامة المالية العامة تقدم نموذجا لتحضير واعتماد وتنفيذ ورقابة ثم تقييم
القرار المالي العمومي بحثا عن الفعالية وتحسين األداء والتحكم في اإلنفاق العام من خالل نظرة
تشاركية تقوم على مساهمة فاعلين إلى جانب الدولة ومؤسساتها وتستند لمعايير الشفافية ،المشاركة،
الرقابة ،المساءلة ،فما مدى تجسيد القانون العضوي الجديد لها وما تأثيراتها على مفهوم العدالة
االجتماعية؟
الفرع األول :مدى تجسيد القانون العضوي 15/18لمبدأ الشفافية
تعد الشفافية عنص ار مهما من معايير الحكامة المالية ،تساهم بفعالية في محاربة الفساد اإلداري
والمالي ،وتؤدي لتعزيز المساءلة ،كما تتيح مشاركة باقي الفاعلين مثل :المجتمع المدني والمواطنين
عموما في صناعة القرار المالي العام ،كل هذا يسهم بشكل مباشر في تحسين تسير المالية العامة
وينعكس إيجابيا على تحقيق فعالية أكبر لتسيير النفقات العامة.
489
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
عمل المشرع على إدخال عدة تغييرات تهدف لتعزيز شفافية قانون المالية من خالل اعتماد وثائق
الميزانية الجديدة ،في إطار تصنيف جديد للتقويم والميزانية ،وقبول المحاسبة على أساس االستحقاق
بهدف الحصول على شهادة تصديق حسابات الدولة من قبل مجلس المحاسبة.1
ستساهم الشفافية في ظل أحكام القانون العضوي الجديد في تحسين قابلية القراءة لحسابات
الميزانية وحسابات الدولة ،وتبسيط هيكل الميزانية لحد كبير ،وتعزيز معلومات البرلمان بما يقوي قوة
مبادرته في المادة المالية ،ويمنحه وسائل الرقابة على تنفيذ الميزانية وتقييمها.
أوال -تم إثراء الوثائق المرفقة بمشروع قانون المالية أو بمشروع القانون المتضمن تسوية
الميزانية بالقانون بشكل كبير في جميع مراحل عملية الميزانية خاصة في مرحلة االعتماد ومرحلة
المساءلة ،يعكس هذا اإلثراء تطو ار طبيعيا للنموذج الجديد للتسيير المتمحور حول النتائج الذي يتبناه
المشرع ألن ميزانية البرامج واألداء تتطلب تحسينا في نوعية وكمية المعلومات المنتجة ،ولكنه أيضا
جزء من االهتمام بالرد على أحد أكثر االنتقادات الموجهة لنظام تسيير المالية العامة من خالل
عدة تقييمات تصدر بانتظام تهتم بتتبع مدى شفافية الميزانية منها تقارير برنامج اإلنفاق العام
والمساءلة المالية ومسح الميزانية المفتوحة.2
لكن في المقابل ال يعني توفير المعلومات 3واثرائها واتاحتها للبرلمان أنها ستكون متاحة
للجمهور بشكل دوري فلم يشر نص القانون صراحة إلى ذلك مما يعني قصو ار واضحا ال يعكس
تج سيدا لمفهوم الميزانية التشاركية القائمة على مساهمة فعالة للمجتمع المدني ،وعلى الرغم من أن
إتاحة كم كبير من المعلومات الذي يأتي في سياق تجسيد متطلبات األداء والشفافية ،يعني بالضرورة
القدرة الموجهة إليهم من البرلمانيين خاصة على استغاللها لعدة اعتبارات تتعلق بتقنيتها حيث العجز
حيث جاء القانون 15/18ليوفر عدد من التقارير والمالحق التفسيرية التي تتيح لممثل الشعب ونوابه المساهمة في صناعة 1
القرار المالي وتنفيذه ورقابته ،وهو ما تعكسه المواد 72و 75و 76و.87
2حيث يشير مسح الميزانية المفتوحة 2017بالنسبة للجزائر إلى تراجع كبير في مؤشر الشفافية بحوالي 16درجة مقارنة بسمح
الموازنة المفتوحة ،2015كما يكشف عن انعدام موازنة المواطن وعدم إنتاج التقرير الدورية ،وانجاز تقارير المراجعة نصف السنوية
والسنوية ولكن دون إتاحتها للجمهور.
3الحق في الوصول إلى المعلومات حق دستوري كرسه نص المادة 51من التعديل الدستوري ":الحصول على المعلومات والوثائق
واالحصائيات ونقلها مضمونان للمواطن ،"...كما تعزز هذا الحق من خالل المرسوم الرئاسي 03/16المتضمن إنشاء المرصد
الوطني للمرفق العام في المادتين 5منه... :يحفز على وضع أنظمة واجراءات فعالة لالتصال قصد ضمان إعالم المواطنين حول
خدمات ا لمرفق العام ،وتحسين حصول المستعملين على المعلومة وجمع آرائهم واقتراحاتهم والرد على شكاويهم ".أنظر :المرسوم
الرئاسي 03/16المؤرخ في 7جانفي 2016المتضمن إنشاء المرصد الوطني للمرفق العام ،ج ر ع ،02الصادرة بتاريخ 13جانفي
.2016
490
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
التقني للبرلمانيين عن فهمها وتوظيفها يجعلها عديمة القيمة األثر ،ويشير "خالد منة " عند تناوله
لمسألة حكامة المالية العامة في الجزائر وتحديات الشفافية إلى " أن تحقيق الشفافية عملية مهمة
ولكنها صعبة التحقيق خاصة فيما يتعلق بشفافية النفقات العامة .حيث يعترض تطبيق الشفافية
عراقيل عدة من بينها تعقد التقنيات وصعوبتها ،واختالف الصياغات المتعلقة بالحساب والصعوبات
السيكولوجية التي يواجهها نواب البرلمان عند استعراضهم معلومات رقمية في شكل ميزانيات
وحسابات".1
إن التحدي الحقيقي الذي يواجه النظام المالي العمومي هو تقديم المعلومات بلغة يسهل الوصول
إليها لغير المتخصصين ،واال تحولت الشفافية إلى مجرد حيلة بسيطة لمصادرة الغاية منها فالكثير
من الشفافية يقتل الشفافية ،في هذا السياق نشير للمالحظة التي قدمتها بعثة صندوق النقد الدولي
حول المشروع األولي للقانون العضوي للمالية سنة 2015في المادة : 74أن الوثائق المرفقة بمشروع
قانون المالية وهي ذاتها التي تناولتها المادة 75من القانون " 15/18تتسم بكثرة عددها وتعقيدها
وأحيانا بعدم خضوعها للمنطق ،وقانونيا يجب تبسيطها والفصل بين الوثائق التي تحمل طابعا إلزاميا
وتعد جوهرية في الرخصة البرلمانية عن تلك الوثائق التي تعد توضيحية واعالمية ".2
ثانيا :عقلنة استحداث وفتح حسابات التخصيص الخاص عمل المشرع في القانون العضوي 15/18
على تعزيز مبدأ الشفافية من خالل عقلنة استحداث وفتح حسابات التخصيص الخاص التي كان
تمويلها يتم بصفة شبه كلية بواسطة إيرادات مالية في مخالفة ألحكام القانون 17/84بهدف الحصول
على تمويالت إضافية مقارنة بتخصيصات الميزانية ،العادة التي تؤدي على عدم ميزنة االعتمادات،3
وبموجب أحكام القانون العضوي الجديد فإنه":
-ال يمكن تمويل حسابات التخصيص الخاص إال عن طريق إيرادات ذات طبيعة تتوافق بصفة
مباشرة مع النفقات المعنية،
-ربط كل حساب تخصيص خاص بو ازرة،
1كما صنف مؤشر مراقبة اإليرادات الذي يقوم شفافية العائدات 41من البلدان الغنية بالموارد الجزائر في المرتبة 38في تقرير لعام
2011وهو ما يجعلها تتذيل ترتيب الدول الغنية بالموارد في مجال شفافية اإليرادات .أنظر في هذا :خالد منة ،حوكمة المالية العامة
وتحديات الشفافية ،مجلة صوت القانون ،الجزائر ،العدد السابع ،الجزء الثاني ،2007 ،ص .22
2بعثة صندوق النقد الدولي ،مالحظات واقتراحات حول مشروع القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية لسنة ،2015ص .34
3في مخالفة ألحكام المادة 56من القانون 17/84التي تنص على وجوي تمويلها من موارد خاصة لكن في الواقع تؤكد الممارسات
اللجوء المستمر لحسابا التخصيص الخاص التي بلغ عددها نهاية 86 2014حسابا وتعكس ظاهرة تمس بمبدأ الشفافية في تسيير
المالية العامة ومخالفة للقواعد العامة للميزانية.
491
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
-كل حساب تخصيص سيكون موضوع برنامج عمل يعد من طرف اآلمرين بالصرف المعنيين
موضحا باألهداف المرجو تحقيقها وآجال تحقيقها،
-تؤدي حسابات التخصيص إلى وضع جهاز تنظيمي بموجب قرار مشترك بين الوزير المكلف
بالمالية واآلمرين بالصرف المعنيين يسمح بإنشاء مدونة اإليرادات والنفقات ،وتحديد كيفيات المتابعة
وتقييم هذه الحسابات ن خالل تعريف المتدخلين في هذه العملية والطريقة المحتملة للعملية.
-يمكن أن يفتح في كتابات الخزينة حساب تخصيص خاص إليواء مدخرات وايداع قيم زائدة لتقديرات
ناتجة عن جباية المحروقات أعلى من تقديرات قانون المالية .1".
ثالثا -أدخل المشرع أحكاما جديدة يتوجب إخضاع عمليات الخزينة لها صراحة خاصة ما يتعلق:
توظيف المتوفرات المالية للدولة ،المكشوف الذي يجب أن يخضع لرخصة سنوية ،عملية إصدار
وتسيير القروض ،خصم وتحصيل جميع أنواع السندات التي تم إصدارها لصالح الدولة ،التي يجب
إخضاعها لرخصة سنوية ترد في قانون المالية مراعاة لمبدأ الشفافية في تسيير الموارد واألعباء.2
رابعا -لتعزيز شفافية المالية العامة اعتمد المشرع محاسبة بثالث أبعاد
محاسبة ميزانياتية تنقسم إلى محاسبة االلتزامات ومحاسبة إيرادات ونفقات الميزانية القائمة على مبدأ
محاسبة الصندوق ،ومحاسبة عا مة لجميع عملياتها قائمة على مبدأ معاينة الحقوق والواجبات ،كما
تنفذ الدولة محاسبة تحليل التكاليف بهدف تحليل تكاليف مختلف األنشطة الملتزم بها في إطار
البرامج ،كما تناول المبادئ المسيرة الحتساب اإليرادات والنفقات ودور المحاسبين المكلفين بتسيير
موارد وأعباء الدولة ،3مع جوب أن تكون الحسابات منتظمة صادقة وتعكس بإخالص الوضعية
المالية للدولة وممتلكاتها ،وعليه يسهم هذا اإلطار المحاسبي في تجسيد شفافية الحسابات والمرور
من المحاسبة الجامدة إلى المحاسبة الفعالة.
التزال الحكومة ممثلة في و ازرة المالية تتمتع بوضع احتكاري للمعلومات المتعلقة بالميزانية
خولها إياه تفوقها التقني مقارنة بالبرلمان الذي يبقى عاج از عن تعبئة خبرة مضادة للخبرة الحكومية
في المجال المالي األمر الذي يجعل المعلومات التي تتاح له تفقد قيمتها ،وتجعل من الشفافية
وعدمها سواء بناء على منطق النتائج الذي يعتمده المشرع في هذا القانون العضوي.
3خصص لها المشرع الفصل الرابع من الباب الثاني من القانون 15/18في المواد 65إلى .68
492
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
موضوع شفافية تدبير المالية العامة كما يذهب إليه Michel bouvierيتجاوز الرغبة في جعل
المالية أكثر شفافية ومتاحة لمشاركة الفاعلين في المجال ،فهي ال تشكل جزًءا من مشروع سياسي
أيضا أخالقيات سياسية .وهي بالتالي تتجاوز مسألة استجابة معيارية لبعض
فحسب ،بل هي ً
المقتضيات القانونية الواردة في بعض العهود والمواثيق الدولية ،أو حتى الحرص على احترام
مقتضيات القانون األوربي أو مدونة الممارسات الجيدة لإلحصائيات األوربية ،وانما هي تؤشر لوجود
أزمة داخل المجتمع ،ألنها تعكس مطلبا أخالقيا وسياسيا وعلميا ثم اجتماعيا تعني البحث عن نموذج
أصيل في تسيير المالية يعكس خصوصيات فهم الفاعلين العموميين لحيثيات السياق الدولي المتسم
بالعولمة ،والقدرة على مواءمة النظام القانوني والمالي مع التحديات المطروحة.1
وعليه يجب أن يأتي تبني المشرع الجزائري لمبدأ شفافية المالية العامة في القانون 15/18
في هذا اإلطار الذي يكرس قواعد الشفافية في األداء المالي العمومي ،وتخليق الحياة العامة واقرار
االحتكام إلى الضوابط القانونية في تسيير المالية العامة للدولة ،كشرط أساسي من أجل دمقرطة
الحياة المالية وارساء الحق في محاربة اإلفالت من العقاب ،كرهان لمأسسة دولة الحق والقانون،
ألن مفهوم الشفافية المالية كما تبسطه أدبيات المنظمات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك
الدولي ،يدفعنا للغوص في كنه دالالته القانونية وعمق إشاراته السياسية التي تتجاوز التقنيات إلى
ثقافة تسييرية تأتي من نموذج الشركة والمقاولة وفق منظور نيوليبرالي ،سيكون على المسيرين
العمومين رهان تجسيد مبدأ الشفافية عبر تسييرهم للبرامج التي تربط الحرية بالمسؤولية ،يعني هذا
بلورة نموذج جديد للتسيير العمومي في السياق الجزائري يساير تطورات الحياة االقتصادية والمالية
الدولية.
شفافية المالية العامة أمر حيوي لتعزيز ثقة المواطنين بحكوماتهم وتحقيق التسيير الفعال
لمواردهم العامة ،بينما العكس من ذلك يعني عدم االستقرار وسوء تخصيص الموارد وانتشار الفساد
وعدم المساواة وغياب المساءلة ،تشكل الشفافية مبدأ مهما في تحقيق رشادة اإلنفاق العام لكنها ترتبط
بتحقيق م شاركة فعالة في صناعة واتخاذ القرار المالي ورقابته ثم تقييمه من باقي الفاعلين في المجال
المالي.
1
Michel bouvier, rapport introductif : La transparence des finances publiques : vers un nouveau
modèle une exigence éthique, politique et scientifique, op.cit., p p 10. 11.
493
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
1القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية الفرنسي جاء نتيجة مبادرة برلمانية لقيت إجماعا واسعا من السلطة السياسية حكومة
ومعارضة ،بدأت هذه العملية في أكتوبر 1998بمبادرة من لوران فابيوس رئيس الجمعية الوطنية لمجموعة عمل للتفكير في فعالية
اإلنفاق العام والرقابة البرلمانية أنظر في هذا:
Michel Bouvier, André Barilari, La nouvelle gouvernance financière de l'État, op.cit., p 10.
2
Fubbs Joan, the budget process and good governance .op.cit. p36.
494
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
بعدة تقارير مع وجوب مراع اة الدقة واإلخالص والصدق في إعدادها لتمكين البرلمان من المشاركة
1
في اتخاذ القرار المالي ،واعتماد مشروع قانون المالية بناء على معطيات صحيحة.
ثانيا :النص على مرحلة تشاور في إطار إعداد مشروع قانون المالية للسنة يؤسس القانون
العضوي 15/18لمرحلة تشاورية تسمح بمشاركة الحكومة للبرلمان عبر تقرير يتضمن تطور وضعية
االقتصاد الوطني وتوجيه المالية العامة ببدء نقاش سابق لقانون المالية يعتبر ضمانة إيجابية لمشاركة
في مرحلة التحضير التي تحتكرها السلطة التنفيذية وانفتاحا يسهم في تعزيز دور البرلمان في المجال
المالي ،والذي يمكن أن يتبع بمناقشة بالبرلمان دون تصويت.2
ثالثا-االحتفاظ بالقيد على مبادرة النواب في المجال المالي والميزانياتي:
احتفظ المشرع بالقيد المتعلق برفض مبادرة نواب البرلمان القتراح تعديل على مشروع
قانون المالية ليكرس عدم قبول اقتراحات القوانين والتعديالت التي تؤدي لتقليص اإليرادات أو زيادة
النفقات ،3وجاء القانون العضوي 15/18منسجما مع هذا التوجه واشترط موافقة الوزير األول ورأي
الوزير المكلف المالية على كل مشروع من شأنه أن يكون له أثر مباشر أو غير مباشر على ميزانية
الدولة أو يمكن أن يحدث خط ار ميزانياتيا ،4األمر الذي يحد من إمكانية مشاركة البرلمان في التعديل
في المجال المالي التي أتاحها للمجلس الشعبي الوطني دون مجلس األمة وفق شروط شكلية
وموضوعية محددة ،5غير أن اعتماد التسيير المتمحور حول النتائج وميزانية البرامج سيمنح البرلمان
فرصة مهمة لتعزيز قدرته على تقييم وتقدير اإلنفاق العام بفعل التركيز على األهداف وثمن التكلفة
،ومقارنة الوسائل باألهداف المحددة ،وتقرير المردودية ،وبالتالي يمكنه بناء على المعطيات الجديدة
تناولت المادة 75من القانون 15/18مجموعة الوثائق التي تلزم الحكومة بإرفاقها بمشروع قانون المالية وأحالت على التنظيم 1
بالنسبة لكيفيات وضع جدول التعداد الذي يبين فيه تطوراته ويبرر التغيرات السنوية.
حسب نص المادة 72من القانون " 15/18تعرض الحكومة أمام البرلمان قبل نهاية الثالث األول من السنة المالية ،في إطار 2
إعداد مشروع قانون المالية للسنة تقري ار حول تطور وضعية االقتصاد الوطني وحول توجيه المالية العمومية ،يحتوي على:
-عرض التوجيهات الكبرى لسياستها االقتصادية والميزانياتية،
-تقييم على المدى المتوسط لموارد وأعباء الدولة.
-يمكن أن يكون هذا التقرير محل مناقشة ف المجلس الشعبي الوطني ومجلس اآلمة "
أي قانون ،مضمونه أو نتيجته تخفيض الموارد
حسب نص المادة 139من التعديل الدستوري لـ 06مارس " 2016ال ي َقبل اقتراح ّ
3
مالية في
الدولة ،أو توفير مبالغ ّ
الزيادة في إيرادات ّ
النفقات العموم ـ ّـيـة ،إالّ إذا كان مرفوقا بتدابير تستهدف ّ
العمومية ،أو زيادة ّ
ّ
العمومية تساوي على األق ّل المبالغ المقترح إنفاقها".
ّ النفقات
فصل آخر من ّ
4حسب نص المادة 11من القانون .15/18
5مراد بلقالم ،النظام القانوني لتعديل مشاريع قوانين المالية في البرلمان الجزائري ،األكاديمية للدراسات االجتماعية واإلنسانية ،الجزائر
،العدد ،21جانفي ،2019ص .128
495
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
والمعلومات التي تم إثراؤها بشكل مهم تقديم اقتراحات تراعي الشروط المطلوبة من الناحية الشكلية
والموضوعية القتراح تعديل على مشروع قانون المالية .
يقتضي اعتبار الديمقراطية التشاركية أحد المبادئ التي يستند إليها الدستوري الجزائري أن
يكون لممثلي الشعب إمكانية حقيقة للمشاركة في تحضير قانون المالية ،وعدم االقتصار على دور
ثانوي في مرح لة المناقشة وتقييد التعديالت بشرط التوازنات التي تحتاج كفاءة تقنية يفتقدها الكثير
من البرلمانيين ،رغم كون الحكومة وو ازرة المالية تحديدا صاحبة االختصاص الدستوري والعضوي
وكذا الفعلي من الناحية التقنية إال أن أهداف القانون العضوي 15/18ترمي إلحداث توازن بين
ا لسلطات كان يجب أن يراعي ذلك في مرحلة اإلعداد بتوسيع دائرة المشاركة إلى جهات وازنة في
المجال المالي مثل :المجلس االقتصادي واالجتماعي ،مجلس المحاسبة ،المعارضة البرلمانية
،المجتمع المدني.1
في هذا اإلطار تشكل الميزانية التشاركية تجسيدا لمفهوم الديمقراطية التشاركية في شقها
المالي ،و التي لم يتناول المشرع من خالل القانون العضوي 15/18كيفية تعزيزها خاصة في ظل
غياب قانون ينظم شروط وكيفيات ممارسة المجتمع المدني لحقه الدستوري في الوصول للمعلومات
المتعلقة بالمالية العامة ،عالوة على مساهمته في تقديم اقتراحات في مجال التشريع المالي ،بالنظر
لدوره كفاعل مهم في مجال الحكامة المالية ،و صناعة السياسيات العامة عموما والمالية خصوصا
من خالل المساهمة في ترشيد اإلنفاق العام وتجسيد الحكامة المالية العامة عن طريق المشاركة في
إعداد الميزانية العامة وتنفيذها والرقابة عليه.
يسهم المجتمع بدور متنام في المجال الميزانياتي يساعد الحكومة على التخصيص
األمثل للموارد العامة وتعكس تجربة الميزانية التشاركية لمدينة بورتو أليغري بالب ارزيل المساهمة
الفعالة للمجتمع المدني في تحديد أولويات اإلنفاق ومجاالته.2
اطي
الديمقر ّ
الدولة على مبادئ التّنظيم ّ
جاء في نص المادة 15من التعديل الدستور لـ 06مارس " 2016المادة :15تقوم ّ
1
االجتماعية.
ّ والفصل بين السلطات والعدالة
العمومية.
ّ السلطات
يعبر فيه ال ّشعب عن إرادته ،ويراقب عمل ّ
المنتخب هو اإلطار الّذي ّ
َ المجلس
تشجع الدولة الديمقراطية التشاركية على مستوى الجماعات المحلية" .
2محبوب مراد ،باري عبد اللطيف ،دور المجتمع المدني في تحسين أداء الميزانية العامة مع اإلشارة إلى حالة الجزائر ،مجلة آفاق
علوم اإلدارة واالقتصاد ،الجزائر ،العدد ،2017 ،02ص .44
496
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
مساهمة المجتمع المدني في اتخاذ القرار المالي العمومي في الجزائر التزال بعيدة عن
المستوى المطلوب سواء استناد على المعايير الدولية مثل :مسح الميزانية المفتوحة أو حتى مقارنة
بمثليتها في دول المغرب العربي مثل تونس أو المغرب.1
الفرع الثالث :القانون العضوي 15/18ورهان تجسيد اآلليات الحديثة للرقابة
تشير التجارب الدولية إلى أن إدخال التسيير المتمحور حول النتائج واعتماد ميزانية البرامج
واألداء يؤدي إلعادة تشكيل الرقابة المالية العامة ،واحداث تحول جوهري في إجراءات الرقابة
والمؤسسات المخصصة لها ،يقتضي منح المسيرين قد ار مهما من الحرية في مقابل المسؤولية الملقاة
على عاتقهم وأن يتم تخفيف الرقابة السابقة في مقابل التزام منهجي بتقديم الحساب عن طريق تعزيز
الرقابة الالحقة ،سواء كانت إدارية أو سياسية أو قضائية أو التي تمارس من قبل المواطنين.2
أوال-رقابة األداء جاء القانون 15/18ليؤسس لتسيير عمومي جديد يتمحور حول النتائج وهو
يعني إعطاء حرية لمسيرين العمومين (المسير المسؤول) ولكن يلزم بتقديم حساب عبر تقرير يعرض
فيه النتائج المتحصل عليها مقارنة بالوسائل المكرسة ،3ونتج عن تبني هذا النهج تحول جوهري
لمفهوم الرقابة نحو رقابة األداء تتميز بالتدقيق الذي يتم بالتأكد والتحقق من استخدام الحكومة لألموال
التي تحت تصرفها ومن تنفيذها لبرامجها وفقا لألهداف المحددة فيها ،وفق مؤشرات األداء المختلفة
التي يتم تحديدها في كل برنامج ،فهي رقابة تقوم على ربط اإلنفاق العام بتحقيق النتائج التي سيكون
تقييمها من خالل تقرير وزاري للمردودية يوضح الظروف التي نفذت فيها البرامج المسجلة ومدة بلوغ
األهداف المتوقعة والتي يتم قيساها وتتبعها من خالل مؤشرات األداء المرتبطة بها والنتائج المحققة
والتفسيرات المتعلقة بالفوارق المعاينة .4تعنى رقابة األداء بالتركيز على رقابة استخدام المال العام
1يشير مسح الميزانية المفتوحة 2017بالنسبة للجزائر إلى تراجع كبير في مؤشر الشفافية بحوالي 16درجة مقارنة بسمح الميزانية
المفتوحة ،2015كما يكشف عن انعدام موازنة المواطن وعدم إنتاج التقرير الدورية ،وانجاز تقارير المراجعة نصف السنوية والسنوية
ولكن دون إتاحتها للجمهور ،للتفصيل أكثر االطالع على :مسح الميزانية المفتوحة 2017الجزائر على الرابط:
https://www.internationalbudget.org/wp-content/uploads/algeria-open-budget-survey-2017-
summary-arabic. Consulter le : 02/08/2018.
2يخضع تسيير األموال العامة للرقابة بموجب أحكام الدستور في مواده ،192 ،180 ،153 ،152ونصت المادة 85من القانون
" 15/18تخضع عمليات تنفيذ ميزانية الدولة إلى الرقابة اإلدارية والقضائية والبرلمانية حسب الشروط التي يحددها الدستور وهذا
القانون واألحكام التشريعية والتنظيمية الخاصة "
3حسب نص المادة 02من القانون .15/18
حسب نص المادة 87من القانون .15/18 4
497
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
وفق معايير االقتصاد والكفاءة والفعالية في حين تركز الرقابة الكالسيكية على معايير االنتظام
والشرعية واحترام اإلجراءات.
إن تركيز أولويات الرقابة على معيار األداء بدالً من معيار االنتظام يعتمد بشكل أساسي على
تنظيم السلطات الدستورية ودرجة الالمركزية ودرجة الفصل بين السلطتين السلطة التنفيذية والبرلمان،
هذا األخير الذي جاء القانون ليعزز دوره في رقابة المالية العامة من خالل النص على تزويده
بالمعلومات عبر عدد من التقارير التي يشترط فيها انتظامها وصدقها 1التي تبدأ قبل نهاية الثالثي
األول للسنة المالية وتنتهي بالتقارير المرفقة بقانون المتضمن تسوية الميزانية.2
في هذا السياق يرى "شرفة عبد الحق" أن االستخدام األمثل لألموال العامة يتطلب منح المسيرين
حرية أكثر واالنتقال إلى رقابة األداء -لكنه يجب قبل ذلك ضمان مستوى من رقابة االمتثال والمطابقة
موضوعا للتقييم .يمثل هذا في الواقع
ً أيضا أن تعني االلتزام بالنتائج وتكون
واالنتظام-التي يجب ً
مرحلة جديدة من تطور المجتمع تستوجب متطلبات جديدة وترتبط بإتقان أكبر للمهارات المناجيريالية،
لكن الممارسة الجزائرية ال تسير في هذا االتجاه بل على العكس من ذلك فقد تعززت الرقابة السابقة
بشكل واضح في السنوات األخيرة لصالح تمديد الرقابة السابقة" ،3وفي ظل الظروف الراهنة فإن
االلتزام بتحقيق النتائج دون حرية أكبر للمسيرين ال يمكن معها مساءلة المسيرين المسؤولين عن
البرامج إال عن تحقيق نتائج التي تتناسب مع حدود حرية التسيير الممنوحة لهم ،وعليه فإن رقابة
األداء ليست سوى مطلب إضافي ناشئ عن مخاوف جديدة في سياق البحث عن فعالية الفعل
العمومي. 4
-ثانيا -توسيع حق اإلخطار وتعزير الدور الرقابي للبرلمان سمح صدور القانون العضوي 15/18
المتعلق بقوانين المالية بتجاوز إشكالية المالئمة والتطابق مع النص الدستوري والمادة 141منه،
ويفرض طابع القانون العضوي نفسه على المستوى القانوني لذلك سيكون من الناحية القانونية ذا
قيمة أكبر من تلك التي تتمتع بها قوانين المالية نفسها ،ستتعزز الرقابة الدستورية للمجال المالي
1تمت اإلشارة إليها سابقا وهي التقارير التي تبدأ خالل مرحلة التحضير لمشروع قانون المالية للسنة إلى غاية تقديم التقارير المرفقة
بالقانون المتضمن تسوية الميزانية.
مجموع التقارير التي تلزم الحكومة بعرضها على البرلمان حسب نص المادة 85 ،75 ،72من القانون .15/18 2
3
Abdelhak Cerurfa, op.cit., pp386, 387
4
Abdelhak Cerurfa, op.cit, p386.
498
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
والميزانياتي وتضع المشرع في المسائل المالية تحت طائلة رقابة تم توسيع اإلخطار فيها لفائدة
األقلية البرلمانية في المسائل المالية والمتعلقة بالميزانية.1
ثالثا -إصالح اإلطار المحاسبي يشكل عامال مهما في تحقيق رقابة فعالة لإلنفاق العام والوصول
لتجسيد الحكامة المالية وربط المسؤولية بالمحاسبة ،حرص المشرع في القانون 15/18على تطوير
أنظمة الرقابة اإلدارية الجديدة من خالل االستفادة من التقدم التقني (الرقمنة) واالستعانة بأنظمة
اإلعالم اآللي والبرمجيات التي تم الشروع فيها ضمن إطار مشروع تحديث أنظمة الميزانية منذ
2001لتحقيق مرونة التسيير الممنوحة للحكومة ومسيري البرامج التي يجب أن تؤدي لتعزيز الرقابة
البعدية من خالل تقارير األداء ،وتصديق للحسابات ونهج جديد للصدق والصراحة في تسيير المالية
العامة .سيعزز اإلطار المحاسبي الجديد القائم على ثالث أبعاد 2الشفافية و تصديق الحسابات،
بحيث سيستخدم في إطار التسيير المتمحور حول النتائج آليات ومفاهيم لتعزيز المناجمنت من خالل
األداء ،ليلزم المسيرون بتحقيق النتائج في ظل رقابة سابقة مخففة يصبح معها اللجوء لتعزيز الرقابة
أمر ضروريا ،كما أن تنصيص المشرع على ضرورة أن تقوم الدولة بمسك
البعدية على الحسابات ا
محاسبة عامة واشتراطه انتظامها وصدقيتها واخالصها في عرض صورة حقيقة لثروتها ووضعيتها
المالية يعد تحوال مهما يتيح للبرلمان إمكانية الحصول على المعلومات التي ستنعكس بشكل إيجابي
على مهامه في مجال الرقابة والتقييم. 3
رابعا-نحو رقابة شاملة وتقييم للسياسات العامة
في سياق تجسيد االنتقال لمقاربة تقوم على التسيير المتمحور على النتائج سيكون على
مجلس المحاسبة أيضا االنتقال من رقابة حصرية لالنتظام إلى تقييم فعالية وكفاءة الفعل العمومي.
وسيكون عليه القيام بتحليل لألداء حسب المهمة وحسب البرنامج الوحدة الرئيسية لتخصيص
االعتمادات المالية ،كما سيقوم بتدعيم البرلمان ومساعدته على بسط رقابته لتنفيذ قانون المالية،
ويمتد إلى تقديم االستشارة والمساهمة في تقييم المجاالت المرتبطة بالمالية العامة ،4األمر الذي
حيث تمسك الدولة محاسبة ميزاناتية لإليرادات والنفقات ومحاسبة عامة بالنسبة لمجموع عملياتها ،كما يمكن أن تقوم بمسك 2
محاسبة لتحليل تكاليف مختلف المشاريع المدرجة في إطار برنامج حسب نص المادة 65من القانون 15/18
3حسب نص المادة 65من القانون العضوي " 15/18يجب أن تكون حسابات الدولة منظمة وتعكس بصفة مخلصة ممتلكاتها
ووضعيتها المالية" وتوافقها المادة 67منه التي نصت على " يسهر المحاسبون العموميون المكلفون بمسك حسابات الدولة على
احترام القواعد واإلجراءات المنصوص عليها في هذ القانون والتشريع المتعلق بالمحاسبة العمومية "
حسب نص المادة 88من القانون .15/18 4
499
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
يساهم في تحقيق دور رقابي فعال للبرلمان في مجال المالية العامة ،ويسهم في تحقيق رقابة فعالة
لإلنفاق العام.
بخصوص الرقابة البرلمانية فإنه من الناحية النظرية يتمتع البرلمان بسلطة للرقابة على المالية
العامة أوسع من سلطته التخاذ القرار المالي .ونميز بين نوعين من آليات الرقابة ،فهناك آليات
يترتب عنها تحريك المسؤولية الحكومية (بيان السياسة العامة واإلجراءات الرقابية المرتبطة به) ،أي
الوسائل الدستورية التي قد تؤدي في حالة نجاحها إلسقاط الحكومة ،وهناك آليات أخرى تترتب عنها
آثار متفاوتة على الحكومة دون الوصول إلى إسقاطها (االستجواب ،األسئلة الشفوية والكتابية ،ولجان
التحقيق) ،1وقد سمح التعديل الدستوري لـ 06مارس 2016باستحداث آلية جديدة تكمن في تشكيل
بعثات استعالم تدخل ضمنها مسائل الميزانية ،التي يمكن أن تكون بعثات استعالم فعالة بشكل
خاص في مسائل الرقابة البرلمانية.2
يهدف القانون العضوي 15/18لتقوية دور البرلمان الرقابي والتقييمي للسياسيات العامة
من خالل إغنائه بالمعطيات والوثائق المرفقة بمشروع قانون المالية وتمكنيه من المعلومات باإلضافة
إلى تعديل الجدول الزمني لتحضير ودارسة والمصادقة على مشاريع قوانين المالية والقانون المتضمن
تسوية الميزانية بهدف تعزيز دوره الرقابي واالنتقال إلى مرحلة تقييم السياسيات العامة من خالل
االستعانة بالهيئات االستشارية مثل :مجلس المحاسبة ،والمجلس االقتصادي واالجتماعي.
يبقى رهان االنتقال الفعلي من برلمان يكتفي بممارسات آليات الرقابة الكالسيكية المحدودة
في تأثيرها إزاء السياسات العامة بالنظر لهيمنة الحكومة كفاعل رئيسيي في المجال المالي إلى
برلمان مبتكر ومقيم " ذا أهمية بالغة داخل النظرية الدستورية ذاتها في أفق تجاوز المشاكل البنيوية
لخيار العقلنة البرلمانية واختالالت ا لوظيفية للبرلمانية في آن واحد ،باإلضافة لحل مشكل العجز
المزدوج للبرلمان على مستوى وسائل الحصول على المعلومات ،وعلى مستوى قدرة التأثير على
المشاريع والبرامج الحكومية ".3
الواقع أن تفعيل الدور الرقابي والتقييمي للبرلمان تسهم في تجسيده اآلليات القانونية لكنها
ال يمكن أن تحققه عمليا من خالل ميزة نص قانوني حتى ولو كان ذا مرتبة عضوية ،وترشيد
تخضع آليات الرقابة هذه ألحكام الدستور ونصوص القانون العضوي رقم 02-99المؤرخ في 8مارس سنة 1999المحدد 1
لتنظيم المجلس الشعبي الوطني ومجلس األمة وعملهما وكذا العالقات الوظيفية بينهما وبين الحكومة.
2حسب نص المادة 134من التعديل الدستوري 06مارس .2016
3ندير المومني ،دور البرلمان في إعداد ،مراقبة وتقييم السياسيات العمومية (حالة المغرب) ورقة مقدمة لمشروع "تعزيز حكم القانون
والنزاهة في الدول العربية " ،المركز العربي لتطوير حكم القانون والنزاهة ،لبنان ،2007،ص .24
500
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
األداء المالي وتحقيق الرشادة في تسيير اإلنفاق العام يرتبط بترشيد أداء البرلمان في المجال الرقابي
والتقييمي ،وواقع الحال في الجزائر أن دور البرلمان يؤكد وجود حالة من التبعية للسلطة التنفيذية
يغذيها غلو المنطق الزبائني في إدارة الحكم ،وشيوع ثقافة السلبية التي ال تدفع إلى المساهمة في
الحياة العامة ،1يصنف البرلمان في هذا اإلطار من البرلمانات الضعيفة وذات الدور الهامشي التي
تحتاج توفير جملة من المعايير الداخلية والخارجية تتعلق بشرعيته وفعاليته حتى تبلغ مستوى البرلمان
المقيم والفعال في مجال رقابة المال العام.
المطلب الثاني :حدود مساهمة فواعل الحكامة المالية في تجسيد ترشيد اإلنفاق العام في ظل الطابع الريعي
تشكل عائدات الجباية من المحروقات ثالثة أرباع الموارد المالية للدولة ،2هذه الطبيعة
السنوية المجتمعة مع وفرة الموارد تضع دورة الميزانية بأكملها خارج أي قيود للموارد .3األمر الذي
يتعارض مع مبدأ التسيير المتمحور حول النتائج الذي يهدف لتحقيق الفعالية ،والكفاءة ،واالقتصاد.
وفي ظل غياب إطار مؤسساتي يحل الريع محل األداء ويتحول الريع من نعمة إلى لعنة عند تجاوز
عتبة استهالك معينة.4
الفرع األول :اإلنفاق العام رهين بالطابع الريعي في ظل غياب الحكامة المالية
أدى االعتماد المفرط على عائدات المحروقات خالل العشرين السنة الماضية لنتائج
اقتصادية متباينة ،متكررة في تدمير قطاعات كاملة من االقتصاد والمجتمع ،فمن جهة تم استعماله
كأداة لشراء السلم االجتماعي لكنه في المقابل ساهم في تكريس عدم احترام إطار تسيير المالية
1طارق عشور ،معوقات التجربة البرلمانية في الجزائر ( )2011-1997دراسة في بعض المتغيرات السياسية ،المجلة العربية للعلوم
السياسية ،العدد ،2012 ،34ص .39
2جدول ملحق يبين انعكاس أسعار البترول على النفقات وااليرادات العامة في الجزائر.
3سياسة مالية مسايرة لالتجاهات الدورية ألسعار النفط التي تتميز باالرتباط الشديد بتقلبات أسعار البترول وهي الخاصية األساسية
للميزانية في الجزائر وتسمي "دورية السياسية المالية" التي تساهم بشكل كبير في ظهور عوارض المرض الهولندي .أنظر في هذا:
بوزاهر سيف الدين ،أثر عوائد المحروقات على النمو االقتصادي والحوكمة دارسة تحليلية وقياسية لحلة االقتصاد الجزائري خالل
الفترة ،2017-1995أطروحة دكتوراه في العلوم االقتصادي ،جامعة ابي بكر بلقايد –تلمسان ،2017/2018 ،-ص .204
4تعاني الجزائر من تبعية مالية واقتصادية وتجارية تجاه قطاع المحروقات :كمثال على ذلك خالل الفترة 2016/2006عرفت تبعية
مالية تتثمل في حصة ناتج الجباية البترولية ضمن اإليرادات العمومية المقدرة %60وتبعية اقتصادية متمثلة في حصة قطاع
المحروقات في الناتج الداخلي الخام بحوالي ،% 30وتبعية تجارية حيث قدرت صادرات المنتجات البترولية من إجمالي الصادرات
% 97خالل سنة ، 2016أنظر في هذا :عبد المجيد قدي ،نبيلة صوفيا تاكرلي ،تسيير المالية العامة في الجزائر ضمن متطلبات
الحوكمة المالية ،مجلة االقتصاد والمالية ،الجزائر ،المجلد 04العدد ، 2018 ،02ص .163
501
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
العامة و قواعد الميزانية مثل :مبدأ السنوية والصدق الميزانياتي ،1وتفشي الفساد ،وعدم تحقيق التنمية
المنشودة ،وهو ما يدفع لضرورة البحث عن آليات تمكن من تحقيق تسيير مالي عمومي يركز على
األداء والفعالية في اإلنفاق العام من منظور الحكامة المالية.
أوال -سياسة اإلنفاق العام بين الدعم االجتماعي وشراء السلم االجتماعي
تذهب سياسات الدول الريعية إلى برامج إنفاق كبيرة دون فرض ضرائب ،يظهر هذا جليا
في زيادة اإلنفاق العام في الجزائر وتوجه نحو مزيد من اإلنفاق العسكري ،الدعم والتحويالت
االجتماعية ،األجور والمرتبات ،حيث تشمل التحويالت االجتماعية ضمن النفقات العامة في ميزانية
الدولة عدة عناصر من أهمها الضمان االجتماعي ،برامج المساعدات االجتماعية ،التحويالت إلى
قطاع العائالت والتي تهدف إلى التخفيف ولو جزئيا على الفئات من ذوي الدخول المتدنية أو الذين
فقدوا أجورهم بسب توقفهم عن العمل ،وقد عرفت نموا مهما في ظل الوفرة المالية وارتفاع سعر
البترول لتصل سنة 22011إلى % 35.28من إجمالي النفقات الحكومية والتي تشكل عج از دائما
في ميزانية الدولة يستفيد منها كذلك األثرياء يتم تمويلها في معظم الحاالت من عائدات الجباية
البترولية ال يمكن أن تكون مجدية اقتصاديا واجتماعيا ،3بحيث جاء قانون المالية التكميلي
لسنة 2011لتكريس نفقات التسيير كطفرة حقيقية لميزانية الدولة .4ويعزى هذا إلى حد كبير إلى
استجابة السلطات لحركة االحتجاج االجتماعي الواسعة التي بدأت بأعمال الشغب في أوائل عام
1على اعتبار أن الميزانية العامة للدولة مرتبطة بشكل مباشر بسعر برميل النفط فإن السعر المرجعي الذي يتم بناء عليه حساب
رصيد الميزانية المنصوص عليها في قانون المالية للسنة ال يتماشى أبداً مع رصيد ميزانية تنفيذ الميزانية ،بفعل الفرق بين السعر
المرجعي والسعر الحقيقي في السوق العالمي ،وغالبا ما يكون سعره الحقيقي أعلى بكثير في نهاية العام مع استثناءات قليلة ،وهو ما
يولد في الواقع فائضا في الميزانية يحدث نتيجة للموارد اإلضافية التي يتم الحصول عليها .الفرق بين السعر المرجعي للبرميل الواحد
والسعر الحقيقي له في نهاية العام ن لهذا تم أنشاء صندوق ضبط الموارد بموجب المادة 10من قانون المالية التكميلي لسنة 2000
والتي تنص " يفتح في كتابات الخزينة العمومية حساب تخصيص رقم 302-103بعنوان صندوق ضبط الموارد " القانون رقم
02-2000المؤرخ في 27جوان 2000المتضمن قانون المالية التكميلي لسنة ،2000ج ر ع ،37المؤرخة في 28جوان .2000
وقد تناوله المشرع في القانون العضوي 15/18في نص المادة 50منه.
2هذا العام شهد حركة احتجاجية عرفت بأزمة الزيت والسكر وانطالق حركة احتجاجية على نطاق واسع في بعض الدول العربية
صارت تعرف الحقا بما يسمى "الربيع العربي ".
كمال بن موسى ،عبد الرحمان عية ،التحويالت االجتماعية في اإلنفاق الحكومي الجزائري ،آثارها على ذوي الدخول المحدودة، 3
مداخلة في الملتقى الدولي حول تقييم سياسيات اإلقالل من الفقر في الدول العربية في ظل العولمة ،جامعة الجزائر 9-8 ،03ديسمبر
،2014ص ص .778 781
4القانون رقم 11/11المؤرخ في 18جويلية المتضمن قانون المالية التكميلي لسنة ،2011ج ر ع ،40الصادرة بتاريخ 20جويلية
.2011
502
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
2011في أعقاب زيادات غير متوقعة في أسعار بيع بعض المواد الغذائية األساسية ،1وارتفعت
نفقات التسيير من 1050مليار دج في عام 2002إلى 4608مليار دج ،وهو معدل زيادة قدره
حوالي .2% 439
يقتضي اعتماد التسيير المتمحور حول النتائج أن تتم عملية إعادة النظر في سياسية الدعم
االجتماعي حيث تطالب المؤسسات المالية الدولية برفعه أو التوقف عن توجيه الدعم المباشر ،حيث
أكد رئيس بعثة صندوق النقد الدولي جون-فرانسوا دوفان أثناء زيارته للجزائر سنة 2016على
ضرورة إجراء إصالحات كبرى لمواجهة ما وصفها "بالصدمة النفطية" بقوله " يجب إجراء المزيد
من اإلصالحات في نظام الدعم مع حماية الفقراء ،والحد من االستثمار العام مع إحداث زيادة كبيرة
في مستوى كفاءته ،وتقوية إطار الميزانية" ،3في حين يرى عدد من الخبراء الجزائريين إمكانية
4
استم ارره وتسييره بطريقة أفضل تضمن وصوله لمستحقيه لحماية مبدأ العدالة االجتماعية.
1عرفت نفقات التسيير ارتفاعا قدره %25حيث كانت نفقات التسيير المصادق عليها بموجب قانون المالية لسنة 2011بلغت
3434.31مليار دينار دج وقد وصل هذا المبلغ بموجب قانون المالية التكميلي إلى 4294.18مليار دج أي بزيادة تقدر 856.87
مليار دج .أنظر في هذا مداخلة وزير المالية بمناسبة تقديم ومناقشة مشروع قانون تسوية لسنة 2011أمام المجلس الشعبي الوطني،
الجريدة الرسمية لمداوالت المجلس الشعبي الوطني ،الفترة التشريعية السابعة ،الدورة العادية الثانية ،العدد ،83/2الصادرة ب تاريخ
26ديسمبر ،2013ص .06
2
Abdelhak Cerurfa, op.cit., p320.
3تشير تقديرات صندوق النقد الدولي حسب جون-فرانسوا دوفان ،رئيس بعثة الصندوق المعنية بالجزائر .إلى " بلوغ تكلفة الدعم
حوالي %14من إجمالي الناتج المحلي في عام .2015وليست تكلفته على المالية العامة هي المشكلة الوحيدة؛ فالدعم غير
عادل في معظمه ،ويفيد األثرياء أكثر بكثير مما يفيد الفقراء .فعلى سبيل المثال ،تنفق أغنى %20من األسر على منتجات الوقود
المدعمة أكثر مما تنفقه أفقر %20من األسر بمتوسط 6أضعاف .وباإلضافة إلى ذلك ،يشجع الدعم االستهالك المفرط ،ويؤدي
إلى تشوهات اقتصادية وبيئية .ويمكن جعل النظام أكثر عدالة مع خفض تكلفته من خالل زيادة التخفيض التدريجي للدعم المعمم
وابداله بنظام للتحويالت النقدية يوجه بدقة إلى أقل األسر دخال" ،أنظر في هذا :موقع صندوق النقد الدولي ،الجزائر تسعى لتنويع
االقتصاد واعادة تشكيله في سياق انخفاض اإليرادات النفطية7 ،جويلية 2016على الرابط:
- https://www.imf.org/ar/News/Articles/2015/09/28/04/53/sonew052016aتاريخ االطالع15/3/2017:
4من بين الخبراء الجزائريين نجد "بشير مصيطفى" الذي يرى أنه يجب توجيهه للفئات المستحقة فعال من خالل ضخه مباشرة في
رواتبهم أو أجورهم أنظر في هذا :جريدة الشروق اليومية العدد 15 ،3415سبتمبر ،2011ص ،16كما يرى مصطفى مقيدش
نائب رئيس المجلس االقتصادي واالجتماعي ضرورة توجيه الدعم لمستحقيه ،وأن اإلعانات التي توجهها الدولة كل سنة تمثل %15
من الناتج الداخلي الخام ،وفي نفس السياق يؤكد مستشار الوزير األول األسبق عبد الرحمان مبتول " أن توجيه الدعم لمستحقيه
إجراء جيد ،ألنه باسم العدالة االجتماعية ،ال يمكن أن يستفيد األغنياء والفقراء من اإلعانات بالمستوى نفسه " وفي مفارقة تؤكد هذه
الحقيقة يرى الخبير االقتصادي لدى صندوق النقد الدولي أندور جويل " إن «العشرين في المائة من الجزائريين األكثر ثراء يستهلكون
ست مرات أكثر من الوقود من العشرين في المائة األكثر فق ار» ،و«الدعم الموجه للكهرباء مفيد أكثر بصفة غير متساوية ألصحاب
503
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
كما عرفت نفقات ميزانية التجهيز تطو ار كبي ار بفعل تدخل الدولة الجزائرية وقيامها بدور جعلها
محور التنمية االقتصادية واالجتماعية للدولة مقارنة بالسنوات السابقة والدول المجاورة ،حيث يبلغ
اإلنفاق االستثماري حالياً ٪7.5من الناتج المحلي اإلجمالي بهدف دعم النمو االقتصادي بين
،12014-2010سمحت البحبوحة المالية العامة بتنفيذ سياسة استثمار توسعية وتقليل الدين العام
ودعم القطاع الخاص من خالل إعفاء جبائي قوي والعديد من أشكال الدعم األخرى ،لكن هل نجحت
هذه السياسيات المالية اإلنفاقية التوسعية في تحقيق النمو؟.
تشير جل التقارير أننا أمام معضلة حقيقة في تسيير المالية العامة واالقتصاد الجزائري بوجه
عام بسب االرتهان للريع "معضلة النمو بدون تنمية " 2أي أنه نمو ذو طابع توسعي وانتاجية ضعيفة
" يعتمد على الزيادة في عوامل اإلنتاج المتمثلة خاصة في النفقات ب أرس مال الدولة بالمفهوم الواسع
وليس بمفهوم قانون المالية في الجزائر ،أي االستثمارات العمومية الموجهة لتطوير البني التحتية
المادية أو ذات الطابع االجتماعي ،وكذا اليد العاملة المكثفة...نمو ليس مكثف وال يرتكز على
االستعمال الفعال لقوى اإلنتاج".3
ثانيا :تحقيق العدالة االجتماعية كتحدي لسياسة اإلنفاق العام
البيوت الكبيرة والمجهزة بالتكييف» نقال عن مجلة الشرق األوسط ،الجزائر تسعى إلصالح نظام الدعم االجتماعي السخي ،العدد
14093بتاريخ 29جويلية . 2017
شرعت الجزائر منذ سنة 2001في انتهاج سياسة ميزانياتية ومالية توسعية عبر برامج االستثمارات العمومية إلى غاية 2014 1
من خالل برنامج دعم اإلنعاش االقتصادي (المخطط الثالثي )2004-2001بغالف مالي قدره حوالي 16مالييردور أمريكي،
البرنامج التكميلي للنمو (المخطط الخماسي األول )2009-2005بغالف مالي قدره حوالي 130مليار دوالر أمريكي ،برنامج
توطيد النمو بغالف مالي قدره 286مليار دوال أمريكي ،انظر في هذا :محمد مسعى ،سياسة اإلنعاش االقتصادي في الجزائر
وأثرها على النمو ،مجلة الباحث ،جامعة قاصدي مرباح –ورقلة ،-العدد ،2012 ،10ص .147يضاف إليها المخطط الخماسي
لدعم مسيرة النمو والتنمية ( )2015/2019بغالف مالي حوالي 280مليار دوالر امريكي ،بوابة الو ازرة األولى ،البيان المتوج
ألشغال الثالثية بتاريخ 18سبتمبر 2014على الرابط:
http://www.premier-ministre.gov.dz/ar/premier-ministre/activites/2015-10-06-08-07- .
44.htmlتاريخ االطالع.6/02/2016 :
2يعتقد الخبير االقتصادي والمستشار السابق بو ازرة المالية يوسف بن عبد اهلل أن الحديث عن النمو في الجزائر يعتبر نوعا من
االحتيال الفكري :أنظر في هذا :المرجع نفسه ص .156
محمد مسعى ،سياسة اإلنعاش االقتصادي في الجزائر وأثرها على النمو ،مرجع سابق ،ص.154 3
504
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
تعتبر العدالة االجتماعية مطلبا إنسانيا أساسيا في دولة الحق والقانون تسعى الدولة كفاعل
رئيسي في صناعة السياسات العامة لتحقيقه ،1وعلى اعتبار أن فكرة اإللزام لحقوق العدالة االجتماعية
تفترض تدخ ال إيجابيا من الدولة إلن تجسيد ذلك يرتبط بالوضع المالي واالقتصادي للدولة على
عكس الحقوق األخرى التي تفترض بصفة عامة التزاما سلبيا من الدولة دون أن يكلفها أعباء مالية،2
فالدولة الريعية واالقتصاد الريعي كما هو الحال في الجزائر يتيح للدولة تحقيق العدالة االجتماعية
من خالل اعتماد سياسية إنفاقية توزيعية وتوسيعية في ظل الوفرة المالية التي أتاحتها عائدات البترول
بداية من 2002إلى غاية ،2014لكن كيف نفسر أنه مع اإلنفاق العام الهائل هنالك غياب للعدالة
3
االجتماعية؟
كان لإلنفاق العام دور فعال في إعادة توزيع الناتج اإلجمالي لصالح طبقات المجتمع
وهو ما انعكس على تحسن مستوى معيشة غالبية األسر وارتفاع نصيب الفرد من الناتج اإلجمالي
وانخفاض درجة عدم المساواة بين مختلف الفئات نتيجة توزيع اإلنفاق االستهالكي .لكن العدالة
االجتماعية مفهوم يتجاوز مسألة التساوي الحسابي في نصيب الفرد من الناتج اإلجمالي ،ويتعلق
بمراعاة الفوارق الفردية بين الناس ،وهي مساواة تكافؤ الفرص المتاحة في المجتمع تحت شروط أي
" السعي المستمر لتصحيح الفروق الواسعة في الدخل والثروة والنفوذ ،إذ أن توافر المساواة في
الفرص ال يحول دون ظهور فوارق في التوزيع تؤدي من جديد إلى ال مساواة كبيرة في الفرص .ومن
4
هنا يصبح تقريب الفروق في العوائد أو النتائج شرطا ضروريا للمساواة "
ال يتعلق مفهوم العدالة االجتماعية بمجرد عملية توزيع الدخل والثروة بل يتعداها إلى
قضايا التعليم التشغيل والصحة واإلدماج االجتماعي وليست حلوال آنية لكنه فرص متكافئة ألفراد
المجتمع وحقوق األجيال القادمة التي يؤدي االستعمال المفرط لعائد جباية المحروقات المهدد
نص المؤسس الدستوري عليها في المادة 15من التعديل الدستوري لـ ـ 06مارس 2016واعتبرها من بين من مقومات الدولة 1
الجزائرية
2يرى "بوزيان عليان" أن فكرة العدالة االجتماعية عرفت تطو ار إيجابيا فمن فكرة فلسفية طبيعية إلى هدف دستوري بمثابة مشروع
مستقبلي إلى مبدأ دستوري ملزم للدولة بالتدخل اإليجابي مشمول بالحماية القضائية فضال عن الحماية الدستورية ،أنظر في هذا:
بوزيان عليان ،القيمة الدستورية لمبدأ العدالة االجتماعية والحماية القضائية له ،دراسة تطبيقية مقارنة على الدساتير العربية،
األكاديمية للدارسات االجتماعية واإلنسانية ،الجزائر ،العدد ،10جوان ،2013ص 106وما يليها.
ملوكي سفيان ،اإلنفاق المالي العربي والعدالة المجتمعية ،تشخيص وتحليل ،مجلة الباحث للدارسات القانونية والسياسية ،الجزائر، 3
505
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
بالنضوب للمساس بها ،تقتضي العدالة االجتماعية مراعاة المساواة بين األجيال لضمان حقوق
األجيال في المستقبل.1
تدعو المؤسسات المالية الدولية والتي من بينها صندوق النقد والبنك الدوليين إلى تبني
مفهوم الحكامة المالية الجديدة لضرورة تطبيق سياسيات إنفاق عام تهدف إلى خفض العجز في
الميزانية من خالل تقليل اإلنفاق العام على المجاالت االجتماعية ،وتقليص تدخل الدولة وفتح المجال
للقطاع الخاص وتحرير التجارة ،2تستعمل مديرة صندوق النقد غريستين الغارد عبارة " يجب على
الحكومات " و" ينبغي على الحكومات" للتأكيد على صياغة المشروطية التي يقوم عليها نهج
المؤسسات المالية الدولية ،وترى أن الحكومات" قد استجابت للضغوط االجتماعية حتى اآلن عن
طريق زيادة الدعم واألجور وغيرها من أوجه اإلنفاق ...لكن هذه اإلجراءات ال تأتي بغير تكلفة .فقد
اتسع عجز الميزانية...ينبغي أن تتحرك الحكومات في جميع أنحاء المنطقة نحو سياسات مالية
أفضل ،أكثر استم اررية 3"...في حين يؤكد مدير إدارة الشرق األوسط وآسيا الوسطى في صندوق
النقد الدولي "مسعود أحمد" أن " الصندوق احتاج لعقدين ليتعلم الدروس االبتدائية في اقتصاديات
1البد أن ينطلق التوزيع واإلنفاق من نظرة للعدالة تأخذ بعين االعتبار قيدا أساسيا هو وجود طبقة مسيطرة وميسورة للغاية ،قد ينشأ
بعضها من الفساد وهو -ما يشير إليه الوضع الراهن في الجزائر بعد استشراء مظاهر الفساد المالي واإلداري وتغلله في دواليب
السلطة حتى أصبح تناوله مقبوال ومتداوال على أعلى مستوى في هرم السلطة من خالل الحديث عن اقتران الفساد بالسياسة أو السلطة
-إلى ن ظرة للعدالة قوامها التسليم بتوزيع عادل عندما يرضى األكثر فق ار بالحل غير المتساوي إذا كان بالنسبة إليه أفضل من حالة
المساواة ،يعني هذا أننا بحاجة إلى نظرة أخرى للعدالة تعنى بمفهوم الحرية الذي طرحه أمارتيا صن (التنمية حرية) ،تجد هذه
الطروحات للعدالة االج تماعية في الشريعة اإلسالمية حيث أخلقة الممارسات تسمح بتحقيق الهدف الحقيقي من مبدأ العدالة
االجتماعية ،في واقعنا المعاصر يحتاج هذ الطرح لوجود عقد اجتماعي جديد نوع من الحكامة يتجاوز األشكال الفلسفية الكالسيكية
المعروفة ،هو عقد اجتماعي يتجاوز مسألة التصويت في االنتخابات .أنظر في هذا ،دولة الرفاهية بحوث ومناقشات الندوة
الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع المعهد السويدي باإلسكندرية ،الحلقة النقاشية عن مدى مالئمة واالستفادة
عربيا من التجارب الدولية ،بيروت ،الطبعة األولي ،2006 ،ص787وما يليها.
تقوم نظرة المؤسسات المالية الدولية كما سبق إليه اإلشارة في جوهرها على " توافق واشنطن " لكن األزمة المالية التي عرفها العالم 2
سنة 2008كشفت عن فشل السوق ونهاية االقتصاد الحر وموت توافق واشنطن فرغم اعتذار رئيس صندوق النقد الدولي السابق
بقوله :أن ه لم يهتم بقضية العدالة االجتماعية اهتماما كافيا لكن السياسات لم تتغير على أرض الواقع .أنظر في هذا :إبراهيم العيسوي،
سياسية التنمية المستقلة والثورات العربية ،في :السياسيات التنموية وتحديات الثورة في األقطار العربية ،المركز العربي لألبحاث
ودارسة السياسات ،الطبعة األولي.2017 ،
3كريستين الغارد ،الربيع العربي بعد مضي عام ،منتدى صندوق النقد الدولي ،النافذة االقتصادية ،2011 ،ص .4
506
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
التنمية وخصوصا المتعلقة بالعدالة االجتماعية :لمنافع النمو ،وخلق فرص العمل للباحثين عنها،
1
وتقديم الدعم ألفقر فئات المجتمع".
تحقيق العدالة االجتماعية يفرض على الدولة ومؤسساتها واجبات اقتصادية واجتماعية مهمة
وفتح المجال للقطاع الخاص المحلي واألجنبي دون وجود قيود تنظيمية ،وانسحاب الدولة سيؤدي
لمزيد من إهدار مبدأ العدالة االجتماعية ،لكنه في المقابل يجب التأكيد على أن االرتهان للطابع
الريعي يشكل مساسا بمبدأ المساواة واهدا ار لمبدأ العدالة االجتماعية ذاته ،2ذلك أن التسيير غير
الجيد وانتشار الفساد والممارسات الريعية يشكل عامال في إهدار قيم المجتمع بفعل غياب الرؤية
االستراتيجية في تسيير الموارد ،نص المؤسس الدستوري على ضرورة المحافظة عليها لصالح
األجيال القادمة .3
الفرع الثاني :فواعل الحكامة المالية وآفاق تجسيد حكامة اإلنفاق العام
ترتبط مالية الدولة الجزائرية منذ بداية السبعينات القرن الماضي بجباية البترول ،وقد
أعطي هذا الدخل للدولة شرعية ثانية شكلت استم ارريتها للشرعية المكتسبة بفضل الثورة التحريرية
أمام النمو المترافق مع إعادة توزيع واسع بحسب دورة الدخل من الجباية البترولية التي وضعت
مسألة تسيير المالية العام ة واإلنفاق العام وحسن تسييرها في المرتبة الثانية بعيدا عن األولويات،4
بينما حجم الدولة ودورها جعلها تلعب دو ار مهما في النتاج االقتصادي واالجتماعي في حين يأتي
متأثر بشكل واضح بسلطة ومركزية
ا دور الفواعل غير الدوالتية كالقطاع الخاص والمجتمع المدني
1على عبد القادر علي ،العدالة االجتماعية وسياسات اإلنفاق العام في دول الثورات العربية ،في :السياسيات التنموية وتحديات الثورة
في األقطار العربية ،المركز العربي لألبحاث ودارسة السياسات ،الطبعة األولي .2017 ،وأيضا :مجلة عمران للعلوم االجتماعية
واإلنسانية ،المركز العربي لألبحاث ودارسة السياسيات ،العدد ،9المجلد الثالث ،2014 ،ص .13
2تشكل ضبابية الواقع الحقيقية لعالقة أصحاب الريع السياسي واالقتصادي من جهة والمجتمع من جهة أخرى صراعا وأثر على
مصداقية الدولة وأفضت إلى أزمة اقتصادية واجتماعية عميقة نظ ار لعدم مرونة تحقيق العدالة االجتماعية والتوزيع العادل للثروة.
أنظر في هذا :أبو عالء األخضر أبو عزي ،الواقعية النقدية في بلد بترولي ،دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع ،األردن ،الطبعة
األولى ،2018 ،ص.122
3حسب نص المادة 19من التعديل الدستوري لـ 06مارس .2016
يوسف بن عبد اهلل ،الرقابة المالية في األقطار العربية ،بحوث ومناقشات الندوة التي أقمتها المنظمة العربية لمكافحة الفساد ،مرجع 4
سابق ،ص.3
507
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
الدولة ومك وناتها المستغلة للريع وجعله موردا سياسيا صنعت منه عقدا اجتماعيا قائما على "توزيع
والبحث عن الريع".1
وعليه يقتضي الوصول لتجسيد الحكامة المالية وحكامة اإلنفاق العام على وجه
الخصوص تحقيق حكامة في تسيير عائدات الجباية البترولية واخضاعها لنمط تسيير عمومي
يتمحور حول النتائج ويراعي المصلحة العامة وتحقيق العدالة االجتماعية لكونه متعلق بضمان
حقوق األجيال القادمة التي كفلها المؤسس الدستوري في نص المادة 19التي تناولت وجوب ضمان
الدولة لالستعمال الرشيد للموارد الطبيعية والحفاظ عليها لصالح األجيال القادمة.2
أوال -الدولة كفاعل بين توزيع الريع وضرورة التسيير الفعال لإلنفاق العام
تقوم الحكامة المالية على مقاربة تشاركية التخاذ القرار المالي كما يتم تقديمها من قبل
المؤسسات المالية الدولية باعتبارها نموذجا للتسيير الفعال القائم على النتائج التي يتم قياسها بواسطة
مؤشرات دقيقة ترتبط أساسا بإصالح التسيير العمومي ،وجعل المؤسسة العامة تسير وفق نمط
الشركات الخاصة والمقاوالت ،غير أن خضوع وارتهان المالية العامة للدولة في الجزائر لجباية
المحروقات يعلق تجسيد هذا اإلصالح بمدى قدرة الدولة على تحقيق مبدأ األداء في تسيير هذا
المورد المهدد بالنضوب من جهة والمحافظة على حق األجيال القادمة من جهة ثانية. 3
يعتبر مفهوم الدولة الريعية من إسهامات حقل العلوم السياسية في الشرق األوسط
بفضل دراسات اإليراني "حسين مهداوي" في كتابه "نمط ومشاكل التنمية االقتصادية في الدولة
الريعية –حالة إيران " 1970ثم انتشرت دارسات حول المفهوم في البلدان الغربية والعربية ،حيث
يعرفها بــ" الدولة التي تقتات على عائدات من الخارج ،بشكل منتظم ،وهو ما يمكنه من القيام ببرامج
1في الدارسات المهتمة بمسألة الريع نجد االقتصاديين اإليراني حسين مهداوي والمصري حازم الببالوي وفي الجزائر نجد كل من
الخبيرة االقتصادية فتيحة طالحيت التي أصدرت مقاال بعنوانLa Rente Et L'état Rentier Recouvrent-Ils Toute :
? La Réalité De L'algérie D'aujourd'hui
Clientélisme Et Patronage Dans L'algérie وفي العلوم السياسية محمد حشماوي له مؤلف:
Karthala/Aix-En-Provence, 2013،Contemporaine; Paris
2حب نص المادة 19من التعديل الدستوري لـ 06مارس .2016
3تشير دارسة للباحثين األمريكي Aaron Tornellواإليرلندي Philip R. Laneفي دراسة بعنوان "" The Voracity Effectأن
وفرة الموارد المالية التي ال تأتي من نشاط اقتصادي حقيقي تكون عرضة بشكل متزايد للهدر في أنشطة ومشاريع غير إنتاجية وتعمق
حالة عدم المساواة في المجتمع وتتسبب في إضعاف مؤسساته السياسية واالقتصادية .أنظر في هذا :سيدي محمد شكوري ،وفرة
الموارد الطبيعية والنمو :دراسة حالة الجزائر ،أطروحة دكتوراه ،كلية العلوم االقتصادية ،جامعة أبي بكر بلقايد -تلمسان،
،2011/2012ص ص .28 ،72
508
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
إنفاق عام كبيرة دون الحاجة إلى فرض ضرائب ودون الوقوع في عجز ميزان المدفوعات أو مصاعب
تضخيمه " 1وترى "فتيحة طالحيت" أن توسيع مفهوم الريع إلى مفهوم الدولة الريعية ،االقتصاد
الريعي والرأسمالية الريعية ،ال يؤدي إلى فقدان المفهوم لدالالته االقتصادية التي تجد مصدرها في
االقتصاد السياسي الكالسيكي وانتشارها في الحقل األكاديمي للعالم العربي ويأتي من رغبة السياسيين
في القيام بإصالحات عميقة تهدف إلى إعادة تنظيم االقتصاد وترشيد استعمال الموارد الريعية،
وتخفيف هيمنة الدولة على الحقل االقتصادي من أجل تحقيق فعالية تنافسية من جهة ونقد االقتصاد
الريعي لغرض الحصول على مزيد من العدالة االجتماعية والحقوق الديمقراطية من جهة ثانية.2
تعتبر الجزائر من الدول التي تعتمد ماليتها العامة على عائدات المحروقات وقد سمح
ارتفاع أسعار البترول في السوق العالمية من تطبيق سياسة إنفاقية موسعة بداية من سنة 2001
وهي نفس السنة التي تم الشروع فيها بمشروع تحديث أنظمة الميزانية لغرض الوصول إلى تسيير
عمومي جديد واصالح إطار تسيير المالية العامة والتحكم في اإلنفاق العام وترشيده ،قامت الدولة
بالتدخل عبر برنامج اإلنعاش االقتصادي الممتد من سنة 2001إلى 2014عبر سياسة مالية
عامة تدخلية وميزانية تدخلية وبرامج إنفاق عام ضخمة بلغت 500مليار دوالر.3
يظهر جليا مدى ارتباط اإلنفاق العام للدولة بحالة الوفرة المالية المتأتية من عائدات جباية
المحروقات والتي تتأثر بها إيجابا وسلبا حيث قامت الدولة في ظل تراجع عائداتها من جباية
المحروقات بسياسات وصفت بالتقشفية من خالل برامج التثبيت والتعديل الهيكلي سنوات التسعينات
من القرن الماضي عبر إصالحات مشروطة من قبل المؤسسات المالية الدولية.4
لقد قامت الحكامة على تصور خاص بإعادة تعريف الدولة ووظائفها في شتى المجاالت،
وقد نال مجال التسيير المالي القسط األكبر من االهتمام من منظور مقاربة تشاركية تولي أهمية
لفاعلين غير رسميين في صناعة القرار المالي ،الدور التدخلي للدولة ومؤسساتها في سياق الدول
الريعية يبقى محوريا في جميع المجاالت خاصة المالية العامة ،إذ تستأثر بفضل اإلمكانات التي
توفرها لها عائدات الريع من استعمال اإلنفاق العام كأداة لتعزيز سلطتها المركزية ويتجلى هذا في
محمد عز العرب ،الدولة الريعية ،المركز العربي للدارسات المستقبلية واالستراتيجية ،بغداد ،العدد ،2010 ،10ص .11 1
2
? Fatiha TALAHIT, La rente et l’Etat rentier recouvre-ils la réalité de l’Algérie d’aujourd’hui
Tiers Monde 210, 2012 /2, pp144.145.
3جدول ملحق يبين ارتباط اإلنفاق العام بارتفاع أسعار سعار المحروقات في الجزائر.
4عبد اللطيف باري ،على شتيوي ،اإلصالحات االقتصادية الجزائرية في ظل توجهات المؤسسات المالية الدولية ،مجلة البحوث
السياسية واإلدارية ،الجزائر ،العدد الثاني ،2018 ،ص 269وما يليها.
509
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
التحويالت االجتماعية وسياسية الدعم االجتماعي واإلعفاء الضريبي وسياسة التشغيل وغيرها من
األدوات التي تسمح لها بفرض سيطرتها على المجال المالي التي تتسم بطابع غير عقالني من
حيت كونها تأخذ كآلية لشراء السلم االجتماعي واستقرار النظام القائم بضخ العائدات الريعية وتدويرها
على شكل حلقات مغذية الستمرار النظام الريعي في الجزائر. 1
يساهم هذا النمط التسييري القائم على دور متعاظم للدولة في االقتصاد بتوزيع عائدات
المحروقات عبر سياسية إنفاقية توسعية في ظهور عدة إشكاليات منها أن الوفرة المالية تفتح الباب
أمام شهية اإلنفاق غير المدروس ،وتنامي مظاهر تبذير المال العام ليفرز التركيز على الوسائل
المالية استثمارات بدون جدوى ،في ظل غياب شراكة حقيقة مع باقي الفاعلين المعنيين ،وعدم التوجه
نحو االدخار الحقيقي في التربية والتعليم واالهتمام برأس المال البشري ،إضافة إلى التفاوت
االجتماعي وعدم اإلنصاف في االستفادة منه لألجيال الحالية و الالمساواة التي تحرم أجياال قادمة
من حقها في التمتع بعائد هذا المورد الطبيعي ،فالدعم ال يذهب إلى مستحقيه بفعل انتشار الفساد،
وكذا تنامي عوارض المرض الهولندي أو ما يعرف بالعلة الهولندية "" "Dutch Diseaseالتي
يعرفها البنك الدولي بكونها" ظاهرة معقدة يمكن فيها لوفرة اإليرادات من الموارد الطبيعة أن تترجم
إلى هدر وكساد وفساد ونزاع " 2أي أن هنالك إنفاقا كبي ار من عائدات الموارد الطبيعية يقابله سوء
تسيير ليأتي األداء االقتصادي مخيبا لآلمال رغم وفرة العائدات من الموارد الطبيعية وهي الحالة
التي يعكسها أداء االقتصاد الجزائري المتميز بعدم الرشادة وسوء التسيير رغم فترة البحبوحة المالية
التي عرفتها البالد خالل الفترة الممتدة من 2001إلى غاية .32014
1تشير دارسة قدمها "رفيق صديقي "بعنوان " مناخ الدولة الريعية وتناقضات السياسة العامة في الجزائر " إلى أن قيمة التحويالت
االجتماعية بلغت معدال سنويا % 18خالل الفترة الممتدة من -1999إلى 2012وتضاعفت أربع مرات مقارنة بما كانت عليه بالفترة
سنة ،1999وقد بلغت تكلفة الحكومة المخصصة للتحويالت االجتماعية ما قيمته 156مليار دوالر من سنة 2000إلى غاية سنة
، 2013في حين نالت سياسة التشغيل عبر آليات تفتقد للفعالية االقتصادية عقود ما قبل التشغيل التي ال يثبت أصحابها الحقا ،
ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في قطاعات خدمية غير منتجة خلقت بطالة مقنعة حيز من عائدات البترول ،والتي تعكس
حالة فشل و تناقضات السياسة العامة في الجزائر في مجال اإلنفاق العام :أنظر في هذا رفيق صديقي ،مناخ الدولة الريعية
وتناقضات السياسة العامة في الجزائر ،مجلة المستقبل االقتصادي ،مخبر مستقبل االقتصاد الجزائري خارج المحروقات ،العدد
السابع ، 2019 ،ص ص 110.111 ،
2نورين بومدين ،بلقلة براهيم ،الطابع الريعي لالقتصاد الجزائري وعالقته بظاهرة المرض الهولندي ،مجلة الدراسات االقتصادية والمالية،
جامعة حمة لخضر بالوادي ،الجزائر ،المجلد ،11العدد ،2018 ،01ص .48
3تتجلى أعراض المرض الهولندي في األداء االقتصادي الذي يتميز بتدخل كبير للدولة عبر سياسة إنفاق توسعية من خالل ركود
القطاعات المنتجة للسلع التبادلية وازدهار القطاعات المنتجة للسلع التبادلية غير التبادلية بفعل تشجيع التوسع في اإلنفاق الحكومي،
ضعف تنوع هيكل الصا درات وارتفاع حجم الواردات ،دورية السياسية المالية حيث الخاصية األساسية التي تميز الميزانية العامة هو
510
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
لكن أخطر اآلثار المترتبة على االعتماد المفرط على الريع هي تأثيراته على شرعية
الدولة ،ونظام حكمها وعالقتها بباقي الفاعلين فيها وانتشار الفساد الذي أصبح يهدد كيانها وأسسها
بفضل تحول الريع إلى ثقافة ،1وبفعل تغلل الفساد في كل دواليب الدولة إلى درجة عبر عنها
"بمأسسة الفساد " 2وبعد الفساد السياسي يلعب الفساد اإلداري والمالي واالقتصادي دو ار مهما في
نمط الدولة الريعية حيث التحالف بين المكونات السابقة يسمح بإنتاج ما يسميه "رشيد تلمساني" "
إعادة إنتاج اجتماعي هجين".3
انتشار الفساد تؤكده التقارير والمؤشرات الدولية الصادرة عن الوكاالت األممية أو
المؤسسات المالية الدولية أو المنظمات غير الحكومية مثل التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية
حيث تحتل الجزائر مرتبة متدنية في مؤشرات مدركات الفساد .4ونفس الحال في ترتيبها بالتصنيف
حول مناخ األعمال واالستثمار ،وقد أشارت دراسة أجرتها Zagainova Anastassiyaحول
الفساد االقتصادي والمالي في عدد من الدول النامية منها الجزائر التي شملت 15قطاعا خلصت
إلى نتيجة مفادها أن قطاع المحروقات والتجارة الخارجية المرتبطين بالريع هما األكثر تضر ار من
ارتباطها الشديد بتقلبات أسعار البترول األمر الذي يجعل مستوى إيرادات النفط هو المحدد لسياسة اإلنفاق العام ،أنظر في هذا :
نورين بومدين ،بلقلة براهيم ،الطابع الريعي لالقتصاد الجزائري وعالقته بظاهرة المرض الهولندي ،مرجع سابق ،ص 50وما يليها
1أخطر تأثيرات استخدام الريع تتمثل في إعاقة الشرعية والديمقراطية عبر آليات أهمها زيادة اإلنفاق لشراء الوالء ،وتقليص الضرائب
لتفادي المساءلة وحركات االحتجاج ،واستخدام المال المتوفر دون رقابة عليه في عرقلة تكوين التحوالت االجتماعية الضرورية
إلحداث التحول الديمقراطي ،يتحول هنا الريع إلى أداة لتقوية االستبداد فضال عن كونها يلعب دو ار في إبطاء عملية التنمية
المستدامة :أنظر في هذا :توفيق حكيمي ،فاطمة الزهراء حشاني ،استعصاء الديمقراطية ووفرة الموارد الطبيعة " دراسة في األعراض
السياسية لـ" لعنة الموارد" ،مجلة المفكر ،جامعة محمد خيضر-بسكرة ،-العدد ،2017 ،15ص .279
حيث يرى " دحماني أحمد " أنه يجب تحليل الفساد كخاصية أساسية للنظام الدوالتي عندما يصبح الوضع في الدولة يولد الفساد 2
عمليا ،لم يعد من الممكن اختصار هذه الظاهرة وربطها بعمل لدولة ومؤسساتها ،بل يجب تحليلها كطريقة رئيسية لعمل النظام
االقتصادي واالجتماعي" أنظر في هذا:
Mourad Ouchichi, L’obstacle politique aux réformes économiques en Algérie, Thèse de Doctorat
en Sciences politique, Université Lumière Lyon 2, 2011, France, p89.
3
Rachid Tlemcani, Etat, bazar et globalisation l’aventure de l’infitah en Algérie, les éditions el hikma,
1999, p p.127.128.
4جدول ملحق يبين ترتيب الجزائر في مجال مؤش ارت مدركات الفساد 2016-2002أنظر ص.297
511
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
الفساد االقتصادي ،وأن أكثر اآلليات المستعملة في الفساد المالي تتم عبر مخالفة وعدم تطبيق
قانون الصفقات العمومية.1
تنتشر قضايا الفساد نتيجة وجود وفرة مالية وتوسع في اإلنفاق العام وأهم المجاالت التي يستشري
فيها هي الرشاوي المتحصل عليها في العقود الدولية في مجال التجهيز العمومي ،توزيع األراضي
والعقارات الصناعية والفالحية ،والقروض االستثمارية من طرف البنوك لمتعاملين خواص ،شهدت
البالد فضائح فساد أنسى المواطنين آخرها أولها بداية من قضية الخليفة إلى قضية سوناطراك،1
قضية سوناطراك ،2قضية سوناطراك ،3قضية الطريق السيار شرق غرب ،قضية تركيب السيارات
...الخ.2
من المعلوم أنه في الجزائر ال تعرض ميزانية الدولة جميع اإليرادات حيث تنقسم عائدات
جزين :أحدهما على أساس سعر مالي مرجعي تقديري كل سنة واآلخر يمثل السعر
جباية النفط إلى أ
الحقيقي أو السوقي ،والناتج عن الفرق بين السعر التقديري والسعر السوقي لبرميل النفط يمثل فوائض
القيمة الناتجة على الجباية النفطية يتم وضعة في صندوق ضبط اإليرادات.3
يرجع إنشاء الصندوق في الجزائر الرتباط الميزانية العامة للدولة بشكل مطلق على عائدات
الجباية من المحروقات وكذا تقلبات أسعارها في السوق العالمية ،األمر الذي يجعل الدولة ومشاريع
1
Zagainova Anastassiya. La corruption institutionnalisée : un nouveau concept issu de l'analyse du
monde émergent. Thèse de doctorat, préparée au sein de l'école doctorale "sciences économiques",
université de Grenoble. France 2012, p327.
في هذا اإلطار يرى وزير المالية األسبق عبد اللطيف بن أشنهو أن هنالك عمليات نهب تمت للعقار بأسعار رخيصة ووضع يد 2
على أموال عمومية من البنوك العمومية أوصلتها إلى حد اإلفالس ،لقد كون هؤالء الناهبون ثروات قبل أن يبدؤا اإلنتاج عبر
تضخيم الفواتير وتقديم رشا للكثير من المسؤولين ،...أنظر في هذاRachid Tlemcani, Etat, bazar et globalisation :
l’aventure de l’infitah en Algérie , op.cit., p 45
ظهر مفهوم الصناديق السيادية خالل خمسينات القرن الماضي من خالل إنشاء دولة الكويت ألول صندوق سيادي عربي سنة 3
1953وقبلها أنشأ صندوق أرخبيل كيريباتي سنة 1950ثم توالت عمليات تأسيس الصناديق بمختلف مصادر تمويلها من تجارية
بترولية وغيرها ،يعرفها البنك الدولي بأنها "عبارة عن صناديق استثمار ذات غرض خاص تملكها الحكومة العامة والتي يتم أنشاؤها
ألغراض اقتصادية كلية باألصول التي تتولى توظيفها أو إدارتها لتحقيق أهداف مالية مستخدمة في استراتيجيات استثمارية تتضمن
استثمار في األصول المالية األجنبية ،عوائد التخصيص ،فوائض المالية العامة وعوائد صادرات السلع ،وتطبق تلك الصناديق
استراتيجيات استثمار تشمل على استثمارات في أصول مالية أجنبية " أما صندوق النقد الدولي فيصنفها إلى ستة أصناف منها
صناديق استقرار عائدات التي تهدف باألساس لحماية المالية العامة واالقتصاديات الوطنية من تقلبات أسعار المواد األولية ،أنظر
في هذا :عادل بونحاس ،دور الصناديق السيادية في ضبط الميزانية العامة وتخفيض حجم الدين ،دراسة استشرافية لصندوق ضبط
اإليرادات الجزائري ،أطروحة دكتوراه في العلوم االقتصادية ،تخصص اقتصاديات المالية والبنوك ،جامعة أمحمد بوقرة –بومرداس
– ، 2018/2019ص .06
512
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
قوانين المالية والميزانية كلها رهن التقلبات ،وهو ما استدعى استحداث هذا الصندوق لتجنب مخاطر
التقلبات وسد عجز الميزانية ،1يعتبر الصندوق أداة للحماية واإلبقاء على توازن الميزانية ،وترشيد
استغالل مداخيل الثروة النفطية باعتبارها ثروة ناضبة وغير مستدامة ،وقد نجح الصندوق في تخفيض
المديونية العمومية الداخلية والخارجية ،لكنه ساهم في ارتفاع اإلنفاق العام بسب تنفيذ سياسة اإلنعاش
االقتصادي.2
تشير التقارير الدولية المتعلقة بتسيير الموارد الطبيعة إلى أن الجزائر من الدول ال
تتيح معلومات كافية لمواطنيها عن كيفية تسيير هذه الموارد ،3إضافة لضعف آلية عمل الصندوق
باعتباره يخضع لهيمنة السياسيين وليس العتبارات اقتصادية مما يقلل من فعاليته ،كما يعد ضعف
الرقابة والمساءلة من العوامل التي ال تسمح بتسيير أفضل للصندوق فبحكم اعتباره حسابا خاصا
من حسابات الخزينة العمومية ال يخضع لرقابة البرلمان ،ويؤثر غياب الشفافية واإلفصاح في دور
الفواعل غير الدوالتية في رقابة تسيير الصندوق.4
دور الدولة كفاعل في مجال الحكامة المالية يتطلب قيامها بدور الضبط والتنظيم والحد
من تدخلها في المجال االقتصادي بسب فشلها في تسيير المال العام طيلة عقود ،األمر الذي أثبتته
1تم إنشاء صندوق ضبط الموارد بموجب المادة 10من قانون المالية التكميلي لسنة 2000والتي تنص " يفتح في كتابات الخزينة
العمومية حساب تخصيص رقم 302-103بعنوان صندوق ضبط الموارد " القانون رقم 02-2000المؤرخ في 27جوان
2000المتضمن قانون المالية التكميلي لسنة ،2000ج ر ع ،37المؤرخة في 28جوان .2000وقد تناوله المشرع في القانون
العضوي 15/18في نص المادة 50منه التي تنص على " ...يمكن أن تفتح في كتابات الخزينة حساب تخصيص خاص من شأنه
إيواء قيم زائدة ناتجة عن مستوى إيرادات جباية المحروقات أعلى من تقديرات قانون المالية ،ويقتصر استعمال موارد هذا الحساب
في مئوية من الناتج الداخلي الخام الذ ي حدد معدله بموجب قانون المالية".
نبيل بوفليح ،طرشي محمد ،حوكمة الحسابات الخاصة للخزينة العمومية في الجزائر ،صندوق ضبط الموارد نموذجا" ،مداخلة 2
ضمن فعاليات الملتقى الوطني " إرساء مبادى الحوكمة في إدارة الميزانية العامة للدولة " ،جامعة البويرة 31-30 ،أكتوبر ،2012
ص .22
يقدم ميثاق الموارد الطبيعية خيارات من السياسة والنصائح العملية للحكومات والمجتمعات والمجتمع الدولي بشأن أفضل السبل 3
513
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
الوقائع واالنتقال من توزيع الريع إلى البحث عن الفعالية التي تأتي من خالل حكامة مالية وتسيير
متمحور حول النتائج يمر عبر إتاحة الفرصة لباقي الفواعل للمساهمة في خلق ديناميكية جديدة
لتسيير المالية العامة وتحقيق حكامة اإلنفاق العام.
ثانيا-القطاع الخاص كفاعل تابع ومنتفع في ظل الطابع الريعي
أسهمت التطورات التي عرفتها المجتمعات المعاصرة على تباين أنظمتها السياسية واتجاهاتها
الفكرية للوصول لقناعة مفادها ضرورة مشاركة الشعوب لما تتخذه من ق اررات تهم الشأن العام،
واعادة النظر في دور الدولة كصانع وحيد للسياسة العامة وممارس للسلطة السياسية ،عبر إتاحة
مشاركة أفضل للمواطن والمجتمع من جهة من أجل كسب الشرعية ،والسماح للقطاع الخاص
بممارسة دوره في التنمية من أجل تخفيف األعباء وتحقيق الفعالية في التسيير.
لقد أدت التطورات المتسارعة خالل نهاية القرن الماضي محليا ودوليا لتكثيف الجهود لتفعيل
دور القطاع الخاص وزيادة قدرته للمشاركة والمساهمة في التنمية وتجاوز األزمات التي عرفتها
المالية العامة والتسيير العمومي عموما بهدف تنويع مصادر الدخل وتوليد القيمة المضافة وتأمين
استقرار اإليرادات التي تشكل جباية المحروقات ثلثها منذ تسعينيات القرن الماضي ،في السياق
الجزائري يرتبط الحديث عن القطاع الخاص ودوره بطبيعة الدولة ونظامها السياسي ،فاهتمام الدولة
بهذا القطاع الحيوي لم يعرف بدايته إال بعد األزمة المالية الناجمة عن تدني أسعار المحروقات
وبداية اإلصالحات االقتصادية 1988تحت ضغوط األزمة االجتماعية والسياسية التي شهدتها
البالد ،والتحفظ إزاء االستثمارات األجنبية ،1وعليه فإن اللجوء للقطاع الخاص لم يكن في بدايته
خيار بل محاولة للقفز على األزمة متعددة األبعاد التي عرفتها الدولة الريعية نهاية ثمانينيات القرن
ا
الماضي ،ثم جاء كاستجابة أملتها المؤسسات المالية الدولية كشروط لمنح القروض ،ودعم
اإلصالحات التي شرعت فيها الجزائر بداية من.21988
تعتبر مساهمة القطاع الخاص في الجزائر كفاعل في المجال االقتصادي غير متناسبة مع
الدور المطلوب منه مقارنة بمعظم دول العالم التي يسهم فيها بحوالي %70إلى %85من إجمالي
1نص المادة 5من القانون 25/88المؤرخ في 12جويلية 1988المتعلق بتوجيه االستثمارات الخاصة الوطنية .ج ر ع 28
الصادرة بتاريخ 13جويلية .1988
2محمود شحماط ،مرجع سابق ،ص 174وما يليها.
514
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
الناتج المحلي في حين ال تتعدى مساهمته في تكوين القيمة المضافة في الجزائر ،1 % 50ترجع
أسباب ذلك العتبارات تتعلق بظروف والدته 2التي لم تكن ناتجة عن تمايز اجتماعي بل جاءت
لتدعم استقرار الدولة الريعية وتساهم في إعادة إنتاجها لحرية االستثمار الخاص بقيت مشروطة في
محاولة تحقيق معادلة صعبة تتمثل" في التوفيق بين توسيع القطاع العمومي والتحول نحو اقتصاد
السوق دون المساس بالعالقة العامة لوسائل اإلنتاج داخل المؤسسة العمومية المرتبطة بإيديولوجية
توزيع ريع البترول أساس "رأسمالية الدولة" ".3
في ظل االرتهان للنموذج القائم على توزيع الريع تحول القطاع الخاص من أحد فواعل
الحكامة المالية المطروح كبديل لفشل الحكومة -وعجزها عن القيام بوظائفها المعهودة من تنظيم
ورقابة وتحفيز وتميزه في المقابل بالمهارة اإلدارية ،والكفاءة اإلنتاجية والكفاء الديناميكية – إلى تابع
لها يتغذى على ميزانية الدولة من خالل الطلب العمومي عبر الصفقات العمومية ،والقيام باستثمارات
درسة للباحث
يأتي تمويلها حصريا من البنوك العمومية دون تقديم الضمانات الالزمة ،و تشير ا
األمريكي Bradford L.Dillmanحول القطاع الخاص في الجزائري " إن التراكم المالي الذي
يحققه القطاع الخاص يرتكز على تحويل الموارد من الدولة عن طريق النفقات العمومية ،والدعم
والزبائنية " ، 4وهو ما سمح ببروز قطاع خاص غير مستقل ولم يساهم في خلق الثروة ناتج عن
انفتاح وتحول نحو اقتصاد السوق بمبادرات ذاتية في بداية أزمة 1988وما تالها من إصالحات
سياسية واقتصادية ،ثم عبر إصالحات مشروطة فرضتها المؤسسات المالية الدولية على الجزائر
من خالل تحرير األسعار وتحرير التجارة الخارجية وخفض اإلنفاق العام والدعم االجتماعي
1موالي لخضر عبد الرزاق ،بونوة شعيب ،دور القطاع الخاص في التنمية االقتصادية بالدول النامية –دراسة حالة الجزائر – مجلة
الباحث ،الجزائر ،العدد ،2009/2010 ،09ص .148
يرى " جياللي يابس " أن القطاع الخاص في الجزائر ولد في جلباب الدولة االشتراكية المتبينة لالقتصاد الموجه ومتأثر بها وغير 2
قادر عن االستقالل عنها ،حيث يعمل في سياق حركة تدوير لرؤوس األموال المشبوهة التي تتقاطع فيها مع مصالح بعض الخواص
مع شبه االحتكاريين وأعوا ن القطاع العام واإلدارة المركزية أو المحلية في شبكات زبائنية تتغذى على ممارسات الفساد وبالتالي ال
تساهم في بناء قطاع خاص فعال يشارك في عملية تجاوز االقتصاد الريعي .أنظر في هذاRachid Tlemcani, Etat, bazar :
et globalisation l’aventure de l’infitah en Algérie ,op.cit., p43
محمود شحماط ،قانون الخوصصة في الجزائر ،مرجع سابق ص .03 3
يوسف حميطوش ،التحرك نحو الليبرالية السياسية في الجزائر ،مداخلة ضمن فعالية الملتقى الوطني حول التحوالت السياسية 4
واشكالية التنمية في الجزائر ،جامعة حسيبة بن بوعلي – الشلف 17-16 ،ديسمبر ،2008ص .12الدارسة بعنوان:
Bradford L.Dillman,The Private Sector in Algeria:The Politics of Rent Seeking and
.Failed,Boulder,Co:Westview Press,2000
515
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
وخصخصة القطاع العام بحثا عن تخفيف األعباء عن الميزانية العامة للدولة وتقليص دور الدولة
في الميدان االقتصادي والمالي.1
لم تنسحب الدولة من التدخل ولكنها غيرت من أدواتها للتحكم في المجال االقتصادي والمالي
عبر انفتاح انتقائي على القطاع الخاص ساهمت فيه باالستجابة للمطالب والشروط الخارجية ولكنها
في الواقع سمحت بصعود طبقة جديدة تخضع لمنطق الوالء والمصالح الزبائنية ،عبر استخدام أدوات
من خالل وضع العراقيل البيروقراطية المرهقة التي انتجتها ممارسات الدولة الريعية المغذية للفساد
المالي واإلداري ،2وكذا الضغط عبر التمويل بالقروض البنكية التي تعد أهم أدوات تمويل االستثمارات
والمشاريع الخاصة وتستغلها الدولة الريعية لفرض نوع من التمييز والتفضيل للمتعاملين دون آخرين
في ظل عدم وجود معايير تحدد شروط منحها و آجالها وضماناتها ،3منح الصفقات العمومية التي
تعد أهم آليات صرف المال العام حيث تم تمكين بعض المتعاملين من صفقات بصيغة بالتراضي
التي أصبحت قاعدة رغم كونها استثناء في قانون الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام،4
ورغم أهمية القانون في تكريس شفافية إجراءات إبرام الصفقات العمومية إال أنها في الوقت نفسه
تشكل مجاال خصبا النتشار الفساد ،حيث تعتبر صيغة التراضي أسلوبا غامضا واستثنائيا وخاصا
يوفر غطاء قانونيا لممارسة مشبوهة وتالعبات خفية.5
يكمن وجه االختالف بين التوجهين أن بداية اإلصالحات كانت بقوانين استقاللية المؤسسات التي صدرت بين 1988/01/12 1
إلى غاية 1993في محاولة من قبل السلطة العامة لتوجيه نظام الملكية العامة االقتصادية للدولة ،بينما قانون الخوصصة هو نقل
ملكية القطاع العام إلى القطاع الخاص نحو اقتصاد السوق وانسحاب الدولة من األنشطة التنافسية أنظر في هذا :محمد حشماط،
مرجع سابق ،ص 9وما يلياها.
2نشير هنا إلى نظام رخص االستيراد المستحدث في ديسمبر 2015لضبط مستوى االستيراد والحد من نزيف العملية الصعبة،
والي فشل في تحقيق الغاية من وجوده كما كانت سببا في التعجيل بإسقاط حكومة الوزير األول عبد المجيد تبون التي وعدت
بفصل المال الفاسد عن السياسية حيث جاء في مخطط عمل حكومة المعروض على البرلمان " وليكن واضحا أن الجزائر بلد
الحريات وستظل كذلك ،إذ أن من حق أي مواطن أن يخوض في األعمال أو في السياسية أو يمارس اإلثنين دون الجمع بينهما في
وقت واحد ،وسنفرق بين المال والسلطة وليسبح كل في فلك ه " لم تعمر الحكومة سوى ثالثة أشهر ،أنظر في هذا :الجريدة الرسمية
للمناقشات العامة ،الفترة التشريعية الثامنة دورة البرلمان ،2017-2016الجلسة العلنية المنعقدة يوم 20جوان ،2017ص.7
استفاد القطاع الخاص ما يقارب 11مليار دوالر بين 2011و 2016أنظر في هذا :بنك الجزائر .النشرة اإلحصائية الثالثية رقم 3
37مارس .2017
أتاح المشرع اللجوء لمنح المصلحة المتعاقدة إمكانية إجراء التراضي ولكنه قيده بمجموعة من الشروط والحدود القانونية مراعاة 4
لحماية مبدأ المنافسة في الصفقات العمومية عمال بنص المادة 05من المرسوم الرئاسي 274/15المؤرخ في 16سبتمبر 2015
المتضمن تنظيم الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام ،ج ر ع ،55الصادرة بتاريخ 20سبمتبر .2015
محمد بن محمد ،حليمي منال ،صفقات التراضي في الجزائر أسلوب خاص بضوابط قانونية غامضة ،دفاتر السياسة والقانون، 5
516
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
وعليه فالقطاع الخاص غير منتج وفعال يكتفي بالقيام بممارسات احتكاريات دون البحث عن
المساهمة الفعلية في اإلنتاج وخلق القيمة المضافة التي تساعد على تجاوز أزمة المالية العامة رغم
الدعم الذي توجهه الدولة له نظ ار لوجود العالقات الزبائنية التي تتوسع في ظل الدولة الريعية ،األمر
الذي يجعل منطق األداء والتسيير المتمحور حول النتائج الذي يصبو لتجسيده القانون العضوي
الجديد 15/18يواجه تحديات حقيقة ،بسب ضعف فواعل الحكامة المالية وهيمنة ثقافة الريع والبحث
عن الريع عليها وتحوله إلى عقد اجتماعي يحكم عالقات السلطة ،القطاع الخاص ،المجتمع المدني
(الدولة ،السوق ،المجتمع).
517
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
لسلطتها ونفوذها مما يجعلها ال تمسح بتدخل المجتمع المدني في أساليب وأوجه تسيير اإلنفاق العام
خاصة في ظل الضعف البنيوي والتنظيم للقوى االجتماعية.1
فالمجتمع المدني في الجزائر خالل الفترة الممتدة من االستقالل إلى نهاية الثمانينيات من
القرن الماضي كان موجودا في شكل منظمات جماهيرية تحت مظلة الحزب الواحد التي كانت وال
زالت تحاول احتكار الفضاء االجتماعي لصالح الدولة ومؤسساتها ،2وعرف ظهو ار مع بداية االنفتاح
السياسي سنة ،1989لكن العالقة بين الدولة والمجتمع بقيت تتسم باإلقصاء واالحتواء أكثر منها
عالقة تتسم بالتعايش والتفاعل زادت في تعميقها الوفرة المالية ،وارتفاع أسعار المحروقات خالل
الفترة 2002إلى غاية 2014التي ولدت مجتمعا مدنيا تابعا يبحث عن الريع أكثر من المساهمة
في صناعة القرار السياسي والمالي" وهو غير قادر على تعديل ميزان القوة الذي هو لصالح الدولة
لعدم تجذره ( أي المجتمع المدني ) بسب عوامل تاريخية ونشأة العديد من مؤسساته بدفع من الدولة
3
لغرض إجهاض ظهور مجتمع مدني حقيقي.
سعت الدولة لتجاوز أزمة المشروعية التي تعاني منها من خالل السماح بظهور مجتمع مدني
خاضع لرغبتها ومؤيد لمواقفها تتحكم فيها عبر آليات الدعم والرقابة المالية ،وهو ما جعله رهينا
بمنطقها ،دون أية فعالية وخاضعا لتأثيراتها بسب عدم استقالليته عنها من حيث التمويل ،4وهذه
1حيث أن نتائج التفاعل والحوار االجتماعي بين الدولة وممثلي المجتمع المدني والفاعلين االجتماعيين تخضع لمنطق ريعي يقدم
المزايا االجتماعية دون مراعاة للشروط االقتصادية للبالد ،وأحدث عج از في ميزانية الدولة الممولة أساسا من عائدات المحروقات.
أنظر في هذا :فضيلة عكاش ،الحوار االجتماعي في الجزائر ،دور الفاعلين االجتماعيين في وضع السياسة التنموية ،أطروحة
دكتوراه في العلوم السياسية والعالقات الدولية ،فرع التنظيم السياسية واإلداري ،2009/2010 ،ص ص .265 ،264
2يرى " صالح زياني" أن االختيارات االقتصادية أدت بالنخبة الحاكمة إلى االعتماد على فئة من التكنوقراطيين بهدف اإلشراف على
تطبيق مشروع التنمية الطموح الذي تبنته .إال أن المصالح النخبوية للفئات التكنوقراطية المتحالفة مع البيروقراطية أفضت إلى قلب
موازين االختيارات التنموية .فعوض أن يتم بناء دولة حديثة ومتقدمة تم تحقيق ما يسمى برأسمالية الدولة...التي أصبحت تتحكم في
الريع النفطي " أنظر في هذا :صالح زياني ،تطور العالقة بين الدولة والمجتمع –دراسة حالة الجزائر –1992-19962أطروحة
دكتوراه في العلوم السياسية ،جامعة الحاج لخضر–باتنة 2003 ،-ص.371
يوسف حميطوش ،إشكالية المجتمع المدني في الجزائر ،مجلة المفكر ،جامعة محمد خيضر –بسكرة ،العدد الثاني عشر ،2018، 3
ص .423
الدولة هي التي قامت بتشجيع المجتمع المدني على المبادرة ،وسهلت قانونيا وتنظيميا نشوء مؤسسات مدنية وقدمت لها والتزال 4
الدعم المالي والتنظيمي ليقوم بالدور المطلوب منها ،وهو ما يعني بوضوح أنها تستعمله كوسيلة لتحقيق أهدافها وتدعيم مواقفها التي
من بينها خيارتها المالية المتعلقة بق اررات اإلنفاق العام وفرض الضرائب .أنظر في هذا :ليندة لطا محرز ،المجتمع المدني في
518
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة المالية في الجزائر
إحدى خصائص الدولة الريعية التوزيعية المتسمة غالبا بانغالق نظمها السياسية وعدم إشراك
مواطنيها في العملية السياسية نظ ار لكونها ليست في تبعية للجباية العادية مستغنية عن مساهمة
المجتمع ،ويسمح لها ارتفاع الريع بشراء المعارضة ،وتكوين فئات اجتماعية زبائنية تدعم مواقفها
وتمنحها شرعية اجتماعية مقابل تمتعها بالمزايا السياسية واالجتماعية والمالية المعتبرة على حساب
خزينة الدولة.
الخروج من هذه الحالة يتعلق بمزيد من الشفافية في جمع الحكومات لعائداتها النفطية وتسيير
نفقاتها العامة ،فالمزيد من الشفافية يجعل الحكومات أكثر قابلية للخضوع للمساءلة من قبل مؤسسات
المجتمع المدني ويعزز رقابتها لمسار إنفاق المال العام ويقلص حجم انتشار الفساد ،يبقى تجسيد
متطلبات حكامة اإلنفاق العام في الجزائر وتبني التسيير المتمحور حول النتائج واألداء رهين بقيام
مجتمع مدني حقيقي يرتبط وجوده اليوم بإرادة سياسية لالنتقال إلى شرعية االقتراع العام ،ويمكن هنا
القول :إن الحكامة والريع ال يمتزجان بسهولة في السياق الجزائري ، 1حيث يشكل االعتماد على وفرة
عائدات المحروقات تحديا حقيقيا لتبني مبدأ التسيير المتمحور حول النتائج وتحقيق حكامة اإلنفاق
العام ألنه في ظل غياب ضغط الحاجة ال يشكل االهتمام بتجسيد الحكامة المالية أحد أولويات
الدولة.
الجزائر ،دراسة في األسس واألهداف ،أطروحة دكتوراه في العلوم السياسية والعالقات الدولية ،جامعة الجزائر ،2013/2012 ،03
ص .325
سنصل إلى نفس نتيجة األبحاث التي قام بها مايكل روس حول الديمقراطية والنفط خاصة في الدول العربية. 1
519
خالصة الباب الثاني
خالصة الباب الثاني
كشفت التحوالت التي عرفتها الجزائر نهايات ثمانينيات القرن الماضي عن وجود أزمة
حقيقية في مجال تسيير المالية العمومية واإلطار المنظم لها ،إذ لم يعرف استق ار ار إلطاره
القانوني بسب التعديالت المتتالية التي عرفها ،حيث أبان القانون اإلطار 17/84المتعلق
بقوانين المالية عن اختالالت عميقة ،وعدم قدرة على مواكبة التحوالت التي شهدها تسيير
المالية العامة ،وتتجلى في تقادم وتعقيد آليات التسيير المالي العمومي ،وهيمنة السلطة التنفيذية
على المجال المالي والميزاني في ظل رقابة متعددة غير فعالة ،و ضعف منهجية التسيير
المالي في ظل هيمنة منطق الوسائل ،وتنامي ظاهرة التسيير خارج الميزانية.
كل هذا حال دون تحقيق االستخدام األمثل لإلنفاق العام ،وجعل إصالح اإلطار
المنظم لقوانين المالية العامة ضرورة تفرضها الظروف الداخلية وتمليها مواكبة التطورات الدولية
في مجال تسيير المالية العامة.
يشكل التحول من ميزانية الوسائل إلى ميزانية البرامج التي تركز على النتائج واألداء
ثورة حقيقية في الممارسات اإلدارية التقليدية تتعلق بنقل مبادئ وتعاليم المناجمنت العمومي
الجديد إلى دواليب تسيير المالية العامة حيث التركيز على الفعالية والنتائج ،واألداء يمثل
أولوية بدال من االنتظام والمطابقة والشرعية واإلجراءات.
يواجه مش روع تحديث أنظمة الميزانية في الجزائر كما تم تصوره والسعي لتنفيذه منذ
2001مقاومة في ظل تجذر الممارسات السابقة .سواء فيما يتعلق بإعطاء حرية أكبر المسيرين
تمكنهم من نقل االعتمادات أو إعادة تأطير الرقابة السابقة (رقابة االنتظام) أو الدور المفترض
أن يحتله البرلمان في تقييم ورقابة السياسات العامة (رقابة التسيير ،رقابة األداء ،تقييم
السياسات العامة) .فإن مسار إصالح تسيير المالية العامة يسير بوتيرة ال تتوافق مع سرعة
التفاعالت الدولية في المجال المالي مقارنة بعولمة القيم المراد تبنيها ونقلها من التسيير
العمومي الجديد.
تعتبر الجزائر من الدول التي انخرطت في سياق إصالح تسيير المالية العامة ألسباب
فرضتها عوامل داخلية وأملتها معطيات دولية ،شكل فيها تخفيض اإلنفاق العام -مطلبا
للمؤسسات المالية الدولية -وترشيده ضرورة تقتضيها الحكامة المالية العامة ،وعكس مسار
اإلصالح نجاحا جزئيا وتقدما بطيئا يترجمه ترتيبها من المتدني إلى الضعيف في ُسلم مؤشرات
ومعايير الحكامة المالية الدولية.
520
خالصة الباب الثاني
تأتي معارضة التحول نحو تبني مفهوم الحكامة المالية من السلطة السياسية نفسها
صاحبة المبادرة باقتراح مشروع القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية ،على اعتبار أن تبني
نهج األداء والنتائج سيكون له تأثير مباشر على بنية النظام السياسي (توزيع االختصاص
المالي) وشرعيته ،ثم على خياراته المتعلقة باإلنفاق العام وتحصيل الضرائب.
يأتي تبني القانون العضوي 15/18المتعلق بقوانين المالية ليحل إشكالية عدم التطابق
مع أحكام الدستور ،وليشكل خطوة مهمة نحو تجسيد الحكامة المالية العامة ،فهو مؤسَّس على
مبدأ الميزنة وليس على طبيعة النفقات العامة ،وموجه بمؤشرات نحو تحقيق النتائج انطالقا
من أهداف محددة ،ويهدف إلصالح إطار التسيير العمومي وتوجيهه نحو النتائج باإلضافة
إلى الفعالية وتعزيز الشفافية الميزانياتية.
يهدف القانون العضوي للمالية إلى إعادة تشكيل عملية صنع القرار المالي من أجل
تحسين إطار تسيير المالية العامة ،وتحقيق فعاليتها والتحكم في اإلنفاق العام ولمواكبة التحوالت
العالمية في هذا المجال ،حيث ُيؤسس إطار تسيير المالية العامة على مبدأ التسيير المتمحور
حول النتائج انطالقا من أهداف واضحة ومحددة وفقا لغايات المصلحة العامة مع ضرورة
خضوعها للتقييم.
يقدم القانون العضوي 15/18مقاربة جديدة مبنية على مقترب اقتصادي لتحديد
السياسات العامة وتقييم فعاليتها لتعزيز دور قانون المالية كأداة أساسية لتنزيل السياسات العامة
وتقوية االنسجام بين االستراتيجيات القطاعية مع الحرص على التوازن المالي للدولة ،حيث
يقوم القانون العض ـ ـ ـ ـ ــوي 15 /18على إعادة هيكلة الميزانية من خالل إعادة النظر في تنظيم
مدونة الميزانية التي ستبنى بموجبه على أساس مفهوم البرنامج كوحدة جديدة لتخصيص وتنفيذ
االعتمادات المالية ،واعتماد مقاربة متعددة السنوات لنفقات وايرادات الدولة واطار إنفاق متوسط
المدى ،واصالح متمركز حول حرية أكبر للمسيرين وتفعيل رقابة األداء يمنح مزيدا من حرية
التصرف للمسريين ويربط المسؤولية بالمحاسبة وتقييم النتائج ،كما سيسمح بتحسين مضمون
وتقديم مشاريع قوانين المالية لتعزيز دور البرلمان في مناقشة قانون المالية
يمثل تجسيد مقتضيات القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية 15/18تحديا حقيقيا
لجميع الفاعلين في المجال المالي العمومي ،ألن الجميع سيواجهون ثقافة أخرى لتسيير المالية
العامة تقوم على مبدأ التسيير المتمحور حول النتائج تأتي من رحم المقاربة المناجيريالية
المتشبعة بالقيم النيوليبرالية ،األمر الذي يصطدم بالطابع الريعي للدولة واالقتصاد والقطاع
521
خالصة الباب الثاني
الخاص والمجتمع المدني ،وهو التحدي الحقيقي الذي يواجهه االنتقال للتسيير المتمحور حول
النتائج ،وهو ما يجعل عملية اإلصالح واالنتقال محفوفة بمخاطر الوفرة المالية أكثر من غيرها
من العوامل المؤثرة في تبني مقاربة الحكامة المالية العامة من منظور المؤسسات المالية
الدولية.
يستمر العمل بمقاربة تقليدية لتسيير اإلنفاق العام تهتم باإلجراءات الشكلية ،ورقابة
المطابقة التي أبان استفحال الفساد بانتهاكها ،وشكلت سنة 2019عنوانا لفضائح فساد مست
جهاز الدولة اإلداري في كل مستوياته ،ويعكس هذا بوضوح أن تسيير المال العام يرتبط بوجود
النصوص الجيدة المواكبة للتطورات المجتمعية والسياقات الدولية واآلليات الفعالة ،ولكن يتعلق
أ ساسا بالعنصر البشري تكوينه كفاءته ونزاهته ،فخلف العلم والمعرفة يبقى سؤال الضمير
وتخليق الحياة العامة جوهر القضية.
522
خ ـ ـ ــاتمـ ــة
خــــــــــاتمـــــة
خاتمــــــــــــة:
تناولت الدراسة موضوع الحكامة المالية وترشيد اإلنفاق العام انطالقا من د ارس ــة تحليلية
أخذت بعين االعتبار الجانب النظري المتعلق بدارسة أهم المقاربات التحليلية الخاص ــة بدارسة
الحكامة ،وطرحت مختلف اآلليات والعمليات المش ّكلة لإلطار المعياري للمفهوم ،الذي يعتبر
الديمقراطية وحقوق اإلنسان شروطا أولية لتحقيق التنمية ،كما يطرح آليات وأساليب جديدة
لتسيير القطاع العام وفق منطق مستوحى من القطاع الخاص ،ونجد جذوره في المناجمنت
العمومي الجديد.
تدعم المؤسسات المالية الدولية هذا التوجه كنموذج لتسيير المالية العامة تحت مسمى
"الحكامة المالية الجيدة" ،ويهدف أساسا للتحكم في اإلنفاق العام ،ويشكل إصالحا لتسيير
المالية العامة من خالل إصالح اإلطار القانوني المسير للقانون المالي والميزاني جوهر التسيير
العمومي ومدخال حديثا إلصالح الدولة.
تعتبر الحكامة المالية العامة وفق منظور المؤسسات المالية الدولية نهجا تشاركيا لتسيير
المالية العامة ،وتتفاعل في مجاله الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص والمؤسسات المالية
الدولية عبر آليات ومعايير األداء ،الشفافية ،والمشاركة ،والمساءلة ،تقوم على االنتقال من
مقاربة قانونية لتسيير الشأن العام إلى مقاربة تسييرّية مناجيريالية تستهدف تحقيق النتائج
وفعالية اإلنفاق العام.
المتبنية لمعايير الحكامة المالية العامة إلى
ّ أشارت تجارب إصالح تسيير المالية العامة
وجود تفاوت في درجات نجاح الدول في استيعاب هذه المعايير داخل األنظمة المالية العامة
الوطنية ،بالنظر لحمولته الفكرية المستمدة من النظرية النيوليبرالية التي تقف وراء محاوالت
تعميم المفهوم في إطار الشراكة بين الدول والمنظمات الدولية أو عبر شروط مساعدات التنمية
بالن سبة لدول العام الثالث ،وهوما يجعل التحكم في اإلنفاق العام مطلبا للجميع تختلف وسائل
تحقيقيه وغاياته بين:
-دور المسيرين المتنامي في ظل عولمة نموذج المناجمنت العمومي الجديد ،وتراجع دور
السياسيين والمنتخبين في ظل أزمة الشرعية التي تعرفها الديمقراطية التمثيلية.
524
خــــــــــاتمـــــة
-دور المؤسسات المالية الدولية المهيمن من خالل المشروطية السياسية واالقتصادية ،وتراجع
دور الدولة في ظل تنامي دور الفواعل غير َّ
الدوالتية وتأثير مؤسسات العولمة على سيادة
قرارها المالي.
النتائج:
-الحكامة مفهوم:
-1غامض يحمل معاني متعددة ويستخدم في حقول معرفية ومجاالت مختلفة وفضاءات
متنوعة كمفهوم تحليلي في إطار البحث العلمي ،ومفهوم معياري لتحقيق غايات سياسية،
ويجد أصوله في إدارة األعمال والشركات ،وفي التعبير عن أزمة القابلية للحكم في المجتمعات
الغربية مع بداية طرح أزمة دولة الرفاهية ،لتتم إعادة بعثه عبر المؤسسات المالية الدولية
ووكاالت التنمية كمدخل لتحقيق التنمية ،ويعبر عن رؤية لدور الدولة ،السوق ،المجتمع،
والعالقات بينها.
-2يشير إلى األشكال ،واإلجراءات ،والعمليات ،والفاعلين الذين ال تحكمهم السلطة الهرمية
ويتفاعلون في نطاق الشبكات وفق تنسيق أفقي للتنظيم الذاتي تتم مالحظته في السوق
والمجتمع،
وفق مستويات متعددة محليا جهويا ودوليا ،ويقوم على إلغاء التمييز بين العام والخاص ،أين
نجد الفاعلين هم أصحاب المصلحة.
-3يقوم على منطق يندرج تحت خوصصة وترشيد تسيير الشأن العمومي وفقا آلليات وتعاليم
المناجمنت العمومي الجديد الذي يركز على الفعالية التقنية والنتائج الفعلية وليس الكفاءة
الديمقراطية والشرعية القانونية ،وتشكل الرهانات القطاعية والتقنية أولوية ويلعب الخبراء دو ار
مركزيا فيها ،وال ترتبط بالخيارات السياسية الرئيسية للمجتمع.
-4يعكس تصو ار بمرجعية فكرية نيوليبرالية لتسيير شؤون الدولة واالقتصاد والمجتمع في
السياق األنجلوساكسوني بعد أزمة دولة الرفاه ،تتبناه المؤسسات المالية الدولية تحت مسمى
"الحكامة الجيدة" ،وفرضته كنموذج إلصالح الدول النامية والفقيرة في سياق المشروطية
االقتصادية والسياسية.
525
خــــــــــاتمـــــة
المالية العامة:
-ال يمكن عزل المالية العامة وجعلها محايدة بعيدة عن التأثير والتأثر بسياقها التاريخي
االجتماعي والسياسي ،فالتوجه المطالب بحيادها سابقا هو من يستعملها الحقا بقوة كأداة لتوجيه
االقتصاد ،األمر الذي يؤكد دورها الفعال في تكريس الواقع النيوليبرالي واستخدامها من قبل
وصفات المؤسسات المالية الدولية لدمج األنظمة المالية العامة في الدول النامية والفقيرة في
هذا التيار الشامل لتوحيد أنظمة تسيير المالية العامة.
الحكامة المالية العامة:
-1الحكامة المالية الجيدة هي إحدى وصفات المؤسسات المالية الدولية لتجاوز أزمات تسيير
المالية العامة القائمة على التسيير باألداء الموجه بالنتائج والمطروح كنموذج إلصالح تسيير
أنظمة المالية العامة وتوحيد معاييرها بهدف التحكم في اإلنفاق العام.
-2تقوم منظومة الحكامة المالية العامة على مقاربة تشاركية لتسيير المالية العامة تتفاعل
فيها الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني ،فيتراوح دور الدولة بين التدخل والتراجع بين
الحياد والتوجيه والضبط إلى المطالبة بالفعالية ،بينما يتنامى دور القطاع الخاص والمجتمع
المدني في صناعة القرار المالي ،وتطالب المؤسسات المالية الدولية بتقليص تدخل الدولة في
االقتصاد وتسيير الشأن العام ،ونجد الواقع في الدول النامية والفقيرة يحتاج دور الدولة الفعال
على عكس الدول الصناعية التي وصلت مؤسساتها لحالة من االستقرار والتقاليد المؤسساتية.
-3أثبتت تجارب إصالح تسيير المالية العامة وتسيير اإلنفاق العام على وجه الخصوص في
الدول المتقدمة أن تطبيق معايير الحكامة المالية وفق منظور المؤسسات المالية الدولية ساهم
في التحكم باإلنفاق العام وتحقيق فعالية التسيير المالي العمومي ،في حين أثبتت تجارب
اإلصالح التي أشرفت على تنفيذها المؤسسات المالية خاصة البنك الدولي وصندوق النقد
الدولي في سياق فرض الحكامة المالية الجيدة على دول العالم الثالث محدودية نتائجها ،ألنها
فشلت في تحقيق أهدافها مثل فشل برامج اإلصالح الهيكلي قبلها ،وأدت في المقابل إلى
إضعاف الدولة وزيادة التشكيك في مشروعيتها بسب فقدانها ألهم أدواتها تأثي ار وهي المالية
العامة واإلنفاق العام.
إن تطبيق معايير الحكامة المالية العامة يغير هيكل بنية وطريقة إعداد الميزانية من مقاربة
ّ -4
قائمة على الوسائل إلى مقاربة قائمة على النتائج .من خالل اعتماد مجموعة من اآلليات
التقنية الصارمة والتركيز على حرية المسيرين وربطها بالمساءلة .واستعمال مؤشرات للقياس
526
خــــــــــاتمـــــة
وأدوات للتدقيق تسمح بالتقييم .وتعزز دور البرلمان والمجتمع المدني في مجال الميزاني
والمالي.
-5يوجد اختالف بين المؤسسات والباحثين في تشخيص معايير ومؤشرات الحكامة المالية
وترتيبها بحسب اختالف أولوياتهم وغاياتهم من استخدامها ،ولكن نجد شبه إجماع على أهمية
الشفافية ،المشاركة ،والمساءلة بالنظر للعالقة الترابطية التي تجعل تحقيق واحدة منها رهين
بتجسيد األخرى.
-6تساهم معايير الحكامة المالية العامة في تحقيق حكامة اإلنفاق العام ،لكن هذا يرتبط
بسياق كل دولة وظروفها االقتصادية والسياسية واالجتماعية والثقافية ،فالتطبيق الفعلي لمبادئ
َّ
المكيف مع السياق والواقع االجتماعي للدول سيكون عامال من الحكامة المالية العامة الجديدة
عوامل كفاءة التسيير العمومي ،فعبر إصالح القانون المالي تتم إعادة تشكيل وصياغة عالقة
الدولة السوق والمجتمع ،وال يتعلق اإلصالح بمجرد إصالحات تقنية للقانون المالي والميزاني
إنما يتعلق األمر بوالدة عقد اجتماعي جديد ،فخلف التقنيات والمؤشرات تكمن ثقافة ومرجعية
فكرية وتوجه إيديولوجي.
-7تعني مقاربة الحكامة المالية العامة وفق تصور المؤسسات المالية للدول النامية في سياق
المشروطية تخفيض اإلنفاق العام واعادة توجيهه ،وتقليص تدخل الدولة في المجال االقتصادي،
وهو ما ألحق ضر ار بالغا بفئات اجتماعية واسعة تعيش على دعم الدولة.
-8عكست تجربة إصالح تسيير المالية العامة وتبني مفهوم الحكامة المالية في فرنسا من
خالل تبني القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية LOLFسنة 2001ثورة حقيقة في مجال
تسيير المالي العمومي ورافعة إلصالح الدولة ،م ّكن من التحكم في اإلنفاق العام ،لكنه في
المقابل طرح إشكالية تراجع دور السياسيين والمنتخبين لصالح المسيرين وحول القانون المالي
العام إلى أداة في خدمة الفعالية التسييرية.
حكامة الميزانية العامة للدولة:
-تعتبر مركزة عملية الميزانية من جهة وتفعيل دور البرلمان جدلية شغلت اهتمام رجال
السياسة واالقتصاد القانونين والمسيرين ،وركزت دارسات حول االقتصاد السياسي للمالية العامة
األبحاث حولها ،وللتوفيق بين االتجاهين ظهر مفهوم حكامة الميزانية العامة كمنظور لتسيير
مالي تشاركي يقوم على دور فعال للبرلمان والمجتمع المدني مع ربطها بمؤشرات لقياس األداء
وشفافية تتيح مساءلة فعالة للقائمين على تسيير المال العام.
527
خــــــــــاتمـــــة
528
خــــــــــاتمـــــة
-2يستند تسيير المالية العامة منذ عام 1984إلى القانون رقم 17-84الصادر في 07
جويلية 1984والذي جعلته التطورات االقتصادية والسياسية واالجتماعية والرهانات الدولية
المرتبطة بإصالح المالية العامة والتحكم في اإلنفاق العام متجاو از تقادمت أحكامه حيث يشكل
أصل الميزانيـ ـ ــة القائمة على الوسائل المتميزة بضعف منهجية تسييرها ،وتعد سلطات البرلمان
فيها محدودة مقارنة بما خوله المؤسس الدستوري للسلطة التنفيذية من صالحيات واسعة تفرغ
الرخصة البرلمانية من محتواها .يعود ضعف األداء البرلماني عموما وفي المجال المالي
خصوصا لعدة اعتبارات تتعلق بشرعيته ،وكذا عدم قدرته على التعامل مع الوثائق المرفقة
بمشروع قانون المالية بالنظر لطابعه التقني المعقد ،وعدم وجود عالقة بمجلس المحاسبة كهيئة
مساعدة تتمتع بكفاءة في المجالين المالي والرقابي خصوصا لتتيح تجاوز هذا االعتبار التقني.
-3يشكل التحول من ميزانية الوسائل إلى ميزانية البرامج التي تركز على النتائج واألداء ثورة
حقيقية في الممارسات اإلدارية التقليدية تتعلق بنقل مبادئ وتعاليم المناجمنت العمومي الجديد
إلى دواليب تسيير المالية العامة ليتم التركيز على الفعالية والنتائج ،واألداء يمثل أولوية بدال
من االنتظام والمطابقة والشرعية واإلجراءات .يواجه مشروع تحديث أنظمة الميزانية في الجزائر
كما تم تصوره والسعي لتنفيذه منذ 2001مقاومة في ظل تجذر الممارسات السابقة .سواء فيما
يتعلق بإعطاء حرية أكبر المسيرين تمكنهم من نقل االعتمادات أو إعادة تأطير الرقابة السابقة
(رقابة االنتظام) أو الدور المفترض أن يحتله البرلمان في تقييم ورقابة السياسات العامة (رقابة
فإن مسار إصالح تسيير المالية العامة يسير التسيير ،رقابة األداء ،تقييم السياسات العامة)ّ .
بوتيرة ال تتوافق مع سرعة التفاعالت الدولية في المجال المالي مقارنة بعولمة القيم المراد تبنيها
ونقلها من التسيير العمومي الجديد.
-4تعتبر الجزائر من الدول التي انخرطت في سياق إصالح تسيير المالية العامة ألسباب
فرضتها عوامل داخلية وأملتها معطيات دولية ،شكل فيها تخفيض اإلنفاق العام -مطلبا
للمؤسسات المالية الدولية -وترشيده ضرورة تقتضيها الحكامة المالية العامة ،وهدفت عملية
تحديث أنظمة الميزانية في الجزائر بداية من سنة 2011إلى االنتقال من ميزانية قائمة على
الوسائل لميزانية موجهة بالنتائج ،وعرفت نجاحا جزئيا وتقدما بطيئا يترجمه ترتيبها من المتدني
إلى الضعيف في سلّم مؤشرات ومعايير الحكامة المالية الدولية ،إذ بعد مضي 18عاما من
بداية مشروع تحديث أنظمة الميزانية في الجزائر يتحول اإلصالح إلى مجرد تحديث لإلطار
القانوني للتسيير المالي والميزانياتي لتلبية الضغوطات والمطالب الدولية القوية المتزايدة من
529
خــــــــــاتمـــــة
خالل تكييف وثائق الميزانية وتصنيفها مع التوجهات الدولية الجديدة على وجه الخصوص،
عبر إثراء المعلومات المقدمة للبرلمان في محاولة لتعزيز شفافية تسيير المالية العامة ،وبالتالي
تم تقليص هذا المشروع إلى مجرد استجابة لضغط العامل الخارجي بتوفير كم من المعلومات
التي تنتجها أجهزة اإلعالم اآللي ،ويتم التحكم فيها مركزيا وتبقي هيمنة واضحة للسلطة التنفيذية
في نظام تسيير المالية العامة ،تعكس هذه الوضعية اختصا ار لروح اإلصالح في الجانب التقني
غير المتحكم فيه من باقي الفاعلين في عملية صناعة القرار المالي ،وهو ما الحظه البنك
الدولي في برنامج اإلنفاق العام والمساءلة المالية.
-5تشير تقارير االمتثال للمعايير ومدونات قواعد السلوك RONC.إجماال لوجود عدد من
النقائص القانونية واإلجرائية للتشريع المالي الجزائري ،ويفتقد للشفافية في تسيير المالية العامة
بسب عدم توفر المعلومات لدى الفاعلين فيه خاصة دور البرلمان المحدود في المجال المالي
والميزاني ،كما كشف برنامج اإلنفاق العام والمساءلة المالية PEFAعن وجود اختالالت
وقصور في مجال شفافية المالية العامة والقدرة على التنبؤ والرقابة على تنفيذ الميزانية ،ووجه
انتقادات بسب عدم مطابقة قوانين مجلس المحاسبة لمعايير اإلنتوساي ،ولكن أيضا لعدم نشره
تقارير التدقيق (المراجعة) وتقرير النشاط السنوي الخاص به حتى وان كان القانون ينص على
ذلك.
-6تأتي معارضة التحول نحو تبني مفهوم الحكامة المالية من السلطة السياسية نفسها صاحبة
المبادرة باقتراح مشروع القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية الذي عكس بطء اعتماده
ترددها؛ عرض مشروع القانون أكثر من مرة ثم سحب لغياب اإلرادة السياسية التي تسرع عملية
اعتماده عند تراجع أسعار البترول ،وتعيده إلى أدارج اإلدارة البيروقراطية كلما ارتفعت أسعاره
بداعي عدم توفر الشروط التقنية العتماده ،وقد تمت المصادقة عليه بعد مرور 17عاما من
بداية مسار اإلصالح المالي والميزانياتي ،يعكس هذا خيار السلطة السياسية وتناقضاتها على
تبني نهج األداء والنتائج سيكون له تأثير مباشر على بنية النظام السياسي( توزيع
أن ّاعتبار ّ
االختصاص المالي) وشرعيته ثم على خياراته المتعلقة باإلنفاق العام وتحصيل الضرائب .
-7مشاركة البرلمان والمجتمع المدني في تجسيد الحكامة المالية العامة في الجزائر كفاعلين
في المجال المالي تبقى رهينة بإرادة السلطة السياسية ،بالنظر لكونها تقوم على مبدأ االستقاللية
التي تسهم طبيعة النظام السياسي وتفاعالته في جعلها شكلية إضافة لطغيان المصالح الخاصة
والزبونية على سلوكات ممثليها.
530
خــــــــــاتمـــــة
-8يشكل تبني القانون العضوي 15/18المتعلق بقوانين المالية خطوة مهمة نحو تجسيد
الحكامة المالية العامة ،فهو مؤسَّس على مبدأ الميزنة وليس على طبيعة النفقات العامة،
وموجه بمؤشرات نحو تحقيق النتائج انطالقا من أهداف محددة ،ويهدف إلصالح إطار التسيير
العمومي وتوجيهه نحو النتائج باإلضافة إلى الفعالية وتعزيز الشفافية الميزانياتية.
-9تجسد فكرة المبادرة بمشروع القانون العضوي للمالية وتقديمها من قبل السلطة التنفيذية
ممثلة في و ازرة المالية المهيمنة على المجال المالي عكس القانون العضوي المتعلق بقوانين
المالية الفرنسي الذي جاء نتيجة لمبادرة برلمانية ومشاركة واسعة ،وحقق إجماعا واسعا بين
السلطتين التنفيذية والتشريعية والطبقة السياسية حكومة ومعارضة ،وعليه تعكس المبادرة
استم ار ار لنهج ال يتوافق مع ما يصبو المشرع لتجسيده من مقاربة تشاركية لصناعة القرار
المالي.
-10يأتي القانون العضوي 15/18ليحل إشكالية عدم التطابق مع أحكام الدستور فبعد مرور
اثنين وعشرين عاما صدر هذا القانون العضوي المنصوص عليه في دستور 1996كإطار
لتنظيم المجال المالي والميزاني ،واالرتقاء به لمصاف القوانين العضوية يعكس اهتمام المؤسس
الدستوري بالمجال المالي لكن إدراجه في الترتيب األخير للمادة 123للتعديل الدستوري 2016
أن ترتيب الميادين يجسد أولويات المؤسس
يوحي بأنه االهتمام األخير له ،ومن المعلوم ّ
الدستوري.
-11يهدف القانون العضوي للمالية إلى إعادة تشكيل عملية صنع القرار المالي من أجل
تحسين إطار تسيير المالية العامة ،وتحقيق فعاليتها والتحكم في اإلنفاق العام ولمواكبة التحوالت
العالمية في هذا المجال ،أصبحت الدول والحكومات تعمل على اتباع أساليب تسيير ميزانياتها
وفقا للقواعد المطبقة في القطاع الخاص من خالل االعتماد على مؤشرات النتائج كأساس
لتحديد اإليرادات والنفقات .تم تـأسيس إطار تسيير المالية العامة على مبدأ التسيير المتمحور
حول النتائج انطالقا من أهداف واضحة ومحددة وفقا لغايات المصلحة العامة مع ضرورة
خضوعها للتقييم.
-12يهدف القانون العضوي 15/18لربط النفقة العامة بتحقيق النتائج من خالل توجيه
النفقات العامة نحو منطق النتائج عوض منطق الوسائل المطبق في القانون 17/84بهدف
تقوية فعالية وأداء السياسيات العامة وتحسين جودة المرافق العامة التي تقوم على تقديم
الخدمات للمواطنين.
531
خــــــــــاتمـــــة
-13يقدم القانون العضوي 15/18مقاربة جديدة مبنية على مقترب اقتصادي لتحديد
السياسات العامة وتقييم فعاليتها لتعزيز دور قانون المالية كأداة أساسية لتنزيل السياسات العامة
وتقوية االنسجام بين االستراتيجيات القطاعية مع الحرص على التوازن المالي للدولة ،ويقوم
القانون العض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوي 15 /18على محاور رئيسة هي:
-إعادة هيكلة الميزانية من خالل إعادة النظر في تنظيم مدونة الميزانية التي ستبنى بموجبه
على أساس مفهوم البرنامج كوحدة جديدة لتخصيص وتنفيذ االعتمادات المالية.
-اعتماد مقاربة متعددة السنوات لنفقات وايرادات الدولة في سياق متصل باستعمال البرنامج
كوحدة أساسية لتخصيص االعتمادات المالية ويعد البعد متعدد السنوات ضروري ليس من
زاوية اعتباره رؤية للمدى المتوسط ولكن من ناحية اتخاذ القرار على أساس إسقاط يتجاوز
السنة ،واعتماده كأداة لتعزيز كفاءة اإلنفاق العام وفعاليته وضمان تحقيق رؤية جيدة لتسيير
المالية العامة.
-إصالح متمركز حول حرية أكبر للمسيرين وتفعيل رقابة األداء يمنح مزيدا من حرية
التصرف للمسريين ويربط المسؤولية بالمحاسبة وتقييم النتائج ،لتسمح حركة االعتمادات وفقا
إلجراءات محددة بتنفيذ عمليات نقل وتحويل االعتمادات بطريقة ال تتعارض مع األهداف
المعلنة على مستوى البرامج لمساس جوهري بالغاية من استحداثها.
-تحسين مضمون وتقديم مشاريع قوانين المالية لتعزيز دور البرلمان في مناقشة قانون المالية،
وذلك من خالل الرفع من جودة وموثوقية المعلومات المقدمة إلى البرلمان من طرف الحكومة
وتعديل الجدول الزمني إلعداد قوانين المالية ومراجعة طريقة التصويت على نفقات قانون
المالية ،يأتي هذا في سياق التحول المنشود لتبني التسيير المتمحور حول النتائج واالنتقال من
ميزانية الوسائل.
-14تجسيد مقتضيات القانون العضوي15/18في الواقع يمر عبر مرحلة انتقالية بدأت منذ
سنة 2001وتستمر إلى غاية ،2022ليتطلب نجاح عملية االنتقال إلى ميزانية قائمة على
إصالحات موازية في القطاع المالي ،المحاسبي ،اإلداري ،في هذا السياق تظهر النتائج
أن عملية االنتقال تسير ببطء شديد يعكس توترات اإلرادة السياسية.
النتائج المحققة ّ
-15يمثل تجسيد مقتضيات القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية 15/18تحديا حقيقيا
لصناع القرار السياسي أوال ثم للموظفين ثانيا ،ولباقي الفاعلين في المجال المالي العمومي
ألن الجميع سيواجهون ثقافة أخرى لتسيير المالية العامة تحمل مضامين ،ومفاهيم ،وقيم
ثالثاّ ،
532
خــــــــــاتمـــــة
جديدة ،تتعلق بالتكييف مع قواعد وأحكام جديدة للتسيير المالي العمومي ستؤدي إلى تصور
جديد للسلطة السياسية تقدمه المؤسسات المالية بكونه "حكامة مالية عامة جديدة" تفرض على
صناع القرار السياسي -أي :الدولة ومؤسساتها -الدخول في نهج تشاركي مفتوح وسلطة معززة
للمسيرين المسؤولين عن تسيير البرامج المحكوم بمؤشرات األداء والخاضع للتقييم ،فالقانون
يهدف لتحقيق تسيير فعال للمال العام وتأسيس إطار للمالية العامة يقوم على مبدأ التسيير
المتمحور حول النتائج يأتي من رحم المقاربة المناجيريالية المتشبعة بالقيم النيوليبرالية القائمة
على تقليص دور الدولة وتعزيز دور القطاع الخاص ،لكنه يصطدم في السياق الجزائري
بالطابع الريعي للدولة واالقتصاد والقطاع الخاص والمجتمع المدني وهو التحدي الحقيقي الذي
يواجهه االنتقال للتسيير المتمحور حول النتائج.
أن
-16تفترض الحكامة المالية العامة وجود مقاربة تشاركية لصناعة القرار المالي غير ّ
الواقع يعكس استمرار هيمنة السلطة التنفيذية التي تستأثر باالختصاص المالي المعزز بقاعدة
دستورية تمنع الزيادة في النفقات وتخضعها لشروط صعبة التحقق والتي كرسها القانون العضوي
بـ 15/18باشتراطه إحالة كل مبادرة تكتسي طابعا ماليا مهما كان تأثيرها على الوزير المكلف
بالمالية وموافقة الوزير األول ،كما يشكل غياب البعد االستراتيجي (الرؤية االستراتيجية) في
تصميمه قصو ار واضحا ،وهو ما جاء في تقرير البنك الدولي حول مسار إصالح تسيير
المالية العامة في تقريره "برنامج اإلنفاق العام والمساءلة المالية "PEFAبكون العقبة الرئيسية
التي تؤخر تنفيذ ميزانية البرنامج تكمن في عدم وجود رؤية متماسكة لإلصالح يتم تصميمها
في إطار خطة استراتيجية لإلصالحات المالية العامة.
-17يمر تجسيد إصالح تسيير المالية العامة وتحقيق حكامة اإلنفاق العام برهان إصالح
الدولة ،العمل الذي يبدأ انطالقا من التأكيد على الشرعية في بناء عقد اجتماعي جديد يالئم
بين المقتضيات الدستورية والقانونية النابعة من ثوابت األمة الجزائرية واالستفادة من التجارب
أن
الرائدة في مجال تسيير المالية العامة وتكييفها مع السياق ،فقد كشفت التحوالت عبر العالم ّ
عملية االستنساخ تؤدي إلى والدة أنظمة مالية عامة مشوهة ،وهياكل وأنظمة معلوماتية بال
روح تجد مقاومة داخلية من الجهاز البيروقراطي الذي يرفض اإلصالح حفاظا على امتيازاته
وهو ما أشار إليه تقرير البنك الدولي بشأن معارضة الوالة لسلطة المسيرين للبرنامج التي تحد
من سلطتهم في مجال اإلنفاق العام.
533
خــــــــــاتمـــــة
-18ترشيد اإلنفاق العام في الجزائر يبقى مطلبا تمليه حالة المالية العامة الرهينة بتقلبات
سعر البترول ،ليتم الحديث عنه بسب تراجع األسعار في السوق الدولية ،ويختفي كلما عرفت
األسعار ارتفاعا ،ما يعني غياب رؤية استراتيجية حقيقية لتسيير المالية العامة بوجه عام،
ويصطدم نهج التسيير المتمحور حول النتائج بالطابع الريعي للدولة واالقتصاد وتأثيره على
باقي الفواعل من قطاع خاص ومجتمع مدني ،األمر الذي يجعل عملية اإلصالح واالنتقال
محفوفة بمخاطر الوفرة المالية أكثر من غيرها من العوامل المؤثرة في تبني مقاربة الحكامة
المالية العامة من منظور المؤسسات المالية الدولية.
-19يستمر العمل بمقاربة تقليدية لتسيير اإلنفاق العام تهتم باإلجراءات الشكلية ورقابة
المطابقة ،التي أبان استفحال الفساد بانتهاكها ،وشكلت سنة 2019عنوانا لفضائح الفساد
أن تسيير المال العام يرتبط
مست جهاز الدولة اإلداري في كل مستوياته ،ويعكس هذا بوضوح ّ
بوجود النصوص الجيدة المواكبة للتطورات المجتمعية والسياقات الدولية واآلليات الفعالة ،ولكن
يتعلق أساسا بالعنصر البشري تكوينه كفاءته ونزاهته ،فخلف العلم والمعرفة يبقى سؤال الضمير
وتخليق الحياة العامة جوهر القضية.
االقتراحات:
ألن الخالفات حول المفهوم على مستوى
-1ضرورة تفسير مفهوم الحكامة بشكل أكثر دقة ّ
المجتمع العلمي واللغوي ،وحتى على مستوى الحقل المعرفي الواحد تسهم في زيادة غموضه
عبر تبني مقاربة متعددة األبعاد متكيفة مع السياق المحلي وخصوصياته.
-2بالنظر للترابط بين معايير الحكامة وتكاملها يجب التعامل معها على مستوى النشاط
الحكومي للدولة بداللة عالقة هذه األبعاد ،فاالعتماد على واحد منها دون اآلخر ال يساهم في
تحقيق أهدافه الرئيسة.
-3العمل على تطوير التشريعات القانونية بما يتالءم والتطورات الحاصلة في المجال المعرفي
التقني ،ليكون هنال ك تحسين مستمر يراعي التطورات المتسارعة ،ويحافظ على مقتضيات
األمن القانوني ،فضمان استقرار القواعد ال يتعلق بجمودها وتطبيق حرفية نصوصها بل بقدرتها
على تحقيق أهداف المصلحة العامة وتجسيد روح النص وفلسفته.
-4إن إمكانية حل أزمة المالية العامة والتسيير المالي العمومي في الجزائر يتوقف على وجود
رؤية شاملة للبعد االقتصادي واالجتماعي والسياسي للمجتمع ،ويرتبط جوهر الحل وتصحيح
534
خــــــــــاتمـــــة
االختالالت المالية االقتصادية الداخلية بقطع روابط التبعية للريع من جهة وللمؤسسات المالية
الدولية وتوجيهاته القائمة على رهن القرار المالي للدول ومصائر للشعوب من جهة ثانية.
-5تنمية ثقافة المساءلة وتطوير القضاء المالي واإلداري والدستوري في مجال المالية العامة
عبر االستفادة من تجارب الدول الرائدة في المجال وتكييفها مع السياق بمعنى امتالك المعرفة
وتوظيفها في خدمة الرهانات الحقيقة وليس استيراد التقنيات ،فتراكمها ال يصنع إصالحا.
-6تفعيل دور البرلمان من خالل منح صالحيات أوسع للجنة المالية ،وتعزيز مساهمة
المقيم والمجتمع المدني
المجتمع المدني من خالل نشر وثائق الميزانية ،بما يجسد دور البرلمان ً
الشريك الفعال في صناعة القرار المالي ورقابته ،واعطاء المكانة الحقيقة لمجلس المحاسبة
كأداة للتحليل والتقييم والرقابة الفعالة لتسيير المال العام.
-7من الناحية البيداغوجية رد االعتبار لتدريس المالية العامة وباقي المواد والتخصصات
المرتبطة بها من حكامة شاملة وتسيير عمومي عبر إصالح برامجها ،اعتبا ار لدورها المعرفي
واإلنساني في تجسيد ثقافة المساءلة المالية والشفافية والحكامة في أوساط الطلبة بصفتهم قادة
التغيير في المستقبل.
-آفاق الدراسة:
من بين المواضيع التي تشكل امتدادا للدراسة:
535
مـ ــالحـ ـ ــق
مــــالحــــق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جدول انعكاس أسعار النفط على النفقات واإليرادات العامة في الجزائر خالل الفترة
2019/2009
أسعار النفط رصيد الموازنة العامة اإليرادات العامة النفقات العامة السنة
(دوالر أمريكي) (مليار دج) (مليار دج) (مليار دج)
المصدر :باالعتماد على قوانين المالية وتقارير بنك الجزائر من السنة 2009الى غاية سنة
2019
نسبة تغطية الجباية البترولية للنفقات اإليرادات البترولية النفقات العامة السنة
العامة% (مليار دج) (مليار دج)
45,38 1927 4246.3 2009
33,62 1501.7 4466.9 2010
26,13 1529.4 5853.6 2011
21,52 1519.04 7058.2 2012
26,82 1615.9 6024.1 2013
22,55 1577.7 6995.8 2014
34,97 1722.9 4926.3 2015
23,06 1682.5 7297.5 2016
29.21 2126.9 7282.6 2017
30,41 2349.7 7726.3 2018
/ 2019
المصدر :باالعتماد على قوانين المالية وتقارير بنك الجزائر من السنة 2009الى غاية سنة
2019
537
مــــالحــــق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر :باالعتماد على التقارير السنوية لبنك الجزائر وبيانات البنك الدولي ،معطيات مديرية
االستشراف بوزارة المالية خالل الفترة الممتدة من سنة 2009إلى غاية .2019
538
مــــالحــــق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
539
مــــالحــــق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
540
مــــالحــــق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
541
مــــالحــــق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يحسب القيمة من 1الى 1 ،7تعني بلد شديد اإلسراف والهدر للمال العام7 ،
تعني بلد يتمتع بكفاءة عالية في توفير السلع الخدمات الالزمة
542
مــــالحــــق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المؤشرات الفرعية للحكامة في الجزائر بالمصدر باالعتماد على بيانات البنك الدولي
2008 2007 2006 2005 2004 2003 2002 2000 1998 1996
الترتيب تقدير جودة تقدير جودة تقدير جودة تقدير جودة تقدير جودة تقدير جودة تقدير جودة تقدير جودة تقدير جودة تقدير جودة
الترتيب المئوي الترتيب المئوي الترتيب المئوي الترتيب المئوي الترتيب المئوي الترتيب المئوي الترتيب المئوي الترتيب المئوي الترتيب المئوي
الحكامة -+2,5المئوي للدول
للدول 0-100
الحكامة -+2,5
للدول 0-100
الحكامة -+2,5
للدول 0-100
الحكامة -+2,5
للدول 0-100
الحكامة -+2,5
للدول 0-100
الحكامة -+2,5
للدول 0-100
الحكامة -+2,5
للدول 0-100
الحكامة -+2,5
للدول 0-100
الحكامة -+2,5
للدول 0-100
الحكامة -+2,5 المؤشرات الفرعية للحكامة
100-0 -2,5 -2,5 -2,5 -2,5 -2,5 -2,5 -2,5 -2,5 -2,5 -2,5
20.67 0.98- 20.19 0.98- 22.60 0.92- 25.48 0.72- 23.56 0.80- 18.91 1.08- 18.91 1.04- 14.43 1.11- 12.44 1.24- 14.50 1.17- مؤشر المشاركة والمساءلة
14.90 1.09- 14.01 1.15- 15.46 1.13- 20.39 0.92- 10.68 1.63- 5.53 1.75- 6.88 1.63- 10.05 1.43- 4.79 1.88- 5.32 1.78- مؤشر االستقرار السياسي
31.07 0.63- 32.52 0.57- 38.05 0.47- 39.22 0.47- 34.48 0.57- 31.12 0.61- 31.12 0.60- 14.87 0.96- 19.96 0.83- 13.11 1.9- مؤشر فعالية الحكومة
21.36 0.79 27.18 0.62- 29.41 0.57- 42.65 0.38- 30.05- 0.54- 32.14 0.52 29.59 0.58- 37.95 0.71- 22.80 0.74- 20.11 مؤشر جودة التشريعات وتطبيقها 0.91-
25.84 0.74- 24.88 0.77- 27.75 0.71- 28.23 0.75- 33.49 0.62- 31.68 0.59- 33.17 0.63- 11.88 1.21- 12.50 1.16- 12.56 1.21- مؤشر سيادة القانون
33.01 0.59- 34.47 0.56- 36.59 0.52- 40.00 0.48 27.80 0.68- 28.7- 0.69- 23.23 0.88- 18.78 0.94- 22.16 0.82- 33.33 0.57- مؤشر ضبط الفساد
2018 2017 2016 2015 2014 2013 2012 2011 2010 2009
الترتيب تقدير جودة تقدير جودة تقدير جودة تقدير جودة تقدير جودة تقدير جودة تقدير جودة تقدير جودة تقدير جودة تقدير جودة المؤشرات الفرعية للحكامة
الترتيب المئوي الترتيب المئوي الترتيب المئوي الترتيب المئوي الترتيب المئوي الترتيب المئوي الترتيب المئوي الترتيب المئوي الترتيب المئوي
المئوي للدول الحكامة للدول 0-100 الحكامة للدول 0-100 الحكامة للدول 0-100 الحكامة للدول 0-100 الحكامة للدول 0-100 الحكامة للدول 0-100 الحكامة للدول 0-100 الحكامة للدول 0-100 الحكامة للدول 0-100 الحكامة
100-0
-2,5-+2,5 -2,5-+2,5 -2,5-+2,5 -2,5-+2,5 -2,5-+2,5 -2,5-+2,5 -2,5-+2,5 -2,5-+2,5 -2,5-+2,5 -2,5-+2,5
21.67 0.98- 23.15 0.90- 23.65 0.86- 24.63 0.85- 25.12 0.82- 23.94 0.89- 22.54 0.91. 20.19 1.00- 18.48 1.02- 17.54 1.04- مؤشر المشاركة والمساءلة
18/.57 0.79- 16.19 0.92- 12.38 1.10- 11.90 1.09- 9.52 1.19- 12.80 1.20- 9.48 1.33- 10.43 1.36- 11.85 1.26- 13.27 1.20- مؤشر االستقرار السياسي
37.02 0.44- 30.77 0.59- 35.58 0.53- 35.58 0.50- 35.10 0.48- 35.07 0.53- 35.07 0.53- 36.02 0.56- 38.76 0.48- 35.41 0.58- مؤشر فعالية الحكومة
8.17 1.26 10.58 1.20- 10.10 1.17- 10.58 1.17- 8.17 1.28- 11.85 1.17- 9.00 1.28- 9.95 1.19- 9.57 1.17- 12.92 مؤشر جودة التشريعات وتطبيقها 1.07-
22.12 0.78- 19.23 0.86- 18.75 0.86- 19.23 0.86- 24.04 0.77- 30.99 0.69- 26.76 0.77- 24.41 0.81- 26.54 0.78- 23.22 0.79- مؤشر سيادة القانون
28.37 0.60- 30.29 0.60- 27.88 0.68- 29.81 0.65 32.21 0.60 39.34 0.47- 37.44 0.50- 35.07 0.54- 36.67 0.52- 33.49 0.58- مؤشر ضبط الفساد
المؤشرات الفرعية للحكامة في المغرب المصدر باالعتماد على بيانات البنك الدولي
2008 2007 2006 2005 2004 2003 2002 2000 1998 1996
الترتيب تقدير جودة الترتيب تقدير جودة الترتيب تقدير جودة الترتيب تقدير جودة الترتيب تقدير جودة الترتيب تقدير جودة الترتيب تقدير جودة الترتيب تقدير جودة الترتيب تقدير جودة الترتيب تقدير جودة
الحكامة -+2,5المئوي للدول الحكامة -+2,5المئوي للدول الحكامة -+2,5المئوي للدول الحكامة -+2,5المئوي للدول الحكامة -+2,5المئوي للدول الحكامة -+2,5المئوي للدول الحكامة -+2,5المئوي للدول الحكامة -+2,5المئوي للدول الحكامة -+2,5المئوي للدول الحكامة -+2,5المئوي للدول المؤشرات الفرعية للحكامة
100-0 -2,5 100-0 -2,5 100-0 -2,5 100-0 -2,5 100-0 -2,5 100-0 -2,5 100-0 -2,5 100-0 -2,5 100-0 -2,5 100-0 -2,5
25.96 -0.76 27.88 -0.71 28.85 -0.71 26.44 -0.69 33.65 -0.51 26.87 -0.75 34.83 -0.47 34.33 -0.45 42.79 -0.24 36.5 -0.42 مؤشر المشاركة والمساءلة
25.96 -0.57 27.54 -0.5 30.92 -0.46 29.13 -0.56 35.44 -0.31 32.16 -0.41 37.04 -0.26 41.8 -0.07 57.45 0.31 39.89 -0.21 مؤشر االستقرار السياسي
48.54 -0.18 50.97 -0.17 51.22 -0.16 46.57 -0.28 53.2 -0.13 53.06 -0.14 51.02 -0.15 54.36 -0.07 58.03 0 55.19 -0.1 مؤشر فعالية الحكومة
49.03 -0.19 49.03 -0.22 49.51 -0.18 40.2 -0.41 46.8 -0.25 45.41 -0.27 49.49 -0.14 52.31 -0.03 52.85 -0.02 51.63 مؤشر جودة التشريعات وتطبيقها -0.1
46.63 -0.3 46.41 -0.3 46.41 -0.29 45.93 -0.16 51.2 -0.03 50.5 -0.08 52.97 -0.02 54.95 0.13 60.5 0.23 59.3 0.22 مؤشر سيادة القانون
41.75 -0.38 44.66 -0.34 39.51 -0.41 47.32 -0.31 52.68 -0.14 47.98 -0.26 50.51 -0.19 54.31 -0.11 60.82 0.11 53.23 -0.11 مؤشر ضبط الفساد
2018 2017 2016 2015 2014 2013 2012 2011 2010 2009
تقدير تقدير تقدير تقدير تقدير تقدير تقدير تقدير تقدير تقدير
جودة جودة جودة جودة جودة جودة جودة جودة جودة جودة المؤشرات الفرعية للحكامة
الترتيب الترتيب الترتيب الترتيب الترتيب الترتيب الترتيب الترتيب الترتيب الترتيب
المئوي للدول الحكامة المئوي للدول الحكامة المئوي للدول الحكامة المئوي للدول الحكامة المئوي للدول الحكامة المئوي للدول الحكامة المئوي للدول الحكامة المئوي للدول الحكامة المئوي للدول الحكامة المئوي للدول الحكامة
100-0
-+2,5 100-0
-+2,5 100-0
-+2,5 100-0
-+2,5 100-0
-+2,5 100-0
-+2,5 100-0
-+2,5 100-0
-+2,5 100-0
-+2,5 100-0
-+2,5
-2,5 -2,5 -2,5 -2,5 -2,5 -2,5 -2,5 -2,5 -2,5 -2,5
29.56 -0.66 28.57 -0.67 29.56 -0.63 28.57 -0.63 27.59 -0.69 27.23 -0.7 29.11 -0.61 27.7 -0.71 28.91 -0.7 27.96 -0.75 مؤشر المشاركة والمساءلة
33.81 -0.33 30.95 -0.37 34.29 -0.31 33.81 -0.34 29.52 -0.45 28.91 -0.49 32.7 -0.47 33.65 -0.39 32.7 -0.38 31.28 -0.4 مؤشر االستقرار السياسي
46.63 -0.21 45.19 -0.19 49.52 -0.11 50.96 -0.06 50.48 -0.07 54.03 -0.04 52.61 -0.06 48.82 -0.15 50.24 -0.1 50.72 -0.14 مؤشر فعالية الحكومة
42.79 -0.24 44.71 -0.23 45.19 -0.23 49.04 -0.17 49.52 -0.13 48.34 -0.12 50.24 -0.08 50.24 -0.12 50.72 -0.08 51.67 مؤشر جودة التشريعات وتطبيقها -0.06
49.52 -0.14 48.56 -0.16 48.56 -0.16 54.81 -0.09 54.33 -0.07 46.95 -0.25 48.83 -0.21 48.83 -0.23 50.24 -0.17 48.34 -0.21 مؤشر سيادة القانون
47.6 -0.22 52.4 -0.14 53.85 -0.13 52.4 -0.22 50 -0.27 44.08 -0.37 39.81 -0.44 42.18 -0.4 52.86 -0.2 45.45 -0.33 مؤشر ضبط الفساد
543
مــــالحــــق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2008 2007 2006 2005 2004 2003 2002 2000 1998 1996
تقدير جودة تقدير جودة تقدير جودة تقدير جودة تقدير جودة تقدير جودة تقدير جودة تقدير جودة تقدير جودة تقدير جودة
الترتيب المئوي الترتيب المئوي الترتيب المئوي الترتيب المئوي الترتيب المئوي الترتيب المئوي الترتيب المئوي الترتيب المئوي الترتيب المئوي الترتيب المئوي
للدول 0-100
الحكامة -+2,5
للدول 0-100
الحكامة -+2,5
للدول 0-100
الحكامة -+2,5
للدول 0-100
الحكامة -+2,5
للدول 0-100
الحكامة -+2,5
للدول 0-100
الحكامة -+2,5
للدول 0-100
الحكامة -+2,5
للدول 0-100
الحكامة -+2,5
للدول 0-100
الحكامة -+2,5
للدول 0-100
الحكامة -+2,5 المؤشرات الفرعية للحكامة
-2,5 -2,5 -2,5 -2,5 -2,5 -2,5 -2,5 -2,5 -2,5 -2,5
91.35 1.3 91.35 1.26 91.83 1.3 92.79 1.48 91.83 1.46 85.07 1.12 85.57 1.15 86.07 1.18 86.07 1.17 89 1.31 مؤشر المشاركة والمساءلة
64.9 0.55 64.73 0.56 64.25 0.6 57.77 0.4 56.8 0.35 50.25 0.18 79.89 0.93 74.07 0.79 69.68 0.7 76.6 0.89 مؤشر االستقرار السياسي
91.75 1.58 89.32 1.47 92.2 1.63 92.16 1.67 92.61 1.78 91.84 1.71 89.29 1.6 90.77 1.71 89.12 1.51 85.79 1.25 مؤشر فعالية الحكومة
87.38 1.28 86.89 1.29 86.76 1.24 86.27 1.25 85.71 1.23 86.22 1.25 80.61 1.02 80.51 0.96 78.76 0.87 81.52 مؤشر جودة التشريعات وتطبيقها 1.05
90.87 1.51 90.43 1.47 90.43 1.47 90.43 1.42 91.87 1.44 89.6 1.37 85.64 1.24 91.09 1.46 91 1.4 91.96 1.48 مؤشر سيادة القانون
91.26 1.41 91.75 1.46 91.71 1.46 89.76 1.37 88.29 1.33 86.36 1.35 84.85 1.23 89.34 1.37 90.21 1.39 84.95 1.25 مؤشر ضبط الفساد
2018 2017 2016 2015 2014 2013 2012 2011 2010 2009
تقدير جودة تقدير جودة تقدير جودة تقدير جودة تقدير جودة تقدير جودة تقدير جودة تقدير جودة تقدير جودة تقدير جودة المؤشرات الفرعية للحكامة
الترتيب المئوي الترتيب المئوي الترتيب المئوي الترتيب المئوي الترتيب المئوي الترتيب المئوي الترتيب المئوي الترتيب المئوي الترتيب المئوي الترتيب المئوي
للدول 0-100 الحكامة للدول 0-100 الحكامة للدول 0-100 الحكامة للدول 0-100 الحكامة للدول 0-100 الحكامة للدول 0-100 الحكامة للدول 0-100 الحكامة للدول 0-100 الحكامة للدول 0-100 الحكامة للدول 0-100 الحكامة
-2,5-+2,5 -2,5-+2,5 -2,5-+2,5 -2,5-+2,5 -2,5-+2,5 -2,5-+2,5 -2,5-+2,5 -2,5-+2,5 -2,5-+2,5 -2,5-+2,5
88.18 1.18 85.71 1.15 85.22 1.14 89.66 1.21 89.66 1.22 89.67 1.22 89.67 1.24 88.73 1.17 90.05 1.2 90.52 1.24 مؤشر المشاركة والمساءلة
51.9 0.11 55.71 0.28 43.33 -0.1 51.43 0.11 58.1 0.3 62.09 0.45 63.51 0.55 65.4 0.6 68.72 0.68 63.51 0.51 مؤشر االستقرار السياسي
91.83 1.48 87.98 1.35 90.38 1.41 88.46 1.44 88.94 1.4 89.1 1.48 87.68 1.34 87.68 1.36 89 1.43 89 1.48 مؤشر فعالية الحكومة
83.65 1.17 83.65 1.16 83.17 1.07 83.65 1.13 81.73 1.08 85.31 1.16 83.41 1.13 84.83 1.16 86.6 1.31 85.65 مؤشر جودة التشريعات وتطبيقها 1.22
88.94 1.44 89.42 1.44 88.94 1.41 88.46 1.41 88.46 1.47 89.2 1.43 90.14 1.45 90.14 1.45 90.52 1.52 90.05 1.45 مؤشر سيادة القانون
87.98 1.32 87.5 1.26 90.38 1.4 88.94 1.31 88.94 1.31 88.15 1.33 90.05 1.46 90.52 1.53 89.52 1.47 90.43 1.44 مؤشر ضبط الفساد
544
المـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصادر
والم ـ ـ ـ ـ ـ ـراجـ ـع
قائمة المصادر والمراجع
القرآن الكريم
قائمة المصادر المراجع
أوال :قائمة المصادر بالعربية
-1القرارات
-1األمم المتحدة ،مفوضية حقوق االنسان ،لجنة حقوق االنسان ،قرار رقم ،64/2000الصادر
في 26أفريل لسنة ،2000جلسة رقم .66
-2األمم المتحدة ،إعالن األمم المتحدة بشأن االلفية ،قرار رقم ،02/55الدورة الخامسة
والخمسون ،الصادر بتاريخ ،2000/09/08رقم الوثيقة A/RES/55/2
األمم المتحدة ،لجنة حقوق االنسان ،الدورة السادسة والخمسون ،القرار .2000/64 -3
-4األمم المتحدة ،مؤتمر القمة العالمي لسنة ،2005القرار رقم ،1/60الدورة الستون ،الصادر
في ،2005/10/24ص ،05رقم الوثيقة ./A/RES/60
-5األمم المتحدة ،مؤتمر القمة العالمي لسنة ،2005القرار رقم ،1/60الدورة الستون ،الصادر
في ،2005/10/24ص ،05رقم الوثيقة ./A/RES/60
-6األمم المتحدة ،مؤتمر القمة العالمي لسنة ،2005القرار رقم ،1/60الدورة الستون ،الصادر
في ،2005/10/24ص ،05رقم الوثيقة ./A/RES/60
-7األمم المتحدة ،مؤتمر القمة العالمي لسنة ،2005القرار رقم ،1/60الدورة الستون ،الصادر
في ،2005/10/24رقم الوثيقة . /A/RES/60
-8األمم المتحدة ،اتفاقية مكافحة الفساد ،قرار الجمعية العامة رقم 04-58المؤرخ في
،2003/10/31الدورة الثامنة والخمسون ،وثيقة رقم.A/RES/58/4
-9األمم المتحدة ،تعزيز الشفافية والمشاركة والمساءلة في السياسات المالية العامة ،رقم 218/67
الصادر بتاريخ ،2012/12/21الدورة السابعة والستون ،رقم الوثيقة .A/RES/67/218
-2النصوص القانونية:
الجزائر:
أ -الدساتير:
546
قائمة المصادر والمراجع
- 4دستور الجمهورية الجزائرية ،الصادر بتاريخ 28نوفمبر 1996المعدل بتاريخ 10أفريل
2002بموجب القانون ،03/02والمعدل بتاريخ 15نوفمبر 2008بموجب القانون ،19/08
المعدل بتاريخ 06مارس 2016بموجب القانون .01/16ج ر ع 14لسنة .2016
ب -القوانين
- 1القانون رقم 17/84المؤرخ في 7جويلية 1984يتعلق بقوانين المالية ،ج رع ،28المؤرخة
في 1984/07/10المعدل والمتمم.
2القانون 25/88المؤرخ في 12جويلية 1988المتعلق بتوجيه االستثمارات الخاصة الوطنية.
ج ر ع 28الصادرة بتاريخ 13جويلية 1988
3القانون 01-88المؤرخ في 12جانفي 1988يتضمن القانون التوجيهي للمؤسسات العمومية
االقتصادية ،ج ر رقم ،02الصادرة بتاريخ 13جانفي .1988
- 4القانون 32/90المؤرخ في 4ديسمبر 1990المتعلق بمجلس المحاسبة ،ج ر عدد 53
المؤرخة في 05ديسمبر 1990
- 5القانون رقم 21/90المتعلق بالمحاسبة العمومية والمرسوم التنفيذي رقم 313/91المؤرخ
في 1991/09/07المحدد إلجراءات المحاسبة التي يمسكها اآلمرون بالصرف والمحاسبون
العموميون وكيفياتها ومحتواها.
6القانون رقم 10/90المؤرخ في 14أفريل 1990يتعلق بالنقد والقرض ،ج ر ع 16المؤرخة
في 18أفريل .1990
7القانون 32/90المؤرخ في 4ديسمبر 1990المتعلق بمجلس المحاسبة ،ج ر ع ،53
المؤرخة في 05ديسمبر .1990
8القانون رقم 21/91المؤرخ في 4ديسمبر 1991المتعلق باألنشطة والبحث واالستغالل مع
الشريك األجنبي ،ج ر ع ،63المؤرخة في 07ديسمبر .1991
9القانون رقم 02/2000المؤرخ في 27جوان 2000المتضمن قانون المالية التكميلي لسنة
،2000ج ر ع ،37المؤرخة في 28جوان .2000
10القانون 02-99المؤرخ في 8مارس سنة 1999المحدد لتنظيم المجلس الشعبي الوطني
ومجلس األمة وعملهما وكذا العالقات الوظيفية بينهما وبين الحكومة .ج ر ع ، 15الصادرة
بتاريخ 09مارس .1999
11القانون 22/03المؤرخ في .28/12/2003يتضمن قانون المالية لسنة ،2004ج ر ع
،83المؤرخة في 29ديسمبر .2003
547
قائمة المصادر والمراجع
- 1األمر رقم 654/ 68المؤرخ في 30ديسمبر 1968المتضمن قانون المالية لسنة ،1969
ج ر ع 106،الصادرة بتاريخ .1968/12/31
2األمر رقم 06/95المؤرخ في 1995/01/25المتعلق بالمنافسة ،ج ر ع ،09المؤرخة في
.1995/02/22والمعدل والمتمم باألمر رقم 03/03المؤرخ في 2003/07/19المتعلق
بالمنافسة ،ج ر ع ،43المؤرخة في .2003/07/20
- 3األمر 20-95المؤرخ في 17جويلية 1995المتعلق بمجلس المحاسبة ،ج ر ع 39
المؤرخة في 23جويلية 1995المعدل والمتمم في بموجب األمر رقم 02-10المؤرخ 26
أوت ،2010ج ر ع ،50الصادرة بتاريخ 1سبتمبر .2010
- 4األمر 20/95المؤرخ في 17جويلية 1995المتعلق بمجلس المحاسبة ،ج ر ع ،39
الصادرة بتاريخ 23جويلية .1995
5األمر 22/95المؤرخ في 1995/08/26يتعلق بخوصصة المؤسسات العمومية ،ج ر ع
،48الصادرة بتاريخ .1995/09/03
- 6األمر 25-95المؤرخ في 25سبتمبر 1995يتعلق بتسيير رؤوس األموال التجارية التابعة
للدولة ،ج ر ع ،55الصادرة ،بتاريخ 1995-09-27
- 7األمر 12/97المؤرخ في 1997/03/19يعدل ويتمم األمر رقم 22/95والمتعلق
بخوصصة المؤسسات العمومية ،ج ر ع ،15الصادرة بتاريخ .1997/03/19
548
قائمة المصادر والمراجع
- 1المرسوم الرئاسي رقم 225/93المؤرخ في 5أكتوبر 1993المتضمن إنشاء مجلس وطني اقتصادي
واجتماعي ،ج ر ع ،46الصادرة بتاريخ .1993/10/10
- 2المرسوم الرئاسي رقم 140-01المؤرخ في 2001/06/06المتضمن على اتفاق
القرض الموقع 2001/04/18بين الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية والبنك الدولي
لإلنشاء والتعمير لتمويل مشروع عصرنة المنظومات الخاصة بالميزانية ،ج رع.31 ،
- 3المرسوم الرئاسي رقم 128/04المؤرخ في 2004/04/19المتضمن المصادقة على
اتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الفساد المعتمدة من قبل الجمعية العامة لألمم المتحدة بتاريخ
2003/10/31والتي دخلت حيز التنفيذ في 2004/12/04الصادر ،ج رع ،26الصادرة
بتاريخ -2004/04/16
549
قائمة المصادر والمراجع
550
قائمة المصادر والمراجع
-1رأي رقم /02ر.ق.ع/م .د 18/المؤرخ في 2اوت 2018المتعلق بمراقبة مطابقة القانون
العضوي المتعلق بقوانين المالية للدستور ،ج ر ع ،53الصادرة بتاريخ 2سبتمبر .2018
حـ -المداوالت:
-1الجريدة الرسمية لمداوالت المجلس الشعبي الوطني ،الفترة التشريعية الرابعة ،العدد ،162
الصادرة بتاريخ 14أكتوبر .1999
-2الجريدة الرسمية لمداوالت المجلس الشعبي الوطني ،الفترة التشريعية السابعة ،الدورة العادية
الثانية ،العدد ،83/2الصادرة ب تاريخ 26ديسمبر ،2013ص .06
-3الجريدة الرسمية للمناقشات العامة ،الفترة التشريعية الثامنة دورة البرلمان ،2017-2016
الجلسة العلنية المنعقدة يوم 20جوان .2017
- المغرب:
551
قائمة المصادر والمراجع
552
قائمة المصادر والمراجع
.9األمم المتحدة ،اليونيسكو ،مكتب التخطيط االستراتيجي ،البرمجة والميزنة واإلدارة والرصد
واعداد التقارير وفقاً للنهج القائم على النتائج المطبق في اليونسكو ،المبادئ التوجيهية،
سبتمبر .2017
األمم المتحدة ،لجنة حقوق اإلنسان ،الدورة السادسة والخمسون ،القرار .10
.2000/64
األمم المتحدة ،مؤتمر األمم المتحدة حول التجارة والتنمية ،تسوية النزاعات ،منظمة .11
التجارة العالمية ،نيويورك وجنيف.2003 ،
األمم المتحدة ،مؤتمر األمم المتحدة حول التجارة والتنمية ،تسوية النزاعات، .12
منظمة التجارة العالمية ،نيويورك وجنيف.2003 ،
البرنامج اإلنمائي لألمم المتحدة ،الصندوق العربي لإلنماء االقتصادي .13
واالجتماعي ،تقرير التنمية اإلنسانية العربية " 2002خلق فرص لألجيال القادمة "،
البرنامج اإلنمائي لألمم المتحدة ،الصندوق العربي لإلنماء االقتصادي .14
واالجتماعي ،تقرير التنمية اإلنسانية العربية للعام :2002خلف فرص لألجيال القادمة،
ايقونات للخدمات المطبعية ،عمان.2002 ،
البرنامج اإلنمائي لألمم المتحدة ،الصندوق العربي لإلنماء االقتصادي واالجتماعي .15
تقرير التنمية اإلنسانية العربية للعام :2002خلف فرص لألجيال القادمة ،ايقونات
للخدمات المطبعية ،عمان.2002 ،
البرنامج اإلنمائي لألمم المتحدة ،الصندوق العربي لإلنماء االقتصادي .16
واالجتماعي تقرير التنمية االنسانية العربية للعام :2002خلف فرص لألجيال القادمة،
ايقونات للخدمات المطبعية ،عمان.2002 ،
تقرير التنمية اإلنسانية العربية للعام :2002خلف فرص لألجيال القادمة ،ايقونات .17
للخدمات المطبعية ،عمان.2002 ،
وثيقة الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا (نيباد) ،أبوجا ،أكتوبر .2001 .18
البرنامج اإلنمائي لألمم المتحدة ،تقرير التنمية اإلنسانية العربية للعام ،2003 .19
أهداف التنمية لأللفية :تعاهد بين األمم إلنهاء الفاقة البشرية ،مطبعة كركي ،بيروت،
لبنان.2003 ،
البنك الدولي ،قضايا وخيارات لتحسين المشاركة بين البنك الدولي ومنظمات .20
المجتمع المدني ،وثيقة رقم ،34160مارس .2005
553
قائمة المصادر والمراجع
البنك الدولي ،إرشادات بشأن مكافحة الفساد ،إرشادات بشأن منع ومكافحة الفساد .21
في المشروعات التي تمولها قروض البنك الدولي لإلنشاء والتعمير واعتمادات ومنح
المؤسسة الدولية للتنمية15 ،أكتوبر .2006
صندوق النقد الدولي ،النشرة المعممة رقم 106/05المؤرخة في .2005/08/05 .22
المملكة المغربية ،فريق العمل الوطني لو ازرة المالية والخوصصة وللبنك الدولي، .23
دراسة تقييم تدبير أنظمة المالية العمومية ،مارس 2007
المركز العربي لتطوير حكم القانون والنزاهة ،القضاء في الدول العربية :رصد .24
وتحليل (األردن ،لبنان ،مصر ،المغرب) ،بيروت2007 ،
صندوق النقد الدولي ،دليل شفافية المالية العامة .2007 .25
صندوق النقد الدولي ،ميثاق الممارسات السليمة في مجال شفافية المالية العامة .26
.2007
صندوق النقد الدولي ،مكتب التقييم المستقل ،الحوكمة في صندوق النقد الدولي، .27
تقييم ،ماي .2008
.28
مكتب التقييم المستقل ،الحوكمة في صندوق النقد الدولي :تقييم ،صندوق النقد .29
الدولي.2008 ،
مكتب العمل الدولي ،الشراكات بين القطاعين العام والخاص ،جنيف ،مارس .30
.2008
شراكة الميزانية الدولية ،المشروع الدولي للميزانية :الميزانية المفتوحة ،2006نحو .31
مزيد من المعلومات للجمهور من أجل مساءلة الحكومات ،واشنطن دي سي2006 .
البرنامج اإلنمائي لألمم المتحدة ،إدماج مكافحة الفساد في التنمية ،مذكرة تطبيقية، .32
ديسمبر ،2008
تقرير حول حالة تنفيذ برنامج العمل الوطني في مجال الحكامة ،اآللية اإلفريقية .33
للتقييم من قبل النظراء ،نقطة االرتكاز الوطنية الجزائر ،نوفمبر 2008
البرنامج اإلنمائي لألمم المتحدة ،تقرير التنمية اإلنسانية العربية للعام :2010 .34
عدد خاص في الذكرى العشرين ،الثروة الحقيقة لألمم :مسارات إلى التنمية البشرية ،ترجمة
لجنة األمم المتحدة االقتصادية واالجتماعية لغربي اسيا (اإلسكوا) ،واشنطن.2010 ،
البرنامج اإلنمائي لألمم المتحدة ،تقرير التنمية اإلنسانية العربية للعام .2010 .35
عدد خاص في الذكرى العشرين ،الثروة الحقيقة لألمم :مسارات إلى التنمية البشرية ،ترجمة
لجنة األمم المتحدة االقتصادية واالجتماعية لغربي اسيا (اإلسكوا) ،واشنطن.2010 ،
554
قائمة المصادر والمراجع
البرنامج اإلنمائي لألمم المتحدة ،تقرير التنمية اإلنسانية العربية للعام ،2010 .36
عدد خاص في الذكرى العشرين ،الثروة الحقيقة لألمم :مسارات إلى التنمية البشرية ،ترجمة
لجنة األمم المتحدة االقتصادية واالجتماعية لغربي آسيا (اإلسكوا) ،واشنطن.2010 ،
برنامج لألمم المتحدة اإلنمائي ،تعزيز المساءلة االجتماعية :من المبدأ إلى .37
التطبيق ،مذكرة توجيهية ،أوت .2010
البنك الدولي ،إصالح إدارة المالية العامة في منطقة الشرق األوسط وشمال .38
إفريقيا ،لمحة عامة عن التجربة اإلقليمية ،تقرير رقم .2010 ،55061
البنك الدولي ،إصالح إدارة المالية العامة في منطقة الشرق األوسط وشمال .39
إفريقيا ،لمحة عامة عن التجربة اإلقليمية ،تقرير رقم .2010 ،55061
البنك الدولي ،إصالح إدارة المالية العامة في منطقة الشرق األوسط وشمال إفريقيا، .40
لمحة عامة عن التجربة اإلقليمية ،تقرير رقم .2010 ،55061
حكومة دبي ،الشراكة بين القطاع العام والخاص ،إدارة الدارسات االقتصادية .41
والمالية ،دائرة المالية ،أفريل .2010
شراكة الميزانية الدولية ،الميزانية المفتوحة ،دليل الشفافية في تقارير الموازنات .42
الحكومية ،كيف يمكن أن يستفيد المجتمع المدني من تقارير الموازنة لتطوير األبحاث
والترويج لألنشطة ،فيفيك رام كومار واسحق شابيرو.
المملكة المغربية ،المجلس األعلى للحسابات ،التقرير السنوي لسنة ،2010الجزء .43
األول.2010 ،
االتحاد الدولي للمحاسبيين "،إصدارات معايير المحاسبة الدولية للقطاع العام ،ج .44
،01ترجمة جمعية المجمع العربي للمحاسبين القانونيين ،مجموعة أبو طالل غزالة،
عمان.2010 ،
برنامج األمم المتحدة اإلنمائي ،المركز اإلقليمي لبرنامج األمم المتحدة اإلنمائي .45
في القاهرة ،المشاركة بالرأي والمساءلة من أجل تحسين الخدمات ،وثيقة معلومات أساسية،
.2010
منتدى صندوق النقد الدولي ،الربيع العربي بعد مضي عام ،النافذة االقتصادية، .46
.2011
البنك الدولي ،مبادرة إيصال أصوات مواطني منطقة الشرق األوسط وشمال إفريقيا، .47
المنتدى األول :التبادل ،المالية العامة في العالم العربي :المساءلة تبدأ بالشفافية ،أبو
ظبي.2013 ،
555
قائمة المصادر والمراجع
و ازرة االقتصاد والمالية ،تقرير حول مشروع إصالح القانون التنظيمي لقانون .48
المالية ،اليوم الدراسي بمجلس النواب12 ،جويلية ،2012منشورات مجلة الحقوق ،سلسلة
األعداد الخاصة العدد .2013 ،06
التقرير المرحلي الثاني حول تنفيذ برنامج العمل الوطني في مجال الحكامة ،اآللية .49
اإلفريقية للتقييم من قبل النظراء ،نقطة االرتكاز الوطنية الجزائر .2013،
المرصد التشريعي (هيئة التحرير) ،مذكرة تقديمية لمشروع إصالح القانون .50
التنظيمي لقانون المالية ،مجلة العلوم القانونية ،سلسلة فقه القضاء المالي ،العدد ،01
.2014
صندوق النقد الدولي ،صحيفة الوقائع ،الصندوق والحكومة السليمة ،مارس .51
.2016
صندوق النقد الدولي ،صحيفة الوقائع ،كيف يشجع الصندوق زيادة شفافية المالية .52
العامة30 .سبتمبر.2016
صندوق النقد الدولي ،البيان الصحفي رقم 17-90المتعلق باختتام بعثات .53
صندوق النقد الدولي إلى الجزائر في إطار مشاورات المادة الرابعة20 ،مارس 2017
تقرير البنك الدولي ،المعنون " الحوكمة والقانون " ،الرسائل الرئيسية2017. .54
صندوق النقد الدولي ،مكافحة الفساد مطلب أساسي لتحقيق النمو واالستقرار .55
االقتصادي الكلي ،نشرة الصندوق االلكترونية11 ،.ماي 2016
صندوق النقد الدولي ،دراسة استقصائية لألوضاع االقتصادية والمالية العالمية، .56
آفاق االقتصاد اإلقليمي مستجدات منطقة الشرق األوسط وسمال إفريقيا ،ماي 2018
البنك الدولي ،مبادرة إيصال أصوات مواطني منطقة الشرق األوسط وشمال إفريقيا، .57
المنتدى االول :التبادل ،المالية العامة في العالم العربي :المساءلة تبدأ بالشفافية ،أبو
ظبي.2013 ،
البنك الدولي ،التقرير السنوي لعام .2018ارتباطات المؤسسة الدولية للتنمية .58
حسب القطاع المالي وقطاع اإلدارة العامة للسنوات .2018/2014
البنك الدولي ،حلقة نقاش رفيعة المستوى حول شفافية المالية العامة في الشرق .59
األوسط وشمال أفريقيا ما الذي تفعله الحكومات العربية باألموال العامة؟،
.2018/04/17
و ازرة المالية الجزائرية ،المديرية العامة للميزانية ،مشروع قانون عضوي يتعلق .60
بقوانين المالية ،مذكرة تفسيرية .أفريل .2018
المنظمة العالمية للشفافية ،مؤشرات مدركات الفساد لعام .2018 .61
556
قائمة المصادر والمراجع
صندوق النقد الدولي ،إدارة الشرق األوسط وآسيا الوسطى ،تقرير آفاق االقتصاد .62
اإلقليمي ،سياسة المالية العامة الداعمة للنمو المستمر واالحتوائي في منطقة الشرق
األوسط وآسيا الوسطى ،أكتوبر .2018
البنك الدولي ،التقرير السنوي للبنك الدولي ،2019إنهاء الفقر واالستثمار في .63
الفرص .2019،
التقرير السنوي لمجلس المحاسبة ،2019ج ر ع ،75الصادرة بتاريخ 4ديسمبر .64
.2019
-4المعاجم والموسوعات:
المعاجم: أ-
ابن منظور أبو الفضل جمال الدين مكرم اإلفريقي المصري ،لسان العرب ،مؤسسة
األعلمي للمطبوعات ،بيروت ،لبنان.2005،
الموسوعات: ب-
-1أماني قنديل ،الموسوعة العربية للمجتمع المدني ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،مصر،
.2008
-2حسين عمر ،موسوعة المصطلحات االقتصادية ،مكتبة القاهرة الحديثة.1995 ،
ثانيا :قائمة المراجع
.1إبراهيم العيسوي ،سياسية التنمية المستقلة والثورات العربية ،في السياسيات التنموية
وتحديات الثورة في األقطار العربية ،المركز العربي لألبحاث ودارسة السياسات ،الطبعة
األولي.2017 ،
.2أبو عالء األخضر أبو عزي ،الواقعية النقدية في بلد بترولي ،دار اليازوري العلمية للنشر
والتوزيع ،األردن ،الطبعة األولى2018 ،
.3أحمد أبوبكر علي بدوي ،برامج إصالح الموازنة العامة في الدول العربية ،دارسات
اقتصادية ،صندوق النقد العربي.2011 ،
.4أحمد عبد المنعم ،أحمد فريد مصطفى ،االقتصاد المالي الوضعي واإلسالمي ،مؤسسة
شباب الجامعة ،اإلسكندرية ،مصر.1999 ،
.5أحمد فتحي أبو كريم ،الشفافية والقيادة اإلدارية ،دار الحامد للنشر والتوزيع ،الطبعة
األولى.2009 ،
557
قائمة المصادر والمراجع
.6أسامة شهوان ،إدارة الدولة :المفاهيم والتطور ،دار الشروق ،ط ،01األردن.2001.
.7أشرف منصور ،الليبرالية الجديدة ،جذورها الفكرية وأبعادها االقتصادية ،مصر :الهيئة
المصرية للكتاب .2008
.8أماني قنديل ،مؤشرات فاعلية مؤسسات المجتمع المدني ،الشبكة العربية للمنظمات
االهلية.2010 ،
.9إيلين سيوال كامارك ،العولمة واصالح اإلدارة العامة ،في جوزيف س ناي وجون دناهيو
" الحكم في عالم يتجه نحو العولمة " ،ترجمة محمد شريف الطرح ،مكتبة العبيكان،
الرياض.2002 ،
إيهاب الدسوقي ،دور القطاع الخاص في إدارة شؤون الدولة والمجتمع في: .10
سلوى شعراوي جمعة وآخرون ،إدارة شؤون الدولة والمجتمع ،مركز دراسات واستشارات
اإلدارة العامة ،القاهرة ،ط .2001 ،1
بشير شاوش يلس ،المالية العامة ،المبادئ العامة وتطبيقاتها في القانون .11
الجزائري ،الجزائر.2007 ،
بن داود إبراهيم ،رقابة نفقات الدولة بين أحكام الشريعة اإلسالمية ونصوص .12
التشريع ،سلسة اإلصدارات القانونية.2008 ،
توفيق راوية ،الحكم الرشيد والتنمية في افريقيا :دراسة تحليلية لمبادرة النيباد، .13
معهد البحوث والدراسات االفريقية ،جامعة القاهرة.2005 ،
جوزيف ستيغتلز ،خيبات العولمة ،ترجمة ميشال كرم ،دار الفارابي.2003 ، .14
حسين مصطفى حسين ،المالية العامة ،ديوان المطبوعات الجامعية ،بن .15
عكنون ،الجزائر.1999 ،
خير الدين صبري أحمد ،العولمة في الفكر االقتصادي ،العراق :تنمية الرافدين، .16
كلية اإلدارة واالقتصاد ،جامعة الموصل.2005 ،)28(80 ،
ديفيد اوزربون وتيد غابلر ،إعادة اختراع الحكومة :كيف تحول روح المغامرة .17
القطاع العام ،ترجمة محمد توفيق البجيرمي ،مكتبة العبيكان.
رشيد السعيد ،كريم لحرش ،الحكامة الجيدة بالمغرب ،ومتطلبات التنمية البشرية .18
المستدامة ،طوب بريس ،الطبعة األولى الرباط.2009 .
زهير الكايد ،الحكمانية :COVERNANCEقضايا وتطبيقات ،القاهرة، .19
منشورات المنظمة العربية للتنمية اإلدارية.2003 ،
السعيد بو الشعير ،القانون الدستوري والمؤسسات السياسية المقارنة ،الجزء .20
الثاني ،الطبعة الرابعة ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر.2004.
558
قائمة المصادر والمراجع
سلوى شعراوي جمعة وآخرون ،إدارة شؤون الدولة والمجتمع ،مركز دراسات .21
واستشارات اإلدارة العامة ،القاهرة ،ط .2001 ،1
سليمان احمد اللوزي ،فيصل مرار ،وائل العكشة ،إدارة الموازنات العامة بين .22
النظرية والتطبيق ،االردن :دار الميسرة للنشر والتوزيع والطباعة ،عمان ،الطبعة
األولى.1997.
سمير أمين ،ثورة مصر وعالقتها باألزمة العالمية ،مصر :در العين للنشر، .23
الطبعة األولى.2011 ،
سوزي ناشد عدلي ،المالية العامة ،النفقات ،اإليرادات ،الميزانية العامة، .24
منشورات الحلبي الحقوقية ،لبنان ،الطبعة األولى2003.
طاهر الجنابي ،علم المالية والتشريع المالي ،جامعة بغداد ،كلية الحقوق .25
عادل أحمد حشيش ،مصطفى رشدي شيحة ،مقدمة في االقتصاد العام ،المالية .26
العامة ،دار الجامعة الجديدة للنشر ،اإلسكندرية.1998 .
عبد الحي زلوم ،نذر العولمة ،لبنان ،المؤسسة العربية للدارسات والنشر ،الطبعة .27
األولى ،بيروت.1999 ،
عبد العزيز غوردو ،الحكامة الجيدة في النظام الدستوري ،إصدارات أي كتب، .28
لندن ،الطبعة األولى.2015 ،
عبد المجيد قدي ،المدخل إلى السياسات االقتصادية الكلية :دراسة تحليلية .29
تقييمية ،الطبعة الثانية ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر.2006 ،
عدنان محسن ظاهر ،الموازنات العامة للدولة في الدول العربية ،دراسة مقارنة .30
حول إعداد واقرار وتنفيذ ومراقبة الموازنة العامة في الدول العربية ،منشورات برنامج
األمم المتحدة اإلنمائي ،لبنان.2004 ،
عراقي عبد العزيز الشربيني ،نيباد واستراتيجية التنمية اإلفريقية ،عرض نقدي .31
لبعض القضايا الرئيسية :في مصطفى كامل السيد :استراتيجيات التنمية اإلفريقية في
ظل الليبرالية الجديدة :آفاق الشراكة من أجل التنمية في إفريقيا ،مركز دارسات وبحوث
الدول النامية ،القاهرة.2003 .
عطية حسين أفندي ،دور المنظمات غير الحكومية في إدارة شؤون الدولة .32
والمجتمع في ،سلوى شعراوي جمعة وآخرون ،إدارة شؤون الدولة والمجتمع ،مركز
دراسات واستشارات اإلدارة العامة ،القاهرة ،ط .2001 ،1
علي عبد الوهاب ،شحاته السيد شحاته ،مراجعة الحسابات والحكومة في بيئة .33
االعمال الدولية المعاصرة ،الدار الجامعية ،مصر.2007،
559
قائمة المصادر والمراجع
كريم أبو حالوة ،إشكالية المجتمع المدني ،دار األهالي ،دمشق ،ط ،01 .34
.1998
كيرون وولش ،الخدمات العامة وآليات السوق ،المنافسة وابرام العقود واإلدارة .35
العامة الجديدة ،المملكة العربية السعودية :ترجمة محسن ابراهيم الدسوقي ،معهد اإلدارة
العامة.2003 ،
ليلى البرادعي ،المعونات والمنح الدولية وأثرها على التنمية الشاملة في الوطن .36
العربي ،مصر :أوراق عمل مؤتمر المعونات والمنح الدولية وأثرها على التنمية الشاملة
في الوطني العربي المنعقد بالقاهرة ،المنظمة العربية للتنمية اإلدارية ،في مارس2007
محفوظ أحمد جودة ،إدارة الجودة الشاملة مفاهيم وتطبيقات ،دار وائل للنشر، .37
عمان ،االردن ،ط.2006 ،2
محمد التهامي طواهر ،مسعود صديقي ،المراجعة وتدقيق الحسابات اإلطار .38
النظري والممارسة التطبيقية ،ديوان المطبوعات الجامعية ،بن عكنون.2003 ،
محمد الصغير بعلي ،يسري أبو العال ،المالية العامة ،دار العلوم للنشر .39
والتوزيع.2003 ،
محمد أوجار ،الحكم الرشيد أو الحكامة الجيدة ،الندوة الدولية لتنمية والديمقراطية .40
وتطوير النظام اإلقليمي العربي ،القاهرة.2013 ،
محمد جمال باروت ،الفساد والحكم الصالح في البالد العربية ،بحوث ومناقشات .41
الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع المعهد السويدي
باإلسكندرية ،بيروت.2007،
محمد حركات ،االقتصاد السياسي والحكامة الشاملة ،مطبعة المعارف الجديدة، .42
الرباط.2010.
محمد خالد المهايني ،االتجاهات الحديثة للموازنة العامة للدولة ،تجارب عربية .43
مقارنة ،منشورات المنظمة العربية للتنمية اإلدارية ،القاهرة.2012 ،
محمد شاكر محمد عصفور ،أصول الموازنة العامة ،دار الميسرة لنشر والتوزيع، .44
األردن ،الطبعة األولى.2008 ،
محمد عبد الفتح الصحن وآخرون ،أصول المراجعة ،الدارة الجامعية ،اإلسكندرية، .45
مصر.2000 ،
محمد عمر أبودوح ،ترشيد اإلنفاق العام وعالج عجز ميزانية الدولة ،دارسة .46
تحليلية مقارنة لميزانيات ،األداء ،التخطيط والبرمجة األساس الصفري في ضوء متطلبات
ترشيد اإلنفاق العام ،الدار الجامعية ،اإلسكندرية.2006 ،
560
قائمة المصادر والمراجع
محمود حسين الوادي ،تنظيم اإلدارة المالية من أجل ترشيد اإلنفاق الحكومي .47
ومكافحة الفساد ،دار صفاء للطباعة والنشر والتوزيع ،الطبعة الثانية ،عمان.2014 .
مدني بن شهرة ،سياسة اإلصالح االقتصادي في الجزائر والمؤسسات المالية .48
الدولية ،الجزائر :دار هومة ،الطبعة األولى.2008 ،
منصور ميالد ،مبادئ المالية العامة ،منشورات الجامعة المفتوحة ،الجماهيرية .49
الليبية العظمى.1994 ،
موريس دوفرجيه ،المؤسسات السياسية والقانون الدستوري :األنظمة السياسية .50
الكبرى ،ترجمة جورج سعد ،المؤسسات الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،بيروت ،الطبعة
األولى.1992 ،
نزيه عبد المقصود محمد مبروك ،شفافية الموازنة العامة للدولة ،أهميتها وآليات .51
تعزيرها ،كلية الشريعة والقانون طنطا ،جامعة األزهر.2015 ،
وليد عبد الحميد عايب ،األثار االقتصادية الكلية لسياسة اإلنفاق الحكومي ،مكتبة .52
حسن العصرية للطباعة والنشر والتوزيع ،لبنان ،الطبعة األولى.2010 ،
يحي دنيدني ،المالية العامة ،دار الخلدونية للنشر والتوزيع ،الجزائر ،الطبعة .53
الثانية.2014 ،
يوسف شباط ،المالية العامة والتشريع المالي ،الجزء األول ،النفقات واإليرادات .54
طبقا آلخر التعديالت ،2009مطبعة جامعة دمشق ،سوريا ،كلية الحقوق،
.2010/2009
-5المقاالت باللغة العربية
.1أحمد عبد العزيز ،جاسم زكريا ،فراس عبد الجليل الطحان ،العولمة االقتصادية وتأثيراتها
على الدول العربية ،مجلة اإلدارة واالقتصاد ،العدد .2001 ،86
.2أحمد عبد العزيز ،جاسم زكريا ،فراس عبد الجليل ،الشركات المتعددة الجنسيات وأثرها
على الدول النامية ،مجلة اإلدارة واالقتصاد ،العراق ،العدد .2010 ،35
أحمد عبد اهلل الماضي ،جاسم محمد حسين علو ،مفهوم تحرير التجارة العالمية وأثره .3
على النظام القانوني واالقتصادي وسيادة الدول ،مجلة جامعة تكريت للحقوق ،العراق،
العدد ،01الجزء .2016 ،02
.4أحمد فرحي ،قليلة فاطمة الزهراء ،مستقبل السياسة المالية في ظل العولمة االقتصادية
المالية (التحديات والحلول ،مجلة العلوم اإلسالمية والحضارة ،جامعة الجزائر ،العدد
الخامس.2017 ،
561
قائمة المصادر والمراجع
.5األخضر عزي ،غالم جلطي ،الحكم الراشد وخوصصة المؤسسات (إشارة إلى واقع االقتصاد
الوطني والمؤسسة الجزائرية) ،مجلة علوم إنسانية ،السنة الثانية ،العدد .2006 ،28
.6األمين شريط ،الديمقراطية التشاركية .األسس واآلفاق ،ندوة البرلمان :المجتمع المدني،
الديمقراطية ،مجلة الوسيط ،الجزائر ،و ازرة العالقات مع البرلمان ،العدد .2008، 06
.7إيمان عبد الكاظم ،سحر عباس ،تحليل سياسات التكيف الهيكلي في بلدان عربية مختارة
مصر والمغرب ،العراق :مجلة الغري للعلوم االقتصادية واإلدارية ،جامعة الكوفة
اإلصدار ،12المجلد الثاني.2009 ،
.8باركة محمد الزين ،أوجامع إبراهيم ،إدماج مقاربة النوع االجتماعي في ميزانية الدولة،
المجلة الجزائرية للمالية العامة ،جامعة أبوبكر بلقايد تلمسان ،العدد.2001 ،1
.9بديعة لشهب ،األزمة المالية العالمية ،محاولة في الفهم والتجاوز ،بحوث اقتصادية عربية،
العدد .2010 ،52
براهيم كومغار ،الصالحيات المالية للبرلمان من خالل مستجدات القانون التنظيمي .10
للمالية ،المغرب ،المجلة المغربية للتدقيق والتنمية ،المشرف حركات محمد ،العدد ،41
.2015
بن نعمان حمادو ،تقييم برنامج خوصصة المؤسسات العمومية في الجزائر ،مجلة .11
األصيل للبحوث االقتصادية واإلدارية ،العدد الثاني .2017،
بوزيان عليان ،القيمة الدستورية لمبدأ العدالة االجتماعية والحماية القضائية له، .12
دراسة تطبيقية مقارنة على الدساتير العربية ،األكاديمية للدارسات االجتماعية واإلنسانية،
العدد ،10جوان .2013
بوزيد سايح ،سبل تعزيز المساءلة والشفافية لمكافحة الفساد وتمكين الحكم الراشد .13
في الدول العربية ،مجلة الباحث ،جامعة قاصدي مرباح ورقلة ،العدد .2012 ،10
بوعالم حمو ،نظرية الحكم الراشد بين إكراهات التطبيق ومراعاة حقوق اإلنسان، .14
رؤية ابستمولوجية للمفهوم ،مجلة حقوق اإلنسان والحريات العامة ،جامعة عبد الحميد بن
باديس بمستغانم ،العدد .2006 ،1
توفيق حكيمي ،فاطمة الزهراء حشاني ،استعصاء الديمقراطية ووفرة الموارد .15
الطبيعة "دراسة في األعراض السياسية لـ" لعنة الموارد " ،مجلة المفكر ،جامعة محمد
خيضر -بسكرة ،-العدد .2017 ،15 ،
تومي سالمي ،مشروع عصرنة أنظمة الميزانية...نحو ترشيد اإلنفاق العمومي، .16
مجلة دراسات ،العدد االقتصادي ،جامعة األغواط ،عدد 17جوان .2012،
562
قائمة المصادر والمراجع
جمال لعمارة ،تطور فكرة ومفهوم الموازنة العامة للدولة ،مجلة العلوم اإلنسانية، .17
جامعة محمد خيضر بسكرة ،العدد األول.2001 ،
جمال لعمارة ،عالقة الحسابات الخاصة للخزينة بالميزانية العامة للدولة في .18
الجزائر ،مجلة العلوم واالقتصادية وعلوم التسيير.2008 ،
جمال لعمارة ،مداخل الموازنة العامة للدولة ،الجزائر :مجلة العلوم اإلنسانية، .19
جامعة خيضر محمد بسكرة ،العدد الثاني.2002،
حسين األسرج ،المسؤولية االجتماعية للمؤسسات ،جسر التنمية ،المعهد العربي .20
للتخطيط ،الكويت ،العدد ،90فيفري.2010،
حسين بن طاهر ،سهيلة بغنة ،صندوق ضبط الموارد آلية لضبط الميزانية العامة .21
خالل الفترة ،2014/200مجلة الدراسات المالية والمحاسبية واإلدارية ،العدد ،03
.2015
حورية سعادية ،تطور مسار الحكامة في الجزائر بين اآلليات القانونية والمحطات .22
العملية ،المجلة الجزائرية للدراسات السياسية ،المدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية،
العدد الخامس.2016 ،
خالد منة ،انهيار أسعار النفط ومحاوالت اإلصالح في الدولة الريعية الجزائر .23
مثاال ،مجلة عمران ،المركز العربي لألبحاث ودارسة السياسات ،العدد .2016 ،15/18
دالل بوعتروس ،محمد دهان ،مأسسة تقييم السياسات العمومية –دراسة مقارنة .24
بين الجزائر والمغرب ،مجلة العلوم اإلنسانية ،العدد 52المجلد ب2019 ،
رضوان بروسي ،الرقابة البرلمانية والحكامة المالية في الجزائر :جدلية تفعيل دور .25
البرلمان في عملية الموازنة ،دراسة غير منشورة .
رضوان بروسي ،من الدولة الفيبرية إلى الحوكمة كمنظور دولتي جديد :رؤية .26
نقدية ،المجلة العربية للعلوم السياسية ،تصدر عن الجمعية العربية للعلوم السياسية
بالتعاون مع مركز دراسات الوحدة العربية ،لبنان ،العدد 2013/06 ، 38
رفيق صديقي ،مناخ الدولة الريعية وتناقضات السياسة العامة في الجزائر ،مجلة .27
المستقبل االقتصادي ،مخبر مستقبل االقتصاد الجزائري خارج المحروقات ،العدد السابع،
.2019
رقية عواشرية ،الحكم الراشد كوسيلة لمكافحة الفساد في الدول المغاربية ،مجلة .28
الحقوق والحريات جامعة محمد خيضر بسكرة ،العدد الثاني.2016 ،
ريمي هيريرا ،األدوار السياسية للفكر االقتصادي المهيمن ،ترجمة أحمد زوبدي، .29
مجلة المستقبل العربي ،العدد .2013 ،407
563
قائمة المصادر والمراجع
زهرة خضير عباس العبيدي ،سياسة التقشف تجربة مصر واليونان وسبل تطبيقها .30
في العراق ،المجلة السياسية الدولية ،جامعة المستنصرية بالعراق ،العدد .2016 ،34-33
زياد حافظ ،األزمة المالية العالمية :البحث عن نموذج جديد ،بحوث اقتصادية .31
عربية ،العدد .2011 ،56-55
سام دلة ،من دولة القانون إلى الحكم الرشيد :تكامل في االسس واألليات ،مجلة .32
دمشق للعلوم االقتصادية والقانونية ،المجلد ،30العدد الثاني.2014 ،
سفيان ريموش ،المجتمع المدني ودوره في ترشيد أنظمة الحكم :حالة الدول النامية .33
الجزائر ،مجلة الحوار المتوسطي ،جامعـة الجياللي اليابس سيدي بلعباس ،العدد األول،
المجلد .2013 ،4
سمير سهام داود ،منعم حسين علي ،التقشف المالي في العراق أسبابه وآثاره .34
على مؤشرات األداء االقتصادي ،مجلة العلوم االقتصادية واإلدارية ،المجلد ،25اإلصدار
.2019 ،112
سمير شوقي ،دور المجتمع المدني في حماية المال العام من جرائم الفساد .35
والرشوة ،مجلة األستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية ،جامعة محمد بوضياف
المسيلة ،المجلد الرابع .2019 ،4
سي محمد بقالي ،المبادئ الدستورية لمالية العمومية :دراسة على ضوء اجتهادات .36
الدستورية ،المجلة المغربية للتدقيق والتنمية ،المغرب ،العدد .2016 ،43
شريفة رفاع ،أساسيات فعالية قياس األداء وفق منهج التسيير بالنتائج في .37
المنظمات الحكومية ،مجلة الباحث ،العدد .2010 ،08
شوقي يعيش تمام ،عزيزة شبري ،دور مجلس المحاسبة في مكافحة الفساد المالي .38
في التشريع الجزائري ،مجلة الحقوق والحريات ،جامعة بسكرة ،العدد الثاني ،مارس .2016
الشيخ الداوي ،تحليل األسس النظرية لمفهوم األداء :الجزائر :مجلة الباحث، .39
جامعة قاصدي مرباح ورقلة ،العدد .2010-2009/07
صالح حسن ياسر ،الليبرالية – الخوصصة :برامج التكييف الهيكلي بين أوهام .40
الخطاب اإليديولوجي وحقائق إنتاج التبعية ،مجلة العلوم اإلنسانية ،جامعة قسنطينة ،01
العدد .1999 ،12
صالح زياني ،تفعيل العمل الجمعوي لمكافحة الفساد ،وارساء الديمقراطية .41
المشاركاتية في الجزائر ،مجلة المفكر ،جامعة محمد خيضر بسكرة ،العدد الرابع.2009 ،
صائب حسن مهدي ،العولمة ودور الشركات المتعددة الجنسيات في النظام العالمي الجديد، .42
الغري للعلوم االقتصادية واإلدارية ،جامعة القادسية ،العراق ،العدد السادس عشر. 2010،،
564
قائمة المصادر والمراجع
صوفيا شراد ،رياض دنش ،عولمة النظام المالي ،مجلة االجتهاد القضائي ،جامعة .43
محمد خيضر بسكرة ،العدد الحادي عشر.2016،
طارق عشور ،معوقات التجربة البرلمانية في الجزائر ( )1997-2011دراسة .44
في بعض المتغيرات السياسية ،المجلة العربية للعلوم السياسية ،العدد .2012 ،34
طارق عشور ،مقاربة التسيير العمومي الجديد كآلية لتدعيم وتعزيز تنافسية وكفاءة .45
المنظمات الحكومية ،مجلة أداء المؤسسات الجزائرية ،جامعة ورقلة ،العدد -2011/01
.2012
عادل الخصاصي ،واقع تنافسية التشريعية بين األنظمة القانونية الوطنية ،المجلة .46
المغربية للتدقيق والتنمية ،عدد .2010 ،29
عبد الباسط على جاسم ،محمد فؤاد طالب المختار ،الرقابة البرلمانية على تنفيذ .47
الموازنة العامة للدولة في الدستور العراقي لعام ،2005مجلة كلية القانون للعلوم القانونية
والسياسية ،المجلد ،5اإلصدار ،19الجزء األول.2016 ،
عبد الستار إبراهيم دهام ،التنظيم البيروقراطي إزاء الفكر اإلداري المعاصر، .48
إطار نظري ،مجلة جامعة األنبار للعلوم االقتصادية واإلدارية ،العراق ،العدد الثاني ،سنة
2008
عبد السالم يخلف ،الرشادة في زمن العولمة :بديل ممكن أم يوتوبيا ،الجزائر: .49
مجلة العلوم اإلنسانية ،جامعة أحمد منتوري قسنطينة ،العدد.2010 ،33
عبد السميع روينة ،التسيير المبني على النتائج ...أسلوب فعال لالنتقال من .50
التركيز على الوسائل في موازنة الدولة إلى التركيز على النتائج ،الجزائر :مجلة أبحاث
اقتصادية إدارية ،العدد ،23جوان .2018
عبد العالي عبد القادر ،الفساد السياسي والحكامة :القيمة النظرية والخلفية .51
األيديولوجية ،المجلة الجزائرية لألمن والتنمية ،العدد الثامن.2016 ،
عبد العزيز عزة ،الرقابة البرلمانية على الميزانية العامة في الجزائر ،مجلة العلوم .52
االجتماعية ،العدد .2017 ،24
عبد الغني باومو ،التدبير العمومي المغربي بين إكراهات ارتفاع التكلفة وضعف .53
المراقبة ،مجلة األبحاث في القانون واالقتصاد والتدبير ،جامعة موالي اسماعيل ،كلية
العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية مكناس -المغرب ،العدد .2017 ،3
عبد الغني عكة ،نحو عصرنة أنظمة الميزانية في الجزائر ،المجلة الجزائرية للعلوم .54
القانونية واالقتصادية والسياسية ،العدد ،02 ،سنة .2008
565
قائمة المصادر والمراجع
عبد الكريم النوحي ،مرتكزات إصالح القانون التنظيمي رقم 130.13لقانون .55
المالية ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية ،المغرب ،العدد .2017 ،135-134
عبد اللطيف باري ،على شتيوي ،اإلصالحات االقتصادية الجزائرية في ظل .56
توجهات المؤسسات المالية الدولية ،مجلة البحوث السياسية واإلدارية ،العدد الثاني،
.2018
عبد المجيد قدي ،نبيلة صوفيا تاكرلي ،تسيير المالية العامة في الجزائر ضمن .57
متطلبات الحوكمة المالية ،مجلة االقتصاد والمالية ،المجلد 04العدد .2018 ،02
عدنان حسين يونس ،توفيق عباس عبد عون ،شيماء رشيد ،إمكانية الشراكة .58
بين الدولة والقطاع الخاص لتعزيز االستثمار في االقتصاد العراقي ،مجلة جامعة كربالء،
المجلد ،13العراق ،العدد .2015، 2
عدنان حسين يونس ،دور الدولة االقتصادي ومهمات إصالح االقتصاد العراقي، .59
مجلة جامعة كربالء العلمية ،العراق ،المجلد الثامن ،العدد الرابع.2010 ،
على الصادق ،نور فرحات ،تقرير عن وضع القضاء في مصر ،مشروع " تعزيز .60
حكم القانون والنزاهة في العالم العربي " ،المركز العربي لتطوير حكم القانون والنزاهة في
العالم العربي2010 ،
على جابر عبد الحسين المعالي ،صندوق النقد الدولي :وصفات و مشروطية .61
التحول الرأسمالي في الدول النامية ،العراق :مجلة المثنى للعلوم اإلدارية واالقتصادية،
المجلد ،8العدد ..2018 ،04
على عبد القادر علي ،العدالة االجتماعية وسياسات اإلنفاق العام في دول الثورات .62
العربية ،في :السياسيات التنموية وتحديات الثورة في األقطار العربية ،المركز العربي
لألبحاث ودارسة السياسات ،الطبعة األولي.2017 ،
علي جابر المعالي ،صندوق النقد الدولي :وصفات التنمية ومشروطيه التحول .63
الرأسمالي في الدول النامية ،مجلة المثنى للعلوم اإلدارية واالقتصادية ،المجلة 8العدد ،4
.2018
علي شتيوي ،دور صندوق النقد الدولي والبنك الدوليين في توجيه اإلصالحات .64
االقتصادية بالجزائر ،الجزائر :مجلة المفكر ،العدد الثامن عشر.2019 ،
عمار جفال ،قوى ومؤسسات العولمة التجليات واالستجابة العربية ،مجلة شؤون .65
الشرق األوسط ،مركز الدراسات االستراتيجية ،السنة الثانية عشر ،العدد .2002 ،107
عمار عوابدي ،مكانية آليات األسئلة الشفوية والكتابية في عملية الرقابة البرلمانية، .66
مجلة الفكر البرلماني ،مجلس األمة ،العدد ،13الجزائر ،جوان .2006
566
قائمة المصادر والمراجع
عمر عبد الحميد عمر ،سالم حسين محمد ،اآلليات الكفيلة بمكافحة الفساد (بحث .67
مستل) ،مجلة جامعة تكريت ،العراق ،العدد ،26المجلد .2016 ،04
عيسى بن ناصر ،اآلثار االقتصادية واالجتماعية لبرنامج التكييف والتعدي .68
الهيكلي في الجزائر ،مجلة العلوم االجتماعية واإلنسانية ،جامعة باتنة ،1العدد.2002 ،7
غزوان رفيق عويد ،دراسة تحليلية لمؤشرات منظمة الشفافية الدولية مع االشارة .69
إلى حالة العراق ،مجلة النزاهة والشفافية للبحوث والدارسات ،العدد التاسع ،2016،العراق.
الكر محمد ،المجتمع المدني واشكالية التحول الديمقراطي بالعالم العربي بين .70
شرعنة األداء وسلطوية السلطة ،مجلة البحوث السياسية واإلدارية ،جامعة زيان عاشور
الجلفة ،العدد السابع.2015 ،
ليلى بن عيسى ،الحكم الراشد أحد مقومات التسيير العمومي الجديد ،مجلة أبحاث .71
اقتصادية وادارية ،جامعة بسكرة ،الجزائر ،العدد الرابع عشر ،ديسمبر .2013
ليلى لكحل ،نظرية كينز لمواجهة األزمة االقتصادية ،مجلة معارف ،جامعة .72
البويرة ، ،العدد .2017 ،22
مبروك ساحلي ،الشراكة بين القطاعين العام والخاص كآلية لتحقيق التنمية، .73
حوليات جامعة الجزائر ،العدد ،32الجزء الرابع.2018 ،
مبروك غضبان ،نادية خلفة ،المجتمع المدني ودوره في ترقية وحماية حقوق .74
اإلنسان مع التطبيق على الجزائر ،مجلة الباحث للدراسات األكاديمية ،جامعة باتنة ،العدد
الخامس.2015 ،
محبوب مراد ،باري عبد اللطيف ،دور المجتمع المدني في تحسين أداء الميزانية .75
العامة مع اإلشارة إلى حالة الجزائر ،مجلة آفاق علوم اإلدارة واالقتصاد ،العدد ،02
.2017
محد طرشي ،حيرش فايزة ،الرقابة على أداء الوحدات الحكومية في ظل عصرنة .76
نظام المحاسبة العمومية ،االكاديمية للدارسات االجتماعية واإلنسانية ،العدد ،20جوان
.2018
محمد األ نصاري ،الحكامة ومتطلبات الجودة التشريعية ،في الحكامة البرلمانية .77
بالمغرب :أية تطبيقات في القرن الحادي والعشرين؟ ،المجلة المغربية للتدقيق والتنمية،
إشراف محمد حركات ،العدد ،24/23دار أبي رقراق للطباعة والنشر ،الرباط.2007 ،
محمد الطاهر قادري ،بن موفق زروق ،تفعيل استراتيجية الشراكة بين القطاعين .78
العام والخاص ،كخيار لتحفيز التنويع االقتصادي على ضوء التجارب الدولية ،مجلة البديل
االقتصادي ،العدد األول ،المجلد الخامس.2019 ،
567
قائمة المصادر والمراجع
محمد بن العارية ،حسين بن العارية ،دورة الموازنة الموجهة بالنتائج في الرفع .79
من كفاءة اإلنفاق –دراسة حالة التجربة المغربية– مجلة التكامل االقتصادي ،جامعة أحمد
دراية -أدرار ،العدد ،02/ 05جوان .2017
محمد بن عراب ،ترشيد المالية العامة كنواة صلبة لديمومة الدولة واستمرارها من .80
منظور فكر ابن خلدون ،مجلة الحقوق والعلوم االنسانية ،دراسات اقتصادية ،جامعة زيان
عاشور الجلفة ،العدد .2017 ،1/32
محمد بن محمد ،حليمي منال ،صفقات التراضي في الجزائر أسلوب خاص .81
بضوابط قانونية غامضة ،دفاتر السياسة والقانون ،جامعة ورقلة ،العدد .2015 ،13
محمد حركات ،كيف تستطيع الحكامة المالية إبطال مفعول الفساد ،المجلة المغربية .82
للتدقيق والتنمية ،سلسلة التدبير االستراتيجي ،المجلد .2005 ،06
محمود صالح عطية ،أسباب زيادة النفقات العامة بين الفكر التقليدي والفكر .83
الحديث "مع االشارة إلى العراق ،جامعة ديالى ،مجلة ديالى ،العراق ،العدد الخمسون،
.2011
محمود محمد داغر ،علي محمد علي ،اإلنفاق العام على مشروعات البنية .84
التحتية وأثره في النمو االقتصادي في ليبيا (منهج السببية) ،مجلة بحوث اقتصادية عربية،
لبنان ،مركز دراسات الوحدة العربية ،العدد .2010 ،51
مراد بلقالم ،النظام القانوني لتعديل مشاريع قوانين المالية في البرلمان الجزائري، .85
األكاديمية للدراسات االجتماعية واإلنسانية ،العدد ،21جانفي ،2019
مراد محبوب ،عبد الطيف باري ،دور المجتمع المدني في تحسين أداء الميزانية .86
العامة مع اإلشارة إلى حالة الجزائر ،مجلة آفاق علوم اإلدارة واالقتصاد ،جامعة محمد
بوضياف المسيلة ،العدد 2017 ،02
مصطفى الكباص ،نحو تدبير جديد للمالية العمومية ،على ضوء قانون .87
130.13المتعلق بالقانون التنظيمي للمالية ،المجلة المغربية للتدقيق والتنمية ،العدد ،43
المغرب.2016 ،
ملوكي سفيان ،اإلنفاق المالي العربي والعدالة المجتمعية ،تشخيص وتحليل ،مجلة .88
الباحث للدارسات القانونية والسياسية ،العدد .2019 ،4
المنتصر السويني ،رهان النجاعة في تدبير المالية العمومية في المغرب :قراءة .89
في فلسفة القانون التنظيمي للمالية رقم ،130.13مجلة البحثية للعلوم اإلنسانية
واالجتماعية ،المغرب ،العدد .2016 ،5
568
قائمة المصادر والمراجع
منير الحمش ،األزمة المالية العالمية الراهنة ومصير النظام الرأسمالي ،مركز .90
دراسات الواحدة العربية ،مجلة المستقبل العربي ،لبنان ،العدد .2009 ،364
موالي لخضر عبد الرزاق ،بونوة شعيب ،دور القطاع الخاص في التنمية .91
االقتصادية بالدول النامية –دراسة حالة الجزائر – مجلة الباحث ،العدد ،09
.2010/2009
ميلود سفاري ،الحكم الرشيد :المفهوم المبادئ واالنتقادات ،مجلة اآلداب والعلوم .92
االجتماعية جامعة فرحات عباس سطيف ،العدد ،05جوان .2007
نادر فرجاني ،نحو قياس أفضل للتنمية اإلنسانية –مؤشر التنمية اإلنسانية، .93
البرنامج اإلنمائي لألمم المتحدة ،الصندوق العربي لإلنماء االقتصادي واالجتماعي ،تقرير
التنمية اإلنسانية العربية للعام :2002خلف فرص لألجيال القادمة ،ايقونات للخدمات
المطبعية ،عمان.2002 ،
نادية مغني شكور ،حسابات التخصيص الخاص في النظام الموازناتي الجزائري: .94
تشخيص ،تحديات وآفاق ،مجلة دارسات اقتصادية ،المجلد 5العدد ،1جوان.2018
ناريمان رقوب ،معالجة العجز الموازني في الجزائر بين متطلبات حوكمة اإلنفاق .95
العام وضرورة استدامة مصادر التمويل ،مجلة معارف ،جامعة أكلي محند اولحاج البويرة،
العدد .2017 ،22
نجيب جيري ،الحكامة وسؤال المدلول :مقاربة ابستمولوجية في المفهوم والسياق .96
المرجعي :قراءة نقدية ،مجلة القضاء اإلداري ،المغرب ،مج ،02العدد .04،2014
نجيب جيري ،الرقابة المالية بالمغرب بين الحكامة المالية ومتطلبات التنمية ،دراسة .97
تحليلية نقدية ،منشورات مجلة الحقوق المغربية ،الطبعة األولى.2012 ،
نجيب جيري ،تحديث الفعل الرقابي رهانات السياسيات العمومية بالمغرب :نحو .98
تقوية رقابة الحكامة ،مجلة العلوم القانونية –سلسلة الدارسات الدستورية والسياسية،
المغرب ،العدد .2013 ،1
نعمان عباس ،ندا الحياني ،منظمة التجارة العالمية واالقتصاديات النامية ،العراق: .99
مجلة جامعة تكريت للعلوم اإلنسانية ،العدد ،3المجلد .2006 ،13
نور الدين حاروش ،تطوير عالقة البرلمان بالمجمع المدني ...البرلمان المدني، .100
مجلة المفكر جامعة محمد خيضر بسكرة ،العدد العاشر.2014 ،
نورين بومدين ،بلقلة براهيم ،الطابع الريعي لالقتصاد الجزائري وعالقته بظاهرة .101
المرض الهولندي ،مجلة الدراسات االقتصادية والمالية ،جامعة حمة لخضر بالوادي،
المجلد ،11العدد.2018 ،01
569
قائمة المصادر والمراجع
هشام طلعت عبد الحكيم ،عماد عبد الحسين دلول ،حوكمة الشركات ودورها في .102
التقييم العادل لألسهم العادية (دراسة تطبيقية في سوق العرق لألوراق المالية) ،مجلة اإلدارة
واالقتصاد ،العدد .2009 ،77
يمينة حناش ،عبد الكريم كيبش ،دور المجتمع المدني في تفعيل الديمقراطية .103
التشاركية " الميزانية التشاركية " ،الجزائر ،مجلة دارسات وأبحاث المجلة العربية لألبحاث
والدراسات في العلوم اإلنسانية واالجتماعية ،مجلد ،11عدد.2019 ،2
يوسف الزوجال ،قراءة نقدية في حاور مشروع إصالح القانون التنظيمي للمالية .104
بالمغرب على ضوء المستجدات التشريعية ،منشورات مجلة الحقوق ،سلسلة االعداد
الخاص العدد .2013 ،06
يوسف بن يزة ،مبروك ساحلي ،الحوكمة كألية لتفعيل الشراكة بين القطاعين العام .105
والخاص ،دفاتر السياسة والقانون ،المجلد ،11العدد الثاني ،جوان .2019
يوسف حميطوش ،إشكالية المجتمع المني في الجزائر ،مجلة المفكر ،جامعة .106
محمد خيضر –بسكرة ،العدد الثاني عشر .2018،
جـ -الملتقيات والندوات
إلهام محمد عبد الملك المتوكل ،أجهزة الرقابة المالية العليا وفاعليتها في الرقابة -1
اإلدارية والمالية ،دراسة تطبيقية على الجمهورية اليمنية :في بحوث ومناقشات الندوة التي
أقامتها المنظمة العربي لمكافحة الفساد بعنوان " المساءلة والمحاسبة ،تشريعاتها وآلياتها
في االقطار العربية " ،يومي 7و 8فيفري 2007ببيروت ،الطبعة األولى.2007 ،
-2براق محمد ،موساوي ياقوت ،المسؤولية االجتماعية في إطار حوكمة الشركات ،ملتقى
آليات حوكمة المؤسسات ومتطلبات تحقيق التنمية المستدامة ،ورقلة26-25 ،
نوفمبر.2013
-3بوفليح نبيل ،طرش محمد ،حوكمة الحسابات الخاصة للخزينة العامة في الجزائر " صندوق
ضبط الموارد نموذجا " ،الملتقى الوطني الثاني حول متطلبات إرساء الحوكمة في إدارة
الميزانية جامعة البويرة 31-31 ،أكتوبر .2012
-4رشيد بوكساني ،نسيمة أوكيل ،أجهزة الرقابة المالية على األنشطة الحكومية حالة الجزائر،
المؤتمر العربي األول للتطوير واإلصالح اإلداري من أجل رفع كفاءة األداء المؤسسي
ومواجهة الفساد عمان 28-26 ،أكتوبر.2008
570
قائمة المصادر والمراجع
-5رشيد قاعدة ،المقاربة الموازناتية الجديدة :األهداف والصعوبات ،دراسة مقدمة لليوم
الدراسي المعنون :النظام االقتصادي الجديد في المغرب الشروط والمرافقة يوم 15مارس
،2019بجامعة موالي اسماعيل مكناس ،المغرب.2019،
-6زياد حافظ ،أوضاع االقطار النفطية وغير النفطية ،في :دولة الرفاهية االجتماعية بحوث
ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع المعهد
السويدي باإلسكندرية ،بيروت ،الطبعة األولى.2006 ،
-7شوقي بورقبة ،التمييز بين الكفاءة والفعالية والفاعلية واألداء ،المملكة العربية السعودية:
ورقة بحث مقدمة فضمن فعاليات حوار األربعاء العلمي ،جامعة الملك عبد العزيز-09 ،
.2010-06
- -8عامر خياط ،مفهوم الفساد ،ورقة مقدمة لندوة :المشاريع الدولية لمكافحة الفساد والدعوة
لإلصالح السياسي واالقتصادي في األقطار العربية ،الطبعة األولى ،المنظمة العربية
لمكافحة الفساد بيروت.2006 .
-9عامر خياط ،مفهوم الفساد ،ورقة مقدمة لندوة :المشاريع الدولية لمكافحة الفساد والدعوة
لإلصالح السياسي واالقتصادي في األقطار العربية ،الطبعة األولى ،المنظمة العربية
لمكافحة الفساد ،2006 ،بيروت.
عبد القادر بريش ،زهير غراية ،دور القطاع الخاص في الجزائر في تعميق -10
مبادئ وممارسات المسؤولية االجتماعية للشركات ،مداخلة في المؤتمر الدولي الثالث حول
" منظمات األعمال والمسؤولية االجتماعية " ،جامعة بشار ،يومي 15/14فيفري .2012
عبد الوحيد صرارمة ،الرقابة على األموال العمومية كأداة لتحسين التسيير -11
الحكومي ،مداخلة في الملتقى الدولي العلمي حول األداء المتميز للمنظمات والحكومات،
كلية العلوم االقتصادية والتسيير ،جامعة ورقلة 09/8 ،مارس .2005
عثمان مودن ،فاطمة الحمدان بحير ،التدبير المالي العمومي بالمغرب ومتطلبات -12
نجاعة األداء ،دراسة مقدمة لليوم الدراسي المعنون :النظام االقتصادي الجديد في المغرب
الشروط والمرافقة بجامعة موالي اسماعيل مكناس ،المغرب ،يوم 15مارس .2019
علي الصاوي ،ماهية الشفافية والمساءلة ودورهما في تعزيز التنمية اإلنسانية، -13
ورقة مقدمة للمؤتمر الثالث للجمعية االقتصادية العمانية بالتعاون مع الجمعية الخليجية
وبرنامج األمم المتحدة اإلنمائي حول المساءلة والشفافية ،عمان ،يومي 21و 22مارس
.2009
571
قائمة المصادر والمراجع
علي القادري ،دولة الرفاهية االجتماعية ،لبنان :بحوث ومناقشات الندوة الفكرية -14
التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع المعهد السويدي باإلسكندرية،
،2005الطبعة األولى.2006 ،
عماد الشيخ داود ،الشفافية ومراقبة الفساد ،في الفساد والحكم الصالح في البالد -15
العربية ،بحوث مناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون
مع المعهد السويدي باإلسكندرية بيروت سنة ،2004الطبعة الثانية.2006 ،
غسان علي سالمة ،الحوكمة في ظل العولمة :جامعة الجنان ،المؤتمر العلمي -16
الدولي ،عولمة اإلدارة في عصر المعرفة ،لبنان17-15 ،ديسمبر.2012 .
قوي بوحنية ،دور حركات المجتمع المدني في تعزيز الحكم الراشد ،مداخلة في -17
ملتقى التحوالت السياسية واشكالية التنمية في الجزائر :واقع وتحديات ،جامعة حسيبة بن
بوعلي بالشلف 17-16،ديسمبر .2008
كمال بن موسى ،عبد الرحمان عية ،التحويالت االجتماعية في اإلنفاق الحكومي -18
الجزائري ،آثارها على ذوي الدخول المحدودة ،مداخلة في الملتقى الدولي حول تقييم
سياسيات اإلقالل من الفقر في الدول العربية في ظل العولمة ،جامعة الجزائر -8 ،03
9ديسمبر .2014
ليلى البرادعي ،الحكمانية والهيئات الدولية في مجال التعاون التنموي ،في -19
الحكم الرشيد والتنمية ،مصر :مركز دراسات بحوث الدول النامية ،أعمال مؤتمر يومي
31-30مارس ،القاهرة.2003 ،
محمد حركات ،استقاللية أجهزة الرقابة المالية ،وعدم اخضاعها للمؤثرات -20
السياسية الضامن األساسي لفعاليتها في أداء مهماها ،ورقة مقدمة لندوة :الرقابة المالية
في األقطار العربية ،بحوث ومناقشات الندوة التي أقامتها المنظمة العربية لمكافحة الفساد،
الطبعة األولى ،لبنان.2009 ،
محمد عابد الجابري ،مداخلة في ندوة "الحكم والتنمية االقتصادية واالجتماعية -21
ومكافحة الفقر" عقدتها اإليسكوا (اللجنة االقتصادية واالجتماعية لغرب آسيا التابعة لألمم
المتحدة) بالقاهرة ما بين 13-11نوفمبر .2001
مساهل ساسية ،المراجعات الفكرية للنظريات االقتصادية الرأسمالية في ظل -22
األزمات االقتصادية ،ملتقى دولي حول :األزمة المالية واالقتصادية الدولية والحكومة
العالمية ،جامعة فرحات عباس-سطيف ،يومي 21-20اكتوبر .2009
572
قائمة المصادر والمراجع
مصطفى بورنان ،أبوبكر بوسالم ،كفاءة الرقابة المالية كآلية لترشيد اإلنفاق العام -23
" مقاربة نظرية " ،الجزائر :جامعة العربي التبسي –تبسة :ملتقى دولي "اإلنفاق البيئي:
بين حاجات التنمية ومتطلبات الحكم الراشد"13 ،و 14مارس .2018
منير الحمش ،العولمة ودولة الرفاهية ،في :دولة الرفاهية االجتماعية بحوث -24
ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع المعهد
السويدي باإلسكندرية ،بيروت ،الطبعة األولى.2006 ،
-25نبيل بوفليح ،طرشي محمد ،حوكمة الحسابات الخاصة للخزينة العمومية في الجزائر،
صندوق ضبط الموارد نموذجا" ،مداخلة ضمن فعاليات الملتقى الوطني " إرساء مبادى
الحوكمة في إدارة الميزانية العامة للدولة " ،جامعة البويرة 31-30 ،أكتوبر .2012
ندير المومني ،دور البرلمان في إعداد ،مراقبة وتقييم السياسيات العمومية -26
(حالة المغرب) ورقة مقدمة لمشروع "تعزيز حكم القانون والنزاهة في الدول العربية "،
المركز العربي لتطوير حكم القانون والنزاهة ،لبنان .2007،
الرسائل العلمية:
.1أحمد صادق زاوي ،الحكم الراشد ،المؤسسات والنمو االقتصادي ،العوامل المؤسساتية
والنمو االقتصادي ،أطروحة دكتوراه في العلوم االقتصادية ،فرع اقتصاد التنمية ،جامعة
أبي بكر بلقايد-تلمسان.2017-2016 ،-
.2أحمد نعيمي ،دور الرقابة على الموازنة العامة في ترشيد اإلنفاق العمومي ،أطروحة دكتوراه
في علوم التسيير ،جامعة الجزائر.2016/2015 ،3
.3إسحاق خديجة ،سياسية المالية العامة المضادة للدورات النفطية ،أطروحة دكتوراه في
العلوم االقتصادية ،تخصص تسيير المالية العامة ،جامعة أبوبكر بلقايد -تلمسان،
.2017/2016
.4بوزاهر سيف الدين ،أثر عوائد المحروقات على النمو االقتصادي والحوكمة دارسة تحليلية
وقياسية لحلة االقتصاد الجزائري خالل الفترة ،2017-1995أطروحة دكتوراه في العلوم
االقتصادي ،جامعة ابي بكر بلقايد –تلمسان .2018/2017 ،-
.5بوشعيب زيات ،النظام المالي العالمي وانعكاساته على المالية العامة بالمغرب ،أطروحة
دكتوره في الحقوق شعبة العلوم السياسية ،وحدة التكوين والبحث المالية العامة ،كلية العلوم
القانونية واالقتصادية واالجتماعية الدار البيضاء ،جامعة الحسن الثاني ،المغرب،
.2002/2001
573
قائمة المصادر والمراجع
.6حبيبة نايلي ،اآلليات القانونية لتنفيذ السياسات االقتصادية للدولة ،أطروحة دكتوراه في
القانون العام ،كلية الحقوق ،الجزائر .2016/2015 ،
.7حكيم بوجطو ،عصرنة نظام الموازنة وأهميتها في ترشيد النفقات العامة ،أطروحة دكتوراه
في العلوم االقتصادية ،جامعة سعد دحلب البليدة.2014/2013 ،
.8خالد منة ،دراسة تحليلية نقدية للسياسة الميزانية في الجزائر في ظل اإلصالحات
االقتصادية منذ سنة ،1990أطروحة دكتوراه في العلوم االقتصادية ،فرع التحليل
االقتصادي ،جامعة الجزائر .2015/2014 ،03
.9دنان راضية ،ترشيد سياسة اإلنفاق العام ضمن السياسة الميزانية في ظل التغيرات الدولية،
دراسة حالة الجزائر ( ،2014/1990أطروحة دكتوراه في علوم التسيير ،تخصص نقود
ومالية ،جامعة الجزائر.2016/2015، )3
رابحي أحسن ،مبدأ تدرج المعايير القانونية في النظام القانوني الجزائري ،أطروحة .10
دكتوراه في القانون ،جامعة الجزائر 1بن خدة يوسف ،كلية الحقوق.2006 ،
رحمة زيوش ،الميزانية العامة للدولة في الجزائر ،أطروحة دكتوراه ،كلية الحقوق، .11
جامعة مولود معمري تيزي وزو ،الجزائر.2011،
سارة دباغي ،آليات وسياسات إرساء مبادئ الحكم الراشد وترقيته بالجزائر، .12
أطروحة دكتوراه في العلوم السياسية والعالقات الدولية ،جامعة الجزائر ،03
.2018/2017
سعداوي موسى ،دور الخوصصة في التنمية االقتصادية ،أطروحة دكتوراه ،جامعة .13
الجزائر.2007 ،
سمية بلغنو ،اإلصالحات الهيكلية واإلصالحات المؤسساتية في الجزائر .14
أطروحة دكتوراه ،كلية العلوم االقتصادية والتجارية وعلوم التسيير ،جامعة الجزائر،3
.2015/2014
سيدي محمد شكوري ،وفرة الموارد الطبيعية والنمو :دراسة حالة الجزائر ،أطروحة .15
دكتوراه ،كلية العلوم االقتصادية ،جامعة أبو بكر بلقايد -تلمسان.2012/2011 ،
شعبان فرج ،الحكم الراشد كمدخل حديث لترشيد اإلنفاق العام ،أطروحة دكتوراه .16
في العلوم االقتصادية ،تخصص نقود ومالية ،جامعة الجزائر .2011/2010، 3
صالح زياني ،تطور العالقة بين الدولة والمجتمع –دراسة حالة الجزائر -19962 .17
–1992أطروحة دكتوراه في العلوم السياسية ،جامعة الحاج لخضر باتنة .2003،
574
قائمة المصادر والمراجع
طارق عشور ،فعالية أداء البرلمان العربية :المعوقات وآليات التفعيل دراسة .18
حاالت الجزائر ،المغرب والكويت ،أطروحة دكتوراه في العلوم السياسية ،جامعة باتنة ،01
.2018/2017
عادل بونحاس ،دور الصناديق السيادية في ضبط الميزانية العامة وتخفيض حجم .19
الدين ،دراسة استشرافية لصندوق ضبط اإليرادات الجزائري ،أطروحة دكتوراه في العلوم
االقتصادية ،تخصص اقتصاديات المالية والبنوك ،جامعة أمحمد بوقرة –بومرداس –
. 2019/2018
عبد الرحمان تسابت ،تقييم السياسيات العمومية في الجزائر " مقاربة قطاعية " .20
أطروحة دكتوره في االقتصاد ،تخصص اقتصاد وتسيير عمومين جامعة مصطفى
اسطمبولي –معسكر.2016/2015 ،-
عبد العالي حاحة ،اآلليات القانونية لمكافحة الفساد اإلداري في الجزائر ،أطروحة .21
دكتوراه في الحقوق ،تخصص القانون عام ،جامعة محمد خيضر بسكرة .2013/2012،
عبد العزيز عزة ،قواعد الرقابة المالية وأجهزتها في القانون الوضعي والتشريع .22
االسالمي -دراسة مقارنة – أطروحة دكتوراه ،تخصص شريعة وقانون ،جامعة األمير عبد
القادر قسنطينة.2015/2014 ،
فارس بن علوش ،بن بادي السبيعي ،دور الشافية والمساءلة في الحد من الفساد .23
اإلداري في القطاعات الحكومية ،أطروحة دكتوراه ،قسم العلوم اإلدارية جامعة نايف العربية
للعلوم األمنية ،المملكة العربية السعودية.2010 ،
فتيحة حيمر ،ظاهرة الفساد في الجزائر ،أطروحة دكتوراه في العلوم السياسية .24
والعالقات الدولية ،جامعة الجزائر ،03جوان .2014
فريزة اشهبار ،آليات تدبير القانون المالي ومتطلبات التنمية ،أطروحة دكتوراه في .25
القانون العام ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية جامعة محمد الخامس بالرباط،
المغرب.2010/2009 ،
فضيلة عكاش ،الحوار االجتماعي في الجزائر ،دور الفاعلين االجتماعيين في .26
وضع السياسة التنموية ،أطروحة دكتوراه في العلوم السياسية والعالقات الدولية ،فرع التنظيم
السياسية واإلداري.2010/2009 ،
كريم بركات ،مساهمة المجتمع المدني في حماية البيئة ،أطروحة دكتوراه ،قسم .27
الحقوق ،جامعة مولود معمري تيزي وزو.2013/2012 ،
575
قائمة المصادر والمراجع
ليندة لطا محرز ،المجتمع المدني في الجزائر ،دراسة في األسس واألهداف، .28
أطروحة دكتوراه في العلوم السياسية والعالقات الدولية ،جامعة الجزائر ،03
.2013/2012
محمد الصالح فنيش ،الرقابة على تنفيذ النفقات العمومية في القانون الجزائري، .29
أطروحة دكتوراه ،جامعة بن يوسف بن خدة ،الجزائر .2013،
محمد بن عزة ،ترشيد سياسة اإلنفاق العام بإتباع منهج االنضباط باألهداف، .30
الجزائر :أطروحة دكتوراه ،كلية العلوم االقتصادية والتسيير والعلوم التجارية ،تخصص
تسيير المالية العامة ،جامعة تلمسان.2015/2014 ،
محمد سكلى ،التدبير المالي العمومي ومتطلبات الحكامة المالية العامة ،أطروحة .31
دكتوراه في القانون العام ،كلية الحقوق والعلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،الرباط،
المغرب.2013/2012 ،
محمود شحماط ،قانون الخوصصة في الجزائر ،أطروحة دكتوراه في القانون ،كلية .32
الحقوق جامعة منتوري قسنطينة.2007 ،
مسعود دراوسي ،السياسة المالية ودورها في تحقيق التوزان االقتصادي ،حالة .33
الجزائر ،2004-1990:الجزائر :جامعة الجزائر ،كلية العلوم االقتصادية وعلوم التسيير،
أطروحة دكتوراه.2006/2005 ،
مقدم وهيبة ،تقييم مدى استجابة منظمات األعمال في الجزائر للمسؤولية .34
االجتماعية ،أطروحة دكتوراه في علوم التسيير ،جامعة وهران.2014/2013 ،
نادية مغني ،دراسة وتقييم نظام المحاسبة العمومية في الجزائر على ضوء المعايير .35
المحاسبية الدولية في القطاع العام ،أطروحة دكتوراه في علوم التسيير ،تخصص إدارة
األعمال.2017/2016 ،
ب-رسائل ماجستير
.1بن سعيد مراد ،العقالنية التسييرية في اإلدارة الجزائرية ،رسالة ماجستير ،غير منشورة،
كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة باتنة.2004/2003 ،
.2حمزة برطال ،القانون التكميلي في القانون الجزائري ،رسالة ماجستير ،كلية الحقوق ،جامعة
الجزائر.2009 ،
.3خلفة نادية ،مكانة المجتمع المدني في الدساتير الجزائرية ،رسالة ماجستير ،جامعة الحاج
لخضر باتنة.2008 ،
576
قائمة المصادر والمراجع
.4رضوان بروسي ،الدمقرطة والحكم الراشد في افريقيا :دراسة في المداخل النظرية ،اآلليات
والعمليات ،ومؤشرات نوعية الحكم ،رسالة ماجستير ،كلية الحقو ق والعلوم السياسية،
جامعة باتنة.2009/2008 ،
.5عادل حابسة ،فعالية الرقابة البرلمانية على المالية العامة في الجزائر ،رسالة ماجستير،
جامعة الجزائر ،1يوسف بن خدة ،كلية الحقوق.2011،
.6مايغا بوبكري ،إشكالية الحكم الرشيد في المسار الديمقراطي لبوركينافاسو ،رسالة ماجستير،
كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة الجزائر.2003 ،
ثالثا/المراجع اإللكترونية
األمم المتحدة ،لجنة حقوق االنسان ،الدورة السادسة والخمسون ،القرار .2000/64على
الرابط
https://www.ohchr.org/ar/Issues/Development/GoodGovernance/Pages/
GoodGovernanceIndex.aspx
http://hrlibrary.umn.edu/arab/COHR2000-64.htm
البنك الدولي ،تقرير عن التنمية في العالم -الدولة في عالم متغير ،1997/09/01-
Http://documents.albankaldawli.org/curated/ar/142321468338941655/
World-development-report-1997-the-sta
صندوق النقد الدولي ،البيان الصحفي رقم 17-90المتعلق باختتام بعثات صندوق النقد
الدولي إلى الجزائر في إطار مشاورات المادة الرابعة20 ،مارس 2017على الرابط:
Https://www.imf.org/ar/News/Articles/2017/03/20/pr1790-algeria-imf-
staff-completes-2017-article-iv-mission
المملكة المغربية ،فريق العمل الوطني لو ازرة المالية والخوصصة وللبنك الدولي ،دراسة
تقييم تدبير أنظمة المالية العمومية ،مارس .2007على الرابط:
Http://web.worldbank.org/archive/website01020/WEB/IMAGES/CFAA_A
RA.PDF
صندوق النقد الدولي ،صحيفة وقائع ،كيف يشجع البنك الدولي زيادة شفافية المالية
العامة ،2011 ،على الرابط:
https://www.imf.org/external/arabic/np/exr/facts/pdf/fiscala.pd
577
قائمة المصادر والمراجع
الموازنة المفتوحة ،التقرير النهائي لعام 2008المعنون ب ــ" تغير في نوعية الحياة " على
الرابط:
Https://www.internationalbudget.org/wp-content/uploads/OBS2008-
report_final_AR.pdf
شراكة الميزانية الدولية ،الميزانية المفتوحة ،2017على الرابط:
Https://www.internationalbudget.org/publications/open-budgetsurvey-
2017
صندوق النقد الدولي ،صحيفة الوقائع ،الصندوق والحكومة السليمة ،مارس .2016
لالطالع على صحيفة الوقائع على الرابط الرسمي لصندوق النقد الدولي
http://www.imf.org/external/np/exr/facts/fiscal.htm
صندوق النقد الدولي ،ميثاق الممارسات السليمة في مجال شفافية المالية العامة ،2007
على الرابط:
Https://www.imf.org/external/np/fad/trans/ara/codea.pdf
تقارير مراعاة االمتثال للمعايير والمواثيق في مجال المالية العامة .على الرابط التالي:
Http://www.imf.org/external/np/rosc/rosc.asp?Sort=topic#fiscaltranspare
ncy
البنك الدولي ،التقرير السنوي للبنك الدولي ،2005على الرابط:
Http://documents.worldbank.org/curated/en/248641468779702576/pdf/
3240300REV0v10ARABIC0PAPER0WBAR020050.pdf
الميثاق اإلفريقي للديمقراطية واالنتخابات والحكم المعتمد في جويلية 2006بجامبيا ،على
الموقعhttps://au.int/sites/default/files/treaties/36384-treaty-0034_- :
_african_charter_on_democracy_elections_and_governance_a.pdf
مكتب العمل الدولي ،الشراكات بين القطاعين العام والخاص ،جنيف ،مارس 2008على
الرابط:
Https://www.ilo.org/wcmsp5/groups/public/---ed_norm/-
relconf/documents/meetingdocument/wcms_090544.pdf
البرنامج اإلنمائي لألمم المتحدة ،أدلة التنمية البشرية ومؤشراتها :التحديث االحصائي لعام
،2018مكتب تقرير التنمية البشرية ،نيويورك .2018 ،على الرابط:
Http://hdr.undp.org/sites/default/files/2018_human_development_statisti
cal_update_ar.pdf
578
قائمة المصادر والمراجع
http://hrlibrary.umn.edu/arab/COHR2000-64.htm
Https://www.imf.org/ar/News/Articles/2017/03/20/pr1790-
algeria-imf-staff-completes-2017-article-iv-mission
المملكة المغربية ،فريق العمل الوطني لو ازرة المالية والخوصصة وللبنك الدولي ،دراسة
تقييم تدبير أنظمة المالية العمومية ،مارس .2007على الرابط:
Http://web.worldbank.org/archive/website01020/WEB/IMAGES/CFAA_A
RA.PDF
صندوق النقد الدولي ،صحيفة وقائع ،كيف يشجع البنك الدولي زيادة شفافية المالية
العامة ،2011 ،على الرابط:
https://www.imf.org/external/arabic/np/exr/facts/pdf/fiscala.pd
الموازنة المفتوحة ،التقرير النهائي لعام 2008المعنون بـ ـ" تغير في نوعية الحياة " على
الرابط:
Https://www.internationalbudget.org/wp-content/uploads/OBS2008-
report_final_AR.pdf
شراكة الميزانية الدولية ،الميزانية المفتوحة ،2017على الرابط:
579
قائمة المصادر والمراجع
Https://www.internationalbudget.org/publications/open-
budgetsurvey-2017
صندوق النقد الدولي ،صحيفة الوقائع ،الصندوق والحكومة السليمة ،مارس .2016
لالطالع على صحيفة الوقائع على الرابط الرسمي لصندوق النقد الدولي
http://www.imf.org/external/np/exr/facts/fiscal.htm
صندوق النقد الدولي ،ميثاق الممارسات السليمة في مجال شفافية المالية العامة ،2007
على الرابط:
Https://www.imf.org/external/np/fad/trans/ara/codea.pdf
تقارير مراعاة االمتثال للمعايير والمواثيق في مجال المالية العامة .على الرابط التالي:
Http://www.imf.org/external/np/rosc/rosc.asp?Sort=topic#fiscaltranspare
ncy
البنك الدولي ،التقرير السنوي للبنك الدولي ،2005على الرابط:
Http://documents.worldbank.org/curated/en/248641468779702576/pdf/
3240300REV0v10ARABIC0PAPER0WBAR020050.pdf
الميثاق اإلفريقي للديمقراطية واالنتخابات والحكم المعتمد في جويلية 2006بجامبيا ،على
الموقعhttps://au.int/sites/default/files/treaties/36384-treaty- :
0034_-
_african_charter_on_democracy_elections_and_governance_a.pdf
موقع جمعية الشفافية الكويتية على الرابط
http://www.transparency.org.kw.au-ti.org/upload/books/239.pdf
مكتب العمل الدولي ،الشراكات بين القطاعين العام والخاص ،جنيف ،مارس 2008على
الرابط:
Https://www.ilo.org/wcmsp5/groups/public/---ed_norm/-
relconf/documents/meetingdocument/wcms_090544.pdf
البرنامج اإلنمائي لألمم المتحدة ،أدلة التنمية البشرية ومؤشراتها :التحديث االحصائي لعام
،2018مكتب تقرير التنمية البشرية ،نيويورك ،2018 ،على الرابط:
Http://hdr.undp.org/sites/default/files/2018_human_development_stat
istical_update_ar.pdf
المنهجية الجديدة لبناء مؤشر مدركات الفساد:
580
قائمة المصادر والمراجع
Https://www.transparency.org/files/content/pressrelease/2012_CPI_F
aqs_Embargo_Ar.pdf
: على الرابط،2018 مؤشرات مدركات الفساد لعام، المنظمة العالمية للشفافية
www.transparency.org/cpi
قائمة المصادر والمرجع بالغة األجنبية:ثالثا
581
قائمة المصادر والمراجع
582
قائمة المصادر والمراجع
583
قائمة المصادر والمراجع
584
قائمة المصادر والمراجع
585
قائمة المصادر والمراجع
586
قائمة المصادر والمراجع
587
قائمة المصادر والمراجع
588
قائمة المصادر والمراجع
589
قائمة المصادر والمراجع
590
قائمة المصادر والمراجع
591
قائمة المصادر والمراجع
592
قائمة المصادر والمراجع
593
قائمة المصادر والمراجع
594
قائمة المصادر والمراجع
595
قائمة المصادر والمراجع
bordeaux4.fr/sites/afrilex/img/pdf/article_reflexion_sur_le_cadre_harm
onise_des_finances_publiques_uemoa_bordeaux.pdf
80- Oliver Kask (Membre, Estonie), Bilan-Sur Les Notions De "
Bonne Gouvernanceet De Bonne Administration", Commission
Europeenne Pour La Democratie Par Le Droit (Commission De
Venise), Etude N 470 / 2008, Strasbourg, 9 Mars 2011, Voir Le Site
:<Http: Www.Venice. Coe.Int.
81- Pierre Cliche, gestion budgétaire et dépenses publiques :
description comparée des processus, évolutions et enjeux
budgétaires du Québec, Presses de l’Universite du Québec 2009.
82- Rémy Herrera, The neoliberal "Rebirth” of development
economics, Centre d’economie de la Sorbonne UMR 8174, 2006. P
5https://halshs.archives-ouvertes.fr/halshs-00113514/document.
83- Robert Miller. The Ecology of governance and parliamentary
accountability". In parliamentary center World Bank institute,
parliamentary accountability and good governance, p10
84- Ronald Paul Hill et al., Corporate Social Responsibility and
Socially Responsible Investing: A Global Perspective, Journal of
Business Ethics, 2007.
85- Santini Jean-Jacques. La politique budgétaire britannique. In:
Économie & prévision, n°73, 1986-2.
86- Santiso Carlos, « Combattre la corruption et améliorer la
gouvernance financière : les institutions financières internationales et
le renforcement du contrôle budgétaire dans les pays en
développement », Revue française d'administration publique, 2006/3
no 119.
87- Sébastian Damart, le manager en mode LOLF ou le nécessité du
retour du manger intégratif, RFFP, 2017 n° 137.
596
قائمة المصادر والمراجع
597
قائمة المصادر والمراجع
598
قائمة المصادر والمراجع
599
قائمة المصادر والمراجع
6- https://pure.coventry.ac.uk/ws/portalfiles/portal/19285795/Cra
wford_Kacarska_JIRDFinal_SentforProofs_March2017_1_.pdf
7- M.t. Bouara , La Loi De Finances En Algerie These Pour
L’obtention Du Doctorat D’etat En Droit Public, Universite
D’alger- Benyoucef Benkhedda, Faculte De Droit, 2005/2006.
8- Saturninus Kasozi- Mulindwa, “The Process and Outcomes
of Participatory Budgeting in a Decentralised Local
Government Framework: A Case InUGANDA”, Doctoral
Thesis: Department of Finance and Accounting, College of
Social Sciences, University of Birmingham, October 2013.
9- Thomas ROCA, la gouvernance a l’heure du consensus post-
washington : les limites theoriques et methodologiques d’un
concept proteiforme, universite montesquieu- bordeaux iv
these, doctorat en sciences economiques, 2011.
10- Zagainova Anastassiya. La corruption institutionnalisée :
un nouveau concept issu de l'analyse du monde émergent.
Thèse de doctorat, préparée au sein de l'école doctorale
"sciences économiques", : université de Grenoble. France
2012.
11- Mourad Ouchichi, L’obstacle politique aux réformes
économiques en Algérie, Thèse de Doctorat en Sciences
politique, Université Lumière Lyon 2. France ,2011.
Séminaires
1- Alta Fölsche, Bonne Gouvernance Dans La Préparation Et
L’exécution Du Budget, 6 E Séminaire Annuel De Cabri, Bonn
Gouvernance Financière Vers Une Budgétisation Moderne, A
Maurice, 18-19 Mai 2012.
600
قائمة المصادر والمراجع
601
قائمة المصادر والمراجع
602
قائمة المصادر والمراجع
603
قائمة المصادر والمراجع
604
قائمة المصادر والمراجع
https://www.banquemondiale.org/fr/news/press-
release/2014/06/26/latest-assessment-african-policies-
institutions-mixed-performance-conflict-instability-blunt-progress
Ministère des finances, Projet de Modernisation des systèmes
Budgétaires (Titre de service de consultant: assistance technique
au pilotage général du Projet de Modernisation des Systèmes
Budgétaires), [on line], Alger, , Sur le site suivant ::
Http://www.mf.gov.dz/documentation/AMI%20Pilotage%20projet%20ms
b.pdf
605
قائمة المصادر والمراجع
606
الف ـ ـ ـ ــهرس
الفهرس ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفهرس
شكر وعرفان
قائمة المختصرات
مقدمة
الفصل التمهيدي :المقاربة المفاهيمية للحكامة14........................................
المبحث األول :الحكامة بين المقاربة المؤسساتية والمقاربة األكاديمية17.....................
المطلب األول :الحكامة من منظور المؤسسات الدولية والجهوية واإلقليمية18......................
-المقاربة المؤسساتية -
-الفرع األول :الحكامة في أدبيات المؤسسات الدولية19.....................................
-الفرع الثاني :الحكامة في أدبيات المنظمات القارية واإلقليمية25............................
المطلب الثاني :الحكامة في منظور مراكز البحث واسهامات األكاديميين28.......................
-المقاربة األكاديمية -
-الفرع األول :الحكامة من منظور مراكز البحث28........................................
-الفرع الثاني :الحكامة في منظور إسهامات الباحثين30....................................
المبحث الثاني :فواعل الحكامة ومعايير ومؤشرات قياسها38.................................
المطلب األول :فواعل الحكامة 39...............................................................
-الفرع األول :الدولة والمؤسسات الرسمية 40...............................................
-الفرع الثاني :المجتمع المدني 53.........................................................
-الفرع الثالث :القطاع الخاص 58..........................................................
المطلب الثاني :معايير ومؤشرات الحكامة 66....................................................
-الفرع األول :معايير ومؤشرات الحكامة في أدبيات المنظمات الحكومية 67.................
-الفرع الثاني :معايير ومؤشرات الحكامة في بعض أدبيات المنظمات غير الحكومية73......
المطلب الثالث :الحكامة في الجزائر77........................................................ .
-الفرع األول :الحكامة في النصوص القانونية78...........................................
-الفرع الثاني :مسار تطور مفهوم الحكامة في الجزائر81...................................
608
الفهرس ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-الفرع الثالث :اسهامات بعض الباحثين الجزائريين في تعريف الحكامة84...................
الباب األول :الحكامة المالية كمدخل حديث لتجسيد فعالية اإلنفاق العام
الفصل األول :تطور مفهوم المالية العامة وتحوالت سياسة اإلنفاق العام91...............
المبحث األول :اإلطار المفاهيمي لتحوالت المالية العامة وسياسية اإل نفاق العام91...........
المطلب األول عموميات عن المالية العامة 92...................................................
-الفرع األول :تعريف المالية العامة 92.....................................................
-الفرع الثاني :تعريف الميزانية العامة للدولة93.............................................
-الفرع الثالث :تعريف اإلنفاق العام 96........................................................
-الفرع الرابع :ارتباط تطور مفهوم المالية العامة بدور الدولة99..............................
المطلب الثاني :المالية العامة في ظل تحوالت دور الدولة100....................................
-الفرع األول :من المالية العامة المحايدة إلى المالية العامة التدخلية100...................
-الفرع الثاني :من الدولة الحارسة إلى الدولة المتدخلة102.................................
-الفرع الثالث :من الميزانية المحايدة إلى الميزانية التدخلية105..............................
-الفرع الرابع :توجهات سياسية اإلنفاق العام من االهتمام بالحجم إلى المحتوى107...........
المبحث الثالث :المالية العامة في ظل التوجه نحو الحكامة المالية110......................
المطلب األول :المالية العامة في ظل الدولة الليبرالية الجديدة 111..............................
-الفرع األول :دور الدولة بين التراجع وعودة التدخل في ظل أزمة المالية العامة111.........
الفرع الثاني :أزمة المالية العامة بين مطالب الحياد وضرورات التدخل 116......................
المطلب الثاني :إصالح تسيير المالية العامة كمدخل لترشيد إلنفاق العام125 .....................
-الفرع األول :اإلصالح الميزانياتي126....................................................
-الفرع الثاني :اإلنفاق العام في بين سياسات التقشف ومقتضيات الترشيد 131..............
الفصل الثاني اإلطار النظري للحكامة المالية العامة144..................................
المبحث األول :المقاربة المفاهيمية للحكامة المالية142........................................
المطلب األول :المقاربات التحليلية لمفهوم المالية العامة وتأثيرات المفهوم المناجيريالي 143........
-الفرع األول :المقاربة القانونية التقنية للمالية العامة 143...................................
609
الفهرس ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-الفرع الثاني :المقاربة االقتصادية للمالية العامة 144......................................
-الفرع الثالث :المقاربة السيسيولوجية للمالية العامة 146....................................
-الفرع الرابع :المقاربة المناجيريالية للمالية العامة 147......................................
المطلب الثاني :مبر ارت وأسباب ظهور مفهوم الحكامة المالية153................................
-الفرع األول :العولمة 154.................................................................
-الفرع الثاني :تراجع دور الدولة وأزمة األشكال التقليدية للفعل العمومي 157...............
-الفرع الثالث :أزمة مفاهيم المالية العامة 161.............................................
المطلب الثالث :تعريف الحكامة المالية العامة162...............................................
-الفرع األول :التعريف المؤسساتي للحكامة المالية العامة 163.............................
-الفرع الثاني :التعريفات األكاديمية للحاكمة المالية العامة 166.............................
المبحث الثاني :مبادئ ومعايير الحكامة المالية 168........................................
المطلب األول :مبادئ ومعايير الحكامة المالية من منظور المؤسسات المالية الدولية168..........
-الفرع األول :مبادئ ومعايير الحكامة المالية العامة وفق صندوق النقد الدولي169.............
-الفرع الثاني :معايير الحكامة المالية العامة وفق صندوق البنك الدولي173 ...............
المطلب الثاني :معايير الحكامة المالية العامة من منظور المؤسسات الدولية والجهوية180........
-الفرع األول :معايير الحكامة المالية العامة من منظور هيئة االمم المتحدة181........... :
-الفرع الثاني :معايير الحكامة المالية العامة من منظور منظمة التعاون والتنمية
االقتصادية 184...............................................................
-الفرع الثالث :معايير الحكامة المالية العامة من منظور المبادرة العالمية لشفافية المالية
العامة192..................................................................
المبحث الثالث :فواعل الحكامة المالية العامة 198..........................................
المطلب األول :الدولة ومؤسساتها كفاعل في صناعة القرار المالي 199...........................
-الفرع األول :األجهزة الحكومية كفاعل في صناعة القرار المالي العام200..................
-الفرع الثاني :المجتمع المدني كفاعل جديد من منظور الحكامة205........................
المطلب الثاني :األجهزة الخارجية المؤثرة في القرار المالي العام 213.............................
610
الفهرس ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-الفرع األول :المؤسسات المالية الدولية وتوجيه القرار المالي213...........................
-الفرع الثاني :مؤسسات العولمة كفاعل خارجي في القرار المالي العام221..................
الفصل الثالث :حكامة اإل نفاق العام بين رهانات الفعالية وتحقيق العدالة االجتماعية
المبحث األول :حكامة اإل نفاق العام والفاعلين في مجالها 227..............................
المطلب األول :ماهية حكامة اإلنفاق العام 228..................................................
-الفرع األول :تعريف حكامة اإلنفاق العام 228............................................
-الفرع الثاني :المفاهيم المشابهة لحكامة اإلنفاق العام 229.................................
-الفرع الثالث :عوامل نجاح حكامة اإلنفاق العام 234......................................
المطلب الثاني :فواعل حكامة اإلنفاق لعام 236..................................................
-الفرع األول :األجهزة الحكومية الفاعلة 237...............................................
-الفرع الثاني :المجتمع المدني كفاعل في تجسيد رشادة اإلنفاق العام 244...................
-الفرع الثالث :مساهمة القطاع الخاص في تجسيد فعالية اإلنفاق العام247..................
المبحث الثاني :آليات الحكامة المالية وترشيد اإلنفاق العام 250............................
المطلب األول :الشفافية كآلية لتحقيق ترشيد اإلنفاق العام250....................................
-الفرع األول :مفهوم شفافية المالية العامة251.............................................
-الفرع الثاني :أهمية شفافية المالية العامة252.............................................
-الفرع الثالث :عوائق شفافية اإلنفاق العام252 ............................................
المطلب الثاني :المشاركة والمساءلة ودورهما في تحقيق حكامة اإلنفاق العام255..................
-الفرع األول :تفعيل مشاركة البرلمان والمجتمع المدني 256................................
-الفرع الثاني :تفعيل آليات المساءلة لضمان حكامة اإلنفاق العام 259......................
المبحث الثالث :الرقابة ومحاربة الفساد لتجسيد حكامة اإلنفاق العام263....................
المطلب األول :الرقابة كآلية لحكامة اإلنفاق العام264............................................
-الفرع االول :ماهية الرقابة المالي ة264 ....................................................
-الفرع الثاني :أهداف الرقابة المالية وأنواعها265 ..........................................
-الفرع الثالث :رهانات ترشيد اإلنفاق العام في ظل األساليب الحديثة للرقابة271.............
611
الفهرس ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المطلب الثالث :مكافحة الفساد كألية لحماية المال العام وتجسيد الحكامة المالية274 ..............
-الفرع األول :عالقة الفساد بالحكامة276..................................................
-الفرع الثاني :أهمية الحكامة المالية في مكافحة الفساد277 ................................
المبحث الرابع :مقاربة المؤسسات المالية الدولية لحكامة اإل نفاق العام279 .................
المطلب األول :إصالح تسيير المالية العامة280.................................................
-الفرع االول :التسيير المبني على النتائج281..............................................
-الفرع الثاني :إطار تسيير المالية العامة المتوسط األجل285 ..............................
المطلب الثاني :مرتكزات المقاربة المناجيريالية للتسيير المالي والميزانياتي287 ....................
-الفرع األول :من منطق الوسائل إلى منطق النتائج 288 ..................................
-الفرع الثاني :التخطيط االستراتيجي287 ..................................................
-الفرع الثالث :إقرار شمولية االعتمادات وأسلوب التعاقد والشراكة289 ......................
-الفرع الرابع :حرية للمسيرين ومساءلة أكبر290............................................
-الفرع الخامس :التركيز على النوع االجتماعي290.........................................
المطلب الثالث :ضرورة اصالح سياسية تسيير اإلنفاق العام291.................................
-الفرع االول :تخفيض اإلنفاق العام300...................................................
-الفرع الثاني :إعادة توجيه اإلنفاق العام 292..............................................
-الفرع الثالث :ترشيد اإلنفاق االجتماعي وسياسات الدعم293..............................
-الفرع الرابع :تطبيق المعايير الدولية المتعلقة بكفاءة وفعالية اإلنفاق العام294...............
خالصة الباب األول 295...............................................................
الباب الثاني :سياسة اإلنفاق العام بين توجهات اإلصالح المالي والميزانياتي وآفاق الحكامة
المالية في الجزائر 299........................................................................
الفصل األول :تجارب ترشيد اإلنفاق العام في القانون المقارن305.......................
المبحث األول :ترشيد اإلنفاق العام من خالل القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية
305............................................................................... LOLF
المطلب األول :مكونات اإلصالح وأهدافه306 ..................................................
612
الفهرس ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-الفرع األول :مكونات اإلصالح306......................................................
-الفرع الثاني :نحو تجديد الديمقراطية السياسية وتقوية دور البرلمان في المجال المالي311...
المطلب الثاني :ابتكارات LOLFومدى تجسيدها لحكامة اإلنفاق العام316 .......................
-الفرع األول :اعتماد نظام جديد للمسؤولية وتعزيز شفافية وصدقية القرار المالي317........
-الفرع الثاني :مدى نجاح التجربة الفرنسية في ترشيد اإلنفاق العام323......................
المبحث الثاني :اإلصالح الميزانياتي في المغرب ورهانات تجسيد حكامة اإلنفاق العام328 ...
المطلب األول :السياق العام لإلصالح المالي أسبابه وفلسفته330 ................................
-الفرع األول :أسباب إصالح التسيير الميزانياتي بالمغرب331 .............................
-الفرع الثاني :فلسفة اإلصالح الميزانياتي335 .............................................
المطلب الثاني :محاور اإلصالح الميزانياتي ورهانات ترشيد اإلنفاق العام في المغرب338..........
-الفرع األول :محاور اإلصالح الميزانياتي في ظل تبني القانون التنظيمي 342 ... 130.13
-الفرع الثاني :المبادئ األساسية لترشيد اإلنفاق العمومي في ظل المقاربة الميزانياتية الجديدة
-الفرع الثالث :صعوبات تطبيق مقتضيات الحكامة المالية في ظل القانون 346....130.13
الفصل الثاني :تشخيص وضعية تسيير المالية العامة في الجزائر وتطور مسار اإلصالح
المالي والميزانياتي 353.................................................................
المبحث األول :تشخيص وضعية تسيير المالية العمومية في الجزائر 354...................
المطلب األول :تقادم آليات تسيير المالية العامة واحتكار السلطة التنفيذية للمجال
المالي وضعف الرقابة البرلمانية354 .......................................
-الفرع األول :تقادم آليات تسيير المالية العامة358 ........................................
-الفرع الثاني :احتكار السلطة التنفيذية للمجال المالي وضعف الرقابة البرلمانية358..........
-الفرع الثالث :تعدد أشكال الرقابة وعدم فعاليتها362.......................................
المطلب الثاني :ضعف منهجية التسيير المالي377...............................................
-الفرع األول :إشكالية التسيير المالي العمومي وهيمنة منطق الوسائل377...................
-الفرع الثاني :طغيان هاجس التوازنات المالية380.........................................
-الفرع الثالث :التضخم المستمر لألحكام غير المالية وظاهرة التسيير خارج الميزانية383.....
613
الفهرس ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-الفرع الرابع :ضعف تسيير االعتمادات المالية 387.......................................
المبحث الثاني :تأثيرات العوامل الدولية على تسيير المالية العامة في الجزائر وواقع اإلصالح
في منظور المعايير الدولية للحكامة المالية392.............................................
المطلب األول :تأثيرات العوامل الدولية على تسيير المالية العامة في الجزائر393..................
-الفرع األول :الـتأثير من المشروطية االقتصادية إلى المشروطية السياسية394..............
-الفرع الثاني :آثار المشروطية على سياسة اإلنفاق العام في الجزائر410....................
المطلب الثاني :اإلصالح المالي في الجزائر من منظور المعايير الدولية للحكامة المالية414.......
-الفرع األول :مشروع تحديث أنظمة الميزانية في الجزائر415 ..............................
-الفرع الثاني :اإلطار الميزانياتي الجزائري من منظور المعايير الدولية للحكامة المالية425...
الفصل الثالث :القانون العضوي الجديد للمالية في الجزائر كمدخل لتجسيد الحكامة المالية
العامة وتحقيق فعالية اإلنفاق العام436.................................................
المبحث األول :دواعي تبني القانون العضوي 15/18ومحاوره الرئيسية436...........
المطلب األول :األسباب الداخلية 437..........................................................
-الفرع األول :ضرورة التطابق مع أحكام الدستور والحكامة الجيدة438......................
-الفرع الثاني :تجاوز تقادم اإلطار القانوني المنظم لتسيير المالية العامة439................
-الفرع الثالث :زيادة حجم اإلنفاق العام وغياب الرشادة في تسييره439 .....................
المطلب الثاني :األسباب الخارجية442..........................................................
-الفرع األول :أزمة التسيير العمومي ومحاولة االنتقال للتسيير العمومي الجديد442 .........
-الفرع الثاني :مواكبة تحديات العولمة وضغوط المؤسسات المالية الدولية443...............
المطلب الثالث :أهداف القانون العضوي 15/18ومحاوره الرئيسية444 ..........................
-الفرع األول :أهداف القانون العضوي 15/18المتعلق بقوانين المالية444..................
-الفرع الثاني :المحاور الرئيسية للقانون العضوي 15/18المتعلق بقوانين المالية446.........
614
الفهرس ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المبحث الثاني :ابتكارات القانون العضوي للمالية 15/18ورهان تجسيد حكامة اإلنفاق العام
المطلب األول :نحو تبني مبادئ الشفافية والمشاركة والصدق في عملية تحضير واعتماد قانون
المالية 454 ....................................................................
-الفرع األول :طرق عرض وتقديم مشاريع قوانين المالية نحو مزيد من الشفافية454 .........
-الفرع الثاني :تحضير مشاريع قوانين المالية نحو تبني منظور استراتيجي457...............
-الفرع الثالث :اعتماد قانون المالية ورهان تجسيد الرخصة البرلمانية461....................
المطلب الثاني :نحو تجسيد مبادئ األداء والرقابة الفعالة في عملية تنفيذ ورقابة قانون المالية463..
-الفرع األول :إصالح تنفيذ ورقابة قانون المالية ورهان البحث عن األداء والرقابة الفعالة470.
-الفرع الثاني :الرقابة على تنفيذ قانون المالية نحو تجسيد رقابة األداء وفعالية اإلنفاق العام
المبحث الثالث :القانون العضوي الجديد للمالية في ميزان الحكامة المالية بين المنطق
المناجيريالي والطابع الريعي 488 ............................................
المطلب األول :مدى مساهمة القانون العضوي 15/18في تجسيد معايير الحكامة المالية489.....
-الفرع األول :مدى تجسيد القانون العضوي 15/18لمبدأ الشفافية490.....................
-الفرع الثاني :مدى تحقيق مبدأ المشاركة في القانون العضوي 494.................15/18
-الفرع الثالث :القانون العضوي 15/18ورهان تجسيد اآلليات الحديثة للرقابة 497..........
المطلب الثاني :حدود مساهمة فواعل الحكامة المالية في تجسيد ترشيد اإلنفاق العام في ظل الطابع
الريعي501 ..........................................................................
-الفرع األول :اإلنفاق العام رهين بالطابع الريعي في ظل غياب الحكامة المالية502 ........
-الفرع الثاني :فواعل الحكامة المالية وآفاق تجسيد حكامة اإلنفاق العام507..................
-خالصة الباب الثاني520............................................................. :
خاتمة 524.............................................................................
المالحق 537............................................................................
المصادر والمراجع 546..................................................................
الفهرس 608...........................................................................
615
:ملخص
وشكلت مسألة إصالح تسييرها،عرف النصف الثاني من القرن الماضي تحوالت عميقة أثرت على مفاهيم المالية العامة
في هذا السياق تطرح المؤسسات المالية الدولية ووكاالت التنمية الحكامة،محور اهتمام جميع التخصصات وملتقى تقاطعها
وعلى، األمر الذي جعلها محور اهتمام السياسيين والمسيرين،المالية كمدخل حديث إلصالح الدولة والتسيير المالي العمومي
البحث عن تحقيق ترشيد اإلنفاق العام بين مقتضيات الشرعية وحتميات الفعالية
ُ حيث،نحو أكثر تفصيل القانون والمناجمنت
ومواكبة لذلك شرعت الجزائر في ظل ما يفرضه هذا الوضع في عملية،يعكس التفاعالت المستمرة بين الدولة والسوق والمجتمع
ويشكل التحول من ميزانية الوسائل إلى، متأثرة بعوامل داخلية وأخرى خارجية2001 إصالح تسيير المالية العامة بداية من سنة
جعلت مسار اإلصالح المالي،ميزانية البرامج التي تركز على النتائج واألداء ثورة حقيقية في الممارسات اإلدارية التقليدية
طموح التحول نحو تبني15/18 فحملت نصوص القانون العضوي،والميزانياتي يواجه مقاومة في ظل تجذر الممارسات السابقة
وهو التحدي الحقيقي الذي، لكنها تصطدم بالطابع الريعي للدولة واالقتصاد،مفهوم الحكامة المالية وتجسيد حكامة اإلنفاق العام
.يواجه االنتقال للتسيير المتمحور حول النتائج
، الشفافية، األداء، الفعالية، الترشيد، إصالح، اإلنفاق العام، الحكامة المالية، الحكامة، المالية العامة:الكلمات المفتاحية
. التسيير المتمحور حول النتائج،المقاربة المناجيريالية
Résumé:
La moitié du dernier siècle a connu de profondes mutations affectant les concepts de finances
publiques, depuis la question des réformes de sa gestion a été au centre de l'intérêt de toutes les disciplines
et un point de croisement. Dans ce contexte, les institutions financières internationales et les agences du
développement proposent : la gouvernance financière comme une approche moderne pour la réforme de
l'état et la gestion des finances publiques ce qui en a fait un centre d'intérêt pour les politiques et les
gestionnaires et plus précisément : la loi et le management où la recherche vise la rationalisation des
dépenses publiques entre les exigences de la légitimité et l'impératif d'efficacité, reflètent les interactions
continues entre l'état , le marché et la société conformément à cela , l'Algérie a entamé à la lumière de cette
situation ,impose un processus de réformes de la gestion financière publique de l'année 2001, affectée par
des facteurs internes et d'autres externes, le passage du budget des moyens au budget des programmes, qui
s'appuie sur les résultats et les performances, constitue une vraie résolution dans les pratiques
administratives traditionnelles a mis le parcours de réformes financières et budgétaire face à une résistance
sous les pratiques enracinées antérieures, les textes de loi organique ont porté l'amélioration de transition
vers l'adoption du concept de la gouvernance financière et la concrétisation de la gouvernance des dépenses
publique, cependant ont été confronté à l'aspect de la rente de l'état et l'économie, c'est un vrai défi pour la
transition vers une gestion axée sur les résultats.
Les Mots clés : finances publiques, gouvernance, gouvernance financière, dépenses publiques, réforme,
rationalisation, efficacité, performance, transparence, approche managériale, gestion axe sur les résultats.